البناية
شرح الهداية باب ما تجب فيه الشفعة وما لا تجب قال:
الشفعة واجبة في العقار، وإن كان مما لا يقسم. وقال الشافعي - رَحِمَهُ
اللَّهُ -: لا شفعة فيما لا يقسم؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[باب ما تجب فيه الشفعة وما لا تجب]
[الشفعة في جميع ما بيع من العقار]
م: (باب ما تجب فيه الشفعة وما لا تجب)
ش: أي هذا باب في بيان ما تجب فيه الشفعة وما لا تجب. ولما ذكر تعقب الشفعة
مجملا شرع في بيانه مفصلا، والتفصيل يكون بعد الإجمال.
م: (قال: الشفعة واجبة) ش: أي قال القدوري، وأراد بالوجوب الثبوت لا الوجوب
الذي يكون تاركه آثما م: (في العقار) ش: وهو كل ما له أصل من دار أو ضيعة.
وقال الكرخي في "مختصره": الشفعة واجبة في جميع ما بيع من العقار دون غيره
بسنة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الدور والمنازل
والحوانيت والحانات والفنادق والمزارع والبساتين والأقرحة والأرجاء
والحمامات وسائر العقار إذا وقع البيع على عرصته إن كانت في مصر أو نحوه أو
سواء أو غير ذلك من أرض الإسلام إذا كان ذلك مملوكا لا يجوز بيع مالكه فيه،
فكان البيع بيعا قاطعا ليس فيه خيار شرط، وإن كان فيه خيار شرط وكان الشرط
لمشتريه لا لبائعه ففيه الشفعة، وإن كان لبائعه أو لهما فلا شفعة فيه.
انتهى.
م: (وإن كان) ش: أي العقار م: مما لا يقسم) ش: كالحمام والرحى والنهر
والبئر والطريق.
م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا شفعة فيما لا يقسم) ش: وبه قال
مالك وأحمد في رواية وإسحاق وأبو ثور، وبقولنا قال مالك في رواية وأحمد في
أخرى وابن شريح من الشافعية، وهو قول الثوري أيضا.
ولو كانت البئر واسعة يمكن أن يبني فيها ويجعل بئرين والحمام كثير البيوت
يمكن جعله حمامين أو يمكن أن يجعل كل بينت بيتين، أو الطاحونة كبيرة تجعل
طاحونتين لكل واحدة حجران يثبت فيها الشفعة عند الشافعي على الأصح، وبه قال
أحمد وإن لم يكن كذلك وهو الغالب في هذه العقارات فلا شفعة فيها على الأصح،
كذا في " شرح الوجيز ".
لهم قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا شفعة في بناء ولا
طريق ولا منقبة» والمنقبة الطريق الضيق، رواه ابن الخطاب. وعن عثمان -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: "لا شفعة في بئر ولا نخل".
(11/346)
لأن الشفعة إنما وجبت دفعا لمؤنة القسمة،
وهذا لا يتحقق فيما لا يقسم. ولنا قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
-: «الشفعة في كل شيء، عقار أو ربع»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ولنا حديث جابر عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الشفعة في كل
شيء» على ما يأتي الآن. وحديث أبي الخطاب غير معروف، وحديث عثمان يمكن أن
يكون مذهبه إن ثبت، والشفعة شرعت لدفع سوء الجوار، وهذا يشمل الكل.
م: (لأن الشفعة إنما وجبت دفعا لمؤنة القسمة) ش: وهو الضرر الذي يلحق
الشريك بأجرة القسام م: (وهذا) ش: أي دفع مؤنة القسمة م: (لا يتحقق فيما لا
يقسم) ش: فلا تجب الشفعة فيه.
م: (ولنا قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الشفعة في كل شيء،
عقار أو ربع» ش: هذا الحديث رواه إسحاق بن راهوية في "مسنده" أخبرنا الفضل
بن موسى ثنا أبو حمزة السكري عن عبد العزيز بن رفيع عن ابن أبي مليكة عن
ابن عباس عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «الشريك
شفيع، والشفعة في كل شيء» .
وروى الطحاوي في " شرح الآثار " حدثنا محمد بن خزيمة بن راشد حدثنا يوسف بن
عدي حدثنا ابن إدريس وهو عبد الله الأودي عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس
قال: «قضى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالشفعة في كل
شيء» .
ومن جهة الطحاوي ذكره عبد الحق في "أحكامه" وزاد في إسناده هو القراطيسي،
يعني يزيد بن عدي. وقال ابن القطان: وهو وهم فيه، ليس في كتاب الطحاوي
ولكنه قلد فيه ابن حزم وقد وجدنا لابن حزم في كتابه كثيرا من ذلك، مثل
تفسيره حماد بأنه ابن زيد ويكون ابن سلمة.
والراوي عنه موسى بن إسماعيل، وتفسيره شيبان بأنه فروخ وإنما هو النحوي وهو
قبيح. فإن صفتهما ليست واحدة، وتفسيره داود عن الشعبي بأنه الطائي وإنما هو
ابن أبي هند، ومثل هذا كثير قد بيناه وضمناه بابا مفردا فيما نظرنا في
كتابه " المحلى ".
(11/347)
إلى غير ذلك من العمومات، ولأن الشفعة
سببها الاتصال في الملك، والحكمة دفع ضرر سوء الجوار على ما مر، وأنه ينتظم
القسمين ما يقسم وما لا يقسم وهو الحمام والرحى والبئر والطريق
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
والقراطيسي إنما هو يوسف يروي عن مالك بن أنس وغيره. وروى عنه الرازيان
قاله أبو حاتم ووثقه هو وأبو زرعة، وأما يوسف بن يزيد القراطيسي فهو أيضا
ثقة جليل مصري ذكره ابن يونس في "تاريخه"، توفي سنة سبع وثمانين ومائتين،
وقد رأى الشافعي، ومولده سنة سبع وثمانين ومائة.
قوله عقار بدل مولد له شيء وقد فسرنا العقار. والربع المنزل الشتاء والصيف
في الربيع. وقيل الدار. ويجمع على ربوع وأرباع وأربع ورباع. وأصله من أربع
بالمكان إذا أقام به. وفي " الجمهرة " الربع المنزل في الشتاء والصيف،
والربع المنزل في الربيع، ويقال الربع الدار حيث كانت م: (إلى غير ذلك من
العمومات) ش: هذا حال من قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -،
والتقدير ولنا قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كذا وكذا منتهيا
إلى غيره من النصوص العامة المتناولة لما يقسم ولما لا يقسم، والعمومات جمع
عموم جمع عام وهي الأحاديث التي مرت فيما مضى.
م: (ولأن الشفعة سببها الاتصال في الملك) ش: أي الاتصال بين الملكين م:
(والحكمة دفع ضرر سوء الجوار) ش: أي الحكمة في مشروعيتها دفع ضرر السوء
الحاصل بسبب الجوار؛ لأن الاتصال على وجه التأبيد والقرار لا يقرر عن ضرر
الدخيل بسبب سوء الصحبة وأذى المجاورة م: (على ما مر) ش: في أوائل كتاب
الشفعة م: (وأنه) ش: أي دفع ضرر سوء الجوار م: (ينتظم القسمين ما يقسم وما
لا يقسم) ش: قوله ما يقسم وما لا يقسم تفسير للقسمين، ويجوز أن يكون حظهما
من الإعراب النصب على البدلية، ويجوز أن يكون الرفع على تقدير أحدهما ما
يقسم والآخر ما لا يقسم م: (وهو) ش: أي ما لا يقسم م: (الحمام) ش: بتشديد
الميم واحد الحمامات المبنية، وأصله من الحميم وهو الماء الجاري.
م: (والرحى) ش: والمراد به بيت الرحى؛ لأن الرحى اسم للحجر، ومنه يقال رحوت
الرحى ورحيتها أنا إذا أدرتها. قال الجوهري: الرحى معروفة مؤنثة، والألف
منقلبة من الياء بقولهما رحيان، وكل من قال: رحاء ورحا وأرحية مثل عطاء
وعطا وأعطية جعلها منقلبة من الواو، ولا أدري ما حجته وما صحته وثلاث أرح،
والكثير أرحاء. وقال الصنعاني في " مجمع البحرين ": يقال في تثنية الرحى
رحوان كما يقال رحيان، وتكتب بالياء والألف.
م: (والبئر والطريق) ش: وكذا النهر والدور والصغار، والحاصل أن المراد بما
لا يقسم أي لا ينتفع به بعد القسمة الحسبية مثل انتفاعه قبل القسمة ويفوت
جنس الانتفاع كما في الحمام؛ لأنه لا يحتمل التجزئ والقسمة في ذاته؛ لأنه
ما من شيء في الدنيا إلا ويحتمل التجزئ في نفسه.
(11/348)
قال: ولا شفعة في العروض والسفن لقوله -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لا شفعة إلا في ربع أو حائط» وهو حجة
على مالك في إيجابها في السفن، ولأن الشفعة إنما وجبت لدفع ضرر سوء الجوار
على الدوام، والملك في المنقول لا يدوم حسب دوامه في العقار.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[لا شفعة في العروض]
م: (قال: ولا شفعة في العروض والسفن) ش: أي قال القدوري "مختصره" والعروض
بضم العين جمع عرض، وهو ما ليس بنقد وقد مر تفسيره من قريب، والسفن بضمتين
جمع سفينة م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لا شفعة إلا
في ربع أو حائط» ش: هذا الحديث رواه البزار في "مسنده" ثنا عمرو بن علي ثنا
أبو عاصم ثنا ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا شفعة إلا
في ربع أو حائط، ولا ينبغي له أن يبيع حتى يستأمر صاحبه، فإن شاء أخذ، وإن
شاء ترك» .
وقال: لا نعلم أحدا يرويه بهذا اللفظ إلا جابر. والعجب من الأترازي مع
ادعائه التعمق في الحديث كيف له أن ينسب هذا الحديث إلى مخرجه؟ بل قال:
ولنا في صحة هذا الحديث نظر وسكت ومضى، على أن أبا حنيفة أيضا رواه عن عطاء
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
«لا شفعة إلا في دار أو عقار» أخرجه البيهقي في "سننه الكبرى". والربع قد
مر في تفسيره، والمراد بالحائط البستان ويجمع على حيطان.
م: (وهو حجة على مالك في إيجابها في السفن) ش: أي الحديث المذكور حجة على
مالك في إيجابه الشفعة في السفن فإنه قال في رواية: إن الشفعة تثبت في جميع
المنقولات كالحيوان والثياب والسفن ونحوها.
وعن أحمد في رواية وتثبت الشفعة فيما لا يقسم كالحجر والسيف والحيوان وما
في معنى وعنه في رواية أخرى أنها تثبت في البناء والغرس أن يبيع منفردا،
وهو قول مالك. وقال الأسبيجابي في "شرح الكافي": ولا شفعة إلا في الأرضين
والدور حيث لا يثبت إلا في المنقول. وقال ابن أبي ليلى: يثبت في المنقول.
وقال القدوري في "شرحه": وقال مالك: يثبت في السفن أيضا.
م: (ولأن الشفعة إنما وجبت لدفع ضرر سوء الجوار على الدوام، والملك في
المنقول لا يدوم حسب دوامه في العقار) ش: أي قدر دوامه وهو بفتح الحاء
وسكون السين، وقيل: يجوز بفتح السين أيضا واختاره الجوهري حتى قال: إنما
يسكن للضرورة.
في " العباب " وحسب بالتحريك وهو فعل بمعنى مفعول مثل نقص بمعنى منقوص.
(11/349)
فلا يتحقق به. وفي بعض نسخ المختصر: ولا
شفعة في البناء والنخل إذا بيعت دون العرصة، وهو صحيح مذكور في الأصل؛ لأنه
لا قرار له فكان نقليا وهذا بخلاف العلو حيث يستحق بالشفعة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ومنه قولهم ليكن عملك بحسب ذلك، أي على قدر عدده، قال الكسائي: يقال ما
أدري ما حسب حديثك ما قدر، وربما سكن في ضرورة الشعر م: (فلا يتحقق به) ش:
أي إذا كان كذلك فلا يلحق المنقول بغير المنقول.
م: (وفي بعض نسخ المختصر) ش: أي مختصر القدوري م: (ولا شفعة في البناء
والنخل إذا بيعت دون العرصة) ش: بفتح العين وسكون الراء وهو كل بقعة من
الدار واسعة ليس فيها بناء، والجمع العراص والعرصات والأعراص، كذا في "
العباب " م: (وهو صحيح) ش: أي المذكور في بعض نسخ " المختصر " وهو الصحيح م
(مذكور في الأصل) ش: أي " المسبوط " م: (لأنه لا قرار له فكان نقليا) ش: أي
البناء أو النخل. والشفعة إنما تجب في الأراضي التي يملك رقابها، حتى إن
الأراضي التي جازها الإمام لبيت المال، ويدفع إلى الناس مزارعة، فصار أيهم
فيها بناء وأشجار، فلو بيعت هذه الأراضي فبيعها باطل. وبيع البناء والشجر
يجوز، ولكن لا شفعة فيها. وكذا لو بيعت دار بجنب دار الوقف فلا شفعة للوقف
ولا يأخذها المتولي.
وكذا إذا كانت الدار وقفا على رجل فلا يكون للموقوف عليه الشفعة بسبب هذه
الدار، كذا في " الذخيرة " و" المغني "، ولا يلزم على هذا استحقاق العبد
المأذون والمكاتب الشفعة ولا ملك لهما في رقبة الأرض؛ لأن استحقاقها فيهما
التصرف بالبيع، والشراء قام مقام الشفعة ملك الرقبة كما قال أبو حنيفة:
فالشفعة للمشتري الذي له الخيار إذا بيعت دار بجنب تلك الدار المشتراة، مع
أنه لا يقول أما لملك. وعند الثلاثة لا شفعة لشركة الوقف وإن كان الموقوف
عليه معينا. وفي المشتري الذي له الخيار يثبت له الشفعة كما سيجيء إن شاء
الله تعالى.
م: (وهذا بخلاف العلو) ش: أي عدم وجوب الشفعة في البناء، بخلاف العلو م:
(حيث يستحق بالشفعة) ش: أي صاحب السفل يأخذه بالشفعة. وقال الكرخي في
"مختصره": وإن بيع سفل عقار دون علوه أو علوه دون سفله أو هما وجبت فيها
الشفعة بيعا جميعا، أو كل واحد منهما على انفراده.
وقال أبو يوسف: إن وجوب الشفعة في السفل والعلو استحسان، روى ذلك عنه ابن
سماعة وبشر بن الوليد وعلي بن الجعد. وقال القدوري في "شرحه" أما إذا بيعا
جميعا فلا شبهة فيه؛ لأنه باع العرصة بحقوقها لتعلق الشفعة بجميع ذلك، وأما
إذا باع السفل دون العلو لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا
شفعة إلا في ربع» ولأن المساوي يخاف فيها على وجه الدوام. وأما العلو فلأنه
(11/350)
ويستحق به الشفعة في السفل إذا لم يكن عن
طريق العلو فيه؛ لأنه بما له من حق القرار التحق بالعقار.
قال: والمسلم والذمي في الشفعة سواء
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
حق متعلق بالمنفعة على التأبيد وهو كنفس البقعة، والذي قاله أبو يوسف من
الاستحسان إنما هو في العلو.
وكان القياس أن يجب فيه الشفعة؛ لأنه لا يبقى على وجه الدوام، وإنما
استحسنوا؛ لأن حق الوضع [ ... ] فهو كالعرصة، وقد قال محمد في " الزيادات
": إن العلو إذا انهدم ثم بيع السفل فالشفعة واجبة لصاحب العلو عند أبي
يوسف، ولا شفعة عند محمد، فأجرى أبو يوسف حق الوضع وإن لم يكن هناك بناء
مجرى الملك؛ لأنه حق ثابت على التأبيد كنفس الملك.
وذكر محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الزيادات " أن من باع علوا فاحترق قبل
التسليم بطل البيع، ولم يحك خلافا. قال ابن شاهين: هذا ينبغي أن يكون قوله
خاصة، وأما على قول أبي يوسف فيجب أن لا يبطل البيع لبقاء حق الوضع، ألا
ترى أنه أجراه مجرى العرصة في إيجاب الشفعة، الكل من " شرح القدوري ".
م: (ويستحق به الشفعة في السفل) ش: أي بالعلو الشفعة في السفل بالجوار،
وليس بشريك إذا لم يكن بطريق العلو في السفل، كذا في " الإيضاح " م: (إذا
لم يكن طريق العلو فيه) ش: أي في السفل، وهذا لبيان أن استحقاق الشفعة فيه
بسبب الجوار لا بسبب الشركة، وليس لبيان أن الشفعة لا تجب إذا كان طريق
العلو فيه، بل تجب الشفعة ثمة أيضا لكن بسبب الشركة لا بالجوار، حتى يكون
مقدما على إيجار الملاصق.
ألا ترى إلى ما نص الكرخي في "مختصره" وقال: لو أن رجلا له علو في دار
وطريقه في دار أخرى إلى جنبها فباع صاحب العلو علوه فأصحاب الدار التي فيها
الطريق أولى بالشفعة. انتهى.
وذلك لأنهم شركاء في الطريق وصاحب الدار التي فيها العلو جاز، والشريك في
الطريق أولى من الجار. ولو ترك صاحب الطريق الشفعة وللعلو الجار ملاصق أخذه
بالشفعة مع صاحب السفل؛ لأن كل واحد مهما جار للعلو والتساوي في الجوار،
فوجب التساوي في الشفعة، كذا ذكره القدوري م: (لأنه بما له من حق القرار
التحق بالعقار) ش: أي لأن العلو الذي له حق التعلي التحق بالعقار فتجب فيه
الشفعة.
[المسلم والذمي في الشفعة سواء]
م: (قال: والمسلم والذمي في الشفعة سواء) ش: وبه قال مالك والشافعي، وأكثر
أهل العلم.
(11/351)
للعمومات، ولأنهما يستويان في السبب
والحكمة فيستويان في الاستحقاق، ولهذا يستوي فيه الذكر والأنثى، والصغير
والكبير،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقال أحمد وابن أبي ليلى والحسن البصري وعمر بن عبد العزيز لا شفعة للكافر
على مسلم.
ولنا ما أشار إليه بقوله واحتجوا بما رواه الدارقطني عن أنس أنه - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا شفعة لكافر على مسلم» أشار إليه
بقوله م: (للعمومات) ش: أي بعمومات الأحاديث التي مر ذكرها.
وحديث الدارقطني غريب لم يثبت، ولا يعارض بعموم قوله سبحانه وتعالى:
{وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا}
[النساء: 141] ؛ لأن المراد نفي السبيل حكما لا حقيقة، ونفي السبيل
بالاسترقاق يراد بالإجماع فلا يراد غيره؛ لأن المقتضى لا عموم له.
م: (ولأنهما) ش: أي المسلم والذمي م: (يستويان في السبب) ش: وهذا اتصال
الملك م: (والحكمة) ش: وهي دفع الضرر م: (فيستويان في الاستحقاق) ش: أي في
استحقاق الشفعة م: (ولهذا) ش: أي ولأجل ما ذكرنا من الاستواء في السبب
والحكمة والاستحقاق م: (يستوي فيه) ش: أي في الاستحقاق م: (الذكر والأنثى،
والصغير والكبير) ش: وفي " المبسوط " قال ابن أبي ليلى: لا شفعة في الصغير،
يروى هذا عن النخعي والحارث العكلي؛ لأن الصبي لا يمكنه الأخذ ولا يمكن
انتظاره حتى يبلغ لما فيه من الإضرار بالمشتري.
وليس للمولى الأخذ؛ لأن من لا يملك العفو لا يملك الأخذ لعامة العمومات؛
ولأن سبب الاستحقاق والشركة والجوار فيستوي فيه الصغير والكبير، والصبي
محتاج إلى الأخذ لدفع الضرر في الثاني الحال، وإن لم يكن في الحال والولي
يملك الأخذ كالرد بالعيب نظرا له، وإنما لم يملك العفو؛ لأن فيه إسقاط حقه
وفيه ضرر.
وفي " المبسوط ": يثبت حق الشفعة للحمل الذي لم يولد؛ لأنه من أهل الملك
بالإرث، حتى لو وضعت الحبلى حملها وقد ثبت نسبة شرك الورثة في الشفعة، وإن
كان الوضع بعد البيع لأكثر من ستة أشهر. وكذا لو كان من أهل البدع له
الشفعة عند العامة كالفاسق بالأعمال. وعن أحمد لا شفعة لغلاة الروافض الذي
يحكم بكفرهم؛ لأنه لا شفعة لكافر على مسلم.
وقال الكرخي في "مختصره": فأهل الإسلام في استحقاق الشفعة وأهل الذمة
والمستأمنون من أهل الحرب والعبيد المأذون لهم في التجارة والأحرار
والمكاتبون والمعتق بعضه في وجوب الشفعة لهم وعليهم سواء.
وكذلك النساء والصبيان فيما وجب لهم أو وجب عليهم من ذلك سواء، والخصماء
فيما
(11/352)
والباغي والعادل، والحر والعبد إذا كان
مأذونا أو مكاتبا.
قال: وإذا ملك العقار بعوض هو مال وجبت فيه الشفعة؛ لأنه أمكن مراعاة شرط
الشرع فيه، وهو التملك بمثل ما تملك به المشتري صورة أو قيمته على ما مر.
قال: ولا شفعة في الدار التي يتزوج الرجل عليها أو يخالع المرأة بها، أو
يستأجر بها دارا أو غيرها أو يصالح بها عن دم عمد أو يعتق عليها عبدا؛ لأن
الشفعة عندنا إنما تجب في مبادلة المال بالمال لما بينا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يجب على الصبيان آباؤهم فإن لم يكونوا فأوصياء الآباء، فإن لم يكونوا
فالأجداد من قبل الأب، فإن لم يكونوا فأوصياء الأجداد، فإن لم يكونوا
فالإمام والحاكم يقيم لهم من ينوب عنهم، وأهل العدل وأهل البغي في الشفعة
أيضا سواء.
م: (والباغي والعادل، والحر والعبد إذا كان مأذونا أو مكاتبا) ش: قيد بقوله
إذا كان مأذونا؛ لأنه إذا لم يكن مأذونا فلا شفعة له، وإذا كان بائع الدار
غير المولى يستحق المأذون الشفعة بلا خلاف. وإذا كان البائع مولاه يأخذ
بالشفعة أيضا إذا كان عليه دين، كذا في " المبسوط "، وقياس قول الثلاثة أن
يأخذ كما لو لم يكن عليه دين.
[ملك العقار بعوض هو مال هل تجب فيه الشفعة]
م: (قال: وإذا ملك العقار بعوض هو مال وجبت فيه الشفعة) ش: أي قال القدوري،
قيد بقوله بعوض؛ لأنه إذا ملكه بالهبة والصدقة والوصية والإرث لا شفعة له
عند عامة أهل العلم منهم الأئمة الثلاثة. وحكي عن مالك رواية في المنتقل
بصدقة أو هبة فيه الشفعة، وبه قال ابن أبي ليلى ويأخذه الشفيع بقيمته. وقيد
بقوله هو مال احترازا عما إذا لم يكن مالا كالبينة، فإن البيع باطل فلا
شفعة فيه م: (لأنه أمكن مراعاة شرط الشرع فيه وهو التملك بمثل ما تملك به
المشتري صورة) ش: فيما لا مثل له كالمكيل والموزون والمقدور المتفاوت م:
(أو قيمته) ش: أي فيما لا مثل له وهو الذي يتفاوت آحاده م: (على ما مر) ش:
في فصل ما يؤخذ به المشفوع بقوله ومن اشترى دارا بعرض أخذها الشفيع بقيمته،
وإن اشتراها بمكيل أو موزون أخذها بمثله.
[الشفعة في الدار التي جعلت صداقا]
م: (قال: ولا شفعة في الدار التي يتزوج الرجل عليها) ش: أي قال القدوري،
وذلك بأن جعل الدار صداقها فلا شفعة فيها؛ لأن سببها غير السبب المسبب
ويملك به التملك م: (أو يخالع المرأة بها) ش: بأن تعطي المرأة الدار لزوجها
لتخالع عليها م: (أو يستأجر بها دارا) ش: بأن يجعل الدار أجرة للدار
المستأجرة.
م: (أو غيرها) ش: أي أو يستأجر بها غير الدار بأن جعلها أجرة عبد أو حانوت
أو رحى م: (أو يصالح بها عن دم عمد) ش: بأن يجعل الدار بدل الصلح عن دم
العمد م: (أو يعتق عليها عبدا) ش: بأن قال لعبده أعتقتك على هذه الدار م:
(لأن الشفعة عندنا إنما تجب في مبادلة المال بالمال لما بينا) ش: أراد به
قوله؛ لأنه أمكن مراعاة شرط الشرع ... إلى آخره.
(11/353)
وهذه الأعواض ليست بأموال فإيجاب الشفعة
فيها خلاف المشروع وقلب الموضوع، وعند الشافعي تجب فيها الشفعة؛ لأن هذه
الأعواض متقومة عنده، فأمكن الأخذ بقيمتها إن تعذر بمثلها كما في البيع
بالعرض، بخلاف الهبة؛ لأنه لا عوض فيها رأسا، وقوله يتأتى فيما إذا جعل
شقصا من دار مهرا أو ما يضاهيه؛ لأنه لا شفعة عنده إلا فيه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فإن قلت: أليست الغنيمة حصلت بذلك حتى ذكر قوله؛ لأن الشفعة ... إلى آخره،
وهذا تكرار. قلت: لأن هذا دليل مستقل ذكره استظهارا وإن كان الأول كافيا.
م: (وهذه الأعواض) ش: في تزوج الرجل على الدار وخلع المرأة عليها وجعلها
أخذه في الإجارة وعوض الصلح عن دم العمد والعتق عليها م: (ليست بأموال،
فإيجاب الشفعة فيها خلاف المشروع وقلب الموضوع) ش: وبه قال أحمد في الظاهر
والحسن والشعبي وأبو ثور وابن المنذر.
م: (وعند الشافعي تجب فيها الشفعة) ش: أي في هذه الأشياء، به قال مالك
وأحمد في راوية ابن حامد عنه وابن شبرمة وابن أبي ليلى والحارث العكلي، ثم
اختلفوا بكم يأخذه، فقال مالك وابن شبرمة وابن أبي ليلى يأخذه بقيمة النقص؛
لأنا لو أوجبنا عليه مهر المثل لقومنا البضع على الأجانب.
وقال الشافعي وأبو حامد والعكلي: أخذه بالمهر في التزويج والخلع والمتعة،
بأن صالح على متعتها؛ لأن البدل فيها الأمثل له، فيأخذ بقيمة البدل وهي
المهر: (لأن هذه الأعراض متقومة عنده) ش: أي عند الشافعي، إذ التقويم حكم
شرعي شرع لجعل هذه الأشياء مضمونة لهذه الأعواض. وضمان الشيء قيمة ذلك
الشيء. وكذا المنافع عنده متقومة كالأعيان، فإذا جعل الدار عوضا عن البضع
أو نحوه وقد تعذر على الشفيع الأخذ به فيأخذ بقيمته وهو مهر المثل، كما لو
اشترى بعبد وهو معنى قوله: م: (فأمكن الأخذ بقيمتها إن تعذر بمثلها) ش: أي
بمثل هذه الأشياء، فيأخذ بقيمتها وهو مهر المثل وأجر المثل في التزوج
والخلع والإجارة وقيمة الدار والعبد في الصلح والإعتاق م: (كما في البيع
بالعرض) ش: بأن باع الدار بالعرض فإن الشفيع فيه يأخذ بالقيمة لتعذر المثل.
م: (بخلاف الهبة؛ لأنه لا عوض فيها رأسا) ش: يعني بالكلية والشفعة لا يكون
إلا فيما فيه عوض م: (وقوله يتأتى) ش: أي الشافعي يتحقق م: (فيما إذا جعل
شقصا) ش: أي نصيبا م: (من دار مهرا) ش: إذ لا شفعة عنده في العقار إلا في
الشقص.
م: (أو ما يضاهيه) ش: أي أو جعل ما يضاهي المهر، أي يشابهه بأن جعل شقصا من
الدار بدل الخلع أو الأجرة أو بدل الصلح أو بدل العتق م: (لأنه لا شفعة
عنده إلا فيه) ش: أي لأن الشأن لا شفعة عند الشافعي إلا في الشقص من
العقار؛ لأنه لا يرى الشفعة بالجوار.
(11/354)
ونحن نقول: إن تقوم منافع البضع في النكاح
وغيرها بعقد الإجارة ضروري، فلا يظهر في حق الشفعة. وكذا الدم والعتق غير
متقوم؛ لأن القيمة ما يقوم مقام غيره في المعنى الخاص المطلوب ولا يتحقق
فيهما. وعلى هذا إذا تزوجها بغير مهر ثم فرض لها الدار مهرا؛ لأنه بمنزلة
المفروض في العقد في كونه مقابلا بالبضع.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ونحن نقول: إن تقوم منافع البضع في النكاح وغيرها) ش: أي غير منافع
البضع م: (بعد الإجارة ضروري) ش: إنابة لحظر المحل وصونا لهذا العقد عن
السببية بالإباحة فظهر تقومه في حق هذا المعنى خاصة على خلاف القياس لمكان
الضرورة م: (فلا يظهر) ش: أي التقويم م: (في حق الشفعة) ش: لأن الضروري
يتعذر ولو بقدر الضرورة.
م: (وكذا الدم والعتق غير متقوم) ش: إنما أفردهما بالذكر؛ لأن تقومهما
أبعد؛ لأنهما ليسا بمالين فضلا عن التقوم، واستدل على ذلك بقوله م: (لأن
القيمة ما يقوم مقام غيره في المعنى الخاص المطلوب) ش: وهو المالية؛ لأن
القيمة إنما سميت بها لقيامها مقام الغير، وإنما تقوم مقام الغير باعتبار
المالية لا بغيرها من الأوصاف كالجوهرية والجسمية وغير ذلك، ولا مالية في
الدم والعتق.
فإن قلت: تضمن بالقيمة والمعنى الخاص المطلوب منها السكنى، وكذا الثوب
المعنى الخاص المطلوب منه دفع الحر والبرد ويضمنان بالقيمة.
قلت: بل المعنى الخاص منهما المالية، لكن طريق الانتفاع يختلف، فينتفع
بالدار والسكنى، وفي الغلام بالخدمة واختلاف طرق الانتفاع لا ينافي كون
المعنى الخاص من المشفع به هو المالية، والدليل عليه أن من أتلف ثوب إنسان
أو قلع بناء دار إنسان يضمن قيمتها ولا ذلك إلا باعتبار المالية، وقد لا
يكون الدار للسكنى والثوب للبس.
م: (ولا يتحقق فيهما) ش: أي لا يتحقق المعنى الخاص المطلوب في الدم والعتق؛
لأن العتق إسقاط وإزالة الدم ليس لحق الاستيفاء، وليسا من جنس ما يتمول به
ويدخر م: (وعلى هذا إذا تزوجها بغير مهر ثم فرض لها الدار مهرا) ش: أي لا
يجب فيها الشفعة، وهذا لبيان أن الفرض عند العقد وبعده سواء في كونهما
مقابلا بالبضع م: (لأنه بمنزلة المفروض في العقد في كونه) ش: أي في كون
المفروض بعد العتق م: (مقابلا بالبضع) ش: يعني أنهما جعلا هذه مهرا فيكون
مقابلة البضع فيكون مبادلة مال بما ليس بمال، فلا يجري فيها الشفعة.
فإن قلت: هذا معاوضة بمهر المثل؛ لأنه لما وقع التزوج بغير مهر وجب مهر
بمال فيجري فيها الشفعة.
(11/355)
بخلاف ما إذا باعها بمهر المثل أو بالمسمى
لأنه مبادلة مال بمال.
ولو تزوجها على دار على أن ترد عليه ألفا فلا شفعة في جميع الدار عند أبي
حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقالا: تجب في حصة الألف لأنه مبادلة مالية في
حقه، وهو يقول: معنى البيع فيه تابع، ولهذا ينعقد بلفظ النكاح ولا يفسد
بشرط النكاح فيه ولا شفعة في الأصل، فكذا في التبع، ولأن الشفعة شرعت في
المبادلة المالية المقصودة، حتى إن المضارب إذا باع دارا وفيها ربح لا
يستحق رب المال الشفعة في حصة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قلت: إنهما جعلا الدار مهرا لا بدلا عن مهر المثل، ولا بد للمبادلة من جعل
أحد الشيئين بدلا والآخر مبدلا منه، والعين مبدل فلا يكون بدلا.
م: (بخلاف ما إذا باعها بمهر المثل أو بالمسمى) ش: يعني يجب فيه الشفعة م:
(لأنه مبادلة مال بمال) ش: لا محالة.
وفي " شرح الكافي " ولو صالحها من مهرها على الدار أو صالحها عليه مما يجب
لها المهر فللشفيع فيها الشفعة؛ لأنه حينئذ يكون عوضا عن المهر فيكون تبعا
حقيقة. وقال في " الشامل " صالحه على دار من جراحة خطأ تجب الشفعة؛ لأن
الواجب المال.
فإن قلت: كيف يأخذها والبيع فاسد لجهالة مهر المثل؟
قلت: جاز أن يكون معلوما عندهما، ولأنه جهالة في الساقط فلا يفضي إلى
المنازعة فلا يفسد البيع.
م: (ولو تزوجها على دار على أن ترد عليه ألفا فلا شفعة في جميع الدار عند
أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: هذا في مسائل الأصل، ذكرها تفريعا على
مسألة القدوري، قوله في جميع الدار، أي في شيء منها م: (وقالا: تجب في حصة
الألف) ش: أي يقسم الدار على مهر مثلها وألف درهم فما أصاب الألف تجب فيه
الشفعة، وبه قال أحمد م: (لأنه مبادلة مالية في حقه) ش: أي فيما يخص الألف
م: (وهو يقول) ش: أي أبو حنيفة م: (معنى البيع فيه تابع) ش: للنكاح م:
(ولهذا ينعقد بلفظ النكاح) ش: لكون المقصود وهو النكاح م: (ولا يفسد بشرط
النكاح فيه) ش: أي لو كان البيع أصلا يفسد بشرط النكاح، كما لو قال بعت منك
هذه الدار بألف على أن تزوجي نفسك مني م: (ولا شفعة في الأصل) ش: وهو نفس
الصداق م: (فكذا في التبع) ش: وهو البيع.
م: (ولأن الشفعة) ش: دليل آخر وفيه إشارة إلى دفع ما يقال الشفعة تقتضي
المبادلة المالية، وإما أن تكون هي المقصود فممنوع.
ووجهه أن الشفعة م: (شرعت في المبادلة المالية المقصودة) ش: وهنا المقصود
هو النكاح دون مبادلة المال بالمال م: (حتى إن المضارب إذا باع دارا وفيها
ربح لا يستحق رب المال الشفعة في حصة
(11/356)
الربح لكونه تابعا فيه. قال: أو يصالح
عليها بإنكار، فإن صالح عليها بإقرار وجبت الشفعة. قال رضى الله عنه: هكذا
ذكر في أكثر نسخ المختصر. والصحيح: أو يصالح عنها بإنكار مكان قوله: أو
يصالح عليها؛ لأنه إذا صالح عليها بإنكار بقي الدار في يده فهو بزعم أنها
لم تزل عن ملكه،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الربح) ش: بأن كان رأس المال ألفا فاتجر وربح ألفا ثم اشترى بالألفين دارا
في جوار رب المال ثم باعها بالألفين فإن رب المال لا يستحق الشفعة في حق
المضارب من الربح. م: (لكونه تابعا فيه) ش: أي لكون الربح تابعا لرأس المال
وليس في مقابلة رأس المال شفعة؛ لأن المضارب وكيل رب المال في البيع، وكل
من بيع لا تجب الشفعة له، فكذا لا تجب في البيع.
وفي " الإيضاح " و " المغني ": فلو باع المضارب دارا عن المضاربة ورب المال
شفيعها لا شفعة، سواء كان في الدار ربع أو ضر، وهذا بخلاف ما لو اشترى دارا
ورب المال شفيعها أخذها رب المال وإن وقع الشراء له ولكن في الحكم كأنه مال
ثالث. ألا ترى أنه يقدر أن ينزعه من يده.
وفي " شرح الكافي " ولو باع المضارب دارا من غير المضارب كان لرب المال أن
يأخذها بالشفعة بدار له من المضاربة ويكون له خاصة؛ لأنه جار بدار
المضاربة. ولو باع رب المال دارا له خاصة والمضاربة شفيعها بدار المضاربة،
فإن كان فيها ربح فله أن يأخذها لنفسه؛ لأنه جار بقدر نصيبه، وإن لم يكن
فيها ربح لم يأخذها؛ لأنه ليس لها بجار.
م: (قال: أو يصالح عليها بإنكار، فإن صالح عليها بإقرار وجبت الشفعة) ش: أي
قال القدوري، أي أو يصالح على الدار. والقدوري عطف هذا على قوله أو يعتق
عليها عبدا، وهذه المسألة مختلفة الألفاظ في النسخ، والخطأ فيها من الناسخ،
كذا في " شرح الأقطع "، ولهذا قال صاحب " الهداية " م: (قال: هكذا ذكر في
أكثر نسخ " المختصر ") ش: أي القدوري م: (والصحيح أو يصالح عنها بإنكار
مكان قوله: أو يصالح عليها؛ لأنه إذا صالح عليها بإنكار بقي الدار في يده
فهو يزعم أنها لم تزل عن ملكه) ش: يعني أن المدعى عليه ينكر مبادلة المال
بالمال، ويزعم أنه بقي عليه قديم ملكه، وإنما بذل المال لدفع الخصومة.
بيان ذلك أنه إذا صالح عليها يجب فيها الشفعة، سواء كان الصلح عن إقرار أو
إنكار أو سكوت؛ لأن في زعم المدعي أنه يأخذها عوضا عن حقه. وكذا المدعى
عليه يعطيها عوضا عن المال الذي يدعى عليه فتجب الشفعة؛ لأنه مبادلة مالية
مقصودة، بخلاف ما إذا صالح عنها بإنكار حيث لا تجب فيها الشفعة؛ لأن في زعم
المصالح أن الدار ملكه، وإنما دفع المال افتداء ليمينه فلم يملكها بعوض.
(11/357)
وكذا إذا صالح عنها بسكوت لأنه يحتمل أنه
بذل المال افتداء ليمينه وقطعا لشغب خصمه، كما إذا أنكر صريحا بخلاف ما إذا
صالح عنها بإقرار لأنه معترف بالملك للمدعي، وإنما استفاده بالصلح فكان
مبادلة مالية. أما إذا صالح عليها بإقرار أو سكوت أو إنكار وجبت الشفعة في
جميع ذلك؛ لأنه أخذها عوضا عن حقه في زعمه إذا لم يكن من جنسه فيعامل
بزعمه.
قال: ولا شفعة في هبته لما ذكرنا إلا أن تكون بعوض مشروط؛ لأنه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فكذا إذا صالح منها بسكوت فلا تجب الشفعة أيضا؛ لأنا لا نعلم أنه يملكها
بعوض الجوار أنه دفع المال افتداء ليمينه وقطعا لشغب الخصم، فلا تجب الشفعة
بالشك، وهذا بخلاف ما إذا صالح عنها بإقرار حيث يجب فيها الشفعة؛ لأنه مقر
به ملكها بالمال الصالح عليه. ألا ترى أنهم قالوا: لو استحق المصالح عليه،
والصلح مع سكوت رجع المدعي بالدعوى. ولو كان الصلح مع إقرار رجع بالدار
فبان الفرق بينهما.
م: (وكذا إذا صالح عنها بسكوت) ش: لأنه، أي وكذا لا شفعة فيما إذا صالح عن
الدار بسكوت م: (لأنه يحتمل أنه بذل المال افتداء ليمينه وقطعا لشغب خصمه)
ش: قال السغناقي في " العباب " الشغب بسكون الغين المعجمة يهيج الشر، لا
يقال شغب يعني بالتحريك، وافتداء وقطعا منصوبان على التعليل م: (كما إذا
أنكر صريحا) ش: حيث لا شفعة فيه.
م: (بخلاف ما إذا صالح عنها بإقرار؛ لأنه معترف بالملك للمدعى) ش: لأنه مقر
بأنه ملكها بالمال المصالح عليه وقد مر التحقيق مستوفى م: (وإنما استفاده)
ش: أي الملك م: (بالصلح، فكان مبادلة مالية) ش: فوجبت فيه الشفعة م: (أما
إذا صالح عليها) ش: أي على الدار م: (بإقرار أو سكوت أو إنكار وجبت الشفعة
في جميع ذلك) ش: أي في الأحوال الثلاثة م: (لأنه) ش: أي المدعي م: (أخذها)
ش: أي أخذ الدار م: (عوضا عن حقه في زعمه) ش: أي في زعم المدعي م: (إذا لم
يكن) ش: أي العوض م: (من جنسه) ش: أي من جنس حقه قيد به؛ لأنه إذا كان من
جنس حقه بأن صالح على بيت من داره فإنه أخذ عين حقه فلا يكون معاوضة وقد مر
في الصلح فلا تجب الشفعة.
م: (فيعامل بزعمه) ش: أي بزعم المدعي بفتح الزاي وضمها، يقال زعم زعما، أي
قال من باب نصر بنصر. وأما زعم بكسر العين معناه طمع فمصدره زعم بالتحريك.
[الشفعة في الهبة]
م: (قال: ولا شفعة في هبته) ش: أي قال القدوري: لا شفعة في هبته، وبه قال
الشافعي وأحمد. وقال مالك وابن أبي ليلى فيها الشفعة بقيمة الموهوب، وكذا
عندهما الشفعة في الصدقة بالقيمة، م: (لما ذكرنا) ش: أشار به إلى قوله
بخلاف الهبة؛ لأنه لا عوض فيها رأسا م: (إلا أن تكون بعوض مشروط) ش: في عقد
الهبة م: (لأنه) ش: أي لأن عقد الهبة بشرط العوض
(11/358)
بيع انتهاء. ولا بد من القبض، وأن لا يكون
الموهوب ولا عوضه شائعا؛ لأنه هبة ابتداء وقد قررناه في كتاب الهبة، بخلاف
ما إذا لم يكن العوض مشروطا في العقد؛ لأن كل واحد منهما هبة مطلقة، إلا
أنه أثيب منها فامتنع الرجوع.
قال: ومن باع بشرط الخيار فلا شفعة للشفيع؛ لأنه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (بيع انتهاء) ش: لأنه هبة ابتداء.
واعلم أن الهبة على عوض، فإن كان وجد فيه التقابض وإن قبض أحدهما دون الآخر
فلا شفعة فيه.
وقال زفر: تجب الشفعة بالعقد كما ذكره القدوري في " شرح مختصر الكرخي "
بقوله: قالت الثلاثة: وهذا بناء على أن الهبة بشرط العوض بيع ابتداء
وانتهاء عند زفر، وعندنا تبرع ابتداء بيع انتهاء حتى لا يجبر على التسليم،
ولا يملك قبل القبض ولا يصح في المشاع ولا تثبت فيه الشفعة، فإذا تقابضا
إلا أن يثبت أحكام البيع، وصورته أن يقول وهبت هذا الملك على أن تعوض كذا.
وأجمعوا على أنه لو قال وهبت هذا لك بكذا إنه بيع، كذا في " المختلف ".
م: (ولا بد من القبض) ش: أي في العوضين م: (وأن لا يكون الموهوب ولا عوضه
شائعا؛ لأنه هبة ابتداء) ش: فالشيوع يمنعها م: (وقد قررناه في كتاب الهبة)
ش: بشرط العوض أنها تبرع ابتداء ومعاوضة انتهاء في كتاب الهبة م: (بخلاف ما
إذا لم يكن العوض مشروطا في العقد) ش: يعني لا تثبت الشفعة حينئذ أصلا لا
في الموهوب ولا في العوض.
م: (لأن كل واحد منهما) ش: أي من الهبة والعوض م: (هبة مطلقة) ش: عن العوض؛
لأن الأول هبة أثيب عليها، والثاني أمر في إبطاله حق الرجوع لا أن يكون
عوضا عن الأول حقيقة. ولهذا لو أعطى عشرة دراهم لمن أعطاه درهما عوضا عن
ذلك جاز. ولو كان عوضا لم يجز؛ لأنه يكون ربا فلا تثبت الشفعة. بخلاف ما
إذا كان العوض مشروطا؛ لأنه يصير تبعا من كل وجه عند القبض؛ لأنه مشروط
أيضا فيثبت أحكام البيع.
فإن قلت: إنه هبة ابتداء، ويصير بيعا بالقبض، فلا يكون نظير المقبوض.
قلت: نعم، ولكن الشفعة تتعلق بالبناء، فمن هذا الوجه يصير مثل المقبوض فتجب
الشفعة بطريق الدلالة.
م: (إلا أنه أثيب منها فامتنع الرجوع) ش: أي إلا أن الواهب عوض من الهبة
فامتنع رجوعه عنها؛ لأن امتناع الرجوع لمكان التعويض فلا يصير تبعا.
[الشفعة فيما إذا باع أو اشترى بشرط الخيار]
م: (قال: ومن باع بشرط الخيار فلا شفعة للشفيع) ش: أي قال القدوري م:
(لأنه) ش: أي
(11/359)
يمنع زوال الملك عن البائع. فإن أسقط
الخيار وجبت الشفعة؛ لأنه زال المانع عن الزوال، ويشترط الطلب عند سقوط
الخيار في الصحيح؛ لأن البيع يصير سببا لزوال الملك عن ذلك.
قال: وإن اشترى بشرط الخيار وجبت الشفعة لأنه لا يمنع زوال الملك عن البائع
بالاتفاق
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يمنع زوال الملك عن البائع. فإن أسقط الخيار وجبت الشفعة؛ لأنه زال المانع
عن الزوال، ويشترط الطلب عند سقوط الخيار في الصحيح؛ لأن البيع يصير سببا
لزوال الملك عن ذلك.
قال: وإن اشترى بشرط الخيار وجبت الشفعة لأنه لا يمنع زوال الملك عن البائع
بالاتفاق لأن خيار البائع م: (يمنع زوال الملك عن البائع) ش: والشفعة تجب
بخروج البيع عن ملك البائع، فصار كالإيجاب بلا قبول م: (فإن أسقط الخيار
وجبت الشفعة؛ لأنه زال المانع) ش: وهو عدم المبيع عن ملك البائع بواسطة
الشرط م: (عن الزوال) ش: أي زوال الشفعة.
وقال تاج الشريعة: أي زوال ملك البائع أراد أنه ملك البائع فوجبت الشفعة
لتعقلها به. وقال الأسبيحابي في " شرح الطحاوي ": ولو كان الخيار لهما
جميعا فلا شفعة فيها أيضا لأجل خيار البائع.
ولو شرط البائع الخيار للشفيع فلا شفعة له فيها أيضا؛ لأنه لما شرط الخيار
للشفيع صار كأنه شرط لنفسه، فإن أجاز الشفيع البيع جاز وبطلت شفعته؛ لأن
البيع من جهة الشفيع تم فصار كأنه باع.
وإن فسخ فلا شفعة له أيضا؛ لأن ملك البائع لم يزل ولكن الحيلة له في ذلك أن
لا يجبر، ولا يفسخ حتى يجيز البائع البيع، أو يجوز بمضي المدة فحينئذ له
الشفعة. وكذلك لو باع داره على أن يضمن له الشفيع الدرك عن البائع والشفيع
حاضر فضمن جاز البيع لا شفعة له؛ لأن البيع تم بضمانه فلا شفعة له لأنه ترك
منزلة البائع.
ولو أن المشتري اشترى دارا وشرط الخيار للشفيع ثلاثة أيام كان للشفيع
الشفعة؛ لأن اشتراط الخيار له كاشتراطه للمشتري وذلك لا يمنع وجوب الشفعة.
م: (ويشترط الطلب عند سقوط الخيار في الصحيح) ش: احترز به عن قول بعض
المشايخ أنه لا يشترط الطلب عند وجوب البيع؛ لأنه هو السبب، والأصح أنه
يشترط عند سقوط الخيار م: (لأن البيع يصير سببا لزوال الملك عند ذلك) ش: أي
عند سقوط الخيار، أراد سببا هو علة؛ لأن البيع بشرط الخيار قبل انقضاء
المدة سبب يشبه العلة، وليس بعلة. وإنما يصير علة عند سقوط الخيار فيشترط
الطلب عند ذلك كما في البيع البات يشترط الطلب عقبه.
م: (قال: وإن اشترى بشرط الخيار وجبت الشفعة) ش: هذا أيضا من ألفاظ القدوري
وجبت الشفعة م: (لأنه) ش: أي لأن خيار المشتري م: (لا يمنع زوال الملك عن
البائع بالاتفاق) ش: وبه قال أحمد في وجه، والشافعي في قول، وهو رواية
المزني، وفي " شرح الوجيز ": وهذا هو الأصح عند عامة الأصحاب.
(11/360)
والشفعة تبتني عليه على ما مر، وإذا أخذها
في الثلاث وجب البيع لعجز المشتري عن الرد ولا خيار للشفيع؛ لأنه يثبت
بالشروط وهو للمشتري دون الشفيع. وإن بيعت دار إلى جنبها، والخيار لأحدهما
فله الأخذ بالشفعة، أما للبائع فظاهر لبقاء ملكه في التي يشفع بها، وكذا
إذا كان للمشتري،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقال أحمد في ظاهر مذهبه، والشافعي في قول: لا تسقط الشفعة لشفعته إلا بعد
سقوط خيار المشتري كما في خيار البائع، وهو رواية عن أبي حنيفة وهو قول
مالك في " الحلية "، واختاره أبو إسحاق المروزي من أصحابنا، وهو رواية
الربيع. قيدنا بالاتفاق لأن الاختلاف هل يدخل في ملك المشتري، أو لم يدخل
فعندهما يدخل خلافا لأبي حنيفة، وقد عرف في موضعه م: (والشفعة تبتني عليه)
ش: أي على زوال الملك م: (على ما مر) ش: في أول باب الشفعة، وهو قوله:
والوجه فيه إنما تجب الشفعة إذا رغب البائع من ملك الدار ... إلى آخره.
م: (وإذا أخذها في الثلاث) ش: أي إذا أخذ الشفيع الشفعة في مدة الخيار التي
هي الثلاث، وقيد بالثلاث ليكون على الاتفاق م: (وجب البيع لعجز المشتري عن
الرد) ش: وإنا ذكرنا هذا لأن المشتري بخيار الشرط لو رد المبيع بحكم الخيار
قبل الأخذ بالشفعة لم يثبت البيع وينفسخ من الأصل، فحينئذ لا يتمكن الشفيع
من طلب الشفعة، لأن هذا ليس بإقالة هل انفسخ من الأصل، فكان السبب منعدما
في حقه من الأصل إليه أشار إلى هذا في " المبسوط ".
م: (ولا خيار للشفيع) ش: أي لا يثبت الخيار الذي كان للمشتري للشفيع، وإن
كان انتقال إضافة الضعف من المشتري إلى الشفيع م: (لأنه ثبت بالشرط) ش: أي
لأن الخيار ثبت بالشرط كاسمه م: (وهو) ش: أي الخيار كان م: (للمشتري دون
الشفيع) ش: أي لم يكن للشفيع فلا يثبت له.
م: وإن بيعت دار إلى جنبها) ش: أي إلى جنب الدار المشفوعة م: (والخيار
لأحدهما) ش: أي والحال أن الخيار لأحد المتعاقدين م: (فله الأخذ بالشفعة)
ش: أي الخيار للبائع فالشفعة له، وإن كان للمشتري م: (أما للبائع فظاهر
لبقاء ملكه في التي يشفع بها) ش: حق إذ الخيار منع خروج ملكه، فإن أخذها
بالشفعة كان نقضا لبيعه؛ لأن قدر ملكه وإقدام البائع على ما يقدر ملكه في
مدة الخيار نقض البيع؛ لأنه لو لم يجعل نقضا لبيعه ملكا إذا جاز البيع
فيهما ملكها المشتري من حين العقد حتى يستحق بزوائدها المتصلة والمنفصلة
فيتبين أنه أخذ الشفعة بغير حق.
م: (وكذا إذا كان للمشتري) ش: أي وكذا الحكم إذا كان الخيار للمشتري يعني
له الأخذ
(11/361)
وفيه إشكال أوضحناه في البيوع فلا نعيده.
وإذا أخذها كان إجازة منه للبيع، بخلاف ما إذا اشتراها ولم يرها حيث لا
يبطل خياره بأخذ ما بيع بجنبها بالشفعة؛ لأن خيار الرؤية لا يبطل بصريح
الإبطال
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بالشفعة م: (وفيه إشكال) ش: أي وفي ثبوت الخيار للمشتري إشكال، وهو أنه لا
يثبت له الملك عند أبي يوسف كيف يأخذها بالشفعة، وقد كان البلخي يدعي
المناقضة على أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - حيث قال: إذا كان الخيار
للمشتري لا يملك البيع، وهاهنا نقول بقولنا خذ الشفعة، وهو مستلزم للمالك
وحل الإشكال إن طلب الشفعة يدل على اختياره الملك فيها؛ لأن ما يثبت إلا
بدفع ضرر سوء الجوار وذلك بالاستدامة فيتضمن ذلك سقوط الخيار سابقا عليه
فيثبت الملك من وقت الشراء فيتبين أن الجوار كان ثابتا.
فإن قلت: الملك الثابت في ضمن طلب الشفعة يكون بطريق الإسناد فيثبت من وجه
دون وجه.
قلت: نعم إذا انعقد الإجماع على الاستناد وهاهنا ليس كذلك فإن عنده يثبت
الملك بطريق الاقتضاء.
وعندهما يكون الملك للمشتري فصار الملك مجتهدا فيه فيثبت قطعا، بخلاف ما
إذا باع بشرط الخيار ثم بيعت دار بجنبها ثم أجاز البائع وقت البيع، وإجازة
البيع دليل إعراضه عن الشفعة، فلو أخذ المشتري يكون حق الشفعة بملك الغير.
وأما في مسألتنا فيملك نفسه فافترقا.
م: (أوضحناه في البيوع فلا نعيده) ش: أوضحنا الإشكال في البيوع. قال في "
النهاية ": هذه الحوالة في حق الإشكال غير رائجة بل فيه جواب الإشكال وهو
قوله: ومن اشترى دارا على أنه بالخيار فبيعت دار بجنبها ... إلى آخره.
وقيل: إذا كانت الحوالة في حق جواب الإشكال رائجة كانت في حق السؤال كذلك؛
لأن الجواب يتضمن السؤال. وقيل: لم يقل في بيوع هذا الكتاب فيجوز إن كان
أوضحه في بيوع " كفاية المنتهي ".
م: (وإذا أخذها كان إجازة منه للبيع) ش: أي وإذا أخذ المشتري المبيعة، كان
إجازة منه للبيع الذي كان له فيه الخيار م: (بخلاف ما إذا اشتراها ولم
يرها) ش: أي بخلاف ما إذا اشترى المشتري الدار الأولى، والحال أنه لم يرها
م: (حيث لا يبطل خياره بأخذ ما بيع بجنبها بالشفعة؛ لأن خيار الرؤية لا
يبطل) ش: خياره م: (بصريح الإبطال) ش: قبل وجود الرؤية؛ لأن بطلانه
َ
(11/362)
فكيف بدلالته، ثم إذا حضر شفيع الدار
الأولى له أن يأخذها دون الثانية لانعدام ملكه في الأولى حين بيعت الثانية.
قال: ومن ابتاع دارا شراء فاسدا فلا شفعة فيها. أما قبل القبض فلعدم زوال
ملك البائع وبعد القبض لاحتمال الفسخ، وحق الفسخ ثابت بالشرع
لدفع الفساد،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
موقوف على وجودها م: (فكيف بدلالته) ش: أي فكيف يبطل خيار الرؤية بدلالة
الإبطال؛ لأن ما لا يبطل بالصريح، فبالدلالة الأولى أن لا يبطل.
م: (ثم إذا حضر شفيع الدار الأولى فله أن يأخذها دون الثانية) ش: يعني إذا
اشترى دارا بشرط الخيار ولها شفيع ثم بيعت دار أخرى بجنبها ثم حضر الشفيع
فله أن يأخذ الأولى بالشفعة دون الثانية؛ لأنه إنما يكون له الشفعة في
الثانية بسبب الجوار بالدار الأولى ولم يكن له جوار الأولى حين بيعت
الثانية؛ لأنه ما كان يملكها حينئذ.
وإنما حدث له جوار بعد ذلك، وإنما يأخذ الأولى فحسب؛ لأنه كان جارها حين
بيعت إلا إذا كان له دار أخرى بجنب الدار الثانية، فحينئذ يأخذ الدارين
جميعا بالشفعة م: (لانعدام ملكه في الأولى) ش: أي ملك الشفيع الذي حضر في
الدار الأولى م: (حين بيعت الثانية) ش: لأنه إنما يتملك الآن فلا يصير بها
جارا للدار أو شريكا من وقت العقد.
[الشفعة فيما إذا ابتاع دارا شراء فاسدا]
م: (قال: ومن ابتاع دارا شراء فاسدا فلا شفعة فيها) ش: أي قال القدوري:
ابتاع أي اشترى فيها، أي في الدار المشتراة شراء فاسدا ولا خلاف فيها
للفقهاء. وفي " الذخيرة " هذا إذا وقع البيع فاسدا في الابتداء، أما إذا
وقع صريحا ثم قد فسد بقي حق الشفعة كما لو اشترى النصراني دارا بخمر فلم
يتقابضا حتى أسلما أو أسلم أحدهما، أو قبض الدار ولم يقبض الخمر، فإن البيع
يفسد وللشفيع أن يأخذها بالشفعة م: (أما قبل القبض لعدم زوال ملك البائع
وبعد القبض لاحتمال الفسخ وحق الفسخ ثابت بالشرع لدفع الفساد) ش: أي هو
ثابت بأمر الشرع بلا اختيار من الشفيع فلا تثبت الشفعة مع أن الفسخ ثابت من
جهة الشرع يكون الشارع أمر بتقرير أمر قد أمر برفعه، هذه مناقضة ظاهرة،
والشارع يتعالى عن مثل ذلك.
فإن قلت: ينبغي أن لا ينعقد البيع الفاسد إذ في انعقاده تقرير من الشارع
هذا العقد مع أنه أمر برفعه فيكون تناقضا.
قلت: تخلل هنا فعل اختياري وهو إقدام البائع على البيع، وجاز أن يؤخذ فعل
حرام، ويترتب عليه أحكام كما إذا وطئ امرأته في حالة الحيض يثبت نسب الولد
مع حرمة الفعل.
وقلنا: إن الملك لا يثبت في البيع الفاسد قبل القبض، إذ لو ثبت الملك يلزم
للبائع تسليمه وهو مأمور بنقضه فيلزم التناقض فيثبت الملك بالقبض لإضافة
الملك إلى فعل اختياري وهو القبض. وقلنا: إن الملك لا يثبت في البيع الفاسد
قبل القبض يوجب القيمة دون الثمن
(11/363)
وفي إثبات حق الشفعة تقرير الفساد فلا
يجوز، بخلاف ما إذا كان الخيار للمشتري في البيع الصحيح؛ لأنه صار أخص به
تصرفا، وفي البيع الفاسد ممنوع عنه، قال: فإن سقط حق الفسخ وجبت الشفعة
لزوال المانع، وإن بيعت دار بجنبها وهي في يد البائع
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أن وجوب الثمن يثبت ذلك العقد فيؤدي إلى تقرير الفساد. م: (وفي إثبات حق
الشفعة تقرير الفساد فلا يجوز) ش:
فإن قلت: بيع المشترى بالشراء الفاسد يصح، وهو تقرير الفساد أيضا.
قلت: التقرير هنا يضاف إلى الشارع لأنه هو السبب لهذا الحق، ولا كذلك ثمة؛
لأنه يضاف إلى العبد م: (بخلاف ما إذا كان الخيار للمشتري في البيع الصحيح)
ش: حيث تجب الشفعة مع احتمال الفسخ م: (لأنه) ش: أي لأن المشتري م (صار أخص
به تصرفا) ش: يعني صار المشتري أخص بهذا البيع بالتصرف، وإن احتمل البيع
الفسخ، وإنما صار أخص لأن حق الفسخ له دون البائع، فباعتبار كونه أخص تحقيق
الضرر للشفيع فتثبت له الشفعة بخلاف البيع الفاسد لأن المشتري منع عن
التصرف فلا يتضرر الشفيع، فلا يثبت له الشفعة لثبوتها بخلاف القياس لدفع
الضرر، أشار إليه بقوله م: (وفي البيع الفاسد ممنوع عنه) ش: أي وفي البيع
الفاسد المشتري ممنوع عن التصرف كما بينا ولا خلاف فيه بين للفقهاء.
قال الأترازي: وفي هذا الفرق نظر عندي؛ لأن لقائل أن يقول لا نسلم أن
المشتري شراء فاسدا ممنوع من التصرف، ولهذا إذا باع بيعا صحيحا لا يكون
لبائعه حق القبض.
قلت: الفرق صحيح، والنظر غير وارد؛ لأن بيع المشتري شراء فاسدا بعقد صحيح
لا يدل على أن له التصرف؛ لأن تصرفه محظور، وقد يترتب على المحظور من
الأحكام كما لو وطئ حالة الحيض، فإنه يحلل المرأة على زوجها الأول، ولا
يلزم من صحة عقده، وعدم تمكن البائع من نقضه أن لا يكون ممنوعا من التصرف،
فافهم.
م: (قال: فإن سقط حق الفسخ) ش: أي قال المصنف فإن سقط حق الفسخ للبائع في
البيع الفاسد بالزيادة في المبيع كالبناء والغرس عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ
اللَّهُ -، وبالبيع من آخر بالاتفاق م: (وجبت الشفعة) ش: أي ثبتت م: (لزوال
المانع) ش: وهو حق الفسخ للبائع، وإن اتخذها المشتري مسجدا فعلى هذا الخلاف
وقيل: ينقطع حقه إجماعا م: (وإن بيعت دار بجنبها) ش: ذكر هذه المسألة
تفريعا على مسألة القدوري، أي بجنب الدار المشتراة شراء فاسدا.
م: (وهي في يد البائع) ش: أي والحال أن الدار المشتراة في يد البائع لم
يسلمها للمشتري
(11/364)
بعد فله الشفعة لبقاء ملكه، وإن سلمها إلى
المشتري فهو شفيعها لأن الملك له، ثم إن سلم البائع قبل الحكم بالشفعة له
بطلت شفعته كما إذا باع، بخلاف ما إذا سلم بعده؛ لأن بقاء ملكه في الدار
التي يشفع بها بعد الحكم بالشفعة ليس بشرط، فبقيت المأخوذة بالشفعة على
ملكه، وإن استردها البائع من المشتري قبل الحكم بالشفعة له
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (بعد فله الشفعة لبقاء ملكه) ش: أي فللبائع الشفعة لبقاء ملكه؛ لأنه لم
يخرج عن ملكه بالبيع الفاسد.
م: (وإن سلمها إلى المشتري فهو شفيعها لأن الملك له) ش: أي وإن سلم البائع
الدار المشتراة بالشراء الفاسد إلى المشتري فالمشتري شفيعها لأن الملك له،
أي للمشتري لا يقال في ذلك تقرير الفاسد حيث أخذ الدار المبيعة بالشفعة
بالدار المشتراة بالشراء الفاسد؛ لأنا نقول المشتري بعد أخذ الدار الثانية
بالشفعة متمكن من نقض المشتراة شراء فاسدا مع عدم الفساد في التي أخذها
بالشفعة، بخلاف ما تقدم، فإنه لو ثبتت الشفعة ثمة لا ينقل الشراء الفاسد من
المشتري إلى الشفيع بوصف الفساد. وفي ذلك تقريره فلا يجوز.
فإن قيل: الملك وإن كان للمشتري وهو يقتضي ثبوت حق المشفعة، لكن المانع
متحقق وهو بقاء حق البائع في استرداد ما ثبت به حق الشفعة وهو المشتراة
شراء فاسدا، فإن بقاء ذلك منع للشفيع من أخذ المشتراة بالشراء الفاسد.
أجيب: بأن ذلك مجرد تعلق حق الغير وهو لا يمنع من الشفعة كقيام حق المرتهن
في الدار المرهونة فإنه لا يمنع وجوب الشفعة للراهن إذا بيعت دار بجنبها،
وامتناع الشفيع من الأخذ في تلك المسألة لم يكن بمجرد بقاء حق البائع في
الاسترداد بل مع لزوم تقرير الفساد، ولا تقرير هاهنا على ما ذكرنا من تمكن
المشتري من فسخ ما اشتراه شراء فاسدا.
م: (ثم إن سلم البائع قبل الحاكم بالشفعة له بطلت شفعته) ش: أي إن سلم
البائع الدار المبيعة بالبيع الفاسد إلى المشتري قبل حكم القاضي بالشفعة
للبائع بطلت شفعة البائع لزوال ما كان يستحقها به م: (كما إذا باع) ش: أي
كما إذا باع البائع الدار م: (بخلاف ما إذا سلم بعده) ش: أي بعد الحكم
بالشفعة للبائع م: (لأن بقاء ملكه في الدار التي يشفع بها بعد الحكم
بالشفعة ليس بشرط) ش: أي لأن بقاء ملك البائع وهو ما يستحق به الشفعة في
ملك الشفيع بعد الحكم بها ليس بشرط.
م: (فبقيت المأخوذة بالشفعة على ملكه) ش: أي الدار المشفوعة بالشفعة م:
(وإن استردها البائع) ش: أي الدار المبيعة بالبيع الفاسد م: (من المشتري
قبل الحكم بالشفعة له) ش: أي للمشتري م:
(11/365)
بطلت لانقطاع ملكه عن التي يشفع بها قبل
الحكم بالشفعة، وإن استردها بعد الحكم بقيت الثانية على ملكه لما بينا.
قال: وإذا اقتسم الشركاء العقار فلا شفعة لجارهم بالقسمة؛ لأن القسمة فيها
معنى الإفراز، ولهذا يجري فيها الجبر والشفعة ما شرعت إلا في المبادلة
المطلقة.
قال: وإذا اشترى دارا فسلم الشفيع الشفعة ثم ردها المشتري بخيار رؤية أو
شرط أو بعيب بقضاء قاض فلا شفعة للشفيع؛ لأنه فسخ من كل وجه فعاد إلى قديم
ملكه والشفعة في إنشاء العقد، ولا فرق في هذا بين القبض وعدمه. قال: وإن
ردها بعيب بغير قضاء
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
(بطلت) ش: أي شفعة المشتري صورته بيعت دار بجنب الدار المشتراة بالشراء
الفاسد والدار في يد المشتري وطلب الشفيع الشفعة ثم قبل الحكم استرد البائع
الدار منه طلب شفعته م: (لانقطاع ملكه عن التي يشفع بها قبل الحكم بالشفعة)
ش: ولا تثبت الشفعة للبائع لأنه لم يكن في وقت بيع المشفوع جارا.
م: (وإن استردها بعد الحكم) ش: أي وإن استرد البائع المبيعة بيعا فاسدا بعد
حكم القاضي بالشفعة للمشتري م: (بقيت الثانية على ملكه) ش: أي الدار
الثانية وهي التي أخذها المشتري بالشفعة، والضمير في ملكه راجع إلى المشتري
م: (على ما بينا) ش: وفي بعض النسخ لما بينا. أشار به إلى قوله لأن بقاء
ملكه في الدار التي يشفع بها بعد الحكم بالشفعة ليس بشرط.
م: (قال: وإذا اقتسم الشركاء العقار فلا شفعة لجارهم بالقسمة) ش: أي قال
القدوري وفي بعض النسخ وإذ اقتسم الشركاء م: (لأن القسمة فيها معنى
الإفراز) ش: وهو تمييز الحقوق م: (ولهذا يجري فيها الجبر) ش: أي جبر القاضي
م: (والشفعة ما شرعت إلا في المبادلة المطلقة) ش: وهي المبادلة من كل وجه.
[اشترى دارا فسلم الشفيع الشفعة ثم ردها
المشتري بخيار أو بعيب]
م: (قال: وإذا اشترى دارا فسلم الشفيع الشفعة) ش: أي قال القدوري: إذا
اشترى رجل دار فسلم الشفيع شفعته م: ثم ردها المشتري) ش: أي الدار على
البائع م: بخيار رؤية أو شرط أو بعيب) ش: أي أو ردها بسبب عيب وجده فيها م:
(بقضاء قاض فلا شفعة للشفيع لأنه فسخ من كل وجه فعاد إلى قديم ملكه) ش: أي
ملك البائع م: (والشفعة في إنشاء العقد) ش: أي الشفعة تجب إلى إحداث عقد م:
(ولا فرق في هذا) ش: يعني فيما إذا كان الرد بالقضاء، هكذا عنه أكثر
الشراح.
وقال تاج الشريعة: قوله والفرق في هذا، أي في الرد بالعيب بالقضاء قلت:
الكل معنى واحد لأن قوله بقضاء قاض قيد لقوله أو بعيب فقط فافهم م: (بين
القبض وعدمه) ش: حيث لا تجب الشفعة في الوجهين؛ لأنه فسخ في الأصل. م: (وإن
ردها بعيب بغير قضاء) ش: أي وإن
(11/366)
أو تقايلا البيع فللشفيع الشفعة؛ لأنه فسخ
في حقهما لولايتهما على أنفسهما وقد قصد الفسخ وهو بيع جديد في حق ثالث
لوجود حد البيع وهو مبادلة المال بالمال بالتراضي والشفيع ثالث، ومراده
الرد بالعيب بعد القبض لأن قبله فسخ من الأصل، وإن كان بغير قضاء على ما
عرف. وفي " الجامع الصغير ": ولا شفعة في قسمة ولا خيار رؤية وهو بكسر
الراء، ومعناه لا شفعة بسبب الرد بخيار الرؤية لما بيناه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
رد المشتري الدار على البائع بسبب عيب بغير قضاء القاضي م: (أو تقايلا
البيع فللشفيع الشفعة) ش: وبه قال مالك وأحمد في رواية المقايلة.
وقال الشافعي: كل فسخ حصل بأي سبب كان لم يكن للشفيع أخذه لأنه عاد إلى
المالك لزوال العقد، وبه قال أحمد في المشهور وزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - م:
(لأنه فسخ في حقهما) ش: أي لأن كل واحد من الرد بالعيب بغير قضاء، والإقالة
فسخ في حق البائع والمشتري م: (لولايتهما على أنفسهما وقد قصد الفسخ) ش:
فيكون فسخا في حقهما م: (وهو بيع جديد في حق ثالث) ش: وهو الشفيع، فصار في
حق الشفيع كأن البائع اشترى ثانيا فيتجدد حق الشفعة للشفيع.
وقوله: وبيع بالرفع عطف على قوله لأنه فسخ م: (لوجود حد البيع وهو مبادلة
المال بالمال بالتراضي والشفيع ثالث) ش: بين هذا أن المراد بقوله ويبيع
جديد في حق ثالث هو الشفيع م: (ومراده الرد بالعيب بعد القبض) ش: أي
القدوري من قوله ثم ردها المشتري بعيب بقضاء قاض للرد بعد القبض؛ لأن الرد
قبل القبض فسخ وإن كان بغير قضاء. وقال صاحب " العناية ": قال الشارحون:
قوله ومراده، أي مراد القدوري في قوله أو بعيب بقضاء قاض للرد بالعيب بعد
القبض وفيه نظر؛ لأن فيه تناقض. قوله هناك: ولا فرق في هذا بين القبض
وعدمه.
قلت: لا تناقض؛ لأن تعليله يدل على ذلك يفهم بالتأمل وهو قوله م: (لأنه) ش:
أي لأن الرد بالعيب م: (قبله) ش: أي قبل القبض م: (فسخ من الأصل وإن كان
بغير قضاء) ش: القاضي م: (على ما عرف) ش: في البيع.
م: (وفي الجامع الصغير) ش: إنما ذكر مسألة " الجامع الصغير " وإن كان
تكرارا لكونه محتاجة إلى التفسير على ما يجيء، ولأن في لفظه اختلاف
الروايتين ففي كل منهما فائدة على ما يأتي م: (ولا شفعة في قسمة ولا خيار
رؤية) ش: يروي قوله ولا خيار رؤية بكسر الراء عطفا على القسمة، أشار إليه
بقوله م: (وهو بكسر الراء) ش: أراد بكسر راء الخيار م: (ومعناه لا شفعة
بسبب الرد بخيار الرؤية لما بيناه) ش: يعني إذا اشترى دارا لم يردها ولها
شفيع فأبطل شفعته ثم ردها المشتري بخيار الرؤية لم تتجدد شفعة الشفيع؛ لأن
هذا فسخ شيئا البائع وأبى
(11/367)
ولا تصح الرواية بالفتح عطفا على الشفعة؛ لأن الرواية محفوظة في كتاب
القسمة أنه يثبت في القسمة خيار الرؤية وخيار الشرط؛ لأنهما يثبتان لخلل في
الرضا فيما يتعلق لزومه بالرضا، وهذا المعنى موجود في القسمة والله سبحانه
وتعالى أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فلا يكون له شبه بالبيع لعدم التراضي، بخلاف الإقالة.
ويروى بفتح الراء وضمها عطفا على الشفعة على اللفظ وعلى المحل، وهذه
الرواية منعها المصنف حيث قال م: (ولا تصح الرواية بالفتح عطفا على الشفعة؛
لأن الرواية محفوظة في كتاب القسمة أنه يثبت في القسمة خيار الرؤية وخيار
الشرط؛ لأنهما يثبتان لخلل في الرضا فيما يتعلق لزومه بالرضا وهذا المعنى)
ش: أي الحال في الرضا: م: (موجود في القسمة) ش:
وتبع المصيف في ذلك فخر الإسلام البزدوي والصدر الشهيد حيث أنكر رواية
الفتح وأثبتها الفقيه أبو الليث في " شرح الجامع الصغير " فقال: معناه لا
شفعة في قسمة ولا خيار رؤية في القسمة أيضا، وإنما لم يجب في القسمة خيار
رؤية لأنه لا فائدة في رده كان له أن يطلب القسمة من ساعته فلا يكون في
الرد فائدة.
وحمل فخر الدين قاضي خان في "شرح الجامع الصغير " رواية الفسخ على ما إذا
كانت التركة مكيلا أو موزونا من جنس واحد فاقتسموا لا يثبت خيار الرؤية؛
لأنه لو رد القسمة بخيار الرؤية لاحتاج إلى القسمة مرة أخرى فيقع في نصيبه
عين ما وقع في المرة الأولى أو مثله فلا يفيد خيار الرؤية.
آما لو كانت عقارا أو شيئا آخر يفيد خيار الرؤية؛ لأنه لو رد بخيار الرؤية،
فإذا اقتسموا ثانيا ربما يقع في نصيبه الطرف الآخر الذي يوافقه، فيكون
مفيدا م: (والله سبحانه وتعالى أعلم) ش: وفي " الكافي " وصحح شمس الأئمة
السرخسي الرواية بالنصب أيضا، وقال: لا يثبت خيار الرؤية في القسمة سواء
كانت القسمة بقضاء أو برضاء، وبه أخذ بعض المشايخ. |