الجوهرة النيرة على مختصر القدوري

[كِتَابُ الْعِدَدِ]
الْعِدَدُ جَمْعُ عِدَّةٍ وَالْعِدَّةُ هِيَ التَّرَبُّصُ الَّذِي يَلْزَمُ الْمَرْأَةَ بِزَوَالِ النِّكَاحِ أَوْ شُبْهَتِهِ، وَهِيَ مُدَّةٌ وُضِعَتْ شَرْعًا لِلتَّعَرُّفِ عَنْ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ، وَهِيَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ الْحَيْضُ وَالشُّهُورُ وَوَضْعُ الْحَمْلِ فَالْحَيْضُ يَجِبُ بِالطَّلَاقِ وَالْفُرْقَةِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَبِالْوَطْءِ بِشُبْهَةِ النِّكَاحِ وَبِعِتْقِ أُمِّ الْوَلَدِ وَمَوْتِ مَوْلَاهَا وَأَمَّا الشُّهُورُ فَعَلَى ضَرْبَيْنِ ضَرْبٌ مِنْهُمَا يَجِبُ بَدَلًا عَنْ الْحَيْضِ فِي الصَّغِيرَةِ وَالْآيِسَةِ وَالضَّرْبُ الثَّانِي هُوَ الَّذِي يَلْزَمُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا إذَا لَمْ تَكُنْ حَامِلًا وَيَسْتَوِي فِيهِ الْمَدْخُولُ بِهَا وَغَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا إذَا كَانَ النِّكَاحُ صَحِيحًا أَمَّا الْفَاسِدُ فَعِدَّتُهَا فِيهِ الْحَيْضُ فِي الْفُرْقَةِ وَالْمَوْتِ وَأَمَّا وَضْعُ الْحَمْلِ فَتَنْقَضِي بِهِ كُلُّ عِدَّةٍ عِنْدَهُمَا.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ مِثْلَهُ إلَّا فِي الْمَرْأَةِ الصَّغِيرَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ طَلَاقًا بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا أَوْ ثَلَاثًا أَوْ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا بِغَيْرِ طَلَاقٍ، وَهِيَ حُرَّةٌ مِمَّنْ تَحِيضُ فَعِدَّتُهَا ثَلَاثَةُ أَقْرَاءٍ) سَوَاءٌ كَانَتْ الْحُرَّةُ مُسْلِمَةً أَوْ كِتَابِيَّةً وَهَذَا إذَا طَلَّقَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ أَمَّا قَبْلَهُ فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا وَقَوْلُهُ أَوْ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا بِغَيْرِ طَلَاقٍ مِثْلُ أَنْ تَحْرُمَ عَلَيْهِ بَعْدَ الدُّخُولِ بِأَنْ تُمَكِّنَ ابْنَ زَوْجِهَا مِنْ نَفْسِهَا أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا يُوجِبُ الْفُرْقَةَ بِالتَّحْرِيمِ (قَوْلُهُ وَالْأَقْرَاءُ الْحَيْضُ) وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ هِيَ الْأَطْهَارُ الَّتِي تَخَلُّلُ الْحَيْضَ وَفَائِدَتُهُ إذَا طَلَّقَهَا فِي طُهْرٍ لَمْ يُجَامِعْهَا فِيهِ لَا تَنْقَضِي عِدَّتُهَا مَا لَمْ تَطْهُرْ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ مَتَى شَرَعَتْ فِي الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ

(2/73)


انْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْإِقْرَاءَ هِيَ الْحَيْضُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْمُسْتَحَاضَةُ تَدَعُ الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا» أَيْ فِي أَيَّامِ حَيْضِهَا «وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِفَاطِمَةَ إذَا أَتَاكِ قُرْؤُكِ فَدَعِي الصَّلَاةَ» .

(قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَتْ لَا تَحِيضُ مِنْ صِغَرٍ أَوْ كِبَرٍ فَعِدَّتُهَا ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ) ثُمَّ الْعِدَّةُ بِالشُّهُورِ فِي الطَّلَاقِ وَالْوَفَاةِ إذَا اتَّفَقَا فِي غُرَّةِ الشَّهْرِ اُعْتُبِرَتْ الشُّهُورُ بِالْأَهِلَّةِ إجْمَاعًا وَإِنْ نَقَصَتْ فِي الْعَدَدِ وَإِنْ حَصَلَ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الشَّهْرِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُعْتَبَرُ بِالْأَيَّامِ فَتَعْتَدُّ بِالطَّلَاقِ بِتِسْعِينَ يَوْمًا وَفِي الْوَفَاةِ بِمِائَةٍ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا وَكَذَا قَالَ فِي صَوْمِ الشَّهْرَيْنِ الْمُتَتَابِعَيْنِ إذَا ابْتَدَأَهُمَا فِي بَعْضِ الشَّهْرِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا مِثْلُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالثَّانِيَةُ تَعْتَدُّ بَقِيَّةَ الشَّهْرِ بِالْأَيَّامِ وَشَهْرَيْنِ بِالْأَهِلَّةِ وَتُكْمِلُ الشَّهْرَ الْأَوَّلَ مِنْ الثَّالِثِ بِالْأَيَّامِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَالذِّمِّيَّةُ إذَا كَانَتْ تَحْتَ مُسْلِمٍ فَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ كَالْمُسْلِمَةِ الْحُرَّةُ كَالْحُرَّةِ وَالْأَمَةُ كَالْأَمَةِ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ تَجِبُ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَلِحَقِّ الزَّوْجِ، وَالذِّمِّيَّةُ غَيْرُ مُخَاطَبَةٍ بِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَمُخَاطَبَةٌ بِحَقِّ الزَّوْجِ وَإِنْ كَانَتْ تَحْتَ ذِمِّيٍّ فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا فِي مَوْتٍ وَلَا فُرْقَةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا كَانَ ذَلِكَ فِي دِينِهِمْ وَعِنْدَهُمَا عَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَأَمَّا إذَا كَانَتْ حَامِلًا فَلَا يَجُوزُ نِكَاحُهَا حَتَّى تَضَعَ إجْمَاعًا.

(قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا فَعِدَّتُهَا أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا) سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ مِنْ طَلَاقٍ أَوْ وَفَاةٍ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ حُرَّةً أَوْ أَمَةً وَسَوَاءٌ كَانَ الْحَمْلُ ثَابِتَ النَّسَبِ أَمْ لَا وَلَيْسَ لِلْمُعْتَدَّةِ بِالْحَمْلِ مُدَّةٌ سَوَاءٌ وَلَدَتْ بَعْدَ الطَّلَاقِ أَوْ الْمَوْتِ بِيَوْمٍ أَوْ أَقَلَّ، وَلَوْ وَلَدَتْ وَالْمَيِّتُ عَلَى سَرِيرِهِ فَإِنَّ عِدَّتَهَا تَنْقَضِي فَإِنْ وَلَدَتْ وَلَدَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً انْقَضَتْ الْعِدَّةُ بِالْأَخِيرِ وَالْمُطَلَّقَةُ الرَّجْعِيَّةُ إذَا ظَهَرَ مِنْهَا أَكْثَرُ الْوَلَدِ بَانَتْ فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ بِظُهُورِ أَكْثَرِ الْوَلَدِ وَإِنْ أَسْقَطَتْ سَقْطًا إنْ كَانَ مُسْتَبِينَ الْخَلْقِ أَوْ بَعْضِهِ انْقَضَتْ بِهِ الْعِدَّةُ وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ كَانَتْ الْمُعْتَدَّةُ مِمَّنْ تَحِيضُ فَارْتَفَعَ حَيْضُهَا فَإِنَّ عِدَّتَهَا بِالْحَيْضِ لَا بِالشُّهُورِ مَا لَمْ تَدْخُلْ فِي حَدِّ الْإِيَاسِ وَكَذَا إذَا كَانَتْ صَغِيرَةً تَعْتَدُّ بِالشُّهُورِ فَحَاضَتْ بَطَلَ حُكْمُ الشُّهُورِ وَاسْتَأْنَفَتْ الْعِدَّةَ بِالْحَيْضِ.

(قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً فَعِدَّتُهَا حَيْضَتَانِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «طَلَاقُ الْأَمَةِ تَطْلِيقَتَانِ وَعِدَّتُهَا حَيْضَتَانِ» ؛ لِأَنَّ الرِّقَّ مُنَصِّفٌ وَالْحَيْضَ لَا يَتَجَزَّأُ وَكَذَا الْمُدَبَّرَةُ وَأُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبَةُ لِوُجُودِ الرِّقِّ فِيهِنَّ وَالْمُسْتَسْعَاةُ كَالْمُكَاتَبَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا كَالْحُرَّةِ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَتْ لَا تَحِيضُ فَعِدَّتُهَا شَهْرٌ وَنِصْفٌ) فَإِنَّهُ يَتَجَزَّأُ فَأَمْكَنَ تَنْصِيفُهُ وَسَوَاءٌ كَانَ زَوْجُهَا حُرًّا أَوْ عَبْدًا؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ مُعْتَبَرَةٌ بِالنِّسَاءِ وَإِنْ طَلُقَتْ الْمَرْأَةُ فَقَالَتْ بَعْدَ مُدَّةٍ انْقَضَتْ عِدَّتِي فَفِي كَمْ تُصَدَّقُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا تُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ سِتِّينَ يَوْمًا إذَا كَانَتْ حُرَّةً مِمَّنْ تَحِيضُ وَفِي تَخْرِيجِهِ رِوَايَتَانِ فَفِي رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ عَنْهُ يُجْعَلُ كَأَنَّهُ طَلَّقَهَا عَقِيبَ حَيْضِهَا فَيُقَدَّرُ أَقَلُّ الطُّهْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَنِصْفُ مُدَّةِ الْحَيْضِ خَمْسَةُ أَيَّامٍ ثُمَّ خَمْسَةَ عَشَرَ طُهُورًا وَخَمْسَةٌ حَيْضًا ثُمَّ خَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا وَخَمْسَةٌ حَيْضًا فَذَلِكَ سِتُّونَ وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ يُجْعَلُ كَأَنَّهُ طَلَّقَهَا فِي آخِرِ الطُّهْرِ فَيُقَدَّرُ أَكْثَرُ مُدَّةِ الْحَيْضِ عَشْرَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ أَقَلُّ الطُّهْرِ ثُمَّ عَشْرَةَ أَيَّامٍ حَيْضًا وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا وَعَشْرَةً حَيْضًا وَعِنْدَهُمَا لَا تُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ تِسْعَةٍ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا وَتَخْرِيجُهُ كَأَنَّهَا طَلُقَتْ فِي آخِرِ الطُّهْرِ فَيَبْدَأُ بِأَقَلِّ الْحَيْضِ وَأَقَلِّ الطُّهْرِ ثُمَّ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ حَيْضٍ وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا وَثَلَاثَةٍ حَيْضٍ.
وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا وَطَلَّقَهَا عَقِيبَ الْوِلَادَةِ أَوْ قَالَ لَهَا، وَهِيَ حَامِلٌ: إذَا وَلَدْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَإِنَّهَا لَا تُصَدَّقُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي أَقَلِّ مِنْ خَمْسَةٍ وَثَمَانِينَ يَوْمًا وَتَخْرِيجُهُ أَنْ يُجْعَلَ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا نِفَاسًا وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا ثُمَّ عَلَى رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ يُجْعَلُ خَمْسَةَ أَيَّامٍ حَيْضًا وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا وَخَمْسَةً حَيْضًا فَذَلِكَ خَمْسَةٌ وَثَمَانُونَ، وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ لَا تُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ مِائَةِ يَوْمٍ وَذَلِكَ أَنْ تَجْعَلَ الْحَيْضَ عَشْرَةَ أَيَّامٍ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا تُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ مِائَةٍ وَخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا؛ لِأَنَّهُمْ يَعْتَبِرُونَ النِّفَاسَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ بَعْدَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا وَعَشْرَةٌ حَيْضًا وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا وَعَشْرَةٌ حَيْضًا وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا وَعَشْرَةٌ حَيْضًا فَذَلِكَ مِائَةٌ وَخَمْسَةَ عَشَرَ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا تُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةٍ وَسِتِّينَ يَوْمًا يُجْعَلُ النِّفَاسُ أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا وَبَعْدَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا وَثَلَاثَةٌ حَيْضًا وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا وَثَلَاثَةٌ حَيْضًا وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا وَثَلَاثَةٌ حَيْضًا.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ تُصَدَّقُ فِي أَرْبَعَةٍ وَخَمْسِينَ يَوْمًا وَسَاعَةً يُجْعَلُ النِّفَاسُ سَاعَةً وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا وَثَلَاثَةٌ حَيْضًا وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا وَثَلَاثَةٌ حَيْضًا وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا

(2/74)


وَثَلَاثَةٌ حَيْضًا.
وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَتْ حُرَّةً أَمَّا إذَا كَانَتْ أَمَةً، وَهِيَ مِنْ ذَوَاتِ الْحَيْضِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا تُصَدَّقُ فِي أَقَلِّ مِنْ أَرْبَعِينَ يَوْمًا فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ عَنْهُ يُجْعَلُ كَأَنَّهُ طَلَّقَهَا عَقِيبَ الْحَيْضِ فَيُعْتَبَرُ خَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا وَخَمْسَةً حَيْضًا وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا وَخَمْسَةً حَيْضًا وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ تُصَدَّقُ فِي خَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ يُجْعَلُ كَأَنَّهُ طَلَّقَهَا فِي آخِرِ الطُّهْرِ ثُمَّ اسْتَقْبَلَهَا عَشْرَةَ أَيَّامٍ حَيْضًا وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا وَعَشْرَةً حَيْضًا.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ تُصَدَّقُ فِي أَحَدٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا كَأَنَّهُ طَلَّقَهَا فِي آخِرِ الطُّهْرِ ثُمَّ اسْتَقْبَلَتْهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ حَيْضًا وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا وَثَلَاثَةً حَيْضًا وَإِنْ طَلُقَتْ عَقِيبَ الْوِلَادَةِ لَمْ تُصَدَّقْ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةٍ وَسِتِّينَ يَوْمًا عَلَى رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ يُجْعَلُ نِفَاسُهَا خَمْسَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا ثُمَّ خَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا ثُمَّ خَمْسَةً حَيْضًا وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا وَخَمْسَةً حَيْضًا وَعَلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ لَا بُدَّ مِنْ خَمْسَةٍ وَسَبْعِينَ يَوْمًا؛ لِأَنَّهُ يَعْتَبِرُ النِّفَاسَ الطُّهْرَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ عَشْرَةً حَيْضًا وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا وَعَشْرَةً حَيْضًا وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لَا بُدَّ مِنْ سَبْعَةٍ وَأَرْبَعِينَ يَوْمًا؛ لِأَنَّهُ يَعْتَبِرُ النِّفَاسَ أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ خَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا وَثَلَاثَةً حَيْضًا وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا وَثَلَاثَةً حَيْضًا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ يَوْمًا وَسَاعَةٌ؛ لِأَنَّهُ يَعْتَبِرُ النِّفَاسَ سَاعَةً ثُمَّ خَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا وَثَلَاثَةً حَيْضًا وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا وَثَلَاثَةً حَيْضًا.

(قَوْلُهُ وَإِذَا مَاتَ الرَّجُلُ عَنْ امْرَأَتِهِ الْحُرَّةِ فَعِدَّتُهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرَةٌ) وَهَذِهِ الْعِدَّةُ لَا تَجِبُ إلَّا فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ سَوَاءٌ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ وَالْمُعْتَبَرُ عَشْرَةُ أَيَّامٍ وَعَشْرُ لَيَالٍ مِنْ الشَّهْرِ الْخَامِسِ وَسَوَاءٌ كَانَتْ مُسْلِمَةً أَوْ كِتَابِيَّةً أَوْ صَغِيرَةً إذَا كَانَ زَوْجُهَا مُسْلِمًا أَوْ صَغِيرًا وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْكِتَابِيَّةُ تَحْتَ ذِمِّيٍّ فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا فِي فُرْقَةٍ وَلَا مَوْتٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا كَانَ فِي دِينِهِمْ إلَّا أَنْ تَكُونَ حَامِلًا فَلَا تَتَزَوَّجُ حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا وَعِنْدَهُمَا عَلَيْهَا الْعِدَّةُ فِي الْفُرْقَةِ وَالْمَوْتِ.

(قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً فَعِدَّتُهَا شَهْرَانِ وَخَمْسَةُ أَيَّامٍ) ؛ لِأَنَّ الرِّقَّ مُنَصِّفٌ وَأُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرَةُ وَالْمُكَاتَبَةُ مِثْلُهَا

(قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَتْ حَامِلَةً فَعِدَّتُهَا أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] .

(قَوْلُهُ وَإِذَا وَرِثَتْ الْمُطَلَّقَةُ فِي الْمَرَضِ فَعِدَّتُهَا أَبْعَدُ الْأَجَلَيْنِ) يَعْنِي عِدَّةُ الْوَفَاةِ فِيهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ عِنْدَهُمَا.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ ثَلَاثُ حِيَضٍ لَا غَيْرُ وَصُورَتُهُ طَلَّقَهَا فِي مَرَضِهِ وَهِيَ مَدْخُولٌ بِهَا طَلَاقًا بَائِنًا أَوْ ثَلَاثًا وَمَاتَ، وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ فَإِنَّهَا تَرِثُ عِنْدَنَا وَأَمَّا إذَا كَانَ رَجْعِيًّا فَعَلَيْهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ إجْمَاعًا سَوَاءٌ كَانَ فِي صِحَّةٍ أَوْ مَرَضٍ فَعَلَيْهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ وَتَبْطُلُ عِدَّةُ الْحَيْضِ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ بَاقٍ.

(قَوْلُهُ وَإِنْ أُعْتِقَتْ الْأَمَةُ فِي عِدَّتِهَا مِنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ انْتَقَلَتْ عِدَّتُهَا إلَى عِدَّةِ الْحَرَائِرِ) لِقِيَامِ النِّكَاحِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ.

(قَوْلُهُ وَإِنْ أُعْتِقَتْ، وَهِيَ مَبْتُوتَةٌ أَوْ مُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا لَمْ تَنْتَقِلْ عِدَّتُهَا إلَى عِدَّةِ الْحَرَائِرِ) لِزَوَالِ النِّكَاحِ بِالْبَيْنُونَةِ وَالْمَوْتِ.

(قَوْلُهُ وَإِذَا كَانَتْ آيِسَةً فَاعْتَدَّتْ بِالشُّهُورِ ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ انْتَقَضَ مَا مَضَى مِنْ عِدَّتِهَا وَكَانَ عَلَيْهَا أَنْ تَسْتَأْنِفَ الْعِدَّةَ بِالْحَيْضِ) وَهَذَا عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي لَمْ يَقْدِرُوا لِلْإِيَاسِ فِيهَا قَدْرًا فَإِنَّهَا إذَا رَأَتْ الدَّمَ عَلَى الْعَادَةِ يَبْطُلُ الْإِيَاسُ وَظَهَرَ أَنَّ مَا مَضَى مِنْ عِدَّتِهَا لَمْ يَكُنْ خَلَفًا وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْخَلِيفَةِ

(2/75)


تَحَقُّقُ الْإِيَاسِ وَذَلِكَ بِاسْتِدَامَةِ الْعَجْزِ إلَى الْمَمَاتِ أَمَّا عَلَى الرِّوَايَةِ الَّذِي قَدَّرُوا الْإِيَاسَ فِيهَا بِمُدَّةٍ إذَا بَلَغَتْهَا ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ بَعْدَهَا لَمْ يَكُنْ حَيْضًا وَيَكُونُ كَمَا تَرَاهُ الصَّغِيرَةُ الَّتِي لَا تَحِيضُ مِثْلُهَا وَفِي الْمَرْتَبَةِ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ مَا تَرَاهُ الْآيِسَةُ حَيْضٌ عَلَى الرِّوَايَاتِ أَجْمَعَ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِالْإِيَاسِ بَعْدَ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً بِالِاجْتِهَادِ وَرُؤْيَةُ الدَّمِ نَصٌّ فَيَبْطُلُ بِهِ الِاجْتِهَادُ فَعَلَى هَذَا لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الدَّمُ أَحْمَرَ عَلَى مَا هُوَ الْعَادَةُ أَمَّا إذَا كَانَ أَصْفَرَ أَوْ أَخْضَرَ لَا يَبْطُلُ الْإِيَاسُ ثُمَّ عَلَى هَذَا الِاخْتِيَارِ إذَا كَانَ أَحْمَرَ تَبْطُلُ عِدَّةُ الْأَشْهُرِ وَيَفْسُدُ النِّكَاحُ، وَهَذَا بَعِيدٌ وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنْ كَانَ الْقَاضِي قَضَى بِجَوَازِ النِّكَاحِ ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ لَا يُقْضَى بِفَسَادِهِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُقْضَى بِفَسَادِهِ قَضَى أَوْ لَمْ يَقْضِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَذَكَرَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ أَنَّ الْمَرْئِيَّ بَعْدَ الْحُكْمِ بِالْإِيَاسِ إذَا كَانَ دَمًا خَالِصًا فَهُوَ حَيْضٌ وَيُنْتَقَضُ الْحُكْمُ بِالْإِيَاسِ لَكِنْ فِيمَا يَسْتَقْبِلُ لَا فِيمَا مَضَى مِنْ الْأَحْكَامِ وَإِنْ كَانَ الْمَرْئِيُّ كُدْرَةً أَوْ خُضْرَةً لَا يَكُونُ حَيْضًا وَيُحْمَلُ عَلَى فَسَادِ الْمَنْبَتِ وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الْمُخْتَارُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَهُوَ يُشْتَرَطُ حُكْمٍ الْحَاكِمِ بِالْإِيَاسِ لِعَدَمِ بُطْلَانِ مَا مَضَى أَوْ لَا يُشْتَرَطُ إذَا بَلَغَتْ مُدَّةَ الْإِيَاسِ وَلَمْ تَرَ الدَّمَ فِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخ وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يُشْتَرَطَ وَاخْتَلَفُوا فِي مُدَّةِ الْإِيَاسِ قَالَ بَعْضُهُمْ سِتُّونَ سَنَةً وَقِيلَ سَبْعُونَ.
وَفِي النِّهَايَةِ الِاعْتِمَادُ عَلَى خَمْسٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ اثْنَانِ وَسِتُّونَ سَنَةً، وَلَوْ حَاضَتْ الْمَرْأَةُ حَيْضَةً أَوْ حَيْضَتَيْنِ ثُمَّ انْقَطَعَ حَيْضُهَا فَإِنَّهَا تَصْبِرُ إلَى خَمْسٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً ثُمَّ تَسْتَأْنِفُ الْعِدَّةَ بِالشُّهُورِ وَإِنْ حَاضَتْ الصَّغِيرَةُ قَبْلَ تَمَامِ عِدَّتِهَا اسْتَأْنَفَتْ الْعِدَّةَ بِالْحَيْضِ سَوَاءٌ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا.

(قَوْلُهُ وَالْمَنْكُوحَةُ نِكَاحًا فَاسِدًا وَالْمَوْطُوءَةُ بِشُبْهَةٍ عِدَّتُهَا الْحَيْضُ فِي الْفُرْقَةِ وَالْمَوْتِ) هَذَا إذَا دَخَلَ بِهَا أَمَّا إذَا لَمْ يَدْخُلْ بِهَا حَتَّى مَاتَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا شَيْءٌ وَإِنَّمَا كَانَ عِدَّتُهَا الْحَيْضَ فِي الْفُرْقَةِ وَالْمَوْتِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْعِدَّةَ تَجِبُ لِأَجْلِ الْوَطْءِ لَا لِقَضَاءِ حَقِّ النِّكَاحِ وَالْعِدَّةُ إذَا وَجَبَتْ لِأَجْلِ الْوَطْءِ كَانَتْ ثَلَاثَ حِيَضٍ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِنْ ذَوَاتِ الْحَيْضِ كَانَ عَلَيْهَا ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ؛ لِأَنَّ كُلَّ شَهْرٍ يَقُومُ مَقَامَ حَيْضَةٍ وَإِنَّمَا اسْتَوَى الْمَوْتُ وَالطَّلَاقُ؛ لِأَنَّ عِدَّةَ الْوَفَاةِ إنَّمَا تَجِبُ عَلَى الزَّوْجَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا} [البقرة: 234] هَذِهِ لَيْسَتْ بِزَوْجَةٍ وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً فَعِدَّتُهَا بِالْحَيْضِ حَيْضَتَانِ وَبِالْأَشْهُرِ شَهْرٌ وَنِصْفٌ.

(قَوْلُهُ وَإِذَا مَاتَ مَوْلَى أُمِّ الْوَلَدِ عَنْهَا أَوْ أَعْتَقَهَا فَعِدَّتُهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ) هَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ مُعْتَدَّةً وَلَا تَحْتَ زَوْجٍ وَلَا نَفَقَةَ لَهَا فِي الْعِدَّةِ؛ لِأَنَّهَا عِدَّةُ وَطْءٍ كَالْمُعْتَدَّةِ مِنْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ وَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا تَحِيضُ فَعِدَّتُهَا ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ كَمَا فِي النِّكَاحِ وَإِنَّمَا اسْتَوَى فِيهَا الْمَوْتُ وَالْعِتْقُ؛ لِأَنَّهَا عِدَّةُ وَطْءٍ وَإِنْ مَاتَ عَنْ أَمَةٍ كَانَ يَطَؤُهَا أَوْ مُدَبَّرَةٍ كَانَ يَطَؤُهَا أَوْ أَعْتَقَهَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمَا شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا بِفِرَاشٍ لَهُ وَإِذَا زَوَّجَ أُمَّ وَلَدِهِ ثُمَّ مَاتَ عَنْهَا، وَهِيَ تَحْتَ زَوْجٍ أَوْ فِي عِدَّةٍ مِنْ زَوْجٍ فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا بِمَوْتِ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِرَاشًا لَهُ فَإِنْ أَعْتَقَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا لِزَوْجٍ فَعِدَّتُهَا عِدَّةُ الْحَرَائِرِ وَإِنْ أَعْتَقَهَا، وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ إنْ كَانَتْ رَجْعِيَّةً تَغَيَّرَتْ عِدَّتُهَا وَإِنْ كَانَتْ بَائِنًا لَمْ تَتَغَيَّرْ وَإِنْ كَانَتْ عِدَّتُهَا قَدْ انْقَضَتْ ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى فَعَلَيْهَا بِمَوْتِهِ ثَلَاثُ حِيَضٍ؛ لِأَنَّهَا عَادَتْ فِرَاشًا لَهُ.
فَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى وَالزَّوْجُ وَبَيْنَ مَوْتَيْهِمَا أَكْثَرُ مِنْ شَهْرَيْنِ وَخَمْسَةُ أَيَّامٍ وَلَا يُعْلَمُ أَيُّهُمَا مَاتَ أَوَّلًا فَعَلَيْهِمَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ فِيهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ إذَا مَاتَ الزَّوْجُ أَوَّلًا فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهَا شَهْرَانِ وَخَمْسَةُ أَيَّامٍ؛ لِأَنَّهَا أَمَةٌ ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا فَوَجَبَ عَلَيْهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ عِدَّةُ الْمَوْلَى فَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا احْتِيَاطًا وَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى أَوَّلًا عَتَقَتْ بِمَوْتِهِ وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا عِدَّةٌ بِمَوْتِهِ؛ لِأَنَّهَا مَنْكُوحَةُ الْغَيْرِ فَلَمَّا مَاتَ الزَّوْجُ، وَهِيَ حُرَّةٌ وَجَبَ عَلَيْهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ وَالشُّهُورُ يَدْخُلُ أَقَلُّهَا فِي أَكْثَرِهَا فَوَجَبَ عَلَيْهَا عَلَى طَرِيقِ الِاحْتِيَاطِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ فِيهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ وَإِنْ كَانَ بَيْنَ مَوْتَيْهِمَا أَقَلُّ مِنْ شَهْرَيْنِ وَخَمْسَةِ أَيَّامٍ فَعَلَيْهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ إجْمَاعًا وَلَيْسَ عَلَيْهَا حَيْضٌ؛ لِأَنَّهُ لَا حَالَةَ لِوُجُوبِ الْحَيْضِ هَا هُنَا؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى إنْ مَاتَ أَوَّلًا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا شَيْءٌ؛ لِأَنَّهَا تَحْتَ زَوْجٍ وَتُعْتَقُ بِمَوْتِهِ ثُمَّ بِمَوْتِ الزَّوْجُ يَجِبُ عَلَيْهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ؛ لِأَنَّهَا حُرَّةٌ وَإِنْ مَاتَ الزَّوْجُ أَوَّلًا وَجَبَ عَلَيْهَا شَهْرَانِ وَخَمْسَةُ أَيَّامٍ وَبِمَوْتِ الْمَوْلَى لَا يَلْزَمُهَا عِدَّةٌ؛ لِأَنَّهَا تَعْتَدُّ مِنْ نِكَاحٍ فَيَلْزَمُهَا فِي حَالٍ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ وَفِي حَالٍ نِصْفُهُ فَأَلْزَمْنَاهَا الْأَكْثَرَ احْتِيَاطًا.
وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ كَمْ بَيْنَ مَوْتَيْهِمَا

(2/76)


وَلَا أَيُّهُمَا أَوَّلًا فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَيْهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ بِلَا حَيْضٍ فِيهَا؛ لِأَنَّ كُلَّ أَمْرَيْنِ حَادِثَيْنِ لَا يُعْلَمُ تَارِيخُ مَا بَيْنَهُمَا يُحْكَمُ بِوُقُوعِهِمَا مَعًا كَالْغَرْقَى وَإِذَا حَكَمْنَا بِمَوْتِ الزَّوْجِ مَعَ مَوْتِ الْمَوْلَى وَجَبَتْ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ، وَهِيَ حُرَّةٌ فَكَانَ عَلَيْهَا عِدَّةُ الْحَرَائِرِ وَلَمْ يَكُنْ لِإِيجَابِ الْحَيْضِ مَعْنًى فَسَقَطَ وَعِنْدَهُمَا عَلَيْهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ فِيهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَوْتُ الزَّوْجِ مُتَقَدِّمًا وَانْقَضَتْ الْعِدَّةُ ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمَوْلَى أَوَّلًا ثُمَّ مَاتَ الزَّوْجُ وَالْعِدَّةُ يُعْتَبَرُ فِيهَا الِاحْتِيَاطُ فَيُجْمَعُ بَيْنَ الشُّهُورِ وَالْحَيْضِ وَإِذَا اشْتَرَى الزَّوْجُ امْرَأَتَهُ وَلَهَا مِنْهُ وَلَدٌ فَأَعْتَقَهَا فَعَلَيْهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ حَيْضَتَانِ مِنْ النِّكَاحِ تَجْتَنِبُ فِيهَا مَا تَجْتَنِبُ الزَّوْجَةُ وَحَيْضَةٌ مِنْ الْعِتْقِ لَا تَجْتَنِبُ فِيهَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا اشْتَرَاهَا فَسَدَ نِكَاحُهَا فَصَارَتْ مُعْتَدَّةً فِي حَقِّ غَيْرِهِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُعْتَدَّةً فِي حَقِّهِ بِدَلَالَةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فَإِذَا أَعْتَقَهَا صَارَتْ مُعْتَدَّةً فِي حَقِّهِ وَحَقِّ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى الْمَانِعَ مِنْ كَوْنِهَا مُعْتَدَّةً فِي حَقِّهِ إبَاحَةُ وَطْئِهَا وَقَدْ زَالَ بِالْعِتْقِ فَوَجَبَ عَلَيْهَا حَيْضَتَانِ مِنْ فَسَادِ النِّكَاحِ وَمِنْ الْعِتْقِ وَعِدَّةٌ لِنِكَاحٍ يَجِبُ فِيهَا الْإِحْدَادُ وَأَمَّا الْحَيْضَةُ الثَّالِثَةُ فَإِنَّمَا تَجِبُ لِأَجْلِ الْعِتْقِ خَاصَّةً وَعِدَّةُ الْمُعْتِقِ لَا إحْدَادَ فِيهَا فَإِنْ كَانَ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَشْتَرِيَهَا تَطْلِيقَةً بَائِنَةً ثُمَّ اشْتَرَاهَا حَلَّ لَهُ وَطْؤُهَا؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ سَبَبٌ فِي الْإِبَاحَةِ فَإِذَا حَصَلَ بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ صَارَ كَعَقْدِ النِّكَاحِ فَإِنْ حَاضَتْ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى حَيْضَتَيْنِ قَبْلَ الْعِتْقِ ثُمَّ أَعْتَقَهَا فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا مِنْ النِّكَاحِ حَتَّى إنَّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا وَتَعْتَدَّ مِنْ الْعِتْقِ ثَلَاثَ حِيَضٍ أُخْرَى كَذَا فِي الْكَرْخِيِّ.

(قَوْلُهُ وَإِذَا مَاتَ الصَّغِيرُ عَنْ امْرَأَتِهِ وَبِهَا حَمْلٌ فَعِدَّتُهَا أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا) هَذَا عِنْدَهُمَا.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ عِدَّتُهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ لَيْسَ بِثَابِتِ النَّسَبِ مِنْهُ فَصَارَ كَالْحَادِثِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَلَهُمَا إطْلَاقُ قَوْله تَعَالَى {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] (قَوْلُهُ وَإِنْ حَدَثَ الْحَمْلُ بَعْدَ الْمَوْتِ فَعِدَّتُهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ وَلَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا) ؛ لِأَنَّ الصَّغِيرَ لَا مَاءَ لَهُ وَقَوْلُهُ حَدَثَ الْحَمْلُ بَعْدَ الْمَوْتِ مَعْرِفَةُ حُدُوثِهِ أَنْ تَضَعَهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ وَتَفْسِيرُ الْحَمْلِ يَوْمَ الْمَوْتِ أَنْ تَلِدَهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ بَعْدَ مَوْتِهِ وَأَمَّا امْرَأَةُ الْكَبِيرِ إذَا حَدَثَ بِهَا حَبَلٌ بَعْدَ الْمَوْتِ فِي الْعِدَّةِ انْتَقَلَتْ عِدَّتُهَا مِنْ الشُّهُورِ إلَى وَضْعِ الْحَمْلِ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ مِنْهُ فَكَانَ كَالْقَائِمِ عِنْدَ الْمَوْتِ حُكْمًا كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَإِذَا مَاتَ الْخَصِيُّ عَنْ امْرَأَته، وَهِيَ حَامِلٌ أَوْ حَدَثَ الْحَمْلُ بَعْدَ الْمَوْتِ فَعِدَّتُهَا أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا وَالْوَلَدُ ثَابِتُ النَّسَبِ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ يُجَامِعُ وَأَمَّا الْمَجْبُوبُ إذَا مَاتَ عَنْهَا، وَهِيَ حَامِلٌ أَوْ حَدَثَ بَعْدَ مَوْتِهِ فَفِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ هُوَ كَالْفَحْلِ فِي ثُبُوتِ النَّسَبِ مِنْهُ وَانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بِوَضْعِ الْحَمْلِ؛ لِأَنَّهُ يُحْذَفُ بِالْمَاءِ وَفِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ هُوَ كَالصَّبِيِّ إنْ حَدَثَ الْحَمْلُ قَبْلَ مَوْتِهِ انْقَضَتْ بِهِ الْعِدَّةُ وَإِنْ حَدَثَ بَعْدَ مَوْتِهِ لَمْ تَنْقَضِ بِهِ الْعِدَّةُ وَإِنَّمَا تَنْقَضِي بِالشُّهُورِ وَلَا يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُولِجُ فَاسْتَحَالَ كَوْنُ الْوَلَدِ مِنْهُ.

(قَوْلُهُ وَإِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فِي حَالِ الْحَيْضِ لَمْ تَعْتَدَّ بِالْحَيْضَةِ الَّتِي وَقَعَ فِيهَا الطَّلَاقُ) ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ مُقَدَّرَةٌ بِثَلَاثِ حِيَضٍ كَوَامِلَ وَهَذِهِ قَدْ فَاتَ بَعْضُهَا قَبْلَهُ.

(قَوْلُهُ وَإِذَا وُطِئَتْ الْمُعْتَدَّةُ بِشُبْهَةٍ فَعَلَيْهَا عِدَّةٌ أُخْرَى) وَوَطْءُ الشُّبْهَةِ أَنْوَاعٌ مِنْهُ الْمُعْتَدَّةُ إذَا زُفَّتْ إلَى غَيْرِ زَوْجِهَا فَقِيلَ لَهُ إنَّهَا زَوْجَتُك فَوَطِئَهَا ثُمَّ بَانَ الْأَمْرُ بِخِلَافِهِ وَمِنْهَا إذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ عَادَ فَتَزَوَّجَهَا فِي الْعِدَّةِ وَدَخَلَ بِهَا وَمِنْهَا إذَا وَطِئَهَا فِي الْعِدَّةِ وَقَدْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَقَالَ ظَنَنْت أَنَّهَا تَحِلُّ لِي وَمِنْهَا إذَا طَلَّقَهَا دُونَ الثَّلَاثِ بِعِوَضٍ أَوْ بِلَفْظِ الْكِنَايَةِ وَوَطِئَهَا فِي الْعِدَّةِ وَمِنْهَا إذَا وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ وَلَهَا زَوْجٌ فَطَلَّقَهَا بَعْدَ ذَلِكَ الْوَطْءِ فَإِنَّ هَذِهِ الْمَوَاضِعَ يَجِبُ عَلَيْهَا عِدَّتَانِ وَيَتَدَاخَلَانِ وَيَمْضِيَانِ فِي مُدَّةٍ وَاحِدَةٍ عِنْدَنَا (قَوْلُهُ وَتَتَدَاخَلُ الْعِدَّتَانِ فَيَكُونُ مَا تَرَاهُ مِنْ الْحَيْضِ مُحْتَسَبًا بِهِ مِنْهُمَا جَمِيعًا) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَتَدَاخَلَانِ وَحَاصِلُ الْخِلَافِ رَاجِعٌ إلَى أَصْلٍ وَهُوَ أَنَّ الرُّكْنَ فِي الْعِدَّةِ هَلْ هُوَ الْفِعْلُ أَمْ تَرْكُ الْفِعْلِ فَعِنْدَهُ هُوَ الْفِعْلُ لِكَوْنِهَا مَأْمُورَةً بِالتَّرَبُّصِ الَّذِي هُوَ الْكَفُّ عَنْ التَّزَوُّجِ وَعَنْ الْخُرُوجِ وَهُوَ فِعْلٌ وَلَا يُتَصَوَّرُ فِعْلَانِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ كَالصَّوْمَيْنِ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ وَعِنْدَنَا الرُّكْنُ تَرْكُ الْفِعْلِ وَهُوَ تَرْكُ التَّزَوُّجِ وَتَرْكُ الْخُرُوجِ وَيُتَصَوَّرُ تَرْكُ أَفْعَالٍ كَثِيرَةٍ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ كَتَرْكِ مُطَالَبَاتٍ كَثِيرَةٍ.
وَلِهَذَا يَجِبُ عَلَى مَنْ لَا فِعْلَ عَلَيْهَا أَصْلًا كَالصَّبِيَّةِ وَالْمَجْنُونَةِ ثُمَّ إذَا تَدَاخَلَتَا عِنْدَنَا وَكَانَتْ الْعِدَّةُ مِنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ فَلَا نَفَقَةَ عَلَى وَاحِدٍ

(2/77)


مِنْهُمَا وَإِنْ كَانَتْ مِنْ بَائِنٍ فَنَفَقَتُهَا عَلَى الْأَوَّلِ، وَلَوْ أَنَّ الزَّوْجَةَ إذَا تَزَوَّجَتْ وَفُرِّقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الثَّانِي وَقَدْ وَطِئَهَا فَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَلَا نَفَقَةَ لَهَا عَلَى زَوْجِهَا مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ؛ لِأَنَّهَا مَنَعَتْ نَفْسَهَا فِي الْعِدَّةِ كَذَا فِي الْعُيُونِ وَقَوْلُهُ وَتَتَدَاخَلُ الْعِدَّتَانِ سَوَاءٌ كَانَتَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ كَالْمُطَلَّقَةِ إذَا تَزَوَّجَتْ أَوْ مِنْ جِنْسَيْنِ كَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا إذَا وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ فَإِنَّهُمَا يَتَدَاخَلَانِ وَتَعْتَدُّ بِمَا تَرَاهُ مِنْ الْحَيْضِ فِي الْأَشْهُرِ وَقَوْلُهُ وَيَكُونُ مَا تَرَاهُ مِنْ الْحَيْضِ مُحْتَسَبًا بِهِ مِنْهُمَا جَمِيعًا يَعْنِي بَعْدَ التَّفْرِيقِ مِنْ الثَّانِي أَمَّا إذَا كَانَتْ قَدْ حَاضَتْ حَيْضَةً قَبْلَ وَطْءِ الثَّانِي فَإِنَّهَا مِنْ عِدَّةِ الْأَوَّلِ خَاصَّةً وَيَكُونُ عَلَيْهَا مِنْ تَمَامِ عِدَّتِهَا مِنْ الْأَوَّلِ حَيْضَتَانِ وَمِنْ الثَّانِي ثَلَاثُ حِيَضٍ فَإِذَا حَاضَتْ حَيْضَتَيْنِ كَانَتْ مِنْهُمَا جَمِيعًا وَانْقَضَتْ عِدَّةُ الْأَوَّلِ وَبَقِيَتْ مِنْ عِدَّةِ الثَّانِي حَيْضَةٌ (قَوْلُهُ فَإِذَا انْقَضَتْ الْعِدَّةُ مِنْ الْأَوَّلِ وَلَمْ تُكْمِلْ الثَّانِيَةَ فَإِنَّ عَلَيْهَا تَمَامَ عِدَّةِ الثَّانِي) وَلِهَذَا لَوْ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا كَانَ لِلْأَوَّلِ أَنْ يُرَاجِعَهَا فِي الْحَيْضَتَيْنِ وَلَا يُرَاجِعَهَا فِي الثَّالِثَةِ؛ لِأَنَّ عِدَّتَهَا قَدْ انْقَضَتْ فِي حَقِّهِ وَلِلثَّانِي أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فِي الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ الَّتِي هِيَ الرَّابِعَةُ فِي حَقِّهَا.

(قَوْلُهُ وَابْتِدَاءُ الْعِدَّةِ فِي الطَّلَاقِ عَقِيبَ الطَّلَاقِ وَفِي الْوَفَاةِ عَقِيبَ الْوَفَاةِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ بِالطَّلَاقِ أَوْ الْوَفَاةِ حَتَّى مَضَتْ الْعِدَّةُ فَقَدْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا) ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ هِيَ مُضِيُّ الزَّمَانِ فَإِذَا مَضَتْ الْمُدَّةُ انْقَضَتْ الْعِدَّةُ
قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَمَشَايِخُنَا يُفْتُونَ فِي الطَّلَاقِ أَنَّ ابْتِدَاءَهَا مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ نَفْيًا لِتُهْمَةِ الْمُوَاضَعَةِ حَتَّى إنَّهُ لَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ طَلَّقَهَا مِنْ مُنْذُ سَنَةٍ فَإِنْ كَذَّبَتْهُ فِي الْإِسْنَادِ أَوْ قَالَتْ لَا أَدْرِي فَإِنَّهُ تَجِبُ الْعِدَّةُ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ وَإِنْ صَدَّقَتْهُ قَالَ مُحَمَّدٌ تَجِبُ الْعِدَّةُ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ وَالْمُخْتَارُ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ وَلَا يَجِبُ لَهَا نَفَقَةُ الْعِدَّةِ وَلَا السُّكْنَى؛ لِأَنَّهَا صَدَّقَتْهُ
، وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً أَخْبَرَهَا ثِقَةٌ أَنَّ زَوْجَهَا الْغَائِبَ مَاتَ أَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا أَوْ كَانَ غَيْرَ ثِقَةٍ وَأَتَاهَا بِكِتَابٍ مِنْ زَوْجِهَا بِالطَّلَاقِ وَلَا تَدْرِي أَنَّهُ كِتَابُهُ أَمْ لَا إلَّا أَنَّ أَكْثَرَ رَأْيِهَا أَنَّهُ حَقٌّ فَلَا بَأْسَ أَنْ تَعْتَدَّ وَتَتَزَوَّجَ وَكَذَا لَوْ قَالَتْ امْرَأَةٌ لِرَجُلٍ طَلَّقَنِي زَوْجِي وَانْقَضَتْ عِدَّتِي لَا بَأْسَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا

[الْعِدَّةُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ]
(قَوْلُهُ وَالْعِدَّةُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ عَقِيبَ التَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا أَوْ عِنْدَ عَزْمِ الْوَاطِئِ عَلَى تَرْكِ وَطْئِهَا) .
وَقَالَ زُفَرُ مِنْ آخِرِ الْوَطَآتِ فَإِنْ كَانَتْ حَاضَتْ ثَلَاثًا بَعْدَ آخِرِ الْوَطْءِ قَبْلَ التَّفْرِيقِ فَقَدْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا عِنْدَهُ، وَلَوْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ وَطِئَهَا وَجَبَ الْحَدُّ وَصُورَةُ الْعَزْمِ عَلَى تَرْكِ الْوَطْءِ أَنْ يَقُولَ تَرَكْت وَطْأَهَا أَوْ تَرَكْتهَا أَوْ خَلَّيْت سَبِيلَهَا أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَ هَذَا الْقَوْلِ أَمَّا مُجَرَّدُ الْعَزْمِ فَلَا عِبْرَةَ بِهِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ، وَلَوْ أَنْكَرَ نِكَاحَهَا فَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُتَارَكَةٍ إنَّمَا الْمُتَارَكَةُ بِأَنْ يَقُولَ تَرَكْتُك أَوْ تَرَكْتهَا أَوْ خَلَّيْت سَبِيلَهَا، وَهَذَا فِي الْمَدْخُولِ بِهَا أَمَّا فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا يَكْفِي تَفَرُّقُ الْأَبَدَانِ وَهُوَ أَنْ يَتْرُكَهَا عَلَى قَصْدِ أَنْ لَا يَعُودَ إلَيْهَا وَالطَّلَاقُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ لَا يَنْقُصُ عَدَدَ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِطَلَاقٍ حَقِيقَةً إنَّمَا هُوَ فَسْخٌ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ ثُمَّ الْخَلْوَةُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ لَا تُوجِبُ الْعِدَّةَ وَإِنْ تَزَوَّجَ مَنْكُوحَةَ الْغَيْرِ وَوَطِئَهَا إنْ كَانَ لَا يَعْلَمُ أَنَّهَا مَنْكُوحَةُ غَيْرِهِ تَجِبُ الْعِدَّةُ وَتَحْرُمُ عَلَى الْأَوَّلِ إلَى أَنْ تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهَا مَنْكُوحَةٌ لَا تَجِبُ الْعِدَّةُ وَلَا تَحْرُمُ عَلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ زِنًا مَحْضًا.

(قَوْلُهُ وَعَلَى الْمَبْتُوتَةِ وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا إذَا كَانَتْ بَالِغَةً عَاقِلَةً مُسْلِمَةً الْإِحْدَادُ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا إحْدَادَ عَلَى الْمَبْتُوتَةِ؛ لِأَنَّ الْإِحْدَادَ وَجَبَ إظْهَارًا لِلتَّأَسُّفِ عَلَى مَوْتِ زَوْجٍ وَفَاءً بِعَهْدِهَا إلَى مَمَاتِهِ، وَهَذَا قَدْ أَوْحَشَهَا بِالْإِبَانَةِ فَلَا تَأْسَفُ بِفَوْتِهِ وَلَنَا أَنَّهُ يَجِبُ إظْهَارًا لِلتَّأَسُّفِ عَلَى فَوَاتِ نِعْمَةِ النِّكَاحِ الَّذِي هُوَ سَبَبٌ لِصَوْنِهَا وَكِفَايَةُ مُؤْنَتِهَا لِإِبَانَةٍ أَقْطَعَ لَهَا مِنْ الْمَوْتِ حَتَّى كَانَ لَهَا أَنْ تُغَسِّلَهُ مَيِّتًا قَبْلَ الْإِبَانَةِ لَا بَعْدَهَا وَلَا تُشْبِهُ هَذِهِ الْمُطَلَّقَةَ الرَّجْعِيَّةَ

(2/78)


لِأَنَّهَا لَمْ تُفَارِقْ زَوْجَهَا فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا الْإِحْدَادُ (قَوْلُهُ وَالْإِحْدَادُ أَنْ تَتْرُكَ الطِّيبَ وَالزِّينَةَ وَالْكُحْلَ وَالدُّهْنَ) وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الدُّهْنُ الْمُطَيِّبُ أَوْ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ زِينَةَ الشَّعْرِ وَيُقَالُ الْحِدَادُ وَالْإِحْدَادُ لُغَتَانِ (قَوْلُهُ إلَّا مِنْ عُذْرٍ) بِأَنْ كَانَ بِهَا وَجَعُ الْعَيْنِ فَتَكْتَحِلُ أَوْ حَكَّةٌ فَتَلْبَسُ الْحَرِيرَ أَوْ تَشْكِي رَأْسَهَا فَتَدَّهِنُ وَتَمْتَشِطُ بِالْأَسْنَانِ الْغَلِيظَةِ الْمُتَبَاعِدَةِ مِنْ غَيْرِ إرَادَةِ الزِّينَةِ؛ لِأَنَّ هَذَا تَدَاوٍ لَا زِينَةٌ (قَوْلُهُ وَلَا تَخْتَضِبُ بِالْحِنَّاءِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْحِنَّاءُ طِيبٌ» وَلِأَنَّهُ زِينَةٌ (قَوْلُهُ وَلَا تَلْبَسُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا بِعُصْفُرٍ وَلَا بِزَعْفَرَانٍ وَلَا وَرْسٍ) فَإِنْ غُسِلَ الثَّوْبُ الْمَصْبُوغُ حَتَّى صَارَ لَا يَنْفُضُ جَازَ أَنْ تَلْبَسَهُ لِزَوَالِ الطِّيبِ مِنْهُ وَكَذَا لَا تَلْبَسُ الثَّوْبَ الْمُطَيَّبَ وَأَمَّا لُبْسُ الْحَرِيرِ إنْ قَصَدَتْ بِهِ الزِّينَةَ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ لَبِسْته لِعُذْرٍ كَمَا إذَا كَانَ بِهَا حَكَّةٌ أَوْ لِعَدَمِ غَيْرِهِ جَازَ مِنْ غَيْرِ إرَادَةِ الزِّينَةِ وَكَذَا لَا يَحِلُّ لَهَا لُبْسُ الْحُلِيِّ؛ لِأَنَّهَا تُلْبَسُ لِلزِّينَةِ.

(قَوْلُهُ وَلَا إحْدَادَ عَلَى كَافِرَةٍ وَلَا صَغِيرَةٍ) .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجِبُ عَلَى الصَّغِيرَةِ قِيَاسًا عَلَى الْعِدَّةِ قُلْنَا الْإِحْدَادُ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ فَلَا يَلْزَمْهَا وَأَمَّا الْعِدَّةُ فَلَيْسَتْ بِعِبَادَةٍ؛ لِأَنَّهَا مُضِيُّ الزَّمَانِ قَدْ أَسْلَمَتْ الْكَافِرَةُ فِي الْعِدَّةِ لَزِمَهَا الْإِحْدَادُ فِيمَا بَقِيَ مِنْ الْعِدَّةِ.

(قَوْلُهُ وَعَلَى الْأَمَةِ الْإِحْدَادُ) وَكَذَا الْمُكَاتَبَةُ وَالْمُدَبَّرَةُ وَأُمُّ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُنَّ مُخَاطَبَاتٌ بِحُقُوقِ اللَّهِ فِيمَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ إبْطَالُ حَقِّ الْمَوْلَى بِخِلَافِ الْمَنْعِ مِنْ الْخُرُوجِ؛ لِأَنَّ فِيهِ إبْطَالَ حَقِّهِ.

(قَوْلُهُ وَلَيْسَ فِي عِدَّةِ النِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَلَا فِي عِدَّةِ أُمِّ الْوَلَدِ إحْدَادٌ) ؛ لِأَنَّ الْإِحْدَادَ لِحُرْمَةِ الزَّوْجِيَّةُ وَالْفَاسِدُ لَا حُرْمَةَ لَهُ وَأُمُّ الْوَلَدِ عِدَّتُهَا وَطْءٌ فَهِيَ كَالْمَنْكُوحَةِ نِكَاحًا فَاسِدًا وَمَعْنَى قَوْلِهِ وَلَا فِي عِدَّةِ أُمِّ الْوَلَدِ يَعْنِي مِنْ الْمَوْلَى إذَا أَعْتَقَهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا؛ لِأَنَّهُ لَا زَوْجِيَّةَ بَيْنَهُمَا أَمَّا إذَا مَاتَ زَوْجُهَا فَعَلَيْهَا الْإِحْدَادُ

(قَوْلُهُ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ تُخْطَبَ الْمُعْتَدَّةُ وَلَا بَأْسَ بِالتَّعْرِيضِ فِي الْخِطْبَةِ) وَصُورَةُ التَّعْرِيضِ أَنْ يَقُولَ لَهَا إنِّي أُرِيدُ النِّكَاحَ وَأُحِبُّ امْرَأَةً صِفَتُهَا كَذَا فَيَصِفُهَا بِالصِّفَةِ الَّتِي هِيَ فِيهَا أَوْ يَقُولُ لَيْتَ لِي مِثْلُك أَوْ أَرْجُو أَنْ يَجْمَعَ اللَّهُ بَيْنِي وَبَيْنَك وَإِنْ قَضَى اللَّهُ لَنَا أَمْرًا كَانَ، وَهَذَا فِي الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا أَمَّا الْمُطَلَّقَةُ فَلَا يَجُوزُ التَّعْرِيضُ بِخِطْبَتِهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَخْرُجُ مِنْ مَنْزِلِهَا فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ.

(قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ لِلْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ وَالْمَبْتُوتَةِ الْخُرُوجُ مِنْ بَيْتَهَا لَيْلًا وَلَا نَهَارًا) بِخِلَافِ أُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرَةِ وَالْأَمَةِ وَالْمُكَاتَبَةِ حَيْثُ يَجُوزُ لَهُنَّ الْخُرُوجُ فِي الْوَفَاةِ وَالطَّلَاقِ بَائِنًا كَانَ أَوْ رَجْعِيًّا وَالصَّغِيرَةُ تَخْرُجُ فِي الْبَائِنِ دُونَ الرَّجْعِيِّ وَكَذَا الْمُعْتَدَّةُ مِنْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ وَقِيلَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَمْنَعَ الْكِتَابِيَّةَ مِنْ الْخُرُوجِ فِي عِدَّتِهَا كَمَا لَوْ كَانَ النِّكَاحُ بَاقِيًا وَأَصْلُ هَذَا قَوْله تَعَالَى فِي الْمُطَلَّقَاتِ {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [الطلاق: 1] وَاخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي الْفَاحِشَةِ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَهُوَ أَنْ تَزْنِيَ فَتَخْرُجَ لِإِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهَا وَقَالَ النَّخَعِيُّ هُوَ نَفْسُ الْخُرُوجِ وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ جَيِّدٌ إلَّا أَنَّ أَصْحَابَنَا قَالُوا: الصَّحِيحُ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ؛ لِأَنَّ الْغَايَةَ لَا تَكُونُ غَايَةً لِنَفْسِهَا فَلَمَّا قَالَ تَعَالَى {إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ} [الطلاق: 1] دَلَّ عَلَى أَنَّ الْفَاحِشَةَ غَيْرُ الْخُرُوجِ وَالْمُطَلَّقَةُ الرَّجْعِيَّةُ وَالْبَائِنُ وَالثَّلَاثُ فِيمَا يَلْزَمُ الْمُعْتَدَّةَ سَوَاءٌ أَمَّا الرَّجْعِيَّةُ فَلِأَنَّهَا زَوْجَةٌ فَلَهُ مَنَعَهَا مِنْ الْخُرُوجِ وَكَذَا الْمَبْتُوتَةُ وَالْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا لَهُ مَنْعُهُمَا لِتَحْصِينِ مَائِهِ فَإِنْ كَانَتْ الْمُعْتَدَّةُ أَمَةً أَوْ مُدَبَّرَةً أَوْ مُكَاتَبَةً أَوْ أُمَّ وَلَدٍ فَلَهَا الْخُرُوجُ فِي الطَّلَاقِ وَالْوَفَاةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهَا الْمُقَامُ فِي مَنْزِلِهِ حَالَ قِيَامِ النِّكَاحِ فَكَذَا فِي الْعِدَّةِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمَوْلَى فِي خِدْمَتِهَا وَالْمُكَاتَبَةِ فِي سِعَايَتِهَا فَلَوْ مَنَعْنَاهَا الْخُرُوجَ تَعَذَّرَتْ السِّعَايَةُ وَأَمَّا الْمُعْتَقُ بَعْضُهَا فَهِيَ مُكَاتَبَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ

(2/79)


وَعِنْدَهُمَا حُرَّةٌ مَدْيُونَةٌ.

(قَوْلُهُ وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا تَخْرُجُ نَهَارًا وَبَعْضَ اللَّيْلِ وَلَا تَبِيتُ عَنْ مَنْزِلِهَا) ؛ لِأَنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهَا فَتَحْتَاجُ إلَى الْخُرُوجِ نَهَارًا لِطَلَبِ الْمَعَاشِ وَقَدْ يَمْتَدُّ ذَلِكَ إلَى هُجُومِ اللَّيْلِ وَلَا كَذَلِكَ الْمُطَلَّقَةُ؛ لِأَنَّ نَفَقَتَهَا وَاجِبَةٌ عَلَى الزَّوْجِ وَقَوْلُهُ وَبَعْضَ اللَّيْلِ يَعْنِي مِقْدَارَ مَا تَسْتَكْمِلُ حَوَائِجَهَا وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهَا تَبِيتُ فِي مَنْزِلِهَا أَكْثَرَ اللَّيْلِ.

(قَوْلُهُ وَعَلَى الْمُعْتَدَّةِ أَنْ تَعْتَدَّ فِي الْمَنْزِلِ الَّذِي يُضَافُ إلَيْهَا بِالسُّكْنَى حَالَ وُقُوعِ الْفُرْقَةِ وَالْمَوْتِ) هَذَا إذَا كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا أَمَّا إذَا كَانَ بَائِنًا أَوْ ثَلَاثًا فَلَا بُدَّ مِنْ سُتْرَةٍ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الزَّوْجِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فَاسِقًا يُخَافُ عَلَيْهَا مِنْهُ فَإِنَّهَا تَخْرُجُ؛ لِأَنَّ هَذَا عُذْرٌ وَلَا تَخْرُجُ عَمَّا انْتَقَلَتْ إلَيْهِ وَالْأَوْلَى أَنْ يَخْرُجَ هُوَ وَيَتْرُكَهَا وَإِنْ جَعَلَا بَيْنَهُمَا امْرَأَةً ثِقَةً تَقْدِرُ عَلَى الْحَيْلُولَةِ بَيْنَهُمَا فَحَسَنٌ وَإِنْ ضَاقَ بِهَا الْمَنْزِلُ خَرَجَتْ وَلَا تَنْتَقِلُ عَمَّا تَخْرُجُ إلَيْهِ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ نَصِيبُهَا مِنْ دَارِ الْمَيِّتِ يَكْفِيهَا فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ إلَّا مِنْ عُذْرٍ) بِأَنْ يَنْهَدِمَ الْبَيْتُ أَوْ كَانَتْ فِي الرُّسْتَاقِ فَخَافَتْ اللُّصُوصَ أَوْ الظُّلْمَةَ فَلَا بَأْسَ بِالِانْتِقَالِ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ نَصِيبُهَا مِنْ دَارِ الْمَيِّتِ لَا يَكْفِيهَا فَأَخْرَجَهَا الْوَرَثَةُ مِنْ نَصِيبِهِمْ انْتَقَلَتْ) ؛ لِأَنَّ هَذَا عُذْرٌ.

(قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسَافِرَ الزَّوْجُ بِالْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ) .
وَقَالَ زُفَرُ لَهُ ذَلِكَ، وَلَوْ خَرَجَ الرَّجُلُ بِامْرَأَتِهِ مُسَافِرٌ لِلْحَجِّ فَطَلَّقَهَا فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ أَوْ مَاتَ عَنْهَا فَإِنْ كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مِصْرِهَا أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ عَادَتْ إلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَقْصِدِهَا ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ أَوْ أَقَلُّ؛ لِأَنَّهَا تَقْدِرُ أَنْ تَعُودَ إلَى مَنْزِلِهَا مِنْ غَيْرِ إنْشَاءِ سَفَرٍ وَأَمَّا إذَا كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مِصْرِهَا ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ مَقْصِدِهَا أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّهَا تَمْضِي لِمَقْصِدِهَا؛ لِأَنَّهَا تَحْتَاجُ فِي عَوْدِهَا إلَى إنْشَاءِ سَفَرٍ، وَهِيَ مَمْنُوعَةٌ مِنْ السَّفَرِ وَلَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْمُضِيِّ وَإِنْ كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مِصْرِهَا أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ مَقْصِدِهَا كَذَلِكَ فَهِيَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَتْ مَضَتْ وَإِنْ شَاءَتْ رَجَعَتْ بِمَحْرَمٍ أَوْ غَيْرِهِ إلَّا أَنَّ الرُّجُوعَ أَوْلَى لِيَكُونَ الِاعْتِدَادُ فِي مَنْزِلِ الزَّوْجِ وَإِنْ كَانَ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَفَرٌ وَهِيَ فِي الْمَفَازَةِ فَإِنْ شَاءَتْ مَضَتْ وَإِنْ شَاءَتْ رَجَعَتْ كَانَ مَعَهَا مُحْرِمٌ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ الْمُكْثَ هُنَاكَ أَخْوَفُ عَلَيْهَا مِنْ الْخُرُوجِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ لِلْإِقَامَةِ إلَّا أَنَّ الرُّجُوعَ أَوْلَى لِمَا ذَكَرْنَا ثُمَّ إذَا مَضَتْ وَبَلَغَتْ إلَى أَقْرَبِ بُقْعَةٍ فِيهَا الْأَمْنُ، وَهِيَ تَصْلُحُ لِلْإِقَامَةِ أَقَامَتْ فِيهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَمَّا إذَا كَانَ مَوْضِعُ الطَّلَاقِ أَوْ الْمَوْتِ يَصْلُحُ لِلْإِقَامَةِ فَإِنَّهَا لَا تَخْرُجُ مِنْهُ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا سَوَاءٌ كَانَ مَعَهَا مُحْرِمٌ أَوْ لَا ثُمَّ تَخْرُجُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إذَا كَانَ مَعَهَا مُحْرِمٌ فَلَا بَأْسَ أَنْ تَخْرُجَ مَعَهُ إلَى أَيِّهِمَا شَاءَتْ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الْخُرُوجِ مُبَاحٌ دَفْعًا لِضَرَرِ الْغُرْبَةِ وَوَحْشَةِ الْوَحْدَةِ وَإِنَّمَا الْحُرْمَةُ لِلسَّفَرِ وَقَدْ ارْتَفَعَتْ بِالْمُحْرِمِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمَرْأَةَ فِي السَّفَرِ تَابِعَةٌ لِلزَّوْجِ فَإِذَا مَاتَ أَوْ طَلَّقَهَا انْقَطَعَ حُكْمُ سَفَرِهَا التَّابِعِ لَهُ وَصَارَ الْحُكْمُ يَتَعَلَّقُ بِنِيَّتِهَا فَخُرُوجُهَا إنْشَاءُ سَفَرٍ فِي الْعِدَّةِ فَلَا يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَلِأَنَّ الْعِدَّةَ أَمْنَعُ لِلْخُرُوجِ مِنْ عَدَمِ الْمُحْرِمِ فَإِنَّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَخْرُجَ إلَى مَا دُونَ السَّفَرِ بِغَيْرِ مُحْرِمٍ وَلَيْسَ لِلْمُعْتَدَّةِ ذَلِكَ فَلِمَا حَرُمَ عَلَيْهَا الْخُرُوجُ إلَى السَّفَرِ بِغَيْرِ مُحْرِمٍ فَفِي الْعِدَّةِ أَوْلَى.

(قَوْلُهُ وَإِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ طَلَاقًا بَائِنًا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فِي عِدَّتِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَعَلَيْهِ مَهْرٌ كَامِلٌ وَعَلَيْهَا عِدَّةٌ مُسْتَقْبَلَةٌ عِنْدَهُمَا.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ وَعَلَيْهَا تَمَامُ الْعِدَّةِ الْأُولَى) وَأَصْلُهُ أَنَّ الدُّخُولَ فِي النِّكَاحِ الْأَوَّلِ هَلْ هُوَ دُخُولٌ فِي الثَّانِي بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ

(2/80)


فَعِنْدَهُمَا نَعَمْ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا فَعَلَى هَذَا إذَا تَزَوَّجَتْ مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ وَدَخَلَ بِهَا فَرَفَعَ الْوَلِيُّ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَأَلْزَمهُ الْمَهْرَ وَأَلْزَمهَا الْعِدَّةَ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فِي الْعِدَّةِ بِغَيْرِ وَلِيَّ ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ تَزَوَّجَ صَغِيرَةً وَدَخَلَ بِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا بَائِنًا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فِي الْعِدَّةِ ثُمَّ بَلَغَتْ وَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً نِكَاحًا فَاسِدًا وَدَخَلَ بِهَا ثُمَّ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فِي الْعِدَّةِ نِكَاحًا صَحِيحًا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَفِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ كُلِّهَا يَجِبُ الْمَهْرُ عِنْدَهُمَا كَامِلًا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ.
وَقَالَ زُفَرُ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا أَصْلًا؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ الْأُولَى قَدْ سَقَطَتْ بِالتَّزَوُّجِ فَلَا تَعُودُ وَالثَّانِيَةُ لَمْ تَجِبْ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ وَرَدَ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا يُوجِبُ كَمَالَ الْمَهْرِ وَلَا اسْتِئْنَافَ الْعِدَّةِ

(قَوْلُهُ وَيَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِ الْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ إذَا جَاءَتْ بِهِ لِسَنَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ مَا لَمْ تُقِرَّ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا) لِاحْتِمَالِ الْعُلُوقِ فِي حَالَةِ الْعِدَّةِ لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ مُمْتَدَّةَ الطُّهْرِ وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ أَقَلَّ مُدَّةِ الْحَمْلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ بِلَا خِلَافٍ وَأَكْثَرَهَا سَنَتَانِ عِنْدَنَا فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا قُلْنَا إذَا جَاءَتْ الرَّجْعِيَّةُ بِوَلَدٍ لِسَنَتَيْنِ وَلَمْ تَكُنْ أَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا ثَبَتَ نَسَبُهُ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ بَاقِيَةٌ وَمُدَّةَ الْحَمْلِ بَاقِيَةٌ وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ ثَبَتَ أَيْضًا وَكَانَ عُلُوقُهَا بِهِ رَجْعَةً إذَا لَمْ تَكُنْ أَقَرَّتْ بِالِانْقِضَاءِ؛ لِأَنَّ الرَّجْعِيَّ لَا يُزِيلُ الْمِلْكَ فَإِذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ عُلِمَ أَنَّهُ بِوَطْءٍ حَادِثٍ، وَهِيَ مُبَاحَةُ الْوَطْءِ فَحُمِلَ أَمْرُهُ عَلَى أَنَّهُ وَطِئَهَا فِي الْعِدَّةِ فَصَارَ مُرَاجِعًا بِوَطْئِهَا فَلِهَذَا لَزِمَهُ وَكَانَ ذَلِكَ رَجْعَةً وَأَمَّا إذَا أَقَرَّتْ بِالِانْقِضَاءِ فِي مُدَّةٍ تَنْقَضِي بِهَا الْعِدَّةُ ثُمَّ جَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا لَمْ يَلْزَمْهُ؛ لِأَنَّ أَقَلَّ مُدَّةِ الْحَمْلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَإِذَا جَاءَتْ بِهِ بَعْدَ الْإِقْرَارِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ عُلِمَ أَنَّهُ حَدَثَ بِهِ بَعْدَ الْإِقْرَارِ فَلَمْ يَلْزَمْهُ.
وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَزِمَهُ؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا كَذِبَهَا بِالْإِقْرَارِ وَعَلِمْنَا أَنَّهَا أَقَرَّتْ، وَهِيَ حُبْلَى فَلَا يَصِحُّ إقْرَارُهَا، وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ كُلَّمَا وَلَدْت وَلَدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَوَلَدَتْ وَلَدَيْنِ فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ فَطَلُقَتْ بِالْأَوَّلِ وَانْقَضَتْ الْعِدَّةُ بِالثَّانِي وَلَا يَقَعُ بِهِ طَلَاقٌ؛ لِأَنَّ الْحِنْثَ الثَّانِيَ صَادَفَهَا، وَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ فَلَا يَقَعُ شَيْءٌ وَإِنْ وَلَدَتْ ثَلَاثَةً وَقَعَ طَلْقَتَانِ وَانْقَضَتْ الْعِدَّةُ بِالثَّالِثِ؛ لِأَنَّ كُلَّمَا تَكَرَّرَ الْأَفْعَالُ فَقَدْ تَكَرَّرَ الْجَزَاءُ بِتَكْرَارِ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا وَلَدَتْ الْأَوَّلَ طَلُقَتْ وَاحِدَةً وَبَقِيَتْ مُعْتَدَّةً لِبَقَاءِ الْوَلَدِ فِي بَطْنِهَا فَإِذَا وَلَدَتْ الثَّانِيَ طَلُقَتْ أُخْرَى؛ لِأَنَّ عِدَّتَهَا بَاقِيَةٌ مَا لَمْ تَضَعْ الثَّالِثَ فَإِذَا وَضَعَتْ الثَّالِثَ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَيُصَادِفُهَا الطَّلَاقُ الثَّالِثُ، وَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ فَلَا يَقَعُ شَيْءٌ.
(قَوْلُهُ فَإِذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ بَانَتْ مِنْهُ) ؛ لِأَنَّهَا تَصِيرُ بِوَضْعِهِ مُنْقَضِيَةَ الْعِدَّةِ وَيَثْبُتُ نَسَبُهُ لِوُجُوبِ الْعُلُوقِ فِي النِّكَاحِ أَوْ فِي الْعِدَّةِ وَلَا يَصِيرُ مُرَاجِعًا؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْعُلُوقَ قَبْلَ الطَّلَاقِ وَيَحْتَمِلُ الْعِدَّةَ فَلَا يَصِيرُ مُرَاجِعًا بِالشَّكِّ (قَوْلُهُ وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ ثَبَتَ نَسَبُهُ وَكَانَتْ رَجْعِيَّةً) ؛ لِأَنَّ الْعُلُوقَ بَعْدَ الطَّلَاقِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْهُ لِانْتِفَاءِ الزِّنَا مِنْهَا فَيَصِيرُ بِالْوَطْءِ مُرَاجِعًا.

(قَوْلُهُ وَالْمَبْتُوتَةُ يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهَا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ) ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْحَمْلُ قَائِمًا وَقْتَ الطَّلَاقِ (قَوْلُهُ وَإِذَا جَاءَتْ بِهِ لِتَمَامِ سَنَتَيْنِ مِنْ يَوْمِ الْفُرْقَةِ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ) ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ حَادِثٌ بَعْدَ الطَّلَاقِ فَلَا يَكُونُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ وَطْأَهَا حَرَامٌ قَالَ فِي شَرْحِهِ هَذَا الْكَلَامُ سَهْوٌ؛ لِأَنَّ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْكُتُبِ أَنَّ نَسَبَهُ يَثْبُتُ إذَا جَاءَتْ بِهِ لِسَنَتَيْنِ؛ لِأَنَّ رَحِمَهَا مَشْغُولٌ بِالْحَمْلِ وَمُدَّتُهُ سَنَتَانِ وَذَكَرَ فِي الْيَنَابِيعِ إذَا خَرَجَ رَأْسُ الْوَلَدِ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ ثُمَّ انْفَصَلَ عَنْهَا لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ لَا يَلْزَمُهُ الْوَلَدُ حَتَّى يَخْرُجَ الرَّأْسُ وَنِصْفُ الْبَدَنِ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ أَوْ يَخْرُجَ مِنْ قِبَلِ الرِّجْلَيْنِ الْأَكْثَرُ مِنْ الْبَدَنِ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ وَالْبَاقِي لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَهُ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا ادَّعَاهُ فَقَدْ الْتَزَمَهُ وَلَهُ وَجْهٌ بِأَنْ وَطِئَهَا بِشُبْهَةٍ فِي الْعِدَّةِ ثُمَّ إذَا ادَّعَاهُ هَلْ يَحْتَاجُ إلَى تَصْدِيقِهَا فِيهِ رِوَايَتَانِ.

(قَوْلُهُ وَيَثْبُتُ نَسَبُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا مَا بَيْنَ الْوَفَاةِ وَبَيْنَ سَنَتَيْنِ) سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ

(2/81)


الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ.
وَقَالَ زُفَرُ إذَا جَاءَتْ بِهِ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّةِ الْوَفَاةِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ وَذَلِكَ لِعَشْرَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرَةِ أَيَّامٍ مِنْ يَوْمِ الْوَفَاةِ، وَلَوْ زَنَى بِامْرَأَةٍ فَحَبِلَتْ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَوَلَدَتْ إنْ جَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا ثَبَتَ نَسَبُهُ وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ لَمْ يَثْبُتْ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَهُ وَلَمْ يَقُلْ إنَّهُ مِنْ الزِّنَا أَمَّا إذَا قَالَ هُوَ ابْنِي مِنْ الزِّنَا لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ وَلَا يَرِثُ مِنْهُ.

(قَوْلُهُ وَإِذَا اعْتَرَفَتْ الْمُعْتَدَّةُ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ثَبَتَ نَسَبُهُ) ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ كَذِبُهَا بِيَقِينٍ (قَوْلُهُ وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ لَمْ يَثْبُتْ لِاحْتِمَالِ الْحُدُوثِ بَعْدَ الْعِدَّةِ) وَكَذَا الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا إذَا أَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ثُمَّ وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ الْإِقْرَارِ ثَبَتَ نَسَبُهُ وَإِنْ وَلَدَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ لَمْ يَثْبُتْ.

(قَوْلُهُ وَإِذَا وَلَدَتْ الْمُعْتَدَّةُ وَلَدًا لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا أَنْ يَشْهَدَ بِوِلَادَتِهَا رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ إلَّا أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ حَمْلٌ ظَاهِرٌ أَوْ اعْتِرَافٌ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ فَيَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْ غَيْرِ شَهَادَةٍ) سَوَاءٌ كَانَتْ مُعْتَدَّةً مِنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ أَوْ رَجْعِيٍّ أَوْ وَفَاةٍ وَقَوْلُهُ حَمْلٌ ظَاهِرٌ بِأَنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَقَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ شَهَادَةٍ يَعْنِي تَامَّةً؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ الْقَابِلَةِ شَرْطُ مَعْنَاهُ إذَا كَانَ هُنَاكَ حَمْلُ ظَاهِرٌ وَأَنْكَرَ الزَّوْجُ الْوِلَادَةَ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ تَشْهَدَ بِوِلَادَتِهَا قَابِلَةٌ لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ وَلَدَتْ وَلَدًا مَيِّتًا وَأَرَادَتْ إلْزَامَهُ وَلَدَ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَثْبُتُ فِي الْجَمِيعِ بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ) ؛ لِأَنَّ الْفِرَاشَ قَائِمٌ لِقِيَامِ الْعِدَّةِ وَالْفِرَاشُ مُلْزِمُ النَّسَبِ كَمَا فِي حَالِ قِيَامِ النِّكَاحِ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ حُرَّةً مُسْلِمَةً عَدْلَةً عَلَى قَوْلِهِمَا وَأَمَّا شَهَادَةُ الرَّجُلِ الْوَاحِدِ فَذَكَرَ الْإِمَامُ خواهر زاده أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ.
وَفِي الْخُلَاصَةِ تُقْبَلُ عَلَى أَصَحِّ الْأَقَاوِيلِ كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى.

(قَوْلُهُ وَإِذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ تَزَوَّجَهَا لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ) ؛ لِأَنَّ الْعُلُوقَ سَابِقٌ عَلَى النِّكَاحِ فَلَا يَكُونُ مِنْهُ وَيَنْفَسِخُ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّ مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً، وَهِيَ حَامِلٌ لَمْ يَجُزْ نِكَاحُهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَمْلُ مِنْ الزِّنَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ ثُمَّ إذَا وَطِئَهَا فِي هَذَا النِّكَاحِ يَلْزَمُهُ الْمَهْرُ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ فِي عَقْدٍ وَقَوْلُهُ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ يَعْنِي إذَا لَمْ يَدَّعِهِ أَمَّا إذَا ادَّعَاهُ وَلَمْ يَقُلْ هُوَ مِنْ الزِّنَا ثَبَتَ نَسَبُهُ (قَوْلُهُ وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا ثَبَتَ نَسَبُهُ إذَا اعْتَرَفَ بِهِ) يَعْنِي أَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْفِهِ فِي وَقْتِ النَّفْيِ وَكَذَا إذَا سَكَتَ أَيْضًا يَثْبُتُ نَسَبُهُ؛ لِأَنَّ الْفِرَاشَ قَائِمٌ وَالْمُدَّةَ تَامَّةٌ (قَوْلُهُ وَإِنْ جَحَدَ الْوِلَادَةَ ثَبَتَ نَسَبُهُ بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ تَشْهَدُ بِالْوِلَادَةِ) وَكَذَا بِرَجُلٍ وَاحِدٍ حَتَّى لَوْ نَفَاهُ يُلَاعِنُ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ بِالْفِرَاشِ وَصُورَتُهُ مَنْكُوحَةٌ وَلَدَتْ فَقَالَ الزَّوْجُ لَمْ تَلِدْ بِهِ فَشَهِدَتْ بِهِ امْرَأَةٌ فَنَفَاهُ لَاعَنَ فَإِنْ وَلَدَتْ ثُمَّ اخْتَلَفَا فَقَالَ تَزَوَّجْتُك مُنْذُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَقَالَتْ مُنْذُ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لَهَا فَإِنَّهَا تَلِدُ ظَاهِرًا مِنْ نِكَاحٍ لَا مِنْ سِفَاحٍ وَلَمْ يَذْكُرْ الِاسْتِحْلَافَ وَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ الْمَعْرُوفِ وَإِذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ إذَا وَلَدْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَشَهِدَتْ امْرَأَةٌ عَلَى الْوِلَادَةِ لَمْ تَطْلُقْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهَا ادَّعَتْ الْحِنْثَ فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِحُجَّةٍ تَامَّةٍ وَعِنْدَهُمَا تَطْلُقُ؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهَا حُجَّةٌ فِي ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ قَدْ اعْتَرَفَ بِالْحَبَلِ طَلُقَتْ مِنْ غَيْرِ شَهَادَةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْحَبَلِ إقْرَارٌ بِمَا يُفْضِي إلَيْهِ وَهُوَ الْوِلَادَةُ وَعِنْدَهُمَا يُشْتَرَطُ شَهَادَةُ الْقَابِلَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ حُجَّةٍ لِدَعْوَاهَا الْحِنْثَ.

(قَوْلُهُ وَأَكْثَرُ مُدَّةِ الْحَمْلِ سَنَتَانِ) .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ أَرْبَعُ سِنِينَ (قَوْلُهُ وَأَقَلُّهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: 15] وَقَالَ تَعَالَى {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} [لقمان: 14] فَبَقِيَ لِلْحَمْلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ.

(2/82)


قَوْلُهُ وَإِذَا طَلَّقَ الذِّمِّيُّ الذِّمِّيَّةَ فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا كَانَ ذَلِكَ فِي دِينِهِمْ وَكَذَا إذَا مَاتَ عَنْهَا.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ؛ لِأَنَّهَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لِأَبِي حَنِيفَةَ إنَّ الْعِدَّةَ تَجِبُ لِحَقِّ اللَّهِ وَلِحَقِّ الزَّوْجِ، وَهِيَ غَيْرُ مُخَاطَبَةٍ بِحُقُوقِ اللَّهِ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالزَّوْجُ قَدْ أَسْقَطَ حَقَّهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْتَقِدُهُ حَقًّا.

(قَوْلُهُ وَإِذَا تَزَوَّجَتْ الْحَامِلُ مِنْ الزِّنَا جَازَ النِّكَاحُ) وَلَا نَفَقَةَ لَهَا حَتَّى تَضَعَ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ مَاءَ الزَّانِي لَا حُرْمَةَ لَهُ وَالْمَنْعُ مِنْ تَزَوُّجِ الْحَامِلِ لِحُرْمَةِ مَاءِ الْوَاطِئِ (قَوْلُهُ وَلَا يَطَؤُهَا حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ» إلَّا أَنْ يَكُونَ هُوَ الزَّانِيَ فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَزُفَرُ نِكَاحُ الْحُبْلَى مِنْ الزِّنَا فَاسِدٌ وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا أَنْكَرَ الزَّوْجُ الْحَمْلَ إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ مِنْهُ فَالنِّكَاحُ صَحِيحٌ بِالِاتِّفَاقِ وَلَا يُمْنَعُ مِنْ وَطْئِهَا وَلَهَا النَّفَقَةُ عِنْدَ الْكُلّ ثُمَّ إذَا جَاءَتْ بِالْوَلَدِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا بَعْدَ النِّكَاحِ ثَبَتَ نَسَبُهُ وَيَرِثُ مِنْهُ وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ وَلَا يَرِثُ مِنْهُ كَذَا فِي الْوَاقِعَاتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ