اللباب في شرح الكتاب

كتاب الإيلاء
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(الأول عادت) إليه بحل جديد: أي (بثلاث تطليقات، ويهدم الزوج الثاني ما دون الثلاث من الطلاق) عند أبي حنيفة وأبي يوسف (كما يهدم الثلاث) بالإجماع، لأنه إذا كان يهدم الثلاث فما دونها أولى (وقال محمد: لا يهدم ما دون الثلاث) قال الإمام أبو المعالي: والصحيح قول الإمام وصاحبه، ومشى عليه المحبوبي والنسفي والموصلي وصدر الشريعة. اهـ تصحيح. قيدنا بدخول الثاني لأنه لو لم يدخل لم يهدم اتفاقاً. قنية.
(وإذا طلقها ثلاثاً) ومضت عليها مدة (فقالت قد انقضت عدتي) منك (وتزوجت) آخر (ودخل بي) الزوج الآخر (وطلقنيو) قد (انقضت عدتي) منه (و) كانت المدة تحتمل ذلك جاز للزوج) الأول (أن يصدقها) وينكحها (إذا كان غالب ظنه أنها صادقة) قال في الجوهرة: إنما ذكره مطولا لأنها لو قالت (حللت لك) فتزوجها ثم قالت (إن الثاني لم يدخل بي) إن كانت عالمة بشرط الحل للأول لم تصدق، وإن لم تكن عالمة به صدقت، وأما إذا ذكرته مطولا كما ذكر الشيخ فإنها لا تصدق على كل حال، وفي المبسوط: لو قالت (حللت) لا تحل له حتى يستفسرها، وإن تزوجها ولم يسألها ولم تخبره بشيء ثم قالت (لم أتزوج زوجاً آخر) أو (تزوجت ولم يدخل) فالقول قولها ويفسد النكاح. اهـ.
كتاب الإيلاء
منسبته البينونة مآلا.
وهو لغة: الحلف مطلقاً. وشرعاً: الحلف على ترك قربان زوجته مدة مخصوصة،

(3/59)


- إذا قال الرجل لامرأته "والله لا أقربك، أو لا أقربك أربعة أشهرٍ" فهو مولٍ، فإن وطئها في الأربعة الأشهر حنث في يمينه، ولزمته الكفارة، وسقط الإيلاء، وإن لم يقربها حتى مضت أربعة أشهر بانت منه بتطليقةٍ، فإن كان حلف على أربعة أشهرٍ فقد سقطت اليمين، وإن كان حلف على الأبد فاليمين باقية، فإن عاد فتزوجها عاد الإيلاء، فإن وطئها لزمته الكفارة، وإلا وقعت بمضي أربعة أشهرٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وشرطه: محلية المرأة، بأن تكون منكوحة وقت تنجيز الإيلاء وأهلية الزوج للطلاق وحكمه، وقوع طلقة بائنة إن بر في حلفه، والكفارة والجزاء المعلق إن حنث، كما صرح بذلك بقوله (إذا قال الرجل لامرأته والله لا أقربك) أو (لا أجامعك) أو (لا أطؤك) أو (لا أغسل منك من جنابة) وكذا كل ما ينعقد به اليمين (أو) قال (لا أقربك أربعة أشهر) أو قال (إن قربتك فعلى حج أو عبدي حر، أو أنت طالق) ؛ (فهو مول) لقوله تعالى {للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر} الآية (فإن وطئها في الأربعة أشهر حنث في يمينه) لفعله المحلوف عليه (ولزمته الكفارة) في عقد اليمين والجزاء المعلق، أو الكفارة في التعليق على الصحيح الذي رجع إليه الإمام، كما في الشرنبلالية (وسقط الإيلاء) لانتهاء اليمين بالحنث (وإن لم يقربها حتى مضت أربعة أشهر بانت منه بتطليقة) ؛ لأنه ظلمها بمنع حقها، فجازاه الشرع بزوال نعمة النكاح عند مضي هذه المدة، وهو المأثور عن عثمان وعلي والعبادلة الثلاثة وزيد بن ثابت، رضي الله عنهم، وكفى بهم قدوة (فإن كان حلف على) مدة الإيلاء فقط (أربعة أشهر فقد سقطت اليمين) ؛ لأنها كانت موقنة بوقت، فترتفع بمضيه (وإن كان حلف على الأبد فاليمين باقية) بعد البينونة؛ لعدم الحنث (فإن عاد) إليها (فتزوجها ثانياً عاد الإيلاء) ؛ لما مر أن زوال الملك بعد اليمين لا يبطلها، إلا أنه لا يتكرر الطلاق قبل التزوج؛ لعدم منع الحق بعد البينونة (فإن وطئها) حنث في يمينه و (لزمته الكفارة) وسقط الإيلاء؛ لأنه يرتفع بالحنث (وإلا) يطأها (وقعت بمضي أربعة أشهر) أخرى

(3/60)


تطليقةٌ أخرى، فإن تزوجها عاد الإيلاء ووقع بمضي أربعة أشهرٍ تطليقةٌ أخرى، فإن تزوجها بعد زوجٍ آخر لم يقع بذلك الإيلاء طلاقٌ، واليمين باقيةٌ، فإن وطئها كفر عن يمينه.
وإذا حلف على أقل من أربعة أشهرٍ لم يكن مولياً، وإن حلف بحجٍ أو صومٍ أو صدقةٍ أو عتقٍ أو طلاقٍ فهو مولٍ.
وإن آلى من المطلقة الرجعية كان مولياً، وإن آلى من البائنة لم يكن مولياً
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(تطليقة أخرى) أيضاً لأن بالتزوج ثبت حقها، فيتحقق الظلم، فيعتبر ابتداء هذا الإيلاء من وقت التزوج. هداية (فإن) عاد إليها و (تزوجها) ثالثاً (عاد الإيلاء ووقع بمضي أربعة أشهر) أخرى (تطليقة أخرى) ؛ لبقاء طلاق ذلك الملك ببقاء المحلية (فإن) عاد إليها و (تزوجها) رابعاً (بعد) حلها بتزوج (زوج آخر لم يقع بذلك الإيلاء طلاق) ؛ لزوال طلاق ذلك الملك بزوال المحلية (و) لكن (اليمين باقية) لعدم الحنث (وإن وطئها كفر عن يمينه) لوجود الحنث.
(وإن حلف على أقل من أربعة أشهر لم يكن مولياً) ؛ لأنه يصل إلى جماعها في تلك المدة من غير يلزمه (وإن حلف بحج أو صوم أو صدقة أو عتق أو طلاق فهو مول) ؛ لتحقق المنع باليمين، وهو ذكر الشرط والجزاء؛ وهذه الأجزية مانعة، لما فيها من المشقة، وصورة الحلف بالعتق أن يعلق بقربانها عتق عبد، وفيه خلاف أبي يوسف؛ فإنه يقول: يمكنه البيع ثم القربان فلا يلزمه، وهما يقولان: البيع موهوم فلا يمنع المانعية فيه، هداية، قال في التصحيح: ومشى على قولهما الأئمة؛ حتى إن غالبهم لا يحكي الخلاف. اهـ.
(وإن آلى من المطلقة الرجعية كان مولياً) ، لبقاء الزوجية، فإن انقضت عدتها قبل انقضاء مدة الإيلاء يسقط الإيلاء لفوات المحلية. جوهرة (وإن آلى من) المطلقة (البائنة لم يكن مولياً) ، لعدم بقاء الزوجية؛ إذ لا حق لها في الوطء؛ فلم يكن مانعاً حقها؛ بخلاف الرجعية

(3/61)


ومندة إيلاء الأمة شهران.
وإن كان المولى مريضاً لا يقدر على الجماع أو كانت المرأة مريضة أو كان بينهما مسافةٌ لا يقدر أن يصل إليها في مدة الإيلاء ففيئه أن يقول بلسانه: فئت إليها، فإن قال ذلك سقط الإيلاء، وإن صح في المدة بطل ذلك الفيء وصار فيئه بالجماع.
وإذا قال لامرأته "أنت علي حرامٌ" سئل عن نيته، فإن قال أردت الكذب فهو كما قال،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(ومدة إيلاء الأمة شهران) ؛ لأنها مدة ضربت أجلاً للبينونة فتنصف في الرق كمدة العدة.
(فإن كان المولى مريضاً) بحيث (لا يقدر على الجماع، أو كانت المرأة مريضة) أو رتقاء أو صغيرة لا تجامع (أو كان بينهما مسافة) بعيدة، بحيث (لا يقدر أن يصل إليها في مدة الإيلاء) أو محبوسة أو ناشزة لا يصل إليها (ففيئه أن يقول بلسانه: فئت إليها) ؛ أو أبطلت الإيلاء، أو رجعت عما قلت، أو نحو ذلك (فإذا قال ذلك سقط الإيلاء) لأنه آذاها بذكر المنع فيكون إرضاؤها بالوعد، وإذا ارتفع الظلم لا يجازى بالطلاق (وإن صح) من مرضه أو زال المانع (في المدة بطل ذلك الفيء) الذي ذكره بلسانه (وصار فيئه بالجماع) ؛ لأنه قدر على الأصل قبل حصول المقصود؛ فيبطل الخلف، كالتيمم.
(وإذا قال) الرجل (لامرأته أنت علي حرام) أو أنت معي في الحرام، أو نحو ذلك (سئل عن نيته: فإن قال أردت الكذب فهو كما قال) ، لأنه نوى حقيقة كلامه، قال في التصحيح: هذا ظاهر الرواية، ومشى عليه الحلواني، وقال السرخسي: لا يصدق في القضاء، حتى قال في الينابيع: في قول القدوري (فهو كما قال) يريد فيما بينه وبين الله تعالى، أما في القضاء فلا يصدق بذلك، ويكون يميناً، ومثله في شرح الإسبيجاني، وفي شرح

(3/62)


وإن قال أردت الطلاق فهي تطليقةٌ بائنةٌ، إلا أن ينوي الثلاث، وإن قال أردت الظهار فهو ظهارٌ، وإن قال أردت التحريم أو لم أرد به شيئاً فهو يمينٌ يصير بها مولياً.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الهداية: وهذا هو الصواب وعليه العمل والفتوى، اهـ (وإن قال أردت الطلاق فهي تطليقة بائنة) ؛ لأنه كناية (إلا أن ينوي الثلاث) فيكون الثلاث اعتباراً بسائر الكنايات (وإن قال أردت الظهار فهو ظهار) ، وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وقال محمد: ليس بظهار لانعدام التشبيه بالمحرمة، وهو الركن فيه، ولهما أنه أطلق الحرمة، وفي الظهار نوع حرمة، والمطلق يحتمل المقيد. هداية. قال الإسبيجاني: والصحيح قولهما، واعتمده المحبوبي والنسفي وغيرهما. تصحيح (وإن قال أردت التحريم أو لم أرد به شيئاً فهو يمين يصير به مولياً) ؛ لأن الأصل في تحريم الحلال إنما هو اليمين عندنا،، فإذا قال (أردت التحريم) فقد أراد اليمين، وإن قال (لم أرد شيئاً) لم يصدق في القضاء؛ لأن ظاهخر ذلك اليمين، وإذا ثبت أنه يمين كان به مولياً. جوهرة. قال في الهداية: ومن المشايخ من يصرف لفظ التحريم إلى الطلاق من غير نية لحكم العرف، قال الإمام المحبوبي: وبه يفتى، وقال نجم الأئمة في شرحه لهذا الكتاب: قال أصحابنا المتأخرون: الحلال علي حرام، أو أنت علي حرام، أو حلال الله علي حرام، أو كل حلال علي حرام - طلاق بائن، ولا يفتقر إلى النية؛ للعرف. حتى قالوا في قول محمد (إن نوى يميناً فهو يمين، ولا تدخل امرأته إلا بالنية، وهو على المأكول والمشروب) : إنما أجاب به على عرف ديارهم، أما في عرف بلادنا فيريدون تحريم المنكوحة فيحمل عليه. اهـ. وفي مختارات النوازل: وقد قال المتأخرون: يقع به الطلاق من غير نية، لغلبة الاستعمال بالعرف، وعليه الفتوى، ولهذا لا يحلف به إلا الرجال، قلت: ومن الألفاظ المستعملة في مصرنا وريفنا (الطلاق يلزمني) و (الحرام يلزمني) و (علي الطلاق) و (علي الحرام) كذا في التصحيح

(3/63)