الجوهرة النيرة على مختصر القدوري

[كِتَابُ الْمُسَاقَاةِ]
(كِتَابُ الْمُسَاقَاةِ) الْمُسَاقَاةُ دَفْعُ النَّخْلِ وَالْكَرْمِ وَالْأَشْجَارِ الْمُثْمِرَةِ مُعَامَلَةً بِالنِّصْفِ أَوْ بِالثُّلُثِ أَوْ بِالرُّبُعِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ يُسَمُّونَهَا الْمُعَامَلَةَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ (أَبُو حَنِيفَةَ الْمُسَاقَاةُ بِجُزْءٍ مِنْ الثَّمَرَةِ مُشَاعًا بَاطِلَةٌ) ؛ لِأَنَّهُ اسْتِئْجَارٌ بِجُزْءٍ مِنْ الْمَعْمُولِ فِيهِ كَقَفِيزِ الطَّحَّانِ. قَوْلُهُ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ هِيَ جَائِزَةٌ إذَا ذَكَرَا مُدَّةً مَعْلُومَةً وَسَمَّيَا جُزْءًا مِنْ الثَّمَرَةِ مُشَاعًا) ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إلَى ذَلِكَ فَسُومِحَ فِي جَوَازِهَا لِلضَّرُورَةِ فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الْمُدَّةَ جَازَ وَتَقَعُ عَلَى أَوَّلِ ثَمَرَةٍ تَخْرُجُ فِي أَوَّلِ سَنَةٍ.

قَوْلُهُ (وَتَجُوزُ الْمُسَاقَاةُ فِي النَّخْلِ وَالشَّجَرِ وَالْكَرْمِ وَالرِّطَابِ وَأُصُولِ الْبَاذِنْجَانِ) الرِّطَابُ جَمْعُ رَطْبَةٍ كَالْقَصْعَةِ وَالْقِصَاعِ وَالْجَفْنَةِ وَالْجِفَانِ وَالْبُقُولُ غَيْرُ الرِّطَابِ فَالْبُقُولُ مِثْلُ الْكُرَّاثِ وَالْبَقْلِ وَالسَّلَقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَالرِّطَابُ كَالْقِثَّاءِ وَالْبِطِّيخِ وَالرُّمَّانِ وَالْعِنَبِ وَالسَّفَرْجَلِ وَالْبَاذِنْجَانِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ.

قَوْلُهُ (فَإِنْ دَفَعَ نَخْلًا فِيهِ ثَمَرَةٌ مُسَاقَاةً وَالثَّمَرَةُ تَزِيدُ بِالْعَمَلِ جَازَ، وَإِنْ كَانَتْ قَدْ انْتَهَتْ لَمْ يَجُزْ) لِأَنَّ الْعَامِلَ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ بِالْعَمَلِ وَلَا أَثَرَ لِلْعَمَلِ بَعْدَ التَّنَاهِي وَالْإِدْرَاكِ.

قَوْلُهُ (وَإِذَا فَسَدَتْ الْمُسَاقَاةُ فَلِلْعَامِلِ أَجْرُ مِثْلِهِ) ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ وَصَارَ كَالْمُزَارَعَةِ إذَا فَسَدَتْ ثُمَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ لَا يُزَادُ عَلَى مَا شُرِطَ لَهُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ بَالِغًا مَا بَلَغَ.

[مَا تَبْطُلُ بِهِ الْمُسَاقَاةُ]
قَوْلُهُ (وَتَبْطُلُ الْمُسَاقَاةُ بِالْمَوْتِ) أَمَّا مَوْتُ صَاحِبِ النَّخْلِ فَلِأَنَّ النَّخْلَ انْتَقَلَ إلَى غَيْرِهِ. وَأَمَّا مَوْتُ الْعَامِلِ فَلِتَعَذُّرِ الْعَمَلِ مِنْ جِهَتِهِ فَإِنْ مَاتَ صَاحِبُ النَّخْلِ وَالثَّمَرَةُ بُسْرٌ أَخْضَرُ فَلِلْعَامِلِ أَنْ يَقُومَ عَلَيْهِ كَمَا كَانَ يَقُومُ قَبْلَ ذَلِكَ إلَى أَنْ يُدْرَكَ، وَلَوْ كَرِهَ ذَلِكَ وَرَثَتُهُ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ دَفْعَ الضَّرَرِ عَنْ الْعَامِلِ مِنْ غَيْرِ إضْرَارٍ بِالْوَرَثَةِ فَإِنْ رَضِيَ الْعَامِلُ بِالضَّرَرِ بِأَنْ قَالَ أَنَا آخُذُ نَصِيبِي بُسْرًا أَخْضَرُ فَالْوَرَثَةُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ إنْ شَاءُوا صَرَمُوهُ وَقَسَمُوهُ، وَإِنْ شَاءُوا أَعْطَوْهُ قِيمَةَ نَصِيبِهِ، وَإِنْ شَاءُوا أَنْفَقُوا عَلَى الْبُسْرِ حَتَّى يَبْلُغَ وَيَرْجِعُونَ بِمَا أَنْفَقُوا فِي حِصَّةِ الْعَامِلِ، وَإِنْ مَاتَ الْعَامِلُ فَلِوَرَثَتِهِ أَنْ يَقُومُوا عَلَيْهِ، وَإِنْ كَرِهَ صَاحِبُ النَّخْلِ؛ لِأَنَّ فِيهِ النَّظَرَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَإِنْ أَرَادُوا أَنْ يَصْرِمُوهُ بُسْرًا كَانَ

(1/373)


صَاحِبُ النَّخْلِ بَيْنَ الْخِيَارَاتِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَإِنْ مَاتَا جَمِيعًا فَالْخِيَارُ لِوَرَثَةِ الْعَامِلِ لِقِيَامِهِمْ مَقَامَهُ فَإِنْ أَبَى وَرَثَةُ الْعَامِلِ أَنْ يَقُومُوا عَلَيْهِ كَانَ الْخِيَارُ لِوَرَثَةِ صَاحِبِ النَّخْلِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَإِذَا انْقَضَتْ مُدَّةُ الْمُعَامَلَةِ وَهُوَ بُسْرٌ أَخْضَرُ فَلِلْعَامِلِ أَنْ يَقُومَ عَلَيْهِ حَتَّى يُدْرَكَ لَكِنْ بِغَيْرِ أَجْرٍ؛ لِأَنَّ الشَّجَرَ لَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُهُ بِخِلَافِ الْمُزَارَعَةِ فِي هَذَا؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ يَجُوزُ اسْتِئْجَارُهَا، وَكَذَلِكَ الْعَمَلُ عَلَى الْعَامِلِ هَا هُنَا وَفِي الْمُزَارَعَةِ عَلَيْهِمَا.

قَوْلُهُ (وَتُفْسَخُ بِالْأَعْذَارِ كَمَا تُفْسَخُ الْإِجَارَةُ) وَمِنْ الْأَعْذَارِ فِيهَا أَنْ يَكُونَ الْعَامِلُ سَارِقًا يُخَافُ مِنْهُ سَرِقَةُ السَّعَفِ وَالثَّمَرِ؛ لِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا عَلَى صَاحِبِ النَّخْلِ وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا مَرَضُ الْعَامِلِ إذَا كَانَ يُضْعِفُهُ عَنْ الْعَمَلِ فَإِنْ أَرَادَ الْعَامِلُ تَرْكَ الْعَمَلِ هَلْ يَكُونُ عُذْرًا فِيهِ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا لَا وَالثَّانِيَةُ نَعَمْ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

(1/374)