اللباب في شرح الكتاب

كتاب اللقطة.
- اللقطة: أمانةٌ، إذا أشهد الملتقط أنه يأخذها ليحفظها ويردها على صاحبها،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(ولا يجوز تزويج الملتقط) ؛ لانعدام سبب الولاية (ولا تصرفه في مال اللقيط) لأجل تنميته؛ لأن ولايته ضعيفة بمنزلة ولاية الأم (ويجوز أن يقبض له الهبة) لأنه نفع محض، ولهذا يملكه الصغير بنفسه إذا كان عاقلا، وتملكه الأم ووصيها، هداية (ويسلمه في صناعة) ؛ لأنه من باب تأديبه وحفظ حاله (ويؤاجره) قال في الهداية: وفي الجامع الصغير: لا يجوز أن يؤاجره، ذكره في الكراهية، وهو الأصح اهـ، وفي التصحيح: قال المحبوبي: لا يملك إيجاره في الأصح، ومشى عليه النسفي وصدر الشريعة.
كتاب اللقطة
مناسبتها للقيط ظاهرة؛ لوجود معنى اللقطة فيهما، إلا أن اللقيط اختص بالآدمي، واللقطة بالمال.
(اللقطة) بفتح القاف وتسكن - اسم للمال الملتقط، وهي (أمانة) في يد الملتقط (إذا أشهد الملتقط أنه يأخذها ليحفظها ويردها على صاحبها) ويكفيه أن يقول: من سمعتموه ينشد ضالةً فدلوه علي، قال في الهداية: لأن الأخذ لى هذا الوجه مأذون فيه شرعا، بل هو الأفضل عند عامة العلماء، وهو الواجب إذا خاف الضياع على ما قالوا، وإذا كان كذلك لا تكون مضمونة عليه، وكذلك إذا تصادقا أنه أخذها للمالك؛ لأن تصادقهما حجة في حقهما، وصار كالبينة، ولو أقر أنه أخذها لنفسه يضمن بالإجماع، وإن لم يشهد وقال "أخذتها للمالك" وكذبه المالك يضمن عند أبي حنيفة ومحمد؛ وقال أبو يوسف: لا يضمن والقول قوله، اهـ. باختصار، وفي التصحيح: قال الإسبيجاني: والصحيح قول أبي حنيفة، واعتمده البرهاني والنسفي وصدر الشريعة، اه

(2/207)


فإن كانت أقل من عشرة دراهم عرفها أياماً، وإن كانت عشرةً فصاعداً عرفها حولاً، فإن جاء صاحبها وإلا تصدق بها، فإن جاء صاحبها فهو بالخيار: إن شاء أمضى الصدقة، وإن شاء ضمن الملتقط،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(فإن كانت) اللقطة (أقل من عشرة دراهم عرفها) : أي نادى عليها حيث وجدها، وفي المجامع (أياما) على حسب رأى الملتقط، بحيث يغلب على ظنه أن صاحبها لا يطلبها بعدها (وإن كانت عشرة فصاعداً عرفها حولا) قال في الهداية: وهذه رواية عن أبي حنيفة، وقدر محمد في الأصل بالحول من غير تفصيل بين القليل والكثير، ثم قال: وقيل: الصحيح أن شيئا من هذه المقادير ليس بلازم، ويفوض إلى رأى الملتقط، يعرفها إلى أن يغلب على ظنه أن صاحبها لا يطلبها بعد ذلك، اهـ. ومثله في شرح الأقطع قائلا: وهذا اختيار شمس الأئمة، وفي الينابيع: وعليه الفتوى، ومثله في الجواهر ومختارات النوازل والمضمرات كما في التصحيح. وإن كانت اللقطة شيئاً لا يبقى عرفه إلى أن يخاف عليه الفساد، وإن كانت شيئاً يعلم أن صاحبها لا يطلبها كالنورة وقشور الرمان جاز الانتفاع به من غير تعريف، ولكنه مبقي على ملك مالكه؛ لأن التمليك من المجهول لا يصح، كذا في الهداية، وفي الجوهرة: قال بعض المشايخ: التقاط السنابل في أيام الحصاد إن كان قليلا يغلب على الظن أنه لا يشق على صاحبه لا بأس بأخذه من غير تعريف، وإلا فلا. اهـ.
(فإن جاء صاحبها) ردها إليه (وإلا تصدق بها) على الفقراء (فإن جاء صاحبها) بعد التصدق بها (فهو بالخيار: إن شاء أمضى الصدقة) وله ثوابها، وتصير إجازته اللاحقة بمنزلة الإذن السابق (وإن شاء ضمن الملتقط) ؛ لأنه سلم ماله إلى غيره بغير إذنه، وإن شاء ضمن المسكين إن هلك في يده؛ لأنه قبض ماله بغير إذنه، وإن كان قائماً أخذه؛ لأنه وجد عين ماله كما في الهداية، وأيهما ضمن لا يرجع به على الآخر

(2/208)


ويجوز الالتقاط في الشاة والبقرة والبعير.
فإن أنفق الملتقط عليها بغير إذن الحاكم فهو متبرعٌ، وإن أنفق بأمره كان ذلك ديناً على مالكها.
وإذا رفع ذلك إلى الحاكم نظر فيه، فإن كان للبهيمة منفعةٌ آجرها وأنفق عليها من أجرتها، وإن لم يكن لها منفعةٌ وخاف أن تستغرق النفقة قيمتها باعها وأمره بحفظ ثمنها، وإن كان الأصلح الإنفاق عليها أذن له في
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(ويجوز الالتقاط في الشاة) اتفاقا (والبقرة والبعير) خلافا للأئمة الثلاثة، ثم قيل: الخلاف في الأولوية، فعندهم الترك أولى، لأنها تدفع السباع عن نفسها فلا يخشى عليها، وفيه احتمال عدم رضا المالك، فكره الأخذ، ولنا أنه إذا لم يخش عليها من السباع لم يؤمن عليها من يد خائنة، فندب أخذها صيانة لها، وما لها من القوة ربما يكون سبباً للضياع كما هو سبب الصيانة عن السباع، فتعارضا، فالتحقت بالشاة، كذا في الفيض، فإن قيل: قد جاء في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سئل عن ضالة الإبل قال: "مالك ولها؟ معها سقاؤها وحذاؤها، دعها حتى يجدها ربها".
قيل: في الحديث إشارة إلى أنه يجوز التقاطها إذا خيف عليها.
(فإن أنفق الملتقط عليها بغير إذن الحاكم فهو متبرع) لقصور ولايته (وإن أنفق بأمره كان ذلك دينا على صاحبها) لأن للقاضي ولاية في مال الغائب نظراً له.
(وإذا رفع) الملتقط (ذلك) أي الذي التقطه (إلى الحاكم) ليأمره بالإنفاق عليه (نظر فيه) أي في المرفوع إليه (فإن كان للبهيمة منفعة آجرها وأنفق عليها من أجرتها) لأن فيه إبقاء العين على ملكه من غير إلزام الدين عليه، وكذلك يفعل بالعبد الآبق (وإن لم يكن لها منفعة وخاف أن تستغرق النفقة قيمتها باعها وأمره بحفظ ثمنها) إبقاء له معنى عند تعذر إبقائه صورة (وإن كان الأصلح الإنفاق عليها أذن له في

(2/209)


ذلك وجعل النفقة ديناً على مالكها.
فإذا حضر مالكها فللملتقط أن يمنعه منها حتى يأخذ النفقة.
ولقطة الحل والحرم سواءً،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ذلك وجعل النفقة دينا على مالكها) ، لأنه نصب ناظراً من الجانبين، وفي قوله "جعل النفقة ديناً على صاحبها" إشارة إلى أنه يرجع على المالك إذا شرط القاضي الرجوع على المالك، وهو الأصح كما في الهداية.
(وإذا حضر) المالك وطلب اللقطة، وكان الملتقط قد أنفق عليها (فللملتقط أن يمنعه منها حتى يأخذ النفقة) التي أنفقها عليها، لأنها حييت بنفقته، فصار كأنه استفاد الملك من جهته، فأشبه المبيع. ثم لا يسقط دين النفقة بهلاك اللقطة في يد الملتقط قبل الحبس، وتسقط إذا هلكت بعده، لأنها تصير بالحبس بمنزلة الرهن كما في الهداية.
(ولقطة الحل والحرم سواء) ، لأنها لقطة، وفي التصدق بعد مدة التعريف إبقاء ملك المالك من وجه فيملكه كما في سائرها، وتأويل ما روى (1) أنه لا يحل
_________
(1) ذهب الأئمة الثلاثة أبو حنيفة ومالك وأحمد بن حنبل إلى أن حكم اللقطة واحد، سواء أكان قد التقطها الملتقط من الحل أم كان قد التقطها من الحرم، ويروى مثل ذلك القول عن الشافعي رضي الله تعالى عنه، والمشهور من مذهبه أنه لا يحل الالتقاط من حرم مكة إلا للحفظ، وأنه يجب على من التقط شيئاً من الحرم تعريف ما التقطه حتى يجد صاحبه، وأنه تلزمه الإقامة بمكة لتعريفها؛ فإن أراد الخروج سلمها للحاكم، طالت المدة أو قصرت قالوا: والسر في ذلك أن الله تعالى قد جعل مكة مثابة للناس يعودون إليها المرة بعد المرة فربما عاد صاحبها من أجلها أو أرسل من يطلبها له، وقد روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم فتح مكة: "إن هذا البلد حرمه الله تعالى، لا يلتقط لقطته إلا من عرفها" وفي رواية الصحيحين عن أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قام في الناس بعد أن فتح الله عليه مكة فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: "إن الله قد حبس عن مكة الفيل، وسلط عليها رسوله والمؤمنين، وإنها لا تحل لأحد قبلي، وإنما أحلت لي ساعة من نهار، وإنها لا تحل لأحد بعدي: لا ينفر صيدها، ولا يختلى شوكها، ولا تحل لقطتها إلا لمنشد" وقد استدل الأئمة الثلاثة على ما ذهبوا إليه بأنه عليه الصلاة والسلام قال في شأن اللقطة: "اعرف عفاصها ووكاءها ثم عرفها سنة".
ولم يفرق بين لقطة الحل ولقطة الحرم؛ فكان الأمر فيهما سواء. وأيضاً فإن التصدق باللقطة بعد انقضاء مدة التعريف فيه إبقاء ملك المالك من وجه، حيث يحصل له ثواب الصدقة. وأجابوا عما تمسك به الشافعي في المشهور من مذهبه بأن الالتقاط لا يحل إلا للتعريف، ولما كان الالتقاط من مكة مظنة أن يسقط التعريف لأنها مكان الغرباء يأتون إليها من كل فج عميق، ثم يتفرقون، فلا يظن عودهم إليها، والظاهر أن ما وجده الملتقط من أملاك هؤلاء الغرباء الذين تفرقوا؛ فلا فائدة من التعريف حينئذٍ؛ فأزال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الوهم بقوله: "لا تحل لقطتها إلا لمنشد" يريد أن حكمها كحكم سائر البلاد، فافهم ذلك والله يرشدك

(2/210)


وإذا حضر الرجل فادعى أن اللقطة له لم تدفع إليه حتى يقيم البينة، فإن أعطى علامتها حل للملتقط أن يدفعها إليه، ولا يجبر على ذلك في القضاء.
ولا يتصدق باللقطة على غني، وإن كان الملتقط غنياً لم يجز له أن ينتفع بها، وإن كان فقيراً فلا بأس أن ينتفع بها، ويجوز أن يتصدق بها إذا كان غنياً على أبيه وابنه وزوجته إذا كانوا فقراء؛ والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الالتقاط إلا للتعريف، والتخصيص بالحرم لبيان أنه لا يسقط التعريف فيه لمكان أنه للغرباء ظاهراً، هداية.
(وإذا حضر رجل فادعى أن اللقطة له لم تدفع إليه) بمجرد دعواه، (حتى يقيم البينة) اعتباراً بسائر الدعاوى (فإن أعطى علامتها حل للملتقط أن يدفعها إليه) ، لأن الظاهر أنها له (ولا يجبر على ذلك في القضاء) ، لأن غير المالك قد يعرف وصفها.
(ولا يتصدق) الملتقط (باللقطة على غني) ، لأن المأمور به هو التصدق، والصدقة لا تكون على غني (وإن كان الملتقط غنيا لم يجز له أن ينتفع بها) لأنه ليس بمحل للصدقة (وإن كان فقيراً فلا بأس أن ينتفع بها) في خاجة نفسه، لأنه محل لها، ولأن صرفها إلى فقير آخر كان للثواب، وهو مثله، وفيه نظر للجانبين (ويجوز) للملتقط (أن يتصدق بها إذا كان غنيا على أبيه وابنه وزوجته إذا كانوا فقراء) ، لأنهم محل للصدقة، وفيه نظر للجانبين

(2/211)