الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير لمن يطالع الجامع الصغير

كتاب الرَّهْن

مُحَمَّد عَن يَعْقُوب عَن أَبى حنيفَة (رضى الله عَنْهُم) قَالَ الرَّهْن بالدرك بَاطِل وكل شَيْء رهن فَلَيْسَ برهن حَتَّى يقبض رجل رهن رجلا عصيراً قِيمَته عشرَة بِعشْرَة دَرَاهِم للْمُرْتَهن عَلَيْهِ فَصَارَ خمرًا ثمَّ صَار خلا فَهُوَ رهن بِالْعشرَةِ وَلَو رهن شَاة قيمتهَا عشرَة فَمَاتَتْ فدبغ جلدهَا فَصَارَ يساوى درهما فَهُوَ رهن بدرهم أمة رهنت بِأَلف وَقيمتهَا ألف فَمَاتَتْ لم
ـــــــــــــــــــــــــــــ

كتاب الرَّهْن

قَوْله بَاطِل بِخِلَاف الْكفَالَة بالدرك وَالْفرق أَن الرَّهْن شرع للاستيفاء وَلَا اسْتِيفَاء إِلَّا فى الْوَاجِب فَلَا يحْتَمل الْإِضَافَة إِلَى زمَان الْمُسْتَقْبل فَأَما الْكفَالَة شرعت لالتزام التَّسْلِيم لَا الْتِزَام أصل الدّين حَتَّى لَو أبراء الْكَفِيل لَا يسْقط أصل الدّين على مَا عرف فصح إضافتها إِلَى زمَان الْمُسْتَقْبل كالتزام الصَّدقَات والصيامات
قَوْله فَهُوَ رهن بِالْعشرَةِ لِأَن التخمر لَا يبطل عقد الدّين كَمَا لَا يبطل عقد البيع وَإِذا صَار خلا فقد زَالَ الْعَارِض قبل قَرَار الحكم فَجعل كَأَن لم يكن
قَوْله فَهُوَ رهن بدرهم لِأَن موت الشَّاة يُؤَكد عقد الرَّهْن لِأَن الْمُرْتَهن

(1/488)


يضمن الْمُرْتَهن وَلَكِن الدّين يبطل بموتها وَكَذَلِكَ الرَّهْن بِالْمُسلمِ فِيهِ يبطل الْمُسلم فِيهِ بهلاكه رجل رهن رجلا عبدا يُسَاوِي ألفا بِأَلف ثمَّ أعطَاهُ عبدا آخر قِيمَته ألف رهنا مَكَان الأول فَالْأول رهن حَتَّى يردهُ إِلَى الرَّاهِن وَالْمُرْتَهن فِي الآخر أَمِين حَتَّى يَجعله رهنا مَكَان الأول
رجل رهن رجلا عبدا يُسَاوِي ألفا بِأَلف ثمَّ زَاده عبدا يُسَاوِي ألفا فَكل وَاحِد مِنْهُمَا رهن بِخَمْسِمِائَة وَالزِّيَادَة فِي الدّين بَاطِل وَهُوَ قَول مُحَمَّد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
صَار مُسْتَوْفيا بِالْهَلَاكِ عِنْده فَإِذا عَادَتْ الْمَالِيَّة بالدباغ صَارَت عقدا قَائِما فَثَبت حكمه بِقَدرِهِ
قَوْله وَلَكِن الدّين يبطل ثمَّ إِذا بَطل يبطل بطرِيق الِاسْتِيفَاء عِنْد عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَة وَعند زفر (رَحمَه الله) يبطل بطرِيق الْبَرَاءَة فِي قَوْله الأول وبطريق الِاسْتِبْدَال فِي قَوْله الآخر
قَوْله حَتَّى يَجعله رهنا مَكَان الأول لِأَنَّهُ لما جعل الثَّانِي رهنا مَكَان الأول فقد قصد نقض الرَّهْن الأول وَأقَام هَذَا مقَامه
قَوْله هِيَ جَائِزَة لِأَن عقد الرَّهْن لَا يكون إِلَّا بالمرهون كَمَا أَن البيع لَا يكون إِلَّا بِالْمَبِيعِ وَالثمن وثمه لما جَازَت الزِّيَادَة فِي الْمَبِيع جَازَت فِي الثّمن فَكَذَا فِي الرَّهْن لما جَازَت الزِّيَادَة فِي الْمَرْهُون يجوز فِي الدّين وَلأبي حنيفَة وَمُحَمّد أَن الزِّيَادَة فِي أحد الْبَدَلَيْنِ تَغْيِير العقد من وصف إِلَى وصف وَإِنَّمَا يملك التَّغْيِير بِالتَّصَرُّفِ فِي مَا وَجب بِالْعقدِ وَالدّين لم يجب بِالْعقدِ فَلَا يملك التَّغْيِير بِالتَّصَرُّفِ فِيهِ وَلَا كَذَلِك الزِّيَادَة فِي الرَّهْن وَالزِّيَادَة فِي الثّمن فِي بَاب البيع
قَوْله فقد مَاتَ العَبْد بِالدّينِ لِأَن الرَّاهِن غَاصِب فَإِذا ضمنه فقد ملكه من وَقت الْغَصْب فصح الرَّهْن بعده فَهَلَك مَضْمُونا بِالدّينِ
قَوْله رَجَعَ إِلَخ لِأَن الْمُرْتَهن فِي حق الْعين بِمَنْزِلَة الْمُودع فَكَانَ إِقْرَار الضَّمَان على الْمُودع
قَوْله فَهُوَ بَاطِل كُله لِأَن كل وَاحِد مِنْهُمَا أثبت أَنه رَهنه كل العَبْد وَلَا

(1/489)


(رَحمَه الله) وَقَالَ أَبُو يُوسُف (رَحمَه الله) هِيَ جَائِزَة رجل رهن رجلا عبدا قِيمَته ألف بِأَلف فَمَاتَ ثمَّ اسْتَحَقَّه رجل وَضمن الرَّاهِن الْقيمَة فقد مَاتَ العَبْد بِالدّينِ وَإِن ضمن الْمُرْتَهن الْقيمَة رَجَعَ بِالْقيمَةِ الَّتِي ضمن وبالدين رجلَانِ أَقَامَ كل وَاحِد مِنْهُمَا الْبَيِّنَة على رجل أَنه رَهنه عَبده الَّذِي فى يَده وَقَبضه فَهُوَ بَاطِل كُله وَإِن مَاتَ الرَّاهِن وَالْعَبْد فى أَيْدِيهِمَا فأقاما بَيِّنَة على مَا وَصفنَا كَانَ فِي يَد كل وَاحِد مِنْهُمَا نصفه رهنا اسْتِحْسَانًا
رجل وضع على يَده رهن وَأمر بِبيعِهِ إِذا حل الْأَجَل فَحل وأبى أَن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
يُمكن أَن يَجْعَل كل الرَّهْن رهنا فى حق هَذَا وَهَذَا وَلَا يُمكن أَن يَجْعَل النّصْف رهنا فى حق هَذَا وَالنّصف رهنا فى حق هَذَا
قَوْله نصفه رهنا لِأَن العقد مَطْلُوب بِحكمِهِ وَالْحكم بعد موت الرَّاهِن اسْتِيفَاء الدّين من الْمَرْهُون لَا الْحَبْس والشيوع لَا يمْنَع صِحَة الِاسْتِيفَاء بِالْعقدِ الَّذِي هُوَ سَببه
قَوْله فَإِنَّهُ يجْبر على بَيْعه بِوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أَنه لما شَرط ذَلِك فى عقد الرَّهْن صَار من أَوْصَافه فَأخذ حكمه وَصَارَ لَازِما بلزومه فَوَجَبَ إِيفَاء حكمه جبرا وَالثَّانِي أَن الْوكَالَة صَارَت حَقًا للْمُرْتَهن يصل ذَلِك إِلَى حَقه فى اسْتِيفَاء الدّين وَمَا كَانَ وَسِيلَة إِلَى الْوَاجِب وَاجِب وَأما الديل بِالْخُصُومَةِ فَيجْبر للْوَجْه الثَّانِي هَذَا إِذا كَانَ الْوَضع على يَد الْعدْل وَشَرطه البيع فى الرَّهْن فَإِن لم يكن ذَلِك بل شَرط ذَلِك بعد عقد الرَّهْن فقد اخْتلف الْمَشَايِخ فِيهِ الْوَجْه الثَّانِي يدل على أَنه يجْبر وَهُوَ الصَّحِيح
قَوْله فالثوب رهن لِأَن هَذَا اللَّفْظ يُؤَدِّي معنى الرَّهْن حَقِيقَة
قَوْله فَهُوَ جَائِز لِأَنَّهُ جعله مَضْمُونا على الْحَافِظ وَلَو جعله مَحْفُوظًا غير مَضْمُون بالإيداع صَحَّ وَهَذَا أَحَق فَيبقى بعد هَذَا صارفاً إِلَى دين نَفسه وَذَلِكَ جَائِز لِأَنَّهُ لَو كَانَ لِابْنِهِ الصَّغِير دَرَاهِم فَقضى بهَا الْأَب دين نَفسه جَازَ
قَوْله فالوكيل على وكَالَته لِأَن التَّوْكِيل بِالْبيعِ مَتى حصل شرطا فِي عقد

(1/490)


يَبِيع والراهن غَائِب فَإِنَّهُ يجْبر على بَيْعه وَكَذَلِكَ رجل وكل رجلا بخصومة الْمُدَّعِي فَغَاب الْمُوكل فَأبى الْوَكِيل أَن يُخَاصم أجبر على الْخُصُومَة رجل اشْترى شَيْئا بدرهم فَقَالَ للْبَائِع أمسك هَذَا الثَّوْب حَتَّى أُعْطِيك الثّمن فالثوب رهن رجل رهن عبدا لِابْنِ صَغِير لَهُ بِمَال على الْأَب فَهُوَ جَائِز رجل رهن جَارِيَة قِيمَته ألف بِأَلف ووكل الْمُرْتَهن بيعهَا إنْسَانا فَمَاتَ الرَّاهِن أَو الْمُرْتَهن فالوكيل على وكَالَته وَلَو مَاتَ الْوَكِيل انْقَضتْ الْوكَالَة وَلَيْسَ للْمُرْتَهن أَن يَبِيعهَا إِلَّا بِرِضا الرَّاهِن
رجل رهن عبدا يُسَاوِي ألفا بِأَلف فنقض فِي السّعر فَرَجَعت قِيمَته إِلَى مائَة فَقتله رجل فغرم قِيمَته مائَة فَإِن الْمُرْتَهن يقبض الْمِائَة قَضَاء من حَقه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الرَّهْن صَار لَازِما تبعا للْمُرْتَهن فَلَا يَنْعَزِل بِمَوْتِهِ
قَوْله انتقضت الْوكَالَة لِأَن الْمُوكل لم يرض بِرَأْي غَيره فَلم يقم غَيره مقَامه
قَوْله وَلَا يرجع إِلَخ لِأَن الْفضل على الْمِائَة توى فِي ضَمَان الْمُرْتَهن فَصَارَ هَالكا بِالدّينِ وَلَو أَمر الرَّاهِن الْمُرْتَهن بِبيعِهِ ثمَّ بَاعه بِمِائَة والمسئلة بِحَالِهَا فَإِنَّهُ يقبضهُ بِحقِّهِ وَيرجع على الرَّاهِن بتسعمائة لِأَن الْمُرْتَهن وَكيل الرَّاهِن بِالْبيعِ فَصَارَ بَيْعه كَبَيْعِهِ وَيَده كَيده فَصَارَ كَأَنَّهُ أَخذه بِإِذْنِهِ وَبَاعه بِإِذْنِهِ فَكَانَ الْفضل تلوياً على الرَّهْن
قَوْله بِالْخِيَارِ لِأَنَّهُ تغير الأَصْل فِي ضَمَانه فَأوجب الْخِيَار كالغصب وَلَهُمَا أَن العَبْد الثَّانِي قَائِم مقَام الأول وَلَو كَانَ الأول قَائِما وَقد تراجع السّعر لم يكن لَهُ خِيَار كَذَا هَذَا
قَوْله فَهُوَ بِمَا فِيهِ يُرِيد أَن يكون قِيمَته مثل وَزنه أَو أَكثر من وَزنه فَإِن كَانَ أقل فعلى الِاخْتِلَاف عِنْد أبي حنيفَة (رَحمَه الله تَعَالَى) يملك بِمَا فِيهِ وَعِنْدَهُمَا (رحمهمَا الله تَعَالَى) يضمن قِيمَته من خلاف جنسه لِأَن فِي الِاسْتِيفَاء ضَرَرا بالمرتهن

(1/491)


وَلَا يرجع على الرَّاهِن بِشَيْء فَإِن قَتله عبد قِيمَته مائَة فَدفع مَكَانَهُ افتكه بِجَمِيعِ الدّين وَهُوَ قَول أَبى يُوسُف (رَحمَه الله) وَقَالَ مُحَمَّد (رَحمَه الله) إِذا قَتله عبد فالراهن بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ افتكه بِالدّينِ وَإِن شَاءَ سلم العَبْد الْمَدْفُوع للْمُرْتَهن بِمَالِه وَإِن أمره الرَّاهِن أَن يَبِيعهُ فَبَاعَهُ بِمِائَة قبض الْمِائَة قَضَاء من حَقه وَرجع بتسع مائَة
رجل رهن رجلا إبريق فضَّة وَزنه عشرَة بِعشْرَة فَضَاعَ فَهُوَ بِمَا فِيهِ رجل سلط الْمُرْتَهن على بيع الرَّهْن ثمَّ مَاتَ الرَّاهِن فَلهُ أَن يَبِيعهُ بِغَيْر محْضر الْوَرَثَة عدل بَاعَ الرَّهْن وأوفى الْمُرْتَهن الثّمن ثمَّ اسْتحق الرَّهْن فضمن الْمُسْتَحق الْعدْل فَإِن شَاءَ الْعدْل ضمن الرَّاهِن الْقيمَة وَإِن شَاءَ الْمُرْتَهن الثّمن الَّذِي أعطَاهُ وَالله أعلم
ـــــــــــــــــــــــــــــ

قَوْله فَلهُ أَن يَبِيعهُ إِلَخ لِأَن الْمُرْتَهن صَار وَكيلا عَن الرَّاهِن فَلم يَنْعَزِل بِمَوْتِهِ لِأَنَّهُ لزمَه هَذِه الْوكَالَة حَتَّى ملك البيع بِغَيْر محْضر الْمُوكل فَكَذَا بعد مَوته لَا يشْتَرط حَضْرَة ورثته ورضاهم
قَوْله فَإِن شَاءَ إِلَخ حَاصله أَن الْمُسْتَحق بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ ضمن الْعدْل وَإِن شَاءَ ضمن الرَّاهِن فَإِن ضمن الرَّاهِن صَحَّ الرَّهْن وَصَحَّ البيع وَصَحَّ الْقَضَاء وَإِن ضمن الْعدْل الْقيمَة كَانَ الْعدْل بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ رَجَعَ بِتِلْكَ الْقيمَة على الرَّاهِن وَإِن شَاءَ ضمن الْمُرْتَهن الثّمن أما على الرَّاهِن فَلِأَنَّهُ وَكيله فَيرجع عَلَيْهِ بِمَا لحقه بعد البيع وَينفذ البيع وَصَحَّ الِاقْتِضَاء وَأما الْمُرْتَهن فَلِأَنَّهُ لما اسْتحق ظهر أَنه أَخذ الثّمن بِغَيْر حق فَكَانَ لَهُ أَن يرجع على الْمُرْتَهن وَيرجع الْمُرْتَهن على الرَّاهِن بِدِينِهِ

(1/492)