البناية شرح الهداية

[باب ما تبطل به الشفعة]

[ترك الشفيع الإشهاد حين علم بالبيع]
11 -

(11/368)


باب ما تبطل به الشفعة قال: وإذا ترك الشفيع الإشهاد حين علم بالبيع، وهو يقدر على ذلك بطلت شفعته لإعراضه عن الطلب، وهذا لأن الإعراض إنما يتحقق حالة الاختيار وهي عند القدرة. قال: وكذلك إن أشهد في المجلس ولم يشهد على أحد المتبايعين ولا عند العقار وقد أوضحناه فيما تقدم.
قال: وإن صالح من شفعته على عوض بطلت شفعته ورد العوض
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (باب ما تبطل به الشفعة)
ش: أي هذا باب في بيان ما تبطل به الشفعة وأوجهه؛ لأن الإبطال بعد الثبوت.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإذا ترك الشفيع الإشهاد حين علم بالبيع، وهو يقدر على ذلك) ش: أي والحال أنه يقدر على ذلك الإشهاد حين العلم م: (بطلت شفعته لإعراضه عن الطلب) ش: أما إذا كان هناك مانع والظاهر أنه ترك الإشهاد لا للإعراض فلا يسقط حقه، كما إذا اشترى دارا والشفيع في بلد آخر وبينهما قوم يحاربون وهو لا يقدر على بعث الوكيل كان على شفعته. وكذا لو كان بينهما نهر مخوف أو أرض مسبغة.
فإن قيل: قد ذكر قبل هذا أن طلب الإشهاد ليس بلازم وقد ذكر في " الذخيرة " أن الإشهاد ليس بشرط، وإنما ذكر أصحابنا الإشهاد عند هذا الطلب في الكتب احتياطيا لتمكن إثباته عند إنكار المشتري، فما وجه التوفيق بينهما.
أجيب: بأنه يحتمل أن يراد بالإشهاد نفس طلب المواثبة؛ لأن طلب المواثبة لا ينفك عن الإشهاد في حق علم القاضي، وسمي هذا الطلب إشهادا بدليل ما ذكره من التعليل في حق ترك طلب المواثبة مثل ما ذكره في التعليل هاهنا.
قلت: إذا فسر الإشهاد بطلت المواثبة كما فسره تاج الشريعة هكذا لإيراد السؤال المذكور، فلا يحتاج إلى الجواب.
م: (وهذا) ش: يعني اشتراطه القدرة م: (لأن الإعراض إنما يتحقق حالة الاختيار، وهي عند القدرة) ش: فالإعراض يتحقق عند القدرة، حتى لو سمع وهو في الصلاة فترك طلب المواثبة فهو على شفعته. وكما إذا أخذ فم الشفيع أخذ حين بلغه الخبر م: (وكذلك إن أشهد في المجلس ولم يشهد على أحد المتابعين ولا عند العقار) ش: أراد به طلب المواثبة وترك طلب التقرير فإنه يسقط شفعته أيضا م: (وقد أوضحناه فيما تقدم) ش: أشار به إلى ما ذكره في باب طلب الشفعة.

[صالح من شفعته على عوض]
م: (وإن صالح من شفعته على عوض بطلت شفعته) ش: بلا خلاف بين الأئمة الأربعة م: (ورد العوض) ش: وبه قال الشافعي وأحمد رحمهما الله وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا

(11/369)


لأن حق الشفعة ليس بحق مقرر في المحل، بل هو مجرد حق التملك فلا يصح الاعتياض عنه، ولا يتعلق إسقاطه بالجائز من الشرط فبالفاسد أولى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يرد العوض؛ لأنه عوض إزالة الملك، فجاز أخذ العوض له عنه كالصلح عن القصاص م: (لأن حق الشفعة ليس بحق متقرر في المحل) ش: يعني أن الشفيع ليس له ملك في المحل بل له حق التعرض بالملك، فتسليمه الشفعة يكون ترك العوض منه، وهو معنى قوله م: (بل هو مجرد حق التمليك) ش: وهو حق التعرض للملك بخلاف القصاص؛ لأن لوليه ملكا متقررا.
ألا ترى أن من عليه القصاص كالمملوك له في حق الاستيفاء، ولهذا يجوز له الاستيفاء بدون مرافعة الحاكم م: (فلا يصح الاعتياض عنه) ش: يعني إذا كان ليس بحق متقرر في المحل لا يصح الاعتياض عنه؛ لأن حق الشفعة ثبت بخلاف القصاص لدفع الضرر فلا يظهر ثبوته في حق الاعتياض.
م: (ولا يتعلق إسقاطه بالجائز من الشرط) ش: أي لا يتعلق إسقاط حق الشفعة بالجائز من الشرط وهو مال ما ليس فيه ذكر مال م: (فبالفاسد أولى) ش: وهو ما فيه ذكر مال، تقريره أنه لو قال الشفيع سقطت شفعتي فيما اشتريت حتى لا يطلب الثمن مني، هذا الشرط جائز لأنه يلائم، ومع هذا لم يتعلق سقوط الشفعة بهذا الشرط، بل يسقط بمجرد قوله أسقطت بدون تحقق الشرط، فلأن لا يتعلق سقوطه بالفاسد وهو شرط الاعتياض عن حق ليس بمال، وأنه رشوة أولى.
وفي " جامع قاضي خان ": الشرط الملائم شرط ليس فيه ذكر المال كما لو قال سلمت شفعتك على أن بعتنيها أو وليتنيها أو أجرتنيها أو دفعتنيها مزارعة أو معاملة. وكذا لو باع شفعته من البائع أو المشتري بمال تسقط الشفعة بالاتفاق ولا يلزمه المال.
والفاصل بين الملائم وغيره أن ما كان فيه يوقع الانتفاع بمنافع المشفوع، كالإجارة، والعارية، والتولية، ونحوها فهو ملائم؛ لأن الأخذ بالشفعة يستلزمه. وما لم يكن فيه ذلك، كأخذ العوض فهو غير ملائم؛ لأنه إعراض غير لازم الأخذ.
والحاصل: أن كل عقد تعلق جوازه بالجائز من الشرط فالفاسد فيه يبطله كالبيع، وما لا يتعلق جوازه بالجائز من الشرط وهو أن يقول أسقطت الشفعة بشرط، أن لا يطلب الثمن مني فالفاسد فيه لا يبطله وهو الاعتياض، فبقي الإسقاط صحيحا جائزا وبيان الأولوية أن الشرط الجائز سلم عن المعارض لأنه يقتضي الجواز، وإسقاط الشفعة كذلك.
والشرط الفاسد لا يسلم عن المعارض لأنه يقتضي الفساد، وإسقاط الشفعة يقتضي

(11/370)


فيبطل الشرط ويصح الإسقاط،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الجواز مع سلامته، حيث لم يتعلق الإسقاط، فلأن لا يؤثر ما لم يسلم عن المعارض، كان أولى م: (فيبطل الشرط ويصح الإسقاط) ش: أي إذا كان لا يتعلق إسقاط الشفعة بالجائز من الشرط، وبالفاسد منه بطريق الأولى يبطل الشرط ويصح الإسقاط، لا يقال: لم يثبت فساد هذا الشرط، فكيف يصح الاستدلال به؛ لأنا نقول يثبت بالدليل الأول فصح به الاستدلال.
وقال الأترازي: ولنا فيه نظر؛ لأن إسقاط حق الشفعة يتعلق بالجائز من الشرط، ألا ترى إلى ما قال محمد في " الجامع الكبير ": لو قال الشفيع: سلمت شفعة هذه الدار إن كنت اشتريتها لنفسك، وقد اشتراها لغيره.
أو قال البائع: سلمتها لك إن كنت بعتها لنفسك، وقد باعها لغيره فهذا ليس بتسليم، وذلك لأن الشفيع علق التسليم بشرط، وصح هذا التعليق؛ لأن تسليم الشفعة إسقاط محض كالطلاق، والعتاق، ولهذا لا يرتد بالرد، وما كان إسقاطا محضا صح تعليقه بالشرط، وما صح بتعليقه بالشرط لا ينزل إلا بعد وجود الشرط، فلا يترك التسليم، انتهى.
قلت: استخرج هذا النظر الغير وارد من قول الشيخ أبي المعين النسفي في شرح " الجامع الكبير " حيث قال: فيه.
فإن قيل: إذا لم يجب العوض يجب أن لا يبطل شفعته أيضا؛ لأنه لما أبطل حقه في الشفعة بشرط سلامة العوض، فإذا لم يسلم يجب أن لا يبطل كما في الكفالة بالنفس إذا صالح الكفيل المكفول له على مال حتى يبرئه من الكفالة لما لم يجب العوض لم تثبت البراءة.
قيل له: بأن المال لا يصلح عوضا عن الشفعة، فصار كالخمر والخنزير في باب الخلع والصلح عن دم العمد، وثمة يقع الطلاق ويسقط القصاص إذا وجد القبول من المرأة والقابل ولم يجب شيء، كذا هنا.
وأما الصلح عن الكفالة بالنفس فكذلك على ما ذكر محمد في كتاب الشفعة من " المبسوط " وكتاب الكفالة والحوالة من " المبسوط " في رواية أبي حفص - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وعلى ما ذكر في الكفالة والحوالة على رواية أبي سليمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لا يبرأ ويحتاج إلى الفرقة، والفرق أن حق الشفيع قد سقط بعوض معني، فإن الثمن سلم له، فإنه متى أخذ الدار بالشفعة وجب عليه الثمن.

(11/371)


وكذا لو باع شفعته بمال لما بينا، بخلاف القصاص لأنه حق متقرر، وبخلاف الطلاق والعتاق لأنه اعتياض عن ملك في المحل. ونظيره إذا قال للمخيرة: اختاريني بألف،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فمتى سلم له الثمن فقد سلم له نوع عوض بإزاء التسليم، فلا بد من القول لسقوط حقه في الشفعة، فإن المكفول له لم يرض بسقوط حقه عن الكفيل بغير عوض ولم يحصل له عوض أصلا فلا يسقط حقه في الكفالة، انتهى. ومن هذا الجواب يحصل الجواب عن النظر المذكور.
م: (وكذا لو باع شفعته بمال) ش: يعني من البائع أو المشتري تسقط شفعته بالاتفاق ولا يلزمه المال؛ لأن البيع تمليك مال بمال، وحق الشفعة لا يحتمل التمليك، فصار عبارة عن الإسقاط مجازا، كبيع الزوج زوجته من نفسها، وهذا إذا باع من البائع أو المشتري لأنه إعراض عن الشفعة، أما إذا باع عن الأجنبي يبطل العوض، ولا تبطل الشفعة لأنه تحقيق للشفعة وتقريرها كذا في " الجامع الكبير " م: (لما بينا) ش: أشار به إلى قوله أن حق الشفعة مجرد حق التملك فلا يصح الاعتياض عنه.
م: (بخلاف القصاص لأنه حق متقرر) ش: هذا جواب عما يقال حق الشفعة كحق القصاص في كونه غير مال، والاعتياض عنه صحيح، فأجاب عنه بقوله بخلاف القصاص لأنه حق متقرر، والفاصل بين المتقرر وغيره أن ما يعتبر بالصلح عما كان قبله فهو متقرر وغيره غير متقرر، واعتبر في ذلك في الشفعة والقصاص، فإن نفس القاتل كانت مباحة في حق من له القصاص، وبالصلح حصل بالعصمة في دمه، فكان حقا متقررا.
وأما في الشفعة فإن المشتري يملك الدار قبل الصلح وبعده على وجه واحد فلم يكن حقا مقصودا.
م: (وبخلاف الطلاق والعتاق) ش: هذا جواب عما يقال حق الشفعة كحق الطلاق والعتاق في كونها غير مال، فأجاب بقوله بخلاف الطلاق والعتاق م: (لأنه) ش: أي لأن كل واحد من الطلاق والعتاق م: (اعتياض عن ملك في المحل) ش: تقريره أن الطلاق والعتاق ليس بمال لكن للزوج ذلك في المحل فيجوز الاعتياض عنه، أما الشفيع فلا ملك له في المحل بل له حق التملك.
ولهذا كان لولي الصغير أن يسقط الشفعة، ولو كان له ملك لما جاز له ذلك م: (ونظيره) ش: أي نظير حق الشفعة م: (إذا قال للمخيرة: اختاريني بألف) ش: يعني إذا قال الزوج لامرأته اختاري نفسك ثم ندم فقال اختاريني بألف، فإن الحق يسقط ولا يجب المال، فتكون المخيرة نظير حق الشفعة.

(11/372)


أو قال العنين لامرأته: اختاري ترك الفسخ بألف فاختارت. سقط الخيار ولا يثبت العوض، والكفالة بالنفس في هذا بمنزلة الشفعة في رواية، وفي أخرى: لا تبطل الكفالة ولا يجب المال. وقيل: هذه رواية في الشفعة، وقيل: هي في الكفالة خاصة وقد عرف في موضعه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (أو قال العنين لامرأته: اختاري ترك الفسخ بألف فاختارت سقط الخيار ولا يثبت العوض) ش: لأنه مالك لبضعها قبل اختيارها وبعده على وجه واحد، فكان أخذ العوض لكل مال بالباطل وهو لا يجوز م: (والكفالة بالنفس في هذا) ش: أي في إسقاطها بعوض م: (بمنزلة الشفعة في رواية) ش: أي في رواية الكفالة والحوالة والشفعة والصلح من رواية أبي حفص، يعني إذا قال الكفيل بالنفس للمكفول له: صالحني على كذا بأن تأخذه مني وتسقط مالك من حق الطلب، فصالحنا، ففيه روايتان، في رواية ما ذكرنا من الكتب يبطل، قيل: وعليه الفتوى ولا يلزم المكفول له شيء؛ لأن حق الكفيل في الفعل وهو الطلب فلا يصح الاعتياض عنه.
م: (وفي أخرى) ش: أي وفي الرواية الأخرى وهي رواية كتاب الصلح من رواية أبي سليمان م: (لا تبطل الكفالة ولا يجب المال) ش: فيحتاج إلى الفرق بين الكفالة بالنفس وبين الشفعة والفرق أن الكفالة بالنفس حق قوي لا يسقط بعد ثبوتها إلا بالإسقاط التام ولا يسقط إلا بعد تمام الرضاء به، ولهذا لا يسقط بالسكوت، وإنما يتم رضاه بسقوطه إذا أوجب له المال، فإذا لم يجب لم يكن راضيا، فأما سقوط الشفعة فليس يعتمد الإسقاط، وتمام الرضا به. ألا ترى أن السكوت بعد العلم به يسقط.
م: (وقيل: هذه رواية في الشفعة) ش: أي رواية أبي سليمان في الكفالة تكون رواية في الشفعة أيضا، حتى لا تسقط الشفعة بالصلح على مال. حاصله أن التنصيص في الكفالة أنها لا تسقط ولا تجب المال يكون مضاف الشفعة بعدم سقوطها وأنه لا يجب المال.
م: (وقيل: هي في الكفالة خاصة) ش: أي رواية أبي سليمان، أراد هذا الحكم، أعني عدم الوجوب وعدم السقوط يختص بالكفالة. وقال الإمام العتابي في كتاب "الشفعة" في شرح " الجامع الكبير ": والكفيل إذا صالح المكفول له على دراهم على أن يبرئه عن الكفالة فأبرأه صح الإبراء في رواية أبي حفص في كتاب "الكفالة" ولا شيء له من الدراهم.
وفي رواية أبي سليمان لم يصح الإبراء م: (وقد عرف في موضعه) ش: أي في " المبسوط " لأنه التزام المال بمقابلة ما ليس بمال وهو سقوط حق الشفعة والبراءة عن المطالبة فكان بمعنى الرشوة. وفي " المبسوط " صلح الشفيع مع المشتري على ثلاثة أوجه منها صالحه على أخذ نصف الدار بنصف الثمن. ومنها ما صالحه على أخذ بيت من الدار بعينه بحصته في

(11/373)


قال: وإذا مات الشفيع بطلت شفعته. وقال: الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تورث عنه. قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: معناه إذا مات بعد البيع قبل القضاء بالشفعة، أما إذا مات بعد قضاء القاضي قبل نقد الثمن وقبضه فالبيع لازم لورثته، وهذا نظير الاختلاف في خيار الشرط، وقد مر في البيوع، ولأنه بالموت يزول ملكه عن داره، ويثبت الملك للوارث بعد البيع وقيامه وقت البيع، وبقاؤه للشفيع إلى وقت القضاء شرط فلا يستوجب الشفعة بدونه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الثمن، وفي هذين الوجهين الصلح باطل والتسليم باطل، وله أن يأخذ جميع الدار بعد ذلك.
وفي الوجه الثالث: وهو ما إذا صالحه على مال نفسه فقد وجد الإعراض عن الشفعة فيصح، ولم يصح صلحه. وفي " المحيط ": لو طلب نصفها بالشفعة يطلب شفعته في الكل عند محمد، وبه قال أحمد وبعض أصحاب الشافعي. وقال أبو يوسف: لا يكون تسليما في الكل وبه قال بعض أصحاب الشافعي وهو الأصح.

[موت الشفيع وأثره في بطلان الشفعة]
م: (قال: وإذا مات الشفيع بطلت شفعته. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تورث عنه. قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: معناه إذا مات بعد البيع قبل القضاء بالشفعة، أما إذا مات بعد قضاء القاضي قبل نقد الثمن وقبضه فالبيع لازم لورثته) ش: قال الإمام الأسبيجابي في " شرح الطحاوي ": صورته: أن دارا بيعت، ولها شفيع، وطلب الشفعة فأثبتها بطلبين، ثم مات قبل الأخذ بالقضاء، أو بتسليم المشتري إليه فأراد ورثته أخذها فليس لهم ذلك، ولو كان الشفيع ملكها بالقضاء، أو بتسليم المشتري إليه، ثم مات يكون ميراثا لورثته. انتهى.
والأصل فيه أن الحقوق اللازمة تنتقل إلى الورثة عنده سواء كانت مما يعوض عنها أو لم يكن؛ لأن الوارث يقوم مقام المورث لكونه كحاجته.
وقلنا: الشفعة بالملك وقد زال بالموت، والذي يثبت الوارث حادث بعد البيع وهو غير معتبر لانتفاء شرطه وهو قيامه وقت البيع وبقاؤه إلى وقت القضاء، ولهذا لو أزاله باختياره بأن باع سقط.
م: (وهذا) ش: أي وهذا الخلاف بيننا وبينه م: (نظير الخلاف في خيار الشرط) ش: فعندنا لا يورث خيار الشرط، وعنده يورث م: (وقد مر في البيوع) ش: في باب خيار الشرط.
م: (ولأنه بالموت يزول ملكه) ش: أي ولأن الشفعة بموته يزول ملكه م: (عن داره ويثبت الملك للوارث بعد البيع وقيامه) ش: أي قيام الملك م: (وقت البيع، وبقاؤه للشفيع إلى وقت القضاء شرط فلا يستوجب الشفعة بدونه) ش: أي فلا يستحقها بدون الشرط المذكور.

(11/374)


وإن مات المشتري لم تبطل؛ لأن المستحق باق ولم يتغير سبب حقه ولا يباع في دين المشتري ووصيته، ولو باعه القاضي والوصي أو أوصى المشتري فيها بوصيته فللشفيع أن يبطله ويأخذ الدار لتقدم حقه، ولهذا ينقض تصرفه في حياته.
قال: وإذا باع الشفيع ما يشفع به قبل أن يقضى له بالشفعة بطلت شفعته لزوال سبب الاستحقاق قبل التملك وهو الاتصال بملكه،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وإن مات المشتري لم تبطل) ش: أي شفعة الشفيع م: (لأن المستحق باق) ش: وهو الشفيع م: (ولم يتغير سبب حقه) ش: أي حق المستحق وهو الشركة أو الجوار م: (ولا يباع في دين المشتري ووصيته) ش: أي لا تباع الدار المشفوعة إذا مات المشتري وعليه دين يعني لا يقدم دين المشتري ووصيته على حق الشفيع؛ لأن حقه مقدم على حق المشتري فكان مقدما على حق من يثبت حقه أيضا من جهته وهو الغريم والموصى له.
فإن قلت: ينبغي أن يباع بدينه؛ لأن تعلق حق الغريم بالدار بعد موت المديون.
قلت: حق الشفيع آكد؛ لأنه في المالية لا غير. وإذا تقدم على الغريم تقدم على الموصى له المتأخر عن الغريم.
م: (ولو باعه القاضي أو الوصي) ش: أي ولو باع القاضي الدار المشفوعة أو وصيته في دين المشتري الميت، وذكر الضمير باعتبار المشفوع م: (أو أوصى المشتري فيها بوصيته) ش: أي في الدار المشفوعة بأن أوصى بها أو سلمها لأحد م: (فللشفيع أن يبطله ويأخذ الدار لتقدم حقه) ش: أي أن يبطل بيع القاضي أو بيع وصي المشتري، وكذا يبطل وصيته في الدار لتقدم حق الشفيع على حق المشتري لا يقال بيع القاضي حكم منه، فكيف ينقص لأنه قضاء منه، بخلاف الإجماع للإجماع على أن الشفيع حق يقضي تصرف المشتري فلا يكون نافذا، ولهذا لو جعل المشتري الدار مسجدا أو مقبرة نقض الشفيع ما صنع لتقدم حقه، وبه قالت الثلاثة.
وعن الحسن وأحمد في رواية فيما وقفه المشتري أو جعله مسجدا يبطل الشفيع؛ لأن الشفعة إنما تكون في المملوك وقد خرج هذا عن كونه مملوكا. قلنا: حق الغير منع صيرورته مسجدا أو وقفا؛ لأن المسجد ما خلص لله، ومع تعلق الغير لا يخلص في الإيضاح م: (ولهذا) ش: أي ولتقدم حق الشفيع على حق المشتري م: (ينقض تصرفه في حياته) ش: أي تصرف المشتري مثل بيعه وهبته وإجارته ونحوها.

[باع الشفيع ما يشفع به قبل أن يقضى له بالشفعة]
م: (قال: وإذا باع الشفيع ما يشفع به قبل أن يقضى له بالشفعة بطلت شفعته) ش: أي قال القدوري: وإنما يبطل م: (لزوال سبب الاستحقاق قبل التملك وهو الاتصال بملكه) ش: أي

(11/375)


ولهذا يزول به وإن لم يعلم بشراء المشفوعة، كما إذا سلم صريحا أو أبرأ عن الدين وهو لا يعلم به، وهذا بخلاف ما إذا باع الشفيع داره بشرط الخيار له؛ لأنه يمنع الزوال فبقي الاتصال.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
سبب الاستحقاق وهو اتصال الملكين وقد زال قبل التملك م: (ولهذا) ش: أي ولكون زوال السبب مبطلا م: (يزول به) ش: أي بالبيع.
م: (وإن لم يعلم) ش: أي الشفيع م: (بشراء المشفوعة) ش: أي بشراء الدار المشفوعة؛ لأن العلم بالمسقط ليس بشرط لصحة الإسقاط، وبه قال الشافعي في وجه ومالك وأحمد في رواية. قالوا: في رواية أخرى لا يسقط م: (كما إذا سلم صريحا) ش: أي كما تسقط الشفعة إذا سلم الشفيع الشفعة صريحا.
فإن قيل: يشكل بما إذا ساوم الشفيع المشتري أو سأله أن يوليه إياها أو يستأجرها منه، فإن ذلك تسليم الشفعة دلالة، والعلم بالشفعة شرط فيها فينبغي أن لا يشترط كما في البيع.
أجيب: بأن المساومة والإجارة لم يوضعا للتسليم، وإنما يسقط بها لدلالتها على رضا الشفيع، والرضا بدون العلم غير متحقق بخلاف التسليم الصريح والإبراء. ورد بأن بيع ما يشفع به ولم يوضع للتسليم وقد ذكرتم أنه يبطلها بخلافه وإن لم يعلم.
أجيب: بأن بقاءها للشفع به شرط إلى وقت القضاء بالشفعة وانتفاء الشرط يستلزم انتفاء المشروط، فكان كالموضوع له في قوة الدلالة.
م: (أو أبرأ عن الدين وهو لا يعلم به) ش: أي أو أبرأ رب الدين المديون والحال أنه لم يعلم بدينه يصح الإبراء؛ لأنه إسقاط كما لو سلم الشفعة صريحا، وهو لا يعلم المشفوعة ويوجب الشفعة.
وقال تاج الشريعة: يعني أبرأ الإنسان ولم يعلم بأنه غريمه ثم علم بذلك يسقط الدين. وفي شرح " الكافي ": رجل باع دارا ورضي الشفيع ثم جاء يدعي أنه لم يعلم أنه وجدها إلى موضع كذا أو ظن أنها أقرب أو أبعد ويدعي شفعته حين علم قال لا شفعة له؛ لأن صحة التسليم لا يقف على كون الدار معلومة لصحة الإبراء في الديون لا يتوقف على العلم بمقداره، فمتى صح التسليم كان هذا دعوى بعد التسليم فلا يسمع.
م: (وهذا) ش: أي الحكم المذكور م: (بخلاف ما إذا باع الشفيع داره بشرط الخيار له لأنه يمنع الزوال) ش: أي لأن خيار المشتري يمنع زوال الملك م: (فبقي الاتصال) ش: وهو السبب فلا تسقط شفعته.

(11/376)


قال: ووكيل البائع إذا باع وهو الشفيع فلا شفعة له. ووكيل المشتري إذا ابتاع فله الشفعة. والأصل أن من باع أو بيع له لا شفعة له. ومن اشترى أو ابتيع له فله الشفعة؛ لأن الأول
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ولو باع بعض داره شائعا فله الشفعة بما بقي، وبه قال الشافعي في وجه وأحمد في رواية، وكذا لو باع بعضه مقسوما وذلك لا يلي المبيعة؛ لأن الجوار قائم وإن كان مما يلي المبيعة بطلت شفعته لزوال الجوار.

[وكيل البائع إذا باع وهو الشفيع هل له الشفعة]
م: (قال: ووكيل البائع إذا باع وهو الشفيع فلا شفعة له) ش: أي قال القدوري: إن وكيل البائع إذا باع الدار والحال أنه هو الشفيع فلا شفعة له م: (ووكيل المشتري إذا ابتاع) ش: أي إذا اشترى م: (فله الشفعة) ش: أي فللمشتري وهو الشفيع الشفعة م: (والأصل) ش: أي الأصل في هذين الفصلين م: (أن من باع) ش: وهو وكيل البائع م: (أو بيع له) ش: أي أو أن من بيع لأحد وهو الموكل م: (فلا شفعة له) ش: أي لكل واحد منهما.
وقال الشافعي وأحمد: له الشفعة سواء كان وكيل البائع، أو وكيل المشتري لما أن حقوق العقد يرجع إلى الموكل، فبالعمل لغيره لا يسقط حقه الثابت شرعا. وقال بعض الشافعية والقاضي الحنبلي كمذهبنا.
وقال بعض الشافعية إن كان وكيل المشتري سقطت شفعته دون وكيل البائع. وكذا لو باع وشرط الخيار لغير المشتري وهو الشفيع فأجاز الشفيع بطلت شفعته عندنا خلافا للشافعي وأحمد.
م: (ومن اشترى) ش: وهو وكيل المشتري م: (أو ابتيع له) ش: أي واشترى لأجله بأن اشترى المضارب بمال المضاربة ورب المال شفيعها م: (فله الشفعة) ش: أي فلكل واحد فيهما الشفعة.
قال في " شرح الطحاوي ": بيان ذلك أن صاحب الدار إذا وكل شفيع الدار بالبيع فباعها فلا شفعة له؛ لأنه هو الذي باع. ولو أن مضاربا لرجل باع دارا من المضاربة ورب المال شفيعها بدار له أخرى فلا شفعة له لأنه بيع لأجله، وإن كان لا يملك بينة عن البيع، وإن كان المشتري وكل شفيع الدار بشرائها فاشتراها فله الشفعة، ألا ترى أنه لو اشترى دارا لنفسه وهو الشفيع كان له الشفعة، حتى لو جاء شفيع مثله أخذ منه نصف الدار. ولو جاء شفيع دونه فلا شفعة له وكذلك لو اشترى المضارب بمال المضاربة دارا ورب المال شفيعها كان له أن يأخذها بالشفعة؛ لأنه اشترى له.
ومن اشترى أو اشترى له فلا تبطل شفعته م: (لأن الأول) ش: وهو وكيل البائع الذي هو

(11/377)


بأخذ المشفوعة يسعى في نقض ما تم من جهته وهو البيع، والمشتري لا ينقض شراؤه بالأخذ بالشفعة؛ لأنه مثل الشراء وكذلك لو ضمن الدرك عن البائع وهو الشفيع فلا شفعة له وكذلك إذا باع وشرط الخيار لغيره فأمضى المشروط له الخيار البيع وهو الشفيع فلا شفعة له،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الشفيع م: (بأخذ المشفوعة) ش: أي يأخذ الدار المشفوعة، يعني إذا أراد أن يأخذ سبب الشفعة م: (يسعى في نقض ما يتم من جهته وهو البيع) ش: لأن الأخذ بالشفعة ضرب شراء، وكونه مشتريا يناقض كونه بائعا فيصير ساعيا في نقض ما يتم به فلا يجوز.
م: (والمشتري لا ينقض شراؤه) ش: أي المشتري في الفصل الثاني: وهو الذي اشترى بالوكالة والحال أنه هو الشفيع لا ينتقض شراؤه م: (بالأخذ بالشفعة) ش: لأنه ليس فيه نقض ما يتم من جهته م: (لأنه) ش: أي لأن الأخذ بالشفعة م: (مثل الشراء) ش: لما قلنا أنه ضرب شراء فلا تناقض فيه، فافهم.
م: (وكذلك) ش: أي كوكيل البائع م: (لو ضمن الدرك) ش: أي لو ضمن المشتري تبعه الاستحقاق م: (عن البائع وهو الشفيع) ش: أي والحال أنه هو الشفيع م: (فلا شفعة له) ش: لأن تمام البيع إنما كان من جهته من حيث لم يرض المشتري إلا بضمانه فكان الأخذ بالشفعة سعيا في نقض ما يتم من جهته فلا يجوز.
قال في " الجامع الكبير ": رجل اشترى دارا على أن يضمن الشفيع الثمن عن المشتري أو ضمن المشتري الدرك أو اشترط البائع الخيار للشفيع وأمضى المبيع، فهذا كله تسليم للشفعة.
وقال الشيخ أبو المعين النسفي في شرح " الجامع الكبير " إذا ضاع فضمن الشفيع الثمن من المشتري والشفيع حاضر وقبل في المجلس تقرر البيع بهذا الشرط استحسانا، والقياس أنه لا يجوز.
وذكر محمد القياس والاستحسان في كتاب البيوع من " المبسوط ". وأما لا شفعة للشفيع فلأنه صار كالبائع من وجه وكان المشتري من وجه إما كالبائع من وجه؛ لأن البيع يتم به وكذا له أن يطالب المشتري بأداء الثمن، وإما كالمشتري من وجه لأن الشراء يتم به، كذا البائع يطالبه بالثمن كما يطالب المشتري فوقع التردد، وفي ثبوت حق الشفعة فلا يثبت؛ لأن حق الشفعة متى دار بين أن يثبت وبين أن لا يثبت لا يثبت.
فإن قيل: البائع من كل وجه إنما لم يمكن له الشفعة؛ لأن إيجابها يؤدي إلى القضاء؛ لأن البيع لتمليك المبيع والشفعة لتملكه.

(11/378)


لأن البيع تم بإمضائه بخلاف جانب المشروط له الخيار من جانب المشتري.
قال: وإذا بلغ الشفيع أنها بيعت بألف درهم فسلم ثم علم أنها بيعت بأقل أو بحنطة أو شعير قيمتها ألفا أو أكثر، فتسليمه باطل وله الشفعة؛ لأنه إنما سلم لاستكثار الثمن في الأول
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وهاهنا لا يؤدي إلى القضاء؛ لأن تمليك المبيع هاهنا ما كان من جهة الشفيع قيل له: الشفيع إذا كان كفيلا عن المشتري وبالثمن كان بمعنى البائع من وجه، وإيجاب الشفعة له يؤدي إلى القضاء من وجه في التمليك والتملك.
م: (وكذلك إذا باع وشرط الخيار لغيره) ش: أي وكذلك لا شفعة إذا باع رجل دارا، وشرط الخيار لغيره وهو الشفيع م: (فأمضى المشروط له الخيار البيع وهو الشفيع) ش: أي والحال أن المشروط له الخيار هو الشفيع م: (فلا شفعة له؛ لأن البيع تم بإمضائه) ش: فإذا طلب بالشفعة يكون ساعيا لنقض ما تم من جهته فلا يجوز م: (بخلاف جانب المشروط له الخيار من جانب المشتري) ش: يعني لو شرط المشتري الخيار لغيره وهو الشفيع فأمضى البيع لا تبطل شفعته، لكن إذا طلبها قبل الإمضاء؛ لأنه لا يكون ساعيا في نقض ما تم من جهته بل أخذه بالشفعة مثل الشراء على ما مر.

[بلغ الشفيع أن الدار بيعت بألف درهم فسلم ثم علم أنها بيعت بأقل]
م: (قال: وإذا بلغ الشفيع أنها) ش: أي قال القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا بلغ الشفيع أن الدار م: بيعت بألف درهم فسلم) ش: الشفعة م: ثم علم أنها بيعت بأقل) ش: أي من الألف قيد به؛ لأنه لو علم أنها بيعت بأكثر سقطت شفعته كما علم؛ لأن الرضا بالتسليم بألف رضي بالتسليم بأكثر منه، ذكره في " المبسوط "، وبه قالت الثلاثة. وقال ابن أبي ليلى: لا شفعة له في الوجهين م: (أو بحنطة أو شعير قيمتها ألف أو أكثر) ش: أي ثم علم أنها بيعت بحنطة أو شعير قيمة كل منهما ألف أو أكثر من ألف.
وقال السغناقي: تقييده بقوله: قيمتها ألف، أو أكثر غير مفيد، فإنه لو كان قيمتها أقل مما اشترى من الدراهم كان تسليمه باطلا أيضا؛ لأن إطلاق ما ذكره في " المبسوط "، و " الإيضاح " دليل عليه حيث قال فيهما: وكذلك لو أجبر أن الثمن عبد أو ثوب، ثم ظهر أنه كان مكيلا، أو موزونا فهو على شفعته، ولم يتعرض أن قيمة المكيل، أو الموزون أقل من قيمة الذي اشتراها به، وأكثر، وهكذا استدل في " الذخيرة " وقال: فلو أخبر أن الثمن شيء من ذوات القيم فسلم ثم ظهر أنه كان مكيلا أو موزونا فهو على شفعته، انتهى، وهذا يكلف كثيرا؛ لأن التسليم إذا لم يصح فيما إذا ظهر الثمن أكثر من المسمى، فلأن لا يصح إذا ظهر أقل كان أولى.
م: (فتسليمه باطل وله الشفعة لأنه إنما سلم لاستكثار الثمن في الأول) ش: أي فيما بلغه

(11/379)


ولتعذر الجنس الذي بلغه وتيسر ما بيع به في الثاني إذ الجنس مختلف، وكذا كل مكيل أو موزون أو عددي متقارب، بخلاف ما إذا علم أنها بيعت بعرض قيمته ألف أو أكثر؛ لأن الواجب فيه القيمة وهي دراهم أو دنانير.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أنها بيعت بألف ثم علم أنها بيعت بأقل م: (ولتعذر الجنس الذي بلغه) ش: أي أو أنه إنما سلم لتعذر الجنس الذي بلغه م: (وتيسر ما بيع به) ش: بأن كان دهقانا؛ لأنه يتيسر عليه أداء الحنطة ويتعسر عليه أداء الدراهم والدنانير م: (في الثاني) ش: أي فيما إذا بلغه أنها بيعت بألف ثم علم أنها بيعت بحنطة أو شعير م: (إذ الجنس مختلف) ش: لأن الدراهم غير الحنطة والشعير، وكذا الحنطة غير الشعير.
فإن قلت: الشفعة من قبل الإسقاط وأنها لا تتوقف، والفائت هنا هو الرضا.
قلت: الإسقاط لا يتحقق، إلا بعد وجود البيع وما وجد البيع الذي سلم الشفعة فيه؛ لأنه سلم البيع بالألفين، والبيع بالألف غيره، ولأن التسليم خرج جوابا للاختيار، والكلام متى خرج جوابا يكون كالمعاد في الجواب، فصار تقديره إن كان البيع كما قلت، سلمت الشفعة، وإلا فلا، فكان مقيدا به، فلا يثبت بدونه.
م: (وكذا كل مكيل أو موزون أو عددي متقارب) ش: أي وكذا الحكم في كل مكيل بأن بلغه أنها بيعت بألف أو بيعت بحنطة ثم علم أنها بيعت بملح مثلا قيمته ألف أو أكثر فإنه على شفعته. وكذا في كل موزون بأن بلغه أنها بيعت بألف درهم أو بيعت بقنطار من العسل مثلا ثم علم أنها بيعت بقنطار من الزيت مثلا قيمته ألف أو أكثر فإنه على شفعته، وكذا في كل عددي متقارب بأن بلغه بأنه باعها بألف ثم علم أنها بيعت لا يجوز أو بيض قيمته ألف أو أكثر فإنه على شفعته.
م: (بخلاف ما إذا علم أنها بيعت بعرض قيمته ألف أو أكثر) ش: يعني إذا بلغ الشفيع أنها بيعت بألف درهم فسلم الشفعة ثم علم أنها بيعت بعرض قيمته ألف أو أكثر كان تسليمه صحيحا م: (لأن الواجب فيه) ش: أي في العرض م: (القيمة وهي دراهم أو دنانير) ش: فصار كما لو قيل بيعت بألف فسلم، ثم ظهر أكثر من ذلك وهو الذي ذكره اختيار شيخ الإسلام.
وفي " الذخيرة ": لو أخبره أن الثمن شيء من ذوات القيم فسلم ثم ظهر أنه شيء آخر من ذوات القيم بأن أخبر أن الثمن دار وظهر أنه عبد فجواب محمد أنه على شفعته من غير فصل.
قال شيخ الإسلام: هذا الجواب صحيح فيما إذا كان فيه ما ظهر أقل من قيمة ما أخبر، وغير صحيح فيما إذا كانت قيمته مثل قيمة ما أخبر؛ لأن الثمن إذا كان من ذوات القيم فالشفيع

(11/380)


وإن بان أنها بيعت بدنانير قيمتها ألف فلا شفعة له، وكذا إذا كانت أكثر. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: له الشفعة لاختلاف الجنس. ولنا: أن الجنس متحد في حق الثمنية.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يأخذ بقيمة الثمن دراهم أو دنانير، فكأنه أخبر أنه ألف درهم أو ألف دينار فسلم ثم ظهر مثل ما أخبر أو أكثر، وهناك كان التسليم صحيحا. ولو ظهر أقل كان على شفعته كذا هاهنا.
ولو كان على العكس بأن أخبر أن الثمن عبد قيمته ألف أو ما أشبه ذلك من الأشياء التي هي من ذوات القيم ثم ظهر أنه دراهم أو دنانير.
فجواب محمد أنه على شفعته من غير فصل. قال بعض المشايخ: هذا الجواب محمول على ما إذا كان قيمة ما ظهر أقل ما لو كان مثله أو أكثر فلا شفعة له. وبعضهم قال: هذا جواب صحيح على الإطلاق بخلاف المسألة المتقدمة؛ لأنه وإن كان يأخذ بالقيمة قد يصير مغبونا في ذلك؛ لأن التقويم بالظن يكون، وإنما سلم حتى لا يصير مغبونا، وهذا المعنى منعدم فيما إذا كان الثمن دراهم.
م: (وإن بان أنها بيعت بدنانير قيمتها ألف فلا شفعة له، وكذا إذا كانت أكثر) ش: يعني وإن ظهر أن الدار بيعت بدنانير قيمتها ألف درهم فيما إذا أخبر أنها بيعت بعوض قيمته أكثر من ألف م: (وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: له الشفعة لاختلاف الجنس) ش: يعني بين الدراهم والدنانير، ولهذا حل التفاضل بينهما، وبه قالت الثلاثة.
م: (ولنا: أن الجنس متحد في حق الثمينة) ش: بدليل تكميل نصاب أحدهما بالآخر والمكره بالبيع بالدراهم يكون مكرها على البيع بالدنانير ورب الدين إذا ظفر بدنانير المديون وحقه الدراهم له أن يأخذ، ومال المضاربة إذا صار دنانير عمل بهن رب المال، كما لو صار دراهم.
وإنما اعتبرنا جنسين في حق الربا حتى جاز بيع أحدهما بالآخر متفاضلا؛ لأن الربا لا يجري باعتبار الثمنية، بل باعتبار الوزن والجنس، وهما مختلفان في هذا الوجه حقيقة. ولهذا لا يجري الربا بين الدراهم والحديد وإن وجد الاتحاد من حيث الوزنية.
وذكر في " الأسرار " خلاف أبي يوسف فقال: تبطل شفعته عند أبي يوسف استحسانا خلافا لهما.
وفي " الذخيرة " جعل قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - مثل قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - كما ذكر في الكتاب.

(11/381)


قال: وإذا قيل له: إن المشتري فلان فسلم الشفعة ثم علم أنه غيره فله الشفعة لتفاوت الجوار. ولو علم أن المشتري هو مع غيره فله أن يأخذ نصيب غيره؛ لأن التسليم لم يوجد في حقه. ولو بلغه شراء النصف فسلم ثم ظهر شراء الجميع فله الشفعة؛ لأن التسليم لضرر الشركة ولا شركة وفي عكسه لا شفعة في ظاهر الرواية؛ لأن التسليم في الكل تسليم في أبعاضه، والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (قال: وإذا قيل له: إن المشتري فلان فسلم الشفعة ثم علم أنه غيره فله الشفعة لتفاوت الجوار) ش: أي قال القدوري، وبه قال الشافعي في وجه لا شفعة له، واختار الأول في شرح " الوجيز " م: (ولو علم أن المشتري هو مع غيره) ش: أي لو علم الشفيع أن المشتري فلان مع غيره بأن علم أن زيدا وعمرا قد كان ترك لأجل زيد م: (فله أن يأخذ نصيب غيره) ش: أي غير فلان وهو عمرو م: (لأن التسليم لم يوجد في حقه) ش: أي في حق الغير، وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا تبطل شفعته أصلا في نصيبه ولا في نصيب غيره م: (ولو بلغه شراء النصف) ش: أي ولو بلغ الشفيع أن نصف الدار بيع م: فسلم ثم ظهر شراء الجميع) ش: أي جميع الدار م: (فله الشفعة؛ لأن التسليم لضرر الشركة ولا شركة) ش: أي لأن التسليم شفعته كان لأجل ضرر الشركة ولا شركة هاهنا، فكانت له الشفعة في جميع الدار.
م: (وفي عكسه) ش: وهو أن يخبر بشراء الكل فظهر شراء النصف م: (لا شفعة في ظاهر الرواية؛ لأن التسليم في الكل تسليم في أبعاضه) ش: بفتح الهمزة جمع بعض، أي تسليم الشفعة في كل الدار تسليم في جميع أجزائها فلا تبقى له شفعة.
واحترز بقوله في ظاهر الرواية عن رواية الثمر بن حداد فإنه روى عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه قال فله الشفعة في هذه الصورة كما في الصورة المذكورة، وبه قال الشافعي وأحمد لجواز أن يكون تسليم الكل لعدم قدرته على الثمن، وقد يتمكن على البعض بخلاف ما إذا سلم في البعض؛ لأن العجز عن أداء البعض عجز عن أداء الكل بالطريق الأولى.
وفي " الذخيرة ": فلو ظهر أنه اشترى النصف لا شفعة له، كذا قال شيخ الإسلام: هذا الجواب محمول على ما إذا كان ثمن النصف مثل ثمن الكل بأن أخبر أنه اشترى النصف بألف، أما لو ظهر أنه اشترى النصف بخمسمائة يكون على شفعته.

(11/382)


فصل قال: وإذا باع دارا إلا مقدار ذراع منها في طول الحد الذي يلي الشفيع فلا شفعة له لانقطاع الجوار، وهذه حيلة، وكذا إذا وهب منه هذا المقدار وسلمه إليه لما بينا. قال: وإذا ابتاع منها سهما بثمن ثم ابتاع بقيمتها فالشفعة للجار في السهم الأول دون الثاني؛ لأن الشفيع جار فيهما إلا أن المشتري في الثاني شريك فيتقدم عليه، فإن أراد الحيلة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[فصل الحيل في الشفعة]
[باع دارا إلا بمقدار ذراع منها في طول الحد الذي يلي الشفيع]
م: (فصل)
ش: هذا بيان الحيل التي تبطل بها الشفعة وهو محتاج إليه؛ لأن الشفيع ربما يكون فاسقا مؤذيا أو ظالما متعديا فيحتاج إلى الاجتناب عن جواره.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإذا باع دارا إلا بمقدار ذراع منها في طول الحد الذي يلي الشفيع فلا شفعة له لانقطاع الجوار، وهذه حيلة) ش: أي في إسقاط الشفعة م: (وكذا إذا وهب منه هذا المقدار وسلمه إليه) ش: وكذا لا شفعة له إذا وهب منه، أي من فلان هذا المقدار، أي قدر ذراع في طول الحد الذي يلي الشفيع وسلمه إليه، أي إلى الموهوب له مع طريقه حتى تصح الهبة؛ لأن ما وهب مقدار معين، والطريق إذا كان شائعا إلا أنه لا يحتمل القسمة وهبة المشاع فيما لا يحتملها جائزة فيصير شريكا في الطريق ثم يبيع بقية الدار منه بثمن الكل م: (لما بينا) ش: أشار به إلى قوله لانقطاع الجوار.
م: (قال: وإذا ابتاع منها سهما بثمن) ش: أي قال القدوري: وإن اشترى من الدار سهما بثمن معين م: ثم ابتاع بقيتها) ش: أي ثم اشترى بقية الدار م: (فالشفعة للجار في السهم الأول دون الثاني؛ لأن الشفيع جار فيهما، إلا أن المشتري في الثاني شريك فيتقدم عليه) ش: لأن المشتري حيث اشترى الثاني كان هو شريكا؛ لأنه كما اشترى الجزء الأول صار شريكا للبائع فكان عند شراء الباقي شريكا له لا محالة، وحق الشفعة يثبت عند الشراء، وهو عند ذلك شريك، فكان مقدما على الجار.
وقال القدوري في " شرح مختصر الكرخي " قال أبو يوسف: وإن كان المشتري للنصف الثاني غير المشتري للنصف الأول فلم يخاصمه فيه حتى أخذ الجار النصف الأول والجار أحق بالنصف الثاني من المشتري الأول؛ لأن الملك للمشتري الأول زال عن النصف قبل انتقال الشفعة إليه فسقطت شفعته وبقي حق الجار فاستحق النصف الثاني بالجوار كما استحق الأول.
م: (فإن أراد الحيلة) ش: هذه حيلة ترجع إلى تقليد رغبة الشفيع الأول إلى الإبطال؛ لأن

(11/383)


ابتاع السهم بالثمن إلا درهما مثلا، والباقي بالباقي. وإن ابتاعها بثمن ثم دفع إليه ثوبا عوضا عنه فالشفعة بالثمن دون الثوب؛ لأنه عقد آخر والثمن هو العوض عن الدار.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
في الأول ليس للجار أن يأخذ؛ لأن مقدار ذارع من طول حد الشفيع لم يبع م: (ابتاع السهم بالثمن إلا درهما مثلا) ش: أي اشترى السهم الواحد من الدار وهو السهم الذي يلي الشفيع مثلا بالألف إلا درهما م: (والباقي بالباقي) ش: أي وابتاع الباقي من الدار بباقي الثمن وهو الدرهم.
تفسيره ما قاله في " شرح الطحاوي " وهو أن يبيع أولا من الدار أو من الكرم عشرها مشاعا بأكثر من الثمن ثم يبيع تسعة أعشارها ببقية الثمن، حتى إن الشفيع لا يثبت له حق الشفعة إلا في عشرها بثمنه، ولا تثبت له الشفعة في تسعة الأعشار؛ لأن المشتري حين اشترى تسعة أعشارها كان شريكا فيها بالعشر، وهذه الحيلة إنما تكون للخيار أو الخليط؛ لأن الشريك أولى منهما ولا يحتال بها للشريك؛ لأن الشفيع إذا كان شريكا كان له أن يأخذ نصف قيمة الأعشار أيضا بقليل الثمن.
وإن كانت الدار للصغير فإن بيع العشر منهما بكثير الثمن يجوز، وبيع تسعة الأعشار بقليل الثمن لا يجوز؛ لأن بيع مال الصغير بأقل من قيمته قدر ما لا يتغابن الناس فيه لا يجوز، فيكون في هذه الحيل مضرة المشتري وهو أن يلزمه العشر، ولا يجوز شراؤه في تسعة الأعشار. وقد يجوز أن يحتال بهذه الحيلة في دار الصغير وهو أن يبيع من داره جزءا من مائة جزء.
أو يبيع جزءا من ألف جزء وبثمن أكثر من قيمته ثم يبيع بقية الدار بمثل ثمنه، فإنما تثبت له الشفعة في الجزء الأول خاصة، وهذه الحيلة للجار والخليط، فأما إذا كان الشفيع شريكا فإنه يأخذ نصف البقية بنصف.
م: (وإن ابتاعها بثمن ثم دفع إليه ثوبا عوضا عنه فالشفعة بالثمن دون الثوب) ش: هذا لفظ القدوري أيضا وإن اشترى الدار بثمن ثم دفع إلى البائع ثوبا عوضا عن الثمن فالشفعة تكون بالثمن دون الثوب م: (لأنه عقد آخر) ش: أي لأن دفع الثمن عن الثمن عقد آخر م: (والثمن هو العوض عن الدار) ش: فتكون الشفعة بالثمن دون الثوب؛ لأن الشفعة تثبت بمثل الثمن الذي بيعت الدار به. ألا ترى أن البائع لو وهب للمشتري الثمن أو اشترى به دارا أخذها الشفيع بالمسمى حال العقد ولا يأخذ قيمة الدار الثانية لأنها ملكت العقد الثاني، كذلك في مسألتنا.

(11/384)


قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وهذه حيلة أخرى تعم الجوار والشركة فيباع بأضعاف قيمته ويعطى بها ثوب بقدر قيمته، إلا أنه لو استحقت المشفوعة يبقى كل الثمن على مشتري الثوب لقيام البيع الثاني فيتضرر به.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وهذه حيلة أخرى تعم الجوار والشركة) ش: أي قال صاحب " الهداية " هذه المسألة وهي المسألة التي ابتاعها بثمن ثم دفع إليه ثوبا عن الثمن حيلة أخرى يصلح للجوار والشركة، يعني يحتال بها في حق الجوار والشريك بخلاف الحيلتين الأولتين ذكرهما القدوري بقوله: وإذا باع دارا إلا مقدار ذراع.. إلى آخره.
وبقوله: وإن ابتاع منها سهما ثم ابتاع بقيتها.. إلى آخره فإنهما محتال بهما في حق الجار لا الشريك.
ثم بين المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - كيفية هذه الحيلة بقوله م: (فيباع بأضعاف قيمته) ش: أي يباع المبيع بأضعاف قيمة المبيع م: (ويعطى بها ثوب بقدر قيمته) ش: أي ثم يعطي المشتري بمقابلة ما وجب عليه من أضعاف القيمة ثوبا يكون ذلك الثوب بقدر قيمة المبيع في الواقع بيان، أي يباع المبيع بأضعاف قيمة المبيع، ذلك ما ذكره في " شرح الطحاوي ": أن يبيع ما يساوي ألفا بألفين وينقد من الثمن ألف درهم إلا عشرة دراهم ثم يبيع بألف وعشرة عرضا يساوي عشرة دراهم فحصلت الدار للمشتري بألف درهم في الحاصل، ولكن الشفيع لا يأخذها إلا بألفي درهم.
والأفضل للبائع أن يجعل مكان العرض دينارا يساوي عشرة دراهم، هذا هو الأحوط، حتى إن الدار لو استحقت عن يد المشتري رجع على البائع بمثل ما أعطاه؛ لأنه يبطل الصرف بالاستحقاق.
وهذه الحيلة لجميع الشفعاء لو كان باع ببقية الثمن عوضا سوى الذهب يساوي عشرة دراهم كما ذكرنا، فعند الاستحقاق يرجع المشتري على البائع بألفي درهم ويكون فيه مضرة على البائع.
م: (إلا أنه) ش: استثنى عن قوله: نعم الجوار والشركة أو من قوله، وهذه أخرى، أعني أنها حيلة عامة، إلا أن فيها وهم وقوع الضرر على البائع على تقدير ظهور المستحق يستحق الدار، وهو معنى قوله: م: (لو استحقت المشفوعة) ش: أي الدار المشفوعة م: (يبقى كل الثمن على مشتري الثوب) ش: وهو بائع الدار م: (لقيام البيع الثاني فيتضرر به) ش: أي يتضرر بائع الدار برجوع مشتري الدار عليه بكل الثمن الذي هو أضعاف قيمة الدار، وذلك لأن باستحقاق الدار تبطل المبايعة التي جرت بين مشتري الدار وبائعها في الثوب، فيثبت

(11/385)


والأوجه أن يباع بالدراهم الثمن دينار، حتى إذا استحق المشفوع يبطل الصرف فيجب رد الدينار لا غير.
قال: ولا تكره الحيلة في إسقاط الشفعة عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
باستحقاق الدار لمشتريها الرجوع على البائع بثمن الدار وثمنها ما يكون مذكورا في العقد الأول، فيتضرر بذلك البائع.
م: (والأوجه) ش: يعني الوجه في هذه المسألة أن لا يتضرر بائع الدار م: (أن يباع بالدراهم الثمن دينار) ش: يعني تصارف، وقوله: الثمن بالجر صفة للدراهم، وقوله: دينار بالرفع مسند إلى قوله يباع مفعول ناب عن الفاعل م: (حتى إذا استحق المشفوع يبطل الصرف) ش: وهو بيع الدينار بالدراهم الثمن م: (فيجب رد الدينار لا غير) ش: أي يجب على البائع رد الدينار الذي وقع به الصرف لا غير، بيان ذلك ما ذكره في " قاضي خان ": أن يبيع الدار بعشرين ألفا إذا أراد أن يبيعها بعشرة آلاف درهم ثم يقبض الشفعة إلا قدر درهم وخمسمائة، ويقبض بالباقي عشرة دنانير أو أقل أو أكثر.
ولو أراد الشفيع أن يأخذها بعشرين ألفا فلا يرغب في الشفعة، ولو استحقت الدار لا يرجع المشتري بعشرين ألفا، بل يرجع بما أعطاه، لأنه استحقت الدار ظهر أنه لم يكن عليه ثمن الدار فيبطل الصرف، كما لو باع العقار بالدراهم التي للمشتري على البائع ثم تصادقا أنه لم يكن عليه دين فإنه يبطل الصرف.

[الحيلة في إسقاط الشفعة]
م: (قال: ولا تكره الحيلة في إسقاط الشفعة عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي قال القدوري: اعلم أن الجملة في هذا الكتاب إما أن يكون للرفع بعد الوجوب أو لدفعه.
فالأول: مثل أن يقول المشتري للشفيع أما أولها لك فلا حاجة لك في الأخذ فيقول نعم تسقط به الشفعة، وهو مكروه بالإجماع.
والثاني: مختلف فيه، قال بعض المشايخ غير مكروه عند أبي يوسف ومكروه عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو الذي ذكره في الكتاب، وقال في " شرح الطحاوي ": قيل: إن الاختلاف في الحيلة الإبطال قبل الوجوب، فأما بعد الوجوب فمكروه بالإجماع.
وقال في " الواقعات الحسامية " في إبطال الشفعة على وجهين أما إن كانت بعد الثبوت أو قبل الثبوت
ففي الوجه الأول: مكروه بالاتفاق نحو أن يقول المشتري للشفيع: اشتره مني وما أشبه ذلك، لأنه إبطال لحق واجب.
وفي الوجه الثاني: لا بأس به سواء كان الشفيع عدلا أو فاسقا هو المختار؛ ولأنه ليس

(11/386)


وتكره عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن الشفعة إنما وجبت لدفع الضرر، ولو أبحنا الحيلة ما دفعناه. ولأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه منع عن إثبات الحق فلا يعد ضررا، وعلى هذا الخلاف الحيلة في إسقاط الزكاة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بإبطال ومن هذا الجنس ثلاث مسائل، إحداها هذه، والثانية الحيلة في منع وجوب الزكاة.
والثالثة: الحيلة لدفع الربا بأن باع مائة درهم وفلسا بمائة وعشرين درهم.
وقال الخصاف في أول كتاب "الحيل": لا بأس بالحيل فيما يحل ويجوز. وأما الحيلة بشيء يتخلص به الرجل من الحرام ويخرج إلى الحلال، مما كان من هذا ونحوه فلا بأس به، وإنما يكره من ذلك أن يحتال الرجل في حق الرجل حتى يبطله أو يحتال في باطل حتى يموته، أو يحتال في شيء حتى يدخل فيه شبهة.
م: (وتكره عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وبه قال الشافعي. وعند أحمد بالحيلة لا تسقط الشفعة. وفي صورة الموهوب أو جهالة الثمن يأخذ بثمن المثل لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تحل الخديعة» .
قلنا: الحيلة لدفع الضرر عن نفسه مشروع بالآية والحديث، وإن كان الغير يتضرر به في ضمنه فكيف إذا لم يتضرر م: (لأن الشفعة إنما وجبت لدفع الضرر، ولو أبحنا الحيلة ما دفعناه) ش: أي الضرر.
م: (ولأبي يوسف: أنه منع عن إثبات الحق) ش: أي في التحيل منع عن وجوب الحق عليه م: (فلا يعد ضررا) ش: فلا يكره كما لا تكره الحيلة في إسقاط الربا م: (وعلى هذا الخلاف) ش: المذكور بين أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - م: (الحيلة في إسقاط الزكاة) ش: فعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يكره، وعند محمد: تكره.
وقيل: الفتوى على قول أبي يوسف في الشفعة، وعلى قول محمد في الزكاة، والله سبحانه وتعالى أعلم.

(11/387)


مسائل متفرقة
قال: وإذا اشترى خمسة نفر دارًا من رجل، فللشفيع أن يأخذ نصيب أحدهم، وإن اشتراها رجل من خمسة أخذها كلها أو تركها، والفرق أن في الوجه الثاني بأخذ البعض تتفرق الصفقة على المشترى فيتضرر به زيادة الضرر. وفي الوجه الأول يقوم الشفيع مقام أحدهم فلا تتفرق الصفقة. ولا فرق في هذا بين ما إذا كان
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[مسائل متفرقة في الشفعة]
[اشترى خمسة نفر دارا من رجل ولها شفيع]
م: (مسائل متفرقة) ش: ارتفاع مسائل على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي هذه مسائل، وإنما منع التنوين لأنه على صيغة منتهى الجموع كمساجد ودراهم. ومتفرقة بالرفع صفته. ويجوز النصب على تقدير خذ مسائل متفرقة أو هاك أو نحوهما ولم يذكر محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير " من مسائل الشفعة إلا هذه المسائل.
م: (قال: وإذا اشترى خمسة نفر دارا من رجل فللشفيع أن يأخذ نصيب أحدهم) ش: أي قال في " الجامع الصغير " وصورتها فيه محمد عن يعقوب عن أبي حنيفة في خمسة نفر اشتروا من رجل دارا ولها شفيع فأراد أن يأخذ نصيب أحدهم قال له ذلك، فإن اشترى واحد من الخمسة لم يكن للشفيع أن يأخذ نصيب بعضهم دون بعض، انتهى.
وذكره محمد في بيوع " الجامع الصغير ".
م: (وإن اشتراها رجل من خمسة أخذها كلها أو تركها) ش: وبه قال مالك والقاضي الحنبلي والشافعي في وجه. وقال الشافعي في الأصح له أن يأخذ حصة أحدهم، وبه قال أحمد كما في الفصل الأول، ولا خلاف في فصل الأول م: (والفرق) ش: بين الفصلين م: (أن في الوجه الثاني بأخذ البعض تتفرق الصفقة على المشتري فيتضرر به) ش: أي تتفرق الصفقة عليه م: (زيادة الضرر) ش: وهي زيادة ضرر التشقيص، فإن أخذ الملك منه ضرر، وضرر التشقيص زيادة على ذلك، والشفعة شرعت لدفع ضرر الدخيل فلا تشرع على وجه يتضرر به الدخيل ضررا زائدا.
م: (وفي الوجه الأول يقوم الشفيع مقام أحدهم) ش: لأنه إذا أخذ نصيب أحدهم فقد ملك عليه بجميع ما اشترى، وقام مقامه م: (فلا تتفرق الصفقة) ش: على المشتري هذا إذا كان الثمن منقودا، فأما إذا لم ينقدوا الثمن، فأراد الشفيع أن يأخذ نصيب أحدهم من البائع بحصتها من الثمن ليس له ذلك لما فيه من تفريق الصفقة على البائع.
م: (ولا فرق في هذا) ش: أي في أخذ الشفيع نصيب أحد المشترين م: (بين ما إذا كان

(11/388)


قبل القبض أو بعده هو الصحيح، إلا أن قبل القبض لا يمكنه أخذ نصيب أحدهم إذا نقد ما عليه ما لم ينقد الآخر حصته، كيلا يؤدي إلى تفريق اليد على البائع بمنزلة أحد المشترين بخلاف ما بعد القبض؛ لأنه سقطت يد البائع، وسواء سمى لكل بعض ثمنا أو كان الثمن جملة؛ لأن العبرة في هذا لتفريق الصفقة لا للثمن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قبل القبض) ش: أي قبل قبض مشتري الدار م: (أو بعده) ش: أي وبعد القبض م: (هو الصحيح) ش: احترز به عما روى القدوري عن أصحابنا، والحسن بن زياد عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن المشتري إذا كانا اثنين لم يكن للشفيع أن يأخذ نصيب أحدهم قبل القبض، لأن التملك يقع على البائع فتتفرق عليه الصفقة.
وله أن يأخذ نصيب أحدهم بعد القبض، لأن التملك حينئذ يقع على المشتري وقد أخذ منه جميع ملكه م: (إلا أن قبل القبض) ش: استثني من قوله: ولا فرق في هذا يعني أن الشفيع أخذ نصيب أحد المشتريين قبل القبض وبعده، إلا أن قبل القبض.
م: (لا يمكنه أخذ نصيب أحدهم) ش: أي لا يمكن الشفيع أخذ نصيب أحد المشتريين م: (إذا نقد) ش: أحد المشتريين م: (ما عليه ما لم ينقد الآخر حصته؛ كيلا يؤدي إلى تفريق اليد على البائع) ش: يعني إذا قبضه نصيب أحدهم، عند عدم نقد أحد المشتريين ما عليه من الثمن يؤدي إلى تفريق الصفقة إلى البائع كما ذكرناه عن قريب م: (بمنزلة أحد المشتريين) ش: إذ نقد ما عليه الثمن ليس له أن يقبض نصيبه من الدار حتى يؤدي كلهم جميع ما عليهم من الثمن لئلا يلزم تفريق اليد على البائع.
م: (بخلاف ما بعد القبض) ش: أي قبض مشتري الدار م: (لأنه سقطت يد البائع) ش: فلا يلزم تفريق اليد عليه م: (وسواء سمى لكل بعض ثمنا أو كان الثمن جملة) ش: أي سواء سمى البائع بكل جزء من أجزاء المبيع ثمنا، أو كان الثمن جملة واحدة به أن يكون البيع منفعة.
م: (لأن العبرة في هذا لتفريق الصفقة، لا للثمن) ش: أي لا تفريق الثمن، حتى لو تفرقت الصفقة، من الابتداء فيما إذا كان المشتري واحدا، والبائع اثنين، واشترى نصيب كل واحد منهما بصفقة على حده كان للشفيع أن يأخذ نصيب أحدهما، وإن لحق المشتري، ضرر عيب الشركة؛ لأنه رضي بهذا المبيع حتى اشترى كذلك.
وذكر التمرتاشي: محالا إلى " الجامع " في اتحاد الصفقة، أن يتحد العاقد، والعقد، والثمن، أو يتعدد العاقد، والعقد، والثمن متحدان بأن قال البائع للمشترين: بعت منكما، أو قال البائعان للمشتري بعنا منك تتحد الصفقة، لأن ما يوجب الاتحاد راجح وهو العقد

(11/389)


وهاهنا تفريعات ذكرناها في " كفاية المنتهي "
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
والثمن والعقد والعاقد واحد بأن قال بعت هذا بكذا وهذا بكذا وقال: اشترى ذلك، أما لو تفرق الثلاثة تتفرق الصفقة، وإن أتحد العقد وتفرق العاقد والثمن. قيل: تفريق الصفقة لرجحان جنبة التفرق. وقيل: لا يتفرق، فقيل: الأول قياس، وهو قولهما، والثاني: استحسان، وهو قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

م: (وهاهنا تفريعات ذكرناها في " كفاية المنتهي ") ش: تلك التفريعات ذكرها الكرخي في "مختصره " وبوب عليها بابا فقال: وكذلك إذا كان الشراء بوكالة فوكل رجل رجلين بشراء دار ولهما شفيع فللشفيع أن يأخذ نصيب أحد المشترين. وإن كان الموكل رجلين والوكيل رجلا واحدا لم يكن له أن يأخذ نصيب أحد الموكلين. قال ابن سماعة عن محمد في "نوادره" ذلك، وقال: إنما أنظر إلى المشتري ولا أنظر إلى المشترى له.
قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وكذلك لو اشترى بعشرة فليس له أن يأخذ شيئا دون شيء، ولو اشترى عشرة لرجل كان للشفيع أن يأخذ من واحد ويدع الآخرين، أو يأخذ من اثنين أو ثلاثة ويدع البقية.
وكذا روى هشام عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " النوادر ": في الوكيل والوكيلين في الشراء وإذا اشترى الرجل دارين صفقة واحدة فجاء شفيع لهما جميعا، فأراد أن يأخذ أحدهما دون الأخرى فليس له ذلك، وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - وقال الحسن بن زياد عن زفر: الشفيع بالخيار إن شاء أخذهما وإن شاء أحدهما دون الأخرى وهذا قول الحسن وإذا كان الشفيع شفيعا لأحدهما دون الأخرى وقع البيع عليهما صفقة واحدة فإن الحسن بن أبي مالك روى عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن ليس له إلا أن يأخذ الذي تجاور بالحصة، وكذلك روى هشام عن محمد في رجل اشترى دارين مثلا صفين وله جار يلي إحداهما قال: فإنه يأخذ التي تليه بالشفعة ولا شفعة له في الأخرى. وقال هشام: قلت لمحمد ما يقول في عشرة أقرحة مثلا صفقة لرجل يلي واحد منها أرض إنسان فبيعت العشرة الأقرحة، فقال للشفيع أن يأخذ القراح الذي يليه وليس له في بقيتها شفعة. قلت له: ثم قال لأن كل قراح على حد. قلت: ليس بينهما طريق ولا نهر، وإنما هي مرور أو مسناة، قال: لا شفعة له إلا فيما يليه.
وقال هشام: قلت لمحمد في قرية خالصة لرجل باعها والقرية عندنا على ما فيها من الدور والأرضين والكروم وقال محمد: ولكن القرية عندنا على بيوت القرية خالصة.
قلت لمحمد: باع رجل هذه القرية بدورها وكرومها وأرضها وناحية منها تلي إنسانا قال محمد: للشفيع أن يأخذ القراح الذي يليه قلت: والكل شفيع أن يأخذ القراح الذي يليه

(11/390)


قال: ومن اشترى نصف دار غير مقسوم فقاسمه البائع أخذ الشفيع النصف الذي صار للمشتري أو يدع، لأن القسمة من تمام القبض لما فيها من تكميل الانتفاع، ولهذا يتم القبض بالقسمة في الهبة، والشفيع لا ينتقض القبض، وإن كان له نفع فيه بعود العهدة على البائع، فكذا لا ينقض ما هو من تمامه
بخلاف ما إذا باع أحد الشريكين نصيبه من الدار المشتركة وقاسم المشتري الذي لم يبع
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وأوشك أن يأخذوا حواشي القرية وذلك أردأ أرضها ويبقى وسط القرية للمشتري فلم ينكر محمد، وروايته به يقول: وقال القدوري في شرحه لمختصر الكرخي وروى الحسن بن زياد في رجل اشترى قرية بأرضها وأرضها أقرحة متفرقة، ولا حد للأقرحة جاز، قال: يأخذ القرية كلها بالشفعة وليس له أن يأخذ ذلك القراح ويدع ما سواه.
وروى ابن أبي مالك عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن أبا حنيفة كان يقول: ليس له أن يأخذ إلا القراح الذي هو ملاصقه، لأن هذه الأقرحة مختلفة. قال والذي يجيء على قياسه أن هذه الأقرحة إذا كانت من صفقة واحدة أو قرية واحدة فهي كقراح واحد ودار واحدة، وهذا يدل على أن أبا حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - كان يقول مثل قول محمد ثم رجع فقال: يأخذ الشفيع الجميع، لأنه ليتضرر بتفريعه كالدار الواحدة.

[اشترى نصف دار غير مقسوم فقاسمه البائع]
م: (قال) ش: أي في " الجامع الصغير ": م: (ومن اشترى نصف دار غير مقسوم) ش: أي حال كون النصف غير مقسوم م: (فقاسمه البائع أخذ الشفيع النصف الذي صار للمشتري أو يدع) ش: أي أو يترك يعني ليس له أن ينقض القسمة بأن يقول للمشتري ادفع إلى البائع حتى آخذ منه، لأنه سواء كانت القسمة بحكم أو بغيره م: (لأن القسمة من تمام القبض لما فيه من تكميل الانتفاع) ش: لأن القسمة في غير المكيل، والموزون إقرار وقبض بعين الحق من وجه، ومبادلة من وجه، والشفيع يملك بمقتضى المبادلة التي يحدثها المشتري ولا يملك نقض القبض.
م: (ولهذا) ش: أي ولكون القسمة من تمام القبض م: (يتم القبض بالقسمة في الهبة) ش: يعني أن هبة المشاع فيما يقسم فاسدة، ومع هذا لو قسم وسلم جاز م: (والشفيع لا ينقض القبض) ش: ليعيد الدار إلي البائع م: (وإن كان له نفع فيه) ش: أي في النقض م: (بعود العهدة) ش: وهي ضمان الاستحقاق م: (على البائع، فكذا لا ينقض ما هو من تمامه) ش: أي من تمام القبض وهو القسمة، وفي " الذخيرة ": تصرفات المشتري في الدار المشفوعة صحيحة إلى أن يحكم بالشفعة؛ لأن التصرف يعتمد الملك، والملك له وللشفيع حق الأخذ، غير أن الشفيع ينقض كل تصرف إلا القبض، وما كان من تمام القبض، والقسمة من تمام القبض.

[باع أحد الشريكين نصيبه من الدار المشتركة وقاسم المشتري الذي لم يبع]
م: (بخلاف ما إذا باع أحد الشريكين نصيبه من الدار المشتركة، وقاسم المشتري الذي لم يبع)

(11/391)


حيث يكون للشفيع نقضه؛ لأن العقد ما وقع مع الذي قاسم فلم تكن القسمة من تمام القبض الذي هو حكم العقد، بل هو تصرف بحكم الملك لينقضه الشفيع كما ينقض بيعه وهبته، ثم إطلاق الجواب في الكتاب يدل على أن الشفيع يأخذ النصف الذي صار للمشتري في أي جانب كان. وهو المروي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن المشتري لا يملك إبطال حقه بالشفعة.
وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه إنما يأخذه إذا وقع في جانب الدار التي يشفع بها لأنه لا يبقى جارا فيما يقع في الجانب الآخر.
قال: ومن باع دارا وله عبد مأذون عليه دين فله الشفعة، وكذا إذا كان العبد هو البائع فلمولاه الشفعة، لأن الأخذ بالشفعة تملك بالثمن فينزل منزلة الشراء.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ش: أي الشريك الذي لم يبع، قوله: المشتري فاعل لقوله: قاسم، وقوله: الذي لم يبع في محل النصب على المفعولية أي قاسم المشتري الدار مع الشريك الذي للبائع ولم يبع م: (حيث يكون للشفيع نقضه، لأن العقد ما وقع على الذي قاسم فلم تكن القسمة من تمام القبض الذي هو حكم العقد) ش: لأن القسمة ما جرت بين المتعاقدين فلم يمكن جعلها قبضا بجهة العقد وتكميلا للقبض، فاعتبرت مبادلة وللشفيع أن ينقض المبادلة م: (بل هو تصرف بحكم الملك لينقضه الشفيع كما ينقض بيعه وهبته) ش: أي بل المشتري تصرف بحكم الملك فكان مبادلة، وللشفيع أن ينقض المبادلة كما ينقض البيع والهبة وغيرهما من التصرف.
م: (ثم إطلاق الجواب في الكتاب) ش: أي في " الجامع الصغير "، وإطلاق الجواب حيث قال:
م: (يدل على أن الشفيع يأخذ النصف الذي صار للمشتري في أي جانب كان، وهو المروي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأن المشتري لا يملك إبطال حقه بالشفعة، وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه إنما يأخذه إذا وقع في جانب الدار التي يشفع بها؛ لأنه لا يبقى جارا فيما يقع في الجانب الآخر)
ش: أي أن الشفيع إنما يأخذ النصف والباقي ظاهر.

[باع دارا وله عبد مأذون عليه دين فله الشفعة]
م: (قال: ومن باع دارا وله عبد مأذون عليه دين فله الشفعة) ش: أي قال في " الجامع الصغير ": وصورتها فيه محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن يعقوب، عن أبي حنيفة في الرجل يبيع الدار وله عبد عليه دين هو شفيعها قال: له الشفعة.
م: (وكذا إذا كان العبد هو البائع فلمولاه الشفعة؛ لأن الأخذ بالشفعة تملك بالثمن فينزل منزلة الشراء) ش: أي فينزل الآخر بالشفعة بمنزلة الشراء، ولو اشترى أحدهما من آخر يجوز، لأنه يفيد ملك اليد، فكذا الأخذ بالشفعة. وعند الثلاثة لا شفعة له، لأنه بائع أو مشتر لمولاه كما لم يكن عليه دين.

(11/392)


وهذا لأنه مفيد لأنه يتصرف للغرماء، بخلاف ما إذا لم يكن عليه دين لأنه يبيعه لمولاه ولا شفعة لمن يبيع له.
قال: وتسليم الأب والوصي الشفعة على الصغير جائز عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وهذا) ش: أي جواز أخذه بالشفعة م: (لأنه مفيد) ش: أي لأن أخذه بالشفعة مفيد م: (لأنه يتصرف للغرماء) ش: لا للمولى م: (بخلاف ما إذا لم يكن عليه دين لأنه يبيعه لمولاه ولا شفعة لمن يبيع له) ش: أي لأجله، وقد مر أن من بيع له لا شفعة له. وقال شيخ الإسلام الأسبيجابي "في شرح الكافي ": وإذا باع الرجل دارا وله عبد تاجر وهو شفيعها فإن كان عليه دين فله الشفعة، لأنه لا يأخذ لمولاه بل لنفسه، فكان مفيدا. ألا ترى أنه لو اشترى شيئا من مولاه كان جائزا إذا كان عليه دين، فكذا الأخذ بالشفعة، وإن لم يكن عليه دين لا يصح، لأنه يأخذها لمولاه وهو بائع.
وكذا إذا باع العبد والمولى شفيعها فهو على هذا التقسيم، ثم قال شيخ الإسلام: وإذا باع المولى دارا ومكاتبه شفيعها فله الشفعة، لأنه أقرب إلى الأجانب من العبد المأذون، فإنما يأخذ لنفسه فكان أخذه الدار بالشفعة مفيدا.

[تسليم الأب والوصي الشفعة على الصغير]
م: (قال: وتسليم الأب والوصي الشفعة على الصغير جائز عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -) ش: أي قال في " الجامع الصغير " قال الكرخي في "مختصره": وإذا بيعت الدار، وشفيعها صبي، وهو في حجر أبيه، أو وصي أبيه، أو وصي جده إلى أبيه أو من ولاه عليه إمام أو حاكم فكل واحد منهم في حال ولايته أن يطالب بشفعة الصغير أو يأخذ الدار بالشفعة ويسلم ثمنها من مال الصغير. فإن سكت أحد من هؤلاء في حال ما له المطالبة عن طلب الشفعة للصغير بطلت شفعة الصغير. وكذلك إن سلم الشفعة بالقول فهو تسليم جائز ولا شفعة للصغير إذا بلغ في الوجهين جميعا وليس لأحد من الأب ولاية على الصغير ثم وصي الأب، ثم الجد أب الأب، ثم وصي الجد. فإن لم يكن واحد من هؤلاء فمن ولاه الإمام والحاكم وتسليم الشفعة من هؤلاء جائز في حال ولايتهم في قول أبي حنيفة وأبي يوسف. وقال ابن أبي ليلي وزفر ومحمد إن ذلك لا يجوز للصغير على شفعته إذا بلغ، انتهى.
وفي " الدراية ": الشفعة تثبت للصغير عند أكثر أهل العلم. وقال ابن أبي ليلي: لا شفعة للصغير وبه قال النخعي والحارث العكلي، لأن الصبي لا يمكنه الأخذ ولا يمكن انتظاره حتى يبلغ لما فيه من الإضرار بالمشتري ولا يملك وليه الأخذ لأن من لا يملك العفو لا يملك الأخذ وللجمهور عموم الأخبار وقد مر الكلام فيه فيما مضى مستقصى.

(11/393)


وقال محمد وزفر - رحمهما الله -: هو على شفعته إذا بلغ قالوا: وعلى هذا الخلاف إذا بلغهما شراء دار بجوار دار الصبي فلم يطلب الشفعة. وعلى هذا الخلاف تسليم الوكيل بطلب الشفعة في رواية كتاب "الوكالة" وهو الصحيح.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وقال محمد وزفر - رحمهما الله -: هو على شفعته إذا بلغ) ش: وبه قال الشافعي ومالك وأحمد - رحمهما الله - في رواية إذا كان النظر في الأخذ. وعن أحمد في ظاهر مذهبه أنه لا يسقط سواء ترك مع النظر وعدمه أو عفا، لأنه حق ثابت له فيملك أخذه ولا يسقط بإسقاط غيره.
م: (قالوا: وعلى هذا الخلاف) ش: أي قال المشايخ وعلى الخلاف المذكور م: (إذا بلغهما) ش: أي الأب والوصي م: (شراء دار بجوار دار الصبي فلم يطلب الشفعة) ش: أي الشفعة مع إمكان الطلب يسقط عند أبي حنيفة وأبي يوسف خلافا لمحمد ومن تبعه حتى إذا بلغ الصبي لم يكن له حق الأخذ بالشفعة عندهما خلافا لمحمد.
م: (وعلى هذا الخلاف) ش: أي الخلاف المذكور م: (تسليم الوكيل بطلب الشفعة في رواية كتاب "الوكالة") ش: صورته أن يوكل وكيلا بطلب الشفعة فسلم الوكيل الشفعة فتسليمه صحيح عند أبي حنيفة وأبي يوسف خلافا لمحمد. وفي " المبسوط " إذا وكل وكيلا بطلب الشفعة فسلم الوكيل الشفعة وأقر بأن موكله قد سلم فعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - يصحان في مجلس القاضي، وعند أبي يوسف في المجلس وغيره. وكان أبو يوسف يقول أولا: لا يصحان في المجلس وغيره ثم رجع وقال: يصحان فيهما، ومحمد مع أبي حنيفة في إقراره في مجلس القاضي، إذا سلم بنفسه. أما الإقرار عليه فلا يصح أصلا، ويقول محمد قال زفر والشافعي والباقي، قوله بطلت الشفعة يتعلق بقوله: الوكيل لا بقوله: تسليم الوكيل فافهم.
وأراد بكتاب الوكالة " المبسوط " م: (هو الصحيح) ش: احتراز عما روي عن محمد أنه مع أبي حنيفة في جواز تسليم الوكيل بالشفعة خلافا لأبي يوسف، وقال شيخ الإسلام علاء الدين الأسبيجابي في شرح "الكافي " وإذا وكل وكيلا بطلب الشفعة فسلم الوكيل الشفعة عند القاضي فتسليمه جائزا وإن سلم عند غيره لم يكن تسليما وإن أقر عند القاضي أن الذي وكل به سلم الشفعة جائز إقراره عليه، وإن أقر عند غير القاضي لم يجز استحسانا، وهذا قول أبي حنيفة ومحمد، وقال أبو يوسف: لا يجوز إقراره عليه. وإن أقر عند غير القاضي ولا تسليمه ثم رجع وقال بجواز إقراره بتسليم الشفعة وعند القاضي عند غيره، وعلى الذي وكله.
ثم قال شيخ الإسلام: وذكر في كتاب "الوكالة" قال محمد: لا يجوز تسليم الوكيل الشفعة عند القاضي، ويجوز إقراره على موكله بالتسليم سوى في هذه الرواية بين التسليم

(11/394)


لمحمد وزفر: أنه حق ثابت للصغير فلا يملكان إبطاله كديته وقوده، ولأنه شرع لدفع الضرر، فكان إبطاله إضرارا به، ولهما: أنه في معنى التجارة فيملكان تركه. ألا ترى أن من أوجب بيعا للصبي صح رده من الأب والوصي، ولأنه دائر بين النفع والضرر.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وبين إقراره بالتسليم بنفسه، والأصح ما ذكر في الوكالة، لأن الوكيل بالشفعة وكيل بالخصومة والوكيل بالخصومة يملك الإقرار على موكله في مجلس القاضي ولا يملك في غير مجلس القاضي عند أبي حنيفة ومحمد. وفي قول أبي يوسف الأول وهو قول زفر لا يملك إلا عند القاضي ولا عند غيره، وفي قوله الآخر يملك عند القاضي وعند غير القاضي.
أما التسليم فمعزل من الجواب في شيء بل هو تصرف مبتدأ، وإنما لا يصح ذلك عند محمد، فأما عند أبي حنيفة وأبي يوسف يصح بناء على أصل آخر، وهو أن من ملك أخذ الدار بالشفعة يملك التسليم. وعند محمد لا يملك بمنزلة الأب والوصي إنما يملكان تسليم شفعة الصبي عند أبي حنيفة وأبي يوسف. وعند محمد وزفر لا يجوز، وقد نص على الخلاف فيه، وهذا في معناهما.
م: (لمحمد وزفر: أنه حق ثابت للصغير) ش: أي أن الشفعة حق ثابت متقرر، وتذكير الضمير باعتبار طلب الشفعة م: (فلا يملكان) ش: أي الأب والوصي م: (إبطاله) ش: أي إبطال حق ثابت م: (كديته وقوده) ش: أي قصاصه وقوله ديته في بعض النسخ بالياء آخر الحروف ثم التاء المثناة من فوق بدلالة قود عليه والنسخ الصحيحة المشهورة كديته بالياء آخر الحروف ثم النون، لأنه أعلم وأوفق لرواية " المبسوط " فإن قال: لا تثبت الولاية لهما في إسقاطه كإبراء الدين والعفو عن القصاص الواجب له وإعتاق عبده م: (ولأنه) ش: أي ولأن طلب الشفعة م: (شرع لدفع الضرر فكان إبطاله إضرارا به) ش: أي فكان إبطال دفع الضرر إضرارا بالصبي.
م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة وأبي يوسف م: (أنه) ش: أي الأخذ بالشفعة م: (في معنى التجارة) ش: لأنه يملك العين بالثمن وهو على الشراء م: (فيملكان تركه) ش: أي يملك الأب والوصي ترك الاتجار، فكذا يملكان ترك الشفعة م: (ألا ترى) ش: توضيحه لما قبله م: (أن من أوجب بيعا للصبي) ش: بأن قال رجل: بعت هذا العبد لفلان الصبي بكذا م: (صح رده من الأب الوصي) ش: أي رده من الأب والوصي، أي رد هذا الإيجاب سواء كان الراد أبا أو وصيا. م: (ولأنه دائر بين النفع والضرر) ش: دليل آخر يتضمن الجواب عن الدية والقود، أي ولأن ترك الشفعة أو طلبها دائر بين النفع بأن بقي الثمن على ملكه الضرر بأن يحصل الصبي إذ الدخيل في الترك على الترك على ما نبينه الآن، بخلاف الدية والقود، فإن تركها ترك بلا

(11/395)


وقد يكون النظر في تركه ليبقى الثمن على ملكه والولاية نظرية فيملكانه، وسكوتهما كإبطالهما لكونه دليل الإعراض. وهذا إذا بيعت بمثل قيمتها، فإن بيعت بأكثر من قيمتها بما لا يتغابن الناس فيه قيل: جاز التسليم بالإجماع لأنه تمحض نظرا. وقيل: لا يصح بالاتفاق لأنه لا يملك الأخذ فلا يملك التسليم كالأجنبي، وإن بيعت بأقل من قيمتها محاباة كثيرة، فعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه لا يصح التسليم منهما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
عوض فيكون إضرارا به.
م: (وقد يكون النظر في تركه) ش: أي في ترك طلب الشفعة م: (ليبقى الثمن على ملكه) ش: أي على ملك الصبي م: (والولاية نظرية) ش: أي ولاية الأب والوصي نظرية، يعني لأجل النظر في حقه م: (فيملكانه) ش: أي إذا كان الأمر كذلك فيملك الأب والوصي ترك طلب الشفعة م: (وسكوتهما) ش: أي سكوت الأب والوصي عن طلب الشفعة حين العلم ببيع الدار م: (كإبطالهما) ش: صريحا م: (لكونه دليل الإعراض) ش: أي لكون السكوت عن الطلب دليل الإعراض عنه مع القدرة عليه.
م: (وهذا) ش: أي هذا الخلاف م: (إذا بيعت) ش: الدار م: (بمثل قيمتها، فإن بيعت بأكثر من قيمتها بما لا يتغابن الناس فيه قيل: جاز التسليم بالإجماع) ش: أي بلا خلاف لمحمد وزفر والشافعي م: (لأنه تمحض نظرا) ش: أي صار نظرا محضا للصبي.
م: (وقيل: لا يصح) ش: أي التسليم م: (بالاتفاق) ش: بين أصحابنا وفي " الكافي " وهو الأصح وهكذا ذكره في " المبسوط " م: (لأنه) ش: أي لأن الولي م: (لا يملك الأخذ فلا يملك التسليم كالأجنبي) ش: حيث لا يملك الأخذ ولا التسليم، فيصير الولي كالأجنبي.
م: (وإن بيعت) ش: الدار م: (بأقل من قيمتها محاباة كثيرة) ش: أي لأجل المحاباة الكثيرة بأن بيعت ما يساوي ألفا بأقل من خمسمائة م: (فعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه لا يصح التسليم منهما) ش: أي من الأب والوصي، لأن ولايتهما نظرية، والنظر في أحدها في مثل هذا لا في تسليمها.
وذكر في " المختصر " " والمختلف " في هذه المسألة عن أبي حنيفة أنه لا يجوز أيضا لأنه امتناع عن دخوله في ملكه لا إزالة عن ملكه فلم يكن تبرعا، فهذا بخلاف رواية " الهداية " وإنما خص قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، مع أن قول محمد وزفر والشافعي كذلك، لأن الشبهة ترد على قوله..
فإن تسليم الأب والوصي يجوز عنده إذا بيعت بمثل قيمتها فينبغي أن يجوز بأقل، لما أن

(11/396)


ولا رواية عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - والله أعلم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
هذا البيع وإن كان بالمحاباة الكثيرة فإنه لا يخرج عن معنى التجارة ولهما ولاية الامتناع عن التجارة في ماله، لكن قال: لا يصح فيما يروى عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن تصرفهما في ماله يدور مع الوجه الأحسن، فلما تعينت جهة الأحسن في هذا المبيع في الأخذ فكان في التسليم قربان ماله بغير الأحسن.
ولهذا المعنى خص قول أبي حنيفة بقوله م: (ولا رواية عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وإن كان مع أبي حنيفة في صحة التسليم فيما إذا بيعت بمثل قيمتها.
وفي " الذخيرة " و" المغني ": ولو اشترى الأب دارا للصغير وهو شفيعها يأخذها بالشفعة عندنا إذا لم يكن بالأخذ ضرر للصغير، وبه قال الشافعي وأحمد ينبغي أن يقول: اشتريت الصبي وأخذت بالشفعة، لأن شراءه بماله لنفسه جائز، فكذا بالشفعة. ولو كان مكان الأب وصي فإن كان في الأخذ له منفعة بأن اشتراه بغبن يصير له أن يأخذها على قياس قول أبي حنيفة وإحدى الروايتين عن أبي يوسف كما في شراء الوصي مال الصغير لنفسه.
وللشافعي فيه وجهان، في وجه له الأخذ، وفي وجه لا، وبه قال أحمد للتهمة، أما إذا لم يكن للصغير فالأخذ منفعة لا يجوز أخذها بالإجماع.
ولو كان الصبي شفيع دار اشتراها الوصي لنفسه لا يشهد ولا يطلب الشفعة له للتهمة، فإذا بلغ يأخذها إن شاء.
أما الأب لو اشترى دارا لنفسه والصبي شفيعها فلم يطلب الأب للصغير حتى بلغ ليس للصغير أخذها لبطلان شفعته بسكوت الأب، أما لو باع الأب دارا لنفسه والصبي شفيعها فلم يطلبها الأب للصغير لا تبطل شفعته، حتى إذا بلغ كان له الأخذ. أما الوصي لو باع دارا لنفسه ثم اشترى لنفسه والصبي شفيعها فسكوته لا يبطل شفعته، حتى إذا بلغ له الأخذ. وفي " الجامع الصغير " لو باع الوصي دارا ليتيم والوصي شفيعها فلا شفعة له، إلا إذا باعها وكيل القاضي أو القاضي وبه قال الشافعي وأحمد - رحمهما الله -.

(11/397)