العناية
شرح الهداية قَالَ (وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ
رَجُلَيْنِ أَذِنَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ أَنْ يُكَاتِبَ نَصِيبَهُ
بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَيَقْبِضَ بَدَلَ الْكِتَابَةِ فَكَاتَبَ وَقَبَضَ
بَعْضَ الْأَلْفِ ثُمَّ عَجَزَ فَالْمَالُ لِلَّذِي قَبَضَ عِنْدَ أَبِي
حَنِيفَةَ، وَقَالَا: هُوَ مُكَاتَبٌ بَيْنَهُمَا وَمَا أَدَّى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
[بَابُ كِتَابَةِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ]
ذَكَرَ كِتَابَةَ الِاثْنَيْنِ بَعْدَ الْوَاحِدِ لِأَنَّ الْوَاحِدَ
قَبْلَ الِاثْنَيْنِ. قَالَ (وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ
إلَخْ) إذَا أَذِنَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ لِصَاحِبِهِ أَنْ يُكَاتِبَ
نَصِيبَ نَفْسِهِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَيَقْبِضَ بَدَلَ الْكِتَابَةِ
فَكَاتَبَ وَقَبَضَ بَعْضَ الْأَلْفِ ثُمَّ عَجَزَ فَالْمَالُ لِلَّذِي
قَبَضَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: هُوَ مُكَاتَبٌ بَيْنَهُمَا
وَمَا أَدَّى فَهُوَ بَيْنَهُمَا. وَأَصْلُ هَذَا الِاخْتِلَافِ أَنَّ
الْكِتَابَةَ تَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا كَالْإِعْتَاقِ
لِأَنَّهَا تُفِيدُ الْحُرِّيَّةَ مِنْ وَجْهٍ فَتَقْتَصِرُ عَلَى
نَصِيبِهِ عِنْدَهُ، وَالْإِذْنُ لَا يُفِيدُ الِاشْتِرَاكَ فِي
الْكِتَابَةِ، وَإِنَّمَا تَكُونُ فَائِدَتُهُ انْتِفَاءَ مَا كَانَ لَهُ
(9/197)
فَهُوَ بَيْنَهُمَا) وَأَصْلُهُ أَنَّ
الْكِتَابَةَ تَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا بِمَنْزِلَةِ
الْإِعْتَاقِ، لِأَنَّهَا تُفِيدُ الْحُرِّيَّةَ مِنْ وَجْهٍ فَتَقْتَصِرُ
عَلَى نَصِيبِهِ عِنْدَهُ لِلتَّجَزُّؤِ، وَفَائِدَةُ الْإِذْنِ أَنْ لَا
يَكُونَ لَهُ حَقُّ الْفَسْخِ كَمَا يَكُونُ لَهُ إذَا لَمْ يَأْذَنْ،
وَإِذْنُهُ لَهُ بِقَبْضِ الْبَدَلِ إذْنٌ لِلْعَبْدِ بِالْأَدَاءِ
فَيَكُونُ مُتَبَرِّعًا بِنَصِيبِهِ عَلَيْهِ فَلِهَذَا كَانَ كُلُّ
الْمَقْبُوضِ لَهُ. وَعِنْدَهُمَا الْإِذْنُ بِكِتَابَةِ نَصِيبِهِ إذْنٌ
بِكِتَابَةِ الْكُلِّ لِعَدَمِ التَّجَزُّؤِ، فَهُوَ أَصِيلٌ فِي النِّصْفِ
وَكِيلٌ فِي النِّصْفِ فَهُوَ بَيْنَهُمَا وَالْمَقْبُوضُ مُشْتَرَكٌ
بَيْنَهُمَا فَيَبْقَى كَذَلِكَ بَعْدَ الْعَجْزِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
مِنْ حَقِّ الْفَسْخِ إنْ كَاتَبَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ
الْكِتَابَةَ إمَّا أَنْ يُعْتَبَرَ فِيهَا مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ أَوْ
مَعْنَى الْإِعْتَاقِ أَوْ مَعْنَى تَعْلِيقِ الْعِتْقِ بِأَدَاءِ
الْمَالِ، وَلَوْ وُجِدَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ مِنْ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ
بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ لَيْسَ لِلْآخَرِ وِلَايَةُ الْفَسْخِ، فَمِنْ
أَيْنَ لِلْمُكَاتَبَةِ ذَلِكَ؟ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْكِتَابَةَ لَيْسَتْ
عَيْنَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَعَانِي الْمَذْكُورَةِ، وَإِنَّمَا هِيَ
تَشْتَمِلُ عَلَيْهَا، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لَهَا حُكْمٌ تَخْتَصُّ بِهِ
وَهُوَ وِلَايَةُ الْفَسْخِ لِمَعْنًى يُوجِبُهُ وَهُوَ إلْحَاقُ الضَّرَرِ
بِبُطْلَانِ حَقِّ الْبَيْعِ لِلشَّرِيكِ السَّاكِتِ بِالْكِتَابَةِ،
وَتَصَرُّفُ الْإِنْسَانِ فِي خَالِصِ حَقِّهِ إنَّمَا يُسَوَّغُ إذَا لَمْ
يَتَضَرَّرْ بِهِ الْغَيْرُ، ثُمَّ الْمَحَلُّ وَهِيَ الْكِتَابَةُ
تَقْبَلُ الْفَسْخَ وَلِهَذَا يُفْسَخُ بِتَرَاضِيهِمَا فَتَحَقَّقَ
الْمُقْتَضِي وَانْتَفَى الْمَانِعُ. وَأَمَّا الْمَعَانِي الْمَذْكُورَةُ
فَالْمُعَاوَضَةُ وَإِنْ قَبِلَتْ الْفَسْخَ لَكِنْ لَيْسَ فِيهَا ضَرَرٌ
لِصَاحِبِهِ، فَإِنَّهُ إذَا بَاعَ نَصِيبَهُ لَمْ يَبْطُلْ عَلَى
صَاحِبِهِ بَيْعُ نَصِيبِهِ، وَالْإِعْتَاقُ وَالتَّعْلِيقُ وَإِنْ كَانَ
فِيهِمَا ضَرَرٌ لَكِنَّ الْمَحَلَّ لَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ. أَمَّا
الْإِعْتَاقُ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا التَّعْلِيقُ فَلِأَنَّهُ يَمِينٌ
(قَوْلُهُ وَإِذْنُهُ لَهُ بِقَبْضِ الْبَدَلِ) بَيَانٌ لِاخْتِصَاصِ
الْمُكَاتَبِ بِالْمَقْبُوضِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا أُذِنَ لَهُ
بِالْقَبْضِ فَقَدْ أُذِنَ لِلْعَبْدِ بِالْأَدَاءِ مِنْ الْكَسْبِ إلَيْهِ
فَيَصِيرُ الْآذِنُ مُتَبَرِّعًا بِنَصِيبِهِ مِنْ الْكَسْبِ عَلَيْهِ،
أَيْ عَلَى الْمُكَاتَبِ، فَلِهَذَا كَانَ كُلُّ الْمَقْبُوضِ لَهُ،
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ضَمِيرُ عَلَيْهِ لِلْعَبْدِ: أَيْ فَيَكُونُ
الْآذِنُ مُتَبَرِّعًا بِنَصِيبِهِ عَلَى الْعَبْدِ ثُمَّ عَلَى
الشَّرِيكِ، فَإِذَا تَمَّ تَبَرُّعُهُ بِقَبْضِ الشَّرِيكِ لَمْ يَرْجِعْ.
فَإِنْ قِيلَ: الْمُتَبَرِّعُ يَرْجِعُ بِمَا تَبَرَّعَ إذَا لَمْ يَحْصُلْ
مَقْصُودُهُ مِنْ التَّبَرُّعِ، كَمَنْ تَبَرَّعَ بِأَدَاءِ الثَّمَنِ عَنْ
الْمُشْتَرِي ثُمَّ هَلَكَ الْمَبِيعُ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ اُسْتُحِقَّ
فَإِنَّ لَهُ الرُّجُوعَ لِعَدَمِ حُصُولِ مَقْصُودِهِ مِنْ التَّبَرُّعِ
وَهُوَ سَلَامَةُ الْمَبِيعِ لِلْمُشْتَرِي. أُجِيبَ بِأَنَّ
الْمُتَبَرَّعَ عَلَيْهِ هُوَ الْمُكَاتَبُ مِنْ وَجْهٍ مِنْ حَيْثُ إنَّ
مَقْصُودَ الْآذِنِ قَضَاءُ دَيْنِهِ مِنْ مَالِهِ وَبَعْدَ الْعَجْزِ
صَارَ عَبْدًا لَهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَالْمَوْلَى لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَى
عَبْدِهِ شَيْئًا بِخِلَافِ الْبَائِعِ فَإِنَّ ذِمَّتَهُ مَحَلٌّ صَالِحٌ
لِوُجُوبِ دَيْنِ الْمُتَبَرِّعِ فَيَثْبُتُ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ إذَا
لَمْ يَحْصُلْ مَقْصُودُهُ. وَلَهُمَا أَنَّ الْإِذْنَ بِكِتَابَةِ
نَصِيبِهِ إذْنٌ بِكِتَابَةِ الْكُلِّ لِعَدَمِ التَّجَزُّؤِ فَهُوَ
أَصِيلٌ فِي النِّصْفِ وَكِيلٌ فِي النِّصْفِ، وَهُوَ أَيْ الْبَدَلُ
بَيْنَهُمَا وَالْمَقْبُوضُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا فَيَبْقَى كَذَلِكَ
بَعْدَ
(9/198)
قَالَ (وَإِذَا كَانَتْ جَارِيَةٌ بَيْنَ
رَجُلَيْنِ كَاتَبَاهَا فَوَطِئَهَا أَحَدُهُمَا فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ
فَادَّعَاهُ ثُمَّ وَطِئَهَا الْآخَرُ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ
ثُمَّ عَجَزَتْ فَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ لِلْأَوَّلِ) لِأَنَّهُ لَمَّا ادَّعَى
أَحَدُهُمَا الْوَلَدَ صَحَّتْ دَعْوَتُهُ لِقِيَامِ الْمِلْكِ لَهُ فِيهَا
وَصَارَ نَصِيبُهُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ، لِأَنَّ الْمُكَاتَبَةَ لَا تَقْبَلُ
النَّقْلَ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ فَتَقْتَصِرُ أُمُومِيَّةُ الْوَلَدِ
عَلَى نَصِيبِهِ كَمَا فِي الْمُدَبَّرَةِ الْمُشْتَرَكَةِ، وَإِذَا
ادَّعَى الثَّانِي وَلَدَهَا الْأَخِيرَ صَحَّتْ دَعْوَتُهُ لِقِيَامِ
مِلْكِهِ ظَاهِرًا، ثُمَّ إذَا عَجَزَتْ بَعْدَ ذَلِكَ جُعِلَتْ
الْكِتَابَةُ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ وَتَبَيَّنَ أَنَّ الْجَارِيَةَ كُلَّهَا
أُمُّ وَلَدٍ لِلْأَوَّلِ لِأَنَّهُ زَالَ الْمَانِعُ مِنْ الِانْتِقَالِ
وَوَطْؤُهُ سَابِقٌ (وَيَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهَا) لِأَنَّهُ تَمَلَّكَ
نَصِيبَهُ لَمَّا اسْتَكْمَلَ الِاسْتِيلَادَ (وَنِصْفَ عُقْرِهَا)
لِوَطْئِهِ جَارِيَةً مُشْتَرَكَةً (وَيَضْمَنُ شَرِيكُهُ كَمَالَ
عُقْرِهَا وَقِيمَةَ الْوَلَدِ وَيَكُونُ ابْنَهُ) لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ
الْمَغْرُورِ، لِأَنَّهُ حِينَ وَطِئَهَا كَانَ مِلْكُهُ قَائِمًا
ظَاهِرًا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
الْعَجْزِ، كَمَا لَوْ كَاتَبَاهُ فَعَجَزَ وَفِي يَدِهِ مِنْ
الْأَكْسَابِ. وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ مَالَ إلَى قَوْلِهِمَا حَيْثُ
أَخَّرَهُ.
قَالَ (وَإِذَا كَانَتْ جَارِيَةٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ كَاتَبَاهَا إلَخْ)
وَإِذَا كَانَتْ جَارِيَةٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ كَاتَبَاهَا فَوَطِئَهَا
أَحَدُهُمَا فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ: أَيْ صَحَّتْ دَعْوَتُهُ
وَثَبَتَ نَسَبُهُ ثُمَّ وَطِئَهَا الْآخَرُ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ
فَادَّعَاهُ: أَيْ صَحَّتْ دَعْوَتُهُ أَيْضًا وَثَبَتَ نَسَبُهُ ثُمَّ
عَجَزَتْ فَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ كُلُّهَا لِلْأَوَّلِ بِطَرِيقِ
التَّبَيُّنِ، لِأَنَّهُ لَمَّا ادَّعَى أَحَدُهُمَا الْوَلَدَ الْأَوَّلَ
صَحَّتْ دَعْوَتُهُ لِقِيَامِ الْمِلْكِ لَهُ فِيهِ وَصَارَ نَصِيبُهُ
أُمَّ وَلَدٍ لَهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الِاسْتِيلَادَ فِي الْمُكَاتَبَةِ
يَتَجَزَّأُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّهُ لَا
وَجْهَ لِتَكْمِيلِ الِاسْتِيلَادِ إلَّا بِتَمَلُّكِ نَصِيبِ صَاحِبِهِ
وَالْمُكَاتَبَةُ لَا تَقْبَلُ النَّقْلَ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ
فَتَقْتَصِرُ أُمُومِيَّةُ الْوَلَدِ عَلَى نَصِيبِهِ، كَمَا فِي
الْمُدَبَّرَةِ الْمُشْتَرَكَةِ فَإِنَّ الِاسْتِيلَادَ فِيهَا يَتَجَزَّأُ
بِالِاتِّفَاقِ، وَالْجَامِعُ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْكِتَابَةِ
وَالتَّدْبِيرِ يَمْنَعُ الِانْتِقَالَ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ، وَلَا
وَجْهَ لِفَسْخِ الْكِتَابَةِ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَةَ قَدْ تَرْضَى
بِحُرِّيَّةٍ عَاجِلَةٍ بِجِهَةِ الْكِتَابَةِ وَلَا تَرْضَى بِحُرِّيَّةٍ
آجِلَةٍ بِجِهَةِ الِاسْتِيلَادِ، فَإِذَا لَمْ يَتَمَحَّضْ الْفَسْخُ
مَنْفَعَةً، لَا تَنْفَسِخُ إلَّا بِفَسْخِ الْمُكَاتَبَةِ، وَإِذَا
ادَّعَى الثَّانِي وَلَدَهَا الْآخَرَ صَحَّتْ دَعْوَتُهُ لِقِيَامِ
مِلْكِهِ ظَاهِرًا، وَإِنَّمَا قُيِّدَ بِقَوْلِهِ ظَاهِرًا لِأَنَّ
الظَّاهِرَ أَنْ تَمْضِيَ عَلَى كِتَابَتِهَا فَكَانَ مِلْكُهُ بَاقِيًا
نَظَرًا إلَى الظَّاهِرِ، ثُمَّ إذَا عَجَزَتْ بَعْدَ ذَلِكَ جُعِلَتْ
الْكِتَابَةُ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ وَتَبَيَّنَ أَنَّ الْجَارِيَةَ كُلَّهَا
أُمُّ وَلَدٍ لِلْأَوَّلِ لِأَنَّهُ زَالَ الْمَانِعُ مِنْ الِانْتِقَالِ
وَوَطْؤُهُ سَابِقٌ، وَيَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهَا لِأَنَّهُ تَمَلَّكَ
نَصِيبَهُ لَمَّا اسْتَكْمَلَ الِاسْتِيلَادَ وَنِصْفَ عُقْرِهَا
لِوَطْئِهِ جَارِيَةً مُشْتَرَكَةً وَيَضْمَنُ شَرِيكُهُ كَمَالَ عُقْرِهَا
فَيَكُونُ النِّصْفُ بِالنِّصْفِ قِصَاصًا وَيَبْقَى
(9/199)
وَوَلَدُ الْمَغْرُورِ ثَابِتُ النَّسَبِ
مِنْهُ حُرٌّ بِالْقِيمَةِ عَلَى مَا عُرِفَ لَكِنَّهُ وَطِئَ أُمَّ وَلَدِ
الْغَيْرِ حَقِيقَةً فَيَلْزَمُهُ كَمَالُ الْعُقْرِ (وَأَيُّهُمَا دَفَعَ
الْعُقْرَ إلَى الْمُكَاتَبَةِ جَازَ) لِأَنَّ الْكِتَابَةَ مَا دَامَتْ
بَاقِيَةً فَحَقُّ الْقَبْضِ لَهَا لِاخْتِصَاصِهَا بِمَنَافِعِهَا
وَأَبْدَالِهَا، وَإِذَا عَجَزَتْ تَرُدُّ الْعُقْرَ إلَى الْمَوْلَى
لِظُهُورِ اخْتِصَاصِهِ (وَهَذَا) الَّذِي ذَكَرْنَا (كُلُّهُ قَوْلُ أَبِي
حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: هِيَ أُمُّ وَلَدٍ
لِلْأَوَّلِ وَلَا يَجُوزُ وَطْءُ الْآخَرِ)
لِأَنَّهُ لَمَّا ادَّعَى الْأَوَّلُ الْوَلَدَ صَارَتْ كُلُّهَا أُمَّ
وَلَدٍ لَهُ لِأَنَّ أُمُومِيَّةَ الْوَلَدِ يَجِبُ تَكْمِيلُهَا
بِالْإِجْمَاعِ مَا أَمْكَنَ، وَقَدْ أَمْكَنَ بِفَسْخِ الْكِتَابَةِ
لِأَنَّهَا قَابِلَةٌ لِلْفَسْخِ فَتُفْسَخُ فِيمَا لَا تَتَضَرَّرُ بِهِ
الْمُكَاتَبَةُ وَتَبْقَى الْكِتَابَةُ فِيمَا وَرَاءَهُ، بِخِلَافِ
التَّدْبِيرِ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ، وَبِخِلَافِ بَيْعِ
الْمُكَاتَبِ لِأَنَّ فِي تَجْوِيزِهِ إبْطَالَ الْكِتَابَةِ إذْ
الْمُشْتَرِي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
لِلْأَوَّلِ عَلَى الثَّانِي نِصْفُ الْعُقْرِ وَقِيمَةُ الْوَلَدِ،
وَيَكُونُ الْوَلَدُ ابْنَهُ بِالنَّظَرِ إلَى الظَّاهِرِ وَالْحَقِيقَةِ
أَمَّا بِالنَّظَرِ إلَى الظَّاهِرِ فَيَكُونُ الْوَلَدُ ابْنَهُ
بِالْقِيمَةِ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَغْرُورِ لِأَنَّهُ حِينَ
وَطِئَهَا كَانَ مِلْكُهُ قَائِمًا ظَاهِرًا كَمَا ذَكَرْنَا وَوَلَدُ
الْمَغْرُورِ ثَابِتُ النَّسَبِ مِنْهُ حُرٌّ بِالْقِيمَةِ عَلَى مَا
عُرِفَ، وَأَمَّا بِالنَّظَرِ إلَى الْحَقِيقَةِ فَلُزُومُ كَمَالِ
الْعُقْرِ لِأَنَّهُ وَطِئَ أُمَّ وَلَدِ الْغَيْرِ حَقِيقَةً. فَإِنْ
قِيلَ: فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَضْمَنَ الثَّانِي قِيمَةَ
الْوَلَدِ لِلْأَوَّلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ حُكْمَ وَلَدِ أُمِّ
الْوَلَدِ حُكْمُ أُمِّهِ وَلَا قِيمَةَ لِأُمِّ الْوَلَدِ عِنْدَهُ
فَكَذَا لِابْنِهَا. أُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا عَلَى قَوْلِهِمَا، وَأَمَّا
عَلَى قَوْلِهِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ ضَمَانُ قِيمَةِ الْوَلَدِ وَلَيْسَ
بِشَيْءٍ. وَقِيلَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي تَقَوُّمِ أُمِّ الْوَلَدِ
رِوَايَتَانِ، فَيَكُونُ الْوَلَدُ مُتَقَوِّمًا عَلَى إحْدَاهُمَا فَكَانَ
حُرًّا بِالْقِيمَةِ، وَأَيُّهُمَا دَفَعَ الْعُقْرَ إلَى الْمُكَاتَبَةِ:
يَعْنِي قَبْلَ الْعَجْزِ جَازَ، لِأَنَّ الْكِتَابَةَ مَا دَامَتْ
بَاقِيَةً فَحَقُّ الْقَبْضِ لَهَا لِاخْتِصَاصِهَا بِمَنَافِعِهَا
وَأَبْدَالِهَا، وَإِذَا عَجَزَتْ تَرُدُّ الْعُقْرَ إلَى الْمَوْلَى
لِظُهُورِ اخْتِصَاصِهِ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا كُلُّهُ قَوْلُ أَبِي
حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: هِيَ أُمُّ وَلَدٍ
لِلْأَوَّلِ وَهِيَ مُكَاتَبَةٌ لَهُ وَيُعْتَقُ بِأَدَاءِ الْبَدَلِ إلَى
الْأَوَّلِ
وَلَا يَجُوزُ وَطْءٌ لِآخَرَ لِأَنَّهُ لَمَّا ادَّعَى الْأَوَّلُ
الْوَلَدَ صَارَتْ كُلُّهَا أُمَّ وَلَدٍ لَهُ لِأَنَّ أُمُومِيَّةَ
الْوَلَدِ يَجِبُ تَكْمِيلُهَا بِالْإِجْمَاعِ مَا أَمْكَنَ، لِأَنَّ
الِاسْتِيلَادَ طَلَبُ الْوَلَدِ وَإِنَّهُ يَقَعُ بِالْفِعْلِ وَالْفِعْلُ
لَا يَتَجَزَّأُ فَكَذَا مَا يَثْبُتُ بِهِ، وَلِهَذَا لَا يَكْمُلُ فِي
الْقِنَّةِ بِالْإِجْمَاعِ، وَقَدْ أَمْكَنَ هَاهُنَا بِفَسْخِ
الْكِتَابَةِ لِأَنَّهَا قَابِلَةٌ لِلْفَسْخِ فَتُفْسَخُ تَكْمِيلًا
لِلِاسْتِيلَادِ فِيمَا لَا تَتَضَرَّرُ بِهِ الْمُكَاتَبَةُ وَهُوَ
أُمُومِيَّةُ الْوَلَدِ، لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ لَهَا فِيهَا بَلْ لَهَا
فِيهِ نَفْعٌ حَيْثُ لَمْ تَبْقَ مَحَلًّا لِلِابْتِذَالِ بِالْبَيْعِ
وَالْهِبَةِ وَتَبْقَى الْكِتَابَةُ فِيمَا وَرَاءَهُ مَحَلًّا: أَيْ
فِيمَا وَرَاءَ مَا لَا تَتَضَرَّرُ بِهِ وَهُوَ كَوْنُهَا أَحَقَّ
بِأَكْسَابِهَا وَأَكْسَابِ وَلَدِهَا (قَوْلُهُ بِخِلَافِ التَّدْبِيرِ)
جَوَابٌ عَنْ قِيَاسِ أَبِي حَنِيفَةَ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ عَلَى
الْمُدَبَّرَةِ الْمُشْتَرَكَةِ.
وَوَجْهُهُ أَنَّا قَدْ قُلْنَا إنَّ أُمُومِيَّةَ الْوَلَدِ تُسْتَكْمَلُ
مَا أَمْكَنَ وَلَا إمْكَانَ هَاهُنَا لِأَنَّ التَّدْبِيرَ غَيْرُ قَابِلٍ
لِلْفَسْخِ، فَإِذَا اسْتَوْلَدَ الشَّرِيكُ الثَّانِي بَعْدَ اسْتِيلَادِ
الْأَوَّلِ الْمُدَبَّرَةَ الْمُشْتَرَكَةَ بَيْنَهُمَا صَحَّ
اسْتِيلَادُهُ (قَوْلُهُ وَبِخِلَافِ بَيْعِ الْمُكَاتَبِ) قِيلَ هُوَ
جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ هَلَّا فَسَخْتُمْ الْكِتَابَةَ فِي ضِمْنِ صِحَّةِ
الْبَيْعِ فِيمَا إذَا بِيعَ
(9/200)
لَا يَرْضَى بِبَقَائِهِ مُكَاتِبًا.
وَإِذَا صَارَتْ كُلُّهَا أُمَّ وَلَدٍ لَهُ فَالثَّانِي وَطِئَ أُمَّ
وَلَدِ الْغَيْرِ (فَلَا يَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْهُ وَلَا يَكُونُ
حُرًّا عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ) غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْحَدُّ
عَلَيْهِ لِلشُّبْهَةِ (وَيَلْزَمُهُ جَمِيعُ الْعُقْرِ) لِأَنَّ الْوَطْءَ
لَا يَعْرَى عَنْ إحْدَى الْغَرَامَتَيْنِ، وَإِذَا بَقِيَتْ الْكِتَابَةُ
وَصَارَتْ كُلُّهَا مُكَاتَبَةً لَهُ، قِيلَ يَجِبُ عَلَيْهَا نِصْفُ
بَدَلِ الْكِتَابَةِ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ انْفَسَخَتْ فِيمَا لَا
تَتَضَرَّرُ بِهِ الْمُكَاتَبَةُ وَلَا تَتَضَرَّرُ بِسُقُوطِ نِصْفِ
الْبَدَلِ.
وَقِيلَ يَجِبُ كُلُّ الْبَدَلِ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ لَمْ تَنْفَسِخْ
إلَّا فِي حَقِّ التَّمَلُّكِ ضَرُورَةً فَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ سُقُوطِ
نِصْفِ الْبَدَلِ وَفِي إبْقَائِهِ فِي حَقِّهِ نَظَرٌ لِلْمَوْلَى وَإِنْ
كَانَ لَا تَتَضَرَّرُ الْمُكَاتَبَةُ بِسُقُوطِهِ، وَالْمُكَاتَبَةُ هِيَ
الَّتِي تُعْطِي الْعُقْرَ لِاخْتِصَاصِهَا بِأَبْدَالِ مَنَافِعِهَا.
وَلَوْ عَجَزَتْ وَرُدَّتْ فِي الرِّقِّ تَرُدُّ إلَى الْمَوْلَى لِظُهُورِ
اخْتِصَاصِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
الْمُكَاتَبُ كَمَا فَسَخْتُمُوهَا فِي ضِمْنِ صِحَّةِ الِاسْتِيلَادِ.
وَوَجْهُهُ أَنَّ فِي تَجْوِيزِ الْبَيْعِ إبْطَالَ الْكِتَابَةِ إذْ
الْمُشْتَرِي لَا يَرْضَى بِبَقَائِهِ مُكَاتَبًا، وَلَوْ أَبْطَلْنَاهَا
تَضَرَّرَ بِهِ الْمُكَاتَبُ وَفَسَخَ الْكِتَابَةَ فِيمَا يَتَضَرَّرُ
بِهِ الْمُكَاتَبُ لَا يَصِحُّ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَيَانًا
لِقَوْلِهِ وَتَبْقَى الْكِتَابَةُ فِيمَا وَرَاءَهُ، فَإِنَّ الْبَيْعَ
وَرَاءَ مَا لَا يَتَضَرَّرُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ الْمُكَاتَبُ يَتَضَرَّرُ
بِهِ فَتَبْقَى الْكِتَابَةُ كَمَا كَانَتْ
(قَوْلُهُ وَإِذَا صَارَتْ كُلُّهَا أُمَّ وَلَدٍ لَهُ) مُتَّصِلٌ
بِقَوْلِهِ صَارَتْ كُلُّهَا أُمَّ وَلَدٍ لَهُ. وَتَقْرِيرُهُ أَنَّهُ
لَمَّا ادَّعَى الْأَوَّلَ صَارَتْ كُلُّهَا أُمَّ وَلَدٍ لَهُ، وَإِذَا
صَارَتْ كُلُّهَا أُمَّ وَلَدٍ لَهُ فَالثَّانِي وَطْءُ أُمِّ وَلَدِ
الْغَيْرِ فَلَا يَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْهُ وَلَا يَكُونُ حُرًّا
عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ
لِلشُّبْهَةِ وَهِيَ شُبْهَةُ أَنَّهَا مُكَاتَبَةٌ بَيْنَهُمَا بِدَلِيلِ
مَا ذَكَرَهُ أَبُو حَنِيفَةَ أَنَّهَا تَبْقَى مُكَاتَبَةً بَيْنَهُمَا
فِيمَا تَتَضَرَّرُ بِهِ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ، وَلَا حَدَّ
عَلَى وَطْءِ مُكَاتَبَتِهِ، وَيَلْزَمُهُ جَمِيعُ الْعُقْرِ لِأَنَّ
الْوَطْءَ لَا يَعْرَى عَنْ إحْدَى الْغَرَامَتَيْنِ، وَقَوْلُهُ (وَإِذَا
بَقِيَتْ الْكِتَابَةُ) مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ وَتَبْقَى الْكِتَابَةُ
فِيمَا وَرَاءَهُ، وَتَقْرِيرُهُ وَتَبْقَى الْكِتَابَةُ فِيمَا وَرَاءَهُ،
وَإِذَا بَقِيَتْ الْكِتَابَةُ فَصَارَتْ كُلُّهَا مُكَاتَبَةً لَهُ: أَيْ
لِلْأَوَّلِ. قِيلَ هُوَ جَزَاءُ إذَا بَقِيَتْ يَجِبُ عَلَيْهَا نِصْفُ
بَدَلِ الْكِتَابَةِ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ قَدْ انْفَسَخَتْ فِيمَا لَا
تَتَضَرَّرُ بِهِ الْمُكَاتَبَةُ، وَلَا تَتَضَرَّرُ بِسُقُوطِ نِصْفِ
الْبَدَلِ وَهُوَ نَصِيبُ الشَّرِيكِ الثَّانِي وَهُوَ قَوْلُ أَبِي
مَنْصُورٍ.
وَقِيلَ يَجِبُ كُلُّ الْبَدَلِ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ لَمْ تَنْفَسِخْ
إلَّا فِي حَقِّ التَّمَلُّكِ ضَرُورَةَ تَكْمِيلِ الِاسْتِيلَادِ،
وَالثَّابِتُ بِالضَّرُورَةِ لَا يَتَعَدَّى فَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ
سُقُوطِ نِصْفِ الْبَدَلِ.
وَقَوْلُهُ (وَفِي إبْقَائِهِ) يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جَوَابًا عَمَّا
يُقَالُ الْكِتَابَةُ تَنْفَسِخُ فِيمَا لَا تَتَضَرَّرُ بِهِ
الْمُكَاتَبَةُ، وَهِيَ لَا تَتَضَرَّرُ بِسُقُوطِ نِصْفِ الْبَدَلِ
فَيَجِبُ أَنْ تَنْفَسِخَ.
وَوَجْهُهُ أَنَّ فِي إبْقَاءِ عَقْدِ الْكِتَابَةِ فِي حَقِّ نِصْفِ
الْبَدَلِ نَظَرًا لِلْمَوْلَى وَإِنْ كَانَتْ لَا تَتَضَرَّرُ
الْمُكَاتَبَةُ بِسُقُوطِهِ، فَرَجَّحْنَا جَانِبَ الْمَوْلَى لِأَنَّ
الْأَصْلَ فِي الْكِتَابَةِ عَدَمُ الْفَسْخِ (وَالْمُكَاتَبَةُ هِيَ
الَّتِي تُعْطِي الْعُقْرَ لِاخْتِصَاصِهَا بِأَبْدَالِ مَنَافِعِهَا،
وَلَوْ عَجَزَتْ وَرُدَّتْ فِي الرِّقِّ تُرَدُّ إلَى الْمَوْلَى لِظُهُورِ
اخْتِصَاصِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا) فِي تَعْلِيلِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ.
(9/201)
قَالَ (وَيَضْمَنُ الْأَوَّلُ لِشَرِيكِهِ
فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - نِصْفَ قِيمَتِهَا
مُكَاتَبَةً) لِأَنَّهُ تَمَلَّكَ نَصِيبَ شَرِيكِهِ وَهِيَ مُكَاتَبَةٌ
فَيَضْمَنُهُ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا لِأَنَّهُ ضَمَانُ
التَّمَلُّكِ (وَفِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ: يَضْمَنُ الْأَقَلَّ مِنْ نِصْفِ
قِيمَتِهَا وَمِنْ نِصْفِ مَا بَقِيَ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ) لِأَنَّ
حَقَّ شَرِيكِهِ فِي نِصْفِ الرَّقَبَةِ عَلَى اعْتِبَارِ الْعَجْزِ، وَفِي
نِصْفِ الْبَدَلِ عَلَى اعْتِبَارِ الْأَدَاءِ فَلِتَرَدُّدٍ بَيْنَهُمَا
يَجِبُ أَقَلُّهُمَا.
قَالَ (وَإِذَا كَانَ الثَّانِي لَمْ يَطَأْهَا وَلَكِنْ دَبَّرَهَا ثُمَّ
عَجَزَتْ بَطَلَ التَّدْبِيرُ) لِأَنَّهُ لَمْ يُصَادِفْ الْمِلْكَ. أَمَّا
عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ لِأَنَّ الْمُسْتَوْلِدَ تَمَلَّكَهَا قَبْلَ
الْعَجْزِ. وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
فَلِأَنَّهُ بِالْعَجْزِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ تَمَلَّكَ نَصِيبَهُ مِنْ
وَقْتِ الْوَطْءِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ مُصَادِفُ مِلْكِ غَيْرِهِ
وَالتَّدْبِيرُ يَعْتَمِدُ الْمِلْكَ، بِخِلَافِ النَّسَبِ لِأَنَّهُ
يَعْتَمِدُ الْغُرُورَ عَلَى مَا مَرَّ.
قَالَ (وَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ لِلْأَوَّلِ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
قَالَ (وَيَضْمَنُ الْأَوَّلُ لِشَرِيكِهِ فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي
يُوسُفَ إلَخْ) إذَا كَاتَبَ الرَّجُلَانِ عَبْدًا مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا
كِتَابَةً وَاحِدَةً ثُمَّ أَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ يَضْمَنُ
الْمُعْتِقُ لِشَرِيكِهِ نِصْفَ قِيمَتِهِ مُكَاتَبًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ
مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا لِأَنَّهُ ضَمَانُ التَّمَلُّكِ وَهُوَ لَا
يَخْتَلِفُ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ. وَعِنْدَمَا يَضْمَنُ الْأَقَلَّ
مِنْ نِصْفِ قِيمَتِهِ مُكَاتَبًا وَمِنْ نِصْفِ مَا بَقِيَ مِنْ بَدَلِ
الْكِتَابَةِ لِأَنَّ حَقَّ شَرِيكِهِ فِي نِصْفِ الرَّقَبَةِ عَلَى
اعْتِبَارِ الْعَجْزِ، وَفِي نِصْفِ الْبَدَلِ عَلَى اعْتِبَارِ
الْأَدَاءِ، فَلِلتَّرَدُّدِ بَيْنَهُمَا يَجِبُ أَقَلُّهُمَا لِأَنَّهُ
مُتَيَقَّنٌ. قَالَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ: وَلِأَنَّهُ لَوْ بَقِيَ مِنْ
الْبَدَلِ دِرْهَمٌ يَكُونُ حِصَّتُهُ نِصْفَ دِرْهَمٍ وَقَدْ تَمَلَّكَهَا
أَحَدُهُمَا بِالِاسْتِيلَادِ فَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ نِصْفُ
الْقِيمَةِ وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ إذَا كَانَتْ قِيمَتُهَا أَلْفَ دِرْهَمٍ
وَقَدْ وَصَلَ إلَيْهِ جَمِيعُ بَدَلِ نَصِيبِهِ مِنْ هَذِهِ الرَّقَبَةِ
إلَّا نِصْفُ دِرْهَمٍ فَلِهَذَا أَوْجَبْنَا الْأَقَلَّ، هَذَا
قَوْلُهُمَا فِي الْمُكَاتَبِ الْمُشْتَرَكِ إذَا أَعْتَقَ أَحَدُهُمَا
نَصِيبَهُ، وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ قَوْلُهُمَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ،
فَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يَضْمَنُ الْأَوَّلُ لِشَرِيكِهِ
نِصْفَ قِيمَتِهَا مُكَاتَبَةً، وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ يَضْمَنُ
الْأَقَلَّ مِنْ نِصْفِ قِيمَتِهَا مُكَاتَبَةً وَمِنْ نِصْفِ مَا بَقِيَ
مِنْ الْبَدَلِ وَالْوَجْهُ قَدْ ذَكَرْنَاهُ
(وَإِذَا كَانَ الثَّانِي لَمْ يَطَأْهَا وَلَكِنْ دَبَّرَهَا ثُمَّ
عَجَزَتْ بَطَلَ التَّدْبِيرُ لِعَدَمِ مُصَادِفَتِهِ الْمِلْكَ، أَمَّا
عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ، لِأَنَّ الْمُسْتَوْلِدَ تَمَلَّكَهَا قَبْلَ
الْعَجْزِ، وَأَمَّا عِنْدَهُ فَلِأَنَّهُ بِالْعَجْزِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ
تَمَلَّكَ نَصِيبَهُ مِنْ وَقْتِ الْوَطْءِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ) أَيْ
التَّدْبِيرَ (مُصَادِفٌ مِلْكَ غَيْرِهِ وَالتَّدْبِيرُ يَعْتَمِدُ
الْمِلْكَ) فَلَا يَصِحُّ بِدُونِهِ (بِخِلَافِ النَّسَبِ) فَإِنَّهُ
يَثْبُتُ مِنْ الثَّانِي إنْ وُجِدَ الْوَطْءُ مِنْهُ (لِأَنَّهُ
يَعْتَمِدُ الْغُرُورَ) لَا الْمِلْكَ (وَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ لِلْأَوَّلِ
لِأَنَّهُ تَمَلَّكَ نَصِيبَ شَرِيكِهِ وَكَمَّلَ الِاسْتِيلَادَ عَلَى مَا
بَيَّنَّا) يَعْنِي فِي تَعْلِيلِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ قَوْلُهُ
(9/202)
لِأَنَّهُ تَمَلَّكَ نَصِيبَ شَرِيكِهِ
وَكَمَّلَ الِاسْتِيلَادَ عَلَى مَا بَيَّنَّا (وَيَضْمَنُ لِشَرِيكِهِ
نِصْفَ عُقْرِهَا) لِوَطْئِهِ جَارِيَةً مُشْتَرَكَةً (وَنِصْفَ
قِيمَتِهَا) لِأَنَّهُ تَمَلَّكَ نِصْفَهَا بِالِاسْتِيلَادِ وَهُوَ
تَمَلَّكَ بِالْقِيمَةِ (وَالْوَلَدُ وَلَدُ الْأَوَّلِ) لِأَنَّهُ صَحَّتْ
دَعْوَتُهُ لِقِيَامِ الْمُصَحِّحِ، وَهَذَا قَوْلُهُمْ جَمِيعًا.
وَوَجْهُهُ مَا بَيَّنَّا.
قَالَ (وَإِنْ كَانَا كَاتَبَاهَا ثُمَّ أَعْتَقَهَا أَحَدُهُمَا وَهُوَ
مُوسِرٌ ثُمَّ عَجَزَتْ يَضْمَنُ الْمُعْتِقُ لِشَرِيكِهِ نِصْفَ
قِيمَتِهَا وَيَرْجِعُ بِذَلِكَ عَلَيْهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ،
وَقَالَا: لَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا) لِأَنَّهَا لَمَّا عَجَزَتْ وَرُدَّتْ
فِي الرِّقِّ تَصِيرُ كَأَنَّهَا لَمْ تَزَلْ قِنَّةً،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
وَتَبَيَّنَ أَنَّ الْجَارِيَةَ كُلَّهَا أُمُّ وَلَدٍ لِلْأَوَّلِ أَنَّهُ
زَالَ الْمَانِعُ مِنْ الِانْتِقَالِ (وَيَضْمَنُ لِشَرِيكِهِ نِصْفَ
عُقْرِهَا لِوَطْئِهِ جَارِيَةً مُشْتَرَكَةً وَنِصْفَ قِيمَتِهَا
لِأَنَّهُ تَمَلَّكَ نِصْفَهَا بِالِاسْتِيلَادِ وَهُوَ تَمَلُّكٌ
بِالْقِيمَةِ، وَالْوَلَدُ وَلَدُ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ صَحَّتْ دَعْوَتُهُ
لِقِيَامِ الْمُصَحِّحِ) وَهُوَ الْمِلْكُ فِي الْمُكَاتَبَةِ (وَهَذَا
قَوْلُهُمْ جَمِيعًا) لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ مَعَ بَقَاءِ الْكِتَابَةِ
وَهَاهُنَا مَا بَقِيَتْ، لِأَنَّهُ لَمَّا اسْتَوْلَدَهَا الْأَوَّلُ
مَلَكَ نِصْفَ شَرِيكِهِ وَلَمْ يَبْقَ مِلْكٌ لِلْمُدَبَّرِ فِيهَا فَلَا
يَصِحُّ تَدْبِيرُهُ، وَقَدْ ذَكَرْنَا أَيْضًا مِنْ قَوْلِهِ (وَوَجْهُهُ
مَا بَيَّنَّا) أَيْ فِي تَعْلِيلِ الْقَوْلَيْنِ، أَمَّا طَرَفُ أَبِي
حَنِيفَةَ فَقَدْ ذَكَرْنَا آنِفًا مِنْ قَوْلِهِ وَتَبَيَّنَ أَنَّ
الْجَارِيَةَ إلَخْ، وَأَمَّا طَرَفُهُمَا فَهُوَ قَوْلُهُ لِأَنَّهُ
لَمَّا ادَّعَى الْأَوَّلُ صَارَتْ كُلُّهَا أُمَّ وَلَدٍ لَهُ إلَخْ.
(وَإِنْ كَانَ كَاتَبَاهَا ثُمَّ أَعْتَقَهَا أَحَدُهُمَا وَهُوَ مُوسِرٌ
ثُمَّ عَجَزَتْ يَضْمَنُ الْمُعْتِقُ لِشَرِيكِهِ نِصْفَ قِيمَتِهَا
وَيَرْجِعُ بِذَلِكَ عَلَيْهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: لَا
يَرْجِعُ عَلَيْهَا لِأَنَّهَا لَمَّا عَجَزَتْ وَرُدَّتْ فِي الرِّقِّ
صَارَتْ كَأَنَّهَا لَمْ تَزُلْ قِنَّةً.
(9/203)
وَالْجَوَابُ فِيهِ عَلَى الْخِلَافِ فِي
الرُّجُوعِ وَفِي الْخِيَارَاتِ وَغَيْرِهَا كَمَا هُوَ مَسْأَلَةُ
تَجَزُّؤِ الْإِعْتَاقِ وَقَدْ قَرَرْنَاهُ فِي الْإِعْتَاقِ، فَأَمَّا
قَبْلَ الْعَجْزِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُعْتِقَ عِنْدَ أَبِي
حَنِيفَةَ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ لَمَّا كَانَ يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ كَانَ
أَثَرُهُ أَنْ يُجْعَلَ نَصِيبُ غَيْرِ الْمُعْتِقِ كَالْمُكَاتَبِ فَلَا
يَتَغَيَّرُ بِهِ نَصِيبُ صَاحِبِهِ لِأَنَّهَا مُكَاتَبَةٌ قَبْلَ ذَلِكَ
وَعِنْدَهُمَا لَمَّا كَانَ لَا يَتَجَزَّأُ بِعِتْقِ الْكُلِّ فَلَهُ أَنْ
يُضَمِّنَهُ قِيمَةَ نَصِيبِهِ مُكَاتَبًا إنْ كَانَ مُوسِرًا،
وَيُسْتَسْعَى الْعَبْدُ إنْ كَانَ مُعْسِرًا لِأَنَّهُ ضَمَانُ إعْتَاقٍ
فَيَخْتَلِفُ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ.
قَالَ (وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ دَبَّرَهُ أَحَدُهُمَا
ثُمَّ أَعْتَقَهُ الْآخَرُ وَهُوَ مُوسِرٌ، فَإِنْ شَاءَ الَّذِي دَبَّرَهُ
ضَمَّنَ الْمُعْتِقَ نِصْفَ قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا، وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى
الْعَبْدَ، وَإِنْ شَاءَ أَعْتَقَ، وَإِنْ أَعْتَقَهُ أَحَدُهُمَا ثُمَّ
دَبَّرَهُ الْآخَرُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُعْتِقَ
وَيُسْتَسْعَى أَوْ يُعْتَقُ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ
اللَّهُ -) وَوَجْهُهُ أَنَّ التَّدْبِيرَ يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ
فَتَدْبِيرُ أَحَدِهِمَا يَقْتَصِرُ عَلَى نَصِيبِهِ لَكِنْ يَفْسُدُ بِهِ
نَصِيبُ الْآخَرِ فَيَثْبُتُ لَهُ خِيرَةُ الْإِعْتَاقِ وَالتَّضْمِينِ
وَالِاسْتِسْعَاءِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُهُ، فَإِذَا أَعْتَقَ لَمْ يَبْقَ
لَهُ خِيَارُ التَّضْمِينِ وَالِاسْتِسْعَاءِ، وَإِعْتَاقُهُ يَقْتَصِرُ
عَلَى نَصِيبِهِ لِأَنَّهُ يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ، وَلَكِنْ يَفْسُدُ بِهِ
نَصِيبُ شَرِيكِهِ فَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ قِيمَةَ نَصِيبِهِ، وَلَهُ
خِيَارُ الْعِتْقِ وَالِاسْتِسْعَاءِ أَيْضًا كَمَا هُوَ مَذْهَبُهُ
وَيُضَمِّنُهُ قِيمَةَ نَصِيبِهِ مُدَبَّرًا لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ صَادَفَ
الْمُدَبَّرَ.
ثُمَّ قِيلَ: قِيمَةُ الْمُدَبَّرِ تُعْرَفُ بِتَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ،
وَقِيلَ يَجِبُ ثُلُثَا قِيمَتِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
وَالْجَوَابُ فِيهِ) أَيْ فِي إعْتَاقِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ الْقِنَّ
(عَلَى هَذَا الْخِلَافِ فِي الرُّجُوعِ) فَإِنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ
إذَا ضَمِنَ السَّاكِتُ الْمُعْتِقَ فَالْمُعْتِقُ يَرْجِعُ عَلَى
الْعَبْدِ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ (وَفِي الْخِيَارَاتِ)
عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ السَّاكِتُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْخِيَارَاتِ
الثَّلَاثِ: إنْ شَاءَ أَعْتَقَ، وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى الْعَبْدَ،
وَإِنْ شَاءَ ضَمِنَ شَرِيكُهُ قِيمَةَ نَصِيبِهِ.
وَعِنْدَهُمَا لَيْسَ لَهُ إلَّا الضَّمَانُ مَعَ الْيَسَارِ
وَالسِّعَايَةُ مَعَ الْإِعْسَارِ (وَغَيْرِهَا) يَعْنِي الْوَلَاءَ
وَتَرْدِيدَ الِاسْتِسْعَاءِ، فَإِنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إنْ أَعْتَقَ
السَّاكِتُ أَوْ اسْتَسْعَى فَالْوَلَاءُ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ ضَمِنَ
الْمُعْتَقُ فَالْوَلَاءُ لِلْمُعْتِقِ، وَعِنْدَهُمَا لِلْمُعْتِقِ فِي
الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا. وَأَمَّا تَرْدِيدُ الِاسْتِسْعَاءِ فَإِنَّهُمَا
لَا يَرَيَانِ الِاسْتِسْعَاءَ مَعَ الْيَسَارِ، وَيَقُولَانِ: إنْ كَانَ
الْمُعْتِقُ مُوسِرًا يَضْمَنُ نَصِيبَ السَّاكِتِ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا
سَعَى الْعَبْدُ لِنَصِيبِ السَّاكِتِ، وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - يَرَاهُ (كَمَا هُوَ مَسْأَلَةُ تَجَزُّؤِ الْإِعْتَاقِ كَمَا
تَقَرَّرَ فِي الْعَتَاقِ) هَذَا إذَا عَجَزَ (فَأَمَّا قَبْلَ الْعَجْزِ
فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَضْمَنَ الْمُعْتِقُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) خِلَافًا
لَهُمَا وَهُوَ وَاضِحٌ، وَمَبْنَاهُ أَيْضًا عَلَى تَجَزُّؤِ
الْإِعْتَاقِ، وَذَلِكَ (لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ لَمَّا تَجَزَّأَ عِنْدَهُ
لَمْ يَظْهَرْ إفْسَادُ نَصِيبِ السَّاكِتِ مَا لَمْ يَعْجِزْ فَإِنَّ
أَثَرَهُ حِينَئِذٍ أَنْ يُجْعَلَ نَصِيبُ السَّاكِتِ كَالْمُكَاتَبِ)
وَهُوَ حَاصِلٌ، وَإِنَّمَا يَظْهَرُ ذَلِكَ إذَا عَجَزَتْ كَمَا يُوجِبُ
ذَلِكَ فِي الْقِنَّةِ. فَيُوجِبُ الضَّمَانَ (وَعِنْدَهُمَا لَمَّا لَمْ
يَتَجَزَّأْ عَتَقَ الْكُلُّ فَلَهُ أَنْ يَضْمَنَ قِيمَةَ نَصِيبِهِ
مُكَاتَبًا إنْ كَانَ مُوسِرًا وَيُسْتَسْعَى الْعَبْدُ إنْ كَانَ
مُعْسِرًا، لِأَنَّهُ ضَمَانُ إعْتَاقٍ فَيَخْتَلِفُ بِالْيَسَارِ
وَالْإِعْسَارِ) .
قَالَ (وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ دَبَّرَهُ أَحَدُهُمَا
إلَخْ) وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ دَبَّرَهُ أَحَدُهُمَا
ثُمَّ أَعْتَقَهُ الْآخَرُ وَهُوَ مُوسِرٌ فَإِنَّ الْمُدَبَّرَ مُخَيَّرٌ
بَيْنَ تَضْمِينِ الْمُعْتِقِ نِصْفَ قِيمَةِ الْمُدَبَّرِ وَبَيْنَ
اسْتِسْعَاءِ الْعَبْدِ وَإِعْتَاقِهِ، وَإِنْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ
بِالْعَكْسِ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ إنْ أَعْتَقَهُ أَحَدُهُمَا ثُمَّ
دَبَّرَهُ الْآخَرُ لَمْ يَضْمَنْ الْمُعْتِقُ وَلَكِنْ يُسْتَسْعَى أَوْ
يُعْتِقُ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَوَجْهُهُ أَنَّ التَّدْبِيرَ يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ فَتَدْبِيرُ
أَحَدِهِمَا يَقْتَصِرُ عَلَى نَصِيبِهِ لَكِنَّهُ يَفْسُدُ بِهِ نَصِيبُ
الْآخَرِ لِسَدِّ
(9/204)
زَهْوَ قِنٍّ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ
أَنْوَاعٌ ثَلَاثَةٌ: الْبَيْعُ وَأَشْبَاهُهُ، وَالِاسْتِخْدَامُ
وَأَمْثَالُهُ، وَالْإِعْتَاقُ وَتَوَابِعُهُ، وَالْفَائِتُ الْبَيْعُ
فَيَسْقُطُ الثُّلُثُ. وَإِذَا ضَمَّنَهُ لَا يَتَمَلَّكُهُ بِالضَّمَانِ
لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ الِانْتِقَالَ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ، كَمَا إذَا
غَصَبَ مُدَبَّرًا فَأَبَقَ. وَإِنْ أَعْتَقَهُ أَحَدُهُمَا أَوَّلًا كَانَ
لِلْآخَرِ الْخِيَارَاتُ الثَّلَاثُ عِنْدَهُ، فَإِذَا دَبَّرَهُ لَمْ
يَبْقَ لَهُ خِيَارُ التَّضْمِينِ وَبَقِيَ خِيَارُ الْإِعْتَاقِ
وَالِاسْتِسْعَاءِ لِأَنَّ الْمُدَبَّرَ يُعْتَقُ وَيُسْتَسْعَى (وَقَالَ
أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: إذَا دَبَّرَهُ أَحَدُهُمَا فَعِتْقُ الْآخَرِ
بَاطِلٌ) لِأَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُمَا فَيَتَمَلَّكُ نَصِيبَ
صَاحِبِهِ بِالتَّدْبِيرِ (وَيَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهِ مُوسِرًا كَانَ
أَوْ مُعْسِرًا) لِأَنَّهُ ضَمَانُ تَمَلُّكٍ فَلَا يَخْتَلِفُ
بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ، وَيَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهِ قِنًّا
لِأَنَّهُ صَادَفَهُ التَّدْبِيرُ وَهُوَ قِنٌّ (وَإِنْ أَعْتَقَهُ
أَحَدُهُمَا فَتَدْبِيرُ الْآخَرِ بَاطِلٌ) لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ لَا
يَتَجَزَّأُ فَعَتَقَ كُلُّهُ فَلَمْ يُصَادِفْ التَّدْبِيرُ الْمِلْكَ
وَهُوَ يَعْتَمِدُهُ (وَيَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهِ إنْ كَانَ مُوسِرًا)
وَيَسْعَى الْعَبْدُ فِي ذَلِكَ إنْ كَانَ مُعْسِرًا لِأَنَّ هَذَا ضَمَانُ
الْإِعْتَاقِ فَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ
عِنْدَهُمَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
بَابِ النَّقْلِ عَلَيْهِ فَلَهُ أَنْ يَضْمَنَ قِيمَةَ نَصِيبِهِ وَلَهُ
الْإِعْتَاقُ وَالِاسْتِسْعَاءُ، فَإِذَا أَعْتَقَ الْآخَرُ لَمْ يَبْقَ
لَهُ خِيَارُ التَّضْمِينِ وَالِاسْتِسْعَاءِ، وَيَقْتَصِرُ الْإِعْتَاقُ
عَلَى نَصِيبِهِ لِأَنَّهُ يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ، وَلَكِنْ يَفْسُدُ بِهِ
نَصِيبُ شَرِيكِهِ لِسَدِّ بَابِ الِاسْتِخْدَامِ عَلَيْهِ فَلَهُ
تَضْمِينُ نَصِيبِهِ وَالْإِعْتَاقِ وَالسِّعَايَةِ أَيْضًا كَمَا هُوَ
مَذْهَبُهُ، فَإِنْ ضَمِنَهُ ضَمِنَ قِيمَةَ نَصِيبِهِ مُدَبَّرًا لِأَنَّ
الْإِعْتَاقَ صَادَفَ الْمُدَبَّرَ. وَاخْتَلَفُوا فِي قِيمَتِهِ، فَقِيلَ
قِيمَتُهُ تُعْرَفُ بِتَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ، وَقِيلَ قِيمَتُهُ
ثُلُثَا قِيمَةِ الْقِنِّ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ أَنْوَاعٌ ثَلَاثَةٌ:
الْبَيْعُ وَمَا أَشْبَهَهُ فِي كَوْنِهِ خُرُوجًا عَنْ الْمِلْكِ
كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْإِرْثِ وَالْوَصِيَّةِ وَالِاسْتِخْدَامِ
وَأَمْثَالِهِ فِي كَوْنِهِ انْتِفَاعًا بِالْمَنَافِعِ كَالْإِجَارَةِ
وَالْعَارِيَّةِ وَالْوَطْءِ. وَالْإِعْتَاقُ وَتَوَابِعُهُ كَالْكِتَابَةِ
وَالِاسْتِيلَادِ وَالتَّدْبِيرِ وَالْإِعْتَاقِ عَلَى مَالٍ، وَالْفَائِتُ
مِنْ ذَلِكَ النَّوْعِ الْأَوَّلِ فَيَسْقُطُ الثُّلُثُ، وَإِذَا ضَمِنَهُ
لَا يَتَمَلَّكُ شَيْئًا بِالضَّمَانِ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ
الِانْتِقَالَ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ كَمَا إذَا غَصَبَ مُدَبَّرًا
وَأَبَقَ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ وَلَا يَتَمَلَّكُهُ فَكَانَ ضَمَانَ
حَيْلُولَةٍ بَيْنَ الْمَالِكِ وَالْمَمْلُوكِ لَا ضَمَانَ تَمَلُّكٍ،
وَإِنْ أَعْتَقَهُ أَوَّلًا: يَعْنِي الْمَسْأَلَةَ الثَّانِيَةَ كَانَ
لِلْآخَرِ الْخِيَارَاتُ الثَّلَاثُ عِنْدَهُ خِيَارُ التَّضْمِينِ
وَالْإِعْتَاقِ وَالسِّعَايَةِ، لِأَنَّ الْمُعْتِقَ اقْتَصَرَ عَلَى
نَصِيبِهِ وَأَفْسَدَ نَصِيبَ شَرِيكِهِ كَمَا مَرَّ، فَإِذَا دَبَّرَهُ
لَمْ يَبْقَ لَهُ خِيَارُ التَّضْمِينِ، لِأَنَّهُ بِمُبَاشَرَةِ
التَّدْبِيرِ يَصِيرُ مُبْرِئًا لِلْمُعْتِقِ عَنْ الضَّمَانِ لِمَعْنًى
وَهُوَ أَنَّ نَصِيبَهُ كَانَ قِنًّا عِنْدَ إعْتَاقِ الْمُعْتِقِ فَكَانَ
تَضْمِينُهُ إيَّاهُ مُتَعَلِّقًا بِشَرْطِ تَمْلِيكِ الْعَيْنِ
بِالضَّمَانِ وَقَدْ فَوَّتَ ذَاكَ بِالتَّدْبِيرِ، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ
فَهُنَاكَ كَانَ نَصِيبُهُ مُدَبَّرًا عِنْدَ ذَلِكَ فَلَا يَكُونُ
التَّضْمِينُ مَشْرُوطًا بِتَمْلِيكِ الْعَيْنِ مِنْهُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ
الضَّمَانَ يَتَعَلَّقُ بِالتَّمْلِيكِ إذَا كَانَ الْمَحَلُّ وَقْتَ
الْإِعْتَاقِ قَابِلًا لِلتَّمْلِيكِ، كَمَا إذَا أَعْتَقَ أَوَّلًا أَوْ
غَصَبَ الْقِنَّ فَمَاتَ أَوْ أَبَقَ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ
الْمَحَلُّ قَابِلًا لَهُ وَقْتَ الْإِعْتَاقِ كَمَا إذَا تَقَدَّمَ
التَّدْبِيرُ فَالضَّمَانُ يَتَعَلَّقُ بِمُجَرَّدِ الْحَيْلُولَةِ بَيْنَ
الْمَالِكِ وَالْمَمْلُوكِ لَا بِالتَّمْلِيكِ، فَإِذَا اعْتَرَضَ ضَمَانُ
الْحَيْلُولَةِ عَلَى مَا تَعَلَّقَ بِالتَّمْلِيكِ سَقَطَ الضَّمَانُ
لِفَوَاتِ شَرْطِهِ، فَصَارَ مُفَوَّتَ الشَّرْطِ بِتَفْوِيتِهِ مُبْرِئًا
لِصَاحِبِهِ عَمَّا لَزِمَهُ، وَبَقِيَ لَهُ خِيَارُ الْإِعْتَاقِ
وَالِاسْتِسْعَاءِ لِأَنَّ الْمُدَبَّرَ يُعْتَقُ وَيُسْتَسْعَى.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: إذَا دَبَّرَهُ أَحَدُهُمَا فَعِتْقُ
الْآخَرِ بَاطِلٌ، لِأَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُمَا فَيَتَمَلَّكُ
نَصِيبَ صَاحِبِهِ بِالتَّدْبِيرِ وَيَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهِ مُوسِرًا
كَانَ أَوْ مُعْسِرًا لِأَنَّهُ ضَمَانُ تَمَلُّكٍ فَلَا يَخْتَلِفُ
بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ وَيَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهِ قِنًّا لِأَنَّ
تَدْبِيرَهُ صَادَفَهُ وَهُوَ قِنٌّ، وَإِنْ أَعْتَقَهُ أَحَدُهُمَا
فَتَدْبِيرُ الْآخَرِ بَاطِلٌ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ لَا يَتَجَزَّأُ
عِنْدَهُمَا فَيُعْتَقُ كُلُّهُ، وَكَلَامُهُ فِيهِ ظَاهِرٌ.
(9/205)
|