الجوهرة النيرة على مختصر القدوري

[كِتَابُ النَّفَقَاتِ]
النَّفَقَةُ فِي اللُّغَةِ مُشْتَقَّةٌ مِنْ النِّفَاقِ وَهُوَ الْهَلَاكُ يُقَالُ نَفَقَ فَرَسُهُ إذَا هَلَكَ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِمَا فِيهَا مِنْ صَرْفِ الْمَالِ وَإِهْلَاكِهِ فِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ اسْتِحْقَاقِ النَّفَقَةِ بِنَسَبٍ أَوْ سَبَبٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (النَّفَقَةُ وَاجِبَةٌ لِلزَّوْجَةِ عَلَى زَوْجِهَا) سَوَاءٌ كَانَتْ حُرَّةً أَوْ مُكَاتَبَةً أَمَّا إذَا كَانَتْ أَمَةً أَوْ مُدَبَّرَةً أَوْ أُمَّ وَلَدٍ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا إلَّا بِالتَّبْوِئَةِ وَإِنَّمَا تَجِبُ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ وَعِدَّتِهِ أَمَّا الْفَاسِدُ وَعِدَّتُهُ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا فِيهِ (قَوْلُهُ مُسْلِمَةً كَانَتْ أَوْ كَافِرَةً) يَعْنِي بِالْكَافِرَةِ الْكِتَابِيَّةِ وَالنَّفَقَةِ هِيَ الْمَأْكُولُ وَالْمَشْرُوبُ وَهُوَ الطَّعَامُ مِنْ غَالِبِ قُوتِ الْبَلَد وَالْإِدَامُ مِنْ غَالِبِ أُدُمِ الْبَلَدِ فَإِذَا امْتَنَعَتْ مِنْ الطَّحْنِ وَالْخَبْزِ إنْ كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْهَيْئَاتِ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَهَا بِطَعَامٍ مُهَيَّأٍ وَإِلَّا فَلَا وَلَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ النَّفَقَةُ دَرَاهِمَ؛ لِأَنَّ السِّعْرَ يَغْلُو وَيَرْخُصُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ آلَةُ الطَّبْخِ وَآنِيَةُ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ مِثْلُ الْكُوزِ وَالْجَرَّةِ وَالْقِدْرِ وَالْمِغْرَفَةِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ وَتَجِبُ النَّفَقَةُ عَلَى الْإِنْسَانِ بِثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ بِالزَّوْجِيَّةِ وَالنَّسَبِ وَالْمِلْكِ فَنَفَقَةُ الزَّوْجَةِ وَمَنْ فِي حُكْمِهَا تَجِبُ مَعَ الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ وَلَا تَسْقُطُ بِيَسَارِ الْمَرْأَةِ وَلَا بِكُفْرِهَا؛ لِأَنَّهَا تُشْبِهُ الْمُعَاوَضَةَ؛ لِأَنَّهَا تَجِبُ بِتَسْلِيمِ نَفْسِهَا.
وَنَفَقَةُ النَّسَبِ ثَلَاثَةُ أَضْرُبٍ مِنْهَا نَفَقَةُ الْأَوْلَادِ وَهِيَ تَجِبُ عَلَى الْأَبِ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا إلَّا أَنَّهُ يُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ حُرًّا وَالْأَبِ كَذَلِكَ وَأَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ فَقِيرًا أَمَّا إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ فَنَفَقَتُهُ فِي مَالِهِ وَمِنْهَا نَفَقَةُ الْوَالِدَيْنِ فَتَجِبُ عَلَى الْوَلَدِ إذَا كَانَ مُوسِرًا وَهُمَا مُعْسِرَانِ وَلَا تَسْقُطُ بِكُفْرِهِمَا وَمِنْهَا نَفَقَةُ ذَوِي الْأَرْحَامِ تَجِبُ عَلَيْهِ إذَا كَانَ مُوسِرًا وَهُمْ مُعْسِرُونَ وَلَا تَجِبُ مَعَ كُفْرِهِمْ.
وَأَمَّا نَفَقَةُ الْمِلْكِ فَتَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ عَبِيدِهِ وَإِمَائِهِ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ إذَا سَلَّمَتْ نَفْسَهَا فِي مَنْزِلِهِ فَعَلَيْهِ نَفَقَتُهَا وَكِسْوَتُهَا وَسُكْنَاهَا) بِشَرْطِ تَسْلِيمِهَا نَفْسَهَا وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ بَعْدَ صِحَّةِ الْعَقْدِ تَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ وَإِنْ لَمْ تُنْقَلْ إلَى بَيْتِ الزَّوْجِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ اعْتَبَرَ لِوُجُوبِ النَّفَقَةِ انْتِقَالَهَا إلَى بَيْتِ الزَّوْجِ فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ لَا تَجِبُ النَّفَقَةُ ابْتِدَاءً فَأَمَّا بَعْدَ مَا انْتَقَلَتْ إلَى مَنْزِلِهِ تَجِبُ النَّفَقَةُ وَاخْتَارَ الْقُدُورِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَيْضًا إنَّهَا إذَا طَلَبَتْ النَّفَقَةَ قَبْلَ تَحَوُّلِهَا إلَى بَيْتِ الزَّوْجِ فَلَهَا النَّفَقَةُ مَا لَمْ يُطَالِبْهَا بِالنَّقْلَةِ؛ لِأَنَّ النَّقْلَةَ حَقٌّ لَهُ وَالنَّفَقَةَ حَقٌّ لَهَا فَإِذَا تَرَكَ حَقَّهُ لَمْ يَسْقُطْ حَقُّهَا وَإِنْ طَالَبَهَا بِالنَّقْلَةِ فَامْتَنَعَتْ إنْ كَانَ ذَلِكَ لِتَسْتَوْفِي مَهْرَهَا فَلَهَا النَّفَقَةُ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ حَقُّهَا وَالنَّفَقَةَ حَقُّهَا وَالْمُطَالَبَةُ بِأَحَدِ الْحَقَّيْنِ لَا تُسْقِطُ الْآخَرَ وَأَمَّا إذَا كَانَ قَدْ أَعْطَاهَا مَهْرَهَا أَوْ كَانَ مُؤَجَّلًا فَامْتَنَعَتْ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا؛ لِأَنَّهَا نَاشِزَةٌ

(2/83)


(قَوْلُهُ يُعْتَبَرُ ذَلِكَ بِحَالِهِمَا جَمِيعًا مُوسِرًا كَانَ الزَّوْجُ أَوْ مُعْسِرًا) هَذَا اخْتِيَارُ الْخَصَّافِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَتَفْسِيرُهُ إذَا كَانَا مُوسِرَيْنِ تَجِبُ نَفَقَةُ الْيَسَارِ وَإِنْ كَانَا مُعْسِرَيْنِ فَنَفَقَةُ الْإِعْسَارِ وَإِنْ كَانَتْ كَرُهَا وَهُوَ مُوسِرٌ فَدُونَ نَفَقَةِ الْمُوسِرَاتِ وَفَوْقَ نَفَقَةِ أَسْلَفَهَا وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا، وَهِيَ مُوسِرَةٌ فَنَفَقَةُ الْإِعْسَارِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} [الطلاق: 7] (قَوْلُهُ وَكِسْوَتُهَا) ، وَهِيَ دِرْعَانِ وَخِمَارَانِ وَمِلْحَفَةٌ.
وَفِي الْيَنَابِيعِ إذَا كَانَ مُعْسِرًا يُفْرَضُ عَلَيْهِ فِي الشِّتَاءِ دِرْعٌ هَرَوِيٌّ وَمِلْحَفَةٌ وَخِمَارٌ وَكِسَاءٌ وَفِي الصَّيْفِ دِرْعٌ وَخِمَارٌ وَمِلْحَفَةٌ وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا يُفْرَضُ عَلَيْهِ فِي الشِّتَاءِ دِرْعٌ هَرَوِيٌّ وَمِلْحَفَةٌ دِينَوَرِيَّةٌ وَخِمَارٌ إبْرَيْسَمٌ وَكِسَاءٌ وَلِخَادِمِهَا قَمِيصٌ وَإِزَارٌ وَكِسَاءٌ وَيُفْرَضُ لَهَا فِي الصَّيْفِ دِرْعٌ سَابُورِيٌّ وَخِمَارٌ إبْرَيْسَمٌ وَمِلْحَفَةٌ، وَلَوْ فُرِضَ لَهَا الْكِسْوَةُ فِي مُدَّةِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَيْسَ لَهَا شَيْءٌ حَتَّى تَمْضِيَ الْمُدَّةُ فَإِنْ تَخَرَّقَتْ قَبْلَ مُضِيِّهَا إنْ كَانَتْ بِحَيْثُ لَوْ لَبِسَتْهَا مُعْتَادًا لَمْ تَتَخَرَّقْ لَمْ تَجِبْ وَإِلَّا وَجَبَتْ وَإِنْ بَقِيَ الثَّوْبُ بَعْدَ الْمُدَّةِ إنْ كَانَ بَقَاؤُهُ لِعَدَمِ اللُّبْسِ أَوْ لِلُبْسِ ثَوْبٍ غَيْرِهِ أَوْ لِلُبْسِهِ يَوْمًا دُونَ يَوْمٍ فَإِنَّهُ يُفْرَضُ لَهَا كِسْوَةٌ أُخْرَى وَإِلَّا فَلَا وَكَذَا إذَا أَمْسَكَتْ نَفَقَتَهَا وَلَمْ تُنْفِقْهَا فَإِنَّهُ يُفْرَضُ لَهَا نَفَقَةٌ أُخْرَى فَإِنْ لَبِسَتْ كِسْوَتَهَا لُبْسًا مُعْتَادًا فَتَخَرَّقَتْ قَبْلَ الْوَقْتِ جَدَّدَ لَهَا أُخْرَى وَإِذَا لَمْ تَتَخَرَّقْ فِي الْمُدَّةِ لَا يَجِبُ غَيْرُهَا قَالَ الْخُجَنْدِيُّ.
وَلَوْ سُرِقَ الثَّوْبُ لَا يَجِبُ غَيْرُهُ وَإِنْ قَتَرَتْ عَلَى نَفْسِهَا فِي النَّفَقَةِ وَفَضَلَ مِنْهَا شَيْءٌ فِي الْمُدَّةِ وَجَبَ غَيْرُهَا.
وَفِي الْيَنَابِيعِ إذَا ضَاعَتْ النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ عِنْدَهَا فَلَا شَيْءَ لَهَا وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُعْطِيَهَا مَا تَفْتَرِشُهُ عَلَى قَدْرِ حَالِ الزَّوْجِ فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا وَجَبَ عَلَيْهِ طَنْفَسَةٌ فِي الشِّتَاءِ وَنِطْعٌ فِي الصَّيْفِ وَعَلَى الْفَقِيرِ حَصِيرٌ فِي الصَّيْفِ وَلِبْدٌ فِي الشِّتَاءِ وَلَا تَكُونُ الطَّنْفَسَةُ وَالنِّطْعُ إلَّا بَعْدَ أَنْ يَفْتَرِشَ الْحَصِيرَ وَيَجِبُ لَهَا مَا تَتَنَظَّفُ بِهِ وَيُزِيلُ الْوَسَخَ كَالْمُشْطِ وَالدُّهْنِ وَالسِّدْرِ وَالْخِطْمِيِّ وَالْأُشْنَانِ وَالصَّابُونِ عَلَى عَادَةِ أَهْلِ الْبَلَدِ وَأَمَّا الْخِضَابُ وَالْكُحْلُ فَلَا يَلْزَمُهُ بَلْ هُوَ عَلَى اخْتِيَارِهِ وَأَمَّا الطِّيبُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ مِنْهُ مَا يَقْطَعُ بِهِ السَّهُوكَةَ لَا غَيْرُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ مَا يَقْطَعُ بِهِ الصُّنَانَ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الدَّوَاءُ لِلْمَرَضِ وَلَا أُجْرَةُ الطَّبِيبِ وَلَا الْفَصَّادِ وَلَا الْحَجَّامِ وَعَلَيْهِ مِنْ الْمَاءِ مَا تَغْسِلُ بِهِ ثِيَابَهَا وَبَدَنَهَا مِنْ الْوَسَخِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ شِرَاءُ الْمَاءِ لِلْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ فَإِنْ كَانَتْ كَرُهَا فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ نَقَلَهُ إلَيْهَا وَإِنْ شَاءَ أَذِنَ لَهَا أَنْ تَذْهَبَ لِتَنْقُلَهُ لِنَفْسِهَا وَإِنْ كَانَتْ مُوسِرَةً اسْتَأْجَرَتْ مَنْ يَنْقُلُهُ إلَيْهَا وَيَجِبُ عَلَيْهِ مَاءُ الْوُضُوءِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ مَدَاسٌ لِلرِّجْلِ.

(قَوْلُهُ فَإِنْ امْتَنَعَتْ مِنْ تَسْلِيمِ نَفْسِهَا حَتَّى يُوَفِّيَهَا مَهْرَهَا فَلَهَا النَّفَقَةُ) يَعْنِي الْمَهْرَ الْمُعَجَّلَ أَمَّا إذَا كَانَ مُؤَجَّلًا فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَكَذَا بَعْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَكَذَا إذَا كَانَ بَعْضُهُ مُؤَجَّلًا وَبَعْضُهُ حَالًا وَاسْتَوْفَتْ الْحَالَّ لَيْسَ لَهَا أَنْ تَمْتَنِعَ عِنْدَهُمَا وَكَذَا لَوْ أَجَّلَتْهُ بَعْدَ الْعَقْدِ أَجَلًا مَعْلُومًا لَيْسَ لَهَا أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَهَا أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا إلَى اسْتِيفَاءِ الْمُؤَجَّلِ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْفُصُولِ إذَا لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا فَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا عِنْدَهُمَا.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَهَا أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا كَانَ الدُّخُولُ بِرِضَاهَا حَتَّى لَوْ كَانَتْ مُكْرَهَةً أَوْ صَبِيَّةً أَوْ مَجْنُونَةً لَا يَسْقُطُ حَقُّهَا مِنْ الْحَبْسِ بِالْإِنْفَاقِ وَيَنْبَنِي عَلَى هَذَا اسْتِحْقَاقُ النَّفَقَةِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَهَا النَّفَقَةُ وَعِنْدَهُمَا لَا نَفَقَةَ لَهَا قَالَ فِي الْمَنْظُومَةِ لِأَبِي حَنِيفَةَ
وَالِامْتِنَاعُ لِابْتِغَاءِ الصَّدَقَهْ ... بَعْدَ الدُّخُولِ لَا يُزِيلُ النَّفَقَهْ.
وَفِي مَقَالَاتِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
وَإِنْ يَكُنْ صَدَاقُهَا مُؤَجَّلَا ... فَقَبْلَ نَقْدِ مَهْرِهَا الدُّخُولُ لَا
وَصُورَتُهُ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ مُؤَجَّلَةً إلَى سَنَةٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ قَبْلَ أَنْ يَنْقُدَهَا وَلَهَا أَنْ تَمْتَنِعَ حَتَّى يُعْطِيَهَا جَمِيعَهُ وَعِنْدَهُمَا لَهُ ذَلِكَ وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَمْتَنِعَ.

(قَوْلُهُ وَإِنْ نَشَزَتْ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا حَتَّى تَعُودَ إلَى مَنْزِلِهِ) النُّشُوزُ خُرُوجُهَا مِنْ بَيْتِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ فَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ سَاكِنًا فِي بَيْتِهَا فَمَنَعَتْهُ مِنْ الدُّخُولِ

(2/84)


عَلَيْهَا كَانَتْ نَاشِزَةً إلَّا إذَا سَأَلَتْهُ أَنْ يُحَوِّلَهَا إلَى مَنْزِلِهِ أَوْ يَكْتَرِيَ لَهَا وَمَنَعَتْهُ مِنْ الدُّخُولِ كَانَ لَهَا النَّفَقَةُ.

(قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً لَا يَسْتَمْتِعُ بِهَا فَلَا نَفَقَةَ لَهَا وَإِنْ سَلَّمَتْ إلَيْهِ) ؛ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ لِمَعْنًى فِيهَا وَأَمَّا الْمَهْرُ فَيَجِبُ فَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ يُنْتَفَعُ بِهَا لِلِاسْتِئْنَاسِ أَوْ لِلْخِدْمَةِ فَأَمْسَكَهَا فِي بَيْتِهِ فَلَهَا النَّفَقَةُ.

(قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ صَغِيرًا لَا يَقْدِرُ عَلَى الْوَطْءُ وَالْمَرْأَةُ كَبِيرَةٌ فَلَهَا النَّفَقَةُ مِنْ مَالِهِ) ؛ لِأَنَّ الْعَجْزَ جَاءَ مِنْ قِبَلِهِ فَإِنْ كَانَ كِلَاهُمَا صَغِيرَانِ لَا يُطِيقَانِ الْجِمَاعَ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا حَتَّى تَبْلُغَ حَدًّا يَسْتَمْتِعُ بِهَا وَإِنْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ مَرِيضَةً مَرَضًا لَا يُمْكِنُهُ الْوُصُولُ إلَيْهَا فَطَلَبَتْ النَّفَقَةَ وَلَمْ يَكُنْ نَقَلَهَا فَلَهَا النَّفَقَةُ إذَا لَمْ تَمْتَنِعْ مِنْ الِانْتِقَال عِنْدَ طَلَبِهِ وَإِنْ امْتَنَعَتْ مِنْ الِانْتِقَالِ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا.

(قَوْلُهُ وَإِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فَلَهَا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى فِي عِدَّتِهَا رَجْعِيًّا كَانَ الطَّلَاقُ أَوْ بَائِنًا) وَكَذَا الْكِسْوَةُ أَيْضًا.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا نَفَقَةَ لِلْمَبْتُوتَةِ إلَّا أَنْ تَكُونَ حَامِلًا فَإِنْ كَانَتْ حَائِلًا فَلَهَا السُّكْنَى بِلَا نَفَقَةٌ وَالْمُبَانَةُ بِالْخُلْعِ وَالْإِيلَاءِ وَاللِّعَانِ وَرِدَّةِ الزَّوْجِ وَمُجَامَعَةِ أُمِّهَا فِي النَّفَقَةِ سَوَاءٌ، وَلَوْ ادَّعَتْ الْمُطَلَّقَةُ أَنَّهَا حَامِلٌ أَنْفَقَ عَلَيْهَا إلَى سَنَتَيْنِ مُنْذُ طَلَّقَهَا قَالَ الْخُجَنْدِيُّ، وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً تَطَاوَلَتْ عِدَّتُهَا فَلَهَا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى وَإِنْ امْتَدَّ ذَلِكَ إلَى عَشْرِ سِنِينَ مَا لَمْ تَدْخُلْ فِي حَدِّ الْإِيَاسِ وَتَنْقَضِي الْعِدَّةُ بِالشُّهُورِ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنْ اتَّهَمَهَا حَلَّفَهَا بِاَللَّهِ مَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا.

(قَوْلُهُ وَلَا نَفَقَةَ لِلْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا) سَوَاءٌ كَانَتْ حَامِلًا أَوْ حَائِلًا إلَّا إذَا كَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ، وَهِيَ حَامِلٌ فَلَهَا النَّفَقَةُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ كَذَا فِي الْفَتَاوَى وَإِنَّمَا لَمْ تَجِبْ نَفَقَةُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْمَيِّتِ زَالَ إلَى الْوَرَثَةِ فَلَوْ أَوْجَبْنَاهَا أَوْجَبْنَاهَا فِي مِلْكِ الْغَيْرِ، وَهَذَا لَا يَصِحُّ.

(قَوْلُهُ وَكُلُّ فُرْقَةٍ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِ الْمَرْأَةِ بِمَعْصِيَةٍ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا) مِثْلُ الرِّدَّةِ وَتَقْبِيلِ ابْنِ الزَّوْجِ أَوْ تَمْكِينِهِ مِنْ نَفْسِهَا؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ مَانِعَةً نَفْسَهَا بِغَيْرِ حَقٍّ كَالنَّاشِرَةِ وَأَمَّا إذَا مَكَّنَتْ ابْنَ زَوْجِهَا مِنْ نَفْسِهَا فِي الْعِدَّةِ لَمْ تَسْقُطْ نَفَقَتُهَا وَإِنْ ارْتَدَّتْ فِي الْعِدَّةِ سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا فَإِنْ أَسْلَمَتْ عَادَتْ النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى وَأَمَّا إذَا جَاءَتْ الْفُرْقَةُ بِسَبَبٍ مُبَاحٍ كَمَا إذَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا لِلْإِدْرَاكِ أَوْ لِلْعَتَاقِ أَوْ لِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ، وَهِيَ مَدْخُولٌ بِهَا فَإِنَّ لَهَا النَّفَقَةَ وَالسُّكْنَى، وَلَوْ خَلَعَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ فَلَهَا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى إلَّا إذَا خَلَعَهَا بِشَرْطِ أَنْ تُبْرِئَهُ مِنْ النَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى فَإِنَّهُ يَبْرَأُ مِنْ النَّفَقَةِ دُونَ السُّكْنَى؛ لِأَنَّ السُّكْنَى خَالِصِ حَقِّ اللَّه تَعَالَى فَلَا يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ عَنْهُ.

(قَوْلُهُ وَإِنْ طَلَّقَهَا ثُمَّ ارْتَدَّتْ سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا) سَوَاءٌ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا.
وَفِي الْهِدَايَةِ إذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ ارْتَدَّتْ سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا وَإِنْ مَكَّنَتْ ابْنَ زَوْجِهَا مِنْ نَفْسِهَا بَعْدَ الطَّلَاقِ فَلَهَا النَّفَقَةُ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُرْتَدَّةَ تُحْبَسُ حَتَّى تَتُوبَ وَلَا نَفَقَةَ لِلْمَحْبُوسَةِ وَالْمُمَكِّنَةُ لَا تُحْبَسُ.

(قَوْلُهُ وَإِذَا حُبِسَتْ الْمَرْأَةُ فِي دَيْنٍ أَوْ غَصَبَهَا رَجُلٌ كَرْهًا فَذَهَبَ بِهَا أَوْ حَجَّتْ مَعَ غَيْرِ مُحْرِمٍ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا) وَفِي الْكَرْخِيِّ إذَا حُبِسَتْ فِي الدَّيْنِ لَا تَقْدِرُ عَلَى وَفَائِهِ فَلَهَا النَّفَقَةُ وَإِنْ كَانَتْ تَقْدِرُ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ بِاخْتِيَارِهَا وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهَا فِي الْوَجْهَيْنِ وَإِنْ حَبَسَهَا الزَّوْجُ بِدَيْنٍ لَهُ عَلَيْهَا فَلَهَا النَّفَقَةُ عَلَى الْأَصَحِّ وَأَمَّا إذَا غَصَبَهَا رَجُلٌ كَرْهًا فَذَهَبَ بِهَا أَشْهُرًا فَلَا نَفَقَةَ لَهَا؛ لِأَنَّ هَذَا عُذْرٌ مِنْ جِهَةِ آدَمِيٍّ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَهَا النَّفَقَةُ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِسَبَبٍ مِنْهَا وَالْفَتْوَى عَلَى الْأَوَّل وَقَوْلُهُ أَوْ حَجَّتْ مَعَ غَيْرِ ذِي مَحْرَمٍ يَعْنِي

(2/85)


حِجَّةَ الْإِسْلَامِ وَاحْتَرَزَ عَمَّا إذَا حَجَّتْ بِمَحْرَمٍ فَإِنَّ لَهَا النَّفَقَةَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إذَا كَانَ الزَّوْجُ قَدْ نَقَلَهَا إلَى مَنْزِلِهِ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ قَدْ وُجِدَ وَالْمَنْعُ إنَّمَا هُوَ لِأَدَاءِ فَرْضٍ عَلَيْهَا فَصَارَتْ كَالصَّائِمَةِ فِي رَمَضَانَ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا نَفَقَةَ لَهَا سَوَاءٌ حَجَّتْ بِمَحْرَمٍ أَوْ لَا وَهُوَ الْأَظْهَرُ؛ لِأَنَّهَا مَانِعَةٌ لِنَفْسِهَا وَأَمَّا إذَا حَجَّتْ قَبْلَ النَّقْلَةِ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا بِالْإِجْمَاعِ، وَلَوْ حَجَّتْ بِمُحْرِمٍ ثُمَّ إذَا وَجَبَتْ لَهَا النَّفَقَةُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إنَّمَا تَجِبُ نَفَقَةُ الْحَضَرِ دُونَ السَّفَرِ؛ لِأَنَّهَا الْمُسْتَحَقَّةُ عَلَيْهِ فَإِنْ جَاوَرَتْ بِمَكَّةَ أَوْ أَقَامَتْ بَعْدَ أَدَاءِ الْحَجِّ إقَامَةً لَا يُحْتَاجُ إلَيْهَا سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا وَأَمَّا إذَا حَجَّ الزَّوْجُ مَعَهَا فَلَهَا النَّفَقَةُ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا فِي طَرِيقِهِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْحَضَرِ دُونِ السَّفَرِ وَلَا يَجِبُ الْكِرَى وَأَمَّا إذَا حَجَّتْ لِلتَّطَوُّعِ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا إجْمَاعًا إذَا لَمْ يَكُنْ الزَّوْجُ مَعَهَا؛ لِأَنَّ لِلزَّوْجِ مَنْعَهَا مِنْ ذَلِكَ.

(قَوْلُهُ وَإِذَا مَرِضَتْ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا فَلَهَا النَّفَقَةُ) ؛ لِأَنَّهَا مُسَلِّمَةٌ لِنَفْسِهَا وَالْمَنْعُ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ فَلَا يُؤَثِّرُ ذَلِكَ فِي سُقُوطِ نَفَقَتهَا وَلِأَنَّ الِاحْتِبَاسَ قَائِمٌ فَإِنَّهُ يَسْتَأْنِسُ بِهَا وَيَمَسُّهَا وَتَحْفَظُ الْبَيْتَ وَالْمَانِعُ إنَّمَا هُوَ لِعَارِضٍ كَالْحَيْضِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا سَلَّمَتْ نَفْسَهَا ثُمَّ مَرِضَتْ فَلَهَا النَّفَقَةُ لِتَحَقُّقِ التَّسْلِيمِ وَإِنْ مَرِضَتْ ثُمَّ سَلَّمَتْ لَا تَجِبُ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ لَمْ يَصِحّ، وَهَذَا حَسَنٌ وَفِي لَفْظِ الْكِتَابُ إشَارَةٌ إلَيْهِ حَيْثُ قَالَ وَإِنْ مَرِضَتْ فِي مَنْزِلِ الزَّوْجِ احْتَرَزَ عَمَّا إذَا مَرِضَتْ فِي بَيْتِ أَبِيهَا قَالَ ابْنُ سِمَاعَةَ سَمِعْت أَبَا يُوسُفَ قَالَ فِي الرَّتْقَاءِ لَا يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهَا مَا لَمْ يَنْقُلْهَا فَإِذَا نَقَلَهَا فَلَهَا النَّفَقَةُ وَلَيْسَ لَهُ رَدُّهُمَا بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا بِغَيْرِ الْوَطْءِ كَالْحَائِضِ.

(قَوْلُهُ وَيُفْرَضُ عَلَى الزَّوْجِ إذَا كَانَ مُوسِرًا نَفَقَةُ خَادِمِهَا) ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يُقِيمَ مَنْ يُصْلِحُ طَعَامَهَا وَشَرَابَهَا وَأَمَّا شَرْطُهُ فِي ذَلِكَ كَوْنُهُ مُوسِرًا فَهَذِهِ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهِيَ الْأَصَحُّ وَعَنْهُ أَيْضًا يُفْرَضُ لَهَا ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ (قَوْلُهُ وَلَا يُفْرَضُ لِأَكْثَرَ مِنْ خَادِمٍ) وَاحِدٌ، هَذَا عِنْدَهُمَا.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ كَانَ لَهَا خَادِمَانِ فَرَضَ لَهُمَا؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَحْتَاجُ إلَى خَادِمَيْنِ أَحَدُهُمَا يَخْدُمُهَا فِي مَنْزِلهَا وَالثَّانِي تُرْسِلُهُ إلَى زَوْجِهَا يَطْلُبُ مِنْهُ النَّفَقَةَ وَيَبْتَعْ لَهَا مَا يَصْلُحُ لَهَا وَتُرْسِلُهُ إلَى أَبَوَيْهَا وَيَقْضِي حَوَائِجَهَا وَلَهُمَا أَنَّ الزَّوْجَ لَوْ قَامَ بِخِدْمَتِهَا بِنَفْسِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ نَفَقَةُ خَادِمٍ فَكَذَا إذَا أَقَامَ غَيْرَهُ مَقَامَ نَفْسِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ أَنْ يُقِيمَ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ وَالْخَادِمُ هُوَ الْمَمْلُوكُ وَقِيلَ أَيُّ خَادِمٍ كَانَ حُرَّةً كَانَتْ أَوْ مَمْلُوكَةَ الْغَيْرِ، وَالْمَنْكُوحَةُ إذَا كَانَتْ أَمَةً لَا تَسْتَحِقُّ نَفَقَةَ الْخَادِمِ.

(قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ أَنْ يُسْكِنَهَا فِي دَارٍ مُنْفَرِدَةٍ لَيْسَ فِيهَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهِ) ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَسْتَضِرُّ بِمَنْ يَدْخُلُ عَلَيْهَا وَيُخَافُ مِنْهُ عَلَى مَتَاعِهَا وَقَدْ يَمْنَعُهَا مِنْ الْمُعَاشَرَةِ مَعَ زَوْجِهَا (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ تَخْتَارَ ذَلِكَ) ؛ لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِإِسْقَاطِ حَقِّهَا (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ مِنْ غَيْرِهَا فَلَيْسَ عَلَيْهَا أَنْ تُسْكِنَهُ مَعَهَا) ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُهَا مِنْ الْمُعَاشَرَةِ مَعَ زَوْجِهَا وَقَدْ تَخَافُ مِنْهُ عَلَى مَتَاعِهَا.

(قَوْلُهُ وَلِلزَّوْجِ أَنْ يَمْنَعَ وَالِدِيهَا وَوَلَدَهَا مِنْ غَيْرِهِ وَأَهْلَهَا الدُّخُولَ عَلَيْهَا) ؛ لِأَنَّ عَلَيْهَا الْخَلْوَةَ مَعَهُ فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَ وَبِدُخُولِ هَؤُلَاءِ يَتَعَذَّرُ ذَلِكَ وَقِيلَ لَا يَمْنَعُ وَالِدِيهَا مِنْ الدُّخُولِ عَلَيْهَا فِي الْأُسْبُوعِ مَرَّةً وَفِي غَيْرِهَا مِنْ الْمَحَارِمِ التَّقْدِيرُ بِسَنَةٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ (قَوْلُهُ وَلَا يَمْنَعُهُمْ مِنْ النَّظَرِ إلَيْهَا وَكَلَامُهَا فِي كُلِّ وَقْتٍ شَاءُوا) لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ قَطِيعَةِ الرَّحِمِ وَلِأَنَّ أَهْلَهَا لَا بُدَّ لَهُمْ مِنْ افْتِقَادِهِمْ وَالْعِلْمِ بِحَالِهَا وَلَا يَمْنَعُهَا مِنْ الْخُرُوجِ إلَى الْوَالِدَيْنِ.

(قَوْلُهُ وَمَنْ أَعْسَرَ بِنَفَقَةِ زَوْجَتِهِ لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا وَيُقَالُ لَهُ اسْتَدِينِي عَلَيْهِ) فَائِدَةُ الْإِذْنِ فِي الِاسْتِدَانَةِ أَنَّهَا تُحِيلُ الْغَرِيمَ عَلَى الزَّوْجِ

(2/86)


فَيُطَالِبُهُ بِالدَّيْنِ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ الزَّوْجُ وَإِنْ اسْتَدَانَتْ بِغَيْرِ إذْنِهِ كَانَتْ الْمُطَالَبَةُ عَلَيْهَا خَاصَّةً وَإِنْ اسْتَدَانَتْ قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهَا الْحَاكِمُ فَهِيَ مُتَطَوِّعَةٌ وَلَا شَيْءَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى الزَّوْجِ يَعْنِي إذَا كَانَتْ النَّفَقَةُ لَمْ تُفْرَضْ لَهَا عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ أَمَّا إذَا كَانَتْ قَدْ فُرِضَتْ لَمْ تَكُنْ مُتَطَوِّعَةً بَلْ يَكُونُ دَيْنًا عَلَى الزَّوْجِ.

(قَوْلُهُ وَإِذَا غَابَ الرَّجُلُ وَلَهُ مَالٌ فِي يَدِ رَجُلٍ مُعْتَرِفٍ بِهِ وَبِالزَّوْجِيَّةِ فَرَضَ الْقَاضِي فِي ذَلِكَ الْمَالِ نَفَقَةَ زَوْجَةِ الْغَائِبِ وَأَوْلَادِهِ الصِّغَارِ وَوَالِدِيهِ) وَكَذَا إذَا عَلِمَ الْقَاضِي بِذَلِكَ وَلَمْ يَعْتَرِفْ فَإِنَّهُ يَقْضِي عَلَيْهِ بِذَلِكَ سَوَاءٌ كَانَ الْمَالُ أَمَانَةً فِي يَدِهِ أَوْ دَيْنًا أَوْ مُضَارَبَةً وَأَمَّا إذَا جَحَدَ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ فَإِنَّهُ لَا يَقْضِي عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَيَأْخُذُ مِنْهُمْ كَفِيلًا بِذَلِكَ) ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ نَاظِرٌ مُحْتَاطٌ وَفِي أَخْذِ الْكَفِيلِ نَظَرٌ لِلْغَائِبِ؛ لِأَنَّهُ إذَا وَصَلَ رُبَّمَا يُقِيمُ الْبَيِّنَةَ عَلَى طَلَاقِهَا أَوْ عَلَى اسْتِيفَائِهَا نَفَقَتَهَا فَيَضْمَنُ الْكَفِيلُ وَكَذَا أَيْضًا يُحَلِّفُهَا الْقَاضِي بِاَللَّهِ مَا أَعْطَاهَا النَّفَقَةَ أَوْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَكُمَا سَبَبٌ يُسْقِطُ النَّفَقَةَ مِنْ نُشُوزٍ أَوْ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ وَلَا يَقْضِي بِنَفَقَةٍ فِي مَالِ الْغَائِبِ إلَّا لِهَؤُلَاءِ) يَعْنِي الزَّوْجَةَ وَالْأَوْلَادَ الصِّغَارَ وَالْوَالِدَيْنِ؛ لِأَنَّ نَفَقَةَ هَؤُلَاءِ وَاجِبَةٌ قَبْلَ قَضَاءِ الْقَاضِي وَلِهَذَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا بِأَنْفُسِهِمْ فَكَانَ قَضَاءُ الْقَاضِي إعَانَةً لَهُمْ.
أَمَّا غَيْرُهُمْ مِنْ الْمَحَارِمِ إنَّمَا تَجِبُ نَفَقَتُهُمْ بِالْقَضَاءِ وَالْقَضَاءُ عَلَى الْغَائِبِ لَا يَجُوزُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَجُوزُ لِلْأَبَوَيْنِ أَنْ يَبِيعَا عَلَى الْوَلَدِ إذَا كَانَ غَائِبًا الْعُرُوضَ فِي نَفَقَتِهِمَا بِقَدْرِ حَاجَتِهِمَا وَلَا يَبِيعَانِ الْعَقَارَ وَلَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَعْتَرِضَ عَلَيْهِمَا فِي ذَلِكَ وَاَلَّذِي يَتَوَلَّى الْبَيْعَ الْأَبُ دُونَ الْأُمِّ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَيْسَ لَهُمَا ذَلِكَ.

(قَوْلُهُ وَإِذَا قَضَى الْقَاضِي لَهَا بِنَفَقَةِ الْإِعْسَارِ ثُمَّ أَيْسَرَ فَخَاصَمَتْهُ إلَى الْقَاضِي تَمَّمَ لَهَا نَفَقَةَ الْمُوسِرِ) ؛ لِأَنَّهُ تَجَدَّدَ لَهَا حَقٌّ بِيَسَارِهِ.

(قَوْلُهُ وَإِذَا مَضَتْ مُدَّةٌ لَمْ يُنْفِقْ عَلَيْهَا الزَّوْجُ فِيهَا وَطَالَبَتْهُ بِذَلِكَ فَلَا شَيْءَ لَهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْقَاضِي فَرَضَ لَهَا النَّفَقَةَ أَوْ صَالَحَتْ الزَّوْجَ عَلَى مِقْدَارِهَا فَيَقْضِي لَهَا بِنَفَقَةِ مَا مَضَى) ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ صِلَةٌ وَلَيْسَتْ بِعِوَضٍ عِنْدَنَا فَلَا يَسْتَحِكُمْ الْوُجُوبُ فِيهَا إلَّا بِالْقَضَاءِ أَمَّا إذَا فَرَضَ الْقَاضِي لَهَا النَّفَقَةَ فَلَمْ يُنْفِقْ عَلَيْهَا حَتَّى مَضَتْ مُدَّةٌ كَانَ لَهَا الْمُطَالَبَةُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا تَصِيرُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ وَكَذَا إذَا فَرَضَهَا الزَّوْجُ عَلَى نَفْسِهِ بِاصْطِلَاحِهَا؛ لِأَنَّ فَرْضَهُ آكَدُ مِنْ فَرْضِ الْحَاكِمِ؛ لِأَنَّ وِلَايَتَهُ عَلَى نَفْسِهِ أَقْوَى مِنْ وِلَايَةِ الْقَاضِي عَلَيْهِ وَإِذَا صَارَتْ دَيْنًا بِالْقَضَاءِ أَوْ بِالِاصْطِلَاحِ لَمْ تَسْقُطْ بِطُولِ الزَّمَانِ إلَّا إذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا أَوْ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ حِينَئِذٍ تَسْقُطُ (قَوْلُهُ وَإِذَا مَاتَ الزَّوْجُ بَعْدَمَا قَضَى عَلَيْهِ بِالنَّفَقَةِ أَوْ مَضَتْ شُهُورٌ سَقَطَتْ) وَكَذَا إذَا مَاتَتْ الزَّوْجَةُ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ صِلَةٌ وَالصِّلَةُ تَبْطُلُ بِالْمَوْتِ كَالْهِبَةِ تَبْطُلُ بِالْمَوْتِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَلَوْ أَبْرَأَتْ زَوْجَهَا مِنْ نَفَقَتِهَا فِي الْأَوْقَاتِ

(2/87)


الْمُسْتَقْبَلَةِ لَمْ تَصِحَّ الْبَرَاءَةُ؛ لِأَنَّهَا بَرَاءَةٌ عَمَّا سَيَجِبُ فَلَا يَصِحُّ، وَلَوْ فَرَضَ الْقَاضِي لَهَا النَّفَقَةَ عَلَى الزَّوْجِ وَأَنْفَقَتْ مِنْ مَالِهَا فَلَهَا الرُّجُوعُ فِي مَالِ الزَّوْجِ مَا دَامَا حَيَّيْنِ وَتَسْقُطُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا إلَّا أَنْ يَكُونَ مَا أَنْفَقَتْهُ دَيْنًا بِأَمْرِ الْقَاضِي فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ.

(قَوْلُهُ وَإِنْ أَسْلَفَهَا نَفَقَةَ سَنَةٍ) أَيْ عَجَّلَهَا (ثُمَّ مَاتَتْ قَبْلَ مُضِيِّهَا لَمْ يُسْتَرْجَعْ مِنْهَا شَيْءٌ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَكَذَا إذَا أَعْطَاهَا نَفَقَةَ شَهْرٍ وَتَكُونُ النَّفَقَةُ مِلْكًا لَهَا وَتُورَثُ عَنْهَا (قَوْلُهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ تُحْسَبُ لَهَا نَفَقَةُ مَا مَضَى وَمَا بَقِيَ لِلزَّوْجِ) أَيْ مَا مَضَى مِنْ الْمُدَّةِ وَيُرَدُّ مَا بَقِيَ إلَى الزَّوْجِ أَوْ إلَى وَرَثَتِهِ إنْ كَانَتْ قَائِمَةً أَوْ مُسْتَهْلَكَةً أَمَّا إذَا كَانَتْ هَالِكَةً فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا بِالِاتِّفَاقِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْكِسْوَةُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ يُرَدُّ الْبَاقِي مِنْهَا وَكَذَا إذَا مَاتَ الزَّوْجُ قَبْلَ مُضِيِّ الْوَقْتِ لَمْ يَكُنْ لِوَرَثَتِهِ الرُّجُوعُ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ صِلَةٌ اتَّصَلَ بِهَا الْقَبْضُ وَلَا رُجُوعَ فِي الصِّلَةِ بَعْدَ الْمَوْتِ كَمَا فِي الْهِبَةِ وَلِهَذَا لَوْ هَلَكَتْ مِنْ غَيْرِ اسْتِهْلَاكٍ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ بِالْإِجْمَاعِ وَلِمُحَمَّدٍ أَنَّهَا قَبَضَتْ قَبْضًا مَضْمُونًا لَا تَسْتَحِقُّهُ عَلَى الزَّوْجِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَيَجِبُ رَدُّهُ كَالدَّيْنِ قَالَ فِي الْمَنْظُومَةِ لِمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
وَمَوْتُهُ أَوْ مَوْتُهَا فِي الْمُدَّهْ ... يُوجِبُ فِيمَا اسْتَعْجَلَتْهُ رَدَّهْ
وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهَا إذَا قَبَضَتْ نَفَقَةَ شَهْرٍ فَمَا دُونَهُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْيَسِيرِ وَإِنْ قَبَضَتْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ دَفَعَ عَنْهَا نَفَقَةَ شَهْرٍ وَرَدَّتْ مَا بَقِيَ؛ لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَى الشَّهْرِ فِي حُكْمِ الْكَثِيرِ.

(قَوْلُهُ وَإِذَا تَزَوَّجَ الْعَبْدُ حُرَّةً فَنَفَقَتُهَا دَيْنٌ عَلَيْهِ يُبَاعُ فِيهَا) قَيَّدَ بِالْحُرَّةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا تَزَوَّجَ أَمَةً فَلَيْسَ عَلَى مَوْلَاهَا أَنْ يُبَوِّئَهَا مَعَهُ وَبِدُونِ التَّبْوِئَةِ لَا نَفَقَةَ لَهَا وَإِنَّمَا يُبَاعُ فِيهَا إذَا تَزَوَّجَ بِإِذْنِ مَوْلَاهُ وَلِلْمَوْلَى أَنْ يَفْدِيَهُ؛ لِأَنَّ حَقَّهَا فِي عَيْنِ النَّفَقَةِ لَا فِي عَيْنِ الرَّقَبَةِ فَلَوْ مَاتَ الْعَبْدُ سَقَطَتْ؛ لِأَنَّهَا صِلَةٌ وَكَذَا إذَا قُتِلَ فِي الصَّحِيحِ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْمَوْلَى فِي التَّزْوِيجِ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ فَاسِدٌ وَلَا نَفَقَةَ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ، وَلَوْ بِيعَ فِي مَهْرِهَا وَلَمْ يَفِ بِالثَّمَنِ يُطَالَبُ بِالْبَاقِي بَعْدَ الْعِتْقِ قَالَ فِي الْوَجِيزِ نَفَقَةُ امْرَأَةِ الْعَبْدِ وَالْمُكَاتَبِ وَالْمُدَبَّرِ حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً عَلَيْهِ لَا عَلَى الْمَوْلَى كَالْمَهْرِ فَإِنْ كَانَ عَبْدًا يُبَاعُ فِي ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَفْدِيَهُ السَّيِّدُ وَأَمَّا الْمُدَبَّرُ وَالْمُكَاتَبُ فَلَا يُبَاعَانِ بَلْ يُسْتَسْعَيَانِ وَلَا يَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ نَفَقَةُ وَلَدِهِ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ امْرَأَةٍ حُرَّةٍ أَوْ أَمَةٍ بَلْ إنْ كَانَتْ أَمَةً فَعَلَى مَوْلَاهَا وَإِنْ كَانَتْ حُرَّةً فَنَفَقَتُهُ عَلَى أُمِّهِ إنْ كَانَ لَهَا مَالٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مَالٌ فَعَلَى مَنْ يَرِثُ الْوَلَدَ مِنْ الْقَرَابَةِ وَوَلَدُ الْمُكَاتَبَةِ وَالْمُسْتَسْعَاةِ دَاخِلٌ فِي كِتَابَةِ أُمِّهِ فَتَكُونُ نَفَقَتُهُ عَلَيْهَا وَهُوَ مُكَاتَبٌ مِثْلُهَا وَأُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرَةُ نَفَقَةُ أَوْلَادِهِمَا عَلَى مَوْلَاهُمَا وَالْمُكَاتَبُ إذَا اسْتَوْلَدَ جَارِيَةً فَعَلَيْهِ نَفَقَتُهَا وَإِذَا كَانَ الْأَبَوَانِ مُكَاتَبَيْنِ فَوَلَدُهُمَا يَدْخُلُ فِي كِتَابَةِ الْأُمِّ وَنَفَقَتُهُ عَلَى أَبِيهِ.

(قَوْلُهُ وَإِذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ أَمَةً فَبَوَّأَهَا مَوْلَاهَا مَعَهُ فَنَفَقَتُهَا عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يُبَوِّئْهَا مَعَهُ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا) وَالتَّبْوِئَةُ التَّخْلِيَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا فِي مَنْزِلِ الزَّوْجِ وَلَا يَسْتَخْدِمُهَا الْمَوْلَى فَإِنْ اسْتَخْدَمَهَا بَعْدَ التَّبْوِئَةِ سَقَطَتْ النَّفَقَةُ لِفَوَاتِ الِاحْتِبَاسِ وَإِنْ خَدَمَتْهُ أَحْيَانًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَخْدِمَهَا لَا تَسْقُطُ نَفَقَتُهَا وَالْمُدَبَّرَةُ وَأُمُّ الْوَلَدِ فِي هَذَا كَالْأَمَةِ.

(قَوْلُهُ وَنَفَقَةُ الْأَوْلَادِ الصِّغَارِ عَلَى الْأَبِ لَا يُشَارِكُهُ فِيهَا أَحَدٌ كَمَا لَا يُشَارِكُهُ فِي نَفَقَةِ زَوْجَتِهِ أَحَدٌ)

(2/88)


وَيَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا إلَّا إنَّهُ يُعْتَبَرُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ حُرًّا وَالْأَبُ كَذَلِكَ وَأَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ فَقِيرًا؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ فَنَفَقَتُهُ فِي مَالِهِ وَكَذَا يَجِبُ عَلَى الْأَبِ نَفَقَةُ أَوْلَادِهِ الْإِنَاثِ إذَا كُنَّ فُقَرَاءَ وَالذُّكُورِ إذَا كَانُوا زُمَنَاءَ أَوْ عُمْيَانًا أَوْ مَجَانِينَ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى الْكَسْبِ فَإِنْ كَانَ مَالُ الصَّغِيرَةِ غَائِبًا أُمِرَ الْأَبُ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ وَيَرْجِعُ بِهِ فِي مَالِهِ فَإِنْ أَنْفَقَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ أَمْرٍ لَمْ يَرْجِعْ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَشْهَدَ أَنَّهُ يَرْجِعُ وَيَسَعُهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَرْجِعَ وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ إذَا كَانَتْ نِيَّتُهُ أَنْ يَرْجِعَ فَأَمَّا فِي الْقَضَاءِ فَلَا يَرْجِعُ إلَّا أَنْ يُشْهِدَ وَإِذَا كَانَ الصَّغِيرُ مُعْسِرًا وَلَهُ أَبَوَانِ فَنَفَقَتُهُ عَلَى الْأَبِ دُونَ الْأُمِّ فَإِنْ كَانَ الْأَبُ مُعْسِرًا وَالْأُمُّ مُوسِرَةٌ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَأْمُرُ الْأُمَّ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ وَيَكُونُ دَيْنًا عَلَى الْأَبِ تَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ.

(قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ رَضِيعًا فَلَيْسَ عَلَى أُمِّهِ أَنْ تُرْضِعَهُ) ؛ لِأَنَّ إرْضَاعَهُ يَجْرِي مَجْرَى نَفَقَتِهِ وَنَفَقَتُهُ عَلَى الْأَبِ وَقَدْ قِيلَ فِي قَوْله تَعَالَى {لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا} [البقرة: 233] أَيْ بِإِلْزَامِهَا إرْضَاعَهُ مَعَ كَرَاهَتِهَا، وَهَذَا إذَا كَانَ يُوجَدُ فِي الْمَوْضِعِ مَنْ تُرْضِعُهُ غَيْرُهَا أَمَّا إذَا كَانَ لَا يُوجَدُ سِوَاهَا فَإِنَّهَا تُجْبَرُ عَلَى إرْضَاعِهِ صِيَانَةً لَهُ عَنْ الْهَلَاكِ فَعَلَى هَذَا لَا أُجْرَةَ لَهَا (قَوْلُهُ وَيَسْتَأْجِرُ الْأَبُ مَنْ يُرْضِعُهُ عِنْدَهَا) يَعْنِي إذَا أَرَادَتْ ذَلِكَ ثُمَّ إذَا أَرْضَعَتْهُ الظِّئْرُ عِنْدَهَا وَأَرَادَتْ أَنْ تَعُودَ الظِّئْرُ إلَى مَنْزِلِهَا فَلَهَا ذَلِكَ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تَمْكُثَ فِي بَيْتِ الْأُمِّ إذَا لَمْ يَشْرِطْ ذَلِكَ عَلَيْهَا عِنْدَ الْعَقْدِ فَإِنْ اشْتَرَطَ عَلَيْهَا أَنْ يَكُونَ الْإِرْضَاعُ فِي بَيْتِ الْأُمِّ لَزِمَهَا الْوَفَاءُ بِالشَّرْطِ قَالَ فِي الْحُسَامِيَّةِ إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ عَلَى الظِّئْرِ الْإِرْضَاعَ عِنْدَ الْأُمِّ كَانَ لَهَا أَنْ تَحْمِلَ الصَّبِيَّ إلَى مَنْزِلِهَا أَوْ تَقُولَ أَخْرِجُوهُ فَتُرْضِعَهُ عِنْدَ فِنَاءِ دَارِ الْأُمِّ ثُمَّ يُدْخَلَ الْوَلَدُ إلَى أُمِّهِ.

(قَوْلُهُ فَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا، وَهِيَ زَوْجَةٌ أَوْ مُعْتَدَّةٌ لِتُرْضِعَ وَلَدهَا مِنْهُ لَمْ يَجُزْ) ؛ لِأَنَّ الْإِرْضَاعَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهَا دِيَانَةً وَإِنْ لَمْ يَجِبْ فِي الْحُكْمِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ} [البقرة: 233] إلَّا أَنَّهَا عُذِرَتْ لِاحْتِمَالِ عَجْزِهَا فَإِذَا قَدِمَتْ عَلَيْهِ بِالْأُجْرَةِ ظَهَرَتْ قُدْرَتُهَا فَكَانَ الْفِعْلُ وَاجِبًا عَلَيْهَا فَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ أَوْ مُعْتَدَّةً) يَعْنِي مِنْ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ رِوَايَةً وَاحِدَةً؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ قَائِمٌ وَأَمَّا الْمُعْتَدَّةُ مِنْ الْبَائِنِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ وَالصَّحِيحَةُ مِنْهُمَا أَنَّهُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ قَدْ زَالَ فَهِيَ كَالْأَجْنَبِيَّةِ فَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا وَهِيَ مَنْكُوحَتُهُ أَوْ مُعْتَدَّتُهُ مِنْ الرَّجْعِيِّ لِإِرْضَاعِ ابْنِهِ مِنْ غَيْرِهَا جَازَ سَوَاءٌ أَوُجِدَ غَيْرُهَا أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهَا (قَوْلُهُ وَإِنْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَاسْتَأْجَرَهَا عَلَى إرْضَاعِهِ جَازَ) ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ زَالَ بِالْكُلِّيَّةِ وَصَارَتْ أَجْنَبِيَّةً وَقَدْ قَالُوا إنَّ الْأَبَ إذَا الْتَمَسَ مَنْ يُرْضِعُهُ فَأَرَادَتْ الْأُمُّ أَنْ تُرْضِعَهُ فَهِيَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا أَقْوَمُ بِهِ وَأَشْفَقُ عَلَيْهِ فَإِنْ أَرَادَتْ أَنْ تَأْخُذَ أُجْرَةً مَعَ بَقَاءِ النِّكَاحِ لَمْ يَجُزْ (قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَ الْأَبُ لَا أَسْتَأْجِرُهَا وَجَاءَ بِغَيْرِهَا فَرَضِيَتْ الْأُمُّ بِمِثْلِ أُجْرَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ) كَانَتْ أَحَقَّ وَإِنْ الْتَمَسَتْ زِيَادَةً لَمْ يُجْبَرْ الزَّوْجُ عَلَيْهَا دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ} [البقرة: 233] أَيْ بِإِلْزَامِهِ لَهَا أَكْثَرَ مِنْ أُجْرَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ.

(قَوْلُهُ وَتَجِبُ نَفَقَةُ الصَّغِيرِ عَلَى أَبِيهِ) يَعْنِي إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ (قَوْلُهُ وَإِنْ خَالَفَهُ فِي دِينِهِ) صُورَتُهُ ذِمِّيٌّ تَزَوَّجَ ذِمِّيَّةً ثُمَّ أَسْلَمَتْ وَلَهَا مِنْهُ وَلَدٌ

(2/89)


يُحْكَمُ بِإِسْلَامِ الْوَلَدِ تَبَعًا لَهَا وَنَفَقَتُهُ عَلَى الْأَبِ الْكَافِرِ وَكَذَا الصَّبِيُّ إذَا ارْتَدَّ فَارْتِدَادُهُ صَحِيحٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَنَفَقَتُهُ عَلَى الْأَبِ وَكَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْأَبَوَيْنِ وَإِنْ خَالَفَاهُ فِي الدِّينِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15] يَعْنِي الْكَافِرَيْنِ وَحُسْنُ الْمُصَاحَبَةِ أَنْ يُطْعِمَهُمَا إذَا جَاعَا وَيَكْسُوَهُمَا إذَا عَرِيَا وَيُعَاشِرَهُمَا مُعَاشَرَةً جَمِيلَةً وَلَيْسَ مِنْ الْمَعْرُوفِ أَنْ يَعِيشَ بِنِعْمَةِ اللَّهِ وَيَتْرُكَهُمَا يَمُوتَانِ جُوعًا.

(قَوْلُهُ وَإِذَا وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَبَيْنَهُمَا وَلَدٌ صَغِيرٌ فَالْأُمُّ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ) «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَنْكِحِي» وَلِأَنَّهَا أَشْفَقُ وَأَقْدَرُ عَلَى الْحَضَانَةِ مِنْ الْأَبِ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ لِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - حِينَ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ أُمِّ ابْنِهِ عَاصِمٍ وَنَازَعَهَا فِيهِ رِيقُهَا خَيْرٌ لَهُ مِنْ شَهْدٍ وَعَسَلٍ عِنْدَك يَا عُمَرُ قَالَهُ وَالصَّحَابَةُ حَاضِرُونَ وَمُتَوَافِرُونَ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْهُمْ وَرُوِيَ «أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ ابْنِي هَذَا كَانَ بَطْنِي لَهُ وِعَاءً وَحِجْرِي لَهُ حِوَاءً وَثَدْيِي لَهُ سِقَاءً وَزَعَمَ أَبُوهُ أَنَّهُ يَنْزِعُهُ مِنِّي فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَتَزَوَّجِي» وَلَا تُجْبَرُ الْأُمُّ عَلَى الْحَضَانَةِ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَعْجِزُ عَنْهَا (قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ أُمٌّ أَوْ كَانَتْ إلَّا أَنَّهَا تَزَوَّجَتْ فَأُمُّ الْأُمِّ أَوْلَى مِنْ أُمِّ الْأَبِ) يَعْنِي إنَّ أُمَّ الْأُمِّ وَإِنْ بَعُدَتْ أَوْلَى مِنْ أُمِّ الْأَبِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ وَهَذِهِ الْوِلَايَةُ مُسْتَفَادَةٌ مِنْهَا فَمَنْ أَوْلَى بِهَا أَوْلَى (قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَأُمُّ الْأَبِ) وَإِنْ بَعُدَتْ (أَوْلَى مِنْ الْأَخَوَاتِ) ؛ لِأَنَّ لَهَا وِلَايَةً فَهِيَ أَدْخَلُ فِي الْوِلَايَةِ وَأَكْثَرُ شَفَقَةً.
(قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ جَدَّةٌ فَالْأَخَوَاتُ أَوْلَى مِنْ الْعَمَّاتِ وَالْخَالَاتِ) ؛ لِأَنَّهُنَّ أَقْرَبُ؛ لِأَنَّهُنَّ أَوْلَادُ الْأَبَوَيْنِ وَلِهَذَا قُدِّمْنَ فِي الْمِيرَاثِ وَأَوْلَاهُنَّ مَنْ كَانَتْ لِأَبٍ وَأُمٍّ ثُمَّ الْأُخْتُ مِنْ الْأُمِّ أَوْلَى مِنْ الْأُخْتِ لِلْأَبِ وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي الْأُخْتِ مِنْ الْأَبِ وَالْخَالَةِ فَرَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْخَالَةَ أَوْلَى وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَزُفَرُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْخَالَةُ وَالِدَةٌ» وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْأُخْتَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا بِنْتُ الْأَبِ وَالْخَالَةُ بِنْتُ الْجَدِّ وَالْقُرْبَى أَوْلَى وَأَوْلَادُ الْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ أَوْ لِلْأُمِّ أَوْلَى مِنْ الْخَالَاتِ وَالْعَمَّاتِ فِي الرِّوَايَاتِ كُلِّهَا وَأَمَّا أَوْلَادُ الْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ فَالصَّحِيحُ أَنَّ الْخَالَاتِ أَوْلَى مِنْهُنَّ وَالْأُخْتُ مِنْ الْأُمِّ أَوْلَى مِنْ وَلَدِ الْأُخْتِ لِلْأَبِ وَالْأُمُّ وَبَنَاتُ الْأَخِ أَوْلَى مِنْ الْعَمَّاتِ وَالْخَالَاتِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ أَوْلَى مِنْ بَنَاتِ الْأَخِ فَأَمَّا بَنَاتُ الْعَمِّ وَبَنَاتُ الْخَالِ وَبَنَاتُ الْعَمَّةِ وَبَنَاتُ الْخَالَةِ فَلَا حَقَّ لَهُنَّ فِي الْحَضَانَةِ؛ لِأَنَّهُنَّ رَحِمٌ بِلَا مَحْرَمٍ (قَوْلُهُ وَتُقَدَّمُ الْأُخْتُ مِنْ الْأَبِ وَالْأُمِّ ثُمَّ الْأُخْتُ مِنْ الْأُمِّ ثُمَّ الْأُخْتُ مِنْ الْأَبِ ثُمَّ الْخَالَاتُ أَوْلَى مِنْ الْعَمَّاتِ) تَرْجِيحًا بِقَرَابَةِ الْأُمِّ (قَوْلُهُ وَيَنْزِلْنَ كَمَا تَنْزِلُ الْأَخَوَاتُ) أَيْ تُرَجَّحُ ذَوَاتُ قَرَابَتَيْنِ.
(مَسْأَلَةٌ) إذَا قِيلَ لَك مَا الْحِكْمَةُ فِي أَنَّ الْأُمَّ أَشْفَقُ عَلَى الْوَلَدِ مِنْ الْأَبِ وَهُوَ خُلِقَ مِنْ مَائِهِمَا جَمِيعًا فَالْجَوَابُ إنَّ مَاءَ الْأُمِّ مِنْ قُدَّامِهَا مِنْ بَيْنِ تَرَائِبِهَا قَرِيبًا مِنْ الْقَلْبِ الَّذِي هُوَ مَوْضِعُ الشَّفَقَةِ وَمَحِلُّ الْمَحَبَّةِ وَالْأَبُ يَخْرُجُ مَاؤُهُ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ مِنْ الصُّلْبِ وَهُوَ بَعِيدٌ مِنْ الْقَلْبِ الَّذِي هُوَ مَوْضِعُ الشَّفَقَةِ وَالرَّحْمَةِ فَإِنْ قِيلَ وَمَا الْحِكْمَةُ فِي أَنَّ الْوَلَدَ يُنْسَبُ إلَى الْأَبِ دُونَ الْأُمِّ قِيلَ؛ لِأَنَّ مَاءَ الْأُمِّ يُخْلَقُ مِنْهُ الْحُسْنُ فِي الْوَلَدِ وَالسِّمَنُ وَالْهُزَالُ وَالشَّعْرُ وَاللَّحْمُ وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ لَا تَدُومُ فِي الْوَلَدِ بَلْ تَزُولُ وَتَتَغَيَّرُ وَتَذْهَبُ وَمَاءُ الرَّجُلِ يُخْلَقُ مِنْهُ الْعَظْمُ وَالْعَصَبُ وَالْعُرُوقُ وَالْمَفَاصِلُ وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ لَا تَزُولُ مِنْهُ وَلَا تُفَارِقُهُ إلَى أَنْ يَمُوتَ (قَوْلُهُ وَكُلّ مَنْ تَزَوَّجَتْ مِنْ هَؤُلَاءِ سَقَطَ حَقُّهَا) أَيْ تَزَوَّجَتْ بِأَجْنَبِيٍّ مِنْ الصَّبِيِّ فَإِنَّهُ تَسْقُطُ حَضَانَتُهَا وَتَصِيرُ كَالْمَيِّتَةِ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ يَلْحَقُهُ الْجَفَاءُ مِنْ زَوْجِ أُمِّهِ إذَا كَانَ أَجْنَبِيًّا؛ لِأَنَّهُ يَنْظُرُ إلَيْهِ شَزْرًا وَيُعْطِيهِ نَزْرًا الشَّزْرُ نَظَرُ الْغَضْبَانِ بِمُؤَخِّرِ الْعَيْنِ وَالنَّزْرُ الشَّيْءُ الْقَلِيلُ جِدًّا وَكُلُّ مَنْ سَقَطَ حَقُّهَا مِنْ هَؤُلَاءِ بِالتَّزْوِيجِ فَمَاتَ عَنْهَا زَوْجُهَا أَوْ أَبَانَهَا عَادَ حَقُّهَا لِزَوَالِ الْمَانِعِ (قَوْلُهُ إلَّا الْجَدَّةَ إذَا كَانَ زَوْجُهَا الْجَدَّ) وَصُورَتُهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ مَنْ لَهُ أَبٌ بِمَنْ لَهَا أُمٌّ فَتَأْتِيَ بِوَلَدٍ فَتَمُوتَ الزَّوْجَةُ فَحَضَانَتُهَا لِأُمِّهَا فَإِذَا تَزَوَّجَتْ سَقَطَ حَقُّهَا إلَّا أَنْ تَتَزَوَّجَ جَدَّ الطِّفْلِ الَّذِي هُوَ أَبُو زَوْجِ بِنْتِهَا وَكَذَا إذَا تَزَوَّجَتْ الْأُمُّ عَمَّ الطِّفْلِ أَوْ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ.

(2/90)


مِنْهُ مِمَّنْ لَهُ حَضَانَتُهُ لَمْ يَسْقُطْ حَقُّهَا لِقِيَامِ الشَّفَقَةِ.

(قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلصَّبِيِّ امْرَأَةٌ مِنْ أَهْلِهِ وَاخْتَصَمَ فِيهِ الرِّجَالُ فَأَوْلَاهُمْ بِهِ أَقْرَبُهُمْ تَعْصِيبًا) وَكَذَا إذَا اسْتَغْنَى الصَّبِيُّ بِنَفْسِهِ أَوْ بَلَغَتْ الْجَارِيَةُ فَالْعَصَبَات أَوْلَى بِهِمَا عَلَى التَّرْتِيبِ فِي الْقَرَابَةِ وَالْأَقْرَبُ الْأَبُ ثُمَّ الْجَدُّ أَبُو الْأَبِ ثُمَّ الْأَخُ لِلْأَبَوَيْنِ ثُمَّ الْأَخُ لِلْأَبِ كَمَا فِي الْمِيرَاثِ وَإِذَا اجْتَمَعَ مُسْتَحِقُّو الْحَضَانَةِ فِي دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ فَأَوْرَعُهُمْ أَوْلَى ثُمَّ أَكْبَرُهُمْ سِنًّا وَلَا حَقَّ لِابْنِ الْعَمِّ وَابْنِ الْخَالِ فِي كَفَالَةِ الْجَارِيَةِ وَلَهُمَا حَقٌّ فِي كَفَالَةِ الْغُلَامِ؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا بِمَحْرَمٍ لَهَا فَلَا يُؤْمَنَانِ عَلَيْهَا.

(قَوْلُهُ وَالْأُمُّ وَالْجَدَّةُ أَحَقُّ بِالْغُلَامِ حَتَّى يَأْكُلَ وَحْدَهُ وَيَشْرَبَ وَحْدَهُ وَيَلْبَسَ وَحْدَهُ وَيَسْتَنْجِيَ وَحْدَهُ) قَدَّرَهُ الْخَصَّافُ بِسَبْعِ سِنِينَ اعْتِبَارًا لِلْغَالِبِ وَالْمُرَادُ بِالِاسْتِنْجَاءِ أَنْ يُطَهِّرَ نَفْسَهُ مِنْ النَّجَاسَاتِ؛ لِأَنَّهُ يُؤْمَرُ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعِ سِنِينَ وَفِي الْخُجَنْدِيِّ قَالَ وَالْأُمُّ وَالْجَدَّاتُ بِلَفْظِ الْجَمْعِ أَحَقُّ بِالْغُلَامِ وَهُنَا بِلَفْظِ الْوَاحِدِ؛ لِأَنَّهُنَّ جِنْسٌ وَاحِدٌ وَفِي الْكَرْخِيِّ وَالْأُمُّ وَالْجَدَّتَانِ وَلِأَنَّ الْوَلَدَ إذَا بَلَغَ هَذَا الْمَبْلَغَ اسْتَغْنَى عَنْ قِيَامِ النِّسَاءِ وَاحْتَاجَ إلَى التَّأْدِيبِ وَالتَّخَلُّقِ بِأَخْلَاقِ الرِّجَالِ وَالْأَبُ أَقْدَرُ عَلَى التَّأْدِيبِ وَالتَّثْقِيفِ (قَوْلُهُ وَبِالْجَارِيَةِ حَتَّى تَحِيضَ) وَعَنْ مُحَمَّدٍ حَتَّى تَبْلُغَ حَدَّ الشَّهْوَةِ قَالَ أَبُو اللَّيْثِ لَا تُشْتَهَى مَا لَمْ تَبْلُغْ سَبْعَ سِنِينَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَمَنْ بَلَغَ مَعْتُوهًا كَانَ عِنْدَ الْأُمِّ سَوَاءٌ كَانَ ابْنًا أَوْ بِنْتًا قَالَ الْخُجَنْدِيُّ إذَا كَانَ لِلرَّجُلِ بِنْتٌ بَالِغَةٌ وَطَلَبَتْ الِانْفِرَادَ مِنْهُ إنْ كَانَتْ ثَيِّبًا وَهِيَ مَأْمُونَةٌ عَلَى نَفْسِهَا وَلَهَا رَأْيٌ فَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَأْمُونَةٍ ضَمَّهَا إلَى نَفْسِهِ وَإِنْ كَرِهَتْ وَأَمَّا إذَا كَانَتْ بِكْرًا فَلَهُ مَنْعُهَا مِنْ الِانْفِرَادِ وَإِنْ كَانَتْ مَأْمُونَةً وَإِذَا اخْتَلَفَ الْأُمُّ وَالْأَبُ فِي الْوَلَدِ لَمْ يُخَيَّرْ قَبْلَ الْبُلُوغِ عِنْدَنَا.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُخَيَّرُ الْغُلَامُ وَالْجَارِيَةُ إذَا عَقَلَا التَّخْيِيرَ لَنَا أَنَّ مَصَالِحَ الصَّغِيرِ لَا يُرْجَعُ فِيهَا إلَى اخْتِيَارِهِ كَمَصَالِحِ مَالِهِ وَلِأَنَّهُ يَخْتَارُ مَنْ يُخْلِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّعِبِ وَيَتْرُكُ تَأْدِيبَهُ فَلَا يَتَحَقَّقُ النَّظَرُ وَأَمَّا مَا رُوِيَ «أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ إنَّ هَذَا يُرِيدُ أَنْ يَنْتَزِعَ ابْنَهُ مِنِّي وَإِنَّهُ قَدْ نَفَعَنِي وَسَقَانِي مِنْ بِئْرِ أَبِي عُتْبَةَ فَقَالَ اسْتَهِمَا عَلَيْهِ فَقَالَ الرَّجُلُ مَنْ يُشَاقُّنِي فِي ابْنِي فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِلْغُلَامِ اخْتَرْ أَيَّهُمَا شِئْت فَاخْتَارَهَا فَأَعْطَاهَا إيَّاهُ» فَقَدْ رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ اللَّهُمَّ اهْدِهِ» فَوُفِّقَ لِاخْتِيَارِهِ إلَّا نَظَرَ بِدُعَاءِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ بَالِغٌ؛ لِأَنَّهَا قَالَتْ نَفَعَنِي أَيْ اكْتَسَبَ عَلَيَّ وَقِيلَ إنَّ بِئْرَ أَبِي عُتْبَةَ لَا يُمْكِنُ الصَّغِيرَ الِاسْتِسْقَاءُ مِنْهَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَيْسَ لِلْأَبِ أَنْ يَأْخُذَ الصَّغِيرَ مِنْ أُمِّهِ وَيُسَافِرَ بِهِ قَبْلَ بُلُوغِ الْحَدِّ الَّذِي يَجُوزُ لَهُ أَخْذُهُ فِيهِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَهُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَمَنْ سِوَى الْأُمِّ وَالْجَدَّةِ أَحَقُّ بِالْجَارِيَةِ حَتَّى تَبْلُغَ حَدًّا تُشْتَهَى) ؛ لِأَنَّ حَقَّ هَؤُلَاءِ لَا يَسْتَحِقُّ بِالْوِلَادَةِ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لَهُمْ مَا دَامَ الصَّغِيرُ يَحْتَاجُ إلَى الْحَضَانَةِ فَإِذَا اسْتَغْنَى عَنْهَا زَالَ ذَلِكَ الْمَعْنَى.

(قَوْلُهُ وَالْأَمَةُ إذَا أَعْتَقَهَا مَوْلَاهَا وَأُمُّ الْوَلَدِ إذَا أُعْتِقَتْ فَهِيَ فِي الْوَلَدِ كَالْحُرَّةِ) يَعْنِي فِي الْحَضَانَةِ (قَوْلُهُ وَلَيْسَ لِلْأَمَةِ وَأُمِّ الْوَلَدِ قَبْلَ الْعِتْقِ حَقٌّ فِي الْوَلَدِ) ؛ لِأَنَّ الْحَضَانَةَ ضَرْبٌ مِنْ الْوِلَايَةِ وَلَا حَقَّ لِلْإِمَاءِ فِي الْوِلَايَةِ وَلِأَنَّ مَنَافِعَهُمَا عَلَى مِلْكِ الْمَوْلَى وَبِالِاشْتِغَالِ بِالْحَضَانَةِ تَنْقَطِعُ خِدْمَةُ الْمَوْلَى ثُمَّ الْمَوْلَى إذَا أَعْتَقَ أُمَّ وَلَدِهِ وَلَهَا مِنْهُ وَلَدٌ فَهِيَ أَوْلَى بِحَضَانَتِهِ.

(قَوْلُهُ وَالذِّمِّيَّةُ أَحَقُّ بِوَلَدِهَا مِنْ زَوْجِهَا الْمُسْلِمِ مَا لَمْ يَعْقِلْ الْأَدْيَانَ وَيُخَافُ عَلَيْهِ أَنْ يَأْلَفَ الْكُفْرَ) سَوَاءٌ كَانَ الْوَلَدُ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى وَصُورَتُهُ أَنْ يُسْلِمَ الزَّوْجُ فَتَقَعَ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُرِيدُ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ عِنْدَهُ فَهِيَ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ يَعْقِلْ الْأَدْيَانَ؛ لِأَنَّهُ مَتَى عَقَلَ

(2/91)


عَوَّدَتْهُ أَخْلَاقَ الْكُفْرِ وَفِي ذَلِكَ
ضَرَرٌ عَلَيْهِ.

(قَوْلُهُ وَإِذَا أَرَادَتْ الْمُطَلَّقَةُ أَنْ تَخْرُجَ بِوَلَدِهَا مِنْ الْمِصْرِ فَلَيْسَ لَهَا ذَلِكَ إلَّا أَنْ تُخْرِجَهُ إلَى وَطَنِهَا وَقَدْ كَانَ الزَّوْجُ تَزَوَّجَهَا فِيهِ) ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ إذَا تَزَوَّجَ فِي بَلَدِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُقِيمُ فِيهِ فَقَدْ الْتَزَمَ لَهَا الْمُقَامَ فِي بَلَدِهَا وَإِذَا أَرَادَتْ أَنْ تَنْقُلَهُ إلَى بَلَدِهَا وَقَدْ وَقَعَ النِّكَاحُ فِي غَيْرِهِ فَلَيْسَ لَهَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ الْمُقَامَ فِي بَلَدِهَا فَلَا يَجُوزُ لَهَا التَّفْرِيقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَلَدِهِ مِنْ غَيْرِ الْتِزَامِهِ وَلَا يَجُوزُ لَهَا أَيْضًا أَنْ تَنْقُلَهُ إلَى الْبَلَدِ الَّذِي تَزَوَّجَهَا فِيهِ؛ لِأَنَّهُ دَارُ غُرْبَةٍ هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ بَيْنَ الْبَلَدَيْنِ تَفَاوُتٌ أَمَّا إذَا تَقَارَبَا بِحَيْثُ يُمْكِنُ الْأَبَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَى وَلَدِهِ وَيَبِيتَ فِي بَيْتِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ.

(قَوْلُهُ وَعَلَى الرَّجُلِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى أَبَوَيْهِ وَأَجْدَادِهِ وَجَدَّاتِهِ إذَا كَانُوا فُقَرَاءَ وَإِنْ خَالَفُوهُ فِي دِينِهِ) وَيَعْتَبِرَ فِيهِمْ الْفَقْرَ وَلَا تَعْتَبِرَ الزَّمَانَةَ وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْأَجْدَادُ وَالْجَدَّاتُ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ أَوْ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ فَإِنْ كَانَ الِابْنُ فَقِيرًا وَالْأَبُ فَقِيرًا إلَّا أَنَّهُ صَحِيحُ الْبَدَنِ لَمْ يُجْبَرْ الِابْنُ عَلَى نَفَقَتِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْأَبُ زَمِنًا لَا يَقْدِرُ عَلَى الْكَسْبِ فَإِنَّهُ يُشَارِكُ الِابْنَ فِي نَفَقَتِهِ وَأَمَّا الْأُمُّ إذَا كَانَتْ فَقِيرَةً فَإِنَّهُ يَلْزَمُ الِابْنَ نَفَقَتُهَا وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا، وَهِيَ غَيْرُ زَمِنَةٍ؛ لِأَنَّهَا لَا تَقْدِرُ عَلَى الْكَسْبِ وَإِذَا كَانَ الِابْنُ يَقْدِرُ عَلَى نَفَقَةِ أَحَدِ أَبَوَيْهِ وَلَا يَقْدِرُ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا فَالْأُمُّ أَحَقُّ؛ لِأَنَّهَا لَا تَقْدِرُ عَلَى الْكَسْبِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْأَبُ أَحَقُّ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الِابْنِ فِي صِغَرِهِ دُونَ الْأُمِّ وَقِيلَ يَقْسِمُهَا بَيْنَهُمَا وَإِنْ كَانَ لِلرَّجُلِ أَبٌ وَابْنٌ صَغِيرٌ وَهُوَ لَا يَقْدِرُ إلَّا عَلَى نَفَقَةِ أَحَدِهِمَا فَالِابْنُ أَحَقُّ وَقِيلَ يُجْعَلُ بَيْنَهُمَا وَإِنْ كَانَ لَهُ أَبَوَانِ وَهُوَ لَا يَقْدِرُ عَلَى نَفَقَةِ أَحَدٍ مِنْهُمَا فَإِنَّهُمَا يَأْكُلَانِ مَعَهُ مَا أَكَلَ وَإِنْ احْتَاجَ الْأَبُ إلَى زَوْجَةٍ وَالِابْنُ مُوسِرٌ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُزَوِّجَهُ أَوْ يَشْتَرِيَ لَهُ جَارِيَةً وَيَلْزَمُهُ نَفَقَتُهَا وَكِسْوَتُهَا كَمَا يَجِبُ نَفَقَةُ الْأَبِ وَكِسْوَتُهُ فَإِنْ كَانَ لِلْأَبِ أُمُّ وَلَدٍ لَزِمَ الِابْنَ نَفَقَتُهَا أَيْضًا وَإِنْ كَانَ لِلْأَبِ زَوْجَتَانِ أَوْ أَكْثَرُ لَمْ يَلْزَمْ الِابْنَ إلَّا نَفَقَةٌ وَاحِدَةٌ وَيَدْفَعُهَا إلَى الْأَبِ وَهُوَ يُوَزِّعُهَا عَلَيْهِنَّ وَقَوْلُهُ وَإِنْ خَالَفُوهُ فِي دِينِهِ يَعْنِي إذَا كَانَا ذِمِّيَّيْنِ أَمَّا إذَا كَانَا حَرْبِيَّيْنِ لَا يَجِبُ وَإِنْ كَانَا مُسْتَأْمِنَيْنِ؛ لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْ بِرِّ مَنْ يُقَاتِلُنَا فِي الدِّينِ (قَوْلُهُ وَلَا تَجِبُ نَفَقَةٌ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ إلَّا لِلزَّوْجَةِ وَالْأَبَوَيْنِ وَالْأَجْدَادِ وَالْجَدَّاتِ وَالْوَلَدِ وَوَلَدِ الْوَلَدِ) وَلَا تَجِبُ عَلَى النَّصْرَانِيِّ نَفَقَةُ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ وَلَا عَلَى الْمُسْلِمِ نَفَقَةُ أَخِيهِ النَّصْرَانِيِّ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْإِرْثِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233] بِخِلَافِ الْعِتْقِ عِنْدَ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِالْقَرَابَةِ وَالْمَحْرَمِيَّةِ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ عَتَقَ عَلَيْهِ» (قَوْلُهُ وَلَا يُشَارِكُ الْوَلَدَ فِي نَفَقَةِ أَبَوَيْهِ أَحَدٌ) مِثْلُ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَبٌ غَنِيٌّ وَابْنٌ غَنِيٌّ فَنَفَقَتُهُ عَلَى الِابْنِ دُونَ الْأَبِ؛ لِأَنَّ مَالَ الِابْنِ مُضَافٌ إلَى الْأَبِ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك» وَهِيَ عَلَى الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ بِالسَّوِيَّةِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى يَشْمَلُهُمَا، وَلَوْ كَانَ لَهُ ابْنٌ وَابْنُ ابْنٍ فَنَفَقَتُهُ عَلَى الِابْنِ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ وَإِنْ كَانَ

(2/92)


الِابْنُ صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا فَنَفَقَةُ هَؤُلَاءِ تُقَدَّرُ فِي مَالِهِ.

(قَوْلُهُ وَالنَّفَقَةُ لِكُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ إذَا كَانَ صَغِيرًا فَقِيرًا أَوْ كَانَتْ امْرَأَةٌ بَالِغَةً فَقِيرَةَ أَوْ كَانَ ذَكَرًا زَمِنًا أَوْ أَعْمَى فَقِيرًا أَوْ مَجْنُونًا فَقِيرًا فَيَجِبُ ذَلِكَ عَلَى قَدْرِ الْمِيرَاثِ) .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تَجِبُ النَّفَقَةُ إلَّا لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَوْلَادِ ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ الْحَاجَةِ وَالصِّغَرِ وَالْأُنُوثَةِ وَالزَّمَانَةِ وَالْعَمَى لِتَحَقُّقِ الْعَجْزِ عَنْ الْكَسْبِ بِخِلَافِ الْأَبَوَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يَلْحَقُهُمَا تَعَبُ الْكَسْبِ وَالِابْنُ مَأْمُورٌ بِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُمَا فَتَجِبُ نَفَقَتُهُمَا مَعَ قُدْرَتِهِمَا عَلَى الْكَسْبِ وَلَا تَجِبُ نَفَقَةُ ذَوِي الْأَرْحَامِ إلَّا عَلَى الْغَنِيِّ؛ لِأَنَّهَا صِلَةٌ فَإِذَا كَانَ فَقِيرًا فَهُوَ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى صِلَةِ الرَّحِمِ وَاخْتَلَفُوا فِي حَدِّ الْغَنِيِّ فِي ذَلِكَ فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ هُوَ مُقَدَّرٌ بِالنِّصَابِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ بِمَا يَفْضُلُ عَنْ نَفَقَةِ نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ شَهْرًا وَلَا مَعْنَى لِاعْتِبَارِ النِّصَابِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُعْتَبَرٌ فِي حُقُوقِ اللَّهِ الْمَالِيَّةِ، وَهَذَا حَقٌّ آدَمِيٌّ فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ النِّصَابُ وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْإِمْكَانُ (قَوْلُهُ فَيَجِبُ ذَلِكَ عَلَى قَدْرِ الْمِيرَاثِ) كَمَا إذَا كَانَ لَهُ جَدٌّ وَابْنُ ابْنٍ فَعَلَى الْجَدِّ سُدُسُ النَّفَقَةِ وَالْبَاقِي عَلَى ابْنِ الِابْنِ وَإِنْ كَانَ لَهُ أُمٌّ وَأَخٌ أَوْ أُمٌّ وَعَمٌّ فَعَلَى الْأُمِّ الثُّلُثُ وَالْبَاقِي عَلَى الْأَخِ إذَا كَانَ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ، وَلَوْ كَانَ لِلرَّجُلِ ثَلَاثَةُ إخْوَةٍ مُتَفَرِّقُونَ وَلَهُ ابْنٌ صَغِيرٌ مُعْسِرٌ أَوْ كَبِيرٌ زَمِنٌ فَنَفَقَتُهُ عَلَى أَخِيهِ مِنْ أَبِيهِ وَأُمِّهِ وَعَلَى أَخِيهِ مِنْ أُمِّهِ أَسْدَاسًا وَنَفَقَةُ الْوَلَدِ عَلَى الْأَخِ مِنْ الْأَبِ وَالْأُمِّ خَاصَّةً، وَلَوْ كَانَ الْأَبُ مُعْسِرًا زَمِنًا وَلَهُ ابْنٌ صَغِيرٌ وَلَهُ أَخٌ مُوسِرٌ فُرِضَتْ نَفَقَتُهُ عَلَى عَمِّهِ وَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ مُعْسِرًا وَلَهُ زَوْجَةٌ وَلِلزَّوْجَةِ أَخٌ مُوسِرٌ أُجْبِرَ أَخُوهَا عَلَى نَفَقَتِهَا وَيَكُونُ ذَلِكَ دَيْنًا عَلَى الزَّوْجِ يَتْبَعُهُ بِهِ إذَا أَيْسَرَ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ لَا يُشَارِكُهُ فِي نَفَقَةِ زَوْجَتِهِ أَحَدٌ، وَلَوْ كَانَ لِلرَّجُلِ عَمٌّ وَخَالٌ فَالنَّفَقَةُ عَلَى الْعَمِّ؛ لِأَنَّهُ وَارِثٌ وَإِنْ كَانَ لَهُ خَالٌ وَابْنُ عَمٍّ فَالنَّفَقَةُ عَلَى الْخَالِ؛ لِأَنَّهُ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ، وَلَوْ كَانَ لَهُ عَمَّةٌ وَخَالَةً وَابْنُ عَمٍّ فَعَلَى الْخَالَةِ الثُّلُثُ وَعَلَى الْعَمَّةِ الثُّلُثَانِ؛ لِأَنَّ رَحِمَ ابْنِ الْعَمِّ غَيْرُ كَامِلٍ وَإِذَا كَانَ لَهُ ثَلَاثُ أَخَوَاتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ وَابْنُ عَمٍّ فَالنَّفَقَةُ عَلَى الْأَخَوَاتِ أَخْمَاسًا عَلَى قَدْرِ الْمِيرَاثِ، وَلَوْ كَانَ لَهُ إخْوَةٌ مُتَفَرِّقُونَ فَالنَّفَقَةُ عَلَى الْأَخِ مِنْ الْأَبِ وَالْأُمِّ وَعَلَى الْأَخِ مِنْ الْأُمِّ أَسْدَاسًا؛ لِأَنَّ الْأَخَ مِنْ الْأَبِ لَا يَرِثُ مَعَهُمَا.

(قَوْلُهُ وَتَجِبُ نَفَقَةُ الِابْنِ الزَّمِنِ وَالِابْنَةِ الْبَالِغَةِ عَلَى الْأَبَوَيْنِ ثَلَاثًا عَلَى الْأَبِ الثُّلُثَانِ وَعَلَى الْأُمِّ الثُّلُثُ) اعْتِبَارًا لِلْمِيرَاثِ وَهَذِهِ رِوَايَةُ

(2/93)


الْخَصَّافِ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كُلُّ النَّفَقَةِ عَلَى الْأَبِ (قَوْلُهُ وَلَا تَجِبُ نَفَقَتُهُمْ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ) لِبُطْلَانِ أَهْلِيَّةِ الْإِرْثِ وَالضَّمِيرُ فِي نَفَقَتِهِمْ رَاجِعٌ إلَى غَيْرِ الِابْنَةِ الْبَالِغَةِ وَالِابْنِ الزَّمِنِ كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَ فِي شَرْحِ الْقُدُورِيِّ وَيُجْبَرُ الْكَافِرُ عَلَى نَفَقَةِ ابْنَتِهِ الْمُسْلِمَةِ وَيُجْبَرُ الْمُسْلِمُ عَلَى نَفَقَةِ ابْنَتِهِ النَّصْرَانِيَّةِ وَوَجْهُهُ أَنَّ هَذَا لِرَحِمٍ مُتَأَكِّدٍ فَتَجِبُ صِلَتُهُ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ.

(قَوْلُهُ وَلَا تَجِبُ عَلَى فَقِيرٍ) ؛ لِأَنَّهَا تَجِبُ صِلَةً وَالْفَقِيرُ يَسْتَحِقُّهَا عَلَى غَيْرِهِ فَكَيْفَ تَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ بِخِلَافِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ وَالْوَلَدِ الصَّغِيرِ وَقَدْ قَالُوا إنَّ الْعَبْدَ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ وَلَدِهِ الْحُرِّ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ وَلَا يَدَ وَلِأَنَّ إكْسَابَهُ لِمَوْلَاهُ وَكَذَا لَا تَجِبُ عَلَى الْحُرِّ نَفَقَةُ وَلَدِهِ الْمَمْلُوكِ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُ الْغَيْرِ.

(قَوْلُهُ وَإِذَا كَانَ لِلِابْنِ الْغَائِبِ مَالٌ قُضِيَ فِيهِ بِنَفَقَةِ أَبَوَيْهِ) وَلَا يُنْفَقُ مِنْ مَالِ الْغَائِبِ إلَّا عَلَى الْأَبَوَيْنِ وَالزَّوْجَةِ وَالْوَلَدِ الصَّغِيرِ وَلِلْأَبِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ مَالِ الِابْنِ الْغَائِبِ إذَا كَانَ مُحْتَاجًا؛ لِأَنَّ لَهُ شُبْهَةَ مِلْكٍ فِي مَالِهِ.

(قَوْلُهُ فَإِنْ بَاعَ أَبَوَاهُ مَتَاعَهُ فِي نَفَقَتِهِمَا جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَإِنَّمَا يَتَوَلَّى الْبَيْعَ الْأَبُ دُونَ الْأُمِّ أَمَّا الْأُمُّ إذَا انْفَرَدَتْ لَا تَتَوَلَّاهُ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْأَبِ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ لِانْقِطَاعِهَا بِالْبُلُوغِ وَقَدْ قَالَ مُحَمَّدٌ إنَّ الْقَاضِيَ لَا يَبِيعُ لِلْأَبِ الْعُرُوضَ وَلَكِنْ لَا يَتَعَرَّضُ عَلَيْهِ فِي بَيْعِهَا (قَوْلُهُ وَإِنْ بَاعَ الْعَقَارَ لَمْ يَجُزْ) يَعْنِي بِالْإِجْمَاعِ.

(قَوْلُهُ وَإِذَا كَانَ لِلِابْنِ الْغَائِبِ مَالٌ فِي يَدِ أَبَوَيْهِ فَأَنْفَقَا مِنْهُ لَمْ يَضْمَنَا) ؛ لِأَنَّهُمَا اسْتَوْفَيَا حَقَّهُمَا

(قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ فِي يَدِ أَجْنَبِيٍّ وَأَنْفَقَ عَلَيْهِمَا مِنْهُ بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي ضَمِنَ) ؛ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي مَالِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ وِلَايَةٍ فَلَزِمَهُ الضَّمَانُ.

(قَوْلُهُ وَإِذَا قَضَى الْقَاضِي لِلْوَلَدِ وَالْوَالِدَيْنِ وَذَوِي الْأَرْحَامِ بِالنَّفَقَةِ فَمَضَتْ مُدَّةٌ سَقَطَتْ) ؛ لِأَنَّ نَفَقَتَهُمْ تَجِبُ كِفَايَةً لِلْحَاجَةِ حَتَّى لَا تَجِبَ مَعَ الْيَسَارِ وَقَدْ حَصَلَتْ الْكِفَايَةُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ بِخِلَافِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ إذَا قَضَى بِهَا؛ لِأَنَّهَا تَجِبُ مَعَ يَسَارِهَا فَلَا تَسْقُطُ (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ الْقَاضِي فِي الِاسْتِدَانَةِ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّ لِلْقَاضِي وِلَايَةً عَلَيْهِ فَصَارَ إذْنُهُ كَأَمْرِ الْغَائِبِ فَيَصِيرُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ فَلَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ وَكَانَ لَهُمْ الرُّجُوعُ بِهِ، وَلَوْ أَنَّ عَبْدًا صَغِيرًا أَعْتَقَهُ مَوْلَاهُ وَلَا شَيْءَ لَهُ فَإِنَّهُ يُنْفِقُ

(2/94)


عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ قَرَابَةٌ أَغْنِيَاءُ.

(قَوْلُهُ وَعَلَى الْمَوْلَى أَنْ يُنْفِقَ عَلَى عَبْدِهِ وَأَمَتِهِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الْمَمَالِيكِ «إنَّهُمْ إخْوَانُكُمْ جَعَلَهُمْ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ أَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ وَأَلْبِسُوهُمْ مِمَّا تَلْبَسُونَ وَلَا تُعَذِّبُوا عِبَادَ اللَّهِ» وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْقِنُّ وَالْمُدَبَّرُ وَأُمُّ الْوَلَدِ صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا مَرْهُونًا أَوْ مُؤْجَرًا وَيَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى شِرَاءُ الْمَاءِ لِلطَّهَارَةِ لِرَقِيقِهِ وَلَا تَجِبُ نَفَقَةُ الْمُكَاتَبِ عَلَى سَيِّدِهِ وَإِذَا كَانَ لِلرَّجُلِ عَبِيدٌ اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يُسَوِّيَ بَيْنَهُمْ فِي الطَّعَامِ وَالْإِدَامِ وَالْكِسْوَةِ وَتَكُونُ مِنْ غَالِبِ قُوتِ الْبَلَدِ وَإِدَامِهِ وَإِذَا وَلَدَتْ أَمَتُهُ مِنْهُ فَلَهُ أَنْ يُجْبِرَهَا عَلَى إرْضَاعِ الْوَلَدِ بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ؛ لِأَنَّ لَبَنَهَا وَمَنَافِعَهَا لَهُ فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُسَلِّمَ الْوَلَدَ إلَى غَيْرِهَا وَأَرَادَتْ هِيَ إرْضَاعَهُ فَلَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا مِلْكُهُ وَقَدْ يُرِيدُ الِاسْتِمْتَاعَ بِهَا أَوْ خِدْمَتَهَا وَقِيلَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَفْرِيقًا بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ وَلَدِهَا (قَوْلُهُ فَإِنْ امْتَنَعَ وَكَانَ لَهُمَا كَسْبٌ اكْتَسَبَا وَأَنْفَقَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا) ؛ لِأَنَّ فِيهِ نَظَرًا لِلْجَانِبَيْنِ بَقَاءَ الْمَمْلُوكِ حَيًّا وَبَقَاءَ مِلْكِ الْمَالِكِ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَفِ كَسْبَهُمَا بِنَفَقَتِهِمَا فَالْبَاقِي عَلَى الْمَوْلَى وَإِذَا امْتَنَعَ الْمَوْلَى مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَى الْعَبْدِ فَلِلْعَبْدِ أَنْ يَأْخُذَ بِيَدِهِ مِنْ مَالِ الْمَوْلَى وَيَأْكُلَ إذَا لَمْ يَكُنْ مُكْتَسِبًا فَإِنْ كَانَ مُكْتَسِبًا لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ مُشْتَرَكًا فَامْتَنَعَ أَحَدُهُمَا أَنْفَقَ الثَّانِي وَرَجَعَ عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا كَسْبٌ أُجْبِرَ الْمَوْلَى عَلَى نَفَقَتِهِمَا أَوْ بَيْعِهِمَا) وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ زَمِنًا وَالْجَارِيَةُ لَا يُؤَجَّرُ مِثْلُهَا؛ لِأَنَّ فِي بَيْعِهِمَا إيفَاءَ حَقِّهِمَا وَحَقِّ الْمَوْلَى بِالْعِوَضِ وَلَا يَجُوزُ لِلْمَوْلَى تَكْلِيفُ الْعَبْدِ مَا لَا يُطِيقُ مِنْ الْعَمَلِ وَيُسْتَحَبُّ إذَا اسْتَخْدَمَهُ نَهَارًا أَنْ يَتْرُكَهُ لَيْلًا وَكَذَا بِالْعَكْسِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ بِالْقَيْلُولَةِ فِي أَيَّامِ الصَّيْفِ إذَا أَعْيَا عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ وَعَلَى الْعَبْدِ بَذْلُ الْمَجْهُودِ فِي الْخِدْمَةِ وَالنَّصِيحَةِ وَتَرَكَ الْكَسَلِ وَمَنْ مَلَكَ بَهِيمَةً لَزِمَهُ عَلْفُهَا وَسَقْيُهَا فَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ الِاسْتِحْقَاقِ وَلَا يُجْبَرُ عَلَى بَيْعِهَا إلَّا أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِهِ دِيَانَةً فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى طَرِيقِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ إمَّا بِالْإِنْفَاقِ وَإِمَّا بِالْبَيْعِ؛ لِأَنَّ فِي تَرْكِ الْإِنْفَاقِ تَعْذِيبًا لَهَا وَقَدْ «نَهَى النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ» وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَيُكْرَهُ الِاسْتِقْصَاءُ فِي حَلْبِ الْبَهِيمَةِ إذَا كَانَ ذَلِكَ يَضُرُّ بِهَا لِقِلَّةِ الْعَلَفِ وَيُكْرَهُ تَرْكُ الْحَلْبِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ يَضُرُّ بِالْبَهِيمَةِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُصَّ الْحَالِبَ أَظْفَارَهُ لِئَلَّا يُؤْذِيَهَا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَأْخُذَ مِنْ لَبَنِهَا إلَّا مَا فَضَلَ عَنْ وَلَدِهَا مَا دَامَ لَا يَأْكُلُ غَيْرُهُ وَيُكْرَهُ تَكْلِيفُ الدَّابَّةِ مَا لَا تُطِيقُهُ مِنْ تَثْقِيلِ الْحِمْلِ وَإِدَامَةِ السَّيْرِ وَغَيْرِهِ وَكَذَا إذَا كَانَ لَهُ نَحْلٌ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُبْقِيَ لَهَا فِي كُورَاتِهَا شَيْئًا مِنْ الْعَسَلِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُون ذَلِكَ فِي الشِّتَاءِ أَكْثَرَ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهَا الْخُرُوجُ فِي أَيَّامِ الشِّتَاءِ وَإِنْ قَامَ شَيْءٌ بِغَدَائِهَا مَقَامَ الْعَسَلِ لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ إبْقَاءُ الْعَسَلِ، وَلَوْ كَانَتْ الدَّابَّةُ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ فَامْتَنَعَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا أُجْبِرَ عَلَى ذَلِكَ.

[مَسْأَلَةٌ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فَجَاءَ رَجُلٌ إلَيْهَا وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ وَقَالَ لَهَا أَنَا أُنْفِقُ عَلَيْك مَا دُمْت فِي الْعِدَّةِ]
(مَسْأَلَةٌ) قَالَ فِي الْوَاقِعَاتِ رَجُلٌ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ طَلَاقًا بَائِنًا فَجَاءَ رَجُلٌ إلَيْهَا، وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ وَقَالَ لَهَا: أَنَا أُنْفِقُ عَلَيْك مَا دُمْت فِي الْعِدَّةِ بِشَرْطِ أَنْ أَتَزَوَّجَك إذَا انْقَضَتْ عِدَّتُك فَرَضِيَتْ فَأَنْفَقَ عَلَيْهَا حَتَّى مَضَتْ عِدَّتُهَا ثُمَّ أَبَتْ أَنْ تَتَزَوَّجَ بِهِ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهَا بِمَا أَنْفَقَ؛ لِأَنَّهُ أَنْفَقَ بِشَرْطٍ فَاسِدٍ، وَهَذَا إذَا أَنْفَقَ عَلَيْهَا بِهَذَا الشَّرْطِ أَمَّا إذَا أَنْفَقَ عَلَيْهَا وَلَمْ يَشْرِطْ عَلَيْهَا التَّزْوِيجَ لَكِنْ عَلِمَتْ بِهِ عُرْفًا أَنَّهُ أَنْفَقَ لِذَلِكَ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ - وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.