اللباب
في شرح الكتاب كتاب الصلاة
- أول وقت الصبح إذا طلع الفجر الثاني، وهو البياض المعترض في الأفق، وآخر
وقتها ما لم تطلع الشمس، وأول وقت الظهر إذا زالت الشمس، وآخر وقتها عند
أبي حنيفة إذا صار ظل كل شيءٍ مثليه سوى فيء الزوال.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
كتاب الصلاة
شروع في المقصود بعد بيان الوسيلة. والصلاة لغة: الدعاء، قال الله تعالى
{وصل عليهم} أي ادع لهم. وشرعاً: الأفعال المخصوصة المتفتحة بالتكبير
المختتمة بالتسليم. وهي فرض عين على كل مكلف، ولكن تؤمر بها الأولاد لسبع
سنين، وتضرب عليها لعشر، بيد لا بخشبة، ويكفر جاحدها، وتاركها عمداً كسلاً
يحبس ويضرب حتى يصلي.
(أول وقت الفجر) قدمه لعدم الخلاف في طرفيه، بخلاف غيره كما ستقف عليه (إذا
طلع الفجر الثاني) المسمى بالصادق (وهو البياض المعترض في الأفق) بخلاف
الأول المسمى بالكاذب؛ فإنه يخرج مستطيلاً في الأفق ثم تعقبه ظلمة، والأفق:
واحد الآفاق، وهي أطراف السماء (وآخر وقتها مالم تطلع الشمس) : أي قبيل
طلوعها (وأول وقت الظهر إذا زالت الشمس) . عن كبد السماء (وآخر وقتها عند
أبي حنيفة) رحمه الله (إذا صار ظل كل شيء مثليه سوى فيء الزوال) ؛ أي الفيء
الذي يكون وقت الزوال، هذا ظاهر الرواية عن الإمام نهاية وهي رواية محمد في
الأصل، وهو الصحيح كما في الينابيع والبدائع والغاية والمنية والمحيط،
واختاره برهان الشريعة المحبوبي، وعول عليه النسفي، ووافقه صدر الشريعة
ورجح دليله، وفي الغيائية: وهو المختار، واختاره المتون، وارتضاه الشارحون
(1/55)
وقال أبو يوسف ومحمدٌ: إذا صار ظل كل شيء
مثله. وأول وقت العصر إذا خرج وقت الظهر على القولين، وآخر وقتها ما لم
تغرب الشمس، وأول وقت المغرب إذا غربت الشمس، وآخر وقتها ما لم يغب الشفق،
وهو البياض الذي في الأفق بعد الحمرة عند أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمدٌ:
هو الحمرة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وقد بسط دليله في معراج الدراية، ثم قال: والأخذ بالاحتياط في باب العبادات
أولى إذ هو وقت العصر بالاتفاق؛ فيكون أجود في الدين؛ لثبوت براءة الذمة
بيقين؛ إذ تقديم الصلاة على الوقت لا يجوز بالإجماع، ويجوز التأخير، وإن
وقعت قضاء. اهـ.
(وقال أبو يوسف ومحمد) رحمهما الله تعالى: آخر وقتها (إذا صار ظل الشيء
مثله) سوى فيء الزوال؛ فإنه مستثنى على الروايتين جميعاً، وهو رواية عنه
أيضاً، وبه قال زفر والأئمة الثلاثة. قال الطحاوي: وبه نأخذ، وفي غرر
الأذكار: وهو المأخوذ به، وفي البرهان: وهو الأظهر؛ لبيان إمامة جبريل، وهو
نص في الباب، وفي الفيض: وعليه عمل الناس اليوم، وبه يفتي. كذا في الدر،
وتعقبه شيخنا في حاشيته فراجعه. قال شيخنا: والأحسن ما في السراج عن شيخ
الإسلام أن الاحتياط أن لا يؤخر الظهر إلى المثل، ولا يصلي العصر حتى يبلغ
المثلين؛ ليكون مؤدياً للصلاتين في وقتهما بالإجماع. اهـ. (وأول وقت العصر
إذا خرج وقت الظهر (على) اختلاف (القولين) من المثلين أو المثل (وآخر وقتها
ما لم تغرب الشمس) أي قبيل غروبها (وأول وقت المغرب إذا غربت الشمس؛ وآخر
وقتها ما لم يغب الشفق، وهو) أي الشفق الموقت به (البياض الذي) يستمر (في
الأفق بعد) غيبة (الحمرة) بثلاث درج، كما بين البحرين، كما حققه العلامة
الشيخ خليل الكاملي في حاشيته على رسالة الأسطرلاب، حيث قال: التفاوت بين
الفجرين وكذا بين الشفقين الأحمر والأبيض إنما هو بثلاث درج، وهذا (عند أبي
حنيفة) رحمه الله تعالى (وقال أبو يوسف ومحمد: هو الحمرة) وهو رواية عنه
أيضاً،
(1/56)
وأول وقت العشاء إذا غاب الشفق، وآخر وقتها
ما لم يطلع الفجر، وأول وقت الوتر بعد العشاء، وآخر وقتها ما لم يطلع
الفجر.
ويستحب الإسفار بالفجر، والإبراد بالظهر في الصيف،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وعليها الفتوى كما في الدراية ومجمع الروايات وشروح المجمع، وبه قالت
الثلاثة، وفي شرح المنظومة: وقد جاء عن أبي حنيفة أنه رجع عن قوله وقال:
إنه الحمرة؛ لما ثبت عنده من حمل عامة الصحابة الشفق على الحمرة، وعليه
الفتوى. اهـ. وتبعه المحبوبي وصدر الشريعة، لكن تعقبه العلامة قاسم في
تصحيحه وسبقه شيخه الكمال في الفتح فصححا قول الإمام، ومشى عليه في البحر.
قال شيخنا: لكن تعامل الناس اليوم في عامة البلاد على قولهما، وقد أيده في
النهر تبعا للنقاية والوقاية والدر والإصلاح ودرر البحار والإمداد والمواهب
وشرح البرهان وغيرهم مصرحين بأن عليه الفتوى. اهـ.
(وأول وقت العشاء إذا غاب الشفق، وآخر وقتها ما لم يطلع الفجر) : أي قبيل
طلوعه (وأول وقت الوتر بعد العشاء) عندهما، وعند الإمام وقته وقت العشاء
إلا أن فعله مرتب على فعل العشاء فلا يقدم عليها عند التذكر، والاختلاف في
وقتها فرع الاختلاف في صفتها. جوهرة (وآخر وقتها ما لم يطلع الفجر) وفاقد
وقتهما غير مكلب بهما، كما جزم به في الكنز والملتقى والدر، وبه أفتى
البقالي وغيره.
(ويستحب الإسفار بالفجر) لقوله صلى الله عليه وسلم: "أسفروا بالفجر فإنه
أعظم للأجر". قال الترمذي: حديث صحيح، والإسفار: الإضاءة، يقال: أسفر
الفجر، إذا أضاء، وأسفر الرجل بالصلاة: إذا صلاها في الإسفار، مصباح، وحد
الإسفار المستحب: أن يكون بحيث يؤديها بترتيل نحو ستين أو أربعين آية ثم
يعيدها بطهارة لو فسدت، وهذا في حق الرجال، وأما النساء فالأفضل لهن الغلس؛
لأنه أستر، وفي غير الفجر ينتظرن فراغ الرجال من الجماعة، كذا في المبتغى
ومعراج الدراية (و) يستحب (الإبراد بالظهر في الصيف) بحيث يمشي في الظل؛
لقوله صلى الله عليه وسلم: "أبردوا بالظهر؛ فإن شدة الحر من فيح جهنم" رواه
البخاري؛ وسواء فيه صلاته منفرداً أو بجماعة والبلاد الحارة وغيرها، في شدة
الحر وغيره،
(1/57)
وتقديمها في الشتاء، وتأخير العصر ما لم
تتغير الشمس، وتعجيل المغرب (1) وتأخير العشاء إلى ما قبل ثلث الليل.
ويستحب في الوتر لمن يألف صلاة الليل أن يؤخر الوتر إلى آخر الليل، فإن لم
يثق بالانتباه أوتر قبل النوم.
باب الأذان.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
كذا في معراج الدراية (و) يستحب (تقديمها في الشتاء) والربيع والخريف كما
في الإمداد عن مجمع الروايات (و) يستحب (تأخير العصر) مطلقاً؛ توسعة
للنوافل (ما لم تتغير الشمس) بذهاب ضوئها فلا يتحير فيها البصر، وهو
الصحيح. هداية. (و) يستحب (تعجيل المغرب) مطلقا؛ فلا يفصل بين الآذان
والإقامة إلا بقدر ثلاث آيات أو جلسة خفيفة (و) يستحب (تأخير العشاء إلى ما
قبل ثلث الليل) الأول، في غير وقت الغيم: فيندب تعجيله فيه (ويستحب في
الوتر لمن يألف صلاة الليل) ويثق بالانتباه (أن يؤخر الوتر إلى آخر الليل)
ليكون آخر صلاته فيه. (فإن لم يثق) من نفسه (بالانتباه أوتر قبل النوم)
لقوله صلى الله عليه وسلم: "من خاف ألا يقوم آخر الليل فليوتر أوله ومن طمع
أن يقوم آخر الليل فليوتر آخره، فإن صلاة الليل مشهودة" رواه مسلم.
باب الأذان
هو لغة: الإعلام، وشرعاً: إعلام مخصوص على وجه مخصوص بألفاظ مخصوصة، وقدم
ذكر الأوقات على الأذان لأنها أسباب، والسبب مقدم على المسبب.
_________
(1) وتأخيرها لصلاة ركعتين مكروهة في مذهب الحنفية وجوزه بعض الأئمة وأنكره
كثير من السلف ومالك مستدلين بحديث ابن عمر عند أبي داود ما رأيت أحدا على
عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليهما وهو معارض لحديث صلوا قبل المغرب
ركعتين لمن شاء ويؤيد المنع إنكار كثير من السلف له
(1/58)
- الأذان سنةٌ للصلوات الخمس والجمعة دون
ما سواها.
وصفة الأذان أن يقول: الله أكبر، الله أكبر - إلى آخره، ولا ترجيع فيه (1)
ويزيد في أذان الفجر بعد الفلاح: الصلاة خيرٌ من النوم، مرتين.
والإقامة مثل الأذان، إلا أنه يزيد فيها بعد الفلاح: قد قامت الصلاة،
مرتين.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(الأذان سنة) مؤكدة للرجال (للصلوات الخمس والجمعة) خصها بالذكر مع أنها
داخلة في الخمس لدفع توهم أنها كالعبد من حيث الأذان أيضاً فلا يسن لها، أو
لأن لها أذانين (دون ما سواهما) كالعيد والكسوف والوتر والتراويح وصلاة
الجنازة، فلا يسن لها.
(وصفة الأذان) معروفة، وهي (أن يقول) المؤذن (الله أكبر الله أكبر - إلى
آخره) أي: آخر ألفاظه المعروفة بتربيع تكبير أوله وتثنية باقي ألفاظه (ولا
ترجيع فيه) وهو أن يرفع صوته بالشهادتين بعد ما خفض بهما، وهو مكروه، ملتقى
(ويزيد في أذان الفجر بعد) قوله حي على (الفلاح) الثانية (الصلاة خير من
النوم) ويقولها (مرتين) لأنه وقت نوم.
(والإقامة مثل الأذان) فيما مر من تربيع تكبير أوله وتثنية في باقي ألفاظه
(إلا أنه يزيد فيها بعد) قوله (حي على الفلاح) الثانية (قد قامت الصلاة)
ويقولها (مرتين) .
_________
(1) أحاديث أبي محذورة رضي الله عنه في الترجيع مع صحتها متعارضة فتتساقط
ويؤخذ بحديث غيره على الأصل وهو عدم الترجيع
(1/59)
ويترسل في الأذان، ويحدر عن الإقامة،
ويستقبل بهما القبلة، فإذا بلغ إلى الصلاة والفلاح حول وجهه يميناً
وشمالاً.
ويؤذن للفائتة ويقيم، فإن فاتته صلواتٌ أذن للأولى وأقام، وكان مخيراً في
الباقية: إن شاء أذن وأقام، وإن شاء اقتصر على الإقامة، وينبغي أن يؤذن
ويقيم على طهرٍ، فإن أذن على غير وضوءٍ جاز، ويكره أن يقيم على غير وضوءٍ
أو يؤذن وهو جنبٌ، ولا يؤذن لصلاةٍ قبل دخول وقتها.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(ويترسل) أي يتمهل ندبا (في الأذان) بسكتة بين كل كلمتين (ويحدر) . أي يسرع
في الإقامة، بأن يجمع بين كل كلمتين (ويستقبل بهما القبلة: فإذا بلغ إلى
الصلاة والفلاح حول وجهه) فيهما (يميناً) بالصلاة (وشمالاً) بالفلاح، من
غير أن يحول قدميه، لأن فيه مناجاة ومناداة، فيتوجه في المناجاة إلى
القبلة، وفي المناداة إلى من عن يمينه وشماله، ويستدير في الصومعة إذا لم
يتم الإعلام بمجرد تحويل الوجه، ليحصل تمام الإعلام.
(ويؤذن) الرجل (للفائتة ويقيم) لأنها بمنزلة الحاضرة (فإن فاتته صلوات)
متعددة وأراد قضاءهن في مجلس واحد (أذن الأولى وأقام، وكان مخيراً في
الباقية) بعدها (إن شاء أذن وأقام) لكل واحدة كالأولى، وهو أولى (وإن شاء
اقتصر) فيما بعد الأولى (على الإقامة) وإن قضاهن في مجالس، فإن صلى في مجلس
أكثر من واحدة فكما مر، وإلا أذن وأقام لها.
(وينبغي) للمؤذن (أن يؤذن ويقيم على طهر) ليكون متهيئاً لإجابة ما يدعو
إليه (فإن أذن على غير وضوء جاز) لأنه ذكر وليس بصلاة، فكان الوضوء
استحباباً، هداية (ويكره أن يقيم على غير وضوء) لما فيه من الفصل بين
الإقامة والصلاة (أو يؤذن) أو يقيم بالأولى (وهو جنب) رواية واحدة هداية.
ويعاد أذانه (ولا يؤذن لصلاة قبل دخول وقتها) فإن فعل أعاد في الوقت؛
(1/60)
باب شروط الصلاة
التي تتقدمها.
- يجب على المصلي أن يقدم الطهارة من الأحداث والأنجاس على ما قدمناه،
ويستر عورته، والعورة من الرجل: ما تحت السرة إلى الركبة، والركبة من
العورة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لأن الأذان للإعلام؛ وهو قبل دخول الوقت تجهيل، وقال أبو يوسف؛ يجوز للفجر
في النصف الأخير من الميل، لتوارث أهل الحرمين. هداية.
باب شروط الصلاة
الشروط: جمع شرط، وهو لغة: العلامة ومنه أشراط الساعة؛ أي علاماتها وشرعاً:
ما يتوقف عليه وجود الشيء، ويكون خارجا عن ماهيته، ولا يكون مؤثراً في
وجوده، واحترز بقوله (التي تتقدمها) عن التي لا تتقدمها كالمقارنة
والمتأخرة عنها، وهي التي تأتي في باب صفة للصلاة؛ كالتحريمة، وترتيب
الأركان والخروج بصنعة، كما سيأتي:
والشروط التي تتقدمها - على ما ذكره المصنف - ستة، ذكر منها خمسة، وتقدم
ذكر الوقت أول كتاب الصلاة، قال الشرنبلالي: وكان ينبغي ذكره هنا ليتنبه
المتعلم، لكونه من الشروط كما في مقدمة أبي الليث ومنية المصلى.
الأول والثاني من الشروط ما عبر عنهما بقوله (يجب على المصلى) : أي يلزمه
(أن يقدم الطهارة من الأحداث والأنجاس على ما) : أي الوجه الذي قدمناه) في
الطهارة.
والثالث قوله: (ويستر عورته) ولو خالياً، أو في بيت مظلم، ولو بما لا يحل
لبسه كثوب حرير وإن أثم بلا عذر (والعورة من الرجل ما تحت السرة إلى
الركبة) : أي معها، كما صرح بذلك بقوله (والركبة من العورة) قال في
التصحيح:
(1/61)
وبدن المرأة الحرة كله عورةٌ إلا وجهها
وكفيها وقدميها. وما كان عورةً من الرجل فهو عورةٌ من الأمة، وبطنها وظهرها
عورةٌ، وما سوى ذلك من بدنها فليس بعورةٍ.
ومن لم يجد ما يزيل به النجاسة صلى معها ولم يعد الصلاة.
ومن لم يجد ثوباً صلى عرياناً قاعداً
ـــــــــــــــــــــــــــــ
والأصح أنها من الفخذ. اهـ. (وبدن المرأة الحرة كله عورة إلا وجهها وكفيها)
باطنهما وظاهرهما على الأصح، كما في شرح المنية، وفي الهداية: وهذا تنصيص
على أن القدم عورة، ويروى أنها ليست بعورة، وهو الأصح اهـ. وقال في
الجوهرة: وقيل: الصحيح أنها عورة في حق النظر والمس، وليست بعورة في حق
الصلاة، ومثله في الاختيار، ومشى عليه في التنوير، وقال العلائي: على
المعتمد، لكن في التصحيح خلافه حيث قال: قلت تنصيص الكتاب أولى بالصواب؛
لقول محمد في كتاب الاستحسان "وما سوى ذلك عورة" وقال قاضيخان: وفي قدميها
روايتان، والصحيح أن انكشاف ربع القدم يمنع الصلاة، وكذا في نصاب الفقهاء،
وتمامه فيه، فتنبه (وما كان عورة من الرجل فهو عورة من الأمة) ولو مديرة أو
مكاتبة أو أم ولد (وبطنها وظهرها عورة) أيضاً، وجانبهما تبع لهما (وما سوى
ذلك من بدنها فليس بعورة) وكشف ربع عضو من أعضاء العورة - كبطن وفخذ وشعر
نزل من رأسها ودبر وذكر وأنثيين وفرج - يمنع صحة الصلاة إن استمر مقدار
أداء ركن وإلا لا.
(ومن لم يجد ما يزيل به النجاسة صلى معها ولم يعد الصلاة) ثم إن كان ربع
الثوب أو أكثر طاهراً يصلي فيه لزوماً، فلو صلى عرياناً لا يجزئه؛ وإن كان
الطاهر أقل من الربع يتخير بين أن يصلي عرياناً والصلاة فيه، والصلاة فيه
أفضل، لعدم اختصاص الستر بالصلاة، واختصاص الطهارة بها.
(ومن لم يجد ثوباً) ولو بإباحة على الأصح (صلى عرياناً قاعداً) ماداً رجليه
(1/62)
يومئ بالركوع والسجود؛ فإن صلى قائماً
أجزأه؛ والأول أفضل، وينوي الصلاة التي يدخل فيها بنيةٍ لا يفصل بينهما
وبين التحريمة بعملٍ، ويستقبل القبلة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
إلى القبلة، لكونه أستر، وقيل: كالمتشهد (يومئ إيماء بالركوع والسجود، فإن
صلى قائماً) يركع ويسجد، أو قاعدا كذلك (أجزأه) لأن في القعود ستر العورة
الغليظة، وفي القيام أداء هذه الأركان؛ فيميل إلى أيهما شاء (و) لكن (الأول
أفضل) لأن الستر وجب لحق الصلاة وحق الناس ولا خلف له؛ والإيماء خلف عن
الأركان.
والرابع من الشروط قوله: (وينوي الصلاة التي يدخل فيها بنية لا يفصل بينها
وبين التحريمة يعمل) أجنبي عن الصلاة، وهو ما يمنع البناء؛ ويندب اقترانها
خروجاً من الخلاف، قال في التصحيح: قلت: ولا يتأخر عنها في الصحيح قال
الإسبيجاني: لا يصح تأخير النية عن وقت الشروع في ظاهر الرواية اهـ.
ثم إن كانت الصلاة نفلاً يكفيه مطلق النية، وكذلك إن كانت سنة في الصحيح
هداية اهـ. والتعيين أفضل وأحوط، ولابد من التعيين في الفرض كظهر وعصر
مثلاً، وإن لم يقرنه باليوم أو الوقت، لو أداء، فلو قضاء لزم التعيين،
وسيجئ ومثله الواجب كوتر ونذر وسجود تلاوة، ولا يلزم تعيين عدد الركعات،
لحصولها ضمناً، فلا يضر الخطأ في عددها، والمعتبر في النية عمل القلب؛
لأنها الإرادة السابقة للعمل اللاحق. فلا عبرة للذكر باللسان. إلا إذا عجز
عن إحضار القلب لهموم أصابته فيكفيه اللسان. مجتبى. وعمل القلب أن يعلم
بداهة من غير تأمل أي صلاة يصلي، والتلفظ بها مستحب إعانة للقلب.
والخامس من الشروط قوله: (ويستقبل القبلة) ثم إن كان بمكة ففرضه إصابة
عينها، وإن كان غائباً ففرضه إصابة جهتها، هو الصحيح؛ لأن التكليف بحسب
الوسع. هداية. وفي معراج الدراية: ومن كان بمكة وبينه وبين الكعبة حائل
يمنع المشاهدة كالأنبياء فالأصح أن حكمه حكم الغائب. اه
(1/63)
إلا أن يكون خائفاً فيصلي إلى أي جهةٍ قدر؛
فإن اشتبهت عليه القبلة وليس بحضرته من يسأله عنها اجتهد وصلى، فإن علم أنه
أخطأ بإخبارٍ بعد ما صلى فلا إعادة عليه، وإن علم ذلك وهو في الصلاة استدار
إلى القبلة وبنى عليها.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
اعلم أنه لا يجوز لأحد أداء فريضة ولا نافلة ولا سجدة تلاوة ولا صلاة جنازة
إلا متوجها إلى القبلة، فإن صلى إلى غير جهة القبلة متعمداً من غير عذر
كفر، ثم من كان بمكة ففرضه إصابة عينها، ومن كان غائباً عنها ففرضه إصابة
جهتها، هو الصحيح. جوهرة.
(إلا أن يكون خائفاً) من عدو أو سبع، أو كان على خشبة. في البحر يخاف الغرق
إن انحرف، أو مريضاً لا يجد من يحوله، أو يجد إلا أنه يتضرر (فيصلي إلى أي
جهة قدر) لتحقق العذر.
(فإن اشتبهت عليه القبلة وليس بحضرته من يسأله عنها اجتهد وصلى) إلى جهة
اجتهاده. والاجتهاد: بذل المجهود لنيل المقصود، قيد بما إذا لم يكن بحضرته
من يسأله لأنه إذا وجد من يسأله وجب عليه سؤاله والأخذ بقوله، ولو خالف
رأيه، إذا كان المخبر من أهل الموضع ومقبول الشهادة، وقيد بالحضرة لأنه لا
يجب عليه طلب من يسأله، ولو سأل قوماً بحضرته فلم يخبروه حتى صلى بالتحري
ثم أخبروه بعد فراغه أنه لم يصل إلى القبلة فلا إعادة عليه. جوهرة (فإن علم
أنه أخطأ بإخبار) أو تبدل اجتهاده (بعدما صلى فلا إعادة عليه) لإتيانه بما
في وسعه وإن علم ذلك وهو في الصلاة استدار إلى القبلة وبنى عليها) : أي على
الصلاة، وكذلك إذا تحول رأيه إلى جهة أخرى توجه إليها؛ لوجوب العمل
بالاجتهاد فيما يستقبل من غير نفض المؤدي قبله، ومن أم قوماً في ليلة مظلمة
فتحرى القبلة وصلى إلى المشرق، وتحرى من خلفه وصلى كل واحد منهم إلى جهة،
وكلهم خلف الإمام، ولا يعلمون ما صنع الإمام - أجزأهم؛ لوجود التوجه إلى
جهة التحري وهذه المخالفة غير مانعة كما في جوف الكعبة، ومن علم منهم بحال
إمامه تفسد صلاته؛ لأنه اعتقد إمامه على الخطأ، وكذا لو كان متقدماً عليه؛
لتركه فرض المقام. هداية
(1/64)
باب صفة الصلاة.
- فرائض الصلاة سنةٌ: التحريمة، والقيام، والقراءة، والركوع، والسجود،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
باب صفة الصلاة
شروع في المشروط بعد بيان الشرط.
(فرائض) نفس (الصلاة ستة) :
الأول: (التحريمة) قائما؛ لقوله عليه السلام: (مفتاح الصلاة الطهور
وتحريمها التكبير)
وهي شرط عندهما، وفرض عند محمد، وفائدته فيما إذا فسدت الفريضة: تنقلب
نفلاً عندهما، وعنده لا، وفيما إذا شرع في الظهر قبل الزوال، فلما فرغ من
التحريمة زالت الشمس، فعندهما يجوز، وعنده لا. جوهرة وعدها من فرائضها
لأنها منها بمنزلة الباب للدار: فإن الباب - وإن كان غيرها - فهو يعد منها،
وسميت تحريمة لأنها تحرم الأشياء المباحة قبلها المباينة للصلاة.
(و) الثاني: (القيام) بحيث لو مد يديه لا ينال ركبتيه، وذلك في فرض وملحق
به لقادر عليه وعلى السجود، فلو قدر عليه دون السجود ندب إيماؤه قاعداً كما
في الدر.
(و) الثالث: (القراءة) لقادر عليها، كما سيأتي.
(و) الرابع: (الركوع) بحيث لو مد يديه نال ركبتيه.
(و) الخامس: (السجود) بوضع الجبهة وإحدى اليدين وإحدى الركبتين وشيء من
أطراف أصابع إحدى القدمين على ما يجد حجمه، وإلا لم تتحقق السجدة وكماله
بوضع جميع اليدين والركبتين والقدمين والجبهة مع الأنف، كما ذكره المحقق
ابن الهمام وغيره، ومن اقتصر على بعض عبارت أئمتنا مما فيه مخالفة لما قاله
الفقيه أبو الليث والمحققون فقد قصر، وتمامه في الأمداد
(1/65)
والقعدة الأخيرة مقدار التشهد، وما زاد على
ذلك فهو سنةٌ، فإذا دخل الرجل في الصلاة كبر، ورفع يديه مع التكبير حتى
يحاذي بإبهاميه شحمتي أذنيه (1) ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(و) السادس: (القعدة الأخيرة مقدار التشهد) إلى قوله: "عبده ورسوله" هو
الصحيح، حتى لو فرغ المقتدي قبل فراغ الإمام المتكلم أو أكل فصلاته تامة.
جوهرة.
(وما زاد على ذلك) المذكور (فهو سنة) قال في الهداية: أطلق اسم السنة وفيها
واجبات: كقراءة الفاتحة، وضم السورة إليها، ومراعاة الترتيب فيما شرع
مكرراً من الأفعال، والقعدة الأولى، وقراءة التشهد في الأخيرة، والقنوت في
الوتر، وتكبيرات العيدين، والجهر فيما يجهر فيه؛ والمخافتة فيما يخافت فيه،
ولهذا يجب سجدتا السهو بتركها، هو الصحيح، لما أنه ثبت وجوبها بالسنة اهـ.
(فإذا دخل الرجل) : أي أراد الدخول (في الصلاة كبر) : أي قال وجوباً: "الله
أكبر"، (ورفع يديه مع التكبير حتى يحاذي) ويمس (بإبهاميه شحمتي أذنيه) ؛
لأنه من تمام المحاذاة، ويستقبل بكفيه القبلة، وقيل: خديه، قال في الهداية:
_________
(1) ومذهب الشافعي رحمه الله والجمهور أنه يرفع إلى منكبيه وهذا الخلاف في
تكبيرة القنوت والأعياد والجنازة واستدلوا بحديث أبي حميد المروي في
البخاري وفيه قال أبو حميد: أنا أحفظكم لصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم
رأيته إذا كبر جعل يديه حذاء منكبيه وإذا ركع أمكن يديه من ركبتيه ثم هصر
ظهره. الحديث ويحتج الحنفية بحديث مالك بن الحويرث (أنه كان إذا كبر رفع
يديه حتى يحاذي بهما أذنيه) رواه أحمد ومسلم، وعند أبي داود من رواية عاصم
بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر أنه جمع بينهما فقال: حتى يحاذي بظهر كتفيه
المنكبين وبأطراف أنامله الأذنين وتؤيده رواية أخرى عن واصل عند أبي داود
بلفظ حتى كانت (حيال منكبيه وحاذى بإبهاميه أذنيه) فالخطب سهل
(1/66)
فإن قال بدلاً من التكبير: الله أجل أو
أعظم أو الرحمن أكبر؛ أجزأه عند أبي حنيفة ومحمدٍ. وقال أبو يوسف: لا يجزئه
إلا بلفظ التكبير، ويعتمد بيده اليمنى على اليسرى، ويضعهما تحت سرته، ثم
يقول:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الأصح أنه يرفع أولا ثم يكبر، وقال الزاهدي: وعليه عامة المشايخ.
(فإن قال بدلا من التكبير الله أجل أو أعظم أو الرحمن أكبر) أو أجل أو أعظم
أو لا إله إلا الله أو غير ذلك من كل ذكر خالص لله تعالى (أجزأه) مع كراهة
التحريم (1) ، وذلك، (عند أبي حنيفة ومحمد) رحمهما الله تعالى (وقال أبو
يوسف) رحمه الله تعالى: إن كان يحسن التكبير (لا يجزئه) الشروع (إلا بلفظ
التكبير) كأكبر وكبير، معروفا ومنكراً مقدماً ومؤخراً قال في التصحيح: قال
الإسبيجاني: والصحيح قولهما، وقال الزاهدي: هو الصحيح، واعتمده البرهاني
والنسفي. اهـ. (ويعتمد) الرجل (بيده اليمنى على اليسرى) آخذاً رسغها بخنصره
وإبهامه باسطاً أصابعه الثلاث على المعصم (ويضعهما) كلما فرغ من التكبير
(تحت سرته) وتضع المرأة الكف على الكف تحت الثدي؛ قال في الهداية: ثم
الاعتماد سنة القيام عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله، حتى لا يرسل
حالة الثناء، والأصل أن كل قيام فيه ذكر مسنون يعتمد فيه، وما لا فلا، هو
الصحيح؛ فيعتمد في حالة القنوت وصلاة الجنازة ويرسل في القومة وبين تكبيران
الأعياد. اهـ (ثم يقول) كما كبر:
_________
(1) اختلف المشايخ في كراهة دخول الصلاة بلفظ غير لفظ التكبير عندهما،
فقال؛ السرخسي لا يكره عندهما. وقال في الذخيرة: الأصح أنه يكره، لقوله
عليه الصلاة والسلام: (وتحريمها التكبير)
(1/67)
سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى
جدك ولا إله غيرك (1) ، ويستعيذ من الشيطان الرجيم ويقرأ بسم الله الرحمن
الرحيم، ويسر بهما (2) ، ثم يقرأ فاتحة الكتاب وسورة معها أو ثلاث آياتٍ من
أي سورة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك و) كما فرغ من
الاستفتاح (يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم) قال في الهداية: والأولى أن
يقول: أستعيذ بالله؛ ليوافق القرآن، ويقرب منه "أعوذ" ثم التعوذ تبع
للقراءة دون الثناء عند أبي حنيفة رحمه الله لما تلونا، حتى يأتي به
المسبوق دون المقتدى. اهـ (و) كما فرغ (يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم. ويسر
بهما: أي الاستعاذة والبسملة، ولو الصلاة جهرية (ثم) كما سمى (يقرأ) وجوباً
(فاتحة الكتاب وسورة معها) : أي مضمومة إليها كائنة بعدها (أو ثلاث آيات من
أي سورة
_________
(1) قال في الهداية: وعن أبي يوسف أنه يضم إليه قوله إني وجهت وجهي إلى
آخره (لرواية عند أحمد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول ذلك) .
قلت وقد ثبت في صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا قام إلى الصلاة
قال: وجهت وجهي إلى المسلمين اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت، أنت ربي وأنا
عبدك. ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعاً لا يغفر الذنوب إلا
أنت، واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لحسنها إلا أنت. واصرف عني سيئها لا
يصرف عني سيئها إلا أنت. لبيك وسعديك والخير كله في يديك والشر ليس إليك.
أنا بك وإليك تباركت وتعاليت أستغفرك وأتوب إليك. ويا حبذا لو حرص المصلي
على ذلك ولا سيما في صلاة النفل تيمنا بمتابعة النبي صلى الله عليه وسلم
فيما صح عنه.
(2) يروي ابن أبي شعبة عن إبراهيم النجفي عن ابن مسعود: أربع يخفيهن الإمام
التعوذ والتسمية وآمين والتحميد وعن أبي وائل عن عبد الله أنه كان يخفي بسم
الله الرحمن الرحيم والاستعاذة وربنا لك الحمد
(1/68)
شاء، وإذا قال الإمام "ولا الضالين" قال:
آمين، ويقولها المؤتم ويخفونها (1) ، ثم يكبر ويركع ويعتمد بيديه على
ركبتيه ويفرج أصابعه، ويبسط ظهره، ولا يرفع رأسه ولا ينكسه، ويقول في
ركوعه: سبحان ربي العظيم، ثلاثاً، وذلك أدناه، ثم يرفع رأسه ويقول: سمع
الله لمن حمده،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
شاء) ، فقراءة الفاتحة لا تتعين ركناً عندنا، وكذا ضم السورة إليها. هداية.
(وإذا قال الإمام ولا الضالين قال) بعدها (آمين) بمد أو قصر (ويقولها
المؤتم) أيضاً معه (ويخفونها) سواء كانت سرية أو جهرية (ثم كما فرغ من
القراءة (يكبر ويركع) وفي الجامع الصغير: ويكبر مع الانحطاط؛ لأن النبي صلى
الله عليه وسلم (كان يكبر عند كل خفض ورفع) ويحذف المد في التكبير حذفاً،
لأن المد في أوله خطأ من حيث الدين لكونه استفهاماً، وفي آخره لحن من حيث
اللغة. هداية. (ويعتمد بيديه على ركبتيه ويفرج أصابعه) ولا يندب إلى
التفريج إلا في هذه الحالة، ليكون أمكن من الأخذ، ولا إلى الضم إلا في حالة
السجود، وفيما وراء ذلك يترك على العادة (ويبسط ظهره) ويسوي رأسه بعجزه
(ولا يرفع رأسه) عن ظهره (ولا ينكسه) عنه (ويقول في ركوعه؛ سبحان ربي
العظيم) ويكررها (ثلاثاً، وذلك أدناه) : أي أدنى كمال السنة، قال في
المنية: أدناه ثلاث، والأوسط خمس، والأكمل سبع. اهـ. (ثم يرفع رأسه ويقول)
مع الرفع: (سمع الله لمن حمده) ويكتفي به الإمام عند الإمام، وعند الإمامين
يضم التحميد سراً، هداية؛
_________
(1) يستدل الحنفية على ذلك بحديث ابن مسعود السابق بالهامش وروى أحمد وأبو
يعلى والطبراني والدارقطني والحاكم في المستدرك عن وائل أنه صلى مع النبي
صلى الله عليه وسلم فلما بلغ غير المغضوب عليهم ولا الضالين قال: آمين
وأخفى بها صوته ورواه أبو داود والترمذي وغيرهما
(1/69)
ويقول المؤتم: ربنا لك الحمد، فإذا استوى
قائماً كبر وسجد، واعتمد بيديه على الأرض ووضع وجهه بين كفيه، وسجد على
أنفه وجبهته؛ فإن اقتصر على أحدهما جاز عند أبي حنيفة. وقال أبو يوسف
ومحمدٌ: لا يجوز الاقتصار على الأنف إلا من عذرٍ، وإن سجد على كور عمامته
أو فاضل ثوبه جاز، ويبدي ضبعيه، ويجافي بطنه عن فخذيه، ويوجه أصابع رجليه
نحو القبلة، ويقول في سجوده: سبحان ربي الأعلى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وهو رواية عن الإمام أيضاً، وإليه مال الفضلي والطحاوي وجماعة من المأخرين
معراج عن الظهيرية، ومشى عليه في نور الإيضاح، لكن المتون على خلافه.
(ويقول المؤتم: ربنا لك الحمد) ويكتفي به، وأيضاً له (اللهم ربنا ولك
الحمد) ثم حذف الواو، ثم حذف (اللهم) فقط؛ والمفرد يجمع بينهما في الأصح،
هداية وملتقى (فإذا استوى قائما كبر) مع الخرور (وسجد) واضعا ركبتيه أولا
(واعتمد بيديه على الأرض) بعدهما (ووضع وجهه بين كفيه) اعتبارا لآخر الركعة
بأولها؛ ويوجه أصابع يديه نحو القبلة (وسجد) وجوباً (على أنفه وجبهته، فإن
اقتصر على أحدهما جاز عند أبي حنيفة) رحمه الله، فإن كان على الأنف كره وإن
كان على الجبهة لا يكره، كما في الفتح عن التحفة والبدائع (وقال أبو يوسف
ومحمد: لا يجوز: الاقتصار على الأنف إلا من عذر) وهو رواية عن أبي حنيفة،
وعليه الفتوى. جوهرة، وفي التصحيح نفلا عن العيون: وروى عنه مثل قولهما،
وعليه الفتوى، واعتمده المحبوبي وصدر الشريعة (وإن سجد على كور عمامته) إذا
كان على جبهته (أو فاضل) : أي طرف (ثوبه جاز) ويكره إلا من عذر (ويبدي
ضبعيه) تثنية ضبع - بالسكون - العضد؛ أي الساعد، وهو من المرفق إلى الكتف؛
أي يظهرهما، وذلك في غير رحمة. (ويجافي) : أي يباعد (بطنه عن فخذيه ويوجه
أصابع رجليه نحو القبلة) ، والمرأة تنخفض وتلزق بطنها بفخذيها، لأن ذلك
أستر لها. هداية. (ويقول في سجوده: سبحان ربي الأعلى) ويكررها
(1/70)
ثلاثاً، وذلك أدناه، ثم يرفع رأسه ويكبر،
فإذا اطمأن جالساً كبر وسجد، فإذا اطمأن ساجداً كبر واستوى قائماً على صدور
قدميه، ولا يقعد، ولا يعتمد بيديه على الأرض، ويفعل في الركعة الثانية مثل
ما فعل في الأولى، إلا أنه لا يستفتح ولا يتعوذ، ولا يرفع يديه إلا في
التكبيرة الأولى (1) ، فإذا رفع رأسه من السجدة الثانية في الركعة الثانية
افترش رجله
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(ثلاثا، وذلك أدناه) : أي أدنى كمال السنة، كما مر.
(ثم يرفع رأسه ويكبر) مع الرفع إلى أن يستوي جالساً، ولو لم يستو جالساً
وسجد أخرى أجزأه عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى، وتكلموا في مقدار
الرفع، والأصح أنه إذا كان إلى السجود أقرب لا يجوز: لأنه يعد ساجداً. وإن
كان إلى الجلوس أقرب جاز لأنه يعد جالساً، فتحقق الثانية. هداية (فإذا
اطمأن) ؛ أي سكن (جالساً) كجلسة المتشهد (كبر) مع عوده (وسجد) سجدة ثانية
كالأولى (فإذا اطمأن ساجداً كبر) مع النهوض (واستوى قائما على صدور قدميه)
وذلك بأن يقوم وأصابع القدمين على هيئتها في السجود (ولا يقعد) للاستراحة
(ولا يعتمد بيديه على الأرض) ويكره فعلهما تنزيها لمن ليس به عذر. حلية.
(ويفعل في الركعة الثانية مثل ما فعل في) الركعة (الأولى) لأنه تكرار
الأركان (إلا أنه لا يستفتح ولا يتعوذ) لأنهما لا يشرعا إلا مرة (ولا يرفع
يديه إلا في التكبيرة الأولى) فقط (فإذا رفع رأسه من السجدة الثانية في
الركعة الثانية افترش) الرجل (رجله
_________
(1) يرى الشافعي رفع اليدين عند الركوع والرفع منه لأحاديث وأثار وردت في
ذلك وللحنفية أحاديث وآثار تدل على عدم ذلك.
فهما متعارضان في الدلالة ويرحج الحنفية المنح بدليل أنه كانت أقوال مباحة
في الصلاة وأفعال من جنس هذا الرفع وقد علم نسخها فلا يبعد أن يكون هذا
منها قالوا وقد ثبت معارضه ثبوتاً لا مرد له. قال أبو حنيفة ليس وائل أحفظ
من عبد الله بن مسعود وقد حدثني من لا أحصى عن عبد الله أنه رفع يديه في
بدء الصلاة فقط وحكاه عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو عالم بشرائع الإسلام
وحدوده متفقد لأحوال النبي صلى الله عليه وسلم ملازم له في إقامته وأسفاره
فالأخذ به عند التعارض أولى. وهو كلام موفق سديد
(1/71)
اليسرى فجلس عليها ونصب اليمنى نصباً ووجه
أصابعه نحو القبلة ووضع يديه على فخذيه وبسط أصابعه وتشهد.
والتشهد أن يقول: التحيات لله، والصلوات والطيبات،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
اليسرى فجلس عليها) : أي على قدمها، بأن يجعلها تحت إليته (ونصب) قدم
(اليمنى نصباً ووجه أصابعه نحو القبلة) ندباً، والمرأة تجلس على إليتها
اليسرى وتخرج رجلها اليسرى من تحت اليمنى، لأنه أستر لها (ووضع يديه على
فخذيه وبسط أصابعه) مفرجة قليلاً جاعلاً أطرافها عند ركبته (وتشهد) : أي
قرأ تشهد ابن مسعود، بلا إشارة بسبابته عند الشهادة في ظاهر الرواية، وعن
أبي يوسف في الأمالي أنه يعقد الخنصر والبنصر ويحلق الوسطى والإبهام ويشير
بالسبابة؛ ونقل مثله عن محمد والإمام، واعتمده المتأخرون، لثبوته عن النبي
صلى الله عليه وسلم بالأحاديث الصحيحة، ولصحة نقله عن أئمتنا الثلاثة؛ ولذا
قال في الفتح: إن الأول خلاف الدراية والرواية؛ ولشيخنا رحمه الله تعالى
رسالة في التشهد حرر فيها صحة هذين القولين ونفى ما عداهما حيث قال: إنه
ليس لنا ما سوى قولين: الأول - وهو المشهور في المذهب - بسط الأصابع بدون
إشارة، الثاني بسط الأصابع إلى حين الشهادة فيعقد عندها ويرفع السبابة عند
النفي ويضعها عند الإثبات، وهذا ما اعتمده المتأخرون، وأما ما عليه الناس
من الإشارة مع البسط بدون عقد فلم أر أحداً قال به. اهـ.؛ ثم ذيل رسالته
بأخرى حقق فيها صحة الرواية بما عليه الناس، فمن رام استيفاء الكلام فليرجع
إليهما يظفر بالمرام.
(والتشهد أن يقول: التحيات لله، والصلوات والطيبات،
(1/72)
السلام عليك أيها النبي ورحمة الله
وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله،
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، ولا يزيد على هذا في القعدة الأولى، ويقرأ في
الركعتين الأخريين فاتحة الكتاب خاصةً، فإذا جلس في آخر الصلاة جلس كما في
الأولى، وتشهد، وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ودعا بما شاء بما يشبه
ألفاظ القرآن والأدعية
ـــــــــــــــــــــــــــــ
السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله
الصالحين) (أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله) وهذا
تشهد ابن مسعود رضي الله عنه؛ فإنه قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم
بيدي وعلمني التشهد كما كان يعلمني سورة من القرآن، وقال: قل التحيات لله..
إلخ. هداية، ويقصد بألفاظ التشهد معانيها مرادة له على وجه الإنشاء كأنه
يحيي الله تعالى ويسلم على نبيه وعلى نفسه وأوليائه؛ در (ولا يزيد على هذا
في القعدة الأولى) فإن زاد عامداً كره، وإن كان ساهياً سجد للسهو إن كانت
الزيادة بمقدار (اللهم صلي على محمد) على المذهب. تنوير (ويقرأ في الركعتين
الأخريين الفاتحة خاصة) وهذا بيان الأفضل، وهو الصحيح، هداية. فلو سبح
ثلاثاً أو وقف ساكتاً بقدرها صح، ولا بأس به على المذهب، تنوير (فإن جلس في
آخر الصلاة جلس) مفترشاً أيضاً (كما) جلس (في) القعدة (الأولى وتشهد) أيضا
(وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم) ولو مسبوقاً كما رجحه في المبسوط؛ لكن
رجح قاضيخان أنه يترسل في التشهد، قال في البحر: وينبغي الإفتاء به. اهـ.
وسئل الإمام محمد عن كيفيتها فقال يقول: (اللهم صلي على محمد) إلى آخر
الصلاة المشهورة (ودعا بما شاء مما يشبه ألفاظ القرآن) لفظاً ومعنى بكونه
فيه نحو (ربنا آتنا في الدنيا حسنة) وفي الآخرة حسنة وليس منه، لأنه إنما
أراد به الدعاء لا القراءة. نهر (والأدعية) بالنصب
(1/73)
المأثورة ولا يدعو بما يشبه كلام الناس، ثم
يسلم عن يمينه فيقول: السلام عليكم ورحمة الله، وعن يساره مثل ذلك.
ويجهر بالقراءة في الفجر والركعتين الأوليين من المغرب والعشاء إن كان
إماماً، ويخفي القراءة فيما بعد الأوليين،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عطفاً على ألفاظ الجر عطفاً على القرآن (المأثورة) : أي المروية نحو ما في
مسلم (اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا
والممات ومن فتنة المسيح الدجال) ومنها ما روى أن أبا بكر الصديق رضي الله
عنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يعلمه دعاء يدعو به في صلاته فقال:
(قل اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي
مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم) .
(ولا يدعو بما يشبه كلام الناس) تحرزاً عن الفساد، وقد اضطرب فيه كلامهم،
والمختار - كما قاله الحلبي - أن ما في القرآن والحديث لا يفسد مطلقاً، وما
ليس في أحدهما إن استحال طلبه من الخلق لا يفسد، وإلا أفسد لو قبل القعود
قدر التشهد، وإلا خرج به من الصلاة مه كراهية التحريم (ثم يسلم عن يمينه
حتى يرى بياض خده فيقول: السلام عليكم ورحمة الله) ولا يقول: (وبركاته)
لعدم توارثه؛ وصرح الحدادي بكراهته (و) يسلم بعدها (عن يساره مثل ذلك)
السلام المذكور، ويسن خفضه عن الأول، وينوي من عن يمينه من الرجال والنساء
والحفظة، وكذلك في الثانية، لأن الأعمال بالنيات. هداية. وفي التصحيح:
واختلفوا في تسليم المقتدى؛ فعن أبي يوسف ومحمد يسلم بعد الإمام وعن أبي
حنيفة فيه روايتان، قال الفقيه أبو جعفر: المختار أن ينتظر إذا سلم الإمام
عن يمينه يسلم المقتدى عن يمينه، وإذا فرغ عن يساره يسلم عن يساره، اهـ] .
(ويجهر) المصلي وجوباً بحسب الجماعة وإن زاد أساء (بالقراءة في) ركعتي
(الفجر والركعتين الأوليين من المغرب والعشاء) أداء وقضاء وجمعة وعيدين
وتراويح ووتر في رمضان (إن كان) المصلي (إماماً، ويخفي القراءة فيما بعد
الأوليين) هذا هو المتوارث. اه
(1/74)
وإن كان منفرداً فهو مخيرٌ: إن شاء جهر
وأسمع نفسه، وإن شاء خافت، ويخفي الإمام القراءة في الظهر والعصر. والوتر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قال في التصحيح: والمخافتة تصحيح الحروف وهذا هو مختار الكرخي وأبي بكر
البلخي، وعن الشيخ أبي القاسم الصفار وأبي جعفر الهندواني ومحمد ابن الفضل
البخاري: أن أدنى المخافتة أن يسمع نفسه إلا لمانع، وفي زاد الفقهاء: هو
الصحيح وقال الحلواني: لا يجزئه إلا أن يسمع نفسه ومن بقربه، وفي البدائع:
ما قاله الكرخي أنيس وأصح، وفي كتاب الصلاة إشارة إليه فإنه قال: إن شاء
قرأ في نفسه سراً وإن شاء جهر وأسمع نفسه، وقد صرح في الآثار بذلك، وتمامه
فيه.
(وإن كان) المصلي (منفرداً فهو مخير: إن شاء جهر وأسمع نفسه) لأنه إمام
نفسه (وإن شاء خافت) ؛ لأنه ليس خلفه من يسمعه، والأفضل هو الجهر؛ ليكون
الأداء على هيئة الجماعة. هداية. (ويخفي الإمام) وكذا المنفرد (القراءة)
وجوبا (في) جميع ركعات (الظهر والعصر) لقوله صلى الله عليه وسلم: (صلاة
النهار عجماء) : أي ليس فيها قراءة مسموعة (1) . هداية.
(والوتر) واجب عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى، وهذا آخر أقواله، وهو الظاهر
من مذهبه، وهو الأصح، وعنه أنه سنة، وبه أخذ أبو يوسف ومحمد، وعنه
_________
(1) ذكر الكمال في الفتح أن الحديث غريب. ونقل عن النووي أنه لا أصل له ثم
روى حديث البخاري عن شجرة قال: قلنا لخباب هل كان رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقرأ في الظهر والعصر؟ قال: نعم. قلنا: بم كنتم تعرفون قراءته قال:
باضطراب لحيته، قلت: وهذا دليل صحيح على وجوب الإسرار في هاتين الصلاتين.
ففي الحديث صلوا كما رأيتموني أصلي والأصل في الأمر الوجوب ومثله في
الدلالة ما في صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الظهر في
الركعتين الأوليين قدر ثلاثين آية الحديث
(1/75)
ثلاث ركعاتٍ لا يفصل بينهما بسلامٍ، ويقنت
في الثالثة قبل الركوع في جميع السنة، ويقرأ في كل ركعةٍ من الوتر بفاتحة
الكتاب وسورةٍ معها، فإذا أراد أن يقنت كبر ورفع يديه ثم قنت.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أنه فريضة، وبه أخذ زفر، وقيل بالتوفيق: فرض؛ أي عملاً، وواجب: أي
اعتقاداً، وسنة: أي ثبوتاً، وأجمعوا على أنه لا يكفر جاحده، وأنه لا يجوز
بدون نية الوتر، وأن القراءة تجب في كل ركعاته، وأنه لا يجوز أداؤه قاعداً
أو على الدابة بلا عذر، كما في المحيط، نهر، وهو (ثلاث ركعات لا يفصل بينهن
بسلام) كصلاة المغرب، حتى لو نسي القعود لا يعود إليه، ولو عاد ينبغي
الفساد، كما في الدر (ويقنت في الثالثة قبل الركوع في جميع السنة أداء
وقضاء (ويقرأ) وجوباً (في كل ركعة من الوتر فاتحة الكتاب وسورة معها) أو
ثلاث آيات (فإذا أردت أن يقنت كبر ورفع يديه) كرفعه عند الافتتاح (ثم قنت)
، ويسن الدعاء المشهور، وهو: "اللهم إنا نستعينك ونستهديك ونستغفرك ونتوب
إليك ونؤمن بك ونتوكل عليك ونثني عليك الخير كله نشكرك ولا نكفرك ونخلع
ونترك من يفجرك، اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، نرجو
رحمتك ونخشى عذابك، إن عذابك، الجد بالكفار ملحق" قال في النهر: ونحفد بدال
مهملة: أي نسرع، ولو أتى بها معجمة فسدت، كما في الخانية، قيل: ولا يقول
الجد، لكنه ثبت في مراسيل أبي داود، وملحق بكسر الحاء وفتحها، والكسر أفصح،
كذا في الدراية، ويصلي فيه على النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل: لا،
استغناء بما في آخر التشهد، وبالأولى يفتي. واختلف فيمن لا يحسنه بالعربية
أو لا يحفظه: هل يقول: "يا رب". أو "اللهم اغفر لي" ثلاثاً أو "ربنا آتنا
في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة" والخلاف في الأفضلية: والأخيرة أفضل. اهـ.
باختصار، وسكت عن صفته من الجهر والإخفاء لأنه لم يذكر في ظاهر الرواية،
وقد قال بن
(1/76)
ولا يقنت في صلاةٍ غيرها.
وليس في شيء من الصلوات قراءة سورةٍ بعينها لا يجزئ غيرها؛ ويكره أن يتخذ
سورةً بعينها لصلاةٍ لا يقرأ فيها غيرها.
وأدنى ما يجزئ من القراءة في الصلاة ما يتناوله اسم القرآن عند أبي حنيفة.
وقال أبو يوسف ومحمدٌ: لا يجزئ أقل من ثلاث آياتٍ قصارٍ أو آيةٍ طويلةٍ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الفضل: يخفيه الإمام والمقتدي. وفي الهداية تبعاً للسرخسي: أنه المختار
(ولا يقنت في صلاة غيرها) إلا لنازلة في الجهرية، وقيل: في الكل.
(وليس في شيء من الصلوات قراءة سورة بعينها) على طريق الفرضية بحيث (لا
يجوز غيرها) وإنما منعين الفاتحة على طريق الوجوب (ويكره) للمصلي (أن يتخذ
سورة) غير الفاتحة (لصلاة بعينها) بحيث (لا يقرأ غيرها) ؛ لما فيه من هجران
الباقي، وإيهام التفضيل، وذلك كقراءة سورة السجدة وهل أتى الفجر كل جمعة،
وهذا إذا رأى ذلك حتماً واجباً لا يجوز غيره، أما إذا علم أنه يجوز أي سورة
قرأها ولكن يقرأ هاتين السورتين تبركاً بقراءة النبي صلى الله عليه وسلم
فلا يكره، بل يندب، لكن بشرط أن يقرأ غيرهما أحياناً؛ كي لا يظن جاهل أنه
لا يجوز غيرهما.
(وأدنى ما يجزئ من القراءة في الصلاة ما يتناوله اسم القرآن) ولو دون الآية
(عند أبي حنيفة) واختاره المصنف، ورجحها في البدائع، وفي ظاهر الرواية آية
تامة طويلة كانت أو قصيرة، واختارها المحبوبي والنسفي وصدر الشريعة، كذا في
التصحيح، (وقال أبو يوسف ومحمد: لا يجزئ أقل من ثلاث آيات قصار أو آية
طويلة) قال في الجوهرة: وقولهما في القراءة احتياط، والاحتياط في العبادات
أمر حسن. اه
(1/77)
ولا يقرأ المؤتم خلف الإمام.
ومن أراد الدخول في صلاة غيره يحتاج إلى نيتين: نية الصلاة ونية المتابعة.
والجماعة سنةٌ موكدةٌ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(ولا يقرأ المؤتم خلف الإمام) مطلقاً، وما نسب إلى محمد ضعيف كما بسطه
الكمال والعلامة قاسم في الصحيح، فإن قرأ كره تحريماً، وتصح في الأصح. در.
(1)
(ومن أراد الدخول في صلاة غيره يحتاج إلى نيتين: نية) نفس (الصلاة، ونية
المتابعة) للإمام، وكيفية نيته - كما في المحيط - أن ينوي فرض الوقت
والاقتداء بالإمام فيه، أو ينوي الشروع في صلاة الإمام، أو ينوي الاقتداء
بالإمام في صلاته، ولو نوى الاقتداء به لا غير، قيل. لا يجزئه، والأصح أنه
يجزئه، لأنه جعل نفسه تبعاً للإمام مطلقاً، والتبعية من كل وجه إنما تتحقق
إذا صار مصلياً ما صلاه الإمام، كذا في الدراية.
(الجماعة) للرجال (سنة مؤكدة) وقيل: واجبة، وعليه العامة. تنوير: أي عامة
مشايخنا وبه جزم في التحفة وغيرها، قال في البحر: وهو الراجح عند أهل
المذهب. اهـ در، وأقلها اثنان واحد مع الإمام، ولو مميزاً، في مسجد أو
غيره،
_________
(1) استدل الحنفية بحديث (من صلى خلف إمام فقراءة الإمام له قراءة) وقد
أثبت الكمال صحة الحديث ونفي الطعن فيه بما لا يدع مجالاً للشك وعليه عمل
الصحابة. وفي حديث إنما جعل الإمام ليؤتم به (وإذا قرأ الإمام فانصتوا) كما
في صحيح مسلم.
ونقل عن محمد أنه يقرأ في السرية وهو خلاف ظاهر الرواية عنه وهو كما قال
الشارح ضعيف
(1/78)
وأولى الناس بالإمامة أعلمهم بالسنة، فإن
تساوو فأقرؤهم، فإن تساووا فأورعهم، فإن تساووا فأسنهم.
ويكره تقديم العبد والأعرابي والفاسق والأعمى وولد الزنا، فإن تقدموا جاز.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ويكره تكرارها بأذان وإقامة في مسجد محلة، لا في مسجد طريق، أو في مسجد لا
إمام له ولا مؤذن. در. وفي شرح المنية: إذا لم تكن الجماعة على الهيئة
الأولى لا تكره، وإلا نكره، وهو الصحيح، وبالعدول عن المحراب تختلف الهيئة،
كذا في البزازية. اهـ.
(وأولى الناس بالإمامة) - إذا لم يكن صاحب منزل ولا ذو سلطان - (أعلمهم
بالسنة) : أي الشريعة، والمراد أحكام الصلاة صحة وفساداً (فإن تساووا)
علماً (فأقرؤهم) لكتاب الله تعالى: أي أحسنهم تلاوة (فإن تساووا أورعهم) أي
أكثرهم اتقاء للشبهات (فإن تساووا فأسنهم) : أي أكبرهم سناً؛ لأنه أكثر
خشوعاً، ثم الأحسن خلقاً، ثم الأحسن وجهاً، ثم الأشرف نسباً، ثم الأنظف
ثوباً، فإن استووا يقرع بينهما، أو الخيار إلى القوم، وإن اختلفوا اعتبر
الأكثر وفي الامداد: وأما إذا اجتمعوا فالسلطان مقدم، ثم الأمير، ثم
القاضي، ثم صاحب المنزل ولو مستأجراً، وكذا يقدم القاضي على إمام المسجد.
اهـ.
(ويكره) تنزيها (تقديم العبد) لغلبة جهله؛ لأنه لا يتفرغ للتعلم
(والأعرابي) وهو من يسكن البوادي؛ لأن الجهل فيهم غالب، قال تعالى: {وأجدر
أن لا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله} (والفاسق) لأنه يتهم بأمر دينه
(والأعمى) لأنه لا يتوقى النجاسة (وولد الزنا) لأنه لا أب له يفقهه فيغلب
عليه الجهل، ولأن في تقديم هؤلاء تتغير الجماعة فيكره. هداية (فإن تقدموا
جاز) لقوله صلى الله عليه وسلم. (صلوا خلف كل بر وفاجر)
(1/79)
وينبغي للإمام أن لا يطول بهم الصلاة.
ويكره للنساء أن يصلين وحدهن جماعةً، فإن فعلن وقفت الإمام وسطهن.
ومن صلى مع واحدٍ أقامه عن يمينه، فإن كانا اثنين تقدم عليهما.
ولا يجوز للرجال أن يقتدوا بامرأةٍ أو صبيٍ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(وينبغي للإمام أن لا يطول بهم الصلاة) عن القدر المسنون قراءة وأذكاراً،
قال في الفتح: وقد بحثنا أن الطويل هو الزيادة عن القراءة المسنونة؛ فإنه
صلى الله عليه وسلم نهى عنه، وقراءته هي المسنونة؛ فلابد من كون ما نهى عنه
غير ما كان دأبه إلا لضرورة. اهـ.
(ويكره للنساء) تحريما. فتح (أن يصلين وحدهن) يعني بغير الرجال (جماعة)
وسواء في ذلك الفرائض والنوافل، إلا صلاة الجنازة (فإن فعلن وقفت) المرأة
الإمام (وسطهن) فلو تقدمت صحت وأثمت إثما آخر.
(ومن صلى مع واحد) ولو صبياً أقامه عن يمينه) محاذياً له، وعن محمد يضع
أصابعه عند عقب الإمام والأول هو الظاهر، وإن كان وقوفه مساوياً للإمام
وبسجوده يتقدم عليه لا يضر؛ لأن العبرة بموضع القيام، ولو صلى خلفه أو على
يساره جاز، إلا أن يكون مسيئاً. جوهرة (فإن كانا اثنين تقدم عليهما) وعن
أبي يوسف يتوسطهما هداية، ويتقدم الأكثر اتفاقا، فلو قاموا بجنبه أو قام
واحد بجنبه وخلفه صف كره إجماعا. در.
(ولا يجوز للرجال أن يقتدوا بامرأة) أو خنثى (أو صبي) مطلقاً، ولو في جنازة
أو نفل في الأصح
(1/80)
ويصف الرجال ثم الصبيان ثم النساء.
فإن قامت امرأةٌ إلى جنب رجلٍ وهما مشتركان في صلاةٍ واحدةٍ فسدت صلاته (1)
.
ويكره للنساء حضور الجماعات، ولا بأس بأن تخرج العجوز في الفجر والمغرب
والعشاء.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(ويصف) الإمام (الرجال ثم الصبيان) إن تعددوا؛ فلو واحد دخل في الصف، ولا
يقوم وحده، ثم الخنائي، ولو منفردة ثم (النساء) كذلك، قال الشمني: وينبغي
للإمام أن يأمرهم بأن يتراصوا، ويسدوا الخلل، ويسووا مناكبهم، ويقف وسطا.
اهـ.
(فإن قامت امرأة) مشتهاة ولو ماضياً أو أمة أو زوجة أو محرماً (إلى جنب
رجل) ركناً كاملاً (وهما مشتركان في صلاة واحدة) ذات ركوع وسجود، ولا حائل
بينهما، ولم يشر إليها لتتأخر عنه، ونوى الإمام إمامتها (فسدت صلاته) لا
صلاتها، وإن أشار إليها فلم تتأخر، أو لم ينو الإمام إمامتها - فسدت
صلاتها، لا صلاته، وأن لم تدم المحاذاة ركناً كاملاً، أو لم يكونا في صلاة
واحدة، أو في صلاة غير ذات ركوع وسجود، أو بينهما حائل مثل مؤخرة الرجل في
الطول والإصبع في الغلط - لم تضرهما المحاذاة والفرجة تقوم مقام الحائل،
وأدناها قدر ما يقوم فيه المصلي، وتمامه في القهستاني.
(ويكره للنساء) الشواب (حضور الجماعة) مطلقاً؛ لما فيه من خوف الفتنة (ولا
بأس بأن تخرج العجوز في الفجر والمغرب والعشاء) وهذا عند أبي حنيفة،
_________
(1) القياس عدم فسادها وهو قول الشافعية ويستدل الحنفية بحديث في آخر وهن
من حيث آخرهن 31، ويدعي صاحب الهداية أنه من المشاهير والتحقيق أنه موقوف
على ابن مسعود؛ وإن صح فإنه يفيد الأثم لا فساد الصلاة وليبحث المقام
(1/81)
ولا يصلي الطاهر خلف من به سلس البول، ولا
الطاهرات خلف المستحاضة، ولا القارئ خلف الأمي، ولا المكتسي خلف العريان،
ويجوز أن يؤم المتيمم المتوضئين، والماسح على الخفين الغاسلين، ويصلي
القائم خلف القاعد، ولا يصلي الذي يركع ويسجد خلف المومئ، ولا يصلي المفترض
خلف المتنفل، ولا من يصلي فرضاً خلف من يصلي فرضاً آخر،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أما عندهما فتخرج في الصلوات كلها؛ لأنه لا فتنة لقلة الرغبة فيهن، وله أن
فرط الشبق حامل فتقع الفتنة، غير أن الفساق انتشارهم في الظهر والعصر
والجمعة، أما في الفجر والعشاء فإنهم نائمون، وفي المغرب بالطعام مشتغلون.
هداية، وفي الجوهرة: والفتوى اليوم على الكراهة في الصلوات كلها؛ لظهور
الفسق في هذا الزمان اهـ.
(ولا يصلي الطاهر خلف من به سلس البول ولا الطاهرات خلف المستحاضة) لما فيه
من بناء القوي على الضعيف، ويصلي من به سلس البول خلف مثله، وخلف من عذره
أخف من عذره (و) كذا (لا) يصلي (القارئ) وهو من يحفظ من القرآن ما تصح به
الصلاة (خلف الأمي) وهو عكس القارئ (ولا المكتسي خلف العريان) لقوة حالهما
(ويجوز أن يؤم المتيمم المتوضئين) لأنه طهارة مطلقة، ولهذا لا يتقدر بقدر
الحاجة (والماسح على الخفين الغاسلين) لأن الخف مانع سراية الحدث إلى
القدم، وما حل بالخف يزيله المسح (ويصلي القائم خلف القاعد) وقال محمد: لا
يجوز، وهو القياس؛ لقوة حال القائم، ونحن تركناه بالنص، وهو ما روى أنه صلى
الله عليه وسلم (صلى آخر صلاته قاعداً والقوم خلفه قيام) هداية.
(ولا يصلي الذي يركع ويسجد خلف المومئ) لأن حال المقتدي أقوى (ولا يصلي
المفترض خلف المتنقل) لأن الاقتداء بناء ووصف الفرضية معدوم في حق الإمام
فلا يتحقق البناء على المعدوم (ولا من يصلي فرضاً خلف من يصلي فرضاً آخر)
(1/82)
ويصلي المتنفل خلف المفترض.
ومن اقتدى بإمامٍ، ثم علم أنه على غير وضوءٍ أعاد الصلاة.
ويكره للمصلي أن يعبث بثوبه أو بجسده، ولا يقلب الحصى إلا أن لا يمكنه
السجود فيسويه مرةً واحدةً، ولا يفرقع أصابعه، ولا يتخصر، ولا يسدل ثوبه،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لأن الاقتداء شركة وموافقة؛ فلابد من الاتحاد، ومتى فسد الاقتداء لفقد شرط
كظاهر بمعذور لم تنعقد أصلاً، وإن لاختلاف الصلاتين تنعقد نفلا غير مضمون،
كذا في الزيلعي، وثمرته الانتقاص بالقهقهة إذا انعقدت وإلا لا (ويصلي
المنفل خلف المفترض) لأن فيه بناء الضعيف على القوى وهو جائز.
(ومن اقتدى بإمام ثم علم) أي المقتدي (أنه) أي الإمام (على غير وضوء) في
زعمهما (أعاد الصلاة) اتفاقاً (لظهور بطلانها) وكذا لو كانت صحيحة في زعم
الإمام فاسدة في زعم المقتدي؛ لبنائه على الفاسد في زعمه فلا يصح، وفيه
خلاف، وصحح كل، أما لو فسدت في زعم الإمام وهو لا يعلم به وعلمه المقتدي
صحت في قول الأكثر، وهو الأصح؛ لأن المقتدي يرى جواز صلاة إمامه، والمعتبر
في حقه رأى نفسه؛ فوجب القول بجوازها، كذا في حاشية شيخ مشايخنا الرحمتي.
(ويكره للمصلي أن يعبث بثوبه أو بجسده) والعبث: عمل ما لا فائدة فيه، مصباح
والمراد هنا فعل ما ليس من أفعال الصلاة. لأنه ينافي الصلاة (ولا يقلب
الحصى) لأنه نوع عبث (إلا أن يمكنه السجود) عليه إلا بمشقة (فيسويه مرة
واحدة) وتركه أفضل، لأنه أقرب للخشوع (ولا يفرقع أصابعه) بغمزها أو مدها
حتى تصوت (ولا يتخصر) وهو: أن يضع يده على خاصرته، قال ابن سرين؛ وهو أشهر
تأويلاته، لما فيه من تفويت سنة أخذ اليدين، ولأنه من فعل الجبابرة، وقيل:
أن يتكئ على المخصرة (ولا يسدل ثوبه) تكبراً أو تهاوناً، وهو: أن
(1/83)
ولا يعقص شعره، ولا يكف ثوبه، ولا يلتفت،
ولا يقعي، ولا يرد السلام بلسانه ولا بيده، ولا يتربع إلا من عذرٍ، ولا
يأكل ولا يشرب.
فإن سبقه الحدث انصرف، فإن كان إماماً استخلف وتوضأ وبنى على صلاته،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
يجعل الثوب على رأسه وكتفيه ويرسل جوانبه من غير أن يضمها؛ قال صدر
الشريعة: هذا في الطيلسان، أما في القباء ونحوه فهو أن يلقيه على كتفيه من
غير أن يدخل يديه في كميه. اهـ. (ولا يعقص شعره) وهو: أن يجمعه ويعقده في
مؤخر رأسه، والسنة أن يدعه على حاله يسجد معه، (ولا يكف ثوبه) وهو: رفعه من
بين يديه أو من خلفه إذا أراد السجود، وقيل: أن يجمع ثوبه ويشده في وسطه:
لما فيه من التجبر المنافي لوضع الصلاة، وهو الخشوع (ولا يلتفت) : أي بعنقه
بحيث يخرج وجهه عن القبلة، فأما النظر بطرف عينه من غير أن يلوي عنقه فخلاف
الأولى (ولا يقعي) كالكلب، وهو أن: ينصب ركبتيه ولا يضع يديه على الأرض
(ولا يرد السلام بلسانه) لأنه مفسد صلاته (ولا بيده) لأنه سلام معنى حتى لو
صافح بنية التسليم تفسد صلاته (ولا يتربع إلا من عذر) لأن فيه ترك سنة
القعود (ولا يأكل، ولا يشرب) لأنه ليس من أعمال الصلاة، فإن فعل شيئاً من
ذلك بطلت صلاته: سواء كان عامداً أو ناسياً.
(فإن سبقه الحدث) في صلاته (انصرف) من ساعته من غير مهلة، حتى لو وقف قدر
أداء ركن بطلت صلاته، ويباح له المشي، والاغتراف من الإناء والانحراف عن
القبلة، وغسل النجاسة، واستنجاء إذا أمكنه من غير كشف عورته، وإن تجاوز
الماء القريب إلى غيره تفسد صلاته، لمشيه من غير حاجة (فإن كان إماماً
استخلف) بأن يجره بثوبه إلى المحراب، وذهب المسبوق (وتوضأ وبنى على صلاته)
ثم إن كان منفرداً فهو بالخيار: إن شاء عاد إلى مصلاه وأت
(1/84)
والاستئناف أفضل.
وإن نام فاحتلم أو جن أو أغمي عليه أو قهقه استأنف الوضوء والصلاة.
فإن تكلم في صلاته عامداً أو ساهياً بطلت صلاته.
وإن سبقه الحدث بعد التشهد توضأ وسلم، وإن تعمد الحدث في هذه الحالة أو
تكلم أو عمل عملاً ينافي الصلاة تمت صلاته.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
م صلاته، وهو الأفضل، ليكون مؤدياً صلاته في مكان واحد، وإن شاء أتم في
موضع وضوئه، لما فيه من تقليل المشي، وإن كان مقتدياً فإنه يعود إلى مكانه،
إلا أن يكون إمامه قد فرغ من صلاته فيخير كالمنفرد، وإن كان إماماً عاد
أيضاً إلى مصلاه وصارل مأموماً، إلا أن يكون الخليفة قد فرغ من صلاته فيخير
أيضاً (والاستئناف) في حق الكل (أفضل) خروجا من الخلاف، وقيل: إن المنفرد
يستقبل؛ والإمام والمقتدي يبني صيانة لفضيلة الجماعة.
فإن نام المصلي في صلاته (فاحتلم أو جن أو أغمي عليه أو قهقه استأنف
(الوضوء والصلاة) جميعاً؛ لأنه يندر وجود هذه العوارض، فلم يكن في معنى ما
ورد به النص. هداية.
وإن تكلم المصلي (في الصلاة) كلا ما يعرف في تفاهم الناس ولو من غير حروف
كالذي يستاق به الحمار (عامداً أو ساهياً بطلت صلاته) وكذا لو أن أو تأوه
أو ارتفع بكاؤه من وجع أو مصيبة، فإن كانت من ذكر جنة أو نار لا تبطل؛
لدلالتها على زيادة الخشوع.
(وإن سبقه الحدث بعد التشهد توضأ وسلم) لأن التسليم واجب، فلابد من التوضؤ
ليأتي به (وإن تعمد الحدث في هذه الحالة) يعني بعد التشهد (أو تكلم أو عمل
عملاً ينافي الصلاة تمت صلاته) لتعذر البناء بوجود القاطع، ولم يبق عليه
شيء من الأركان
(1/85)
وإن رأى المتيمم الماء في صلاته بطلت
صلاته، وإن رآه بعدما قعد قدر التشهد، أو كان ماسحاً على الخفين فانقضت مدة
مسحه، أو خلع خفيه بعملٍ رفيقٍ، أو كان أمياً فتعلم سورةً، أو عرياناً فوجد
ثوباً، أو مومياً فقدر على الركوع والسجود، أو تذكر أن عليه صلاةً قبل هذه
الصلاة، أو أحدث الإمام القارئ فاستخلف أمياً، أو طلعت الشمس في صلاة
الفجر، أو دخل وقت العصر في الجمعة، أو كان ماسحاً على الجبيرة فسقطت عن
برءٍ، أو كان صاحب عذرٍ فانقطع عذره -
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(وإن رأى المتيمم الماء) الكافي (في صلاته) قبل القعود الأخير قدر التشهد
(بطلت صلاته) اتفاقاً (وإن رآه) أي الماء (بعدما قعد قدر التشهد، أو كان
ماسحا) على الخفين (فانقضت مدة مسحه، أو خلع خفيه بعمل رفيق) : أي قليل؛
فلو بعمل كثير تمت صلاته اتفاقا (أو كان أميا فتعلم سورة) بتذكر أو عمل
قليل (بأن قرئ) عنده آية فحفظها (أو) كان يصلي (عرياناً) لفقد الساتر (فوجد
ثوباً؛ أو) كان يصلي (مومياً) لعجزه عن الركوع والسجود (فقدر على الركوع
والسجود، أو تذكر أن عليه صلاة قبل هذه الصلاة) وكان ذا ترتيب وفي الوقت
سعة (أو أحدث الإمام القارئ فاستخلف أمياً، أو طلعت الشمس في صلاة الفجر أو
دخل وقت العصر في) صلاة (الجمعة، أو كان ماسحاً على الجبيرة فسقطت عن برئ؛
أو كان صاحب عذر فانقطع عذره) كالمستحاضة ومن هو بمعناها بأن توضأت مع
السيلان وشرعت في الظهر وقعدت قدر التشهد فانقطع الدم ودام الانقطاع إلى
غروب الشمس، فإنها تعيد الظهر عنده، كما لو انقطع في خلال الصلاة
(1/86)
بطلت صلاته في قول أبي حنيفة. وقال أبو
يوسف ومحمدٌ: تمت صلاته.
باب قضاء الفوائت.
- ومن فاتته الصلاة قضاها إذا ذكرها وقدمها لزوماً على صلاة الوقت إلا أن
يخاف فوات صلاة الوقت فيقدم صلاة الوقت ثم يقضيها، فإن فاتته صلواتٌ رتبها
في القضاء كما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(بطلت صلاته في قول أبي حنيفة) وذلك لأن الخروج بصنعة فرض عنده، فاعتراض
هذه الأشياء في هذه الحالة كاعتراضها في خلال الصلاة (وقال أبو يوسف ومحمد:
تمت صلاته) ، لأن الخروج بصنعة ليس يفرض، فاعتراض هذه الأشياء كاعتراضها
بعد السلام، قال في التصحيح: ورجح دليله في الشروح وعامة المصنفات واعتمده
النسفي وغيره. اهـ.
باب قضاء الفوائت
لما فرغ من بيان أحكام الأداء وما يتعلق به الذي هو الأصل شرع في بيان
أحكام القضاء الذي هو خلفه، وعبر بالفوائت دون المتروكات تحسيناً للظن، لأن
الظاهر من حال المسلم أن لا يترك الصلاة عمداً، ولذا قال: (ومن فاتته
الصلاة) يعني عن غفلة أو نوم أو نسيان (قضاها إذا ذكرها) وكذا إذا تركها
عمداً، لكن المسلم عقل ودين يمنعان عن التفويت قصداً (وقدمها لزوماً على
صلاة الوقت) فلو عكس لم تجز الوقتة، ولزمه إعادتها (إلا أن) ينسى الفائتة
ولم يذكرها حتى صلى الوقتية، أو يكون ما عليه من الفوائت أكثر من ست صلوات،
أو يضيق وقت الحاضرة و (يخاف فوات صلاة الوقت) إن اشتغل بقضاء الفائتة
(فيقدم صلاة الوقت) حينئذ (ثم يقضيها) يعني الفائتة (وإن فاتته صلوات
رتبها) لزوماً (في القضاء كما
(1/87)
وجبت في الأصل، إلا أن تزيد الفوائت على ست
صلواتٍ، فيسقط الترتيب فيها.
باب الأوقات التي تكره فيها الصلاة.
- لا تجوز الصلاة عند طلوع الشمس، ولا عند قيامها في الظهيرة، ولا عند
غروبها، ولا يصلى على جنازةٍ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وجبت) عليه (في الأصل) : أي قبل الفوات، وهذا حيث كانت الفوائت قليلة دون
ست صلوات، وأما إذا صارت ستاً فأكثر فلا يلزمه الترتيب؛ لما فيه من الحرج؛
ولذا قال: (إلا أن تزيد الفوائت على ست صلوات) وكذا لو كانت ستاً، والمعتبر
خروج وقت السادسة في الصحيح، إمداد (فيسقط الترتيب فيها) : أي بينها، كما
سقط فيما بينها وبين الوقتية، ولا يعود الترتيب بعودها إلى القلة على
المختار كما في التصحيح.
باب الأوقات التي تكره فيها الصلاة
والأوقات التي لا يجوز فيها. وعنون بالأول لأن الأغلب، وإنما ذكره هنا لأن
الكراهة من العوارض فأشبه الفوائت. جوهرة.
(لا تجوز الصلاة) : أي المفروضة الواجبة التي وجبت قبل دخول الأوقات
الآنية، وهي، (عند طلوع الشمس) إلى أن ترتفع وتبيض، قال في الأصل: إذا
ارتفعت الشمس قدر رمح أو رمحين تباح الصلاة، وقال الفضلي: ما دام الإنسان
يقدر على النظر إلى قرص الشمس فالشمس في طلوعها؛ فلا تباح فيه الصلاة؛ فإذا
عجز عن النظر تباح. اهـ. (ولا عند قيامها في الظهيرة) إلى أن تزول (ولا
عند) قرب (غروبها) بحيث تصفر وتضعف حتى تقدر العين على مقابلتها إلى أن
تغرب (و) كذا (لا يصلي) : أي لا يجوز أن يصلي (على جنازة) حضرت
(1/88)
ولا يسجد للتلاوة، إلا عصر يومه عند غروب
الشمس، ويكره أن يتنفل بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس، وبعد صلاة العصر حتى
تغرب الشمس؛ ولا بأس بأن يصلي في هذين الوقتين الفوائت، ويسجد للتلاوة،
ويصلي على الجنازة، ولا يصلي ركعتي الطواف، ويكره أن يتنفل بعد طلوع الفجر
بأكثر من ركعتي الفجر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قبل دخول أحد الأوقات المذكورة وأخرت إليه (ولا يسجد للتلاوة) الآية تليت
قبله؛ لأنها في معنى الصلاة (إلا عصر يومه) فإنه يجوز أداؤه (عند غروب
الشمس) لبقاء سببه، وهو الجزء المتصل به الأداء من الوقت، فأديت كما وجبت،
بخلاف غيرها من الصلوات، فإنها وجبت كاملة فلا تتأدى بالناقص، قيد بعصر
يومه لأن عصر غيره لا يصح في حال تغير الشمس؛ لإضافة السبب بخروج الوقت إلى
جميعه وليس بمكروه، فلا يتأدى في مكروه.
(ويكره أن يتنفل) قصداً ولو لها سبب (بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس)
وترتفع (وبعد صلاة العصر) ولو لم تتغير الشمس (حتى تغرب، ولا بأس بأن يصلي
في هذين الوقتين) المذكورين (الفوائت ويسجد للتلاوة ويصلي على الجنازة) لأن
النهي لمعنى في غير الوقت. وهو كون الوقت كالمشغول بفرض الوقت حكماً، وهو
أفضل من النفل، فلا يظهر في حق فرض آخر مثله؛ فلا يظهر تأثيره إلا في كراهة
النافلة، بخلاف ما ورد النهي عن الصلاة فيه لمعنى فيه - وهو الطلوع،
والاستواء، والغروب - فيؤثر في إبطال غير النافلة، وفي كراهة النافلة لا
إبطالها (ولا يصلي) في الوقتين المذكورين (ركعتي الطواف؛ لأن وجوبه لغيره،
وهو ختم الطواف، وكذا المنذور؛ لتعلق وجوبه بسبب من جهته، وما شرع فيه ثم
أفسده؛ لصيانة المؤدى.
(ويكره أن يتنفل بعد طلوع الفجر بأكثر من ركعتي الفجر) قبل فرضه، قال شيخ
الإسلام؛ النهي عما سواهما لحقهما؛ لأن الوقت متعين لهما، حتى لو نوى
(1/89)
ولا يتنفل قبل المغرب.
باب النوافل.
- السنة في الصلاة أن يصلي ركعتين بعد طلوع الفجر، وأربعاً قبل الظهر،
وركعتين بعدها، وأربعاً قبل العصر، وإن شاء ركعتين، وركعتين بعد المغرب،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
تطوعاً كان عنهما. اهـ. وفي التجنيس: المتنفل إذا صلى ركعة فطلع الفجر كان
الإتمام أفضل؛ لأنه وقع لا عن قصد. اهـ. (ولا يتنفل قبل المغرب) لما فيه من
تأخير المغرب المستحب تعجيله.
باب النوافل
النوافل: جمع نافلة، وهي لغة؛ الزيادة، وشرعاً: عبارة عن فعل مشروع ليس
بفرض ولا واجب ولا مسنون. جوهرة.
قال في النهاية: لقبه بالنوافل وفيه ذكر السنن، لكون النوافل أعم. اهـ.
وقدم بيان السنة لأنها أقوى، فقال: (السنة) وهي لغة: الطريقة مرضية أو غير
مرضية، وشرعاً: الطريقة المسلوكة في الدين من غير اقتراض ولا وجوب (في
الصلاة أن يصلي ركعتين بعد طلوع الفجر) بدأ بها لأنها آكد من سائر السنن
ولهذا قيل: إنها قريبة من الواجب (وأربعا قبل) صلاة (الظهر) بتسليمة واحدة،
ويقتصر في الجلوس الأول على التشهد، ولا يأتي في ابتداء الثالثة بدعاء
الاستفتاح، وكذا كل رباعية مؤكدة، بخلاف المستحبة؛ فإنه يأتي بالصلاة على
النبي صلى الله عليه وسلم ويستفتح ويتعوذ، لكن قال في شرح المنية: مسألة
الاستفتاح ونحوه ليست بمروية عن المتقدمين من الأئمة، وإنما هي اختيار بعض
المتأخرين. اهـ. (وركعتين بعدها؛ وأربعا قبل) صلاة (العصر) بتسليمة أيضاً،
وهي مستحبة (وإن شاء ركعتين) والأربع أفضل (وركعتين بعد) صلاة (المغرب)
وهما
(1/90)
وأربعاً قبل العشاء، وأربعاً بعدها، وإن
شاء ركعتين.
ونوافل النهار إن شاء صلى ركعتين بتسليمةٍ واحدةٍ، وإن شاء أربعاً، وتكره
الزيادة على ذلك، فأما نافلة الليل فقال أبو حنيفة: إن صلى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مؤكدتان (وأربعاً قبل) صلاة (العشاء) بتسليمة أيضاً (وأربعاً بعدها)
بتسليمة أيضاً، وهما مستحبتان أيضاً؛ فإن أراد الأكمل فعلهما (وإن شاء)
اقتصر على صلاة (ركعتين) المؤكدتين بعدها، قال في الهداية: والأصل فيه قوله
صلى الله عليه وسلم: (من ثابر على ثنتي عشرة ركعة في اليوم والليلة بنى
الله له بيتاً في الجنة)
وفسر على نحو ما ذكر في الكتاب، غير أنه لم يذكر الأربع قبل العصر (1) ،
فلهذا سماه في الأصل حسناً، ولم يذكر الأربع قبل العشاء، ولهذا كان مستحباً
لعدم المواظبة، وذكر فيه ركعتين بعد العشاء، وفي غيره ذكر الأربع، فلهذا
خير، إلا أن الأربع أفضل. اهـ.
وآكد السنن: سنة الفجر، ثم الأربع قبل الظهر، ثم الكل سواء، ولا يقضي شيء
منها إذا خرج الوقت، سوى سنة الفجر إذا فاتت معه وقضاه من يومه قبل الزوال.
(ونوافل النهار) مخير فيها (إن شاء صلى) كل (ركعتين) بتسليمة (وإن شاء) صلى
(أربعا) بتسليمة (وتكره الزيادة على ذلك) : أي على أربع بتسليمة (فأما
نافلة الليل فقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى: (إن صلى) أربع ركعات أو ست
ركعات أو
_________
(1) هذا الحديث رواه الترمذي وابن ماجة والتفسير المذكور من النبي صلى الله
عليه وسلم ومعنى الحديث من غير التفسير رواه الجماعة إلا البخاري من حديث
أم حبيبة بنت أبي سفيان ونصه "ما من عبد مسلم يصلي معه في كل يوم إثني عشر
ركعة تطوعاً من غير الفريضة إلا بنى الله له بيتاً في الجنة"
(1/91)
ثمان ركعاتٍ بتسليمةٍ واحدةٍ جاز؛ وتكره
الزيادة على ذلك.
وقال أبو يوسف ومحمدٌ: لا يزيد بالليل على ركعتين بتسليمةٍ واحدةٍ.
والقراءة في الفرض واجبةٌ في الركعتين الأوليين، وهو مخيرٌ في الأخريين إن
شاء قرأ وإن شاء سبح وإن شاء سكت.
والقراءة واجبةٌ في جميع ركعات النفل، وفي جميع الوتر،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ثمان ركعات بتسليمة واحدة جاز) من غير كراهة (وتكره الزيادة على ذلك) ؛ أي
على ثمان بتسليمة، والأفضل عنده أربعاً أربعاً ليلاً ونهاراً، (وقالا) :
الأفضل بالنهار كما قال الإمام، و (لا يزيد بالليل على ركعتين بتسليمة
واحدة) قال في الدراية: وفي العيون: وبه يفتي إتباعاً للحديث؛ وتعقبه
العلامة قاسم في تصحيحه، ثم قال؛ وقد اعتمد الإمام البرهاني والنسفي وصدر
الشريعة وغيرهم قول الإمام. اهـ.
(والقراءة في الفرض) في ركعتين مطلقاً فرض، و (واجبة) من حيث تعينها (في
الركعتين الأوليين، وهو) حيث قرأ في الأوليين (مخير في الأخريين، إن شاء
قرأ) الفاتحة (وإن شاء سبح) ثلاثاً (وإن شاء سكت) مقدار ثلاث تسبيحات، قال
في الهداية: كذا روى عن أبي حنيفة، وهو المأثور عن علي وابن مسعود وعائشة
رضي الله عنهم: إلا أن الأفضل أن يقرأ، لأنه عليه الصلاة والسلام داوم على
ذلك، ولهذا لا يجب السهو بتركها في ظاهر الرواية. اهـ. (وروى الحسن عن أبي
حنيفة رحمه الله تعالى أنها واجبة في الأخريين. ويجب سجود السهو بتركها
ساهياً، ورجحه ابن الهمام في شرح الهداية، وعلى هذا يكره الاقتصار على
التسبيح والسكوت. ملتقى)
(والقراءة واجبة) ؛ أي لازمة بحيث يفوت الجواز بفوتها (في جميع ركعات النفل
وفي جميع) ركعات (الوتر) قال في الهداية: أما النفل فلأن كل شفع منه
(1/92)
ومن دخل في صلاة النفل ثم أفسدها قضاها،
فإن صلى أربع ركعاتٍ وقعد في الأوليين ثم أفسد الأخريين قضى ركعتين.
ويصلي النافلة قاعداً مع القدرة على القيام، وإن افتتحها قائماً ثم قعد جاز
عند أبي حنيفة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
صلاة على حدة، والقيام إلى الثالثة كتحريمة مبتدأة؛ ولهذا لا يجب بالتحريمة
الأولى إلا ركعتان في المشهور عن أصحابنا. ومن هذا قالوا: يستفتح في
الثالثة، وأما الوتر فللاحتياط. اهـ] .
(ومن دخل في صلاة النفل) قصداً (ثم أفسدها) بفعله أو بغير فعله كرؤية
المتيمم للماء ونحوه (قضاها) وجوباً، ويقضي ركعتين، وإن نوى أكثر خلافاً
لأبي يوسف، قيدنا بالقصد لأنه إذا دخل في النفل ساهياً كما إذا قام للخامسة
ناسياً ثم أفسدها لا يقضيها، (فإن صلى أربع ركعات وقعد في) رأس الركعتين
(الأوليين) مقدار التشهد (ثم أفسد الأخريين) بعد الشروع فيهما بأن قام إلى
الثالثة ثم أفسدها (قضى ركعتين) فقط؛ لأن الشفع الأول قد تم، والقيام إلى
الثالثة بمنزلة تحريمه مبتدأة، فيكون ملزماً، قيدنا بالقعود لأنه لو لم
يقعد وأفسد الأخريين لزمه قضاء الأربع إجماعاً، وقيدنا بما بعد الشروع لأنه
لو أفسد قبل الشروع في الشفع الثاني لا يقضي شيئاً خلافاً لأبي يوسف.
(ويصلي النافلة) مطلقاً راتبة أو مستحبة (قاعداً مع القدرة على القيام) وقد
حكى فيه الإجماع، ولا يرد عليه سنة الفجر، لأنه مبني على القول بوجوبها،
ولذا قال الزيلعي: وأما السنن الرواتب فنوافل حتى تجوز على الدابة، وعن أبي
حنيفة أنه ينزل لسنة الفجر، لأنها آكد من غيرها، وروى عنه أنها واجبة، وعلى
هذا. الخلاف أداؤها قاعداً. اهـ. وفي الهداية: واختلفوا في كيفية القعود،
والمختار أنه يقعد كما في حالة التشهد، لأنه عهد مشروعاً في الصلاة (وإن
افتتحها) : أي النافلة (قائماً ثم قعد) وأتمها قاعداً (جاز عند أبي حنيفة)
رحمه الله تعالى، لأن القيام
(1/93)
وقال أبو يوسف ومحمدٌ: لا يجوز إلا من
عذرٍ،
ومن خارج المصر يجوز أن يتنفل على دابته إلى أي جهةٍ توجهت يومئ إيماءً.
باب سجود السهو.
- سجود السهو واجبٌ، في الزيادة والنقصان، بعد السلام
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ليس بركن في النفل، فجاز تركه ابتداء، فبقاء أولى (وقالا: لا يجوز إلا من
عذر) ، لأن الشروع ملزم كالنذر، قال في الهداية: قوله استحسان، وقولهما
قياس، وقال العلامة قاسم في التصحيح: واختار المحبوبي والنسفي وغيرهما قول
الإمام (ومن كان خارج المصر) أي: العمران، وهو الموضع الذي يجوز للمسافر
فيه قصر الصلاة (يتنفل) أي: يجوز له التنفل (على دابته) سواء كان مسافراً
أو مقيماً (إلى أي جهة) متعلق يومئ (توجهت) دابته (يومئ إيماء) أي: يشير
إلى الركوع والسجود بالإيماء برأسه، ويجعل السجود أخفض من الركوع، قيد
بالخارج المصر لأنه لا يجوز التنفل على الدابة في المصر، خلافاً لأبي يوسف،
وقيد بكونه على الدابة لعدم جواز التنفل للماشي، وقيد بجهة توجه الدابة
لأنه لو صلى إلى غير ما توجهت به وكان لغير القبلة لا يجوز، لعدم الضرورة.
باب سجود السهو
من إضافة الشيء إلى سببه، ووالاه بالنوافل لكونهما جوابر.
(سجود السهو واجب: في الزيادة والنقصان) ، والأولى كون السجود (بعد السلام)
حتى لو سجد قبل السلام جاز، إلا أن الأول أولى. جوهرة. ويكتفى بسلام واحد
عن يمينه، لأنه المعهود، وبه يحصل التحليل، وهو الأصح كما في البحر عن
المجتبى، وفي الدراية عن المحيط: وعلى قول عامة المشايخ يكتفى
(1/94)
ثم يسجد سجدتين ثم يتشهد ويسلم.
والسهو يلزم إذا زاد في صلاته فعلاً من جنسها ليس منها، أو ترك فعلاً
مسنوناً أو ترك قراءة فاتحة الكتاب، أو القنوت، أو التشهد، أو تكبيرات
العيدين، أو جهر الإمام فيما يخافت
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بتسليمة واحدة وهو الأضمن للاحتياط اهـ. وفي الاختيار: وهو الأحسن. وقال
الشرنبلالي في الامداد - بعد أن نقل عن الهداية أن الصحيح أن يأتى
بالتسليمتين - ولكن قد علمت أنه بعد الأول أحوط؛ وقد منع شيخ الإسلام جواهر
زاده السجود للسهو بعد التسليمتين، فاتبعنا الأصح والاحتياط. اهـ. (ثم) بعد
السلام (يسجد سجدتين ثم يتشهد) قال في الهداية: ويأتي بالصلاة على النبي
صلى الله عليه وسلم والدعاء في قعدة السهو، هو الصحيح، لأن الدعاء موضعه
آخر الصلاة اهـ.
وقال الطحاوي: يدعو في القعدتين جميعاً، وفي الخانية: ومن عليه السهو يصلي
على النبي صلى الله عليه وسلم في القعدة الأولى عند أبي حنيفة وأبي يوسف،
وفي قول محمد في القعدة الثانية، والاحتياط أن يصلي القعدتين. اهـ. (ويسلم)
.
(والسهو يلزم) أي: يجب، قال في الهداية: وهذا يدل على أن سجدة السهو واجبة،
وهو الصحيح. اهـ. (إذا زاد في صلاته فعلاً من جنسها ليس منها) كما إذا ركع
ركوعين، فإنه زاد فعلا من جنس الصلاة من حيث إنه ركوع، ولكنه ليس منها،
لكونه زائداً، قال في الهداية: وإنما وجب بالزيادة لأنها لا تعرى عن تأخير
ركن أو ترك واجب. اهـ. (أو ترك فعلا مسنوناً) أي: واجباً عرف. وجوبه
بالسنة، كالقعدة الأولى، أو قام في موضع القعود، أو ترك سجدة التلاوة عن
موضعها. جوهرة (أو ترك قراءة الفاتحة) أو أكثرها (أو القنوت) أو تكبيرته
(أو التشهد) في أي القعدتين أو القعود الأول (أو تكبيرات العيدين) أو بعضها
أو تكبيرة الركعة الثانية منهما (أو جهر الإمام فيما يخافت) فيه
(1/95)
أو خافت فيما يجهر.
وسهو الإمام يوجب على المؤتم السجود، فإن لم يسجد الإمام لم يسجد المؤتم،
وإن سها المؤتم لم يلزم الإمام ولا المؤتم السجود.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(أو خافت فيما يجهر) فيه، قال في الهداية: واختلفت الرواية في المقدار،
والأصح قدر ما تجوز الصلاة في الفصلين؛ لأن اليسير من الجهر والإخفات لا
يمكن الاحتراز عنه، والكثير ممكن، وما تصح به الصلاة فهو كثير. اهـ. قيد
بالإمام لأن المنفرد إذا خافت فيما يجهر فيه لا سهو عليه إجماعاً، لأنه
مخير فيه، وإن جهر فيما يخافت فيه، ففيه اختلاف المشايخ، فقال الكرخي: لا
سهو عليه، وهو مفهوم كلام المصنف، ومشى عليه في الهداية حيث قال: وهذا في
حق الإمام دون المنفرد، لأن الجهر والمخافتة من خصائص الجماعة، قال شارحها
العيني: وهذا الجواب ظاهر الرواية، وأما جواب رواية النوادر فإنه يجب عليه
سجدة السهو، كذا ذكره الناطفي في واقعاته. اهـ.
(وسهو الإمام يوجب على المؤتم السجود) إن سجد الإمام، ولو اقتداؤه بعد سهو
الإمام، لأن متابعته لازمة، لكن إذا كان مسبوقاً إنما يتابع الإمام في
السجود دون السلام، لأنه للخروج من الصلاة وقد بقي عليه من أركانها؛ كما في
البدائع (فإن لم يسجد الإمام) لسهوه (لم يسجد المؤتم) ؛ لأنه يصير مخالفاً
(فإن سها المؤتم) حالة اقتدائه (لم يلزم الإمام ولا المؤتم السجود) ؛ لأنه
إذا سجد وحده كان مخلفا لإمامه، وإن تابعه الإمام ينقلب الأصل تبعاً، قيدنا
بحالة الاقتداء، لأن المسبوق إذا سها فيما يقضيه يسجد له، وإن كان سبق له
سجود مع الإمام: لأن صلاة المسبوق كصلاتين حكماً؛ منفرد فيما يقضيه
(1/96)
ومن سها عن القعدة الأولى ثم تذكر وهو إلى
حال القعود أقرب عاد فجلس وتشهد، وإن كان إلى حال القيام أقرب لم يعد،
ويسجد للسهو، ومن سها عن القعدة الأخيرة فقام إلى الخامسة رجع إلى القعدة
ما لم يسجد وألغى الخامسة، ويسجد للسهو، وإن قيد الخامسة بسجدةٍ بطل فرضه
وتحولت صلاته نفلا وكان عليه أن يضم إليها ركعةً سادسةً،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(ومن سها عن القعدة الأولى) من الفرض ولو عملياً (ثم تذكر وهو إلى حال
القعود أقرب) كأن رفع أليته عن الأرض وركبتاه بعد عليها لم يرفعهما (عاد
وجلس وتشهد) ولا سجود عليه في الأصح. هداية. (وإن كان إلى حال القيام أقرب)
كأن استوى النصف الأسفل وظهره بعد منحن، فتح عن الكافي (لم يعد) لأنه
كالقائم معنى؛ لأن ما قارب الشيء يعطي حكمه (ويسجد للسهو لترك) الواجب، قال
في الفتح: ثم قيل: ما ذكر في الكتاب رواية عن أبي يوسف اختارها مشايخ
بخارى، أما ظاهر المذهب فما لم يستو قائماً يعود، قيل: وهو الأصح. اهـ.
قيدنا القعدة من الفرض لأن المتنفل يعود ما لم يقيده بسجدة (ومن سها عن
القعدة الأخيرة فقام إلى الخامسة رجع إلى القعدة ما لم يسجد) ؛ لأن فيه
إصلاح صلاة، وأمكنه ذلك؛ لأن ما دون الركعة بمحل الرفض. هداية. (وألغى
الخامسة) لأنه رجع إلى شيء محله قبلها. فترتفض. هداية. (ويسجد للسهو) لأنه
أخر واجباً، وهو القعدة (فإن قيد الخامسة بسجدة بطل فرضه) أي وصفه (وتحولت
صلاته نفلاً) عن أبي حنيفة وأبي يوسف (وكان عليه) ندباً (أن يضم إليها ركعة
سادسة) ولو في العصر، ويضم رابعة في الفجر، كيلا يتنفل بالوتر، ولو لم يضم
لا شيء عليه؛ لأنه لم يشرع فيه قصداً فلا يلزمه إتمامه، ولكنه يندب، ولا
يسجد للسهو على الأصح: لأن النقصان
(1/97)
وإن قعد في الرابعة قدر التشهد ثم قام ولم
يسلم يظنها القعدة الأولى عاد إلى القعود ما لم يسجد في الخامسة ويسلم، وإن
قيد الخامسة بسجدةٍ ضم إليها ركعة أخرى وقد تمت صلاته، والركعتان له
نافلةٌ، وسجد للسهو، ومن شك في صلاته فلم يدر أثلاثاً صلى أم أربعاً وكان
ذلك أول ما عرض له استأنف الصلاة، فإن كان الشك يعرض له كثيراً بنى على
غالب ظنه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بالفساد لا ينجبر.
(وإن قعد في الرابعة) مثلاً (قدر التشهد ثم قام) إلى الخامسة (ولم يسلم)
لأنه (يظنها القعدة الأولى عاد) ندباً (إلى القعود) ليسلم جالساً (ما لم
يسجد في الخامسة ويسلم) من غير إعادة التشهد، ولو سلم قائماً لم تفسد
صلاته، وكان تاركاً للسنة؛ لأن السنة التسليم جالساً. إمداد (وإن قيد
الخامسة) مثلاً (بسجدة ضم إليها ركعة أخرى) استحباباً لكراهة النفل بالوتر
(وقد تمت صلاته) لوجود الجلوس الأخير في محله (والركعتان) الزائدتان (له
نافلة) ولكن لا ينوبان عن سنة الفرض على الصحيح، ويسجد للسهو؛ لتأخير
السلام وتمكن النقصان في الفرض بالخروج لا على الوجه الواجب. إمداد (ومن شك
في صلاته) : أي تردد في قدر ما صلى (فلم يدر أثلاثاً صلى أم أربعاً و) كان
(ذلك أول ما عرض له) من الشك بعد بلوغه في صلاة، وهذا قول الأكثر، وقال فخر
الإسلام: أول ما عرض له في هذه الصلاة؛ واختاره ابن الفضل، وذهب السرخسي
إلى أن المعنى أن السهو ليس بعادة له، لا أنه لم يسمه قط، وإليه يشير قول
المصنف بعده: "يعرض له كثيراً" (استأنف الصلاة) بعمل مناف، وبالسلام قاعداً
أولى، ثم المراد هنا من الشك مطلق التردد الشامل للشك الذي هو تساوي
الطرفين، والظن الذي هو ترجيح أحدهما؛ بدليل قوله في مقابله "بنى على غالب
ظنه" قيد بكونه في صلاته لأنه لو شك بعد الفراغ أو بعد ما قعد قدر التشهد
لا يعتبر شكه، إلا أن يتيقن بالترك (فإن كان الشك يعرض له) في صلاته
(كثيراً بنى على غالب ظنه) ؛
(1/98)
إن كان له ظنٌ، فإن لم يكن له ظنٌ يبني على
اليقين.
باب صلاة المريض.
- إذا تعذر على المريض القيام صلى قاعداً يركع ويسجد، فإن لم يستطع الركوع
والسجود أومأ إيماءً برأسه وجعل السجود أخفض من الركوع ولا يرفع إلى وجهه
شيئاً يسجد عليه،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لأن في الاستئناف مع كثرة عروضه حرجاً، وهذا (إذا كان له ظن) يرجح أحد
الطرفين (فإن لم يكن له ظن) يرجح أحدهما (بنى على اليقين) : أي على الأقل؛
لأنه المتيقن، وقعد في كل موضع ظنه موضع قعوده ولو واجباً؛ لئلا يصير
تاركاً فرض القعود أو واجبه مع تيسر الوصول إليه.
باب صلاة المريض
عقبة للسهو لاشتراكهما في العارضية، وكون الأول أهم (إذا تعذر على المريض
القيام) كله بأن لا يمكنه أصلاً بحيث لو قام لسقط، وهذا التعذر حقيقي،
ومثله في الحكم لتعذر الحكمي المعبر عنه بالتعسر بوجود ألم شديد؛ فإنه
بمنزلة التعذر الحقيقي؛ دفعاً للحرج، أما إذا لحقه نوع مشقة لم يجز له ترك
القيام كما في الخانية والفتح. قيدنا بكل القيام لأنه إذا قدر على بعضه
لزمه القيام بقدره، حتى لو كان إنما يقدر على قدر التحريمة لزمه أن يحرم
قائما ثم يقعد كما في الفتح، وكذا لو قدر على القيام متكأً أو معتمداً على
عصا أو حائط لا يجزئه إلا كذلك كما في المجتبى (صلى قاعداً) كيف تيسر له
(يركع ويسجد) إن استطاع (فإن لم يستطع الركوع والسجود) أو السجود فقط (أومأ
إيماء برأسه) لأنه وسع مثله (وجعل السجود) : إي إيماءه إليه (أخفض من)
إيماء (الركوع) فرقا بينهما، ولا يلزمه أن يبالغ بالإنحناء أقصى ما يمكنه،
بل يكفيه أدنى الإنحناء فيهما، بعد تحقق إنخفاض السجود عن الركوع، وإلا -
بأن كانا سواء - لا يصح كما في الإمداد، وحقيقة الإيماء: طأطأة الرأس كما
في البحر (ولا يرفع إلى وجهه شيئاً يسجد عليه) لنهيه صلى الله عليه وسلم عن
(1/99)
فإن لم يستطع القعود استلقى على ظهره وجعل
رجليه إلى القبلة وأومأ بالركوع والسجود، وإن استلقى على جنبه ووجهه إلى
القبلة وأومأ جاز، فإن لم يستطع الإيماء برأسه أخر الصلاة، ولا يومئ بعينيه
ولا بقلبه ولا بحاجبيه، فإن قدر على القيام ولم يقدر على الركوع والسجود لم
يلزمه القيام
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ذلك، كذا في المحيط، وهذا يؤذن بأن الكراهة تحريمية. نهر، فإن فعل وهو يخفض
عن الركوع أجزأه لوجود الإيماء، وكره، وإلا فلا.
(فإن لم يستطع القعود استلقى على ظهره وجعل رجليه إلى القبلة) ونصب ركبتيه
استحبابا، وإن قدر، تحامياً عن مد رجليه إلى القبلة (وأومأ) برأسه (بالركوع
والسجود، فإن استقى) : أي اضطجع (على جنبه) الأيمن أو الأيسر (ووجهه إلى
القبلة وأومأ) برأسه (جاز) ولكن الاستلقاء أولى من الاضطجاع، وعلى الشق
الأيمن أولى من الأيسر (فإن لم يستطع الإيماء برأسه أخر الصلاة، ولا يومئ
بعينيه ولا بقلبه ولا بحاجبيه) ؛ لأنه لا عبرة به، وفي قوله "أخر الصلاة"
إيماء إلى أنها لا تسقط عنه، ويجب عليه القضاء ولو كثرت، إذا كان يفهم
مضمون الخطاب، قال في الهداية: وهو الصحيح، قال في النهر: لكن صح قاضيخان
وصاحب البدائع عدم لزومه إذا كثرت وإن كان يفهم، وفي الخلاصة: أنه كان
المختار، وجعله في الظهيرية ظاهر الرواية، قال وعليه الفتوى. اهـ. وفي
الينابيع: هو الصحيح، وجزم به الوالوالجي وصاحب الهداية في التجنيس، وصححه
في مختارات النوازل، وفي التتارخانية عن شرح الطحاوي: لو عجز عن الإيماء
وتحريك الرأس سقطت عنه الصلاة. اهـ (فإن قدر على القيام ولم يقدر على
الركوع والسجود لم يلزمه القيام) ؛ لأن ركنيته للتوسل به إلى الركوع
والسجود؛ فكان تبعاً لهما، فإذا لم يقدر عليهما لا يكون القيام ركناً
(1/100)
وجاز أن يصلي قاعداً يومئ إيماءً، فإن صلى
الصحيح بعض صلاته قائماً ثم حدث به مرضٌ أتمها قاعداً يركع ويسجد أو يومئ
إن لم يستطع الركوع والسجود أو مستلقياً إن لم يستطع القعود، ومن صلى
قاعداً يركع ويسجد لمرضٍ به ثم صح بنى على صلاته قائماً، فإن صلى بعض صلاته
بإيماء ثم قدر على الركوع والسجود استأنف الصلاة، ومن أغمي عليه خمس صلواتٍ
فما دونها قضاها إذا صح، فإن فاتته بالإغماء أكثر من ذلك لم يقض.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(وجاز) له (أن يصلي قاعداً) أو قائماً (يومئ) برأسه (إيماء) والأفضل
الإيماء قاعداً لأنه أشبه بالسجود لكون رأسه أخفض وأقرب إلى الأرض. زيلعي.
(فإن صلى الصحيح بعض صلاته قائماً) يركع ويسجد (ثم حدث به مرض) في صلاته
يتعذر معه القيام (أتمها قاعداً يركع ويسجد) إن استطاع (أو يومئ) إيماء (إن
لم يستطع الركوع والسجود، أو مستلقياً إن لم يستطع القعود) لأن في ذلك بناء
الأدون على الأعلى، وبناء الضعيف على القوي أولى من الإتيان بالكل ضعيفاً
(ومن صلى قاعداً يركع ويسجد لمرض به ثم صح) في خلالها (بنى على صلاته
قائماً) لأن البناء كالإقتداء والقائم يقتدي بالقاعد، ولذا قال محمد:
يستقبل: لأن من أصله أن القائم لا يقتدي بالقاعد (وإن) كان (صلى بعض صلاته
إيماء ثم قدر) في خلالها (على الركوع والسجود استأنف الصلاة) ؛ لأنه لا
يجوز اقتداء الراكع بالمومئ، فكذا البناء (ومن أغمي عليه) : أي غطى على
عقله أو جن بسلبه (خمس صلوات فما دونها قضاها إذا صح) لعدم الحرج (فإن
فاتته بالإغماء) أو الجنون صلوات (أكثر من ذلك) بأن خرج وقت السادسة (لم
يقض) ما فاته من الصلوات؛ لأن المدة إذا قصرت لا يتحرج في القضاء فيجب
كالقائم؛ فإذا طالت تحرج فيسقط كالحائض، ثم الكثرة تعتبر من حيث الأوقات
عند محمد حتى لا يسقط
(1/101)
باب سجود التلاوة.
- سجود التلاوة في القرآن أربعة عشر. في آخر الأعراف وفي الرعد، والنحل،
وبني إسرائيل، ومريم، والأولى في الحج، والفرقان، والنمل؛ وآلم تنزيل، وص،
وحم السجدة، والنجم، وإذا السماء انشقت، واقرأ باسم ربك.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
القضاء مالم يستوعب ست صلوات؛ وعند أبي يوسف تعتبر من حيث الساعات، وهو
رواية عن أبي حنيفة، والأول أصح؛ لأن الكثرة بالدخول في حد التكرار زيلعي.
باب سجود التلاوة
من إضافة الحكم إلى سببه، لأن سببه التلاوة: على التالي اتفاقاً، وعلى
السامع في الصحيح.
(سجود التلاوة في القرآن أربعة عشر) سجوداً: أربع في النصف الأول، وهي (في
آخر الأعراف، وفي الرعد، والنحل، وبني إسرائيل) وعشرة في الثاني (و) هي في
مريم، والأولى من الحج) بخلاف الثانية فإنها للأمر بالصلاة، بدليل اقترانها
بالركوع (1) (والفرقان، والنمل، وألم تنزيل، وص، وحم السجدة، والنجم وإذا
السماء انشقت، واقرأ باسم ربك) .
_________
(1) والمنقول عندنا عن الشافعي أنه يقول بالسجود في هذه دون (ص) فهو
يوافقنا في العدد ويستدل بما روى أبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
فيها إنها توبة نبي وفي خبر آخر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال نسجدها
شكراً وقال الحنيفة إن كونها للشكر لا ينافي الوجوب وعن أبي موسى أن النبي
صلى الله عليه وسلم سجد في (ص) ويقول الحنيفة في سجدة الحج الثانية،
اقترانها بالركوع دليل على ركن الصلاة كما هو المعهود في غيرها من القرآن
(1/102)
والسجود واجبٌ في هذه المواضع كلها على
التالي والسامع، سواءٌ قصد سماع القرآن أو لم يقصد، وإذا تلا الإمام آية
السجدة سجدها وسجد المأموم معه، وإن تلا المأموم لم يسجد الإمام ولا
المأموم، وإن سمعوا وهم في الصلاة آية سجدةٍ من رجلٍ ليس معهم في الصلاة لم
يسجدوها في الصلاة وسجدوها بعد الصلاة، فإن سجدوها في الصلاة لم تجزهم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(والسجود واجب) على التراخي إن لم تكن في الصلاة (في هذه المواضع) المذكورة
(كلها، على التالي والسامع) إذا كان أهلاً للوجوب (سواء قصد سماع القرآن أو
لم يقصد) بشرط كون المسموع منه آدمياً عاقلاً يقظان، ولو جنباً أو حائضاً
أو نفساء أو كافراً أو صبياً أو سكران؛ فلو سمعها من طير أو صدى لا تجب
عليه، وفي الجوهرة: ولو سمعها من نائم أو مغمى عليه أو مجنون ففيه روايتان
أصحهما لا يجب اهـ. لكن صحح في الخلاصة والخانية وجوبها بالسماع من النائم،
ولا تجب إلا على من علم أنها آية سجدة ولو بالإخبار، فلو لم يسمع بسبب
النوم أو التشاغل بأمر لم تجب على الأصح، قهستاني عن المحيط (وإذا تلا
الإمام آية سجدة سجدها) : أي الإمام، وجوباً في الصلاة (وسجدها) (المأموم
معه) لالتزامه متابعته (وإن تلا المأموم لم يسجد الإمام ولا المأموم) ولا
في الصلاة ولا خارجها؛ لأن المقتدى محجور عن القراءة لنفاذ تصرف الإمام
عليه، وتصرف المحجور لا حكم له، ولو سمعها رجل خارج الصلاة سجدها، هو
الصحيح؛ لأن الحجر ثبت في حقهم، فلا يعدوهم، هداية. (وإن سمعوا وهم في
الصلاة آية سجدة من رجل ليس معهم في الصلاة) ولو مصلياً (لم يسجدوها في
الصلاة) لأنها ليست بصلاتية لأن سماعهم ليس من أفعال الصلاة (وسجدوها بعد
الصلاة) لتحقق سببها (فإن سجدوها في الصلاة لم تجزهم) ؛ لأنه ناقض لمكان
النهي فلا يتأدى به الكامل،
(1/103)
ولم تفسد صلاتهم، ومن تلا آية سجدةٍ فلم
يسجدها حتى دخل في الصلاة فصلاها وسجد لها أجزأته السجدة عن التلاوتين، وإن
تلاها في غير الصلاة فسجد لها ثم دخل في الصلاة فتلاها سجد لها ولم تجزه
السجدة الأولى ومن كرر تلاوة سجدةٍ واحدةٍ في مجلسٍ واحدٍ أجزأته سجدةٌ
واحدةٌ.
ومن أراد السجود كبر ولم يرفع يديه، وسجد ثم كبر، ورفع رأسه، ولا تشهد عليه
ولا سلام.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وتجب إعادتها لتقرر سببها، (ولم تفسد الصلاة) ؛ لأن مجرد السجدة لا ينافي
إحرام الصلاة، (ومن تلا آية سجدة) خارج الصلاة (فلم يسجدها حتى دخل في
الصلاة) في ذلك المجلس (فتلاها وسجد لها أجزأته السجدة) الواحدة (عن
التلاوتين) لاتحاد المجلس وقوة الصلاتية؛ فجعلت الأولى تبعاً لها (وإن
تلاها في غير الصلاة فسجد) لها (ثم دخل في الصلاة) ولو في ذلك المجلس
(فتلاها فسجد لها) سجدة أخرى (ولم تجزه السجدة الأولى) لأن الصلاتية أقوى
فلا تصير تبعاً (ومن كرر تلاوة آية سجدة واحدة في مجلس واحد أجزأته سجدة
واحدة) وفعلها بعد الأولى أولى. قنية، وفي البحر: التأخير أحوط، والأصل أن
مبناها على التداخل دفعاً للحرج، بشرط اتحاد الآية والمجلس. در.
(ومن أراد السجود كبر) للوضع (ولم يرفع يديه) اعتباراً بسجدة الصلاة (وسجد)
بين كفيه (ثم كبر) للرفع، وهما سنتان (ورفع رأسه ولا تشهد عليه ولا سلام) ،
لأن ذلك للتحليل، وهو يستدعي سبق التحريمة؛ وهي منعدمة، قال الإسبيجاني:
ولم يذكر ما يقول في سجوده، والأصح أن يقول فيها ما يقول في سجود الصلاة
(1/104)
باب صلاة المسافر.
- السفر الذي تتغير به الأحكام: أن يقصد الإنسان موضعاً بينه وبين ذلك
الموضع مسيرة ثلاثة أيامٍ ولياليها بسير الإبل ومشي الأقدام، ولا يعتبر ذلك
بالسير في الماء.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
باب صلاة المسافر
من إضافة الشيء إلى شرطه أو محله.
(السفر الذي تتغير به الأحكام) : كقصر الصلاة، وإباحة الفطر، وامتداد مدة
المسح، وسقوط الجمعة والعيدين، والأضحية، وحرمة خروج المرأة بغير محرم (أن
يقصد الإنسان موضعاً بينه) : أي بين القاصد (وبين مقصده مسيرة ثلاثة أيام
ولياليها) من أقصر أيام السنة (بسير الإبل ومشي الأقدام) ، لأنه الوسط ولا
يشترط سفر كل يوم إلى الليل، بل إلى الزوال، فلو بكر في اليوم الأول ومشى
إلى الزوال، ونزل للاستراحة وبات ثم في اليوم الثاني والثالث وكذلك يصير
مسافراً جوهرة. وعبر بالقصد لأنه لو طاف الدنيا من غير قصد إلى قطع مسيرة
ثلاثة أيام لا يترخص، أما في الرجوع فإن كانت مدة سفر قصر، فتح، وعبر يقوله
(مسيرة ثلاثة أيام) لأن المراد التحديد، لا أنه يسير بالفعل، حتى لو كانت
المسافة ثلاثة بالسير الوسط فقطعها في يومين أو أقل قصر (ولا يعتبر في ذلك)
؛ أي السير في البر (السير) نائب فاعل يعتبر (في الماء) كما لا يعتبر السير
في الماء بالسير في البر، وإنما يعتبر في كل موضع ما يليق بحاله، حتى لو
كان موضع له طريقان: أحدهما في البر وهو يقطع في ثلاثة أيام، والثاني في
البحر وهو يقطع في يومين إذا كانت الرياح مستوية، فإنه إذا ذهب في طريق
البر يقصر، وفي الثاني لا يقصر وكذا العكس، وكذا الجبل يعتبر فيه ثلاثة
أيام، وإن كان في السهل يقطع في أقل منها
(1/105)
وفرض المسافر عندنا في كل صلاةٍ رباعيةٍ
ركعتان، لا تجوز له الزيادة عليهما، فإن صلى أربعاً وقد قعد في الثانية
مقدار التشهد أجزأته ركعتان عن فرضه، وكانت الأخريان له نافلة، وإن لم يقعد
مقدار التشهد في الركعتين الأوليين بطلت صلاته.
ومن خرج مسافراً صلى ركعتين إذا فارق بيوت المصر ولا يزال على حكم السفر
حتى ينوي الإقامة في بلدٍ خمسة عشر يوماً فصاعداً؛ فيلزمه الإتمام،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(وفرض المسافر عندنا في كل صلاة رباعية) على المقيم (ركعتان، لا يجوز له
الزيادة عليهما عمداً) : لتأخير السلام، وترك واجب القصر، ويجب سجود السهو
إن كان سهواً. قيد بالفرض لأنه لا قصر في الوتر والنفل، واختلف فيما هو
الأولى في السنن، والمختار أن يأتي بها إن كان على أمن وقرار لا على عجلة
وفرار. نهر. وقيد بالرباعي لأنه لا قصر في غيره (فإن صلى) المسافر (أربعاً
وقعد في الثانية مقدار التشهد أجزأته الركعتان عن فرضه، وكانت) الركعتان
(الأخريان له نافلة) ويكون مسيئاً، كما مر (وإن لم يقعد) في الثانية (مقدار
التشهد بطلت صلاته) لاختلاط النافلة بها قبل إكمالها.
(ومن خرج مسافراً صلى ركعتين إذا فارق) ؛ أي جاوز (بيوت المصر) من الجانب
الذي خرج منه، وإن لم يجاوزها من جانب آخر، لأن الإقامة تتعلق بدخولها،
فيتعلق بالخروج عنها (ولا يزال) المسافر (على حكم السفر حتى ينوي الإقامة)
حقيقة أو حكماً، كما لو دخل الحاج الشام قبل دخول شوال وأراد الخروج مع
القافلة في نصف شوال أتم، لأنه ناو حكماً (في بلد) واحد أو ما في حكمها مما
يصلح للإقامة من مصر أو قرية أو صحراء دارنا وهو من أهل الأخبية (خمسة عشر
يوما فصاعداً) أو يدخل مقامه (فيلزمه الإتمام) وهذا حيث سار
(1/106)
وإن نوى الإقامة أقل من ذلك لم يتم، ومن
دخل بلداً ولم ينو أن يقيم فيه خمسة عشر يوماً وإنما يقول غداً أخرج أو بعد
غدٍ أخرج حتى بقي على ذلك سنين صلى ركعتين، وإذا دخل العسكر أرض الحرب
فنووا الإقامة بها خمسة عشر يوماً لم يتموا الصلاة، وإذا دخل المسافر في
صلاة المقيم مع بقاء الوقت أتم الصلاة، وإن دخل معه في فائتةٍ لم تجز صلاته
خلفه،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مدة السفر، وإلا فيتم بمجرد نية العود، لعدم أحكام السفر. قيدنا ببلد واحد
لأنه لو نوى الإقامة في موضعين مستقلين كمكة ومنى لم تصلح نيته، كما يأتي.
(وإن نوى الإقامة أقل من ذلك لم يتم) ، لأنه لم يزل على حكم السفر (ومن دخل
بلدا ولم ينو أن يقيم فيه خمسة عشرا يوما وإنما) يترقب السفر، و (يقول:
غداً أخرج أو بعد غد أخرج) مثلاً (حتى بقي على ذلك) الترقب (سنين صلى
ركعتين) للأثر المروى عن ابن عباس وابن عمر ولأنه لم يزل عن حكم السفر كما
مر (وإذا دخل العسكر أرض الحرب فنووا الإقامة بها خمسة عشر يوما لم يتموا)
الصلاة، لعدم صحة النية المخالفة للعزم، لأن الداخل بين أن يهزم فيقر، أو
يهزم فيفر (وإذا دخل المسافر) مقتدياً (في صلاة المقيم) ولو في آخرها (مع
بقاء الوقت) قدر ما يسع التحريمة جاز، و (أتم الصلاة) أربعاً: لأنه التزم
متابعة الإمام فيتغير فرضه إلى الأربع كما يتغير بنية الإقامة، لاتصال
المغير بالسبب - وهو الوقت - لكن إذا فسدت تعود ركعتين، لأنها صارت أربعاً
في ضمن الإقتداء، فإذا فات يعود الأمر الأول (وإن دخل معه) مقتديا (فائتة)
رباعية (لم تجز صلاته خلفه) لأن فرضه لا يتغير بعد الوقت لانقضاء السبب كما
لا يتغير بنية الإقامة فيلزم منه بناء الفرض على غير الفرض في حق القعدة لو
اقتدى في الأوليين أو القراءة لو في الأخريين
(1/107)
وإذا صلى المسافر بالمقيمين ركعتين سلم، ثم
أتم المقيمون صلاتهم، ويستحب له إذا سلم أن يقول: أتموا صلاتكم فإنا قومٌ
سفرٌ، وإذا دخل المسافر مصره أتم الصلاة، وإن لم ينو الإقامة فيه، ومن كان
له وطنٌ فانتقل عنه واستوطن غيره ثم سافر فدخل وطنه الأول لم يتم الصلاة،
وإن نوى المسافر أن يقيم بمكة ومنىً خمسة عشر يوماً لم يتم الصلاة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
در. (وإذا صلى) الإمام (المسافر بالمقيمين ركعتين سلم) لتمام صلاته (ثم أتم
المقيمون صلاتهم) منفردين لأنهم التزموا الموافقة في الركعتين فينفردون في
الباقي كالمسبوق، إلا أنه لا يقرأ فيما يقضي في الأصح؛ لأنه لا حق (ويستحب
إذا سلم) التسليمتين في الأصح (أن يقول: أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر) بسكون
الفاء - جمع مسافر كركب وصحب جمع راكب وصاحب: أي مسافرون؛ وينبغي أن يقول
ذلك قبل شروعه في الصلاة: لدفع الاشتباه (وإذا دخل المسافر مصره أتم الصلاة
وإن لم ينو الإقامة فيه) كأن دخله لقضاء حاجة لأنه متعين للإقامة والمرخص
هو السفر وقد زال (ومن كان له وطن فانتقل عنه) بكل أهله (واستوطن غيره ثم
سافر فدخل وطنه الأول) الذي كان انتقل عنه (لم يتم الصلاة) من غير نية
إقامة؛ لأنه لم يبق وطناً له، والأصل في ذلك أن الوطن الأصلي يبطل بمثله،
دون السفر عنه، ووطن الإقامة يبطل بمثله وبالسفر عنه، قيدنا الانتقال بكل
الأهل لأنه إذا بقي له فيه أهل لم يبطل ويصير ذا وطنين (وإذا نوى المسافر
أن يقيم بمكة ومنى خمسة عشر يوماً لم يتم الصلاة) : لأن اعتبار النية في
موضعين يقتضي اعتبارها في مواضع وهو ممتنع؛ لأن السفر لا يعزى عنه، إلا إذا
نوى أن يقيم بالليل في إحداهما فيصير مقيماً بدخوله فيه؛ لأن إقامة المرء
تضاف إلى مبيته. هداية
(1/108)
ومن فاتته صلاةٌ في السفر قضاها في الحضر
ركعتين.
ومن فاتته صلاةٌ في الحضر قضاها في السفر أربعاً.
والعاصي والمطيع في السفر في الرخصة سواءٌ.
باب صلاة الجمعة.
- لا تصح الجمعة إلا بمصرٍ جامعٍ أو في مصلى المصر،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(ومن فاتته صلاة في السفر قضاها في الحضر ركعتين) كما فاتته في السفر.
(ومن فاتته صلاة في الحضر قضاها في السفر أربعاً) كما فاتته في الحضر؛ لأنه
بعد بعدما تقرر لا يتغير.
(والعاصي والمطيع في سفرهما في الرخصة سواء) لإطلاق النصوص، ولأن نفس السفر
ليس بمعصية، وإنما المعصية ما يكون بعده أو يجاوره، والقبح المجاور لا يعدم
المشروعية.
باب صلاة الجمعة
بتثليث الميم وسكونها.
(لا تصح الجمعة إلا في مصر جامع) وهو: كل موضع له أمير وقاض ينفذ الأحكام
ويقيم الحدود، وهذا عن أبي يوسف، وعنه أنهم إذا اجتمعوا في أكبر مساجدهم لم
يسعهم، والأول اختيار الكرخي وهو الظاهر، والثاني اختيار الثلجي هداية. (أو
في مصلى المصر) ؛ لأنه من توابعه، والحكم ليس مقصوراً على المصلى، بل يجوز
في جميع أفنية المصر؛ لأنها بمنزلته في حوائج أهله. هداية. ثم من كان محله
من توابع المصر فحكمه حكم أهل المصر في وجوب الجمعة عليه، واختلفوا فيه:
فعن أبي يوسف إن كان الموضع يستمع فيه النداء من المصر فهو من توابعه، وإلا
فلا، وعنه: كل قرية متصلة بربض المصر.. فتح وصحح هذا الثاني
(1/109)
ولا تجوز في القرى، ولا تجوز إقامتها إلا
بالسلطان أو من أمره السلطان. ومن شرائطها: الوقت فتصح في وقت الظهر ولا
تصح بعده، ومن شرائطها الخطبة قبل الصلاة، يخطب الإمام خطبتين يفصل بينهما
بقعدةٍ، ويخطب قائماً على طهارةٍ، فإن اقتصر على ذكر الله تعالى جاز عند
أبي حنيفة. وقال أبو يوسف ومحمدٌ: لابد من ذكر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
في مواهب الرحمن، وعلله في شرحه بأن وجوبها مخص بأهل المصر. والخارج عن هذا
الحد ليس من أهله. اهـ. قال شيخنا: وهو ظاهر المتون، وفي المعراج أنه أصح
ما قيل، وفي التتارخانية: ثم ظاهر رواية أصحابنا لا تجب إلا على من يسكن
المصر أو من يتصل به؛ فلا تجب على أهل السواد ولو قريباً، وهذا أصح ما قيل
فيه. اهـ (ولا تجوز في القرى) تأكد لما قبله، وتصريح بمفهومه، ولا تجوز
إقامتها إلا بالسلطان أو من أمره السلطان بإقامتها؛ لأنها تقام بجمع عظيم،
وقد تقع المنازعة في التقدم والتقديم، وقد تقع في غيره، فلابد منه تتميماً
لأمره. هداية (ومن شرائطها الوقت؛ فتصح في وقت الظهر ولا تصح بعده) فلو خرج
الوقت وهو فيها استقبل الظهر، ولا يبني على الجمعة؛ لأنهما مختلفان (ومن
شرائطها) أيضا (الخطبة) بقصدها، وكونها (قبل الصلاة) بحضرة جماعة تنعقد بهم
الجمعة ولو صماً أو نياماً. فلو صدرت من غير قصد أو بعد الصلاة، أو بغير
حضور جماعة - لا يعتد بها، لكن جزم في الخلاصة بأنه يكفي حضور واحد، والسنة
في الخطبة أنه (يخطب الإمام خطبتين) خفيفتين بقدر سورة من طوال المفصل
(يفصل بينهما بقعدة) قدر قراءة ثلاث آيات ويخفض جهره بالثانية عن الأولى
(ويخطب قائماً) مستقبل الناس (على طهارة) من الحدثين (فإن اقتصر على ذكر
الله تعالى) كتحميدة أو تهليلة أو تسبيحة (جاز عند أبي حنيفة) مع الكراهة
(وقالا: لابد) لصحتها (من ذكر
(1/110)
طويلٍ يسمى خطبةً، وإن خطب قاعداً أو على
غير طهارةٍ جاز ويكره، ومن شرائطها الجماعة، وأقلهم عند أبي حنيفة ثلاثةٌ
سوى الإمام، وقال أبو يوسف ومحمدٌ: اثنان سوى الإمام، ويجهر الإمام
بالقراءة في الركعتين، وليس فيهما قراءة سورةٍ بعينها، ولا تجب الجمعة على
مسافرٍ ولا امرأةٍ ولا مريضٍ ولا عبدٍ ولا أعمى.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
طويل يسمى خطبة) وأقله قدر التشهد.
(وإن خطب قاعداً أو على غير طهارة) أو لم يقعد بين الخطبتين، أو استدبر
الناس - (جاز ويكره) لمخالفته المتوارث (1) (ومن شرائطها) أيضاً (الجماعة)
؛ لأن الجمعة مشتقة منها (وأقلهم عند أبي حنيفة ثلاثة) رجال (سوى الإمام،
وقالا: اثنان سوى الإمام) قال في التصحيح: ورجح في الشروح دليله واختاره
المحبوبي والنسفي. اهـ. ويشترط بقاؤهم حتى يسجد السجدة الأولى، فلو نفروا
بعدها أتمها وحده جمعة (ويجهر الإمام بالقراءة في الركعتين) ؛ لأنه
المتوارث (وليس فيهما قرءاة سورة بعينها) قال في شرح الطحاوي: ويقرأ في
الركعتين سورة الجمعة والمنافقين، ولا يكره غيرهما. اهـ. وذكر الزاهدي أنه
يقرأ فيهما سورة الأعلى والغاشية، قال في البحر: ولكن لا يواظب على ذلك؛
كيلا يؤدي إلى هجر الباقي، ولئلا تظنه العامة حتماً. اهـ.
(ولا تجب الجمعة على مسافر) ؛ للحوق المشقة بأدائها (ولا امرأة) ؛ لأنها
منهية عن الخروج (ولا مريض) لعجزه عن ذلك، وكذا المرض إن بقي المريض ضائعاً
(ولا عبد) لأنه مشغول بخدمة مولاه، ولا زمن (ولا أعمى) ولا خائف،
_________
(1) في الفتح ومن السنة بتقصيرها وتطويل الصلاة بعد استمالها على الموعظة
والتشهد والصلاة وكونها خطبتين، ومما يؤيد مذهب الإمام أن عثمان رضي الله
عنه قال على المنبر الحمد لله ثم ارتج عليه ثم نزل فصلى جماعاً
(1/111)
فإن حضروا وصلوا مع الناس أجزأهم عن فرض
الوقت.
ويجوز للمسافر والعبد والمريض ونحوهم أن يؤم في الجمعة.
ومن صلى الظهر في منزله يوم الجمعة قبل صلاة الإمام ولا عذر له كره له ذلك،
وجازت صلاته، فإن بدا له أن يحضر الجمعة فتوجه إليها بطلت صلاة الظهر عند
أبي حنيفة بالسعي وقال أبو يوسف ومحمدٌ: لا تبطل حتى يدخل مع الإمام.
ويكره أن يصلي المعذورون الظهر بجماعة يوم الجمعة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ولا معذور بمشقة مطر ووحل وثلج، ولا قروي (فإن حضروا وصلوا مع الناس
أجزأهم) ذلك (عن فرض الوقت) ؛ لأنهم تحملوا المشقة فصاروا كالمسافر إذ صام.
(ويجوز للمسافر والعبد والمريض ونحوهم) خلا امرأة (أن يؤم في الجمعة) لأن
عدم وجوبها عليهم رخصة لهم دفعاً للحرج؛ فإذا حضروا تقع فرضاً.
(ومن صلى الظهر في منزله يوم الجمعة قبل صلاة الإمام ولا عذر له كره له
ذلك) تحريماً، بل حرم؛ لأنه ترك الفرض القطعي باتفاقهم. فتح (وجازت صلاته)
جوازاً موقوفاً (فإن بدا له) : أي لمن صلى الظهر ولو بمعذرة على المذهب (أن
يحضر الجمعة فتوجه إليها) والإمام فيها ولم تقم بعد (بطلت صلاة الصلاة
الظهر) أي وصف الفرضية وصارت نفلاً (عند أبي حنيفة بالسعي) ، وإن لم يدركها
(وقالا: لا تبطل حتى يدخل مع الإمام) قال في التصحيح: ورجح دليل الإمام في
الهداية، واختاره البرهاني والنسفي. اهـ. قيدنا بكون الإمام فيها؛ لأن
السعي إذا كان بعد ما فرغ منها لم يبطل ظهره اتفاقاً.
(ويكره أن يصلي المعذورون الظهر بجماعة يوم الجمعة) في المصر؛ لما فيه من
الإخلال بالجمعة بتقليل الجماعة وصورة المعارضة. قيدنا بالمصر لأنه لا جمعة
(1/112)
وكذلك أهل السجن، ومن أدرك الإمام يوم
الجمعة صلى معه ما أدرك وبنى عليها الجمعة، وإن أدركه في التشهد أو في سجود
السهو بنى عليها الجمعة عند أبي حنيفة وأبي يوسف. وقال محمدٌ: إن أدرك معه
أكثر الركعة الثانية بنى عليها الجمعة، وإن أدرك أقلها بنى عليها الظهر،
وإذا خرج الإمام على المنبر يوم الجمعة ترك الناس الصلاة والكلام حتى يفرغ
من خطبته، وإذا أذن المؤذنون يوم الجمعة الأذان الأول ترك
ـــــــــــــــــــــــــــــ
في غيرها فلا يفضي إلى ذلك (وكذلك أهل السجن) : أي يكره لهم ذلك؛ لما فيه
من صورة المعارضة. وإنما أفرده بالذكر لما يتوهم من عدم الكراهة يمنعهم من
الخروج.
(ومن أدرك الإمام يوم الجمعة) : أي في صلاتهم (صلى معه ما أدرك وبنى عليها
الجمعة) وهذا إن أدرك منها ركعة اتفاقاً (وإن أدركه في التشهد أو في سجود
السهو بنى عليها الجمعة) أيضاً (عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وقال محمد: إن
أدرك معه أكثر الركعة الثانية) بأن أدرك ركوعها (بنى عليها الجمعة، وإن
أدرك أقلها) بأن أدركه بعد ما رفع من الركوع (بنى عليها الظهر) أربعاً؛ إلا
أنه ينوي الجمعة إجماعاً جوهرة وعليه يقال: أدى خلاف ما نوى.
(وإذا خرج الإمام يوم الجمعة) من حجرته إن كان؛ وإلا فبقيامه للصعود (ترك
الناس الصلاة والكلام) خلا قضاء فائتة لذي ترتيب ضرورة صحة الجمعة، وصلاة
شرع فيها للزومها (حتى يفرغ من خطبته) وصلاته، بلا فرق بين قريب وبعيد في
الأصح. محيط.
(وإذا أذن المؤذنون يوم الجمعة الأذان الأول) لحصول الإعلام به (ترك
(1/113)
الناس البيع والشراء وتوجهوا إلى صلاة
الجمعة، فإذا صعد الإمام المنبر جلس وأذن المؤذنون بين يدي المنبر، فإذا
فرغ من خطبته أقاموا الصلاة وصلوا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الناس) وجوباً (البيع والشراء وتوجهوا إلى صلاة الجمعة) عبر بقوله "توجهوا"
للإشارة بأن المراد بالسعي المأمور به هو التوجه مع السكينة والوقار، لا
الهرولة.
(وإذا صعد الإمام المنبر جلس) عليه (وأذن المؤذنون بين يدي المنبر) بذلك
جرى التوارث، ولم يكن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا هذا
الأذان، ولهذا قيل، هو المعتبر في وجوب السعي وحرمة البيع، والأصح أن
المعتبر هو الأول إذا كان بعد الزوال، لحصول الإعلام به. هداية. (فإذا فرغ
من خطبته أقاموا الصلاة وصلوا) ولا ينبغي أن يصلي غير الخطيب، ويكره السفر
بعد الزوال قبل أن يصليها، ولا يكره قبله كذا في شرح المنية (1) .
_________
(1) ومن الأحكام أن الكلام حرام ولو كان أمر بمعروف أو نهياً عن منكر أو
تسبيحاً كما يحرم الأكل والشرب والكتابة. ويكره تشميت العاطس در والسلام
لأنه غير مأذون فيه والمسلم أتم ونسب إلى أبي حنيفة أنه لا يصلي على النبي
صلى الله عليه وسلم عند ذكره في الخطبة وعن أبي يوسف أنه يصلي في نفسه لأن
ذلك لا يشفع عن السماع وهو الصواب كما أنه يحمد الله في نفسه إذا عطس ويجوز
الإشارة بيده أو غيره عند رؤية المنكر
(1/114)
باب صلاة العيدين.
- يستحب في يوم الفطر: أن يطعم الإنسان قبل الخروج إلى المصلى، ويغتسل،
ويتطيب، ويتوجه إلى المصلى، ولا يكبر في طريق المصلى عند أبي حنيفة،
وعندهما يكبر، ولا يتنفل في المصلى قبل صلاة العيد،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
باب صلاة العيدين
مناسبتها للجمعة ظاهرة، حتى اشترط لها ما اشترط للجمعة خلا الخطبة، وتجب
على من تجب عليه الجمعة، وقدمت الجمعة لفرضيتها وكثرة وقوعها، وسمى به لأن
لله فيه عوائد الإحسان، وهي واجبة في الأصح كما في الخانية والهداية
والبدائع والمحيط والمختار والكافي والنسفي، وفي الخلاصة: وهو المختار،
لأنه صلى الله عليه وسلم واظب عليها، وسماها في الجامع سنة؛ لأن وجوبها ثبت
بالسنة. اهـ. وقيل: إنها سنة، وصححه النسفي في المنافع.
(يستحب في يوم الفطر: أن يطعم الإنسان قبل الخروج إلى المصلى) مبادرة إلى
ضيافة ربه وامتثال أمره، وأن يكون حلواً وتمراً ووتراً ليكون أعظم أجراً
(ويغتسل، ويتطيب) ويستاك، ويلبس أحسن ثيابه، ويصلي في مسجد حيه، ويؤدي صدقة
فطره (ويتوجه إلى المصلى) ماشياً، اقتداء بنبيه صلى الله عليه وسلم (ولا
يكبر في طريق المصلى عند أبي حنيفة) يعني جهراً، أما سراً فيستحب. جوهرة
(وعندهما يكبر) في طريق المصلى جهراً استحباباً، ويقطع إذا انتهى إليه، وفي
رواية: إلى الصلاة. جوهرة. قال في التصحيح: قال الإسبيجاني في زاد الفقهاء
والعلامة في التحفة: الصحيح قول أبي حنيفة، قلت: وهو المعتمد عند النسفي
وبرهان الشريعة وصدرها. اهـ. (ولا يتنفل في المصلى قبل صلاة العيد) ثم قيل:
الكراهة
(1/115)
فإذا حلت الصلاة من ارتفاع الشمس دخل وقتها
إلى الزوال، فإذا زالت الشمس خرج وقتها، ويصلي الإمام بالناس ركعتين: يكبر
في الأولى تكبيرة الافتتاح، وثلاثاً بعدها، ثم يقرأ فاتحة الكتاب وسورةً
معها، ثم يكبر تكبيرةً يركع بها، ثم يبتدئ في الركعة الثانية بالقراءة،
فإذا فرغ من القراءة كبر ثلاث تكبيراتٍ، وكبر تكبيرةً رابعةً يركع بها (1)
ويرفع يديه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
في المصلى خاصة، وقيل: فيه وفي غيره عامه؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم
يفعله. هداية.
(فإذا حلت الصلاة بارتفاع الشمس) قدر رمح (دخل وقتها) فلا تصح قبله عيداً،
بل تكون نفلاً محرماً، ويمتد وقتها من الارتفاع (إلى الزوال، فإذا زالت
الشمس خرج وقتها) فلو خرج في أثناء الصلاة فسدت كما مر.
(ويصلي الإمام بالناس ركعتين يكبر في الأولى تكبيرة الافتتاح) ويأتي عقبها
بالاستفتاح (ويكبر ثلاثا بعدها) وبعد الاستفتاح، ويستحب له أن يقف بين كل
تكبيرتين مقدار ثلاث تسبيحات، وليس بينهما ذكر مسنون، ويتعوذ ويسمي سراً
(ثم يقرأ فاتحة الكتاب وسورة معها) : أي سورة شاء، وإن تحرى المأثور كان
أولى (ثم يكبر تكبيرة يركع بها) ويتمم ركعته بسجدتيها (ثم) إذا قام (يبتدئ
في الركعة الثانية بالقراءة) أولا (فإذا فرغ من القراءة كبر ثلاث تكبيرات)
كما تقدم (وكبر تكبيرة رابعة يركع بها) وتمم صلاته (ويرفع يديه
_________
(1) اختلف النقل عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في تكبيرات العيد
فاختلف الأئمة وفي (ده) كان (ص) يكبر في الأولى بسبع وفي الثانية بخمس قبل
القراءة سوى تكبيرة الركوع ومثله فيهما قال في (ص) التكبير في النظر سبع في
الأولى وخمس في الثانية وبهذا يقول محمد من الحنيفية ومذهب الحنيفة هو مذهب
بن مسعود وأبي موسى والظاهر أنه لم يصح فيه حديث ولكن عمل الصحابة في كل
حجة
(1/116)
في تكبيرات العيدين، ثم يخطب بعد الصلاة
خطبتين يعلم الناس فيها صدقة الفطر وأحكامها، ومن فاتته صلاة العيد مع
الإمام لم يقضها، فإن غم الهلال على الناس فشهدوا عند الإمام برؤية الهلال
بعد الزوال صلى العيد من الغد، فإن حدث عذرٌ منع الناس من الصلاة في اليوم
الثاني لم يصلها بعده.
ويستحب في يوم الأضحى: أن يغتسل، ويتطيب، ويؤخر الأكل حتى يفرغ من الصلاة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
في تكبيرات العيدين) الزوائد.
(ثم يخطب بعد الصلاة خطبتين) وهي سنة؛ فلو تركها أو قدمها جازت مع الإساءة
(يعلم الناس فيها صدقة الفطر وأحكامها) ليؤديها من لم يؤدها؛ لأنها شرعت
لذلك، ويستحب أن يستفتح الخطبة الأولى بتسع تكبيرات متوالية، والثانية
بسبع.
(ومن فاتته صلاة العيد مع الإمام) ولو بالإفساد (لم يقضها) وحده؛ لأنها لم
تعرف قربة إلا بشرائط لا تتم بالمنفرد. هداية. فلو أمكنه الذهاب لإمام آخر
فعل؛ لأنها تؤدى بمواضع اتفاقاً. تنوير.
(فإن غم الهلال على الناس فشهدوا عند الإمام برؤية الهلال بعد الزوال) أو
حدث عذر مانع كمطر ونحوه (صلى العيدين من الغد) ؛ لأنه تأخير بعذر، وقد ورد
فيه النص. هداية. ووقتها فيه كالأول (فإن حدث عذر منع الناس من الصلاة في
اليوم الثاني) أيضاً (لم يصلهما بعده) ؛ لأن الأصل فيها أن لا تقضى كالجمعة
إلا أن تركناه بالحديث، وقد ورد بالتأخير إلى اليوم الثاني عند العذر.
هداية.
(ويستحب في يوم) عيد (الأضحى أن يغتسل ويتطيب) كما مر في الفطر (و) لكنه
(يؤخر الأكل) في الأضحى عن الصلاة (حتى يفرغ من الصلاة)
(1/117)
ويتوجه إلى المصلى وهو يكبر، ويصلي الأضحى
ركعتين كصلاة الفطر، ويخطب بعدها خطبتين يعلم الناس فيهما الأضحية وتكبيرات
التشريق، فإن حدث عذرٌ منع الناس من الصلاة في يوم الأضحى صلاها من الغد
وبعد الغد، ولا يصليها بعد ذلك؛ وتكبير التشريق أوله عقيب صلاة الفجر من
يوم عرفة، وآخره عقيب صلاة العصر من النحر عند أبي حنيفة. وقال أبو يوسف
ومحمدٌ: إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وإن لم يضح في الأصح ولو أكل لم يكره.
(ويتوجه إلى المصلى وهو يكبر) جهراً (ويصلي الأضحى ركعتين كصلاة) عيد
(الفطر) فيما تقدم (ويخطب بعدها) أيضاً (خطبتين يعلم الناس فيهما الأضحية
وتكبيرات التشريق) لأنها شرعت لذلك (فإن حدث عذر) من الأعذار المارة (منع
الناس من الصلاة في) أول (يوم الأضحى صلاها من الغد وبعد الغد، ولا يصليها
بعد ذلك) لأنها مؤقتة بوقت الأضحية فتتقيد بأيامها، لكنه مسيء بالتأخير
بغير عذر، وإلا فلا؛ فالعذر هنا لنفي الكراهة، وفي الفطر للصحة.
(وتكبير التشريق أوله عقيب صلاة الفجر من يوم عرفة) اتفاقاً (وآخره عقيب
صلاة العصر من) يوم (النحر عند أبي حنيفة) فهي ثمان صلوات (وقالا) آخره
(إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق) بإدخال الغاية، فهي ثلاث وعشرون
صلاة، قال في التصحيح: قال برهان الشريعة وصدر الشريعة: وبقولهما يعمل، وفي
الاختيار: وقيل الفتوى على قولهما، وقال في الجامع الكبير للإسبيجاني
الفتوى على قولهما، وفي مختارات النوازل: وقولهما الاحتياط في العبادات،
والفتوى
(1/118)
والتكبير عقيب الصلوات المفروضات، وهو أن
يقول: الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله
الحمد.
باب صلاة الكسوف.
- إذا انكسفت الشمس صلى الإمام بالناس ركعتين كهيئة النافلة في كل ركعةٍ
ركوعٌ واحدٌ ويطول القراءة فيهما، ويخفي عند أبي حنيفة، وقال أبو يوسف
ومحمدٌ: يجهر، ثم يدعو بعدها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
على قولهما. اهـ. (والتكبير) واجب في الأصح مرة (عقيب الصلوات المفروضات)
على المقيمين في الأمصار في الجماعات المستحبة عند أبي حنيفة، وقالا: على
كل من صلى المكتوبة؛ لأنه تبع لها، وقد سبق أنه المفتي به للاحتياط (و) صفة
التكبير (أن يقول: الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر ولله
الحمد) هذا المأثور عن الخليل صلوات الله عليه. هداية.
باب صلاة الكسوف
من إضافة الشيء إلى سببه.
(إذا انكسفت الشمس صلى الإمام) أو نائبه (بالناس ركعتين كهيئة النافلة) أي
بلا خطبة، ولا أذان، ولا إقامة، ولا تكرار ركوع، بل (في كل ركعة ركوع واحد،
و) لكنه (يطول القراءة فيهما) وكذا الركوع والسجود والأدعية الواردة في
النافلة (ويخفي) القراءة (عند أبي حنيفة، وقالا: يجهر) قال في التصحيح قال
الإسبيجاني في زاد الفقهاء والعلامة في التحفة؛ والصحيح قول أبي حنيفة قلت:
وهو الذي عول عليه النسفي والمحبوبي وصدر الشريعة اهـ. (ثم يدعو بعدها)
(1/119)
حتى تنجلي الشمس، ويصلي بالناس الإمام الذي
يصلي بهم الجمعة، فإن لم يجمع صلاها الناس فرادى، وليس في خسوف القمر
جماعة، وإنما يصلي كل واحدٍ بنفسه، وليس في الكسوف خطبةٌ.
باب الاستسقاء.
- قال أبو حنيفة رحمة الله عليه: ليس في الاستسقاء صلاةٌ مسنونةٌ في
جماعةٍ، فإن صلى الناس وحداناً جاز، وإنما الاستسقاء الدعاء والاستغفار.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
جالساً مستقبل القبلة أو قائماً مستقبل الناس والقوم يؤمنون على دعائه (حتى
تنجلي الشمس) كلها.
(ويصلي بالناس الإمام الذي يصلي بهم الجمعة، فإن لم يجمع) : أي لم يحضر
الإمام (صلاها الناس فرادى) ركعتين أو أربعاً، في منازلهم كما في شرح
الطحاوي.
(وليس في خسوف القمر جماعة) ؛ لأنه يكون ليلاً وفي الاجتماع فيه مشقة جوهرة
(و"إنما يصلي كل واحد بنفسه) ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا رأيتم شيئاً
من هذه الأهوال فافزعوا إلى الصلاة) (وليس في الكسوف خطبة) ؛ لأنه لم ينقل.
هداية.
باب الاستسقاء
(قال أبو حنيفة: ليس في الاستسقاء صلاة مسنونة في جماعة) وهو ظاهر الرواية
كما في البدائع (فإن صلى الناس وحداناً جاز) من غير كراهة. جوهرة؛ لأنها
نفل مطلق (وإنما الاستسقاء الدعاء والاستغفار) ؛ لقوله تعالى: {فقلت
استغفروا ربكم إنه كان غفاراً يرسل السماء عليكم مدراراً} ورسول الله صلى
الله عليه وسلم استسقى
(1/120)
وقال أبو يوسف ومحمدٌ: يصلي الإمام بالناس
ركعتين يجهر فيهما بالقراءة، ثم يخطب، ويستقبل القبلة بالدعاء، ويقلب
الإمام رداءه، ولا يقلب القوم أرديتهم، ولا يحضر أهل الذمة الاستسقاء.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ولم يرو عنه الصلاة. هداية. وفي التصحيح: قال في التحفة: هذا ظاهر الرواية،
وهو الصحيح، قلت: وهو المعتمد عند النسفي والمحبوبي وصدر الشريعة. اهـ.
(وقالا: يصلي الإمام بالناس ركعتين يجهر فيهما بالقراءة) اعتباراً بصلاة
العيد (ثم يخطب) خطبتين عند محمد، وخطبة واحدة عند أبي يوسف، ويكون معظم
الخطبة الاستغفار (ويستقبل القبلة بالدعاء، ويقلب الإمام رداءه) ؛ لما روي
أنه صلى الله عليه وسلم "لما استسقى حول ظهره إلى الناس، واستقبل القبلة،
وحول رداءه". هداية. وصفة القلب: إن كان مربعاً جعل أعلاه أسفله وإن كان
مدورا كالجبه: جعل الجانب الأيمن على الأيسر. جوهرة. (ولا يقلب القوم
أرديتهم) ؛ لأنه لم ينفل أنه أمرهم بذلك. هداية. ويستحب الخروج له إلى
الصحراء؛ إلا في مكة وبيت المقدس فيخرجون إلى المسجد ثلاثة أيام مشاة في
ثياب خلقة غسيلة متذللين متواضعين خاشعين لله تعالى ناكسين رءوسهم مقدمين
الصدقة كل يوم قبل خروجهم، ويحددون التوبة، ويستسقون بالضعفة والشيوخ
والعجائز والأطفال. ويستحب إخراج الدواب وأولادها، ويشتتون فيما بينها؛
ليحصل التحنن ويظهر الضجيج بالحاجات (و) لكن (لا يحضر أهل الذمة الاستسقاء)
؛ لأن الخروج للدعاء، وقد قال الله تعالى: {وما دعاء الكافرين إلا في ضلال}
ولأنه لاستنزال الرحمة، وإنما تنزل عليهم اللعنة. هداية
(1/121)
باب قيام شهر رمضان.
- يستحب أن يجتمع الناس في شهر رمضان بعد العشاء، فيصلي بهم إمامهم خمس
ترويحاتٍ، في كل ترويحةٍ تسليمتان، ويجلس بين كل ترويحتين مقدار ترويحةٍ،
ثم يوتر بهم، ولا يصلي الوتر بجماعةٍ في غير شهر رمضان.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
باب قيام شهر رمضان
أفرده بباب على حده لاختصاصه بأحكام ليست في مطلق النوافل.
(يستحب أن يجتمع الناس في شهر رمضان) كل ليلة (بعد) صلاة (العشاء) ويستحب
تأخيرها إلى ثلث الليل أو نصفه (فيصلي بهم إمامهم خمس ترويحات) كل ترويحة
أربع ركعات، سميت بذلك لأنه يقعد عقبها للاستراحة (في كل ترويحة تسليمتان،
ويجلس) ندباً (بين كل ترويحتين) وكذا بين الخامسة والوتر (مقدار ترويحة)
ويخيرون فيها بين تسبيح وقراءة وسكوت وصلاة فرادى (ثم يوتر بهم) ويجهر
بالقراءة، وفي تعبيره يتم إشارة إلى أن وقتها قبل الوتر، وبه قال عامة
المشايخ، والأصح أن وقتها بعد العشاء إلى آخر الليل: قبل الوتر، وبعده؛
لأنها نوافل سنت بعد العشاء. هداية (ولا يصلي الوتر) ولا التطوع (بجماعة في
غير شهر رمضان) : أي يكره ذلك لو على سبيل التداعي. در. وعليه إجماع
المسلمين. هداية
(1/122)
باب صلاة الخوف.
- إذا اشتد الخوف جعل الإمام الناس طائفتين: طائفةً في وجه العدو، وطائفةً
خلفه، فيصلي بهذه الطائفة ركعةً وسجدتين، فإذا رفع رأسه من السجدة الثانية
مضت هذه الطائفة إلى وجه العدو، وجاءت تلك الطائفة، فيصلي بهم الإمام ركعةً
وسجدتين، وتشهد وسلم، ولم يسلموا، وذهبوا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
باب صلاة الخوف
من إضافة الشيء إلى شرطه. وهي جائزة بعده صلى الله عليه وسلم عند الطرفين،
خلافاً للثاني.
(إذا اشتد الخوف) بحضور عدو يقيناً، قال في الفتح: اشتداده ليس بشرط، بل
الشرط حضور عدو أو سبع. اهـ، وفي العناية؛ الاشتداد ليس بشرط عند عامة
مشايخنا. اهـ، ومثله خوف وغرق وحرق، قيدنا باليقين لأنهم لو صلوا على ظنه
فبان خلافه أعادوا، ثم الأفضل - كما في الفتح - أن يجعلهم الإمام طائفتين
ويصلي بإحداهما تمام الصلاة ويصلي بالأخرى إمام آخر، فإن تنازعوا بالصلاة
خلفه (جعل الإمام الناس طائفتين) يقيم (طائفة في وجه العدو) للحراسة
(وطائفة خلفه) يصلي بهم (فيصلي بهذه الطائفة ركعة وسجدتين) من الصلاة
الثنائية كالصبح والمقصورة والجمعة والعيدين (فإذا رفع رأسه من السجدة
الثانية مضت هذه الطائفة) التي صلت معه مشاة (إلى وجه العدو، وجاءت تلك
الطائفة) التي كانت في وجه العدو (فيصلي بهم الإمام) ما بقي من صلاته (ركعة
وسجدتين وتشهد وسلم) وحده لتمام صلاته (ولم يسلموا) لأنهم مسبوقون (وذهبوا)
مشاة
(1/123)
إلى وجه العدو، وجاءت الطائفة الأولى فصلوا
وحداناً ركعةً وسجدتين بغير قراءةٍ وتشهدوا وسلموا ومضوا إلى وجه العدو،
وجاءت الطائفة الأخرى فصلوا ركعةً وسجدتين بقراءةٍ وتشهدوا وسلموا، فإن كان
الإمام مقيماً صلى بالطائفة الأولى ركعتين وبالثانية ركعتين ويصلي بالطائفة
الأولى ركعتين من المغرب وبالثانية ركعةً، ولا يقاتلون في حال الصلاة، فإن
فعلوا ذلك بطلت صلاتهم،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أيضاً (إلى وجه العدو وجاءت الطائفة الأولى) إلى مكانهم الأول إن شاءوا أن
يتموا صلاتهم في مكان واحد. وإن شاءوا أتموا في مكانهم تقليلاً للمشي
(فصلوا) ما فاتهم (وحداناً ركعة وسجدتين بغير قراءة؛ لأنهم لاحقون،
(وتشهدوا وسلموا) ؛ لأنهم فرغوا (ومضوا إلى وجه العدو، وجاءت الطائفة
الأخرى) إن شاءوا أيضاً، أو أتموا في مكانهم (فصلوا) ما سبقوا به (ركعة
وسجدتين) بقراءة؛ لأنهم مسبوقون (وتشهدوا وسلموا) ؛ لأنهم فرغوا، قيدنا
بمضي المصلين مشاة لأن الركوب يبطلها ككل عمل كثير غير المشي لضرورة القيام
بإزاء العدو، (فإن كان الإمام مقيماً صلى بالطائفة الأولى ركعتين) من
الرباعية (وب) الطائفة (الثانية ركعتين) تسوية بينهما (ويصلي بالطائفة
الأولى ركعتين من المغرب، وبالثانية ركعة) واعلم أنه ورد في صلاة الخوف
روايات كثيرة، وأصحها ستة عشر رواية مختلفة، وصلاها النبي صلى الله عليه
وسلم أربعاً وعشرين مرة، كذا في شرح المقدسي، وفي المستصفى عن شرح أبي نصر
البغدادي أن كل ذلك جائز، والكلام في الأولى، والأقرب من ظاهر القرآن الذي
ذكرناه. اهـ. إمداد. (ولا يقاتلون في حال الصلاة) ؛ لعدم الضرورة إليه،
(فإن فعلوا ذلك) وكان كثيراً (بطلت صلاتهم) ؛ لمنافاته للصلاة من غير ضرورة
إليه، بخلاف المشي؛ فإنه ضرورى لأجل الاصطفاف
(1/124)
وإن اشتد الخوف صلوا ركباناً واحداناً
يومئون بالركوع والسجود إلى أي جهةٍ شاءوا، إذا لم يقدروا على التوجه إلى
القبلة.
باب الجنائز.
- إذا احتضر الرجل وجه إلى القبلة على شقه الأيمن ولقن الشهادتين، فإذا مات
شدوا لحييه، وغمضوا عينيه،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(وإن اشتد الخوف) بحيث لا يدعهم العدو يصلون تاركين بهجومهم عليهم (صلوا
ركباناً وحداناً) ؛ لأنه لا يصح الإقتداء لاختلاف المكان (يومئون بالركوع
والسجود إلى أي جهة شاءوا إذا لم يقدروا على التوجه إلى القبلة) ؛ لأنه كما
سقطت الأركان للضرورة سقط التوجه.
باب الجنائز
من إضافة الشيء إلى سببه: والجنائز جمع جنازة - بالفتح - اسم للميت وأما
بالكسر قاسم للنعش، (إذا احتضر الرجل) : أي حضرته الوفاة، أو ملائكة الموت،
وعلامته: استرخاء قدميه، واعوجاج منخره، وانخساف صدغيه (وجه إلى القبلة على
شقه الأيمن) هذا هو السنة، والمختار أن يوضع مستلقياً على قفاه نحو القبلة؛
لأنه أيسر لخروج روحه. جوهرة. وإن شق عليه ترك على حاله (ولقن الشهادتين)
بذكرهما عنده، ولا يؤمر بهما لئلا يضجر، وإذا قالها مرة كفاه، ولا يعيدها
الملقن إلا أن يتكلم بكلام غيرها لتكون آخر كلامه، وأما تلقينه في القبر
فمشروع عند أهل السنة؛ لأن الله تعالى يحييه في القبر. جوهرة. وقيل: لا
يلقن، وقيل: لا يؤمر به ولا ينهى عنه.
(فإذا مات شدوا لحيته) بعصابة من أسفلهما وتربط فوق رأسه (وغمضوا عينيه)
تحسيناً له، وينبغي أن يتولى ذلك أرفق أهله به، ويقول: بسم الله، وعلى
(1/125)
وإذا أرادوا غسله وضعوه على سريرٍ، وجعلوا
على عورته خرقةً، ونزعوا ثيابه، ووضئوه، ولا يمضمض، ولا يستنشق، ثم يفيضون
الماء عليه، ويجمر سريره وتراً، ويغلى الماء بالسدر أو بالحرض، فإن لم يكن
فالماء القراح، ويغسل رأسه ولحيته بالخطمى، ثم يضجع على شقه الأيسر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ملة رسول الله، اللهم يسر عليه أمره، وسهل عليه ما بعده، وأسعده بلقائك،
واجعل ما خرج إليه خيراً مما خرج عنه. ويحضر عنده الطيب، ويخرج من عنده
الحائض والنفساء والجنب، ويستحب أن يسارع إلى قضاء ديونه أو إبرائه منها؛
لأن نفس الميت معلقة بدينه حتى يقضى عنه، ويسرع في جهازه.
(وإذا أرادوا غسله وضعوه على سرير) لينصب الماء عنه (وجعلوا على عورته
خرقة) إقامة لواجب الستر، ويكتفي بستر العورة الغليظة، هو الصحيح تيسيراً.
هداية (ونزعوا ثيابه) ليتمكن من التنظيف (ووضئوه) إن كان ممن يؤمر بالصلاة
(و) لكن (لا يمضمض ولا يستنشق) للحرج، وقيل: يفعلان بخرقة، وعليه العمل ولو
كان جنباً أو حائضاً أو نفساء فعلاً اتفاقاً تتميماً للطهارة. إمداد (ثم
يفيضون الماء عليه) اعتباراًً بحالة الحياة (ويجمر) : أي يبخر (سريره
وتراً) إخفاء لكريه الرائحة وتعظيماً للميت (ويغلى الماء بالسدر) وهو ورق
النبق (أو بالحرض) بضم السكون - الأشنان، إن تيسر ذلك (فإن لم يكن) متيسراً
(فالماء القراح) : أي الخالص - كاف، ويسخن إن تيسر؛ لأنه أبلغ في التنظيف
(ويغسل رأسه ولحيته بالخطمى) بكسر الخاء وتفتح وتشديد الياء - نبت بالعراق
طيب الرائحة يعمل عمل الصابون؛ لأنه أبلغ في استخراج الوسخ، فإن لم يتيسر
فالصابون ونحوه، وهذا إذا كان له شعر وإلا لم يحتج إليه. در (ثم يضجع على
شقه الأيسر) ليبتدأ
(1/126)
فيغسل بالماء والسدر، حتى يرى أن الماء قد
وصل إلى ما يلي التخت منه، ثم يضجع على شقه الأيمن، فيغسل بالماء والسدر
حتى يرى أن الماء قد وصل إلى ما يلي التخت منه، ثم يجلسه ويسنده إليه ويمسح
بطنه مسحاً رفيقاً، فإن خرج منه شيءٌ غسله ولا يعيد غسله، ثم ينشفه بثوبٍ
ويجعله في أكفانه، ويجعل الحنوط على رأسه ولحيته، والكافور على مساجده.
والسنة أن يكفن الرجل في ثلاثة أثوابٍ: إزارٍ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بيمينه (فيغسل بالماء والسدر حتى يرى أن الماء قد وصل إلى ما يلي التخت)
بالمعجمة (منه) : أي الميت، وهذه غسلة.
(ثم يضجع على شقه الأيمن فيغسل بالماء والسدر) كذلك حتى يرى أن الماء قد
وصل إلى ما يلي التخت منه) وهذه الثانية (ثم يجلسه ويسنده إليه) ؛ لئلا
يسقط (ويمسح بطنه مسحاً رقيقاً) لتخرج فضلاته (فإن خرج منه شيء غسله لإزالة
النجاسة عنه، ولا يعيد غسله ولا وضوءه؛ لأنه ليس بناقض في حقه، وقد حصل
المأمور به، ثم يضجع على شقه الأيسر فيصب الماء عليه تثليثاً للغسلات
المستوعبات جسده إقامة لسنة التثليث. إمداد. ويصب عليه الماء عند كل إضجاع
ثلاث مرات. تنوير (ثم ينشفه في ثوب) لئلا تبتل الأكفان (ويجعله) : أي يضع
الميت (لا أكفائه) بأن تبسط اللفافة، ثم الإزار فوقها، ثم يوضع الميت
مقمصاً، ثم يعطف عليه الإزار ثم اللفافة (ويجعل الحنوط) بفتح الحاء - عطر
مركب من الأشياء الطيبة، ولا بأس بسائر أنواعه غير الزعفران والورس للرجال
(على رأسه ولحيته) ندباً (والكافور على مساجده) ؛ لأن التطيب سنة والمساجد
أولى بزيادة الكرامة. هداية. وسواء فيه المحرم وغيره فيطيب ويغطى رأسه.
تتارخانية.
(والسنة أن يكفن الرجل في ثلاثة أثواب: إزار) وهو
(1/127)
وقميصٍ، ولفافةٍ، فإن اقتصروا على ثوبين
جاز، وإذ أرادوا لف اللفافة عليه ابتدءوا بالجانب الأيسر فألقوه عليه، ثم
بالأيمن، فإن خافوا أن ينتشر الكفن عنه عقدوه، وتكفن المرأة في خمسة
أثوابٍ: إزارٍ، وقميصٍ، وخمارٍ، وخرقةٍ يربط بها ثدياها، ولفافة، فإن
اقتصروا على ثلاثة أثوابٍ جاز، ويكون الخمار فوق القميص تحت اللفافة، ويجعل
شعرها على صدرها،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
للميت مقداره من الفرق إلى القدم، بخلاف إزار الحي فإنه من السرة إلى
الركبة (وقميص) من أصل العنق إلى القدمين بلا دخريص ولا كمين (ولفافة) تزيد
على ما هو فوق الفرق والقدم ليلف فيها، وتربط من الأعلى والأسفل، ويحسن
الكفن، ولا يتعالى فيه، ويكون مما يلبسه في حياته في الجمعة والعيدين، وفضل
البياض من القطن (فإن اقتصروا على ثوبين) إزار ولفافة (جاز) وهذا كفن
الكفاية، وأما الثوب الواحد فيكره إلا في حالة الضرورة (فإذا أرادوا لف
اللفافة عليه ابتدءوا بالجانب الأيسر فألقوه عليه ثم بالأيمن) كما في حالة
الحياة (فإن خافوا أن ينتشر الكفن عنه عقدوه) صيانة عن الكشف (وتكفن
المرأة) للسنة (في خمسة أثواب: إزار، وقميص) كما تقدم في الرجل (وخمار)
لوجهها ورأسها (وخرقة يربط بها ثدياها) وعرضها من الثدي إلى السرة، وقيل:
إلى الركبتين (ولفافة، فإن اقتصروا على ثلاثة أثواب) إزار وخمار ولفافة
(جاز) : وهذا كفن الكفاية في حقها، ويكره في أقل من ذلك إلا في حالة
الضرورة (ويكون الخمار فوق القميص تحت) الإزار و (اللفافة) فتبسط اللفافة،
ثم الخرقة فوقها، ثم الإزار فوقهما، ثم توضع المرأة مقصمه (ويجعل شعرها)
ضفيرتين (على صدرها) فوق القميص، ثم تخمر بالخمار، ثم يعطف عليها بالإزار،
ثم تربط الخرقة فوق الثديين، ثم اللفافة، وفي السراج: قال الخجتدى؛ تربط
الخرقة على الثديين
(1/128)
ولا يسرح شعر الميت ولا لحيته، ولا يقص
ظفره، ولا يعقص شعره، وتجمر الأكفان قبل أن يدرج فيها وتراً، فإذا فرغوا
منه صلوا عليه، وأولى الناس بالصلاة عليه السلطان إن حضر، فإن لم يحضر
فيستحب تقديم إمام الحي ثم الولي، فإن صلى عليه غير الولي والسلطان أعاد
الولي، وإن صلى الولي لم يجز لأحدٍ أن يصلي بعده
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فوق الأكفان، قال: وقوله "فوق الأكفان" يحتمل أن يكون المراد تحت اللفافة
وفوق الإزار والقميص، وهو الظاهر، وفي الكرخي قوله "فوق الكفن" يعني به
الأكفان التي تحت اللفافة. اهـ. ومثله في الجوهرة.
(ولا يسرح شعر الميت ولا لحيته) ؛ لأنه للزينة، والميت منتقل إلى البلى
(ولا يقص ظفره ولا شعره) ؛ لما فيه من قطع جزء منه يحتاج إلى دفنه فلا
ينبغي فصله عنه (وتجمر الأكفان قبل أن يدرج فيها وتراً) فالمواضع التي يندب
فيها التجمير ثلاثة: عند خروج روحه، وعند غسله، وعند تكفينه ولا يجمر خلفه؛
للنهي عن إتباع الجنازة بصوت أو نار. (فإذا فرغوا منه صلوا عليه) ؛ لأنها
فريضة (وأولى الناس بالصلاة عليه: السلطان إن حضر) إلا أن الحق في ذلك
للأولياء: لأنهم أقرب إلى الميت، إلا أن السلطان إذا حضر كان أولى منهم
بعارض السلطنة وحصول الأزدراء بالتقدم عليه جوهرة (فإن لم يحضر) السلطان
فنائبه، فإن لم يحضر (فيستحب تقديم إمام الحي) لأنه رضيه في حياته، فكان
أولى بالصلاة عليه في مماته (ثم الولي) بترتيب عصوبة النكاح، إلا الأب
فيقدم على الابن اتفاقاً (فإن صلى عليه غير الولي والسلطان) ونائبه (أعاد
الولي) ولو على قبره إن شاء؛ لأجل حقه، لا لإسقاط الفرض، ولذا قلنا: ليس
لمن صلى عليها أن يعيد مع الولي لأن تكرارها غير مشروع در (وإن صلى الولي
لم يجز لأحد أن يصلي) عليه (بعده) ؛ لأن الفرض تأدى
(1/129)
فإن دفن ولم يصل عليه صلى على قبره.
والصلاة: أن يكبر تكبيرةً يحمد الله تعالى عقبيها، ثم يكبر تكبيرةً ويصلي
على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يكبر تكبيرةً يدعو فيها لنفسه وللميت
وللمسلمين، ثم يكبر تكبيرةً رابعةً ويسلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بالأول، والتنفل بها غير مشروع، ولو صلى عليه الولي وللميت أولياء أخر
بمنزلته ليس لهم أن يعيدوا؛ لأن ولاية من صلى عليه كمنزلته. جوهرة (فإن دفن
ولم يصل عليه صلى على قبره) ما لم يغلب على الظن تفسخه، هو الصحيح؛ لاختلاف
الحال والزمان والمكان. هداية.
(والصلاة) عليه أربع تكبيرات كل تكبيرة قائمة مقام ركعة، وكيفيتها: (أن
يكبر تكبيرة) ويرفع يديه فيها فقط، وبعدها (يحمد الله تعالى عقبيها) : أي
يقول: سبحانك اللهم وبحمدك. الخ (ثم يكبر تكبيرة) ثانية (ويصلي على النبي
صلى الله عليه وسلم) كما في التشهد (ثم يكبر تكبيرة) ثالثةً (يدعو فيها) :
أي بعدها بأمور الآخرة (لنفسه وللميت وللمسلمين) قال في الفتح: ولا توقيف
في الدعاء، سوى أنه بأمور الآخرة، وإن دعا بالمأثور فما أحسنه وما أبلغه،
ومن المأثور حديث عوف بن مالك أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على
جنازة فحفظ من دعائه (اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه وأكرم نزله ووسع
مدخله واغسله بالماء والثلج والبرد ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض
من الدنس، وأبدله داراً خيراً من داره، وأهلا خيراً من أهله، وزوجاً خيراً
من زوجه وأدخله الجنة، وأعذه من عذاب القبر، وعذاب النار) . قال عوف: حتى
تمنيت أن أكون ذلك الميت، رواه مسلم والترمذي والنسائي. اهـ. (ثم يكبر
تكبيرة رابعة ويسلم) بعدها من غير دعاء، واستحسن بعض المشايخ أن يقول
بعدها: "ربنا آتنا في الدنيا حسنة،
(1/130)
ولا يصلى على ميتٍ في مسجدٍ جماعةٍ. فإذا
حملوه على سريره أخذوا بقوائمه الأربع، ويمشون به مسرعين دون الخبب، فإذا
بلغوا إلى قبره كره للناس أن يجلسوا قبل أن يوضع عن أعناق الرجال، ويحفر
القبر ويلحد ويدخل الميت مما يلي القبلة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار". جوهرة ولا قراءة (1) ولا تشهد فيها، ولو
كبر إمامه أكثر لا يتابعه، ويمكث حتى يسلم معه إذا سلم، هو المختار. هداية.
(ولا يصلي) أي يكره تحريماً، وقيل: تنزيهاً، ورجح (على ميت في مسجد جماعة)
: أي مسجد الجامع ومسجد المحلة. قهستاني، وكما يكره الصلاة يكره إدخالها
فيه، كما نقله العلامة قاسم، وفي مختارات النوازل: سواء كان الميت فيه أو
خارجه، هو ظاهر الرواية، وفي رواية: لا يكره إذا كان الميت خارج المسجد.
(فإذا حملوه على سريره وأخذوا بقوائمه الأربع) ؛ لما فيه من زيادة الإكرام،
ويضع مقدمها على يمينه ويمشي عشر خطوات، ثم مؤخرها كذلك، ثم مقدمها على
يساره كذلك، ثم مؤخرها كذلك (ويمشون به مسرعين دون الخبب) : أي العدو
السريع؛ لكراهته (فإذا بلغوا إلى قبره كره للناس أن يجلسوا قبل أن توضع)
الجنازة (عن أعناق الرجال) ؛ لأنه قد تقع الحاجة إلى التعاون، والقيام أمكن
منه. هداية. (ويحفر القبر) مقدار نصف قامة، وإن زاد فحسن؛ لأن فيه صيانة
(ويلحد) إن كانت الأرض صلبة، وهو: أن يحفر في جانب القبلة من القبر حفيرة
فيوضع فيها الميت، ويشق إن كانت الأرض رخوة، وهو: أن يحفر حفيرة في وسط
القبر فيوضع فيها (ويدخل الميت مما يلي القبلة) إن أمكن، وهو: أن توضع
الجنازة في جانب القبلة من القبر، ويحمل الميت فيوضع في اللحد فيكون
_________
(1) يرى بعض الأئمة قراء الفاتحة بعد التكبيرة الأولى والحنيفة يقولون لا
يقرؤها إلا بنية الثناء قال في الفتح لم تثبت القراءة عند رسول الله صلى
الله عليه وسلم وفي موطأ مالك عن ابن عمر أنه كان لا يقرأ في صلاة الجنازة
(1/131)
فإذا وضع في لحده قال الذي يضعه: باسم الله
وعلى ملة رسول الله، ويوجهه إلى القبلة، ويحل العقدة، ويسوي اللبن عليه،
ويكره الآجر والخشب، ولا بأس بالقصب ثم يهال التراب عليه، ويسنم القبر ولا
يصطح، ومن استهل بعد الولادة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الآخذ له مستقبل القبلة، وهذا إذا لم يخش على القبر أن ينهار، وإلا فيسل من
قبل رأسه أو رجليه.
(فإذا وضع في لحده قال الذي يضعه) فيه: (باسم الله وعلى ملة رسول الله) ،
صلى الله عليه وسلم (ويوجه إلى القبلة) على جنبه الأيمن (ويحل العقدة) ؛
لأنها كانت لخوف الانتشار (ويسوى اللبن) بكسر الباء - جمع لبنة بوزن كلمة:
الطوب النيء (عليه) : أي اللحد، بأن يسد من جهة القبر ويقام اللبن فيه
اتقاء لوجهه عن التراب (ويكره الآجر) بالمد: الطوب المحرق (والخشب) ؛
لأنهما لإحكام البناء، وهو لا يليق بالميت؛ لأن القبر موضع البلى. وفي
الإمداد: وقال بعض مشايخنا: إنما يكره الآجر إذا أريد به الزينة، أما إذا
أريد به دفع أذى السباع أو شيء آخر لا يكره. اهـ (ولا بأس بالقصب) مع
اللبن، قال في الحلية: وتسد الفرج التي بين اللبن بالمدر والقصب كيلا ينزل
التراب منها على الميت، ونصوا على استحباب القصب فيها كالبن. اهـ. (ثم يهال
التراب عليه) ستراً له وصيانة (ويسنم القبر) ؛ أي يجعل ترابه مرتفعاً عليه
مثل سنام البعير، مقدار شبر ونحوه، وتكره الزيادة على التراب الذي خرج منه
(ولا يسطح) للنهي عنه، ولا يجصص ولا يطين، ولا يرفع عليه بناء، وقيل: لا
بأس به، وهو المختار. تنوير، ولا بأس بالكتابة إن احتيج إليها حتى لا يذهب
الأثر ولا يمتهن. سراجية.
(ومن استهل) بالبناء للفاعل - أي وجد منه ما يدل على حياته من صراخ أو عطاس
أو تثاؤب أو نحو ذلك مما يدل على الحياة المستقرة (بعد الولادة) أو خروج
أكثره، والعبرة بالصدر إن نزل مستقيماً برأسه، وبسرته إن نزل منكوساً
(1/132)
سمى وغسل وصلى عليه، وإن لم يستهل أدرج في
خرقةٍ ولم يصل عليه.
باب الشهيد.
- الشهيد: من قتله المشركون أو وجد في المعركة وبه أثر الجراحة، أو قتله
المسلمون ظلماً ولم تجب بقتله ديةٌ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(سمى وغسل) وكفن (وصلى عليه) ويرث ويورث، (وإن لم يستهل) غسل في المختار.
هداية. و (أدرج في خرقة ولم يصل عليه) وكذا يغسل السقط الذي لم يتم خلقه في
المختار، كما في الفتح والدراية، ويسمى كما ذكره الطحاوي عن أبي يوسف، كذا
في التبيين.
باب الشهيد
فعيل بمعنى مفعول؛ لأنه مشهود له بالجنة. أو تشهد موته الملائكة، أو فاعل؛
لأنه حي عند ربه، فهو شاهد.
(الشهيد) الذي له الأحكام الآتية: (من قتله المشركون) بأي آلة كانت، مباشرة
أو تسبباً منهم، كما لو اضطروهم حتى ألقوه في نار أو ماء، أو نفروا دابة
فصدمت مسلماً، أو رموا نيراناً فذهبت بها الريح إلى المسلمين، أو أرسلوا
ماء فغرقوا به؛ لأنه مضاف إلى العدو. فتح (أو وجد في المعركة) سواء كانت
معركة أهل الحرب أو البغى أو قطاع الطريق (وبه أثر) كجرح وكسر وحرق وخروج
دم من أذن أو عين، لا فم وأنف ومخرج (أو قتله المسلمون ظلماً ولم تجب بقتله
دية) : أي ابتداء، حتى لو وجبت بعارض كالصلح وقتل الأب ابنه لا تسقط
الشهادة
(1/133)
فيكفن ويصلى عليه، ولا يغسل، وإذا استشهد
الجنب غسل عند أبي حنيفة، وكذلك الصبي. وقال أبو يوسف ومحمدٌ: لا يغسلان،
ولا يغسل عن الشهيد دمه، ولا ينزع عنه ثيابه، وينزع عنه الفرو والخف والحشو
والسلاح، ومن ارتث غسل. والارتثات: أن يأكل أو يشرب أو يداوى أو يبقى حياً
حتى يمضي عليه وقت صلاةٍ وهو يعقل، أو ينقل من المعركة حياً، ومن قتل في حد
أو قصاص غسل وصلى عليه،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
إذا عرف ذلك وأريد تجهيزه (فيكفن) بثيابه (ويصلى عليه ولا يغسل) إذا كان
مكماً طاهراً، افاقاً (و) أما (إذا استشهد الجنب) وكذا الحائض والنفساء
(غسل عند أبي حنيفة، وكذلك الصبي) والمجنون (وقالا: لا يغسلان) قال في
التصحيح: ورجح دليله في الشروح، وهو المعول عليه عند النسفي، والمفتى به
عند المحبوبي. اهـ. (ولا يغسل عن الشهيد دمه، ولا ينزع عنه ثيابه) لحديث:
(زملوهم بدمائهم) ، (و) لكن (ينزع عنه الفرو والخف والحشو والسلاح) وكل ما
لا يصلح للكفن، ويزيدون وينقصون في ثيابه إتماماً لكفن المنة.
(ومن ارتث) بالبناء المجهول -: أي أبطأ موته عن جرحه (غسل) ؛ لانقطاع حكم
شهادة الدنيا عنه، وإن كان من شهداء الآخرة (والارتثاث) القاطع لحكم
الشهادة: (أن يأكل أو يشرب) أو ينام (أو يتداوى أو يتق حياً حتى يمضي عليه
وقت صلاة وهو يعقل) ويقدر على أدائها (أو ينقل من المعركة) وهو يعقل؛ إلا
لخوف وطء الخيل.
(ومن قتل في حد أو قصاص غسل) وكفن (وصلى عليه) ؛ لأنه لم يقتل ظلماً، وإنما
قتل بحق
(1/134)
ومن قتل من البغاة أو قطاع الطريق لم يصل
عليه.
باب الصلاة في الكعبة وحولها.
- الصلاة في الكعبة جائزةٌ فرضها ونفلها، فإن صلى الإمام بجماعةٍ فجعل
بعضهم ظهر الإمام جاز، ومن جعل منهم ظهره إلى وجه الإمام لم تجز صلاته،
وإذا صلى الإمام في المسجد الحرام تحلق الناس حول الكعبة وصلوا بصلاة
الإمام،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(ومن قتل من البغاة) وهم: الخارجون عن طاعة الإمام، كما يأتي (أو قطاع
الطريق) حالة المحاربة (لم يصل عليه) ولم يغسل، وقيل: يغسل ولم يصل عليه؛
للفرق بينه وبين الشهيد، قيدنا بحالة المحاربة لأنه إذا قتل بعد ثبوت يد
الإمام فإنه يغسل ويصلى عليه، وهذا تفصيل حسن أخذ به الكبار من المشايخ.
زيلعي.
باب الصلاة في الكعبة وحولها
(الصلاة في الكعبة جائزة فرضها ونفلها؛ فإن صلى الإمام) فيها (بجماعة) معه
(فجعل بعضهم ظهره إلى ظهر الإمام) أو جنبه، أو جعل وجهه إلى ظهر الإمام أو
جنبه أو جعل جنبه إلى وجه الإمام أو جنبه متوجهاً إلى غير جهته، أو جعل
وجهه إلى وجه الإمام - (جاز) الاقتداء في الصور السبع المذكورة، إلا أنه
يكره أن يقابل وجه الإمام بلا حائل، وكل جانب قبلة، والتقدم والتأخر إنما
يظهر عند اتحاد الجهة، ولذا قال؛ (ومن جعل منهم ظهره إلى وجه الإمام لم تجز
صلاته) : أي لتقدمه على الإمام (فإن صلى الإمام) خارجها (في) داخل (المسجد
الحرام تحلق) بدون الواو على ما في أكثر النسخ جواب "إن" وفي بعضها (وتحلق
الناس حول الكعبة) قال في الجوهرة: إن كان بالواو فهو من صورة المسألة
وجوابها "فمن كان" وإن كان بدون الواو فهو جواب إن، ويكون قوله (وصلوا
بصلاة الإمام) بياناً للجواز، وقوله "فمن كان" للاستئناف. اه
(1/135)
فمن كان منهم أقرب إلى الكعبة من الإمام جازت صلاته إذا لم يكن في جانب
الإمام، ومن صلى على ظهر الكعبة جازت صلاته. |