اللباب
في شرح الكتاب كتاب المأذون.
- إذا أذن المولى لعبده في التجارة إذناً عاماً جاز تصرفه في سائر
التجارات: يشتري، ويبيع، ويرهن، ويسترهن.
وإن أذن له في نوعٍ منها دون
ـــــــــــــــــــــــــــــ
يقيم البينة على ذلك) ، لأنها لإثبات خلاف الظاهر (وقالا: له مسناة يمشي
عليها، ويلقي عليها طينه) ، لأن النهر لابد له من ذلك، فكان الظاهر أنه له،
قال في التصحيح: واختار قول الإمام المحبوبي والنسفي، قال: وهذا إذا لم تكن
مشغولة بغرس لأحدهما أو طين، فإن كان فهي لصاحب الشغل بالاتفاق. اهـ.
وفي الهداية: ولو كان عليه غرس لا يدري من غرسه فهو من مواضع الخلاف أيضاً
وثمرة الخلاف أن ولاية الغرس لصاحب الأرض عنده، وعندهما لصاحب النهر، اهـ.
كتاب المأذون
مناسبته لإحياء الموات أن في الإذن للعبد والصغير إحياء له معنى.
وهو لغة: الإعلام، وشرعاً: فك الحجر وإسقاط الحق، كما في الهداية.
(إذا أذن المولى لعبده في التجارة إذناً عاما) كأن يقول له: أذنت لك في
التجارة، من غير تقييد بنوع مخصوص (جاز تصرفه في سائر التجارات) اتفاقا لأن
اسم التجارة عام يتناول الجنس، وإذا جاز تصرفه (يشتري) ما أراد (ويبيع) ؛
لأنهما أصل التجارة (ويرهن، ويسترهن) ويؤجر ويستأجر؛ لأنها من صنيع التجار.
(و) كذا (إذا أذن له) المولى (في نوع منها) : أي من أنواع التجارة (دون
_________
(1) المسناة - بضم الميم وفتح السين وتشديد النون - ما يبنى في وجه السيل
لحبس الماء وفي أساس البلاغة للزمخشري "عقدوا مسناة ومسنيات لحبس الماء".
اهـ. ويراد من المسناة هنا ما يكون كالجسر للنهر: يمشي عليه المالك، ويلقى
عليه طينه عند الكرى (أي الحفر)
(2/223)
غيره فهو مأذونٌ في جميعها.
وإن أذن له في شيءٍ بعينه فليس بمأذونٍ.
وإقرار المأذون بالديون والغصوب جائزٌ، وليس له أن يتزوج، ولا أن يزوج
مماليكه، ولا يكاتب، ولا يعتق على مالٍ، ولا يهب بعوضٍ ولا بغير عوضٍ، إلا
أن يهدي اليسير من الطعام أو يضيف من يطعمه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
غيره) : أي غير ذلك النوع، كأن يقول له: أذنت لك في التجارة في البر فقط
(فهو مأذون في جميعها) ؛ لما تقدم أنه إسقاط الحق وفك الحجر؛ فتظهر مالكية
العبد؛ فلا يتخصص بنوع دون نوع.
(وإن أذن له في شيء بعينه) كشراء ثوب للكسوة وطعام للأكل (فليس بمأذون) ؛
لأنه استخدام، فلو صار به مأذوناً يفسد عليه باب الاستخدام.
(وإقرار المأذون بالديون والغصوب جائز) وكذا بالودائع؛ لأن الإقرار من
توابع التجارة؛ إذ لو لم يصح لاجتنب الناس مبايعته ومعاملته، ولا فرق بين
ما إذا كان عليه دين أو لم يكن، إذا كان الإقرار في صحته، فإن كان في مرضه
يقدم دين الصحة كما في الحر، هداية (وليس له) : أي للمأذون (أن يتزوج) ؛
لأنه ليس بتجارة (ولا أن يزوج مماليكه) قال في التصحيح: هذا على إطلاقه قول
أبي حنيفة ومحمد وقال أبو يوسف: له أن يزوج أمته، واختار قوله المحبوبي
والنسفي والموصلي وصدر الشريعة، ورجح دليلهما، اهـ (ولا يكاتب) عبداً (ولا
يعتق على مال) وعلى غير مال بالأولى (ولا يهب بعوض ولا بغير عوض) ؛ لأن كل
ذلك تبرع ابتداء وانتهاء أو ابتداء، فلا يدخل تحت الإذن بالتجارة، هداية
(إلا أن يهدي اليسير من الطعام أو يضيف من يطعمه) أي يضيفه، وكذا من لم
يطعمه كما في القهستاني عن الذخيرة لأن ذلك من ضروريات التجارة استجلاباً
لقلوب معامليه وأهل حرفته
(2/224)
وديونه متعلقةٌ برقبته: يباع للغرماء، إلا
أن يفديه المولي، ويقسم ثمنه بينهم بالحصص، فإن فضل من ديونه شيءٌ طولب به
بعد الحرية.
وإن حجر عليه لم يصر محجوراً عليه حتى يظهر الحجر بين أهل سوقه. فإن مات
المولى أو جن أو لحق بدار الحرب مرتداً صار المأذون محجوراً عليه، وإن أبق
العبد صار
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(وديونه) : أي المأذون (متعلقة برقبته: يباع) فيها (للغرماء) أي لأجلهم أي
يبيع القاضي المأذون في ذلك الدين بطلب الغرماء، وهذا إذا كان السيد حاضراً
فإن غاب لا يبيعه: لأن الخصم في رقبته هو السيد، وبيعه ليس بحتم، فإن لهم
استسعاءه كما في الذخيرة (إلا أن يفديه المولى) بدفع ما عليه من الدين؛
لأنه لا يبقى في رقبته شيء (ويقسم ثمنه) إذا بيع (بينهم) : أي الغرماء
(بالحصص) لتعلق حقهم بالرقبة، فصار كتعلقها بالتركة (فإن فضل من ديونه شيء
طولب به بعد الحرية) لتقرر الدين في ذمته وعدم وفاء الرقبة به، ولا يباع
ثانيا دفعا للضرر عن المشتري.
(وإن حجر عليه) المولى (لم يصر محجوراً عليه) بمجرد حجره، بل (حتى) يعلم
المأذون به، و (يظهر حجره بين) أكثر (أهل سوقه) حتى لو حجر عليه في السوق
وليس فيه إلا رجل أو رجلان لا ينحجر، إذ المعتبر اشتهار الحجر وشيوعه، فقام
ذلك مقام الظهور عند الكل. هذا إذا كان الإذن شائعا، أما إذا كان لم يعلم
به إلا العبد ثم حجر عليه بمعرفته ينحجر، لانتفاء الضرر، كذا في الدرر،
وهذا في الحجر القصدي، أما إذا ثبت الحجر ضمنا فلا يشترط العلم كما صرح
بذلك بقوله: (فإن مات المولى أو جن أو لحق بدار الحرب مرتداً) وحكم بلحاقه
(صار المأذون محجوراً عليه) ولو لم يعلم المأذون ولا أهل سوقه، لأن الإذن
غير لازم، وما لا يكون لازما من التصرف يعطى لدوامه حكم الابتداء فلابد من
قيام أهلية الإذن في حالة البقاء، وهي تنعدم بالموت والجنون، وكذا باللحوق
لأنه موت حكما حتى قسم ماله بين ورثته. هداية (وإذا أبق العبد) المأذون
(صار
(2/225)
محجوراً عليه.
وإذا حجر عليه فإقراره جائزٌ فيما في يده من المال عند أبي حنيفة، وإن
لزمته ديونٌ تحيط بماله ورقبته لم يملك المولى ما في يده، فإن أعتق عبيده
لم يعتقوا عند أبي حنيفة. وقال أبو يوسف ومحمدٌ: يملك ما في يده، وإذا باع
من المولى شيئاً بمثل قيمته جاز، فإن باعه بنقصانٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
محجوراً عليه) دلالة، لأن المولى لا يرضى بإسقاط حقه حال تمرده.
(وإذا حجر) بالبناء للمجهول (عليه) : أي المأذون (فإقراره) بعده (جائز فيما
في يده من المال) أي أمانة لغيره، أو غصب منه، أو دين له عليه (عند أبي
حنيفة) لأن يده باقية حقيقة، وشرط بطلانها بالحجر حكما فراغها عن حاجته،
وإقراره دليل تحققها، وقالا: لا يجوز إقراره بعده، لأن المصحح لإقراره إن
كان الإذن فقد زال بالحجر، وإن كان اليد فالحجر أبطلها، لأن يد المحجور غير
معتبرة وصنيع الهداية صريح في ترجيح الأول.
(وإذا لزمته) : أي المأذون (ديون تحيط بماله ورقبته لم يملك المولى ما في
يده) من أكسابه، لتعلق حق الغرماء فيها، وحق الغرماء مقدمٌ على حق المولى
ولذا كان لهم بيعه، فصار كالتركة المستغرقة بالدين (فإن أعتق) المولى
(عبيده) أي عبيد المأذون (لم يعتقوا عند أبي حنيفة) لصدوره من غير مالك
(وقالا: يملك) المولى (ما في يده) من أكسابه، فينفذ إعتاقه لعبيده ويغرم
القيمة، لوجود سبب الملك في كسبه وهو ملك رقبته، ولهذا يملك إعتاقه، قال في
الينابيع: يريد به لم يعتقوا في حق الغرماء، فلهم أن يبيعوهم ويستوفوا
ديونهم، أما في المولى فهم أحرار بالإجماع، اهـ. قال في التصحيح: واختار
قول الإمام المحبوبي والنسفي والموصلي وصدر الشريعة (وإذا باع) المأذون
المديون (من المولى شيئا بمثل قيمته) أو أكثر (جاز) البيع، لعدم التهمة
(فإن باعه بنقصان) ولو يسيرا
(2/226)
لم يجز، فإن باعه المولى شيئاً بمثل القيمة
جاز البيع، فإن سلمه إليه قبل قبض الثمن بطل الثمن، وإن أمسكه في يده حتى
يستوفي الثمن جاز، وإن أعتق المولى المأذون وعليه ديونٌ فعتقه جائزٌ،
والمولى ضامنٌ لقيمته للغرماء، وما بقي من الديون يطالب به المعتق، وإذا
ولدت المأذونة من مولاها فذلك حجرٌ عليها.
وإن أذن ولي الصبي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(لم يجز) لبيع، لتمكن التهمة (وإن باعه المولى شيئا بمثل القيمة) أو أقل
(جاز البيع) لعدم التهمة وظهور النفع (فإن سلمه) : أي سلم المولى المبيع
(إليه) : أي المأذون (قبل قبض الثمن) منه والثمن دينٌ (بطل الثمن) لأنه
بالتسليم بطلت يد المولى في العين ولا يجب للمولى على عبده دين. قيدنا بكن
الثمن دينا لأنه لو كان عرضاً لا يبطل وكان المولى أحق به من الغرماء؛
لتعلق حقه بالعين (وإن أمسكه) : أي أمسك المولى المبيع (في يده حتى يستوفي
الثمن جاز) ؛ لأن البائع له حق الحبس في المبيع، وجاز أن يكون للمولى حق في
الدين إذا كان يتعلق بالعين، هداية.
(وإن أعتق المولى) العبد (المأذون و) كان (عليه) : أي المأذون (دين) ولو
محيطا برقبته (فعتقه جائز) ؛ لأن ملكه فيه باقٍ (والمولى ضامن لقيمته
للغرماء) ؛ لأنه أتلف ما تعلق به حقهم بيعا واستيفاء من ثمنه (وما بقي من
الديون يطالب به) المأذون (المعتق) ؛ لأن الدين في ذمته؛ وما لزم المولى
إلا بقدر ما أتلف ضمانا، فبقي الباقي عليه كما كان، فإن كان الدين أقل من
قيمته ضمن الدين لا غير، لأن حقهم بقدره (وإذا ولدت) الأمة (المأذونة من
مولاها فذلك حجر عليها) بدلالة الظاهر؛ لأن الظاهر أنه يحصنها بعد الولادة
ولا يرضى ببروزها ومخالطتها الرجال، بخلاف ابتداء الإذن؛ لأن الدلالة لا
معتبر بها عند وجود التصريح بخلافها.
(وإذا أذن ولي الصبي) وهو: الأب، ثم وصيه، ثم الجد، ثم وصيه، ثم القاضي
(2/227)
للصبي في التجارة فهو في الشراء والبيع كالعبد المأذون، إذا كان يعقل البيع
والشراء. |