الجوهرة النيرة على مختصر القدوري

[كِتَابُ الظِّهَارِ]
الظِّهَارُ: هُوَ أَنْ يُشَبِّهَ امْرَأَتَهُ أَوْ عُضْوًا مِنْ أَعْضَائِهَا يُعَبِّرُ بِهِ عَنْ جَمِيعِهَا أَوْ جُزْءًا شَائِعًا مِنْهَا بِمَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ عَلَى التَّأْبِيدِ.
وَأَصْلُ ثُبُوتِهِ أَوَّلُ سُورَةِ الْمُجَادَلَةِ نَزَلَتْ فِي خَوْلَةَ بِنْتِ ثَعْلَبَةَ امْرَأَةٍ مِنْ الْخَزْرَجِ وَفِي زَوْجِهَا أَوْسِ بْنِ الصَّامِتِ وَهُوَ أَخُو عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ «وَكَانَتْ خَوْلَةُ حَسَنَةَ الْجِسْمِ فَرَآهَا زَوْجُهَا وَهِيَ سَاجِدَةٌ فِي صَلَاتِهَا فَنَظَرَ إلَى عَجُزِهَا فَلَمَّا فَرَغَتْ مِنْ صَلَاتِهَا رَاوَدَهَا عَنْ نَفْسِهَا فَأَبَتْ عَلَيْهِ فَغَضِبَ وَقَالَ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي وَنَدِمَ بَعْدَ ذَلِكَ ثُمَّ عَادَ فَرَاوَدَهَا عَنْ نَفْسِهَا فَامْتَنَعَتْ وَقَالَتْ وَاَلَّذِي نَفْسُ خَوْلَةَ بِيَدِهِ لَا تَصِلُ إلَيَّ وَقَدْ قُلْت مَا قُلْت حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ بَيْنَنَا وَيَحْكُمَ اللَّهُ فِي وَفِيك بِحُكْمِهِ قَالَتْ خَوْلَةُ فَوَقَعَ عَلَيَّ فَدَفَعْته بِمَا تَدْفَعُ بِهِ الْمَرْأَةُ الشَّيْخَ الْكَبِيرَ الضَّعِيفَ ثُمَّ خَرَجْت إلَى جِيرَتِي فَأَخَذْت مِنْهُمْ ثِيَابًا فَلَبِسْتهَا وَمَضَيْت إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَوَجَدْت عَائِشَةَ تَغْسِلُ شِقَّ رَأْسِهِ فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ زَوْجِي أَوْسُ بْنُ الصَّامِتِ تَزَوَّجَنِي وَأَنَا شَابَّةٌ مَرْغُوبٌ فِي وَكُنْت غَنِيَّةً ذَاتَ مَالٍ وَأَهْلٍ حَتَّى إذَا أَكَلَ مَالِي وَأَفْنَى شَبَابِي وَتَفَرَّقَ أَهْلِي وَكَبِرَ سِنِي وَنَثَرْت لَهُ دَاءَ بَطْنِي ظَاهَرَ مِنِّي وَجَعَلَنِي كَأُمِّهِ ثُمَّ نَدِمَ عَلَى ذَلِكَ وَلِي مِنْهُ أَوْلَادٌ صِغَارٌ إنْ ضَمَمْتَهُمْ إلَيْهِ ضَاعُوا وَإِنْ ضَمَمْتَهُمْ إلَيَّ جَاعُوا فَهَلْ شَيْءٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ يَجْمَعُنِي وَإِيَّاهُ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا أَرَاك إلَّا قَدْ حَرُمْت عَلَيْهِ فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا ذَكَرَ طَلَاقًا وَإِنَّهُ زَوْجِي وَابْنُ عَمِّي وَأَبُو أَوْلَادِي وَأَحَبُّ النَّاسِ إلَيَّ وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ

(2/62)


لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَخْدُمَ نَفْسَهُ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَرُمْت عَلَيْهِ قَالَتْ فَجَعَلْت أُرَاجِعُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يَقُولُ حَرُمْت عَلَيْهِ حَرُمْت عَلَيْهِ فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا تَقُلْ ذَلِكَ فَوَاَللَّهِ مَا ذَكَرَ طَلَاقًا فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا عِنْدِي فِي أَمْرِك شَيْءٌ وَإِنْ نَزَلَ فِي أَمْرِك شَيْءٌ بَيَّنْته لَكِ، فَهَتَفَتْ وَبَكَتْ وَجَعَلَتْ تُرَاجِعُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ قَالَتْ اللَّهُمَّ إنِّي أَشْكُو إلَيْك شِدَّةَ وَجْدِي وَفَاقَتِي وَوَحْدَتِي وَمَا يَشُقُّ عَلَيَّ مِنْ فِرَاقِهِ وَرَفَعَتْ يَدَهَا إلَى السَّمَاءِ تَدْعُو وَتَتَضَرَّعُ فَبَيْنَمَا هِيَ كَذَلِكَ إذْ تَغَشَّى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْوَحْيُ كَمَا كَانَ يَغْشَاهُ فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْهُ قَالَ يَا خَوْلَةُ قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيك وَفِي زَوْجِك الْقُرْآنَ ثُمَّ تَلَا قَوْلَهُ عَزَّ وَجَلَّ {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا} [المجادلة: 1] إلَى آخِرِ الْآيَاتِ فَقَالَتْ عَائِشَةُ تَبَارَكَ الَّذِي وَسِعَ سَمْعُهُ كُلَّ شَيْءٍ وقَوْله تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} [المجادلة: 1] أَيْ سَمِيعٌ بِمَنْ يُنَاجِيهِ وَيَتَضَرَّعُ إلَيْهِ بَصِيرٌ بِمَنْ يَشْكُو إلَيْهِ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مُرِيهِ فَلْيُعْتِقْ رَقَبَةً فَقَالَتْ: وَاَللَّهِ مَا عِنْدَهُ ذَلِكَ فَقَالَ: مُرِيهِ فَلْيَصُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ قَالَتْ: إنَّهُ شَيْخٌ كَبِيرٌ مَا بِهِ مِنْ صَوْمٍ قَالَ: مُرِيهِ فَلْيُطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكَيْنَا وَسْقًا مِنْ تَمْرٍ قَالَتْ: وَاَللَّهِ مَا يَجِدُ ذَلِكَ فَقَالَ: إنَّا سَنُعِينُهُ بِعَرَقٍ مِنْ تَمْرٍ وَهُوَ مِكْتَلٌ يَسَعُ ثَلَاثِينَ صَاعًا قَالَتْ: وَأَنَا أُعِينُهُ بِمِثْلِ ذَلِكَ فَقَالَ افْعَلِي وَاسْتَوْصِي بِهِ خَيْرًا» .
وَفِي رِوَايَةٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِأَوْسِ بْنِ الصَّامِتِ هَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُعْتِقَ رَقَبَةً قَالَ لَا فَإِنِّي قَلِيلُ الْمَالِ قَالَ فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ قَالَ لَا وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّنِي إذَا لَمْ آكُلْ فِي الْيَوْمِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ كَلَّ بَصَرِي وَخِفْت أَنْ تَغْشُوَ عَيْنِي قَالَ فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا قَالَ لَا وَاَللَّهِ إلَّا أَنْ تُعِينَنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ إنِّي مُعِينُك بِخَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا وَدَاعٍ لَك بِالْبَرَكَةِ فَأَعَانَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ» .
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إذَا قَالَ الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَقَدْ حَرُمْت عَلَيْهِ وَلَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا وَلَا لَمْسُهَا وَلَا تَقْبِيلُهَا حَتَّى يُكَفِّرَ عَنْ ظِهَارِهِ) يَعْنِي لَا تَحِلُّ لَهُ أَبَدًا إلَّا بِنِكَاحٍ وَلَا بِمِلْكِ يَمِينٍ وَلَا بَعْدَ زَوْجٍ يَتَزَوَّجُهَا بَعْدَ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ ثُمَّ رَجَعَتْ إلَيْهِ حَتَّى يُكَفِّرَ وَكَذَا إذَا كَانَتْ زَوْجَتُهُ أَمَةً فَظَاهَرَ مِنْهَا ثُمَّ اشْتَرَاهَا لَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى يُكَفِّرَ وَكَذَا لَوْ كَانَتْ حُرَّةً فَارْتَدَّتْ وَلَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ سُبِيَتْ فَاشْتَرَاهَا؛ لِأَنَّ الظِّهَارَ يُوجِبُ تَحْرِيمًا لَا يَرْتَفِعُ إلَّا بِالْكَفَّارَةِ وَكَذَا لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَنْظُرَ إلَى فَرْجِهَا بِشَهْوَةٍ؛ لِأَنَّهُ مِنْ دَوَاعِي الْجِمَاعِ وَكَذَا لَا يَنْبَغِي لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَدَعَهُ يَقْرَبُهَا حَتَّى يُكَفِّرَ؛ لِأَنَّهَا حَرَامٌ عَلَيْهِ فَلَزِمَهَا الِامْتِنَاعُ مِنْ الْحَرَامِ كَمَا لَزِمَ الرَّجُلَ وَإِنَّمَا حَرُمَ عَلَيْهِ اللَّمْسُ وَالْقُبْلَةُ وَالنَّظَرُ إلَى الْفَرْجِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ دَوَاعِي الْجِمَاعِ فَحَرُمَتْ عَلَيْهِ دَوَاعِيهِ حَتَّى لَا يَقَعَ فِيهِ كَمَا فِي الْإِحْرَامِ بِخِلَافِ الْحَائِضِ وَالصَّائِمِ؛ لِأَنَّهُ يَكْثُرُ وُجُودُهُمَا فَلَوْ حَرُمْت الدَّوَاعِي لَكَانَ يُفْضِي إلَى الْحَرَجِ وَلَا كَذَلِكَ الْإِحْرَامُ وَالظِّهَارُ، وَهَذَا كُلُّهُ فِي الظِّهَارِ الْمُطْلَقِ أَوْ الْمُؤَبَّدِ أَمَّا فِي الْمُؤَقَّتِ كَمَا إذَا ظَاهَرَ مُدَّةً مَعْلُومَةً كَالْيَوْمِ وَالشُّهُورِ وَالسَّنَةِ فَإِنَّهُ إنْ قَرَبَهَا فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ يَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ وَإِنْ لَمْ يَقْرَبْهَا حَتَّى مَضَتْ الْمُدَّةُ سَقَطَتْ عَنْهُ الْكَفَّارَةُ وَبَطَلَ الظِّهَارُ وَقَوْلُهُ كَظَهْرِ أُمِّي صَرِيحٌ فِي الظِّهَارِ فَيَقَعُ بِهِ الظِّهَارُ نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ وَإِنْ أَرَادَ بِهِ الطَّلَاقَ لَمْ يَكُنْ إلَّا ظِهَارًا وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ طَلَاقًا وَلَا يَصِحُّ ظِهَارُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ؛ لِأَنَّهُ قَوْلٌ وَأَقْوَالُهُمَا لَا حُكْمَ لَهَا كَالطَّلَاقِ وَإِذَا ظَاهَرَ الرَّجُلُ مِنْ امْرَأَتِهِ ثُمَّ مَاتَتْ سَقَطَتْ عَنْهُ الْكَفَّارَةُ وَإِنْ امْتَنَعَ الْمُظَاهِرُ مِنْ الْكَفَّارَةِ فَرَفَعَتْهُ امْرَأَتُهُ إلَى الْقَاضِي حَبَسَهُ حَتَّى يُكَفِّرَ أَوْ يُطَلِّقَ.

(قَوْلُهُ فَإِنْ وَطِئَهَا قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ اسْتَغْفَرَ اللَّهَ تَعَالَى وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ غَيْرُ الْكَفَّارَةِ الْأُولَى وَلَا يَعُودُ حَتَّى يُكَفِّرَ) ، وَلَوْ ظَاهَرَ ثُمَّ ارْتَدَّ ثُمَّ أَسْلَمَ فَتَزَوَّجَهَا فَالظِّهَارُ بِحَالِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَكُونُ مُظَاهِرًا بَعْدَ الرِّدَّةِ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ (قَوْلُهُ وَالْعَوْدُ الَّذِي يَجِبُ بِهِ الْكَفَّارَةُ أَنْ يَعْزِمَ عَلَى وَطْئِهَا) يَعْنِي إنَّ الْكَفَّارَةَ إنَّمَا تَجِبُ عَلَيْهِ إذَا قَصَدَ وَطْأَهَا بَعْدَ الظِّهَارِ فَإِذَا رَضِيَ أَنْ تَكُونَ مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ وَلَمْ يَعْزِمْ عَلَى وَطْئِهَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَيُجْبَرُ عَلَى التَّكْفِيرِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهَا فَإِنْ عَزَمَ عَلَى وَطْئِهَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ فَإِنْ عَزَمَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ لَا يَطَأَهَا سَقَطَتْ وَكَذَا

(2/63)


إذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الْعَزْمِ فَإِنْ كَفَّرَ عَنْ ظِهَارِهِ، وَهِيَ مُبَانَةٌ أَوْ تَحْتَ زَوْجٍ آخَرَ أَجْزَاهُ وَإِنْ ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ مِرَارًا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ أَوْ فِي مَجَالِسَ مُتَفَرِّقَةٍ فَعَلَيْهِ لِكُلِّ ظِهَارٍ كَفَّارَةٌ إلَّا أَنْ يَعْنِيَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ الظِّهَارَ الْأَوَّلَ فَإِذَا أَرَادَ التَّكْرَارَ صُدِّقَ فِي الْقَضَاءِ إذَا قَالَ ذَلِكَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ وَلَا يُصَدَّقُ فِيمَا إذَا قَالَ ذَلِكَ فِي مَجَالِسَ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ فَإِنَّهُ لَا يُصَدَّقُ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا.

(قَوْلُهُ وَإِذَا قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ كَبَطْنِ أُمِّي أَوْ كَفَخِذِهَا أَوْ كَفَرْجِهَا فَهُوَ مُظَاهِرٌ) وَكَذَا إذَا شَبَّهَهَا بِعُضْوٍ مِنْ أُمِّهِ لَا يَجُوزُ النَّظَرُ إلَيْهِ فَهُوَ كَتَشْبِيهِهِ بِظَهْرِهَا (قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ إذَا شَبَّهَهَا بِمَنْ لَا يَحِلُّ لَهُ مُنَاكَحَتُهَا عَلَى التَّأْبِيدِ مِنْ ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ مِثْلُ أُخْتِهِ أَوْ عَمَّتِهِ أَوْ أُمِّهِ مِنْ الرَّضَاعَةِ أَوْ أُخْتِهِ مِنْ الرَّضَاعَةِ) ؛ لِأَنَّهُنَّ حَرَامٌ عَلَى التَّأْبِيدِ وَقَالَ الشَّعْبِيُّ لَا يَصِحُّ الظِّهَارُ إلَّا بِالتَّشْبِيهِ بِالْأُمِّ وَقَالَ مَالِكٌ يَصِحُّ بِالتَّشْبِيهِ بِالْأَجْنَبِيَّةِ وَإِذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّك كَانَ مُظَاهِرًا سَوَاءٌ كَانَ مَدْخُولًا بِهَا أَمْ لَا وَإِنْ قَالَ كَظَهْرِ ابْنَتِك إنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا كَانَ مُظَاهِرًا وَإِلَّا فَلَا وَكَذَا إذَا شَبَّهَهَا بِامْرَأَةِ أَبِيهِ أَوْ امْرَأَةِ ابْنِهِ كَانَ مُظَاهِرًا؛ لِأَنَّهُمَا حَرَامٌ عَلَيْهِ عَلَى التَّأْبِيدِ وَإِنْ شَبَّهَهَا بِامْرَأَةٍ قَدْ زَنَى بِأُمِّهَا أَوْ بِامْرَأَةٍ قَدْ زَنَى بِهَا أَبُوهُ كَانَ مُظَاهِرًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا عَلَى التَّأْبِيدِ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَكُونُ مُظَاهِرًا؛ لِأَنَّ هَذَا مُخْتَلَفٌ فِيهِ حَتَّى لَوْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِجَوَازِ نِكَاحِهِ لَمْ أُبْطِلْهُ فَلَمْ تَصِرْ مُحَرَّمَةً عَلَى التَّأْبِيدِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَوْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِجَوَازِهِ لَمْ يَنْفُذْ حُكْمُهُ.
وَإِنْ قَبَّلَ أَجْنَبِيَّةً بِشَهْوَةٍ أَوْ نَظَرَ إلَى فَرْجِهَا بِشَهْوَةٍ ثُمَّ شَبَّهَ زَوْجَتَهُ بِابْنَتِهَا لَمْ يَكُنْ مُظَاهِرًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَا يُشْبِهُ هَذَا الْوَطْءَ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ أَبْيَنُ وَأَظْهَرُ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَكُونُ مُظَاهِرًا وَإِنْ شَبَّهَهَا بِامْرَأَةٍ مُحَرَّمَةٍ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ، وَهِيَ تَحِلُّ لَهُ فِي حَالٍ آخَرَ مِثْلُ أُخْتِ امْرَأَتِهِ أَوْ امْرَأَةٍ لَهَا زَوْجٌ أَوْ مَجُوسِيَّةٍ لَمْ يَكُنْ مُظَاهِرًا وَإِنْ شَبَّهَهَا بِامْرَأَةٍ فُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا بِلِعَانٍ لَا يَكُونُ مُظَاهِرًا إجْمَاعًا أَمَّا عِنْدَهُمَا فَمُظَاهِرٌ وَكَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَإِنْ كَانَتْ عِنْدَهُ حَرَامٌ عَلَى التَّأْبِيدِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِجَوَازِ نِكَاحِهَا جَازَ ثُمَّ الظِّهَارُ إنَّمَا يَكُونُ مِنْ جَانِبِ النِّسَاءِ حَتَّى لَوْ قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أَبِي أَوْ ابْنِي لَا يَكُونُ مُظَاهِرًا وَإِنْ قَالَ كَفَرْجِ أَبِي أَوْ كَفَرْجِ ابْنِي كَانَ مُظَاهِرًا وَإِنْ قَالَ أَنَا مِنْك مُظَاهِرٌ أَوْ قَدْ ظَاهَرْت مِنْك فَهُوَ مُظَاهِرٌ، وَإِنْ قَالَ أَنْتِ مِنِّي كَظَهْرِ أَبِي أَوْ عِنْدِي أَوْ مَعِي فَهُوَ مُظَاهِرٌ وَلَا تَكُونُ الْمَرْأَةُ مُظَاهِرَةً مِنْ زَوْجِهَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ تَكُونُ مُظَاهِرَةً وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعِنْدَ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ عَلَيْهَا كَفَّارَةُ يَمِينٍ إذَا وَطِئَهَا؛ لِأَنَّ الظِّهَارَ يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ فَكَأَنَّهَا قَالَتْ أَنْتِ حَرَامٌ فَيَجِبُ عَلَيْهَا كَفَّارَةُ يَمِينٍ إذَا وَطِئَهَا وَلِمُحَمَّدٍ أَنَّهَا لَا تَمْلِكُ التَّحْرِيمَ كَالطَّلَاقِ كَذَا فِي الْكَرْخِيِّ (قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا قَالَ رَأْسُك عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي أَوْ فَرْجُك أَوْ وَجْهُك أَوْ بَدَنُك أَوْ رَقَبَتُك أَوْ نِصْفُك أَوْ ثُلُثُك أَوْ عُشْرُك كَانَ مُظَاهِرًا) ؛ لِأَنَّهُ يُعَبَّرُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ وَإِنْ قَالَ ظَهْرُك عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي أَوْ كَبَطْنِهَا أَوْ كَفَرْجِهَا أَوْ بَطْنُك أَوْ فَخِذُك أَوْ يَدُك أَوْ رِجْلُك لَا يَكُونُ مُظَاهِرًا كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْعُضْوَ مِنْ امْرَأَتِهِ لَا يُعَبَّرُ عَنْ جَمِيعِ الشَّخْصِ وَهُوَ إنَّمَا يَكُونُ مُظَاهِرًا إذَا شَبَّهَ امْرَأَتَهُ أَوْ عُضْوًا مِنْهَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ جَمِيعِ الشَّخْصِ بِمَنْ لَا تَحِلُّ عَلَى التَّأْبِيدِ.

(قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ مِثْلُ أُمِّي أَوْ كَأُمِّي رُجِعَ إلَى نِيَّتِهِ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنْ أَرَادَ الْإِكْرَامَ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَإِنْ أَرَادَ الطَّلَاقَ أَوْ الظِّهَارَ فَهُوَ كَمَا نَوَى وَإِنْ أَرَادَ التَّحْرِيمَ فَهُوَ إيلَاءٌ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ هُوَ تَحْرِيمٌ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ التَّشْبِيهِ التَّحْرِيمُ وَأَدْنَاهُ الْإِيلَاءُ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ ظَاهِرٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ كَفَرْجِ أُمِّي؛ لِأَنَّ التَّشْبِيهَ بِالْكَرَامَةِ لَا يَكُونُ بِالْفَرْجِ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا التَّحْرِيمُ (قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَ أَرَدْت الظِّهَارَ فَهُوَ ظِهَارٌ) ؛ لِأَنَّهُ تَشْبِيهٌ بِجَمِيعِهَا وَفِيهِ تَشْبِيهٌ بِالظَّهْرِ لَكِنَّهُ لَيْسَ بِصَرِيحٍ فَيَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ (قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَ أَرَدْت الطَّلَاقَ فَهُوَ طَلَاقٌ بَائِنٌ) ؛ لِأَنَّهُ تَشْبِيهٌ بِالْأُمِّ فِي التَّحْرِيمِ فَكَأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ وَنَوَى الطَّلَاقَ (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ) هَذَا عِنْدَهُمَا.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَكُونُ ظِهَارًا؛ لِأَنَّ

(2/64)


التَّشْبِيهَ بِعُضْوٍ مِنْهَا لَمَّا كَانَ ظِهَارًا فَالتَّشْبِيهُ بِجَمِيعِهَا أَوْلَى لَهُمَا أَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْحَمْلَ عَلَى الْكَرَامَةِ فَلَمْ يَكُنْ ظِهَارًا وَإِنْ قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ كَأُمِّي وَنَوَى ظِهَارًا أَوْ طَلَاقًا فَهُوَ عَلَى مَا نَوَى؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الظِّهَارَ لِمَكَانِ التَّشْبِيهِ وَيَحْتَمِلُ الطَّلَاقَ لِمَكَانِ التَّحْرِيمِ وَإِنْ نَوَى التَّحْرِيمَ لَا غَيْرُ كَانَ ظِهَارًا أَيْضًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يَكُونُ إيلَاءً وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ ظِهَارًا وَإِنْ قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ كَظَهْرِ أُمِّي فَهُوَ ظِهَارٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ سَوَاءٌ نَوَى ظِهَارًا أَوْ إيلَاءً أَوْ طَلَاقًا أَوْ تَحْرِيمًا مُطْلَقًا أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِي الظِّهَارِ فَلَا يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ وَعِنْدَهُمَا إنْ نَوَى طَلَاقًا فَهُوَ طَلَاقٌ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ أُمِّي فَهُوَ كَذِبٌ.

(قَوْلُهُ وَلَا يَكُونُ الظِّهَارُ إلَّا مِنْ زَوْجَتِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [المجادلة: 3] وَالْمُرَادُ بِهِ الزَّوْجَاتُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [البقرة: 226] سَوَاءٌ كَانَتْ الزَّوْجَةُ حُرَّةً أَوْ أَمَةً أَوْ مُدَبَّرَةً أَوْ مُكَاتَبَةً أَوْ أُمَّ وَلَدٍ أَوْ كِتَابِيَّةً وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ الْحُرَّةِ الْمُسْلِمَةِ (قَوْلُهُ وَإِنْ ظَاهَرَ مِنْ أَمَتِهِ لَمْ يَكُنْ مُظَاهِرًا) وَكَذَا مِنْ مُدَبَّرَتِهِ وَأُمِّ وَلَدِهِ لَا يَكُونُ مُظَاهِرًا وَإِنْ ظَاهَرَ الْعَبْدُ أَوْ الْمُدَبَّرُ أَوْ الْمُكَاتَبُ صَحَّ ظِهَارُهُ وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ الْحُرِّ إلَّا إنَّ التَّكْفِيرَ بِالْعِتْقِ وَالْإِطْعَامِ لَا يَجُوزُ مِنْهُ مَا لَمْ يَعْتِقْ، وَلَوْ كَفَّرَ بِهِمَا بِإِذْنِ مَوْلَاهُ أَوْ الْمَوْلَى كَفَّرَ بِهِمَا عَنْهُ لَا يَجُوزُ وَيَجُوزُ لَهُ التَّكْفِيرُ بِالصِّيَامِ وَلَيْسَ لِلْمَوْلَى أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْمَرْأَةِ بِخِلَافِ النَّذْرِ وَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ آدَمِيٍّ.

(قَوْلُهُ وَمَنْ قَالَ لِنِسَائِهِ أَنْتُنَّ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي كَانَ مُظَاهِرًا مِنْ جَمِيعِهِنَّ وَعَلَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ كَفَّارَةٌ) سَوَاءٌ كَانَ فِي مَجْلِسٍ أَوْ مَجَالِسَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا آلَى مِنْ نِسَائِهِ فَجَامَعَهُنَّ فَإِنَّهُ لَا تَجِبُ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّهُ أَقْسَمَ بِاَللَّهِ وَهُوَ وَاحِدٌ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَمَّا هُنَا فَالْكَفَّارَةُ إنَّمَا تَجِبُ لِرَفْعِ التَّحْرِيمِ وَالتَّحْرِيمُ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ غَيْرُ التَّحْرِيمِ فِي الْأُخْرَى، وَلَوْ مَاتَتْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ لَمْ يَسْقُطْ التَّحْرِيمُ عَنْ الْبَاقِيَاتِ بِخِلَافِ الْإِيلَاءِ وَكَذَا إذَا ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ مِرَارًا فِي مَجْلِسٍ أَوْ مَجَالِسَ فَإِنَّهُ يَجِبُ لِكُلِّ ظِهَارٍ كَفَّارَةٌ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الظِّهَارَ الْأَوَّلَ فَيَكُونَ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ؛ لِأَنَّ الظِّهَارَ الْأَوَّلَ إيقَاعٌ وَالثَّانِيَ إخْبَارٌ فَإِذَا نَوَى الْإِخْبَارَ حُمِلَ عَلَيْهِ قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ إذَا قَالَ أَرَدْت التَّكْرَارَ صُدِّقَ فِي الْقَضَاءِ إذَا قَالَ ذَلِكَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ وَلَا يُصَدَّقُ فِيمَا إذَا قَالَ ذَلِكَ فِي مَجَالِسَ مُخْتَلِفَةٍ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ فَإِنَّهُ لَا يُصَدَّقُ فِي الْوَجْهَيْنِ، وَلَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ طَلَاقًا رَجْعِيًّا ثُمَّ ظَاهَرَ مِنْهَا فِي عِدَّتِهَا صَحَّ ظِهَارُهُ لِأَنَّهَا زَوْجَةٌ وَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا لَمْ يَصِحَّ ظِهَارُهُ؛ لِأَنَّ الظِّهَارَ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ زَوْجَةٍ وَهَذِهِ لَيْسَتْ بِزَوْجَةٍ بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَا تَعُودُ إلَيْهِ إلَّا بِعَقْدٍ جَدِيدٍ وَلِأَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ بِالطَّلَاقِ وَتَحْرِيمُ الطَّلَاقِ آكَدُ مِنْ تَحْرِيمِ الظِّهَارِ؛ لِأَنَّهُ يُزِيلُ الْمِلْكَ وَلَا يَرْتَفِعُ بِالْكَفَّارَةِ وَالظِّهَارُ لَا يُزِيلُ الْمِلْكَ وَيَرْتَفِعُ بِالْكَفَّارَةِ.

[كَفَّارَةُ الظِّهَارِ]
(قَوْلُهُ وَكَفَّارَةُ الظِّهَارِ عِتْقُ رَقَبَةٍ) يَعْنِي كَامِلَةَ الرِّقِّ فِي مِلْكِهِ مَقْرُونًا بِنِيَّةِ الْكَفَّارَةِ وَجِنْسُ مَا يُبْتَغَى مِنْ الْمَنَافِعِ قَائِمٌ بِلَا بَدَلٍ فَقَوْلُنَا كَامِلَةَ الرِّقِّ حَتَّى إذَا أَعْتَقَ نِصْفَ الرَّقَبَةِ ثُمَّ أَعْتَقَ نِصْفَهَا الْآخَرَ قَبْلَ أَنْ يُجَامِعَهَا يَجُوزُ عَنْ كَفَّارَتِهِ وَبَعْدَ مَا جَامَعَهَا لَا يَجُوزُ عَنْ كَفَّارَتِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ عِتْقَ النِّصْفِ بِمَنْزِلَةِ عِتْقِ الْكُلِّ عِنْدَهُمَا إذْ هُوَ لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُمَا، وَلَوْ كَانَ عَبْدٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ عَنْ كَفَّارَتِهِ لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ سَوَاءٌ كَانَ مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَنْفَكُّ عَنْ السِّعَايَةِ فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَكَانَ عِتْقًا بِالْبَدَلِ وَعِنْدَهُمَا إذَا كَانَ الْمُعْتِقُ مُوسِرًا جَازَ وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ يَسَارَ الْمُعْتِقِ يَمْنَعُ سِعَايَةَ الْعَبْدِ عِنْدَهُمَا وَإِنْ أَعْتَقَ نِصْفَ رَقَبَةٍ وَصَامَ شَهْرًا أَوْ أَطْعَمَ ثَلَاثِينَ مِسْكِينًا لَا يَجُوزُ عَنْ كَفَّارَتِهِ فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِنَا رَقَبَةً كَامِلَةَ الرِّقِّ فِي مِلْكِهِ وَقَوْلُنَا مَقْرُونًا بِالنِّيَّةِ فَإِنَّهُ إذَا أَعْتَقَ عَبْدَهُ وَلَمْ يَنْوِهِ عَنْ كَفَّارَتِهِ لَا يَجُوزُ عَنْ كَفَّارَتِهِ وَكَذَا إذَا نَوَى عَنْ كَفَّارَتِهِ بَعْدَ الْإِعْتَاقِ لَا يَجُوزُ أَيْضًا، وَلَوْ دَخَلَ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ فِي مِلْكِهِ بِلَا صُنْعٍ مِنْهُ كَمَا إذَا دَخَلَ بِالْمِيرَاثِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ عَنْ كَفَّارَتِهِ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ بِصُنْعِهِ إنْ نَوَى عَنْ كَفَّارَتِهِ وَقْتَ وُجُودِ الصُّنْعِ جَازَ عَنْ كَفَّارَتِهِ عِنْدَنَا.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ وَقَوْلُنَا وَجِنْسُ مَا يَبْتَغِي مِنْ الْمَنَافِعِ قَائِمٌ فَإِنَّهُ إذَا أَعْتَقَ عَبْدًا مَقْطُوعَ

(2/65)


الْيَدَيْنِ أَوْ الرِّجْلَيْنِ أَوْ يَابِسَ الشِّقِّ أَوْ مُقْعَدًا أَوْ أَشَلَّ الْيَدَيْنِ أَوْ زَمِنًا أَوْ مَقْطُوعَ يَدٍ وَاحِدَةٍ وَرِجْلٍ وَاحِدَةٍ مِنْ جَانِبٍ أَوْ مَقْطُوعَ إبْهَامَيْ الْيَدَيْنِ أَوْ مَقْطُوعَ ثَلَاثِ أَصَابِعَ مِنْ كُلِّ يَدٍ سِوَى الْإِبْهَامَيْنِ أَوْ أَعْمَى أَوْ مَعْتُوهًا أَوْ أَخْرَسَ لَا يَجُوزُ عَنْ كَفَّارَتِهِ فَإِنْ كَانَ مَقْطُوعَ يَدٍ وَاحِدَةٍ أَوْ رِجْلٍ وَاحِدَةٍ أَوْ مَقْطُوعَ يَدٍ وَرِجْلٍ مِنْ خِلَافٍ أَوْ أَشَلَّ يَدٍ وَاحِدَةٍ أَوْ مَقْطُوعَ إصْبَعَيْنِ مِنْ كُلِّ يَدٍ سِوَى الْإِبْهَامَيْنِ أَوْ أَعْوَرَ أَوْ أَعْشَى أَوْ مَقْطُوعَ الْأُذُنَيْنِ أَوْ مَقْطُوعَ الْأَنْفِ أَوْ عِنِّينًا أَوْ خَصِيًّا أَوْ مَجْبُوبًا أَوْ خُنْثَى أَوْ أَمَةً رَتْقَاءَ أَوْ قَرْنَاءَ يَجُوزُ عَنْ كَفَّارَتِهِ وَإِنْ كَانَ أَصَمَّ يَجُوزُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَقِيلَ إذَا كَانَ بِحَالٍ لَوْ صِيحَ فِي أُذُنِهِ لَمْ يَسْمَعْ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ وَقَوْلُنَا بِغَيْرِ بَدَلٍ فَإِنَّهُ إذَا أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَلَى بَدَلٍ وَنَوَاهُ عَنْ كَفَّارَتِهِ لَا يَجُوزُ وَإِنْ أَبْرَأهُ بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ الْبَدَلِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَيْضًا وَكَذَا الْمَرِيضُ إذَا أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَنْ كَفَّارَتِهِ وَهُوَ لَا يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ لَا يَجُوزُ عَنْ كَفَّارَتِهِ وَإِنْ أَجَازَهُ الْوَرَثَةُ، فَإِنْ بَرِئَ مِنْ مَرَضِهِ جَازَ.
(قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ صَامَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ) مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا وَحَدُّ عَدَمِ الْوُجُودِ أَنْ لَا يَكُونَ فِي مِلْكِهِ ذَلِكَ حَتَّى لَوْ كَانَ لَهُ عَبْدٌ لِلْخِدْمَةِ لَا يَجُوزُ لَهُ الصَّوْمُ إلَّا أَنْ يَكُونَ زَمِنًا فَيَجُوزُ ثُمَّ إذَا كَفَّرَ بِالصِّيَامِ وَأَفْطَرَ يَوْمًا لِعُذْرِ مَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ فَإِنَّهُ يَسْتَأْنِفُ الصَّوْمَ وَكَذَا لَوْ جَاءَ يَوْمَ الْفِطْرِ أَوْ يَوْمَ النَّحْرِ أَوْ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ فَإِنَّهُ يَسْتَأْنِفُ فَإِنْ صَامَ هَذِهِ الْأَيَّامَ وَلَمْ يُفْطِرْ فَإِنَّهُ يَسْتَأْنِفُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ فِيهَا عَمَّا وَجَبَ فِي ذِمَّتِهِ لَا يَجُوزُ وَإِنْ كَانَتْ امْرَأَةٌ فَصَامَتْ عَنْ كَفَّارَةِ الْإِفْطَارِ أَوْ عَنْ كَفَّارَةِ الْقَتْلِ فَحَاضَتْ أَوْ نَفِسَتْ فِي خِلَالِ ذَلِكَ فَإِنَّهَا لَا تَسْتَأْنِفُ وَلَكِنْ تُصَلِّي الْقَضَاءَ بَعْدَ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَجِدُ صَوْمَ شَهْرَيْنِ لَا حَيْضَ فِيهِمَا فَإِنْ أَفْطَرَتْ يَوْمًا بَعْدَ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ فَإِنَّهَا تَسْتَأْنِفُ وَإِنْ كَانَتْ تَصُومُ عَنْ كَفَّارَةِ يَمِينٍ فَحَاضَتْ أَوْ نَفِسَتْ فِي خِلَالِ ذَلِكَ فَإِنَّهَا تَسْتَأْنِفُ؛ لِأَنَّهَا تَجِدُ صَوْمَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لَا حَيْضَ فِيهَا وَإِنْ صَامَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ ثُمَّ قَدَرَ عَلَى الْإِعْتَاقِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فِي آخِرِ ذَلِكَ الْيَوْمِ يَجِبُ الْعِتْقُ وَيَكُونُ صَوْمُهُ تَطَوُّعًا؛ لِأَنَّهُ قَدَرَ عَلَى الْمُبْدَلِ قَبْلَ فَرَاغِهِ مِنْ الْبَدَلِ كَالْمُتَيَمِّمِ إذَا وَجَدَ الْمَاءَ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ وَالْأَفْضَلُ لَهُ أَنْ يُتِمَّ صَوْمَ هَذَا الْيَوْمِ فَإِنْ لَمْ يُتِمَّهُ وَأَفْطَرَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ عِنْدَنَا.
وَقَالَ زُفَرُ يَجِبُ قَضَاؤُهُ (قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا) وَلَا يَكُونُ إلَّا عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ (قَوْلُهُ كُلُّ ذَلِكَ قَبْلَ الْمَسِيسِ) هَذَا فِي الْإِعْتَاقِ وَالصَّوْمِ ظَاهِرٌ لِلنَّصِّ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ فِيهِمَا {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3] وَكَذَا فِي الْإِطْعَامِ أَيْضًا عِنْدَنَا وَقَالَ مَالِكٌ مَنْ كَانَتْ كَفَّارَتُهُ الْإِطْعَامَ جَازَ أَنْ يَطَأَ قَبْلَهُ.

(قَوْلُهُ وَيُجْزِي فِي الْعِتْقِ الرَّقَبَةُ الْمُسْلِمَةُ وَالْكَافِرَةُ وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى وَالصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ) ؛ لِأَنَّ اسْمَ الرَّقَبَةِ يَنْطَلِقُ عَلَى هَؤُلَاءِ وَالشَّافِعِيُّ يُخَالِفُنَا فِي الْكَافِرَةِ وَيَقُولُ الْكَفَّارَةُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَجُوزُ صَرْفُهَا إلَى عَدُوِّهِ كَالزَّكَاةِ قُلْنَا الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ عِتْقُ رَقَبَةٍ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْإِيمَانِ وَالْقِيَاسُ عَلَى الزَّكَاةِ قِيَاسُ الْمَنْصُوصِ عَلَى الْمَنْصُوصِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الْقِيَاسِ عَدَمُ النَّصِّ فِي الْمَقِيسِ وَلَا يَجُوزُ عِتْقُ الْجَنِينِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ حَيَاتُهُ وَلَا سَلَامَتُهُ (قَوْلُهُ وَلَا تَجُوزُ الْعَمْيَاءُ وَلَا مَقْطُوعَةُ الْيَدَيْنِ أَوْ الرِّجْلَيْنِ) وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَيَجُوزُ الْأَصَمُّ) هَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ، وَهَذَا إذَا كَانَ بِحَيْثُ إذَا صِيحَ عَلَيْهِ يَسْمَعُ أَمَّا إذَا كَانَ لَا يَسْمَعُ أَصْلًا وَهُوَ الْأَخْرَصُ بِالصَّادِ لَا يُجْزِئُهُ وَيَجُوزُ مَقْطُوعُ الْأُذُنَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا إنَّمَا يُرَادَانِ لِلزِّينَةِ وَالْمَنْفَعَةُ قَائِمَةٌ بَعْدَ ذَهَابِهِمَا وَكَذَا يَجُوزُ مَقْطُوعُ الْأَنْفِ؛ لِأَنَّهُ يُرَادُ لِلْجَمَالِ وَمَنْفَعَةُ الشَّمِّ بَاقِيَةٌ وَيَجُوزُ مَقْطُوعُ الذَّكَرِ؛ لِأَنَّ فَقْدَهُ أَصْلًا مِنْ غَيْرِ قَطْعٍ لَا يَمْنَعُ الْجَوَازَ بِأَنْ كَانَتْ أُنْثَى (قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ مَقْطُوعُ إبْهَامَيْ الْيَدَيْنِ) احْتَرَزَ بِذَلِكَ عَنْ إبْهَامَيْ الرِّجْلَيْنِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ الْجَوَازَ وَإِنَّمَا لَا يَجُوزُ مَقْطُوعُ إبْهَامَيْ الْيَدَيْنِ؛ لِأَنَّ قُوَّةَ الْبَطْشِ وَالتَّنَاوُلِ تَفُوتُ بِفَقْدِهِمَا فَصَارَ فَوَاتُهُمَا كَفَوَاتِ جَمِيعِ الْأَصَابِعِ وَكَذَا لَا يَجُوزُ مَقْطُوعُ ثَلَاثِ أَصَابِعَ مِنْ كُلِّ يَدٍ لِفَوَاتِ الْأَكْثَرِ مِنْ الْأَصَابِعِ وَلَا يَجُوزُ الذَّاهِبُ الْأَسْنَانِ وَلَا مَقْطُوعُ الشَّفَتَيْنِ إذَا كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْأَكْلِ فَإِنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ جَازَ وَلَا يَجُوزُ الْأَخْرَسُ وَالْخُرْسَى؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْكَلَامِ انْعَدَمَتْ وَيَجُوزُ ذَاهِبُ

(2/66)


الشَّعْرِ وَاللِّحْيَةِ وَالْحَاجِبَيْنِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ لِلزِّينَةِ (قَوْلُهُ وَلَا الْمَجْنُونُ الَّذِي لَا يَعْقِلُ) ؛ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِالْجَوَارِحِ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْعَقْلِ فَكَانَ فَائِتَ الْمَنَافِعِ وَأَمَّا إذَا كَانَ يُجَنُّ وَيُفِيقُ فَإِنَّهُ يُجْزِي وَإِنْ أَعْتَقَ طِفْلًا رَضِيعًا أَجْزَأَهُ وَإِنْ أَعْتَقَ مَرِيضًا يُرْجَى لَهُ الْحَيَاةُ وَيُخَاف عَلَيْهِ الْمَوْتُ أَجْزَأَهُ فَإِنْ كَانَ فِي حَدِّ الْمَوْتِ لَمْ يُجْزِهِ.

(قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ عِتْقُ الْمُدَبَّرِ وَأُمُّ الْوَلَدِ) ؛ لِأَنَّ رِقَّهُمَا نَاقِصٌ حَتَّى لَا يَجُوزَ بَيْعُهُمَا (قَوْلُهُ وَلَا الْمُكَاتَبُ الَّذِي أَدَّى بَعْضَ الْمَالِ) ؛ لِأَنَّ عِتْقَهُ بِبَدَلٍ (قَوْلُهُ فَإِنْ أَعْتَقَ مُكَاتَبًا لَمْ يُؤَدِّ شَيْئًا جَازَ) ؛ لِأَنَّ الرِّقَّ قَائِمٌ فِيهِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ؛ لِأَنَّهُ يَقْبَلُ الِانْفِسَاخَ وَلَمْ يَحْصُلْ عَنْهُ عِوَضٌ وَيُسَلِّمُ لِلْمُكَاتِبِ الْأَوْلَادَ وَالْأَكْسَابَ وَيَجُوزُ عِتْقُ الْآبِقِ عَنْ الْكَفَّارَةِ كَذَا فِي شَاهَانْ.

(قَوْلُهُ فَإِنْ اشْتَرَى أَبَاهُ أَوْ ابْنَهُ يَنْوِي بِالشِّرَاءِ الْكَفَّارَةَ جَازَ عِنْدَنَا) بِخِلَافِ مَا لَوْ وَرِثَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا صُنْعَ لَهُ فِيهِ.

(قَوْلُهُ وَإِنْ أَعْتَقَ نِصْفَ عَبْدٍ مُشْتَرَكٍ عَنْ الْكَفَّارَةِ وَضَمِنَ قِيمَةَ بَاقِيهِ وَأَعْتَقَهُ لَمْ يُجْزِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَجُوزُ إذَا كَانَ مُوسِرًا وَلَا يَجُوزُ إذَا كَانَ مُعْسِرًا.

(قَوْلُهُ وَإِنْ أَعْتَقَ نِصْفَ عَبْدِهِ عَنْ كَفَّارَتِهِ ثُمَّ أَعْتَقَ بَاقِيَهُ عَنْهَا جَازَ) ؛ لِأَنَّهُ أَعْتَقَهُ بِكَلَامَيْنِ وَالنُّقْصَانُ مُتَمَكِّنٌ عَلَى مِلْكِهِ بِسَبَبِ الْإِعْتَاقِ بِجِهَةِ الْكَفَّارَةِ وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ الْجَوَازَ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّ النُّقْصَانَ هُنَاكَ تَمَكَّنَ عَلَى مِلْكِ الشَّرِيكِ.

(قَوْلُهُ وَإِنْ أَعْتَقَ نِصْفَ عَبْدِهِ عَنْ كَفَّارَتِهِ ثُمَّ جَامَعَ الَّتِي ظَاهَرَ مِنْهَا ثُمَّ أَعْتَقَ بَاقِيَهُ لَمْ يُجْزِ هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) ؛ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ وَشَرْطُ الْإِعْتَاقِ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْمَسِيسِ بِالنَّصِّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3] وَإِعْتَاقُ النِّصْفِ حَصَلَ بَعْد الْمَسِيسِ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ إعْتَاقَ النِّصْفِ عِنْدَهُمَا إعْتَاقُ الْكُلِّ فَحَصَلَ إعْتَاقُ الْكُلِّ قَبْلَ الْمَسِيسِ وَإِذَا لَمْ يَجُزْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ اسْتَأْنَفَ عِتْقَ رَقَبَةٍ أُخْرَى.

(قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ الْمُظَاهِرُ مَا يَعْتِقُ فَكَفَّارَتُهُ صَوْمُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ لَيْسَ فِيهِمَا شَهْرُ رَمَضَانَ وَلَا يَوْمُ الْفِطْرِ وَلَا يَوْمُ النَّحْرِ وَلَا أَيَّامُ التَّشْرِيقِ) ؛ لِأَنَّ التَّتَابُعَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ وَصَوْمُ هَذِهِ الْأَيَّامِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فَلَا يَنُوبُ عَنْ الْوَاجِبِ.

(قَوْلُهُ فَإِنْ جَامَعَ الَّتِي ظَاهَرَ مِنْهَا فِي خِلَالِ الشَّهْرَيْنِ لَيْلًا عَامِدًا أَوْ نَهَارًا نَاسِيًا اسْتَأْنَفَ الصَّوْمَ عِنْدَهُمَا) .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ عَلَى صِيَامِهِ وَلَا يَسْتَأْنِفُ لَنَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَهُ بِصِيَامِ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ لَا مَسِيسَ فِيهِمَا فَإِذَا

(2/67)


جَامَعَ فِيهِمَا لَمْ يَأْتِ بِالْمَأْمُورِ بِهِ وَلِأَنَّ الْوَطْءَ هُنَا لَمْ يَخْتَصَّ بِالصَّوْمِ فَأَشْبَهَ الْوَطْءَ فِي الِاعْتِكَافِ وَلَا يُشْبِهُ هَذَا إذَا وَطِئَ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ نَهَارًا نَاسِيًا أَوْ لَيْلًا عَامِدًا حَيْثُ لَا يَسْتَأْنِفُ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ الْوَطْءِ فِيهَا لِمَعْنًى يَخْتَصُّ بِالصَّوْمِ وَلِأَبِي يُوسُفَ إنَّ كُلَّ وَطْءٍ لَا يُؤَثِّرُ فِي فَسَادِ الصَّوْمِ لَا يُبْطِلُ التَّتَابُعَ دَلِيلُهُ الْوَطْءُ نَاسِيًا بِالنَّهَارِ وَعَامِدًا بِاللَّيْلِ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ وَقَوْلُهُ نَهَارًا نَاسِيًا قَيْدٌ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَامِدًا اسْتَأْنَفَ إجْمَاعًا لِعَدَمِ التَّتَابُعِ وَقَيَّدَ بِجِمَاعِ الَّتِي ظَاهَرَ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ جَامَعَ غَيْرَهَا بِالنَّهَارِ نَاسِيًا أَوْ بِاللَّيْلِ عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا لَمْ يَسْتَأْنِفْ إجْمَاعًا (قَوْلُهُ وَإِنْ أَفْطَرَ فِي يَوْمٍ مِنْهَا لِعُذْرٍ أَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ اسْتَأْنَفَ) لِفَوَاتِ التَّتَابُعِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَتْ امْرَأَةً فَحَاضَتْ أَوْ نَفِسَتْ فِي خِلَالِ ذَلِكَ لَمْ تَسْتَأْنِفْ وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ.

(قَوْلُهُ وَإِذَا ظَاهَرَ الْعَبْدُ لَمْ يُجْزِهِ فِي الْكَفَّارَةِ إلَّا الصَّوْمُ) ؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الصَّوْمِ فَلَزِمَهُ وَلَيْسَ لِلْمَوْلَى أَنْ يَمْنَعَهُ عَنْهُ (قَوْلُهُ وَإِنْ أَعْتَقَ الْمَوْلَى عَنْهُ أَوْ أَطْعَمَ عَنْهُ لَمْ يُجْزِهِ) وَظِهَارُ الذِّمِّيِّ عِنْدَنَا لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْهُ الصَّوْمُ.

(قَوْلُهُ وَإِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ الْمُظَاهِرُ الصِّيَامَ أَطْعَمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا) الْمُعْتَبَرُ الْعَجْزُ الْحَالِيُّ فِي الْكَفَّارَاتِ فِي جَوَازِ الِانْتِقَالِ بِخِلَافِ الشَّيْخِ الْفَانِي حَيْثُ يُعْتَبَرُ الْعَجْزُ فِيهِ إلَى الْمَوْتِ وَالْمُعْتَبَرُ فِي الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ فِي ذَلِكَ وَقْتُ التَّكْفِيرِ لَا وَقْتُ الظِّهَارِ حَتَّى لَوْ ظَاهَرَ وَهُوَ غَنِيٌّ وَكَانَ وَقْتَ التَّكْفِيرِ مُعْسِرًا أَجْزَأَهُ الصَّوْمُ وَإِنْ كَانَ وَقْتَ الظِّهَارِ وَهُوَ فَقِيرٍ ثُمَّ أَيْسَرَ لَمْ يُجْزِهِ الصَّوْمُ وَقَوْلُهُ سِتِّينَ مِسْكِينًا سَوَاءٌ كَانُوا مُسْلِمِينَ أَوْ ذِمِّيِّينَ عِنْدَهُمَا.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَجُوزُ فُقَرَاءُ أَهْلِ الذِّمَّةِ (قَوْلُهُ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ) وَدَقِيقُ الْبُرِّ وَسَوِيقُهُ مِثْلُهُ فِي اعْتِبَارِ نِصْفِ الصَّاعِ (قَوْلُهُ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ) وَدَقِيقُ الشَّعِيرِ وَسَوِيقُهُ مِثْلُهُ وَالصَّاعُ أَرْبَعَةُ أَمْنَاءً فَإِنْ أَعْطَاهُ مَنًّا مِنْ بُرٍّ وَمَنَوَيْنِ مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ أَجْزَأَهُ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ (قَوْلُهُ أَوْ قِيمَةُ ذَلِكَ) ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ عِنْدَنَا تُجْزِي فِي الزَّكَاةِ فَكَذَا فِي الْكَفَّارَاتِ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ سَدُّ الْخَلَّةِ وَدَفْعُ الْحَاجَةِ وَذَلِكَ يُوجَدُ فِي الْقِيمَةِ.
(قَوْلُهُ فَإِنْ غَدَّاهُمْ وَعَشَّاهُمْ جَازَ قَلِيلًا أَكَلُوا أَوْ كَثِيرًا) يَعْنِي بَعْدَ أَنْ وَضَعَ لَهُمْ مَا يُشْبِعُهُمْ وَالْمُعْتَبَرُ هُوَ الشِّبَعُ لَا مِقْدَارُ الطَّعَامِ فَلَا بُدَّ مِنْ أَكْلَتَيْنِ مُشْبِعَتَيْنِ غَدَاءً وَعِشَاءً أَوْ سُحُورًا وَعِشَاءً أَوْ غَدَاءَيْنِ أَوْ عِشَاءَيْنِ أَوْ سَحُورَيْنِ وَلَا يُجْزِي فِي غَيْرِ الْبُرِّ إلَّا بِالْإِدَامِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ لَا بُدَّ مِنْ الْإِدَامِ فِي خُبْزِ الشَّعِيرِ لِيُمْكِنَهُ الِاسْتِيفَاءُ إلَى الشِّبَعِ وَفِي خُبْزِ الْحِنْطَةِ لَا يُشْتَرَطُ الْإِدَامُ فَإِنْ كَانَ فِيهِمْ صَبِيٌّ فَطِيمٌ لَا يُجْزِي؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَوْفِي الْأَكْلَ كَامِلًا وَالْمُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَسْتَوْفِي الْأَكْلَ (قَوْلُهُ وَإِنْ أَطْعَمَ مِسْكِينًا وَاحِدًا سِتِّينَ يَوْمًا أَكْلَتَيْنِ مُشْبِعَتَيْنِ أَجْزَأَهُ) وَكَذَا إذَا أَعْطَاهُ سِتِّينَ يَوْمًا كُلَّ يَوْمٍ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ (قَوْلُهُ وَإِنْ أَعْطَاهُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ طَعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا لَمْ يُجْزِهِ إلَّا عَنْ يَوْمِهِ ذَلِكَ) ، وَلَوْ أَطْعَمَ مِائَةً وَعِشْرِينَ مِسْكِينًا دَفْعَةً وَاحِدَةً فَعَلَيْهِ أَنْ يُطْعِمَ إحْدَى الْفِرْقَتَيْنِ أَكْلَةً مُشْبِعَةً أُخْرَى وَكَذَا إذَا غَدَّى سِتِّينَ وَعَشَّى سِتِّينَ غَيْرَهُمْ فَعَلَيْهِ أَنْ يُطْعِمَ إحْدَى الْفِرْقَتَيْنِ أَكْلَةً مُشْبِعَةً أُخْرَى (قَوْلُهُ فَإِنْ قَرَبَ الَّتِي ظَاهَرَ مِنْهَا فِي خِلَالِ الْإِطْعَامِ لَمْ يَسْتَأْنِفْ) كَمَا إذَا أَطْعَمَ ثَلَاثِينَ مِسْكِينًا ثُمَّ جَامَعَ امْرَأَتَهُ فَأَنْ يُطْعِمَ ثَلَاثِينَ مِسْكِينًا وَالْجِمَاعُ لَا يَنْقُضُ الْإِطْعَامَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا إلَّا أَنَّهُ يَمْنَعُ مِنْ الْمَسِيسِ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَقْدِرُ عَلَى الْإِعْتَاقِ أَوْ الصَّوْمِ فَيَقَعَانِ بَعْدَ الْمَسِيسِ، وَلَوْ أَعْطَى سِتِّينَ مِسْكَيْنَا كُلَّ مِسْكِينٍ صَاعًا مِنْ الْحِنْطَةِ عَنْ ظِهَارَيْنِ لَا يُجْزِيهِ إلَّا عَنْ أَحَدِهِمَا فِي قَوْلِهِمَا.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُجْزِيهِ عَنْهُمَا فَإِنْ كَانَتْ الْكَفَّارَتَانِ مِنْ جِنْسَيْنِ

(2/68)


مُخْتَلِفَيْنِ فَإِنَّهُ يُجْزِيهِ إجْمَاعًا كَمَا إذَا أَطْعَمَ عَنْ إفْطَارٍ وَظِهَارٍ.

(قَوْلُهُ وَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ كَفَّارَتَا ظِهَارٍ فَأَعْتَقَ رَقَبَتَيْنِ لَا يَنْوِي إحْدَاهُمَا بِعَيْنِهَا جَازَ عَنْهُمَا وَكَذَلِكَ إنْ صَامَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ أَوْ أَطْعَمَ مِائَةً وَعِشْرِينَ مِسْكِينًا جَازَ وَإِنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً وَاحِدَةً وَصَامَ شَهْرَيْنِ جَازَ أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ عَنْ أَيِّهِمَا شَاءَ) .
وَقَالَ زُفَرُ لَا يُجْزِيهِ عَنْ إحْدَاهُمَا فِي جَمِيعِ ذَلِكَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ