اللباب في شرح الكتاب

كتاب الإجارة.
- الإجارة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الإقرار على تصديقهم، وقدمنا أن هذا في غير الولد الذي لا يعبر عن نفسه، لأنه بمنزلة المتاع فلا يعتبر تصديقه.
(ومن أقر بنسب من غير) هؤلاء المذكورين من (الوالدين والولد والزوج والزوجة والمولى، مثل الأخ والعم) والجد وابن الابن (لم يقبل إقراره في النسب) وإن صدقه المقر له، لأن فيه حمل النسب على الغير (فإن كان له) : أي المقر (وارث معروف) نسبه (قريب أو بعيد فهو أولى بالميراث من المقر له) ؛ لأنه لما لم يثبت نسبه منه لم يزاحم الوارث المعروف النسب (وإن لم يكن له وارث) معروف (استحق المقر له ميراثه) ، لأن له ولاية التصرف في مال نفسه عند عدم الوارث، فيستحق جميع المال وإن لم يثبت نسبه (ومن مات أبوه فأقر بأخ لم يثبت نسب أخيه) وإن صدقه (و) لكنه (يشاركه في الميراث) لأن إقراره تضمن شيئين: حمل النسب على الغير، ولا ولاية له عليه فلا يثبت، والاشتراك في المال، وله فيه ولاية فيثبت.
كتاب الإجارة
(الإجارة) لغة: اسم للأجرة، وهي كراء الأجير. وقد أجره، إذا أعطاه أجرته، من بابي طلب وضرب، فهو آجرٌ، وذاك مأجور، وتمامه في المغرب، واصطلاحات

(2/87)


عقدٌ على المنافع بعوض، ولا تصح حتى تكون المنافع معلومة والأجرة معلومة، وما جاز أن يكون ثمناً في البيع جاز أن يكون أجرة في الإجارة، والمنافع تارةً تصير معلومةً بالمدة كاستئجار الدورلا للسكنى والأرضين للزراعة؛ فيصح العقد على مدةٍ معلومةٍ أي مدةٍ كانت، وتارةً تصير معلومة بالعمل والتسمية كمن استأجر رجلاً على صبغ ثوبٍ أو خياطته،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(عقد على المنافع بعوض) وتنعقد ساعة فساعة، على حسب حدوث المنفعة، وأقيمت العين مقام المنفعة في حق إضافة العقد إليها ليرتبط الإيجاب بالقبول، ثم عمله يظهر في حق المنفعة.
(ولا تصح) الإجارة (حتى تكون المنافع معلومة والأجرة) أيضاً (معلومة) لأن الجهالة في المعقود عليه وبدله تفضي إلى المنازعة، كجهالة الثمن والمثمن في البيع.
(و) كل (ما جاز أن يكون ثمناً) : أي بدلا (في البيع جاز أن يكون أجرة في الإجارة) ، لأن الأجرة ثمن المنفعة فيعتبر بثمن المبيع، ولا ينعكس، لجواز إجارة المنفعة بالمنفعة إذا اختلفا كما يأتي.
(والمنافع تارة تصير معلومة بالمدة) : أي ببيان مدة الاستئجار (كاستئجار الدور) مدة معلومة (للسكنى، و) استئجار (الأرضين للزراعة؛ فيصح العقد على مدة معلومة أي مدة كانت) : أي طالت أو قصرت، لأن المدة إذا كانت معلومة كان قدر المنفعة فيها معلوما، إلا في الأوقاف، فلا تجوز الإجارة الطويلة في المختار كيلا يدعى المستأجر ملكها - وهي ما زاد على ثلاث سنين في الضياع، وعلى سنة في غيرها - وعلى هذا أرض اليتيم. جوهرة (وتارة تصير) المنفعة (معلومة بالعمل) أي ببيان العمل المعقود عليه (والتسمية، كمن استأجر رجلا على صبغ ثوب أو خياطته) وبين الثوب

(2/88)


أو استأجر دابةً ليحمل عليها مقداراً معلوماً أو يركبها مسافة سماها، وتارةً تصير معلومةً بالتعيين والإشارة كمن استأجر رجلاً لينقل له هذا الطعام إلى موضعٍ معلومٍ، ويجوز استئجار الدور والحوانيت للسكنى، وإن لم يبين ما يعمل فيها، وله أن يعمل كل شيءٍ إلا الحداد والقصار والطحان، ويجوز استئجار الأراضي للزراعة ولا يصح العقد حتى يسمي ما يزرع فيها أو يقول: على أن يزرع فيها ما شاء، ويجوز أن يستأجر الساحة ليبني فيها أو يغرس فيها نخلاً أو شجراً، فإذا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ولون الصبغ وجنس الخياطة (أو استأجر دابة ليحمل عليها مقداراً معلوماً) قدره وجنسه (أو يركبها مسافة سماها) ببيان الوقت أو الموضع، فلو خلا عنهما فهي فاسدة. بزازية (وتارة تصير) المنفعة (معلومة بالتعيين) للمعقود عليه (والإشارة) إليه (كمن استأجر رجلا على أن ينقل له هذا الطعام إلى موضع معلوم) ، لأنه إذا أراه ما ينقله والموضع الذي يحمل إليه كانت المنفعة معلومة.
(ويجوز استئجار الدور) جمع دار، وهي معلومة (والحوانيت) جمع حانوت، وهي الدكان، المعدة (للسكنى وإن لم يبين ما يعمل فيها) ، لأن العمل المتعارف فيها السكنى فينصرف إليه (وله أن يعمل كل شيء) مما لا يضر بالبناء كما أشار إليه بقوله: (إلا الحداد والقصار والطحان) ، لأن في ذلك ضرراً ظاهراً، لأنه يوهن البناء ويضر به؛ فلا يملكه إلا بالتسمية (ويجوز استئجار الأراضي للزراعة) ، لأنها منفعة مقصودة معهودة فيها (و) لكن (لا يصح العقد حتى يسمي ما يزرع فيها) لأن ما يزرع فيها متفاوت، وبعضه يضر بالأرض، فلابد من التعيين كيلا تقع المنازعة (أو يقول: على أن يزرع فيها ما شاء) ؛ لأنه بالتفويض إليه ارتفعت الجهالة المفضية إلى المنازعة (ويجوز أن يستأجر الساحة) بالحاء المهملة - وهي الأرض الخالية من البناء والغرس (ليبني فيها) بناء (أو يغرس فيها نخلا أو شجرا) ، لأنها منفعة تقصد بالأراضي كالزراعة (فإذا

(2/89)


انقضت مدة الإجارة لزمه أن يقلع البناء والغرس ويسلمها فارغةً، إلا أن يختار صاحب الأرض أن يغرم له قيمة ذلك مقلوعاً فيملكه أو يرضى بتركه على حاله فيكون البناء لهذا والأرض لهذا، ويجوز استئجار الدواب للركوب والحمل، فإن أطلق الركوب جاز له أن يركبها من شاء، وكذلك إن استأجر ثوباً للبس وأطلق، فإن قال: على أن يركبها فلانٌ، أو يلبس الثوب فلانٌ، فأركبها غيره أو ألبسه غيره؛ كان ضامناً إن عطبت الدابة أو تلف الثوب؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
انقضت مدة الإجارة لزمه) أي المستأجر (أن يقلع البناء) الذي بناه (والغراس الذي غرسه، إن لم يرض المؤجر بتركها (ويسلمها) لصاحبها (فارغة لأنه لا نهاية لهما وفي إبقائهما إضراراً بصاحب الأرضص، بخلاف ما إذا انقضت المدة والزرع بقلٌ حيث يترك بأجر المثل إلى إدراكه، لأن له نهاية معلومة فأمكن رعاية الجانبين (إلا أن يختار صاحب الأرض أن يغرم له) : أي للباني والغارس (قيمة ذلك) البناء والغراس (مقلوعا فيملكه) وهذا برضا صاحب البناء والغرس، إلا إذا كانت تنقص الأرض بالقلع، فحينئذ يتملكها بعير رضاه. هداية (أو يرضى بتركه على حاله فيكون البناء لهذا والأرض لهذا) ، لأن الحق له، فله أن لا يستوفيه، والرطبة كالشجر لأنها لا نهاية لهما (ويجوز استئجار الدواب للركوب والحمل) لأنها منفعة معهودة (فإن أطلق الركوب) بأن قال "يركب من شاء" - وهو المراد بالإطلاق، لا أنه يستأجر الدابة للركوب ويطلقه فإنه لا يجوز كما في مسكين نقلا عن الذخيرة والمغنى وشرح الطحاوي - (جاز له أن يركبها من شاء) عملا بالإطلاق، ولكن إذا ركب بنفسه أو أركب واحداً ليس له أن يركب غيره، لأنه تعين مراداً من الأصل، والناس يتفاوتون في الركوب، فصار كأنه نص على ركوبه (وكذلك) الحكم (إن استأجر ثوباً للبس وأطلق) لتفاوت الناس في اللبس أيضا (فإن) قيد: بأن (قال على أن يركبها فلان أو يلبس الثوب فلان) فخالف (فأركبها غيره أو ألبسه غيره) : أي غير المشروط (كان ضامناً إن عطبت الدابة أو تلف الثوب) ، لأن الناس يتفاوتون في الركوب واللبس، فصح التعيين، وليس له أن يتعداه، ولا أجر

(2/90)


وكذلك كل ما يختلف باختلاف المستعمل، وأما العقار وما لا يختلف باختلاف المستعمل فلا يعتبر تقييده، فإذا شرط سكنى واحدٍ فله أن يسكن غيره، وإن سمى نوعاً أو قدراً يحمله على الدابة مثل أن يقول "خمسة أقفزة حنطةٍ" فله أن يحمل ما هو مثل الحنطة في الضرر أو أقل كالشعير والسمسم، وليس له أن يحمل ما هو أضر من الحنطة كالملح والحديد، وإن استأجرها ليحمل عليها قطناً سماه فليس له أن يحمل مثل وزنه حديداً، وإن استأجرها ليركبها فأردف معه رجلا فعطبت ضمن نصف قيمتها، ولا يعتبر بالثقل،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
يلزمه لأنه لا يجتمع مع الضمان.
(وكذلك كل ما يختلف باختلاف المستعمل) لما تقدم (أما العقار ومالا يختلف باختلاف المستعمل فلا يعتبر تقييده؛ فإذا شرط) في العقار (سكنى واحد) بعينه (فله أن يسكن غيره) ، لأن التقييد غير مفيد، لعدم التفاوت، والذي يضر بالبناء خارج على ما تقدم (وإن سمى) المستأجر (نوعا وقدرا يحمله على الدابة مثل أن يقول) لأحمل عليها (خمسة أقفزة حنطة فله أن يحمل ما هو مثل الحنطة في الضرر) كالعدس والماش، لعدم التفاوت (أو أقل) ضررا (كالشعير والسمسم، لكونه خيراً من المشروط (وليس له أن يحمل ما هو أضر من الحنطة كالملح والحديد) لانعدام الرضا به، والأصل: أن من استحق منفعةً مقدرة بالعقد فاستوفاها أو مثلها أو دونها جاز، لدخوله تحت الإذن، ولو أكثر لم يجز، لعدم دخوله تحته (وإن استأجرها) أي الدابة (ليحمل عليها قطناً سماه) : أي سمى قدره (فليس له أن يحمل مثل وزنه حديدا) ونحوه؛ لأنه ربما يكون أضر على الدابة، فإن الحديد يجتمع في موضع في ظهره، والقطن ينبسط عليه (وإن استأجرها) : أي الدابة (ليركبها فأردف معه رجلا) بحيث يستمسك بنفسه والدابة تطيق ذلك (فعطبت) الدابة (ضمن نصف قيمتها) ، لأنها تلفت بركوبهما وأحدهما مأذون له دون الآخر (ولا يعتبر بالثقل) ، لأي الرجال لا توزن، والدابة ربما يعقرها جهل الراكب الخفيف ويخف عليها ركوب الثقيل، فاعتبر عدد الراكب، ولم يعين الضامن؛ لأن المالك بالخيار في تضمين أيهما شاء، ثم إن ضمن

(2/91)


وإن استأجرها ليحمل عليها مقداراً من الحنطة فحمل أكثر منه فعطبت ضمن ما زاد الثقل، وإذا كبح الدابة بلجامها أو ضربها فعطبت ضمن عند أبي حنيفة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الراكب فلا رجوع له على الرديف، وإن ضمن الرديف يرجع بما ضمن على الراكب إن كان مستأجراً منه، وإلا لا، ولم يتعرض لوجوب الأجر، والمنقول في النهاية والمحيط أنه يجب جميع الأجر إذا هلكت بعد بلوغ المقصد مع تضمين النصف، لأن الضمان لركوب غيره، والأجر لركوبه، وقيد بكونها عطبت لأنها لو سلمت لا يلزمه غير المسمى كما في غاية البيان، وقيد بالإرداف ليكون كالتابع، لأنه لو أقعده في السرج صار غاصباً ولم يجب عليه شيء من الأجر، لأنه لا بجامع الضمان كما في غاية البيان، وكذا لو حمله على عاتقه، لكونه يجتمع في محل واحد فيشق على الدابة وإن كانت تطيق حملهما كما في النهاية، وقيد بالرجل لأنه لو ركبها وحمل عليها شيئا ضمن قدر الزيادة، وهذا إذا لم يركب فوق الحمل، أما لو ركب فوق الحمل ضمن جميع القيمة كما ذكره جواهر زاده، وقيدنا بكونه يستمسك بنفسه لأن ما لا يستمسك بنفسه بمنزلة المتاع يضمن بقدر ثقله كما في الزيلعي، وبكونها تطيق ذلك لأنها إذا لم تطق يضمن جميع القيمة كما في النسفي (وإن استأجرها ليحمل عليها مقداراً من الحنطة) مثلا (فحمل أكثر منه) من جنسه (فعطبت) الدابة (ضمن ما زاد الثقل) ؛ لأنها عطبت بما هو مأذون فيه وغير مأذون فيه، والسبب الثقل، فانقسم عليهما، إلا إذا كان حملا لا تطيقه مثل تلك الدابة فحينئذ يضمن كل قيمتها، لعدم الإذن فيها أصلا لخروجه عن المعتاد، هداية، قيدنا بأنها من جنس المسمى، لأنه لو حمل جنساً غير المسمى ضمن جميع القيمة كما في البحر (وإذا كبح الدابة) أي جذبها إليه (بلجامها أو ضربها) كبحاً وضرباً متعارفاً (فعطبت ضمن عند أبي حنيفة) ، لأن الإذن مقيد بشرط السلامة، إذ يتحقق السوق بدونهما، وإنما هما للمبالغة، فيتقيد بوصف السلامة. هداية.
وفي الجوهرة: وعليه الفتوى، وقالا: لا يضمن إذا فعل فعلا متعارفاً؛ لأن المتعارف مما يدخل تحت مطلق العقد، فكان حاصلا بإذنه فلا يضمنه

(2/92)


والأجراء على ضربين: أجيرٌ مشتركٌ، وأجيرٌ خاصٌ، فالمشترك: من لا يستحق الأجرة حتى يعمل كالصباغ والقصار، والمتاع أمانةٌ في يده: إن هلك لم يضمن شيئاً عند أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمدٌ: يضمنه، وما تلف بعمله كتخريق الثوب من دقه وزلق الحمال وانقطاع الحبل الذي يشد به المكاري الحمل وغرق السفينة من مدها مضمونٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قال في التصحيح: واعتمد قوله الإمام المحبوبي والنسفي، لكن صرح الإسبيجاني والزوزني أن قوله قياسٌ وقولهما استحسانٌ، اهـ. قيدنا بالكبح والضرب لأنه لا يضمن بالسوق اتفاقا، وقيدنا بكونه متعارفا لأنه بغير المتعارف يضمن اتفاقا.
(والأجراء على ضربين) أي نوعين (أجير مشترك، وأجير خاص، فالمشترك من) يعمل لا لواحد، أو لواحد من غير توقيب، ومن أحكامه أنه (لا يستحق الأجرة حتى يعمل) المعقود عليه، وذلك (كالصباغ والقصار) ونحوهما (والمتاع أمانة في يده: إن هلك لم يضمن شيئاً، عند أبي حنيفة) وإن شرط عليه الضمان؛ لأن شرط الضمان في الأمانة مخالف لقضية الشرع، فيكون باطلا كما في الذخيرة نقلا عن الطحاوي، وقالا: يضمنه إلا من شيء غالب كالحريق الغالب والعدو المكابر، ونقل في التصحيح الإفتاء بقول الإمام عن عامة المعتبرات، وقال: واعتمده المحبوبي والنسفي، وبه جزم أصحاب المتون فكان هو المذهب، اهـ. لكن قال في الدر: وأفتى المتأخرون بالصلح على نصف القيمة، وقيل: إن كان الأجير مصلحا لا يضمن، وإن بخلافه يضمن، وإن مستور الحال يؤمر بالصلح، عمادية. قلت: وهل يجبر عليه؟ حرر في تنوير البصائر نعم، كمن تمت مدته في وسط البحر أو البرية تبقى الإجارة بالجبر. اهـ (وما تلف بعمله كتخريق الثوب من دقه وزلق الحمال وانقطاع الحبل الذي يشد به المكارى الحمل وغرق السفينة من مدها) : أي أجرائها (مضمون) عليه؛ لأن المأذون فيه ما هو داخل تحت العقد، وهو العمل الصالح، فلم يكن المفسد مأذوناً فيه فيكون مضمونا عليه

(2/93)


إلا أنه لا يضمن به بني آدم ممن غرق في السفينة أو سقط من الدابة لم يضمنه، وإذا فصد الفصاد أو بزغ البزاغ ولم يتجاوز الموضع المعتاد فلا ضمان عليه فيما عطب من ذلك. والأجير الخاص: الذي يستحق الأجرة بتسليم نفسه في المدة، وإن لم يعمل، كمن استؤجر شهراً للخدمة أو لرعي الغنم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(إلا أنه لا يضمن به بني آدم ممن غرق في السفينة أو سقط من الدابة) وإن كان بسوقه أو قوده؛ لأن ضمان الآدمي لا يجب بالعقد، بل بالجناية، وهذا ليس بجناية لكونه مأذونا فيه (وإذا فصد الفصاد) بإذن المفصود (أو بزغ البزاغ) أي البيطار بإذن رب الدابة (ولم يتجاوز الموضع المعتاد فلا ضمان عليه فيما عطب من ذلك) لأنه لا يمكن الاحتراز عن السراية؛ لأنه يبتنى على قوة الطباع وضعفها، ولا يعرف ذلك بنفسه، فلا يمكن تقييده بالسلامة، فسقط اعتباره، إلا إذا جاوز المعتاد فيضمن الزائد كله إذا لم يهلك، وإذا هلك ضمن نصف الدية، لأنه هلك بمأذون فيه وغير مأذون فيه، فيضمن بحسابه - وهو النصف - حتى إن الختان لو قطع الحشفة وبرئ المقطوع تجب عليه دية كاملة، لأن الزائل هو الحشفة، وهو عضو كامل، فتجب دية كاملة، وإن مات يجب عليه نصف الدية. وهي من الغرائب، حيث يجب الأكثر بالبرء والأقل بالهلاك. درر عن الزيلعي.
قيدنا الفصد والبزغ بالإذن، لأنه لو بغير الإذن ضمن مطلقا.
(والأجير الخاص) - ويسمى أجير واحدٍ أيضا - هو (الذي) يعمل لواحد عملا موقتا بالتخصيص، ومن أحكامه أنه (يستحق الأجرة بتسليم نفسه في المدة) المعقود عليها (وإن لم يعمل) وذلك (كمن استؤجر شهراً للخدمة أو لرعي الغنم) ؛ لأن المعقود عليه تسليم نفسه، لا عمله، كالدار المستأجرة للسكنى، والأجر مقابل بها، فيستحقه ما لم يمنع من العمل مانع كمرض ومطر ونحوهما مما يمنع التمكن من العمل. ثم الأجير للخدمة أو لرعي الغنم إنما يكون خاصا إذا شرط عليه أن لا يخدم غيره ولا يرعى لغيره أو ذكر المدة أو لا، كأن يستأجره شهراً ليرعى له غنما مسماة بأجر معلوم فإنه أجير خاص بأول

(2/94)


ولا ضمان على الأجير الخاص فيما تلف في يده ولا ما تلف من عمله.
والإجارة تفسدها الشروط كما تفسد البيع، ومن استأجر عبداً للخدمة فليس له أن يسافر به إلا أن يشترط ذلك، ومن استأجر جملاً ليحمل عليه محملاً وراكبين إلى مكة جاز، وله المحمل المعتاد، وإن شاهد الجمال المحمل فهو أجود، وإن استأجر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الكلام، وتمامه في الدرر، ولبس للخاص أن يعمل لغيره، ولو عمل نقص من أجرته بقدر ما عمل، فتاوى النوازل (ولا ضمان على الأجير الخاص فيما تلف في يده) بأن سرق منه أو غصب لأنه أمانة في يده، لأنه قبضه بإذنه (ولا ما تلف من عمله) العمل المعتاد: كتخريق للثوب من دقه، لأن منافعه صارت مملوكة للمستأجر، فإذا أمره بالصرف إلى ملكه صح وصار نائبا منابه فصار فعله منقولا إليه كأنه فعله بنفسه، قيدنا العمل بالمعتاد لأنه لو كان غير معتاد بأن تعمد الفساد ضمن كالمودع.
(والإجارة تفسدها الشروط) المخالفة لمقتضى العقد (كما تفسد البيع) بذلك، لأن الإجارة بمنزلة البيع لأنها بيع المنافع.
(ومن استأجر عبدا للخدمة) وهو مقيم، ولم يكن معروفا بالسفر (فليس له أن يسافر به، إلا أن يشترط ذلك) في عقد الإجارة، لأن خدمة السفر أشق فلا تلزم إلا بالتزامه، قيدنا بكونه مقيما لأنه إذا كان مسافرا له السفر به، كما في الجوهرة، وبكونه غير معروف بالسفر لأنه إذا كان معروفا بالسفر له السفر به، لأن المعروف كالمشروط (ومن استأجر جملا ليحمل عليه محملا) ولو غير معين (وراكبين) معينين أو يقول: على أن أركب من أشاء (إلى مكة جاز) العقد استحساناً (وله المحمل المعتاد) لأن المقصود هو الراكب وهو معلوم، والمحمل تابع، وما فيه من الجهالة يرتفع بالصرف إلى المعتاد، ويجعل المعقود عليه جملا في ذمة المكاري؛ والإبل آلة، وجهالة الآلة لا تفسد (وإن شاهد الجمال المحمل فهو أجود) ، لأنه أنفى للجهالة (وإن استأجر

(2/95)


بعيراً ليحمل عليه مقداراً من الزاد فأكل منه في الطريق جاز له أن يرد عوض ما أكل، والأجرة لا تجب بالعقد، وتستحق بأحد معانٍ ثلاثةٍ: إما بشرط التعجيل. أو بالتعجيل من غير شرطٍ، أو باستيفاء المعقود عليه، ومن استأجر داراً فللمؤجر أن يطالبه بأجرة كل يومٍ إلا أن يبين وقت الاستحقاق بالعقد، ومن استأجر بعيراً إلى مكة فللجمال أن يطالبه بأجرة كل مرحلةٍ، وليس للقصار والخياط أن يطالب بالأجرة حتى يفرغ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بعيراً ليحمل عليه مقداراً من الزاد فأكل منه في الطريق جاز له أن يرد عوض ما أكل) من زاد ونحوه، لأنه يستحق عليه حملا مسمى في جميع الطريق؛ فله أن يستوفيه.
(والأجرة لا تجب بالعقد) فلا يجب تسليمها به (و) إنما (تستحق بأحد معان ثلاثة: إما بشرط التعجيل) وقت العقد، لأنه شرط لازم (أو بالتعجيل من غير شرط) بأن يعطيه حالا، فإنه يكون هو الواجب، حتى لا يكون له الاسترداد (أو باستيفاء المعقود عليه) ، لأنها عقد معاوضة، فإذا استوفى المنفعة استحق عليه البدل.
(ومن استأجر دارا) سنة مثلا بقدر معلوم من غير بيان وقت الاستحقاق (فللمؤجر أن يطالبه بأجرة كل يوم) لأنهما منفعة مقصودة (إلا أن يبين وقت الاستحقاق في العقد) لأنه بمنزلة التأجيل (و) كذا (من استأجر بعيرا إلى مكة) بقدر معلوم فللجمال أن يطالبه بأجرة كل مرحلة) ، لأن سير كل مرحلة منفعة مقصودة، وكان الإمام أولا يقول: لا يجب الأجر إلا بعد انقضاء المدة وانتهاء السفر، لأن المعقود عليه جملة المنافع في المدة فلا يتوزع الأجر على أجزائها، كما إذا كان المعقود عليه العمل، ووجه المرجوع إليه أن القياس يقتضي استحقاق الأجرة ساعة فساعة لتتحقق المساواة، إلا أن المطالبة في كل ساعة تفضي إلى أن لا يتفرغ لغيره فيتضرر به، فقدر بما ذكرناه، هداية.
(وليس للقصار والخياط) ونحوهما (أن يطالب بالأجرة) أو بعضها (حتى يفرغ

(2/96)


من العمل إلا أن يشترط التعجيل، ومن استأجر خبازاً ليخبز له في بيته قفيز دقيق بدرهمٍ لم يستحق الأجرة حتى يخرج الخبز من التنور، ومن استأجر طباخاً ليطبخ له طعاماً للويمة فالغرف عليه، ومن استأجر رجلاً ليضرب له لبناً استحق الأجرة إذا أقامه عند أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمدٌ: لا يستحقها حتى يشرجه، وإذا قال للخياط: إن خطت هذا الثوب فارسياً فبدرهمٍ، وإن خطته رومياً فبدرهمين، جاز، وأي العملين عمل استحق الأجرة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
من العمل) المعقود عليه، لأن العمل في البعض غير منتفع به فلا يستوجب به الأجر.
(إلا أن يشترط التعجيل) ، لما مر أن الشرط فيه لازم (ومن استأجر خبازاً ليخبز له في بيته) : أي بيت المستأجر (قفيز دقيق) مثلا (بدرهم لم يستحق الأجرة حتى يخرج الخبز من التنور) ، لأن تمامه بالإخراج، فلو احترق أو سقط من يده قبل الإخراج فلا أجرة له للهلاك قبل التسليم، وإن أخرجه ثم احترق من غير فعله فله الأجر ولا ضمان عليه. هداية. (ومن استأجر طباخاً ليطبخ له طعاما للوليمة فالغرف عليه) : أي على الأجير، لجريان العرف بذلك (ومن استأجر رجلا ليضرب له لبناً) بكسر الباء (استحق الأجرة إذا أقامه) أي صار لبناً (عند أبي حنيفة) ؛ لأن العمل قد تم والتشريج عمل زائد كالنقل، ألا يرى أن ينتفع به قبل التشريج بالنقل إلى موضع العمل، بخلاف ما قبل الإقامة، لأنه طين منتشر. هداية (وقالا: لا يستحقها) : أي الأجرة (حتى يشرجه) أي يركب بعضه على بعض، لأنه من تمام عمله، إذ لا يؤمن الفساد قبله، فصار كإخراج الخبز من التنور، ولأن الأجير هو الذي يتولاه عرفا، وهو المعتبر فيما لم ينص عليه، قال في التصحيح: وقد اعتمد قول الإمام المحبوبي والنسفي، وقال في العيون: والفتوى على قولهما، قلت: كأنه لاتحاد العرف فيراعى إن اتحد. انتهى. (وإذا قال للخياط: إن خطت هذا الثوب فارسيا فبدرهم، وإن خطته روميا فبدرهمين، جاز) الشرطان (وأي العملين عمل استحق الأجرة) المشروطة، وكذا

(2/97)


وإن قال: إن خطته اليوم فبدرهمٍ، وإن خطته غداً فبنصف درهمٍ، فإن خاطه اليوم فله درهمٌ، وإن خاطه غداً فله أجر مثله عند أبي حنيفة ولا يتجاوز به نصف درهمٍ، وإن قال: إن سكنت في هذا الدكان عطاراً فبدرهمٍ في الشهر، وإن سكنته حداداً فبدرهمين، جاز، وأي الأمرين فعل استحق المسمى فيه عند أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمدٌ: الإجارة فاسدةٌ، ومن استأجر داراً كل شهرٍ بدرهمٍ فالعقد صحيحٌ في شهرٍ واحدٍ فاسدٌ في بقية الشهور.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
إذا خيره بين ثلاثة أشياء، وإن خيره بين أربعة لم يجز، اعتباراً بالبيع، فإنه إذا اشترى ثوبين على أن يأخذ أيهما شاء جاز، وكذا إذا خيره بين ثلاثة أثواب، ولا يجوز في الأربعة فكذا في الإجارة. نهاية.
(وإن قال: إن خطته اليوم فبدرهم، وإن خطته غداً فبنصف درهم، فإن خاطه اليوم فله درهم، وإن خاطه غدا) أو بعده (فله أجر مثله عند أبي حنيفة) ؛ لأن ذكر اليوم للتعجيل، بخلاف الغد فإنه للتعليق حقيقة، وإذا كان كذلك يجتمع في الغد تسميتان الوقت والعمل، دون اليوم، فيصح الأول ويجب المسمى في اليوم، ويفسد الثاني ويجب أجر المثل، كما في الهداية (ولا يتجاوز به نصف درهم) لأنه هو المسمى في اليوم الثاني وقد رضى به، وهذا عند أبي حنيفة (وقال أبو يوسف ومحمد: الشرطان جائزان) وقال زفر: الشرطان فاسدان، قال في التصحيح: واعتمد قول الإمام في الخلافيات المذكورة المحبوبي والنسفي وصدر الشريعة وأبو الفضل (وإن قال: إن سكنت في هذه الدكان عطاراً فبدرهم في الشهر، وإن سكنت حداداً فبدرهمين جاز) الشرطان (وأي الأمرين فعل استحق المسمى فيه عند أبي حنيفة) ، لأنه خيره بين عقدين صحيحين مختلفين فيصح كما في مسألة الرومية والفارسية (وقالا: الإجارة فاسدة) لجهالة الأجرة، لأنه لا يعلم أي العملين يعمل، وتقدم في التصحيح أن المعتمد في الخلافيات المذكورة قول الإمام (ومن استأجر داراً كل شهر بدرهم فالعقد صحيح في شهر واحد) لكونه معلوما (فاسدة في بقية الشهور)

(2/98)


إلا أن يسمي جملةً شهورٍ معلومةٍ، فإن سكن ساعةً من الشهر الثاني صح العقد فيه [ولزمه ذلك الشهر] ولم يكن للمؤجر أن يخرجه منها إلى أن ينقضي، وكذلك كل شهرٍ يسكن في أوله، وإذا استأجر داراً سنةً بعشرة دراهم جاز، وإن لم يسم قسط كل شهرٍ من الأجرة، ويجوز أخذ أجرة الحمام
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لجهالتها، والأصل أن كلمة "كل" إذا دخلت فيما لا نهاية له ينصرف إلى الواحد؛ لتعذر العمل بالعموم، فكان الشهر الواحد معلوما فصح العقد فيه، فإذا تم كان لكل واحد منهما أن ينقض الإجارة لانتهاء مدة العقد الصحيح (إلا أن يسمى جملة شهور) جملةً (معلومة) فيجوز، لزوال المانع لأن المدة صارت معلومة (فإن سكن ساعة من الشهر الثاني صح العقد فيه) : أي الشهر الثاني (ولم يكن للمؤجر أن يخرجه منها إلى أن ينقضي) الشهر (وكذلك) حكم (كل شهر يسكن في أوله) ساعةً، لأنه تم العقد بتراضيهما بالسكنى في الشهر الثاني، إلا أن الذي ذكره في الكتاب هو القياس، وقد مال إليه بعض المشايخ، وظاهر الرواية أن يبقى الخيار لكل واحد منهما في الليلة الأولى من الشهر ويومها، لأن في اعتبار الأول بعض الحرج، هداية. وفي التصحيح: قال في الجوهرة والتبيين: هذا قول البعض، أما ظاهر الرواية لكل واحد منهما الخيار في الليلة الأولى من الشهر ويومها، وبه يفتى، قال القاضي: وإليه أشار في ظاهر الرواية، وعليه الفتوى. اهـ (وإذا استأجر داراً سنةً بعشرة دراهم) مثلا (جاز) وتقسط على الأشهر بالسوية (وإن لم يسم قسط كل شهر من الأجرة) ، لأن المدة معلومة بدون التقسيم. ثم يعتبر ابتداء المدة مما سمى، وإن لم يسم فمن وقت العقد، ثم إن كان العقد حين يهل الهلال فشهور السنة كلها بالأهلة، لأنها الأصل، وإن كان في أثناء الشهر فالكل بالأيام عند الإمام، وقال محمد: الشهر الأول بالأيام، والباقي بالأهلة، وعن أبي يوسف روايتان.
(ويجوز أخذ أجرة الحمام) لتعارف الناس، ولم يعتبر الجهالة لإجماع المسلمين: وقال

(2/99)


والحجام، ولا يجوز أخذ أجرة عسب التيس، ولا يجوز الاستئجار على الأذان والإقامة والحج والغناء والنوح، ولا تجوز إجارة المشاع عند أبي حنيفة إلا من الشريك. وقال أبو يوسف ومحمدٌ: إجارة المشاع جائزةٌ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
النبي صلى الله عليه وسلم: "ما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن" هداية.
(والحجام) لما روي أنه عليه الصلاة والسلام "احتجم وأعطى الحجام الأجر" ولأنه استأجر على عمل معلوم بأجر معلوم، هداية (ولا يجوز أخذ أجرة عسب التيس) أي ضرابه (ولا يجوز الاستئجار على) الطاعات، مثل (الأذان والإقامة والحج) والإمامة وتعليم القرآن والفقه، قال في التصحيح: وهذا جواب المتقدمين، وأجازه المتأخرون، فقال في الهداية: وبعض مشايخنا استحسنوا الاستئجار على تعليم القرآن، وعليه الفتوى، واعتمده النسفي، وقال في المحيط: ولا يجوز الاستئجار على الطاعات كتعليم القرآن والفقه والإمامة والحج عنه، وبعض أصحابنا المتأخرين جوزوا ذلك؛ لكسل الناس، ولحاجتهم.
وفي الذخيرة: ومشايخ بلخ جوزوا الاستئجار لتعليم القرآن إذا ضرب لذلك مدة، وأفتوا بوجوب المسمى، وإذا كان بدون ذكر المدة أفتوا بوجوب أجرة المثل، وكذلك يفتى بجواز الاستئجار على تعليم الفقه، وقال صدر الشريعة: ولم يصح للعبادات كالأذان والإقامة وتعليم القرآن، ونفتي اليوم بصحتها. اهـ (و) لا على المعاصي، مثل (الغناء والنوح) وكذا سائر الملاهي؛ لأنه استئجار على المعصية، والمعصية لا تستحق بالعقد. (ولا تجوز إجارة المشاع) الأصلي، سواء كان يقبل القسمة أو لا (عند أبي حنيفة) لعدم القدرة على التسليم؛ لأن تسليم الشائع وحده لا يتصور (إلا من الشريك) ؛ لحدوث المنفعة كلها على ملكه فلا شيوع، والاختلاف في النسبة لا يضر، هداية. وفي جامع الكرخي: نص أبو حنيفة أنه إذا آجر بعض ملكه أو آجر أحد الشريكين نصيبه من أجنبي فهو فاسد، سواء فيما يقسم ومالا يقسم، اهـ. وكذا من أحد الشريكين كما في العمادية (وقالا: إجارة المشاع جائزة) ؛ لأن له منفعة، ولهذا يجب أجر المثل، والتسليم ممكن

(2/100)


ويجوز استئجار الظئر بأجرةٍ معلومةٍ، ويجوز بطعامها وكسوتها، وليس للمستأجر أن يمنع زوجها من وطئها، فإن حبلت كان لهم أن يفسخوا الإجارة إذا خافوا على الصبي من لبنها، وعليها أن تصلح طعام الصبي، وإن أرضعته في المدة بلبن شاةٍ فلا أجر لها، وكل صنعٍ لعمله أثرٌ في العين كالقصار
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بالتخلية أو بالتهايؤ، فصار كما إذا أجر من شريكه أو من رجلين، قال في التصحيح: وفي الفتاوى الصغرى وتتمة الفتاوى والحقائق: الفتوى على قول أبي حنيفة، واعتمده النسفي والمحبوبي وصدر الشريعة، قال في شرح الكنز: وفي المغني: الفتوى في إجارة المشاع على قولهما، قلت: هو شاذ مجهول القائل، فلا يعارض ما ذكرناه. اهـ. قيدنا الشيوع بالأصلي لأن الشيوع الطارئ لا يفسد اتفاقا، وذلك كأن آجر الكل ثم فسخ في البعض، أو آجر لواحد فمات أحدهما، أو بالعكس.
(ويجوز استئجار الظئر) بالكسر والهمزة - المرضعة (بأجرة معلومة) لتعامل الناس، بخلاف بقية الحيوانات، لعدم التعارف (ويجوز) أيضاً (بطعامها وكسوتها) استحساناً عند أبي حنيفة، وقالا: لا يجوز، لأن الأجرة مجهولة، وله أن الجهالة لا تفضي إلى المنازعة؛ لأن العادة التوسعة على الآظآر شفقة على الأولاد (وليس للمستأجر أن يمنع زوجها من وطئها) لأن ذلك حقه (فإن حبلت كان لهم) : أي أولياء الصغير (أن يفسخوا الإجارة إذا خافوا على الصبي من لبنها) لأن لبن الحامل يفسد الصبي، ولهذا كان لهم الفسخ إذا مرضت أيضاً (وعليها) أي الظئر (أن تصلح طعام الصبي) ، لأن العمل عليها. والحاصل أنه يعتبر فيما لا ينص عليه العرف في مثل هذا الباب؛ فما جرى عليه العرف من غسل ثياب الصبي وإصلاح الطعام وغير ذلك على الظئر هداية.
(وإن أرضعته في المدة بلبن شاة فلا أجر لها) ؛ لأنها لم تأت بالعمل المستحق عليها - وهو الإرضاع - لأن إرضاعه بلبن الشاة إيجار وليس بإرضاع، فاختلف العمل، فلم يجب الأجر كما في الهداية.
(وكل صانع لعمله أثر) بحيث يرى ويعاين (في العين) وذلك (كالقصار

(2/101)


والصباغ فله أن يحبس العين بعد الفراغ من عمله حتى يستوفي الأجرة،
ومن ليس لعمله أثرٌ فليس له أن يحبس العين بالأجرة كالحمال والملاح، وإذا شرط على الصانع أن يعمل بنفسه فليس له أن يستعمل غيره، فإن أطلق له العمل فله أن يستأجر من يعمله، وإذا اختلف الخياط وصاحب الثوب فقال صاحب الثوب: أمرتك أن تعمله قباء، وقال الخياط: قميصاً، أو قال صاحب الثوب للصباغ: أمرتك أن تصبغه أحمر فصبغته أصفر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
والصباغ فله أن يحبس العين بعد الفراغ من عمله حتى يستوفي الأجرة) المشروطة؛ لأن المعقود عليه وصف قائم في الثوب فله حق الحبس لاستيفاء البدل، كما في البيع، ولو حبسه فضاع لا ضمان عليه عند الإمام؛ لأنه غير متعدٍ في الحبس، فبقي أمانة كما كان عنده، ولا أجر له؛ لهلاك المعقود عليه قبل التسليم (ومن لس لعمله أثر) في العين (فليس له أن يحبس العين) لأجل الأجرة، وذلك (كالحمال) على ظهره أو دابة (والملاح) صاحب السفينة، لأن المعقود عليه نفس العمل، وهو غير قائم في العين؛ فلا يتصور حبسه، فليس له ولاية الحبس، وغسل الثوب نظير الحل، هداية. قال في المجتبى: أي لتطهيره لا لتحسينه فليحفظ.
(وإذا اشترط) المستأجر (على الصانع أن يعمل بنفسه فليس له) : أي الصانع (أن يستعمل غيره) ؛ لأنه لم يرض بعمل غيره (وإن أطلق له العمل فله أن يستأجر من يعمله) ؛ لأن المستحق عملٌ في ذمته، ويمكن إيفاؤه بنفسه وبالاستعانة بغيره، بمنزلة إيفاء الدين، والعادة جارية أن الصناع يعملون بأنفسهم وبأجرائهم.
(وإذا اختلف الخياط وصاحب الثوب) في صفة الصنعة المستأجر عليها أو في قدر الأجرة (فقال صاحب الثوب: أمرتك أن تعمله قباء) بالفتح (وقال الخياط) : أمرتني أن أعمله (قميصا) مثلا (أو قال صاحب الثوب للصباغ: أمرتك أن تصبغه أحمر فصبغته أصفر) وهو خلاف ما أمرتك، وقال الصباغ: بل أمرتني بهذا الأصفر، أو قال

(2/102)


فالقول قول صاحب الثوب مع يمينه، فإن حلف فالخياط ضامنٌ، وإذا قال صاحب الثوب: عملته لي بغير أجرةٍ~، وقال الصانع: بأجرةٍ، فالقول قول صاحب الثوب مع يمينه عند أبي حنيفة، وقال أبو يوسف: إن كان حريفاً له فله الأجرة، وإن لم يكن حريفً له فلا أجرة له، وقال محمدٌ: إن كان الصانع عروفاً بهذه الصنعة أن يعمل بالأجرة فالقول قوله إنه عمله بأجرةٍ، والواجب في الإجارة الفاسدة أجر المثل لا يتجاوز به المسمى.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
صاحب الثوب: الأجرة عشرة، وقال الأجير: عشرون (فالقول قول صاحب الثوب مع يمينه) لأن الإذن مستفاد من جهته، ألا يرى أنه لو أنكر أصل الإذن كان القول قوله، فكذا إذا أنكر صفته، لكن يحلف؛ لأنه أنكر شيئاً لو أقر به لزمه. هداية. (وإذا حلف فالخياط ضامن) ؛ لتصرفه في ملك الغير بغير إذنه، لكن صاحب الثوب بالخيار: إن شاء ضمنه، وإن شاء أخذه وأعطاه أجر مثله (وإذا قال صاحب الثوب: عملته لي بغير أجرة، وقال الصانع) : عملته (بأجرة، فالقول قول صاحب الثوب) أيضاً (مع يمينه عند أبي حنيفة) ؛ لأنه ينكر الضمان، والصانع يدعيه، والقول قول المنكر (وقال أبو يوسف: إن كان) صاحب الثوب (حريفاً) أي معاملا (له) : أي للصانع، بأن كان بينهما معاملة من أخذٍ وإعطاء (فله الأجرة) ؛ لأن سبق ما بينهما من المعاملة يعين جهة الطلب بأجر جريا على معتادهما، هداية (وإن لم يكن حريفاً) له (فلا أجرة له. وقال محمد: إن كان الصانع معروفاً بهذه الصنعة أن يعمل بالأجرة) وقيام حاله بها (فالقول قوله بأنه عمله بأجرة) عملا بشهادة الظاهر، قال في التصحيح: ورجح دليل الإمام في الهداية، وأجاب على دليلهما، واعتمده الإمام المحبوبي والنسفي وصدر الشريعة، وجعل جواهر زاده الفتوى على قول محمد. اهـ، ونقله في الدر عن الزيلعي.
(والواجب في الإجارة الفاسدة أجر المثل لا يتجاوز به المسمى) لرضاهما به،

(2/103)


وإذا قبض المستأجر الدار فعليه الأجرة وإن لم يسكنها، فإن غصبها غاصبٌ من يده سطت الأجرة، وإن وجد بها عيباً يضر بالسكنى فله الفسخ، وإذا خربت الدار أو انقطع شرب الضيعة أو انقطع الماء عن الرحى انفسخت الإجارة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وينقص عنه؛ لفساد التسمية، وهذا هو الفساد لشرطٍ فاسدٍ أو شيوع مع العلم بالمسمى، وإن لجهالة المسمى أو عدم التسمية أصلا أو [كان] المسمى خمراً أو خنزيراً وجب أجر المثل بالغاً ما بلغ، لعدم ما يرجع إليه.
(وإن قبض المستأجر الدار فعليه الأجرة وإن لم يسكنها) ؛ لأن تسليم عين المنفعة لا يتصور؛ فأقيم تسليم المحل مقامه؛ إذ التمكن من الانتفاع يثبت به، وهذا لو الإجارة صحيحة، أما في الفاسدة فلا تجب الأجرة إلا بحقيقة الانتفاع كما في العمادية (فإن غصبها غاصب من يده سقطت الأجرة) لأن تسليم المحل إنما أقيم مقام تسليمه المنفعة للتمكن من الانتفاع، فإذا فات التمكن فات التسليم وانفسخ العقد فيسقط الأجر، وإن وجد الغصب في بعض المدة يسقط بقدره؛ إذا الانفساخ في بعضها. هداية (وإن وجد) المستأجر (بها) أي الدار المستأجرة (عيباً يضر بالسكنى) بحيث لا تفوت به المنفعة كترك تطيينها وإصلاح منافعها (فله الفسخ) ؛ لأن المعقود عليه المنافع، وإنها توجد شيئاً فشيئاً، فكان هذا عيباً حادثاً قبل القبض؛ فيوجب الخيار كما في البيع، ثم المستأجر إذا استوفى المنفعة فقد رضي بالعيب فيلزمه جميع البدل كما في البيع، وإن أزال المؤجر العيب بطل خيار المستأجر، لزوال سببه (فإن) فاتت المنفعة بالكلية: بأن (خربت الدار) كلها (أو انقطع شرب الضيعة) : أي الأرض كله (أو انقطع) الماء جميعه (عن الرحى انفسخت الإجارة) لأن المعقود عليه قد فات قبل القبض، فشابه فوت المبيع قبل القبض وموت العبد المستأجر، ومن أصحابنا من قال: إن العقد لا ينفسخ، لأن المنافع فاتت على وجه يتصور عودها، فأشبه

(2/104)


وإذا مات أحد المتعاقدين وقد عقد الإجارة لنفسه انفسخت الإجارة، وإن عقدها لغيره لم تنفسخ، ويصح شرط الخيار في الإجارة، وتنفسخ الإجارة بالأعذار، كمن استأجر دكاناً في السوق ليتجر فيه فذهب ماله وكمن أجر داراً أو دكاناً ثم أفلس ولزمته ديونٌ لا يقدر على قضائها إلا من ثمن ما آجر فسخ القاضي العقد وباعها في الدين،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الإباق في البيع، هداية. ومثله في شرح الأقطع، ثم قال: والصحيح هو الأول، وتبعه في الجوهرة، لكن عامة المشايخ على الثاني، وهو الصحيح كما في الذخيرة والتتار خانية والاختيار وغيرها، وفي الغاية للاتقاني نقلا عن إجارات شمس الأئمة: إذا انهدمت الدار كلها فالصحيح أنه لا تنفسخ، لكن سقط الأجر فسخ أولا.
(وإذا مات أحد المتعاقدين) عقد الإجارة (وقد) كان (عقد الإجارة لنفسه انفسخت الإجارة) ؛ لأنها لو بقيت تصير المنفعة المملوكة أو الأجرة المملوكة لغير العاقد مستحقة بالعقد لانتقالها إلى الوارث، وهو لا يجوز. درر (وإن) كان (عقدها لغيره) بأن كان وكيلا أو وصيا أو متوليا (لم تنفسخ الإجارة) لبقاء المستحق، حتى لو مات المعقود له بطلت، وتنفسخ بموت أحد المستأجرين أو المؤجرين في حصته فقط، وتبقى في حصة الحي.
(ويصح شرط الخيار في الإجارة) ؛ لأنه عقد معاوضة لا يلزم فيه القبض في المجلس؛ فجاز اشتراط الخيار كالبيع.
(وتنفسخ الإجارة بالأعذار) الموجبة ضرراً لم يستحق بالعقد، وذلك (كمن استأجر دكاناً في السوق ليتجر فيه فذهب ماله) أو طباخا ليطبخ للوليمة فاختلعت منه الزوجة؛ لأن في المضي عليه إلزام ضرر زائد لم يستحق بالعقد (وكمن آجر داراً أو دكاناً ثم أفلس ولزمته ديون) بعيان أو برهان، وكان (لا يقدر على قضائها إلا من ثمن ما آجر فسخ القاضي العقد) بينهما (وباعها في الدين) أي: لأجل قضائه، وفي قوله "فسخ القاضي" إشارة إلى أنه يفتقر إلى قضاء القاضي في النقض،

(2/105)


وكمن استأجر دابةً ليسافر عليها ثم بدا له من السفر فهو عذرٌ، وإن بدا للمكاري من السفر فليس ذلك بعذر.