الجوهرة
النيرة على مختصر القدوري [كِتَابُ الْأُضْحِيَّةِ]
[حُكْمُ الْأُضْحِيَّةِ]
(كِتَابُ الْأُضْحِيَّةِ)
الْأُضْحِيَّةُ إرَاقَةُ الدَّمِ مِنْ النَّعَمِ دُونَ سَائِرِ
الْحَيَوَانِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهَا الْإِرَاقَةُ أَنَّهُ لَوْ
تَصَدَّقَ بِعَيْنِ الْحَيَوَانِ لَمْ يَجُزْ، وَالصَّدَقَةُ بِلَحْمِهَا
بَعْدَ الذَّبْحِ مُسْتَحَبٌّ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ حَتَّى لَوْ لَمْ
يَتَصَدَّقْ بِهِ جَازَ قَالَ فِي الْوَاقِعَاتِ شِرَاءُ الْأُضْحِيَّةِ
بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ خَيْرٌ مِنْ التَّصَدُّقِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ لِأَنَّ
الْقُرْبَةَ الَّتِي تَحْصُلُ بِإِرَاقَةِ الدَّمِ لَا تَحْصُلُ
بِالصَّدَقَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (الْأُضْحِيَّةُ وَاجِبَةٌ) أَيْ
التَّضْحِيَةُ لِأَنَّ الْوُجُوبَ مِنْ صِفَاتِ الْفِعْلِ إلَّا أَنَّ
الشَّيْخَ قَالَ ذَلِكَ تَوْسِعَةً وَمَجَازًا وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ
وَاجِبَةً عَمَلًا لَا اعْتِقَادًا حَتَّى لَا يَكْفُرَ جَاحِدُهَا.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَبِهِ قَالَ
الشَّافِعِيُّ وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ مَعَ أَبِي يُوسُفَ
قَوْلُهُ: (عَلَى كُلِّ حُرٍّ مُسْلِمٍ مُقِيمٍ مُوسِرٍ فِي يَوْمِ
الْأَضْحَى) شَرَطَ الْحُرِّيَّةَ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا
وَشَرَطَ الْإِسْلَامَ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ، وَالْكَافِرُ لَيْسَ مِنْ
أَهْلِهَا وَشَرَطَ الْإِقَامَةَ لِأَنَّهَا لَوْ وَجَبَتْ عَلَى
الْمُسَافِرِ لَتَشَاغَلَ بِهَا عَنْ سَفَرِهِ وَلِأَنَّهُ قَدْ سَقَطَ
عَنْهُ مَا هُوَ آكَدُ مِنْ ذَلِكَ كَالْجُمُعَةِ وَبَعْضِ الْفَرْضِ
حَتَّى لَا يَتَشَاغَلَ عَنْ سَفَرِهِ وَتَجِبُ عَلَى أَهْلِ الْأَمْصَارِ،
وَالْقُرَى، وَالْبَرَارِي وَيُشْتَرَطُ فِي وُجُوبِهَا الْيَسَارُ
لِأَنَّهَا حَقٌّ فِي مَالٍ يَجِبُ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ كَالزَّكَاةِ
وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ عَنْ النَّفَقَةِ
وَاشْتَرَطَ يَوْمَ الْأَضْحَى لِأَنَّ الْيَوْمَ مُضَافٌ إلَيْهَا
وَأَيَّامُ الْأَضْحَى ثَلَاثَةٌ يَوْمُ النَّحْرِ وَيَوْمَانِ بَعْدَهُ
وَأَوَّلُهَا أَفْضَلُهَا، وَالْمُسْتَحَبُّ ذَبْحُهَا بِالنَّهَارِ دُونَ
اللَّيْلِ لِأَنَّهُ أَمْكَنُ لِاسْتِيفَاءِ الْعُرُوقِ وَإِنْ ذَبَحَهَا
بِاللَّيْلِ أَجْزَأَهُ مَعَ الْكَرَاهَةِ وَلَا تَجِبُ عَلَى.
(2/186)
الْحَاجِّ الْمُسَافِرِ فَأَمَّا أَهْلُ
مَكَّةَ فَإِنَّهَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ وَإِنْ حَجُّوا، وَفِي
الْخُجَنْدِيِّ لَا تَجِبُ عَلَى الْحَاجِّ إذَا كَانَ مُحْرِمًا وَإِنْ
كَانَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَأَمَّا الْعَتِيرَةُ فَهِيَ مَنْسُوخَةٌ
وَهِيَ شَاةٌ كَانَتْ تُقَامُ فِي رَجَبٍ. قَوْلُهُ: (عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ
أَوْلَادِهِ الصِّغَارِ) اعْتِبَارًا بِالْفِطْرَةِ هَذِهِ رِوَايَةُ
الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا تَجِبُ
إلَّا عَنْ نَفْسِهِ خَاصَّةً بِخِلَافِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ لِأَنَّ
السَّبَبَ هُنَاكَ رَأْسٌ يَمُونُهُ وَيَلِي عَلَيْهِ وَهَذِهِ قُرْبَةٌ
مَحْضَةٌ، وَالْأَصْلُ فِي الْقُرَبِ أَنْ لَا تَجِبَ عَلَى الْغَيْرِ
بِسَبَبِ الْغَيْرِ وَلِهَذَا قَالُوا لَا يَجِبُ أَنْ يُضَحِّيَ عَنْ
عَبْدِهِ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ كَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ فِطْرَتُهُ فَإِنْ
كَانَ لِلصَّغِيرِ مَالٌ ضَحَّى عَنْهُ أَبُوهُ أَوْ وَصِيُّهُ مِنْ مَالِ
الصَّغِيرِ عِنْدَهُمَا، وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ: يُضَحِّي عَنْهُ
أَبُوهُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لَا مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ وَهَذَا كُلُّهُ
عَلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ، وَالْخِلَافُ فِي هَذَا كَالْخِلَافِ فِي
صَدَقَةِ الْفِطْرِ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ التَّضْحِيَةُ مِنْ مَالِ
الصَّغِيرِ إجْمَاعًا لِأَنَّ الْقُرْبَةَ تَتَأَدَّى بِالْإِرَاقَةِ.
وَالصَّدَقَةُ بَعْدَهَا تَطَوُّعٌ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي مَالِ
الصَّغِيرِ وَلَا يُمْكِنُ الصَّغِيرَ أَنْ يَأْكُلَهُ كُلَّهُ،
وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُضَحَّى عَنْهُ مِنْ مَالِهِ وَيَأْكُلُ مِنْهُ
الصَّغِيرُ مَا أَمْكَنَهُ وَيُدَّخَرُ لَهُ قَدْرَ حَاجَتِهِ وَيُبْتَاعُ
لَهُ بِمَا بَقِيَ مَا يَنْتَفِعُ بِعَيْنِهِ كَمَا يَجُوزُ أَنْ
يَنْتَفِعَ الْبَالِغُ بِجِلْدِ الْأُضْحِيَّةِ، وَقَالَ فِي شَاهَانْ
يَشْتَرِي لَهُ بِهِ مَا يُؤْكَلُ كَالْحِنْطَةِ، وَالْخُبْزِ وَغَيْرِهِ،
وَقَالَ فِي الْيَنَابِيعِ، وَلَوْ كَانَ الْمَجْنُونُ مُوسِرًا ضَحَّى
عَنْهُ وَلِيُّهُ مِنْ مَالِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ وَرُوِيَ
أَنَّهُ لَا تَجِبُ الْأُضْحِيَّةُ فِي مَالِ الْمَجْنُونِ وَلَا تَجِبُ
عَلَيْهِ أَنْ يُضَحِّيَ عَنْ أَوْلَادِهِ الْكِبَارِ لِأَنَّهُ لَا
وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِمْ وَأَمَّا ابْنُ ابْنِهِ الصَّغِيرِ فَرَوَى
الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُضَحِّي عَنْهُ إذَا كَانَ
أَبُوهُ مَيِّتًا وَإِنْ كَانَ حَيًّا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا
وِلَايَةَ لِلْجَدِّ عَلَيْهِ كَالْأَخِ وَإِنْ وُلِدَ لِلرَّجُلِ وَلَدٌ
وَهُوَ مُوسِرٌ فِي أَيَّامِ الذَّبْحِ قَالَ الْحَسَنُ: عَنْ أَبِي
حَنِيفَةَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَذْبَحَ عَنْهُ مَا لَمْ تَمْضِ أَيَّامُ
الذَّبْحِ لِأَنَّهُ حَدَثَ فِي وَقْتِ الْوُجُوبِ وَإِنْ مَاتَ ابْنٌ لَهُ
صَغِيرٌ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَ عَنْهُ فَلَيْسَ
عَلَيْهِ أَنْ يُضَحِّيَ عَنْهُ لِأَنَّ الْعِبَادَاتِ الْمُؤَقَّتَةِ
تَجِبُ عِنْدَنَا بِآخِرِ وَقْتِهَا فَمَنْ مَاتَ قَبْلَ الْوُجُوبِ لَمْ
يَثْبُتْ فِي حَقِّهِ وَقَدْ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَيْسَ عَلَى
الْمُسَافِرِ أَنْ يَذْبَحَ عَنْ نَفْسِهِ وَعَلَيْهِ أَنْ يَذْبَحَ عَنْ
أَوْلَادِهِ إذَا كَانُوا مُقِيمِينَ فَإِنْ كَانُوا مُسَافِرِينَ مَعَهُ
لَمْ يُضَحِّ عَنْهُمْ كَذَا فِي الْكَرْخِيِّ وَإِنْ كَانَ مُقِيمًا
وَأَوْلَادُهُ مُسَافِرِينَ ضَحَّى عَنْ نَفْسِهِ خَاصَّةً وَمَنْ مَاتَ
فِي وَسَطِ أَيَّامِ النَّحْرِ فَلَا أُضْحِيَّةَ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ
بَالِغًا أَوْ صَبِيًّا قَوْلُهُ: (يَذْبَحُ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ
شَاةً) شَرْطُ الذَّبْحِ حَتَّى لَوْ تَصَدَّقَ بِهَا حَيَّةً فِي أَيَّامِ
النَّحْرِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْأُضْحِيَّةَ الْإِرَاقَةُ.
قَوْلُهُ: (أَوْ يَذْبَحُ بَدَنَةً أَوْ بَقَرَةً عَنْ سَبْعَةٍ) ،
وَالْبَدَنَةُ، وَالْبَقَرَةُ تُجْزِئُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَنْ
سَبْعَةٍ إذَا كَانُوا كُلُّهُمْ يُرِيدُونَ بِهَا وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى
وَإِنْ اخْتَلَفَتْ وُجُوهُ الْقُرَبِ بِأَنْ يُرِيدَ أَحَدُهُمْ
الْهَدْيَ، وَالْآخَرُ جَزَاءَ الصَّيْدِ، وَالْآخَرُ هَدْيَ الْمُتْعَةِ،
وَالْآخَرُ الْأُضْحِيَّةَ، وَالْآخَرُ التَّطَوُّعَ.
وَقَالَ زُفَرُ لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا اتَّفَقَتْ الْقُرَبُ كُلُّهَا
وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمْ يُرِيدُ بِنَصِيبِهِ اللَّحْمَ فَإِنَّهُ لَا
يُجْزِئُ عَنْ الْكُلِّ إجْمَاعًا وَكَذَا إذَا كَانَ نَصِيبُ أَحَدِهِمْ
أَقَلَّ مِنْ السَّبْعِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ عَنْ الْكُلِّ أَيْضًا
لِانْعِدَامِ وَصْفِ الْقُرْبَةِ فِي الْبَعْضِ وَكَذَا يَجُوزُ عَنْ
خَمْسَةٍ أَوْ سِتَّةٍ أَوْ ثَلَاثَةٍ وَلَا يَجُوزُ عَنْ ثَمَانِيَةٍ،
وَقَالَ مَالِكٌ يَجُوزُ عَنْ أَهْلِ بَيْتٍ وَاحِدٍ وَإِنْ كَانُوا
أَكْثَرَ مِنْ سَبْعَةٍ وَلَا يَجُوزُ عَنْ أَهْلِ بَيْتَيْنِ وَإِنْ
كَانُوا أَقَلَّ مِنْ سَبْعَةٍ ثُمَّ إذَا جَازَتْ الشَّرِكَةُ
فَالْقِسْمَةُ لِلَّحْمِ بِالْوَزْنِ فَإِنْ اقْتَسَمُوا أَجْزَاءً لَمْ
يَجُزْ إلَّا إذَا كَانَ مَعَهُ شَيْءٌ مِنْ الْأَكَارِعِ، وَالْجِلْدِ
اعْتِبَارًا بِالْبَيْعِ وَإِنْ اشْتَرَكَ سَبْعَةٌ فِي بَدَنَةٍ فَمَاتَ
أَحَدُهُمْ قَبْلَ الذَّبْحِ فَرَضِيَ وَرَثَتُهُ أَنْ يَذْبَحَ عَنْ
الْمَيِّتِ جَازَ اسْتِحْسَانًا.
وَقَالَ زُفَرُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْمَيِّتَ قَدْ سَقَطَ عَنْهُ
الذَّبْحُ وَفِعْلُ الْوَارِثِ لَا يَقُومُ مَقَامَ فِعْلِهِ فَصَارَ
نَصِيبُهُ اللَّحْمَ فَلَمْ يَجُزْ وَلَنَا أَنَّ الْوَارِثَ يَمْلِكُ أَنْ
يَتَقَرَّبَ عَنْ الْمَيِّتِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَحُجَّ
عَنْهُ وَيَتَصَدَّقَ عَنْهُ فَصَارَ نَصِيبُ الْمَيِّتِ لِلْقُرْبَةِ
فَيَجُوزُ عَنْ الْبَاقِينَ فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمْ ذِمِّيًّا أَرَادَ
الْقُرْبَةَ لَمْ يَجُزْ عَنْهُ وَلَا عَنْ غَيْرِهِ لِأَنَّهُ لَا
قُرْبَةَ لَهُ فَصَارَ كَمَنْ يُرِيدُ بِنَصِيبِهِ اللَّحْمَ.
قَوْلُهُ: (وَلَيْسَ عَلَى الْفَقِيرِ، وَالْمُسَافِرِ أُضْحِيَّةٌ) أَمَّا
الْفَقِيرُ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا الْمُسَافِرُ فَلِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ عَلَى الْمُسَافِرِ
جُمُعَةٌ وَلَا أُضْحِيَّةٌ.
[وَقْتُ الْأُضْحِيَّةِ]
قَوْلُهُ: (وَوَقْتُ الْأُضْحِيَّةِ يَدْخُلُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ
يَوْمِ النَّحْرِ) فَلَوْ جَاءَ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ وَلَهُ مِائَتَا
دِرْهَمٍ أَوْ أَكْثَرُ فَسُرِقَتْ مِنْهُ أَوْ هَلَكَتْ أَوْ نَقَصَ
عَدَدُهَا فَلَا أُضْحِيَّةَ عَلَيْهِ، وَلَوْ جَاءَ يَوْمَ الْأَضْحَى
وَلَا مَالَ لَهُ ثُمَّ اسْتَفَادَ مِائَتَيْنِ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ
فَعَلَيْهِ الْأُضْحِيَّةُ إذَا لَمْ يَكُنْ
(2/187)
عَلَيْهِ دَيْنٌ قَوْلُهُ (إلَّا أَنَّهُ
لَا يَجُوزُ لِأَهْلِ الْأَمْصَارِ الذَّبْحُ حَتَّى يُصَلِّي الْإِمَامُ
صَلَاةَ الْعِيدِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إنَّ أَوَّلَ
نُسُكِنَا فِي يَوْمِنَا هَذَا الصَّلَاةُ ثُمَّ الذَّبْحُ» ، وَقَالَ -
عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَلْيُعِدْ
ذَبِيحَتَهُ وَمَنْ ذَبَحَ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَقَدْ تَمَّ نُسُكُهُ
وَأَصَابَ سُنَّةَ الْمُسْلِمِينَ» وَإِنْ أَخَّرَ الْإِمَامُ الصَّلَاةَ
فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَذْبَحَ حَتَّى يَنْتَصِفَ النَّهَارُ وَكَذَا إذَا
تَرَكَ الصَّلَاةَ مُتَعَمِّدًا حَتَّى انْتَصَفَ النَّهَارُ فَقَدْ حَلَّ
الذَّبْحُ مِنْ غَيْرِ صَلَاةٍ فِي الْأَيَّامِ كُلِّهَا فَإِنْ ذَبَحَ
بَعْدَمَا قَعَدَ الْإِمَامُ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ جَازَ، وَلَوْ ذَبَحَ
بَعْدَمَا صَلَّى أَهْلُ الْمَسْجِدِ وَلَمْ يُصَلِّي أَهْلُ الْجَبَّانَةِ
أَجْزَأَهُ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّهَا صَلَاةٌ مُعْتَبَرَةٌ حَتَّى لَوْ
اكْتَفَوْا بِهَا أَجْزَأَهُمْ وَكَذَا عَلَى عَكْسِهِ وَقِيلَ فِي
عَكْسِهِ يُجْزِيهِ قِيَاسًا لَا اسْتِحْسَانًا وَإِنْ ذَبَحَ بَعْدَ مَا
صَلَّى الْإِمَامُ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ صَلَّى بِهِمْ وَهُوَ مُحْدِثٌ
أَجْزَأَهُ وَيُعْتَبَرُ فِي الذَّبْحِ مَكَانُ الْأُضْحِيَّةِ لَا مَكَانُ
الرَّجُلِ وَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ فِي الْمِصْرِ، وَالشَّاةُ فِي
السَّوَادِ فَذَبَحُوا عَنْهُ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ بِأَمْرِهِ جَازَ
وَإِنْ كَانَ فِي السَّوَادِ، وَالشَّاةُ فِي الْمِصْرِ لَا يَجُوزُ
الذَّبْحُ إلَّا بَعْدَ صَلَاةِ الْعِيدِ وَحِيلَةُ الْمِصْرِيِّ إذَا
أَرَادَ أَنْ يَتَعَجَّلَ فَإِنَّهُ يَبْعَثُ بِهَا إلَى خَارِجِ الْمِصْرِ
فَيُضَحِّي بِهَا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ:
وَهَذَا لِأَنَّهَا تُشْبِهُ الزَّكَاةَ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا تَسْقُطُ
بِهَلَاكِ الْمَالِ قَبْلَ مُضِيِّ أَيَّامِ النَّحْرِ كَالزَّكَاةِ
تَسْقُطُ بِهَلَاكِ النِّصَابِ فَيُعْتَبَرُ فِي الْقُرْبِ مَكَانُ
الْفِعْلِ لَا مَكَانُ الْفَاعِلِ اعْتِبَارًا بِهَا بِخِلَافِ صَدَقَةِ
الْفِطْرِ لِأَنَّهَا لَا تَسْقُطُ بِهَلَاكِ الْمَالِ بَعْدَمَا طَلَعَ
الْفَجْرُ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ وَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ
السَّوَادِ مَسْكَنُهُ فِيهِ دَخَلَ الْمِصْرَ لِصَلَاةِ الْأَضْحَى
وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُضَحُّوا عَنْهُ جَازَ أَنْ يَذْبَحُوا عَنْهُ
بِطُلُوعِ الْفَجْرِ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ مَكَانُ الْفِعْلِ دُونَ
مَكَانِ الْمَفْعُولِ عَنْهُ وَإِنْ صَلَّى الْإِمَامُ وَلَمْ يَخْطُبْ
أَجْزَأَهُ مَنْ ذَبَحَ لِأَنَّ خُطْبَةَ الْعِيدِ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ.
(قَوْلُهُ: فَأَمَّا) (أَهْلُ السَّوَادِ فَيَذْبَحُونَ بَعْدَ طُلُوعِ
الْفَجْرِ) لِأَنَّ صَلَاةَ الْعِيدِ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ عَلَيْهِمْ
وَلَا يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يَذْبَحُوا قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ لِأَنَّ
وَقْتَ الذَّبْحِ لَا يَدْخُلُ إلَّا بِطُلُوعِ الْفَجْرِ.
قَوْلُهُ: (وَهِيَ جَائِزَةٌ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ يَوْمُ النَّحْرِ
وَيَوْمَانِ بَعْدَهُ) ، وَلَوْ عَقَلَ أُضْحِيَّةً حَتَّى مَضَتْ أَيَّامُ
النَّحْرِ أَوْ ضَاعَتْ فَأَصَابَهَا بَعْدَ أَيَّامِ النَّحْرِ فَلَيْسَ
عَلَيْهِ أَنْ يَذْبَحَهَا وَلَكِنْ يَتَصَدَّقُ بِهَا وَلَا يَتْرُكُ
مِنْهَا شَيْئًا وَإِنْ اشْتَرَى شَاةً لِلْأُضْحِيَّةٍ فَضَلَّتْ
فَاشْتَرَى غَيْرَهَا ثُمَّ وَجَدَ الْأُولَى فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَذْبَحَ
الْكُلَّ وَإِنْ ذَبَحَ الْأُولَى لَا غَيْرُ أَجْزَأَهُ سَوَاءٌ كَانَتْ
قِيمَةُ الْأُولَى أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الثَّانِيَةِ أَوْ أَقَلَّ وَإِنْ
ذَبَحَ الثَّانِيَةَ لَا غَيْرُ إنْ كَانَتْ مِثْلَ الْأُولَى أَوْ
أَفْضَلَ جَازَ وَإِنْ كَانَتْ دُونَهَا يَضْمَنُ الزِّيَادَةَ
وَيَتَصَدَّقُ بِهَا وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَذْبَحَهُمَا جَمِيعًا سَوَاءٌ
كَانَ مُعْسِرًا أَوْ مُوسِرًا، وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: إنْ كَانَ
مُوسِرًا فَكَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا يَلْزَمُهُ ذَبْحُ الْكُلِّ
لِأَنَّ الْوُجُوبَ عَلَى الْغَنِيِّ بِالشَّرْعِ ابْتِدَاءً لَا
بِالشِّرَاءِ فَلَمْ يَتَعَيَّنْ لَهُ وَعَلَى الْفَقِيرِ بِشِرَائِهِ
بِنِيَّةِ الْأُضْحِيَّةِ فَتَعَيَّنَتْ عَلَيْهِ وَكَذَا إذَا اشْتَرَى
شَاةً سَلِيمَةً ثُمَّ تَعَيَّبَتْ بِعَيْبٍ مَانِعٍ إنْ كَانَ غَنِيًّا
عَلَيْهِ غَيْرُهَا وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا تُجْزِيهِ هَذِهِ لِمَا
ذَكَرْنَا أَنَّ الْوُجُوبَ عَلَى الْغَنِيِّ بِالشَّرْعِ ابْتِدَاءً لَا
بِالشِّرَاءِ وَعَلَى هَذَا قَالُوا إذَا مَاتَتْ الْمُشْتَرَاةُ
لِلتَّضْحِيَةِ فَعَلَى الْمُوسِرِ مَكَانَهَا أُخْرَى وَلَا شَيْءَ عَلَى
الْفَقِيرِ وَإِنْ وَلَدَتْ الْأُضْحِيَّةُ وَلَدًا ذَبَحَهُ مَعَهَا
لِأَنَّ الْوُجُوبَ تَعَيَّنَ فِيهَا فَيَسْرِي إلَى وَلَدِهَا وَمِنْ
أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ هَذَا فِي الْأُضْحِيَّةِ الْوَاجِبَةِ لِأَنَّ
الْوُجُوبَ تَعَيَّنَ فِيهَا بِالشِّرَاءِ وَأَمَّا الشَّاةُ الَّتِي
اشْتَرَاهَا الْمُوسِرُ لِيُضَحِّيَ بِهَا إذَا وَلَدَتْ لَمْ يَتْبَعْهَا
وَلَدُهَا وَكَانَ أَصْحَابُنَا يَقُولُونَ لَا يَجِبُ ذَبْحُ الْوَلَدِ،
وَلَوْ تَصَدَّقَ بِهِ جَازَ لِأَنَّ الْحَقَّ لَمْ يَسِرْ إلَيْهِ
وَلَكِنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِهَا فَهُوَ كَجِلْدِهَا وَخِطَامِهَا وَإِنْ
بَاعَهُ أَوْ أَكَلَهُ تَصَدَّقَ بِقِيمَتِهِ فِي الْأَكْلِ وَبِثَمَنِهِ
فِي الْبَيْعِ وَإِنْ أَمْسَكَ الْوَلَدَ حَتَّى مَضَتْ أَيَّامُ الذَّبْحِ
(2/188)
تَصَدَّقَ بِهِ قَالَ فِي الْخُجَنْدِيِّ:
إذَا وَلَدَتْ الْأُضْحِيَّةُ فَذَبَحَ الْوَلَدَ يَوْمَ الْأَضْحَى بَعْدَ
الْأُمِّ أَجْزَأَهُ وَيَكُونُ حُكْمُهُ كَحُكْمِ أُمِّهِ وَإِنْ ذَبَحَهُ
قَبْلَ ذَبْحِهَا لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَيَتَصَدَّقُ بِهِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يُضَحَّى بِالْعَمْيَاءِ وَلَا الْعَوْرَاءِ وَلَا
الْعَرْجَاءِ الَّتِي لَا تَمْشِي إلَى الْمَنْسَكِ) وَهُوَ الْمَذْبَحُ
(وَلَا بِالْعَجْفَاءِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا يُجْزِئُ
فِي الضَّحَايَا أَرْبَعٌ الْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا،
وَالْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ عَرَجُهَا، وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ
مَرَضُهَا، وَالْعَجْفَاءُ الَّتِي لَا تُنْقِي» أَيْ لَا نِقْيَ لَهَا
وَهُوَ الْمُخُّ لِشِدَّةِ الْهُزَالِ، قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ
مَقْطُوعَةُ الْأُذُنِ أَوْ الذَّنَبِ) قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -
«اسْتَشْفُوا الْعَيْنَ، وَالْأُذُنَ» أَيْ اُطْلُبُوا سَلَامَتَهُمَا
وَأَمَّا الذَّنَبُ فَهُوَ عُضْوٌ مَقْصُودٌ كَالْأُذُنِ. قَوْلُهُ: (وَلَا
الَّتِي ذَهَبَ أَكْثَرُ أُذُنِهَا أَوْ ذَنَبُهَا فَإِنْ بَقِيَ أَكْثَرُ
الْأُذُنِ أَوْ الذَّنَبِ جَازَ) وَكَذَا حُكْمُ الْأَلْيَةِ وَاخْتَلَفَتْ
الرِّوَايَةُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي ذَلِكَ فَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ إنْ
كَانَ الذَّاهِبُ مِنْ الْأُذُنِ أَوْ الذَّنَبِ الثُّلُثَ فَمَا دُونَهُ
أَجْزَاهُ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ لَمْ يُجْزِهِ فَجَعَلَ
الثُّلُثَ فِي حَدِّ الْقَلِيلِ لِأَنَّهُ تَنْفُذُ فِيهِ الْوَصِيَّةُ
مِنْ غَيْرِ رِضَا الْوَرَثَةِ.
وَرُوِيَ عَنْهُ إنْ كَانَ الذَّاهِبُ الثُّلُثَ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ كَانَ
أَقَلَّ جَازَ فَجُعِلَ الثُّلُثُ فِي حَدِّ الْكَثِيرِ لِقَوْلِهِ -
عَلَيْهِ السَّلَامُ - «وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ» وَرُوِيَ عَنْهُ إنْ كَانَ
الذَّاهِبُ الرُّبْعَ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ الرُّبْعَ فِي حُكْمِ الْكُلِّ
فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ قَدَّرُوا بِهِ
مَسْحَ الرَّأْسِ وَوُجُوبَ الدَّمِ فِي الْحَلْقِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ
إذَا بَقِيَ أَكْثَرُ مِنْ النِّصْفِ أَجْزَأَهُ وَإِنْ ذَهَبَ أَكْثَرُ
مِنْهُ لَمْ يُجْزِهِ وَإِنْ كَانَ الذَّاهِبُ النِّصْفَ فَفِيهِ
رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا لَا يَجُوزُ لِاجْتِمَاعِ الْحَظْرِ،
وَالْإِبَاحَةِ فَغَلَبَ الْحَظْرُ، وَفِي الثَّانِيَةِ يَجُوزُ وَقَوْلُ
مُحَمَّدٍ قِيلَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَفِي الْهِدَايَةِ مَعَ أَبِي يُوسُفَ، وَالْأَظْهَرُ عِنْدَ أَبِي
حَنِيفَةَ أَنَّ الثُّلُثَ فِي حَدِّ الْقَلِيلِ وَمَا زَادَ عَلَيْهِ فِي
حَدِّ الْكَثِيرِ.
قَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ أَنْ يُضَحَّى بِالْجَمَّاءِ) وَهِيَ الَّتِي لَا
قَرْنَ لَهَا خِلْقَةً وَتُسَمَّى الْجَلْحَاءُ أَيْضًا وَكَذَلِكَ
الْقَضْمَاءُ وَهِيَ الَّتِي انْكَسَرَ غِلَافُ قَرْنِهَا قَوْلُهُ
(وَالْخَصِيِّ) لِأَنَّهُ أَطْيَبُ لَحْمًا مِنْ غَيْرِ الْخَصِيِّ قَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ: مَا زَادَ فِي لَحْمِهِ أَنْفَعُ مِمَّا ذَهَبَ مِنْ
خُصْيَتِهِ. قَوْلُهُ: (وَالثَّوْلَاءِ) وَهِيَ الْمَجْنُونَةُ لِأَنَّ
الْعَقْلَ غَيْرُ مَقْصُودٍ فِي الْبَهَائِمِ وَهَذَا إذَا كَانَتْ
تَعْتَلِفُ أَمَّا إذَا كَانَتْ لَا تَعْتَلِفُ لَا يُجْزِيهِ وَأَمَّا
الصَّكَّاءُ وَهِيَ الَّتِي لَا أُذُنَ لَهَا خِلْقَةً لَا يَجُوزُ أَنْ
يُضَحَّى بِهَا لِأَنَّهُ فَاتَ بِالْأُذُنِ حَقُّ الْفُقَرَاءِ وَأَمَّا
إذَا كَانَتْ لَهَا أُذُنٌ صَغِيرَةٌ خِلْقَةً جَازَ لِأَنَّ الْعُضْوَ
مَوْجُودٌ وَصِغَرُهُ غَيْرُ مَانِعٍ وَأَمَّا الْجَرْبَاءُ إنْ كَانَتْ
سَمِينَةً جَازَ لِأَنَّ الْجَرَبَ إنَّمَا هُوَ فِي الْجِلْدِ وَلَا
نُقْصَانَ فِي اللَّحْمِ وَأَمَّا الْهَتْمَاءُ وَهِيَ الَّتِي لَا
أَسْنَانَ لَهَا فَفِيهَا رِوَايَتَانِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إحْدَاهُمَا
اعْتَبَرَهَا بِالْأُذُنِ فَقَالَ إنْ بَقِيَ أَكْثَرُهَا أَجْزَأَتْ
وَإِلَّا فَلَا، وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى إذَا بَقِيَ لَهَا مَا
تَعْتَلِفُ بِهِ أَجْزَأَهُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا الْأَكْلُ بِهَا.
قَوْلُهُ: (وَالْأُضْحِيَّةُ مِنْ الْإِبِلِ، وَالْبَقَرِ، وَالْغَنَمِ)
وَلَا يَجُوزُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ الْوَحْشِ فَإِنْ كَانَ مُتَوَلِّدًا
مِنْ الْأَهْلِيِّ، وَالْوَحْشِيِّ فَإِنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي ذَلِكَ
الْأُمُّ لِأَنَّهَا هِيَ الْأَصْلُ فِي التَّبَعِيَّةِ حَتَّى إذَا نَزَا
الذِّئْبُ عَلَى الشَّاةِ يُضَحَّى بِالْوَلَدِ وَكَذَا إذَا كَانَتْ
الْبَقَرَةُ أَهْلِيَّةً نَزَا عَلَيْهَا ثَوْرٌ وَحْشِيٌّ فَإِنْ كَانَ
عَلَى الْعَكْسِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُضَحَّى بِالْوَلَدِ قَوْلُهُ:
(يُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ الشَّيْءُ فَصَاعِدًا إلَّا الضَّأْنُ
فَإِنَّ الْجَذَعَ مِنْهُ يُجْزِئُ) يَعْنِي إذَا كَانَ عَظِيمًا بِحَيْثُ
إذَا خُلِطَ بِالثَّنَايَا يَشْتَبِهُ عَلَى النَّاظِرِ مِنْ بَعِيدٍ
فَالْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ مَا تَمَّ لَهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ، وَقِيلَ
سَبْعَةٌ، وَالثَّنِيُّ مِنْهَا وَمِنْ الْمَعْزِ مَا لَهُ سَنَةٌ وَطَعَنَ
فِي الثَّانِيَةِ وَمِنْ الْبَقَرِ مَا لَهُ سَنَتَانِ وَطَعَنَ فِي
الثَّالِثَةِ وَمِنْ الْإِبِلِ مَا لَهُ خَمْسُ سِنِينَ وَطَعَنَ فِي
السَّادِسَةِ وَيَدْخُلُ فِي الْبَقَرِ الْجَوَامِيسُ لِأَنَّهَا مِنْ
جِنْسِهَا، وَالذَّكَرُ مِنْ الضَّأْنِ أَفْضَلُ مِنْ الْأُنْثَى إذَا
اسْتَوَيَا، وَالْأُنْثَى مِنْ الْبَقَرِ أَفْضَلُ مِنْ الذَّكَرِ إذَا
اسْتَوَيَا.
قَوْلُهُ: (وَيَأْكُلُ مِنْ لَحْمِ الْأُضْحِيَّةِ)
(2/189)
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ
الْفَقِيرَ} [الحج: 28] الْبَائِسُ الَّذِي أَصَابَهُ ضَرَرُ الْجُوعِ
وَتَبَيَّنَ عَلَيْهِ أَثَرُ الْبُؤْسِ بِأَنْ يَمُدَّ يَدَهُ إلَيْك
وَقِيلَ هُوَ الزَّمِنُ الْمُحْتَاجُ قَوْلُهُ: (وَيَدَّخِرُ) لِقَوْلِهِ -
عَلَيْهِ السَّلَامُ - «فَكُلُوا مِنْهَا وَادَّخِرُوا» قَالَ
الْخُجَنْدِيُّ الْأَفْضَلُ أَنْ يَتَصَدَّقَ مِنْهَا بِالثُّلُثِ
وَيَدَّخِرَ الثُّلُثَ ضِيَافَةً لِلْأَقَارِبِ، وَالثُّلُثَ لِنَفْسِهِ
وَإِنْ لَمْ يَتَصَدَّقْ بِشَيْءٍ مِنْهَا جَازَ قَوْلُهُ: (وَيُسْتَحَبُّ
أَنْ لَا يُنْقِصَ الصَّدَقَةَ مِنْ الثُّلُثِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِيهَا
{وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} [الحج: 36] فَالْقَانِعُ: هُوَ
الَّذِي يَسْأَلُ، وَالْمُعْتَرُّ: هُوَ الَّذِي يَتَعَرَّضُ وَيُرِيَك
نَفْسَهُ وَلَا يَسْأَلُك، وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «كُلُوا
مِنْهَا أَوْ ادَّخِرُوا» فَصَارَتْ الْجِهَاتُ ثَلَاثًا الْأَكْلُ،
وَالِاطِّعَامُ، وَالِادِّخَارُ فَإِنْ تَصَدَّقَ بِجَمِيعِهَا فَهُوَ
أَفْضَلُ وَإِنْ لَمْ يَتَصَدَّقْ بِشَيْءٍ مِنْهَا أَجْزَأَهُ لِأَنَّ
الْمُرَادَ مِنْهَا إرَاقَةُ الدَّمِ قَوْلُهُ: (وَيَتَصَدَّقُ
بِجِلْدِهَا) لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْهَا قَوْلُهُ: (أَوْ يَعْمَلُ مِنْهُ
آلَةً تُسْتَعْمَلُ فِي الْبَيْتِ) كَالنِّطَعِ، وَالْجِرَابِ،
وَالْغِرْبَالِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَّخِذَهُ فَرْوًا لِنَفْسِهِ وَقَدْ
رُوِيَ أَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - اتَّخَذَتْ جِلْدَ
أُضْحِيَّتِهَا سِقَاءً وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِلَحْمِهَا
فَكَذَا بِجِلْدِهَا وَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ مَا يَنْتَفِعُ
بِعَيْنِهِ فِي الْبَيْتِ مَعَ بَقَائِهِ مِثْلُ الْمُنْخُلِ، وَالْجِرَابِ
وَغَيْرِ ذَلِكَ وَلَا يَشْتَرِي مَا يُسْتَهْلَكُ عَيْنُهُ كَالْخَلِّ،
وَالْمِلْحِ، وَالْأَبْزَارِ، وَالْحِنْطَةِ، وَاللَّبَنِ وَلَيْسَ لَهُ
أَنْ يُعْطِيَهُ أُجْرَةَ جَزَّارِهَا، وَاللَّحْمُ فِي هَذَا بِمَنْزِلَةِ
الْجِلْدِ عَلَى الصَّحِيحِ فَإِنْ بَاعَ الْجِلْدَ، وَاللَّحْمَ
بِالْفُلُوسِ أَوْ الدَّرَاهِمِ أَوْ الْحِنْطَةِ تَصَدَّقَ بِثَمَنِهِ
لِأَنَّ الْقُرْبَةَ انْتَقَلَتْ إلَى بَدَلِهِ.
قَوْلُهُ: (، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَذْبَحَ أُضْحِيَّتَهُ بِيَدِهِ إنْ
كَانَ يُحْسِنُ الذَّبْحَ) لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ فَإِذَا وَلِيَهُ
بِنَفْسِهِ فَهُوَ أَفْضَلُ وَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ سَاقَ مِائَةَ بَدَنَةٍ فَنَحَرَ مِنْهَا
بِيَدِهِ نَيِّفًا وَسِتِّينَ وَأَعْطَى الْحَرْبَةَ عَلِيًّا فَنَحَرَ
الْبَاقِي وَأَمَّا إذَا كَانَ لَا يُحْسِنُ الذَّبْحَ اسْتَعَانَ
بِغَيْرِهِ وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَشْهَدَهَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ
السَّلَامُ - لِفَاطِمَةَ «يَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ قَوْمِي
فَاشْهَدِي أُضْحِيَّتَك فَإِنَّهُ يُغْفَرُ لَك بِأَوَّلِ قَطْرَةٍ
تَقْطُرُ مِنْ دَمِهَا كُلُّ ذَنْبٍ عَمِلْتِيهِ وَقُولِي إنَّ صَلَاتِي
وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ
لَهُ أَمَا إنَّهُ يُجَاءُ بِلَحْمِهَا وَدَمِهَا فَيُوضَعُ فِي مِيزَانِك
وَسَبْعُونَ ضِعْفًا فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ يَا نَبِيَّ
اللَّهِ هَذَا لِآلِ مُحَمَّدٍ خَاصَّةً أَمْ لَهُمْ وَلِلْمُسْلِمِينَ
عَامَّةً؟ فَقَالَ: لِآلِ مُحَمَّدٍ خَاصَّةً وَلِلْمُسْلِمِينَ عَامَّةً»
.
قَوْلُهُ: (وَيُكْرَهُ أَنْ يَذْبَحَهَا الْكِتَابِيُّ) لِأَنَّهَا
قُرْبَةٌ وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا فَإِنْ ذَبَحَهَا الْمُسْلِمُ
بِأَمْرِهِ أَجْزَأَهُ وَيُكْرَهُ.
قَوْلُهُ: (وَإِذَا غَلِطَ رَجُلَانِ فَذَبَحَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا
أُضْحِيَّةَ الْآخَرِ أَجْزَأَ عَنْهُمَا وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا)
لِأَنَّهُمَا قَدْ تَعَيَّنَتَا لِلذَّبْحِ فَصَارَ الْمَالِكُ
مُسْتَعِينًا بِكُلِّ مَنْ كَانَ أَهْلًا لِلذَّبْحِ إذْنًا لَهُ
دَلَالَةٌ.
وَقَالَ زُفَرُ: يَضْمَنُ وَلَا يَجُوزُ عَنْ الْأُضْحِيَّةِ لِأَنَّهُ
ذَبَحَ شَاةَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ ثُمَّ عِنْدَنَا إذَا ذَبَحَ
كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَاةَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ أَخَذَ كُلُّ
وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَسْلُوخَتَهُ مِنْ صَاحِبِهِ وَلَا يَضْمَنُهُ
لِأَنَّهُ وَكِيلُهُ دَلَالَةً فَإِنْ كَانَا قَدْ أَكَلَا مِنْهَا
فَلْيُحَالِلْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ وَيُجْزِيهِمَا وَإِنْ
غَصَبَ شَاةً فَضَحَّى بِهَا ضَمِنَ قِيمَتَهَا وَجَازَتْ عَنْ
الْأُضْحِيَّةِ لِأَنَّهُ مَلَكَهَا بِسَابِقِ الْغَصْبِ بِخِلَافِ مَا
إذَا أُودِعَ شَاةً فَضَحَّى بِهَا الْمُودَعُ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِيهِ
لِأَنَّهُ يَضْمَنُهَا بِالذَّبْحِ فَلَمْ يَثْبُتْ الْمِلْكُ إلَّا بَعْدَ
الذَّبْحِ وَعِنْدَ زُفَرَ لَا يَجُوزُ فِي الْوَجْهَيْنِ وَاَللَّهُ
أَعْلَمُ. |