الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير لمن يطالع الجامع الصغير

كتاب الْمكَاتب
بَاب فِي الْكِتَابَة الْفَاسِدَة
مُحَمَّد عَن بعقوب عَن أبي حنيفَة (رَضِي الله عَنْهُم) فِي رجل كَاتب عبدا لَهُ على مائَة دِينَار على أَن يردهُ الْمولى عبدا بِغَيْر عينه فالكتابة فَاسِدَة وَهُوَ قَول مُحَمَّد (رَحمَه الله) وَقَالَ أَبُو يُوسُف (رَحمَه الله) يقسم الْمِائَة دِينَار على قيمَة الْمكَاتب وعَلى قيمَة عبد وسط فَيبْطل مِنْهَا حِصَّة العَبْد وَيكون مكَاتبا بِمَا بَقِي رجل كَاتب عَبده على قِيمَته أَو كَاتبه على
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بَاب فِي الْكِتَابَة الْفَاسِدَة
قَوْله وَيكون مكَاتبا بِمَا بَقِي لِأَن العَبْد يصلح أَن يكون بدل الْكِتَابَة وينصرف إِلَى الْوسط أَيْضا فيصل أَيْضا أَن يكون مُسْتَثْنى من بدل الْكِتَابَة وَكَذَا فِي بدل كل عقد وَلَهُمَا أَن العَبْد لَا يُمكن استثناءه من الدَّنَانِير لِأَن صِحَة الِاسْتِثْنَاء تبتني على المجانسة وَإِنَّمَا اسْتثْنى من قِيمَته وَالْقيمَة لَا يصلح أَن يكون بدل الْكِتَابَة لِأَنَّهَا مَجْهُولَة فَكَذَا لَا يصلح أَن يكون مُسْتَثْنى من بدل الْكِتَابَة
قَوْله لم يجز أما الأول فَلِأَن الْقيمَة مَجْهُولَة الْجِنْس وَالْقدر وَالْوَصْف لِأَن الْقيمَة قد تكون من الدَّرَاهِم وَقد تكون من الدَّنَانِير وهما جِنْسَانِ مُخْتَلِفَانِ وَمثل هَذِه الْجَهَالَة يمْنَع صِحَة الْكِتَابَة كَمَا لَو كَاتبه على ثوب بِغَيْر عينه وَأما الثَّانِي

(1/452)


شَيْء بِعَيْنِه لم يجز نصاني كَاتب عَبده على خمر فَهُوَ جَائِز أَيهمَا أسلم فللمولى قيمَة الْخمر وَإِذا قبضهَا عتق
بَاب فِي الْحر يُكَاتب العَبْد وَالْعَبْد يُكَاتب عَن نَفسه وَغَيره
مُحَمَّد عَن يَعْقُوب عَن أبي حنيفَة (رَضِي الله عَنْهُم) فِي حر كَاتب عَن عبد فَإِن أدّى عَنهُ عتق وَإِن بلغ العَبْد فَقبل فَهُوَ مكَاتب عبد كَاتب عَن نَفسه وَعَن عبد آخر لمَوْلَاهُ غَائِب فَإِن أدّى الشاهدة عتقا وَأيهمَا أدّى لم يرجع
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فلَان الْغَائِب جعل نَفسه أصلا وَالْغَائِب تبعا لنَفسِهِ فَلَا يكون عَلَيْهِ من الْبَدَل فَلِأَنَّهُ لَا يُفِيد مَقْصُوده وَهُوَ صَيْرُورَته أَحَق مكسبه لِأَنَّهُ لَا يجب عَلَيْهِ أَدَاء بدل الْكِتَابَة من مكاسبه إِذا وَقعت الْكِتَابَة على شَيْء بِعَيْنِه لغيره فَلَا يصير أَحَق بمكاسبه لِأَنَّهُ يجوز أَن لَا يَبِيع الْعين لَهُ فَلَا يكون أَحَق بمكاسبه وَإِن أجَاز صَاحب الْعين فَفِيهِ رِوَايَتَانِ ذكرناهما فِي كتاب الْمكَاتب فِي شرح الْمُخْتَصر
قَوْله فَهُوَ جَائِز يُرِيد بِهِ إِذا كَانَ مِقْدَارًا مَعْلُوما
قَوْله قيمَة الْخمر لِأَنَّهُ وَقع الْعَجز عَن تَسْلِيم عين الْخمر لِأَن الْمُسلم منهى عَن تَسْلِيم الْخمر وتسلمها وَفِي تَسْلِيم عين الْخمر تمليكها أَو تَملكهَا للْمُسلمِ وَذَلِكَ بَاطِل فالعجز شَيْء وَقع عَن تَسْلِيم بدل الْكِتَابَة فَيجب تَسْلِيم قِيمَته لتقوم الْقيمَة مقَامه فَإِذا أَقبض الْقيمَة يعْتق لِأَن الْكِتَابَة فِي معنى الْمُعَاوضَة
بَاب الْحر يُكَاتب عَن العَبْد وَالْعَبْد بكاتب عَن نَفسه وَغَيره
قَوْله فِي حر إِلَخ صُورَة الْمَسْأَلَة أَن يَقُول رجل لمولى العَبْد كَاتب عَبدك على ألف دِرْهَم على أَنِّي إِن أدّيت إِلَيْك ألفا فَهُوَ حر فكاتبه على هَذَا فَإِن أدّى عتق بِحكم الشَّرْط لِأَنَّهُ علق عتقه بِأَدَائِهِ وَإِن بلغ العَبْد فَقبل يصير مكَاتبا لِأَن الْكِتَابَة كَانَت مَوْقُوفَة على إِجَازَته
قَوْله بِشَيْء لِأَن معنى المسئلة أَن يَقُول كاتبني بِأَلف على نَفسِي وعَلى

(1/453)


على صَاحبه وَلَا يَأْخُذ الْمولى الْغَائِب بِشَيْء وَإِن قبل الْغَائِب أَو لم يقبل فَلَيْسَ بِشَيْء وَالْكِتَابَة لَازِمَة للشَّاهِد أمة كاتبت عَن نَفسهَا وَعَن ابْنَيْنِ صغيرين لَهَا فَهُوَ جَائِز وأيهم أدّى لم يرجع على صَاحبه
بَاب فِي العَبْد بَين رجلَيْنِ يكاتبانه أَو يكاتبه أَحدهمَا
مُحَمَّد عَن يَعْقُوب عَن أبي حنيفَة (رَضِي الله عَنْهُم) عبد بَين رجلَيْنِ أذن أحدهم لصَاحبه أَن يُكَاتب نصِيبه بِأَلف وَيقبض فكاتب وَقبض
ـــــــــــــــــــــــــــــ
شَيْء وللمولى أَن يَأْخُذ الْحَاضِر بِكُل بدل الْكِتَابَة وَلِأَن الْبَدَل عَلَيْهِ فَأَيّهمَا أدّى عتقا أما الْحَاضِر فَلِأَن الْبَدَل عَلَيْهِ وَأما الْغَائِب فَلِأَنَّهُ مُحْتَاج إِلَيْهِ ليصل إِلَى الْعتْق وَلَا يرجع أَحدهمَا على صَاحبه أما الْحَاضِر فَلِأَن الْبَدَل عَلَيْهِ وَأما الْغَائِب فَلِأَنَّهُ مُتَبَرّع فِي ذَلِك فَلَيْسَ لَهُ ولَايَة الرُّجُوع
قَوْله لَازِمَة للشَّاهِد لِأَن الْكِتَابَة نفذت كَذَلِك من غير قبُوله فَلَا يتَغَيَّر بقوله
بَاب فِي العَبْد بَين رجلَيْنِ يكاتبانه أَو يكاتبه أَحدهمَا
قَوْله فَالْمَال للَّذين قبض عِنْد أبي حنيفَة الْكِتَابَة تتجزى فاقتصر على نصِيبه وَلَيْسَ للْآخر حق نقض الْكِتَابَة لوُجُود الْإِذْن مِنْهُ بهَا فَإِذا قبض شَيْئا من بذل الْكِتَابَة بِإِذن شَرِيكه يكون كُله لَهُ لِأَن الْإِذْن بِقَبض بدل الْكِتَابَة إِذن للْمكَاتب بِالْأَدَاءِ فَصَارَ مُتَبَرعا على الْكِتَابَة بِنَصِيبِهِ من الْكسْب وَعِنْدَهُمَا الْكِتَابَة لَا تتجزى فَكَانَ الْإِذْن بِكِتَابَة نصِيبه إِذْنا بِكِتَابَة الْكل فَإِذا كَاتب يكون مكَاتبا نصيب نَفسه بِحكم الْملك وَنصِيب شَرِيكه بِحكم التَّوْكِيل فَيكون مكَاتبا لَهما وَيكون بدل الْكِتَابَة بَينهمَا فَإِذا قبض من الْكَاتِب شَيْئا يكون ينهما وَإِذا عجز يبْقى بَينهمَا كَمَا كَانَ

(1/454)


بعض الْألف ثمَّ عجز فَالْمَال للَّذي قبض وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد (رحمهمَا الله) هُوَ مكَاتب بَينهمَا وَمَا أدّى فَهُوَ بَينهمَا
جَارِيَة بَين رجلَيْنِ كاتباها فَوَطِئَهَا أَحدهمَا فَجَاءَت بِولد فَادَّعَاهُ ثمَّ وَطئهَا الآخر فَجَاءَت بِولد فَادَّعَاهُ ثمَّ عجزت فَهِيَ أم ولد للْأولِ وَيضمن هُوَ لشَرِيكه نصف عقرهَا وَنصف قيمتهَا وَيضمن شَرِيكه عقرهَا وَقِيمَة الْوَلَد وَيكون ابْنه وَأيهمَا دفع الْعقر إِلَى الْمكَاتب جَازَ وَإِن كَانَ الثَّانِي لم يَطَأهَا لَكِن دبرهَا ثمَّ عجزت بَطل التَّدْبِير وَهِي أم ولد للْأولِ وَيضمن لشَرِيكه نصف عقرهَا وَنصف قيمتهَا وَالْولد ولد الأول وَقَالَ أَبُو يُوسُف
ـــــــــــــــــــــــــــــ

قَوْله فَهِيَ أم ولد للْأولِ إِلَخ هَذَا قَول أبي حنيفَة بِنَاء على أَنه لما ادّعى أَحدهمَا ولد الْمُكَاتبَة صَحَّ فَصَارَ نصِيبه أم ولد لَا غير لِأَن الِاسْتِيلَاد يقبل التجزي إِذا وَقع فِي مَالا يقبل النَّقْل فَإِذا ادَّعَاهُ الآخر صَحَّ لِأَن لَهُ فِيهَا ملكا من حَيْثُ الظَّاهِر فَإِذا عجزت الْمُكَاتبَة بعد ذَلِك صَار الْكِتَابَة كَأَن لم تكن فَتبين أَن الْجَارِيَة كلهَا أم ولد للْأولِ وَولد الثَّانِي ولد مغرور لوُجُود حَده وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد الْجَارِيَة أم ولد للْأولِ فَيضمن لشَرِيكه فِي قَول أبي يُوسُف نصف قيمتهَا وَفِي قَول مُحَمَّد الْأَقَل من نصف مَا بَقِي من بدل الْكِتَابَة وَنصف قيمتهَا وَلَا يثبت نسب الْوَلَد من الثَّانِي وَيغرم لَهَا الْعقر بِنَاء على أَنه لما ادّعى أَحدهمَا صَارَت الْجَارِيَة كلهَا أم ولد لَهُ وتفسخ الْكِتَابَة فِي حق التَّمْلِيك لَا فِي مَا وَرَاء
قَوْله وَالْولد ولد الأول إِلَخ هَذَا بِالْإِجْمَاع أما عِنْد أبي حنيفَة فَلِأَنَّهُ تبين بِالْعَجزِ أَنه لم يكن لَهُ فِيهَا ملك وَالْملك شَرط لصِحَّة التَّدْبِير بِخِلَاف دَعْوَى الْوَلَد لِأَن فِيهِ شُبْهَة الْملك وَأما عِنْدهمَا فَلَمَّا قُلْنَا
قَوْله لَا يرجع عَلَيْهَا لِأَنَّهَا لما عجزت بِطَلَب الْكِتَابَة فَصَارَت كَأَنَّهَا لم

(1/455)


وَمُحَمّد (رحمهمَا الله) إِن وَطئهَا أَحدهمَا فَجَاءَت بِولد فاداعه فَهِيَ أم ولد لَهُ وَيضمن لشَرِيكه فِي قِيَاس قَول أبي يُوسُف (رَحمَه الله) نصف قيمتهَا وَفِي قَول مُحَمَّد (رَحمَه الله) الْأَقَل من نصف قيمتهَا وَمن نصف مَا بَقِي من بدل الْكِتَابَة وَلَا يجوز وطيء الآخر وَلَا يثبت نسب الْوَلَد وَلَا يكون الْوَلَد لَهُ بِالْقيمَةِ وَيغرم لَهَا الْعقر فِي قَوْلهمَا
جَارِيَة بَين رجلَيْنِ كاتباها ثمَّ أعْتقهَا أَحدهمَا وَهُوَ مُوسر ثمَّ عجزت ضمن الْمُعْتق لشَرِيكه نصف قيمتهَا وَيرجع بذلك عَلَيْهَا وَقَالَ أَبُو يُوسُف
ـــــــــــــــــــــــــــــ
تكن فَهَذِهِ جَارِيَة بَين اثْنَيْنِ أعْتقهَا أَحدهمَا وَهُوَ مُوسر فَالْجَوَاب هُنَاكَ على هَذَا الِاخْتِلَاف فَكَذَا هَذَا وَأما قبل الْعَجز فَعِنْدَ أبي حنيفَة لَا يضمن شَيْئا لشَرِيكه لِأَن هَذَا الْعتْق لم يُوجب تغيراً فِي حق نصيب شَرِيكه فَإِنَّهُ يُوجب عَلَيْهَا السّعَايَة فِي نصيب شَرِيكه بِالْعِتْقِ والسعاية كَانَت وَاجِبَة عَلَيْهَا قبل الْعتْق فَأَما عِنْد أبي يُوسُف وَمُحَمّد عتق كلهَا فَيضمن نصف قيمتهَا وَهِي مُكَاتبَة لشريكة وَهُوَ قَول أبي يُوسُف وَأما عِنْد مُحَمَّد يضمن الْأَقَل من نصف قيمتهَا وَنصف مَا بَقِي من بدل الْكِتَابَة كَمَا ذكرنَا فِي المسئلة الْمُتَقَدّمَة لمُحَمد أَن مَا للْمولى على الْمُكَاتبَة أحد الشَّيْئَيْنِ إِمَّا بدل الرقة وَإِمَّا بدل الْكِتَابَة فَمن الْمحَال أَن يغرم لَهُ ألف دِرْهَم وَهُوَ نصف قيمتهَا وَقد بَقِي عَلَيْهِ من مُكَاتبَة دِرْهَم
قَوْله إِن شَاءَ الَّذِي دبره إِلَخ وَجه هَذِه المسئلة أَن التَّدْبِير يتجزى عِنْد أبي حنيفَة كَالْعِتْقِ فَإِذا دبر أَحدهمَا نصِيبه اقْتصر على نصِيبه إِلَّا أَنه فسد بتدبيره نصيب الشَّرِيك الآخر فَيثبت لَهُ الِاخْتِيَار فِي أَن يعْتق نصِيبه أَو يضمن الشَّرِيك الَّذِي دبره أَو يستسعى الْعَهْد فَإِذا أعتق الآخر اخْتَار وَاحِدًا من الْأُمُور الثَّلَاثَة الَّتِي كَانَت لَهُ وَلم يبْق لَهُ خِيَار التَّضْمِين والاستسعاء ثمَّ إِعْتَاقه يقْتَصر على نصِيبه لكَون الْعتْق متجزياً لكنه فسد بِهِ نصيب الآخر وَهُوَ الَّذِي دبره لِأَنَّهُ كَانَ قبل إِعْتَاقه يملك الِاسْتِخْدَام وَقد بَطل ذَلِك الْآن فبناءا عَلَيْهِ جَازَ لَهُ أَن يَأْخُذ من الْمُعْتق قيمَة

(1/456)


وَمُحَمّد (رحمهماالله) لايرجع عَلَيْهَا عبد بَين رجلَيْنِ دبره أَحدهمَا ثمَّ أعْتقهُ الآخر وَهُوَ مُوسر فَإِن شَاءَ الَّذِي دبره ضمن الْمُعْتق نصف قِيمَته وَإِن شَاءَ استعسى العَبْد وَإِن شَاءَ أعتق فَإِن أعْتقهُ أَحدهمَا ثمَّ دبره الآخر لم يكن لَهُ أَنِّي ضمن الْمُعْتق ويستسعى العَبْد فِي نصف قِيمَته أَو يعْتق وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد (رحمهمَا الله) إِذا دبره أَحدهمَا فَعتق الآخر بَاطِل وَيضمن نصف قِيمَته مُوسِرًا كَانَ أَو مُعسرا وَإِن أعْتقهُ أَحدهمَا فَهُوَ حر كُله من قبله وتدبير الآخر بَاطِل فَإِن كَانَ الْمُعْتق مُوسِرًا ضمن نصف قِيمَته وَإِن كَانَ مُعسرا سعى العَبْد فِي ذَلِك
بَاب فِي الْمكَاتب يعجز أَو يَمُوت فَيتْرك وَفَاء أَو لَا يتْرك
مُحَمَّد عَن يَعْقُوب عَن أبي حنيفَة (رَضِي الله عَنْهُم) فِي مكَاتب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
نصِيبه أَو يعْتق نصِيبه أَو يستسعى العَبْد فَإِن اخْتَار التَّضْمِين بِأخذ قِيمَته مُدبرا لِأَنَّهُ أعتق حِين أعتق وَهُوَ مُدبر
وَإِن أعْتقهُ أَحدهمَا أَولا كَانَ للْآخر خِيَار الْعتْق وَالضَّمان والاستسعاء لما مر فَإِذا دبره الآخر بعد ذَلِك لم يبْق لَهُ خِيَار التَّضْمِين لِأَن الْغَرَض من التَّضْمِين أَن يملك وَهُوَ غير مُمكن هَهُنَا لِأَن الْمُدبر لَا يملك وَيبقى لَهُ خيرا الْعتْق والاستسعاء وَأما عِنْد أبي يُوسُف وَمُحَمّد فَلَمَّا كَانَ الْعتْق وَالتَّدْبِير غير متجزين فَإِذا دبره أَحدهمَا صَار الْكل مُدبرا فَلم يَصح إِعْتَاق الآخر وَضمن الَّذِي دبر لشَرِيكه نصف قِيمَته لِأَنَّهُ ملك نصِيبه بِالتَّدْبِيرِ وَهَذَا ضَمَان الْملك فَلَا يخْتَلف باليسار والإعسار وَكَذَا إِذا أعْتقهُ أَحدهمَا أَولا فتدبير الآخر بَاطِل وَيضمن الْمُعْتق لشَرِيكه نصف قِيمَته إِن كَانَ مُوسِرًا لِأَنَّهُ ضَمَان الْإِعْتَاق فَلَا يجب فِي الْإِعْسَار كَذَا فِي الْهِدَايَة
بَاب فِي الْمكَاتب يعجز أَو يَمُوت فَيتْرك وَفَاء أَو لَا يتْرك
قَوْله وَهُوَ قَول مُحَمَّد إِلَخ أَصله أَن السّنة فِي الْكِتَابَة التَّأْجِيل والتنجيم

(1/457)


عجز فَقَالَ أخروني قَالَ إِن كَانَ لَهُ مَال حَاضر أَو غَائِب يُرْجَى قدومه أخر يَوْمَيْنِ أَو ثَلَاثَة لَا يُزَاد على ذَلِك وَهُوَ قَول مُحَمَّد (رَحمَه الله) وَقَالَ أَبُو يُوسُف (رَحمَه الله) لَا يرد رَقِيقا حَتَّى يتوالى عَلَيْهِ نجمان مكَاتب أجل بِنَجْم عِنْد غير سُلْطَان فعجز فَرده مَوْلَاهُ بِرِضَاهُ فَهُوَ جَائِز مكَاتب اشْترى ابْنه ثمَّ مَاتَ وَترك وَفَاء وَرثهُ ابْنه وَكَذَلِكَ إِن كَانَ هُوَ وَابْنه مكاتبين كِتَابَة وَاحِدَة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
والتيسير فَإِذا أجل بِنَجْم وَلم يؤد حِصَّته كَانَ للْمولى حق الْفَسْخ فِي قَوْلهمَا إِلَّا أَن يكون لَهُ مَال حَاضر أَو غَائِب يُرْجَى وجوده فيؤخر يَوْمًا أَو يَوْمَيْنِ أَو ثَلَاثَة أَيَّام لِأَنَّهُ لما مضى النَّجْم صَار كَأَنَّهُ كُوتِبَ على ذَلِك الْقدر حَالا وَلَو كَانَ كَذَلِك لَا يُؤَخر زِيَادَة على مَا قُلْنَا فَكَذَا هَذَا وَقَالَ أَبُو يُوسُف لايفسخ حَتَّى يتوالى عَلَيْهِ نجمان لقَوْل عَليّ (رَضِي الله عَنهُ) إِذا توالى على الْمكَاتب نجمان رد فِي الرّقّ
قَوْله فَهُوَ جَائِز لِأَن الْكِتَابَة مُحْتَمل للْفَسْخ بِالتَّرَاضِي من غير عذر فَعِنْدَ الْعذر أَحَق
قَوْله وَرثهُ ابْنه لِأَنَّهُ لما أدّى بدل الْكِتَابَة حكم بِعِتْق الْمكَاتب فِي آخر جُزْء من أَجزَاء حَيَاته فَحكم بِعِتْق ابْنه فِي ذَلِك الْوَقْت لِأَنَّهُ تَابع لَهُ فَهَذَا حرمات عَن ابْن حر فيرثه
قَوْله وَكَذَلِكَ لِأَن كل وَاحِد مِنْهُمَا كشخص وَاحِد لكَون العقد وَاحِدًا فَإِذا حكم بِعِتْق أَحدهمَا فِي وَقت حكم بِعِتْق الآخر فِي ذَلِك الْوَقْت
قَوْله لم يكن ذَلِك قَضَاء إِلَخ لِأَن القَاضِي قَرَّرَهُ حكم الْكِتَابَة لِأَن من قَضِيَّة قيام الْكِتَابَة أَن يكون الْوَلَد مُلْحقًا بموالي الْأُم وَالْعقل عَلَيْهِم مَعَ احْتِمَال أَن يعْتق الْأَب فيجر الْوَلَاء إِلَى نَفسه
قَوْله فَهُوَ قَضَاء بِالْعَجزِ لِأَن الِاخْتِلَاف فِي تعْيين نفس الْوَلَاء رَاجع إِلَى

(1/458)


مكَاتب مَاتَ وَله ولد من حرَّة وَترك دينا فِيهِ وَفَاء بكتابته فجنى الْوَلَد فَقضى بِهِ على عَاقِلَة الْأُم لم يكن ذَلِك قَضَاء بعجز الْمكَاتب وَإِن اخْتصم موَالِي الْأُم وموالي الْأَب فِي ولائه فقضي بِهِ لموَالِي الْأُم فَهُوَ قَضَاء بِالْعَجزِ مكَاتب أدّى إِلَى مَوْلَاهُ من الصَّدقَات ثمَّ عجز فَهُوَ طيب للْمولى عبد جنى فكاتبه الْمولى وَلم يعلم بِالْجِنَايَةِ ثمَّ عجز فَإِنَّهُ يدْفع أَو يفْدي وَكَذَلِكَ مكَاتب جنى فَلم يقْض بِهِ حَتَّى عجز وَإِن قضى بِهِ عَلَيْهِ فِي كِتَابَته فَهُوَ دين يُبَاع فِيهِ رَجَعَ أَبُو يُوسُف (رَحمَه الله) إِلَيْهِ وَالله أعلم
بَاب مَا يجوز للْمكَاتب أَن يَفْعَله وَمَا لَا يجوز
مُحَمَّد عَن يَعْقُوب عَن أبي حنيفَة (رَضِي الله عَنْهُم) مكَاتب اشْترط
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قيام الْكِتَابَة وانتقاضها لِأَن الْوَلَاء لَا يسْتَقرّ إِلَّا بِنَاء على ذَلِك يَعْنِي الْحُرِّيَّة وَهَذَا فصل مُجْتَهد فِيهِ فَإِذا قضى بِالْوَلَاءِ لموَالِي الْأُم كَانَ هَذَا قَضَاء فِي فصل مُجْتَهد فِيهِ فَينفذ قَضَاؤُهُ
قَوْله فَهُوَ طيب للمولي لِأَنَّهُ تبدل ملكه فَإِن الصَّدَقَة كَانَت ملكا للْمكَاتب ثمَّ صَارَت ملكا للْمولى بِالْأَدَاءِ وَبعد تبدل الْملك يحل الصَّدَقَة للغني والهاشمي هَذَا إِذا عجر بعد الْأَدَاء وَإِن عجز قبل الْأَدَاء لم يذكر هَهُنَا وَذكر فِي موضعآخر أَنه طيب للْمولى أَيْضا
قَوْله رَجَعَ أَبُو يُوسُف إِلَيْهِ وَكَانَ يَقُول أَولا إِذا عجز قبل الْقَضَاء بيع فِيهِ أَيْضا وَهُوَ قَول زفر لِأَن الْمَانِع عَن الدّفع قَائِم عِنْد الْجِنَايَة وَهِي الْكِتَابَة فَصَارَ لَازِما بِنَفس الْوُقُوع كجناية الْمُدبر وَلنَا أَن الْمَانِع للدَّفْع قَابل للزوال فَلَمَّا تردد لم يثبت الِانْتِقَال إِلَّا بِقَضَاء أَو رِضَاء وَلَا كَذَلِك التَّدْبِير
بَاب مَا يجوز للْمكَاتب أَن يَفْعَله وَمَا لَا يجوز
قَوْله فَلهُ أَن يخرج الخ هَذَا الشَّرْط بَاطِل وَالْكِتَابَة جَائِزَة أما بطلَان الشَّرْط فَلِأَنَّهُ يُخَالف مُوجب العقد هُوَ اسْتِحْقَاق يَده فَيبْطل وَأما صِحَة العقد

(1/459)


عَلَيْهِ أَن يخرج من الْكُوفَة إِلَّا بِإِذن سَيّده فَلهُ أَن يخرج اسْتِحْسَانًا مكَاتب كَاتب عَبده جَازَ وَإِن أعْتقهُ على مَال أَو بَاعه نَفسه مِنْهُ لم يجز وَإِن زوج أمته جَازَ وَإِن زوج عَبده لم يجز وَكَذَلِكَ الْأَب وَالْوَصِيّ فِي رَقِيق الصَّغِير فَأَما الْمَأْذُون فَلَيْسَ لَهُ شَيْء من ذَلِك وَهُوَ قَول مُحَمَّد (رَحمَه الله) وَقَالَ أَبُو يُوسُف (رَحمَه الله) للمأذون أَن يُزَوّج أمته مكَاتب تزوج بِإِذن مَوْلَاهُ امْرَأَة زعمت أَنَّهَا حرَّة فَولدت مِنْهُ ثمَّ اسْتحقَّت فأولادها عبيد وَلَا يَأْخُذهُمْ بِالْقيمَةِ وَكَذَلِكَ العَبْد يَأْذَن لَهُ الْمولى فِي التَّزْوِيج
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فَلِأَن الْكِتَابَة فِي جَانب العَبْد تشبه الْعتْق لِأَنَّهُ إِسْقَاط وَفك الْحجر فَكل شَرط فِي جَانِبه كَانَ إهدارا لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة الدَّاخِل على الْعتْق وَهَذَا الشَّرْط يخْتَص بجانبه فَكَانَ هدرا والهدر لَا أثر لَهُ
قَوْله جَازَ لِأَنَّهُ من جملَة الأكساب فَيملك الْمكَاتب
قَوْله فَلَيْسَ لَهُ شَيْء من ذَلِك لِأَن الْمَأْذُون يملك مَا هُوَ من تَوَابِع التِّجَارَة وَهَذَا لَيْسَ من التِّجَارَة بِخِلَاف الْمكَاتب لِأَنَّهُ مَأْذُون فِي الأكساب
قَوْله فأولادها عبيد هَذَا قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَقَالَ مُحَمَّد أَوْلَاد أَحْرَار بِالْقيمَةِ يُؤَدِّيهَا إِلَيْهِ إِذا أعتق ذكر قَوْله فِي الأَصْل لَهُ أَن العَبْد شَارك الْحر فِي سَبَب هَذَا الْحق وَهُوَ الْغرُور فيشاركه فِي الحكم وَلَهُمَا أَن هَذَا ولد ولد بَين رقيقين فَيكون عبدا كَمَا لَو كَانَ عَالما بِحَالِهَا وَحكم الشَّرْع يثبت فِي الأَصْل نظرا للمغرور بإبقاء مَائه على الْحُرِّيَّة فيترجح مَاءَهُ على مَاء الْمَرْأَة أما هَهُنَا لَو وَجب الْعتْق لوَجَبَ إثْبَاته ابْتِدَاء لِأَنَّهُ لَا تعَارض بَين المائين فَيجب التَّرْجِيح

(1/460)


مكَاتب وطئ أمة على وَجه الْملك بِغَيْر إِذن الْمولى ثمَّ اسْتحقَّت فَعَلَيهِ الْعقر وَيُؤْخَذ بِهِ فِي الْكِتَابَة وَإِن وَطئهَا على وَجه النِّكَاح لم يُؤْخَذ بِهِ حَتَّى يعْتق وَكَذَلِكَ الْمَأْذُون لَهُ مكَاتب اشْترى جَارِيَة بيعا فَاسِدا فَوَطِئَهَا ثمَّ ردهَا أَخذ بالعقر فِي الْكِتَابَة وَكَذَلِكَ العَبْد الْمَأْذُون
مسَائِل من كتاب الْمكَاتب لم تشاكل مَا فِي الْأَبْوَاب
مُحَمَّد عَن يَعْقُوب عَن أبي حنيفَة (رَضِي الله عَنْهُم) أم ولدت كاتبها مَوْلَاهَا ثمَّ مَاتَ عتقت وَبَطلَت الْكِتَابَة أم ولد النَّصْرَانِي أسلمت فعلَيْهَا أَن تسْعَى فِي قيمتهَا رجل قَالَ لعَبْدِهِ قد جعلت عَلَيْك ألفا تؤديها إِلَى نجوما
ـــــــــــــــــــــــــــــ

قَوْله وَيُؤْخَذ بِهِ فِي الْكِتَابَة لِأَن هَذَا الْمهْر وَجب بِسَبَب الشِّرَاء لِأَنَّهُ لَوْلَا الشِّرَاء لوَجَبَ الْحَد فَصَارَ هَذَا المَال من تَوَابِع التِّجَارَة فَيلْحق بهَا
قَوْله حَتَّى يعْتق لِأَنَّهُ لَيْسَ من توافع التِّجَارَة وَلَيْسَ من بَاب الْكسْب فَلم يكن الْتِزَامه دَاخِلا فِي ولَايَة الْمكَاتب بِغَيْر إِذن الْمولى فَصَارَ كَدين الْكفَالَة
مسَائِل من كتاب الْمكَاتب لم تشاكل مَا فِي الْأَبْوَاب

قَوْله وَبَطلَت الْكِتَابَة وَسقط بدل الْكِتَابَة لِأَن بدل الْكِتَابَة إِنَّمَا يجب عَلَيْهَا إِذا عتقت بِالْكِتَابَةِ وَهَذِه عتقت بِسَبَب الِاسْتِيلَاد فَلَا يجب عَلَيْهَا بدل الْكِتَابَة
قَوْله فعلَيْهَا أَن تسْعَى أَي يقْضِي عَلَيْهَا بِأَن تسْعَى فِي قيمتهَا فتعتق وَقَالَ زفر تعْتق فِي الْحَال وَعَلَيْهَا الساعية وَهِي حرَّة تسْعَى لِأَن الْإِسْلَام أوجب إِزَالَة الرّقية عَن ملكه فِي الْحَال فَقَامَ الْإِعْتَاق مقَامه هَهُنَا فَوَجَبَ تَعْجِيله وَلنَا أَن الْإِزَالَة وَجَبت بطرِيق النّظر وَهَهُنَا النّظر فِي السّعَايَة
قَوْله فَهُوَ جَائِز لِأَن الِاعْتِيَاض عَن الْأَجَل رَبًّا من وَجه وشراؤه من الْمكَاتب شِرَاء من وَجه والربا يجْرِي فِي الشِّرَاء فَإِذا لم يكن هَذَا شِرَاء من وَجه

(1/461)


أول النَّجْم كَذَا وَآخره كَذَا فَإِذا أديتها فَأَنت حر وَإِن عجزت فَأَنت رَقِيق قَالَ هَذِه مُكَاتبَة رجل كَاتب عَبده على ألف إِلَى سنة ثمَّ صَالحه على خمس مائَة مُعجلَة فَهُوَ جَائِز
مَرِيض كَاتب عَبده على أَلفَيْنِ إِلَى سنة وَقِيمَته ألف ثمَّ مَاتَ فَلم يجز الوثة فَإِنَّهُ يُؤَدِّي ثُلثي الْأَلفَيْنِ حَالا وَالثلث الى الْأَجَل أَو يرد رَقِيقا وَهُوَ قَول أبي يُوسُف (رَحمَه الله) وَقَالَ مُحَمَّد (رَحمَه الله) يُؤَدِّي ثُلثي الْقيمَة حَالا وَالْبَاقِي إِلَى الْأَجَل وَإِلَّا رد رَقِيقا وَإِن كَاتبه على ألف إِلَى سنة وَقِيمَته أَلفَانِ أدّى ثُلثي الْقيمَة حَالا أَو يرد رَقِيقا فِي قَوْلهم جَمِيعًا وَالله أعلم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لم يكن رَبًّا من وَجه فَلم يعْتَبر
قَوْله فَإِنَّهُ يُؤَدِّي إِلَخ لِأَن الْبَدَل كُله بدل الرَّقَبَة فَصَارَ كَأَن الرَّقَبَة قيمتهَا ألفا دِرْهَم فَإِذا أجل تصح فِي ثلثه وَقَالَ مُحَمَّد يُؤَدِّي ثُلثي الْألف حَالا وَالْبَاقِي إِلَى أَجله أَو يرد رَقِيقا لِأَن للْمكَاتب أَن يُكَاتب على ألف وَلَا يُوجب مَا زَاد عَلَيْهِ فَإِذا كَانَ لَهُ أَن يتْرك مَا زَاد عَلَيْهِ كَانَ لَهُ أَن يُؤَخِّرهُ بِالطَّرِيقِ الأولى
قَوْله فِي قَوْلهم جَمِيعًا لِأَنَّهُ تبرع بِالْألف الآخر وَهُوَ فِي معنى التَّبَرُّع فَيصح فِي الثُّلُث

(1/462)