اللباب
في شرح الكتاب كتاب الخلع.
- إذا تشاق الزوجان وخافا أن لا يقيما حدود الله فلا بأس أن تفتدي نفسها
منه بمالٍ يخلعها به، فإذا فعل ذلك وقع بالخلع بالخلع تطليقةٌ بائنةٌ،
ولزمها المال وإن كان النشوز من قبله كره له أن يأخذ منها عوضاً.
وإن كان النشوز من قبلها كره له أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها، فإذا فعل
ذلك جاز في القضاء،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
كتاب الخلع
بضم الخاء وفتحها، واستعمل في إزالة الزوجية بالضم، وفي غيره بالفتح.
وهو لغةً: الإزالة، وشرعاً - كما في البحر - إزالة ملك لنكاح المتوقفة على
قبولها، بلفظ الخلع أو ما في معناه. اهـ.
ولا بأس به عند الحاجة، كما أشار إلى ذلك بقوله: (إذا تشاق الزوجان) : أي
اختلفا ووقع بينهما العداوة والمنازعة (وخافا أن لا يقيما حدود الله) أي ما
يلزمهما من موجبات النكاح مما يجب له عليها وعليه لها (فلا بأس أن تفتدي)
المرأة (نفسها منه بمال يخلعها به) ؛ لقوله تعالى: {فلا جناح عليهما فيما
افتدت به} الآية (فإذا) قبل الزوج و (فعل ذلك) المطلوب منه (وقع بالخلع
تطليقة بائنة) ، لأنه من الكنايات إلا أن ذكر المال أغنى عن النية ههنا،
ولأنها لا تبذل له المال إلا لتسلم لها نفسها، وذلك بالبينونة (ولزمها
المال) الذي افتدت به نفسها، لقبولها ذلك.
(وإن كان النشوز) أي النفرة والجفاء (من قبله) : أي الزوج (كره له أن يأخذ
منها عوضاً) ، لأنه أوحشها بالاستبدال؛ فلا يزيد في وحشتها بأخذ المال (وإن
كان النشوز من قبلها) أي الزوجة (كره له أن يأخذ) منها عوضاً (أكثر مما
أعطاها) من المهر، دون نفقة وغيرها وفي الجامع الصغير: يطيب له الفضل أيضاً
(فإن فعل ذلك) بأن أخذ أكثر مما أعطاها (جاز في القضاء) ؛ لإطلاق قوله
تعالى: {فلا جناح
(3/64)
وإن طلقها على مالٍ فقبلت وقع الطلاق،
ولزمها المال، وكان الطلاق بائناً، وإذا بطل العوض في الخلع مثل أن تخالع
المرأة المسلمة على خمرٍ أو خنزيرٍ فلا شيء للزوج، والفرقة بائنة، وإن بطل
العوض في الطلاق كان رجعياً، وما جاز أن يكون مهراً جاز أن يكون بدلاً في
الخلع.
فإن قالت له "خالعني على ما في يدي" فخالعها ولم يكن في يدها شيءٌ فلا شيء
له عليها، وإن قالت: خالعني على ما في يدي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عليهما فيما افتدت به} وكذلك إذا أخذ والنشوز منه. هداية.
(وإن طلقها على مال) بأن قال لها: أنت طالق بألف، أو على ألف (فقبلت) في
المجلس (وقع الطلاق، ولزمها المال) ؛ لأن الزوج يستبد بالطلاق تنجيزاً
وتعليقاً وقد علقه بقبولها، والمرأة تملك التزام المال، لولايتها على
نفسها، وملك النكاح مما يجوز الاعتياض عنه، وإن لم يكن مالا كالقصاص. هداية
(وكان الطلاق بائناً) ، لأن بذل المال إنما كان لتسلم لها نفسها، وذلك
بالبينونة.
(وإذا بطل العوض في الخلع) وذلك (مثل أن تخالع المرأة المسلمة على خمر أو
خنزير) أو ميتة أو دم (فلا شيء للزوج) عليها، لأنها لم تسم له متقوما حتى
تصير غارة له، بخلاف ما إذا خالع على خل بعينه فظهر خمراً، لأنها سمت مالا
فصار مغروراً (والفرقة) فيه (بائنة) ، لأنه لما بطل العوض كان العامل فيه
لفظ الخلع، وهو كناية (وإن بطل العوض في الطلاق كان) الطلاق (رجعياً) ، لأن
العامل فيه لفظ الطلاق، وهو صريح، والصريح يعقب الرجعة.
(وما جاز أن يكون مهراً) في النكاح (جاز أن يكون بدلا في الخلع) لأن ما
يصلح أن يكون بدلا للمتقوم أولى أن يصلح لغيره.
(فإن قالت له خالعني على ما في يدي) الحسية (فخالعها ولم يكن في يدها شيء
فلا شيء له عليها) ، لأنها لم تغره بتسمية المال (وإن قالت) له (خالعني على
ما في يدي
(3/65)
من مالٍ ولم يكن في يدها شيءٌ ردت عليه
مهرها، وإن قالت خالعني على ما في يدي من دراهم فخالعها ولم يكن في يدها
شيءٌ فعليها ثلاثة دراهم، وإن قالت طلقني ثلاثاً بألفٍ فطلقها واحدةً
فعليها ثلاث الألف، وإن قالت طلقني ثلاثاً على ألفٍ فطلقها واحدةً فلا شيء
عليها عند أبي حنيفة، ولو قال الزوج طلقي نفسك ثلاثاً بألفٍ أو على ألفٍ
فطلقت نفسها بواحدةً لم يقع عليها شيءٌ والمبارأة كالخلع.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
من مال ولم يكن في يدها شيء ردت عليه مهرها) لأنها لم سمت مالا لم يكن
الزوج راضياً بالزوال إلا بالعوض، ولا وجه إلى إيجاب المسمى وقيمته
للجهالة، ولا إلى قيمة البض - أعني مهر المثل - لأنه غير متقوم حالة
الخروج؛ فتعين إيجاب ما قام به على الزوج؛ دفعاً للضرر. هداية (وإن قالت)
له (خالعني على ما في يدي من دراهم فخالعها ولم يكن في يدها شيء) أو كان في
يدها أقل من ثلاثة دراهم (فعليها ثلاثة دراهم) ؛ لأنها سمت الجمع، وأقله
ثلاثة (وإن قالت) له (طلقني ثلاثاً بألف فطلقها واحدة فعليها ثلث الألف)
لأنها لما طلبت الثلاث بألف فقد طلبت كل واحدة بثلث الألف، وهذا لأن حرف
الباء يصحب الأعواض، والعوض ينقسم على المعوض، والطلاق بائن لوجوب المال
(وإن قالت طلقني ثلاثاً على ألف فطلقها واحدة فلا شيء عليها عند أبي حنيفة)
وتقع رجعية، وقالا: عليها ثلاث الألف وتقع بائنة؛ لأن كلمة (على) بمنزلة
الباء في المعاوضات، وله أن كلمة (على) للشرط، والمشروط لا يتوزع على أجزاء
الشرط، بخلاف الباء؛ لأنه للعوض على ما مر، قال الإسبيجاني: والصحيح قوله،
واعتمده البرهاني والنسفي وغيرهما تصحيح (ولو قال الزوج) لزوجته: (طلقي
نفسك ثلاثاً بألف أو على ألف فطلقت نفسها واحدة لم يقع عليها شيء) ؛ لأن
الزوج ما رضي بالبينونة إلا لتسلم الألف له كلها، بخلاف قولها (طلقني
ثلاثاً بألف) ؛ لأنها لما رضيت بالبينونة بألف كانت ببعضها أرضى.
(والمبارأة) مثل أن يقول لها: برئت من نكاحك على ألف فقبلت (كالخلع)
(3/66)
والخلع والمبارأة يسقطان كل حقٍ لكل واحدٍ من الزوجين على الآخر مما يتعلق
بالنكاح عند أبي حنيفة. |