اللباب
في شرح الكتاب كتاب إحياء الموات.
- الموات: ما لا ينتفع به من الأرض لانقطاع الماء عنه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
والنسفي وصدر الشريعة. اهـ (وإن أبق من) يد (الذي رده فلا شيء عليه) قال في
الهداية: لكن هذا إذا أشهد، وقد ذكرناه في اللقطة، ثم قال: وفي بعض النسخ
"لا شيء له" وهو صحيح أيضا؛ لأنه في معنى البائع من المالك، ولهذا كان له
أن يحبس الآبق حتى يستوفي الجعل، بمنزلة البائع بحبس المبيع لاستيفاتء
الثمن، اهـ.
(وينبغي) للراد للآبق (أن يشهد إذا أخذه أنه يأخذه ليرده) على مالكه قال في
الهداية: والإشهاد حتم على قول أبي حنيفة ومحمد، حتى لو رده من لم يشهد وقت
الأخذ لا جعل له عندهما؛ لأن ترك الإشهاد أمارة على أنه أخذه لنفسه. اهـ.
(فإن كان العبد الآبق رهناً فالجعل على المرتهن) ؛ لأن اليد له، وهذا إذا
كانت قيمته مثل الدين أو أقل؛ فإن كانت أكثر فحصة الدين عليه والباقي على
الراهن؛ لأن حقه بالقدر المضمون كما في الفيض.
كتاب إحياء الموات
مناسبته للآبق من حيث الإحياء في كل منهما؛ لما مر أن رد الآبق إحياء له.
والإحياء لغة: جعل الشيء حياً، أي ذا قوة حساسة أو نامية. وشرعاً: إصلاح
الأرض الموات بالبناء أو الغرس أو الكراب أو غير ذلك كما في القهستاني.
و (المارت) كسحاب وغراب - ما لا روح فيه، أو أرض لا مالك لها. قاموس.
وفي المغرب: هو الأرض الخراب، خلافه العامر. اهـ، وشرعا: (ما لا ينتفع به
من الأرض لانقطاع الماء عنه) بارتفاعه عنه، أو ارتدام مجراه، أو غير ذلك
(2/218)
أو لغلبة الماء عليه، أو ما أشبه ذلك مما
يمنع الزراعة، فما كان منها عادياً لا مالك له، أو كان مملوكاً في الإسلام
لا يعرف له مالكٌ بعينه وهو بعيد من القربة بحيث إذا وقف إنسانٌ في أقصى
العامر فصاح لم يسمع الصوت فيه؛ فهو مواتٌ: من أحياه بإذن الإمام ملكه، وإن
أحياه بغير إذنه لم يملكه عند أبي حنيفة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(أو لغلبة الماء عليه، أو ما أشبه ذلك مما يمنع الزراعة) كغلبة الرمال أو
الأحجار أو صيرورتها سبخة، سميت به تشبيها بالحيوان إذا مات ولم يبق
منتفعاً به (فما كان منها) : أي الأرض (عادياً) : أي قديم الخراب بحيث لم
يملك في الإسلام، كما أشار إليه بقوله (لا مالك له) : أي في الإسلام،
فكأنها خربت من عهد عادٍ؛ بدليل المقابلة بقوله (أو كان مملوكا في الإسلام)
ولكن لطول تركه وعدم الانتفاع به (لا يعرف له مالك بعينه، وهو بعيد من
القرية بحيث إذا وقف إنسان) جهوري الصوت (في أقصى العامر) من دور القرية
كما في القهستاني عن التجنيس (فصاح) بأعلى صوته (لم يسمع الصوت فيه) : أي
في المكان الغير المنتفع به (فهو موات) عند أبي يوسف؛ وعند محمد: إن ملكت
في الإسلام لا تكون مواتاً، وإذا لم يعرف مالكها تكون لجماعة المسلمين،
واعتبر في غير المملوكة عدم الارتفاق سواء قربت أو بعدت، وهي ظاهر الرواية،
وبها يفتي كما في القهستاني عن الكبرى والبرجندي عن المنصورية عن قاضيخان،
كذا في الدرر، وقال الزيلعي: وجعل القدوري المملوك في الإسلام إذا لم يعرف
مالكه من الموات؛ لأن حكمه كالموات حيث يتصرف فيه الإمام كما يتصرف في
الموات؛ لا أنه موات حقيقة. اهـ. وظاهره عدم الخلاف في الحقيقة تأمل.
ثم (من أحياه) أي الموات (بإذن الإمام ملكه) اتفاقا (وإن أحياه بغير إذنه
لم يملكه عند أبي حنيفة) ؛ لأنه مغنوم للمسلمين؛ لوصوله إلى يدهم بإيجاف
الخيل
(2/219)
وقال أبو يوسف ومحمدٌ: يملكه.
ويملك الذمي بالإحياء كما يملك المسلم.
ومن حجر أرضاً ولم يعمرها ثلاث سنين أخذها الإمام ودفعها إلى غيره،
ولا يجوز إحياء ما قرب من العامر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
والركاب؛ فليس لأحد أن يختص به دون الإمام، كما في سائر الغنائم (وقالا:
يملكه) ولو بدون إذن الإمام؛ لأنه مباح سبقت إليه يده فيملكه كما في الحطب
والصيد، قال في التصحيح: واختار قول الإمام البرهاني والنسفي وغيرهما. اهـ.
وفي الجوهرة: ثم إذا لم يملكها عند أبي حنيفة بالإحياء وملكه إياها الإمام
تصير ملكا له، والأولى للإمام أن يجعلها له ولا يستردها منه، وهذا إذا ترك
الاستئذان جهلا، أما إذا تركه تهاوناً بالإمام كان له أن يستردها زجراً له،
اهـ. وفي الهداية: ويجب فيه العشر؛ لأن ابتداء توظيف الخراج على المسلم لا
يجوز، إلا إذا سقاه بماء الخراج، لأنه حينئذ يكون إبقاء الخراج على المسلم
على اعتبار الماء، فلو أحياها ثم تركها فزرعها غيره فقد قيل: الثاني أحق
بها؛ لأن الأول ملك استغلالها لا رقبتها، فإذا تركها كان الثاني أحق بها،
والأصح أن الأول ينزعها من الثاني؛ لأنه ملكها بالإحياء كما نطق به الحديث،
اهـ.
(ويملك الذمي) الموات (بالإحياء كما يملك المسلم) ، لأن الإحياء سبب الملك
فيستويان فيه كسائر الأسباب، إلا أنه لا يملكه بدون إذن الإام اتفاقا كما
في القهستاني، قيد بالذمي لأن المستأمن لا يملكه مطلقاً اتفاقا كما في
النظم.
(ومن حجر أرضاً) : أي علمها بوضع الأحجار حولها، أو منع غيره منها بوضع
علامة من حجر أو غيره (ولم يعمرها) : أي لم يحيها (ثلاث سنين أخذها الإمام)
من المحجر (ودفعها إلى غيره) ، لأن التحجير ليس بالإحياء، ولأن الإمام إنما
دفعها له لتحصل المنفعة للمسلمين من حيث العشر أو الخراج، فإذا لم يحصل
يدفعها إلى غيره تحصيلا للمقصود.
(ولا يجوز إحياء ما قرب من العامر) لأنه تبع له، لأنه من مرافقه كما صرح
(2/220)
ويترك مرعىً لأهل القرية ومطرحاً لحصائدهم.
ومن حفر بئراً في بريةٍ فله حريمها، فإن كانت البئر للعطن فحريمها أربعون
ذراعاً، وإن كانت للناضح فستون ذراعاً، وإن كانت عيناً فحريمها ثلاثائة
ذراعٍ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
به بقوله: (ويترك مرعى لأهل القرية ومطرحا لحصائدهم) ، لتحقق حاجتهم إليها
فلا يكون مواتاً لتعلق حقهم بها، بمنزلة الطريق والنهر، وعلى هذا قالوا: لا
يجوز أن يقطع الإمام ما لا غنى للمسلمين عنه كالملح والآبار التي يستقي
الناس منها لما ذكرناه، هداية. وإذا أحاط الإحياء بجوانب ما أحياه الأربعة
على التعاقب فطريقه في الرابعة كما في الدرر وغيرها.
(ومن حفر بئرا في برية) بإذن الإمام عنده، ومطلقاً عندهما على ما مر، لأن
حفر البئر إحياء (فله حريمها) من جوانبها الأربع، لأن تمام الانتفاع لا
يكون إلا به (فإن كانت البئر للعطن) : أي مناخ الإبل، وهي التي يناخ حولها
الإبل ويستقي لها باليد (فحريمها أربعون ذراعاً) ثم قيل: الأربعون من كل
الجوانب، والصحيح أنه من كل جانب؛ لأن في الأراضي رخوة يتحول الماء إلى ما
حفر دونها، هداية (وإن كانت) البئر (للناضح) وهي التي يستخرج ماؤها بسير
الإبل ونحوها (فستون ذراعاً) وهذا عندهما، وعند أبي حنيفة أربعون أيضاً،
ورجح دليله واعتمده واختاره المحبوبي والنسفي وغيرهما، كذا في التصحيح.
وفيه عن مختارات النوازل: من حفر بئراً في برية موات فله حريمها على قدر
الحاجة من كل الجوانب، وهو الصحيح. اهـ. (وإن كانت) المستخرجة بالحفر
(عيناً) جارية (فحريمها ثلاثمائة ذراع) من كل جانب، قال في الينابيع: وذكر
الطحاوي خمسمائة ذراع، وهذا التقدير ليس بلازم، بل هو موكول إلى رأي الناس
واجتهادهم، اهـ. وفي الهداية: والأصح أنه خمسمائة ذراع من كل جانب، اهـ.
ثم قال: وقيل: إن التقدير في العين والبئر بما ذكرنا في أراضيهم لصلابتها،
وفي أرضينا رخاوة فيزداد كيلا يتحول الماء إلى الثاني فيتعطل الأول، اهـ.
ثم
(2/221)
ومن أراد أن يحفر في حريمها منع منه.
وما ترك الفرات أو الدجلة وعدل عنه، فإن كان يجوز عوده إليه لم يجز إحياؤه؛
وإن كان لا يجوز أن يعود إليه فهو كالموات، إذا لم يكن حريماً لعامرٍ يملكه
من أحياه بإذن الإمام عند الإمام.
ومن كان له نهرٌ في أرض غيره فليس له حريمه عند أبي حنيفة إلا أن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
المراد بالذراع ذراع العامة، وهي ست قبضات، ويعبر عنها بالمكسرة؛ لأن ذراع
الملك كان سبع قبضات فكسر منه قبضة (فمن أراد أن يحفر في حريمها) أي حريم
المذكورات (منع منه) كيلا يؤدي إلى تفويت حقه أو الإخلال به، لأنه بالحفر
ملك الحريم ضرورة تمكنه من الانتفاع به، فليس لغيره أن يتصرف في ملكه، فإن
احتفر آخر بئراً في حريم الأول فللأول كبسه (1) أو تضمينه، وتمامه في
الهداية.
(وما ترك الفرات أو الدجلة وعدل) ماؤه (عنه) : أي عن المتروك (و) لكن (يجوز
عوده) : أي الماء (إليه) : أي إلى ذلك المكان الذي تركه (لم يجز إحياؤه)
ولو بإذن الإمام، لحاجة العامة إلى مونه نهراً (وإن كان لا يجوز) : أي غير
محتمل (أن يعود إليه فهو كالموات) : أي لأنه ليس في ملك أحد، وهذا (إذا لم
يكن حريماً لـ) محل (عامر) فإن كان حريماً لعامر كان تبعاً له، لأنه من
مرافقه، وإذا لم يكن حريماً لعامر فإنه (يملكه من أحياه) إن كان (بإذن
الإمام عند الإمام) وإلا فلا، خلافا لهما كما تقدم.
(ومن كان له نهر) يجري (في أرض غيره فليس له) أي لصاحب النهر (حريمه) بمجرد
دعواه أنه له (عند أبي حنيفة) ، لأن الظاهر لا يشهد له، بل لصاحب الأرض،
لأنه من جنس أرضه، والقول لمن يشهد له الظاهر (إلا أن
_________
(1) كبسه: أراد ردمه
(2/222)
يقيم بينةً على ذلك. وقال أبو يوسف ومحمدٌ: له مسناةٌ (1) يمشي عليها ويلقي
عليها طينه. |