رد المحتار على الدر المختار

بَابُ الْخُلْعِ (هُوَ) لُغَةً الْإِزَالَةُ، وَاسْتُعْمِلَ فِي إزَالَةِ الزَّوْجِيَّةِ بِالضَّمِّ وَفِي غَيْرِهِ بِالْفَتْحِ. وَشَرْعًا كَمَا فِي الْبَحْرِ (إزَالَةُ مِلْكِ النِّكَاحِ) خَرَجَ بِهِ الْخُلْعُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَبَعْدَ الْبَيْنُونَةِ وَالرِّدَّةِ فَإِنَّهُ لَغْوٌ كَمَا فِي الْفُصُولِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
وَقَالَ ح: الْفَرْقُ هُوَ أَنَّ فِي قَوْلِهِ أَنْتُمَا عَلَيَّ حَرَامٌ حَرَّمَهُمَا عَلَى نَفْسِهِ وَتَحْرِيمُهُمَا تَحْرِيمٌ لِكُلٍّ مِنْهُمَا، وَفِي قَوْلِهِ لَا أَقْرَبُكُمَا مَنَعَ نَفْسَهُ مِنْ قُرْبَانِهِمَا جَمِيعًا فَلَا يَحْنَثُ إلَّا بِوَطْئِهِمَا، وَقَدْ صَرَّحَ بِهَذَا الْفَرْقِ صَاحِبُ النَّهْرِ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَمَنْ حَرَّمَ مِلْكَهُ لَمْ يُحَرَّمْ، حَيْثُ فَرَّقَ بَيْنَ " أَكْلُ هَذَا الرَّغِيفِ عَلَيَّ حَرَامٌ " وَبَيْنَ " لَا آكُلُ هَذَا الرَّغِيفَ " بِأَنَّ بِتَحْرِيمِهِ الرَّغِيفَ عَلَى نَفْسِهِ حَرَّمَ أَجْزَاءَهُ أَيْضًا، وَفِي الثَّانِي إنَّمَا مَنَعَ نَفْسَهُ مِنْ أَكْلِ الرَّغِيفِ كُلِّهِ فَلَا يَحْنَثُ بِالْبَعْضِ. اهـ.
قُلْت: لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْبَحْرِ هُنَاكَ عَنْ الْخَانِيَّةِ. قَالَ مَشَايِخُنَا: الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ لُقْمَةٍ لِأَنَّ قَوْلَهُ هَذَا الرَّغِيفُ عَلَيَّ حَرَامٌ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ: وَاَللَّهِ لَا آكُلُ هَذَا الرَّغِيفَ اهـ أَيْ لِأَنَّ تَحْرِيمَ الْحَلَالِ يَمِينٌ، لَكِنَّ مُقْتَضَى مَا مَرَّ عَنْ الْفَتْحِ أَنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَ الْحَلِفِ بِاسْمِهِ تَعَالَى وَبَيْنَ غَيْرِهِ مِمَّا أُلْحِقَ بِهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: إنْ نَوَى التَّكْرَارَ) أَيْ التَّأْكِيدَ اتَّحَدَا أَيْ يَكُونُ الْإِيلَاءُ وَاحِدًا وَيَمِينًا وَاحِدَةً حَتَّى لَوْ لَمْ يَقْرَبْهَا فِي الْمُدَّةِ طَلُقَتْ طَلْقَةً وَاحِدَةً وَإِنْ قَرِبَهَا فِيهَا لَزِمَهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا، أَوْ أَرَادَ التَّشْدِيدَ وَالتَّغْلِيظَ وَهُوَ الِابْتِدَاءُ دُونَ التَّكْرَارِ، كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: فَالْإِيلَاءُ وَاحِدٌ إلَخْ) وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ الْإِيلَاءُ ثَلَاثًا أَيْضًا، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ، حَتَّى إذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَلَمْ يَقْرَبْهَا تَبِينُ بِتَطْلِيقَةٍ ثُمَّ عَقِيبَهَا تَبِينُ بِأُخْرَى ثُمَّ بِأُخْرَى إلَّا أَنْ تَكُونَ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا فَلَا يَقَعُ إلَّا وَاحِدَةٌ. وَفِي الِاسْتِحْسَانِ وَهُوَ قَوْلُهُمَا: الْإِيلَاءُ وَاحِدٌ فَلَا يَقَعُ إلَّا وَاحِدَةٌ لِأَنَّ الْمُدَّةَ لَمَّا كَانَتْ مُتَّحِدَةً كَانَ الْمَنْعُ مُتَّحِدًا فَلَا يَتَكَرَّرُ الْإِيلَاءُ، وَيَجِبُ بِالْقُرْبَانِ ثَلَاثُ كَفَّارَاتٍ إجْمَاعًا لِأَنَّ الشَّرْطَ الْوَاحِدَ يَكْفِي لِأَيْمَانٍ كَثِيرَةٍ كَمَا فِي الْفَتْحِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

[بَابُ الْخُلْعِ]
ِ أَخَّرَهُ عَنْ الْإِيلَاءِ لِأَنَّ الْإِيلَاءَ لِتَجَرُّدِهِ عَنْ الْمَالِ كَانَ أَقْرَبَ إلَى الطَّلَاقِ، بِخِلَافِ الْخُلْعِ فَإِنَّ فِيهِ مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ مِنْ جَانِبِ الْمَرْأَةِ، وَلِأَنَّ مَبْنَى الْإِيلَاءِ نُشُوزٌ مِنْ قِبَلِهِ وَالْخُلْعُ نُشُوزٌ مِنْ قِبَلِهَا غَالِبًا، فَقَدَّمَ مَا بِالرَّجُلِ عَلَى مَا بِالْمَرْأَةِ عِنَايَةً (قَوْلُهُ: هُوَ لُغَةً الْإِزَالَةُ إلَخْ) يُقَالُ: خَلَعْت النَّعْلَ وَغَيْرَهُ خَلْعًا نَزَعْته، وَخَالَعَتْ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا مُخَالَعَةً إذَا افْتَدَتْ مِنْهُ فَخَلَعَهَا هُوَ خَلْعًا وَالِاسْمُ الْخُلْعُ بِالضَّمِّ وَهُوَ اسْتِعَارَةٌ مِنْ خَلْعِ اللِّبَاسِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِبَاسٌ لِلْآخَرِ، فَإِذَا فَعَلَا ذَلِكَ فَكَأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ نَزَعَ لِبَاسَهُ عَنْهُ بَحْرٌ عَنْ الْمِصْبَاحِ (قَوْلُهُ: وَاسْتُعْمِلَ إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ خَاصٌّ بِالضَّمِّ فِي ذَلِكَ وَهُوَ اسْمُ الْمَصْدَرِ، وَهُوَ خِلَافُ مَا مَرَّ عَنْ الْمِصْبَاحِ وَأَنَّهُ تَصَرُّفٌ لُغَوِيٌّ، وَنَظِيرُهُ مَا مَرَّ فِي الطَّلَاقِ أَنَّ الطَّلَاقَ وَالْإِطْلَاقَ رَفْعُ الْقَيْدِ مُطْلَقًا لَكِنَّهُ خُصَّ الطَّلَاقُ لُغَةً بِرَفْعِ قَيْدِ النِّكَاحِ وَاسْتُعْمِلَ فِي غَيْرِهِ الْإِطْلَاقُ (قَوْلُهُ: وَفِي غَيْرِهِ) الْأَنْسَبُ وَفِي غَيْرِهَا ط (قَوْلُهُ: مِلْكِ النِّكَاحِ) شَمِلَ مَا لَوْ خَالَعَ الْمُطَلَّقَةَ رَجْعِيًّا بِمَالٍ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَيَجِبُ الْمَالُ بَحْرٌ وَسَيَأْتِي (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ لَغْوٌ) لِأَنَّ النِّكَاحَ الْفَاسِدَ لَا يُفِيدُ مِلْكَ الْمُتْعَةِ، وَبِالْبَيْنُونَةِ وَالرِّدَّةِ حَصَلَتْ الْإِزَالَةُ قَبْلَهُ، فَلَمْ يَكُنْ فِي الْخُلْعِ إزَالَةٌ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَلَا يَسْقُطُ الْمَهْرُ وَيَبْقَى لَهُ بَعْدَ الْخُلْعِ وِلَايَةُ الْجَبْرِ عَلَى النِّكَاحِ فِي الرِّدَّةِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ اهـ. قُلْت: وَظَاهِرُ إطْلَاقِهِ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ الْمَهْرُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَلَوْ بَعْدَ الْوَطْءِ لَكِنْ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: نَكَحَهَا

(3/439)


(الْمُتَوَقِّفَةُ عَلَى قَبُولِهَا) خَرَجَ مَا لَوْ قَالَ: خَلَعْتُكِ - نَاوِيًا الطَّلَاقَ - فَإِنَّهُ يَقَعُ بَائِنًا غَيْرَ مُسْقِطٍ لِلْحُقُوقِ لِعَدَمِ تَوَقُّفِهِ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ خَالَعْتكِ بِلَفْظِ الْمُفَاعَلَةِ، أَوْ " اخْتَلِعِي " بِالْأَمْرِ وَلَمْ يُسَمِّ شَيْئًا فَقَبِلَتْ فَإِنَّهُ خُلْعٌ مُسْقِطٌ، حَتَّى لَوْ كَانَتْ قَبَضَتْ الْبَدَلَ رَدَّتْهُ خَانِيَّةٌ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
فَاسِدًا فَوَطِئَهَا فَاخْتَلَعَتْ بِالْمَهْرِ قِيلَ يَسْقُطُ إذْ الْخُلْعُ يُجْعَلُ كِنَايَةً عَنْ الْإِبْرَاءِ لِأَنَّ الْخُلْعَ وُضِعَ لِهَذَا، وَقِيلَ لَا يَسْقُطُ لِأَنَّ الْخُلْعَ لَغَا لِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِحُّ فِي النِّكَاحِ الْقَائِمِ اهـ. وَفِي الْبَحْرِ أَيْضًا: وَلَوْ خَالَعَهَا بِمَالٍ ثُمَّ خَالَعَهَا فِي الْعِدَّةِ لَمْ يَصِحَّ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ، وَلَكِنْ يُحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ مَا إذَا خَالَعَهَا بَعْدَ الْخُلْعِ حَيْثُ لَمْ يَصِحَّ وَبَيْنَ مَا إذَا طَلَّقَهَا بِمَالٍ بَعْدَ الْخُلْعِ حَيْثُ يَقَعُ وَلَا يَجِبُ الْمَالُ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ آخِرَ الْكِنَايَاتِ. اهـ.
قُلْت: قَدَّمْنَا الْفَرْقَ هُنَاكَ، وَهُوَ أَنَّ الْخُلْعَ بَائِنٌ وَهُوَ لَا يَلْحَقُ مِثْلَهُ، وَالطَّلَاقَ بِمَالٍ صَرِيحٌ فَيَلْحَقُ الْخُلْعَ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ الْمَالُ هُنَا لِأَنَّ الْمَالَ إنَّمَا يَلْزَمُ إذَا كَانَتْ تَمْلِكُ بِهِ نَفْسَهَا وَلِذَا يَقَعُ الْبَائِنُ. وَإِذَا طَلَّقَهَا بِمَالٍ بَعْدَ الْخُلْعِ لَمْ يُفِدْ الطَّلَاقُ مِلْكَهَا نَفْسَهَا لِحُصُولِهِ بِالْخُلْعِ قَبْلَهُ، وَلِذَا لَزِمَ الْمَالُ فِيمَا لَوْ طَلَّقَهَا بِمَالٍ ثُمَّ خَلَعَهَا وَقَدَّمْنَا تَمَامَ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ هُنَاكَ (قَوْلُهُ: الْمُتَوَقِّفَةُ) بِالرَّفْعِ صِفَةٌ لِإِزَالَةِ، وَقَوْلُهُ: عَلَى قَبُولِهَا: أَيْ الْمَرْأَةِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَا بُدَّ مِنْ الْقَبُولِ مِنْهَا حَيْثُ كَانَ عَلَى مَالٍ، أَوْ كَانَ بِلَفْظِ خَالَعْتكِ، أَوْ اخْتَلِعِي. اهـ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة: قَالَ لِامْرَأَتِهِ: إذَا دَخَلْتِ الدَّارَ فَقَدْ خَالِعَتك عَلَى أَلْفٍ فَدَخَلَتْ الدَّارَ يَقَعُ الطَّلَاقُ بِأَلْفٍ يُرِيدُ بِهِ إذَا قَبِلَتْ عِنْدَ الدُّخُولِ اهـ. وَمُفَادُهُ عَدَمُ صِحَّةِ الْقَبُولِ قَبْلَ الشَّرْطِ كَمَا نَذْكُرُهُ (قَوْلُهُ: خَرَجَ مَا لَوْ قَالَ خَلَعْتُكِ إلَخْ) أَيْ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمَالَ لِأَنَّهُ مَتَى كَانَ عَلَى مَالٍ لَزِمَ قَبُولُهَا كَمَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا، وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ بِنَاءً عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّهُ كِنَايَةٌ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ النِّيَّةِ، أَوْ دَلَالَةِ الْحَالِ، لَكِنْ سَيَأْتِي أَنَّهُ لِغَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ صَارَ كَالصَّرِيحِ (قَوْلُهُ: غَيْرَ مُسْقِطٍ لِلْحُقُوقِ) أَيْ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالزَّوْجِيَّةِ وَسَيَأْتِي بَيَانُهَا (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ خَالَعْتكِ إلَخْ) كَانَ أَوْلَى أَنْ يَقُولَ بِخِلَافِ مَا إذَا ذَكَرَ الْمَالَ، أَوْ قَالَ خَالَعْتكِ إلَخْ. وَأَفَادَ أَنَّ التَّعْرِيفَ خَاصٌّ بِالْخُلْعِ الْمُسْقِطِ لِلْحُقُوقِ، فَقَوْلُهُ: خَلَعْتُكِ بِلَا ذِكْرِ مَالٍ لَا يُسَمَّى خُلْعًا شَرْعًا بَلْ هُوَ طَلَاقٌ بَائِنٌ غَيْرُ مُتَوَقِّفٍ عَلَى قَبُولِهَا، بِخِلَافِ مَا إذَا ذَكَرَ مَعَهُ الْمَالَ بِلَفْظِ الْمُفَاعَلَةِ، أَوْ الْأَمْرِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ قَبُولِهَا كَمَا مَرَّ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ مِنْ جَانِبِهَا كَمَا يَأْتِي. وَالظَّاهِرُ أَنَّ " خَالَعْتكِ " بِلَفْظِ الْمُفَاعَلَةِ إنَّمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبُولِ لِسُقُوطِ الْمَهْرِ لَا لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ بِهِ إذْ لَا يَظْهَرُ فَرْقٌ فِي الْوُقُوعِ بَيْنَ خَالَعْتكِ وَخَلَعْتُك وَسَيَأْتِي مَا يُؤَيِّدُهُ تَأَمَّلْ، وَفِي حِكْمَةِ الطَّلَاقِ عَلَى مَالٍ فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَبُولِ وَإِنْ لَمْ يُسَمَّ خُلْعًا، وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ عِنْدَ ذِكْرِ الْمَالِ بَيْنَ خَلَعْتُكِ وَخَالَعْتُكِ وَأَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ مَا تَوَقَّفَ عَلَى قَبُولِهَا يُسَمَّى خُلْعًا، وَلَا كُلُّ مَا كَانَ بِلَفْظِ الْخُلْعِ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبُولِ وَيُسْقِطُ الْحُقُوقَ. [تَنْبِيهٌ] :
فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَغَيْرِهَا: مُطْلَقُ لَفْظِ الْخُلْعِ مَحْمُولٌ عَلَى الطَّلَاقِ بِعِوَضٍ؛ حَتَّى لَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ اخْلَعْ امْرَأَتِي فَخَلَعَهَا بِلَا عِوَضٍ لَا يَصِحُّ (قَوْلُهُ: أَوْ اخْتَلِعِي إلَخْ) إذَا قَالَ لَهَا اخْلَعِي نَفْسَكِ فَهُوَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: إمَّا أَنْ يَقُولَ بِكَذَا فَخَلَعَتْ يَصِحُّ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ الزَّوْجُ بَعْدَهُ: أَجَزْتُ، أَوْ قَبِلْتُ عَلَى الْمُخْتَارِ؛ وَإِمَّا أَنْ يَقُولَ بِمَالٍ وَلَمْ يُقَدِّرْهُ، أَوْ بِمَا شِئْتِ فَقَالَتْ: خَلَعْتُ نَفْسِي بِكَذَا، فَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا يَتِمُّ الْخُلْعُ مَا لَمْ يَقْبَلْ بَعْدَهُ، وَإِمَّا أَنْ يَقُولَ اخْلَعِي وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ فَخَلَعَتْ، فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَمْ يَكُنْ خُلْعًا. وَعَنْ مُحَمَّدٍ تَطْلُقُ بِلَا بَدَلٍ، وَبِهِ أَخَذَ كَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ.
وَالرَّابِعُ أَنْ يَقُولَ بِلَا مَالٍ فَخَلَعَتْ يَتِمُّ بِقَوْلِهَا، وَتَمَامُهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ، وَمِثْلُهُ فِي الْخَانِيَّةِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ هُوَ الْوَجْهُ الثَّالِثُ. وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْخَانِيَّةِ الْخِلَافَ الْمَارَّ، وَذَكَرَ أَنَّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ أَخَذَ بِهِ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ، فَمَا فِيهَا خِلَافُ مَا عَزَاهُ إلَيْهَا، نَعَمْ ذَكَرَ فِي الْخَانِيَّةِ قَالَ: خَالِعَتك فَقَبِلَتْ بَرِئَ عَمَّا عَلَيْهِ مِنْ الْمَهْرِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ مَهْرٌ رَدَّتْ مَا سَاقَ

(3/440)


(بِلَفْظِ الْخُلْعِ) خَرَجَ الطَّلَاقُ عَلَى مَالٍ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُسْقِطٍ فَتْحٌ، وَزَادَ قَوْلَهُ (أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ) لِيُدْخِلَ لَفْظَ الْمُبَارَأَةِ فَإِنَّهُ مُسْقِطٌ كَمَا سَيَجِيءُ، وَلَفْظَ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فَإِنَّهُ كَذَلِكَ كَمَا صَحَّحَهُ فِي الصُّغْرَى خِلَافًا لِلْخَانِيَّةِ، وَأَفَادَ التَّعْرِيفُ صِحَّةَ خُلْعِ الْمُطَلَّقَةِ رَجْعِيًّا. (وَلَا بَأْسَ بِهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ) لِلشِّقَاقِ بِعَدَمِ الْوِفَاقِ (بِمَا يَصْلُحُ لِلْمَهْرِ) بِغَيْرِ عَكْسٍ كُلِّيٍّ لِصِحَّةِ الْخُلْعِ بِدُونِ الْعَشَرَةِ وَبِمَا فِي يَدِهَا وَبَطْنِ غَنَمِهَا وَجَوَّزَ الْعَيْنِيُّ انْعِكَاسَهَا.

(وَ) شَرْطُهُ كَالطَّلَاقِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
إلَيْهَا، كَذَا ذَكَرَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ، وَبِهِ أَخَذَ ابْنُ الْفَضْلِ، وَهَذَا يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْنَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْخُلْعَ لَا يَكُونُ إلَّا بِعِوَضٍ اهـ لَكِنْ فِيهِ كَلَامٌ سَنَذْكُرُهُ (قَوْلُهُ: بِلَفْظِ الْخُلْعِ) مُتَعَلِّقٌ بِإِزَالَةِ.
(قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ غَيْرُ مُسْقِطٍ) أَيْ لِلْمَهْرِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ، نَعَمْ يُسْقِطُ النَّفَقَةَ وَلَوْ مَفْرُوضَةً كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ: كَمَا سَيَجِيءُ) فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَيُسْقِطُ الْخُلْعُ وَالْمُبَارَأَةُ إلَخْ (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ كَذَلِكَ) أَيْ خُلْعٌ مُسْقِطٌ لِلْحُقُوقِ بَحْرٌ. قَالَ فِي الْعِمَادِيَّةِ: وَذَكَرَ فِي الْمُلْتَقَطِ: لَوْ قَالَ بِعْت مِنْكِ نَفْسَكِ وَلَمْ يَذْكُرْ مَالًا فَقَالَتْ: اشْتَرَيْتُ يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَى مَا قَبَضَتْ مِنْ الْمَهْرِ وَتَرُدُّهُ إلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ تَقْبِضْ سَقَطَ مَا فِي ذِمَّةِ الزَّوْجِ. اهـ. (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِلْخَانِيَّةِ) حَيْثُ قَالَ إنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ الْخُلْعَ بِلَفْظِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ لَا يُوجِبُ الْبَرَاءَةَ عَنْ الْمَهْرِ إلَّا بِذِكْرِهِ، وَفِيهِ كَلَامٌ سَنَذْكُرُهُ (قَوْلُهُ: وَأَفَادَ التَّعْرِيفُ إلَخْ) لِأَنَّ الرَّجْعِيَّ لَا يُزِيلُ الْمِلْكَ.
(قَوْلُهُ: وَلَا بَأْسَ بِهِ) أَيْ وَلَوْ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ، فَلَا يُكْرَهُ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَحْصِيلُ الْعِوَضِ إلَّا بِهِ بَحْرٌ أَوَّلُ كِتَابِ الطَّلَاقِ، وَقَدَّمَهُ الشَّارِحُ هُنَاكَ (قَوْلُهُ: لِلشِّقَاقِ) أَيْ لِوُجُودِ الشِّقَاقِ وَهُوَ الِاخْتِلَافُ وَالتَّخَاصُمُ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ: السُّنَّةُ إذَا وَقَعَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ اخْتِلَافٌ أَنْ يَجْتَمِعَ أَهْلُهُمَا لِيُصْلِحُوا بَيْنَهُمَا، فَإِنْ لَمْ يَصْطَلِحَا جَازَ الطَّلَاقُ وَالْخُلْعُ. اهـ. ط، وَهَذَا هُوَ الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ فِي الْآيَةِ، وَقَدْ أَوْضَحَ الْكَلَامَ عَلَيْهِ فِي الْفَتْحِ آخِرَ الْبَابِ (قَوْلُهُ: بِمَا يَصْلُحُ لِلْمَهْرِ) هَذَا التَّرْكِيبُ يُوهِمُ اشْتِرَاطَ الْبَدَلِ فِي الْخُلْعِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ تَعَلُّقُهُ بِإِزَالَةِ، مَعَ أَنَّك عَلِمْت أَنَّهُ لَوْ قَالَ خَالَعْتكِ فَقَبِلَتْ تَمَّ الْخُلْعُ بِلَا ذِكْرِ بَدَلٍ، وَبِهَذَا اعْتَرَضَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْفَتْحِ حَيْثُ ذَكَرَ التَّعْرِيفُ قَوْلَهُ بِبَدَلٍ، ثُمَّ قَالَ إلَّا أَنْ يُقَالَ مَهْرُهَا الَّذِي سَقَطَ بِهِ بَدَلٌ فَلَمْ يَعْرَ عَنْ الْبَدَلِ اهـ. وَالْأَوْلَى تَعْبِيرُ الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ بِقَوْلِهِ وَمَا صَلُحَ مَهْرًا صَلُحَ بَدَلَ الْخُلْعِ، فَإِنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ إذَا ذُكِرَ فِي الْخُلْعِ بَدَلٌ يَصْلُحُ جَعْلُهُ مَهْرًا فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَسَيَأْتِي أَنَّهُ إذَا بَطَلَ الْعِوَضُ فِيهِ تَطْلُقُ بَائِنًا مَجَّانًا (قَوْلُهُ: بِغَيْرِ عَكْسٍ كُلِّيٍّ) فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ مَا لَا يَصْلُحُ مَهْرًا لَا يَصْلُحُ بَدَلَ الْخُلْعِ لِأَنَّ بَعْضَ مَا لَا يَصْلُحُ مَهْرًا يَصْلُحُ بَدَلَ خُلْعٍ كَمَا مَثَّلَ، فَالْكُلِّيَّةُ كَاذِبَةٌ، نَعَمْ يَصْدُقُ عَكْسُهَا مُوجِبَةً جُزْئِيَّةً كَبَعْضِ مَا يَصْلُحُ بَدَلَ خُلْعٍ يَصْلُحُ مَهْرًا (قَوْلُهُ: وَجَوَّزَ الْعَيْنِيُّ انْعِكَاسَهَا) أَيْ كُلِّيَّةً تَبَعًا لِقَوْلِهِ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ إنَّهُ مُطَّرِدٌ مُنْعَكِسٌ كُلِّيًّا لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ طَرْدِ الْكُلِّيِّ أَنْ يَكُونَ مَالًا مُتَقَوِّمًا لَيْسَ فِيهِ جَهَالَةٌ مُسْتَتِمَّةٌ وَمَا دُونَ الْعَشَرَةِ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ، وَمِنْ عَكْسِ الْكُلِّيِّ أَنْ لَا يَكُونَ مَالًا مُتَقَوِّمًا أَوْ أَنْ يَكُونَ فِيهِ جَهَالَةٌ مُسْتَتِمَّةٌ وَمَا دُونَ الْعَشَرَةِ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ لَيْسَ فِيهِ جَهَالَةٌ، فَلَا يَرِدُ السُّؤَالُ لَا عَلَى الطَّرْدِ الْكُلِّيِّ وَلَا عَلَى عَكْسِهِ اهـ قَالَ فِي النَّهْرِ: لَا يَخْفَى أَنَّ الصَّلَاحِيَةَ الْمُطْلَقَةَ هِيَ الْكَامِلَةُ، وَكَوْنُ مُطْلَقِ الْمَالِ الْمُتَقَوِّمِ خَالِيًا عَنْ الْكَمِّيَّةِ يَصْلُحُ مَهْرًا مَمْنُوعٌ فَلِذَا مَنَعَ الْمُحَقِّقُونَ انْعِكَاسَهَا كُلِّيَّةً.

(قَوْلُهُ: وَشَرْطُهُ كَالطَّلَاقِ) وَهُوَ أَهْلِيَّةُ الزَّوْجِ وَكَوْنُ الْمَرْأَةِ مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ مُنَجَّزًا، أَوْ مُعَلَّقًا عَلَى الْمِلْكِ. وَأَمَّا رُكْنُهُ فَهُوَ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ: إذَا كَانَ بِعِوَضٍ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ لِأَنَّهُ عَقْدٌ عَلَى الطَّلَاقِ بِعِوَضٍ، فَلَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ، وَلَا يُسْتَحَقُّ الْعِوَضُ بِدُونِ الْقَبُولِ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ خَالِعَتك وَلَمْ يَذْكُرْ الْعِوَضَ وَنَوَى الطَّلَاقَ فَإِنَّهُ يَقَعُ

(3/441)


وَصِفَتُهُ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَهُوَ يَمِينٌ فِي جَانِبِهِ) لِأَنَّهُ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ بِقَبُولِ الْمَالِ (فَلَا يَصِحُّ رُجُوعُهُ) عَنْهُ (قَبْلَ قَبُولِهَا، وَلَا يَصِحُّ شَرْطُ الْخِيَارِ لَهُ، وَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ) أَيْ مَجْلِسِهِ، وَيَقْتَصِرُ قَبُولُهَا عَلَى مَجْلِسِ عِلْمِهَا (وَفِي جَانِبِهَا مُعَاوَضَةٌ) بِمَالٍ (فَصَحَّ رُجُوعُهَا) قَبْلَ قَبُولِهِ (وَ) صَحَّ (شَرْطُ الْخِيَارِ لَهَا) وَلَوْ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بَحْرٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
وَإِنْ لَمْ تَقْبَلْ لِأَنَّهُ طَلَاقٌ بِلَا عِوَضٍ فَلَا يَفْتَقِرُ إلَى الْقَبُولِ اهـ وَنَحْوُهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ آخِرَ الْبَابِ عَنْ الْخَانِيَّةِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ " خَالَعْتكِ " مِثْلُ " خَلَعْتُكِ " فِي أَنَّهُ بِلَا ذِكْرِ مَالٍ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبُولِ، وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ مَا مَرَّ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: تَوَقُّفُ لَفْظِ الْمُفَاعَلَةِ عَلَى الْقَبُولِ شَرْطٌ لِكَوْنِهِ مُسْقِطًا لِلْحُقُوقِ، بِخِلَافِ " خَلَعْتُكِ " فَإِنَّهُ لَا يُسْقِطُ وَلَوْ مَعَ الْقَبُولِ تَأَمَّلْ.
وَفِي الْخَانِيَّةِ قَالَ " خَالِعَتك " فَقَبِلَتْ يَقَعُ الْبَائِنُ، كَذَا إنْ لَمْ تَقْبَلْ لِأَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ بِقَوْلِهِ خَالَعْتكِ. وَفِيهَا أَيْضًا قَالَ: خَالَعْتكِ عَلَى كَذَا وَسَمَّى مَالًا مَعْلُومًا لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ مَا لَمْ تَقْبَلْ، كَمَا لَوْ قَالَ " طَلَّقْتُكِ " عَلَى أَلْفٍ اهـ أَيْ لِأَنَّهُ مُعَلَّقٌ عَلَى الْقَبُولِ. وَأَمَّا إذَا لَمْ يَذْكُرْ الْمَالَ فَلَا يَكُونُ مُعَلَّقًا عَلَى الْقَبُولِ مَعْنًى فَيَقَعُ الطَّلَاقُ وَإِنْ لَمْ تَقْبَلْ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ بِقَبُولِ الْمَالِ) كَذَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ، وَلِذَا قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: وَلَوْ قَالَ: خَالِعَتك عَلَى كَذَا وَسَمَّى مَالًا مَعْلُومًا لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ مَا لَمْ تَقْبَلْ، كَمَا لَوْ قَالَ: طَلَّقْتُكِ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ لَا يَقَعُ مَا لَمْ تَقْبَلْ اهـ وَيَتَفَرَّعُ عَلَى مَا سَيَأْتِي آخِرَ الْبَابِ فِي أَوَّلِ الْفُرُوعِ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: فَلَا يَصِحُّ رُجُوعُهُ إلَخْ) أَيْ لَوْ ابْتَدَأَ الزَّوْجُ الْخُلْعَ، فَقَالَ خَالِعَتك عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ لَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ عَنْهُ، وَكَذَا لَا يَمْلِكُ فَسْخَهُ، وَلَا نَهْيَ الْمَرْأَةِ عَنْ الْقَبُولِ، وَلَهُ أَنْ يُعَلِّقَهُ بِشَرْطٍ وَيُضِيفَهُ إلَى وَقْتٍ، مِثْلُ: إذَا قَدِمَ زَيْدٌ فَقَدْ خَالِعَتك عَلَى كَذَا، أَوْ خَالِعَتك عَلَى كَذَا غَدًا، أَوْ رَأْسَ الشَّهْرِ وَالْقَبُولُ إلَيْهَا بَعْدَ قُدُومِ زَيْدٍ وَمَجِيءِ الْوَقْتِ لِأَنَّهُ تَطْلِيقٌ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَالْوَقْتِ فَكَانَ قَبُولُهَا قَبْلَ ذَلِكَ لَغْوًا بَدَائِعُ.
(قَوْلُهُ: وَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ) فَلَا يَبْطُلُ بِقِيَامِهِ عَنْهُ قَبْلَ قَبُولِهَا بَدَائِعُ (قَوْلُهُ: وَيَقْتَصِرُ قَبُولُهَا إلَخْ) فِيهِ أَنَّ هَذَا مِنْ فُرُوعِ كَوْنِهِ مُعَاوَضَةً مِنْ جَانِبِهَا فَكَانَ الْأَوْلَى تَأْخِيرَهُ، وَعِبَارَةُ الْبَدَائِعِ: وَلَا يُشْتَرَطُ حُضُورُ الْمَرْأَةِ يَتَوَقَّفُ عَلَى مَا وَرَاءَ الْمَجْلِسِ، حَتَّى لَوْ كَانَتْ غَائِبَةً فَبَلَغَهَا فَلَهَا الْقَبُولُ لَكِنْ فِي مَجْلِسِهَا لِأَنَّهُ فِي جَانِبِهَا مُعَاوَضَةٌ (قَوْلُهُ: وَفِي جَانِبِهَا مُعَاوَضَةٌ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ يَمِينٌ فِي جَانِبِهِ: أَيْ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَمْلِكُ الطَّلَاقَ بَلْ هُوَ مِلْكُهُ وَقَدْ عَلَّقَهُ بِالشَّرْطِ وَالطَّلَاقُ يَحْتَمِلُهُ وَلَا يَحْتَمِلُ الرُّجُوعَ وَلَا شَرْطَ الْخِيَارِ بَلْ يَبْطُلُ الشَّرْطُ دُونَهُ وَلَا يَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ.
وَأَمَّا فِي جَانِبِهَا فَإِنَّهُ مُعَاوَضَةُ الْمَالِ لِأَنَّهُ تَمْلِيكُ الْمَالِ بِعِوَضٍ فَيُرَاعَى فِيهِ أَحْكَامُ مُعَاوَضَةِ الْمَالِ كَالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ: فَصَحَّ رُجُوعُهَا) أَيْ إذَا كَانَ الِابْتِدَاءُ مِنْهَا، بِأَنْ قَالَتْ: اخْتَلَعَتْ نَفْسِي مِنْك بِكَذَا فَلَهَا أَنْ تَرْجِعَ عَنْهُ قَبْلَ قَبُولِ الزَّوْجِ وَيَبْطُلُ بِقِيَامِهَا عَنْ الْمَجْلِسِ وَبِقِيَامِهِ أَيْضًا، وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مَا وَرَاءَ الْمَجْلِسِ بِأَنْ كَانَ الزَّوْجُ غَائِبًا، حَتَّى لَوْ بَلَغَهُ وَقَبِلَ لَمْ يَصِحَّ وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ وَلَا إضَافَتُهُ بَدَائِعُ (قَوْلُهُ: وَصَحَّ شَرْطُ الْخِيَارِ لَهَا) بِأَنْ قَالَ خَالِعَتك عَلَى كَذَا عَلَى أَنَّكِ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَقَبِلَتْ جَازَ الشَّرْطُ عِنْدَهُ، حَتَّى لَوْ اخْتَارَتْ فِي الْمُدَّةِ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَوَجَبَ الْمَالُ، وَإِنْ رَدَّتْ لَا يَقَعُ وَلَا يَجِبُ. وَعِنْدَهُمَا شَرْطُ الْخِيَارِ بَاطِلٌ وَالطَّلَاقُ وَاقِعٌ وَالْمَالُ لَازِمٌ بَدَائِعُ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: قَيَّدَ بِخِيَارِ الشَّرْطِ لِأَنَّ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ لَا يَثْبُتُ فِي الْخُلْعِ وَلَا فِي كُلِّ عَقْدٍ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ كَمَا فِي الْفُصُولِ. وَأَمَّا خِيَارُ الْعَيْبِ فِي بَدَلِ الْخُلْعِ فَثَابِتٌ فِي الْعَيْبِ الْفَاحِشِ، وَهُوَ مَا يُخْرِجُهُ مِنْ الْجَوْدَةِ إلَى الْوَسَاطَةِ وَمِنْهَا إلَى الرَّدَاءَةِ دُونَ الْيَسِيرِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) أَيْ بِخِلَافِ الْبَيْعِ لِأَنَّ اشْتِرَاطَهُ فِي الْبَيْعِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ لِأَنَّهُ مِنْ التَّمْلِيكَاتِ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْكَشْفِ وَإِذَا أَطْلَقَا أَيْ ذِكْرَ الْمُدَّةِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لَهَا الْخِيَارُ فِي مَجْلِسِهَا فَقَطْ اسْتِنْبَاطًا مِمَّا إذَا أَطْلَقَا فِي الْبَيْعِ بَحْرٌ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ الْخِيَارَ الْمُطْلَقَ فَفِيهِ أَنَّ ثُبُوتَهُ فِي الْبَيْعِ مُقَيَّدٌ بِمَا بَعْدَ الْعَقْدِ، أَمَّا عِنْدَ الْعَقْدِ فَيَفْسُدُ الْبَيْعُ كَمَا فِي النَّهْرِ، وَحِينَئِذٍ فَإِنَّ ذِكْرَهُ بَعْدَ قَبُولِهَا الْخُلْعَ لَا يُفِيدُ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ بَعْدَ تَمَامِهِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَإِنْ ذَكَرَهُ قَبْلَ الْقَبُولِ لَمْ يَصِحَّ قِيَاسُهُ عَلَى الْبَيْعِ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ فِيهِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ لَا يَثْبُتُ فِيهِ لِأَنَّهُ يَفْسُدُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ بِخِلَافِ الْخُلْعِ

(3/442)


(وَيَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ) كَالْبَيْعِ.

[فَائِدَةٌ] : يُشْتَرَطُ فِي قَبُولِهَا عِلْمُهَا بِمَعْنَاهُ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ، بِخِلَافِ طَلَاقٍ وَعَتَاقٍ وَتَدْبِيرٍ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ وَالْإِسْقَاطُ يَصِحُّ مَعَ الْجَهْلِ (وَطَرَفُ الْعَبْدِ فِي الْعَتَاقِ) عَلَى مَالٍ (كَطَرَفِهَا فِي الطَّلَاقِ، وَ) الْخُلْعُ (يَكُونُ بِلَفْظِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالطَّلَاقِ وَالْمُبَارَأَةِ) كَبِعْتُ نَفْسَكِ، أَوْ طَلَاقَكِ، أَوْ طَلَّقْتُكِ عَلَى كَذَا أَوْ بَارَأْتُكِ: أَيْ فَارَقْتُكِ وَقَبِلَتْ الْمَرْأَةُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
لَكِنْ لَوْ ثَبَتَ فِي الْبَيْعِ لَثَبَتَ مُقْتَصِرًا عَلَى الْمَجْلِسِ، كَمَا لَوْ ثَبَتَ فِيهِ بَعْدَ الْعَقْدِ فَكَذَلِكَ فِي الْخُلْعِ لَا يَتَجَاوَزُ الْمَجْلِسَ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَيَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ) الضَّمِيرُ رَاجِعٌ لِلْخُلْعِ فَيَبْطُلُ بِقِيَامِهَا عَنْ الْمَجْلِسِ وَبِقِيَامِهَا أَيْضًا كَمَا مَرَّ.

[فَائِدَةٌ فِي شُرَطُ قَبُول الْخُلْعَ وألفاظه]
(قَوْلُهُ: يُشْتَرَطُ إلَخْ) فَلَوْ لَقَّنَهَا: اخْتَلَعْتُ مِنْكَ بِالْمَهْرِ وَنَفَقَةِ الْعِدَّةِ بِالْعَرَبِيَّةِ وَهِيَ لَا تَعْلَمُ مَعْنَاهُ، أَوْ لَقَّنَهَا أَبْرَأْتُكَ مِنْ نَفَقَةِ الْعِدَّةِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ التَّفْوِيضَ كَالتَّوْكِيلِ لَا يَتِمُّ إلَّا بِعِلْمِ الْوَكِيلِ، وَالْإِبْرَاءُ عَنْ نَفَقَةِ الْعِدَّةِ وَالْمَهْرِ وَإِنْ كَانَ إسْقَاطًا لَكِنَّهُ إسْقَاطٌ يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ فَصَارَ فِيهِ شُبْهَةُ الْبَيْعِ، وَالْبَيْعُ وَكُلُّ الْمُعَاوَضَاتِ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ الْعِلْمِ، وَهَذِهِ الصُّورَةُ كَثِيرًا مَا تَقَعُ فَتْحٌ.
قُلْت: الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ يَصِحُّ الْخُلْعُ وَلَا يَلْزَمُ الْبَدَلُ لِأَنَّ جَهْلَهَا بِمَعْنَاهُ عُذْرٌ فِي عَدَمِ سُقُوطِ حَقِّهَا، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ عَدَمُ طَلَاقِهَا إذَا قَبِلَ فَتَأَمَّلْ، هَذَا، وَعَامَّةُ نِسَاءِ زَمَانِنَا لَا يَعْرِفُونَ مُوجَبَ الْخُلْعِ أَنَّهُ مُسْقِطٌ لِلْحُقُوقِ، فَإِذَا طَلَبَتْ مِنْهُ أَنْ يَخْلَعَهَا فَقَالَ خَالِعَتك وَرَضِيَتْ فَهَلْ يَسْقُطُ مَهْرُهَا بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ أَمْ لَا، لَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ، وَمُقْتَضَى مَا ذَكَرُوهُ فِي سُقُوطِ خِيَارِ الْبُلُوغِ أَنَّهَا لَا تُعْذَرُ بِالْجَهْلِ وَسَيَأْتِي فِي الشَّرِكَةِ أَنَّ الْمُفَاوَضَةَ لَا تَصِحُّ إلَّا بِلَفْظِ الْمُفَاوَضَةِ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفَا مَعْنَاهَا فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: يَصِحُّ مَعَ الْجَهْلِ) أَيْ قَضَاءً فَقَطْ كَمَا قَدَّمَهُ فِي بَابِ الطَّلَاقِ رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ: وَطَرَفُ الْعَبْدِ إلَخْ) أَيْ جَانِبُهُ. قَالَ فِي النُّقَايَةِ وَشَرْحِهَا لِلْقُهُسْتَانِيِّ: وَالْعَبْدُ وَالْأَمَةُ فِي الْعِتْقِ بِمَنْزِلَتِهَا: أَيْ الْمَرْأَةِ فِي الْخُلْعِ فَالْمَوْلَى بِمَنْزِلَتِهِ حَتَّى إنَّهُ إذَا قَالَ الْعَبْدُ لِلْمَوْلَى: اشْتَرَيْت نَفْسِي مِنْك بِكَذَا كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ قَبْلَ دُخُولِ الْمَوْلَى لَهُ. وَإِذَا قَالَ الْمَوْلَى بِعْت نَفْسَك مِنْك بِكَذَا لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ، وَقِسْ عَلَيْهِ شَرْطَ الْخِيَارِ وَالِاقْتِصَارِ عَلَى الْمَجْلِسِ. اهـ. ط. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْعِتْقَ بِمَالٍ مُعَاوَضَةٌ مِنْ جَانِبِ الْعَبْدِ كَالْخُلْعِ فِي جَانِبِ الْمَرْأَةِ فَتُعْتَبَرُ مِنْ جَانِبِهِ أَحْكَامُ الْمُعَاوَضَاتِ، بِخِلَافِ جَانِبِ الْمَوْلَى فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الزَّوْجِ فَتَنْعَكِسُ فِيهِ تِلْكَ الْأَحْكَامُ (قَوْلُهُ: كَطَرَفِهَا فِي الطَّلَاقِ) أَيْ فِي الْخُلْعِ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيهِ وَأَطْلَقَهُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ طَلَاقٌ بِالْكِنَايَةِ تَأَمَّلْ.
مَطْلَبٌ أَلْفَاظُ الْخُلْعِ خَمْسَةٌ
(قَوْلُهُ: وَالْخُلْعُ يَكُونُ إلَخْ) فِي الْجَوْهَرَةِ: أَلْفَاظٌ خَمْسَةٌ: خَالَعْتكِ، بَايَنْتُكِ، بَارَأْتُكِ، فَارَقْتُكِ، طَلِّقِي نَفْسَكِ عَلَى أَلْفٍ اهـ وَيُزَادُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ لَفْظِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ (قَوْلُهُ: كَبِعْتُ نَفْسَك) تَقَدَّمَ عَنْ الصُّغْرَى تَصْحِيحُ أَنَّهُ مُسْقِطٌ لِلْحُقُوقِ (قَوْلُهُ: أَوْ طَلَاقَكِ) فِي الْبَحْرِ: وَلَوْ قَالَ بِعْت مِنْكِ طَلَاقَكِ بِمَهْرِكِ فَقَالَتْ: طَلَّقْت نَفْسِي بَانَتْ مِنْهُ بِمَهْرِهَا بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهَا اشْتَرَيْت، وَقِيلَ يَقَعُ رَجْعِيًّا، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ. وَلَوْ قَالَ بِعْت مِنْك تَطْلِيقَةً فَقَالَتْ اشْتَرَيْت يَقَعُ رَجْعِيًّا مَجَّانًا لِأَنَّهُ صَرِيحٌ اهـ وَقَيَّدَ الثَّانِيَةَ فِي الْخَانِيَّةِ بِمَا إذَا لَمْ يَذْكُرْ الْبَدَلَ، ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ قَالَ بِعْت نَفْسَكِ مِنْكِ، فَقَالَتْ: اشْتَرَيْتُ يَقَعُ طَلَاقٌ بَائِنٌ لِأَنَّ بَيْعَ الطَّلَاقِ تَمْلِيكُ الطَّلَاقِ، فَإِذَا لَمْ يَذْكُرْ الْبَدَلَ يَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ طَلَّقْتُك فَيَكُونُ رَجْعِيًّا. أَمَّا بَيْعُ نَفْسِهَا؛ تَمْلِيكُ النَّفْسِ مِنْ الْمَرْأَةِ وَمِلْكُ النَّفْسِ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالْبَائِنِ فَيَكُونُ بَائِنًا اهـ فَأَفَادَ أَنَّ بِعْت مِنْك تَطْلِيقَةً بِكَذَا يَقَعُ بِهِ الْبَائِنُ أَيْضًا (قَوْلُهُ: أَوْ طَلَّقْتُك عَلَى كَذَا) هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الطَّلَاقَ عَلَى مَالٍ مُسْقِطٌ لِلْمَهْرِ وَهُوَ خِلَافُ الْمُعْتَمَدِ كَمَا سَيَأْتِي ح أَيْ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْمُرَادَ الْخُلْعُ الْمُسْقِطُ لِلْحُقُوقِ وَالطَّلَاقُ عَلَى مَالٍ لَيْسَ مِنْهُ.

(3/443)


(وَ) حُكْمُهُ أَنَّ (الْوَاقِعَ بِهِ) وَلَوْ بِلَا مَالٍ (وَبِالطَّلَاقِ) الصَّرِيحِ (عَلَى مَالٍ طَلَاقٌ بَائِنٌ) وَثَمَرَتُهُ فِيمَا لَوْ بَطَلَ الْبَدَلُ كَمَا سَيَجِيءُ.

(وَ) الْخُلْعُ (هُوَ مِنْ الْكِنَايَاتِ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ مَا يُعْتَبَرُ فِيهَا) مِنْ قَرَائِنِ الطَّلَاقِ، لَكِنْ لَوْ قُضِيَ بِكَوْنِهِ فَسْخًا نَفَذَ لِأَنَّهُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ، وَقِيلَ لَا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
قَوْلُهُ: أَنَّ الْوَاقِعَ بِهِ) أَيْ بِالْخُلْعِ وَلَوْ بِلَفْظِ الْبَيْعِ وَالْمُبَارَأَةِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: وَلَوْ بِلَا مَالٍ) هَذَا إذَا كَانَ بِلَفْظِ الْخُلْعِ، أَوْ بِلَفْظِ بَيْعِ النَّفْسِ، بِخِلَافِ بَيْعِ الطَّلَاقِ أَوْ الطَّلْقَةِ بِلَا ذِكْرٍ فَإِنَّهُ يَقَعُ بِهِ الرَّجْعِيُّ كَمَا عَلِمْته آنِفًا (قَوْلُهُ: وَلَوْ بِالطَّلَاقِ إلَخْ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَبِالطَّلَاقِ بِإِسْقَاطِ " لَوْ " وَهُوَ الْأَوْلَى، لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ الطَّلَاقَ عَلَى مَالٍ خَارِجٌ عَنْ الْخُلْعِ الْمُسْقِطِ لِلْحُقُوقِ، لَكِنْ لَمَّا كَانَ الْمُرَادُ بَيَانَ وُقُوعِ الْبَائِنِ بِهِ صَحَّ إطْلَاقُ الْخُلْعِ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الصَّرِيحَ نَصًّا عَلَى الْمُتَوَهَّمِ إذْ الْكِنَايَةُ كَذَلِكَ كَمَا أَفَادَهُ ط. وَأَرَادَ بِالْمَالِ مَا يَشْمَلُ الْإِبْرَاءَ مِنْهُ حَتَّى لَوْ قَالَتْ: أَبْرَأْتُكَ عَمَّا لِي عَلَيْكَ عَلَى طَلَاقِي فَفَعَلَ بَرِئَ وَبَانَتْ، وَبِخِلَافِ طَلِّقْنِي عَلَى أَنْ أُؤَخِّرَ مَا لِي عَلَيْك فَإِنَّ التَّأْخِيرَ لَيْسَ بِمَالٍ، وَصَحَّ التَّأْخِيرُ لَوْ لَهُ غَايَةٌ مَعْلُومَةٌ وَإِلَّا فَلَا، وَالطَّلَاقُ رَجْعِيٌّ مُطْلَقًا بَحْرٌ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ.
مَطْلَبٌ: أَبْرَأَتْهُ مِنْ حَقٍّ يَكُونُ لِلنِّسَاءِ عَلَى الرِّجَالِ وَفِي الْفَتْحِ آخِرَ الْبَابِ قَالَ: أَبْرِئِينِي مِنْ كُلِّ حَقٍّ يَكُونُ لِلنِّسَاءِ عَلَى الرِّجَالِ فَفَعَلَتْ فَقَالَ فِي فَوْرِهِ طَلَّقْتُك وَهِيَ مَدْخُولٌ بِهَا يَقَعُ بَائِنًا لِأَنَّهُ بِعِوَضٍ. وَإِذَا اخْتَلَعَتْ بِكُلِّ حَقٍّ لَهَا عَلَيْهِ فَلَهَا النَّفَقَةُ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ لِأَنَّهَا لَمْ يَكُنْ لَهَا حَقٌّ حَالَ الْخُلْعِ، فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ تَسْمِيَةَ كُلِّ حَقٍّ لَهَا عَلَيْهِ وَكُلِّ حَقٍّ يَكُونُ لِلنِّسَاءِ صَحِيحَةٌ وَيَنْصَرِفُ إلَى الْقَائِمِ لَهَا إذْ ذَاكَ. اهـ.
قُلْت: نَعَمْ لَوْ قَالَتْ مِنْ كُلِّ حَقٍّ لِلنِّسَاءِ عَلَى الرِّجَالِ قَبْلَ الْخُلْعِ وَبَعْدَهُ فَإِنَّ النَّفَقَةَ تَسْقُطُ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ وَسَيَأْتِي أَيْضًا مَا لَوْ خَالَعَهَا عَلَى الْبَرَاءَةِ مِنْ نَفَقَةِ الْوَلَدِ (قَوْلُهُ: وَثَمَرَتُهُ) أَيْ ثَمَرَةُ تَقْيِيدِ الطَّلَاقِ بِكَوْنِهِ عَلَى مَالٍ دُونَ الْخُلْعِ تَظْهَرُ فِيمَا لَوْ بَطَلَ الْبَدَلُ كَمَا سَيَجِيءُ أَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا بِخَمْرٍ، أَوْ خِنْزِيرٍ، أَوْ مَيْتَةٍ وَقَعَ بَائِنٌ فِي الْخُلْعِ رَجْعِيٌّ فِي الطَّلَاقِ مَجَّانًا فِيهِمَا لِبُطْلَانِ الْبَدَلِ، وَإِذَا بَقِيَ الْخُلْعُ وَالْوَاقِعُ بِهِ بَائِنٌ، وَلَفْظُ الطَّلَاقِ وَالْوَاقِعُ بِهِ رَجْعِيٌّ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ ذِكْرُ الْمَالِ شَرْطًا فِي وُقُوعِ الْبَائِنِ بِالطَّلَاقِ دُونَ الْخُلْعِ لَمْ تَظْهَرْ ثَمَرَةٌ لِلتَّقْيِيدِ بِهِ، وَلَكِنَّ الِاقْتِصَارَ فِي بَيَانِ الثَّمَرَةِ عَلَى بُطْلَانِ الْبَدَلِ مَحَلُّ نَظَرٍ، فَإِنَّ مِثْلَهُ مَا لَوْ لَمْ يَذْكُرْ الْبَدَلَ أَصْلًا تَأَمَّلْ. وَأَمَّا كَوْنُ الْخُلْعِ يُسْقِطُ الْحُقُوقَ وَالطَّلَاقِ عَلَى مَالٍ لَا يُسْقِطُهَا فَلَيْسَ ثَمَرَةَ التَّقْيِيدِ بِالْمَالِ كَمَا لَا يَخْفَى فَافْهَمْ.

(قَوْلُهُ: وَالْخُلْعُ مِنْ الْكِنَايَاتِ) لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الِانْخِلَاعَ عَنْ اللِّبَاسِ، أَوْ الْخَيْرَاتِ، أَوْ عَنْ النِّكَاحِ عِنَايَةٌ، وَمِثْلُهُ الْمُبَارَأَةُ (قَوْلُهُ: فَيُعْتَبَرُ فِيهِ مَا يُعْتَبَرُ فِيهَا) وَيَقَعُ بِهِ تَطْلِيقَةٌ بَائِنَةٌ إلَّا إنْ نَوَى ثَلَاثًا فَتَكُونُ ثَلَاثًا، وَإِنْ نَوَى ثِنْتَيْنِ كَانَتْ وَاحِدَةً بَائِنَةً كَمَا فِي الْحَاكِمِ (قَوْلُهُ: مِنْ قَرَائِنِ الطَّلَاقِ) كَمُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ وَسُؤَالِهَا لَهُ. وَفِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى: وَتَسْمِيَةُ الْمَالِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَقَوِّمًا مِنْ الْقَرَائِنِ. اهـ. ط (قَوْلُهُ: لَوْ قُضِيَ بِكَوْنِهِ فَسْخًا) أَيْ كَمَا هُوَ قَوْلُ الْحَنَابِلَةِ إنَّهُ لَا يَقَعُ بِهِ طَلَاقٌ بَلْ هُوَ فَسْخٌ لَا يَنْقُصُ الْعِدَدَ بِشَرْطِ عَدَمِ نِيَّةِ الطَّلَاقِ بَحْرٌ. مَطْلَبٌ مَعْنَى الْمُجْتَهَدِ فِيهِ
(قَوْلُهُ: نَفَذَ لِأَنَّهُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ) أَيْ مَوْضِعُ اجْتِهَادٍ صَحِيحٍ، بِمَعْنَى أَنَّهُ يَسُوغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ لِأَنَّهُ لَمْ يُخَالِفْ كِتَابًا وَلَا سُنَّةً مَشْهُورَةً وَلَا إجْمَاعًا، إذْ لَوْ خَالَفَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فِي رَأْيِ الْمُجْتَهِدِ لَمْ يَكُنْ مُجْتَهَدًا فِيهِ، حَتَّى لَوْ حَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ يَرَاهُ لَا يَنْفُذُ كَمَا قَرَّرَ فِي مَحَلِّهِ وَيَأْتِي فِي أَوَّلِ الْبَابِ الْآتِي عَنْ الْفَتْحِ مَا يُوضِحُهُ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ نَفَذَ هُوَ مَا لَوْ حَكَمَ بِهِ حَنْبَلِيٌّ فِي مَسْأَلَتِنَا بِخِلَافِ الْحَنَفِيِّ فَإِنَّهُ وَإِنْ صَحَّ حُكْمُهُ بِغَيْرِ مَذْهَبِهِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، لَكِنَّهُ فِي زَمَانِنَا لَا يَصِحُّ اتِّفَاقًا

(3/444)


(خَلَعَهَا ثُمَّ قَالَ لَمْ أَنْوِ بِهِ الطَّلَاقَ، فَإِنْ ذَكَرَ بَدَلًا لَمْ يُصَدَّقْ) قَضَاءً فِي الصُّوَرِ الْأَرْبَعِ (وَإِلَّا صُدِّقَ فِي) مَا إذَا وَقَعَ بِلَفْظِ (الْخُلْعِ وَالْمُبَارَأَةِ) لِأَنَّهُمَا كِنَايَتَانِ وَلَا قَرِينَةَ، بِخِلَافِ لَفْظِ بَيْعٍ وَطَلَاقٍ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ. وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ إلَّا أَنَّ الْمَشَايِخَ قَالُوا لَا تُشْتَرَطُ النِّيَّةُ هَهُنَا لِأَنَّهُ بِحُكْمِ غَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ صَارَ كَالصَّرِيحِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ مُتَفَرِّقَاتِ طَلَاقِ الْمُحِيطِ.

(وَكُرِهَ) تَحْرِيمًا (أَخْذُ شَيْءٍ) وَيُلْحَقُ بِهِ الْإِبْرَاءُ عَمَّا لَهَا عَلَيْهِ (إنْ نَشَزَ وَإِنْ نَشَزَتْ لَا) وَلَوْ مِنْهُ نُشُوزٌ أَيْضًا وَلَوْ بِأَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا عَلَى الْأَوْجَهِ فَتْحٌ، وَصَحَّحَ الشُّمُنِّيُّ كَرَاهَةَ الزِّيَادَةِ، وَتَعْبِيرُ الْمُلْتَقَى لَا بَأْسَ بِهِ يُفِيدُ أَنَّهَا تَنْزِيهِيَّةٌ وَبِهِ يَحْصُلُ التَّوْفِيقُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
لِتَقْيِيدِ السُّلْطَانِ قَضَاءَهُ بِالْحُكْمِ الصَّحِيحِ مِنْ مَذْهَبِنَا فَلَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ بِالضَّعِيفِ فَضْلًا عَنْ مَذْهَبِ الْغَيْرِ فَافْهَمْ.

(قَوْلُهُ: لَمْ يُصَدَّقْ قَضَاءً) أَيْ بَلْ دِيَانَةً لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَالِمٌ بِسِرِّهِ لَكِنْ لَا يَسَعُ الْمَرْأَةَ أَنْ تُقِيمَ مَعَهُ لِأَنَّهَا كَالْقَاضِي لَا تَعْرِفُ مِنْهُ إلَّا الظَّاهِرَ بَحْرٌ عَنْ الْمَبْسُوطِ (قَوْلُهُ: فِي الصُّوَرِ الْأَرْبَعِ) أَيْ فِيمَا لَوْ كَانَ بِلَفْظِ الْخُلْعِ، أَوْ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، أَوْ الطَّلَاقِ، أَوْ الْمُبَارَأَةِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ لَفْظِ بَيْعٍ وَطَلَاقٍ) لِأَنَّهُمَا صَرِيحَانِ تَتَارْخَانِيَّةٌ، وَلَكِنَّ صَرَاحَةَ عَلَيْهِ قَطْعِيَّةٌ لَا تَتَخَلَّفُ عَنْهُ لِأَنَّ الْبَيْعَ فِيهِ زَوَالُ مِلْكِ الْيَمِينِ فَيَلْزَمُ مِنْهُ قَطْعًا زَوَالُ مِلْكِ الْمُتْعَةِ كَمَا أَفَادَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمِنَحِ تَأَمَّلْ. وَأَمَّا صَرَاحَةُ الطَّلَاقِ فَظَاهِرَةٌ وَإِنْ كَانَ لَا يَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ الْخُلْعِ إلَّا عِنْدَ ذِكْرِ الْمَالِ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي أَنَّهُ يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ: أَيْ الرَّجْعِيُّ إذَا لَمْ يَكُنْ بِمَالٍ وَلَا يُصَدَّقُ فِي أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ الطَّلَاقَ لِكَوْنِهِ صَرِيحًا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ) أَيْ اشْتِرَاطِهَا لِلْوُقُوعِ بِهَا دِيَانَةً، وَكَذَا قَضَاءً إذَا لَمْ تَكُنْ قَرِينَةٌ مِنْ ذِكْرِ مَالٍ وَنَحْوِهِ كَمَا هُوَ الْحُكْمُ فِي سَائِرِ الْكِنَايَاتِ (قَوْلُهُ: هَهُنَا) أَيْ فِي لَفْظِ الْخُلْعِ.
وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ: فَلَوْ كَانَتْ الْمُبَارَأَةُ أَيْضًا كَذَلِكَ: أَيْ غَلَبَ اسْتِعْمَالُهَا فِي الطَّلَاقِ لَمْ تَحْتَجْ إلَى النِّيَّةِ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ الْكِنَايَاتِ وَإِلَّا تَبْقَى النِّيَّةُ مَشْرُوطَةً فِيهَا وَفِي سَائِرِ الْكِنَايَاتِ عَلَى الْأَصْلِ اهـ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُبَارَأَةَ لَمْ يَغْلِبْ اسْتِعْمَالُهَا فِي الطَّلَاقِ عُرْفًا، بِخِلَافِ الْخُلْعِ فَإِنَّهُ مُشْتَهِرٌ بَيْنَ الْخَاصِّ وَالْعَامِّ فَافْهَمْ.

(قَوْلُهُ: وَكُرِهَ تَحْرِيمًا أَخْذُ الشَّيْءِ) أَيْ قَلِيلًا كَانَ، أَوْ كَثِيرًا.
وَالْحَقُّ أَنَّ الْأَخْذَ إذَا كَانَ النُّشُوزُ مِنْهُ حَرَامٌ قَطْعًا - {فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} [النساء: 20]- إلَّا أَنَّهُ إنْ أَخَذَ مَلَكَهُ بِسَبَبٍ خَبِيثٍ، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ، لَكِنْ نَقَلَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الدُّرِّ الْمَنْثُورِ لِلسُّيُوطِيِّ: أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي جَرِيرٍ عَنْ ابْنِ زَيْدٍ فِي الْآيَةِ قَالَ: ثُمَّ رَخَّصَ بَعْدُ، فَقَالَ - {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229]- قَالَ فَنَسَخَتْ هَذِهِ تِلْكَ اهـ وَهُوَ يَقْتَضِي حِلَّ الْأَخْذِ مُطْلَقًا إذَا رَضِيَتْ اهـ أَيْ سَوَاءٌ كَانَ النُّشُوزُ مِنْهُ أَوْ مِنْهَا، أَوْ مِنْهُمَا. لَكِنْ فِيهِ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْبَحْرِ أَوَّلًا عَنْ الْفَتْحِ أَنَّ الْآيَةَ الْأُولَى فِيمَا إذَا كَانَ النُّشُوزُ مِنْهُ فَقَطْ، وَالثَّانِيَةَ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْهُ فَلَا تَعَارُضَ بَيْنَهُمَا، وَأَنَّهُمَا لَوْ تَعَارَضَتَا فَحُرْمَةُ الْأَخْذِ بِلَا حَقٍّ ثَابِتَةٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى - {وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا} [البقرة: 231]- وَإِمْسَاكُهَا لَا لِرَغْبَةٍ بَلْ إضْرَارًا لِأَخْذِ مَالِهَا فِي مُقَابَلَةِ خَلَاصِهَا مِنْهُ مُخَالِفٌ لِلدَّلِيلِ الْقَطْعِيِّ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: وَيُلْحَقُ بِهِ) أَيْ بِالْأَخْذِ (قَوْلُهُ: إنْ نَشَزَ) فِي الْمِصْبَاحِ نَشَزَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ زَوْجِهَا نُشُوزًا مِنْ بَابِ قَعَدَ وَضَرَبَ عَصَتْهُ. وَنَشَزَ الرَّجُلُ مِنْ امْرَأَتِهِ نُشُوزًا بِالْوَجْهَيْنِ: تَرَكَهَا وَجَفَاهَا، وَأَصْلُهُ الِارْتِفَاعُ اهـ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ: وَلَوْ مِنْهُ نُشُوزٌ أَيْضًا) لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى - {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229]- يَدُلُّ عَلَى الْإِبَاحَةِ إذَا كَانَ النُّشُوزُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ بِعِبَارَةِ النَّصِّ، وَإذَا كَانَ مِنْ جَانِبِهَا فَقَطْ بِدَلَالَتِهِ بِالْأَوْلَى (قَوْلُهُ: وَبِهِ يَحْصُلُ التَّوْفِيقُ) أَيْ بَيْنَ مَا رَجَّحَهُ فِي الْفَتْحِ مِنْ نَفْيِ كَرَاهَةِ أَخْذِ الْأَكْثَرِ

(3/445)


(أَكْرَهَهَا) الزَّوْجُ (عَلَيْهِ تَطْلُقُ بِلَا مَالٍ) لِأَنَّ الرِّضَا شَرْطٌ لِلُزُومِ الْمَالِ وَسُقُوطِهِ.

(وَلَوْ هَلَكَ بَدَلُهُ فِي يَدِهَا) قَبْلَ الدَّفْعِ (أَوْ اُسْتُحِقَّ فَعَلَيْهَا قِيمَتُهُ لَوْ) الْبَدَلُ (قِيَمِيًّا، وَمِثْلُهُ لَوْ مِثْلِيًّا) لِأَنَّ الْخُلْعَ لَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ.

(خَلَعَهَا، أَوْ طَلَّقَهَا بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ، أَوْ مَيْتَةٍ وَنَحْوِهَا) مِمَّا لَيْسَ بِمَالٍ (وَقَعَ) طَلَاقٌ (بَائِنٌ فِي الْخُلْعِ رَجْعِيٌّ فِي غَيْرِهِ) وُقُوعًا (مَجَّانًا) فِيهِمَا لِبُطْلَانِ الْبَدَلِ وَهُوَ الثَّمَرَةُ كَمَا مَرَّ؛ وَلَوْ سَمَّتْ حَلَالًا كَهَذَا الْخَلِّ فَإِذَا هُوَ خَمْرٌ رَجَعَ بِالْمَهْرِ إنْ لَمْ يَعْلَمْ وَإِلَّا لَا شَيْءَ لَهُ (كَخَالِعْنِي عَلَى مَا فِي يَدِي) أَيْ الْحِسِّيَّةِ (وَلَا شَيْءَ فِي يَدِهَا) لِعَدَمِ التَّسْمِيَةِ وَكَذَا عَكْسُهُ، لَكِنْ لَوْ كَانَ فِي يَدِهِ جَوْهَرَةٌ لَهَا فَقَبِلَتْ فَهِيَ لَهُ عَلِمَتْ أَوْ لَا لِإِضْرَارِهَا نَفْسَهَا بِقَوْلِهَا (وَإِنْ زَادَتْ مِنْ مَالٍ، أَوْ دَرَاهِمَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
وَهُوَ رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَبَيْنَ مَا رَجَّحَهُ الشُّمُنِّيُّ مِنْ إثْبَاتِهَا وَهُوَ رِوَايَةُ الْأَصْلِ، فَيُحْمَلُ الْأَوَّلُ عَلَى نَفْيِ التَّحْرِيمِيَّةِ وَالثَّانِي عَلَى إثْبَاتِ التَّنْزِيهِيَّةِ، وَهَذَا التَّوْفِيقُ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي الْفَتْحِ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ مُخْتَلِفَةٌ بَيْنَ الصَّحَابَةِ وَذَكَرَ النُّصُوصَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ ثُمَّ حَقَّقَ ثُمَّ قَالَ: وَعَلَى هَذَا يَظْهَرُ كَوْنُ رِوَايَةِ الْجَامِعِ أَوْجَهَ، نَعَمْ يَكُونُ أَخْذُ الزِّيَادَةِ خِلَافَ الْأَوْلَى، وَالْمَنْعُ مَحْمُولٌ عَلَى الْأَوْلَى. اهـ. وَمَشَى عَلَيْهِ فِي الْبَحْرِ أَيْضًا.

(قَوْلُهُ: عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْخُلْعِ مِنَحٌ: أَيْ عَلَى أَنْ تَقُولَ لَهُ خَالِعْنِي. وَفِي الْبَحْرِ عَلَى الْقَبُولِ: أَيْ إذَا كَانَ هُوَ الْمُبْتَدِئَ بِقَوْلِهِ خَالِعَتك فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: تَطْلُقُ) أَيْ بَائِنًا إنْ كَانَ بِلَفْظِ الْخُلْعِ، وَرَجْعِيًّا إنْ كَانَ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ عَلَى مَالٍ كَمَا مَرَّ وَيَأْتِي (قَوْلُهُ: شَرْطٌ لِلُزُومِ الْمَالِ) أَيْ عَلَيْهَا وَهُوَ الْبَدَلُ الْمَذْكُورُ فِي الْخُلْعِ، وَقَوْلُهُ " وَسُقُوطِهِ " أَيْ عَنْ الزَّوْجِ وَهُوَ الْمَهْرُ الَّذِي عَلَيْهِ.

(قَوْلُهُ: أَوْ اُسْتُحِقَّ) أَيْ ادَّعَاهُ آخَرُ وَأَثْبَتَ أَنَّهُ لَهُ، وَمِثْلُهُ مَا فِي الْفَتْحِ عَنْ كَافِي الْحَاكِمِ لَوْ كَانَ عَبْدًا حَلَالَ الدَّمِ فَقُتِلَ عِنْدَهُ رَجَعَ عَلَيْهَا بِقِيمَتِهِ، وَكَذَا لَوْ وَجَبَ قَطْعُ يَدِهِ فَقُطِعَ عِنْدَهُ رَدَّهُ وَأَخَذَ قِيمَتَهُ اهـ.

(قَوْلُهُ: مِمَّا لَيْسَ بِمَالٍ) كَالدَّمِ وَالْخَمْرِ (قَوْلُهُ: وَقَعَ) أَيْ إنْ قَبِلَتْ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: بَائِنٌ فِي الْخُلْعِ) لِأَنَّهُ مِنْ الْكِنَايَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى قَطْعِ الْوَصْلَةِ فَكَانَ الْوَاقِعُ مِنْهُ بَائِنًا بِخِلَافِ لَفْظِ " اعْتَدِّي " وَأَخَوَيْهِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ؛ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ فَإِنَّهُ صَرِيحٌ لَا يَقْتَضِي الْبَيْنُونَةَ أَيْضًا (قَوْلُهُ: مَجَّانًا فِيهِمَا) أَيْ فِي الصُّورَتَيْنِ وَالْمَجَّانُ كَشَدَّادٍ: عَطِيَّةُ الشَّيْءِ بِلَا بَدَلٍ. قَالَ فِي الْفَتْحِ أَيْ بِلَا شَيْءٍ يَجِبُ لِلزَّوْجِ؛ لِأَنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ فِي الْخُرُوجِ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ وَلِذَا لَا يَلْزَمُ شَيْءٌ فِي الطَّلَاقِ اهـ وَأَوْجَبَ زُفَرُ عَلَيْهَا رَدَّ الْمَهْرِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ بَحْرٌ. وَأَمَّا لَوْ كَانَ الْمَهْرُ فِي ذِمَّتِهِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ " خَالَعْتكِ " مُسْقِطٌ لِلْحُقُوقِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِعِوَضٍ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: كَمَا مَرَّ) أَيْ فِي قَوْلِهِ وَثَمَرَتُهُ فِيمَا لَوْ بَطَلَ الْبَدَلُ وَقَدَّمْنَا بَيَانَهُ (قَوْلُهُ: وَلَوْ سَمَّتْ حَلَالًا إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَفِي كُتُبِ الْمَالِكِيَّةِ: لَوْ خَلَعَهَا عَلَى حَلَالٍ وَحَرَامٍ كَخَمْرٍ وَمَالٍ صَحَّ وَلَا يَجِبُ لَهُ إلَّا الْمَالُ، قِيلَ وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ أَصْحَابِنَا وَهُوَ صَحِيحٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: رَجَعَ بِالْمَهْرِ) أَيْ إنْ أَخَذَتْهُ وَإِلَّا سَقَطَ عَنْهُ، وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ.
وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ مِثْلُهُ مِنْ خَلٍّ وَسَطٍ لِأَنَّهُ صَارَ مَغْرُورًا مِنْ جِهَتِهَا بِتَسْمِيَةِ الْمَالِ. اهـ. ح (قَوْلُهُ: أَيْ الْحِسِّيَّةِ) قَيَّدَ بِهِ لِئَلَّا يَتَكَرَّرَ مَعَ قَوْلِهِ الْآتِي: وَالْبَيْتُ وَالصُّنْدُوقُ إلَخْ مِمَّا هُوَ فِي يَدِهَا الْحُكْمِيَّةِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: وَلَا شَيْءَ فِي يَدِهَا) أَمَّا لَوْ كَانَ فِيهَا شَيْءٌ وَلَوْ قَلِيلًا فَهُوَ لَهُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: لِعَدَمِ التَّسْمِيَةِ) عِلَّةٌ لِمَا فُهِمَ مِنْ التَّشْبِيهِ، وَهُوَ وُقُوعُ الْبَائِنِ مَجَّانًا أَيْ لِعَدَمِ تَسْمِيَةِ شَيْءٍ تَصِيرُ بِهِ غَارَّةً لَهُ بَحْرٌ لِأَنَّ مَا فِي يَدِهَا قَدْ يَكُونُ مُتَقَوِّمًا، وَقَدْ يَكُونُ غَيْرَهُ فَكَانَ رَاضِيًا بِذَلِكَ فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَكَذَا عَكْسُهُ) بِأَنْ قَالَ لَهَا خَالِعَتك عَلَى مَا فِي يَدِي وَلَا شَيْءَ فِيهَا بَحْرٌ وَهَذَا مَفْهُومٌ بِالْأَوْلَى.
(قَوْلُهُ: لَكِنْ إلَخْ) لَمَّا كَانَ عَدَمُ لُزُومِ شَيْءٍ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لِعَدَمِ التَّغْرِيرِ مِنْهَا صَارَ مَظِنَّةً أَنْ يُتَوَهَّمَ هُنَا أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْجَوْهَرَةَ لِتَغْرِيرِهِ لَهَا، فَاسْتَدْرَكَ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّهَا لَهُ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ أَضَرَّتْ بِنَفْسِهَا حَيْثُ قَبِلَتْ الْخُلْعَ قَبْلَ أَنْ تَعْلَمَ مَا فِي يَدِهِ فَهَذَا اسْتِدْرَاكٌ فِي مَحَلِّهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: وَإِنْ زَادَتْ) أَيْ عَلَى قَوْلِهَا خَالِعْنِي عَلَى مَا فِي يَدِي

(3/446)


رَدَّتْ) عَلَيْهِ فِي الْأُولَى (مَهْرَهَا) إنْ قَبَضَتْهُ وَإِلَّا لَا شَيْءَ عَلَيْهَا جَوْهَرَةً (أَوْ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ) فِي الثَّانِيَةِ وَلَوْ فِي يَدِهَا أَقَلُّ كَمَّلَتْهَا، وَلَوْ سَمَّتْ دَرَاهِمَ فَبَانَ دَنَانِيرَ لَمْ أَرَهُ. (وَالْبَيْتُ وَالصُّنْدُوقُ وَبَطْنُ الْجَارِيَةِ) إذَا لَمْ تَلِدْ لِأَقَلِّ الْمُدَّةِ (وَ) بَطْنُ (الْغَنَمِ) وَثَمَرُ الشَّجَرِ (كَالْيَدِ) فَذِكْرُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
أَيْ وَلَا شَيْءَ فِي يَدِهَا (قَوْلُهُ: رَدَّتْ عَلَيْهِ فِي الْأُولَى مَهْرَهَا) أَيْ فِي قَوْلِهَا مِنْ مَالٍ؛ وَمِثْلُهُ مِنْ مَتَاعٍ، أَوْ مِنْ مَالِ الْمَهْرِ وَقَدْ أَوْفَاهُ لَهَا، أَوْ عَلَى مَا فِي بَطْنِ جَارِيَتِي، أَوْ غَنَمِي مِنْ حَمْلٍ لِأَنَّهَا لَمَّا سَمَّتْ مَالًا لَمْ يَكُنْ الزَّوْجُ رَاضِيًا بِالزَّوَالِ إلَّا بِالْعِوَضِ، وَلَا وَجْهَ إلَى إيجَابِ الْمُسَمَّى، أَوْ قِيمَتِهِ لِلْجَهَالَةِ وَلَا إلَى قِيمَةِ الْبُضْعِ أَعْنِي مَهْرَ الْمِثْلِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ حَالَةَ الْخُرُوجِ فَتَعَيَّنَ إيجَابُ مَا قَامَ عَنْ الزَّوْجِ مِنْ الْمُسَمَّى، أَوْ مَهْرِ الْمِثْلِ نَهْرٌ.
(قَوْلُهُ: وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ قَبَضَتْهُ بَرِئَ مِنْهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا، كَذَا لَا شَيْءَ عَلَيْهَا لَوْ كَانَتْ قَدْ أَبْرَأَتْهُ مِنْهُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: أَوْ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ فِي الثَّانِيَةِ) أَيْ فِي قَوْلِهَا مِنْ دَرَاهِمَ مُعَرَّفًا، أَوْ مُنَكَّرًا لِأَنَّهَا ذَكَرَتْ الْجَمْعَ، وَأَقْصَاهُ لَا غَايَةَ لَهُ، وَأَدْنَاهُ ثَلَاثَةٌ فَوَجَبَتْ. وَلَوْ قَالَتْ: عَلَى مَا فِي هَذَا الْمَكَانِ مِنْ الشِّيَاهِ وَالْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ، أَوْ الثِّيَابِ لَزِمَهَا ثَلَاثَةٌ أَيْضًا كَذَا فِي الدِّرَايَةِ، قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَفِي الثِّيَابِ نَظَرٌ لِلْجَهَالَةِ. وَأَقُولُ: يَنْبَغِي إيجَابُ الْوَسَطِ فِي الْكُلِّ؛ وَبِهِ يَنْدَفِعُ مَا قَالَ نَهْرٌ. قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الثِّيَابَ مَجْهُولُ الْجِنْسِ مِثْلُ الدَّابَّةِ وَالْعَبْدِ، بِخِلَافِ الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ، وَلِذَا لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى ثَوْبٍ، أَوْ عَبْدٍ وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ؛ وَلَوْ عَلَى فَرَسٍ، أَوْ ثَوْبٍ هَرَوِيٌّ وَجَبَ الْوَسَطُ، وَعَلَيْهِ فَيَنْبَغِي فِي الثِّيَابِ الْمُطْلَقَةِ رَدُّ الْمَهْرِ كَمَا فِي الْأُولَى، ثُمَّ رَأَيْت فِي كَافِي الْحَاكِمِ الشَّهِيدِ مَا نَصُّهُ: وَإِنْ اخْتَلَعَتْ مِنْهُ عَلَى مَوْصُوفٍ مِنْ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالثِّيَابِ فَهُوَ جَائِزٌ، وَإِنْ اخْتَلَعَتْ مِنْهُ بِثَوْبٍ غَيْرِ مَنْسُوبٍ إلَى نَوْعٍ، أَوْ عَلَى دَارٍ كَذَلِكَ فَلَهُ الْمَهْرُ الَّذِي أَعْطَاهُ وَكَذَلِكَ الدَّابَّةُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ فِي يَدِهَا أَقَلُّ إلَخْ) وَلَوْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةٍ فَلَهُ ذَلِكَ دُرَرٌ عَنْ النِّهَايَةِ (قَوْلُهُ: لَمْ أَرَهُ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَلَوْ سَمَّتْ دَرَاهِمَ فَإِذَا فِي يَدِهَا دَنَانِيرُ لَا يَجِبُ لَهُ غَيْرُ الدَّرَاهِمِ وَلَمْ أَرَهُ. اهـ. ح. قُلْت: وَيَنْبَغِي فِي عُرْفِنَا لُزُومُ الدَّنَانِيرِ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ تُطْلَقُ عُرْفًا عَلَى مَا يَشْمَلُهَا. وَالْحَاصِلُ أَنَّهَا إذَا اخْتَلَعَتْ عَلَى شَيْءٍ غَيْرِ الْمَهْرِ فَهُوَ عَلَى أَوْجُهٍ:
الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمُسَمَّى غَيْرَ مُتَقَوِّمٍ كَالْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ فَيَقَعُ مَجَّانًا.
الثَّانِي أَنْ يَحْتَمِلَ كَوْنَهُ مَالًا، أَوْ غَيْرَهُ مِثْلُ مَا فِي بَيْتِهَا، أَوْ يَدِهَا مِنْ شَيْءٍ، فَإِنَّ الشَّيْءَ يَشْمَلُ الْمَالَ وَغَيْرَهُ، وَكَذَا مَا فِي بَطْنِ شَاتِهَا، أَوْ جَارِيَتِهَا، فَإِنَّ مَا فِي الْبَطْنِ قَدْ يَكُونُ رِيحًا، فَإِنْ وُجِدَ الْمُسَمَّى فَهُوَ لَهُ وَإِلَّا وَقَعَ مَجَّانًا.
الثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ مَالًا سَيُوجَدُ مِثْلُ مَا تُثْمِرُ نَخِيلُهَا أَوْ تَلِدُ غَنَمُهَا الْعَامَ، أَوْ مَا تَكْتَسِبُ الْعَامَ، فَعَلَيْهَا رَدُّ مَا قَبَضَتْ مِنْ الْمَهْرِ سَوَاءٌ وُجِدَ ذَلِكَ، أَوْ لَا.
الرَّابِعُ أَنْ يَكُونَ مَالًا لَكِنَّهُ لَا يُوقَفُ عَلَى قَدْرِهِ مِثْلُ مَا فِي بَيْتِهَا، أَوْ يَدِهَا مِنْ الْمَتَاعِ أَوْ مَا فِي نَخِيلِهَا مِنْ الثِّمَارِ، أَوْ مَا فِي بُطُونِ غَنَمِهَا مِنْ الْوَلَدِ، فَإِنْ وُجِدَ مِنْهُ شَيْءٌ فَهُوَ لَهُ وَإِلَّا رَدَّتْ مَا قَبَضَتْ مِنْ الْمَهْرِ.
الْخَامِسُ أَنْ يَكُونَ مَالًا لَهُ مِقْدَارٌ مَعْلُومٌ مِثْلُ مَا فِي يَدِهَا مِنْ دَرَاهِمَ، فَإِنَّ أَقَلَّهُ ثَلَاثٌ فَكَانَ مِقْدَارُهُ مَعْلُومًا فَلَهُ الثَّلَاثَةُ، أَوْ الْأَكْثَرُ.
السَّادِسُ إذَا سَمَّتْ مَالًا وَأَشَارَتْ إلَى غَيْرِ مَالٍ كَهَذَا الْخَلِّ فَإِذَا هُوَ خَمْرٌ، فَإِنْ عَلِمَ بِأَنَّهُ خَمْرٌ فَلَا شَيْءَ لَهُ وَإِلَّا رَجَعَ بِالْمَهْرِ، هَذَا حَاصِلُ مَا فِي الذَّخِيرَةِ (قَوْلُهُ: إذَا لَمْ تَلِدْ لِأَقَلِّ الْمُدَّةِ) أَيْ مُدَّةِ الْحَمْلِ، وَهَذَا قَيْدٌ لِعَدَمِ وُجُوبِ شَيْءٍ، أَمَّا لَوْ وَلَدَتْ لِأَقَلِّهَا فَهُوَ لَهُ لِتَحَقُّقِ وُجُودِهِ، وَالْأَوْلَى ذِكْرُ هَذَا بَعْدَ قَوْلِهِ " وَبَطْنُ الْغَنَمِ " لِأَنَّ الظَّاهِرَ اعْتِبَارُ أَقَلِّ مُدَّتِهِ أَيْضًا.

(3/447)


الْيَدِ مِثَالٌ كَمَا فِي الْبَحْرِ. قَالَ: وَقَيَّدَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا بِعَدَمِ الْعِلْمِ فَقَالَ: لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا مَتَاعَ فِي الْبَيْتِ أَوْ أَنَّهُ لَا مَهْرَ لَهَا عَلَيْهِ فِي خُلْعِهَا بِمَهْرِهَا لَا يَلْزَمُهَا شَيْءٌ لِأَنَّهَا لَمْ تُطْمِعْهُ فَلَمْ يَصِرْ مَغْرُورًا؛ وَلَوْ ظَنَّ أَنَّ عَلَيْهِ الْمَهْرَ ثُمَّ تَذَكَّرَ عَدَمَهُ رَدَّتْ الْمَهْرَ.

(خَالَعَتْ عَلَى عَبْدٍ آبِقٍ لَهَا عَلَى بَرَاءَتِهَا مِنْ ضَمَانِهِ لَمْ تَبْرَأْ) وَعَلَيْهَا تَسْلِيمُهُ إنْ قَدَرَتْ وَإِلَّا فَقِيمَتُهُ لِأَنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ كَالنِّكَاحِ.

(قَالَتْ: طَلِّقْنِي ثَلَاثًا بِأَلْفٍ، أَوْ عَلَى أَلْفٍ فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً وَقَعَ فِي الْأَوَّلِ بَائِنَةٌ بِثُلُثِهِ) أَيْ بِثُلُثِ الْأَلْفِ إنْ طَلَّقَهَا فِي مَجْلِسِهِ وَإِلَّا فَمَجَّانًا فَتْحٌ. وَفِي الْخَانِيَّةِ: لَوْ كَانَ طَلَّقَهَا ثِنْتَيْنِ فَلَهُ كُلُّ الْأَلْفِ (وَفِي الثَّانِيَةِ رَجْعِيَّةً مَجَّانًا) لِأَنَّ " عَلَى " لِلشَّرْطِ قَالَا: كَالْبَاءِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
فَائِدَةٌ] :
فِي إقْرَارِ الْجَوْهَرَةِ: أَقَلُّ مُدَّةِ حَمْلِ الدَّوَابِّ. سِوَى الشَّاةِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَأَقَلُّ مُدَّةِ حَمْلِ الشَّاةِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ (قَوْلُهُ: وَقَيَّدَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا) كَانَ الْمُنَاسِبُ ذِكْرَ هَذَا عَقِبَ قَوْلِهِ رَدَّتْ مَهْرَهَا، أَوْ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ كَمَا فَعَلَ فِي الْبَحْرِ لِيُعْلَمَ أَنَّ مَرْجِعَ الضَّمِيرِ هُوَ الرَّدُّ الْمَذْكُورُ.
وَعِبَارَةُ الْخُلَاصَةِ هَكَذَا: وَفِي الْفَتَاوَى: رَجُلٌ خَلَعَ امْرَأَتَهُ بِمَا لَهَا عَلَيْهِ مِنْ الْمَهْرِ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّ لَهَا عَلَيْهِ بَقِيَّةَ الْمَهْرِ ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لَهَا عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الْمَهْرِ وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا بِمَهْرِهَا فَيَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تَرُدَّ الْمَهْرَ إنْ قَبَضَتْهُ، أَمَّا إذَا عَلِمَ أَنْ لَا مَهْرَ لَهَا عَلَيْهِ بِأَنْ وَهَبَتْ صَحَّ الْخُلْعُ وَلَا تَرُدُّ عَلَى الزَّوْجِ شَيْئًا، كَمَا إذَا خَالَعَهَا عَلَى مَا فِي هَذَا الْبَيْتِ مِنْ الْمَتَاعِ وَعَلِمَ أَنَّهُ لَا مَتَاعَ فِي هَذَا الْبَيْتِ اهـ وَكَذَا عَلَى مَا فِي يَدِهَا مِنْ الْمَالِ وَعَلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي يَدِهَا شَيْءٌ كَمَا فِي الْمُجْتَبَى.

(قَوْلُهُ: عَلَى بَرَاءَتِهَا مِنْ ضَمَانِهِ) مَعْنَاهُ أَنَّهَا إنْ وَجَدَتْهُ سَلَّمَتْهُ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا، وَأَمَّا لَوْ شَرَطَتْ الْبَرَاءَةَ مِنْ عَيْبٍ فِي الْبَدَلِ صَحَّ الشَّرْطُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: لَمْ تَبْرَأْ) لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَيَقْتَضِي سَلَامَةَ الْعِوَضِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ) تَعْلِيلٌ لِمَا اُسْتُفِيدَ مِنْ الْمَقَامِ أَنَّ الْخُلْعَ صَحِيحٌ فَيَصِحُّ الْخُلْعُ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ الْفَاسِدُ، وَمِنْهُ لَوْ خَالَعَهَا عَلَى أَنْ يُمْسِكَ الْوَلَدَ عِنْدَهُ، أَوْ عَلَى أَنْ يَكُونَ صَدَاقُهَا لِوَلَدِهَا، أَوْ لِأَجْنَبِيٍّ، بِخِلَافِ الشَّرْطِ الْمُلَائِمِ كَمَا لَوْ اخْتَلَعَتْ بِشَرْطِ الصَّكِّ، أَوْ بِشَرْطِ أَنْ يَرُدَّ إلَيْهَا أَقْمِشَتَهَا فَقَبِلَ لَا تَحْرُمُ، وَيُشْتَرَطُ كَتْبُ الصَّكِّ وَرَدُّ الْأَقْمِشَةِ فِي الْمَجْلِسِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْفُرُوعِ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ.

(قَوْلُهُ: طَلِّقْنِي ثَلَاثًا بِأَلْفٍ) أَمَّا لَوْ قَالَتْ: وَاحِدَةً بِأَلْفٍ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا، فَإِنْ قَالَ بِأَلْفٍ وَقَبِلَتْ وَقَعْنَ، وَإِنْ لَمْ تَقْبَلْ لَا يَقَعُ شَيْءٌ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الْمَالَ طَلُقَتْ عِنْدَهُ ثَلَاثًا بِلَا شَيْءٍ. وَعِنْدَهُمَا وَاحِدَةٌ بِأَلْفٍ وَثِنْتَانِ بِلَا شَيْءٍ، كَمَا لَوْ فَرَّقَهَا وَقَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً عِنْدَ الْكُلِّ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ: فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً) مِثْلُهَا ثِنْتَانِ شَلَبِيٌّ وَلَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا كَانَ لَهُ جَمِيعُ الْأَلْفِ سَوَاءٌ كَانَتْ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ، أَوْ مُتَفَرِّقَةً فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ بَحْرٌ. ط (قَوْلُهُ: بِثُلُثِهِ) لِأَنَّ الْبَاءَ تَصْحَبُ الْأَعْوَاضَ وَهُوَ يَنْقَسِمُ عَلَى الْمُعَوَّضِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: إنْ طَلَّقَهَا فِي مَجْلِسِهِ) فَلَوْ قَامَ فَطَلَّقَهَا لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ نَهْرٌ. وَوَجْهُهُ أَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ مِنْ جَانِبِهَا، فَيُشْتَرَطُ فِي قَبُولِهِ الْمَجْلِسُ كَمَا فِي قَبُولِ الْبَيْعِ رَحْمَتِيٌّ. وَلَوْ بَدَأَ هُوَ فَقَالَ خَالَعْتكِ عَلَى أَلْفٍ اُعْتُبِرَ مَجْلِسُهَا دُونَهُ، فَلَوْ ذَهَبَ ثُمَّ قَبِلَتْ فِي مَجْلِسِهَا ذَلِكَ صَحَّ بَحْرٌ عَنْ الْجَوْهَرَةِ (قَوْلُهُ: لَوْ كَانَ طَلَّقَهَا ثِنْتَيْنِ) أَيْ قَبْلَ قَوْلِهَا لَهُ طَلِّقْنِي إلَخْ ثُمَّ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً بَعْدَ قَوْلِهَا ذَلِكَ فَلَهُ كُلُّ الْأَلْفِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَلِذَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ قَالَتْ طَلِّقْنِي أَرْبَعًا بِأَلْفٍ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَهِيَ بِالْأَلْفِ، وَلَوْ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً فَبِثُلُثِ الْأَلْفِ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ " عَلَى " لِلشَّرْطِ) وَالْمَشْرُوطُ لَا يَتَوَزَّعُ عَلَى أَجْزَاءِ الشَّرْطِ، وَلَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا مُتَفَرِّقَةً فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ لَزِمَهَا الْأَلْفُ لِأَنَّ الْأُولَى وَالثَّانِيَةَ تَقَعُ عِنْدَهُ رَجْعِيَّةً فَإِيقَاعُ الثَّالِثَةِ وَهِيَ مَنْكُوحَةٌ فَلَهُ الْأَلْفُ؛ وَإِنْ فِي ثَلَاثَةِ مَجَالِسَ فَعِنْدَهُمَا لَهُ ثُلُثُ الْأَلْفِ وَعِنْدَهُ لَا شَيْءَ لَهُ بَحْرٌ عَنْ الْمُحِيطِ.

(3/448)


(قَالَ لَهَا: طَلِّقِي نَفْسَكِ ثَلَاثًا بِأَلْفٍ) أَوْ عَلَى أَلْفٍ (فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا وَاحِدَةً لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ) لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِالْبَيْنُونَةِ إلَّا بِكُلِّ الْأَلْفِ، بِخِلَافِ مَا مَرَّ لِرِضَاهَا بِهَا بِأَلْفٍ فَبِبَعْضِهَا أَوْلَى (وَقَوْلُهُ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ بِأَلْفٍ أَوْ عَلَى أَلْفٍ وَقَبِلَتْ) فِي مَجْلِسِهَا (لَزِمَ) إنْ لَمْ تَكُنْ مُكْرَهَةً كَمَا مَرَّ، وَلَا سَفِيهَةً وَلَا مَرِيضَةً كَمَا يَجِيءُ (الْأَلْفُ) لِأَنَّهُ تَعْوِيضٌ أَوْ تَعْلِيقٌ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة: قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ: إحْدَاكُمَا طَالِقٌ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَالْأُخْرَى بِمِائَةِ دِينَارٍ فَقَبِلَتَا طَلُقَتَا بِغَيْرِ شَيْءٍ (أَنْتِ طَالِقٌ وَعَلَيْك أَلْفٌ، أَوْ أَنْتَ حُرٌّ وَعَلَيْكَ أَلْفٌ طَلُقَتْ وَعَتَقَ مَجَّانًا) وَإِنْ لَمْ يَقْبَلَا، وَ " عَلَيْكَ أَلْفٌ "
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
مَطْلَبٌ: تُسْتَعْمَلُ " عَلَى " فِي الِاسْتِعْلَاءِ وَاللُّزُومِ حَقِيقَةً
[تَنْبِيهٌ] :
قِيلَ: إنَّ " عَلَى " حَقِيقَةٌ لِلِاسْتِعْلَاءِ مَجَازٌ لِلشَّرْطِ. وَالْحَقُّ أَنَّهَا حَقِيقَةٌ لِلِاسْتِعْلَاءِ إنْ اتَّصَلَتْ بِالْأَجْسَامِ الْمَحْسُوسَةِ كَقُمْتُ عَلَى السَّطْحِ وَفِي غَيْرِهَا حَقِيقَةٌ فِي مَعْنَى اللُّزُومِ الصَّادِقِ عَلَى الشَّرْطِ الْمَحْضِ نَحْوُ {يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ} [الممتحنة: 12] وَأَنْتِ طَالِقٌ عَلَى أَنْ تَدْخُلِي الدَّارَ، وَعَلَى الْمُعَاوَضَةِ الشَّرْعِيَّةِ الْمَحْضَةِ - كَبِعْنِي هَذَا عَلَى أَلْفٍ -، وَالْعُرْفِيَّةِ - كَافْعَلْ هَذَا عَلَى أَنْ أَشْفَعَ لَك عِنْدَ زَيْدٍ -، وَمَا نَحْنُ فِيهِ مِمَّا يَصِحُّ فِيهِ كُلٌّ مِنْ مَعْنَيَيْ اللُّزُومِ لِأَنَّ الطَّلَاقَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ عَلَى الشَّرْطِ الْمَحْضِ وَالِاعْتِيَاضِ، وَذِكْرُ الْمَالِ لَا يُرَجِّحُ الثَّانِيَ؛ فَإِنَّ الْمَالَ يَصِحُّ جَعْلُهُ شَرْطًا مَحْضًا حَتَّى لَا تَنْقَسِمَ أَجْزَاؤُهُ عَلَى أَجْزَاءِ مُقَابِلِهِ كَمَا يَصِحُّ جَعْلُهُ عِوَضًا مُنْقَسِمًا فَلَا يَجِبُ الْمَالُ بِالشَّكِّ وَعَلَى هَذَا يَكُونُ لَفْظُ " عَلَى " مُشْتَرَكًا بَيْنَ الِاسْتِعْلَاءِ وَاللُّزُومِ لِقِيَامِ دَلِيلِ الْحَقِيقَةِ فِيهِمَا وَهُوَ التَّبَادُرُ بِمُجَرَّدِ الْإِطْلَاقِ، وَكَوْنُ الْمَجَازِ خَيْرًا مِنْ الِاشْتِرَاكِ هُوَ عِنْدَ التَّرَدُّدِ، وَقَوْلُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ إنَّهَا لِلِاسْتِعْلَاءِ مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا، فَإِنَّ أَهْلَ الِاجْتِهَادِ هُمْ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ، وَتَمَامُ تَحْقِيقِهِ فِي الْفَتْحِ. وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي التَّحْرِيرِ تَرْجِيحَ الْعِوَضِيَّةِ بِذِكْرِ الْمَالِ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ.

(قَوْلُهُ: فَبِبَعْضِهَا أَوْلَى) فِيهِ بَحْثٌ لِأَنَّهَا قَدْ يَكُونُ لَهَا غَرَضٌ فِي الثَّلَاثِ حَسْمًا لِمَادَّةِ الرُّجُوعِ إلَيْهِ لِشِدَّةِ بُغْضِهِ فَتَخَافُ مِنْ أَنْ يَحْمِلَهَا أَحَدٌ عَلَى الْمُعَاوَدَةِ إلَيْهِ فَلَا يَتِمَّ إلَّا بِالثَّلَاثِ مَقْدِسِيٌّ. وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ هَذَا لَا يُنْظَرُ إلَيْهِ بَعْدَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِمِلْكِهَا نَفْسَهَا عَلَى أَنَّ إمْكَانَ الْمُعَاوَدَةِ حَاصِلٌ بِالْحِلِّ عَلَى التَّحْلِيلِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: وَقَبِلَتْ فِي مَجْلِسِهَا) فَلَوْ بَعْدَهُ لَمْ يَلْزَمْهَا الْمَالُ لِأَنَّهُ مُبَادَلَةٌ مِنْ جَانِبِهَا كَمَا مَرَّ وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُعَلَّقًا وَلَا مُضَافًا وَإِلَّا اُعْتُبِرَ الْقَبُولُ بَعْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَالْوَقْتِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْبَدَائِعِ، وَمِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: كَمَا مَرَّ) أَيْ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ أَكْرَهَهَا عَلَيْهِ تَطْلُقُ بِلَا مَالٍ (قَوْلُهُ: وَلَا سَفِيهَةً وَلَا مَرِيضَةً) فَلَوْ سَفِيهَةً لَمْ يَلْزَمْ الْمَالُ وَلَوْ مَرِيضَةً اُعْتُبِرَ مِنْ الثُّلُثِ كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ تَعْوِيضٌ) بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ لَا بِالْفَاءِ كَمَا يُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَهَذَا رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ بِأَلْفٍ، وَقَوْلُهُ: أَوْ تَعْلِيقٌ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ عَلَى أَلْفٍ. قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَلَا بُدَّ مِنْ قَبُولِهَا لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ، أَوْ تَعْلِيقٌ بِشَرْطٍ، فَلَا تَنْعَقِدُ الْمُعَاوَضَةُ بِدُونِ الْقَبُولِ وَلَا يَنْزِلُ الْمُعَلَّقُ بِدُونِ الشَّرْطِ إذْ لَا وِلَايَةَ لِأَحَدِهِمَا فِي إلْزَامِ صَاحِبِهِ بِدُونِ رِضَاهُ، وَالطَّلَاقُ بَائِنٌ لِأَنَّهَا مَا الْتَزَمَتْ الْمَالَ إلَّا لِتَسْلَمَ لَهَا نَفْسُهَا وَذَلِكَ بِالْبَيْنُونَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: طَلُقَتَا بِغَيْرِ شَيْءٍ) لِأَنَّهُ عَلَّقَ طَلَاقَهُمَا عَلَى قَبُولِهِمَا وَقَدْ وُجِدَ وَلَمْ يُعْلَمْ مَا يَلْزَمُ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا، فَإِنَّ لِكُلٍّ أَنْ تَقُولَ لَا يَلْزَمُنِي إلَّا الدَّرَاهِمُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَلْزَمَ لَوْ رَضِيَ مِنْهُمَا بِالدَّرَاهِمِ، وَإِذَا طَلُقَتَا بِلَا شَيْءٍ كَانَ رَجْعِيًّا لِأَنَّهُ بِلَفْظِ رَحْمَتِيٍّ، وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَلْزَمَهُمَا رَدُّ مَهْرِهِمَا فَهُوَ مِمَّا لَا يَنْبَغِي، فَإِنَّ الطَّلَاقَ الصَّرِيحَ وَلَوْ عَلَى مَالٍ غَيْرُ مُسْقِطٍ لِلْمَهْرِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا يَأْتِي مَتْنًا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَقْبَلَا) مُبَالَغَةٌ عَلَى قَوْلِهِ طَلُقَتْ، وَعَتَقَ لِأَنَّهُ عِنْدَ الْقَبُولِ تَطْلُقُ، وَيَعْتِقُ بِالْأَوْلَى لِأَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، فَالْمُبَالَغَةُ إشَارَةٌ إلَى رَدِّ قَوْلِهِمَا، وَلَا يَصِحُّ جَعْلُ الْمُبَالَغَةِ لِقَوْلِهِ مَجَّانًا لِأَنَّ الْمُنَاسِبَ لَهُ أَنْ يَقُولَ وَإِنْ

(3/449)


جُمْلَةٌ تَامَّةٌ: وَقَالَا: إنْ قَبِلَا صَحَّ وَلَزِمَ الْمَالُ عَمَلًا بِأَنَّ الْوَاوَ لِلْحَالِ، وَفِي الْحَاوِي وَبِقَوْلِهِمَا يُفْتَى.

(قَالَ: طَلَّقْتُكِ أَمْسِ عَلَى أَلْفٍ فَلَمْ تَقْبَلِي وَقَالَتْ: قَبِلْتُ، فَالْقَوْلُ لَهُ بِيَمِينِهِ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ: بِعْتُكِ طَلَاقَكِ أَمْسِ عَلَى أَلْفٍ فَلَمْ تَقْبَلِي وَقَالَتْ قَبِلْتُ فَالْقَوْلُ لَهَا) وَكَذَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ كَذَلِكَ (كَقَوْلِهِ) لِغَيْرِهِ (بِعْتُ مِنْكَ هَذَا الْعَبْدَ بِأَلْفٍ أَمْسِ فَلَمْ تَقْبَلْ وَقَالَ الْمُشْتَرِي: قَبِلْتُ) فَإِنَّ الْقَوْلَ لِلْمُشْتَرِي. وَالْفَرْقُ أَنَّ الطَّلَاقَ بِمَالٍ يَمِينٌ مِنْ جَانِبِهِ، وَهِيَ تَدَّعِي حِنْثَهُ وَهُوَ يُنْكِرُ؛ أَمَّا الْبَيْعُ فَإِقْرَارُهُ بِهِ إقْرَارٌ بِالْقَبُولِ فَإِنْكَارُهُ رُجُوعٌ فَلَا يُسْمَعُ وَلَوْ بَرْهَنَا أُخِذَ بِبَيِّنَتِهَا تَتَارْخَانِيَّةٌ.

(وَلَوْ ادَّعَى الْخُلْعَ عَلَى مَالٍ وَهِيَ تُنْكِرُ يَقَعُ الطَّلَاقُ) بِإِقْرَارِهِ (وَالدَّعْوَى فِي الْمَالِ بِحَالِهَا) فَيَكُونُ الْقَوْلُ لَهَا لِأَنَّهَا تُنْكِرُ (وَعَكْسُهُ لَا) يَقَعُ كَيْفَمَا كَانَ بَزَّازِيَّةٌ.

[فُرُوعٌ] : أَنْكَرَ الْخُلْعَ، أَوْ ادَّعَى شَرْطًا، أَوْ اسْتِثْنَاءً
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
قَبِلَا كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ: جُمْلَةٌ تَامَّةٌ) أَيْ فَلَا تَرْتَبِطُ بِمَا قَبْلَهَا إلَّا بِدَلَالَةِ الْحَالِ إذْ الْأَصْلُ فِي الْجُمْلَةِ الِاسْتِقْلَالُ، وَلَا دَلَالَةَ هُنَا لِأَنَّ الطَّلَاقَ وَالْعَتَاقَ يَنْفَكَّانِ عَنْ الْمَالِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ فَإِنَّهُمَا لَا يُوجَدَانِ بِدُونِهِ دُرَرٌ.
[تَنْبِيهٌ] :
اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهَا لِلْحَالِ فِي " أَدِّ إلَيَّ أَلْفًا وَأَنْتَ حُرٌّ " لِتَعَذُّرِ عَطْفِ الْخَبَرِ عَلَى الْإِنْشَاءِ، وَعَلَى أَنَّهَا بِمَعْنَى بَاءِ الْمُعَاوَضَةِ فِي " احْمِلْ هَذَا وَلَك دِرْهَمٌ " لِأَنَّ الْمُعَاوَضَةَ فِي الْإِجَارَةِ أَصْلِيَّةٌ، وَعَلَى تَعَيُّنِ الْعَطْفِ فِي قَوْلِ الْمُضَارِبِ " خُذْ هَذَا الْمَالَ وَاعْمَلْ بِهِ فِي الْبَزِّ " لِلْإِنْشَائِيَّةِ فَلَا تَتَقَيَّدُ الْمُضَارَبَةُ بِهِ، وَعَلَى احْتِمَالِ الْأَمْرَيْنِ فِي " أَنْتِ طَالِقٌ وَأَنْتِ مَرِيضَةٌ، أَوْ مُصَلِّيَةٌ " إذْ لَا مَانِعَ وَلَا مُعَيِّنَ فَيَتَنَجَّزَ الطَّلَاقُ قَضَاءً، وَيَتَعَلَّقَ دِيَانَةً إنْ نَوَاهُ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: عَمَلًا بِأَنَّ الْوَاوَ لِلْحَالِ) فَكَأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فِي حَالَ وُجُوبِ الْأَلْفِ لِي عَلَيْكِ وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إلَّا بِالْقَبُولِ وَبِهِ يَلْزَمُ الْمَالُ نَهْرٌ.

(قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ كَذَلِكَ) أَيْ كَذَا الْحُكْمُ لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: أَعْتَقْتُك أَمْسِ عَلَى أَلْفٍ فَلَمْ تَقْبَلْ، أَوْ بِعْتُك أَمْسِ نَفْسَك مِنْك بِأَلْفٍ فَلَمْ تَقْبَلْ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: يَمِينٌ مِنْ جَانِبِهِ) فَهُوَ عَقْدٌ تَامٌّ فَلَا يَكُونُ الْإِقْرَارُ بِهِ إقْرَارًا بِقَبُولِ الْمَرْأَةِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ بِلَا قَبُولٍ لَيْسَ بِبَيْعٍ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: أُخِذَ بِبَيِّنَتِهَا) عَلَى أَنَّهَا قَبِلَتْ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ مَنْ كَانَ الْقَوْلُ لَهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى بَيِّنَةٍ لِأَنَّهَا لِإِثْبَاتِ خِلَافِ الظَّاهِرِ وَالظَّاهِرُ لِمَنْ كَانَ الْقَوْلُ لَهُ وَهُوَ هُنَا الزَّوْجُ الْمُنْكِرُ وُجُودَ شَرْطِ الْحِنْثِ، وَهُوَ الْقَبُولُ، وَخِلَافُ الظَّاهِرِ قَوْلُ الْمَرْأَةِ فَتُقَدَّمُ بَيِّنَتُهَا عِنْدَ التَّعَارُضِ، وَلِأَنَّهَا أَكْثَرُ إثْبَاتًا لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الطَّلَاقَ، وَأَمَّا مَا قِيلَ مِنْ أَنَّ بَيِّنَتَهَا قَامَتْ عَلَى الْإِثْبَاتِ وَبَيِّنَتَهُ عَلَى النَّفْيِ فَلَمْ تُقْبَلْ فَفِيهِ أَنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى النَّفْيِ فِي شَرْطِ الْحِنْثِ مَقْبُولَةٌ كَمَا مَرَّ فِي التَّعْلِيقِ فَافْهَمْ.

(قَوْلُهُ: يَقَعُ الطَّلَاقُ بِإِقْرَارِهِ) أَيْ الطَّلَاقُ الْبَائِنُ وَإِنْ لَمْ يُثْبِتْ الْمَالَ لِأَنَّهُ يَبْقَى لَفْظُ الْخُلْعِ الْمُقَرُّ بِهِ وَهُوَ كِنَايَةٌ فَيَقَعُ بِهِ الْبَائِنُ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ: بِحَالِهَا) أَيْ عَلَى حَالِهَا الْمَعْرُوفِ فِي الدَّعَاوَى مِنْ أَنَّ الْقَوْلَ لِلْمُنْكِرِ وَالْبَيِّنَةَ لِلْمُدَّعِي (قَوْلُهُ: وَعَكْسُهُ) أَيْ لَوْ ادَّعَتْ الْخُلْعَ لَا يَقَعُ بِدَعْوَاهَا شَيْءٌ لِأَنَّهَا لَا تَمْلِكُ الْإِيقَاعَ رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ: كَيْفَمَا كَانَ) أَيْ سَوَاءٌ ادَّعَتْهُ بِمَالٍ، أَوْ بِدُونِهِ، وَلَا يَلْزَمُهَا الْمَالُ لِأَنَّهَا إنَّمَا أَقَرَّتْ بِهِ فِي مُقَابَلَةِ الْخُلْعِ، فَحَيْثُ لَمْ يَثْبُتْ الْخُلْعُ لَمْ يَثْبُتْ الْمَالُ وَلِأَنَّ الزَّوْجَ بِإِنْكَارِهِ قَدْ رَدَّ إقْرَارَهَا بِهِ رَحْمَتِيٌّ. [فَرْعٌ]
اخْتَلَفَا فِي كَمِّيَّةِ الْخُلْعِ فَقَالَ مَرَّتَانِ وَقَالَتْ ثَلَاثٌ، قِيلَ الْقَوْلُ لَهُ، قِيلَ لَوْ اخْتَلَفَا بَعْدَ التَّزَوُّجِ فَقَالَتْ: لَمْ يَجُزْ التَّزَوُّجُ لِأَنَّهُ وَقَعَ بَعْدَ الْخُلْعِ الثَّالِثِ وَأَنْكَرَهُ فَالْقَوْلُ لَهُ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الْعِدَّةِ، أَوْ بَعْدَ مُضِيِّهَا فَقَالَ هِيَ عِدَّةُ الْخُلْعِ الثَّانِي وَقَالَتْ عِدَّةُ الْخُلْعِ الثَّالِثِ فَالْقَوْلُ لَهَا فَلَا يَحِلُّ النِّكَاحُ جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ.

(قَوْلُهُ: أَنْكَرَ الْخُلْعَ) مُكَرَّرٌ مَعَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ " وَعَكْسُهُ لَا ". اهـ. ط (قَوْلُهُ: أَوْ ادَّعَى شَرْطًا، أَوْ اسْتِثْنَاءً) بِأَنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ بِأَلْفٍ فَقَبِلَتْ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ قَالَ: إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ أَوْ إنْ شَاءَ اللَّهُ.
قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: طَلَّقَ أَوْ خَلَعَ ثُمَّ ادَّعَى الِاسْتِثْنَاءَ صُدِّقَ لَوْ لَمْ يَذْكُرْ الْبَدَلَ فِي الْخُلْعِ، لَا لَوْ ذَكَرَهُ بِأَنْ قَالَ: خَلَعْتُك بِكَذَا. وَلَوْ ادَّعَى الِاسْتِثْنَاءَ وَقَالَ: مَا قَبَضْته مِنْك فَهُوَ حَقٌّ كَانَ عَلَيْك وَقَالَتْ: إنِّي دَفَعْته لِبَدَلِ الْخُلْعِ فَالْقَوْلُ

(3/450)


أَوْ أَنَّ مَا قَبَضَهُ مِنْ دَيْنِهِ، أَوْ اخْتَلَفَا فِي الطَّوْعِ وَالْكُرْهِ فَالْقَوْلُ لَهُ. وَلَوْ قَالَتْ: كَانَ بِغَيْرِ بَدَلٍ فَالْقَوْلُ لَهَا.

ادَّعَتْ الْمَهْرَ وَنَفَقَةَ الْعِدَّةِ وَأَنَّهُ طَلَّقَهَا وَادَّعَى الْخُلْعَ وَلَا بَيِّنَةَ فَالْقَوْلُ لَهَا فِي الْمَهْرِ وَلَهُ فِي النَّفَقَةِ.

خَلَعَ امْرَأَتَيْهِ عَلَى عَبْدٍ قُسِمَتْ قِيمَتُهُ عَلَى مُسَمَّيْهِمَا. " خَلَعْتُكِ عَلَى عَبْدِي " وُقِفَ عَلَى قَبُولِهَا وَلَمْ يَجِبْ شَيْءٌ بَحْرٌ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
لَهُ لِأَنَّهُ لَمَّا أَنْكَرَ صِحَّةَ الْخُلَعِ فَقَدْ أَنْكَرَ وُجُوبَ الْبَدَلِ عَلَيْهَا وَأَقَرَّ أَنَّ لَهُ عَلَيْهَا مَالًا وَاحِدًا لَا مَالَيْنِ وَالْمَرْأَةُ مُقِرَّةٌ أَنَّ لَهُ عَلَيْهَا مَالًا آخَرَ فَصُدِّقَ الزَّوْجُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ لَمْ يَدَّعِ الِاسْتِثْنَاءَ لِأَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّ عَلَيْهَا بَدَلَ الْخُلْعِ، وَالْمُمَلِّكُ هُوَ الْمَرْأَةُ فَقُبِلَ قَوْلُهَا وَفِيهِ نَظَرٌ اهـ.
وَحَاصِلُهُ أَنَّ دَعْوَاهُ الِاسْتِثْنَاءَ مَقْبُولَةٌ إلَّا إذَا قَالَ لِي الْخُلْعُ بِبَدَلٍ فَإِنَّ الْبَدَلَ قَرِينَةٌ عَلَى قَصْدِ الْخُلْعِ فَلَا تُقْبَلُ دَعْوَى إبْطَالِهِ بِالِاسْتِثْنَاءِ إلَّا إذَا ادَّعَى أَنَّ مَا قَبَضَهُ لَيْسَ بَدَلَ الْخُلْعِ بَلْ عَنْ حَقٍّ آخَرَ فَإِنَّ الْقَوْلَ لَهُ لِإِنْكَارِهِ صِحَّةَ الْخُلْعِ وَوُجُوبِ الْبَدَلِ بِدَعْوَى الِاسْتِثْنَاءِ.
قُلْت: لَكِنْ فِيهِ أَنَّ الْمَانِعَ مِنْ صِحَّةِ دَعْوَى الِاسْتِثْنَاءِ ذِكْرُ الْبَدَلِ فِي عَقْدِ الْخُلْعِ لَا قَبْضُهُ بَعْدَهُ، فَحَيْثُ ذَكَرَ الْبَدَلَ لَمْ تُقْبَلْ دَعْوَاهُ الِاسْتِثْنَاءَ فَلَمْ يُقْبَلْ إنْكَارُهُ صِحَّةَ الْخُلْعِ وَوُجُوبَ الْبَدَلِ، بَلْ بَقِيَ الْخُلْعُ بِبَدَلٍ وَادَّعَى بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ مَا قَبَضَهُ هُوَ حَقٌّ آخَرُ وَهِيَ تَقُولُ بَلْ بَدَلُ الْخُلْعِ، فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهَا لِأَنَّهَا الْمُمَلِّكَةُ بِالدَّفْعِ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُمَلِّكُ فَلَمْ يَبْقَ فَرْقٌ بَيْنَ مَا إذَا ادَّعَى الِاسْتِثْنَاءَ، أَوْ لَمْ يَدَّعِهِ، وَلَعَلَّ هَذَا وَجْهُ النَّظَرِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. هَذَا، وَقَدْ مَرَّ فِي بَابِ التَّعْلِيقِ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى عَدَمِ قَبُولِ قَوْلِهِ فِي دَعْوَى الِاسْتِثْنَاءِ وَالشَّرْطِ لِفَسَادِ الزَّمَانِ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ هُنَاكَ (قَوْلُهُ: أَوْ أَنَّ مَا قَبَضَهُ مِنْ دَيْنِهِ) فِي الْبَزَّازِيَّةِ: دَفَعَتْ بَدَلَ الْخُلْعِ وَزَعَمَ الزَّوْجُ أَنَّهُ قَبَضَهُ بِجِهَةٍ أُخْرَى أَفْتَى الْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ أَنَّ الْقَوْلَ لَهُ وَقِيلَ لَهَا لِأَنَّهَا الْمُمَلِّكَةُ. اهـ.
قُلْت: الظَّاهِرُ الثَّانِي وَلِذَا جَزَمَ بِهِ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ كَمَا عَلِمْت، وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ مَبْنَاهَا عَلَى مَا إذَا اتَّفَقَا عَلَى الْخُلْعِ بِبَدَلٍ وَاخْتَلَفَا فِي جِهَةِ الْقَبْضِ وَلِذَا عَطَفَهَا بِأَوْ وَيَصِحُّ عَطْفُهَا بِالْوَاوِ فَتَكُونُ مِنْ تَتِمَّةِ مَا قَبْلَهَا، وَلَكِنْ يَرِدُ مَا عَلِمْته مِنْ النَّظَرِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: وَاخْتَلَفَا فِي الطَّوْعِ وَالْكُرْهِ) أَيْ فِي الْقَبُولِ، وَأَمَّا إيقَاعُ الْخُلْعِ بِإِكْرَاهٍ فَصَحِيحٌ كَمَا يَأْتِي ط (قَوْلُهُ: فَالْقَوْلُ لَهَا) لِأَنَّ صِحَّةَ الْخُلْعِ لَا تَسْتَدْعِي الْبَدَلَ فَتَكُونُ مُنْكِرَةً وَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهَا بَحْرٌ.

(قَوْلُهُ: وَادَّعَى الْخُلْعَ) يَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا كَانَ مُدَّعِيًا أَنَّ نَفَقَةَ الْعِدَّةِ مِنْ جُمْلَةِ بَدَلِ الْخُلْعِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: فَالْقَوْلُ لَهَا فِي الْمَهْرِ وَلَهُ فِي النَّفَقَةِ) لِأَنَّ الْمَهْرَ كَانَ ثَابِتًا عَلَيْهِ قَبْلَهُ فَدَعْوَى سُقُوطِهِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ، وَأَمَّا نَفَقَةُ الْعِدَّةِ فَلَيْسَتْ وَاجِبَةً قَبْلَهُ وَهِيَ تَدَّعِي اسْتِحْقَاقَهَا بِالطَّلَاقِ وَهُوَ يُنْكِرُ فَكَانَ الْقَوْلُ لَهُ، وَهُوَ مُشْكِلٌ فَإِنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى سَبَبِ اسْتِحْقَاقِهَا لِأَنَّ الْخُلْعَ وَالطَّلَاقَ يُوجِبَانِ نَفَقَةَ الْعِدَّةِ فَكَيْفَ تَسْقُطُ بَحْرٌ. قُلْت: وَأَصْلُ الِاسْتِشْكَالِ لِصَاحِبِ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَاعْتَرَضَهُ فِي نُورِ الْعَيْنِ عَلَى أَنَّهُ سَاقِطٌ بِلَا مَيْنٍ.

(قَوْلُهُ: قُسِمَتْ قِيمَتُهُ عَلَى مُسَمَّيْهِمَا) فَإِذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ ثَلَاثِينَ، وَمَهْرُ إحْدَاهُمَا مِائَتَانِ وَمَهْرُ الْأُخْرَى مِائَةٌ لَزِمَ الْأُولَى عِشْرُونَ وَالْأُخْرَى عَشَرَةٌ وَلَا يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا مُنَاصَفَةً، وَمَحَلُّهُ إذَا كَانَ الْعَبْدُ لِأَجْنَبِيٍّ، أَوْ لَهُمَا وَالْمَهْرَانِ مُتَفَاوِتَانِ، أَمَّا لَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا مُنَاصَفَةً وَالْمَهْرَانِ مُتَسَاوِيَانِ يَكُونُ الْعَبْدُ بَدَلَ الْخُلْعِ ط وَفَرَضَ الْمَسْأَلَةَ فِي كَافِي الْحَاكِمِ بِمَا إذَا خَلَعَ امْرَأَتَيْهِ عَلَى أَلْفٍ (قَوْلُهُ: وُقِفَ عَلَى قَبُولِهَا) قَالَ فِي الْمُجْتَبَى: الظَّاهِرُ أَنَّهُ عَنَى بِهِ وُقُوعَ الطَّلَاقِ وَمَعْرِفَةُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ أَهَمِّ الْمُهِمَّاتِ فِي هَذَا الزَّمَانِ لِأَنَّ النَّاسَ يَعْتَادُونَ إضَافَةَ الْخُلْعِ إلَى مَالِ الزَّوْجِ.

(3/451)


(وَيُسْقِطُ الْخُلْعُ) فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ وَلَوْ بِلَفْظِ بَيْعٍ وَشِرَاءٍ كَمَا اعْتَمَدَهُ الْعِمَادِيُّ وَغَيْرُهُ

(وَالْمُبَارَأَةُ) أَيْ الْإِبْرَاءُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ (كُلَّ حَقٍّ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
بَعْدَ إبْرَائِهَا إيَّاهُ مِنْ الْمَهْرِ، فَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّهَا إذَا قَبِلَتْ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَلَمْ يَجِبْ عَلَى الزَّوْجِ شَيْءٌ، وَفِي مُنْيَةِ الْفُقَهَاءِ: خَلَعْتُكِ بِمَا لِي عَلَيْكِ مِنْ الدَّيْنِ وَقَبِلَتْ يَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ الطَّلَاقُ وَلَا يَجِبَ شَيْءٌ وَيَبْطُلَ الدَّيْنُ اهـ مَا فِي الْمُجْتَبَى، وَسَيَذْكُرُ الشَّارِحُ آخِرَ الْبَابِ صِحَّةَ إيجَابِ بَدَلِ الْخُلْعِ عَلَيْهِ وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ.

(قَوْلُهُ: فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ) ذَكَرَهُ لِبَيَانِ الْوَاقِعِ وَإِلَّا فَقَدْ أَخْرَجَ الْفَاسِدَ أَوَّلَ الْبَابِ بِقَوْلِهِ إزَالَةُ مِلْكِ النِّكَاحِ أَفَادَهُ ط، وَقَدَّمْنَا قَوْلَيْنِ فِي سُقُوطِ الْمَهْرِ بَعْدَ الدُّخُولِ فِي الْفَاسِدِ وَتَقَدَّمَ أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ أَبَانَهَا ثُمَّ خَلَعَهَا عَلَى مَهْرِهَا لَمْ يَسْقُطْ الْمَهْرُ. قَالَ فِي الْفُصُولِ: لِأَنَّهُ لَمْ يَسْلَمْ لَهَا بَعْدَ الْخُلْعِ شَيْءٌ، وَكَذَا لَوْ ارْتَدَّتْ فَخَالَعَهَا (قَوْلُهُ: كَمَا اعْتَمَدَهُ الْعِمَادِيُّ وَغَيْرُهُ) أَيْ كَصَاحِبِ الْفَتَاوَى الصُّغْرَى فَإِنَّهُ صَحَّحَ أَنَّهُ يُسْقِطُ الْمَهْرَ كَالْخُلْعِ وَالْمُبَارَأَةِ، وَصَحَّحَ فِي الْخَانِيَّةِ أَنَّهُ لَا يُسْقِطُ الْمَهْرَ إلَّا بِذِكْرِهِ، وَصَحَّحَهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ أَيْضًا فَقَدْ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ، وَقَوْلُ الشَّارِحِ أَوَّلَ الْبَابِ " خِلَافًا لِلْخَانِيَّةِ " تَبِعَ فِيهِ قَوْلَ الْبَحْرِ وَإِنْ صَرَّحَ قَاضِي خَانْ بِخِلَافِهِ، وَلَمْ يَظْهَرْ لِي وَجْهُ تَرْجِيحِ التَّصْحِيحِ الْأَوَّلِ عَلَى الثَّانِي مَعَ أَنَّهُمْ قَالُوا: إنَّ قَاضِيَ خَانْ مِنْ أَجَلِّ مَنْ يُعْتَمَدُ عَلَى تَصْحِيحِهِ

(قَوْلُهُ: وَالْمُبَارَأَةُ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ مُفَاعَلَةٌ مِنْ الْبَرَاءَةِ، وَتَرْكُ الْهَمْزَةِ خَطَأٌ، وَهِيَ أَنْ يَقُولَ الزَّوْجُ بَرِئْت مِنْ نِكَاحِكِ بِكَذَا قَالَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ. وَفِي الْفَتْحِ: وَهُوَ أَنْ يَقُولَ بَارَأْتُكِ عَلَى أَلْفٍ فَتَقْبَلَ نَهْرٌ.
قُلْت: وَمَا فِي الْفَتْحِ مُوَافِقٌ لِمَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ، ثُمَّ قَالَ فِي النَّهْرِ: قَيَّدَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ بَارَأَهَا لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهَا بَرِئْت مِنْ نِكَاحِك وَقَعَ الطَّلَاقُ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَسْقُطَ بِهِ شَيْءٌ اهـ أَيْ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ بِلَفْظِ الْمُفَاعَلَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ بَدَلًا لَمْ يَتَوَقَّفْ عَلَى قَبُولِهَا فَيَقَعَ بِهِ الْبَائِنُ وَلَا يَكُونَ مُسْقِطًا بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ خَلَعْتُك، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بِلَفْظِ الْمُفَاعَلَةِ، أَوْ ذَكَرَ لَهُ بَدَلًا فَإِنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبُولِ حَتَّى يَكُونَ مُسْقِطًا، وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ مَا نَقَلَهُ أَوَّلًا عَنْ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ الْمُصَرِّحِ فِيهِ بِذِكْرِ الْبَدَلِ وَبَيْنَ مَا ذَكَرَهُ آخِرًا فَافْهَمْ.
[تَنْبِيهٌ]
ذَكَرَ فِي النَّهْرِ أَوَّلَ الْبَابِ أَخْذًا مِنْ عِبَارَةِ الْفَتْحِ أَنَّ الْمُبَارَأَةَ مِنْ أَلْفَاظِ الْخُلْعِ. قُلْت: وَقَدَّمْنَا عَنْ الْجَوْهَرَةِ التَّصْرِيحَ بِهِ، لَكِنْ تَقَدَّمَ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ أَنَّ لَفْظَ الْخُلْعِ مِنْ أَلْفَاظِ الْكِنَايَةِ إلَّا أَنَّ الْمَشَايِخَ قَالُوا: إنَّهُ لِغَلَبَةِ اسْتِعْمَالِهِ صَارَ كَالصَّرِيحِ، فَلَا يَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ وَإِنَّ الْمُبَارَأَةَ إذَا غَلَبَ فِيهَا الِاسْتِعْمَالُ فَهِيَ كَذَلِكَ، وَتَقَدَّمَ أَيْضًا أَنَّ الْوَاقِعَ بِالْخُلْعِ تَطْلِيقَةٌ بَائِنَةٌ سَوَاءٌ نَوَى الْوَاحِدَةَ، أَوْ الثِّنْتَيْنِ، وَإِنْ نَوَى الثَّلَاثَ فَثَلَاثٌ، وَإِنْ أَخَذَ عَلَيْهِ جُعَلًا لَمْ يُصَدَّقْ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ الطَّلَاقَ، قَالَ فِي الْكَافِي لِلْحَاكِمِ: وَالْمُبَارَأَةُ بِمَنْزِلَةِ الْخُلْعِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: أَيْ الْإِبْرَاءُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ) أَيْ بِأَنْ تَقُولَ لَهُ: بَارِئْنِي فَيَقُولَ لَهَا: بَارَأْتُكِ، أَوْ يَقُولَ لَهَا ذَلِكَ وَتَقُولَ هِيَ قَبِلْتُ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ، فَالْمُرَادُ مَا يَعُمُّ الْإِبْرَاءَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَالْقَبُولَ مِنْ الْآخَرِ ط (قَوْلُهُ: كُلَّ حَقٍّ) شَمِلَ الْمَهْرَ وَالنَّفَقَةَ الْمَفْرُوضَةَ وَالْمَاضِيَةَ وَالْكِسْوَةَ كَذَلِكَ وَكَذَا الْمُتْعَةُ تَسْقُطُ بِلَا ذِكْرٍ، وَيُسْتَثْنَى مَا إذَا خَالَعَهَا عَلَى مَهْرِهَا، أَوْ بَعْضِهِ وَكَانَ مَقْبُوضًا فَإِنَّهَا تَرُدُّهُ وَلَا تَبْرَأُ، وَمُقْتَضَى إطْلَاقِهِمْ الْبَرَاءَةَ إلَّا أَنْ يُقَالَ مُرَادُهُمْ مَا عَدَا بَدَلَ الْخُلْعِ، وَالْمَهْرُ بَدَلُهُ فَلَا تَبْرَأُ عَنْهُ، كَمَا لَوْ كَانَ مَالًا آخَرَ بَحْرٌ، وَهَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَسْقُطُ إلَّا مَا سَمَّيَاهُ فِيهِمَا أَيْ فِي الْخُلْعِ وَالْمُبَارَأَةِ وَأَبُو يُوسُفَ مَعَ الْإِمَامِ فِي الْمُبَارَأَةِ وَمَعَ مُحَمَّدٍ فِي الْخُلْعِ مُلْتَقًى.
مَطْلَبٌ: حَاصِلُ مَسَائِلِ الْخُلْعِ وَالْمُبَارَأَةِ عَلَى أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ وَجْهًا ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ حَاصِلَ وُجُوهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْبَدَلَ إمَّا أَنْ يَكُونَ مَسْكُوتًا عَنْهُ، أَوْ مَنْفِيًّا أَوْ مُثْبَتًا عَلَى الزَّوْجِ، أَوْ عَلَيْهَا بِمَهْرِهَا كُلِّهِ، أَوْ بَعْضِهِ أَوْ مَالٍ آخَرَ، وَكُلٌّ مِنْ السِّتَّةِ عَلَى وَجْهَيْنِ: إمَّا أَنْ يَكُونَ الْمَهْرُ مَقْبُوضًا، أَوْ لَا، وَكُلٌّ مِنْ الِاثْنَيْ عَشَرَ

(3/452)


ثَابِتٍ وَقْتَهُمَا (لِكُلٍّ مِنْهُمَا عَنْ الْآخَرِ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ النِّكَاحِ) حَتَّى لَوْ أَبَانَهَا ثُمَّ نَكَحَهَا ثَانِيًا بِمَهْرٍ آخَرَ فَاخْتَلَعَتْ مِنْهُ عَلَى مَهْرِهَا بَرِئَ عَنْ الثَّانِي لَا الْأَوَّلِ، وَمِثْلُهُ الْمُتْعَةُ بَزَّازِيَّةٌ. وَفِيهَا: اخْتَلَعَتْ عَلَى أَنْ لَا دَعْوَى لِكُلٍّ عَلَى صَاحِبِهِ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّ لَهُ كَذَا مِنْ الْقُطْنِ صَحَّ لِاخْتِصَاصِ الْبَرَاءَةِ بِحُقُوقِ النِّكَاحِ (إلَّا نَفَقَةَ الْعِدَّةِ) وَسُكْنَاهَا فَلَا يَسْقُطَانِ (إلَّا إذَا نَصَّ عَلَيْهَا) فَتَسْقُطُ النَّفَقَةُ لَا السُّكْنَى.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
إمَّا أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا، أَوْ بَعْدَهُ، فَإِنْ كَانَ الْبَدَلُ مَسْكُوتًا عَنْهُ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ أَصَحُّهُمَا بَرَاءَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا عَنْ الْمَهْرِ لَا غَيْرُ، فَلَا تَرُدُّ مَا قَبَضَتْ وَلَا يُطَالِبُ هُوَ بِمَا بَقِيَ وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَبَرِئَ عَنْ الْمُؤَجَّلِ لَوْ عَلَيْهِ إلَخْ وَإِنْ كَانَ مَنْفِيًّا كَقَوْلِهِ اخْلَعِي نَفْسَكِ مِنِّي بِغَيْرِ شَيْءٍ فَفَعَلَتْ وَقَبِلَ الزَّوْجُ صَحَّ بِغَيْرِ شَيْءٍ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِي عَدَمِ الْمَالِ وَوُقُوعِ الْبَائِنِ فَلَا يَبْرَأُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَنْ حَقِّ صَاحِبِهِ وَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا عَلَى الزَّوْجِ فَسَيَأْتِي آخِرَ الْبَابِ؛ وَإِنْ كَانَ بِكُلِّ الْمَهْرِ، فَإِنْ كَانَ مَقْبُوضًا رَجَعَ بِجَمِيعِهِ وَإِلَّا سَقَطَ عَنْهُ كُلُّهُ مُطْلَقًا أَيْ قَبْلَ الدُّخُولِ، أَوْ بَعْدَهُ وَإِنْ خَالَعَهَا عَلَى أَنْ يَجْعَلَهُ لِوَلَدِهَا، أَوْ لِأَجْنَبِيٍّ جَازَ الْخُلْعُ وَالْمَهْرُ لِلزَّوْجِ، وَإِنْ بِبَعْضِهِ كَالْعُشْرِ مَثَلًا، وَالْمَهْرُ عِشْرُونَ، فَإِنْ قَبَضَتْهُ رَجَعَ بِدِرْهَمَيْنِ لَوْ بَعْدَ الدُّخُولِ وَسَلِمَ لَهَا الْبَاقِي، وَبِدِرْهَمٍ فَقَطْ إنْ كَانَ قَبِلَهُ لِأَنَّهُ عُشْرُ النِّصْفِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَقْبُوضًا سَقَطَ الْكُلُّ مُطْلَقًا الْمُسَمَّى بِحُكْمِ الشَّرْطِ وَالْبَاقِي بِحُكْمِ لَفْظِ الْخُلْعِ، وَإِنْ بِمَالٍ آخَرَ غَيْرِ الْمَهْرِ فَلَهُ الْمُسَمَّى وَبَرِئَ كُلٌّ مِنْهُمَا مُطْلَقًا فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا اهـ مُلَخَّصًا مِنْ الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ وَغُرَرِ الْأَذْكَارِ.
لَكِنَّ الْمُرَادَ بِالْأَخِيرِ مَا إذَا كَانَ مَالًا مَعْلُومًا مَوْجُودًا فِي الْحَالِ وَإِلَّا فَهُوَ عَلَى سِتَّةِ أَوْجُهٍ قَدَّمْنَاهَا عَنْ الذَّخِيرَةِ (قَوْلُهُ: ثَابِتٍ وَقْتَهُمَا) أَيْ وَقْتَ الْخُلْعِ وَالْمُبَارَأَةِ احْتَرَزَ بِهِ عَنْ حَقٍّ يَثْبُتُ بَعْدَهُمَا كَنَفَقَةِ الْعِدَّةِ وَالسُّكْنَى كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ: مِمَّا يَتَعَلَّقُ) أَيْ مِنْ الْحَقِّ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ النِّكَاحِ الَّذِي وَقَعَ الْخُلْعُ مِنْهُ (قَوْلُهُ: لَا الْأَوَّلِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ حَقِّ ذَلِكَ النِّكَاحِ بَلْ هُوَ حَقُّ النِّكَاحِ الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ: وَمِثْلُهُ الْمُتْعَةُ) الْأَوْلَى " وَمِنْهُ ": أَيْ مِنْ الْحَقِّ الَّذِي يَسْقُطُ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَأَمَّا الْمُتْعَةُ فَقَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: خَالَعَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَكَانَ لَمْ يُسَمِّ مَهْرًا تَسْقُطُ الْمُتْعَةُ بِلَا ذِكْرٍ اهـ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ مُرَادَهُ أَنَّ الْمُتْعَةَ مِثْلُ الْمَهْرِ فَتَسْقُطُ إذَا كَانَتْ مُتْعَةَ ذَلِكَ النِّكَاحِ لَا مُتْعَةَ نِكَاحٍ قَبْلَهُ كَمَا حَمَلَهُ ح (قَوْلُهُ: صَحَّ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَمُقْتَضَى الْإِبْرَاءِ عَدَمُ الصِّحَّةِ وَكَأَنَّهُ لَمَّا وَقَعَ فِي ضِمْنِ الْخُلْعِ تَخَصَّصَ بِمَا هُوَ مِنْ حُقُوقِ النِّكَاحِ (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا نَصَّ عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى النَّفَقَةِ فِي الْخُلْعِ، أَمَّا لَوْ لَمْ تُسْقِطْهَا حَتَّى انْخَلَعَتْ ثُمَّ أَسْقَطَتْهَا لَا تَسْقُطُ لِإِسْقَاطِهَا حِينَئِذٍ قَصْدًا لِمَا لَمْ يَجِبْ فَإِنَّهَا إنَّمَا تَجِبُ شَيْئًا فَشَيْئًا، بِخِلَافِ ذَلِكَ الْإِسْقَاطِ الضِّمْنِيِّ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ بِاعْتِبَارِ مَا تَسْتَحِقُّهُ وَقْتَ الْخُلْعِ، وَالْبَاقِي سَقَطَ تَبَعًا فِي ضِمْنِ الْخُلْعِ فَتْحٌ. وَفِي الذَّخِيرَةِ مِنْ النَّفَقَةِ: قَالَتْ لِزَوْجِهَا أَنْتَ بَرِيءٌ مِنْ نَفَقَتِي أَبَدًا مَا دُمْتُ امْرَأَتَك لَا يَصِحُّ لِأَنَّ صِحَّةَ الْإِبْرَاءِ تَعْتَمِدُ الْوُجُوبَ أَوْ قِيَامَ سَبَبِ الْوُجُوبِ وَلَمْ يُوجَدْ هُنَا لِأَنَّ سَبَبَ وُجُوبِهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ هُوَ الِاحْتِبَاسُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَهُوَ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي الْحَالِ ثُمَّ قَالَ وَإِذَا أَبْرَأَتْهُ عَنْ النَّفَقَةِ قَبْلَ أَنْ تَصِيرَ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ لَا يَصِحُّ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِذَا شَرَطَتْ فِي الْخُلْعِ يَصِحُّ لِأَنَّهُ إبْرَاءٌ بِعِوَضٍ فَيَكُونُ اسْتِيفَاءً لِمَا وَقَعَتْ الْبَرَاءَةُ عَنْهُ لِأَنَّ الْعِوَضَ قَامَ مَقَامَهُ وَالِاسْتِيفَاءَ قَبْلَ الْوُجُوبِ يَصِحُّ بِالِاتِّفَاقِ. اهـ.
وَفِي الْقُنْيَةِ: وَإِنْ لَمْ تَكُنْ النَّفَقَةُ وَاجِبَةً وَلَكِنَّ سَبَبَهَا قَائِمٌ فَصَحَّ الْإِبْرَاءُ عَنْهَا اهـ أَيْ فَإِنَّ الْخُلْعَ سَبَبٌ لِوُجُوبِ نَفَقَةِ الْعِدَّةِ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ فِي الْبَدَائِعِ فَأَمَّا نَفَقَةُ الْعِدَّةِ فَإِنَّهَا تَجِبُ عِنْدَ الْعِدَّةِ فَكَانَ الْخُلْعُ عَلَى النَّفَقَةِ مَانِعًا مِنْ وُجُوبِهَا أَيْ بِخِلَافِ إبْرَائِهَا عَنْ النَّفَقَةِ قَبْلَ الْخُلْعِ، أَوْ بَعْدَهُ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَقِيلَ يَصِحُّ وَهُوَ الْأَشْبَهُ.
قُلْت: لَكِنَّ الْمَذْكُورَ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ، وَلِذَا جَزَمَ بِهِ فِي الْفَتْحِ وَشَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَالْبَدَائِعِ، وَكَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا بَلْ عَلِمْت أَنَّهُ بِالِاتِّفَاقِ.

(3/453)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: اخْتَلَعَتْ مِنْهُ بِكُلِّ حَقٍّ هُوَ لَهَا عَلَيْهِ فَلَهَا النَّفَقَةُ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ حَقًّا لَهَا وَقْتَ الْخُلْعِ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ اخْتَلَعَتْ بِتَطْلِيقَةٍ بَائِنَةٍ عَلَى كُلِّ حَقٍّ يَجِبُ لِلنِّسَاءِ عَلَى الرِّجَالِ قَبْلَ الْخُلْعِ وَبَعْدَهُ وَلَمْ تَذْكُرْ الصَّدَاقَ وَنَفَقَةَ الْعِدَّةِ تَثْبُتُ الْبَرَاءَةُ عَنْهُمَا لِأَنَّ الْمَهْرَ ثَابِتٌ قَبْلَ الْخُلْعِ وَالنَّفَقَةَ بَعْدَهُ اهـ.
مَطْلَبٌ: حَادِثَةُ الْفَتْوَى: أَبْرَأَتْهُ عَنْ مَهْرِهَا وَعَنْ أَعْيَانٍ مَعْلُومَةٍ فَقَالَ: إنْ كَانَتْ بَرَاءَتُكِ صَادِقَةً فَأَنْتِ طَالِقَةٌ [تَنْبِيهٌ] :
وَقَعَتْ حَادِثَةٌ سُئِلْتُ عَنْهَا فِي امْرَأَةٍ طَلَبَتْ مِنْ زَوْجِهَا الطَّلَاقَ عَلَى أَنْ تُبْرِئَهُ مِنْ مَهْرِهَا وَمِنْ أَعْيَانٍ مَعْلُومَةٍ فَرَضِيَ وَأَبْرَأَتْهُ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ: إنْ كَانَتْ بَرَاءَتُكِ صَادِقَةً فَأَنْتِ طَالِقَةٌ. فَأَجَبْتُ بِأَنَّهَا لَا تَطْلُقُ لِقَوْلِهِمْ إنَّ الْبَرَاءَةَ عَنْ الْأَعْيَانِ لَا تَصِحُّ، وَمُرَادُ الزَّوْجِ التَّعْلِيقُ عَلَى صِحَّةِ الْبَرَاءَةِ عَنْ الْكُلِّ لِيَسْلَمَ لَهُ جَمِيعُ الْعِوَضِ، هَكَذَا ظَهَرَ لِي. ثُمَّ رَأَيْتُ بَعْدَ جَوَابِي هَذَا فِي فَتَاوَى الْكَازَرُونِيِّ نَقْلًا عَنْ فَتَاوَى الْعَلَّامَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُرْشِدِيِّ أَنَّهُ سَأَلَ عَمَّا يَقَعُ كَثِيرًا مِنْ قَوْلِ الْمَرْأَةِ: أَبْرَأْتُك مِنْ الْمَهْرِ وَنَفَقَةِ الْعِدَّةِ، وَقَوْلِ الزَّوْجِ: طَلَاقُك بِصِحَّةِ بَرَاءَتِكِ فَأَجَابَ بِعَدَمِ الْوُقُوعِ قَالَ: وَوَافَقَنِي بَعْضُ حَنَفِيَّةِ الْعَصْرِ، وَتَوَقَّفَ بَعْضُهُمْ مُحْتَجًّا بِأَنَّ شَيْخَنَا جَارَ اللَّهِ بْنَ ظَهِيرَةَ كَانَ يُفْتِي بِالْوُقُوعِ لِقَوْلِهِمْ إنَّ نَفَقَةَ الْعِدَّةِ تَسْقُطُ بِالتَّسْمِيَةِ فَقُلْت هَذَا بِمَعْزِلٍ عَمَّا نَحْنُ فِيهِ لِأَنَّ النَّفَقَةَ تَجِبُ بِالطَّلَاقِ يَوْمًا فَيَوْمًا وَالْإِبْرَاءَ عَنْ الْمَعْدُومِ بَاطِلٌ وَالْمُعَلَّقَ بِهِ كَذَلِكَ لِانْتِفَاءِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ بِانْتِفَاءِ جُزْئِهِ. وَأَمَّا الْمَذْكُورُ فِي بَابِ الْخُلْعِ فَالْمُرَادُ بِهِ الْمُبَارَأَةُ الَّتِي هِيَ نَوْعٌ مِنْ الْخُلْعِ الْمَوْقُوفِ عَلَى قَبُولِهَا فِي الْمَجْلِسِ، فَإِذَا كَانَ عَلَى الْمَهْرِ وَنَفَقَةِ الْعِدَّةِ سَقَطَتْ النَّفَقَةُ تَبَعًا لَهُ، أَمَّا هُنَا فَهُوَ تَعْلِيقٌ مَحْضٌ فَلَا يَقَعُ بِبُطْلَانِ بَعْضِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ اهـ مُلَخَّصًا. ثُمَّ رَأَيْت الْبِيرِيَّ فِي شَرْحِ الْأَشْبَاهِ صَوَّبَ مَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ ظَهِيرَةَ وَرَدَّ عَلَى الْمُرْشِدِيِّ مُسْتَنِدًا لِمَا مَرَّ مِنْ التَّصْرِيحِ بِسُقُوطِ النَّفَقَةِ بِالشَّرْطِ.
أَقُولُ: وَالصَّوَابُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ الْإِبْرَاءُ مَبْنِيًّا عَلَى طَلَبِ الطَّلَاقِ لَمْ تَسْقُطْ النَّفَقَةُ وَإِنْ طَلَّقَهَا عَقِبَهُ لِأَنَّهُ فِي حَالِ قِيَامِ النِّكَاحِ، وَإِنْ كَانَ مَبْنِيًّا عَلَيْهِ سَقَطَتْ وَإِنْ كَانَ حَالَ قِيَامِ النِّكَاحِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَصِيرُ مُقَابَلًا بِعِوَضٍ. فَفِي الذَّخِيرَةِ وَالْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهِمَا: طَلَبَتْ مِنْهُ طَلَاقَهَا فَقَالَ أَبْرِئِينِي عَنْ كُلِّ حَقٍّ لَكِ حَتَّى أُطَلِّقَكِ فَقَالَتْ: أَبْرَأْتُكَ عَنْ كُلِّ حَقٍّ لِلنِّسَاءِ عَلَى الْأَزْوَاجِ فَقَالَ الزَّوْجُ فِي فَوْرِهِ: طَلَّقْتُكِ وَاحِدَةً وَهِيَ مَدْخُولٌ بِهَا تَقَعُ بَائِنَةٌ لِأَنَّهُ طَلَاقٌ بِعِوَضٍ وَهُوَ الْإِبْرَاءُ دَلَالَةً. اهـ. وَأَفَادَ فِي الْفَتْحِ أَنَّ النَّفَقَةَ لَا تَسْقُطُ بِذَلِكَ لِانْصِرَافِ الْحَقِّ إلَى الْقَائِمِ لَهَا إذْ ذَاكَ اهـ نَعَمْ قَدَّمْنَا آنِفًا، أَنَّهَا لَوْ أَبْرَأَتْهُ عَنْ كُلِّ حَقٍّ قَبْلَ الْخُلْعِ وَبَعْدَهُ تَسْقُطُ، فَكَذَا إذَا طَلَبَ إبْرَاءَهَا لَهُ عَنْ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ صَرِيحًا لِيُطَلِّقَهَا فَأَبْرَأَتْهُ وَطَلَّقَهَا فَوْرًا يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ لِأَنَّهُ إبْرَاءٌ بِعِوَضٍ وَهُوَ مَلَّكَهَا نَفْسَهَا فَكَأَنَّهَا اسْتَوْفَتْ النَّفَقَةَ بِاسْتِيفَاءِ بَدَلِهَا وَالِاسْتِيفَاءُ قَبْلَ الْوُجُوبِ يَصِحُّ، كَمَا لَوْ دَفَعَ لَهَا نَفَقَةَ شَهْرٍ يَصِحُّ، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ إبْرَاءً بِشَرْطٍ فَإِذَا لَمْ يُطَلِّقْهَا لَمْ يَبْرَأْ، فَقَدْ صَرَّحَ فِي الْخَانِيَّةِ بِأَنَّهَا لَوْ أَبْرَأَتْهُ عَمَّا لَهَا عَلَيْهِ عَلَى أَنْ يُطَلِّقَهَا فَإِنْ طَلَّقَهَا جَازَتْ الْبَرَاءَةُ وَإِلَّا فَلَا، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَبْرَأَتْهُ عَلَى أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا فَتَصِحُّ الْبَرَاءَةُ دُونَ الشَّرْطِ لِأَنَّ الْأَوَّلَ يَصِحُّ فِيهِ الْجُعْلُ دُونَ الثَّانِي فَيَكُونُ الشَّرْطُ فِيهِ بَاطِلًا. وَفِي الْحَاوِي الزَّاهِدِيِّ: وَلَوْ أَبْرَأَتْهُ لِيُطَلِّقَهَا فَقَامَ ثُمَّ طَلَّقَهَا يَبْرَأُ إنْ لَمْ يَنْقَطِعْ حُكْمُ الْمَجْلِسِ وَإِلَّا فَلَا. اهـ.
إذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَقَدْ ظَهَرَ لَك أَنَّ صِحَّةَ هَذِهِ الْبَرَاءَةِ مَوْقُوفَةٌ عَلَى الطَّلَاقِ فَوْرًا أَيْ فِي الْمَجْلِسِ، فَإِذَا قَالَ لَهَا طَلَاقُك بِصِحَّةِ بَرَاءَتِك يَكُونُ قَدْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ عَلَى صِحَّةِ الْبَرَاءَةِ فَيَقْتَضِي تَحَقُّقَ صِحَّتِهَا قَبْلَهُ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى الشَّرْطِ وَلَا صِحَّةَ لَهَا إلَّا بِهِ فَلَمْ يُوجَدْ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ نَجَّزَ الطَّلَاقَ فَإِنَّهُ يَقَعُ وَتَصِحُّ بِهِ الْبَرَاءَةُ، فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ الْحَقَّ

(3/454)


لِأَنَّهَا حَقُّ الشَّرْعِ إلَّا إذَا أَبْرَأَتْهُ عَنْ مُؤْنَةِ السُّكْنَى فَيَصِحُّ فَتْحٌ، وَهُوَ مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِمَا ذَكَرْنَا إذْ النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى لَمْ تَجِبَا وَقْتَهُمَا بَلْ بَعْدَهُمَا (وَقِيلَ الطَّلَاقُ عَلَى مَالٍ) مُسْقِطٌ لِلْمَهْرِ (كَالْخُلْعِ وَالْمُعْتَمَدُ لَا) ذَكَرَهُ الْبَزَّازِيُّ، وَلَا يَبْرَأُ بِ أَبْرَأَكِ اللَّهُ ذَكَرَهُ الْبَهْنَسِيُّ.

(شَرْطُ الْبَرَاءَةِ مِنْ نَفَقَةِ الْوَلَدِ إنْ وَقَّتَا كَسَنَةٍ) صَحَّ (وَلَزِمَ وَإِلَّا لَا) بَحْرٌ، وَفِيهِ عَنْ الْمُنْتَقَى وَغَيْرِهِ: لَوْ كَانَ الْوَلَدُ رَضِيعًا صَحَّ - وَإِنْ لَمْ يُوَقِّتَا - وَتَرْضِعُهُ حَوْلَيْنِ بِخِلَافِ الْفَطِيمِ؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
مَا قَالَهُ الْمُرْشِدِيُّ وَلَا يُنَافِيهِ تَصْرِيحُهُمْ بِسُقُوطِ النَّفَقَةِ بِالشَّرْطِ، لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ سُقُوطَهَا مَوْقُوفٌ عَلَى الطَّلَاقِ أَوْ الْخُلْعِ فَلَا تُوجَدُ الْبَرَاءَةُ قَبْلَهُ وَإِنَّمَا تُوجَدُ بِطَلَاقٍ أَوْ خُلْعٍ مُنَجَّزٍ لَا مُعَلَّقٍ عَلَى صِحَّتِهَا، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي هَذَا الْمَحَلِّ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ كَثِيرَةُ الْوُقُوعِ، فَاغْتَنِمْ تَحْرِيرَهَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا حَقُّ الشَّرْعِ) لِأَنَّ سُكْنَاهَا فِي غَيْرِ بَيْتِ الطَّلَاقِ مَعْصِيَةٌ بَحْرٌ عَنْ الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا أَبْرَأَتْهُ عَنْ مُؤْنَةِ السُّكْنَى) بِأَنْ كَانَتْ سَاكِنَةً فِي بَيْتِ نَفْسِهَا، أَوْ تُعْطِي الْأُجْرَةَ مِنْ مَالِهَا فَيَصِحُّ الْتِزَامُهَا ذَلِكَ فَتْحٌ، لَكِنَّ مُقْتَضَى هَذَا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّصْرِيحِ بِمُؤْنَةِ السُّكْنَى مَعَ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ فِي فَصْلِ الْإِحْدَادِ: لَوْ اخْتَلَعَتْ عَلَى أَنْ لَا سُكْنَى لَهَا فَإِنَّ مُؤْنَةَ السُّكْنَى تَسْقُطُ عَنْ الزَّوْجِ وَيَلْزَمُهَا أَنْ تَكْتَرِيَ بَيْتَ الزَّوْجِ، وَلَا يَحِلُّ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ مِنْهُ اهـ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَهُوَ) أَيْ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ إلَّا نَفَقَةَ الْعِدَّةِ إلَخْ مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِمَا قَدَّرَهُ الشَّارِحُ مِنْ قَوْلِهِ " ثَابِتٍ وَقْتَهُمَا " لِأَنَّ قَوْلَهُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا مُتَعَلِّقٌ بِذَلِكَ الْمَحْذُوفِ عَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ لِحَقٍّ فَإِذَا كَانَ تَقْدِيرُ كَلَامِهِ ذَلِكَ اسْتَغْنَى بِهِ عَنْ الِاسْتِثْنَاءِ الْمَذْكُورِ فَكَانَ الْأَوْلَى تَرْكَهُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: مُسْقِطٌ لِلْمَهْرِ) قَيَّدَ بِهِ لِمَا فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ صَرَّحَ فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ وَالْجَوْهَرَةِ بِأَنَّ النَّفَقَةَ الْمَقْضِيَّ بِهَا تَسْقُطُ بِطَلَاقٍ، وَأَطْلَقُوهُ فَشَمِلَ الطَّلَاقَ بِمَالٍ وَغَيْرَهُ اهـ وَفِيهِ كَلَامٌ سَيَأْتِي فِي النَّفَقَةِ (قَوْلُهُ: ذَكَرَهُ الْبَزَّازِيُّ) بِلَفْظِ " وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى "، وَمِثْلُهُ فِي الْفُصُولِ وَغَيْرِهَا. وَفِي الْبَحْرِ أَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَصَحَّحَهُ الشَّارِحُونَ وَقَاضِي خَانْ. اهـ.
قُلْت: وَحَاصِلُ عِبَارَةِ قَاضِي خَانْ أَنَّ الطَّلَاقَ بِمَالٍ حُكْمُهُ حُكْمُ الْخُلْعِ عِنْدَهُمَا أَيْ إنَّهُ غَيْرُ مُسْقِطٍ لِلْمَهْرِ، وَعِنْدَهُ فِي رِوَايَةٍ كَقَوْلِهِمَا، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَفِي رِوَايَةٍ كَالْخُلْعِ عِنْدَهُ أَيْ فِي أَنَّهُ مُسْقِطٌ اهـ وَقَدَّمْنَا ذِكْرَ الْخِلَافِ فِي الْخُلْعِ عَنْ الْمُلْتَقَى، وَبِهَذَا تَعْلَمُ مَا فِي عِبَارَةِ النَّهْرِ مِنْ الْإِبْهَامِ الَّذِي أَوْقَعَ غَيْرَهُ فِي الْغَلَطِ فَافْهَمْ.
مَطْلَبٌ فِي الْبَرَاءَةِ بِقَوْلِهَا أَبْرَأَكِ اللَّهُ (قَوْلُهُ: ذَكَرَهُ الْبَهْنَسِيُّ) وَتَبِعَهُ تِلْمِيذُهُ الْبَاقَانِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُلْتَقَى، وَأَفْتَى بِهِ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ، لَكِنْ نَقَلَ ط عَنْ الْعَلَّامَةِ الْمَقْدِسِيَّ أَنَّهُ أَفْتَى بِصِحَّةِ الْبَرَاءَةِ بِهِ لِلتَّعَارُفِ.
قُلْت: وَبِهِ أَفْتَى قَارِئُ الْهِدَايَةِ وَابْنُ الشَّلَبِيِّ مُعَلِّلًا بِأَنَّ الْعُرْفَ عَلَى كَوْنِهِ إبْرَاءً قَالَ: وَكَتَبَ مِثْلَهُ النَّاصِرُ اللَّقَانِيُّ وَشَيْخُ الْإِسْلَامِ الْحَنْبَلِيُّ اهـ وَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الْمَنْظُومَةِ الْمُحِبِّيَّةِ، وَأَفْتَى بِهِ فِي الْحَامِدِيَّةِ، وَأَيَّدَهُ السَّائِحَانِيُّ بِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ. قَالَ: طَلَّقَكِ اللَّهُ، أَوْ لِأَمَتِهِ: أَعْتَقَكِ اللَّهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ زَادَ فِي الْجَوْهَرَةِ نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ.

[مَطْلَبٌ فِي الْخُلْعِ عَلَى نَفَقَةِ الْوَلَدِ]
(قَوْلُهُ: مِنْ نَفَقَةِ الْوَلَدِ) شَمِلَ الْحَمْلَ بِأَنْ شَرَطَ بَرَاءَتَهُ مِنْ نَفَقَةٍ إذَا وَلَدَتْهُ (قَوْلُهُ: مِنْ نَفَقَةِ الْوَلَدِ) وَهِيَ مُؤْنَةُ الرَّضَاعِ، كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْفَتْحِ، وَمِثْلُهُ فِي الْكِفَايَةِ وَالِاخْتِيَارِ (قَوْلُهُ: وَفِيهِ عَنْ الْمُنْتَقَى إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّ هَذِهِ رِوَايَةٌ أُخْرَى يُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ عَلَى إمْسَاكِ الْوَلَدِ إذَا بَيَّنَ الْمُدَّةَ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ لَا يَصِحُّ سَوَاءٌ كَانَ الْوَلَدُ رَضِيعًا، أَوْ فَطِيمًا. وَفِي الْمُنْتَقَى إلَخْ قُلْت: وَلَعَلَّ وَجْهَ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ الْخُلْعَ إذَا وَقَعَ عَلَى نَفَقَةٍ، أَوْ إمْسَاكِهِ - وَهُوَ رَضِيعٌ - يُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ أَرَادَتْ نَفَقَتَهُ شَهْرًا مَثَلًا، وَالزَّوْجَ يَقُولُ: أَكْثَرَ. وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ كَوْنَهُ رَضِيعًا قَرِينَةٌ عَلَى إرَادَةِ مُدَّةِ الرَّضَاعِ، وَقَدْ جَزَمَ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ فِي الْخَانِيَّةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْفَطِيمِ) لِأَنَّ مُدَّةَ بَقَائِهِ عِنْدَهَا اسْتِغْنَاءُ الْغُلَامِ وَحَيْضُ الْجَارِيَةِ وَهِيَ مَجْهُولَةٌ. اهـ. ح.

(3/455)


وَلَوْ تَزَوَّجَهَا، أَوْ هَرَبَتْ، أَوْ مَاتَتْ أَوْ مَاتَ الْوَلَدُ رَجَعَ بِبَقِيَّةِ نَفَقَةِ الْوَلَدِ وَالْعِدَّةِ إلَّا إذَا شَرَطَتْ بَرَاءَتَهَا وَلَهَا مُطَالَبَتُهُ بِكِسْوَةِ الصَّبِيِّ إلَّا إذَا اخْتَلَعَتْ عَلَيْهَا أَيْضًا، وَلَوْ فَطِيمًا فَيَصِحُّ كَالظِّئْرِ.

(وَلَوْ خَالَعَتْهُ عَلَى نَفَقَةِ وَلَدِهِ شَهْرًا) مَثَلًا (وَهِيَ مُعْسِرَةٌ فَطَالَبَتْهُ بِالنَّفَقَةِ يُجْبَرُ عَلَيْهَا) وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ فَتْحٌ. وَفِيهِ لَوْ اخْتَلَعَتْ عَلَى أَنْ تُمْسِكَهُ إلَى الْبُلُوغِ صَحَّ عَنْ الْأُنْثَى لَا الْغُلَامِ؛ وَلَوْ تَزَوَّجَتْ فَلِلزَّوْجِ أَخْذُ الْوَلَدِ وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
قُلْت: لَمْ أَرَ هَذَا التَّعْلِيلَ لِغَيْرِهِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ إذَا كَانَ الْخُلْعُ عَلَى إمْسَاكِهِ عِنْدَهَا مُدَّةَ الْحَضَانَةِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَظْهَرُ عَلَى الْقَوْلِ الْمُعْتَمَدِ مِنْ تَقْدِيرِ مُدَّةِ الْحَضَانَةِ بِسَبْعٍ لِلْغُلَامِ وَعَشْرٍ لِلْجَارِيَةِ، بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُ أَنَّ الْخُلْعَ إذَا كَانَ عَلَى نَفَقَةِ الْوَلَدِ وَهُوَ رَضِيعٌ يُرَادُ بِهَا مُؤْنَةُ الرَّضَاعِ لِأَنَّ نَفَقَتَهُ هِيَ إرْضَاعُهُ وَهُوَ مُؤَقَّتٌ شَرْعًا فَتَنْصَرِفُ إلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فَطِيمًا فَلَا بُدَّ مِنْ التَّوْقِيتِ لِأَنَّ نَفَقَتَهُ طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ وَذَلِكَ لَيْسَ لَهُ وَقْتٌ مَخْصُوصٌ لِأَنَّهُ يَأْكُلُ مُدَّةَ عُمُرِهِ فَلَا تَصِحُّ التَّسْمِيَةُ بِدُونِ تَوْقِيتٍ لِلْجَهَالَةِ.
وَفِي الذَّخِيرَةِ: رَوَى أَبُو سُلَيْمَانَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْمَرْأَةِ تَخْتَلِعُ مِنْ زَوْجِهَا بِنَفَقَةِ وَلَدٍ لَهُ مِنْهَا مَا عَاشُوا فَإِنَّ عَلَيْهَا أَنْ تَرُدَّ الْمَهْرَ الَّذِي أَخَذَتْ مِنْهُ اهـ أَيْ فَهُوَ نَظِيرُ مَا إذَا خَالَعَهَا عَلَى مَا فِي بَيْتِهَا مِنْ الْمَتَاعِ وَلَمْ يُوجَدْ فِيهِ شَيْءٌ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: وَلَوْ تَزَوَّجَهَا) أَيْ وَقَدْ خَالَعَهَا عَلَى نَفَقَةِ الْعِدَّةِ، أَوْ الْوَلَدِ نَهْرٌ ط أَيْ وَكَانَ التَّزَوُّجُ قَبْلَ تَمَامِ الْمُدَّةِ (قَوْلُهُ: أَوْ هَرَبَتْ) أَيْ وَتَرَكَتْ الْوَلَدَ عَلَى الزَّوْجِ بَحْرٌ، وَكَذَا لَوْ خَالَعَتْهُ عَلَى نَفَقَةِ الْعِدَّةِ وَلَمْ تَكُنْ فِي مَنْزِلِ الطَّلَاقِ حَتَّى سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِالنَّفَقَةِ كَمَا بَحَثَهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: أَوْ مَاتَ الْوَلَدُ) وَكَذَا لَوْ لَمْ يَكُنْ فِي بَطْنِهَا وَلَدٌ فِيمَا إذَا خَالَعَهَا عَلَى إرْضَاعِ حَمْلِهَا إذَا وَلَدَتْهُ إلَى سَنَتَيْنِ فَتَرُدُّ قِيمَةَ الرَّضَاعِ.
وَلَوْ قَالَتْ: عَشْرَ سِنِينَ رَجَعَ عَلَيْهَا بِأُجْرَةِ رَضَاعِ سَنَتَيْنِ وَنَفَقَتِهِ بَاقِيَ السِّنِينَ فَتْحٌ (قَوْلُهُ: رَجَعَ بِبَقِيَّةِ نَفَقَةِ الْوَلَدِ) بِأَنْ مَضَتْ سَنَةٌ مِنْ السَّنَتَيْنِ مَثَلًا تَرُدُّ قِيمَةَ رَضَاعِ سَنَةٍ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: وَالْعِدَّةِ) أَيْ وَبَقِيَّةِ نَفَقَةِ الْعِدَّةِ فِيمَا لَوْ خَالَعَهَا عَلَيْهَا أَيْضًا (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا شَرَطَتْ بَرَاءَتَهَا) أَيْ وَقْتَ الْخُلْعِ بِمَوْتِ الْوَلَدِ، أَوْ مَوْتِهَا كَمَا فِي الْفَتْحِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالْحِيلَةُ فِي بَرَاءَتِهَا أَنْ يَقُولَ الزَّوْجُ: خَالَعْتكِ عَلَى أَنِّي بَرِيءٌ مِنْ نَفَقَةِ الْوَلَدِ إلَى سَنَتَيْنِ، فَإِنْ مَاتَ الْوَلَدُ قَبْلَهَا فَلَا رُجُوعَ لِي عَلَيْك كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ اسْتَأْجَرَ الظِّئْرَ لِلْإِرْضَاعِ سَنَةً بِكَذَا عَلَى أَنَّهُ إنْ مَاتَ قَبْلَهَا فَالْأَجْرُ لَهَا فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ كَذَا فِي إجَارَاتِ الْخُلَاصَةِ. اهـ. قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: إذْ يَجُوزُ فِي الْخُلْعِ مَا لَا يَجُوزُ فِي غَيْرِهِ (قَوْلُهُ: وَلَهَا مُطَالَبَتُهُ إلَخْ) أَيْ إنَّ الْكِسْوَةَ لَا تَدْخُلُ إلَّا بِالتَّنْصِيصِ عَلَيْهَا. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَلَهَا أَنْ تُطَالِبَهُ بِكِسْوَةِ الصَّبِيِّ إلَّا إذَا اخْتَلَعَتْ عَلَى نَفَقَتِهِ وَكِسْوَتِهِ فَلَيْسَ لَهَا وَإِنْ كَانَتْ الْكِسْوَةُ مَجْهُولَةً وَسَوَاءٌ كَانَ الْوَلَدُ رَضِيعًا، أَوْ فَطِيمًا اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَانْظُرْ مَا فَائِدَةُ التَّعْمِيمِ فِي الْوَلَدِ. هَذَا، وَقَدْ تُعُورِفَ الْآنَ خُلْعُ الْمَرْأَةِ عَلَى كَفَالَتِهَا لِلْوَلَدِ بِمَعْنَى قِيَامِهَا بِمَصَالِحِهِ كُلِّهَا وَعَدَمِ مُطَالَبَةِ أَبِيهِ بِشَيْءٍ مِنْهَا إلَى تَمَامِ الْمُدَّةِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَكْفِي عَنْ التَّنْصِيصِ عَلَى الْكِسْوَةِ لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ كَالْمَشْرُوطِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: فَيَصِحُّ كَالظِّئْرِ) أَيْ كَمَا يَصِحُّ فِي اسْتِئْجَارِ الظِّئْرِ وَهِيَ الْمُرْضِعَةُ. قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَإِنْ خَالَعَهَا عَلَى إرْضَاعِ وَلَدِهِ سَنَةً وَعَلَى نَفَقَةِ وَلَدِهِ بَعْدَ الْفِطَامِ عَشْرَ سِنِينَ يَصِحُّ وَالْجَهَالَةُ لَا تَمْنَعُ هُنَا، كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ ظِئْرًا بِطَعَامِهَا وَكِسْوَتِهَا يَصِحُّ عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِالتَّوْسِعَةِ عَلَى الْأَظْآرِ، وَهُنَا يَصِحُّ عِنْدَ الْكُلِّ لِأَنَّهُ لَا تَجْرِي الْمُنَاقَشَةُ وَلَوْ مِنْ لَئِيمٍ فِي نَفَقَةِ وَلَدِهِ. اهـ.

(قَوْلُهُ: يُجْبَرُ عَلَيْهَا) لِأَنَّ بَدَلَ الْخُلْعِ دَيْنٌ عَلَيْهَا فَلَا تَسْقُطُ نَفَقَةُ الْوَلَدِ بِدَيْنٍ لَهُ عَلَيْهَا، كَمَا إذَا كَانَ لَهُ عَلَيْهَا دَيْنٌ آخَرُ وَهِيَ لَا تَقْدِرُ عَلَى قَضَائِهِ لَا تَسْقُطُ نَفَقَةُ الْوَلَدِ عَنْهُ. قَالَ: وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ لَا عَلَى مَا أَجَابَ بِهِ سَائِرُ الْمُفْتِينَ أَنَّهُ تَسْقُطُ، كَذَا فِي الْقُنْيَةِ وَالْحَاوِي، وَنَحْوُهُ فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ. وَأَفَادَ هَذَا أَنَّ الْأَبَ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بَعْدَ يَسَارِهَا (قَوْلُهُ: صَحَّ فِي الْأُنْثَى لَا الْغُلَامِ) .

(3/456)


تَرْكِهِ لِأَنَّهُ حَقُّ الْوَلَدِ، وَيُنْظَرُ إلَى مِثْلِ إمْسَاكِهِ لِتِلْكَ الْمُدَّةِ فَيَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهَا.

(خَلَعَ الْأَبُ صَغِيرَتَهُ بِمَالِهَا، أَوْ مَهْرِهَا طَلُقَتْ) فِي الْأَصَحِّ، كَمَا لَوْ قَبِلَتْ هِيَ وَهِيَ مُمَيِّزَةٌ وَلَمْ يَلْزَمْ الْمَالُ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ وَكَذَا الْكَبِيرَةُ إلَّا إذَا قَبِلَتْ فَيَلْزَمُهَا الْمَالُ، وَلَا يَصِحُّ مِنْ الْأُمِّ مَا لَمْ تُلْزَمْ الْبَدَلَ وَلَا عَلَى صَغِيرٍ أَصْلًا (كَمَا لَوْ خَالَعَتْ) الْمَرْأَةُ (بِذَلِكَ) أَيْ بِمَالِهَا، أَوْ بِمَهْرِهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ آدَابِ الرِّجَالِ وَالتَّخَلُّقِ بِأَخْلَاقِهِمْ، فَإِذَا طَالَ مُكْثُهُ مَعَ الْأُمِّ يَتَخَلَّقُ بِأَخْلَاقِ النِّسَاءِ، وَفِي ذَلِكَ مِنْ الْفَسَادِ مَا لَا يَخْفَى، كَذَا فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ. قَالَ الْمَقْدِسِيَّ: وَفِي قَوْلِهِ صَحَّ فِي الْأُنْثَى بَحْثٌ لِأَنَّ الْمُفْتَى بِهِ الْآنَ أَنَّ الْأُنْثَى لَا تَبْقَى عِنْدَ الْأُمِّ إلَى الْبُلُوغِ فَتَأَمَّلْ اهـ.
قُلْت: الْعِلَّةُ تَضْيِيعُ حَقِّ الْوَلَدِ، وَلَا تَضْيِيعَ فِي إبْقَاءِ الْأُنْثَى إلَى الْبُلُوغِ عِنْدَ أُمِّهَا، نَعَمْ يَرِدُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ مُدَّةَ الْبُلُوغِ مَجْهُولَةٌ وَلَعَلَّ الْجَهَالَةَ تُغْتَفَرُ لِأَنَّ الْغَالِبَ الْبُلُوغُ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ حَقُّ الْوَلَدِ) لِأَنَّ إبْقَاءَهُ عِنْدَ زَوْجِهَا الْأَجْنَبِيِّ مُضِرٌّ بِالْوَلَدِ، وَلِذَا سَقَطَ حَقُّهَا فِي الْحَضَانَةِ. وَمِثْلُهُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ: وَلَوْ خَالَعَهَا عَلَى أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ عِنْدَهُ سِنِينَ مَعْلُومَةً صَحَّ الْخُلْعُ وَبَطَلَ الشَّرْطُ لِأَنَّ كَوْنَ الْوَلَدِ الصَّغِيرِ عِنْدَ الْأُمِّ حَقُّ الْوَلَدِ فَلَا يَبْطُلُ بِإِبْطَالِهِمَا (قَوْلُهُ: وَيُنْظَرُ إلَى مِثْلِ إمْسَاكِهِ) أَيْ أَجْرِ مِثْلِ إمْسَاكِهِ كَمَا عَبَّرَ فِي الْخُلَاصَةِ.

[مَطْلَبٌ فِي خُلْعِ الصَّغِيرَةِ]
(قَوْلُهُ: طَلُقَتْ) أَيْ بَائِنًا لَوْ بِلَفْظِ الْخُلْعِ كَمَا يَأْتِي، وَمَرَّ أَيْضًا (قَوْلُهُ: فِي الْأَصَحِّ) وَقِيلَ لَا تَطْلُقُ لِأَنَّهُ مُعَلَّقٌ بِلُزُومِ الْمَالِ وَقَدْ عُدِمَ. وَوَجْهُ الْأَصَحِّ أَنَّهُ مُعَلَّقٌ بِقَبُولِ الْأَبِ وَقَدْ وُجِدَ بَزَّازِيَّةٌ (قَوْلُهُ: كَمَا لَوْ قَبِلَتْ هِيَ) أَشَارَ بِالْكَافِ إلَى أَنَّهَا مَسْأَلَةٌ اتِّفَاقِيَّةٌ فَافْهَمْ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: هَذَا أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الْخِلَافِ إذَا قَبِلَ الْأَبُ، فَإِنْ قَبِلَتْ وَهِيَ عَاقِلَةٌ تَعْقِلُ أَنَّ النِّكَاحَ جَالِبٌ وَالْخُلْعَ سَالِبٌ وَقَعَ الطَّلَاقُ بِالِاتِّفَاقِ وَلَا يَلْزَمُهَا الْمَالُ. اهـ. قُلْت: وَيَقَعُ كَثِيرًا أَنَّهُ يُطَلِّقُهَا بِمُقَابَلَةِ إبْرَائِهَا إيَّاهُ مِنْ مَهْرِهَا. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَقَعُ الرَّجْعِيُّ لِعَدَمِ سُقُوطِ الْمَهْرِ.
ثُمَّ رَأَيْت فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ مَا نَصُّهُ: وَاقِعَةٌ: وَقَالَ لِامْرَأَتِهِ الصَّبِيَّةِ: أَنْتِ طَالِقٌ بِمَهْرِكِ فَقَبِلَتْ يَنْبَغِي أَنْ تَطْلُقَ رَجْعِيًّا وَلَا يَسْقُطَ الْمَهْرُ اهـ وَيَأْتِي مَا يُؤَيِّدُهُ عَنْ شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَلْزَمْ الْمَالُ) أَيْ لَا عَلَيْهَا وَلَا عَلَى الْأَبِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ سَلَمَةَ وَعَنْهُ: يَلْزَمُهُ وَإِنْ لَمْ يَضْمَنْ، جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ. وَأَمَّا إذَا ضَمِنَهُ فَلَا كَلَامَ فِي لُزُومِهِ عَلَيْهِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْمَتْنِ الْآتِيَةُ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَمَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّ الْأَبَ إذَا عَلِمَ أَنَّ الْخُلْعَ خَيْرٌ لَهَا بِأَنْ كَانَ الزَّوْجُ لَا يُحْسِنُ عِشْرَتَهَا فَالْخُلْعُ عَلَى صَدَاقِهَا صَحِيحٌ فَإِنْ قَضَى بِهِ قَاضٍ نَفَذَ قَضَاؤُهُ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَالْمُرَادُ بِالْقَاضِي الْمَالِكِيُّ (قَوْلُهُ: وَكَذَا الْكَبِيرَةُ إلَخْ) أَيْ إذَا خَلَعَهَا أَبُوهَا بِلَا إذْنِهَا فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهَا الْمَالُ بِالْأَوْلَى لِأَنَّهُ كَالْأَجْنَبِيِّ فِي حَقِّهَا. وَفِي الْفُصُولَيْنِ: إذَا ضَمِنَهُ الْأَبُ، أَوْ الْأَجْنَبِيُّ وَقَعَ الْخُلْعُ. ثُمَّ إنْ أَجَازَتْ نَفَذَ عَلَيْهَا وَبَرِئَ الزَّوْجُ مِنْ الْمَهْرِ وَإِلَّا تَرْجِعُ بِهِ عَلَى الزَّوْجِ وَالزَّوْجُ عَلَى الْمُخَالِعِ، وَإِنْ لَمْ يَضْمَنْ تَوَقَّفَ الْخُلْعُ عَلَى إجَازَتِهَا، فَإِنْ أَجَازَتْ جَازَ وَبَرِئَ الزَّوْجُ عَنْ الْمَهْرِ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ. قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: وَلَا تَطْلُقُ. وَقَالَ غَيْرُهُ: يَنْبَغِي أَنْ تَطْلُقَ لِأَنَّهُ مُعَلَّقٌ بِالْقَبُولِ وَقَدْ وُجِدَ اهـ أَيْ بِقَبُولِ الْمُخَالِعِ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَإِنْ لَمْ يَضْمَنْ تَوَقَّفَ عَلَى قَبُولِهَا فِي حَقِّ الْمَالِ. قَالَ: وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الطَّلَاقَ وَاقِعٌ، وَقِيلَ: لَا يَقَعُ إلَّا بِإِجَازَتِهَا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَصِحُّ مِنْ الْأُمِّ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: قَيَّدَ بِالْأَبِ لِأَنَّهُ لَوْ جَرَى الْخُلْعُ بَيْنَ زَوْجِ الصَّغِيرَةِ وَأُمِّهَا، فَإِنْ أَضَافَتْ الْأُمُّ الْبَدَلَ إلَى مَالِ نَفْسِهَا، أَوْ ضَمِنَتْ تَمَّ الْخُلْعُ كَالْأَجْنَبِيِّ وَإِلَّا فَلَا رِوَايَةَ فِيهِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ، بِخِلَافِ الْأَبِ (قَوْلُهُ: وَلَا عَلَى صَغِيرٍ أَصْلًا) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَقَيَّدَ بِالْأُنْثَى، لِأَنَّهُ لَوْ خَلَعَ ابْنَهُ الصَّغِيرَ لَا يَصِحُّ وَلَا يَتَوَقَّفُ خُلْعُ الصَّغِيرِ عَلَى إجَازَةِ الْوَلِيِّ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ فِي الصَّغِيرِ لَا يَلْزَمُ الْمَالُ مَعَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ، وَفِي الصَّغِيرِ لَا وُقُوعَ أَصْلًا.

(3/457)


(وَهِيَ غَيْرُ رَشِيدَةٍ) فَإِنَّهَا تَطْلُقُ وَلَا يَلْزَمُ، حَتَّى لَوْ كَانَ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ يَقَعُ رَجْعِيًّا فِيهِمَا شَرْحُ وَهْبَانِيَّةٍ (فَإِنْ خَالَعَهَا) الْأَبُ عَلَى مَالٍ (ضَامِنًا لَهُ) أَيْ مُلْتَزِمًا لَا كَفِيلًا لِعَدَمِ وُجُوبِ الْمَالِ عَلَيْهَا (صَحَّ وَالْمَالُ عَلَيْهِ) كَالْخُلْعِ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ فَالْأَبُ أَوْلَى (بِلَا سُقُوطِ مَهْرٍ) لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ وِلَايَةِ الْأَبِ.

وَمِنْ حِيَلِ سُقُوطِهِ أَنْ يَجْعَلَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
مَطْلَبٌ فِي خُلْعِ غَيْرِ الرَّشِيدَةِ.
(قَوْلُهُ: وَهِيَ غَيْرُ رَشِيدَةٍ) الرُّشْدُ: كَوْنُ الشَّخْصِ مُصْلِحًا فِي مَالِهِ وَلَوْ فَاسِقًا كَمَا سَيَأْتِي فِي الْحَجْرِ. وَذَكَرُوا هُنَاكَ أَنَّ الْحَجْرَ بِالسَّفَهِ يَفْتَقِرُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إلَى قَضَاءٍ كَالْحَجْرِ بِالدَّيْنِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ السَّفَهِ وَهُوَ تَبْذِيرُ الْمَالِ وَتَضْيِيعُهُ عَلَى خِلَافِ الشَّرْعِ. وَظَاهِرُ مَا فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ اعْتِمَادُ الثَّانِي، فَإِنَّهُ قَالَ عَنْ الْمَبْسُوطِ: وَإِذَا بَلَغَتْ الْمَرْأَةَ مَفْسَدَةٌ فَاخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا بِمَالٍ جَازَ الْخُلْعُ لِأَنَّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ فِي الْخُلْعِ يَعْتَمِدُ الْقَبُولَ وَقَدْ تَحَقَّقَ مِنْهَا، وَلَمْ يَلْزَمْهَا الْمَالُ لِأَنَّهَا الْتَزَمَتْهُ لَا لِعِوَضٍ هُوَ مَالٌ وَلَا لِمَنْفَعَةٍ ظَاهِرَةٍ فَتُجْعَلُ كَالصَّغِيرَةِ، فَإِنْ كَانَ طَلَّقَهَا تَطْلِيقَةً عَلَى ذَلِكَ الْمَالِ يَمْلِكُ رَجْعَتَهَا لِأَنَّ وُقُوعَهُ بِالصَّرِيحِ لَا يُوجِبُ الْبَيْنُونَةَ إلَّا بِوُجُوبِ الْبَدَلِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بِلَفْظِ الْخُلْعِ اهـ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ: فَإِنَّهَا تَطْلُقُ إلَخْ) تَصْرِيحٌ بِوَجْهِ الْمُشَابَهَةِ بَيْنَ مَسْأَلَتَيْ الصَّغِيرَةِ وَغَيْرِ الرَّشِيدَةِ، وَقَوْلُهُ: فِيهِمَا: أَيْ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ.
(قَوْلُهُ: فَإِنْ خَالَعَهَا) أَيْ الصَّغِيرَةَ (قَوْلُهُ: عَلَى مَالٍ) شَمِلَ الْمَهْرَ (قَوْلُهُ: لِعَدَمِ وُجُوبِ الْمَالِ عَلَيْهَا) فَلَمْ تَتَحَقَّقْ الْكَفَالَةُ لِأَنَّهَا ضَمُّ ذِمَّةِ الْكَفِيلِ إلَى ذِمَّةِ الْأَصِيلِ فِي الْمُطَالَبَةِ، وَلَا مُطَالَبَةَ عَلَى الْأَصِيلِ ط (قَوْلُهُ: كَالْخُلْعِ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ) أَيْ الْفُضُولِيِّ. وَحَاصِلُ الْأَمْرِ فِيهِ أَنَّهُ إذَا خَاطَبَ الزَّوْجَ، فَإِنْ أَضَافَ الْبَدَلَ إلَى نَفْسِهِ عَلَى وَجْهٍ يُفِيدُ ضَمَانَهُ لَهُ، أَوْ مِلْكَهُ إيَّاهُ كَاخْلَعْهَا بِأَلْفٍ عَلَيَّ، أَوْ عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ، أَوْ عَلَى أَلْفِي هَذِهِ، أَوْ عَبْدِي هَذَا فَفَعَلَ صَحَّ وَالْبَدَلُ عَلَيْهِ، فَإِنْ اُسْتُحِقَّ لَزِمَهُ قِيمَتُهُ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى قَبُولِ الْمَرْأَةِ، وَإِنْ أَرْسَلَهُ بِأَنْ قَالَ: عَلَى أَلْفٍ، أَوْ عَلَى هَذَا الْعَبْدِ، فَإِنْ قَبِلَتْ لَزِمَهَا تَسْلِيمُهُ، أَوْ قِيمَتِهِ إنْ عَجَزَتْ، وَإِنْ أَضَافَهُ إلَى غَيْرِهِ كَعَبْدِ فُلَانٍ اُعْتُبِرَ قَبُولُ فُلَانٍ؛ وَلَوْ خَاطَبَهَا الزَّوْجُ، أَوْ خَاطَبَتْهُ بِذَلِكَ اُعْتُبِرَ قَبُولُهَا سَوَاءٌ كَانَ الْبَدَلُ مُرْسَلًا، أَوْ مُضَافًا إلَيْهَا، أَوْ إلَى الْأَجْنَبِيِّ، وَلَا يُطَالَبُ الْوَكِيلُ بِالْخُلْعِ بِالْبَدَلِ إلَّا إذَا ضَمِنَهُ وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهَا، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: فَالْأَبُ أَوْلَى) لِأَنَّهُ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي نَفْسِهَا وَمَالِهَا فَتْحٌ (قَوْلُهُ: بِلَا سُقُوطِ مَهْرٍ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الْخُلْعُ عَلَى الْمَهْرِ أَوْ عَلَى أَلْفٍ مَثَلًا، وَلَكِنْ إذَا كَانَ عَلَى الْمَهْرِ فَلَهَا أَنْ تَرْجِعَ بِهِ عَلَى الزَّوْجِ، وَالزَّوْجُ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْأَبِ لِضَمَانِهِ، أَمَّا لَوْ كَانَ عَلَى أَلْفٍ فَإِنَّهَا إذَا رَجَعَتْ بِالْمَهْرِ عَلَى الزَّوْجِ لَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْأَبِ لِأَنَّهُ لَمْ يَضْمَنْ لَهُ الْمَهْرَ بَلْ ضَمِنَ لَهُ الْأَلْفَ وَكَلَامُ الْفَتْحِ مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ كَمَا فِي النَّهْرِ وَشَرْحِ الْمَقْدِسِيَّ، خِلَافًا لِمَا فَهِمَهُ فِي الْبَحْرِ فَحَكَمَ عَلَيْهِ بِالْخَطَأِ، وَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى فِي حَلِّ هَذَا الْمَحَلِّ فِيهِ إيجَازٌ مُخِلٌّ.

(قَوْلُهُ: وَمِنْ حِيَلِ سُقُوطِهِ) أَيْ سُقُوطِ الْمَهْرِ عَنْ الزَّوْجِ وَأَشَارَ إلَى أَنَّ لَهُ حِيَلًا أُخَرَ: مِنْهَا مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ حُكْمِ مَالِكِيٍّ بِصِحَّتِهِ. وَمِنْهَا أَنْ يُقِرَّ الْأَبُ بِقَبْضِ صَدَاقِهَا وَنَفَقَةِ عِدَّتِهَا لِصِحَّةِ إقْرَارِ الْأَبِ بِقَبْضِهِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْأَوْلِيَاءِ ثُمَّ يُطَلِّقَهَا الزَّوْجُ بَائِنًا لَكِنَّهُ يَبْرَأُ فِي الظَّاهِرِ أَمَّا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا كَمَا فِي الْبَحْرِ. وَاعْتِرَاضُهُمْ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ بِأَنَّ فِيهِ تَعْلِيمَ الْكَذِبِ وَشَغْلَ ذِمَّةِ الزَّوْجِ. وَأَجَابَ الْمَقْدِسِيَّ بِأَنَّهُ عِنْدَ إضْرَارِ الزَّوْجِ بِهَا وَعَدَمِ إمْكَانِ الْخَلَاصِ إلَّا بِذَلِكَ لَا يَضُرُّ.
مَطْلَبٌ فِي خُلْعِ الْفُضُولِيِّ
(قَوْلُهُ أَنْ يَجْعَلَ) أَيْ الزَّوْجُ. وَفِي نُسْخَةٍ أَنْ يَجْعَلَا أَيْ هُوَ وَالْأَبُ، وَقَوْلُهُ ثُمَّ يُحِيلَ بِهِ: أَيْ بِالْمَهْرِ وَ " الزَّوْجُ " فَاعِلُ " يُحِيلَ "، وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ أَيْ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَقَوْلُهُ " مَنْ لَهُ وِلَايَةُ " مَفْعُولُ " يُحِيلَ "، وَقَوْلُهُ " قَبْضِ ذَلِكَ مِنْهُ ": أَيْ قَبْضِ الْمَهْرِ مِنْ الزَّوْجِ، وَالْمُرَادُ بِمَنْ لَهُ وِلَايَةُ قَبْضِ الْمَهْرِ مِنْهُ هُوَ الْأَبُ إنْ كَانَ وَإِلَّا نَصَبَ

(3/458)


بَدَلَ الْخُلْعِ عَلَى أَجْنَبِيٍّ بِقَدْرِ الْمَهْرِ ثُمَّ يُحِيلَ بِهِ الزَّوْجُ عَلَيْهِ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ قَبْضِ ذَلِكَ مِنْهُ بَزَّازِيَّةٌ.

(وَإِنْ شَرَطَهُ) أَيْ الزَّوْجُ الضَّمَانَ (عَلَيْهَا) أَيْ الصَّغِيرَةِ (فَإِنْ قَبِلَتْ وَهِيَ مِنْ أَهْلِهِ) بِأَنْ تَعْقِلَ أَنَّ النِّكَاحَ جَالِبٌ وَالْخُلْعَ سَالِبٌ (طَلُقَتْ بِلَا شَيْءٍ) لِعَدَمِ أَهْلِيَّةِ الْغَرَامَةِ، وَإِنْ لَمْ تَقْبَلْ، أَوْ لَمْ تَعْقِلْ لَمْ تَطْلُقْ، وَإِنْ قَبِلَ الْأَبُ فِي الْأَصَحِّ زَيْلَعِيٌّ. وَلَوْ بَلَغَتْ وَأَجَازَتْ جَازَ فَتْحٌ.

(قَالَ) الزَّوْجُ (خَالِعَتك فَقَبِلَتْ) الْمَرْأَةُ وَلَمْ يَذْكُرَا مَالًا (طَلُقَتْ) لِوُجُودِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ (وَبَرِئَ عَنْ) الْمَهْرِ (الْمُؤَجَّلِ لَوْ) كَانَ (عَلَيْهِ وَإِلَّا) يَكُنْ عَلَيْهِ مِنْ الْمُؤَجَّلِ شَيْءٌ (رَدَّتْ) عَلَيْهِ (مَا سَاقَ إلَيْهَا مِنْ الْمَهْرِ الْمُعَجَّلِ) لِمَا مَرَّ أَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ فَتُعْتَبَرُ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
الْقَاضِي وَصِيًّا. وَصُورَتُهَا أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمَهْرُ أَلْفًا مَثَلًا يُخَالِعُ الزَّوْجُ مَعَ أَجْنَبِيٍّ عَلَى أَلْفٍ مِنْ مَالِهِ ثُمَّ يُحِيلُ الزَّوْجُ الْأَبَ، أَوْ الْوَصِيَّ بِالْمَهْرِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ بِشَرْطِ الْقَبُولِ، وَأَنْ يَكُونَ الْأَجْنَبِيُّ أَمْلَأَ مِنْ الزَّوْجِ، فَحِينَئِذٍ يَبْرَأُ الزَّوْجُ عَنْ الْمَهْرِ وَيَصِيرُ فِي ذِمَّةِ ذَلِكَ الْأَجْنَبِيِّ، لَكِنْ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ لِلْأَجْنَبِيِّ فَلِذَا قِيلَ ثُمَّ يُبْرِئُهُ الْأَبُ، أَوْ يُقِرُّ بِقَبْضِهِ مِنْهُ، لَكِنْ يَكْفِي فِي الظَّاهِرِ إقْرَارُ الْأَبِ ابْتِدَاءً بِدُونِ هَذَا التَّكَلُّفِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: ثُمَّ يُحِيلُ بِهِ الزَّوْجَ عَلَى مَنْ لَهُ وِلَايَةُ قَبْضِ ذَلِكَ مِنْهُ، وَهَذِهِ حِيلَةٌ أُخْرَى ذَكَرَهَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ، وَعَلَيْهَا فَفَاعِلُ " يُحِيلُ " ضَمِيرٌ يَعُودُ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ وَ " الزَّوْجَ " مَفْعُولُهُ، وَالضَّمِيرُ فِي بِهِ يَعُودُ عَلَى بَدَلِ الْخُلْعِ أَيْ يُحِيلُ الْأَجْنَبِيُّ الزَّوْجَ بِالْأَلْفِ بَدَلِ الْخُلْعِ عَلَى مَنْ لَهُ وِلَايَةُ الْقَبْضِ: أَيْ عَلَى الْأَبِ، أَوْ الْوَصِيِّ فَيَبْرَأُ الْأَجْنَبِيُّ مِنْ الْبَدَلِ وَيَصِيرُ فِي ذِمَّةِ الْأَبِ وَقَوْلُهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ فَيَبْرَأُ الزَّوْجُ مِنْهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ تَأَمَّلْ، وَلَكِنْ يُغْنِي عَنْ هَذِهِ الْحِيلَةِ الثَّانِيَةِ الْتِزَامُ الْأَبِ الْبَدَلَ ابْتِدَاءً بِدُونِ هَذَا التَّكَلُّفِ تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ أَيْ الزَّوْجُ الضَّمَانَ) تَفْسِيرٌ لِلضَّمِيرِ الْمُسْتَتِرِ وَالْبَارِزِ، وَالْمُرَادُ بِالضَّمَانِ الْمَضْمُونُ لِيُوَافِقَ قَوْلَ الْفَتْحِ: أَيْ لَوْ شَرَطَ الزَّوْجُ الْأَلْفَ عَلَيْهَا تَوَقَّفَ عَلَى قَبُولِهَا إلَخْ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: الْخُلْعُ إذَا جَرَى بَيْنَ الزَّوْجِ وَالْمَرْأَةِ فَإِلَيْهَا كَانَ الْبَدَلُ مُرْسَلًا، أَوْ مُطْلَقًا، أَوْ مُضَافًا إلَى الْمَرْأَةِ، أَوْ الْأَجْنَبِيِّ إضَافَةَ مِلْكٍ، أَوْ ضَمَانٍ. اهـ. أَمْثِلَةُ ذَلِكَ: اخْلَعْنِي عَلَى هَذَا الْعَبْدِ، أَوْ عَلَى عَبْدِي هَذَا، أَوْ عَلَى عَبْدِ فُلَانٍ (قَوْلُهُ طَلُقَتْ) لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَهُوَ قَبُولُهَا، وَالْبَيْنُونَةُ بِالْخُلْعِ تَعْتَمِدُ الْقَبُولَ دُونَ لُزُومِ الْمَالِ كَمَا إذَا سَمَّتْ خَمْرًا، وَنَحْوَهُ فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَإِنْ قَبِلَ الْأَبُ) لِأَنَّ قَبُولَهَا شَرْطٌ وَهُوَ لَا يَحْتَمِلُ النِّيَابَةَ فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) وَفِي رِوَايَةٍ يَصِحُّ لِأَنَّهُ نَفْعٌ مَحْضٌ إذْ تَتَخَلَّصُ مِنْ عُهْدَتِهِ بِلَا مَالٍ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَأَجَازَتْ) أَيْ أَجَازَتْ قَبُولَ الْأَبِ ح وَمِثْلُهُ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى، وَهُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ الْفَتْحِ فَافْهَمْ.

(قَوْلُهُ قَالَ الزَّوْجُ خَالَعْتكِ) قَيَّدَ بِصِيغَةِ الْمُفَاعَلَةِ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: خَلَعْتُكِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبُولِ وَلَا يَبْرَأُ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَتَقَدَّمَ أَوَّلَ الْبَابِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي الزَّوْجَةِ الْبَالِغَةِ (قَوْلُهُ وَبَرِئَ عَنْ الْمَهْرِ الْمُؤَجَّلِ إلَخْ) ذَكَرَ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ أَنَّهُ فِي الصُّورَةِ يَبْرَأُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الزَّوْجِ مَهْرٌ فَعَلَيْهَا رَدُّ مَا سَاقَ إلَيْهَا مِنْ الْمَهْرِ لِأَنَّ الْمَالَ مَذْكُورٌ عُرْفًا بِذِكْرِ الْخُلْعِ اهـ وَهَكَذَا فِي الْفَتْحِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَظَاهِرُ أَوَّلِ الْعِبَارَةِ أَنَّ الْمَهْرَ إذَا كَانَ مَقْبُوضًا فَلَا رُجُوعَ لَهُ وَصَرِيحُ آخِرِهَا الرُّجُوعُ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْخَانِيَّةِ، فَحِينَئِذٍ لَمْ يَبْرَأْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ. قَالَ: وَقَدْ ظَهَرَ لِي أَنَّ مَحَلَّ الْبَرَاءَةِ مَا إذَا خَالَعَهَا بَعْدَ دَفْعِ الْمُعَجَّلِ فَإِنَّهَا تَبْرَأُ عَنْ الْمُعَجَّلِ وَيَبْرَأُ هُوَ عَنْ الْمُؤَجَّلِ، وَلِذَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَسْقُطُ الْمَهْرُ، مَا قَبَضَتْ الْمَرْأَةُ فَهُوَ لَهَا، وَمَا بَقِيَ فِي ذِمَّتِهِ يَسْقُطُ اهـ
قُلْت: وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ فِي الْخَانِيَّةِ لَمْ يَقُلْ يَبْرَأُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، بَلْ قَالَ وَيَبْرَأُ الزَّوْجُ عَنْ الْمَهْرِ الَّذِي لَهَا عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا عَلَيْهِ مَهْرٌ لَزِمَهَا رَدُّ مَا سَاقَ إلَيْهَا كَذَا ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ وَابْنُ الْفَضْلِ. اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الزَّوْجَ يَبْرَأُ مِمَّا لَهَا فِي ذِمَّتِهِ مِنْ الْمَهْرِ كُلًّا، أَوْ بَعْضًا، وَأَمَّا هِيَ فَلَا تَبْرَأُ مِنْ الْبَعْضِ، وَلَوْ قَبَضَتْ

(3/459)


(خُلْعُ الْمَرِيضَةِ يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ) لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ، فَلَهُ الْأَقَلُّ مِنْ إرْثِهِ وَبَدَلِ الْخُلْعِ إنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ، وَإِلَّا فَالْأَقَلُّ مِنْ إرْثِهِ، وَالثُّلُثِ إنْ مَاتَتْ فِي الْعِدَّةِ وَلَوْ بَعْدَهَا، أَوْ قَبْلَ الدُّخُولِ، فَلَهُ الْبَدَلُ إنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ، وَتَمَامُهُ فِي الْفُصُولَيْنِ.

(اخْتَلَعَتْ الْمُكَاتَبَةُ لَزِمَهَا الْمَالُ بَعْدَ الْعِتْقِ وَلَوْ بِإِذْنِ الْمَوْلَى) لِحَجْرِهَا عَنْ التَّبَرُّعِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
الْكُلَّ لَزِمَهَا رَدُّهُ، وَبِهَذَا ظَهَرَ مَا فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَإِلَّا رَدَّتْ مَا سَاقَ إلَيْهَا مِنْ الْمُعَجَّلِ، فَإِنَّهُ يُوهِمُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهَا رَدُّ الْمُؤَجَّلِ إذَا قَبَضَتْ كُلَّ الْمَهْرِ، فَكَانَ حَقُّهُ أَنْ يَقُولَ وَإِلَّا رَدَّتْ الْمَهْرَ، إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّهَا إذَا قَبَضَتْ الْكُلَّ صَارَ كُلُّهُ مُعَجَّلًا فَتَأَمَّلْ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْفَتْحِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَيُسْقِطُ الْخُلْعُ وَالْمُبَارَأَةُ كُلَّ حَقٍّ إلَخْ مِنْ أَنَّ الْبَدَلَ إنْ كَانَ مَسْكُوتًا عَنْهُ فَفِيهِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ أَصَحُّهَا بَرَاءَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا عَنْ الْمَهْرِ لَا غَيْرُ، فَلَا يُطَالِبُ بِهِ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ قَبْلَ الدُّخُولِ، أَوْ بَعْدَهُ مَقْبُوضًا أَوْ لَا؛ حَتَّى لَا تَرْجِعَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ إنْ لَمْ يَكُنْ مَقْبُوضًا، وَلَا يَرْجِعَ الزَّوْجُ عَلَيْهَا إنْ كَانَ مَقْبُوضًا كُلُّهُ، وَالْخُلْعُ قَبْلَ الدُّخُولِ لِأَنَّ الْمَالَ مَذْكُورٌ عُرْفًا بِالْخُلْعِ إلَخْ وَمِثْلُهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ وَشَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ وَالْمَقْدِسِيِّ والشُّرُنبُلالِيَّة، وَقَوْلُهُ وَالْخُلْعُ قَبْلَ الدُّخُولِ أَيْ وَمِثْلُهُ لَوْ بَعْدَهُ بِالْأَوْلَى لِأَنَّهَا إذَا طَلُقَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ لَزِمَهَا رَدُّ نِصْفِ الْمَهْرِ، فَإِذَا لَمْ يَلْزَمْهَا رَدُّ شَيْءٍ مِنْهُ هُنَا لَمْ يَلْزَمْهَا بَعْدَ الدُّخُولِ بِالْأَوْلَى.
وَفِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ: خَلَعَهَا وَلَمْ يَذْكُرْ الْعِوَضَ عِنْدَهُمَا لَا يَبْرَأُ أَحَدُهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ عَنْ الْمَالِ الْوَاجِبِ بِالنِّكَاحِ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَانِ وَالصَّحِيحُ بَرَاءَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ. اهـ. وَفِي مَتْنِ الْمُخْتَارِ: وَالْمُبَارَأَةُ كَالْخُلْعِ يُسْقِطَانِ كُلَّ حَقٍّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالنِّكَاحِ، حَتَّى لَوْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ وَقَدْ قَبَضَتْ الْمَهْرَ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ، وَلَوْ لَمْ تَقْبِضْ شَيْئًا لَا تَرْجِعُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ اهـ وَمِثْلُهُ فِي مَتْنِ الْمُلْتَقَى. وَفِي شَرْحِ دُرَرِ الْبِحَارِ وَشَرْحِ الْمَجْمَعِ إنْ لَمْ يُسَمِّيَا شَيْئًا بَرِئَ كُلٌّ مِنْهُمَا مِنْ الْآخَرِ قَبَضَتْ الْمَهْرَ أَمْ لَا دَخَلَ بِهَا أَمْ لَا. اهـ.
قُلْت: وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ مَا مَرَّ عَنْ الْفَتَاوَى قَوْلٌ آخَرُ غَيْرُ الْمُصَحَّحِ فِي الشُّرُوحِ وَالْمُتُونِ، وَظَهَرَ بِهَذَا خَلَلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مَشَى عَلَى خِلَافِ الصَّحِيحِ. وَالثَّانِي أَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّهَا تَرُدُّ الْمُعَجَّلَ فَقَطْ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي رَدِّ جَمِيعِ الْمَهْرِ إذَا كَانَتْ قَبَضَتْهُ

[مَطْلَبٌ فِي خُلْعِ الْمَرِيضَةِ]
ِ (قَوْلُهُ خُلْعُ الْمَرِيضَةِ) أَيْ مَرَضَ الْمَوْتِ، إذْ لَوْ بَرِئَتْ مِنْهُ كَانَ لِلزَّوْجِ كُلُّ الْبَدَلِ لِتَرَاضِيهِمَا، كَمَا لَوْ وَهَبَتْهُ شَيْئًا ثُمَّ بَرِئَتْ مِنْ مَرَضِهَا وَإِنْ مَاتَتْ فِي الْعِدَّةِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ) لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْبُضْعَ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ عِنْدَ الْخُرُوجِ، فَمَا بَذَلَتْهُ مِنْ بَدَلِ الْخُلْعِ تَبَرُّعٌ لَا يَصِحُّ لِوَارِثٍ وَيَنْفُذُ لِلْأَجْنَبِيِّ مِنْ الثُّلُثِ، لَكِنَّهُ يُعْطَى الْأَقَلَّ دَفْعًا لِتُهْمَةِ الْمُوَاضَعَةِ كَمَا مَرَّ فِي طَلَاقِهِ لَهَا فِي مَرَضِهِ (قَوْلُهُ: فَلَهُ الْأَقَلُّ إلَخْ) بَيَانُهُ لَوْ كَانَ إرْثُهُ مِنْهَا خَمْسِينَ وَبَدَلُ الْخُلْعِ سِتِّينَ وَالثُّلُثُ مِائَةً فَقَدْ خَرَجَ الْإِرْثُ وَالْبَدَلُ مِنْ الثُّلُثِ فَلَهَا الْأَقَلُّ وَهُوَ خَمْسُونَ، وَإِنْ كَانَ الثُّلُثُ أَرْبَعِينَ فَلَهَا الْأَقَلُّ مِنْهُ وَمِنْ الْإِرْثِ وَهُوَ أَرْبَعُونَ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ لَهُ الْأَقَلَّ مِنْ مِيرَاثِهِ وَمِنْ بَدَلِ الْخُلْعِ وَمِنْ الثُّلُثِ، وَلَوْ عَبَّرَ بِذَلِكَ تَبَعًا لِجَامِعِ الْفُصُولَيْنِ لَكَانَ أَخْصَرَ وَأَظْهَرَ (قَوْلُهُ فَلَهُ الْبَدَلُ إنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ) أَفَادَ أَنَّهُ لَا يُنْظَرُ إلَى الْإِرْثِ هُنَا لِعَدَمِهِ بِمَوْتِهَا بَعْدَ الْعِدَّةِ، أَوْ قَبْلَ الدُّخُولِ لِحُصُولِ الْبَيْنُونَةِ، فَيُنْظَرُ إلَى الْبَدَلِ وَالثُّلُثِ فَيُعْطَى الْأَقَلَّ، لَكِنْ أَفَادَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة أَنَّهُ لَوْ قَبْلَ الدُّخُولِ وَالْخُلْعِ عَلَى الْمَهْرِ يَسْقُطُ نِصْفُهُ بِطَلَاقِهَا وَالنِّصْفُ الْآخَرُ وَصِيَّةٌ لِغَيْرِ الْوَارِثِ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مَالٌ غَيْرُهُ يَسْلَمُ لَهُ ثُلُثُ ذَلِكَ النِّصْفِ (قَوْلُهُ وَتَمَامُهُ فِي الْفُصُولَيْنِ) أَيْ فِي أَحْكَامِ الْمَرَضِ أَوَاخِرَ الْكِتَابِ، وَذَكَرَ عِبَارَتَهُ بِتَمَامِهَا فِي الْبَحْرِ عِنْدَ قَوْلِ الْكَنْزِ وَلَزِمَهَا الْمَالُ.

(قَوْلُهُ لِحَجْرِهَا عَنْ التَّبَرُّعِ) أَيْ وَلَوْ بِالْإِذْنِ كَهِبَتِهَا بَحْرٌ، وَهَذَا عِلَّةٌ لِتَأَخُّرِهِ إلَى مَا بَعْدَ الْعِتْقِ.

(3/460)


(وَالْأَمَةُ وَأُمُّ الْوَلَدِ إنْ بِإِذْنِ الْمَوْلَى لَزِمَهَا الْمَالُ لِلْحَالِ) فَتُبَاعُ الْأَمَةُ وَتَسْعَى أُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرَةُ، وَلَوْ بِلَا إذْنٍ فَبَعْدَ الْعِتْقِ.

(خَلَعَ الْأَمَةَ مَوْلَاهَا عَلَى رَقَبَتِهَا، وَإِنْ زَوَّجَهَا حُرًّا صَحَّ الْخُلْعُ مَجَّانًا، وَإِنْ) زَوَّجَهَا (مُكَاتَبًا، أَوْ عَبْدًا، أَوْ مُدَبَّرًا صَحَّ وَصَارَتْ أَمَةً لِلسَّيِّدِ) فَلَا يَبْطُلُ النِّكَاحُ؛ أَمَّا الْحُرُّ فَلَوْ مَلَكَهَا لَبَطَلَ النِّكَاحُ فَبَطَلَ الْخُلْعُ فَكَانَ فِي تَصْحِيحِهِ إبْطَالُهُ اخْتِيَارٌ.

[فُرُوعٌ] : قَالَ خَالِعَتك عَلَى أَلْفٍ قَالَهُ ثَلَاثًا فَقَبِلَتْ طَلُقَتْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ لِتَعْلِيقِهِ بِقَبُولِهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
قَوْلُهُ لَزِمَهُمَا الْمَالُ لِلْحَالِ) لِانْفِكَاكِ الْحَجْرِ بِإِذْنِ الْمَوْلَى فَظَهَرَ فِي حَقِّهِ كَسَائِرِ الدُّيُونِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ فَتُبَاعُ الْأَمَةُ) أَيْ إلَّا أَنْ يَفْدِيَهَا الْمَوْلَى كَسَائِرِ الدُّيُونِ جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ. [فَرْعٌ]
الْأَمَةُ تُفَارِقُ الْحُرَّةَ الصَّغِيرَةَ الْعَاقِلَةَ إذَا اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا بِأَنَّهَا لَا تُؤَاخَذُ بِبَدَلِ الْخُلْعِ بَعْدَ الْبُلُوغِ كَمَا لَا تُؤَاخَذُ بِهِ فِي الْحَالِ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ. وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: وَلَوْ طَلَّقَ الصَّبِيَّةَ بِمَالٍ يَصِيرُ رَجْعِيًّا، وَفِي الْأَمَةِ يَصِيرُ بَائِنًا إذْ الطَّلَاقُ بِمَالٍ يَصِحُّ فِي الْأَمَةِ لَكِنَّهُ مُؤَجَّلٌ، وَفِي الصَّبِيَّةِ يَقَعُ بِلَا مَالٍ وَلَوْ عَاقِلَةً.

(قَوْلُهُ عَلَى رَقَبَتِهَا) أَيْ جَعَلَ السَّيِّدُ لِلزَّوْجِ رَقَبَتَهَا بَدَلَ الْخُلْعِ ط (قَوْلُهُ صَحَّ الْخُلْعُ مَجَّانًا) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ الْمَهْرُ وَالظَّاهِرُ سُقُوطُهُ لِبُطْلَانِ التَّسْمِيَةِ فَهُوَ كَتَسْمِيَةِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ ط (قَوْلُهُ لِلسَّيِّدِ) أَيْ سَيِّدِ الزَّوْجِ غَيْرِ الْمُكَاتَبِ (قَوْلُهُ فَلَا يَبْطُلُ النِّكَاحُ) لِأَنَّهَا لَا تَصِيرُ مَمْلُوكَةً لِلزَّوْجِ بَلْ لِسَيِّدِهِ، وَأَمَّا الْمُكَاتَبُ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ لَهُ فِيهَا حَقُّ الْمِلْكِ وَحَقُّ الْمِلْكِ لَا يَمْنَعُ بَقَاءَ النِّكَاحِ فَلَا يَفْسُدُ بَحْرٌ عَنْ الْجَامِعِ. وَمَا فِي الْمِنَحِ مِنْ أَنَّ الْمِلْكَ يَقَعُ لِسَيِّدِ الْمُكَاتَبِ وَهُوَ مُقْتَضَى إطْلَاقِ مَتْنِهِ يُمْكِنُ تَأْوِيلُهُ بِأَنَّ لِلسَّيِّدِ فِيهَا حَقًّا بِحَيْثُ لَوْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ صَارَتْ لِسَيِّدِهِ أَفَادَهُ الرَّحْمَتِيُّ (قَوْلُهُ: فَكَانَ فِي تَصْحِيحِهِ إبْطَالُهُ) أَيْ وَمَا كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ بَاطِلٌ؛ وَالْمُرَادُ بُطْلَانُ كَوْنِهِ مُعَاوَضَةً لَا مُطْلَقًا لِمَا مَرَّ أَوَّلَ الْبَابِ أَنَّهُ يَمِينٌ فِي جَانِبِ الزَّوْجِ وَمُعَاوَضَةٌ فِي جَانِبِهَا، فَإِذَا بَطَلَتْ جِهَةُ الْمُعَاوَضَةِ بَقِيَتْ الْجِهَةُ الْأُخْرَى وَإِلَى هَذَا أَشَارَ فِي الْفَتْحِ بِقَوْلِهِ لَكِنَّهُ يَقَعُ طَلَاقٌ بَائِنٌ لِأَنَّهُ بَطَلَ الْبَدَلُ، وَبَقِيَ لَفْظُ الْخُلْعِ وَهُوَ طَلَاقٌ بَائِنٌ اهـ.

[فروع قَالَ خَالَعْتكِ عَلَى أَلْفٍ قَالَهُ ثَلَاثًا فَقَبِلَتْ]
(قَوْلُهُ: طَلُقَتْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ) أَيْ طَلُقَتْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ عِنْدَ قَوْلِ الْكَنْزِ وَلَزِمَهَا الْمَالُ وَقَالَ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ إلَّا بِقَبُولِهَا لِأَنَّ الطَّلَاقَ يَتَعَلَّقُ بِقَبُولِهَا فِي الْخُلْعِ فَوَقَعَ الثَّلَاثُ عِنْدَ قَبُولِهَا جُمْلَةً بِثَلَاثَةِ آلَافٍ. اهـ.
قُلْت: وَهَذَا إذَا كَانَ بِمَالٍ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ مُعَاوَضَةً فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبُولِ فَتَقَعُ الْأُولَى وَيَلْغُو مَا بَعْدَهَا لِأَنَّ الْبَائِنَ لَا يَلْحَقُ الْبَائِنَ، وَلِذَا قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: قَالَ لَهَا: قَدْ خَلَعْتُكِ وَكَرَّرَهُ ثَلَاثًا وَأَرَادَ بِهِ الطَّلَاقَ فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ، وَلَوْ قَالَ: قَدْ خَلَعْتُكِ عَلَى مَا لَكِ عَلَيَّ مِنْ الْمَهْرِ قَالَهُ ثَلَاثًا فَقَبِلَتْ طَلُقَتْ ثَلَاثًا لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ إلَّا بِقَبُولِهَا، وَكَذَا لَوْ قَالَتْ: خَلَعْتُ نَفْسِي مِنْكَ بِأَلْفٍ قَالَتْهُ ثَلَاثًا فَقَالَ: رَضِيتُ، أَوْ أَجَزْتُ كَانَتْ ثَلَاثًا بِثَلَاثَةِ آلَافٍ، وَهَذَا خِلَافُ مَا فِي فَتَاوَى الْعِدَّةِ، وَمَا فِي الْعِدَّةِ هُوَ الصَّحِيحُ. اهـ.
قُلْت: وَمَا فِي الْعِدَّةِ هُوَ أَنَّهُ يَقَعُ وَاحِدَةً بِالْمُسَمَّى وَيَبْطُلُ الْأَوَّلُ بِالثَّانِي وَالثَّانِي بِالثَّالِثِ كَمَا فِي الْمُعَاوَضَاتِ اهـ وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ يَمِينًا مِنْ جَانِبِهِ صَارَ مُعَلَّقًا عَلَى قَبُولِهَا إذَا ابْتَدَأَ، بِخِلَافِ مَا إذَا ابْتَدَأَتْ هِيَ فَإِنَّهُ مِنْ جَانِبِهَا مُعَاوَضَةٌ فَلَا يَصِيرُ تَعْلِيقًا عَلَى قَبُولِهِ، فَإِذَا قَبِلَ يَكُونُ قَبُولًا لِلْعَقْدِ الثَّالِثِ وَيَلْغُو الثَّانِي بِهِ، وَالْأَوَّلُ بِالثَّانِي، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي. وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ أَيْضًا قَالَ: طَلَّقْتُكِ عَلَى أَلْفٍ طَلَّقْتُك عَلَى ثَلَاثَةِ آلَافٍ، فَقَبِلَتْ فَهُوَ عَلَى الْمَالَيْنِ جَمِيعًا، وَمِثْلُهُ الْعِتْقُ عَلَى مَالٍ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ يَقَعُ عَلَى آخِرِ الْأَثْمَانِ، إذْ الرُّجُوعُ فِي الْبَيْعِ قَبْلَ قَبُولِهِ يَصِحُّ بِخِلَافِ عِتْقٍ

(3/461)


فِي الْمُنْتَقَى: أَنْتِ طَالِقٌ أَرْبَعًا بِأَلْفٍ فَقَبِلَتْ طَلُقَتْ ثَلَاثًا، وَإِنْ قَبِلَتْ الثَّلَاثَ لَمْ تَطْلُقْ لِتَعْلِيقِهِ بِقَبُولِهَا بِإِزَاءِ الْأَرْبَعِ. أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى دُخُولِكِ الدَّارَ تَوَقَّفَ عَلَى الْقَبُولِ، وَعَلَى أَنْ تَدْخُلِي الدَّارَ تَوَقَّفَ عَلَى الدُّخُولِ. قُلْت: فَيُطْلَبُ الْفَرْقُ، فَإِنَّ " أَنْ " وَالْفِعْلَ بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ فَتَدَبَّرْ. قَالَ: خَالِعَتك وَاحِدَةً بِأَلْفٍ وَقَالَتْ: إنَّمَا سَأَلْتُك الثَّلَاثَ فَلَكَ ثُلُثُهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
وَطَلَاقٍ. اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا لَوْ ابْتَدَأَتْ هِيَ بِذَلِكَ فَقَبِلَ تَقَعُ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ بِالْمَالِ فَقَطْ لِأَنَّهُ يَصِحُّ رُجُوعُهَا لَا رُجُوعُهُ كَمَا مَرَّ أَوَّلَ الْبَابِ بِنَاءً عَلَى مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّهُ يَمِينٌ مِنْ جَانِبِهِ مُعَاوَضَةٌ مِنْ جَانِبِهَا.

(قَوْلُهُ: طَلُقَتْ ثَلَاثًا إلَخْ) أَيْ بِأَلْفٍ فَتْحٌ.
وَفِيهِ عَنْ الْخُلَاصَةِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ: وَلَوْ قَالَتْ: طَلِّقْنِي أَرْبَعًا بِأَلْفٍ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَهِيَ بِأَلْفٍ، وَلَوْ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً فَبِثُلُثِ الْأَلْفِ اهـ أَيْ لِأَنَّهَا إذَا ابْتَدَأَتْ كَانَ مُعَاوَضَةً لَا تَعْلِيقًا، بِخِلَافِ مَا إذَا ابْتَدَأَ كَمَا قُلْنَا. مَطْلَبٌ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ " عَلَى أَنْ تَدْخُلِي " وَ " عَلَى دُخُولِكِ وَعَلَى أَنْ تُعْطِينِي " (قَوْلُهُ: قُلْت فَيُطْلَبُ الْفَرْقُ إلَخْ) وَكَذَا يُطْلَبُ الْفَرْقُ بَيْنَ عَلَى أَنْ تَدْخُلِي الدَّارَ حَيْثُ تَوَقَّفَ عَلَى الدُّخُولِ وَبَيْنَ عَلَى أَنْ تُعْطِينِي كَذَا حَيْثُ تَوَقَّفَ عَلَى الْقَبُولِ مِثْلُ عَلَى دُخُولِك الدَّارَ. وَقَدْ سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْفُرُوعِ الثَّلَاثَةِ فِي الْبَحْرِ فَلَمْ يُبْدِ فَرْقًا، وَنَقَلَ كَلَامَهُ فِي النَّهْرِ، وَسَكَتَ عَلَيْهِ. مَطْلَبٌ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَصْدَرِ الصَّرِيحِ وَالْمُؤَوَّلِ وَنَقَلَ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى عَنْ شَرْحِ اللُّبَابِ: الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَصْدَرِ الصَّرِيحِ وَالْمُؤَوَّلِ صِحَّةُ حَمْلِ الثَّانِي عَلَى الْجُثَّةِ دُونَ الْأَوَّلِ أَيْ فَيَصِحُّ: زَيْدٌ إمَّا أَنْ يَقُومَ وَإِمَّا أَنْ يَقْعُدَ، بِخِلَافِ: زَيْدٌ إمَّا قِيَامٌ وَإِمَّا قُعُودٌ، وَلَكِنْ لَمْ يَظْهَرْ الْفَرْقُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ كَمَا قَالَهُ ح.
أَقُولُ: قَدْ يَظْهَرُ الْفَرْقُ وَلَا بُدَّ مِنْ مُقَدِّمَاتٍ: إحْدَاهَا مَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ فِي التَّعْلِيقَاتِ: الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَصْدَرِ الصَّرِيحِ وَالْمُؤَوَّلِ مَعَ اشْتِرَاكِهِمَا فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْحَدَثِ أَنَّ مَوْضُوعَ الصَّرِيحِ الْحَدَثُ فَقَطْ وَهُوَ أَمْرٌ تَصَوُّرِيٌّ، وَالْمُؤَوَّلُ يَزِيدُ عَلَيْهِ بِالْحُصُولِ إمَّا مَاضِيًا وَإِمَّا حَالًا وَإِمَّا مُسْتَقْبَلًا إنْ كَانَ إثْبَاتًا، وَبِعَدَمِ الْحُصُولِ فِي ذَلِكَ إنْ كَانَ مَنْفِيًّا وَهُوَ أَمْرٌ تَصْدِيقِيٌّ، وَلِهَذَا يَسُدُّ " أَنْ " وَالْفِعْلُ مَسَدَّ الْمَفْعُولَيْنِ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ النِّسْبَةِ. اهـ. وَنَقَلَهُ السُّيُوطِيّ فِي الْأَشْبَاهِ النَّحْوِيَّةِ. وَنَقَلَ أَيْضًا أَنَّ الْمَصْدَرَ الصَّرِيحَ غَيْرُ مُؤَقَّتٍ بِخِلَافِ الْمُؤَوَّلِ، فَالصَّرِيحُ دَالٌّ عَلَى الْأَزْمِنَةِ الثَّلَاثَةِ دَلَالَةً مُبْهَمَةً فَهُوَ عَامٌّ، بِخِلَافِ الْمُؤَوَّلِ. وَأَيْضًا الْمُؤَوَّلُ اسْمٌ تَقْدِيرِيٌّ غَيْرُ مَلْفُوظٍ بِهِ، وَإِنَّمَا الْمَلْفُوظُ بِهِ حَرْفٌ وَفِعْلٌ، وَلَهُ شَبَهٌ بِالْمُضْمَرِ وَلِذَا لَمْ يَصِحَّ وَصْفُهُ، بِخِلَافِ الصَّرِيحِ فَإِنَّهُ يُقَالُ يُعْجِبُنِي ضَرْبُك الشَّدِيدُ، بِخِلَافِ أَنْ تَضْرِبَ الشَّدِيدَ. ثَانِيهَا مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْمُحَقِّقِ ابْنِ الْهُمَامِ أَنَّ عَلَى تُسْتَعْمَلُ حَقِيقَةً لِلِاسْتِعْلَاءِ إنْ اتَّصَلَتْ بِالْأَجْسَامِ، وَفِي غَيْرِهَا لِمَعْنَى اللُّزُومِ الصَّادِقِ عَلَى الشَّرْطِ الْمَحْضِ وَعَلَى الْمُعَاوَضَةِ الشَّرْعِيَّةِ، أَوْ الْعُرْفِيَّةِ، وَتَتَرَجَّحُ الْمُعَاوَضَةُ عِنْدَ ذِكْرِ الْمُعَوَّضِ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ كَمَا فِي التَّحْرِيرِ.
ثَالِثُهَا أَنَّ الطَّلَاقَ يَتَعَلَّقُ بِالزَّمَانِ دُونَ الْمَكَانِ وَنَحْوِهِ. إذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَنَقُولُ: إذَا قَالَ لَهَا عَلَى أَنْ تُعْطِينِي كَذَا فَهُوَ تَعْلِيقٌ عَلَى فِعْلٍ مُسْتَقْبَلٍ صَالِحٍ لِلْمُعَاوَضَةِ فَيُشْتَرَطُ قَبُولُهَا لِيَلْزَمَهَا الْمَالُ. فَصَارَ كَأَنَّهُ عَلَّقَهُ عَلَى الْقَبُولِ إذْ بِهِ يَحْصُلُ غَرَضُهُ مِنْ الطَّلَاقِ بِعِوَضٍ فَتَطْلُقُ بِالْقَبُولِ وَإِنْ لَمْ تُعْطِهِ فِي الْحَالِ. بِخِلَافِ عَلَى أَنْ تَدْخُلِي فَإِنَّهُ صَالِحٌ لِلشَّرْطِ الْمَحْضِ لِعَدَمِ مَا يُفِيدُ الْمُعَاوَضَةَ فَتَعَيَّنَ تَعَلُّقُهُ بِالدُّخُولِ بِلَا تَوَقُّفٍ

(3/462)


فَالْقَوْلُ لَهَا.

خَلَعَهَا عَلَى أَنَّ صَدَاقَهَا لِوَلَدِهَا، أَوْ لِأَجْنَبِيٍّ أَوْ عَلَى أَنْ يُمْسِكَ الْوَلَدَ عِنْدَهُ صَحَّ الْخُلْعُ وَبَطَلَ الشَّرْطُ. قَالَتْ: اخْتَلَعَتْ مِنْك فَقَالَ لَهَا طَلَّقْتُك بَانَتْ وَقِيلَ رَجْعِيٌّ. وَلَا رِوَايَةَ لَوْ قَالَتْ: أَبْرَأْتُكَ مِنْ الْمَهْرِ بِشَرْطِ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ فَطَلَّقَهَا رَجْعِيًّا،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
عَلَى قَبُولٍ إذْ لَا غَرَامَةَ تَلْحَقُهَا، وَأَمَّا عَلَى دُخُولِك الدَّارَ فَلَيْسَ فِيهِ فِعْلٌ يَصْلُحُ جَعْلُهُ شَرْطًا بَلْ هُوَ أَمْرٌ تَصَوُّرِيٌّ لَا يَصْلُحُ جَعْلُهُ شَرْطًا إلَّا بِذِكْرِ فِعْلٍ مَعَهُ يَدُلُّ عَلَى الْحُصُولِ فِي أَحَدِ الْأَزْمِنَةِ الثَّلَاثَةِ لِيَصِيرَ بِمَنْزِلَةِ إنْ دَخَلْت، أَوْ بِتَقْدِيرِ الْوَقْتِ كَمَا فِي أَنْتِ طَالِقٌ فِي دُخُولِك الدَّارَ بِقَرِينَةِ " فِي " الظَّرْفِيَّةِ، إذْ الطَّلَاقُ لَا يَكُونُ مَظْرُوفًا فِي الدُّخُولِ بَلْ فِي زَمَانِهِ وَلَا يَحْسُنُ هُنَا تَقْدِيرُ الْوَقْتِ لِعَدَمِ مَا يَقْتَضِيهِ لِأَنَّ جَعْلَ " عَلَى " لِلْمُعَاوَضَةِ يُغْنِي عَنْهُ بِدُونِ تَكَلُّفٍ، فَإِنَّ الْعَاقِلَ قَدْ يَكُونُ لَهُ غَرَضٌ فِي جَعْلِ الدُّخُولِ مَثَلًا عِوَضًا عَنْ الطَّلَاقِ، هَذَا غَايَةُ مَا ظَهَرَ مِنْ الْفَرْقِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ: فَالْقَوْلُ لَهَا) لِأَنَّهَا تُنْكِرُ الزِّيَادَةَ عَلَى ثُلُثِ الْأَلْفِ فَتُصَدَّقُ. قَالَ فِي الْبَحْرِ مَعَ يَمِينِهَا، فَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الزَّوْجِ. اهـ.

(قَوْلُهُ: صَحَّ الْخُلْعُ) لِأَنَّهُ لَا يَفْسُدُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ كَمَا مَرَّ.
(قَوْلُهُ: وَبَطَلَ الشَّرْطُ) أَيْ فَلَا يَكُونُ الْمَهْرُ لِلْوَلَدِ وَلَا لِلْأَجْنَبِيِّ بَلْ يَكُونُ لِلزَّوْجِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَغَيْرِهَا، وَلَيْسَ لَهُ إمْسَاكُ الْوَلَدِ عِنْدَهُ لِأَنَّ إمْسَاكَهُ عِنْدَ أُمِّهِ حَقُّهُ فَلَا يَبْطُلُ بِإِبْطَالِهِمَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ: بَانَتْ إلَخْ) قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: قَالَتْ لَهُ: اخْلَعْنِي عَلَى أَلْفٍ فَقَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ، قِيلَ: هُوَ جَوَابٌ وَيَتِمُّ الْخُلْعُ، وَقِيلَ لَا بَلْ طَلَاقٌ. وَالْمُخْتَارُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ جَوَابٌ ظَاهِرًا، فَإِنْ قَالَ لَمْ أَعْنِ بِهِ الْجَوَابَ صُدِّقَ وَوَقَعَ الطَّلَاقُ بِلَا شَيْءٍ، وَكَذَا لَوْ قَالَتْ الْمَرْأَةُ: اخْتَلَعَتْ مِنْكَ فَقَالَ: طَلَّقْتُكِ، قِيلَ: هُوَ جَوَابٌ وَيَتِمُّ الْخُلْعُ، وَقِيلَ: لَا بَلْ رَجْعِيٌّ، وَقِيلَ يُسْأَلُ الزَّوْجُ عَنْ النِّيَّةِ. وَفِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى يَنْبَغِي أَنْ يُسْأَلَ أَيْضًا. اهـ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ إذَا أَرَادَ الْجَوَابَ يَكُونُ جَوَابًا وَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ بِالْخُلْعِ لِأَنَّهُ خَرَجَ جَوَابًا فَيَكُونُ خُلْعًا وَيَبْرَأُ عَنْ الْمَهْرِ (قَوْلُهُ: وَلَا رِوَايَةَ إلَخْ) ذَكَرَ ذَلِكَ فِي آخِرِ الْقُنْيَةِ فِي بَابِ الْمَسَائِلِ الَّتِي لَمْ يُوجَدْ فِيهَا رِوَايَةٌ وَلَا جَوَابٌ شَافٍ لِلْمُتَأَخِّرِينَ، وَقَالَ: فَهَلْ يَقَعُ بَائِنًا لِلْمُقَابَلَةِ بِالْمَالِ كَمَسْأَلَةِ الزِّيَادَاتِ أَمْ رَجْعِيًّا؟ وَهَلْ يَبْرَأُ الزَّوْجُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ صُورَةً، أَوْ لَا يَبْرَأُ. اهـ. وَنَقَلَ عِبَارَتَهُ فِي الْبَحْرِ قُبَيْلَ قَوْلِهِ وَلَزِمَهَا الْمَالُ، وَكَتَبْت فِيمَا عَلَّقْته عَلَيْهِ أَنَّ صَاحِبَ الْقُنْيَةِ ذَكَرَ فِي الْحَاوِي عَنْ الْأَسْرَارِ الْجَوَابَ بِأَنَّ الْوَاقِعَ رَجْعِيٌّ، وَيَبْرَأُ الزَّوْجُ لِتَرَاضِيهِمَا عَلَى وُقُوعِ الرَّجْعِيِّ، وَمُقَابَلَتُهُ بِالْمَالِ لَا تُغَيِّرُهُ عَنْ وَصْفِهِ بِالرَّجْعِيِّ. وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الزِّيَادَاتِ فَهِيَ فِيمَا إذَا طَلَبَتْ مِنْهُ الْمَرْأَةُ طَلْقَتَيْنِ بَائِنَتَيْنِ بِأَلْفٍ، فَمُقَابَلَةُ الْمَالِ تُغَيِّرُ وَصْفَهُ بِالرَّجْعِيِّ فَيَلْغُو لِأَنَّهَا لَمْ تَرْضَ بِلُزُومِ الْأَلْفِ مَعَ بَقَاءِ النِّكَاحِ ولِأَنَّ الْبَاءَ تَصْحَبُ الْأَعْوَاضَ، وَالْعِوَضُ يَسْتَلْزِمُ الْمُعَوَّضَ وَهُوَ انْصِرَامُ النِّكَاحِ بَيْنَهُمَا اهـ مُلَخَّصًا.
قُلْت: هَذَا الْجَوَابُ إنَّمَا يَظْهَرُ إذَا كَانَ الْوَاقِعُ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ بَعْدَ طَلَبِهَا مِنْهُ الْبَائِنَتَيْنِ، أَمَّا لَوْ ابْتَدَأَ الزَّوْجُ بِذَلِكَ وَقَالَتْ قَبِلْت يَلْزَمُ أَنْ يَقَعَ بِهِ الرَّجْعِيُّ لِوُجُودِ تَرَاضِيهِمَا عَلَى ذَلِكَ مَعَ أَنَّ الْمَنْقُولَ يُخَالِفُهُ. فَفِي الذَّخِيرَةِ مِنْ الْبَابِ السَّادِسِ فِي الطَّلَاقِ: أَنْتِ طَالِقٌ السَّاعَةَ وَاحِدَةً وَغَدًا أُخْرَى بِأَلْفٍ فَقَبِلَتْ وَقَعَ فِي الْحَالِ وَاحِدَةٌ بِنِصْفِ الْأَلْفِ وَغَدًا أُخْرَى بِلَا شَيْءٍ لِأَنَّ شَرْطَ وُجُوبِ الْبَدَلِ بِالطَّلَاقِ زَوَالُ الْمِلْكِ بِهِ وَقَدْ زَالَ الْمِلْكُ بِالْأَوْلَى، لَكِنْ إنْ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ مَجِيءِ الْغَدِ تَطْلُقُ أُخْرَى غَدًا بِنِصْفِ الْأَلْفِ لِزَوَالِ الْمِلْكِ بِهَا، وَلَوْ قَالَ لِلْمَدْخُولَةِ أَنْتِ طَالِقٌ السَّاعَةَ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً وَغَدًا أُخْرَى بِأَلْفٍ فَقَبِلَتْ وَقَعَتْ فِي الْحَالِ وَاحِدَةٌ بِلَا شَيْءٍ لِوَصْفِهَا بِمَا يُنَافِي الْبَدَلَ، فَإِنَّ الطَّلَاقَ بِبَدَلٍ لَا يَكُونُ رَجْعِيًّا وَفِي الْغَدِ تَطْلُقُ أُخْرَى بِأَلْفٍ لِزَوَالِ الْمِلْكِ بِهَا لِأَنَّ الْأُولَى رَجْعِيَّةٌ لَا تُزِيلُهُ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ بَائِنَةً وَغَدًا أُخْرَى بِأَلْفٍ تَقَعُ فِي الْحَالِ بَائِنَةٌ بِلَا شَيْءٍ لِأَنَّ الْبَائِنَ بِصَرِيحِ الْإِبَانَةِ لَا يُقَابِلُهُ

(3/463)


لَكِنْ فِي الزِّيَادَاتِ " أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ رَجْعِيًّا وَغَدًا أُخْرَى رَجْعِيًّا بِأَلْفٍ " فَالْبَدَلُ لَهُمَا وَهُمَا بَائِنَتَانِ، لَكِنْ يَقَعُ غَدًا بِغَيْرِ شَيْءٍ إنْ لَمْ يَعُدْ مِلْكَهُ.

وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ: قَالَ لِصَغِيرَةٍ: إنْ غِبْت عَنْك أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَأَمْرُك بِيَدِك بَعْدَ أَنْ تُبْرِئِينِي مِنْ الْمَهْرِ فَوُجِدَ الشَّرْطُ فَأَبْرَأَتْهُ وَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا لَا يَسْقُطُ الْمَهْرُ وَيَقَعُ الرَّجْعِيُّ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: اخْتَلَعَتْ بِمَهْرِهَا عَلَى أَنْ يُعْطِيَهَا عِشْرِينَ دِرْهَمًا، أَوْ كَذَا مَنًّا مِنْ الْأَرُزِّ صَحَّ وَلَا يُشْتَرَطُ بَيَانُ مَكَانِ الْإِيفَاءِ لِأَنَّ الْخُلْعَ أَوْسَعُ مِنْ الْبَيْعِ. قُلْت: وَمُفَادُهُ صِحَّةُ إيجَابِ بَدَلِ الْخُلْعِ عَلَيْهِ فَلْيُحْفَظْ. -
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
شَيْءٌ وَغَدًا أَيْ أُخْرَى بِلَا شَيْءٍ، لِأَنَّ الْمِلْكَ زَالَ بِالْأُولَى لَا بِهَا إلَّا إذَا تَزَوَّجَهَا قَبْلَ مَجِيءِ الْغَدِ فَتَقَعُ أُخْرَى بِأَلْفٍ لِزَوَالِ الْمِلْكِ لَهَا.
وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ السَّاعَةَ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً وَغَدًا أُخْرَى رَجْعِيَّةً بِأَلْفٍ يَنْصَرِفُ الْبَدَلُ إلَيْهِمَا، وَكَذَا أَنْتِ طَالِقٌ السَّاعَةَ ثَلَاثًا وَغَدًا أُخْرَى بَائِنَةً بِأَلْفٍ، أَوْ السَّاعَةَ وَاحِدَةً بِغَيْرِ شَيْءٍ وَغَدًا أُخْرَى بِغَيْرِ شَيْءٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ يَنْصَرِفُ إلَيْهِمَا فَتَكُونَانِ بَائِنَتَيْنِ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إلْغَاءِ الْوَصْفِ الْمُنَافِي، أَوْ الْبَدَلِ، وَإِلْغَاءُ الْأَوَّلِ أَوْلَى لِأَنَّ الْآخَرَ نَاسِخٌ لَهُ فَتَقَعُ وَاحِدَةٌ فِي الْحَالِ بِنِصْفِ الْأَلْفِ وَغَدًا أُخْرَى مَجَّانًا إلَّا إذَا تَزَوَّجَهَا قَبْلَ الْغَدِ فَتَقَعُ الثَّانِيَةُ بِنِصْفِهِ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ وَاحِدَةً وَغَدًا أُخْرَى رَجْعِيَّةً يَنْصَرِفُ الْبَدَلُ إلَيْهِمَا أَيْضًا لِأَنَّهُ وَصَفَ الثَّانِيَةَ بِالْمُنَافِي فَيَنْصَرِفُ الْبَدَلُ إلَى الطَّلْقَتَيْنِ اهـ مُلَخَّصًا. وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْفَتْحِ لِذَلِكَ أَصْلًا، وَهُوَ أَنَّهُ مَتَى ذَكَرَ طَلَاقَيْنِ وَذَكَرَ عَقِيبَهُمَا مَالًا يَكُونُ مُقَابَلًا بِهِمَا إلَّا إذَا وَصَفَ الْأَوَّلَ بِمَا يُنَافِي وُجُوبَ الْمَالِ فَيَكُونُ الْمَالُ حِينَئِذٍ مُقَابَلًا بِالثَّانِي، وَأَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِلُزُومِ الْمَالِ حُصُولُ الْبَيْنُونَةِ بِهِ. اهـ. وَقَوْلُهُ: إلَّا إذَا وَصَفَ الْأَوَّلَ أَيْ فَقَطْ، فَلَوْ وَصَفَ بِالْمُنَافِي كُلًّا مِنْهُمَا، أَوْ الثَّانِيَ فَقَطْ، أَوْ لَمْ يَصِفْ شَيْئًا مِنْهُمَا بِمَا يُنَافِي يَكُونُ الْمَالُ مُقَابَلًا بِهِمَا وَلَا يَضُرُّ عَدَمُ وُجُوبِ شَيْءٍ بِالثَّانِي لِعَارِضِ بَيْنُونَةٍ سَابِقَةٍ عَلَيْهِ لِأَنَّ ذَلِكَ الْعَارِضَ إذَا زَالَ كَمَا إذَا تَزَوَّجَهَا قَبْلَ وَقْتِ الثَّانِي يَجِبُ الْمَالُ بِهِ أَيْضًا، وَبِهَذَا يَسْهُلُ فَهْمُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ (قَوْلُهُ: لَكِنْ فِي الزِّيَادَاتِ إلَخْ) لَيْسَ فِي عِبَارَةِ الْقُنْيَةِ وَالْحَاوِي الْمَنْقُولَةِ عَنْ الزِّيَادَاتِ لَفْظُ " رَجْعِيًّا " فِي الْمَوْضِعَيْنِ بَلْ فِي الْأَوَّلِ فَقَطْ، وَالْمُنَاسِبُ مَا فَعَلَهُ الشَّارِحُ مِنْ ذِكْرِهِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ لِيُوَافِقَ مَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا، إذْ عَلَى مَا فِي الْقُنْيَةِ لَا يَكُونُ الْبَدَلُ لَهُمَا بَلْ لِلثَّانِي فَقَطْ لِزَوَالِ الْمِلْكِ بِهِ كَمَا مَرَّ التَّصْرِيحُ بِهِ فِي عِبَارَةِ الذَّخِيرَةِ وَعِبَارَةِ الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: لَكِنْ يَقَعُ إلَخْ) هَذَا غَيْرُ مَذْكُورٍ فِي عِبَارَةِ الزِّيَادَاتِ الْمَنْقُولَةِ فِي الْقُنْيَةِ وَلَا يُنَاسِبُهَا أَيْضًا لِمَا عَلِمْت نَعَمْ هُوَ الصَّحِيحُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَمَرَّ التَّصْرِيحُ بِهِ فِي عِبَارَةِ الذَّخِيرَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَافْهَمْ. قَالَ ح: يَعْنِي أَنَّ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ يَقَعُ طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ بِخَمْسِمِائَةٍ وَفِي غَدٍ تَقَعُ أُخْرَى بِخَمْسِمِائَةٍ إنْ عَقَدَ عَلَيْهَا قَبْلَ مَجِيءِ الْغَدِ وَإِلَّا وَقَعَتْ أُخْرَى بِغَيْرِ شَيْءٍ. اهـ.

(قَوْلُهُ: وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ إلَخْ) لَمْ أَجِدْهُ فِيهَا، وَنَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ بِلَفْظِ " فَأَمْرُكِ بِيَدِكِ فَطَلِّقِي نَفْسَكِ مَتَى شِئْتِ "، وَمِثْلُهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ بِلَفْظِ " لِتُطَلِّقِي "، وَقَدْ أَسْقَطَهُ الشَّارِحُ وَلَا بُدَّ مِنْهُ لِقَوْلِهِ بَعْدَهُ وَيَقَعُ الرَّجْعِيُّ، إذْ لَوْ لَمْ يَذْكُرْ الصَّرِيحَ تَفْسِيرًا لِمَا قَبْلَهُ لَكَانَ الْوَاقِعُ الْبَائِنَ لِأَنَّ التَّفْوِيضَ بِالْأَمْرِ بِالْيَدِ مِنْ الْكِنَايَاتِ وَيَقَعُ بِهِ الْبَائِنُ وَإِنْ قَالَتْ: طَلَّقْتُ نَفْسِي لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِتَفْوِيضِ الزَّوْجِ لَا لِإِيقَاعِ الْمَرْأَةِ كَمَا مَرَّ فِي مَحَلِّهِ، فَإِذَا أَتَى بَعْدَهُ بِالصَّرِيحِ اُعْتُبِرَ كَمَا هُنَا. فَفِي الذَّخِيرَةِ: أَمْرُك بِيَدِك فِي تَطْلِيقَةٍ فَهِيَ رَجْعِيَّةٌ اهـ وَلِذَا قَالَ فِي الْبَحْرِ لَا يَسْقُطُ الْمَهْرُ لِعَدَمِ صِحَّةِ إبْرَاءِ الصَّغِيرَةِ وَيَقَعُ الرَّجْعِيُّ لِأَنَّهُ كَالْقَائِلِ لَهَا عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ: أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى كَذَا، وَحُكْمُهُ مَا ذَكَرْنَا اهـ وَمِثْلُهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ. مَطْلَبٌ فِي إيجَابِ بَدَلِ الْخُلْعِ عَلَى الزَّوْجِ (قَوْلُهُ: أَوْ كَذَا مَنًّا) الْمَنُّ رِطْلَانِ. وَالْأَرُزُّ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ الزَّايِ مَعْرُوفٌ ط (قَوْلُهُ: أَوْسَعُ مِنْ الْبَيْعِ) أَيْ مِنْ السَّلَمِ لِأَنَّهُ الَّذِي يُشْتَرَطُ فِيهِ ذَلِكَ ط (قَوْلُهُ: قُلْت وَمُفَادُهُ إلَخْ) مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمَهُ قُبَيْلَ قَوْلِهِ وَيُسْقِطُ الْخُلْعُ

(3/464)


وَفِي الْقُنْيَةِ اخْتَلَعَتْ بِشَرْطِ الصَّكِّ أَوْ بِشَرْطِ أَنْ يَرُدَّ إلَيْهَا أَقْمِشَتَهَا فَقَبِلَ لَمْ تَحْرُمْ، وَيُشْتَرَطُ كَتْبُهُ الصَّكَّ وَرَدُّ الْأَقْمِشَةِ فِي الْمَجْلِسِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.