اللباب في الجمع بين السنة والكتاب

 (كتاب الْحُدُود)

(بَاب لَا نفي على الْبكر إِذا جلد)

إِلَّا أَن يرى الإِمَام أَن يَنْفِيه للدعارة إِلَى حَيْثُ يَنْفِي الدعار لَا الزناة.
مَالك: عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ، وَزيد بن خَالِد الْجُهَنِيّ: " أَن رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] سُئِلَ عَن الْأمة إِذا زنت وَلم تحصن فَقَالَ: إِذا زنت فاجلدوها ثمَّ إِن زنت فاجلدوها (ثمَّ إِن زنت فاجلدوها) ثمَّ بيعوها وَلَو بضفير ". قَالَ مَالك: " قَالَ ابْن شهَاب: لَا أَدْرِي بعد الثَّالِثَة أَو الرَّابِعَة ".
فَلَمَّا أَمر رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فِي الْأمة إِذا زنت أَن تجلد وَلم يَأْمر مَعَ الْجلد بِنَفْي، وَقد قَالَ الله تَعَالَى: {فعليهن نصف مَا على الْمُحْصنَات من الْعَذَاب} . علمنَا بذلك

(2/731)


(أَن) مَا يجب على الْإِمَاء إِذا زنين هُوَ نصف مَا على الْحَرَائِر إِذا زنين. ثَبت أَن لَا نفي على الْأمة إِذا زنت كَذَلِك الْحرَّة أَيْضا. وَلِأَن أمره بِالْبيعِ دَلِيل على أَنه لَا نفي عَلَيْهَا، لِأَنَّهُ إِنَّمَا أعلمهم فِي ذَلِك مَا يَفْعَلُونَ بإمائهم إِذا زنين، فَمن الْمحَال أَن يكون ذَلِك يقصر عَن جَمِيع مَا يجب عَلَيْهِنَّ، ومحال أَن يَأْمر بِبيع من لَا يقدر مبتاعه على قَبضه من بَائِعه وَلَا يصل إِلَيْهِ إِلَّا بعد سِتَّة أشهر.
ثمَّ لما كَانَ قَوْله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] لأنيس: " اغْدُ إِلَى امْرَأَة هَذَا فَإِن اعْترفت فارجمها " دَلِيلا (على) أَن لَا جلد عَلَيْهَا مَعَ ذَلِك، وَكَانَ مُعَارضا لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: " الثّيّب بِالثَّيِّبِ جلد مائَة وَالرَّجم " كَانَ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: " إِذا زنت أمة أحدكُم فليجلدها " دَلِيلا على إبِْطَال النَّفْي عَن الْأمة. فَإِذا كَانَ السُّكُوت عَن نفي الْأمة لَا يرفع

(2/732)


(النَّفْي) عَنْهَا كَانَ السُّكُوت عَن الْجلد مَعَ الرَّجْم لَا يرفع الْجلد عَن الثّيّب الزَّانِي مَعَ الرَّجْم.
(بَاب إِذا اعْترف الزَّانِي أَربع مَرَّات أَنه زنى وَجب عَلَيْهِ الْحَد)

مُسلم: عَن عَلْقَمَة بن مرْثَد، عَن سُلَيْمَان بن بُرَيْدَة، (عَن أَبِيه) قَالَ: " جَاءَ مَاعِز بن مَالك إِلَى رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فَقَالَ: يَا رَسُول الله طهرني، فَقَالَ: وَيحك ارْجع فَاسْتَغْفر الله (وَتب إِلَيْهِ) ، فَرجع غير بعيد ثمَّ جَاءَ فَقَالَ: يَا رَسُول الله طهرني (فَقَالَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : (وَيحك) ارْجع فَاسْتَغْفر الله وَتب إِلَيْهِ، فَرجع غير بعيد ثمَّ جَاءَ فَقَالَ: يَا رَسُول الله طهرني) ، فَقَالَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] مثل ذَلِك، حَتَّى إِذا كَانَت الرَّابِعَة قَالَ لَهُ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : فيمَ أطهرك؟ / قَالَ: من الزِّنَا، فَسَأَلَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] أبه جُنُون؟ فَأخْبر أَنه لَيْسَ بمجنون، فَقَالَ: أشْرب خمرًا؟ فَقَامَ رجل فاستنكهه فَلم يجد مِنْهُ ريح خمر، (قَالَ) فَقَالَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : أزنيت؟ قَالَ: نعم، (فَأمر بِهِ) فرجم ".
وَأما حَدِيث أنيس، فَيجوز أَن يكون قد علم الِاعْتِرَاف الَّذِي يُوجب حد الزِّنَا

(2/733)


على الْمُعْتَرف بِهِ مَا هُوَ مِمَّا علمهمْ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فِي مَاعِز، فخاطبه بِهَذَا الْخطاب بعد علمه أَنه قد علم الِاعْتِرَاف (الَّذِي يُوجب) .
فَإِن قيل: فقد رجم النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] الغامدية بإقرارها مرّة وَاحِدَة.
قيل لَهُ: الْجَواب عَن هَذَا من وَجْهَيْن:
أَحدهمَا: أَنَّهَا اعْترفت عِنْده بِالزِّنَا، ثمَّ حَلَفت أَنَّهَا لحبلى - يَعْنِي من الزِّنَا - ثمَّ أَخّرهَا إِلَى أَن تَلد، فَلَمَّا ولدت أَتَتْهُ بِالْوَلَدِ وَقَالَت: هَذَا قد ولدت، ثمَّ أَخّرهَا (حَتَّى يَسْتَغْنِي، ثمَّ جَاءَت بِهِ) فرجمت. فَهَذَا بِمَنْزِلَة الْإِقْرَار أَربع مَرَّات.
(الثَّانِي: أَنه مَعَ ظُهُور الْحَبل لَا يحْتَاج إِلَى الْإِقْرَار أَربع مَرَّات) ، لما روى (مُسلم) : عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ وَهُوَ جَالس على مِنْبَر رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : " إِن الله بعث مُحَمَّدًا بِالْحَقِّ "، وَأنزل عَلَيْهِ الْكتاب، فَكَانَ مِمَّا أنزل عَلَيْهِ آيَة الرَّجْم، فقرأناها ووعيناها وعقلناها، فرجم رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ورجمنا بعده، فأخشى إِن طَال بِالنَّاسِ زمَان أَن يَقُول قَائِل: مَا نجد الرَّجْم فِي كتاب الله فيضلوا بترك فَرِيضَة أنزلهَا الله، وَإِن الرَّجْم فِي كتاب الله تَعَالَى حق على من زنا إِذا أحصن من الرِّجَال وَالنِّسَاء إِذا قَامَت الْبَيِّنَة (أَو كَانَ الْحَبل أَو الِاعْتِرَاف) .

(2/734)


(بَاب الْإِسْلَام شَرط فِي الْإِحْصَان)

الدَّارَقُطْنِيّ: عَن كَعْب بن مَالك: " أَنه أَرَادَ (أَن يتَزَوَّج) يَهُودِيَّة أَو نَصْرَانِيَّة، فَسَأَلَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] عَن ذَلِك فَنَهَاهُ عَنهُ وَقَالَ: إِنَّهَا لَا تحصنك ".
فَإِن قيل: فِي هَذَا الحَدِيث أَبُو بكر بن أبي مَرْيَم، وَفِيه عَليّ بن أبي طَلْحَة وَلم يدركا كَعْبًا.
قيل لَهُ: إِذا لم يدركا كَعْبًا فَهُوَ مُرْسل، والمرسل حجَّة.
فَإِن قيل: بِأَن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] " رجم يَهُودِيّا وَيَهُودِيَّة "
قيل لَهُ: كَانَ ذَلِك بِحكم التَّوْرَاة ثمَّ نسخ.

(2/735)


يُؤَيّد هَذَا مَا روى الدَّارَقُطْنِيّ: عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ، عَن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] قَالَ: " من أشرك بِاللَّه فَلَيْسَ بمحصن "، وَالصَّوَاب أَن هَذَا الحَدِيث مَوْقُوف.
(بَاب من زنا بِجَارِيَة امْرَأَته حد إِلَّا أَن يَدعِي شُبْهَة)

الطَّحَاوِيّ: عَن أبي عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ قَالَ: كَانَ عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ يَقُول: " لَا أُوتى بِرَجُل وَقع على / جَارِيَة امْرَأَته إِلَّا رَجَمْته ".
فَإِن قيل: فقد رُوِيَ عَن قَتَادَة أَنه سُئِلَ عَن رجل وطئ جَارِيَة امْرَأَته فحدثنا عَن حبيب بن سَالم أَنَّهَا رفعت إِلَى النُّعْمَان بن بشير فَقَالَ: " لأقضين فِيهَا بِقَضَاء رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : إِن كَانَت أحلتها لَهُ جلدته مائَة، وَإِن لم تكن أحلتها لَهُ رَجَمْته ".
قيل لَهُ: هَذِه الْمِائَة عندنَا تَعْزِير، كَأَنَّهُ دَرأ عَنهُ الْحَد (بِوَطْئِهِ) بِالشُّبْهَةِ، و (عزره) بركوبه مَا لَا يحل لَهُ. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: " حَدِيث النُّعْمَان فِي إِسْنَاده اضْطِرَاب. سَمِعت مُحَمَّدًا يَقُول: لم يسمع قَتَادَة من حبيب بن سَالم هَذَا الحَدِيث، إِنَّمَا

(2/736)


رَوَاهُ عَن خَالِد بن عرفطة. وَأَبُو بشر لم يسمع من حبيب بن سَالم هَذَا الحَدِيث، إِنَّمَا رَوَاهُ عَن خَالِد بن عرفطة ".
(بَاب من تزوج امْرَأَة أَبِيه أَو ذَات محرم مِنْهُ فَدخل بهَا وَهُوَ عَالم بِالْحُرْمَةِ لَا يحد)

الطَّحَاوِيّ: عَن سعيد بن الْمسيب وَسليمَان بن يسَار: " أَن طليحة نكحت فِي عدتهَا، فَأتي بهَا عمر بن الْخطاب فضربها ضربات بالمخفقة، وَضرب زَوجهَا، (وَفرق بَينهمَا، وَقَالَ: أَيّمَا امْرَأَة نكحت فِي عدتهَا فرق بَينهَا وَبَين زَوجهَا) الَّذِي نكحت، ثمَّ اعْتدت بَقِيَّة عدتهَا من الأول، ثمَّ اعْتدت من الآخر (إِن) كَانَ دخل بهَا الآخر، (ثمَّ لم ينْكِحهَا أبدا) ، وَإِن لم يكن دخل بهَا اعْتدت من الأول وَكَانَ الآخر خاطبا من الْخطاب ".
وَعنهُ: عَن سعيد بن الْمسيب: " أَن رجلا تزوج امْرَأَة فِي عدتهَا، فَرفع إِلَى عمر رَضِي الله عَنهُ فضربها دون الْحَد، وَجعل لَهَا الصَدَاق، وَفرق بَينهمَا، وَقَالَ: لَا يَجْتَمِعَانِ أبدا. قَالَ: وَقَالَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ: وَإِن تابا وأصلحا جعلتهما من الْخطاب ".
أَفلا ترى أَن عمر ضرب الْمَرْأَة وَالزَّوْج بالمخفقة، فاستحال أَن يضربهما وهما

(2/737)


جاهلان بِتَحْرِيم مَا فعلا، (لِأَنَّهُ كَانَ أعرف) بِاللَّه من أَن يُعَاقب من لم تقم عَلَيْهِ الْحجَّة. فَلَمَّا (ضربهما) دلّ على أَن الْحجَّة قد كَانَت قَامَت عَلَيْهِمَا بِالتَّحْرِيمِ قبل ذَلِك. ثمَّ هُوَ رَحمَه الله لم يقم عَلَيْهِمَا الْحَد وَقد حَضَره أَصْحَاب رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فتابعوه على ذَلِك وَلم يخالفوه.
فَهَذَا دَلِيل صَحِيح على أَن عقد النِّكَاح - وَإِن كَانَ لَا يثبت - وَجب لَهُ حكم النِّكَاح فِي وجوب الْمهْر بِالدُّخُولِ الَّذِي يكون بعده، وَفِي الْعدة مِنْهُ، وَفِي ثُبُوت النّسَب، وَمَا كَانَ يُوجب مَا ذكرنَا من ذَلِك، يَسْتَحِيل أَن يجب فِيهِ الْحَد، لِأَن الَّذِي يُوجب (الْحَد) (هُوَ) الزِّنَا، وَالزِّنَا (لَا يُوجب ثُبُوت مهر وَلَا عدَّة وَلَا نسب) .
فَإِن قيل: رُوِيَ عَن الْبَراء بن عَازِب قَالَ: " لقِيت / خَالِي مَعَه الرَّايَة، فَقلت أَيْن تذْهب؟ فَقَالَ: أَرْسلنِي رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] إِلَى رجل تزوج امْرَأَة أَبِيه من بعده أَن أضْرب عُنُقه ".
قيل لَهُ: هَذَا الحَدِيث فِيهِ ذكر الْقَتْل، وَلَيْسَ فِيهِ ذكر الرَّجْم وَلَا ذكر إِقَامَة الْحَد. وَقد أَجمعُوا أَن فَاعل ذَلِك لَا يجب عَلَيْهِ الْقَتْل. إِنَّمَا يجب عَلَيْهِ فِي قَول من

(2/738)


يُوجب عَلَيْهِ الْحَد الرَّجْم إِن كَانَ مُحصنا. فَلَمَّا لم يَأْمر النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] (بِالرَّجمِ) وَأمر بِالْقَتْلِ ثَبت بذلك أَن (ذَلِك) الْقَتْل لَيْسَ بِحَدّ الزِّنَا. وَهُوَ بِمَعْنى خلاف ذَلِك. وَهُوَ أَن ذَلِك المتزوج فعل مَا فعل من ذَلِك على الاستحلال كَمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ فِي الْجَاهِلِيَّة. فَصَارَ بذلك مُرْتَدا، فَأمر النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] أَن يفعل بِهِ مَا يفعل بالمرتد. وَهَكَذَا كَانَ يَقُول أَبُو حنيفَة وسُفْيَان فِي هَذَا المتزوج إِذا كَانَ أَتَى (فِي) ذَلِك على الاستحلال أَنه يقتل
وَفِي هَذَا الحَدِيث أَن رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] عقد راية لأبي بردة، وَلم تكن الرَّايَات تعقد إِلَّا لمن أَمر بالمحاربة. والمبعوث على إِقَامَة الْحَد لأجل الزِّنَا غير مَأْمُور بالمحاربة.
وَفِي الحَدِيث أَيْضا أَنه بَعثه إِلَى رجل تزوج امْرَأَة أَبِيه، وَلَيْسَ فِيهِ (أَنه) دخل (بهَا) ، فَإِذا كَانَت هَذِه الْعقُوبَة - وَهِي الْقَتْل - مَقْصُودا بهَا إِلَى المتزوج بِزَوْجَة أَبِيه، دلّ أَنَّهَا عُقُوبَة وَجَبت بِنَفس العقد لَا بِالدُّخُولِ. وَلَا يكون ذَلِك إِلَّا والعاقد مستحل.
فَإِن قيل: هُوَ عندنَا على من تزوج وَدخل.
قيل لَهُ: وَهُوَ عندنَا على من تزوج واستحل، فَإِن لم يكن للاستحلال فِي الحَدِيث ذكر (فَلَيْسَ) فِيهِ للدخول ذكر.
وَقد روى ابْن مَاجَه: عَن مُعَاوِيَة بن قُرَّة، عَن أَبِيه قَالَ: " بَعَثَنِي النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] إِلَى رجل تزوج امْرَأَة أَبِيه أَن أضْرب عُنُقه وأصفي مَاله.
وَمن طَرِيق الطَّحَاوِيّ: " أَن يضْرب عُنُقه ويخمس مَاله ". فَلَمَّا أَمر النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]

(2/739)


فِي هذَيْن الْحَدِيثين بِأخذ مَال المتزوج أَو تخميسه، دلّ ذَلِك أَن المتزوج كَانَ بتزويجه مُرْتَدا مُحَاربًا. فَوَجَبَ أَن يقتل لردته، وَكَانَ مَاله كَمَال الْحَرْبِيين، لِأَن الْمُرْتَد الَّذِي لم يحارب كل قد أجمع فِي مَاله على خلاف التخميس.
وَفِي هَذَا دَلِيل على أَن تخميس النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] مَال المتزوج الَّذِي ذكرنَا دَلِيل على أَنه قد كَانَ مِنْهُ الرِّدَّة والمحاربة.
فَإِن قيل: قد رَأينَا ذَلِك نِكَاحا لَا يثبت (فَكَانَ يَنْبَغِي أَن يكون فِي حكم) مَا لم ينْعَقد فَيكون الْوَاطِئ كالواطئ فِي غير نِكَاح. /
قيل لَهُ: يَنْبَغِي أَن تَقول: (رجل زنى) بِذَات محرم مَاذَا عَلَيْهِ؟ فَتَقول: عَلَيْهِ الْحَد. وَإِن أطلقت اسْم التَّزْوِيج وَسميت ذَلِك النِّكَاح نِكَاحا وَإِن لم يكن ثَابتا. قُلْنَا: لَا حد على واطئ فِي نِكَاح جَائِز وَلَا فَاسد، لما ذكرنَا من حكم عمر بن الْخطاب فِي المتزوجة فِي الْعدة.
فَإِن قيل: هَذَا وَإِن لم يكن زنا فَهُوَ أغْلظ، فأحرى أَن يجب فِيهِ الْحَد.
قيل لَهُ: الْعُقُوبَات إِنَّمَا تُؤْخَذ من جِهَة التَّوْقِيف، (وَإِلَّا لوَجَبَ) على من رمى رجلا بالْكفْر حد الْقَذْف إِذْ الْكفْر فِي نَفسه أعظم وَأَغْلظ من الزِّنَا. فَثَبت أَن الْعُقُوبَات لَا قِيَاس فِيهَا. وَالله أعلم.

(2/740)


(بَاب إِذا اسْتَأْجر امْرَأَة ليطأها لَا تحل لَهُ، وَهُوَ زاني يلقى الله تَعَالَى بكبيرة الزِّنَا إِن لم يتب)

وَلَكِن يسْقط الْحَد عَنهُ للشُّبْهَة، لِأَن الْأُجْرَة وَالْمهْر عبارتان عَن معنى وَاحِد. قَالَ الله تَعَالَى: {وآتوهن أُجُورهنَّ} أَي مهورهن. فَوجدت شُبْهَة النِّكَاح، وَامْتنع الْحَد لأَجلهَا.
وَقد روى التِّرْمِذِيّ: عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: قَالَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : " ادرؤوا الْحُدُود عَن الْمُسلمين مَا اسْتَطَعْتُم. فَإِن كَانَ لَهُ مخرج فَخلوا سَبيله، فَإِن الإِمَام أَن يُخطئ فِي الْعَفو خير من أَن يُخطئ فِي الْعقُوبَة ".
فَإِن قيل: قَالَ التِّرْمِذِيّ: " لَا نعرفه مَرْفُوعا إِلَّا من حَدِيث مُحَمَّد بن ربيعَة، عَن يزِيد بن زِيَاد الدِّمَشْقِي، عَن الزُّهْرِيّ، عَن عُرْوَة، عَن عَائِشَة، وَيزِيد بن زِيَاد ضَعِيف "
قيل لَهُ: مَفْهُوم هَذَا الْكَلَام أَن هَذَا الحَدِيث مُرْسل أَو مَوْقُوف من جَمِيع طرقه إِلَّا مَا كَانَ من هَذَا الطَّرِيق. فَإِن كَانَ مرسله صَحِيحا فَالْعَمَل بِهِ على أصلنَا جَائِز، وَإِن كَانَ مرسله ضَعِيفا وَمُسْنَده ضَعِيفا فالإجماع مُنْعَقد على الْعَمَل بِمُوجبِه. فَإِن كل أحد أسقط الْحَد لشُبْهَة اعتبرها مستدل بِهَذَا الحَدِيث.

(2/741)


وَقد روى ابْن مَاجَه: عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] " ادفعوا الْحُدُود مَا وجدْتُم لَهُ مدفعا ".
فَإِن قيل: هَذَا فِيهِ فتح بَاب الزِّنَا.
قيل لَهُ: لَو كَانَ (هَذَا فتح لباب) الزِّنَا لوَجَبَ أَن لَا يسْقط حد مَا لشُبْهَة، بل فِيهِ السّتْر على الْمُسلم، وَقد ندب الله تَعَالَى إِلَى السّتْر حَتَّى شَرط فِي وجوب الْحَد أَن يثبت بأَرْبعَة من الشُّهُود، وَلَو نقص / عَددهمْ عَن أَرْبَعَة حدوا. وَمَعَ هَذَا الشَّرْط قل أَن يُقَام حد، وَلم يكن فِي اعْتِبَار هَذَا الشَّرْط فتح بَاب الزِّنَا فَكيف يكون فِي اعْتِبَار شُبْهَة من الشّبَه.
(بَاب من عمل عمل قوم لوط عزّر على حسب مَا يرَاهُ الإِمَام الْعَادِل)

لِأَن الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم اخْتلفُوا فِي مُوجب هَذَا الْفِعْل فَقَالَ أَبُو بكر الصّديق: " يهدم عَلَيْهِ جِدَار ". وَقَالَ عَليّ بن أبي طَالب: " يرْمى من شَاهِق عَال حَتَّى يَمُوت ". وَمِنْهُم من قَالَ: " يحرق بالنَّار ". وَمِنْهُم من قَالَ: " يقتل صبرا ". وَمِنْهُم من قَالَ: يحبسان فِي أنتن مَوضِع حَتَّى يموتا ". فَلَو كَانَ حكمه حكم الزِّنَا لم يَخْتَلِفُوا فِي مُوجبه.

(2/742)


فَإِن قيل: (رُوِيَ) أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: " اقْتُلُوا الْفَاعِل وَالْمَفْعُول ".
قيل لَهُ: قَالَ التِّرْمِذِيّ: " هَذَا حَدِيث فِي إِسْنَاده مقَال ".
وَقد روى النَّسَائِيّ: أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: " لعن الله من عمل عمل قوم لوط ". وَلم يذكر الْقَتْل. وَكَذَا روى مُحَمَّد بن إِسْحَاق هَذَا الحَدِيث (عَن عَمْرو بن أبي عَمْرو فَقَالَ: " مَلْعُون من عمل عمل قوم لوط ". وَلم يذكر الْقَتْل) . وَعَمْرو بن أبي عَمْرو، قَالَ يحيى بن معِين: " يُنكر عَلَيْهِ حَدِيث عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس: اقْتُلُوا الْفَاعِل وَالْمَفْعُول "، وَلِأَنَّهُ لَو كَانَ اللواط بِمَنْزِلَة الزِّنَا لفرق بَين الْمُحصن وَغَيره. وَفِي تَركه عَلَيْهِ السَّلَام الْفرق بَينهمَا دَلِيل على أَنه لم يُوجِبهُ على وَجه الْحَد.

(2/743)


(بَاب من شرب الْخمر وَكَانَ حرا فحده ثَمَانُون (جلدَة))

الطَّحَاوِيّ: عَن أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ: " أَن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] أُتِي بِرَجُل شرب الْخمر فَضرب بجريدتين نَحوا من أَرْبَعِينَ، ثمَّ صنع أَبُو بكر مثل ذَلِك، فَلَمَّا كَانَ عمر اسْتَشَارَ النَّاس، فَقَالَ عبد الرَّحْمَن بن عَوْف: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أخف الْحُدُود ثَمَانُون فَفعل ذَلِك ".
وَعنهُ: عَن عَطاء بن أبي مَرْوَان، عَن أَبِيه قَالَ: " أُتِي عَليّ رَضِي الله عَنهُ بنجاشي قد شرب الْخمر فِي رَمَضَان، فَضَربهُ ثَمَانِينَ، ثمَّ أَمر بِهِ إِلَى السجْن، ثمَّ أخرجه من الْغَد فَضَربهُ عشْرين ثمَّ قَالَ: إِنَّمَا جلدتك هَذِه الْعشْرين لإفطارك فِي رَمَضَان وجرأتك على الله تَعَالَى ".
(بَاب من شرب الْخمر أَربع مَرَّات مَاذَا عَلَيْهِ)

الطَّحَاوِيّ: عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر أَنه بلغه أَن رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] قَالَ فِي شَارِب الْخمر: " فاجلدوه ثَلَاثًا، ثمَّ قَالَ فِي الرَّابِعَة: فَاقْتُلُوهُ. فَأتي ثَلَاث مَرَّات بِرَجُل قد شرب الْخمر فجلده، ثمَّ أُتِي بِهِ فِي الرَّابِعَة فجلده، وَوضع الْقَتْل عَن النَّاس ". فَثَبت بِهَذَا أَن الْقَتْل (بِشرب) الْخمر فِي الرَّابِعَة مَنْسُوخ.

(2/744)


(بَاب / لَا يقطع السَّارِق فِي أقل من عشرَة دَرَاهِم)

أَبُو دَاوُد: عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: " قطع رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] يَد رجل فِي مجن قِيمَته دِينَار أَو عشرَة دَرَاهِم ".
النَّسَائِيّ: عَن مُجَاهِد، عَن أَيمن قَالَ: " لم تكن تقطع الْيَد على عهد رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] إِلَّا فِي ثمن الْمِجَن، وَقِيمَته (يَوْمئِذٍ) دِينَارا ".
الطَّحَاوِيّ: عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: " كَانَ قيمَة الْمِجَن الَّذِي قطع فِيهِ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] عشرَة دَرَاهِم ".
ابْن مَاجَه: عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده، أَن رجلا من مزينة

(2/745)


سَأَلَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] عَن الثِّمَار فَقَالَ: " مَا أَخذ فِي كمامه فَاحْتمل (فثمنه) وَمثله مَعَه.
وَمَا كَانَ من الجران فَفِيهِ الْقطع إِذا بلغ ذَلِك ثمن الْمِجَن. وَإِن أكل وَلم يَأْخُذ فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء ".
أَبُو دَاوُد: عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده (عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ) ، عَن رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] أَنه سُئِلَ عَن الثَّمر الْمُعَلق فَقَالَ: " من أصَاب بِفِيهِ من ذِي حَاجَة غير متخذ خبنة فَلَا شَيْء عَلَيْهِ، وَمن خرج بِشَيْء مِنْهُ فَعَلَيهِ غَرَامَة (مثلَيْهِ) والعقوبة، وَمن سرق مِنْهُ شَيْئا بعد أَن يؤويه الجرين فَبلغ ثمن الْمِجَن فَعَلَيهِ الْقطع ".
فَإِن قيل: فقد رُوِيَ عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا: " أَن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] كَانَ يقطع فِي ربع دِينَار فَصَاعِدا ".

(2/746)


وَعَن ابْن عمر: " أَن رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] قطع (سَارِقا) فِي مجن قِيمَته ثَلَاثَة دَرَاهِم ".
قيل لَهُ: يحْتَمل أَنَّهُمَا قوما مَا قطع فِيهِ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فَكَانَت قِيمَته عِنْدهمَا ربع دِينَار.
فَإِن قيل: فقد رُوِيَ عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَن رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] قَالَ: " تقطع (يَد) السَّارِق فِي ربع دِينَار فَصَاعِدا ".
قيل لَهُ: الرِّوَايَة الأولى عَنْهَا رَوَاهَا ابْن عُيَيْنَة عَن الزُّهْرِيّ، هَذِه يُونُس عَن الزُّهْرِيّ، (وَيُونُس) لَا يُقَارب ابْن عُيَيْنَة.
فَإِن قيل: فقد روى مخرمَة بن بكير عَن أَبِيه مثل مَا روى يُونُس عَنْهَا.
قيل لَهُ: فَأَنت تزْعم أَن مخرمَة لم يسمع من أَبِيه حرفا، وَأَن مَا رُوِيَ عَنهُ مُرْسل، وَأَنت لَا تحتج بِهِ.
فَإِن قيل: فقد روى هَذَا الحَدِيث عَن عمْرَة، كَمَا رَوَاهُ يُونُس بن يزِيد عَن الزُّهْرِيّ عَنْهَا، يحيى بن سعيد.

(2/747)


قيل لَهُ: أَنْت رويته عَن أبان بن يزِيد، عَن يحيى بن سعيد. وَقد رَوَاهُ عَن يحيى بن سعيد من هُوَ أثبت من أبان فَوَقفهُ على عَائِشَة.
الطَّحَاوِيّ: عَن يُونُس، عَن ابْن وهب أَن مَالِكًا حَدثهُ عَن / يحيى بن سعيد، عَن عمْرَة بنت عبد الرَّحْمَن أَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: " مَا طَال عَليّ وَلَا نسيت، الْقطع فِي ربع دِينَار فَصَاعِدا ".
وَعنهُ: عَن يُونُس، عَن أنس بن عِيَاض، عَن يحيى بن سعيد قَالَ: أَخْبَرتنِي عمْرَة أَنَّهَا سَمِعت عَائِشَة تَقول: " الْقطع فِي ربع دِينَار فَصَاعِدا ". وَلَيْسَ فِي قَوْلهَا: " مَا طَال عَليّ وَلَا نسيت " مَا يدل على رَفعهَا إِلَى النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، لِأَنَّهُ يحْتَمل أَن يكون مَعْنَاهُ: مَا طَال عَليّ وَلَا نسيت مَا قطع فِيهِ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فِيمَا كَانَت قِيمَته عِنْدهَا ربع دِينَار وَقِيمَته عِنْد غَيرهَا أَكثر من ذَلِك. فَيَعُود معنى حَدِيثهَا إِلَى مَا روته عَنهُ عَلَيْهِ السَّلَام فِي الْقطع.
فَإِن قيل: فقد رَوَاهُ أَبُو بكر بن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم مثل مَا رَوَاهُ أبان بن يزِيد.
قيل لَهُ: صَدقْتُمْ، وَلَكِن هَذَا لَا يُعَارض مَا روى الزُّهْرِيّ، وَلَا مَا روى يحيى بن سعيد، لِأَن أَبَا بكر بن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم لَيْسَ لَهُ من الإتقان وَالْحِفْظ مَا لوَاحِد من هَؤُلَاءِ، وَلَا لمن روى هَذَا الحَدِيث عَنهُ - وَهُوَ ابْن الْهَاد، وَمُحَمّد بن إِسْحَاق - من الإتقان وَالرِّوَايَة وَالْحِفْظ مَا لمن روى حَدِيث الزُّهْرِيّ وَيحيى بن سعيد، وَقد خَالفه ابْنه فِيمَا روى الطَّحَاوِيّ: عَن يُونُس، عَن ابْن وهب أَن مَالِكًا حَدثهُ عَن عبد الله بن أبي بكر، عَن عمْرَة (قَالَت: قَالَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا: " الْقطع فِي ربع دِينَار ".

(2/748)


فَإِن قيل: فقد رَوَاهُ أَبُو سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن، عَن عمْرَة) مِثْلَمَا رَوَاهُ عَنْهَا أَبُو بكر.
قيل لَهُ: أما أَبُو سَلمَة فَلَا نعلم لجَعْفَر بن ربيعَة مِنْهُ سَمَاعا، وَلَا نعلم (أَنه) لقِيه أصلا.
فَإِن قيل: فقد رُوِيَ أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: " السَّارِق إِذا سرق ربع دِينَار قطع. وتقطع الْيَد فِي ربع دِينَار فَصَاعِدا ".
قيل لَهُ: رُوِيَ هَذَا الحَدِيث عَن الزُّهْرِيّ وَلَفظه: " كَانَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] يقطع فِي ربع دِينَار فَصَاعِدا ". فَلَمَّا اضْطربَ حَدِيث الزُّهْرِيّ على مَا ذكرنَا، وَاخْتلف عَن غَيره، عَن عمْرَة على مَا وَصفنَا، ارْتَفع ذَلِك كُله، فَلم تجب الْحجَّة بِشَيْء مِنْهُ، إِذْ كَانَ بعضه يَنْفِي بَعْضًا.
رَجعْنَا إِلَى أَن الله عز وَجل قَالَ فِي كِتَابه: {وَالسَّارِق والسارقة فَاقْطَعُوا أَيْدِيهِمَا} ، وَأَجْمعُوا أَن الله عز وَجل لم يعن بذلك كل سَارِق، وَإِنَّمَا عَنى خَاصّا من السراق بِمِقْدَار من المَال مَعْلُوم، فَلَا يدْخل / فِيمَا قد أَجمعُوا عَلَيْهِ إِلَّا مَا قد أَجمعُوا عَلَيْهِ، وَقد أَجمعُوا على أَن الله تَعَالَى عَنى سَارِق الْعشْرَة، وَاخْتلفُوا فِي سَارِق مَا دونهَا. فَلم يجز لنا أَن نشْهد على الله أَنه عَنى مَا لم يجمعوا أَنه عناه. وَجَاز لنا أَن نشْهد فِيمَا أَجمعُوا. فَجعلنَا سَارِق الْعشْرَة فَمَا فَوْقهَا دَاخِلا فِي الْآيَة.
وروى الطَّحَاوِيّ: عَن عبد الله بن مَسْعُود أَنه قَالَ: (لَا تقطع الْيَد) إِلَّا فِي الدِّينَار أَو عشرَة دَرَاهِم.

(2/749)


(قَالَ التِّرْمِذِيّ: " وَقد رُوِيَ عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ) لَا قطع إِلَّا فِي دِينَار أَو عشرَة دَرَاهِم) وَهُوَ حَدِيث مُرْسل رَوَاهُ الْقَاسِم بن عبد الرَّحْمَن، عَن ابْن مَسْعُود، وَالقَاسِم لم يسمع من ابْن مَسْعُود ".
وروى الطَّحَاوِيّ: عَن ابْن جريج قَالَ: " كَانَ قَول عَطاء على قَول عَمْرو بن شُعَيْب لَا تقطع الْيَد فِي أقل من عشرَة دَرَاهِم ". وَإِلَى هَذَا ذهب سُفْيَان الثَّوْريّ.
(ذكر الْغَرِيب:)

الْمِجَن بِكَسْر الْمِيم وَفتح الْجِيم وَنون مُشَدّدَة، هُوَ الترس، وَإِنَّمَا سمي مجنا لِأَنَّهُ يسْتَتر بِهِ. خبنت الطَّعَام: إِذا غيبته وادخرته للشدة.
(بَاب السَّارِق لَا يُؤْتى على أَطْرَافه الْأَرْبَع)

الدَّارَقُطْنِيّ: عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: " إِذا سرق السَّارِق قطعت يَده الْيُمْنَى، فَإِن عَاد قطعت رجله الْيُسْرَى، فَإِن عَاد ضمن السجْن حَتَّى يحدث خيرا. إِنِّي أستحي أَن أَدَعهُ (يَعْنِي) بِلَا رجل وَلَا يَد ".
وَمَا رُوِيَ أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قتل بعد تكْرَار السّرقَة فَفِيهِ أَحَادِيث ضِعَاف فِيهَا الْوَاقِدِيّ. قيل وَقد كذب. وَمُحَمّد بن يزِيد بن سِنَان وَهُوَ ضَعِيف. وَبِهَذَا قَالَ الشّعبِيّ، وَالنَّخَعِيّ، وَحَمَّاد بن أبي سُلَيْمَان، وَالْأَوْزَاعِيّ، وَأحمد رَحِمهم الله.

(2/750)


(بَاب إِذا أقرّ السَّارِق مرّة وَاحِدَة قطع)

الطَّحَاوِيّ: عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: " أُتِي بسارق إِلَى النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فَقَالَ: يَا رَسُول الله، إِن هَذَا سرق، فَقَالَ: مَا إخَاله سرق، فَقَالَ السَّارِق: بلَى يَا رَسُول الله، قَالَ: اذْهَبُوا بِهِ فاقطعوه، ثمَّ احسموه، ثمَّ إيتوني بِهِ، قَالَ: فَذهب فَقطع ثمَّ حسم حَتَّى أُتِي بِهِ، فَقَالَ: تب إِلَى الله، قَالَ: تبت إِلَى الله. قَالَ: تَابَ الله عَلَيْك ".
(بَاب لَا قطع على المختلس والمنتهب)

التِّرْمِذِيّ: عَن جَابر بن عبد الله رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : " لَيْسَ على خائن، وَلَا منتهب، (وَلَا مختلس) قطع ". حَدِيث حسن صَحِيح. /

(2/751)


فَإِن قيل: " رُوِيَ أَن امْرَأَة كَانَت تستعير الْمَتَاع وتجحده، فَأمر النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] بِقطع يَدهَا ".
قيل لَهُ: روى الطَّحَاوِيّ: عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا: " أَن امْرَأَة سرقت فِي عهد رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فِي زمن الْفَتْح، فَأمر بهَا رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] أَن تقطع، فَكَلمهُ فِيهَا أُسَامَة بن زيد، فَتَلَوَّنَ وَجه رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فَقَالَ: أَتَشفع فِي حد من حُدُود الله تَعَالَى؟ فَقَالَ أُسَامَة: اسْتغْفر الله لي يَا رَسُول الله، فَلَمَّا كَانَ الْعشَاء قَامَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، فَأثْنى على الله بِمَا هُوَ أَهله، ثمَّ قَالَ: أما بعد فَإِنَّمَا (أهلك) النَّاس قبلكُمْ أَنهم كَانُوا إِذا سرق فيهم الشريف تَرَكُوهُ، وَإِذا سرق فيهم الضَّعِيف أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَد. وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ، لَو أَن فَاطِمَة بنت مُحَمَّد سرقت لَقطعت يَدهَا. ثمَّ أَمر بِتِلْكَ الْمَرْأَة الَّتِي سرقت فَقطع يَدهَا ". فَثَبت بِهَذَا أَن الْقطع فِي ذَلِك الحَدِيث كَانَ بِخِلَاف الْجُحُود. وَالله أعلم.

(2/752)


(بَاب لَا قطع فِي الْفَوَاكِه الرّطبَة وَإِن كَانَت محرزة)

أَبُو دَاوُد: عَن رَافع بن خديج قَالَ: قَالَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : " لَا قطع فِي ثَمَر وَلَا كثر ".
(ذكر الْغَرِيب:)

كثر: (بِفَتْح الْكَاف) وَفتح الثَّاء الْمُعْجَمَة بِثَلَاث، وَرَاء، هُوَ الْجمار. قَالَه مَالك. وَقَالَ صَاحب الجمهرة: " بِإِسْكَان الثَّاء. (قَالَ) : وَقَالُوا بِفَتْحِهَا ". ذكره فِي الْمطَالع. وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم.

(2/753)


فارغة

(2/754)