البناية شرح الهداية

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
كتاب الأضحية
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[كتاب الأضحية]
[تعريف الأضحية]
م: (كتاب الأضحية)
ش: أي هذا كتاب في بيان أحكام الأضحية، وجه المناسبة بين الكتابين من حيث اشتمال كل منهما على الذبح، إلا أن الذبح أعم من الأضحية. والخصوص يكون بعد العموم.
وفي اللغة اسم ما يذبح في يوم الأضحى، على وزن أفعلة وكان أصلها أضحوية اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء وأدغمت الياء في الياء وكسرت الحاء لتناسب الياء، ويجمع على أضاحي بتشديد الياء كالياء في جمع أروية، هي أنثى من الوعل.
قال الأصمعي: فيها أربع لغات: أضحية بضم الهمزة وكسرها، وضحية بفتح الضاد على وزن فعلية كهدية وهدايا، وأضحاة وجمعها أضحى كأرطاة وأرطى قال الفراء: الأضحية تذكر وتؤنث. وفي " الشريعة ": عبارة عن ذبح حيوان مخصوص في وقت مخصوص وهذا يوم الأضحى وشرائطها تذكر في أثناء الكتاب، وسببها الوقت وهو أيام النحر؛ لأن السبب إنما يعرف بنسبة الحكم إليه.
وتعلقت به إذ الأصل في إضافة الشيء إلى الشيء أن يكون سببا، وكذا الأزمنة فيتكرر بتكرره كما عرف في الأصول، ثم الأضحية تكررت بتكرر الوقت، وهو ظاهر، وقد أضيف المسبب إلى حكمه فقال: يوم الأضحى، فكان كقولهم يوم الجمعة ويوم العيد ولا نزاع في أن سببه ذلك، ومما يدل على سببية الوقت امتناع التقديم عليه كامتناع تقديم الصلاة عليها.
فإن قلت: لو كان الوقت سببا لوجبت على الفقير؟
قلت: الغنى شرط الوجوب وهي واجبة بالقدرة الممكنة بدليل أن الموسر إذا اشترى شاة للأضحية في أول يوم النحر ولم يضح حتى مضت أيام النحر ثم افتقر كان عليه أن يتصدق بعينها أو بقيمتها ولا تسقط عنه الأضحية، ولو كانت بالقدرة الميسرة لكن دوامها شرطا كما في الزكاة والعشر والخراج بهلاك النصاب والخراج واصطلام الزرع آفة.
فإن قلت: أدنى ما يتمكن به المؤمن إقامتها تملك قيمة ما يحصل الأضحية ولا تجب إلا بملك النصاب، فدل على أن وجوبها بالقدرة الميسرة.
قلت: اشتراط النصاب لا ينافي وجوبها بالمكنة كما في صدقة الفطر، وهذا لأنها وظيفة مالية نظرا إلى شرطها وهو الحرية فيشترط فيه الغنى كما في صدقة الفطر.
فإن قلت: لو كان كذلك لوجب التمليك وليس كذلك لأن القرب المالية قد تحصل

(12/3)


قال: الأضحية واجبة على كل حر مسلم مقيم موسر في يوم الأضحى عن نفسه، وعن ولده الصغار. أما الوجوب فقول أبي حنيفة ومحمد وزفر والحسن وإحدى الروايتين عن أبي يوسف - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، وعنه: أنها سنة ذكره في " الجوامع "، وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وذكر الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ -
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بالإتلاف كالإعتاق، وللمضحي أن يتصدق باللحم فقد حصل النوعان أعني التمليك والإتلاف بإراقة الدم وإن لم يتصدق حصل الأخير، وأما حكمها فالخروج عن عهدة الواجب في الدنيا والوصول إلى الثواب في العقبى بفضل الله سبحانه وتعالى ورحمته، وشريعتها بالكتاب وهو قوله سبحانه: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2] .
قيل: المراد منه صلاة العيد والتضحية كذا في " الكشاف "، وروى ذلك عن ابن عباس في تفسيره أي: أصل الصلاة العيد والنحر والجزور، كذا ذكره شيخ الإسلام خواهر زاده في " مبسوطه ".
والسنة هو ما روى البخاري عن أنس بن مالك - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال: «كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يضحي بكبشين وأنا أضحي بكبشين» " وعلى ذلك انعقد الإجماع

[حكم الأضحية]
م: (قال: الأضحية واجبة) ش: أي قال القدوري في " مختصره "، ذكر الأضحية وأراد بها الضحية لأن الوجوب في صفات الفعل، وإنما قال هذا تسمية للحال باسم المحل.
م: (على كل حر مسلم مقيم موسر في يوم الأضحى) ش: إنما شرط الحرية لأنها قربة مالية لا يصح أداؤها بلا ملك ولا ملك للرقيق، وشرط الإسلام؛ لأنها قربة ولا يتصور في الكافر، وشرط الإقامة؛ لأن المسافر يلحقه المشقة في أدائها، وشرط اليسار؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من وجد سعة ولم يضح» على الوجوب بالسعة للفقير على ما يجيء ذلك مفصلا.
م: (عن نفسه وعن ولده الصغار) ش: يتعلق بقوله واجبة وولده بضم الواو وسكون اللام والولد جمع ولد تتناول الذكر والأنثى.
م: (أما الوجوب فقول أبي حنيفة ومحمد وزفر والحسن وإحدى الروايتين عن أبي يوسف - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -) ش: وبه قال مالك والليث وربيعة والثوري والأوزاعي، وروي الوجوب عن أبي يوسف ومحمد بن الحسن والحسن بن زياد وهشام بن عبد الله الرازي.
م: (وعنه: أنها سنة) ش: أي وعن أبي يوسف: أن الأضحية سنة م: (ذكره في " الجوامع ") ش: وهو اسم كتاب في الفقه صنفه أبو يوسف م: (وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وقول أحمد، وبه قال أكثر أهل العلم. م: (وذكر الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وهو الشيخ الإمام الحافظ أبو جعفر أحمد بن مسلم بن سلمة الأزدي الطحاوي الجنزي القومي ابن أخت المزني

(12/4)


أن على قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - واجبة، وعلى قول أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - سنة مؤكدة: وهكذا ذكر بعض المشايخ الاختلاف، وجه السنة قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «من أراد أن يضحي منكم فلا يأخذ من شعره، وأظفاره شيئا» والتعليق بالإرادة ينافي الوجوب.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
صاحب الشافعي.
م: (أن على قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - واجبة، وعلى قول أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - سنة مؤكدة وهكذا ذكر بعض المشايخ الاختلاف) ش: أي الاختلاف في وجوب الأضحية وسنتها حيث قالوا إنها واجبة على قول أبي حنيفة على قولهما.
م: (وجه السنة قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «من أراد منكم أن يضحي فلا يأخذ من شعره وأظفاره شيئا» ش: هذا الحديث أخرجه الجماعة إلا البخاري، عن سعيد بن المسيب عن أم سلمة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «من رأى هلال ذي الحجة منكم وأراد أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره» " انتهى.
أراد لا يحلق شعره ولا ينتف إبطه ولا يقلم أظافره إلى يوم النحر تشبيها بالمحرمين، وإليه ذهب بعض العلماء.
م: (والتعليق بالإرادة ينافي الوجوب) ش: التعليق بالإرادة وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " من أراد " فإن " من " شرطية وأراد فعلها.
وكذا قول الشافعي، وفي هذا الحديث دليل على عدم وجوب الأضحية لأنه علقه بالإرادة وهو ينافي الوجوب وبذلك أسند ابن الجوزي في " التحقيق " لمذهب أحمد.
[....
]
قلت: روى أحمد في " مسنده " والحاكم في " مستدركه " وسكت عنه من حديث أبي جناب الكلبي يحيى بن حبة عن عكرمة عن ابن عباس قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: " «ثلاث هن علي فرائض وهن لكم تطوع: الوتر والنحر وصلاة الضحى» .
وقال الذهبي في " مختصره ": سكت الحاكم وفيه أبو جناب الكلبي وقد ضعفه النسائي والدارقطني، وأخرجه الدارقطني عن جابر الجعفي عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعا: «كتب

(12/5)


ولأنها لو كانت واجبة على المقيم لوجبت على المسافر؛ لأنهما لا يختلفان في الوظائف المالية كالزكاة وصار كالعتيرة.
ووجه الوجوب قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «من وجد سعة ولم يضح فلا يقربن مصلانا»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
على النحر ولم يكتب عليكم» وجابر الجعفي يضعف، قال صاحب " التنقيح ": وروي من طريق آخر وهو ضعيف على كل حال.
م: (ولأنها لو كانت واجبة على المقيم لوجبت على المسافر؛ لأنهما لا يختلفان في الوظائف المالية كالزكاة) ش: احترز به عن الوظائف البدنية كالصوم والصلاة فإنهما مختلفان فيهما؛ لأن المسافر لحقه المشقة في أدائها.
م: (وصار كالعتيرة) ش: أي صار حكم الأضحية كحكم العتيرة يعني أنها لم تجب على المسافر لا تجب على المقيم، فكذا الأضحية لما لم تكن واجبة على المسافر لا تكون واجبة على المقيم والجامع في كل واحدة منهما قربة يتقرب بها إلى الله سبحانه وتعالى، فصار كقوله: كالزكاة والعتيرة، لبيان العكس والعكس مرجع ومؤكد للعلة. وهذا كما قلنا ما يلزم بالشروع بالنذر كالحج والصلاة وما يلزم بالشروع لا يلزم بالنذر كالوضوء وصلاة الجنازة، وهي شاة تذبح في الجاهلية في رجب يتقرب بها أهل الجاهلية والمسلمون في صدر الإسلام ثم نسخ، وفي " الإيضاح ": العتيرة أول ولد الناقة، فالشاة تذبح وتؤكل وتطعم، وقال الثلاثة، وما كانت في الجاهلية الرخسة والعتيرة والعقيقة نسختها الأضحية.

[من وجد سعة ولم يضح]
م: (ووجه الوجوب قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «من وجد سعة ولم يضح فلا يقربن مصلانا» ش: هذا الحديث أخرجه ابن ماجه في " سننه " عن زيد بن الحباب عن عبد الله بن عباس عن عبد الرحمن الأعرج عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من كان له سعة ولم يضح فلا يقربن مصلانا» رواه أحمد وابن أبي شيبة وإسحاق بن

(12/6)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
راهويه وأبو يعلى الموصلي في " مسانيدهم "، والدارقطني في " سننه " والحاكم في " المستدرك " في سورة الحج، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
وأخرجه في الضحايا عبد الله بن يزيد المقري حدثنا عبد الله بن عياش به مرفوعا وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه في الضحايا، ثم رواه من حديث ابن وهب أخبرني عبد الله بن عباس فذكره موقوفا، قال: هكذا وقفه ابن وهب والزيادة عن الثقة مقبولة، وعبد الله بن يزيد المقري فوق الثقة.
وقال في " التنقيح ": حديث ابن ماجه كلهم رجال الصحيحين إلا عبد الله بن عباس النسائي فإنه من أفراد مسلم، قال: وكذلك رواه حيوة بن شريح وغيره عن عبد الله بن عباس مرفوعا، ورواه ابن وهب عن عبد الله بن عباس به موقوفا.
وكذلك رواه جعفر بن ربيعة وعبد الله بن أبي جعفر بن ربيعة وعبيد الله بن أبي جعفر عن الأعرج عن أبي هريرة موقوفا وهو أشبه بالصواب.
وقال ابن الجوزي في " التحقيق ": وهذا الحديث لا يدل على الوجوب كما في حديث: «من أكل الثوم فلا يقربن مصلانا» . قوله: سعة بفتحتين أي غنى ويسار، وقيل: مما يدل على الوجوب حديث أخرجه البخاري ومسلم عن البراء بن عازب عن أبي بردة بن يسار «قال: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إن عندي جذعة؟ قال: " اذبحها ولن تجزئ عن أحد بعدك ".» ومثل هذا لا يستعمل إلا في الواجب.
وقال ابن الجوزي: معناه يجري في إقامة الشدة بدليل أنه ورد في الحديث: «فمن فعل ذلك فقد أصاب سنتنا» ، قبل حديث آخر أخرجه الدارقطني عن ابن المسيب بن شريك حدثنا عبد الملك بن شعبة عن مسروق عن علي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «نسخ الأضحى كل ذبح ورمضان كل صوم» وقال البيهقي: إسناده ضعيف بمرة، والمسيب بن شريك متروك.
وقال في " التنقيح ": قال الفلاس أجمعوا على ترك حديث المسيب بن شريك. قيل: أخرجه الدارقطني أيضا عن هريرة بن عبد الرحمن بن رافع بن خديج «عن عائشة -

(12/7)


ومثل هذا الوعيد لا يلحق بترك غير الواجب ولأنها قربة يضاف إليها وقتها. يقال: يوم الأضحى، وذلك يؤذن بالوجوب؛ لأن الإضافة للاختصاص وهو بالوجود، والوجوب هو المفضي إلى الوجود ظاهرا بالنظر إلى الجنس غير أن الأداء يختص بأسباب يشق على المسافر استحضارها.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
- رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - قالت: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أستدين وأضحي؟ قال: " نعم وإنه دين مقتضى ".» قال: وهو ضعيف ولم يدرك عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -.
م: (ومثل هذا الوعيد لا يلحق بترك غير الواجب) ش: لأنه نهيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من لم يضح عن سعة عن قربان مصلاه يدل على أنه فعل أمرا عظيما وهو ترك التضحية، فدل على أنها واجبة، وفيه نظر على ما ذكرنا.
فإن قلت: أليس أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من ترك سنتي لم ينل شفاعتي» ؟
قلت: ذلك محمول على الترك اعتقادا، والترك أصلا حرام، لهذا تجب المقابلة مع جماعة تركوا الأذان وإن كان الأذان سنة؛ لأن إحياء السنة واجب.
م: (ولأنها) ش: ولأن الأضحية م: (قربة يضاف إليها وقتها يقال: يوم الأضحى) ش: كما يقال: يوم الجمعة م: (وذلك يؤذن بالوجوب) ش: أي الإضافة يعلم بالوجوب وتذكير الإشارة باعتبار المذكور م: (لأن الإضافة للاختصاص) ش: أي الاختصاص المضاف إليه م: (وهو بالوجود) ش: أي الاختصاص المضاف بالمضاف إليه إنما يثبت بوجود المضاف إليه؛ لأنه إذا لم يوجد فيه لا يكون متعلقا به فضلا عن الاختصاص.
م: (والوجوب هو المفضي إلى الوجود ظاهرا بالنظر إلى الجنس) ش: أي جنس المكلفين لجواز أن يجتمع الناس على ترك ما ليس هو واجب ولا يجتمعون على ترك الواجب، واعترض بأن السنة أيضا تفضي إلى الوجود ظاهرا بالنظر إلى الجنس لأن الناس لا يجتمعون على ترك السنة، فأجيب بأن الوجوب انتفى إلى الوجود لاستحقاق العقاب لتركه.
م: (غير أن الأداء يختص بأسباب يشق على المسافر استحضارها) ش: هذا جواب عن قولهم: ولأنها لو كانت واجبة على المقيم لوجبت على المسافر، تقريره: أن الأضحية تختص بأسباب أي بشرائط وهي تحصيل شاة خالية من العيوب المانعة ورعاية فراغ الإمام عن الصلاة في حق أهل المصر على وجه لم يبق عليه من واجباتها.
ورعاية طلوع الفجر الثاني من يوم النحر في حق أهل السواد فهذا يشق على المسافر

(12/8)


ويفوت بمضي الوقت، فلا تجب عليه بمنزلة الجمعة، والمراد بالإرادة فيما روي والله أعلم: ما هو ضد السهو لا التخيير، والعتيرة منسوخة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
استحضارها أي تحصيلها والضمير يرجع إلى الأسباب فإذا كان كذلك سقطت عن المسافر تخفيفا كما سقط عنه الوضوء وجاز التيمم عند الزيادة على ثمن المثل، فهذا أولى بالسقوط لأنه أقوى حرجا من زيادة ثمن الماء؛ ولأن المسافر لو فرضنا أنه وجد شاة تصلح للأضحية فإنها يحتاج إلى حفظها إلى أن يجيء وقتها ويتعسر عليه ذلك فسقطت عنه دفعا للحرج ولم يوجد حالة السفر هذا المعنى في المقيم لم يسقط عنه قياسا على المسافر لعدم الجامع.

م: (ويفوت) ش: أي الأضحية م: (بمضي الوقت) ش: أي أيام النحر وهي ثلاثة أيام م: (فلا تجب عليه) ش: أي إذا كان الأمر كذلك على ما ذكرنا فلا تجب الأضحية على المسافر م: (بمنزلة الجمعة) ش: حيث سقطت عن المسافر لأمور يشق عليه استحضارها بخلاف المقيم كما ذكرنا.
م: (والمراد بالإرادة فيما روي والله أعلم) ش: هذا جواب عما استدلوا به من قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من أراد أن يضحي منكم» تقريره أن المراد بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: من أراد م: (ما هو ضد السهو) ش: وهو القصد م: (لا التخيير) ش: أي ليس المراد التخيير بين الترك والإباحة فصار كأنه قال من قصد أن يضحي منكم، وهذا لا يدل على نفي الوجوب كما في قوله: «من أراد الصلاة فليتوضأ» وقوله: «من أراد منكم الجمعة فليغتسل» أي من قصد، ولم يرد التخيير فكذا هذا.
م: (والعتيرة منسوخة) ش: هذا جواب عن قولهم: وصار كالعتيرة، يعني: أنها لما كانت منسوخة لا يلزم من عدم وجوبها عدم وجوب ما ليس منسوخا، وروى الأئمة الستة في كتبهم من حديث الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة، قال: رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا فرع ولا عتيرة» وزاد أحمد في " مسنده ": " في الإسلام " وفي لفظ النسائي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن الفرع والعتيرة» ، وفي الصحيحين: الفرع أول النتاج كان ينتج لهم فيذبحونه لطواغيتهم والعتيرة في رجب.
وأسند أبو داود عن سعيد بن المسيب قال: الفرع أول النتاج كان ينتج لهم فيذبحونه، وقال الترمذي: والعتيرة ذبيحة كانوا يذبحونها في رجب، يعظمونها؛ لأنها أول الأشهر الحرام، والفرع أول النتاج كان ينتج لهم فيذبحونه.
وأخرج الدارقطني ثم البيهقي في " سننيهما " في الأضحية عن المسيب بن شريك عن عقبة بن اليقظان عن الشعبي عن مسروق عن علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «نسخت الزكاة كل صدقة ونسخ صوم رمضان كل صوم ونسخ غسل الجنابة كل غسل ونسخت

(12/9)


وهي شاة تقام في رجب على ما قيل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الأضحى كل ذبح» وضعفاه، قال الدارقطني: المسيب بن شريك وعقبة بن اليقظان متروكان، ورواه عبد الرزاق في " مصنفه " في أواخر النكاح موقوفا على علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -.
م: (وهي) ش: أي العتيرة م: (شاة تقام في رجب) ش: أي كانوا يذبحونها في رجب تعظيما له على ما مر، وفي " الصحاح ": العتيرة شاة كانوا يذبحونها لأصنامهم، وفي " العباب ": العتيرة الصنم الذي كان تعتر عنده العتاير. كان الرجل إذا أعتر عتيرة رمى رأسه من بدنه ونصبه إلى حيث الصنم فوق شرف من الأرض ليعلم أنه إنما ذبح لذلك.
والعقر أيضا العقيرة مثال الذبح وذبيحة م: (على ما قيل) ش: أشار به إلى أن في تفسير العتيرة اختلافا وقد ذكرناه.
قلت: قد مر أن هذا حديث ضعيف لا يصح الاحتجاج به، ولئن صح فالمكتوبة: الفرض، ونحن نقول: إنها غير فرض، وإنما هي واجبة.
فإن قلت: قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «ضحوا فإنها سنة أبيكم إبراهيم - عَلَيْهِ السَّلَامُ -» - "، وقد أطلق السنة.
فإن قلت: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ثلاث كتبت علي» الحديث يدل على الوجوب؟
قلت: هذا الحديث أخرجه البيهقي عن محمد بن سلمة الواسطي حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا سلام بن مسكين عن عبد الله المحاسبي عن أبي داود الشعبي عن زيد بن أرقم. «قلنا: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما هذه الأضاحي؟ قال: " سنة أبيكم إبراهيم - عَلَيْهِ السَّلَامُ - " قلنا: فما لنا فيها؟ قال: " بكل شعرة حسنة " قلنا: فالصوف؟ قال: " بكل شعرة من الصوف حسنة» .
وقال الذهبي: وقال البخاري: لا يصح هذا، واسم أبي داود نفيع وأخرج ابن ماجه عن سلام بن مسكين عن عائذ الله بن عبد الله المحاسبي عن أبي داود الشعبي عن زيد بن أرقم «قلنا يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ما هذه الأضاحي؟ قال: " سنة أبيكم إبراهيم - عَلَيْهِ السَّلَامُ - " قالوا: ما لنا

(12/10)


وإنما اختص الوجوب بالحرية؛ لأنها وظيفة مالية لا تتأدى إلا بالملك، والمالك هو الحر، وبالإسلام لكونها قربة، وبالإقامة لما بينا، واليسار لما روينا من اشتراط السعة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فيها؟ قال: " بكل قطرة حسنة» انتهى.
ولئن صح مع قوله: «ضحوا فإنها سنة أبيكم إبراهيم» فيقول: إنه مشترك الإلزام.
فإن قوله: ضحوا فإنها سنة أبيكم إبراهيم أي طريقته، فالسنة هي الطريقة المسلوكة في الدين.
قلت: روي: " أن أبا بكر وعمر كانا لا يضحيان السنة والسنتين مخافة أن يراها الناس واجبة ".
فإن قلت: روى البيهقي عن الثوري عن أبيه ومطرف وإسماعيل عن الشعبي عن أبي شريحة الغفاري قال: أدركت أو رأيت أبا بكر وعمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - لا يضحيان في بعض حديثهم كراهة أن يقتدى بهما. وأبو شريحة صحابي.
وروي أيضا عن معمر عن إسماعيل بن أبي خالد عن مطرف عن عامر عن حذيفة بن أسد قال: رأيت أبا بكر وعمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - وما يضحيان عن أهلهما خشية أن يستن بهما. قال الفلاس. قلت: ليحيى بن سعيد: إن معتمرا حدثنا قال: حدثنا مطرف عن الشعبي عن أبي شريحة؟ فقال: هذا مثل حديثه عن الشعبي عن عمر الحملي يريد به يحيى أنه أخطأ في هذا كما أخطأ في ذاك. انتهى.
ولئن صح فجوابه أنهما كانا لا يضحيان في حالة الإعسار مخافة أن يراها الناس واجبة على المعسرين.

[على من تجب الأضحية]
م: (وإنما اختص الوجوب بالحرية) ش: هذا بالشروط المذكورة في أول الكتاب م: (لأنها) ش: أي لأن الأضحية م: (وظيفة مالية لا تتأدى إلا بالملك، والمالك هو الحر) ش: لأن العبد لا يملك شيئا م: (وبالإسلام) ش: أي اختص الوجوب بالإسلام م: (لكونها قربة) ش: والكافر ليس من أهلها، م: (وبالإقامة) ش: أي اختص الوجوب بالإقامة أيضا، م: (لما بينا) ش: أشار به إلى قوله: غير أن الأداء يختص بأسباب إلى آخره م: (واليسار) ش: بالجزء أي واختص الوجوب أيضا باليسار م: (لما روينا من اشتراط السعة) ش: أشار به إلى قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من وجد سعة» ... " الحديث.

(12/11)


ومقداره ما يجب به صدقة الفطر، وقد مر في الصوم، وبالوقت وهو يوم الأضحى؛ لأنها مختصة به، وسنبين مقداره إن شاء الله تعالى.
وتجب عن نفسه؛ لأنه أصل في الوجوب عليه على ما بيناه، وعن ولده الصغير؛ لأنه في معنى نفسه فيلحق به كما في صدقة الفطر،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ومقداره) ش: أي مقدار اليسار في هذا الباب م: (ما يجب به صدقة الفطر) ش: وهو أن يملك مقدار مائتي درهم فاضلا عن منزله وأثاثه وكسوته وخادمه وسلاحه، وفي " الأجناس " نقل عن الهارونيات: أنه جاء يوم الأضحى وله مائتا درهم وأكثر لا مال له غيره صرف ذلك أو أداه لم يجب عليه الأضحية وإن جاء يوم الأضحى ولا مال له ثم استفاد مائتي درهم ولا دين له قبل مضي الوقت وجبت عليه الأضحية.
وذكر أبو علي الدقاق الرازي صاحب كتاب " المحيط ": إن في العقارات والمبيعات إذا كان ملكا للرجل لا ينظر إلى قيمته وإنما ينظر إلى دخله. وفي " أضاحي علي الرازي " و " أبي القاسم الحربي " و " أبي عبد الله الزعفراني ": أنه يعتبر قيمتها لا دخلها كما في سائر الأمتعة.
قال أبو علي الدقاق: ولو كان خبازا عنده حطب قيمته مائتا درهم فجاء يوم الأضحى وذلك عنده عليه الأضحية، ولو كان له مصحف قرآن قيمته مائتا درهم وهو ممن يقرأ فيه ولا مال له غيره فلا أضحية عليه، ولو كان له مصحف قرآن قيمته مائتا درهم وهو ممن يقرأ فيه ولا مال له غيره فلا أضحية عليه وإن كان لا يقرأ فيه عليه الأضحية فإن كان ممن يحسن أن يقرأ إلا أنه يتهاون فيه فلا يقرأه ولا يستعمله، فلا أضحية عليه، وإن كان عنده كتب فقه وحديث قيمتها مائتي درهم، وهو من أهل العلم ممن ينفعه ويستعمله فلا أضحية عليه. وإن كان عنده ولا يحسن ذلك فعليه الأضحية، إلى هنا من الأجناس، وصاحب كتب الطب والنجوم والأدب، غنى بها أن كان قيمتها مائتي درهم.
م: (وقد مر في الصوم) ش: أي وقد مر بيان حكم اليسار في باب صدقة الفطر. م: (وبالوقت) ش: بالحر أي واختص الوجوب بالوقت أيضا. م: (وهو يوم الأضحى؛ لأنها مختصة به) ش: أي لأن الأضحية مختصة بيوم الأضحى م: (وسنبين مقداره إن شاء الله تعالى) ش: أي مقدار الوقت.

[الأضحية عن نفس المكلف]
م: (وتجب عن نفسه) ش: أي يجب الأضحية عن نفس المكلف، م: (لأنه أصل في الوجوب عليه على ما بيناه) ش: أشار به إلى قوله ويجب على كل حر مسلم.
م: (وعن ولده الصغير؛ لأنه في معنى نفسه) ش: أي لأن وليه الصغير في معنى نفسه لأنه جزؤه والشيء ملحق بكله م: (فيلحق به كما في صدقة الفطر) ش: لأن كل واحد منهما قربة مالية تعلقت بيوم العيد فكانا نظيرين في هذا الوجه.

(12/12)


وهذه رواية الحسن عن أبي حنيفة - رحمهما الله -. وروي عنه: أنه لا يجب عن ولده وهو ظاهر الرواية بخلاف صدقة الفطر؛ لأن السبب هناك رأس يمونة ويلي عليه. وهما موجودان في الصغير وهذه قربة محضة، والأصل في القرب أن لا تجب على الغير بسبب الغير ولهذا لا تجب عن عبده وإن كان يجب عنه صدقة فطره. وإن كان للصغير مال يضحي عنه أبوه أو وصيه من ماله عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وهذه رواية الحسن عن أبي حنيفة - رحمهما الله -) ش: أي الوجوب على الأب عن ولده الصغير رواية رواها الحسن في المجرد عن أبي حنيفة، وما ثبت الإشارة باعتبار الرواية م: (وروي عنه) ش: أي عن أبي حنيفة في الأصل، م: (أنه لا يجب عن ولده) ش: أي أن ذبح الأضحية لا تجب على الأب.
م: (وهو ظاهر الرواية) ش: أي هذا هو ظاهر الرواية عن أبي حنيفة قال قاضي خان: وعليه الفتوى، م: (بخلاف صدقة الفطر) ش: حيث تجب عليه عن ولده، م: (لأن السبب هناك) ش: أي لأن سبب الوجوب في باب صدقة الفطر م: (رأس يمونة ويلي عليه) ش: أي رأس بمؤنة الرجل، أي تجب عليه مؤنته ويلي عليه أن يتولى أمره.
م: (وهما موجودان في الصغير) ش: أي المؤنة والولاية موجودان في الصغير، م: (وهذه) ش: أي الأضحية م: (قربة محضة) ش: أي خالصة لأن الإراقة من العبد للرب من غير شائبة ومشاركة، ولا كذلك التصدق بالمال لأن المال كما يتقرب به إلى الله تعالى، يتقرب به إلى العباد، فلا يكون في صدقة الفطر قربة محضة، فجاز أن يجب على الغير بسبب الغير إذ أقام الدليل وقد قام صدقة الفطر.
م: (والأصل في القرب) ش: بضم القاف وفتح الراء جمع قربة م: (أن لا تجب على الغير بسبب الغير. ولهذا) ش: أي ولكون عدم الوجوب عليه بسبب الغير م: (لا تجب عن عبده) ش: أي لا يجب الأضحية على المولى عن عبده.
م: (وإن كان يجب عنه) ش: أي عن العبد م: (صدقة فطره) ش: لما قلنا: إنها ليست بقربة محضة فيجوز أن يجب عليه بسبب الغير م: (وإن كان للصغير مال يضحي عنه أبوه أو وصيه من ماله عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -) ش: وبه قال مالك ولكن لا يتصدق باللحم لأن الواجب هو إراقة الدم وأما التصدق باللحم فإنه تطوع.
وقال الصغير: لا يحتمل التطوع فينبغي أن يطعم الصغير ويستبدل لحمه بالأشياء التي ينتفع بها الصغير مع بقاء أعيانها، كما في جلد الأضحية كذا في " التحفة ".

(12/13)


وقال محمد وزفر والشافعي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: يضحي من مال نفسه لا من مال الصغير فالخلاف في هذا كالخلاف في صدقة الفطر، وقيل: لا تجوز التضحية من مال الصغير في قولهم؛ لأن القربة تتأدى بالإراقة، والصدقة بعدها تطوع، فلا يجوز ذلك من مال الصغير. ولا يمكنه أن يأكله كله، والأصح أن يضحي من ماله ويأكل منه ما أمكنه، ويبتاع مما بقي ما ينتفع بعينه،
قال: ويذبح عن كل واحد منهم شاة، أو يذبح بقرة، أو بدنة عن سبعة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وقال محمد وزفر والشافعي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - م: يضحي من مال نفسه من مال الصغير) ش: لأنها في نفس الأمر إتلاف، ومال الصغير يحفظ عن هذا.
م: (فالخلاف في هذا كالخلاف في صدقة الفطر) ش: وفي بعض النسخ بالواو، أي الخلاف في وجوب الأضحية على الأب عن ولده الصغير كالخلاف في صدقة الفطر.
وقال القدوري في شرح " مختصر الكرخي ": تكلم أصحابنا المتأخرون في هذه المسألة فمنهم من قال: إنها محمولة على صدقة الفطر فيجب في مال الصغير عند أبي حنيفة وأبي يوسف، ولا يجب عند محمد وزفر. ومنهم من قال: لا تجب في قولهم جميعا؛ لأن الواجب في الأضحية إراقة الدم، فالصدقة بها تطوع وذلك لا يجوز في مال الصغير، ولا يقدر الصغير في العادة أن يأكل جميعها، ولا يجوز أن تباع فكذلك لم تجب. والصحيح أن يقال: إنها تجب، ولا يتصدق بها؛ لأن ذلك تطوع، ولكن يأكل منها الصغير وبدخوله قدر حاجته، ويبتاع له بالباقي ما ينتفع به، كما يجوز أن يبيع البائع جلد الأضحية.
م: (وقيل لا يجوز التضحية من مال الصغير في قولهم) ش: جميعا أي في قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد وزفر - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - م: (لأن القربة تتأدى بالإراقة، والصدقة بعدها تطوع) ش: أي بعد الإراقة وتذكير الضمير باعتبار بعد الذبح م: (فلا يجوز ذلك من مال الصغير) ش: أي التصدق من مال الصغير؛ لأنه تبرع.
م: (ولا يمكنه أن يأكله كله) ش: أي ولا يمكن للصغير أن يأكل كل ما ذبح له فيصير ضائعا وماله محفوظ عن ذلك م: (والأصح أن يضحي من ماله) ش: أي من مال الصغير م: (ويأكل منه) ش: بالنصب، أي ويأكل من الذي يضحي له م: (ما أمكنه) ش: أكله أي الذي أمكنه أكله كله م: (ويبتاع) ش: بالنصب أيضا ويشتري م: (مما بقي ما ينتفع بعينه) ش: كالمنخل والغربال ونحو ذلك، ولا يتصدق باللحم أيضا أصلا؛ لأن مال الصغير لا يحتمل ذلك.

[من تجزيء عنه الأضحية وحكم الإشتراك في الأضحية]
م: (قال: ويذبح عن كل واحد منهم شاة) ش: أي قال القدوري: من كل واحد عن نفسه وأولاده شاة م: (أو يذبح بقرة أو بدنة عن سبعة) ش: أي سبعة أنفس، واعلم أن الشاة لا تجزئ إلا عن واحد وأنها أقل ما تجب، وذكر الأترازي أن هذا إجماع وقال الكاكي: وقال مالك وأحمد

(12/14)


والقياس: أن لا تجوز إلا عن واحد؛ لأن الإراقة واحدة، وهي القربة إلا أنا تركناه بالأثر؛ وهو ما روي «عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: نحرنا مع رسول الله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - البقرة عن سبعة، والبدنة عن سبعة.»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
والليث والأوزاعي: يجوز الشاة عن أهل بيت واحد، وكذا بقرة أو بدنة؛ لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لما ضحى كبشين وقرب أحدهما، قال: " اللهم هذا عن محمد، وأهل بيته " وقرب الآخر وقال: " إن هذا منك ولك عمن وجد من أمتي» .
وعن أبي هريرة لما ضحى بالشاة جاءت ابنته وتقول: عني فقال: وعنك. قلت: هذا لا يدل على وقوعه من اثنين بل هذا هبته ثوابه.
وقد روي عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أنه قال: الشاة عن واحد، انتهى.
والبدنة تجزئ عن سبعة إذا كانوا يريدون بها وجه الله سبحانه وتعالى، وكذلك البقرة، وإن كان أحدهم يريد اللحم لم يجز عن الكل، وكذا لو كانت نصيب أحدهم أقل من السبع لم تجز، وأما إذا كانوا أقل من سبعة ونصيب أحدهم الثلث والآخر الربع جاز بعد أن لا يكون نصيب أحدهم أقل من السبع، هذا إذا اشتروا بالشركة أو اشترى أحدهم بنية الاشتراك ثم اشتراك بعد ذلك، يجوز الأضحية ولكن يضمن قيمة ما باع ويستوي الجواب إذا كان الكل من جنس واحد ومن أجناس مختلفة أحدهم يريد جزاء الصيد والآخر هدي المتعة والآخر الأضحية، بعد أن يكون الكل لوجه الله تعالى ويجوز استحسانا والقياس أن لا يجوز وهو قول زفر، كذا في " شرح الطحاوي ".
م: (والقياس: أن لا تجوز إلا عن واحد؛ لأن الإراقة واحدة، وهي القربة إلا أنا تركناه بالأثر وهو ما روي «عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: نحرنا مع رسول الله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - البقرة عن سبعة والبدنة عن سبعة» ش: هذا الحديث أخرجه الجماعة إلا البخاري عن مالك عن أبي الزبير عن جابر وقال: «نحرنا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالحديبية البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة» وأخرج أبو داود في الأضحية والنسائي في الحج عن قيس عن عطاء عن جابر أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «البقر عن سبعة والجزور عن سبعة» .
وإن قلت: أخرج الترمذي في " جامعه " والنسائي في " سننه " وأحمد في " مسنده " وابن حبان في " صحيحه " عن علباء بن أحمر عن عكرمة عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قال: «كنا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في سفر فحضر الأضحى فاشتركنا في البقرة سبعة، وفي الجزور

(12/15)


ولا نص في الشاة، فبقي على أصل القياس.
وتجوز عن خمسة، أو ستة، أو ثلاثة، ذكره محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الأصل "؛ لأنه لما جاز عن سبعة فعمن دونهم أولى، ولا تجوز عن ثمانية أخذا بالقياس فيما لا نص فيه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
عشرة» . وقال الترمذي: حديث حسن غريب.
قلت: قال البيهقي: حديث أبي الزبير عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - في اشتراكهم وهم مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الجزور سبعة أصح، أخرجه مسلم، على أن اشتراكهم في العشرة محمول على أنه في القسمة لا في التضحية. م: (ولا نص في الشاة فبقي على أصل القياس) ش: أي لم يرد نص على أن يكون الشاة عن أكثر من واحد فاقتصر على أصل القياس وهو أن الإراقة واحدة فلا يجوز إلا عن واحد.
فإن قلت: كيف يقول ولا نص في الشاة، وقد روى الحاكم عن أبي عقيل زهرة بن معبد عن جده عبد الله بن هشام، «وكان قد أدرك النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وذهبت به أمه زينب بنت حميد إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو صغير فمسح رأسه ودعا له، قال: " كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يضحي بالشاة الواحدة عن جميع أهله» وقال: صحيح الإسناد.
قلت: هذا لا يدل على وقوعه من الجماعة، بل معناه أنه كان يضحي ويجعل ثوابه هبة لأهل بيته كما ذكرناه آنفا.

[إذا ذبحت البقرة عن خمس أو ستة أو ثلاثة هل تجزئهم]
م: (وتجوز عن خمسة، أو ستة، أو ثلاثة) ش: أي تجوز البقرة والبدنة، ذكره تفريعا على مسألة القدوري م: (ذكره محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الأصل ") ش: حيث قال: إذا ذبحت البقرة عن خمس أو ستة أو ثلاثة هل تجزئهم؟ قال: نعم م: (لأنه لما جاز عن سبعة فعمن دونهم أولى) ش: أي لأن ذبح الأضحية إذا جاز عن سبعة أنفس فما دونها بالطريق الأول، وكان فائدة التقييد بالسبعة يمنع الزيادة والنقصان. م: (ولا تجوز عن ثمانية) ش: يعني لا تجزئ البقرة أو البدنة أكثر من سبعة عن عامة العلماء.
قال القدوري: قال مالك: يجزئ عن أهل البيت وإن زادوا عن سبعة، ولا يجزئ عن البيتين وإن كانوا أقل من سبعة ويجيء بيانه الآن م: (أخذا بالقياس فيما لا نص فيه) ش: أخذا

(12/16)


وكذا إذا كان نصيب أحدهم أقل من السبع، ولا تجوز عن الكل؛ لانعدام وصف القربة في البعض، وسنبينه من بعد إن شاء الله تعالى.
وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تجوز عن أهل بيت واحد وإن كانوا أكثر من سبعة ولا تجوز عن أهل بيتين، وإن كانوا أقل منها؛ لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: " على كل أهل بيت في كل عام أضحاة وعتيرة ".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بالقياس، أخذا بمعنى مأخوذا نصب على الحال أي حال كون عدم الجواز مأخوذا بالقياس في الذي لم يرد فيه نص ويجوز أن يكون التقدير آخذين بالقياس والعامل محذوف تقديره: قلنا: هذا حال كون آخذين بالقياس، ويجوز أن يكون نصبا على التعليل، أي لأجل الأخذ بالقياس م: (وكذا إذا كان نصيب أحدهم أقل من السبع) ش: بضم السين.
م: (ولا تجوز عن الكل؛ لانعدام وصف القربة في البعض) ش: يعني لا يجوز من صاحب الكثير كما لا يجوز من صاحب القليل، كما إذا مات الرجل وخلف امرأة وابنا، وترك بقرة يضحياها، فلم يجز؛ لأن نصيب المرأة أقل من السبع؛ لأن نصيبها الثمن، وإذا لم يجز في نصيبها لم يجز في نصيب الابن. م: (وسنبينه من بعد إن شاء الله تعالى) ش: أي سنبين الأصل في هذا الباب إن شاء الله تعالى.

[الأضحية عن أهل بيت واحد وإن كانوا أكثر من سبعة]
م (وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تجوز عن أهل بيت واحد وإن كانوا أكثر من سبعة، ولا تجوز عن أهل بيتين وإن كانوا أقل منها؛ لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «على كل أهل بيت في كل عام أضحاة وعتيرة» ش: هذا الحديث أخرجه أصحاب السنن الأربعة عن ابن عون عن أبي رملة حدثنا نحيف بن سليم قال: «كنا وقوفا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعرفات فقال: " يا أيها الناس على كل أهل بيت في كل عام أضحاة وعتيرة، أتدرون ما العتيرة؟ هي التي يقول الناس لها: الرجبية» وقال الترمذي: حديث حسن غريب لا نعرفه مرفوعا إلا من هذا الوجه من حديث ابن عون.
ورواه أحمد، وابن أبي شيبة، وأبو يعلى الموصلي، والبزار في " مسانيدهم " والبيهقي في " سننه "، والطبراني في " معجمه "، وقال عبد الحق: إسناده ضعيف، وقال ابن القطان: وعلته الجهل بحال أبي رملة واسمه عامر، فإنه لا يعرف إلا بهذا يرويه عنه ابن عون، وقد رواه عنه أيضا حبيب بن محنف وهو مجهول أيضا.
قلت: ورواه من هذا الطريق عبد الرزاق في " مصنفه "، أخبرنا ابن جريج أخبرني عبد

(12/17)


قلنا: المراد منه - والله أعلم - قيم أهل البيت؛ لأن اليسار له يؤيده ما يروى: «على كل مسلم في كل عام أضحاة وعتيرة»
ولو كانت البدنة بين اثنين نصفين تجوز
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الكريم عن حبيب بن محنف بن سليم عن أبيه قال: انتهيت «إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم عرفة وهو يقول: هل تعرفونها؟ فلا أدري ما رجعوا إليه، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " على كل أهل بيت أن يذبحوا شاة في رجب وفي كل أضحى شاة» ومن طريق عبد الرزاق رواه الطبراني في " معجمه " بسنده ومتنه.
م: (قلنا: المراد منه - والله أعلم - قيم أهل البيت؛ لأن اليسار له) ش: هذا جواب بطريق التسليم وهذا إنما يكون إذا فتش عن حال حديث الخصم، وعرف حقيقته، فإن ظهر صحيحا، فحينئذ يشتغل بالجواب عنه، والحديث المذكور غير صحيح، ولئن صح فجوابه ما ذكره.
وقال البيهقي في " المعرفة ": إن صح هذا فالمراد به على طريق الاستحباب بدليل أنه فرق بين الأضحاة والعتيرة، والعتيرة غير واجبة بالإجماع.
م: (يؤيده ما يروى: «على كل مسلم في كل عام أضحاة وعتيرة» ش: أي: يؤيد التأويل المذكور هذه الرواية، وفيه نظر؛ لأن هذه الرواية لم تثبت، والعجب العجاب من الشراح، حيث قالوا: وهذا محكم وما رواه محتمل فحملناه على المحكم، كيف يكون محكما، ولم يثبت بهذه الرواية، فهي غير صحيحة.
وقيل في جوابه: إن المراد من الأضحاة البدنة والبقرة؛ لأن الإجماع دل على أن الشاة لا تجوز إلا عن واحد.
قلت: هذا ساقط بمرة؛ لأنا ذكرنا أحاديث تدل على أن الشاة تجوز عن أكثر من واحد، وذكرنا أنه مذهب جماعة من العلماء، فكيف يقال: إن الإجماع دل على أن الشاة لا تجوز إلا عن واحد؟!

م: (ولو كانت البدنة بين اثنين نصفين تجوز) ش: ذكره تفريعا على مسألة القدوري، وقد اختلف المشائخ فيه، قال في " النوازل ": سئل أحمد بن محمد القاضي عن جزور بين اثنين ضحيا به، قال: لا يجوز إذا كان الجزور بينهما نصفين؛ لأنه صار لكل واحد منهما ثلاثة أسباع ونصف سبع، وصار السبع نصفين ونصف السبع لا يجوز عن الأضحية وإذا بطل السبع بطل الكل، ألا ترى لو أراد أحدهما بنصيبه لحما لا يجوز الكل.

(12/18)


في الأصح؛ لأنه لما جاز ثلاثة الأسباع جاز نصف السبع تبعا له، وإذا جاز على الشركة فقسمة اللحم بالوزن؛ لأنه موزون، ولو اقتسموا جزافا لا يجوز إلا إذا كان معه شيء من الأكارع والجلد اعتبارا بالبيع.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قال أبو الليث: لا نأخذ بهذا بل تجوز الأضحية إذا كان بينهما نصفان، أو على التفاوت؛ لأنه أراد نصف السبع التقرب وليس كالذي أراد اللحم؛ لأن هناك لم يرد به التقرب، أشار إليه بقوله م: (في الأصح) ش: وبه أخذ الصدر الشهيد أيضا.
م: (لأنه لما جاز ثلاثة الأسباع جاز نصف السبع تبعا له) ش: لأن ذلك النصف وإن لم يصر أضحية، لكنه صار قربة تبعا للأضحية، وكم من شيء ثبت ضمنا ولا يثبت قصدا وله نظائر كثيرة منها إذا ضحى شاة فخرج من بطنها جنين حي، فإنه يجب عليه أن يضحيها وإن لم تجز أضحيته ابتداء.
م: (وإذا جاز على الشركة فقسمة اللحم بالوزن) ش: وإذا جاز ذبح الأضحية على الشركة فقسمة لحمها لا يكون إلا بالوزن. م: (لأنه موزون) ش: أي لأن اللحم موزون م: (ولو اقتسموا جزافا لا يجوز) ش: لأن في القسمة معنى التمليك فلم يجزيه إلا مجازفة عند وجود الجنس والوزن لاحتمال الربا.
فإن قلت: بالتمليك يجوز هذا؟
قلت: لا يجوز التمليك أيضا؛ لأنه في معنى الهبة وهبة المشاع فيما يقسم لا يجوز. إليه أشار في " الإيضاح ".
فإن قلت: جزافا منصوب بماذا؟.
قلت: يجوز أن يكون صفة مصدر محذوف، أي: ولو اقتسموا اقتساما جزافا ويجوز أن يكون حالا بمعنى مجازفين فافهم.
م: (إلا إذا كان معه) ش: أي مع أحد الشركاء م: (شيء من الأكارع والجلد) ش: فحينئذ يجوز لكون بعض اللحم مع الأكارع ومع الآخر البعض مع الجلد حتى يصرف الجنس إلى الجنس م: (اعتبارا بالبيع) ش: أي قياسا على البيع يعني الجنس بالجنس مجازفة لا يجوز إلا إذا كان مع كل واحد من العوضين شيء خلاف ذلك الجنس حتى يصرف الجنس إلى خلافه، كما لو باع أحد عشر درهما بعشرة دراهم، والأكارع جمع أكرع، وأكرع جمع كراع، والكراع في الغنم والبقر بمنزلة الانطلاق في الفرس والبعير، وهو الساق يذكر ويؤنث، وفي " المثل ": أعطي العبد كراعا فطلب ذراعا؛ لأن الذراع في اليد وهو اتصل من الكراع في الرجل.

(12/19)


قال: ولو اشترى بقرة يريد أن يضحي بها عن نفسه، ثم اشترك فيها ستة معه جاز استحسانا، وفي القياس: لا يجوز، وهو قول زفر؛ لأنه أعدها للقربة، فيمنع عن بيعها تمولا، والاشتراك هذه صفته، وجه الاستحسان: أنه قد يجد بقرة سمينة يشتريها ولا يظفر بالشركاء وقت البيع، وإنما يطلبهم بعده، فكانت الحاجة إليه ماسة فجوزناه دفعا للحرج. وقد أمكن؛ لأن بالشراء للتضحية لا يمتنع البيع، والأحسن أن يفعل ذلك قبل الشراء ليكون أبعد عن الخلاف وعن صورة الرجوع في القربة. وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يكره الإشراك بعد الشراء لما بينا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[اشترى بقرة يريد أن يضحي بها عن نفسه، ثم اشترك فيها ستة معه]
م: (قال: ولو اشترى بقرة يريد أن يضحي بها عن نفسه، ثم اشترك فيها ستة معه جاز استحسانا) ش: هذا من مسائل الأصل ذكره تفريعا على مسألة القدوري.
م: (وفي القياس: لا يجوز، وهو قول زفر؛ لأنه أعدها للقربة) ش: أي لأن المشتري لما اشترى البقرة أعدها للتقرب؛ لأنه نوى بها التقرب.
م: (فيمنع عن بيعها تمولا) ش: أي إذا كان كذلك فيمنع عن بيع البقرة لأجل التمول م: (والاشتراك هذه صفته) ش: وفي بعض النسخ والاشتراك، قوله: هذه إشارة إلى المبادلة التي ذكر عليها سياقا والضمير في صفته يرجع إلى الاشتراك، وحاصل المعنى إذا وقع الاشتراك صار مبادلة؛ لأنه أعطي بدلا مالا وأخذ مالا، فقوله: والاشتراك مبتدأ وهذه مبتدأ ثاني وصفته خبر المبتدأ الثاني، والجملة خبر المبتدأ الأول، فهذا هو تحقيق هذا التركيب والنظر إلى الشروح ترى أنها بمعزل عن هذا.
م: (وجه الاستحسان: أنه) ش: أي في المضحي م: (قد يجد بقرة سمينة يشتريها ولا يظفر بالشركاء وقت البيع، وإنما يطلبهم بعده) ش: أي بعد الشراء م: (فكانت الحاجة إليه) ش: أي إلى الاشتراك م: (ماسة فجوزناه) ش: أي الاشتراك بعد الشراء م: (دفعا للحرج) ش: لأن الحرج مرفوع شرعا.
م: (وقد أمكن) ش: أي دفع حاجة في هذه الصورة م: (لأن بالشراء للتضحية لا يمتنع البيع) ش: ذكره في " المبسوط " بنفس الشراء لا يمنع البيع ولا يتعين في الأضحية وبه قالت الثلاثة، ولهذا لو اشترى أضحية، ثم باعها، فاشترى مثلها، لم يكن به بأس.
م: (والأحسن أن يفعل ذلك) ش: أي الاشتراك مع غيره م: (قبل الشراء ليكون أبعد عن الخلاف) ش: ويقع أضحية على وجه التعيين م: (وعن صورة الرجوع في القربة) ش: وليكون أيضا أبعد عن صورة الرجوع عن نية التقرب في شراء البقرة للتضحية.
م: (وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه يكره الإشراك بعد الشراء لما بينا) ش: أشار به على قوله: لأنه أعدها للتقرب فيمتنع بيعها تمولا، ثم إذا جاز عنه وعن شركائه، فهل يجب عليه

(12/20)


قال: وليس على الفقير والمسافر أضحية لما بينا وأبو بكر وعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - كانا لا يضحيان إذا كانا مسافرين، وعن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: ليس على المسافر جمعة ولا أضحية.
قال: ووقت الأضحية يدخل بطلوع الفجر من يوم النحر،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الذبح بسبب الأسباع التي باعها، ما بقي الوقت والتصدق بها بعد فوات الوقت أم لا؟، لم يذكره محمد في " الأصل "، وقد قال شيخ الإسلام المؤذن بخواهر زاده في شرح " الأصل ": حكي عن بعض مشايخ بلخ أنهم قالوا: عليه الذبح، ستة أسباع بقرة مثل الأولى في القيمة يشتري مع عتيرة فيذبح أو يشتري في ستة شاة، وفي الستة مثل قيمة ستة أسباع البقرة أو أكثر ويذبحها وإن مضى الوقت فإنه يتصدق بقيمة ستة أسباع البقرة غنيا كان أو فقيرا.
وقال القدوري في " شرحه لمختصر الكرخي ": وهذا الذي ذكره محمد من جواز الاشتراك بعد الشراء للأضحية، محمول على الغني إذا اشترى بقرة الأضحية؛ لأن ملكه لا يزول بالشراء، وإنما يقيمها عند الذبح مقام ما وجب عليه فإذا بقي منها سبع وكأنه اشترى ذلك في الأصل، إلا أنه يكره؛ لأنه حين اشتراها ليضحي بها فقد وعد وعدا، فلا ينبغي أن يرجع فيه.
وأما الفقير الذي أوجبها بالشراء فإنه لا يجوز أن يشترك فيها؛ لأنها تعينت بالوجوب فلم يسقط عنه ما لو أوجب على نفسه، ثم قال القدوري: وقد قالوا في مسألة الغني إذا اشترك بعدما اشتراها: ينبغي أن يتصدق بالثمن وإن لم يذكره محمد.

[الأضحية على الفقير والمسافر]
م: (قال: وليس على الفقير والمسافر أضحية) ش: أي قال القدوري م: (لما بينا) ش: أشار به إلى قوله: واليسار ولما روينا والإقامة لما بينا م: (وأبو بكر وعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - كانا لا يضحيان إذا كانا مسافرين) ش: هذا لم يثبت عنهما بهذه العبارة، ولا ذكره أهل الحديث، وإنما الذي ذكره عن أبي شريحة الغفاري أنه قال: أدركت أو رأيت أبا بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لا يضحيان. وقد ذكرناه فيما مضى وهذا أعم من الإقامة والسفر م: (وعن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: ليس على المسافر جمعة ولا أضحية) ش: هذا أيضا لم يثبت عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
فإن قيل: هذا مقدم في الجمعة.
قلت: هذا ليس بصحيح، وإنما الذي يقدم في الجمعة إنما هو حديث علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مرفوعا: «لا جمعة ولا تشريق ولا أضحى ولا فطر إلا في مصر جامع» ولم يتقدم غيره.

[وقت الأضحية]
م: (قال: ووقت الأضحية يدخل بطلوع الفجر من يوم النحر) ش: أي قال القدوري: وقال إسحاق، وأحمد، وابن المنذر: إذا مضى من نهار يوم العيد قدر ما تحل الصلاة فيه والخطبات جازت الأضحية سواء صلى الإمام أو لم يصل، وسواء كان في المصر أو في القرى

(12/21)


إلا أنه لا يجوز لأهل الأمصار الذبح حتى يصلي الإمام العيد، فأما أهل السواد فيذبحون بعد الفجر والأصل فيه قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «من ذبح قبل الصلاة فليعد ذبيحته، ومن ذبح بعد الصلاة فقد تم نسكه وأصاب سنة المسلمين» ، وقال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إن أول نسكنا في هذا اليوم الصلاة، ثم الأضحية» . غير أن هذا الشرط في حق من عليه الصلاة، وهو المصري دون أهل السواد؛ لأن التأخير لاحتمال التشاغل به عن الصلاة، ولا معنى للتأخير في حق القروي، ولا صلاة عليه. وما روينا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (إلا أنه لا يجوز لأهل الأمصار الذبح حتى يصلي الإمام العيد، فأما أهل السواد) ش: أي أهل القرى م: (فيذبحون بعد الفجر) ش: ولا يسقط فيهم صلاة الإمام م: (والأصل فيه قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «من ذبح قبل الصلاة فليعد ذبيحته، ومن ذبح بعد الصلاة فقد تم نسكه وأصاب سنة المسلمين» ش: أي الأصل فيه ترتيب الأضحية على الصلاة.
الحديث أخرجه البخاري، ومسلم عن البراء بن عازب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «- قال: ضحى خالي أبو بردة قبل الصلاة، وقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " تلك شاة لحم " فقال: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إن عندي جذعة من المعز؟، فقال: " ضح بها، ولا يصلح لغيرك " ثم قال: " من ضحى قبل الصلاة لا يجوز، ومن ضحى بعد الصلاة فقد تم نسكه وأصاب سنة المسلمين» .
وأخرجه البخاري عن أنس أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من ذبح قبل الصلاة فليعد، ومن ذبح بعد الصلاة فقد تم نسكه وقد أصاب سنة المسلمين» .
م: (وقال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إن أول نسكنا في هذا اليوم الصلاة، ثم الأضحية» ش: هذا الحديث أخرجه البخاري ومسلم، بمعناه عن البراء بن عازب قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن أول ما يبتدأ به في يومنا هذا أن نصلي ثم نرجع فننحر فمن فعل ذلك فقد أصاب سنتنا، ومن ذبح قبل ذلك فإنما هو لحم قدمه لأهله ليس من النسك في شيء» .
م: (غير أن هذا الشرط) ش: وهو كون ذبح الأضاحي بعد صلاة الإمام م: (في حق من عليه الصلاة) ش: أي صلاة العيد، وهو المصري، أي الذي عليه الصلاة م: (وهو) ش: الرجل م: (المصري دون أهل السواد) ش: لأنه لا صلاة عليهم.
م: (لأن التأخير) ش: أي تأخير ذبح الأضاحي عن صلاة الإمام م: (لاحتمال التشاغل به عن الصلاة) ش: أي بالذبح عن صلاة العيد مع الإمام.
م: (ولا معنى للتأخير في حق القروي ولا صلاة عليه) ش: أي والحال أنه لا صلاة عليه فلا يحصل التشاغل بالمذكور. م: (وما روينا) ش: وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من ذبح قبل الصلاة» .... "

(12/22)


حجة على مالك والشافعي - رحمهما الله - في نفي الجواز بعد الصلاة قبل نحر الإمام.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الحديث. م: (حجة على مالك والشافعي - رحمهما الله - في نفي الجواز بعد الصلاة قبل نحر الإمام) ش: مذهب الشافعي ليس كذلك؛ لأنه ما يشترط نحر الإمام، ولكنه اشترط فراغ الإمام عن الخطبة فمن هذا الوجه يكون حجة عليه، لا من الوجه الذي ذكره، ولذلك قال في " المحلى ": لا معنى لمنع الشافعي التضحية قبل تمام الخطبة؛ لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يحدد وقتا لتضحيته بذلك، فإنما مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - هو الذي شرط نحر الإمام.
واختلف أصحاب مالك في الإمام الذي لا يجوز أن يضحى قبل تضحيته. قال بعضهم: هو أمير المؤمنين، وقال بعضهم: أمير البلد، وقال بعضهم: هو الذي يصلي بالناس صلاة العيد.
وقال ابن حزم: وقول مالك فلا حجة به، وخلاف الخبر أيضا، إذ لم يأمر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فقدر المراعاة قدر لصحة الغير وما يعرف في مراعاة تضحية الإمام عن أحد قبله. قيل في جوابه: فقد أخبر أبو الزبير - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول: «أمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من كان نحر قبله أن يعيد بنحر آخر، ولا ينحروا حتى نحر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» .
والجواب عن هذا: أن قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن أول نسكنا في هذا اليوم....» الحديث، يدل عل أن الوقت نحر الإمام، وقيل الصلاة، لإضافة النسك إلى اليوم، وهو من أول طلوع الفجر، إلا أن في المصر شرط الصلاة بجوازها لحديث البراء بن عازب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الذي ذكره عن قريب.
فإن قلت: المعارضة لا تندفع مما ذكرت.
قلت: تندفع بحديث جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هذا لا يساوي حديث البراء، لصحة حديث البراء، ولعدم تبين صحة ذلك.
وفي " الدراية ": ولو كانت بلدة لا يصلى فيها لوقوع الفتنة، ولغلبة أهل الفتنة، أو لعدم السلطان أو نائبه يضحون بعد الزوال لا قبله؛ لأن قبل ذلك الصلاة مرجوح.
وفي " فتاوى الولوالجي ": بلدة وقع فيها فتنة ولم يبق فيها وال ليصلي بهم صلاة العيد، فضحى بعد طلوع الفجر جاز. وهو المختار؛ لأنه صارت البلدة في حق هذا الحكم كالسواد.
وفي " الفتاوى الكبرى ": ولو كانت الصلاة إما سهوا أو عمدا جاز لهم التضحية في هذا اليوم، ولو خرج الإمام إلى الصلاة من الغد فضحى الناس قبل أن يصلي الإمام، جاز؛ لأن الوقت المسنون فات من زوال الشمس من اليوم الأول فبعده الصلاة على وجه القضاء فلا تظهر

(12/23)


ثم المعتبر في ذلك مكان الأضحية حتى لو كانت في السواد والمضحي في المصر يجوز كما انشق الفجر، ولو كان على العكس لا يجوز إلا بعد الصلاة وحيلة المصري إذا أراد التعجيل أن يبعث بها إلى خارج المصر فيضحي بها كما طلع الفجر؛ هذا لأنها تشبه الزكاة من حيث إنها تسقط
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
في حق التضحية.
ولو صلى الإمام صلاة العيد بغير وضوء، ولم يعلم به حتى ذبح الناس جازت أضحيتهم سواء أعلموا قبل أن يتفرق الناس أو بعده، ومتى علم الإمام ونادى للصلاة ليعيدها فمن ذبح قبل العلم بالنداء جاز، وبعده لا. ولو خرج بعد الزوال جاز؛ لأنه مضى مدة وقت الإعادة. كذا في " الذخيرة "، و " فتاوى قاضي خان ".

[سافر رجل فأمر أهله وهم في المصر أن يضحوا عنه]
م: (ثم المعتبر في ذلك) ش: أي في الذبح م: (مكان الأضحية حتى لو كانت في السواد والمضحي في المصر) ش: أي: وكان الذي يضحي في المصر م: (يجوز كما انشق الفجر) ش: لدخول الوقت م: (ولو كان على العكس) ش: وهو ما إذا كانت الأضحية في المصر والمضحي في السواد م: (لا يجوز إلا بعد الصلاة) ش: لعدم دخول الوقت قبل الصلاة، قال الكرخي في " مختصره ": إن كان رجل من أهل السواد، وسكنه فيه دخل المصر لصلاة الأضحى، وأمر أهله أن يضحوا عنه، فإنه يجوز أن يذبحوا عنه بعد طلوع الفجر.
وإن سافر رجل فأمر أهله وهم في المصر أن يضحوا عنه، فإنه لا يجوز أن يذبحوا عنه إلا بعد صلاة الإمام وطلوع الفجر.
قال محمد: أنظر إلى موضع الذابح ولا أنظر إلى موضع المذبوح عنه، وروي ذلك عن ابن سماعه في " نوادره "، وكذلك روى الحسن بن زياد عن أبي يوسف أنه قال: يعتبر المكان الذي يكون فيه الذبح، ولا يعتبر الموضع الذي يكون فيه المذبوح عنه.
وقال الحسن: إن كان الرجل في المصر، وأهله في آخر لم يذبحوا حتى يصلى في المصرين جميعا، فإن ذبحوا قبل ذلك لم يجزه.
وقال محمد: يؤخر الذبح حتى يصلى في المصر الذي فيه الذبيحة ولا ينتظر بذلك صلاة المصر الآخر، فإن صلى الإمام العيد ولم يخطب أجزئ من الذبح، وقال محمد: إن أخر الإمام صلاة العيد فليس للرجل أن يذبح الأضحية حتى ينتصف النهار.
م: (وحيلة المصري إذا أراد التعجيل أن يبعث بها) ش: أي بالأضحية م: (إلى خارج المصر فيضحي بها كما طلع الفجر) ش: لأن الاعتبار لمكان الأضحية كما مر. م: (هذا) ش: أشار إلى كون مكان الأضحية معتبرا. م: (لأنها) ش: أي الأضحية م: (تشبه الزكاة من حيث إنها تسقط

(12/24)


بهلاك المال قبل مضي أيام النحر كالزكاة بهلاك النصاب، فيعتبر في الصرف مكان المحل، لا مكان الفاعل اعتبارا بها بخلاف صدقة الفطر؛ لأنها لا تسقط بهلاك المال بعدما طلع الفجر من يوم الفطر.
ولو ضحى بعدما صلى أهل المسجد، ولم يصل أهل الجبانة أجزأه استحسانا؛ لأنها صلاة معتبرة حتى لو اكتفوا بها أجزأتهم، وكذا على عكسه. وقيل: هو جائز قياسا واستحسانا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بهلاك المال قبل مضي أيام النحر كالزكاة) ش: تسقط م: (بهلاك النصاب فيعتبر في الصرف) ش: أي صرف الواجب م: (مكان المحل) ش: أي محل الذبح م: (لا مكان الفاعل اعتبارا بها) ش: أي بالزكاة حيث يؤدى في موضع المال دون موضع صاحبه.
م: (بخلاف صدقة الفطر) ش: حيث يعتبر فيها مكان الفاعل وهو المؤدي م: (لأنها لا تسقط بهلاك المال بعدما طلع الفجر من يوم الفطر) ش: فحينئذ يعتبر مكان صاحب الذمة وهو المؤدي.

[ضحى بعدما صلى أهل المسجد ولم يصل أهل الجبانة]
م: (ولو ضحى بعدما صلى أهل المسجد، ولم يصل أهل الجبانة) ش: بفتح الجيم وتشديد الباء وبعد الألف نون، وهو المصلى الذي يتخذ في قفار المصر ليصلى فيها العيد، ونحوه، وهذا من مسائل " الأصل " ذكره تفريعا على مسألة القدوري، وصورته: ما ذكره الكرخي في " مختصره ": وإذا كان الإمام قد خلف من يصلي بضعفة الناس في المسجد وفي المصر، ويخرج بالآخرين إلى المصلى فصلى في أحد المسجدين أيهما كان جاز ذبح الأضحى، انتهى.
وهو معنى قوله: م: (أجزأه استحسانا؛ لأنها صلاة معتبرة حتى لو اكتفوا بها) ش: أي بالصلاة في المسجد في المصر م: (أجزأتهم) ش: حتى لا يجب عليهم الذهاب إلى الجبانة، ولو لم تكن معتبرة يجب عليهم الذهاب إلى الجبانة في القياس لا يجوز؛ لأنها عبارة دارت بين الجواز وعدمه، فيبقى أن لا تجوز احتياطا وهذا لأنه من حيث كونها بعد الصلاة يجوز من حيث كونها قبل الصلاة التي تؤدى في الجبانة لا تجوز.
م: (وكذا على عكسه) ش: أي: وكذا يجوز استحسانا لا قياسا عكس الحكم المذكور وهو أن يصلي أهل الجبانة دون أهل المسجد. م: (وقيل: هو) ش: أي العكس م: (جائز قياسا واستحسانا) ش: لأن أداء الصلاة في المسجد أخص منها بالجبانة.
قال الحلواني: هذا إذا ضحى رجل ممن صلى. أما إذا ذبح رجل من الذين لم يصلوا لم يجز قياسا واستحسانا.
قال الزعفراني: يجري القياس والاستحسان في الذبح بعد أحد الصلوات مطلقا بعدما تصلي إحدى الطائفتين.
فإن قلت: أصل هذه المسألة: فإذا قلت صورها محمد على هذا الوجه؛ لأن علي بن أبي

(12/25)


قال: وهي جائزة في ثلاثة أيام: يوم النحر، ويومان بعده
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كان يستخلف بالكوفة من يصلي صلاة العيد بالصفة في المسجد الجامع، وكان يخرج مع الأقرباء إلى الجبانة، كذا ذكره شيخ خواهر زاده في " شرح الأصل ".
وقالوا في " شرح الجامع الصغير " في كتاب الحج: دونت المسألة على أن صلاة العيد في مصر واحد في موضعين تجوز بخلاف صلاة الجمعة فإنها لا تجوز في موضعين في مصر واحد؛ لأنها سميت جمعة لاجتماع الناس وفي ذلك تفرقهم.

[أيام النحر وأفضل هذه الأيام]
م: (قال: وهي جائزة في ثلاثة أيام: يوم النحر، ويومان بعده) ش: أي قال القدوري: الأضحية جائزة في ثلاثة أيام: يوم النحر أولها، والثاني والثالث: وهما يومان بعد يوم النحر.
وبه قال مالك، وأحمد، والثوري، وهو قول ستة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -، وهم عمر، وعلي، وابن عباس، وابن عمر، وأبو هريرة، وأنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -.
وقال ابن سيرين: لا يجوز إلا في يوم النحر خاصة؛ لأنها وظيفة عيد فلا يجوز إلا في يوم واحد كأداء الفطرة يوم الفطر.
وبقوله قال سعيد بن جابر، وجابر بن زيد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - في أهل الأمصار، وبقولنا في أهل منى، وقال أهل الظاهر: يجوز التضحية إلى هلال محرم، وبه قال سلمة بن عبد الرحمن، وعطاء بن يسار. وروى محمد بن إبراهيم التيمي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وسليمان بن يسار أنهما قالا بلغنا أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «الأضاحي إلى هلال المحرم لمن أراد أن يستأني ذلك» .
قلت: روى ذلك أبو داود في " المراسيل ".
فإن قلت: " المراسيل " عندكم حجة، وكذا عند المالكية فكان ينبغي أن يقول به.
قلت: قول الصحابة الذين لم يرو عن غيرهم من الصحابة خلافه أولى بأن يقال به. وعن قريب يتبين أقوالهم.
وقال صاحب " الاستذكار ": روي ذلك عن علي وابن مسعود وابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - ولم يختلف فيه عن أبي هريرة وأنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وهو الأصح عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وهو مذهب أبي حنيفة والثوري ومالك، وفي " نوادر الفقهاء " لابن بنت نعيم: أجمع الفقهاء أن التضحية في اليوم الثالث عشر غير جائز إلا الشافعي فإنه أجازها فيه.

(12/26)


وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ثلاثة أيام بعده لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أيام التشريق كلها أيام ذبح» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وفي " التفريع ": قال مالك: وقتها يوم النحر ويومان بعده، ولا يضحى في اليوم الرابع ولا يضحى بليل، وقال الحربي: وإذا مضى نهار من يوم الأضحى مقدار صلاة الإمام العيد وخطبته فقد حل الذبح إلى آخر يومين من أيام التشريق نهارا ولا يجوز ليلا.
م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ثلاثة أيام بعده) ش: أي بعد يوم النحر، فالجملة أربعة أيام عنده، وبه قال عطاء والحسن.
وقال أصحاب الشافعي: أول الوقت بانقضاء وقت الكراهة بعد طلوع الشمس يوم العيد وبعد مقدار خطبتين وركعتين خفيفتين، وقيل: بل طويلتين على العادة، وآخره غروب الشمس ثالث أيام التشريق، ويجزئ بالليل وفي اليوم الثالث من أيام التشريق.
م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أيام التشريق كلها أيام ذبح» ش: هذا الحديث أخرجه أحمد في " مسنده " وابن حبان في " صحيحه " من حديث عبد الرحمن بن أبي جبير عن جبير بن مطعم عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «كل أيام التشريق ذبح وعرفة كلها موقف......» الحديث وقد مر في الحج ورواه البيهقي أيضا.
والجواب عن هذا: أن فيه اضطرابا كثيرًا بين صاحب الشعر وبين البيهقي أيضا بعضه.
قال: ورواه سويد بن عبد العزيز وهو ضعيف عند بعض أهل النقل.
قلت: هو ضعيف عند كلهم أو أكثرهم، وقد ذكره في كتابه في باب المعتكف يصوم فقال: ضعيف بمرة لا يقبل منه ما ينفرد به، ورواه البزار في " مسنده "، وقال ابن أبي حسين: لم يلق جبير بن مطعم فيكون منقطعا؛ لأنه يرجحه.
فإن قلنا: أخرجه أحمد أيضا والبيهقي عن سليمان بن موسى عن جبير بن مطعم عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
قلت: قال البيهقي سليمان بن موسى لم يدرك جبير بن مطعم فيكون منقطعا.
فإن قلت: أخرج ابن عدي في " الكامل " عن معاوية بن يحيى الصدفي عن الزهري عن ابن المسيب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن أبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «أيام التشريق كلها ذبح» .

(12/27)


ولنا: ما روي عن عمر وعلي وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -: أنهم قالوا: أيام النحر ثلاثة أفضلها أولها. وقد قالوه سماعا؛ لأن الرأي لا يهتدي إلى المقادير. وفي الأخبار تعارض، فأخذنا بالمتيقن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قلت: معاوية بن يحيى ضعفه النسائي وابن معين وعلي بن المديني، وقال ابن أبي حاتم في كتاب " العلل ": فإن هذا حديث موضوع بهذا الإسناد.
فإن قلت: أخرج البيهقي من حديث طلحة بن عمر وعن عطاء وعن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: الأضحى ثلاث أيام بعد أيام النحر.
قلت: أخرج الطحاوي بسند جيد عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: الأضحى ثلاثة أيام ويومان بعد يوم النحر.
م: (ولنا ما روي عن عمر وعلي وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أنهم قالوا أيام النحر ثلاثة أفضلها أولها) ش: قال الزيلعي في " تخريج أحاديث الهداية ": هذا غريب جدا، يعني عن هؤلاء الأصحاب الثلاثة، وليس كذلك.
قال الكرخي: قال في " مختصره ": حدثنا أبو بكر محمد بن الجنيد قال: حدثنا أبو خيثمة قال: حدثنا هشيم قال: أخبرنا ابن أبي ليلى عن المنهال ابن عمرو عن زر بن حبيش وعباد بن عبد الله الأسدي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: أنه كان يقول: أيام النحر ثلاثة أيام أولهن أفضلهن. وعن ابن عباس وعن ابن عمر مثله قال: " النحر ثلاثة أيام أولها أفضلها ".
وروي: " النحر ثلاثة أيام " عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وأنس بن مالك وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير، وعن الحسن وعن إبراهيم النخعي.
وقال محمد في كتاب " الآثار ": أخبرنا أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم عن علقمة قال: الأضحى ثلاثة أيام يوم النحر ويومان بعده.
وحديث مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في " الموطأ " عن نافع عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه كان يقول: الأضحى يومان بعد يوم الأضحى.
وفي " سنن البيهقي " عن قتادة عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: الذبح بعد يوم النحر يومان.
م: (وقد قالوه سماعا؛ لأن الرأي لا يهتدي إلى المقادير) ش: لأن تخصيص العبادات بوقت لا يعرف إلا سماعا وتوقيتا. فالمروي عنهم كالمروي عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
م: (وفي الأخبار تعارض فأخذنا بالمتيقن) ش: أراد بالأخبار ما رواه الشافعي - رضي الله

(12/28)


وهو الأقل، وأفضلها أولها كما قالوا؛ ولأن فيه مسارعة إلى أداء القربة، وهو الأصل إلا لمعارض،
ويجوز الذبح في لياليها إلا أنه يكره لاحتمال الغلط في ظلمة الليل.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
عنه - من حديث جبير بن مطعم - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وما رواه الكرخي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن الصحابة المذكورين، وجه التعارض: أن الحديث يقتضي جواز الأضحية في اليوم الرابع من النحر، والأخبار تقتضي الاقتصار على ثلاثة أيام.
م: (وهو الأقل) ش: أي المتيقن هو الأقل.
فإن قلت: إذا كان الأخذ بالمتقين أولى كان ينبغي أن يؤخذ بقول ابن سيرين، حيث لم يجوز إلا يوم النحر خاصة كما ذكرناه.
قلت: ترك هذه المخالفة قول الصحابة الكبار فلا يعتبر على ما ورد عن هؤلاء الذين ذكرناه م: (وأفضلها أولها كما قالوا) ش: أي أفضل الأيام الثلاثة أولها وهو يوم النحر كما قال عمر وعلي وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -.
م: (ولأن فيه) ش: أي في أول الأيام م: (مسارعة إلى أداء القربة) ش: فيكون أفضل لقوله سبحانه وتعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ} [آل عمران: 133] الآية.
م: (وهو الأصل) ش: أي المسارعة إلى أداء القربة هو الأصل. وذكر الضمير باعتبار التنازع م: (إلا لمعارض) ش: أي إلا لأجل عرض يؤخذ كما في الإسفار بالفجر والإبراد بالظهر. وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر وأبردوا بالظهر فإن شدة الحر من فيح جهنم» .

م: (ويجوز الذبح في لياليها) ش: أراد الليلتين المتسوطتين لا ليلة الرابع عندنا لخروج وقت التضحية بغروب الشمس، من اليوم الثاني عشر، وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يبقى، أما ليلة العاشر وهي ليلة العيد لا يجوز بإجماع العلماء - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فبقولنا قال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وأحمد وأصحاب الظواهر. وقال مالك وأحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - في رواية: لا يجوز في الليل؛ لأنه سبحانه وتعالى قال: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} [الحج: 28] (الحج: الآية 28) . ولنا أن الليل تبيع اليوم فصار وقتا للذبح، ولهذا يجوز الرمي فيه بالإجماع فيكون وقتا للذبح. م: (إلا أنه يكره لاحتمال الغلط في ظلمة الليل) ش: أي في الذبح أو في الشاة من أنها له أو لغيره. أو لغلط مع شاة فإن فيها بعض الشروط.
فإن قلت: «روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه نهى عن الذبح بالليل» .

(12/29)


وأيام النحر ثلاثة، وأيام التشريق ثلاثة، والكل يمضي بأربعة أولها نحر لا غير، وآخرها تشريق لا غير. والمتوسطان: نحر وتشريق. والتضحية فيها أفضل من التصدق بثمن الأضحية؛ لأنها تقع واجبة، أو سنة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قلت: في سنده ميسر بن عبيد وهو مذكور بوضع الحديث عمدا.
فإن قلت: روى البيهقي من حديث جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن الحسن «أنه قال لقيم له خديجة بالليل: ألم تعلم أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن حداد الليل وحرام النحل أو قال: حصار النحل» . قال الثوري: يكون بالنهار ويحصره المساكين. فسألوا جعفرا عن الأضحى بالليل فقال: لا.
وروى البيهقي من حديث أشعب بن عبد الملك عن الحسن قال: «نهى عن حداد الليل وحصاد الليل والأضحى بالليل» .
قلت: قال البيهقي: إنما كان ذلك من شدة حال الناس، كان الرجل يفعله ليلا فنهي، ثم رخص في ذلك.

م: (وأيام النحر ثلاثة، وأيام التشريق ثلاثة، والكل يمضي بأربعة أولها نحر لا غير) ش: يعني غير تشريق م: (وآخرها تشريق لا غير) ش: يعني وآخر أيام الأربعة تشريق من غير نحر م: (والمتوسطان) ش: وهما الحادي عشر والثاني عشر من الشهر م: (نحر وتشريق) ش: فيساويان في يومين ويشابهان في يومين.
وقال القدوري في " شرحه ": هذه الأيام الثلاثة عندنا تدخل فيها المعلومات والمعدودات. لأن أبا يوسف قال: إن المعلومات أيام التشريق وأيام النحر من المعدودات وليس من المعلومات، وآخر أيام التشريق من المعلومات وليس من المعدودات، واليوم الثاني والثالث من المعدودات والمعلومات.
م: (والتضحية فيها) ش: أي في أيام النحر م: (أفضل من التصدق بثمن الأضحية؛ لأنها) ش: أي التضحية م: (تقع واجبة) ش: على ظاهر الرواية الذي هو قول أبي حنيفة م: (أو سنة) ش: أي أو تقع سنة على رواية أخرى، وهي قولهما والشافعي وأحمد؛ لأن إراقة الدم في هذه الأيام أفضل؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والخلفاء - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - بعده ضحوا فيها. ولو كان التصدق أفضل لاشتغلوا به.

(12/30)


والتصدق تطوع محض فتفضل عليه، ولأنها تفوت بفوات وقتها. والصدقة يؤتى بها في الأوقات كلها، فنزلت منزلة الطواف والصلاة في حق الآفاقي، ولو لم يضح حتى مضت أيام النحر إن كان أوجب على نفسه، أو كان فقيرا، وقد اشترى شاة للتضحية تصدق بها حية، وإن كان غنيا تصدق بقيمة شاة اشترى أو لم يشتر؛ لأنها واجبة على الغني، وتجب على الفقير بالشراء بنية التضحية عندنا،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[لم يضح حتى مضت أيام النحر]
م: (والتصدق تطوع محض) ش: وإتيان السنة المؤكدة أفضل من إتيان التطوع م: (فتفضل عليه) ش: أي تفضل الأضحية على الصدقة، ولو قال " عليه " أي على التصدق لكان أولى؛ لأنه هو المذكور م: (ولأنها) ش: أي التضحية م: (تفوت بفوات وقتها والصدقة يؤتى بها في الأوقات كلها فنزلت منزلة الطواف والصلاة في حق الآفاقي) ش: فإن طواف التطوع في حقه أفضل من صلاة التطوع بمكة، بخلاف المكي، لما ذكرنا من المعنى ولا يعلم فيه خلاف.
م: (ولو لم يضح حتى مضت أيام النحر إن كان أوجب على نفسه) ش: بأن قال: لله تعالى علي أن أضحي بها أو أذبحها أو نحو ذلك سواء كان الموجب غنيا أو فقيرا.
وقال الكاكي: قيد الإيجاب غير مفيد؛ لأنه لو كان واجبا بدون الإيجاب على نفسه والحكم كذلك.
قلت: بل هو مفيد؛ لأنه إذا كان فقيرا واشترى من غير نية الأضحية، ومضت أيام النحر لم يجب عليه التصدق.
م: (أو كان فقيرا) ش: أي أو كان الرجل فقيرا م: (وقد اشترى شاة للتضحية تصدق بها حية) ش: يعني الفقير.
م: (وإن كان غنيا تصدق بقيمة شاة اشترى أو لم يشتر؛ لأنها واجبة على الغني، وتجب على الفقير بالشراء بنية التضحية عندنا) ش: خلافا للشافعي وأحمد، واعلم أن الشاة تتعين للأضحية بأن نذر أن يضحي بها أو نوى عند الشراء وأن يضحي بها، وكان المشتري فقيرا. هذا ظاهر الرواية.
وروى الزعفراني عن أصحابنا: أن التضحية بعينها لا تجب إلا بالنذر ولا تجب التضحية بعينها بنية الشرى للأضحية، وإن كان المشتري فقيرا، وهو القياس، وهو قول الشافعي. لأن القرب يلزم بأحد الأمرين: إما بالشروع أو بالنية، لم يوجد بالشراء مع نية الأضحية لا هذا ولا ذاك فلا يلزمه كما لو اشترى مالا بنية التصدق، أو عبدا بنية العتق.
وجه الاستحسان: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دفع إلى حكيم بن حزام دينارا يشتري له بها أضحية

(12/31)


فإذا فات الوقت يجب عليه التصدق إخراجا له عن العهدة، كالجمعة تقضى بعد فواتها ظهرا، والصوم بعد العجز فدية.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فاشترى بها ثم باعها بدينارين ثم اشترى شاة بدينار فجاء بالشاة والدينار إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأخبره بذلك فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " بارك الله لك في صفقة يمينك " وأمره أن يضحي بالشاة ويتصدق بالدينار.» فلولا أن الأضحية لزمته بمجرد النية لما أمر بالتصدق وفيه دليل على جواز بيع الأضحية.

[وقت ذبح الأضحية]
م: (فإذا فات الوقت يجب عليه التصدق إخراجا عن العهدة) ش: فيتصدق بالشاة إن كانت حية وكان فقيرا، وإن كان غنيا يتصدق بقيمة شاة اشترى أو لا، كما ذكرنا حتى لو ذبح الغني أو الفقير ولم يتصدق بعينها لا يحل له تناولها ويضمن فضل ما قيمتها مذبوحة وغير مذبوحة. كذا في " الأوضح ".
م: (كالجمعة تقضى بعد فواتها ظهرا) ش: إذ الجامع بينهما من حيث إن قضاء ما وجب عليه في الأداء غير جنس الأداء بطريق الاحتياط، وهذا لأن التضحية، وإن ثبتت قربة في أيامها بالنص، إلا أنه احتمل أن يكون التصدق بعين الشاة أو بقيمتها أصلا؛ لأنه هو المشروع في باب المال. كما في سائر الصدقات. وإنما نقل إلى التضحية تطيبا لطعام الضيافة.
فإن قلت: لو كان التصدق أصلا لكان أحب من التضحية في أيامها.
قلت: هذا موهوم، فلم يعتبر مقابلة المنصوص المتيقن، فإذا فات المتيقن عملنا بالموهوم احتياطا، كما في الفدية، إذا عجز عن الصوم، أشار إليه بقوله: (والصوم بعد العجز فدية) ش: أي كالصوم يقضى بعد العجز فدية.
فإن قلت: فدية منصوب بماذا؟
قلت: على التمييز يعني من حيث الفدية وكذا انتصاب ظهرا فافهم. وفي " الذخيرة " من كان موسرا في آخر الوقت فلم يضح ومضى الوقت وجب عليه التصدق بقيمة شاة حتى يلزمه الإيصاء بها وفيها.
ومن نذر أن يضحي شاة بأن قال: لله علي أن أضحي شاة. فإن كان موسرا فعليه أن يضحي بشاتين إلا أن يعين ما يجب عليه. ولو كان فقيرا فعليه شاة، فإن أيسر كان عليه شاتان، فأوجب بالنذر وما وجب باليسر.
وفي " الإيضاح ": لا يأكل مما وجب بالنذر شاة بعينها يصدق بينها بعد مضي الوقت.
وفي " الأصل " لخواهر زاده: ولو باع ما اشترى للأضحية واشترى غيرها وضحى بها في

(12/32)


قال: ولا يضحي بالعمياء والعوراء والعرجاء التي لا تمشي إلى المنسك، ولا العجفاء لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لا تجزئ في الضحايا أربعة: العوراء البين عورها، والعرجاء البين عرجها، والمريضة البين مرضها، والعجفاء التي لا تنقى» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أيام النحر فإن كانت الثانية مثل الأولى أو خير منها جاز ولا شيء عليه؛ لأنه أدى الواجب بالمثل وزيادة فإن كانت الثانية أقل قيمة من الأولى وقد اشترى الأولى بنية التضحية.
وإن كان المشتري غنيا فإنه يجزيه ولا يلزمه التصدق بشيء، وإن كان فقيرا ضحى بالثانية يجزيه ويتصدق إلى تمام قيمة الأولى؛ لأن الثانية بنية الأضحية يجعل كالنذر من الفقير، ولو نذر أن يضحي بالأولى ثم باعها واشترى الأخرى وضحى بها، فإنه يجوز التضحية بالأخرى، كان عليه أن يتصدق إلى تمام قيمة الأولى فكذا هذا.

[مالا يجزئ في الأضحية]

[التضحية بالعمياء]
م: (قال: ولا يضحي بالعمياء) ش: أي قال القدوري، وقال داود الأصفهاني: يجوز العمياء لأن الشرع ورد في العوراء ولم يرد في العمياء والقياس عندي ليس بحجة، وقالت العامة: الشرع لم يجوز العوراء والعمياء عور وزيادة فيكون النص الوارد في العوراء، وأراد في العمياء بدلالة النص كما في قوله سبحانه وتعالى: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23] .
م: (والعوراء) ش: وهي الذاهبة إحدى العينين. م: (والعرجاء التي لا تمشي إلى المنسك) ش: بفتح الميم وسكون دون كسر السين، وهو الموضع الذي يذبح فيه والقياس فيه فتح من نسك لله نسكا ومنسكا إذا ذبح لوجهه. وقال القدوري في شرح " مختصر الكرخي ": إن العرج إذا لم يمنعها من المشي بنفسها جازت، وإن كان لا تمشي فإنه لا يجوز.
م: (ولا العجفاء) ش: أي المهزولة، من عجف يعجف من باب علم يعلم م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لا تجزئ في الضحايا أربعة: العوراء البين عورها، والعرجاء البين عرجها، والمريضة البين مرضها والعجفاء التي لا تنقى» ش: هذا الحديث أخرجه الأربعة عن شعبة أخبرني سليمان بن عبد الرحمن سمعت عبيد بن فيروز قال: «سألت البراء بن عازب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عما نهى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عنه من الأضاحي؟ فقال: قام فينا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصابعي أقصر من أصابعه وأناملي أقصر من أنامله فقال: " أربع لا تجوز في الضحايا العوراء البين عورها والمريضة البين مرضها والعرجاء البين عرجها والكسير التي لا تنقى» .

(12/33)


وقال: ولا تجزئ مقطوعة الأذن والذنب، أما الأذن فلقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «استشرفوا العين والأذن»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقال الترمذي: العجفاء عوض الكسير، وقال: حديث حسن صحيح لا نعرفه إلا من حديث عبيد بن فيروز عن البراء - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ورواه أحمد في " مسنده "، ومن طريق أحمد رواه الحاكم في " المستدرك " في الحج.
ورواه مالك في الحج ورواه مالك في " الموطأ " عن عمرو بن الحارث عن عبيد بن فيروز عن البراء وقال: «العجفاء» ... ". وأخرجه الحاكم أيضا عن أيوب بن سويد حدثنا الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن البراء بمثله وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، إنما أخرج مسلم حديث سليمان بن عبد الله عن عبيد بن فيروز عن البراء وهو مما أخذ على مسلم اختلاف الناقلين فيه، وأصحه حديث يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن أبي سالم بن أيوب بن سويد. انتهى كلامه. قال الذهبي في " مختصره ": وأيوب بن سويد ضعفه أحمد. انتهى.
قلت: وعلى الحاكم هنا اعتراضان، أحدهما: إن حديث عبيد بن فيروز عن البراء لم يروه مسلم، وإنما رواه أصحاب السنن، والآخر: أنه صح حديث أيوب بن سويد ثم أخرجه، قوله: «العوراء البين عورها» أي التي قد انتخست وذهبت؛ لأنها قد ذهبت عينها، والعضو عضو مستطاب، ولو كان على عينها بيان ولم يذهب جازت التضحية؛ لأن عورها ليس ببين، ولا ينقص ذلك لحمها. قوله: والمريضة البينة مرضها أي التي يبين أثر المرض عليها؛ لأن ذلك ينقص لحمها. وبه قال أحمد في الأصح.
وقال الشافعي والقاضي الحنبلي: المراد بالمريضة الجرباء؛ لأن الجرب يفسد اللحم ويهزل إذا كثر، وهذا تقييد للمطلق وتخصيص للعموم بلا دليل، قوله: التي لا تنقى أي التي ليس بها نقي أي مخ من شدة الهزال وهو بكسر النون وسكون القاف.

[التضحية بمقطوعة الأذن والذنب]
م: (وقال: ولا تجزئ مقطوعة الأذن والذنب) ش: أي قال القدوري م: (أما الأذن فقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «استشرفوا العين والأذن» ش: هذا الحديث رواه اثنان من الصحابة أحدهما: علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال: «أمرنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن نستشرف العين والأذن» قال الترمذي: حديث حسن صحيح.

(12/34)


وإن بقي أكثر الأذن والذنب جاز؛ لأن للأكثر حكم الكل بقاء وذهابا، ولأن العيب اليسير لا يمكن التحرز عنه فجعل عفوا. واختلفت الرواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في مقدار الأكثر، ففي " الجامع الصغير " عنه: وإن قطع من الذنب أو الأذن أو العين أو الإلية الثلث أو أقل أجزأه، وإن كان أكثر لم يجزه؛ لأن الثلث تنفذ فيه الوصية من غير رضا الورثة فاعتبر قليلا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وإن بقي أكثر الأذن والذنب جاز؛ لأن للأكثر حكم الكل بقاء وذهابا) ش: أي من حيث البقاء ومن حيث الذهاب، فإن كان الباقي كثيرا والذاهب قليلا يجوز، وإن كان الباقي قليلا والذاهب كثيرا لا يجوز.
م: (ولأن العيب اليسير لا يمكن التحرز عنه فجعل عفوا) ش: لأن في اعتباره حرجا وهو مرفوع بالنص م: (واختلفت الرواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في مقدار الأكثر ففي " الجامع الصغير " عنه) ش: أي عن أبي حنيفة.
م: (وإن قطع من الذنب أو الأذن أو العين أو الإلية الثلث أو أقل) ش: أي من الثلث م: (أجزأه وإن كان أكثر) ش: أي من الثلث م: (لم يجزه) ش: وفي بعض النسخ لا يجوز م: (لأن الثلث تنفذ فيه الوصية من غير رضا الورثة فاعتبر قليلا) ش: وهو رواية هشام عن محمد قال الصدر الشهيد: وهو الأصح؛ لأنه ظاهر الرواية.
قال محمد في " الأصل ": أرأيت إن كان ذهب من العين والأذن والطرف أقل من الثلث، هل يجزي؟ قال: نعم، وهذا لأن على ظاهر الرواية الثلث وما دونه من حد القلة عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - فلا يمتنع الجواز.
وقال في " الأصل " أيضا: رأيت إن كان ذهب أكثر من الثلث هل يجزئ؟ قال: لا. قال شيخ الإسلام في شرح " الأصل " وهذا عند أبي حنيفة لأن ما زاد على الثلث كثير عند أبي حنيفة، باتفاق الروايات. وقال في " الأصل " أيضا: أرأيت إن كان ذهب الثلث سواء، هل يجزئ؟ قال: نعم حسن صحيح، ورواه الحاكم في " المستدرك " وقال: إسناده صحيح. ورواه أيضا أبو داود عن سلمة بن كهيل عن حجية بن عدي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بنحوه، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
ورواه ابن حبان في " صحيحه "، والحاكم في " المستدرك " وصحح إسناده أيضا، [....
.] يحتج الشيخان بحجية بن عدي وهو من كبار أصحاب علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - والآخر حذيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرج حذيفة البزار في " مسنده " والطبراني في " معجمه الأوسط " عن محمد ابن كثير الملائي حدثنا أبو سنان سعيد بن سنان عن أبي إسحاق الشيباني عن صلة بن زفر عن

(12/35)


أي اطلبوا سلامتهما، وأما الذنب؛ فلأنه عضو كامل مقصود فصار كالأذن.
قال: ولا التي ذهب أكثر أذنها وذنبها وفيما زاد لا تنفذ إلا برضاهم فاعتبر كثيرا. ويروى عنه: الربع؛ لأنه يحكي حكاية الكمال على ما مر في الصلاة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
حذيفة قال: «أمرنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن نستشرف العين والأذن» . انتهى بلفظ البزار.
وقال الطبراني: قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " استشرف العين ". وقال: لا يروى عن حذيفة إلا بهذا الإسناد وكذلك قال البزار رواه، قال: وقد روي عن علي من غير وجه م: (أي اطلبوا سلامتهما) ش: من آفة مخرج أو عور، والمعنى اطلبوهما شريفتين بالتمام والسلامة. م: (وأما الذنب فلأنه عضو كامل مقصود فصار كالأذن) ش: حيث لا يجوز إذا كانت مقطوعة.

[التضحية بالشاة التي ذهب أكثر أذنيها]
م: (قال: ولا التي ذهب أكثر أذنها وذنبها) ش: أي قال القدوري: ولا تجزئ الشاة التي ذهب أكثر أذنيها أو ذهب أكثر أذنها، وبه قال الشافعي وأحمد، وقال مالك: إذا ذهب كل الأذن لا يجوز ولو ذهب دونه يجوز وبه قال عطاء.
ولنا ما رواه أبو داود مسندا إلى علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى أن يضحى بعضباء الأذن والقرن» ، قال قتادة: قلت لسعيد بن المسيب: ما الأعضب؟ قال: النصف فما فوقه، وهذا يدل على أن العيب الكبير في العين والأذن يمنع من الأضحية، فأما اليسير من العين فلا يمنع؛ لأن الغنم لا تخلو من ذلك، ألا ترى أنه يفعل فيها على طريق المسمنة والعلاقة، فلو منع الأضحية لشق على الناس، وإذا كان الكثير مانعا والقيل غير مانع اختلفت الروايات في الحد الفاصل بينهما، عن أبي حنيفة على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
وهذا لأن عند أبي حنيفة الثلث في ظاهر الرواية في حد العلة م: (وفيما زاد) ش: أي على الثلث م: (لا تنفذ) ش: أي الوصية م: (إلا برضاهم) ش: أي برضاء الورثة م: (فاعتبر) ش: أي ما زاد على الثلث م: (كثيرا) ش: نصب على الحال على ما لا يخفى.
م: (ويروى عنه) ش: أي عن أبي حنيفة م: (الربع؛ لأنه يحكي حكاية الكمال على ما مر في الصلاة) ش: من انكشاف ربع العورة، وتقدير النجاسة بربع الثوب، وهذه الرواية رواية شجاع عن أبي حنيفة، وقد ذكر ابن شجاع في كتاب " المناسك ": أن الربع إذا ذهب لم يجز.

(12/36)


ويروى الثلث؛ لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - في حديث الوصية: «الثلث، والثلث كثير» ، وقال أبو يوسف ومحمد: إذا بقي الأكثر من النصف أجزأه اعتبارا للحقيقة على ما تقدم في الصلاة، وهو اختيار الفقيه أبي الليث. وقال أبو يوسف: أخبرت بقولي أبا حنيفة فقال: قولي هو قولك، قيل: هو رجوع منه إلى قول أبي يوسف. وقيل: معناه: قولي قريب من قولك،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ويروى الثلث لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - في حديث الوصية: «الثلث، والثلث كثير» ش: هذا الحديث رواه الجماعة عن سعيد بن أبي وقاص قال: «قلت: يا رسول الله إن لي مالا كيرا وإنما ترثني ابنتان وأنا أوصي بمالي كله؟ قال: " لا "، قال: بالثلثين؟ قال: " لا "، قال: فالبنصف؟ قال: " لا "، فبالثلث؟ قال: " الثلث، والثلث كثير» ، وسيجيء من بعد الكلام في كتاب الوصية.
م: (وقال أبو يوسف ومحمد: إذا بقي الأكثر من النصف أجزأه اعتبارا للحقيقة) ش: لأن القليل والكثير في الأسماء المتقابلة فما دون النصف يكون قليلا م: (على ما تقدم في الصلاة) ش: يعني إذا كان أكثر من نصف الساق يمنع وعن أبي يوسف في ذلك ثلاث روايات: في رواية يجزئه ما دون النصف ويمنع بما زاد عليه، وفي رواية " الجامع ": يمنع النصف، وفي رواية كقولهما يمنع الربع لا ما دونه ويمنع ما فوقه مطلقا.
م: (وهو اختيار الفقيه أبي الليث) ش: أي قول أبي يوسف ومحمد وهو الذي اختاره أبو الليث في شرح " الجامع الصغير " وإليه رجع أبو حنيفة.
م: (وقال أبو يوسف: أخبرت بقولي أبا حنيفة فقال: قولي هو كقولك) ش: يعني أخبرت بقولي في النصف فقال أبو حنيفة: قولي هو قولك، قيل: معناه أحدث بقولك، وقيل معناه: أن تقديري بالثلث اجتهاد كتقديرك بالنصف، كذا في " المختلف ".
م: (قيل: هو رجوع منه إلى قول أبي يوسف) ش: أي قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأبي يوسف قولي هو قولك، رجوع من قوله إلى قول أبي يوسف؛ لأنه كان يقول أولا بالثلث قليلا، والكثير ما زاد على الثلث، ثم رجع وقال: الكثير النصف وما زاد عليه كقولهما.
م: (وقيل: معناه: قولي قريب من قولك) ش: لأن أبا يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - اعتبر الأكثر من النصف وأبا حنيفة اعتبر الأكثر من الثلث والثلث أقرب إلى النصف من الربع وغيره. وقال الكاكي: أي قولي الأول وهو أن الأكثر من النصف، الثلث مانع لا ما دونه، أقرب إلى قولك الذي هو أن الأكثر من النصف إذا نفى أجزأه بالتشبه إلى قول من يقول إن الربع أو الثلث مانع.

(12/37)


وفي كون النصف مانعا روايتان عنهما، كما في انكشاف العضو عن أبي يوسف، ثم معرفة المقدار في غير المعين متيسر وفي العين قالوا: تشد العين المعيبة بعد أن لا تعتلف الشاة يوما أو يومين، ثم يقرب العلف إليها قليلا قليلا، فإذا رأته من موضع أعلم على ذلك المكان، ثم تشد عينها الصحيحة، وقرب إليها العلف قليلا قليلا حتى إذا رأته من مكان أعلم عليه، ثم ينظر إلى تفاوت ما بينهما، فإن كان ثلثا، فالذاهب الثلث، وإن كان نصفا، فالنص`ف قال: ويجوز أن يضحي بالجماء، وهي التي لا قرن لها؛ لأن القرن لا يتعلق به مقصود، وكذا مكسورة القرن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وفي كون النصف مانعا روايتان عنهما) ش: أي عن أبي يوسف ومحمد في رواية مانع لأن القيل عفو، والنصف ليس بقليل لأن ما يقابله ليس بكثير، وفي رواية: غير مانع لأن المانع هو الكثير والنصف غير كثير لأن ما يقبله ليس بقليل. وفي " المبسوط ": النصف مانع مطلقا، فقال: لما استوى المانع والمجوز يرجح المانع احتياطا.
م: (كما في انكشاف العضو عن أبي يوسف) ش: أي كما جاءت روايتان عن أبي يوسف في انكشاف نصف العضو وقد ذكرناه الآن م: (ثم معرفة المقدار في غير العين متيسر) ش: لأنه محسوس ظاهر.
م: (وفي العين قالوا: تشد العين المعيبة بعد أن لا تعتلف الشاة يوما أو يومين، ثم يقرب العلف إليها قليلا قليلا، فإذا رأته من موضع أعلم على ذلك المكان) ش: أي جعل عليه علامة م: (ثم تشد عينها الصحيحة، وقرب إليها العلف قليلا قليلا حتى إذا رأته من مكان أعلم عليه، ثم ينظر إلى تفاوت ما بينهما، فإن كان ثلثا) ش: أي إن كان التفاوت، أراد به المسافة ما بين الرؤية الأولى والثانية ثلثاه. م: (فالذاهب الثلث) ش: أي فالذي ذهب من عينها الثلث م: (وإن كان نصفا) ش: أي وإن كان التفاوت بين الرؤيتين نصفا، م: (فالنصف) ش: أي فالذاهب من عينها النصف، فهذا هو الحلية في معرفة أنه كم ذهب من العين وكم بقي.

[التضحية بالجماء]
م: (قال: ويجوز أن يضحي بالجماء وهي التي لا قرن لها) ش: أي قال القدوري: ولا خلاف فيه لأحد م: (لأن القرن لا يتعلق به مقصود) ش: لأنه ينتفع به في الأضحية وليس منصوص عليه فلا يؤثر، م: (وكذا مكسورة القرن) ش: أي يجوز.
م: (لما قلنا) ش: أن القرن لا يتعلق به مقصود، وبه قال الشافعي، وقال أحمد: إن انكسر أكثر من نصف القرن لا يجوز، وما دونه يجوز، لما روينا عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه «قال: نهى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يضحى بعضباء الأذن والقرن» والعضب الكثير من النصف، فكرهت ذلك رواه أبو داود. وقال مالك: إن كان قرنها يدمي كثيرا لم يجزه، وإلا جاز

(12/38)


لما قلنا والخصي؛ لأن لحمها أطيب، وقد صح «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضحى بكبشين أملحين موجوءين» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لأن ما لا دماء لها تعتبر كالمريضة.
وفي " اللباب " حديث علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لا يخلو من أن يكون مقدما على حديث البراء، وهو ما روي أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «أربع لا تجزئ في الأضاحي: العوراء البين عورها.....» . الحديث، فيكون منسوخا بحدث البراء متأخرا، فيكون حديث علي زائدا عليه، وما علمنا ثبوته لم يجعله منسوخا بالشك فيكون واجب العمل، وهذا فيه توضيح قول أحمد ولكن أصحابنا قالوا: إن العيب اليسير لا يمنع بالإجماع وبهذا جازت الوجوه؛ لأنه لا يسر في المقصود وهو اللحم، فكسر القرن كذلك.
وعن عبيد بن فيروز قال: قلت للبراء: فإني أكره النقص من القرن؟، فقال: أكره لنفسك ما شئت وإياك أن تضيق على الناس، فيحمل على الاستحباب، كما حمل حديث الشركاء على الاستحباب ويدل عليه إنكار البراء على ابن فيروز.
وقال الكرخي في " مختصره ": قال هشام: سألت أبا يوسف عن السعية التي لا قرن لها فقال: السكاء: إن كان بها أذن فهي تجزئ، وإن كانت صغيرة الأذن أو إن لم يكن لها أذن فإنها لا تجزئ، وهو قول أبي يوسف، وتجزئ الشاة وإن لم يكن لها قرن عندهم جميعا.
وقال محمد في " الأصل ": لو كسر بعض قرنها أو جميعه أجزأت وأما السكاء وهي التي لا أذن لها خلقة فإن كانت الأذن صغيرة والعضو موجود وصغير الأعضاء لا يمنع وإن لم يكن لها أذن بينة فإن الأذن مقصودة في الخلقة بدلالة النص عليها فعدمها أكثر من نقصانها.

[التضحية بالخصي]
م: (والخصي) ش: بالجر، أي ويجوز أن يضحي بالخصي وهو منزوع الخصيتين م: (لأن لحمها أطيب) ش: وأن لحمه أوجه على ما لا يخفى.
م: (وقد صح: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضحى بكبشين أملحين موجوءين» ش: هذا الحديث رواه خمسة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -.
الأول: جابر بن عبد الله، أخرج حديثه أبو داود وابن ماجه عن ابن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي عياش المعافري عن جابر بن عبد الله قال: «ذبح رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم النحر كبشين أقرنين أملحين موجوءين» .

(12/39)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الثاني: أبو هريرة أخرج حديثه أبو نعيم في " الحلية " في ترجمة ابن المبارك عنه عن يحيى بن عبيد الله عن أبيه قال: سمعت أبا هريرة يقول: «ضحى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بكبشين أملحين موجوءين» وقال: مشهور من [غير] وجه، غريب من حديث يحيى.
الثالث: أبو رافع أخرج حديثه أحمد وإسحاق بن راهويه في " مسنديهما " والطبراني في " معجمه " عن شريك بن عبد الله بن محمد بن عقيل عن علي بن حسين عن أبي رافع قال: «ضحى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بكبشين أملحين موجوءين خصيين» . الحديث.
الرابع: أبو الدرداء: أخرج حديثه أحمد في " مسنده " عنه قال: «ضحى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بكبشين جذعين موجوءين» .
الخامس: عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -، أخرج حديثها ابن ماجه في " سننه " من طريق عبد الرزاق أخبرنا سفيان الثوري عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن أبي سلمة عن عائشة أو أبي هريرة: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا أراد أن يضحي اشترى كبشين عظيمين سمينين موجوءين ... » - الحديث.
ورواه أحمد في " مسنده " أيضا: حدثنا إسحاق بن يوسف أخبرنا سفيان عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن عائشة قالت: كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذكره.....، حدثنا وكيع عن سفيان عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن أبي سلمة عن أبي هريرة
.. فذكره.
وبهذا الإسناد الأخير رواه الحاكم في " المستدرك " من طريق أحمد وسكت عند قوله أملحين، وهو الكبشين فيه سواد وبياض، وقيل: يقال: كبش أملح أي فيه ملحة، وهي بياض مشوبة شعرات سود وهي من لون الملح.
وفي " العباب ": الملحة من الألوان وهي بياض يخالطه سواد. قلت: هو بضم الميم وسكون اللام. قوله: موجوءين الموجوء على وزن مفعول من الوجاء، بكسر الواو وبالمد، وهو عارض البيضتين حتى يتفضخ فيكون بتها بالخصي.
وفي " المغرب ": هو أن يضرب العروق بحديدة ويطعن فيها من غير إخراج البيضتين. وقال الحافظ المنذري: في " حواشيه ": المحفوظ موجوءين أي منزوعي [....
....] ؛ قاله أبو موسى

(12/40)


والثولاء وهي المجنونة، وقيل: هذا إذا كانت تعتلف؛ لأنه لا يخل بالمقصود. أما إذا كانت لا تعتلف لا تجزئه، والجرباء إن كانت سمينة جاز؛ لأن الجرب في الجلد ولا نقصان في اللحم، وإن كانت مهزولة لا تجوز؛ لأن الجرب في اللحم فانتقص، وأما الهتماء وهي التي لا أسنان لها، فعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه يعتبر في الأسنان الكثرة، والقلة، وعنه: إن بقي ما يمكن الاعتلاف به أجزأه لحصول المقصود
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الأصبهاني. وقال في " النهاية ": ومنهم من يرويه موجيين بغير همز على التخفيف ويكون من وجيته وجيا فهو موجي.
قال تاج الشريعة: فإن قلت: كيف يجمع الكبوشية مع الوجاء؟
قلت: جاز أن يكون الكبوشية باعتبار ما كانت، والوجاء باعتبار الحال - انتهى.
قلت: الكبوشية لا تزول عنه أصلا فلا حاجة إلى هذا السؤال والجواب.

[التضحية بالجرباء والثولاء]
م: (والثولاء) ش: أي قال القدوري: ويجوز أن يضحي بالثولاء م: (وهي المجنونة) ش: لأن العقل غير مقصود في البهائم.
وقال الكرخي في " مختصره ": قال هشام: وسألته عن الجرباء والثولاء؛ قال: إذا كانا سمينتين أجزأتا، وإن كانا عجفاوين لم يجزئا، وهو قول أبي يوسف.
م: (وقيل: هذا إذا كانت تعتلف) ش: أي ما ذكر من الجواز إنما يكون إذا كانت المجنونة تأكل العلف م: (لأنه لا يخل بالمقصود) ش: أي لأن الجنون لا يخل بالمقصود وهو الانتفاع باللحم م: (أما إذا كانت لا تعتلف لا تجزئه) ش: لأنه ينتقص به اللحم.
م: (والجرباء إن كانت سمينة جاز؛ لأن الجرب في الجلد ولا نقصان في اللحم، وإن كانت مهزولة لا تجوز؛ لأن الجرب في اللحم فانتقص) ش: والأصل عند العلماء كل عيب يؤثر في اللحم يمنع وإلا فلا.
م: (وأما الهتماء وهي التي لا أسنان لها فعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه يعتبر في الأسنان الكثرة والقلة) ش: وهو من اللحم وهو كسر الثنايا من أصلها يقال: ضربه ضربة هشم، فإذا ألقى مقدم أسنانه، وإنما اعتبر أبو يوسف الكثرة والقلة في هذه الرواية؛ لأن الأسنان عضو كالأذن فيعتبر فيه بقاء الأكثر.
م: (وعنه) ش: أي وعن أبي يوسف م: (إن بقي ما يمكن الاعتلاف به أجزأه لحصول المقصود) ش: لأن المقصود من الأسنان الأكل بها فاعتبر بقاء المقصود دون غيره. قال القدوري في " شرحه ": من أصحابنا لأن الهتماء التي يكسر أطراف أسنانها.

(12/41)


والسكاء وهي التي لا أذن لها خلقة لا تجوز، إن كان هذا؛ لأن مقطوع أكثر الأذن إذا كان لا يجوز، فعديم الأذن أولى وهذا الذي ذكرناه إذا كانت هذه العيوب قائمة وقت الشراء، ولو اشتراها سليمة ثم تعيبت بعيب مانع، إن كان غنيا عليه غيرها، وإن كان فقيرا تجزئه هذه؛ لأن الوجوب على الغني بالشرع ابتداء، لا بالشراء، فلم تتعين،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
واعتبر أبو يوسف فيها أن تعتلف؛ لأن الأسنان باقية وإنما نقصت، فإذا لم يؤثر في الأكل لم يمنع وإذا كانت متعلفة الأسنان فاعتبر بقاء الأكثر.

[التضحية بالسكاء]
م: (والسكاء وهي التي لا أذن لها خلقة لا تجوز) ش: لأنها فائتة العضوين المقصودين م: (إن كان هذا) ش: يعني إن وجد هذا الذي ذكره والمعنى أنه لا يكون هكذا فإن وقع هذا نادرا فلا يجوز؛ لأنه فائت الأذنين من الأصل وإنما قال هذا؛ لأن السكاء لا يكون إلا في الطير، يقال: سليم السلا والعامة سكاء وجميع الطير يسك ويستعمل أيضا في صغير الأذنين وقال: جدي أسك وجدية سكاء إذا كانت صغيرة الأذنين.
فإن كان المراد من السكاء المعنى الأول وهو المعنى الأصلي فإنها لا تجوز لما ذكرنا. وإن كان المعنى الثاني: فإنها تجوز كما ذكرنا في ما مضى عن أبي يوسف أنه قال: السكاء إن كانت صغيرة الأذن فإنها تجزئ وإن كانت ليس لها أذن فإنها لا تجزئ، فافهم، فإنه موضع غض الشراح فيه أعينهم.
م: (لأن مقطوع أكثر الأذن إذا كان لا يجوز، فعديم الأذن أولى) ش: بأن لا يجوز م: (وهذا الذي ذكرناه) ش: أشار به إلى ما ذكره من الأحكام التي بعضها يجوز بعضها لا يجوز م: (إذا كانت هذه العيوب) ش: من العماء والعور والعرج والعجف وانقطاع الأذن أو الإلية أو انقطاع أكثرهما م: (قائمة وقت الشراء) ش: فإنها تمنع الأضحية، وإنما إذا حدث بعده فالجواب على التفضيل أشار إليه بقوله: م: (ولو اشتراها سليمة) ش: لو اشترى الشاة أو نحوها حال كونها سليمة عن العيب.
م: (ثم تعيبت بعيب مانع) ش: من جواز التضحية م: (إن كان غنيا عليه غيرها) ش: وعند الثلاثة، أجزته هذه المعيبة ولا يلزم عليه أخرى بناء على أن الأضحية غير واجبة، وكذلك لو أوجبها بالنذر فكذلك عندهم وبقولهم قال الزبيري والثوري والنخعي والحسن وعطاء.
م: (وإن كان فقيرا تجزئه هذه) ش: أي المعيبة م: (لأن الوجوب على الغني بالشرع ابتداء) ش: يعني قبل الشرع، حاصله أن الغني لا يتعين عليه بالشراء بل الواجب عليه قبل الشراء م: (لا بالشراء فلم تتعين) ش: أي لا الوجوب عليه بسبب الشراء إذا كان كذلك فلم يتعين عليه بالشراء.

(12/42)


وعلى الفقير بشرائه بنية الأضحية فتعينت، ولا يجب عليه ضمان نقصانه كما في نصاب الزكاة، وعن هذا الأصل. قالوا: إذا ماتت المشتراة للتضحية على الموسر مكانها أخرى.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[أوجب على نفسه أضحية بغير عينها فاشترى صحيحة ثم تعيبت]
م: (وعلى الفقير بشرائه بنية الأضحية فتعينت) ش: أي والوجوب على الفقير بسبب شرائه بنية الأضحية، فتعينت الأضحية بسبب ذلك، بخلاف ما يقوله الزعفراني: إنه لا يتعين بالشراء أصلا، فإذا تعينت بشرائه تجزئه أن يضحي بها، بخلاف الغني؛ لأن الواجب عليه أضحية كاملة ابتداء فلا يخرج عن العهدة بالناقص وكذلك الحكم في الفقير إذا أوجب على نفسه أضحية بغير عينها، فاشترى صحيحة ثم تعيبت قبل الذبح عيبا مانعا فضحى لا يسقط عنه الواجب، كذا في " التحفة " وفي " الذخيرة "، قال بعض مشائخنا: تصير واجبة بنية الأضحية موسرا كان المشتري أو معسرا.
وذكر شيخ الإسلام: إذا كان المشتري موسرا لا تصير واجبة بالشراء بنية الأضحية باتفاق الروايات. وإن كان معسرا ففي ظاهر الروايات تجب وبه قال مالك.
وروى الزعفراني: أنها لا تجب، وإليه أشار شمس الأئمة واتفقوا على أنها لا تجب بمجرد النية للأضحية حتى كانت له شاة فنوى أن يضحي بها ولم يذكر بلسانه شيئا لا تصير واجبة للأضحية، ثم إذا أوجبت عليه بإيجابه أو بشرائه بنية الأضحية، وهو معسر فعلى قول من قال بوجوبها أن يصدقه بعينها في أيام النحر ولم يضحها فعليه مثلها؛ لأن الواجب عليه الإراقة وإنما ينتقل إلى التصدق عند العجز، وذلك بعد أيام النحر.
فإذا تصدق بما وجب عليه لزمه مثلها في أيام النحر وبعدها تصدق بقيمتها ولا تجزيه الصدقة الأولى التي في أيام النحر؛ لأنها وقعت قبل وجوب التصدق، فتجب بعينها حية بعد أيام النحر احتياطا كما ذكر في الأصول، فلو لم يتصدق بعينها في أيام النحر تصدق بعينها حية بعد أيام النحر كما ذكرنا.
م: (ولا يجب عليه ضمان نقصانه) ش: في بعض النسخ: ولا يجب عليه الضمان لنقصانه أي لا يجب على الفقير ضمان نقصان العيب م: (كما في نصاب الزكاة) ش: أي كما لا يجب النقصان في نصاب الزكاة إذا انتقص بعد الوجوب فإن الزكاة تسقط عنه بقدره، ولا يجب ضمان ذلك القدر، والجامع بقيمتها أن محل الوجوب فيهما جميعا المال لا الذمة. فإذا هلك المال سقط الوجوب م: (وعن هذا الأصل) ش: أي الأصل المذكور، وهو أن الوجوب على الغني بالشرع لا بالشراء، فلم يتعين الشاة، فلما لم يتعين كان عليه أخرى، والوجوب على الفقير بالشراء، فتعينت فلم يجب عليه أخرى.
م: (قالوا: إذا ماتت المشتراة للتضحية على الموسر مكانها أخرى) ش: أي قال المشائخ -

(12/43)


ولا شيء على الفقير.
ولو ضلت أو سرقت فاشترى أخرى، ثم ظهرت الأولى في أيام النحر على الموسر ذبح إحداهما، وعلى الفقير ذبحهما، ولو أضجعها فاضطربت فانكسرت رجلها فذبحها أجزأه استحسانا عندنا، خلافا لزفر والشافعي - رحمهما الله - لأن حالة الذبح ومقدماته ملحقة بالذبح.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
- رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: إذا ماتت الشاة المشتراة؛ لأن التضحية على الغني مكان هذه شاة أخرى.
م: (ولا شيء على الفقير) ش: يعني إذا ماتت المشتراة؛ لأنها كانت متعينة وماتت كما ذكرنا

م: (ولو ضلت) ش: أي ذهبت المشتراة للضحية م: (أو سرقت فاشترى أخرى) ش: أي شاة أخرى.
م: (ثم ظهرت الأولى) ش: وهي التي ضلت أو سرقت م: (في أيام النحر على الموسر ذبح إحداهما) ش: أي أحد الشاتين، لعدم التعيين لشرائه م: (وعلى الفقير ذبحهما) ش: أي ذبح الشاتين التي ضلت والتي عوضت عنها لتعيينها بشرائه، وتعويضه بالشراء أيضا هذا على ظاهر الرواية، لا على رواية الزعفراني، واختيار شمس الأئمة، واختار في " فتاوى الظهيرية " ظاهر الرواية.
م: (ولو أضجعها) ش: أي ولو أضجع رجل شاته التي عينها للتضحية. م: (فاضطربت فانكسرت رجلها فذبحها أجزأه استحسانا عندنا، خلافا لزفر والشافعي - رحمهما الله -) ش: وبقولهما قال أحمد، وأصحاب الظاهر؛ لأنها صارت معيبة قبل الذبح فلم يجز تضحيته.
وقال الكاكي: لا فائدة في تخصيص انكسار الرجل؛ لأنها لو تعيبت بكل عيب مانع من الأضحية فالحكم كذلك وبه صرح في " المبسوط ".
وقال صاحب " العناية ": قوله: " فانكسرت رجلها " من باب ذكر الخاص وإرادة العام، فإنه إذا أصابها عيب مانع غير الانكسار بالاضطراب حالة الإضجاع للذبح كان الحكم كذلك.
قلت: هذا خارج مخرج الغالب فإن الحيوان عند الاضطجاع للذبح يخبط برجله الأرض غالبا فربما ينكسر رجل أو يد فلذلك ذكره، وإلا فالحكم عام فافهم.
وفي شرح " الأصل ": كذا إذا انقلبت منه السكين فأصابت عينه فذهبت، وفيه أيضا هذا إذا ذبح في مكانه ذلك، فأما إذا انقلبت الشاة ثم أخذت بعد ذلك وذبحت هل يجوز؟ لم يذكر هذا في ظاهر الرواية وقد ذكر في غير رواية الأصول خلافا بين أبي يوسف ومحمد. يقال على قول أبي يوسف إن أخذ من فوره ذلك جاز، وإن لم يؤخذ من فوره لا يجوز. وعند محمد: يجوز في الحالين بعد أن يكون التضحية في وقت الأضحية.
م: (لأن حالة الذبح ومقدماته ملحقة بالذبح) ش: وهذا إشارة على وجه الاستحسان، ووجهه

(12/44)


فكأنه حصل به اعتبارا وحكما، وكذا لو تعيبت في هذه الحالة؛ فانفلتت ثم أخذت من فوره، وكذا بعد فوره عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، خلافا لأبي يوسف؛ لأنه حصل بمقدمات الذبح.
قال: والأضحية من الإبل، والبقر، والغنم؛ لأنها عرفت شرعا،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أن الشاة تضطرب في حالة الذبح فيلحقه العيوب من اضطرابها فصار ذلك مما لم يكن الاحتراز عنه؛ لأنه في حالة الذبح ومقدماته، وذلك ملحق بالذبح ولو لحقها عيب حالة الذبح كان عفوا فكذلك حالة الاضطجاع، أشار إليه بقوله م: (فكأنه حصل به) ش: أي فكان حصل بالذبح م: (اعتبارا) ش: أي قياسا فإن الذبح متلف جميع الأعضاء م: (وحكما) ش: أي ومن حيث الحكم كأنه حصل تلف الرجل بالذبح.
نظيره إذا أعتق نصف عبده عن كفارة ظهاره ثم أعتق النصف الثاني يجوز، وإن انتقص النصف بالإعتاق؛ لأن الانتقاص يثبت في ملكه لأجل الكفارة فلا يمنع كذلك. هاهنا يثبت الانكسار في حالة الذبح فلا يمنع.
م: (وكذا لو تعيبت في هذه الحالة) ش: أي وكذا يجوز لو تعيبت الشاة في حالة الاضطجاع م: (فانفلتت) ش: أي نسيت وهربت م: (ثم أخذت من فوره) ش: أي من ساعته من غير تأخير، والضمير في فوره يرجع إلى الوقت الذي دل عليه القرينة.
م: (وكذا بعد فوره) ش: أي وكذا يجوز لو أخذت بعد ساعة م: (عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - خلافا لأبي يوسف) ش: لم يذكر دليل أبي يوسف، ودليله أن الفور لما انقطع خرج الفعل الذي تعيبت به من أن يكون سببا من أسباب الذبح الذي وجد بعد الفور فصار بمنزلة ما حصل بفعل آخر وأشار إلى دليل محمد بقوله م: (لأنه حصل بمقدمات الذبح) ش: أي لأن الذي حصل بمقدمات الذبح فيلحق بالذبح.

[ما يجزئ في الأضحية من الأنعام]
م: (قال: والأضحية من الإبل والبقر، والغنم) ش: أي قال القدوري: الأضحية من هؤلاء الثلاثة لا غير، وبه قالت الثلاثة، وقالت الظاهرية: يجوز بكل حيوان وبكل وحشي وإنسي وكذا بكل طائر يؤكل لحمه وحشي وإنسي، لحديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «مثل المهاجر إلى الجمعة كمثل من يهدي بدنة ثم كمن يهدي بقرة ثم كمن يهدي شاة ثم كمن يهدي دجاجة ثم كمن يهدي بيضة والعصفور قريب إلى البيضة» .
وحكي عن الحسن بن صالح أن بقرة الوحشي تجزئ عن سبعة، والظبي عن واحد وأشار إلى دليلنا بقوله م: (لأنها) ش: أي لأن الإبل والبقر والغنم م: (عرفت شرعا) ش: أي عرفت

(12/45)


ولم تنقل التضحية بغيرها من النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ولا من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. قال: ويجزئ من ذلك كله الثني فصاعدا إلا الضأن؛ فإن الجذع منه يجزئ؛ لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «ضحوا بالثنايا إلا أن يعسر على أحدكم فليذبح الجذع من الضأن» . وقال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «نعمت الأضحية الجذع من الضأن» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
جواز الأضحية منها من حيث الشرع.
م: (ولم تنقل التضحية بغيرها) ش: أي بغير هذه الثلاثة م: (من النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ولا من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -) ش: لأنه لم يرو حديث ولا أثر بجوازها من غير هذه الثلاثة، واستدلال الظاهرية بالحديث المذكور فاسد؛ لأن المراد منه بيان قدر الثواب لأنه تجوز التضحية، ولهذا لم يجوز النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غير الجذع من الضأن فعلى قياس قولهم ينبغي أن يجوز.
م: (قال: ويجزئ من ذلك كله الثني فصاعدا) ش: أي قال القدوري، أي يجوز من المذكور من هذه الثلاثة كلها الثني.
فإن قلت: فصاعدا نصب بماذا؟
قلت: على الحال. والتقدير فذهب الحكم فصاعدا أي حال كونه ثمانيا على ذلك؛ لأنه لا زائد عليه متجاوزا عنه، والفاء للعطف.
م: (إلا الضأن؛ فإن الجذع منه يجزئ) ش: قيد بالضأن؛ لأنه لا يجوز من غيره وعن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - والزهري لا يجزئ الجذع من الضأن كما لا يجزئ من غيره، وبقولنا قال مالك وأحمد، وقال الشافعي: ولا يجزئ من الضأن إلا التي في السنة الثانية، ومن المعز إلا التي في السنة الثانية. كذا في " وجيزهم ".
م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «ضحوا بالثنايا إلا أن يعسر على أحدكم فليذبح الجذع من الضأن» ش: هذا الحديث أخرجه مسلم عن أبي الزبير عن جابر قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لا تذبحوا إلا مسنة أن يعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن» .
م: (وقال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «نعمت الأضحية الجذع من الضأن» ش: هذا الحديث أخرجه الترمذي عن عثمان بن واقد عن كدام بن عبد الرحمن «عن أبي كباش قال: جلبت غنما جذعانا إلى المدينة فكسرت علي فلقيت أبا هريرة فسألته فقال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: " نعم - أو نعمت - الأضحية الجذع من الضأن " قال: " فانتهبه الناس» وقال: حديث غريب.

(12/46)


قالوا: وهذا إذا كانت عظيمة، بحيث لو خلط بالثنيات يشتبه على الناظر من بعيد. والجذع من الضأن ما تمت له ستة أشهر في مذهب الفقهاء.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقد روي عن أبي هريرة موقوفا. وقال في " علله الكبرى ": سألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث، فقال: رواه عثمان بن واقد فرفعه إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ورواه غيره فوقفه عن أبي هريرة، وسألته عن أبي كباش فلم يعرفه، والعجب من الأترازي أنه نسب الحديث الأول إلى صاحب " السنن "، وهو لصاحب " الصحيح " كما ذكرنا، وإن كان أصحاب السنن أخرجوه أيضا.
وقال في الحديث الثاني: قال أصحابنا في كتبهم: عن أبي هريرة، وأظهر العجز عن نسبته إلى الترمذي.
م: (قالوا: وهذا إذا كانت عظيمة) ش: أي قال المشائخ: جواز الأضحية بالجذع من الضأن إذ كانت الجذع عظيمة م: (بحيث لو خلط بالثنيات) ش: بضم الثاء المثلثة، جمع ثني، وكان يقول ينبغي أن يقول لو خلطت م: (يشتبه على الناظر من بعيد) ش: أنه ثني أو جذع.
م: (والجذع من الضأن ما تمت له ستة أشهر) ش: وقال القدوري في شرحه: قال الفقهاء الجذع من الغنم ابن ستة أشهر والثني من الغنم ابن سنة، والجذع من البقر ابن سنة، والثني ابن سنتين، والجذع من الإبل ابن أربع سنين والثني ابن خمس.
وقال الناطفي في كتاب " الأجناس "، قال في كتاب " الضحايا ": لأن القاسم الحرمي الرازي قال: سمعت أبا علي الدقاق قال: الجذع من الضأن هو ما تمت له ثمانية أشهر وطعن في الشهر التاسع، وفي " أضاحي أبي عبد الله الزعفراني " ما تمت له سبعة أشهر وطعن في الشهر الثامن.
ويجوز في الأضحية إذا كانت الشاة عظيمة الجثة وهي جذع وإذا كانت صغيرة الجثة لا يجوز إلا أن يتم لها سنة وطعنت في السنة الثانية، وأما المعز لا يجوز إلا ما تمت له سنة وطعنت في الثانية، وأما البقر لا يجوز إلا ما تمت له سنتان وطعنت في السنة الثالثة سواء كانت عظيمة الجثة أو لا.
والإبل فلا يجوز في الأضحية، إلا ما قد تمت له خمس سنين وطعن في السنة السادسة. ذكره الخصاف من أصحابنا في " ضحاياه " م: (في مذهب الفقهاء) ش: قيد به؛ لأن عند أهل اللغة الجذع من الشاة ما تمت له سنة وطعنت في الثانية.
وفي الثني الجذع من البهائم قبل الثني، إلا أنه في الإبل قبل السنة الخامسة وفي البقر

(12/47)


وذكر الزعفراني - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه ابن سبعة أشهر، والثني منها ومن المعز ابن سنة، ومن البقر ابن سنتين، ومن الإبل ابن خمس سنين، ويدخل في البقر الجاموس؛ لأنه من جنسه، والمولود بين الأهلي والوحشي يتبع الأم؛ لأنها هي الأصل في التبعية، حتى إذا نزا الذئب على الشاة يضحى بالولد.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
والشاة في السنة الثانية، وفي الخيل في الرابعة.
وعن الأزهري: من المعز لستة ومن الضأن لثمانية أشهر ثم الثني من الإبل الذي سنه هو ما استكمل الخامسة ودخل في السادسة، ومن الحافر ما استكملت الثالثة ودخل في الرابعة وهو في كلها بعد الجذع. قال الشاعر:
الثنايا ابن حول وابن ضعف ... وابن خمس من ذوي ظلف وخف
م: (وذكر الزعفراني - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه) ش: أي الجذع من الضأن م: (ابن سبعة أشهر) ش: وقد ذكرناه من " الأجناس " و " الزعفراني "، والجذع قبل الثني، والأنثى جذعة ويجمع على جذاع وجذعان وأجذاع، وزاد يونس جذاع بالضم.
م: (والثني منها) ش: أي من الضأن م: (ومن المعز ابن سنة) ش: قال الجوهري: الثني الذي يلقى سنة ويكون ذلك في الظلف والحافر في السنة الثالثة، وفي الخف في السنة السادسة والجمع سنان، ورواه: الأنثى سنة والجمع المعزى بكسر الميم اسم جنس وكذلك المعر والمعز والعور وفي " العباب ": المعز مثال يهز ويهز في الغنم خلاف الضأن. وقيل الماعز الذكر، والأنثى ماعزة وهي العين والجمع مواعز وقيل واحد المعز ماعز.
م: (ومن البقر) ش: أي والثني من البقر م: (ابن سنتين، ومن الإبل) ش: أي الثني من الإبل م: (ابن خمس سنين) ش: وطعن في السادسة م: (ويدخل في البقرة والجاموس؛ لأنه من جنسه) ش: كما في الزكاة فإنه يؤخذ من نصاب الجاموس ما يؤخذ من نصاب البقر، وقال في " خلاصة الفتاوى ": والجاموس يجوز في الهدايا والضحايا استحسانا.

[التضحية بالمولود بين الأهلي والوحشي] 1
(والمولود بين الأهلي والوحشي يتبع الأم) ش: أي الذي ولد بين الحيوانات الأهلي، كالشاة مثلا وبين الحيوان الوحشي كالظبي مثلا يتبع أمه م: (لأنها هي الأصل في التبعية) ش: لأنها جزء الأم فإن بالفحل صار مستهلكا بحضانتها، والمنفصل من الفحل هو الماء ومن الأم هو الحيوان فلذلك اعتبرت.
م: (حتى إذا نزا الذئب على الشاة يضحى بالولد) ش: اعتبارا بالأم وفي بعض النسخ حتى إذا نزا الذئب على الشاة، ولو نزا الكبش على الظبية لا يضحى بولدها اعتبارا بها، وعند الثلاثة لا يجوز كل منهما؛ لأنه ليس من بهيمة الأنعام.

(12/48)


قال: وإذا اشترى سبعة بقرة ليضحوا بها فمات أحدهم قبل النحر، وقالت الورثة: اذبحوها عنه وعنكم أجزأهم، وإن كان شريك الستة نصرانيا، أو رجلا يريد اللحم لم يجز عن واحد منهم. ووجهه أن البقرة تجوز عن سبعة، لكن من شرطه أن يكون قصد الكل القربة وإن اختلفت جهاتها كالأضحية والقران والمتعة عندنا لاتحاد المقصود وهو القربة، وقد وجد هذا الشرط في الوجه الأول؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ولنا ما ذكرنا في " جوامع الفقه " و " فتاوى الولوالجي ": الاعتبار بالمتولد للأم في الأضحية والحبل. وقيل: يعتبر بنفسه فيهما حتى ولدت الشاة ظبيا لم تجز الأضحية ولو ولدت الرمكة حمارا لم يجز ولم يؤكل.
وفي " الذخيرة " لو نزا الحمار على الرمكة فالمتولد منها مكروه بالاتفاق، فقيل لا يكره عندهما اعتبارا للأم.
وفي " خلاصة الفتاوى ": لو نزا الكلب على الشاة فولدت قال عامة الفقهاء: لا يجوز، قال الإمام الجنزاري: إن كان يشبه الأم تجوز ولو نزا شاة على ظبي. قال الإمام الجنزاري: إن كان يشبه الأب يجوز، ولو نزا ظبي على شاة قال عامة العلماء: يجوز وقال الإمام الحراحري: العبرة للمشابهة.

م: (قال: وإذا اشترى سبعة بقرة ليضحوا بها فمات أحدهم قبل النحر، وقالت الورثة: اذبحوها عنه وعنكم أجزأهم) ش: أي قالت ورثة الميت: اذبحوا البقرة عن الميت وعنكم أجزأهم ذلك.
م: (وإن كان شريك الستة نصرانيا، أو رجلا يريد اللحم لم يجز عن واحد منهم) ش: أراد أن سابع السبعة كان نصرانيا أو كان يريد اللحم، غير مريد الأضحية فإنه لا يجوز عن الجميع، والشركة في البقرة والبدنة جائزة عندنا، وقال مالك لا يجوز الاشتراك في الهداية لو أراد واحد منهم اللحم لا يجوز عن الكل عندنا. وقال الشافعي وأحمد: يجوز، وعند زفر: لا يجوز إذا اختلفت جهات القربة على ما نذكره إن شاء الله تعالى.
م: (ووجهه) ش: أي بين المسألتين وفي بعض النسخ ووجه أي وجه الفرق م: (أن البقرة تجوز عن سبعة، لكن من شرطه أن يكون قصد الكل القربة وإن اختلفت جهاتها كالأضحية والقران والمتعة) ش: بأن أراد أحدهم المتعة الأضحية وأراد الآخرون القران وأراد الآخرون المتعة فإن ذلك لا يضر.
م: (عندنا) ش: خلافا لزفر فعنده اتحاد القربة شرط م: (لاتحاد المقصود وهو القربة) ش: وإن كانت هي مختلفة في نفسها م: (وقد وجد هذا الشرط) ش: وهو وجود القربة م: (في الوجه الأول) ش: وهو ما إذا مات أحد السبعة وقالت ورثته: اذبحوها عنه وعنكم.

(12/49)


لأن التضحية عن الغير عرفت قربة. ألا ترى أن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ضحى عن أمته على ما روينا من قبل، ولم يوجد في الوجه الثاني؛ لأن النصراني ليس من أهلها، وكذا قصد اللحم ينافيها. وإذا لم يقع البعض قربة، والإراقة لا تتجزأ في حق القربة لم يقع الكل أيضا فامتنع الجواز. وهذا الذي ذكره استحسان، والقياس أن لا يجوز، وهو رواية عن أبي يوسف؛ لأنه تبرع بالإتلاف
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (لأن التضحية عن الغير عرفت قربة) ش: كان هذا جواب عما يقال: كيف يكون الأضحية عن الغير قربة لأنها تقوم بالفعل؟، فقال: عرفت قربة بالنص.
م: (ألا ترى أن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ضحى عن أمته) ش: على ما روى مسلم في الضحايا عن يزيد بن قسيط عن عروة بن الزبير عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -: «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر بكبش أقرن يطأ في سواد فأتي ليضحي به فقال لها: " يا عائشة هلمي المدية "، ثم قال: " اشحذيها بحجر " ففعلت فأخذها وأخذ الكبش فأضجعه ثم ذبحه وقال: " بسم الله اللهم تقبل من محمد وآل محمد ومن أمة محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " ثم ضحى» وقد ذكرنا أحاديث كثيرة مثل هذا في الذبائح.
وإليها أشار بقوله: م: (على ما روينا من قبل) ش: وهو الذي ذكره في الذبائح بقوله لما روى عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال بعد الذبح: «اللهم تقبل هذه عن أمة محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ممن شهد لك بالوحدانية ولي بالبلاغ» .
م: (ولم يوجد في الوجه الثاني) ش: أي لم يوجد الشرط وهو القربة فيما إذا كان شريك الستة نصرانيا أو مريد اللحم م: (لأن النصراني ليس من أهلها) ش: أي من أهل القربة.
م: (وكذا قصد اللحم ينافيها) ش: أي ينافي القربة م: (وإذا لم يقع البعض قربة والإراقة لا تتجزأ في حق القربة لم يقع الكل أيضا) ش: أي لم يقع الكل قربة أيضا لعدم التجزؤ.
م: (فامتنع الجواز) ش: أي إذا كان كذلك امتنع جواز الأضحية.
فإن قلت: ينبغي أن يجوز؛ لأن البدنة لما قامت مقام سبع شياه، فلو اشترى سبعة أنفس سبع شياه وذبح أحدهم للحم يجوز الستة عن الأضحية كذا هذا؟.
قلت: البدنة أقيمت مقام سبع شياه بخلاف القياس بالنص، والنص إنما أقامها مقام السبع إذا وجدت الإراقة بنية القربة عن الكل ففي غير مورد النص نفي على أصل القياس.
م: (وهذا الذي ذكره استحسان) ش: أي هذا الذي ذكره محمد استحسان. م: (والقياس أن لا يجوز، وهو رواية) ش: أي القياس رواية م: (عن أبي يوسف؛ لأنه) ش: أي لأن إذن الورثة بالإراقة م: (تبرع بالإتلاف) ش: لأن نصيب الميت صار ميراثا فالتضحية عنه تبرع بالإتلاف ولهذا لو فعله الغاصب يضمن.

(12/50)


فلا يجوز عن غيره كالإعتاق عن الميت، لكنا نقول: القربة قد تقع عن الميت كالتصدق بخلاف الإعتاق؛ لأن فيه إلزام الولاء على الميت. ولو ذبحوها عن صغير في الورثة، أو أم ولد جاز لما بينا أنه قربة ولو مات واحد منهم فذبحها الباقون بغير إذن الورثة لا يجزيهم؛ لأنه لم يقع بعضها قربة، وفيما تقدم وجد الإذن من الورثة فكان قربة.
قال: ويأكل من لحم الأضحية،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (فلا يجوز عن غيره) ش: أي فلا يجوز من الوارث عن الميت م: (كالإعتاق عن الميت) ش: حيث لا يجوز؛ لأنه تبرع بالإتلاف م: (لكنا نقول: القربة قد تقع عن الميت) ش: هذا وجه الاستحسان وتقريره أن الورثة لما أذنوا صار ذلك أيضا قربة فوقع الكل قربة، فالقربة قد تقع عن الميت.
م: (كالتصدق) ش: عن الميت والحج عنه، فإن الورثة يملكون أن يتقربوا بنحو ذلك عن الميت، فحينئذ صار نصيب الميت للقربة كأنصاب الباقين.
م: (بخلاف الإعتاق) ش: هذا جواب عن قوله كالإعتاق عن الميت، وتقريره أن الإعتاق عن الميت إنما لم يجز م: (لأن فيه إلزام الولاء على الميت) ش: لأن الولاء لمن أعتق، وليس للوارث الإلزام على الميت، بخلاف الأضحية عنه فإنها جازت لعدم الإلزام.
م: (ولو ذبحوها عن صغير في الورثة، أو أم ولد جاز) ش: وفي بعض النسخ: ولو ذبحها أي ولو كان أحد الشركاء صغيرا أو أم فضحى عنه أبوه أو مولاه جاز م: (لما بينا أنه قربة) ش: أشار به إلى وجه الاستحسان وفي القياس: لا يجوز؛ لأن الإراقة لا تتجزأ، وبعض الإراقة وقع نفلا أو لحما فصار الكل كذلك.
م: (ولو مات واحد منهم) ش: أي من الشركاء م: (فذبحها الباقون بغير إذن الورثة لا يجزيهم) ش: وقال الشافعي وأحمد: يجزيهم، لما ذكر من عدم اشتراط نية الكل قربة عندهما، وعندنا يشترط فلا يجوز م: (لأنه لم يقع بعضها قربة، وفيما تقدم) ش: وهو المسألة الأولى م: (وجد الإذن من الورثة فكان قربة) ش: فإذا كان قربة فقد جازت.

[الأكل من الأضحية]
م: (قال: ويأكل من لحم الأضحية) ش: أي قال القدوري: هذا في غير المنذورة. أما في المنذورة فلا يأكل الناذر سواء كان معسرا أو موسرا وبه قالت الثلاثة، وعن أحمد في رواية: يجوز الأكل من المنذورة أيضا وفي " الذخيرة ": ولا يجوز أن يأكل الغني في المنذورة؛ لأن سببها التصدق وليس للمتصدق أن يأكل من صدقته، حتى لو أكل يجب عليه قيمة ما أكل.
وقال في " شرح الطحاوي ": لا يجوز الأكل من الدماء إلا من أربعة من الأضحية ودم المتعة ودم القران ودم التطوع، إذا بلغ محله، يعني لا يجوز الأكل من دماء الكفارات والنذور وهدي التطوع إذا لم يبلغ محله، انتهى.

(12/51)


ويطعم الأغنياء والفقراء ويدخر، لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «كنت نهيتكم عن أكل لحوم الأضاحي فكلوا منها، وادخروا» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ثم الأكل من أضحيته مستحب عند أكثر العلماء، وعند الظاهرية: واجب، وحكي ذلك عن أبي حفص الوكيل من أصحاب الشافعي.
م: (ويطعم الأغنياء والفقراء ويدخر؛ لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «كنت نهيتكم عن أكل لحوم الأضاحي فكلوا منها وادخروا» ش: هذا الحديث رواه ستة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -.
الأول: جابر بن عبد الله أخرج حديثه مسلم عن ابن زهير عنه عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أنه نهى عن أكل لحوم الضحايا بعد ثلاث ثم قال بعد: " كلوا وتزودوا وادخروا» .
الثاني: أبو سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرج حديثه مسلم أيضا، عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " يا أهل المدينة لا تأكلوا لحم الأضاحي فوق ثلاث " فشكوا إلى رسول الله أن لهم عيالا وحشما وخدما فقال: " كلوا وأطعموا واحبسوا وادخروا» ووهم الحاكم في " المستدرك "، فرواه، وقال: على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
الثالث: عائشة الصديقة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أخرج حديثها مسلم أيضا، عنها: «قالوا: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إن الناس يتخذون الأسقية من ضحاياهم، ويجعلون فيها الودك قال: " وما ذاك؟ " قالوا: نهيت أن تؤكل لحوم الأضاحي بعد ثلاث. قال: " إنما نهيتكم من أجل الدافة التي دفت فكلوا وادخروا وتصدقوا» .
الرابع: سلمة بن الأكوع - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرج حديثه البخاري، عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من ضحى منكم فلا يصبحن بعد ثالثة وفي بيته منه شيء " فلما كان العام المقبل قالوا: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: نفعل كما فعلنا العام الماضي؟ قال: " كلوا وأطعموا وادخروا، فإن ذلك العام كان بالناس جهد فأردت أن تعينوا فيها» .
الخامس: نبيشة الهذلي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرج حديثه أبو داود عنه قال: «قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " إني كنت نهيتكم عن لحومها أن تأكلوها فوق ثلاثة لكن ليسعكم الله بسعة فكلوا وادخروا واتجروا، ألا وإن هذه الأيام أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل» .
السادس: بريدة أخرج حديثه مسلم، عن الثوري عن علقمة بن مرثد عن عبد الله بن بريدة عن أبيه عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «كنت نهيتكم أن تأكلوا لحوم الأضاحي فوق ثلاثة أيام وإنما أردت ذلك ليوسع أهل السعة على من لا سعة لهم فكلوا إنما هذا لكم وادخروا» .

(12/52)


ومتى جاز أكله وهو غني، جاز أن يؤكل غنيا. قال: ويستحب أن لا ينقص الصدقة عن الثلث؛ لأن الجهات ثلاث: الأكل والادخار لما روينا، والإطعام لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} [الحج: 36] فانقسم عليها أثلاثا.
قال: ويتصدق بجلدها؛ لأنه جزء منها.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ومتى جاز أكله وهو غني) ش: أي ومتى جاز أكل لحم الأضحية، والحال أنه غني م: (جاز أن يؤكل غنيا) ش: أي أن يطعم غنيا مثله بدلالة النص م: (قال: ويستحب أن لا ينقص الصدقة عن الثلث) ش: هذا لفظ القدوري في " مختصره " أي من ثلث الأضحية م: (لأن الجهات ثلاث: الأكل والادخار لما روينا) ش: أراد به قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فكلوا منها وادخروا» .
م: (والإطعام) ش: بالرفع عطفا على قوله والادخار م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} [الحج: 36] ش: القانع السائل، من قنعت إليه إذا خضعت له وسألته قنوعا، والمعتر المتعرض للسؤال، والقانع الراضي بما عنده وبما يعطى من غير السؤال، من قنعت قنعا وقناعة، والمعتر للسؤال كذا في " الكشاف ".
قلت: الأول: من باب فعل يفعل بالفتح فيهما. والثاني: من باب فعل يفعل بكسر العين في الماضي وفتحها في الغابر.
وفي " المغرب ": القانع السائل من القنوع لا من القناعة يقال: يقنع قنوعا إذا سأل، وقنع قناعة إذا رضي. والمعتر الذي يتعرض للسؤال ولا يسأل؛ " وتفسير الزمخشري ". م: (فانقسم عليها أثلاثا) ش: أي إذا كان كذلك فانقسم لحم الأضحية على هذه الأشياء الثلاثة وهي الأكل والادخار والإطعام أثلاثا. كل واحد ثلث.
فإن قلت: الأشياء الثلاثة مذكورة في الأحاديث التي مضت فلم استدل على كون الطعام ثلثا للآية المذكورة؟.
قلت: اعتمد في ذلك على ما نقله في الحديث، فإنه لم يذكر فيه الإطعام، ولم يذكر فيه إلا الأكل والادخار، فكذلك استدل على الإطعام بالآية، ولكن الأحاديث الصحاح والحسان كلها مشتملة على الأقسام الثلاثة، ولم أدر من أخرج مثل ما ذكره من أصحاب هذا الشأن.
وقال الشافعي في " القديم ": يجعلها نصفين يأكل نصفا ويتصدق بنصف لقوله سبحانه وتعالى: {وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [الحج: 28] وقال في " الجديد ": يستحب أكل الثلث كما قال أكثر أهل العلم.

م: (قال: ويتصدق بجلدها) ش: أي قال القدوري، وفي غالب النسخ ليس فيه لفظة قال. وكذلك قال الأترازي: هذا لفظ القدوري في " مختصره ". ولم يقل: " قال القدوري " كما هو عادته، أي ويتصدق بجلد الأضحية م: (لأنه جزء منها) ش: أي لأن الجلد جزء من

(12/53)


أو يعمل منه آلة تستعمل في البيت كالنطع والجراب والغربال، ونحوها؛ لأن الانتفاع به غير محرم، ولا بأس بأن يشتري به ما ينتفع بعينه في البيت، مع بقائه استحسانا، وذلك مثل ما ذكرنا؛ لأن للبدل حكم المبدل، ولا يشتري به ما لا ينتفع به إلا بعد استهلاكه كالخل والأبازير، اعتبارا بالبيع بالدراهم، والمعنى فيه أنه تصرف على قصد التمول.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الأضحية م: (أو يعمل منه آلة تستعمل في البيت) ش: أي ويعمل المضحي من الجلد آلة يستعمل في البيت م: (كالنطع والجراب والغربال ونحوها) ش: كالمنخل والدلو والسفرة والمطهرة، والقربة م: (لأن الانتفاع بها غير محرم ولا بأس بأن يشتري به ما ينتفع بعينه في البيت مع بقائه استحسانا) ش: أي لا بأس بأن يشتري بجلد الأضحية الذي ينتفع بعينه مع بقاء عينه كالجرب والغربال، وقال الأوزاعي: يجوز بكل ما يصادر في البيت مثل الفأس، والقدر والمنخل والميزان، وقال الشافعي وأحمد: لا يجوز بأي شيء كان؛ لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى أن يعطى أجر الجزار منها، والنهي عنها نهي عن البيع؛ لأنه في معنى البيع، وعندنا لا بأس من بيعه بما ذكرنا، وبه قال مالك.
وقال شيخ الإسلام الأسبيجابي في " شرح الكافي ": ولا بأس بأن يشتري بجلد الأضحية متاعا للبيت؛ لأنه أطلق له الانتفاع دون البيع فكل ما كان في معنى الانتفاع يجوز، وما لا فلا. قال محمد في " نوادر هشام ": ولا يشتري به الخل والبذر، وله أن يشتري ما لا يؤكل مثل الغربال والثوب؛ لأنا أطلقنا الانتفاع، يجوز ذلك في استبدال الشيء بما ينتفع به من جنسه، كالغربال فإنه ينتفع به مع بقاء عينه فيجوز استبداله بالجلد ولو اشترى باللحم خبزا جاز؛ لأنه ينتفع به كما ينتفع باللحم، إذ اللحم لا يؤكل مفردا وإنما يؤكل مع الخبز. ولو اشترى باللحم متاع البيت لا يجوز.
وقال محمد: والقياس في الكل سواء معناه أنه لا يجوز بيع الكل؛ لأنه خرج من جهة التمول. وقال شيخ الإسلام خواهر زاده في " مبسوطه ": وأما اللحم فالجواب فيه كالجواب في الجلد، إن باعه بالدراهم تصدق بثمنه، وإن باعه بشيء آخر ينتفع به كما في الجلد.
م: (وذلك مثل ما ذكرنا) ش: أي الذي ينتفع بعينه مع بقائه مثل النطع والجراب ونحوهما م: (لأن للبدل حكم المبدل) ش: المبدل هو الجلد الذي يشترى به، لما كان البدل من الحكم فهو للمبدل كذلك. م: (ولا يشتري به) ش: أي بالجلد م: (ما لا ينتفع به إلا بعد استهلاكه كالخل) ش: والخل بالخاء المعجمة والمهملة أيضا، فالأول معروف، والثاني هو دهن السمسم م: (والأبازير) ش: وهي التوابل، جمع إبزار، بالفتح وهو جمع بزر، يقال: بذرت القدر إذا ألقيت فيها التوابل. م: (اعتبارا بالبيع بالدراهم) ش: أي قياسا على بيع الجلد بالدراهم حيث لا يجوز.
م: (والمعنى فيه: أنه تصرف على قصد التمول) ش: أي المعنى في اشتراء ما لا ينتفع به إلا بعد

(12/54)


واللحم بمنزلة الجلد في الصحيح، فلو باع الجلد، أو اللحم بالدراهم، أو بما لا ينتفع به إلا بعد استهلاكه تصدق بثمنه؛ لأن القربة انتقلت إلى بدله، وقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «من باع جلد أضحيته فلا أضحية له» . يفيد كراهة البيع. أما البيع فجائز لقيام الملك والقدرة على التسليم.
قال: ولا يعطي أجرة الجزار من الأضحية؛ لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
استهلاكه، أنه تصرف على قصد التمول، وهو قد خرج عن جهة التمول، فإذا تمولته بالبيع وجب التصدق؛ لأن هذا الثمن حصل بفعل مكروه، فيكون خبيثا فيجب التصدق.
م: (واللحم بمنزلة الجلد في الصحيح) ش: يعني إذا باعه بالدراهم يتصدق به، وإن باعه بشيء آخر ينتفع به، كما في الجلد، ولو اشترى ما لا ينتفع به إلا بعد استهلاكه لا يجوز، احترز بقوله في الصحيح، عما روي في " الأجناس " قال: وإنما في اللحم أن يأكل ويطعم وليس له غيره فيه، وفي الجلد له أن يشتري الغربال والمنخل ويتخذ منه مسكا.
وفي " فتاوى قاضي خان ": ولو اشترى بجلدها جرابا يجوز ولو اشترى بلحمها جرابا لا يجوز، ولو اشترى بجلدها لحما للأكل لا يجوز إلا في رواية عن محمد. وروى ابن سماعة عن محمد: ولو اشترى بلحمه ثوبا فلا بأس بلبسه.
م: (فلو باع الجلد أو اللحم بالدراهم، أو بما لا ينتفع به إلا بعد استهلاكه تصدق بثمنه؛ لأن القربة انتقلت إلى بدله) ش: لأن التملك بالبدل من حيث التمول ساقط، فلم يبق إلا جهة القربة، وسبيلها التصدق.
وقال الكرخي في " مختصره ": وإن باع الجلد بورق أو ذهب أو فلوس تصدق به. روى هذا أحمد البازي عن محمد م: (وقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: " من باع جلد أضحيته فلا أضحية له " يفيد كراهة البيع. أما البيع فجائز لقيام الملك والقدرة على التسليم) ش: هذا الحديث رواه الحاكم في " المستدرك " في تفسير سورة الحج، من حديث زيد بن الحباب عن عبد الله بن عباس المصري عن الأعرج عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ سواء، وقال: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ورواه البيهقي في " سننه الكبرى ".
قوله: فلا أضحية له محمول على نفي الكمال، كما في قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد» ولذلك قلنا: يفيد الحديث الكراهة في البيع، وأما الجواز فلقيام الملك والقدرة على تسليمه.

[أجرة الجزار]
م: (قال: ولا يعطي أجرة الجزار من الأضحية) ش: أي من الأضحية هذا عند عامة أهل العلم ورخص الحسن وعبيد الله بن عبد الله بن عمر في إعطائه الجلد.
ولنا ما ورواه علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أشار إليه بقوله م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -

(12/55)


لعلي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «تصدق بجلالها وخطامها، ولا تعط أجر الجزار منها شيئا» . والنهي عنه نهي عن البيع أيضا؛ لأنه في معنى البيع.
قال: ويكره أن يجز صوف أضحيته وينتفع به قبل أن يذبحها؛ لأنه التزم إقامة القربة بجميع أجزائها بخلاف ما بعد الذبح؛ لأنه أقيمت القربة بها كما في الهدي. ويكره أن يحلب لبنها فينتفع به كما في الصوف.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لعلي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: «تصدق بجلالها وخطامها، ولا تعط أجر الجزار منها شيئا» ش: هذا الحديث أخرجه الجماعة إلا الترمذي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال: «أمرني رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن أقوم على بدنته وأقسم جلودها وجلالها، وأمرني أن لا أعطي الجزار منها شيئا " وقال: " نحن نعطيه من عندنا» انتهى.
والجلال بكسر الجيم جمع جل الحيوان والخطم بضمتين جمع خطام وهو الزمام، أي المقود، وقيل هو: حبل يجعل في عنق البعير ومشافر خطمه أي أنفه.
م: (والنهي عنه) ش: أي عن إعطاء الجزار منها م: (نهي عن البيع أيضا لأنه) ش: أي لأن الإعطاء منها للجزار م: (في معنى البيع) ش: حيث أصل العين للمنفعة وهو عقد معاوضة وقد احتج ابن الجوزي بظاهر هذا على التحريم في البيع. قيل: احتجاج المصنف به على كراهته بيع جلد الأضحية خلاف ظاهر اللفظ.
قلت: هذا مبني على أصل، وقيل عنه هنا المعترض، وهو أن النهي إذا كان لمعنى في غيره لا ينافي مشروعية الأصل، وقد علم هذا في موضعه.

م: (قال: ويكره أن يجز صوف أضحيته وينتفع به قبل أن يذبحها) ش: هذا من مسائل " الأصل " ذكره تفريعا على مسألة القدوري: وعن أحمد: إن كان الجز أنفع لها بأن كان في الربيع لا يكره. م: (لأنه التزم إقامة القربة بجميع أجزائها بخلاف ما بعد الذبح؛ لأنه أقيمت القربة بها) ش: أي بالأضحية م: (كما في الهدي) ش: أي كما لا ينبغي، أن يجز الصوف في الهدي لكونه قربة مع أجزائه.
م: (ويكره أن يحلب لبنها) ش: أي لبن الأضحية م: (فينتفع به كما في الصوف) ش: بالنصب أي لأن ينتفع به أي باللبن. وقال الشافعي وأحمد: إن كان الحلب يضر بها أو ينقص لحمها، لم يكن له حلبه وإلا فله حلبه، والانتفاع باللبن، وعندنا إذا كان يضر بها لا يحلبها ولكن يرش على الضرع بالماء، وقالوا: هذا إذا كان يقرب من أيام النحر، أما إذا كان بالبعد منها لا يفيد الرش بل يحلبها ويتصدق باللبن، ثم هذه الكراهة في الحلب وجز الصوف في التي عينها العرق، أما في غيرها لا.
وقال القدوري في " شرحه ": من أصحابنا من قال: هذا في التي أوجبها وليست واجبة

(12/56)


قال: والأفضل أن يذبح أضحيته بيده إن كان يحسن الذبح. وإن كان لا يحسنه، فالأفضل أن يستعين بغيره، وإذا استعان بغيره ينبغي أن يشهدها بنفسه؛ لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لفاطمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: «قومي فاشهدي أضحيتك، فإنه يغفر لك بأول قطرة من دمها كل ذنب» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
مثل المعسر إذا اشترى أو الموسر إذا اشترى ثانية؛ لأن الإيجاب يتعين فيها، فلم يجز الرجوع في جزء منها، أما الموسر إذا عين أضحيته فلا بأس أن يحلبها أو يجزها؛ لأن الوجوب لم يتعين فيها وإنما هو في ذمته ويسقط بالذبح ما يثبت في الذمة.
فإذا كان عند الذبح بصفة الجواز فكأنه ابتدأ شراءها على هذه الصفة، فأما إذا ذبحها في وقتها جاز له أن يحلب لبنها فيأكله ويجز صوفها فينتفع بها في الوجهين؛ لأن القربة تعينت فيها بالذبح فجاز الانتفاع بلبنها وصوفها كما يجوز بلحمها.
وقال الكرخي في " مختصره ": ولا ينبغي أن يحلبها قبل الذبح وإن فعل تصدق باللبن.

[ما يستحب في الأضحية]
م: (قال: والأفضل أن يذبح أضحيته بيده إن كان يحسن الذبح) ش: أي قال القدوري: - وليس في النسخ الصحيحة لفظة قال - م: (وإن كان لا يحسنه) ش: أي الذبح م: (فالأفضل أن يستعين بغيره) ش: لئلا يتلف أضحيته.
م: (وإذا استعان بغيره ينبغي أن يشهدها بنفسه) ش: أي أن يحضر أضحيته بنفسه م: «لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لفاطمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: " قومي فاشهدي أضحيتك فإنه يغفر لك عند أول قطرة من دمها كل ذنب» ش: هذا الحديث رواه ثلاثة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -.
الأول: عمران بن الحصين - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرج حديثه الحاكم في " المستدرك " من حديث أبي حمزة الثمالي عن سعيد بن جبير عن عمران بن الحصين أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لفاطمة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -: «قومي إلى أضحيتك فاشهديها، فإنه يغفر لك عند أول قطرة من دمها كل ذنب عملتيه، وقولي إن صلاتي ونسكي ومحياي ... " إلى قوله: " من المسلمين ". قال عمران: قلت: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هذا لك ولأهل بيت خاصة أم للمسلمين عامة؟ قال: " بل للمسلمين عامة» . ورواه البيهقي في " سننه " والطبراني في " معجمه ". وقال البيهقي: في إسناده مقال، وقال الذهبي في " مختصره للمستدرك " أبو حمزة الثمالي ضعيف جدا.
ورواه إسحاق بن راهويه في " مسنده " أخبرنا يحيى بن آدم وأبو بكر بن عياش عن ثابت عن أبي إسحاق عن عمران بن الحصين فذكره، وأخرجه الكرخي أيضا في " مختصره " بإسناده

(12/57)


قال: ويكره أن يذبحها الكتابي؛ لأنه عمل هو قربة وهو ليس من أهلها. ولو أمره فذبح جاز؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
إلى عمران نحوه.
الثاني: أبو سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أخرج حديثه الحاكم، من حديث عمرو بن قيس عن عطية عن أبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يا فاطمة قومي فاشهدي أضحيتك، فإن لك بأول قطرة تقطر من دمها أن يغفر لك ما سلف من ذنبك " فقالت فاطمة: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هذا لنا أهل البيت خاصة أو لنا وللمسلمين عامة؟ وسكت عنه» . رواه البزار في " مسنده ".
وقال الذهبي: عطية واه، وقال البزار: لا نعلم له طريقا عن أبي سعيد أحسن من هذه الطريق، وعمرو بن قيس كان من أفاضل الكوفة وعبادهم، ممن يكتب حديثه.
الثالث علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، أخرج حديثه أبو القاسم الأصفهاني في كتاب " الترغيب والترهيب "، وأبو الفتح سليم بن أيوب، الفقيه الشافعي عن مسلم بن إبراهيم حدثنا سعيد بن زيد حدثنا عمرو بن خالد مولى بني هاشم عن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عن أبيه عن جده علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: " يا فاطمة..... " الحديث.
وقال أبو الفتح: سعيد بن زيد، هو أخو حماد بن زيد، وأخرجه الكرخي في " مختصره " بإسناده إلى علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «يا فاطمة بنت محمد، قومي واشهدي أضحيتك فإنه يغفر لك بأول قطرة تقطر من دمها مغفرة لكل ذنب أما أنه يؤتى بها بدمها ولحمها فيوضع في ميزانك وسبعون ضعفا» .

م: (قال: ويكره أن يذبحها الكتابي) ش: أي قال القدوري. - وليس في النسخ الصحيحة لفظة قال -: م: (لأنه عمل هو قربة وهو ليس من أهلها) ش: أي الكتابي ليس من أهل القربة، وفي بعض النسخ؛ لأنه عمل قربة، بإضافة العمل إلى القربة. قال القدوري في " شرحه ": إذا أمر مسلم نصرانيا أو يهوديا أن يذبح أضحيته ففعل، أجزأه؛ لأنه من أهل الذبح فصار ذبحه وذبح المسلم سواء، إلا أنه يكره؛ لأن الذبح للأضحية من أمور الدين، ولا ينبغي أن يستعان بالكافر فيما هو من أمور الدين، انتهى.

(12/58)


لأنه من أهل الذكاة، والقربة أقيمت بإنابته ونيته، بخلاف ما إذا أمر المجوسي؛ لأنه ليس من أهل الذكاة فكان إفسادا.
قال: وإذا غلط رجلان فذبح كل واحد منهما أضحية الآخر أجزأ عنهما، والضمان عليهما، وهذا استحسان. وأصل هذا أن من ذبح أضحية غيره بغير إذنه لا يحل له ذلك، وهو ضامن لقيمتها، ولا يجزئه عن الأضحية في القياس، وهو قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وفي الاستحسان: يجوز، ولا ضمان على الذابح، وهو قولنا. وجه القياس: أنه ذبح شاة غيره بغير أمره، فيضمن كما إذا ذبح شاة اشتراها القصاب، وجه الاستحسان أنها تعينت للذبح لتعينها للأضحية
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وبه قال الشافعي وأحمد وأبو ثور وابن المنذر، وقال مالك: لا يجوز أن يذبحها إلا مسلم، وهكذا روى مسلم عن أحمد لما روي عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن قال: «لا يذبح ضحاياكم إلا طاهر» وقال جابر: " لا يذبح النسك إلا مسلم ولنا ما قلنا ".
م: (ولو أمره فذبح جاز؛ لأنه) ش: أي ولو أمر الكتابي فذبح أضحيته جاز؛ لأن الكتابي م: (من أهل الذكاة، والقربة أقيمت بإنابته ونيته) ش: أي بإنابة المسلم الكتابي ونية المسلم أيضا بالأضحية، م: (بخلاف ما إذا أمر المجوسي) ش: حيث لا يجوز بلا خلاف.
م: (لأنه ليس من أهل الذكاة. فكان إفسادا) ش: حيث أمر بذبحها من ليس له ملة التوحيد إلا أنه لا يضمن؛ لأن من فعل ذلك بالأمر بخلاف ما لو أمر مسلما فذبح وترك التسمية عمدا فإنه يضمن؛ لأنه خالف أمر الآمر حيث ترك التسمية عمدا.

م: (قال: وإذا غلط رجلان فذبح كل واحد منهما أضحية الآخر أجزأ عنهما والضمان عليهما) ش: أي قال القدوري: وليس في النسخ الصحيحة لفظة قال. وإذا كانت المسألة من مسائل القدوري م: (وهذا استحسان) ش: أي الجواز استحسان العلماء م: (وأصل هذا) ش: أي أصل ما ذكر من الحكم م: (أن من ذبح أضحية غيره بغير إذنه، لا يحل له ذلك، وهو ضامن لقيمتها، ولا يجزئه من الأضحية في القياس، وهو قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وقول الثلاثة.
م: (وفي الاستحسان: يجوز) ش: أي عن الأضحية م: (ولا ضمان على الذابح وهو) ش: أي الاستحسان م: (قولنا) ش: أي قول أئمتنا أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد م: (وجه القياس: أنه ذبح شاة غيره بغير أمره) ش: وفي بعض النسخ: بغير إذنه م: (فيضمن) ش: لأنه متعد م: (كما إذا ذبح شاة اشتراها القصاب) ش: فإنه يضمن وإن كان القصاب اشتراها للذبح؛ لأنه متعدٍّ حيث فعل بغير أمره وقياسا على ما لو ذبح في غير أيام الأضحية. وقياسا على ما لو قال له لا يذبح.
م: (وجه الاستحسان: أنها) ش: أي الشاة المشتراة للأضحية م: (تعينت للذبح لتعينها للأضحية) ش: إما بنفس الشراء بنية الأضحية بل إذا كان فقيرا، أو بالنذر بعينها، فلا يضمن

(12/59)


حتى وجب عليه أن يضحي بها بعينها في أيام النحر، ويكره أن يبدل بها غيرها فصار المالك مستعينا بكل من يكون أهلا للذبح آذنا له دلالة؛ لأنها تفوت بمعنى بهذه الأيام، وعساه يعجز عن إقامتها بعوارض فصار كما إذا ذبح شاة شد القصاب رجلها. فإن قيل: يفوته هو أمر مستحب وهو أن يذبحها بنفسه، أو يشهد الذبح فلا يرضى به.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قياسا على القصاب إذا شد رجل شاة وقد أضجعها، ثم جاء رجل وذبح فإنه لا يضمن؛ لأنه ذبح شاة عينها المالك للذبح، فكذا هذا، فلما تعينت للذبح شرعا صار الذبح مأذونا فيه عرفا.
والإذن الثابت عرفا كالإذن الثابت بالنطق، بدلالة أن من دعا قوما إلى وليمة فقدم لهم طعاما فإنه يكون آذنا بتناوله ذلك في العرف أما شاة القصاب فإنما وجب ضمانها؛ لأنها لم تتعين للذبح؛ لأنه ربما يبيعها حية وربما يبيعها مسلوخة، والأضحية تعينت للذبح إما بنفس الشراء بنيته للأضحية إذا كان فقيرا كما ذكرنا، أو بالنذر بعينها.
م: (حتى وجب عليه أن يضحي بها بعينها في أيام النحر) ش: لتعينها بعينها م: (ويكره أن يبدل بها غيرها) ش: يعني إذا كان غنيا، وأما في الفقير فلا يجوز الاستبدال ولكن يجوز استبدالها بخير منها عند أبي حنيفة ومحمد وأحمد، وعند مالك: في المنذورة وغيرها وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأبي يوسف، وأبي الخطاب الحنبلي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجوز؛ لأنه قد جعلها لله سبحانه وتعالى فلم يملك أن يتصرف فيها بالاستبدال كالوقف.
ولنا ما روي: " «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ساق مائة بدنة في حجته، وقدم علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - من اليمن فأشركه فيه» ، رواه مسلم، وهذا نوع من الهبة.
م: (فصار المالك مستعينا بكل ما يكون أهلا للذبح) ش: أي إذا كان الأمر كذلك فصار مالك الأضحية مستعينا أي طالبا للعتاق من كل من كان أهلا للذبح احترز به عن المجوسي ونحوه.
م: (آذنا له دلالة) ش: أي حال كونه دلالة بكل من كان أهلا للذبح من حيث الدلالة، كما في القصاب إذا أضجعها وشد رجلها كما ذكرنا. وقوله: " آذنا " يجوز أن يقرأ على وزن الفاعل وإن قرئ على وزن المصدر فالتقدير أن يكون باسم الفاعل أيضا فافهم، وعلى الوجهين حال كما ذكرنا.
م: (لأنها تفوت بمعنى بهذه الأيام وعساه) ش: أي عسى المالك. وعسى هنا بمعنى لعل، أي لعله م: (يعجز عن إقامتها بعوارض) ش: أي لأجل عوارض تعرض له م: (فصار كما إذا ذبح شاة شد القصاب رجلها) ش: أي صار حكم المسألة في أن الذابح فيها مأذون، دلالة لحكم الرجل الذي ذبح شاة قصاب، كان قد أضجعها وشد رجلها للذبح. وقد ذكرناه.
م: (فإن قيل: يفوته هو أمر مستحب وهو أن يذبحها بنفسه أو يشهد الذبح فلا يرضى به) ش:

(12/60)


قلنا: يحصل له مستحبان آخران: صيرورته مضحيا لما عينه، وكونه معجلا به فيرتضيه.
ولعلمائنا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - من هذا الجنس مسائل استحسانية، وهي: أن من طبخ لحم غيره، أو طحن حنطته، أو رفع جرته فانكسرت، أو حمل على دابته فعطبت. كل ذلك بغير أمر المالك يكون ضامنا. ولو وضع المالك اللحم في القدر والقدر على الكانون، والحطب تحته. أو جعل الحنطة في الدورق وربط الدابة عليه أو رفع الجرة وأمالها إلى نفسه، أو حمل على دابته فسقط في الطريق. فأوقد هو النار فيه فطبخه، أو ساق الدابة فطحنها،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
حاصل السؤال أن المستحب هو أن يذبح أضحيته بيده إن كان يحسن الذبح، أو يشهد إن لم يحسن ذبحها وكلاهما فوات هاهنا، أما الأول فظاهر، والثاني أنه لو علم به فربما كان لا يرضى به.
م: (قلنا) ش: وفي بعض النسخ. قلت م: (يحصل له مستحبان آخران: صيرورته مضحيا لما عينه) ش: يعني وإن كان لفوته أمران أحدهما مستحب فقد حصل له أمران مستحبان: أحدهما: كونه مضحيا لما عينه والتضحية حتى يكره الإبدال لما ذكرنا م: (وكونه معجلا به فيرتضيه) ش: والآخر: كون المالك معجلا التضحية فيرتضيه بسبب ذلك.

م: (ولعلمائنا من هذا الجنس مسائل استحسانية) ش: يعني استحسنها المشائخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - على خلاف القياس م: (وهي: أن من طبخ لحم غيره، أو طحن حنطته، أو رفع جرته فانكسرت، أو حمل على دابته فعطبت) ش: أي هلكت م: (كل ذلك) ش: يعني من طبخ اللحم وطحن الحنطة ورفع الجرة والحمل على الدابة م: (بغير أمر المالك يكون ضامنا) ش: للتعدي على ما يأتي.
م: (ولو وضع المالك اللحم في القدر والقدر على الكانون) ش: أي وضع القدر على الكانون م: (والحطب تحته) ش: أي وضع الحطب تحت القدر. م: (أو جعل الحنطة في الدورق) ش: بفتح الدال وسكون الواو وفتح الراء في آخره قاف والمراد به هنا شيء في صفته صندوق مطاول يعلق فوق الرحى يوضع فيه الحنطة ينزل منه إلى قطب الرحى ليطحن، وفي " الأصل " هو مكيل التراب قاله في " ديوان الأدب ". وقال ابن دريد: وإنما الدورق الذي يستعمل فأعجمي معرب م: (وربط الدابة عليه) ش: يعني حول الرحى حتى تدور بها.
م: (أو رفع الجرة وأمالها إلى نفسه، أو حمل على دابته فسقط) ش: أي حملها م: (في الطريق) ش: من ظهر الدابة م: (فأوقد هو النار فيه فطبخه) ش: هذا الحديث لف ونشر مرتب. فإن قوله: فأوقد يرجع إلى المسألة الأولى، وهو قوله: ولو وضع المالك اللحم في القدر والقدر على الكانون والحطب تحته، يعني فأوقد رجل غيره النار في الكانون يطبخ اللحم. م: (أو ساق الدابة فطحنها) ش: يرجع إلى المسألة الثانية وهي قوله: أو جعل الحنطة في

(12/61)


أو أعانه على رفع الجرة فانكسرت فيما بينهما، أو حمل على دابته ما سقط فعطبت لا يكون ضامنا في هذه الصورة كلها استحسانا، لوجود الإذن، دلالة. إذا أثبت هذا فنقول في مسألة الكتاب: ذبح كل واحد منهما أضحية غيره بغير إذنه صريحا فهي خلافية زفر بعينها وسيأتي فيها القياس والاستحسان كما ذكرنا، فيأخذ كل واحد منهما مسلوخة نفسه عن صاحبه ولا يضمنه؛ لأنه وكيله فيما فعل دلالة فإن كانا قد أكلا ثم علما فليحلل كل واحد منهما صاحبه ويجزيهما؛ لأنه لو أطعمه في الابتداء يجوز وإن كان غنيا فكذا له أن يتحلله في الانتهاء،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الدورق، وربط الدابة عليه يعني وساق الدابة غيره فطحنها.
م: (أو أعانه على رفع الجرة فانكسرت فيما بينهما) ش: يرجع إلى المسألة الثالثة وهي قوله: أي رفع الجرة وأمالها إلى نفسه معنى أو أعانه رجل غيره على رفع الجرة فانكسرت بينهما أي بين المالك والمعني.
م: (أو حمل على دابته ما سقط فطبت) ش: يرجع إلى المسألة الرابعة وهي قوله حمل على دابته فسقط يعني حمل رجل غيره على دابته ما سقط منها من الحمل الذي حمله إياها مالكه فعطبت الدابة أي هلكت م: (لا يكون ضامنا في هذه الصورة كلها) ش: جواب المسائل المذكورة.
والضمير فيها لا يكون يرجع إلى موقد النار، وسائق الدابة، والحامل باعتبار كل واحد فافهم.
م: (استحسانا) ش: يعني من حيث الاستحسان م: (لوجود الإذن دلالة) ش: والثابت دلالة كالثابت نصا.
م: (إذا أثبت هذا) ش: أي المذكور من الحكم والمذكور من الأصل والمذكور من الاستحسان في المسائل المذكورة.
م: (فنقول في مسألة الكتاب: ذبح كل واحد منهما أضحية غيره بغير إذنه صريحا فهي خلافية زفر بعينها) ش: أي فيهما خلاف بين أصحابنا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإنه خالفهم.
م: (وسيأتي فيها القياس والاستحسان كما ذكرنا) ش: فإنه ذكر وجه كل منهما عن قريب م: (فيأخذ كل واحد منهما مسلوخة عن صاحبه) ش: أي إذ كان الأمر كذلك فيأخذ كل من الرجلين المذكورين مسلوخة نفسه عن صاحبه م: (ولا يضمنه) ش: أي ولا يضمن أحدهما الآخر م: (لأنه وكيله فيما فعل دلالة) ش: أي من حيث الدلالة فصار كوكيله نصا.
م: (فإن كانا قد أكلا ثم علما) ش: فإنهما قد ذبح كل واحد منهما أضحية صاحبه م: (فليحلل كل واحد منهما صاحبه ويجزيهما) ش: أي يجزي كل واحد منهما من أضحيته وهذا من مسائل " النوادر " ذكره تفريعا على مسألة القدوري.
م: (لأنه لو أطعمه في الابتداء يجوز وإن كان غنيا فكذا له أن يتحلله في الانتهاء) ش: أي لأن

(12/62)


وإن تشاحا فلكل واحد منهما أن يضمن لصاحبه قيمة لحمه ثم يتصدق بتلك القيمة؛ لأنها بدل عن اللحم فصار كما لو باع أضحيته، وهذا لأن التضحية لما وقعت عن صاحبها كان اللحم له، ومن أتلف لحم أضحية غيره كان الحكم ما ذكرناه،
ومن غصب شاة فضحى بها ضمن قيمتها، وجاز عن أضحيته؛ لأنه ملكها بسابق الغصب بخلاف ما لو أودع شاة فضحى بها؛ لأنه يضمنه بالذبح، فلم يثبت الملك له إلا بعد الذبح.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
كل واحد منهما لو أطعم صاحبه في ابتداء الأمر من أضحيته في غير صورة الغلط كان يجوز ذلك وإن كان صاحبه غنيا فكذا له ذلك في الانتهاء بأن يحلله؛ لأن حكم الابتداء حكم الانتهاء.
م: (وإن تشاحا) ش: بالحاء المهملة، أي تنازعا وتخاصما ولم يحلل كل منهما صاحبه م: (فلكل واحد منهما أن يضمن لصاحبه قيمة لحمه ثم يتصدق بتلك القيمة؛ لأنها) ش: أي لأن القيمة م: (بدل عن اللحم فصار كما لو باع أضحيته) ش: يعني لو باع أضحيته واشترى بثمنها غيرهما فإن كان غيرها أنقص من الأولى يتصدق بما فضل عن الثانية، ولو لم يشتر حتى مضت أيام النحر يتصدق بثمنها م: (وهذا لأن التضحية لما وقعت عن صاحبها كان اللحم له) ش: يعني أن تضحية كل واحد منهما وقعت عن صاحبه لا عن نفسه فكان اللحم لصاحبه أيضا، فلما أكل المضحي ذلك كان متلفا لحم أضحية غيره فيضمن.
م: (ومن أتلف لحم أضحية غيره كان الحكم ما ذكرناه) ش: وهو تضمين قيمة اللحم والتصدق بها.

[غصب شاة فضحى بها]
م: (ومن غصب شاة فضحى بها ضمن قيمتها وجاز عن أضحيته) ش: وقال زفر وأبو يوسف - رحمهما الله - في رواية، والثلاثة: لا يجوز عن أضحيته؛ لأنها وقعت في غير ملكه فصار كعتاق الغاصب ثم ملكه بأداء الضمان حيث لا ينفذ عتقه وأشار إلى دليلنا بقوله: م: (لأنه ملكها بسابق الغصب) ش: أي لأن الغاصب ملك الشاة التي ضحى بها مسندا إلى الغصب السابق فكانت التضحية واردة على ملكه.
وكذا يكفي للتضحية ولكن قبل هذا إذا أدى الضمان في أيام النحر بخلاف الإعتاق فلأنه يستدعي كمال الملك؛ لأن الملك فيه مفوض ولا كذلك الأضحية ولا يقال: الاستناد يظهر في القائم لا في الهالك؛ لأن ذلك بمعزل منافاة الإراقة ليست من المملوك بشيء؛ لأنها ليست بصفة الشاة ليظهر أثره فيه، فإن الملك يثبت في المذبوحة ثم يسند إلى الوقت الغاصب، فيظهر أن الأربعة حاصلة في ملكه كذا في " الفوائد الشاهية ".
م: (بخلاف ما لو أودع شاة فضحى بها) ش: حيث لا تجزيه م: (لأنه يضمنه بالذبح فلم يثبت الملك له إلا بعد الذبح) ش: فيكون غير مالك عند التضحية بوجه ونقل الناطفي في كتاب

(12/63)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
" الأجناس " عن اختلاف زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ولو غصب شاة فذبحها عن المتعة أو ضحى بها ضمن قيمتها أنه يجوز في قول أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -.
وفي " نوادر ابن رستم " عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لم يجز عن أضحيته وإن عزم القيمة.
وفي " أضاحي الإيلاء ": رواية بشر بن الوليد: لو غصب شاة وذبحها عن الأضحية ثم أدى قيمتها لا يجزيه؛ لأن لصاحب الأضحية أن يأخذها مذبوحة ولا يضمنها قيمتها فهذه الرواية توافق قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، إلى هنا لفظ " الأجناس "، والله أعلم.

(12/64)