اللباب في الجمع بين السنة والكتاب

 (كتاب الشُّفْعَة)

(بَاب الْجَار الملاصق لَهُ شُفْعَة)

التِّرْمِذِيّ: عَن عَطاء، عَن جَابر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : " الْجَار أَحَق بشفعته، (ينْتَظر بهَا) وَإِن كَانَ غَائِبا إِذا (كَانَ) طريقهما وَاحِدًا " هَذَا حَدِيث (حسن) غَرِيب.
وَعنهُ: عَن الْحسن، عَن سَمُرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] :

(2/527)


" (جَار الدَّار أَحَق بِالدَّار ". هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح. قَالَ ابْن الْمَدِينِيّ: سمع الْحسن من سَمُرَة.
فَإِن قيل: فقد قَالَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ) : " الشُّفْعَة فِي كل شرك بِأَرْض أَو ربع (أَو) حَائِط ".
وروى البُخَارِيّ: عَن جَابر بن عبد الله رَضِي الله عَنهُ قَالَ: " قضى النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] بِالشُّفْعَة فِي (كل) مَا لم يقسم، فَإِذا وَقعت الْحُدُود وصرفت الطّرق فَلَا شُفْعَة ".
قيل لَهُ: أما الحَدِيث الأول: فَلَيْسَ فِيهِ دَلِيل علينا، لِأَنَّهُ لَا يَنْفِي أَن تكون وَاجِبَة فِي غَيره، لِأَنَّهُ لم يقل أَن الشُّفْعَة لَا تكون إِلَّا فِي شرك. ثمَّ فِي حَدِيث جَابر الَّذِي ذكرنَا إِيجَاب الشُّفْعَة فِي الْمَبِيع الَّذِي لَا شرك فِيهِ بالشرك فِي الطَّرِيق، فَالْأولى أَن يجمع (بَينهمَا) فَيكون حَدِيث جَابر فِيهِ إِخْبَار عَن حكم الشُّفْعَة (فِي الْمَبِيع الَّذِي لَا شرك لأحد فِيهِ بِالطَّرِيقِ. والْحَدِيث الآخر فِيهِ إِخْبَار عَن حكم الشُّفْعَة) للشَّرِيك فِي الَّذِي بيع مِنْهُ.

(2/528)


وَأما الحَدِيث الثَّانِي: لَا يجب بِهِ حجَّة على أصل المحتج (بِهِ) علينا، لِأَن الْأَثْبَات من أَصْحَاب مَالك رَحمَه الله - مثل القعْنبِي وَأبي عَامر - إِنَّمَا رَوَوْهُ عَن مَالك مُنْقَطِعًا، والمنقطع لَا يقوم بِهِ حجَّة. (ثمَّ) لَو ثَبت هَذَا الحَدِيث واتصل إِسْنَاده لم يكن فِيهِ عندنَا مَا يُخَالف الحَدِيث الَّذِي ذَكرْنَاهُ، عَن عَطاء، عَن جَابر، لِأَن الَّذِي فِي هَذَا الحَدِيث (إِخْبَار عَن قَضَاء رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] بقوله: " قضى رَسُول الله) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِالشُّفْعَة فِيمَا لم يقسم ". فَكَانَ بذلك مخبرا عَن رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] بِمَا قضى. ثمَّ قَالَ بعد ذَلِك: فَإِذا وَقعت الْحُدُود فَلَا شُفْعَة. وَكَانَ ذَلِك قولا من رَأْيه لم يحكه عَن رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] . وَإِنَّمَا يكون هَذَا الحَدِيث حجَّة علينا لَو كَانَ رَسُول الله قَالَ: " الشُّفْعَة فِيمَا لم يقسم فَإِذا وَقعت الْحُدُود فَلَا شُفْعَة ".
الطَّحَاوِيّ: عَن عَامر، عَن شُرَيْح قَالَ: " الشُّفْعَة شفعتان شُفْعَة للْجَار وشفعة للشَّرِيك ".
وَعنهُ: عَن أبي بكر بن حَفْص: " أَن عمر كتب إِلَى شُرَيْح / أَن تقضي بِالشُّفْعَة للْجَار الملازق ".
التِّرْمِذِيّ: عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : " الشَّرِيك شَفِيع، وَالشُّفْعَة فِي كل شَيْء ".

(2/529)


(وَمعنى) هَذَا فِي الدّور وَالْعَقار وَالْأَرضين بِدَلِيل مَا روى:
(الطَّحَاوِيّ) : عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: " لَا شُفْعَة فِي الْحَيَوَان ".
فَإِن قيل: إِن الشَّرِيك يُسمى جارا، وَلِهَذَا سميت الْمَرْأَة جَارة زَوجهَا.
قيل لَهُ: تَسْمِيَة الشَّرِيك جارا لَا تُوجد فِي لُغَة الْعَرَب، وَإِنَّمَا سميت الْمَرْأَة جَارة زَوجهَا لقربها مِنْهُ، لَا لكَونهَا شريكة لَهُ. وَإِلَى هَذَا ذهب الثَّوْريّ وَابْن الْمُبَارك رحمهمَا الله تَعَالَى.

(2/530)