اللباب في الجمع بين السنة والكتاب

 (3 - كتاب الزَّكَاة /)

(بَاب (لَا زَكَاة) فِي مَال الصَّبِي وَالْمَجْنُون)

صَحَّ عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا، عَن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] أَنه قَالَ: " رفع الْقَلَم عَن (ثَلَاثَة) : عَن النَّائِم حَتَّى يَسْتَيْقِظ، وَعَن الصَّبِي حَتَّى يَحْتَلِم، وَعَن الْمَجْنُون حَتَّى يفِيق ".
فَإِن قيل: روى التِّرْمِذِيّ، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده، أَن

(1/339)


النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] خطب فَقَالَ: " أَلا من ولي يَتِيما لَهُ (مَال) فليتجر فِي مَاله وَلَا يتْركهُ حَتَّى تَأْكُله الصَّدَقَة ".
وروى الدَّارَقُطْنِيّ: (عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده، قَالَ: قَالَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : " احْفَظُوا الْيَتَامَى فِي أَمْوَالهم) لَا تأكلها الصَّدَقَة ".
قيل لَهُ: فِي سَنَد الحَدِيث الأول: الْمثنى بن الصَّباح، قَالَ فِيهِ أَحْمد: " لَا يُسَاوِي شَيْئا ". وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: منْدَل، وَفِيه مقَال. ومدار الْحَدِيثين على عمر وبن شُعَيْب، وَفِيه كَلَام.
فَإِن قيل: قَالَ البُخَارِيّ: " رَأَيْت أَحْمد بن حَنْبَل، وَعلي بن الْمَدِينِيّ، والْحميدِي، وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم، يحتجون بحَديثه ".
قيل لَهُ: قَالَ (مُحَمَّد بن حبَان) : " كَانَ يرفع الْمَرَاسِيل، ويسند الْمَوْقُوفَات من سوء حفظه، فَلَمَّا فحش ذَلِك مِنْهُ اسْتحق التّرْك ". وَقَالَ ابْن معِين مرّة: " لَيْسَ بِذَاكَ ". وَقَالَ الإِمَام أَحْمد: " لَيْسَ بِحجَّة "، وَقَالَ مرّة: " رُبمَا احتججنا بِهِ وَرُبمَا وجس فِي الْقلب مِنْهُ شَيْء، وَله مَنَاكِير ". وَقَالَ يحيى بن سعيد الْقطَّان: " عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه، عَن جده عندنَا واه ". وَقَالَ (أَيُّوب) السّخْتِيَانِيّ: " كنت آتِي عَمْرو بن شُعَيْب فأغطي رَأْسِي حَيَاء من النَّاس " وَكَانَ مُغيرَة بن مقسم لَا يعبأ بِصَحِيفَة عَمْرو بن شُعَيْب. وَإِلَى هَذَا ذهب سُفْيَان الثَّوْريّ رَحمَه الله.

(1/340)


(بَاب زَكَاة الْإِبِل السَّائِمَة)

(الطَّحَاوِيّ) ، عَن حَمَّاد بن سَلمَة قَالَ: قلت لقيس بن سعد: اكْتُبْ إِلَيّ كتاب أبي بكر بن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم، فَكَتبهُ لي فِي ورقة ثمَّ جَاءَ يَوْمًا وَأخْبر أَنه أَخذه من كتاب أبي بكر بن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم، وَأَخْبرنِي أَن رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] كتبه لجده عَمْرو بن حزم فِي ذكر مَا يخرج من فَرَائض الْإِبِل، فَكَانَ فِيهِ: " إِذا بلغت تسعين فَفِيهَا حقتان إِلَى أَن تبلغ عشْرين وَمِائَة، فَإِذا كَانَت أَكثر من ذَلِك فَفِي كل خمسين حقة، (وَفِي كل أَرْبَعِينَ بنت لبون) ، / فَمَا فضل فَإِنَّهُ يُعَاد إِلَى أول فَرَائض الْإِبِل، فَمَا كَانَ أقل من خمس وَعشْرين فَفِيهِ الْغنم فِي كل خمس ذود شَاة ".
فَإِن قيل: روى حَمَّاد بن سَلمَة قَالَ: " أخذت من ثُمَامَة بن عبد الله بن أنس (كتابا) زعم أَن أَبَا بكر كتبه لأنس وَعَلِيهِ خَاتم رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] حِين بَعثه مُصدقا، وَكتب (لَهُ) فِيهِ: " هَذِه فَرِيضَة الصَّدَقَة وَفِيه: فَإِذا زَادَت على عشْرين وَمِائَة فَفِي كل

(1/341)


أَرْبَعِينَ بنت لبون، وَفِي كل خمسين حقة ". وَهَكَذَا حَدِيث سَالم عَن أَبِيه
قيل لَهُ: قَالَ الطَّحَاوِيّ: " حَدِيث ثُمَامَة بن عبد الله إِنَّمَا وَصله عبد الله بن الْمثنى، لَا نعلم أحدا وَصله غَيره،، وَقد رَوَاهُ حَمَّاد مُنْقَطِعًا، وَهُوَ أجل قدرا من ابْن الْمثنى، وَهُوَ مِمَّن يحْتَج بحَديثه دون ابْن الْمثنى، فَيجب على أصل هَذَا الْقَائِل أَن يدْخل هَذَا الحَدِيث فِي حد الْمُنْقَطع، لِأَن الرّفْع زِيَادَة وَزِيَادَة غير الْحَافِظ (على الْحَافِظ) غير مَقْبُولَة ".
وَأما الحَدِيث الثَّانِي فقد قَالَ التِّرْمِذِيّ: " لم يرفعهُ أحد من أَصْحَاب الزُّهْرِيّ، وَإِنَّمَا رَفعه سُفْيَان بن حُسَيْن ".
فَإِن قيل: سُفْيَان بن حُسَيْن ثِقَة، أخرج لَهُ مُسلم، وَاسْتشْهدَ بِهِ البُخَارِيّ.
قيل لَهُ: إِلَّا أَن فِي حَدِيثه عَن (الزُّهْرِيّ) مقَالا، قَالَ التِّرْمِذِيّ فِي كتاب الْعِلَل: " سَأَلت مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل البُخَارِيّ عَن هَذَا الحَدِيث فَقَالَ: أَرْجُو أَن يكون مَحْفُوظًا "، فَلم يجْزم بحفظه فضلا عَن صِحَّته.

(1/342)


فَإِن قيل: رُوِيَ أَيْضا: " إِذا كَانَت إِحْدَى وَعشْرين وَمِائَة فَفِيهَا ثَلَاث بَنَات لبون ".
قيل لَهُ: هُوَ مُرْسل وَلم يسلم عَن الْمعَارض.
فَإِن قيل: حَدِيث عَمْرو بن حزم مُضْطَرب.
قيل لَهُ: من أَيْن اضْطربَ، قد رَوَاهُ قيس بن سعد، عَن أبي بكر بن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم، وَقيس حجَّة حَافظ. وَقد قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: " قَالَ أَحْمد بن حَنْبَل رَحمَه الله: حَدِيث عَمْرو بن حزم فِي كتاب الصَّدقَات صَحِيح ".
ويعضده مَا روى الطَّحَاوِيّ: عَن أبي عُبَيْدَة وَزِيَاد بن أبي مَرْيَم، عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ فِي فَرَائض الْإِبِل: " فَإِذا زَادَت على تسعين فَفِيهَا حقتان إِلَى عشْرين وَمِائَة، فَإِذا بلغت الْعشْرين وَالْمِائَة اسْتقْبلت الْفَرِيضَة بالغنم فِي كل خمس شَاة، فَإِذا بلغت خمْسا وَعشْرين ففرائض الْإِبِل، فَإِذا كثرت فَفِي كل خمسين حقة " /.
وَعنهُ: عَن مَنْصُور بن الْمُعْتَمِر قَالَ: قَالَ إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ: " إِذا زَادَت الْإِبِل على عشْرين وَمِائَة ردَّتْ إِلَى أول الْفَرْض " فَهَذَا عبد الله بن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ من أكبر الصَّحَابَة وأعلمهم، وَمن التَّابِعين إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وسُفْيَان الثَّوْريّ يذهبون إِلَى مَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ، وهم أهل علم وَحَدِيث كثير.
ثمَّ نقُول حَدِيث ابْن شهَاب الْمُرْسل قد جَاءَ مُخَالف الْأُصُول، ومخالف الرِّوَايَات، فَلَا يجوز الْقَضَاء بِهِ، وَذَلِكَ أَن الْأَحَادِيث وَردت وفيهَا: " فَإِذا زَادَت فَفِي كل خمسين حقة وَفِي كل أَرْبَعِينَ بنت لبون ". فَلم يتَغَيَّر الْفَرْض إِلَّا بِزِيَادَة تحْتَمل بعد الْمِائَة وَالْعِشْرين الأربعينات والخمسينات، فَلَا شَيْء (يَتَجَدَّد) فِيهَا حَتَّى تبلغ مائَة وَخمسين، لِأَن الْفَرْض من تسعين إِلَى مائَة وَعشْرين يتَغَيَّر بِثَلَاثِينَ، فَلَا يتَغَيَّر (إِلَّا)

(1/343)


بِمِثْلِهَا كَالَّذي قبله، فَلَمَّا تغير الْفَرْض بِوَاحِدَة، وَلم يكن ذَلِك (فِي أوقاص) الْإِبِل ابْتِدَاء وَهِي فِي حد الْقَلِيل، فَكيف يكون وقصا وَهِي فِي حد الْكثير. هَذَا قَول ابْن الْعَرَبِيّ. وَأما الطَّحَاوِيّ فَقَالَ: " رأيناهم جعلُوا الْمِائَة وَالْعِشْرين نِهَايَة لما وَجب فِيمَا زَاد على التسعين، وَمَا جعل نِهَايَة قبل ذَلِك إِذا زَادَت الْإِبِل شَيْئا وَجب بِزِيَادَتِهِ فرض غير الأول أَو زِيَادَة عَلَيْهِ، (وَكَانَت) الْمِائَة وَالْعِشْرين نِهَايَة لما أوجبوه فِي الزِّيَادَة على التسعين، فَثَبت بِهَذَا أَن مَا زَاد على الْمِائَة وَالْعِشْرين يجب بِهِ شَيْء إِمَّا زِيَادَة على الْفَرْض الأول وَإِمَّا غير ذَلِك، ففسد بذلك قَول مَالك رَحمَه الله.
ونظرنا فِيمَا بَين قَوْلنَا وَقَول الشَّافِعِي فوجدناهم يوجبون بِزِيَادَة الْبَعِير الْوَاحِد على الْعشْرين وَالْمِائَة رد (حكم) جَمِيع الْإِبِل إِلَى مَا يجب فِيهِ الْبَنَات اللَّبُون، وَهُوَ مَا ذكر عَنهُ أَن فِي كل أَرْبَعِينَ بنت لبون، فَكَانَ من الْحجَّة عَلَيْهِ أَنا رَأينَا جَمِيع مَا يزِيد على النهايات الْمُسَمَّاة (فِي) فَرَائض الْإِبِل، فِيمَا دون الْعشْرين وَالْمِائَة، أَن تِلْكَ الزِّيَادَة الْمُغيرَة لَهَا حِصَّة فِيمَا وَجب بهَا من ذَلِك، وَكَانَت الْإِبِل إِذا زَادَت (بَعِيرًا) وَاحِدًا على الْمِائَة وَالْعِشْرين، فَكل قد أجمع أَن لَا شَيْء فِي هَذَا (الْبَعِير) ، لِأَن من أوجب

(1/344)


الِاسْتِئْنَاف لم يُوجب فِيهِ شَيْئا، وَكَذَلِكَ من قَالَ يجب ثَلَاث بَنَات لبون، فَلَمَّا ثَبت أَن الْفَرْض فِيمَا / قبل الْمِائَة وَالْعِشْرين لَا ينْتَقل إِلَّا بِمَا يجب فِيهِ جُزْء من الْفَرْض الْوَاجِب بِهِ، وَكَانَ (الْبَعِير) الزَّائِد على الْعشْرين وَالْمِائَة لَا يجب فِيهِ شَيْء من فرض وَجب بِهِ، ثَبت أَنه غير مغير فرض غَيره عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ قبل حُدُوثه.
(ذكر أَسْنَان الْإِبِل الَّتِي تتَعَلَّق بهَا الزَّكَاة:)

قَالَ أَبُو دَاوُد: " إِذا وضعت النَّاقة فَمشى وَلَدهَا سمي حوارا إِلَى سنة، فَإِذا فصل عَن أمه وفطم فَهُوَ فصيل، والفصال: الْفِطَام، وَهِي بنت مَخَاض إِلَى سنتَيْن، فَإِذا دخلت فِي الثَّالِثَة فَهِيَ بنت لبون، فَإِذا تمت لَهَا ثَلَاث سِنِين فَهِيَ حق، وحقة، إِلَى تَمام أَربع سِنِين، لِأَنَّهَا اسْتحقَّت أَن تركب وَأَن يحمل عَلَيْهَا الْفَحْل وَيُقَال للحقة طروقة الْفَحْل، لِأَن الْفَحْل يطرقها، فتسمى كَذَلِك إِلَى أَن تطعن فِي الْخَامِسَة، (فَإِذا طعنت فِي الْخَامِسَة) فَهِيَ جَذَعَة إِلَى أَن تطعن فِي السَّادِسَة، (فَإِذا طعنت فِي السَّادِسَة) وَأَلْقَتْ (ثنية) فَهِيَ ثني حَتَّى تستكمل سِتا، فَإِذا دخلت فِي السَّابِعَة سمي الذّكر رباعيا، وَالْأُنْثَى ربَاعِية، تخفف الْيَاء فيهمَا، فَإِذا (دخل) فِي الثَّامِنَة وَألقى السن السديس وَهُوَ الَّذِي بعد الرّبَاعِيّة فه سديس (وَسدس) ، فَإِذا دخل فِي التَّاسِعَة وطلع نابه فَهُوَ بازل، أَي بزل نابه، أَي طلع فَإِذا دخل فِي الْعَاشِرَة فَهُوَ مخلف، ثمَّ لَيْسَ لَهُ اسْم بعد ذَلِك، بل يُقَال (لَهُ) بازل عَام، وبازل عَاميْنِ، (ومخلف عَام) ، ومخلف عَاميْنِ، (والمخلف: الْحَائِل) ، وفصول الْأَسْنَان عِنْد طُلُوع سُهَيْل ". كَذَا ذكره أَبُو دواد.

(1/345)


(بَاب فِي الْخَيل زَكَاة)

مُسلم: عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : " الْخَيل ثَلَاثَة: هِيَ لرجل وزر، وَهِي لرجل ستر، وَهِي لرجل أجر، فَأَما الَّتِي هِيَ لَهُ وزر: فَرجل ربطها رِيَاء وفخرا ونواء لأهل الْإِسْلَام، فَهِيَ لَهُ وزر. وَأما الَّتِي هِيَ لَهُ ستر: فَرجل ربطها فِي سَبِيل الله ثمَّ لم ينس حق الله فِي ظُهُورهَا وَلَا فِي رقابها فَهِيَ لَهُ ستر ".
قَالَ أَبُو جَعْفَر الطَّحَاوِيّ: " فَفِي هَذَا دَلِيل على أَن لله تَعَالَى فِيهَا حَقًا، وَهُوَ كحقه فِي سَائِر الْأَمْوَال ".
فَإِن قيل: رُوِيَ أَن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] قَالَ: " فِي المَال حق سوى الزَّكَاة " / قيل لَهُ: قد ضعفه أَبُو عِيسَى: وَقَالَ: " هَذَا حَدِيث لَيْسَ إِسْنَاده بذلك الْقوي، وَفِي سَنَده أَبُو حَمْزَة مَيْمُون الْأَعْوَر، يضعف، وروى بَيَان وَإِسْمَاعِيل بن سَالم، عَن الشّعبِيّ هَذَا الحَدِيث قَوْله. وَهَذَا أصح ".

(1/346)


فَإِن قيل: فقد روى أَبُو دَاوُد: عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ، عَن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] قَالَ: " لَيْسَ فِي الْخَيل وَالرَّقِيق زَكَاة، إِلَّا زَكَاة الْفطر فِي الرَّقِيق ".
قيل لَهُ: فِي إِسْنَاده رجل مَجْهُول، وَأَنت لَا تقبل رِوَايَته، هَذَا من جِهَة الْآثَار، وَأما من جِهَة النّظر: فَإِنَّهُ حَيَوَان يسام فِي أغلب الْبلدَانِ، فَتجب فِيهِ الزَّكَاة، إِلَّا أَن الْآثَار فِيهَا لم تشتهر لعزة الْخَيل فِي ذَلِك الْوَقْت، وَمَا كَانَت معدة إِلَّا للْجِهَاد، وَإِنَّمَا لم تثبت ولَايَة الْأَخْذ للْإِمَام، لِأَن الْخَيل مطمع كل طامع، فَإِنَّهَا سلَاح، وَالظَّاهِر أَنهم إِذا علمُوا بِهِ لم يَتْرُكُوهُ، وَإِنَّمَا لم تُؤْخَذ الزَّكَاة من عينهَا لِأَن مَقْصُود الْفَقِير لَا يحصل بِهِ، إِذْ عينه عندنَا غير مَأْكُول، وَلَا يشبه هَذَا البغال وَالْحمير وَإِن كَانَت ذَا حافر، لِأَنَّهُ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] قيل لَهُ: " يَا رَسُول الله فالحمر؟ قَالَ: مَا أنزل عَليّ فِي الْحمر شَيْء إِلَّا هَذِه الْآيَة الجامعة الفاذة: {فَمن يعْمل مِثْقَال ذرة خيرا يره وَمن يعْمل مِثْقَال ذرة شرا يره} . وَفِي الْكَلَام دلَالَة ظَاهِرَة أَنه قد أنزل عَلَيْهِ فِي الْخَيل شَيْء.
(ذكر الْغَرِيب:)

إِنَّمَا سَمَّاهَا جَامِعَة لاشتمال اسْم الْخَيْر على جَمِيع أَنْوَاع الطَّاعَات، فرائضها وسننها، والفذ: الْوَاحِد الْفَرد، يُقَال مِنْهُ فذ الرجل عَن أَصْحَابه، إِذا انْفَرد عَنْهُم وَبَقِي وَحده، وَلما خلت هَذِه الْآيَة عَن تَفْصِيل مَا تحتهَا وَبَيَان أَنْوَاعه سَمَّاهَا فاذة. وَقَالَ فِي الْمطَالع: " معنى الفاذة: المنفردة، القليلة الْمثل فِي بَابهَا، قَالَ: ويروى الفذة والشاذة، وَكله بِمَعْنى الْمُنْفَرد، وَمَعْنَاهَا: الْمُبَالغَة فِي مَعْنَاهَا " ذكر ذَلِك فِي بَاب الْفَاء والذال الْمُعْجَمَة.

(1/347)


(بَاب إِذا كَانَت الْخَيل سَائِمَة ذُكُورا وإناثا فصاحبها بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ أعْطى عَن كل فرس دِينَارا، وَإِن شَاءَ قَومهَا وَأعْطى عَن كل مِائَتي دِرْهَم خَمْسَة دَرَاهِم)

قَالَ الْخطابِيّ: " وَقد اخْتلف النَّاس فِي صَدَقَة الْخَيل، فَذهب أَكثر الْفُقَهَاء إِلَى أَنه لَا زَكَاة / فِيهَا، رُوِيَ ذَلِك عَن عمر وَبِه قَالَ سعيد بن الْمسيب وَعمر بن عبد الْعَزِيز ".
قلت: وَقد وهم (فِي نِسْبَة) عدم وجوب الزَّكَاة فِي الْخَيل إِلَى عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ، فقد ذكر ابْن عبد الْبر بِسَنَدِهِ إِلَى عَمْرو بن دِينَار، أَن جُبَير بن يعلى أخبرهُ أَنه سمع يعلى بن أُميَّة يَقُول: " ابْتَاعَ (عبد الرَّحْمَن) بن أُميَّة - أَخُو يعلى بن أُميَّة - من رجل من أهل الْيمن فرسا أُنْثَى بِمِائَة قلُوص، فندم البَائِع، فلحق بعمر فَقَالَ: غصبني يعلى بن أُميَّة فرسا لي، فَكتب إِلَى يعلى أَن الْحق بِي (فَأَتَاهُ) فَأخْبرهُ الْخَبَر، فَقَالَ عمر: إِن الْخَيل لتبلغ هَذَا عنْدكُمْ؟ فَقَالَ: مَا علمت فرسا (قيل) بلغ هَذَا، قَالَ عمر: فتأخذ من كل أَرْبَعِينَ شَاة شَاة، وَلَا تَأْخُذ من الْخَيل شَيْئا، خُذ من كل فرس دِينَارا ". فَضرب على الْخَيل دِينَارا (دِينَارا) .
قَالَ ابْن عبد الْبر: الْخَبَر فِي صَدَقَة الْخَيل، عَن عمر رَضِي الله عَنهُ صَحِيح من

(1/348)


حَدِيث الزُّهْرِيّ، وَقد رُوِيَ من حَدِيث مَالك أَيْضا. قَالَ ابْن عبد الْبر بِسَنَدِهِ عَن جوَيْرِية، عَن مَالك، عَن الزُّهْرِيّ، أَن السَّائِب بن يزِيد أخبرهُ قَالَ: " لقد رَأَيْت أبي يقوم الْخَيل وَيدْفَع صدقتها إِلَى عمر بن الْخطاب ".
فلهذين الأثرين أثبتنا (الْخِيَار) للْمَالِك بَين الدِّينَار وَبَين التَّقْوِيم.
(ذكر مَا فِي الأول من الْغَرِيب:)

القلوص من النوق: الشَّابَّة أول مَا تركب، وقلص الشَّيْء يقلص قلوصا، أَي ارْتَفع، فَهُوَ قالص وقليص.
(بَاب لَيْسَ فِي الفصلان والعجاجيل والحملان زَكَاة)

أَبُو دَاوُد: عَن سُوَيْد بن غَفلَة قَالَ: سرت أَو قَالَ أَخْبرنِي من سَار مَعَ مُصدق رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : " فَإِذا فِي عهد رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] أَن لَا تَأْخُذ من راضع لبن شَيْئا ".
فَإِن قيل: فِي الْكَلَام مُضَاف مَحْذُوف تَقْدِيره: " لَا تَأْخُذ ذَات رضَاع ". و " من " زَائِدَة، كَمَا تَقول: لَا تَأْكُل من حرَام، أَي لَا تَأْكُل حَرَامًا.
قيل لَهُ: الْحَذف وَالزِّيَادَة على خلاف الأَصْل.
فَإِن قيل: قَالَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ: " (وَالله) لَو مَنَعُونِي عنَاقًا كَانُوا يؤدونه

(1/349)


إِلَى رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] لقاتلتهم على مَنعه ". والعناق الْجَذعَة من الْمعز الَّتِي قاربت الْحمل، وَقيل: مَا لم يتم لَهَا سنة من الْإِنَاث خَاصَّة. /
قيل لَهُ: الرِّوَايَة الْمَشْهُورَة " وَالله لَو مَنَعُونِي عقَالًا كَانُوا (يؤدونه) ".
والعقال: الْحَبل الَّذِي يعقل بِهِ الْبَعِير، وَقيل أَرَادَ الشَّيْء التافه الحقير، فَضرب الْمثل بالعقال على جِهَة التقليل مُبَالغَة (وَقيل: العقال صَدَقَة عَام، قَالَ:
(سعى عقَالًا فَلم يتْرك لنا سبدا ... فَكيف لَو قد سعى عمر عِقَالَيْنِ))

(1/350)


(بَاب يجوز دفع الْقيم فِي (الزكوات) وَالْكَفَّارَات الْمَالِيَّة)

صَحَّ فِي حَدِيث أبي بكر رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] قَالَ: " فَمن بلغت عِنْده صَدَقَة الْجَذعَة وَلَيْسَت عِنْده جَذَعَة وَعِنْده حقة، فَإِنَّهَا تقبل مِنْهُ، وَأَن يَجْعَل مَعهَا شَاتين إِن استيسرتا (لَهُ) ، أَو عشْرين درهما، وَمن بلغت عِنْده (صَدَقَة الحقة) (وَلَيْسَ عِنْده حقة) وَعِنْده جَذَعَة، فَإِنَّهَا تقبل مِنْهُ (وَيُعْطِيه الْمُصدق شَاتين، أ) وَعشْرين درهما ".
فَإِن قيل: لَيْسَ هَذَا على وَجه الْقيمَة، إِنَّمَا هِيَ أصُول، بِدَلِيل أَن الْقيمَة تخْتَلف باخْتلَاف الْأَزْمَان، وَلِهَذَا قدرهَا الشَّارِع بِشَيْء لَا يخْتَلف.
قيل لَهُ: إِنَّمَا قدرهَا لِأَن قيمتهَا فِي ذَلِك الْوَقْت (كَانَت) كَذَلِك
فَإِن قيل: قَالَ الْخطابِيّ بعد أَن حكى أَقْوَال النَّاس فِي هَذَا الحَدِيث: " وَأَصَح هَذِه الْأَقْوَال، قَول من ذهب إِلَى أَن كل وَاحِد من الشاتين وَالْعِشْرين درهما

(1/351)


فيهمَا أصل فِي نَفسه، وَلَيْسَ لَهُ الْعُدُول عَنْهَا (إِلَى الْقيمَة) ، إِذْ لَو كَانَ للقيمة مدْخل لم يكن لنقل الْفَرِيضَة إِلَى مَا هُوَ فَوْقهَا، وَإِلَى مَا هُوَ أَسْفَل مِنْهَا معنى ".
قيل لَهُ: بل أصح الْأَقْوَال قَول من ذهب إِلَى أَن كل وَاحِد من الشاتين وَالْعِشْرين (درهما) ليسَا بِأَصْل، وَأَن لَهُ الْعُدُول إِلَى الْقيمَة، بِدَلِيل أَن النَّص فِي (الْجبرَان) (ورد) فِي (سنة) وَاحِدَة نزولا وصعودا، وَمن قَالَ بِأَن الشاتين وَالْعِشْرين درهما أصل جوز الترقي (بِسنتَيْنِ) (وَأخذ) جبرانين، وَالنُّزُول (بِسنتَيْنِ) مَعَ جبرانين، وَلَيْسَ هَذَا إِلَّا قِيَاس بالتعديل والتقويم، وَفِي الصعُود وَالنُّزُول فَائِدَة وَهِي التَّيْسِير على أَرْبَاب الْمَوَاشِي.
وروى أَحْمد بن حَنْبَل رَحمَه الله عَن الصنَابحِي رَضِي الله عَنهُ قَالَ: " رأى رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فِي إبل الصَّدَقَة نَاقَة مُسِنَّة، (وَقيل: نَاقَة كوماء) ، فَغَضب فَقَالَ: مَا هَذِه؟ فَقَالَ (الْمُصدق) : " يَا رَسُول الله ارتجعتها ببعيرين من مَاشِيَة الصَّدَقَة، فَسكت ".
فَإِن قيل: / لَعَلَّه استبدل وَاحِدًا بِاثْنَيْنِ بعد الْقَبْض بطرِيق البيع، وَلَيْسَ فِي اللَّفْظ تعرض لجِهَة الْأَخْذ فَلَا حجَّة فِيهِ.
قيل لَهُ: قَالَ أَبُو عبيد: الارتجاع: أَن يَأْخُذ سنا مَكَان (سنّ) . وَقَالَ فِي

(1/352)


الصِّحَاح: " وَالرَّجْعَة فِي الصَّدَقَة أَن يجب على رب المَال (أَسْنَان، فَيَأْخُذ الْمُصدق مَكَانهَا) أسنانا فَوْقهَا أَو دونهَا بِثمنِهَا ". وَقَالَ فِي مُجمل اللُّغَة: " الراجعة: النَّاقة تبَاع وتشتري بِثمنِهَا مثلهَا، وَقد ارتجعتها ارتجاعا، ورجعتها رَجْعَة ".
وَعَن طَاوس: " قَالَ معَاذ بن جبل لأهل الْيمن: ائْتُونِي (بِعرْض ثِيَاب) بخميس أَو لبيس آخذه مِنْكُم (مَكَان الذّرة وَالشعِير) فِي الصَّدَقَة فَهُوَ أَهْون عَلَيْكُم، وَخير للمهاجرين وَالْأَنْصَار بِالْمَدِينَةِ ". وَهَذَا مُرْسل، والمرسل عندنَا حجَّة.
فَإِن قيل: المُرَاد بِالصَّدَقَةِ الْجِزْيَة، وَقد كَانُوا يطْلبُونَ ذَلِك مَعَ تَضْعِيف الْوَاجِب حذرا من الْعَار، وَيدل عَلَيْهِ نَقله إِلَى الْمَدِينَة، وَمذهب معَاذ (أَن) النَّقْل فِي الصَّدقَات مُمْتَنع، وَيدل عَلَيْهِ إضافتها إِلَى الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار، والجزية تسْتَحقّ بِالْهِجْرَةِ والنصرة، وَأما الزَّكَاة فتستحق بالفقر والمسكنة.
قيل لَهُ: إِطْلَاق لفظ الصَّدَقَة على الْجِزْيَة بعيد جدا، وَلَا يظنّ بمعاذ رَضِي الله

(1/353)


عَنهُ (أَن) يُطلق لفظ الصَّدَقَة على الْجِزْيَة، فَإِن الصَّدَقَة عبَادَة والجزية عُقُوبَة، وَلم يطْلب أحد مِمَّن طلب مِنْهُ الْجِزْيَة تَضْعِيف الزَّكَاة عوضا عَن الْجِزْيَة - فِيمَا علمنَا - إِلَّا بَنو تغلب، فَإِنَّهُم طلبُوا من عمر رَضِي الله عَنهُ أَن يصالحهم على ذَلِك، فَصَالحهُمْ عَلَيْهِ وَقَالَ: هِيَ جِزْيَة فسموها مَا شِئْتُم. وَفِي قَوْله: " فَهُوَ أَهْون عَلَيْكُم وَخير للمهاجرين وَالْأَنْصَار (بِالْمَدِينَةِ) "، دَلِيل على أَن الْخطاب كَانَ مَعَ الْمُسلمين، لِأَنَّهُ طلب مِنْهُم ذَلِك وَبَين لَهُم مَا فِيهِ من النَّفْع لأَنْفُسِهِمْ وللمهاجرين وَالْأَنْصَار) فَلَو (لَا) أَنه رأى أَنهم يؤثرون رَاحَة أنفسهم، ووصول الْخَيْر إِلَى الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار، وَإِلَّا لما كَانَ لذكر الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار فَائِدَة، وَفِي حَيَاة رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] لم ينْسب إِلَى أحد من الصَّحَابَة مَذْهَب، وَنقل معَاذ الصَّدَقَة إِلَى الْمَدِينَة لم يكن إِلَّا بِأَمْر النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ظَاهرا، وَلم يضف الصَّدَقَة إِلَى الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار مُطلقًا، بل أَرَادَ (أَنه) خير للْفُقَرَاء مِنْهُم، فَكَأَنَّهُ قَالَ: وَخير لفقراء الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار، / فَحذف الْمُضَاف وَأقَام الْمُضَاف إِلَيْهِ مقَامه وأعربه بإعرابه، وَقد جَاءَ فِي كَلَام الله تَعَالَى كثير من هَذَا
و (قد) روى البُخَارِيّ وَمُسلم: عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: " بعث النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ على الصَّدَقَة، فَمنع ابْن جميل، وخَالِد بن الْوَلِيد، وَالْعَبَّاس. فَقَالَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : " مَا ينقم ابْن جميل إِلَّا أَن كَانَ فَقِيرا فأغناه الله، وَأما خَالِد بن الْوَلِيد، فَإِنَّكُم تظْلمُونَ خَالِدا (فقد) (احْتبسَ أدرعه)

(1/354)


(وأعتده) فِي سَبِيل الله عز وَجل، وَأما الْعَبَّاس عَم رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فَهِيَ عَليّ وَمثلهَا، ثمَّ قَالَ: أما شَعرت أَن عَم الرجل صنو الْأَب أَو صنو أَبِيه ".
وَقد اخْتلف فِي معنى ذَلِك فَقيل: يحْتَمل أَنه إِنَّمَا طُولِبَ بِالزَّكَاةِ عَن ثمن الأدراع والعتاد، فَإِنَّهَا كَانَت للتِّجَارَة، فَأخْبر النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] أَنه لَا زَكَاة عَلَيْهِ فِيهَا، فَإِنَّهُ حَبسهَا.
وَيحْتَمل أَن يكون النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] اعتذر عَن خَالِد ودوافع عَنهُ، فَيكون مَعْنَاهُ أَن خَالِدا (حبس) أدراعه (وعتاده) تبررا وتقربا إِلَى الله عز وَجل، وَلم يكن وَاجِبا عَلَيْهِ، (فَكيف يمْنَع مَا يكون وَاجِبا عَلَيْهِ) ، وَالصَّحِيح أَن رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] احتسب لخَالِد مَا حَبسه من ذَلِك فِيمَا يجب عَلَيْهِ من الزَّكَاة فِي سَبِيل الله، لِأَنَّهُ أنكر على ابْن جميل، وَأخْبر أَن صَدَقَة الْعَبَّاس عَلَيْهِ وَمثلهَا، وَأخْبر عَن خَالِد بِمَا أخبر، وَلم يرَوا أَنه أدّى شَيْئا آخر غير مَا احتبسه، وَظَاهر هَذَا يَقْتَضِي أَن سُقُوط الزَّكَاة عَن خَالِد كَانَ (كسقوطها) عَن الْعَبَّاس، وَسُقُوط الزَّكَاة عَن الْعَبَّاس كَانَ بِالْأَدَاءِ، فَيكون السُّقُوط عَن خَالِد بِالْأَدَاءِ.
فَإِن قيل: فقد روى أَبُو دَاوُد: عَن معَاذ بن جبل رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] بَعثه إِلَى الْيمن فَقَالَ: " خُذ الْحبّ من الْحبّ، وَالشَّاة من الْغنم، وَالْبَعِير من الْإِبِل وَالْبَقر من الْبَقر ".
قيل لَهُ: هَذَا على وَجه الِاسْتِحْبَاب، بِدَلِيل أَنه يَأْخُذ الشَّاة من الْإِبِل.
(ذكر مَا فِي الْأَحَادِيث من الْغَرِيب:)

الْخَمِيس: هَهُنَا: ثوب طوله خَمْسَة أَذْرع، وَالْخَمِيس: الْجَيْش: لِأَنَّهُ خمس

(1/355)


فرق الْمُقدمَة، وَالْقلب، والميمنة، والميسرة، والساقة.
واللبيس: الملبوس الْخلق، ينقم: يكره وينكر. وأعتده: جمع عتد، وَهِي الْخَيل. وَرُوِيَ فِي الصَّحِيح أَيْضا / أعتاده، وَيجوز أَن يكون جمع عتود وَهِي من الْمعز. قَالَه ابْن الْعَرَبِيّ. وَقيل: جمع عتد وَهُوَ مَا يعْتد بِهِ ويدخره. وَرُوِيَ: (" وأعبده "، وَرُوِيَ:) و " عقاره "، وَالْعَقار الأَرْض والضياع ومتاع الْبَيْت.
(بَاب يضم الذَّهَب إِلَى الْفضة حَتَّى تجب الزَّكَاة)

قَالَ الله تَعَالَى: {وَالَّذين يكنزون الذَّهَب وَالْفِضَّة وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيل الله} . أوجب الزَّكَاة فيهمَا مجموعتين، لِأَن قَوْله تَعَالَى: {وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيل الله} قد أَرَادَ بِهِ إنفاقهما جَمِيعًا، وَيدل على وجوب الضَّم أَنَّهُمَا متفقان فِي وجوب الْحق فيهمَا، وَهُوَ ربع الْعشْر فَكَانَا بِمَنْزِلَة الْعرُوض الْمُخْتَلفَة إِذا كَانَت للتِّجَارَة، لما كَانَ الْوَاجِب فِيهَا ربع الْعشْر ضم بَعْضهَا إِلَى بعض مَعَ اخْتِلَاف أجناسها.
فَإِن قيل: لَو أَرَادَ الْجمع لقَالَ وَلَا ينفقونهما.
قيل لَهُ: إِنَّمَا قَالَ كَذَلِك، لِأَن الْكَلَام رَاجع إِلَى مَدْلُول عَلَيْهِ، كَأَنَّهُ قَالَ: وَلَا يُنْفقُونَ الْكُنُوز، أَو لِأَنَّهُ اكْتفى بِذكر أَحدهمَا عَن الآخر للإيجاز، كَقَوْلِه تَعَالَى: {وَإِذا رَأَوْا تِجَارَة أَو لهوا انْفَضُّوا إِلَيْهَا} .

(1/356)


وَقَالَ:
(نَحن بِمَا عندنَا وَأَنت بِمَا ... عنْدك (رَاض) والرأي مُخْتَلف)

(ذكر الْغَرِيب:)

الْكَنْز: المَال المدفون، وَقد كنزته أكنزه.
(بَاب وَمن كَانَ لَهُ مَال فاستفاد فِي أثْنَاء الْحول من جنسه ضمه إِلَى مَاله (وزكاه بِهِ) كَمَا فِي الْأَوْلَاد والأرباح)

فَإِن قيل: روى التِّرْمِذِيّ: عَن (ابْن) عمر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : " من اسْتَفَادَ مَالا فَلَا زَكَاة عَلَيْهِ حَتَّى يحول عَلَيْهِ الْحول ".
قيل لَهُ: قد (وَقفه) نَافِع على ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا. قَالَ التِّرْمِذِيّ: " وَهَذَا أصح من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن زيد بن أسلم، يَعْنِي الَّذِي روينَاهُ أَولا. قَالَ أَبُو عِيسَى: " وَرَوَاهُ أَيُّوب، وَعبيد الله (بن عمر) ، وَغير وَاحِد، عَن نَافِع (عَن

(1/357)


ابْن عمر) مَوْقُوفا. وَعبد الرَّحْمَن بن " زيد بن أسلم ضَعِيف فِي الحَدِيث، ضعفه أَحْمد بن حَنْبَل، وَعلي بن الْمَدِينِيّ، وَغَيرهمَا من أهل الحَدِيث، وَهُوَ كثير الْغَلَط ". وَقد رُوِيَ نَحْو مَذْهَبنَا عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا، وَعَن الْحسن الْبَصْرِيّ رَحمَه الله، وَبِه يَقُول سُفْيَان الثَّوْريّ.
(بَاب لَا شَيْء فِي الزِّيَادَة على مِائَتي دِرْهَم حَتَّى تبلغ أَرْبَعِينَ درهما)

الدَّارَقُطْنِيّ: / عَن معَاذ رَضِي الله عَنهُ: أَن رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] أمره حِين وَجهه إِلَى الْيمن أَلا يَأْخُذ من (الْكسر) شَيْئا، إِذا بلغت الْوَرق مِائَتي دِرْهَم فَخذ مِنْهَا خَمْسَة (دَرَاهِم) ، وَلَا تَأْخُذ مِمَّا زَاد شَيْئا حَتَّى تبلغ أَرْبَعِينَ درهما، (فَإِذا بلغت أَرْبَعِينَ درهما) فَخذ مِنْهَا درهما ".
فَإِن قيل: فقد روى أَبُو دَاوُد فِي حَدِيث عَليّ رَضِي الله عَنهُ: " فَإِذا كَانَت لَهُ مِائَتَا دِرْهَم، وَحَال عَلَيْهَا الْحول، فَفِيهَا خَمْسَة دَرَاهِم، وَلَيْسَ (عَلَيْك) شَيْء - يَعْنِي فِي الذَّهَب - حَتَّى يكون لَك عشرُون دِينَارا، (فَإِذا كَانَت لَك عشرُون دِينَارا) ،

(1/358)


وَحَال عَلَيْهَا الْحول فَفِيهَا نصف دِينَار فَمَا زَاد فبحساب ذَلِك ". ثمَّ مَا رويته فِي سَنَده أَبُو العطوف (الْجراح بن الْمنْهَال) وَهُوَ مَتْرُوك الحَدِيث، كَانَ ابْن إِسْحَاق إِذا روى عَنهُ يقلب اسْمه. وَفِيه عبَادَة بن نسي وَلم يلق معَاذًا.
قيل لَهُ: يعضد هَذَا الحَدِيث مَا روى التِّرْمِذِيّ وَأَبُو دَاوُد: عَن عَاصِم بن ضَمرَة، عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : " قد عَفَوْت عَن الْخَيل وَالرَّقِيق، هاتوا صَدَقَة الرقة من كل أَرْبَعِينَ درهما (درهما) ، وَلَيْسَ فِي تسعين وَمِائَة شَيْء، فَإِذا بلغت مِائَتَيْنِ فَفِيهَا خَمْسَة دَرَاهِم ". وَمن طَرِيق الْحَارِث عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ: " هاتوا ربع العشور من كل أَرْبَعِينَ درهما (دِرْهَم) ، وَلَيْسَ عَلَيْكُم شَيْء حَتَّى تتمّ مِائَتي دِرْهَم ". فقد أوجب فِي كل أَرْبَعِينَ درهما درهما، وَعَفا عَمَّا دون الْمِائَتَيْنِ، فَبَقيَ الْوُجُوب فِي الْمِائَتَيْنِ وَمَا بعْدهَا على هَذِه الصّفة فِي كل أَرْبَعِينَ درهما دِرْهَم.

(1/359)


(ومذهبنا مَرْوِيّ عَن عمر بن الْخطاب، رَوَاهُ اللَّيْث، عَن يحيى بن أَيُّوب، عَن حميد، عَن ابْن عمر، هَكَذَا ذكر ابْن بطال، وَبِه قَالَ سعيد بن الْمسيب، وَالْحسن الْبَصْرِيّ، وَطَاوُس، وَعَطَاء، وَالشعْبِيّ، وَمَكْحُول، وَابْن شهَاب.
وَمن طَرِيق النّظر القياسي على أوقاص الْبَقر، وَمَا بَين الفريضتين فِي الْإِبِل وَالْغنم، أَنه لَا شَيْء فِي ذَلِك، فَالْوَاجِب أَن يكون كَذَلِك كل مَال وَجَبت فِيهِ الصَّدَقَة أَن لَا يكون بَين الفريضتين غير الْفَرْض الأول)
(ذكر الْغَرِيب:)

قَالَ الْهَرَوِيّ: " الْوَرق، وَالْوَرق، بِكَسْر الرَّاء وسكونها، والرقة بِكَسْر الرَّاء: الدَّرَاهِم، وَجَمعهَا رقات ". هَكَذَا ذكر الْهَرَوِيّ، وَلم يتَعَرَّض إِلَى أَن الْقَاف مُخَفّفَة أَو مُشَدّدَة، وَحَكَاهُ عَنهُ صَاحب " الْمعلم " كَذَلِك، ثمَّ قَالَ: " وَقَالَ غَيره: الرقة بتَخْفِيف الْقَاف، قَالَ وَمِنْه الحَدِيث: " فِي الرقة ربع الْعشْر "، وَحكى أَن جمعهَا رقات بالتأء "، قَالَ الْجَوْهَرِي: " الْوَرق: الدَّرَاهِم المضروبة، وَكَذَلِكَ الرقة، وَالْهَاء عوض من الْوَاو "، (وَذكر الحَدِيث) : " فِي الرقة ربع الْعشْر "، قَالَ: وَيجمع على رقين مثل إرة، وإرين "، وَلم يذكر خلافًا فِي أَن الْقَاف مُخَفّفَة، والإرة: مَوضِع توقد فِيهِ النَّار.

(1/360)


(بَاب تجب الزَّكَاة فِي الحلى)

التِّرْمِذِيّ وَأَبُو دَاوُد: / عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده: " أَن امْرَأَة أَتَت رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وَمَعَهَا ابْنة لَهَا، وَفِي يَد ابْنَتهَا مسكتان غليظتان من ذهب، فَقَالَ لَهَا: أتعطين زَكَاة هَذَا؟ قَالَت: لَا، قَالَ: (أفيسرك) أَن يسورك الله بهما يَوْم الْقِيَامَة سِوَارَيْنِ من نَار؟ قَالَ: فخلعتهما، فألقتهما إِلَى النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وَقَالَت: هما لله وَلِرَسُولِهِ ".
وروى أَبُو دَاوُد: عَن أم سَلمَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: " كنت ألبس أَوْضَاحًا من ذهب، فَقلت: يَا رَسُول الله أكنز هُوَ؟ فَقَالَ: مَا بلغ أَن تُؤَدّى زَكَاته فَزكِّي فَلَيْسَ بكنز ". وَعنهُ: عَن عبد الله بن شَدَّاد بن الْهَاد أَنه قَالَ: دَخَلنَا على عَائِشَة زوج النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فَقَالَت: " دخل عَليّ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فَرَأى فِي يَدي فتخات من ورق، فَقَالَ: مَا هَذَا يَا عَائِشَة، فَقلت: صنعتهن أتزين لَك يَا رَسُول الله، فَقَالَ: أتؤدين زكاتهن؟ قلت: لَا أَو مَا شَاءَ الله، قَالَ: هُوَ حَسبك من النَّار ".
فَإِن قيل فِي الحَدِيث الأول عَمْرو بن شُعَيْب، وَفِي الثَّانِي عتاب بن بشير، أَبُو الْحسن الْحَرَّانِي، وَقد تكلم فِيهِ.
قيل لَهُ: أما عَمْرو بن شُعَيْب فقد قَالَ عبد الله بن صَالح الْعجلِيّ، وَيحيى بن معِين: " هُوَ ثِقَة ".

(1/361)


وَقَوله عَن أَبِيه عَن جده، وَهُوَ عَمْرو بن شُعَيْب بن مُحَمَّد بن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ، فَإِن أَرَادَ بجده مُحَمَّدًا فمحمد لَا صُحْبَة لَهُ فَهُوَ مُرْسل، والمرسل حجَّة. وَإِن أَرَادَ عبد الله، فأبوه شُعَيْب لم يلق عبد الله فَهُوَ مُنْقَطع، والمنقطع حكمه حكم الْمُرْسل. (وَأما عتاب) فقد أخرج لَهُ البُخَارِيّ. وَكَانَ ابْن مَسْعُود يرى الزَّكَاة فِي الحلى.
قَالَ التِّرْمِذِيّ: " وَرَأى بعض أهل الْعلم من أَصْحَاب النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، وَالتَّابِعِينَ، الزَّكَاة فِي الحلى، وَبِه يَقُول سُفْيَان الثَّوْريّ، وَعبد الله بن الْمُبَارك ".
(ذكر مَا فِي هَذِه الْأَحَادِيث من الْغَرِيب:)

مسكتان، بِفَتْح السِّين: سواران. قَالَ فِي الصِّحَاح: " الْمسك بِالتَّحْرِيكِ: أسورة من ذبل أَو عاج.
قَالَ جرير:
(ترى العبس الحولي جونا بكوعها ... لَهَا مسكا من غير عاج وَلَا ذبل ")

" والعبس، بِالتَّحْرِيكِ: مَا يتَعَلَّق من أَبْوَال الْإِبِل فِي أذنابها وَمن أبعارها فيجف

(1/362)


عَلَيْهَا "، " والجون: الْأَبْيَض، والجون: الْأسود، وَالْجمع جون بِالضَّمِّ ". أوضاح: جمع وضح، بِفَتْح الضَّاد / الْمُعْجَمَة، وَهُوَ الحلى. قَالَ فِي الصِّحَاح: " والأوضاح حلي من الدَّرَاهِم الصِّحَاح. فتخات: (جمع) فتخة بِفَتْح (التَّاء وَالْخَاء الْمُعْجَمَة) ، وَهُوَ الْخَاتم بِغَيْر فص " وَالله أعلم.
(بَاب تجب الزَّكَاة فِي عرُوض التِّجَارَة)

أَبُو دَاوُد: عَن سَمُرَة بن جُنْدُب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: " أما بعد: فَإِن رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] كَانَ يَأْمُرنَا أَن نخرج الصَّدَقَة من الَّذِي (نعد) للْبيع ". وَقد كتب عمر بن عبد الْعَزِيز بِأخذ الزَّكَاة من الْعرُوض بعد أَن اسْتَشَارَ واستخار، وَالْمَلَأ الْمَلأ، وَالْوَقْت الْوَقْت، وَحكم بِهِ وَقضى على الْأمة، وارتفع الْخلاف.
قَالَ الْبَغَوِيّ: " وَقَالَ دَاوُد: زَكَاة التِّجَارَة غير وَاجِبَة وَهُوَ مَسْبُوق بِالْإِجْمَاع ".

(1/363)


(بَاب فِيمَا سقت السَّمَاء الْعشْر)

البُخَارِيّ وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَأَبُو دَاوُد: عَن سَالم عَن أَبِيه قَالَ: قَالَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : " فِيمَا سقت (السَّمَاء، و) الْأَنْهَار، والعيون، أَو كَانَ بعلا، الْعشْر. وَمَا سقِِي بالسواني، أَو النَّضْح نصف الْعشْر ".
فَإِن قيل: هَذَا الحَدِيث مُجمل يفسره قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: " لَيْسَ فِيمَا دون خَمْسَة أوسق صَدَقَة "
قيل لَهُ: لَيْسَ هَذَا الحَدِيث بمجمل، فَإِن الْمُجْمل (مَا لَا يعرف مُرَاده بصيغته) لَا بِالتَّأَمُّلِ وَلَا بِغَيْرِهِ (لَا جمال) فِي نفس الصِّيغَة إِلَّا بِبَيَان الْمُجْمل، أَو مَا لَهُ دلَالَة على أحد أَمريْن لَا مزية لأَحَدهمَا على الآخر بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ، وَهَذَا الحَدِيث لَيْسَ كَذَلِك، بل هُوَ عَام، فَإِن كلمة " مَا " من أَلْفَاظ الْعُمُوم.
فَإِن قيل: إِن كَانَ هَذَا الحَدِيث مُجملا، فَمَا روينَاهُ يصلح مُفَسرًا (لَهُ) ، وَإِن كَانَ عَاما يصلح مُخَصّصا لَهُ، فَكَانَ الْمصير إِلَى مَا روينَاهُ أولى.

(1/364)


قيل لَهُ: الْعَمَل بِالْعَام وإجراؤه على عُمُومه أولى من التَّخْصِيص، لِأَن (فِي) الْمصير إِلَى التَّخْصِيص إِخْرَاج بعض مَا تنَاوله اللَّفْظ الْعَام أَن يكون مرَادا، وَفِيه الحكم على الْمُتَكَلّم بِأَنَّهُ أطلق الْكل وَأَرَادَ الْبَعْض، وَهَذَا نوع مجَاز، وَالْمجَاز خلاف الأَصْل، وَلَو صلح هَذَا الحَدِيث أَن يكون مُخَصّصا، أَو مُفَسرًا (لما روينَاهُ، لصلح حَدِيث مَاعِز أَن يكون مُخَصّصا أَو مُفَسرًا) لحَدِيث أنيس فِي الْإِقْرَار بِالزِّنَا، فَلَمَّا لم يصلح حَدِيث مَاعِز أَن يكون مُفَسرًا، أَو مُخَصّصا، أَو مُقَيّدا لحَدِيث أنيس عنْدكُمْ، كَذَلِك لَا يصلح حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ أَن يكون مُفَسرًا، (أَو مُخَصّصا) لحَدِيث ابْن عمر / عندنَا، بل نحمله على أَن المُرَاد بِالصَّدَقَةِ الْمَذْكُورَة فِيهِ الزَّكَاة، وَهِي زَكَاة التِّجَارَة، لِأَن قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: (" لَيْسَ فِيمَا دون خَمْسَة أسق صَدَقَة " جَاءَ مَقْرُونا بقوله عَلَيْهِ السَّلَام) : " لَيْسَ فِيمَا دون خَمْسَة أَوَاقٍ من الْوَرق صَدَقَة ". وَهَذَا يرجح حمله على زَكَاة التِّجَارَة، لِأَن الْوَاجِب فِي النُّقُود وَالْعرُوض وَاحِد، إِذْ من الْجَائِز أَن تكون قيمَة (خَمْسَة) أوسق مِمَّا سُئِلَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] عَنهُ مِائَتي دِرْهَم، وكما أَن الْحول لَيْسَ بِشَرْط فَكَذَلِك النّصاب. وَقد ذهب إِلَى مَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ مُجَاهِد، وَإِبْرَاهِيم. كَذَا روى الطَّحَاوِيّ عَنْهُمَا.

(1/365)


(ذكر مَا فِي الحَدِيث الأول من الْغَرِيب:)

بعلا: هُوَ بِفَتْح الْبَاء، وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة، وَهُوَ الَّذِي يشرب بعروقه من الأَرْض، من غير سقِِي من سَمَاء وَلَا غَيرهَا. هَكَذَا قَالَ الْهَرَوِيّ عَن أبي عبيد، ثمَّ قَالَ: وَقَالَ الْأَزْهَرِي: هَكَذَا فسره الْأَصْمَعِي، وَجَاء القتيبي وَغلط أَبَا عبيد، وَهُوَ بالغلط أولى. قَالَ: وَهَذَا الصِّنْف رَأَيْته بالبادية، وَهُوَ نخيل ينْبت فترسخ عروقها فِي المَاء وتستغني عَن مَاء السَّمَاء وَغَيره. والسواني: جمع سانية، وَهِي النَّاقة الَّتِي يسقى عَلَيْهَا. وَقيل: السانية: الدَّلْو الْعَظِيم، وأداتها الَّتِي يستقى بِهِ أوالناضح: الْبَعِير يستقى عَلَيْهِ، وَالْأُنْثَى ناضحة، والنضح مَا سقِِي بالدوالي. والغرب: الدَّلْو الْعَظِيم. (والدالية) : المنجنون يديرها الْبَقَرَة، والناعورة يديرها المَاء
(بَاب مِنْهُ)

قَالَ الله تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي أنشأ جنَّات معروشات} . إِلَى قَوْله: {وَآتوا حَقه يَوْم حَصَاده} أَي إِذا جمعتموه وآويتموه فِي رحالكُمْ، وَهَذَا عَام، وَلَيْسَ اسْتثِْنَاء الْقصب والحشيش تَخْصِيص لهَذَا الْعَام، لِأَن الله تَعَالَى إِنَّمَا أوجب الْحق فِيمَا يُؤْكَل.
فَإِن قيل: فقد روى التِّرْمِذِيّ: عَن معَاذ رَضِي الله عَنهُ: " أَنه كتب إِلَى النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] يسْأَله عَن الخضروات - وَهِي الْبُقُول - فَقَالَ: لَيْسَ فِيهَا شَيْء ". وروى الدَّارَقُطْنِيّ: عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] قَالَ: " لَيْسَ فِي الخضراوات صَدَقَة ".
قيل لَهُ: أما الحَدِيث الأول: فقد قَالَ أَبُو عِيسَى: (إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث) لَيْسَ بِصَحِيح، وَلَيْسَ يَصح عَن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فِي هَذَا الْبَاب شَيْء ".
والْحَدِيث الثَّانِي: فِي سَنَده الصَّقْر، قَالَ ابْن حبَان: " يَأْتِي بالمقلوبات عَن الثِّقَات ". /

(1/366)


(بَاب فِي الْعَسَل الْعشْر إِذا أَخذ من أَرض الْعشْر)

أَبُو دَاوُد: (وَأخرجه النَّسَائِيّ وَأخرج ابْن مَاجَه طرفا مِنْهُ) عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده، قَالَ: " جَاءَ هِلَال - أحد بني متعان - إِلَى رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] بعشور نحل (لَهُ) وَكَانَ سَأَلَهُ أَن يحمي وَاديا يُقَال لَهُ سلبة، فحمى لَهُ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ذَلِك الْوَادي، فَلَمَّا ولي عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ كتب سُفْيَان بن وهب إِلَى عمر (بن الْخطاب يسْأَله عَن ذَلِك، فَكتب عمر) : إِن أدّى إِلَيْك مَا كَانَ يُؤَدِّي إِلَى رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] (من عشور نحله) فَاحم لَهُ سلبة، وَإِلَّا فَإِنَّمَا (هُوَ) ذُبَاب غيث يَأْكُلهُ من شَاءَ ".
وروى أَحْمد بن حَنْبَل: عَن أبي (سيارة) المتعي قَالَ: " قلت يَا رَسُول الله:

(1/367)


إِن لي نحلا، قَالَ: أد العشور، قَالَ: قلت يَا رَسُول الله: احم لي جبلها، فحمى لي جبلها ".
فَإِن قيل: قَالَ البُخَارِيّ وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن الْمُنْذر: " لَيْسَ فِي زَكَاة الْعَسَل حَدِيث يَصح ".
قيل لَهُ: هَذَا القَوْل لَا يقْدَح مَا لم يبين عِلّة الحَدِيث، فَإِن أَبَا دَاوُد (إِذا) روى حَدِيثا وَلم يتَكَلَّم عَلَيْهِ يكون عِنْده حسنا، وَفِي قَول التِّرْمِذِيّ: " وَلَا يَصح عَن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فِي (هَذَا) كَبِير شَيْء ". إِشَارَة إِلَى أَنه يَصح فِيهِ وَإِن كَانَ ذَلِك لَيْسَ بكبير، وَلَا يلْزمنَا قَول البُخَارِيّ، فَإِن الحَدِيث الصَّحِيح لَيْسَ مَوْقُوفا عَلَيْهِ، وَلَيْسَ فِي الحَدِيث غير عَمْرو بن شُعَيْب وَقد احْتج بحَديثه جمَاعَة من الْمُحدثين. قَالَ أَبُو عِيسَى: " وَالْعَمَل على هَذَا عِنْد أَكثر أهل الْعلم، وَبِه يَقُول أَحْمد وَإِسْحَاق ". ثمَّ ظَاهر قَوْله تَعَالَى: {خُذ من أَمْوَالهم صَدَقَة} يُوجب الصَّدَقَة فِي الْعَسَل، إِذْ هُوَ من أَمْوَالهم، وَالصَّدَََقَة وَإِن كَانَت مجملة فَإِن الْآيَة قد اقْتَضَت إِيجَاب صَدَقَة (مَا) ، وَإِذا أوجبت الصَّدَقَة كَانَت الْعشْر، إِذْ لَا يُوجب أحد غَيره، وَلما أوجب النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فِيهِ الْعشْر دلّ على أَنه أجراه مجْرى الثَّمر وَمَا تخرجه الأَرْض مِمَّا يجب فِيهِ الْعشْر، فَلهَذَا قَالَ أَصْحَابنَا: إِذا كَانَ فِي أَرض الْعشْر فَفِيهِ الْعشْر وَإِذا كَانَ فِي أَرض الْخراج فَلَا (شَيْء فِيهِ، لِأَن الثَّمَرَة فِي أَرض الْخراج لَا) يجب فِيهَا شَيْء، وَفِي أَرض الْعشْر يجب فِيهَا الْعشْر وَكَذَلِكَ فِي الْعَسَل.

(1/368)


(بَاب لَا يجْتَمع الْعشْر وَالْخَرَاج)

لما روى الإِمَام أَبُو حنيفَة رَضِي الله عَنهُ عَن حَمَّاد، عَن إِبْرَاهِيم، عَن عَلْقَمَة، عَن عبد الله بن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ / عَن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] أَنه قَالَ: " لَا يجْتَمع الْعشْر وَالْخَرَاج فِي أَرض مُسلم ".
فَإِن قيل: هَذَا الحَدِيث لم يَصح عَن أبي حنيفَة رَضِي الله عَنهُ، إِذْ نَقله عَن يحيى بن عَنْبَسَة، وَهُوَ مَتْرُوك بِمرَّة، كَيفَ وَقد انْفَرد أَبُو حنيفَة بِهَذَا الْمَذْهَب عَن جَمِيع الْعلمَاء، وَلَو صَحَّ الْخَبَر لقَالَ بِهِ وَاحِد من الْعلمَاء غَيره، وَقد نقل ابْن الْمُنْذر فِي كتاب " الِاخْتِلَاف " مَذْهَب أهل الْعلم شرقا وغربا، فِي (أَن) الْعشْر وَالْخَرَاج يَجْتَمِعَانِ، ثمَّ قَالَ: " وَذَهَبت طَائِفَة قَلِيل عَددهَا، شَاذ قَوْلهَا، (لخروجها) عَن أَقْوَال أهل الْعلم، إِلَى أَن الْعشْر وَالْخَرَاج لَا يَجْتَمِعَانِ، فَدلَّ على أَنه مخترع ".
قيل لَهُ: هَذِه الْمَسْأَلَة قد اتّفق عَلَيْهَا أَبُو حنيفَة رَضِي الله عَنهُ وَأَصْحَابه كلهم أَجْمَعُونَ، وَلم نعلم أحدا مِنْهُم خَالفه فِيهَا، واشتهر عَنْهُم الِاحْتِجَاج عَلَيْهَا بِهَذَا الحَدِيث، وشهرة الحَدِيث تربو على صِحَّته، إِذْ هِيَ قريبَة من التَّوَاتُر، فَلَا يقْدَح فِي صِحَّته وشهرته رِوَايَة من لَا تقبل رِوَايَته، كَمَا لَا يقْدَح فِي علمنَا بِوُجُود بَغْدَاد خبر فَاسق يخبرنا بوجودها، وانفراد أبي حنيفَة رَضِي الله عَنهُ بِهَذَا الْمَذْهَب عَن جَمِيع الْعلمَاء

(1/369)


- كَمَا زعمت - لَا يقْدَح فِي صِحَة الحَدِيث، فَإِن ترك الْعلمَاء كلهم الْعَمَل بِالْحَدِيثِ لَا يقْدَح فِي صِحَّته، كَحَدِيث الْوضُوء مِمَّا مسته النَّار، فَلَا يقْدَح فِي صِحَّته ترك الْأَكْثَر.
وَقَوله: " وَلَو صَحَّ الْخَبَر لقَالَ بِهِ وَاحِد من الْعلمَاء غَيره ".
قيل لَهُ: الْعَمَل بِمُوجب الحَدِيث لَا يدل على صِحَّته، فَإِن أَئِمَّة (الْأَمْصَار) اتَّفقُوا على الْعَمَل بِمُوجب خبر معَاذ بن جبل رَضِي الله عَنهُ فِي الْقيَاس، وَهُوَ لَيْسَ بِصَحِيح عِنْد أهل الحَدِيث، وَعمل أبي حنيفَة رَضِي الله عَنهُ كَاف فِي صِحَة الحَدِيث، إِن كَانَ عمل بعض الْعلمَاء بِالْحَدِيثِ يدل على صِحَّته، فَإِن الْأَئِمَّة كلهم تبع لَهُ وعائلة عَلَيْهِ، وانفراده بِهَذَا القَوْل دون غَيره لَا يدل على أَنه مخترع (كَمَا لَا يدل انْفِرَاد غَيره بالْقَوْل على أَنه مخترع) وَقَول ابْن الْمُنْذر: " وَذَهَبت طَائِفَة قَلِيل عَددهَا إِلَى أَن الْعشْر وَالْخَرَاج لَا يَجْتَمِعَانِ ". لَيْسَ بِصَحِيح، فَإِن أَصْحَاب أبي حنيفَة رَضِي الله عَنهُ لَا ينْحَصر عَددهمْ، وَلَا يَنْقَطِع مددهم، وَإِن كَانَ عَددهمْ قَلِيلا بِالنِّسْبَةِ إِلَى سَائِر الْعلمَاء / فَلَيْسَ ذَلِك بقادح فيهم، فَإِن كل وَاحِد من الْأَئِمَّة مَعَ أَصْحَابه بِهَذِهِ المثابة، فَظهر بِهَذَا أَن ابْن الْمُنْذر قصد تعييرنا بالقلة فِي الْعدَد، فَنَقُول كَمَا قَالَ بَعضهم:
(تعيرنا أَنا قَلِيل عديدنا ... فَقلت لَهَا إِن الْكِرَام قَلِيل)

ثمَّ إِن أحدا من الْأَئِمَّة العادلة والجائرة لم يَأْخُذ الْعشْر من أَرض الْخراج، وَلَا الْخراج من أَرض الْعشْر، مَعَ كَثْرَة احتيال بَعضهم لأخذ أَمْوَال النَّاس وَكفى بِالْإِجْمَاع حجَّة.
(بَاب)

لَا يخرص الرطب (تَمرا) فَيعلم مِقْدَاره (فَيسلم) إِلَى رب النّخل، وَيملك

(1/370)


بذلك حق الله تَعَالَى (فِيهِ) ، وَيكون عَلَيْهِ مثله بمكيل ذَلِك تَمرا. إِذْ كَيفَ يجوز ذَلِك، وَقد يجوز أَن تصيب الثَّمَرَة بعد ذَلِك آفَة فتتلفها فَيكون مَا يُؤْخَذ من صَاحبهَا بَدَلا من حق الله تَعَالَى فِيهِ مأخوذا (بَدَلا) مِمَّا لم يسلم لَهُ.
وَلَيْسَ فِي الْأَحَادِيث المروية عَن رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] (مَا يدل على أَن الثَّمَرَة كَانَت رطبا حِينَئِذٍ فَيجْعَل لصَاحِبهَا حق الله تَعَالَى بمكيله تَمرا يكون عَلَيْهِ نَسِيئَة. وَقد رُوِيَ عَن رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ) : " أَنه نهى عَن بيع التَّمْر على رُؤُوس النّخل كَيْلا، وَنهى عَن بيع الرطب بِالتَّمْرِ نَسِيئَة ". وَإِنَّمَا أُرِيد بخرص ابْن رَوَاحَة ليعلم مِقْدَار مَا فِي أَيدي النَّاس من الثِّمَار فَيَأْخُذ مثله بِقَدرِهِ فِي أَيَّام الصرام، لَا أَنهم يملكُونَ شَيْئا مَا يجب لله فِيهِ بِبَدَل لَا يَزُول ذَلِك الْبَدَل عَنْهُم.
البُخَارِيّ: عَن أبي حميد السَّاعِدِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: " غزونا مَعَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] غَزْوَة تَبُوك، فَلَمَّا جَاءَ وَادي الْقرى إِذا امْرَأَة فِي حديقة لَهَا، فَقَالَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] لأَصْحَابه: اخرصوا، وخرص رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] عشرَة أوسق، فَقَالَ لَهَا: أحصي مَا يخرج مِنْهَا ".
وَمن طَرِيق الطَّحَاوِيّ: حَتَّى أرجع إِلَيْك إِن شَاءَ الله تَعَالَى. فَلَمَّا أَتَيْنَا تَبُوك قَالَ: " أما أَنَّهَا ستهب اللَّيْلَة ريح شَدِيدَة فَلَا يقومن أحد، وَمن كَانَ مَعَه بعير فليعقله، فعقلناها، وهبت ريح شَدِيدَة، فَقَامَ رجل فألقته بجبل طَيء، وَأهْدى ملك أَيْلَة للنَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] بغلة بَيْضَاء، وكساه بردا، وَكتب لَهُم (ببحرهم) ، فَلَمَّا أَتَى وَادي الْقرى قَالَ للْمَرْأَة: / كم جَاءَت حديقتك، قَالَت: عشرَة أوسق خرص رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ".
فَفِي هَذَا الحَدِيث أَن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] خرص حديقتها، وأمرها أَن تحصي مَا يَجِيء مِنْهَا حَتَّى يرجع إِلَيْهَا، فَذَلِك دَلِيل أَنَّهَا لم تملك بِخرْصِهَا إِيَّاهَا مَا لم تكن مالكة لَهُ قبل

(1/371)


ذَلِك، وَإِنَّمَا أُرِيد بذلك معرفَة مِقْدَار مَا فِي نخلها خَاصَّة، ثمَّ يَأْخُذ مِنْهَا (الزَّكَاة) فِي وَقت الصرام على حسب مَا يجب (فِيهَا) .
فَإِن قيل: روى أَبُو دَاوُد: عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَنَّهَا قَالَت وَهِي تذكر شَأْن خَيْبَر: " كَانَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] يبْعَث عبد الله بن رَوَاحَة إِلَى يهود، فيخرص النّخل حِين يطيب قبل أَن يُؤْكَل مِنْهُ ".
وَعَن سعيد بن الْمسيب، عَن عتاب بن أسيد: " أَن رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] أمره أَن يخرص الْعِنَب زبيبا كَمَا يخرص الرطب ".
قيل لَهُ: حَدِيث عَائِشَة فِي إِسْنَاده رجل مَجْهُول، وَحَدِيث ابْن الْمسيب مُنْقَطع لِأَن عتابا توفّي فِي الْيَوْم الَّذِي توفّي فِيهِ أَبُو بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ، ومولد سعيد بن الْمسيب فِي خلَافَة عمر رَضِي الله عَنهُ سنة خمس عشرَة على الْمَشْهُور.
قَالَ القَاضِي أَبُو بكر ابْن الْعَرَبِيّ: " لَيْسَ فِي الْخرص حَدِيث يَصح إِلَّا وَاحِد وَهُوَ الْمُتَّفق عَلَيْهِ، وَهُوَ مَا روينَاهُ فِي حديقة الْمَرْأَة، قَالَ: ويليه حَدِيث ابْن رَوَاحَة فِي الْخرص على الْيَهُود. وَهَذِه الْمَسْأَلَة عسرة جدا، لِأَن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ثَبت عَنهُ خرص النّخل، وَلم يثبت عَنهُ خرص الزَّبِيب، وَكَانَ كثيرا فِي حَيَاته وَفِي بِلَاده، وَلم يثبت عَنهُ خرص النّخل إِلَّا على الْيَهُود، لأَنهم كَانُوا شُرَكَاء وَكَانُوا غير أُمَنَاء، وَأما الْمُسلمُونَ فَلم يخرص عَلَيْهِم. قَالَ: وَلما لم يَصح حَدِيث سهل، وَلَا حَدِيث ابْن الْمسيب، بَقِي

(1/372)


الْحَال وَقفا، فَلِأَن خرص على النَّاس (لحق) الْفُقَرَاء، لقد يجب أَن يخرص عَلَيْهِم جَمِيع مَا فِيهِ الزَّكَاة ".
(ذكر الْغَرِيب:)

الْخرص: حزر مَا على النّخل من الرطب تَمرا، وَالِاسْم: الْخرص بِالْكَسْرِ، تَقول: كم خرص أَرْضك. والصرام: جذاذ النّخل.
(بَاب لَا يُؤثر الْخلطَة فِي الْمَوَاشِي، وَلَا فِي النُّقُود، وَلَا فِي الْعرُوض، وَلَا فِي الثِّمَار، وَلَا فِي الزروع)

صَحَّ عَن رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] أَنه قَالَ: " وَإِذا كَانَت (سَائِمَة) الرجل نَاقِصَة / عَن أَرْبَعِينَ شَاة وَاحِدَة فَلَيْسَ فِيهَا صَدَقَة إِلَّا أَن يَشَاء رَبهَا ".
فَإِن قيل: فقد صَحَّ عَن رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] أَنه قَالَ: " وَلَا يجمع بَين مفترق، وَلَا يفرق بَين مُجْتَمع خشيَة الصَّدَقَة، وَمَا كَانَ من خليطين فَإِنَّهُمَا يتراجعان بَينهمَا بِالسَّوِيَّةِ.
قيل لَهُ: المُرَاد بِهَذَا: الْجمع والتفريق فِي الْملك لَا فِي الْمَكَان، بِدَلِيل أَن من كَانَ لَهُ نِصَاب من السَّائِمَة فِي أمكنة مُخْتَلفَة، فالساعي يَأْخُذ مِنْهُ الزَّكَاة بِالْإِجْمَاع، وَمن كَانَ

(1/373)


لَهُ ثَمَانُون شَاة فَلَيْسَ للساعي أَن يَعْتَبِرهَا نصابين من الْغنم فَيَأْخُذ مِنْهُ شَاتين، وَكَذَلِكَ المَال الْمُقدر بالنصاب الْوَاحِد إِذا كَانَ بَين اثْنَيْنِ، لَا يكون للساعي أَن يَجعله كَأَنَّهُ لوَاحِد فَيَأْخُذ مِنْهُ الزَّكَاة، وَأما التراجع فتفسيره: إِذا كَانَ مائَة وَعِشْرُونَ بَين رجلَيْنِ لأَحَدهمَا ثَمَانُون وَللْآخر أَرْبَعُونَ، وَجَبت على كل وَاحِد مِنْهُمَا شَاة، فَإِذا جَاءَ الْمُصدق وَأخذ من (عرض) ذَلِك شَاتين، كَانَ لصَاحب الثَّمَانِينَ أَن يرجع على صَاحب الْأَرْبَعين بِثلث شَاة، لِأَن الْمَأْخُوذ من نصيب صَاحب الْأَرْبَعين ثلث شَاتين، وَبَقِي عَلَيْهِ ثلث شَاة أَخذه من نصيب صَاحب الثَّمَانِينَ فَيرجع عَلَيْهِ. وَالله أعلم.
(بَاب من مَاتَ وَعَلِيهِ زَكَاة سَقَطت عَنهُ فَلَا تُؤْخَذ من تركته)

روى أَبُو بكر الرَّازِيّ: عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا، عَن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] أَنه قَالَ: " من كَانَ لَهُ نِصَاب تجب فِيهِ الزَّكَاة، وَمَال يبلغ بِهِ بَيت الله، ثمَّ لم يحجّ وَلم يزك سَأَلَ الرّجْعَة، وتلا قَوْله تَعَالَى: {وأنفقوا مِمَّا رزقناكم} الْآيَة " وَدلَالَة الْآيَة ظَاهِرَة على حُصُول التَّفْرِيط بِالْمَوْتِ، لِأَنَّهُ لَو لم يكن مفرطا (وَوَجَب) أَدَاؤُهَا من مَاله بعد مَوته، لكَانَتْ قد تحولت إِلَى المَال، فَيلْزم الْوَرَثَة إخْرَاجهَا، فَلَمَّا سَأَلَ الرّجْعَة علمنَا أَن الْأَدَاء قد فَاتَ، وَأَنه لَا يتَحَوَّل إِلَى المَال وَلَا يُؤْخَذ من تركته بعد مَوته، إِلَّا أَن تتبرع الْوَرَثَة.
(ذكر الْغَرِيب:)

فلَان يُؤمن بالرجعة: أَي بِالرُّجُوعِ إِلَى الدُّنْيَا.

(1/374)


(بَاب الْفَقِير من لَهُ أدنى شَيْء)

قَالَ الله تَعَالَى: {يَحْسبهُم الْجَاهِل أَغْنِيَاء من التعفف} .
وَجه الدّلَالَة من هَذِه الْآيَة أَن الْجَاهِل لَا يحْسب الْفَقِير غَنِيا إِلَّا وَله ظَاهر جميل وبزة حَسَنَة، فَدلَّ على أَن ملكه / لبَعض مَا يُغْنِيه لَا يسلبه صفة الْفقر.
(بَاب لاتحرم الصَّدَقَة إِلَّا على (من ملك) مِائَتي دِرْهَم (أَو مَا يساويها))

الطَّحَاوِيّ: عَن عبد الحميد بن جَعْفَر، عَن أَبِيه، عَن رجل من مزينة، أَنه أَتَى أمه فَقَالَت: يَا بني لَو ذهبت إِلَى رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فَسَأَلته، قَالَ: فَجئْت إِلَى النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، وَهُوَ قَائِم يخْطب، وَهُوَ يَقُول: " من اسْتغنى أغناه الله، وَمن استعف أعفه الله، وَمن سَأَلَ النَّاس وَله خَمْسَة أَوَاقٍ فقد سَأَلَ إلحافا ".
فَإِن قيل: فقد رُوِيَ أَن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] قَالَ: " من سَأَلَ وَله أُوقِيَّة أَو عدلها فقد سَأَلَ إلحافا ".
قيل لَهُ: (إِذْ) (قد) حصل التَّعَارُض فَلَا بُد من النّظر، قَالَ الطَّحَاوِيّ

(1/375)


رَحمَه الله: " رَأينَا الصَّدَقَة لَا تَخْلُو من أحد وَجْهَيْن: إِمَّا أَن تكون حَرَامًا لَا يحل مِنْهَا إِلَّا مَا يحل من الْأَشْيَاء الْمُحرمَة عِنْد الضررة إِلَيْهَا، أَو تكون تحل لمن ملك مِقْدَارًا من المَال. فَرَأَيْنَا من ملك دون مَا يغديه ويعشيه كَانَت الصَّدَقَة حَلَالا لَهُ بالِاتِّفَاقِ، فَخرج بذلك حكمهَا من حكم الْأَشْيَاء الْمُحرمَة الَّتِي تحل عِنْد الضَّرُورَة، أَلا ترى أَن من اضْطر إِلَى الْميتَة أَن الَّذِي يحل مِنْهَا مَا يمسك بِهِ نَفسه لَا مَا يشبعه، حَتَّى يكون لَهُ غداء أَو يكون لَهُ عشَاء، فَلَمَّا كَانَ الَّذِي يحل لَهُ من الصَّدَقَة، هُوَ بِخِلَاف مَا يحل من الْميتَة عِنْد الضَّرُورَة، ثَبت أَنَّهَا إِنَّمَا تحرم على من ملك مِقْدَارًا مَا، فَنَظَرْنَا فِي ذَلِك الْمِقْدَار مَا هُوَ فَرَأَيْنَا من ملك دون مَا يغديه، وَدون مَا يعشيه، لم يكن بذلك غَنِيا، وَكَذَلِكَ من ملك أَرْبَعِينَ درهما، أَو خمسين درهما، أَو مَا (هُوَ) دون الْمِائَتَيْنِ، فَإِذا ملك مِائَتَيْنِ كَانَ غَنِيا فمالك غَيرهَا غير غَنِي، فَثَبت أَنَّهَا حَلَال لمن ملك دون مِائَتي دِرْهَم ".
(بَاب يجوز دفع الزَّكَاة إِلَى صنف وَاحِد من الْأَصْنَاف الْمَذْكُورَة فِي الْآيَة)

قَالَ الله تَعَالَى: {إِن تبدوا الصَّدقَات فَنعما هِيَ وَإِن تخفوها وتؤتوها الْفُقَرَاء فَهُوَ خير لكم} . وَذَلِكَ عُمُوم فِي جَمِيع الصَّدقَات، لِأَنَّهَا اسْم جنس، لدُخُول الْألف وَاللَّام عَلَيْهِ فاقتضت الْآيَة (دفع) جَمِيع الصَّدقَات إِلَى / صنف من الْمَذْكُورين. فَدلَّ على (أَن) مُرَاد الله تَعَالَى فِي ذكر الْأَصْنَاف إِنَّمَا هُوَ بَيَان أَسبَاب

(1/376)


الْفقر لَا قسمته على ثَمَانِيَة. وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {وَفِي أَمْوَالهم حق مَعْلُوم، للسَّائِل والمحروم} ، وَقَوله: {إِنَّمَا الصَّدقَات} عُمُوم فِي سَائِر الصَّدقَات وَمَا يحصل فِي كل زمَان، وَقَوله: {للْفُقَرَاء} إِلَى آخِره، عُمُوم فِي سَائِر الْمَذْكُورين من الْمَوْجُودين وَمن يحدث، وَمَعْلُوم أَنه لم يرد قسْمَة كل مَا يحصل من الصَّدَقَة فِي الْمَوْجُودين، وَمن يحدث مِنْهُم لِاسْتِحَالَة إِمْكَان ذَلِك إِلَى أَن تقوم السَّاعَة، فَوَجَبَ أَن تُجزئ صَدَقَة عَام وَاحِد لصنف وَاحِد وَإِعْطَاء صَدَقَة عَام ثَانِي لصنف آخر، وَكَذَا على مَا يرى الإِمَام قسمته، وَلَا خلاف أَن الْفُقَرَاء لَا يستحقونها بِالشّركَةِ، و (إِنَّه) يجوز أَن يحرم الْبَعْض وَيُعْطِي الْبَعْض، فَوَجَبَ أَن يجوز إِعْطَاء بعض الْأَصْنَاف وَيحرم الْبَعْض، كَمَا جَازَ أَن يحرم بعض الْفُقَرَاء. وَيدل عَلَيْهِ أَيْضا قَوْله تَعَالَى: {والعاملين عَلَيْهَا} ، وَلَا نعلم خلافًا بَين الْفُقَهَاء أَنهم لَا يُعْطون الثّمن وَأَنَّهُمْ يسْتَحقُّونَ مِنْهَا بِقدر عَمَلهم، فَوَجَبَ فَسَاد قَول من ذهب إِلَى خلاف هَذَا.
(بَاب لَا يجوز دفع الزَّكَاة إِلَى غَنِي الْغُزَاة)

التِّرْمِذِيّ: عَن عبد الله بن عَمْرو رَضِي الله عَنْهُمَا، عَن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] قَالَ: " لَا تحل الصَّدَقَة لَغَنِيّ وَلَا لذِي مرّة سوي "
وَعنهُ: عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] بعث معَاذًا إِلَى الْيمن فَقَالَ لَهُ: " إِنَّك تَأتي قوما أهل كتاب، فادعهم إِلَى شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَنِّي

(1/377)


رَسُول الله، فَإِن هم أطاعوا لذَلِك فأعلمهم أَن الله افْترض عَلَيْهِم خمس صلوَات فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة، فَإِن هم أطاعوا لذَلِك فأعلمهم أَن الله افْترض عَلَيْهِم صَدَقَة فِي أَمْوَالهم تُؤْخَذ من أغنيائهم وَترد على فقرائهم ".
فَإِن قيل: فقد روى أَبُو دَاوُد: أَن رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] قَالَ:
" لَا تحل الصَّدَقَة لَغَنِيّ إِلَّا لخمسة: الْعَامِل عَلَيْهَا، والغازي فِي سَبِيل الله، والغارم، أَو لرجل اشْتَرَاهَا بِمَالِه، أَو مِسْكين تصدق عَلَيْهِ فأهداها لَغَنِيّ ".
قيل لَهُ: قد يكون الرجل غَنِيا فِي أَهله وبلده، بدار يسكنهَا وأثاث يتأثث بِهِ فِي بَيته، وخادم يَخْدمه، وَفرس يركبه، / وَله فضل مِائَتي دِرْهَم أَو قيمتهَا، وَلَا تحل لَهُ الصَّدَقَة، فَإِذا عزم على الْخُرُوج إِلَى الْغَزْو، وَاحْتَاجَ من آلَات السّفر وَالسِّلَاح وَالْعدة إِلَى مَا لم يكن مُحْتَاجا إِلَيْهِ فِي حَال إِقَامَته، فينفق الْفضل على السِّلَاح وآلات الْعدة فَيجوز لَهُ أَخذ الصَّدَقَة وَهُوَ غَنِي فِي (هَذَا الْوَجْه) فَهَذَا معنى الحَدِيث.
(بَاب إِذا دفع الزَّكَاة إِلَى من ظَنّه أَنه أهل لَهَا فَظهر بِخِلَافِهِ أَجزَأَهُ)

البُخَارِيّ عَن معن بن يزِيد رَضِي الله عَنهُ (حَدثهُ) قَالَ: " بَايَعت

(1/378)


رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] أَنا وَأبي وجدي وخطب عَليّ فأنكحني وخاصمت إِلَيْهِ، وَكَانَ أبي يزِيد أخرج دَنَانِير يتَصَدَّق بهَا فوضعها عِنْد رجل فِي الْمَسْجِد، فَجئْت فأخذتها فَأَتَيْته بهَا، فَقَالَ: وَالله مَا إياك أردْت فَخَاصَمته إِلَى رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فَقَالَ: لَك مَا نَوَيْت يَا يزِيد وَلَك مَا أخذت يَا معن ".
(وَعنهُ: عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] قَالَ: " قَالَ رجل: لأتصدقن بِصَدقَة، (فَخرج بِصَدَقَتِهِ) فوضعها فِي يَد سَارِق، فَأَصْبحُوا يتحدثون تصدق على سَارِق، فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَك الْحَمد لأتصدقن (بِصَدقَة) فَخرج بِصَدَقَتِهِ فوضعها فِي يَد زَانِيَة، فَأَصْبحُوا يتحدثون تصدق اللَّيْلَة على زَانِيَة، قَالَ: اللَّهُمَّ لَك الْحَمد (على زَانِيَة) لأتصدقن بِصَدقَة فَخرج بِصَدَقَتِهِ فوضعها فِي يَد غَنِي، فَأَصْبحُوا يتحدثون تصدق على غَنِي، قَالَ: اللَّهُمَّ لَك الْحَمد على سَارِق وعَلى زَانِيَة وعَلى غَنِي، فَأتي - يَعْنِي فِي الْمَنَام - فَقيل لَهُ: أما صدقتك على سَارِق فَلَعَلَّهُ أَن يستعف عَن سَرقته، وَأما الزَّانِيَة فلعلها أَن تستعف عَن زنَاهَا، وَأما الْغَنِيّ فَلَعَلَّهُ أَن يعْتَبر فينفق مِمَّا أعطَاهُ الله ".
وَقد ذهب الْحسن الْبَصْرِيّ إِلَى مَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ، لِأَنَّهُ قد اجْتهد وَأعْطى فَقِيرا عِنْده وَلَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا الِاجْتِهَاد، وَلِأَن الصَّدَقَة إِذا خرجت من مَال الْمُتَصَدّق على نِيَّة الصَّدَقَة أَنَّهَا جازية عَنهُ حَيْثُ وَقعت مِمَّن بسط إِلَيْهَا يدا إِذا كَانَ مُسلما بِدَلِيل هَذَا الحَدِيث) .

(1/379)


(بَاب لَا يجوز للْمَرْأَة أَن تدفع إِلَى زَوجهَا زَكَاة مَالهَا كَمَا لَا يجوز للزَّوْج أَن يدْفع زَكَاة مَاله إِلَيْهَا)

وَلَيْسَ الْمَانِع من إِعْطَاء زَوجته من زَكَاة مَاله وجوب النَّفَقَة عَلَيْهِ وَلكنه السَّبَب / الَّذِي بَينهَا وَبَينه فَصَارَ كالسبب الَّذِي بَينه وَبَين وَالِديهِ.
فَإِن قيل: روى (البُخَارِيّ) عَن زَيْنَب امْرَأَة عبد الله قَالَت: كنت فِي الْمَسْجِد فَرَأَيْت النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فَقَالَ: " تصدقن وَلَو من حليكن، وَكَانَت زَيْنَب تنْفق على عبد الله وأيتام فِي حجرها، فَقَالَت لعبد الله: سل رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] أيجزئ عني أَن أنْفق عَلَيْك وعَلى أَيْتَام فِي حجري من الصَّدَقَة؟ فَقَالَ: سَلِي أَنْت رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، فَانْطَلَقت إِلَى النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فَوجدت امْرَأَة من الْأَنْصَار على الْبَاب حَاجَتهَا مثل حَاجَتي، فَمر علينا بِلَال فَقُلْنَا سل النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] أيجزئ عني أَن أنْفق على زَوجي وأيتام فِي حجري؟ وَقُلْنَا: لَا تجزينا، (فَدخل) فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: من هما؟ قَالَ: زَيْنَب، قَالَ: أَي الزيانب، قَالَ: امْرَأَة عبد الله، فَقَالَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : (نعم لَهَا) أَجْرَانِ، أجر الْقَرَابَة وَأجر الصَّدَقَة ".
قيل لَهُ: هَذَا مَحْمُول على صَدَقَة التَّطَوُّع بِدَلِيل مَا روى الطَّحَاوِيّ: " عَن ريطة بنت عبد الله امْرَأَة عبد الله بن مَسْعُود، وَكَانَت امْرَأَة صنعاء، وَلَيْسَ

(1/380)


لعبد الله بن مَسْعُود مَال فَكَانَت تنْفق عَلَيْهِ وعَلى وَلَده من مَالهَا، فَقَالَت: لقد شغلتني أَنْت وولدك عَن الصَّدَقَة فَمَا أَسْتَطِيع أَن أَتصدق مَعَكُمَا بِشَيْء، فَقَالَ: مَا أحب إِن لم يكن لَك فِي ذَلِك أجر أَن تفعلي، فَسَأَلت رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] هِيَ وَهُوَ فَقَالَت: يَا رَسُول الله، إِنِّي امْرَأَة لي صَنْعَة أبيع مِنْهَا، وَلَيْسَ لوَلَدي وَلَا لزوجي شَيْء، فشغلوني فَلَا أَتصدق فَهَل لي فيهم أجر فَقَالَ: لَك فِي ذَلِك أجر مَا أنفقت عَلَيْهِم ".
فَفِي هَذَا الحَدِيث (دَلِيل على) أَن تِلْكَ الصَّدَقَة مِمَّا لم يكن فِيهِ زَكَاة، وريطة هَذِه (هِيَ) زَيْنَب امْرَأَة عبد الله لَا نعلم أَن عبد الله كَانَت لَهُ امْرَأَة غَيرهَا فِي زمن رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] . وَالدَّلِيل (على) أَن تِلْكَ الصَّدَقَة كَانَت تَطَوّعا قَوْلهَا: كنت امْرَأَة صنعاء أصنع بيَدي فأبيع من ذَلِك فأنفق على عبد الله. فَكَانَ قَول رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] الَّذِي فِي هَذَا الحَدِيث، وَالَّذِي فِي غَيره، جَوَابا لسؤالها، وَفِي حَدِيث ريطة (هَذِه) : كنت أنْفق من ذَلِك على عبد الله وعَلى وَلَده مني، وَقد أَجمعُوا على أَن الْمَرْأَة لَا يجوز لَهَا أَن تنْفق على وَلَدهَا من زَكَاتهَا، فَلَمَّا كَانَ مَا أنفقت على وَلَدهَا لَيْسَ من الزَّكَاة فَكَذَلِك مَا أنفقت على زَوجهَا لَيْسَ من الزَّكَاة.
(/ بَاب أَخذ الصَّدَقَة إِلَى الإِمَام)

قَالَ الله تَعَالَى: {خُذ من أَمْوَالهم صَدَقَة} ، وَإِذا كَانَ الْأَخْذ إِلَى الإِمَام فأداها الْمَالِك إِلَى من يجب أَدَاؤُهَا إِلَيْهِ لم يجز لِأَن حق الإِمَام فِي الْأَخْذ قَائِم فَلَا سَبِيل لَهُ

(1/381)


إِلَى إِسْقَاطه، وَلِأَن مانعي الزَّكَاة قَالُوا لأبي بكر رَضِي الله عَنهُ: نزكي وَلَا نؤديها إِلَيْك، قَالَ لَا وَالله حَتَّى آخذها كَمَا آخذها رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] .
فَفِي هَذَا (دَلِيل) أَن مانعها من الإِمَام بعد الِاعْتِرَاف بِوُجُوبِهَا يسْتَحق الْقِتَال. وَثَبت أَن من أدّى صدقَات مواشيه إِلَى الْفُقَرَاء، أَن الإِمَام لَا يحْتَسب بهَا، وَأَنه مَتى امْتنع من دَفعهَا إِلَى الإِمَام قَاتله عَلَيْهَا، وَهَذَا فِي صدقَات الْمَوَاشِي، وَأما زَكَاة الْأَمْوَال فَإِن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وَأَبا بكر وَعمر رَضِي الله عَنْهُم كَانُوا يأخذونها كَمَا يَأْخُذُونَ صدقَات الْمَوَاشِي، فَلَمَّا كَانَ أَيَّام عُثْمَان، خطب النَّاس فَقَالَ: " هَذَا شهر زَكَاتكُمْ فَمن كَانَ عَلَيْهِ دين فليؤد، ثمَّ ليزك بَقِيَّة مَاله " فَجعل الْأَدَاء إِلَى أَرْبَاب الْأَمْوَال وصاروا بِمَنْزِلَة الوكلاء للْإِمَام فِي أَدَائِهَا.
(بَاب مِقْدَار صَدَقَة الْفطر من الْبر نصف صَاع)

التِّرْمِذِيّ: عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده أَن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] بعث مناديا فِي فجاج مَكَّة: " أَلا إِن صَدَقَة الْفطر وَاجِبَة على كل مُسلم ذكر أَو أُنْثَى، حر أَو عبد، صَغِير أَو كَبِير، مدان من قَمح، (وسواه) صَاع (من طَعَام) ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن (غَرِيب) .
وَعنهُ: عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: " فرض رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] صَدَقَة الْفطر

(1/382)


على الذّكر وَالْأُنْثَى، وَالْحر والمملوك، صَاعا من تمر، أَو صَاعا من شعير (قَالَ) : فَعدل النَّاس إِلَى نصف صَاع من بر ". قَالَ أَبُو عِيسَى: " هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح. وَقَالَ بعض أهل الْعلم من أَصْحَاب النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] (وَغَيرهم) يجب من كل (شَيْء) صَاع إِلَّا من الْبر فَإِنَّهُ يُجزئ نصف صَاع، وَهُوَ قَول سُفْيَان الثَّوْريّ وَابْن الْمُبَارك ".
(بَاب الصَّاع ثَمَانِيَة أَرْطَال بالعراقي)

الطَّحَاوِيّ: عَن مُجَاهِد قَالَ: " دَخَلنَا على عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا فَاسْتَسْقَى بَعْضنَا، فَأتى بعس، قَالَت: كَانَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] يغْتَسل بِمثل هَذَا: قَالَ مُجَاهِد: فحزرته فِيمَا أَحْزِرْ / ثَمَانِيَة أَرْطَال تِسْعَة أَرْطَال عشرَة أَرْطَال ". فَلم يشك مُجَاهِد فِي الثَّمَانِية.
وَعنهُ: عَن أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ قَالَ: " كَانَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] يتَوَضَّأ. بِالْمدِّ وَهُوَ رطلان ".

(1/383)


فَإِن قيل: فِي سَنَد هَذَا الحَدِيث: الْحمانِي، وَقد قَالَ أَحْمد: " كَانَ يكذب ". قيل لَهُ: سَيَأْتِي الْجَواب عَن هَذَا إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
فَإِن قيل: فقد روى الطَّحَاوِيّ: عَن أبي يُوسُف قَالَ: " قدمت الْمَدِينَة فَأخْرج (إِلَيّ) من أَثِق بِهِ صَاعا، فَقَالَ: هَذَا صَاع النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فقدرته فَوَجَدته خَمْسَة أَرْطَال وَثلث رَطْل ". وَسمعت (ابْن أبي عمرَان) يَقُول: " إِن الَّذِي أخرج هَذَا لأبي يُوسُف هُوَ مَالك بن أنس ". (وَسمعت) أَبَا حَازِم يَقُول: يذكر أَن مَالِكًا سُئِلَ عَن ذَلِك فَقَالَ: " تحرى عبد الْملك لصاع عمر بن الْخطاب ". فَكَأَن مَالِكًا لما ثَبت عِنْده أَن عبد الْملك تحرى ذَلِك من صَاع عمر وَصَاع عمر صَاع النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] أطلق عَلَيْهِ أَنه صَاع رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] .
قيل: وَقدر صَاع عمر على خلاف ذَلِك.
الطَّحَاوِيّ: عَن مُوسَى بن طَلْحَة قَالَ: " الْحَجَّاجِي صَاع عمر بن الْخطاب ".
وَعنهُ: عَن إِبْرَاهِيم قَالَ: " عيرنَا لصاع (عمر) فوجدناه حجاجيا، والحجاجي عِنْدهم ثَمَانِيَة أَرْطَال بالعراقي ".

(1/384)


وَعنهُ: عَن إِبْرَاهِيم قَالَ: " وضع الْحجَّاج قفيزة على صَاع عمر ". فَهَذَا أولى مِمَّا ذكره مَالك من تحري عبد الْملك، لِأَن التَّحَرِّي لَيْسَ مَعَه حَقِيقَة.
فَإِن قيل: فقد رُوِيَ عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَنَّهَا قَالَت: " كنت أَغْتَسِل أَنا وَرَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] من إِنَاء وَاحِد هُوَ الْفرق ". وَالْفرق: ثَلَاثَة آصَع. كَانَ مَا يغْتَسل بِهِ كل وَاحِد مِنْهُمَا صَاعا وَنصفا، فَإِذا كَانَ ذَلِك ثَمَانِيَة أَرْطَال كَانَ الصَّاع ثلثيهما وَهُوَ خَمْسَة أَرْطَال وَثلث (رَطْل) .
قيل لَهُ: إِنَّمَا فِيهِ ذكر الْفرق الَّذِي كَانَ يغْتَسل بِهِ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وَهِي لم تذكر مِقْدَار المَاء الَّذِي يكون فِيهِ هَل هُوَ (ملؤه) أَو أقل من ذَلِك، فقد يجوز أَن يكون (يغْتَسل وَهُوَ ثَمَانِيَة، وَيجوز أَن يكون) كَانَ يغْتَسل وَهُوَ أقل من مَائه مِمَّا هُوَ صَاعَانِ، فَيكون كل وَاحِد مِنْهُمَا مغتسلا بِصَاع من مَاء، وَيكون معنى هَذَا الحَدِيث مُوَافقا لمعاني الْأَحَادِيث الَّذِي رويت عَن رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : " أَنه كَانَ يتَوَضَّأ بِالْمدِّ ويغتسل بالصاع ". وَلَيْسَ فِيهِ مِقْدَار وزن الصَّاع كم هُوَ، / وَفِي حَدِيث مُجَاهِد عَن عَائِشَة ذكر وزن مَا كَانَ يغْتَسل بِهِ وَهُوَ ثَمَانِيَة أَرْطَال، فَثَبت بذلك مَا صححت عَلَيْهِ هَذِه الْآثَار وجمعت، وكشفت مَعَانِيهَا أَنه كَانَ يغْتَسل من إِنَاء هُوَ الْفرق وَصَاع وَزنه ثَمَانِيَة أَرْطَال.

(1/385)


(بَاب لَا تجب صَدَقَة الْفطر إِلَّا على من يملك نِصَابا من أَي مَال كَانَ)

البُخَارِيّ وَمُسلم: عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : " إِنَّمَا الصَّدَقَة عَن ظهر غنى ". وَلِأَن الله تَعَالَى لم يَأْمر بِأخذ الصَّدَقَة من الْفُقَرَاء بل بدفعها إِلَيْهِم.
فَإِن قيل: فقد روى أَبُو دَاوُد، عَن عبد الله بن ثَعْلَبَة - أَو ثَعْلَبَة بن عبد الله - بن أبي صعير، عَن أَبِيه قَالَ: قَالَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : " صَاع من بر أَو قَمح على كل اثْنَيْنِ صَغِير أَو كَبِير، حر أَو عبد، ذكر أَو أُنْثَى، أما غنيكم فيزكيه الله تَعَالَى وَأما فقيركم فَيرد الله تَعَالَى عَلَيْهِ أَكثر مِمَّا (أعْطى) ".
قيل لَهُ: فِي سَنَده، النُّعْمَان بن رَاشد وَلَا يحْتَج بحَديثه.

(1/386)


(بَاب يجب على الْمولى صَدَقَة الْفطر عَن عَبده الْكَافِر)

البُخَارِيّ: عَن نَافِع، عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: " فرض رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] صَدَقَة الْفطر صَاعا من شعير أَو صَاعا من تمر على الصَّغِير وَالْكَبِير، وَالْحر الْمَمْلُوك ".
فَإِن قيل: فقد روى مَالك، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر: " أَن رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فرض زَكَاة الْفطر صَاعا من تمر، أَو صَاعا من شعير، على كل حر أَو عبد، ذكر أَو أُنْثَى من الْمُسلمين ".
قيل لَهُ: هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ غير وَاحِد عَن ابْن عمر لم يذكر فِيهِ " من الْمُسلمين "، فطريق التَّوْفِيق أَن يكون ابْن عمر سَمعه من النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] مرَّتَيْنِ، مرّة عَاما وَمرَّة خَاصّا، لَكِن الظَّاهِر (أَنه) سمع أَولا مِنْهُ الْخَاص، ثمَّ سمع بعده الْعَام. وَيبعد أَن يكون سمع الْعَام أَولا ثمَّ سمع الْخَاص، لِأَن فِي هَذَا التَّقْدِير إبِْطَال بعض مَا تنَاوله الْعَام، وَفِي الثَّانِي (تَقْرِير) مَا تنَاوله، (والتقرير) أولى من الْإِبْطَال. وَإِلَى هَذَا ذهب سُفْيَان الثَّوْريّ وَابْن الْمُبَارك وَإِسْحَاق وَعَطَاء وَالنَّخَعِيّ رَحِمهم الله تَعَالَى.

(1/387)


صفحة فارغة

(1/388)