اللباب في الجمع بين السنة والكتاب

 (كتاب الْعَارِية)

(بَاب الْعَارِية أَمَانَة إِن هَلَكت من غير تعد لم تضمن، وَكَذَا الْوَدِيعَة. ووافقنا مَالك رَحمَه الله فِي الْأَمْوَال الظَّاهِرَة، مثل (الْحَيَوَان والرباع))

الدَّارَقُطْنِيّ: عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده، عَن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] قَالَ: " لَيْسَ على الْمُسْتَعِير غير الْمغل ضَمَان، وَلَا على الْمُسْتَوْدع غير الْمغل (ضَمَان) . فقد سوى رَسُول الله فِي هَذَا الحَدِيث بَين الْمُسْتَعِير والمستودع.
فَإِن قيل: هَذَا الحَدِيث يرويهِ (عَمْرو بن عبد الْجَبَّار) وَعبيدَة بن حسان وهما ضعيفان، وَقد رُوِيَ عَن شُرَيْح القَاضِي غير مَرْفُوع.

(2/537)


قيل لَهُ: الْجرْح لَا يقبل مَا لم يبين سَببه، وَرِوَايَة من وَقفه لَا يقْدَح فِي رِوَايَة من رَفعه.
فَإِن قيل: قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام لِصَفْوَان بن أُميَّة حِين اسْتعَار درعه وَقَالَ لَهُ: " أغصباء يَا مُحَمَّد؟ فَقَالَ: لَا بل عَارِية مَضْمُونَة ". مؤاده يدل على (أَن) الْعَارِية مَضْمُونَة (لِأَنَّهُ) لَا يَسْتَقِيم حمله على شَرط الضَّمَان، إِذْ الصِّيغَة لوصف الْعَارِية وَبَيَان حكمهَا، لَا للاشتراط كَمَا فِي قَوْله " مُؤَدَّاة ".
قيل لَهُ: الْجَواب عَن هَذَا الحَدِيث من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَنه لَا دلَالَة فِيهِ على مَحل الْخلاف، بل هُوَ صفة للعارية الَّتِي استعارها النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وَبَيَان حكمهَا، وَلَيْسَ فِيهِ عُمُوم لِأَن الْجَواب يتَقَيَّد بِمَا فِي السُّؤَال. فَقَوله: " أغصبا يَا مُحَمَّد "، لَيْسَ بسؤال عَن حكم العواري، بل سُؤال عَمَّا أَخذه مِنْهُ أَو طلبه مِنْهُ، فَجَوَابه عَلَيْهِ السَّلَام ينْصَرف إِلَيْهِ.
الثَّانِي: أَنه مَحْمُول على اشْتِرَاط الضَّمَان، وَهُوَ مُسْتَقِيم، / وَأما قَوْله: " مُؤَدَّاة " (إِنَّمَا) منعنَا من حمله على الِاشْتِرَاط مَا روى التِّرْمِذِيّ: عَن أبي أُمَامَة رَضِي الله، عَنهُ قَالَ: سَمِعت رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] يَقُول فِي الْخطْبَة فِي حجَّة الْوَدَاع: " الْعَارِية مُؤَدَّاة، (والمنحة مَرْدُودَة) ، والزعيم غَارِم، وَالدّين مقضي ". هَذَا حَدِيث (صَحِيح) .

(2/538)


فوصف رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] جَمِيع العواري بِكَوْنِهَا مُؤَدَّاة، وَلم يتَعَرَّض للضَّمَان ومذهبنا مَرْوِيّ عَن عَليّ وَابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنْهُمَا، وَهُوَ قَول شُرَيْح، (وَالْحسن) ، وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ، وَالثَّوْري.
(ذكر الْغَرِيب:)

المنحة: بميم مَكْسُورَة وَنون سَاكِنة وحاء مُهْملَة وهاء، مَا يمنح الرجل صَاحبه من أَرض يَزْرَعهَا، أَو شَاة يشرب لَبنهَا، أَو شَجَرَة يَأْكُل ثَمَرهَا، ثمَّ يردهَا. فَتكون مَنْفَعَتهَا لَهُ وَأَصلهَا فِي حكم الْعَارِية. والزعيم: الْكَفِيل، وكل من يكفل دينا فَعَلَيهِ الْغرم.

(2/539)


فارغة

(2/540)