الجوهرة
النيرة على مختصر القدوري [كِتَابُ الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ]
الصَّيْدُ فِي اللُّغَةِ اسْمٌ لِمَا يُصَادُ مَأْكُولًا كَانَ أَوْ غَيْرَ
مَأْكُولٍ قَالَ الشَّاعِرُ:
صَيْدُ الْمُلُوكِ أَرَانِبٌ وَثَعَالِبُ ... وَإِذَا رَكِبْتَ فَصَيْدُك
الْأَبْطَالُ
إلَّا أَنَّهُ فِي الشَّرْعِ لَهُ أَحْكَامٌ وَشَرَائِطُ كَمَا ذُكِرَ فِي
الْمَتْنِ، وَالذَّبَائِحُ: جَمْعُ ذَبِيحَةٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
(وَيَجُوزُ الِاصْطِيَادُ بِالْكَلْبِ الْمُعَلَّمِ، وَالْفَهْدِ
الْمُعَلَّمِ، وَالْبَازِي وَسَائِرِ الْجَوَارِحِ الْمُعَلَّمَةِ) مِثْلُ
الْأَسَدِ، وَالنَّمِرِ، وَالدُّبِّ، وَالْفَهْدِ وَلَا يَجُوزُ
بِالْخِنْزِيرِ لِأَنَّهُ نَجِسُ الْعَيْنِ وَعَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا:
أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بِالذِّئْبِ، وَالْأَسَدِ لِأَنَّ الْأَسَدَ لَا
يَعْمَلُ لِغَيْرِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْكِبْرِ، وَالذِّئْبَ لَا
يُتَصَوَّرُ مِنْهُ التَّعَلُّمُ لِخِيَانَتِهِ وَلِهَذَا يُقَالُ مِنْ
التَّعْذِيبِ تَهْذِيبُ الذِّئْبِ وَإِنَّمَا شُرِطَ التَّعْلِيمُ
لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ}
[المائدة: 4] أَيْ مُسَلِّطِينَ، وَالتَّكْلِيبُ إغْرَاءُ السَّبُعِ عَلَى
الصَّيْدِ ثُمَّ لِلِاصْطِيَادِ سَبُعِ شَرَائِطَ أَرْبَعٌ فِي الْمُرْسَلِ
وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مُعَلَّمًا وَأَنْ يَكُونَ ذَا جَارِحَةٍ غَيْرَ
نَجِسَ الْعَيْنِ وَأَنْ يَجْرَحَهُ
(2/176)
الْكَلْبُ أَوْ الْبَازِي وَأَنْ يُمْسِكَ
عَلَى صَاحِبِهِ وَثَلَاثٌ فِي الْمُرْسِلِ أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ
مُسْلِمًا أَوْ كِتَابِيًّا يَعْقِلُ الْإِرْسَالَ، وَالثَّانِي
التَّسْمِيَةُ فِي حَالِ الْإِرْسَالِ عِنْدَ الذِّكْرِ، وَالثَّالِثُ:
أَنْ يَلْحَقَهُ الْمُرْسِلُ أَوْ مَنْ قَامَ مَقَامَهُ قَبْلَ انْقِطَاعِ
الطَّلَبِ، وَالتَّوَارِي.
. قَوْلُهُ: (وَتَعْلِيمُ الْكَلْبِ أَنْ يَتْرُكَ الْأَكْلَ ثَلَاثَ
مَرَّاتٍ) هَذَا عِنْدَهُمَا وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَثْبُتُ التَّعْلِيمُ عَلَى ظَنِّ الصَّائِدِ
أَنَّهُ تَعَلَّمَ وَلَا يُقَدَّرُ عَلَى ذَلِكَ بِالثَّلَاثِ بَلْ
يُفَوَّضُ إلَى رَأْيِ الصَّائِدِ ثُمَّ عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى
عِنْدَهُ يَحِلُّ مَا اصْطَادَهُ ثَالِثًا وَعِنْدَهُمَا لَا يَحِلُّ
لِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِيرُ مُعَلَّمًا بَعْدَ تَمَامِ الثَّلَاثِ حَتَّى
أَنَّ عِنْدَهُمَا لَا يُؤْكَلُ إلَّا الرَّابِعُ وَعِنْدَهُ يُؤْكَلُ
الثَّالِثُ وَإِنَّمَا قَدَّرَاهُ بِالثَّلَاثِ لِأَنَّهَا مُدَّةٌ
ضُرِبَتْ لِلِاخْتِبَارِ كَمَا فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ، وَقَدْ قَالَ
مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِلْخَضِرِ فِي الْمَرَّةِ الثَّالِثَةِ
{إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي} [الكهف: 76]
قَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: مَنْ اتَّجَرَ فِي شَيْءٍ ثَلَاثَ
مَرَّاتٍ فَلَمْ يَرْبَحْ فَلْيَنْتَقِلْ إلَى غَيْرِهِ ثُمَّ إذَا صَادَ
الْكَلْبُ مُعَلَّمًا فِي الظَّاهِرِ فَصَادَ بِهِ صَاحِبُهُ صُيُودًا
ثُمَّ أَكَلَ بَعْدَ ذَلِكَ مِمَّا صَادَهُ بَطَلَ تَعْلِيمُهُ وَلَا
يُؤْكَلُ مَا صَادَهُ بَعْدَ هَذَا حَتَّى يُعَلَّمَ تَعْلِيمًا فَيَصِيرُ
مُعَلَّمًا وَمَا كَانَ قَدْ صَادَهُ قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ الصُّيُودِ لَا
يَحِلُّ أَكْلُهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: يَحِلُّ أَكْلُهَا قَوْلُهُ:
(وَتَعْلِيمُ الْبَازِي أَنْ يَرْجِعَ إذَا دَعَوْته) وَتَرْكُ الْأَكْلِ
فِيهِ لَيْسَ بِشَرْطٍ.
وَفِي الْبَازِي لُغَتَانِ: تَشْدِيدُ الْيَاءِ وَتَخْفِيفُهَا وَجَمْعُهُ
بُزَاةٌ، وَالْبَازُ أَيْضًا لُغَةٌ فِيهِ وَجَمْعُهُ أَبْوَازٌ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ الْمُعَلَّمَ أَوْ بَازَهُ أَوْ
صَقْرَهُ وَذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَ إرْسَالِهِ فَأَخَذَ
الصَّيْدَ وَجَرَحَهُ فَمَاتَ حَلَّ أَكْلُهُ) وَلَا بُدَّ مِنْ
التَّسْمِيَةِ وَقْتَ الرَّمْيِ، وَالْإِرْسَالِ فَإِنْ رَمَى وَلَمْ
يُسَمِّ عَامِدًا أَوْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ وَلَمْ يُسَمِّ عَامِدًا
فَالصَّيْدُ مَيْتَةٌ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ عِنْدَنَا خِلَافًا
لِلشَّافِعِيِّ وَإِنْ تَرَكَ التَّسْمِيَةَ عِنْدَ ذَلِكَ نَاسِيًا حَلَّ
أَكْلُهُ وَإِنْ رَمَى ثُمَّ سَمَّى بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ
ثُمَّ سَمَّى بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ
وَقْتُ الرَّمْيِ وَوَقْتُ الْإِرْسَالِ هَذَا بِالِاتِّفَاقِ.
وَقَوْلُهُ: وَجَرَحَهُ الْجَرْحُ شَرْطٌ لَا بُدَّ مِنْهُ فِي ظَاهِرِ
الرِّوَايَةِ وَيُكْتَفَى بِهِ فِي أَيْ مَوْضِعٍ كَانَ مِنْ بَدَنِ
الصَّيْدِ قَوْلُهُ: (فَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ الْكَلْبُ أَوْ الْفَهْدُ لَمْ
يُؤْكَلْ) لِأَنَّهُ إنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ وَذَلِكَ يَدُلُّ
عَلَى فَقْدِ التَّعْلِيمِ فَإِنْ شَرِبَ الْكَلْبُ مِنْ دَمِ الصَّيْدِ
وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ أُكِلَ لِأَنَّهُ أَمْسَكَ الصَّيْدَ عَلَى
صَاحِبِهِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى غَايَةِ عِلْمه حَيْثُ شَرِبَ مَا لَا
يَصْلُحُ لِصَاحِبِهِ وَأَمْسَكَ عَلَيْهِ مَا يَصْلُحُ لَهُ وَإِنْ أَخَذَ
الصَّائِدُ الصَّيْدَ مِنْ الْكَلْبِ ثُمَّ قَطَعَ لَهُ مِنْهُ قِطْعَةً
وَأَلْقَاهَا إلَيْهِ فَأَكَلَهَا جَازَ أَكْلُ الْبَاقِي وَكَذَا إذَا
وَثَبَ الْكَلْبُ عَلَى الصَّيْدِ وَقَدْ صَارَ فِي يَدِ صَاحِبِهِ
فَأَخَذَ مِنْهُ لُقْمَةً فَإِنَّهُ يُؤْكَلُ الْبَاقِي بِخِلَافِ مَا إذَا
فَعَلَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُحْرِزَهُ صَاحِبُهُ وَكَذَا إذَا سَرَقَ
الْكَلْبُ مِنْ الصَّيْدِ بَعْدَ دَفْعِهِ إلَى صَاحِبِهِ فَإِنَّهُ
يُؤْكَلُ الْبَاقِي وَإِنْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ عَلَى صَيْدٍ فَأَخْطَأَهُ
الْكَلْبُ وَأَخَذَ صَيْدًا غَيْرَهُ فَقَتَلَهُ فَإِنَّهُ يُؤْكَلُ
وَكَذَا إذَا أَرْسَلَهُ عَلَى صَيْدٍ بِعَيْنِهِ فَأَخْطَأَ وَأَخَذَ
غَيْرَهُ أُكِلَ وَكَذَا إذَا أَرْسَلَهُ عَلَى ظَبْيٍ فَأَخَذَ طَيْرًا
أَوْ عَلَى طَيْرٍ فَأَخَذَ ظَبْيًا أُكِلَ، وَالطَّيْرُ فِي هَذَا كُلِّهِ
بِمَنْزِلَةِ الْكَلْبِ وَإِنْ انْفَلَتَ كَلْبٌ عَلَى صَيْدٍ وَلَا
مُرْسِلَ لَهُ فَأَغْرَاهُ مُسْلِمٌ وَسَمَّى فَإِنْ انْزَجَرَ بِزَجْرِهِ
أُكِلَ وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ أَرْسَلَ كَلْبًا عَلَى صَيْدٍ وَسَمَّى
فَمَا أَخَذَ فِي ذَلِكَ الْفَوْرِ مِنْ الصُّيُودِ فَقَتَلَهُ أُكِلَ
كُلُّهُ وَإِنْ أَخَذَ صَيْدًا فَقَتَلَهُ ثُمَّ أَخَذَ صَيْدًا فَقَتَلَهُ
ثُمَّ أَخَذَ صَيْدًا آخَرَ فَقَتَلَهُ أُكِلَ ذَلِكَ أَيْضًا وَكَذَا
الْبَازِي عَلَى هَذَا إذَا أَخَذَ فِي فَوْرِهِ وَإِنْ أَخَذَ الْكَلْبُ
صَيْدًا فَقَتَلَهُ وَجَثَمَ عَلَيْهِ طَوِيلًا ثُمَّ مَرَّ بِهِ صَيْدٌ
آخَرُ فَقَتَلَهُ لَمْ يُؤْكَلْ لِأَنَّهُ قَدْ خَرَجَ عَنْ إرْسَالِ
الْأَوَّلِ، وَلَوْ كَمَنَ الْكَلْبُ حَتَّى مَرَّ عَلَيْهِ الصَّيْدُ
فَوَثَبَ عَلَيْهِ فَأَخَذَهُ وَقَتَلَهُ أُكِلَ لِأَنَّ كُمُونَهُ
لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الصَّيْدِ مِنْ أَسْبَابِ الِاصْطِيَادِ فَلَا يَقْطَعُ
حُكْمَ الْإِرْسَالِ وَكَذَا الْبَازِي إذَا أُرْسِلَ فَسَقَطَ عَلَى
شَيْءٍ ثُمَّ طَارَ فَأَخَذَ الصَّيْدَ أُكِلَ لِأَنَّهُ إنَّمَا سَقَطَ
عَلَى الشَّيْءِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الصَّيْدِ وَهَذَا إذَا لَمْ يَمْكُثْ
طَوِيلًا وَكَذَا الرَّامِي إذَا رَمَى بِسَهْمٍ فَمَا أَصَابَ فِي
سَنَنِهِ ذَلِكَ أُكِلَ حَتَّى لَوْ أَصَابَ صَيْدًا ثُمَّ نَفَذَ مِنْهُ
إلَى آخَرَ ثُمَّ نَفَذَ مِنْهُ إلَى آخَرَ أُكِلُوا جَمِيعًا فَإِنْ
أَمَالَتْ الرِّيحُ السَّهْمَ إلَى نَاحِيَةٍ أُخْرَى يَمْنَةً أَوْ
يَسْرَةً فَأَصَابَ صَيْدًا لَمْ يُؤْكَلْ قَوْلُهُ: (وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ
الْبَازِي أُكِلَ) لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ تَعْلِيمِهِ تَرْكُ
الْأَكْلِ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ أَدْرَكَ الْمُرْسِلُ الصَّيْدَ حَيًّا وَجَبَ عَلَيْهِ
أَنْ يُذَكِّيَهُ فَإِنْ تَرَكَ تَذْكِيَتَهُ حَتَّى مَاتَ لَمْ يُؤْكَلْ)
.
(2/177)
لِأَنَّهُ مَقْدُورٌ عَلَى ذَبْحِهِ وَلَمْ
يُذْبَحْ فَصَارَ كَالْمَيْتَةِ وَهَذَا إذَا تَمَكَّنَ مِنْ ذَبْحِهِ
أَمَّا إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ، وَفِيهِ مِنْ الْحَيَاةِ فَوْقَ مَا يَكُونُ
مِنْ الْمَذْبُوحِ لَمْ يُؤْكَلْ أَيْضًا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَنْ
أَبِي حَنِيفَةَ يَحِلُّ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ فِيهِ تَفْصِيلًا وَهُوَ
أَنَّهُ إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ لِفَقْدِ سِكِّينٍ لَمْ يُؤْكَلْ وَإِنْ
لَمْ يَتَمَكَّنْ لِضِيقِ الْوَقْتِ فَكَذَا أَيْضًا لَا يُؤْكَلُ
عِنْدَنَا لِأَنَّهُ إذَا وَقَعَ فِي يَدِهِ لَمْ يَبْقَ صَيْدًا فَبَطَلَ
حُكْمُ ذَكَاةِ الِاضْطِرَارِ وَمَا عَقَرَهُ السَّبُعُ أَوْ جَرَحَهُ
السَّهْمُ مِنْ الْأَنْعَامِ فَإِنْ كَانَ الْجُرْحُ مِمَّا لَا يَعِيشُ
مِنْهُ إلَّا قَدْرَ مَا يَعِيشُ الْمَذْبُوحُ فَذَكَّاهُ لَمْ يُؤْكَلْ
وَإِنْ كَانَ يَعِيشُ مِنْ مِثْلِهِ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ لَوْ بَقِيَ
فَهُوَ كَالْمَوْقُوذَةِ، وَالْمُتَرَدِّيَةِ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ
يَحِلُّ بِالذَّبْحِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إنْ كَانَتْ الْجِرَاحَةُ
يَعِيشُ مِنْ مِثْلِهَا أَكْثَرَ الْيَوْمِ يَحِلُّ بِالذَّبْحِ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: إنْ كَانَ يَبْقَى أَكْثَرَ مِنْ بَقَاءِ الْمَذْبُوحِ
فَذُبِحَ أُكِلَ قَالَ فِي الْمَنْظُومَةِ
لَوْ ذُبِحَ الْمَجْرُوحُ حَلَّ إنْ عَلِمْ ... حَيَاتَهُ يَوْمًا لَوْ
الذَّبْحُ عُدِمْ
وَأَكْثَرُ الْيَوْمِ كَذَا الثَّانِي وَفِي ... قَوْلِ الْأَخِيرِ فَوْقَ
مَا يَحْيَى الذَّكِيُّ
وَفَسَّرَ حَافِظُ الدِّينِ الْجُرْحَ فِي هَذَا بِأَنْ بَقَرَ الذِّئْبُ
بَطْنَهُ، وَلَوْ قَطَعَ شَاةً بِنِصْفَيْنِ ثُمَّ ذَبَحَهَا آخَرُ،
وَالرَّأْسُ يَتَحَرَّكُ أَوْ شَقَّ جَوْفَهَا وَأَخْرَجَ مَا فِيهِ ثُمَّ
ذَبَحَهَا آخَرُ لَمْ تُؤْكَلْ لِأَنَّ الْأَوَّلَ قَتَلَهَا.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ خَنَقَهُ الْكَلْبُ وَلَمْ يَجْرَحْهُ لَمْ يُؤْكَلْ)
وَكَذَا لَوْ صَدَمَهُ بِصَدْرِهِ أَوْ بِجَبْهَتِهِ فَقَتَلَهُ وَلَمْ
يَجْرَحْهُ بِنَابٍ وَلَا بِمِخْلَبٍ لِأَنَّ الْجُرْحَ شَرْطٌ فِي ظَاهِرِ
الرِّوَايَةِ، وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ بِالْكَسْرِ
لِأَنَّهُ لَا يَنْهَرُ الدَّمَ فَصَارَ كَالْخَنْقِ وَعَنْ أَبِي
حَنِيفَةَ إذَا كَسَرَ عُضْوًا مِنْهُ أُكِلَ لِأَنَّهُ جِرَاحَةٌ
بَاطِنَةٌ، وَلَوْ أَصَابَ السَّهْمُ ظِلْفَ الصَّيْدِ أَوْ قَرْنَهُ
فَإِنْ وَصَلَ إلَى اللَّحْمِ فَأَدْمَاهُ أُكِلَ وَإِلَّا فَلَا.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ شَارَكَهُ كَلْبٌ غَيْرُ مُعَلَّمٍ أَوْ كَلْبُ
مَجُوسِيٍّ أَوْ كَلْبٌ لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ)
يَعْنِي عَمْدًا (لَمْ يُؤْكَلْ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -
لِعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ «إذَا أَرْسَلْت كَلْبَك الْمُعَلَّمَ وَذَكَرْت
اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ فَكُلْ وَإِنْ شَارَكَهُ كَلْبٌ آخَرُ
فَلَا تَأْكُلْ فَإِنَّك إنَّمَا سَمَّيْت عَلَى كَلْبِك» .
وَلَوْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ إلَى ظَبْيٍ مُوثَقٍ فَأَصَابَ صَيْدًا لَمْ
يُؤْكَلْ لِأَنَّ الْمُوثَقَ لَا يَجُوزُ صَيْدُهُ بِالْكَلْبِ فَهُوَ
كَالشَّاةِ، وَلَوْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ عَلَى فِيلٍ فَأَصَابَ صَيْدًا لَمْ
يُؤْكَلْ كَذَا فِي الْكَرْخِيِّ وَإِنْ سَمِعَ حِسًّا فَظَنَّهُ صَيْدًا
فَأَرْسَلَ كَلْبَهُ أَوْ بَازِيَهُ أَوْ رَمَى إلَيْهِ سَهْمًا فَأَصَابَ
صَيْدًا ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ كَانَ حِسَّ شَاةٍ أَوْ آدَمِيٍّ لَمْ
يُؤْكَلْ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ حِسُّ صَيْدٍ مَأْكُولٍ أَوْ غَيْرِ
مَأْكُولٍ حَلَّ مَا اصْطَادَهُ.
وَقَالَ زُفَرُ: إنْ كَانَ حِسَّ صَيْدٍ لَا يُؤْكَلُ كَالسِّبَاعِ
وَنَحْوِهَا لَمْ يُؤْكَلْ لِأَنَّ رَمْيَهَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ
إبَاحَةُ الْأَكْلِ فَإِنْ أَصَابَ غَيْرَهَا لَمْ يُؤْكَلْ كَمَا لَوْ
كَانَ حِسَّ آدَمِيٍّ.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إنْ كَانَ حِسَّ خِنْزِيرٍ لَا يُؤْكَلُ لِأَنَّهُ
مُتَغَلِّظُ التَّحْرِيمِ وَإِنْ كَانَ حِسَّ سَبُعٍ أُكِلَ الصَّيْدُ
لِأَنَّ السِّبَاعَ وَإِنْ كَانَتْ مُحَرَّمَةَ الْأَكْلِ فَإِنَّهُ
يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهَا بِخِلَافِ الْخِنْزِيرِ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ
الِانْتِفَاعُ بِهِ بِحَالٍ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ الْحِسَّ
حِسَّ صَيْدٍ أَوْ غَيْرَهُ لَمْ يُؤْكَلْ مَا أَصَابَ لِأَنَّ الْحَظْرَ،
وَالْإِبَاحَةَ تَسَاوَيَا فَكَانَ الْحُكْمُ لِلْحَظْرِ قَالَ فِي
الْيَنَابِيعِ إذَا أَرْسَلَ كَلْبَهُ إلَى بَعِيرٍ فَأَصَابَ صَيْدًا لَمْ
يُؤْكَلْ وَإِنْ أَرْسَلَ إلَى ذِئْبٍ أَوْ خِنْزِيرٍ فَأَصَابَ طَيِّبًا
أُكِلَ.
قَوْلُهُ: (وَإِذَا رَمَى الرَّجُلُ سَهْمًا إلَى صَيْدٍ فَسَمَّى اللَّهَ
تَعَالَى عِنْدَ الرَّمْيِ أُكِلَ مَا صَابَهُ إذَا جَرَحَهُ السَّهْمُ
فَمَاتَ وَإِنْ أَدْرَكَهُ حَيًّا ذَكَّاهُ وَإِنْ تَرَكَ تَذْكِيَتَهُ
حَتَّى مَاتَ لَمْ يُؤْكَلْ) لِأَنَّهُ قَدَرَ عَلَى الْأَصْلِ قَبْلَ
حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْبَدَلِ فَبَطَلَ حُكْمُ الْبَدَلِ وَهَذَا إذَا
تَمَكَّنَ مِنْ ذَبْحِهِ أَمَّا إذَا وَقَعَ فِي يَدِهِ وَلَمْ
يَتَمَكَّنْ، وَفِيهِ مِنْ الْحَيَاةِ فَوْقَ مَا يَكُونُ مِنْ
الْمَذْبُوحِ لَمْ يُؤْكَلْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ قَوْلُهُ: (وَإِذَا
وَقَعَ السَّهْمُ بِالصَّيْدِ فَتَحَامَلَ حَتَّى غَابَ عَنْهُ
(2/178)
وَلَمْ يَزَلْ فِي طَلَبِهِ حَتَّى
أَصَابَهُ مَيِّتًا أُكِلَ) هَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَالْقِيَاسُ لَا يُؤْكَلُ
فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَاتَ مِنْ رَمْيَتِهِ وَيَجُوزُ أَنْ
يَكُونَ مِنْ غَيْرِهَا وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ «أَنَّ النَّبِيَّ -
عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَرَّ بِالرَّوْحَاءِ بِحِمَارِ وَحْشٍ عَقِيرٍ
فَبَادَرَ إلَيْهِ أَصْحَابُهُ فَقَالَ دَعُوهُ حَتَّى يَأْتِيَ صَاحِبُهُ
فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ نَهْرٍ فَقَالَ: هَذِهِ رَمْيَتِي وَأَنَا فِي
طَلَبِهَا وَقَدْ جَعَلْتهَا لَك يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَمَرَ النَّبِيُّ
- عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَبَا بَكْرٍ أَنْ يَقْسِمَهَا بَيْنَ الرِّفَاقِ»
.
وَقَوْلُهُ: وَلَمْ يَزَلْ فِي طَلَبِهِ حَتَّى أَصَابَهُ أَكْلٌ هَذَا
إذَا لَمْ يَجِدْ بِهِ جِرَاحَةً أُخْرَى سِوَى جِرَاحَةِ سَهْمِهِ أَمَّا
إذَا وَجَدَ بِهِ ذَلِكَ لَا يُؤْكَلُ لِأَنَّهُ مَوْهُومٌ فَلَعَلَّهُ
مَاتَ مِنْهَا.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ قَعَدَ عَنْ طَلَبِهِ فَأَصَابَهُ مَيِّتًا لَمْ
يُؤْكَلْ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّ رَجُلًا أَهْدَى لِلنَّبِيِّ - عَلَيْهِ
السَّلَامُ - صَيْدًا فَقَالَ لَهُ مِنْ أَيْنَ لَك هَذَا؟ قَالَ: رَمَيْته
بِالْأَمْسِ فَكُنْت فِي طَلَبِهِ حَتَّى هَجَمَ عَلَيَّ اللَّيْلُ
فَقَطَعَنِي عَنْهُ ثُمَّ وَجَدْته الْيَوْمَ وَمَرْمَاتِي فِيهِ فَقَالَ -
عَلَيْهِ السَّلَامُ - إنَّهُ غَابَ عَنْك وَلَا أَدْرِي لَعَلَّ هَوَامَّ
الْأَرْضِ أَعَانَتْك عَلَيْهِ فَقَتَلَتْهُ لَا حَاجَةَ لِي فِيهِ» .
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: كُلْ مَا أَصْمَيْتَ
وَدَعْ مَا أَنْمَيْتَ، الْإِصْمَاءُ: مَا عَايَنْته، وَالْإِنْمَاءُ مَا
تَوَارَى عَنْك.
وَفِي الْمُصَفَّى الْإِصْمَاءُ: أَنْ يَرْمِيَهُ فَيَمُوتَ بَيْنَ
يَدَيْهِ سَرِيعًا، وَالْإِنْمَاءُ أَنْ يَغِيبَ عَنْهُ بَعْدَ وُقُوعِ
السَّهْمِ فِيهِ ثُمَّ يَمُوتُ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ رَمَى صَيْدًا فَوَقَعَ فِي الْمَاءِ لَمْ يُؤْكَلْ)
لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ مَاتَ مِنْ الْغَرَقِ قَوْلُهُ: (وَكَذَلِكَ
إذَا وَقَعَ عَلَى سَطْحٍ أَوْ جَبَلٍ ثُمَّ تَرَدَّى مِنْهُ إلَى
الْأَرْضِ فَمَاتَ لَمْ يُؤْكَلْ) لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ الْمَوْتُ مِنْ
السُّقُوطِ قَوْلُهُ: (وَإِنْ وَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ ابْتِدَاءً أُكِلَ)
لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ، وَفِي اعْتِبَارِهِ سَدُّ
بَابِ الِاصْطِيَادِ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ
الِاحْتِرَازُ عَنْهُ، وَلَوْ وَقَعَ عَلَى صَخْرَةٍ فَانْفَلَقَ رَأْسُهُ
لَمْ يُؤْكَلْ لِاحْتِمَالِ الْمَوْتِ بِذَلِكَ كَذَا فِي الْمُنْتَقَى
قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ وَهَذَا خِلَافُ جَوَابِ الْأَصْلِ
فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ رِوَايَتَانِ.
قَوْلُهُ: (وَمَا أَصَابَ الْمِعْرَاضَ بِعَرْضِهِ لَمْ يُؤْكَلْ وَإِنْ
جَرَحَهُ أُكِلَ) لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْجُرْحِ لِتَحَقُّقِ مَعْنَى
الذَّكَاةِ، وَالْمِعْرَاضُ عَصًا مُحَدَّدَةُ الرَّأْسِ وَقِيلَ هُوَ
السَّهْمُ الْمَنْحُوتُ مِنْ الطَّرَفَيْنِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يُؤْكَلُ مَا أَصَابَتْ الْبُنْدُقَةُ إذَا مَاتَ
مِنْهَا) لِأَنَّهَا تَدُقُّ وَتَكْسِرُ وَلَا تَجْرَحُ وَكَذَا لَوْ
رَمَاهُ بِحَجَرٍ، وَلَوْ جَرَحَهُ إذَا كَانَ ثَقِيلًا لِاحْتِمَالِ
أَنَّهُ قَتَلَهُ بِثِقَلِهِ وَإِنْ كَانَ الْحَجَرُ خَفِيفًا وَبِهِ
حِدَّةٌ يَحِلُّ أَكْلُهُ ثُمَّ الْبُنْدُقَةُ إذَا كَانَ لَهَا حِدَّةٌ
تَجْرَحُ بِهِ أُكِلَ قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ: وَلَوْ رَمَى طَائِرًا
بِحَجَرٍ أَوْ عُودٍ فَكَسَرَ جَنَاحَهُ وَلَمْ يَخْرِقْهُ لَمْ يُؤْكَلْ
وَإِنْ خَرَقَهُ أُكِلَ وَإِنْ أَصَابَ رَأْسَهُ فَقَطَعَهُ وَأَبَانَهُ
لَمْ يُؤْكَلْ لِأَنَّهُ أَبَانَهُ بِالثِّقَلِ، وَالْقُوَّةِ وَإِنْ
أَبَانَهُ بِمُحَدَّدٍ أُكِلَ وَإِنْ رَمَاهُ بِسَيْفٍ أَوْ سِكِّينٍ
فَأَصَابَهُ بِحَدِّهِ فَجَرَحَهُ أُكِلَ وَإِنْ أَصَابَهُ بِقَفَا
السِّكِّينِ أَوْ بِمِقْبَضِ السَّيْفِ لَا يُؤْكَلُ لِأَنَّهُ قَتَلَهُ
دَقًّا، وَالْحَدِيدُ وَغَيْرُهُ فِيهِ سَوَاءٌ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ،
وَلَوْ رَمَاهُ فَجَرَحَهُ فَمَاتَ بِالْجُرْحِ إنْ كَانَ الْجُرْحُ
مُدْمِيًا أُكِلَ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُدْمِيًا فَكَذَلِكَ
أَيْضًا عِنْدَ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ سَوَاءٌ كَانَتْ الْجِرَاحَةُ
صَغِيرَةً أَوْ كَبِيرَةً لِأَنَّ الدَّمَ قَدْ يُحْبَسُ لِضِيقِ
الْمَنْفَذِ أَوْ غِلَظِ الدَّمِ وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ يُشْتَرَطُ
الْإِدْمَاءُ وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ إنْ كَانَتْ كَبِيرَةً حَلَّ بِدُونِ
الْإِدْمَاءِ وَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً لَا بُدَّ مِنْ الْإِدْمَاءِ.
قَوْلُهُ: (وَإِذَا رَمَى صَيْدًا فَقَطَعَ عُضْوًا مِنْهُ أُكِلَ
الصَّيْدُ وَلَا يُؤْكَلُ الْعُضْوُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -
«مَا أُبِينَ مِنْ الْحَيِّ فَهُوَ مَيِّتٌ» ، وَالْعُضْوُ بِهَذِهِ
الصِّفَةِ لِأَنَّ الْمُبَانَ مِنْهُ حَيٌّ حَقِيقَةً لِقِيَامِ الْحَيَاةِ
فِيهِ وَكَذَا حُكْمًا لِأَنَّهُ يُتَوَهَّمُ سَلَامَتُهُ بَعْدَ هَذِهِ
الْجِرَاحَةِ.
(2/179)
قَوْلُهُ: (وَإِنْ قَطَعَهُ أَثْلَاثًا،
وَالْأَكْثَرُ مِمَّا يَلِي الْعَجُزَ أُكِلَ الْجَمِيعُ) لِأَنَّ
الْأَوْدَاجَ مُتَّصِلَةٌ بِالْقَلْبِ إلَى الدِّمَاغِ فَإِذَا قَطَعَ
الثُّلُثَ مِمَّا يَلِي الرَّأْسَ صَارَ قَاطِعًا لِلْعُرُوقِ كَمَا لَوْ
ذَبَحَهُ وَإِنْ كَانَ الْأَكْثَرُ مِمَّا يَلِي الرَّأْسَ لَا يُؤْكَلُ
مَا صَادَفَ الْعَجُزَ لِأَنَّ الْجُرْحَ لَمْ يُصَادِفْ الْعُرُوقَ
فَصَارَ مُبَانًا مِنْ الْحَيِّ فَلَا يُؤْكَلُ وَيُؤْكَلُ الْمُبَانُ
مِنْهُ وَإِنْ قَطَعَهُ بِنِصْفَيْنِ أُكِلَ الْجَمِيعُ، وَلَوْ ضَرَبَ
عُنُقَ شَاةٍ فَأَبَانَ رَأْسَهَا تَحِلُّ لِقَطْعِ الْأَوْدَاجِ
وَيُكْرَهُ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يُؤْكَلُ صَيْدُ الْمَجُوسِيِّ، وَالْمُرْتَدِّ،
وَالْوَثَنِيِّ، وَالْمُحْرِمِ) وَأَمَّا الصَّبِيُّ إذَا كَانَ يَعْقِلُ
الذَّبْحَ، وَالتَّسْمِيَةَ فَلَا بَأْسَ بِصَيْدِهِ وَذَبْحِهِ وَإِنْ
كَانَ لَا يَعْقِلُ لَا يَحِلُّ صَيْدُهُ وَلَا ذَبْحُهُ، وَالْمَجْنُونُ
كَذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ رَمَى صَيْدًا فَأَصَابَهُ وَلَمْ يُثْخِنْهُ وَلَمْ
يَخْرُجْهُ مِنْ حَيِّزِ الِامْتِنَاعِ فَرَمَاهُ آخَرُ فَقَتَلَهُ فَهُوَ
لِلثَّانِي وَيُؤْكَلُ) لِأَنَّ الثَّانِيَ هُوَ الَّذِي صَادَهُ
وَأَخَذَهُ قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ أَثْخَنَهُ فَرَمَاهُ
الثَّانِي فَقَتَلَهُ فَهُوَ لِلْأَوَّلِ وَلَمْ يُؤْكَلْ) لِاحْتِمَالِ
الْمَوْتِ بِالثَّانِي وَهُوَ لَيْسَ بِذَكَاةٍ لِلْقُدْرَةِ عَلَى ذَكَاةِ
الِاخْتِيَارِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ وَهَذَا إذَا كَانَتْ الرَّمْيَةُ
الْأُولَى بِحَيْثُ يَنْجُو مِنْهَا الصَّيْدُ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ
الْمَوْتُ مُضَافًا إلَى رَمْيِ الثَّانِي أَمَّا إذَا كَانَ الرَّمْيُ
الْأَوَّلُ بِحَيْثُ لَا يَسْلَمُ مِنْهُ الصَّيْدُ بِأَنْ لَا يَبْقَى
فِيهِ مِنْ الْحَيَاةِ إلَّا بِقَدْرِ مَا يَبْقَى فِي الْمَذْبُوحِ كَمَا
إذَا أَبَانَ رَأْسَهُ يَحِلُّ لِأَنَّ الْمَوْتَ لَا يُضَافُ إلَى
الرَّمْيِ الثَّانِي لِأَنَّ وُجُودَهُ وَعَدَمَهُ سَوَاءٌ.
قَوْلُهُ: (وَالثَّانِي ضَامِنٌ لِقِيمَتِهِ لِلْأَوَّلِ غَيْرَ مَا
نَقَصَتْهُ جِرَاحَتُهُ) لِأَنَّهُ بِالرَّمْيِ أَتْلَفَ صَيْدًا
مَمْلُوكًا لَهُ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالرَّمْيِ الْمُثْخِنِ وَهُوَ
مَنْقُوصٌ بِجِرَاحَتِهِ وَقِيمَةُ الْمُتْلَفِ تُعْتَبَرُ يَوْمَ
الْإِتْلَافِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى وُجُوهٍ: إنْ مَاتَ مِنْ
رَمْيَةِ الْأَوَّلِ بَعْدَ رَمْيَةِ الثَّانِي أُكِلَ وَعَلَى الثَّانِي
ضَمَانُ مَا نَقَصَتْهُ جِرَاحَتُهُ لِأَنَّ جِنَايَتَهُ صَادَفَتْهُ
مَجْرُوحًا وَإِنْ مَاتَ مِنْ الْجِرَاحَةِ الثَّانِيَةِ لَمْ يُؤْكَلْ
لِأَنَّ الثَّانِيَ رَمَى إلَيْهِ وَهُوَ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ فَصَارَ كَمَنْ
رَمَى إلَى شَاةٍ وَيَضْمَنُ الثَّانِي أَيْضًا مَا نَقَصَتْهُ جِرَاحَتُهُ
لِأَنَّهُ قَتَلَ حَيَوَانًا مَمْلُوكًا لِلْأَوَّلِ مَنْقُوصًا
بِالْجِرَاحَةِ كَمَا إذَا قَتَلَ عَبْدًا مَرِيضًا وَإِنْ مَاتَ مِنْ
الْجِرَاحَتَيْنِ جَمِيعًا لَمْ يُؤْكَلْ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ
الْحَظْرُ، وَالْإِبَاحَةُ فَكَانَ الْحُكْمُ لِلْحَظْرِ، وَالصَّيْدُ
لِلْأَوَّلِ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَخْرَجَهُ عَنْ حَيِّزِ الِامْتِنَاعِ
وَعَلَى الثَّانِي لِلْأَوَّلِ نِصْفُ قِيمَتِهِ مَجْرُوحًا
بِجِرَاحَتَيْنِ وَمَا نَقَصَتْهُ الْجِرَاحَةُ الثَّانِيَةُ لِأَنَّهُ
مَاتَ بِفِعْلِهِمَا فَسَقَطَ عَنْهُ نِصْفُ الضَّمَانِ وَثَبَتَ نِصْفُهُ
وَإِنَّمَا ضَمِنَ مَا نَقَصَتْهُ الْجِرَاحَةُ الثَّانِيَةُ لِأَنَّهُ
حَصَلَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ قَالَ فِي الزِّيَادَاتِ: يَضْمَنُ مَا
نَقَصَتْهُ الْجِرَاحَةُ ثُمَّ يَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهِ مَجْرُوحًا
بِجِرَاحَتَيْنِ ثُمَّ يَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَةِ لَحْمِهِ أَمَّا الضَّمَانُ
الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ جَرَحَ حَيَوَانًا مَمْلُوكًا كَالْغَيْرِ وَقَدْ
نَقَصَهُ فَيَضْمَنُ مَا نَقَصَهُ أَوَّلًا وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ
الْمَوْتَ أَيْضًا حَصَلَ بِالْجِرَاحَتَيْنِ فَيَكُونُ هُوَ مُتْلِفَ
نِصْفِهِ وَهُوَ مَمْلُوكُ غَيْرِهِ فَيَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهِ
مَجْرُوحًا بِالْجِرَاحَتَيْنِ لِأَنَّ الْأُولَى لَمْ تَكُنْ بِصَنِيعِهِ،
وَالثَّانِيَةَ ضَمِنَهَا مَرَّةً فَلَا يَضْمَنُهَا ثَانِيًا وَأَمَّا
الثَّالِثُ فَلِأَنَّ بِالرَّمْيَةِ الْأُولَى صَارَ بِحَالٍ يَحِلُّ
بِذَكَاةِ الِاخْتِيَارِ لَوْلَا رَمْيُ الثَّانِي فَهَذَا الرَّمْيُ
الثَّانِي أَفْسَدَ عَلَيْهِ نِصْفَ اللَّحْمِ فَيَضْمَنُهُ.
قَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ اصْطِيَادُ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مِنْ الْحَيَوَانِ
وَمَا لَا يُؤْكَلُ) لِأَنَّ لَهُ غَرَضًا فِي غَيْرِ الْمَأْكُولِ بِأَنْ
يَنْتَفِعَ بِجِلْدِهِ أَوْ بِشَعْرِهِ أَوْ رِيشِهِ أَوْ قَرْنِهِ أَوْ
لِاسْتِدْفَاعِ شَرِّهِ.
قَوْلُهُ: (وَذَبِيحَةُ الْمُسْلِمِ، وَالْكِتَابِيِّ حَلَالٌ) قَالَ فِي
الْمُسْتَصْفَى: هَذَا إذَا كَانَ الْكِتَابِيُّ لَا يَعْتَقِدُ الْمَسِيحَ
إلَهًا أَمَّا إذَا اعْتَقَدَهُ إلَهًا فَهُوَ كَالْمَجُوسِيِّ لَا تَحِلُّ
لَنَا ذَبِيحَتُهُ وَمِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ الذَّابِحُ صَاحِبَ
مِلَّةِ التَّوْحِيدِ إمَّا اعْتِقَادًا كَالْمُسْلِمِ أَوْ دَعْوَى
كَالْكِتَابِيِّ وَأَنْ يَكُونَ حَلَالًا خَارِجَ الْحَرَمِ وَهَذَا
الشَّرْطُ فِي حَقِّ الصَّيْدِ لَا فِي حَقِّ الْأَنْعَامِ وَإِطْلَاقُ
ذَبِيحَةِ الْمُسْلِمِ، وَالْكِتَابِيِّ يُرِيدُ بِهِ إذَا كَانَ
الذَّابِحُ يَعْقِلُ التَّسْمِيَةَ وَيَضْبِطُهَا ذَكَرًا كَانَ أَوْ
أُنْثَى صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا وَإِنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى
الذَّبْحِ وَلَا يَضْبِطُ التَّسْمِيَةَ فَذَبِيحَتُهُ مَيْتَةٌ لَا
تُؤْكَلُ وَلَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَةُ الصَّبِيِّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ،
وَالْمَجْنُونِ، وَالسَّكْرَانِ الَّذِي لَا يَعْقِلُ وَيَجُوزُ ذَبِيحَةُ
الْأَخْرَسِ.
(2/180)
قَوْلُهُ: (وَلَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَةُ
الْمَجُوسِيِّ، وَالْمُرْتَدِّ، وَالْوَثَنِيِّ) لِأَنَّ الْمُرْتَدَّ لَا
مِلَّةَ لَهُ، وَالْوَثَنِيَّ مِثْلُهُ وَأَمَّا الْمَجُوسِيُّ
فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الْمَجُوسِ «سُنُّوا بِهِمْ
سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ غَيْرَ نَاكِحِي نِسَائِهِمْ وَلَا آكِلِي
ذَبَائِحِهِمْ» وَأَمَّا ذَبِيحَةُ الصَّابِئِينَ وَهُمْ فِرْقَةٌ مِنْ
النَّصَارَى فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تُؤْكَلُ إذَا كَانُوا يُؤْمِنُونَ
بِنَبِيٍّ وَيُقِرُّونَ بِكِتَابٍ وَإِنْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْكَوَاكِبَ
وَلَا يُقِرُّونَ بِنُبُوَّةِ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ
تُؤْكَلْ.
قَوْلُهُ: (وَالْمُحَرَّمُ) يَعْنِي مِنْ الصَّيْدِ خَاصَّةً وَإِطْلَاقُ
الْمُحَرَّمُ يَنْتَظِمُ حُرْمَةَ ذَبْحِهِ فِي الْحِلِّ، وَالْحَرَمِ
وَلَكِنْ لَا يَجُوزُ مَا ذُبِحَ فِي الْحَرَمِ مِنْ الصَّيْدِ سَوَاءٌ
ذَبَحَهُ حَلَالٌ أَوْ مُحْرِمٌ وَيَجُوزُ ذَبِيحَةُ مَنْ يَعْقِلُ
الذَّبْحَ، وَالتَّسْمِيَةَ وَيَضْبِطُ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ امْرَأَةً
أَوْ صَبِيًّا وَمَعْنَى ضَبْطِ الذَّبْحِ أَنْ يَقْدِرَ عَلَى فَرْيِ
الْأَوْدَاجِ، وَالْأَقْلَفُ، وَالْمَجْبُوبُ، وَالْخَصِيُّ، وَالْخُنْثَى،
وَالْمُخَنَّثُ تَجُوزُ ذَبِيحَتُهُمْ عَلَى مَا ذَكَرْنَا.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ تَرَكَ الذَّابِحُ التَّسْمِيَةَ عَمْدًا فَالذَّبِيحَةُ
مَيْتَةٌ لَا يَحِلُّ أَكْلُهَا وَإِنْ تَرَكَهَا نَاسِيًا أُكِلَتْ) ،.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تُؤْكَلُ فِي الْوَجْهَيْنِ، وَقَالَ مَالِكٌ: لَا
تُؤْكَلُ فِي الْوَجْهَيْنِ، وَالْمُسْلِمُ، وَالذِّمِّيُّ فِي تَرْكِ
التَّسْمِيَةِ سَوَاءٌ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافُ إذَا تَرَكَ التَّسْمِيَةَ
عِنْدَ إرْسَالِ الْكَلْبِ، وَالْبَازِي، وَالرَّمْيِ ثُمَّ التَّسْمِيَةُ
فِي ذَكَاةِ الِاخْتِيَارِ تُشْتَرَطُ عِنْدَ الذَّبْحِ وَهِيَ عَلَى
الْمَذْبُوحِ، وَفِي الصَّيْدِ تُشْتَرَطُ عِنْدَ الْإِرْسَالِ،
وَالرَّمْيِ وَهِيَ عَلَى الْآلَةِ حَتَّى لَوْ أَضْجَعَ شَاةً وَسَمَّى
فَذَبَحَ غَيْرَهَا بِتِلْكَ التَّسْمِيَةِ لَا يَجُوزُ، وَلَوْ رَمَى إلَى
صَيْدٍ وَسَمَّى وَأَصَابَ غَيْرَهُ حَلَّ وَكَذَا فِي الْإِرْسَالِ،
وَلَوْ أَضْجَعَ شَاةً وَسَمَّى وَكَلَّمَهُ إنْسَانٌ أَوْ اسْتَسْقَى
مَاءً فَشَرِبَ أَوْ شَحَذَ السِّكِّينَ قَلِيلًا ثُمَّ ذَبَحَ عَلَى
تِلْكَ التَّسْمِيَةِ الْأُولَى أَجْزَأَهُ وَأَمَّا إذَا طَالَ الْحَدِيثُ
أَوْ أَخَذَ فِي عَمَلٍ آخَرَ وَاشْتَغَلَ بِهِ ثُمَّ ذَبَحَ بِتِلْكَ
التَّسْمِيَةِ الْأُولَى لَمْ تُؤْكَلْ وَأَمَّا اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ
بِالذَّبِيحَةِ فَلَيْسَ بِوَاجِبٍ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنَّمَا هُوَ سُنَّةٌ
وَصُورَةُ التَّسْمِيَةِ: بِسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ.
وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ: بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُ أَكْبَرُ بِدُونِ
الْوَاوِ وَإِنْ قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَهُوَ
حَسَنٌ، وَالشَّرْطُ هُوَ الذِّكْرُ الْخَالِصُ الْمُجَرَّدُ عَلَى مَا
قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ جَرِّدُوا التَّسْمِيَةَ حَتَّى لَوْ قَالَ مَكَانَ
التَّسْمِيَةِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي لَمْ تُؤْكَلْ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ
وَسُؤَالٌ، وَلَوْ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ أَوْ الْحَمْدُ لِلَّهِ أَوْ
لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ يُرِيدُ التَّسْمِيَةَ أَجْزَأَهُ لِأَنَّ
الْمَأْمُورَ بِهِ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى وَجْهِ التَّعْظِيمِ،
وَلَوْ عَطَسَ عِنْدَ الذَّبْحِ فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ لَا يُجْزِيهِ
عَنْ التَّسْمِيَةِ وَكَذَا إذَا قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ يُرِيدُ
الشُّكْرَ دُونَ التَّسْمِيَةِ لَا تُؤْكَلُ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَذْكُرَ
مَعَ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى شَيْئًا غَيْرَهُ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: بِسْمِ
اللَّهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، وَالْكَلَامُ فِيهِ عَلَى ثَلَاثَةِ
أَوْجُهٍ أَحَدُهَا أَنْ يَذْكُرَهُ مَوْصُولًا لَهُ لَا مَعْطُوفًا مِثْلُ
أَنْ يَقُولَ: مَا ذَكَرْنَا فَهَذَا يُكْرَهُ وَلَا تَحْرُمُ
الذَّبِيحَةُ، وَالثَّانِي أَنْ يَذْكُرَهُ مَعْطُوفًا مِثْلُ أَنْ
يَقُولَ: بِسْمِ اللَّهِ وَمُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ بِكَسْرِ الدَّالِ
فَتَحْرُمُ الذَّبِيحَةُ لِأَنَّهُ أَهَلَّ بِهَا لِغَيْرِ اللَّهِ
تَعَالَى.
وَالثَّالِثُ: أَنْ يَقُولَ مَفْصُولًا عَنْهُ صُورَةً وَمَعْنًى بِأَنْ
يَقُولَ قَبْلَ التَّسْمِيَةِ أَوْ بَعْدَهَا وَقَبْلَ أَنْ يُضْجِعَ
الذَّبِيحَةَ لِأَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ
السَّلَامُ - «مَوْضِعَانِ لَا ذِكْرَ فِيهِمَا عِنْدَ الذَّبِيحَةِ
وَعِنْدَ الْعُطَاسِ» وَإِنْ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى
مُحَمَّدٍ تُؤْكَلُ، وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَقُولَ ذَلِكَ، وَفِي
الْمُشْكِلِ الذَّبْحُ عِنْدَ مَرْأَى الضَّيْفِ تَعْظِيمًا لَهُ لَا
يَحِلُّ أَكْلُهَا وَكَذَا عِنْدَ قُدُومِ الْأَمِيرِ أَوْ غَيْرِهِ
تَعْظِيمًا لِأَنَّهُ أَهَلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ وَأَمَّا إذَا ذَبَحَ
عِنْدَ غَيْبَةِ الضَّيْفِ لِأَجْلٍ الضِّيَافَةِ فَإِنَّهُ لَا بَأْسَ
بِهِ، وَلَوْ سَمَّى بِالْفَارِسِيَّةِ أَوْ الرُّومِيَّةِ وَهُوَ يُحْسِنُ
الْعَرَبِيَّةَ أَوْ لَا يُحْسِنُهَا أَجْزَأَهُ.
قَوْلُهُ: (وَالذَّبْحُ بَيْنَ الْحَلْقِ، وَاللَّبَّةِ) اللَّبَّةُ عَلَى
الصَّدْرِ وَهِيَ نُقْرَةُ النَّحْرِ.
(2/181)
وَفِي الْكَرْخِيِّ: الذَّكَاةُ فِي
اللَّبَّةِ فَمَا فَوْقَ ذَلِكَ إلَى اللَّحْيَيْنِ.
وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: لَا بَأْسَ بِالذَّبْحِ فِي الْحَلْقِ
كُلِّهِ وَسَطَهُ وَأَعْلَاهُ وَمَعْنَى كَلَامِ الشَّيْخِ بَيِّنٌ
بِمَعْنَى فِي أَيِّ، وَالذَّبْحُ فِي الْحَلْقِ، وَاللَّبَّةِ.
قَوْلُهُ: (، وَالْعُرُوقُ الَّتِي تُقْطَعُ فِي الذَّكَاةِ أَرْبَعَةٌ
الْحُلْقُومُ وَالْمَرِيءُ وَالْوَدَجَانِ) الْحُلْقُومُ مَجْرَى
النَّفَسِ، وَالْمَرِيءُ مَجْرَى الطَّعَامِ، وَالْوَدَجَانِ مَجْرَى
الدَّمِ وَهُمَا الْعِرْقَانِ اللَّذَانِ بَيْنَهُمَا الْحُلْقُومُ،
وَالْمَرِيءُ. قَوْلُهُ: (فَإِذَا قَطَعَهَا حَلَّ الْأَكْلُ) لِأَنَّهُ
أَكْمَلُ الذَّكَاةِ وَوُجِدَ شَرْطُهَا فِي مَحِلِّهَا. قَوْلُهُ: (وَإِنْ
قَطَعَ أَكْثَرَهَا فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) لِأَنَّ
الْأَكْثَرَ يَقُومُ مَقَامَ الْكُلِّ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا بُدَّ مِنْ قَطْعِ
الْحُلْقُومِ، وَالْمَرِيءِ وَأَحَدِ الْوَدَجَيْنِ) قَالَ فِي
الْهِدَايَةِ: وَالْمَشْهُورُ أَنَّ هَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَحْدَهُ
وَمَعْنَاهُ إذَا قَطَعَ ثَلَاثَةً وَتَرَكَ وَاحِدًا جَازَ أَيُّ
الثَّلَاثَةِ كَانَتْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إنْ
قَطَعَ الْحُلْقُومَ، وَالْمَرِيءَ وَأَحَدَ الْوَدَجَيْنِ جَازَ وَإِلَّا
فَلَا حَتَّى لَوْ قَطَعَ الْحُلْقُومَ، وَالْمَرِيءَ أَوْ اقْتَصَرَ عَلَى
أَحَدِهِمَا مَعَ الْوَدَجَيْنِ لَمْ يَجُزْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ
مُحَمَّدٌ: لَا يَجُوزُ حَتَّى يَقْطَعَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ
الْعُرُوقِ الْأَرْبَعَةِ أَكْثَرَهُ.
قَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ الذَّبْحُ بِاللِّيطَةِ، وَالْمَرْوَةِ وَبِكُلِّ
شَيْءٍ أَنْهَرَ الدَّمَ إلَّا السِّنَّ الْقَائِمَةَ، وَالظَّفْرَ
الْقَائِمَ) اللِّيطَةُ قِشْرَةُ الْقَصَبِ، وَالْمَرْوَةُ وَاحِدَةُ
الْمَرْوِ وَهِيَ حِجَارَةٌ بِيضٌ بَرَّاقَةٌ تُقْدَحُ مِنْهَا النَّارُ
وَقَيَّدَ بِالظُّفْرِ الْقَائِمِ، وَالسِّنِّ الْقَائِمَةِ لِأَنَّهَا
إذَا كَانَتْ مَنْزُوعَةً جَازَ الذَّبْحُ بِهَا وَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ،.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الْمَذْبُوحُ بِهِمَا مَيْتَةٌ لَا يَجُوزُ
أَكْلُهَا وَأَمَّا الذَّبْحُ بِالسِّنِّ الْقَائِمَةِ، وَالظُّفْرِ
الْقَائِمِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ فَإِنْ ذَبَحَ بِهِمَا
كَانَ مَيْتَةً لِأَنَّهُ يَقْتُلُ بِالثِّقَلِ لِأَنَّهُ يَعْتَمِدُ
عَلَيْهِ، وَلَوْ ذَبَحَ الشَّاةَ وَلَمْ يَسِلْ مِنْهَا دَمٌ قَالَ أَبُو
الْقَاسِمِ الصَّفَّارُ: لَا تُؤْكَلُ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْكَافُ وَالْهِنْدُوَانِي تُؤْكَلُ لِأَنَّ
فَرْيَ الْأَوْدَاجِ قَدْ حَصَلَ وَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ فِي الشَّاةِ
إذَا عُلِفَتْ الْعُنَّابَ.
(2/182)
قَوْلُهُ: (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَحُدَّ
الذَّابِحُ شَفْرَتَهُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إذَا
ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ»
وَلِأَنَّ تَحْدِيدَهَا أَسْرَعُ لِلذَّبْحِ وَأَسْهَلُ عَلَى الْحَيَوَانِ
وَيُكْرَهُ الذَّبْحُ بِالسِّكِّينِ الْكَلِيلَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ
تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَيُكْرَهُ أَنْ يُضْجِعَ
الشَّاةَ ثُمَّ يُحِدَّ الشَّفْرَةَ بَعْدَمَا أَضْجَعَهَا وَرُوِيَ أَنَّ
النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «رَأَى رَجُلًا قَدْ
أَضْجَعَ شَاةً وَهُوَ يَحُدُّ شَفْرَتَهُ فَقَالَ: لَقَدْ أَرَدْت أَنْ
تُمِيتَهَا مِيتَتَيْنِ أَلَا حَدَدْتهَا قَبْلَ أَنْ تُضْجِعَهَا» .
وَرَأَى عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَجُلًا قَدْ أَضْجَعَ شَاةً
وَجَعَلَ رِجْلَهُ عَلَى صَفْحَةِ وَجْهِهَا وَهُوَ: يَحُدُّ الشَّفْرَةَ
فَضَرَبَهُ بِالدُّرَّةِ فَهَرَبَ وَشَرَدَتْ الشَّاةُ، فَقَالَ عُمَرُ
هَلَّا حَدَدْتهَا قَبْلَ أَنْ تَضَعَ رِجْلَك مَوْضِعَ وَضَعْتهَا
وَلِأَنَّ الْبَهَائِمَ تُحِسُّ بِمَا يُجْزَعُ مِنْهُ فَإِذَا فَعَلَ
ذَلِكَ زَادَ فِي أَلَمِهَا وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَيُكْرَهُ أَيْضًا أَنْ
يَجُرَّ بِرِجْلِهَا إذَا أَرَادَ ذَبْحَهَا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَسُوقَهَا
بِرِفْقٍ وَيُضْجِعَهَا بِرِفْقٍ.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ بَلَغَ بِالسِّكِّينِ النُّخَاعَ أَوْ قَطَعَ الرَّأْسَ
كُرِهَ لَهُ ذَلِكَ وَتُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُ) النُّخَاعُ عِرْقٌ أَبْيَضُ
فِي عَظْمِ الرَّقَبَةِ وَيُكْرَهُ لَهُ أَيْضًا أَنْ يَكْسِرَ الْعُنُقَ
قَبْلَ أَنْ تَمُوتَ وَأَنْ يَخْلَعَ جِلْدَهَا قَبْلَ أَنْ تَبْرُدَ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ ذَبَحَ الشَّاةَ مِنْ قَفَاهَا فَإِنْ بَقِيَتْ حَيَّةً
حَتَّى قَطَعَ الْعُرُوقَ جَازَ وَيُكْرَهُ) لِأَنَّهُ خِلَافُ
الْمَسْنُونِ قَوْلُهُ: (وَإِنْ مَاتَتْ قَبْلَ قَطْعِ الْعُرُوقِ لَمْ
تُؤْكَلْ) لِأَنَّهَا مَاتَتْ قَبْلَ وُجُودِ الذَّكَاةِ فِي مَحِلِّهَا
كَمَا لَوْ مَاتَتْ حَتْفَ أَنْفِهَا.
رَجُلٌ ذَبَحَ شَاةً مَرِيضَةً فَلَمْ يَتَحَرَّك مِنْهَا إلَّا فُوهَا إنْ
فَتَحَتْ فَاهَا لَا تُؤْكَلُ وَإِنْ ضَمَّتْهُ أُكِلَتْ وَإِنْ فَتَحَتْ
عَيْنَهَا لَا تُؤْكَلُ وَإِنْ غَمَّضَتْهَا أُكِلَتْ وَإِنْ مَدَّتْ
رِجْلَيْهَا لَا تُؤْكَلُ وَإِنْ قَبَضَتْهُمَا أُكِلَتْ وَإِنْ لَمْ
يَقُمْ شَعْرُهَا لَا تُؤْكَلُ وَإِنْ قَامَ أُكِلَتْ هَذَا كُلُّهُ إذَا
لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا حَيَّةٌ وَقْتَ الذَّبْحِ أَمَّا إذَا عُلِمَتْ
يَقِينًا أُكِلَتْ بِكُلِّ حَالٍ كَذَا فِي الْوَاقِعَاتِ.
وَفِي الْيَنَابِيعِ الشَّاةُ إذَا مَرِضَتْ أَوْ شَقَّ الذِّئْبُ
بَطْنَهَا وَلَمْ يَبْقَ فِيهَا مِنْ الْحَيَاةِ إلَّا مِقْدَارُ مَا
يَعِيشُ الْمَذْبُوحُ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لَا تَحِلُّ
بِالذَّكَاةِ، وَالْمُخْتَارُ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ ذُبِحَ وَهُوَ حَيٌّ
حَلَّ أَكْلُهُ وَلَا تَوْقِيتَ فِيهِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى لِقَوْلِهِ
تَعَالَى {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ وَإِنْ
ذَبَحَ شَاةً أَوْ بَقَرَةً وَتَحَرَّكَتْ وَخَرَجَ مِنْهَا الدَّمُ
أُكِلَتْ وَإِنْ لَمْ تَتَحَرَّك وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهَا الدَّمُ لَمْ
تُؤْكَلْ وَإِنْ تَحَرَّكَتْ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهَا الدَّمُ أُكِلَتْ
وَإِنْ خَرَجَ مِنْهَا الدَّمُ وَلَمْ تَتَحَرَّك وَخُرُوجُهُ مِثْلُ مَا
يَخْرُجُ مِنْ الْحَيِّ أُكِلَتْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَبِهِ نَأْخُذُ
كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ.
قَوْلُهُ: (وَمَا اسْتَأْنَسَ مِنْ الصَّيْدِ فَذَكَاتُهُ الذَّبْحُ)
لِأَنَّهُ مَقْدُورٌ عَلَى ذَبْحِهِ كَالشَّاةِ. قَوْلُهُ: (وَمَا
تَوَحَّشَ مِنْ النَّعَمِ فَذَكَاتُهُ الْعَقْرُ وَالْجُرْحُ) ،
وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ الذَّكَاةَ عَلَى ضَرْبَيْنِ اخْتِيَارِيَّةٌ
وَاضْطِرَارِيَّةٌ وَمَتَى قَدَرَ عَلَى الِاخْتِيَارِيَّةِ لَا تَحِلُّ
لَهُ الذَّكَاةُ الِاضْطِرَارِيَّةُ وَمَتَى عَجَزَ عَنْهَا حَلَّتْ لَهُ
الِاضْطِرَارِيَّةُ فَالِاخْتِيَارِيَّة مَا بَيْنَ اللَّبَّةِ،
وَاللَّحْيَيْنِ، وَالِاضْطِرَارِيَّة الطَّعْنُ، وَالْجَرْحُ وَإِنْهَارُ
الدَّمُ فِي الصَّيْدِ وَكُلُّ مَا كَانَ فِي عِلَّةِ الصَّيْدِ مِنْ
الْأَهْلِيِّ كَالْإِبِلِ إذَا نَدَّتْ أَوْ وَقَعَ مِنْهَا شَيْءٌ فِي
بِئْرٍ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى نَحْرِهِ فَإِنَّهُ يَطْعَنُهُ فِي أَيِّ
مَوْضِعٍ قَدَرَ عَلَيْهِ فَيَحِلُّ أَكْلُهُ وَكَذَا إذَا تَرَدَّتْ
بَقَرَةٌ فِي بِئْرٍ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَبْحِهَا فَإِنَّ ذَكَاتَهَا
الْعَقْرُ، وَالْجَرْحُ مَا لَمْ يُصَادِفْ الْعُرُوقَ عَلَى هَذَا
أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ لِأَنَّ الذَّبْحَ فِيهِ مُتَعَذِّرٌ وَأَمَّا
الشَّاةُ فَإِنَّهَا إذَا نَدَّتْ فِي الصَّحْرَاءِ فَذَكَاتُهَا الْعَقْرُ
لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا وَإِنْ نَدَّتْ فِي الْمِصْرِ لَمْ
يَجُزْ عَقْرُهَا لِأَنَّهَا لَا تَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهَا فَيُمْكِنُ
أَخْذُهَا فِي الْمِصْرِ بِخِلَافِ الْبَعِيرِ، وَالْبَقَرَةِ فَإِنَّهُمَا
إذَا نَدَّا فِي الْمِصْرِ أَوْ الصَّحْرَاءِ فَهُوَ سَوَاءٌ
وَذَكَاتُهُمَا الْعَقْرُ لِأَنَّهُمَا يَدْفَعَانِ عَنْ أَنْفُسِهِمَا
بِقُوَّتِهِمَا فَلَا يَقْدِرُ عَلَيْهِمَا.
قَوْلُهُ: (وَالْمُسْتَحَبُّ فِي الْبَقَرِ، وَالْغَنَمِ الذَّبْحُ) قَالَ
اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً}
[البقرة: 67] ، وَقَالَ فِي الْغَنَمِ {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ}
[الصافات: 107] قَوْلُهُ: (فَإِنْ نَحَرَهَا جَازَ وَيُكْرَهُ) أَمَّا
الْجَوَازُ فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «انْهَرْ الدَّمَ بِمَا
شِئْت» وَأَمَّا الْكَرَاهَةُ فَلِمُخَالَفَةِ السُّنَّةِ الْمُتَوَارَثَةِ
فَإِنْ قِيلَ: رَوَى جَابِرٌ قَالَ «نَحَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ،
وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ» وَلَمْ يَقُلْ ذَبَحْنَا الْبَقَرَةَ قِيلَ:
الْعَرَبُ قَدْ تُضْمِرُ الْفِعْلَ إذْ كَانَ فِي اللَّفْظِ دَلِيلٌ
عَلَيْهِ قَالَ الشَّاعِرُ:
عَلَفْتهَا تِبْنًا وَمَاءً بَارِدًا ... حَتَّى غَدَتْ هَمَّالَةً
عَيْنَاهَا
أَيْ وَسَقَيْتهَا مَاءً بَارِدًا فَأَضْمَرَ الْفِعْلَ كَذَا هَذَا
مَعْنَاهُ وَذَبَحْنَا الْبَقَرَةَ قَوْلُهُ: (وَالْمُسْتَحَبُّ فِي
الْإِبِلِ النَّحْرُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ}
[الكوثر: 2] يَعْنِي الْبُدْنَ وَلِأَنَّ اللَّبَّةَ مِنْ الْبَدَنَةِ
لَيْسَ فِيهَا لَحْمٌ فَلِذَلِكَ اُسْتُحِبَّ فِيهَا النَّحْرُ لِأَنَّهُ
أَسْهَلُ
(2/183)
عَلَى الْحَيَوَانِ بِخِلَافِ الْغَنَمِ،
وَالْبَقَرِ فَإِنَّ حَلْقَهُمَا عَلَى وَجْهٍ وَاحِدٍ.
(قَوْلُهُ: فَإِنْ ذَبَحَهَا جَازَ وَيُكْرَهُ) ، وَقَالَ مَالِكٌ: لَا
يَجُوزُ فَإِنْ ذَبَحَهَا لَمْ تُؤْكَلْ وَكَذَا عِنْدَهُ إذَا نَحَرَ
الشَّاةَ، وَالْبَقَرَةَ لَا يُؤْكَلُ لَنَا قَوْلُهُ: - عَلَيْهِ
السَّلَامُ - «انْهَرْ الدَّمَ بِمَا شِئْت» ، وَالسُّنَّةُ فِي الْبَعِيرِ
أَنْ يُنْحَرَ قَائِمًا مَعْقُولَ الْيَدِ الْيُسْرَى فَإِنْ أَضْجَعَهُ
جَازَ، وَالْأَوَّلُ أَفْضَلُ، وَالسُّنَّةُ فِي الشَّاةِ، وَالْبَقَرَةِ
أَنْ تُذْبَحَ مُضْجَعَةً لِأَنَّهُ أَمْكَنُ لِقَطْعِ الْعُرُوقِ
وَيَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ فِي الْجَمِيعِ قَالَ فِي الْوَاقِعَاتِ:
رَجُلٌ ذَبَحَ شَاةً وَقَطَعَ الْحُلْقُومَ، وَالْأَوْدَاجَ إلَّا أَنَّ
الْحَيَاةَ فِيهَا بَاقِيَةٌ فَقَطَعَ إنْسَانٌ مِنْهَا قِطْعَةً يَحِلُّ
أَكْلُ الْمَقْطُوعِ لِأَنَّ الْمَخْصُوصَ بِعَدَمِ الْحِلِّ مَا أُبِينَ
مِنْ الْحَيِّ وَهَذَا لَا يُسَمَّى حَيًّا مُطْلَقًا قَالَ فِي
التَّفْسِيرِ فِي قَوْله تَعَالَى {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا
مِنْهَا} [الحج: 36] يَعْنِي الْإِبِلَ إذَا سَقَطَتْ بَعْدَ النَّحْرِ
فَوَقَعَتْ جَنُوبُهَا عَلَى الْأَرْضِ وَخَرَجَتْ رُوحُهَا فَكُلُوا
مِنْهَا وَلَا يَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْ الْبُدْنِ إلَّا بَعْدَ خُرُوجِ
الرُّوحِ.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ نَحَرَ نَاقَةً أَوْ ذَبَحَ بَقَرَةً أَوْ شَاةً
فَوَجَدَ فِي بَطْنِهَا جَنِينًا مَيِّتًا لَمْ يُؤْكَلْ أَشْعَرَ أَوْ
لَمْ يُشْعِرْ) هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ وَعِنْدَهُمَا إنْ
تَمَّ خَلْقُهُ أُكِلَ وَإِلَّا فَلَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -
«ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ» وَلِأَنَّهُ فِي حُكْمِ جُزْءٍ مِنْ
أَجْزَائِهَا بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَدْخُلُ فِي بَيْعِهَا وَيُعْتَقُ
بِعِتْقِهَا فَصَارَ كَسَائِرِ أَعْضَائِهَا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْله
تَعَالَى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3] وَهِيَ اسْمٌ
لِمَا مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي الْجَنِينِ لِأَنَّهُ
لَا يَمُوتُ بِمَوْتِ أُمِّهِ لِأَنَّهَا قَدْ تَمُوتُ وَيَبْقَى
الْجَنِينُ فِي بَطْنِهَا حَيًّا وَيَمُوتُ وَهِيَ حَيَّةٌ فَحَيَاتُهُ
غَيْرُ مُتَعَلِّقَةٍ بِحَيَاتِهَا فَلَا تَكُونُ ذَكَاتُهَا ذَكَاةً لَهُ
فَصَارَا كَالشَّاتَيْنِ لَا تَكُونُ ذَكَاةُ إحْدَاهُمَا ذَكَاةً
لِلْأُخْرَى وَلِأَنَّهُ أَصْلٌ فِي الْحَيَاةِ، وَالدَّمُ لِأَنَّهُ لَا
يُتَصَوَّرُ حَيَاتُهُ بَعْدَ مَوْتِهَا وَلَهُ دَمٌ عَلَى حِدَةٍ غَيْرُ
دَمِهَا، وَالذَّبْحُ شَرَعَ لِتَنْهِيرِ الدَّمِ النَّجِسِ مِنْ اللَّحْمِ
الطَّاهِرِ وَذَبْحُهَا لَا يَكُونُ سَبَبًا لِخُرُوجِ الدَّمِ مِنْهُ
وَمَا رَوَيَاهُ مِنْ الْحَدِيثِ قَدْ رُوِيَ ذَكَاةُ أُمِّهِ بِالنَّصْبِ
بِنَزْعِ الْخَافِضِ أَيْ كَذَكَاةِ أُمِّهِ وَأَمَّا إذَا خَرَجَ
الْجَنِينُ حَيًّا وَمَاتَ لَمْ يُؤْكَلْ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنَّمَا
الْخِلَافُ فِيمَا إذَا خَرَجَ مَيِّتًا وَإِنَّمَا شُرِطَ أَنْ يَكُونَ
كَامِلَ الْخَلْقِ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكْمُلْ فَهُوَ كَالْمُضْغَةِ،
وَالدَّمِ فَلَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَمَعْنَى قَوْلِهِ: أَشْعَرَ أَوْ لَمْ
يُشْعِرْ أَيْ تَمَّ خَلْقُهُ أَوْ لَمْ يَتِمَّ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ أَكْلُ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ وَلَا
ذِي مِخْلَبٍ مِنْ الطَّيْرِ) الْمُرَادُ مِنْ ذِي النَّابِ أَنْ يَكُونَ
لَهُ نَابٌ يَصْطَادُ بِهِ وَكَذَا مِنْ ذِي الْمِخْلَبِ وَإِلَّا
فَالْحَمَامَةُ لَهَا مِخْلَبٌ، وَالْبَعِيرُ لَهُ نَابٌ وَذَلِكَ لَا
تَأْثِيرَ لَهُ فَذُو النَّابِ مِنْ السِّبَاعِ الْأَسَدُ، وَالنَّمِرُ،
وَالْفَهْدُ، وَالذِّئْبُ، وَالضَّبُعُ، وَالثَّعْلَبُ، وَالْكَلْبُ،
وَالسِّنَّوْرُ الْبَرِّيُّ، وَالْأَهْلِيُّ، وَالْفِيلُ، وَالْقِرْدُ
وَكَذَا الْيَرْبُوعُ وَابْنُ عُرْسٍ مِنْ سِبَاعِ الْهَوَامِّ وَذُو
الْمِخْلَبِ مِنْ الطَّيْرِ الصَّقْرُ، وَالْبَازِي، وَالنَّسْرُ،
وَالْعُقَابُ، وَالرَّخَمُ، وَالْغُرَابُ الْأَسْوَدُ، وَالْحَدَأَةُ،
وَالشَّاهِينُ وَكُلُّ مَا يَصْطَادُ بِمِخْلَبِهِ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ
النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَعَنَ يَوْمَ خَيْبَرَ
عَشَرَةً وَحَرَّمَ خَمْسَةً لَعَنَ آكِلَ الرِّبَا وَمُوَكِّلَهُ
وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَهُ وَمُمْلِيَهُ، وَالْوَاشِمَةَ، وَالْمَوْشُومَةَ،
وَالْوَاصِلَةَ، وَالْمَوْصُولَةَ وَمَانِعَ الصَّدَقَةِ وَحَرَّمَ
الْخَاطِفَةَ، وَالْمُنْتَهِبَةَ، وَالْمُجَثِّمَةَ، وَالْحِمَارَ
الْأَهْلِيَّ وَكُلَّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ، وَقَالَ: أَكْلُ كُلِّ
ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ حَرَامٌ» فَالْخَاطِفَةُ هِيَ مَا تَخْطَفُ مِنْ
الْهَوَى مِثْلُ الْبَازِي، وَالْحَدَأَةِ، وَالْمُنْتَهِبَةُ هِيَ مَا
تَنْتَهِبُ مِنْ الْأَرْضِ مِثْلُ الذِّئْبِ وَنَحْوُهُ، وَالْمُجَثَّمَةُ
يَرْوِي بِفَتْحِ الثَّاءِ وَكَسْرِهَا فَهِيَ بِالْفَتْحِ كُلُّ صَيْدٍ
جَثَمَ عَلَيْهِ الْكَلْبُ حَتَّى مَاتَ غَمًّا وَبِالْكَسْرِ هُوَ كُلّ
شَيْءٍ عَادَتُهُ أَنْ يَنْجَثِمَ عَلَى الصَّيْدِ مِثْلُ الْكَلْبِ،
وَالذِّئْبِ قَوْلُهُ: (وَلَا بَأْسَ بِغُرَابِ الزَّرْعِ) لِأَنَّهُ
يَأْكُلُ الْحَبَّ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ سِبَاعِ الطَّيْرِ وَلَا يَأْكُلُ
الْجِيَفَ وَكَذَا لَا بَأْسَ بِأَكْلِ الْعَقْعَقِ، وَالْهُدْهُدِ،
وَالْحَمَامِ، وَالْعَصَافِيرِ لِأَنَّ عَامَّةَ أَكْلِهَا الْحَبُّ،
وَالثِّمَارُ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يُؤْكَلُ الْأَبْقَعُ الَّذِي يَأْكُلُ الْجِيَفَ)
وَكَذَا كُلُّ غُرَابٍ يَخْلِطُ الْجِيَفَ، وَالْحَبَّ لَا يُؤْكَلُ
وَأَمَّا الدَّجَاجُ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ.
(2/184)
وَكَذَا الْبَطُّ الْكَسْكَرِيُّ فِي
حُكْمِ الدَّجَاجِ.
قَوْلُهُ: (وَيُكْرَهُ أَكْلُ الضَّبُعِ، وَالضَّبِّ، وَالْحَشَرَاتِ
كُلِّهَا) ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا بَأْسَ بِأَكْلِ الضَّبُعِ،
وَالضَّبِّ وَقَوْلُهُ، وَالْحَشَرَاتِ كُلِّهَا يَعْنِي الْمَائِيَّ،
وَالْبَرِّيَّ كَالضُّفْدَعِ وَغَيْرِهَا وَكَذَا السُّلَحْفَاةُ
لِأَنَّهَا مِنْ الْحَشَرَاتِ وَكَذَا الْفِئْرَانُ، وَالْأَوْزَاغُ،
وَالْعَضَّابَة، وَالْقَنَافِذُ، وَالْحَيَّاتُ وَجَمِيعُ الدَّبِيبِ،
وَالزَّنَابِيرِ، وَالْعَقَارِبِ، وَالذُّبَابِ، وَالْجُعْلَانِ،
وَالْبُرْمَانِ لِأَنَّ هَذِهِ لِأَشْيَاءَ مُسْتَخْبَثَةٍ قَالَ اللَّهُ
تَعَالَى: {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157] وَأَمَّا
الْوَبَرُ فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: هُوَ مِثْلُ الْأَرْنَبِ لِأَنَّهُ
يَعْتَلِفُ الْبُقُولَ، وَالنَّبْتَ وَلَا يَأْكُلُ الْجِيَفَ وَيَجُوزُ
أَكْلُ الظِّبَاءِ وَبَقَرِ الْوَحْشِ وَحُمُرِ الْوَحْشِ، وَالْإِبِلِ
وَهُوَ الْوَعْلُ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ أَكْلُ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ،
وَالْبِغَالِ) لِأَنَّ «النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حَرَّمَ
لُحُومَ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ يَوْمَ خَيْبَرَ وَأَمَرَ طَلْحَةَ أَنْ
يُنَادِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
يَنْهَاكُمْ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ فَإِنَّهَا رِجْسٌ»
فَأَرَاقُوا الْقُدُورَ وَهِيَ تَغْلِي وَأَمَّا الْبَغْلُ فَهُوَ
مُتَوَلِّدٌ مِنْ الْحِمَارِ فَكَانَ مِثْلَهُ.
قَوْلُهُ: (وَيُكْرَهُ أَكْلُ لَحْمِ الْفَرَسِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ)
يَعْنِي كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ لَا كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ لِمَا رَوَى
جَابِرٌ قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ وَأَذِنَ فِي الْخَيْلِ يَوْمَ خَيْبَرَ»
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْله تَعَالَى {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ
وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا} [النحل: 8] خَرَجَ مَخْرَجَ الِامْتِنَانِ
فَلَوْ جَازَ أَكْلُهَا لَذَكَرَهُ لِأَنَّ النِّعْمَةَ بِالْأَكْلِ
أَكْثَرُ مِنْ النِّعْمَةِ بِالرُّكُوبِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْإِبِلَ
لَمَّا كَانَتْ تُؤْكَلُ وَتُرْكَبُ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فَقَالَ تَعَالَى
{فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ} [يس: 72] وَلِأَنَّ
الْخَيْلَ آلَةُ إرْهَابِ الْعَدُوِّ فَيُكْرَهُ أَكْلُهَا احْتِرَامًا
لَهَا وَلِهَذَا يُضْرَبُ لِلْفَرَسِ سَهْمَانِ فِي الْغَنِيمَةِ وَلِأَنَّ
فِي إبَاحَتِهَا تَقْلِيلَ الْجِهَادِ وَأَمَّا لَبَنُهَا فَلَا بَأْسَ
بِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي شُرْبِهِ تَقْلِيلُ الْجِهَادِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا بَأْسَ بِأَكْلِ الْأَرَانِبِ) لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ
السِّبَاعِ وَلَا مِنْ أَكَلَةِ الْجِيَفِ فَأَشْبَهَتْ الظِّبَاءَ.
[مَسْأَلَةٌ حُكْمُ أَكْلِ الْمُتَوَلِّدْ بَيْنَ الْكَلْبِ وَالْمَاعِزِ]
(مَسْأَلَةٌ) الْكَلْبُ إذَا نَزَا عَلَى مَعْزَةٍ فَوَلَدَتْ وَلَدًا
رَأْسُهُ مِثْلُ رَأْسِ الْكَلْبِ وَمَا سِوَى ذَلِكَ الْأَعْضَاءِ
يُشْبِهُ الْمَعْزَ فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ إلَيْهِ اللَّحْمُ، وَالْعَلَفُ
فَإِنْ تَنَاوَلَ اللَّحْمَ دُونَ الْعَلَفِ لَمْ يُؤْكَلْ لِأَنَّهُ
كَلْبٌ وَإِنْ تَنَاوَلَ الْعَلَفَ دُونَ اللَّحْمِ يُرْمَى بِالرَّأْسِ
وَيُؤْكَلُ مَا سِوَاهُ فَإِنْ تَنَاوَلَهُمَا جَمِيعًا يُضْرَبُ فَإِنْ
نَبَحَ لَا يُؤْكَلُ وَإِنْ نَعَرَ يُرْمَى بِالرَّأْسِ بَعْدَ الذَّبْحِ
وَيُؤْكَلُ مَا سِوَاهُ وَإِنْ نَبَحَ وَنَعَرَ يُقَرَّبُ إلَيْهِ الْمَاءُ
فَإِنْ وَلَغَ فَهُوَ كَلْبٌ لَا يُؤْكَلُ وَإِنْ شَرِبَ يُرْمَى
بِالرَّأْسِ وَيُؤْكَلُ مَا سِوَاهُ وَقِيلَ: إنْ خَرَجَ مِنْهُ الْكَرِشُ
يُؤْكَلُ مَا سِوَى الرَّأْسِ وَإِنْ خَرَجَ مِنْهُ الْأَمْعَاءُ لَا
يُؤْكَلُ.
قَوْلُهُ: (وَإِذَا ذُبِحَ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ طَهُرَ لَحْمُهُ
وَجِلْدُهُ إلَّا الْآدَمِيُّ، وَالْخِنْزِيرُ فَإِنَّ الذَّكَاةَ لَا
تَعْمَلُ فِيهِمَا شَيْئًا) الْآدَمِيُّ لِحُرْمَتِهِ، وَالْخِنْزِيرُ
لِنَجَاسَتِهِ كَمَا فِي الدِّبَاغِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -
«دِبَاغُ الْأَدِيمِ ذَكَاتُهُ» فَكَمَا يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ كَذَلِكَ
يَطْهُرُ بِالذَّكَاةِ بِخِلَافِ مَا ذَبَحَهُ الْمَجُوسِيُّ لِأَنَّ
ذَبْحَهُ إمَاتَةٌ فِي الشَّرْعِ فَلَا بُدَّ مِنْ الدِّبَاغِ وَكَمَا
يَطْهُرُ لَحْمُهُ يَطْهُرُ شَحْمُهُ حَتَّى لَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ
الْقَلِيلِ لَا يُفْسِدُهُ وَهَلْ يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ فِي غَيْرِ
الْأَكْلِ قِيلَ: لَا يَجُوزُ كَالْأَكْلِ وَقِيلَ يَجُوزُ كَالزَّيْتِ
إذَا خَالَطَهُ وَدَكُ الْمَيْتَةِ، وَالزَّيْتُ غَالِبٌ لَا يُؤْكَلُ
وَيُنْتَفَعُ بِهِ فِي غَيْرِ الْأَكْلِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ
وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُوجِبِ لِطَهَارَةِ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ هُوَ
مُجَرَّدُ الذَّبْحِ أَوْ الذَّبْحُ مَعَ التَّسْمِيَةِ، وَالظَّاهِرُ
أَنَّهُ لَا يَطْهُرُ إلَّا بِالذَّبْحِ مَعَ التَّسْمِيَةِ وَإِلَّا
فَيَلْزَمُ تَطْهِيرُ مَا ذَبَحَهُ الْمَجُوسِيُّ وَيُكْرَهُ أَكْلُ
لُحُومِ الْإِبِلِ الْجَلَّالَةِ وَشُرْبُ لَبَنِهَا وَكَذَا الْبَقَرَةُ،
وَالشَّاةُ، وَالْجَلَّالَةُ هِيَ الَّتِي تَأْكُلُ الْعَذِرَةَ،
وَالنَّجَاسَاتِ لَا غَيْرُ أَمَّا إذَا خَلَطَتْ فَلَيْسَتْ بِجَلَّالَةٍ
وَقِيلَ هِيَ الَّتِي الْأَغْلَبُ مِنْ أَكْلِهَا النَّجَاسَةُ وَلِذَا
نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُحَجَّ
عَلَيْهَا أَوْ يُغْزَى عَلَيْهَا أَوْ يُنْتَفَعَ بِهَا فِي الْعَمَلِ
إلَّا أَنْ تُحْبَسَ أَيَّامًا وَتُعْلَفَ وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى
أَنَّهَا تُنْتِنُ فِي نَفْسِهَا فَمَنَعَ مِنْ اسْتِعْمَالِهَا حَتَّى لَا
تَتَأَذَّى النَّاسُ بِرِيحِهَا وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُؤَقِّتُ فِي
حَبْسِهَا وَقْتًا وَإِنَّمَا قَالَ: يَحْبِسُهَا حَتَّى يَطِيبَ لَحْمُهَا
وَرُوِيَ أَنَّهَا تُحْبَسُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَقِيلَ: سَبْعَةُ أَيَّامٍ
وَذَلِكَ مَوْقُوفٌ عَلَى زَوَالِ النَّتِنِ وَلَا عِبْرَةَ بِالْأَيَّامِ
وَتَوَقَّفَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي ثَمَانِ مَسَائِلَ وَلَمْ يُؤَقِّتْ
فِيهَا وَقْتًا أَحَدُهَا هَذِهِ مَتَى يَطِيبُ لَحْمُهَا، وَالثَّانِيَةُ
الْكَلْبُ مَتَى.
(2/185)
يَصِيرُ مُعَلَّمًا، وَالثَّالِثَةُ مَتَى وَقْتُ الْخِتَانِ،
وَالرَّابِعَةُ الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ، وَالْخَامِسَةُ سُؤْرُ الْحِمَارِ،
وَالسَّادِسَةُ الدَّهْرُ مُنَكَّرًا، وَالسَّابِعَةُ هَلْ الْمَلَائِكَةُ
أَفْضَلُ أَمْ الْأَنْبِيَاءُ، وَالثَّامِنَةُ أَطْفَالُ الْمُشْرِكِينَ
هَلْ يَدْخُلُونَ النَّارَ تَوَقَّفَ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ لِغَايَةِ
وَرَعِهِ وَأَمَّا الدَّجَاجُ فَإِنَّهَا لَمْ تُكْرَهْ وَإِنْ تَنَاوَلَتْ
النَّجَاسَةَ لِأَنَّهُ لَا يُنْتِنُ كَمَا تُنْتِنُ الْإِبِلُ فَإِذَا
أُرِيدَ ذَبْحُ الْجَلَّالَةِ حُبِسَتْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ نَحْوَهَا
وَتُعْلَفُ وَهَلْ تُحْبَسُ الدَّجَاجَةُ إذَا أُرِيدَ ذَبْحُهَا قَالَ
أَبُو يُوسُفَ: لَا وَرُوِيَ أَنَّهَا تُحْبَسُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لِأَنَّ
النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يَحْبِسُ الدَّجَاجَ ثَلَاثًا
ثُمَّ يَأْكُلُهُ قُلْنَا هَذَا عَلَى طَرِيقِ التَّنَزُّهِ لَا عَلَى
الْوُجُوبِ، وَلَوْ ارْتَضَعَ جَدْيٌ بِلَبَنِ كَلْبَةٍ أَوْ خِنْزِيرَةٍ
حَتَّى كَبُرَ لَا يُكْرَهُ أَكْلُهُ لِأَنَّ لَحْمَهُ لَا يَتَغَيَّرُ
بِذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يُؤْكَلُ مِنْ حَيَوَانِ الْمَاءِ إلَّا السَّمَكَ
وَيُكْرَهُ) (أَكْلُ الطَّافِي مِنْهُ) أَيْ مِنْ السَّمَكِ وَأَمَّا مَا
تَلِفَ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ أَوْ الْبَرْدِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ
إحْدَاهُمَا يُؤْكَلُ لِأَنَّهُ مَاتَ بِسَبَبٍ حَادِثٍ وَهُوَ كَمَا لَوْ
أَلْقَاهُ الْمَاءُ عَلَى الشَّطِّ، وَالثَّانِيَةُ لَا يُؤْكَلُ لِأَنَّهُ
مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ، وَلَوْ أَنَّ سَمَكَةً ابْتَلَعَتْ سَمَكَةً
أُكِلَتَا جَمِيعًا لِأَنَّ الْمَبْلُوعَةَ مَاتَتْ بِسَبَبٍ حَادِثٍ
وَأَمَّا إذَا خَرَجَتْ مِنْ دُبُرِ السَّمَكِ لَا تُؤْكَلُ لِأَنَّهَا
قَدْ اسْتَحَالَتْ عَذِرَةً.
قَوْلُهُ: (وَلَا بَأْسَ بِأَكْلِ الْجِرِّيثِ وَالْمَارْمَاهِيِّ)
لِأَنَّهُمَا مِنْ أَنْوَاعِ السَّمَكِ فَالْجِرِّيثُ الْبَكَّاسُ
وَالْمَارْمَاهِيِّ الْعَرَبِيُّ وَقِيلَ الْقَدُّ.
قَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ أَكْلُ الْجَرَادِ وَلَا ذَكَاةَ لَهُ) لِقَوْلِهِ -
عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ
فَالْمَيْتَتَانِ السَّمَكُ، وَالْجَرَادُ، وَالدَّمَانِ الْكَبِدُ،
وَالطِّحَالُ» وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي دَاوُد قَالَ: «غَزَوْنَا مَعَ
رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَبْعَ غَزَوَاتٍ
نَأْكُلُ الْجَرَادَ» وَسُئِلَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ
الْجَرَادِ يَأْخُذُهُ الرَّجُلُ، وَفِيهِ الْمَيِّتُ فَقَالَ: كُلْهُ
كُلَّهُ وَهَذَا عُدَّ مِنْ فَصَاحَتِهِ وَدَلَّ عَلَى إبَاحَتِهِ.
[مَسْأَلَةٌ الْأَشْيَاء الَّتِي تَكْرَهُ مِنْ الذَّبِيحَةِ]
(مَسْأَلَةٌ) كَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- مِنْ الذَّبِيحَةِ سَبْعَةُ أَشْيَاءَ الذَّكَرُ، وَالْأُنْثَيَيْنِ،
وَالْقُبُلُ، وَالْغُدَدُ، وَالْمَرَارَةُ، وَالْمَثَانَةُ، وَالدَّمُ
وَزَادَ فِي الْيَنَابِيعِ الدُّبُرُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: أَمَّا
الدَّمَ فَحَرَامٌ بِالنَّصِّ وَأَمَّا السِّتَّةُ الْبَاقِيَةُ
فَمَكْرُوهَةٌ لِأَنَّ النَّفْسَ تَسْتَخْبِثُهَا وَتَكْرَهُهَا وَاَللَّهُ
أَعْلَمُ. |