اللباب
في شرح الكتاب كتاب اللعان
- إذا قذف الرجل امرأته بالزنا وهما من أهل الشهادة، والمرأة ممن يحد
قاذفها، أو نفى نسب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أي جامعها (في خلال الإطعام لم يستأنف) ، لأن النص فيه مطلق، إلا أنه يمنع
من المسيس قبله، لأنه ربما يقدر على الإعتاق أو الصوم فيقعان بعد المسيس،
والمنع لمعنى في غيره لا يعدم المشروعية في نفسه.
(ومن وجب عليه كفارتا ظهار) من امرأة أو امرأتين (فأعتق رقبتين لا ينوي عن
إحداهما بعينها جاز عنهما، وكذلك إذا صام أربعة أشهر، أو أطعم مائة وعشرين
مسكيناً) لأن الجنس متحد، فلا حاجة إلى نية معينة (وإن أعتق رقبة واحدة أو
صام شهرين) عن كفارتي ظهار (كان له أن يجعل ذلك عن أيتهما شاء) ، لأن النية
معتبرة عند اختلاف الجنس.
كتاب اللعان
هو لغة: مصدر لاعن كقاتل، ومن اللعن وهو الطرد والإبعاد، سمى به لا بالغضب
- للعنه نفسه أولا، والسبق من أسباب الترجيح، وشرعاً: شهادات مؤكدات
بالأيمان مقرونة باللعن من جهة وبالغضب من أخرى، قائمة مقام حد القذف في
حقه، ومقام حد الزنا في حقها؛ كما أشار إلى ذلك بقوله: (إذا قذف الرجل
امرأته بالزنا) صريحا (وهما) أي الزوجان (من أهل الشهادات) على المسلم (و)
كانت (المرأة ممن يحد قاذفها) لأنه قائم في حقه مقام حد القذف فلابد من
إحصانها (أو نفى نسب
(3/74)
ولدها وطالبته بموجب القذف فعليه اللعان،
فإن امتنع منه حبسه الحاكم حتى يلاعن أو يكذب نفسه فيحد، وإن لاعن وجب
عليها اللعان؛ فإن امتنعت حبسها الحاكم حتى تلاعن أو تصدقه.
وإذا كان الزوج عبداً أو كافراً أو محدوداً في قذفٍ فقذف امرأته فعليه
الحد،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ولدها) منه أو من غيره، لأنه إذا نفى نسب ولدها صار قاذفا لها ظاهراً
(وطالبته بموجب القذف) لأنه حقها، فلابد من طلبها كسائر الحقوق، فلو لم
تطالبه وسكنت لا يبطل حقها، ولو طالت المدة، لأن طول المدة لا يبطل حقوق
العباد (فعليه اللعان) إن عجز عن البرهان (فإن امتنع منه حبسه الحاكم حتى
يلاعن) فيبرأ (أو يكذب نفسه فيحد) لأن اللعان خلف عن الحد، فإذا لم يأت
بالخلف وجب عليه الأصل (فإن لاعن) الزوج (وجب عليها اللعان) بعده؛ لأنه
المدعي فيطلب منه الحجة أولا، فلو بدأ بلعانها أعادت بعده، فلو فرق قبل
الإعادة صح، لحصول المقصود كما في الدر (فإن امتنعت) المرأة (حبسها الحاكم
حتى تلاعن أو تصدقه) قال الزيلعي: وفي بعض نسخ القدوري (أو تصدقه فتحد) وهو
غلط، لأن الحد لا يجب بالإقرار مرة، فكيف يجب بالتصديق مرة؟ وهو لا يجب
بالتصديق أربع مرات، لأن التصديق ليس بإقرار قصداً، فلا يعتبر في حق وجوب
الحد، ويعتبر في درئه، فيندفع به اللعان، ولا يجب به الحد، وينتفي النسب،
لأنه إنما ينقطع حكما باللعان، ولم يوجد، وهو حق الولد، فلا يصدقان في
إبطاله وبه يظهر عدم صحة قول صدر الشريعة (فينتفي نسب ولدها) درر. قال
شيخنا: وقد يجاب بأن مراد القدوري بالتصديق الإقرار بالزنا، لا مجرد قولها
(صدقت) واكتفى عن ذكر التكرار اعتمادا على ما ذكره في بابه. اهـ.
(وإذا كان الزوج) غير أهل للشهادة: بأن كان (عبداً أو كافراً أو محدوداً في
قذف) وكان أهلا للقذف بأن كان بالغاً عاقلاً ناطقاً (فقذف امرأته فعليه
الحد) والأصل أن اللعان إذا سقط لمعنى من جهته فلو قذف صحيحاً حد، وإلا فلا
حد
(3/75)
وإن كان من أهل الشهادة وهي أمةٌ أو كافرة
أو محدودةٌ في قذفٍ أو كانت ممن لا يحد قاذفها فلا حد عليه في قذفها ولا
لعان.
وصفة اللعان: أن يبتدئ القاضي بالزوج فيشهد أربع مرات يقول في كل مرةٍ:
أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنا، ثم يقول في الخامسة:
لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين فيما رماها به من الزنا ويشير إليها في
جميع ذلك، ثم تشهد المرأة أربع مراتٍ تقول في كل مرةٍ أشهد بالله إنه لمن
الكاذبين فيما رماني به من الزنا، وتقول في الخامسة: إن غضب الله عليها.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ولا لعان، كما في الدر.
(وإن كان) الزوج (من أهل الشهادة وهي) غير أهلٍ لها، لأنها (أمة أو كافرة
أو محدودة في قذف) أو صبية أو مجنونة (أو كانت ممن لا يحد قاذفها) بأن كانت
زانية أو موطوءة بشبهة أو نكاحٍ فاسدٍ (فلا حد عليه في قذفها) كما لو قذفها
أجنبي (ولا لعان) ، لأن خلفه، ولكنه يعزر، حسما لهذا الباب.
(وصفة اللعان) ما نطق به القرآن، وحاصله (أن يبتدئ القاضي بالزوج فيشهد)
على نفسه (أربع مرات يقول في كل مرة: أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما
رميتها به من الزنا) وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه يأتي بلفظ المواجهة،
فيقول: فيما رميتك به، لأنه أقطع للاحتمال، وجه ما ذكره في الكتاب - وهو
ظاهر الرواية - أن لفظ الغائب إذا انضمت إليه الإشارة انقطع الاحتمال، كما
في الهداية (ثم يقول في الخامسة: لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين فيما
رماها به من الزنا) إن قذفها به، أو نفى الولد إن نفاه وفي النظم يقول له
القاضي: اتق الله فإنها موجبة (ويشير) الزوج (إليها في جميع ذلك، ثم تشهد
المرأة) بعده على نفسها (أربع مرات) أيضاً (تقول في كل مرة: أشهد بالله إنه
لمن الكاذبين فيما رماني به من الزنا، وتقول في الخامسة: إن غضب الله عليها
(3/76)
إن كان من الصادقين فيما رماني به من
الزنا.
فإذا التعنا فرق القاضي بينهما، وكانت الفرقة تطليقةً بائنةً عند أبي حنيفة
ومحمدٍ، وقال أبو يوسف: تحريمٌ مؤبدٌ، وإن كان القذف بولدٍ نفى القاضي نسبه
وألحقه بأمه،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
إن كان من الصادقين فيما رماني به من الزنا) ، وإنما خص الغضب في جانبها
لأن النساء يتجاسرن باللعن، فإنهن يستعملن اللعن في كلامهن كثيراً، كما ورد
به الحديث، فاختير الغضب لتتقي ولا تقدم عليه.
(فإذا التعنا فرق القاضي بينهما) ولا تقع الفرقة حتى يقضي بها على الزوج
فيفارقها بالطلاق، وإن امتنع من ذلك فرق القاضي بينهما، ومالم يقض بالفرقة
فالزوجية قائمة: فيلحقها الطلاق، والظهار، والإيلاء، ويجري بينهما التوارث،
كما في الجوهرة (وكانت الفرقة تطليقة بائنة عند أبي حنيفة ومحمد) لأنها
بتفريق القاضي كما في العنين، ولها النفقة والسكنى في عدتها، ويثبت نسب
ولدها إلى سنتين إن كانت معتدة، وإن لم تكن معتدة فإلى ستة أشهر. جوهرة
(وقال أبو يوسف) : يقع (تحريم مؤبد) ، لقوله عليه الصلاة والسلام:
(المتلاعنان لا يجتمعان أبداً) ولهما أن الإكذاب رجوع، والشهادة بعد الرجوع
لا حكم لها، ولا يجتمعان ما كانا متلاعنين، ولم يبق التلاعن ولا حكمه بعد
الإكذاب فيجتمعان. هداية، قال الإسبيجاني: والصحيح قولهما تصحيح (وإن كان
القذف) من الزوج (بولد) أي بنفي نسب ولدها (نفى القاضي نسبه) عن أبيه
(وألحقه بأمه) ويشترط في نفي الولد: أن تكون المرأة من أهل الشهادة من حين
العلوق إلى حين الوضع، حتى لو كانت حين الوضع (1) كتابية أو أمة ثم أسلمت
أو عتقت لا ينتفي ولدها، لأنها لما علقت وليست من أهل اللعان ثبت نسب ولدها
ثبوتاً لا يلحقه الفسخ، فلا يتغير بعد ذلك بتغير حالها كما في الجوهرة
__________
(1) كذا، ولعله (لو كانت حين العلوق) ليتفق مع قوله: لأنها لما علقت - الخ.
(3/77)
فإن عاد الزوج فأكذب نفسه حده القاضي وحل
له أن يتزوجها، وكذلك إن قذف غيرها فحد أو زنت فحدت.
وإذا قذف امرأته وهي صغيرةٌ أو مجنونة فلا لعان بينهما، وقذف الأخرس لا
يتعلق به اللعان، وإذا قال الزوج "ليس حملك مني" فلا لعان بينهما، وإن قال:
"زنيت وهذا الحمل من الزنا" تلاعنا ولم ينف القاضي الحمل.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(فإن عاد الزوج فأكذب نفسه) ولو دلالة: بأن مات الولد المنفى عن مال فادعى
نسبه (حده القاضي) حد القذف؛ لإقراره بوجوبه عليه (وحل له أن يتزوجها) ؛
لأنه لما حد لم يبق أهلا للعان، فارتفع حكمه المنوط به، وهو التحريم
(وكذلك) أي يجوز له أن يتزوجها (إن قذف غيرها فحد) لما بينا (أو زنت) هي أو
قذفت (فحدت) لانتفاء أهلية اللعان من جانبها، والحاصل أن له تزوجها إذا
خرجا أو أحدهما عن أهلية اللعان كما في الدر.
(وإذا قذف) الرجل (امرأته وهي صغيرة أو مجنونة فلا لعان بينهما) ، لأنه لا
يحد قاذفها لو كان أجنبيا، فكذا لا يلاعن الزوج، لقيامه مقامه (وقذف الأخرس
لا يتعلق به اللعان) ، لأنه يتعلق بالتصريح كحد القذف، وقذفه لا يعرى عن
شبهة، والحدود تندرئ بالشبهة (وإذا قال الزوج) لامرأته الحامل (ليس حملك
مني فلا لعان) وإن جاءت به لأقل من ستة أشهر، وهذا قول أبي حنيفة وزفر،
لأنه لا يتيقن بقيام الحمل فلم يصر قاذفاً، وقال أبو يوسف ومحمد: يجب
اللعان إذا جاءت به لأقل من ستة أشها، لتيقن الحمل عنده فيتحقق القذف،
وأجيب بأنه إذا لم يكن قاذفاً في الحال يصير كالمعلق، والقذف لا يصح تعليقه
بالشرط، ومشى على قول الإمام البرهاني والنسفي والموصلي وصدر الشريعة.
تصحيح (وإذا قال) الزوج لامرأته الحامل: (زنيت وهذا الحمل من الزنا تلاعنا)
لوجود القذف بصريح الزنا (ولم ينف القاضي الحمل) عن القاذف، لأن
(3/78)
وإذا نفى الرجل ولد امرأته عقيب الولادة،
أو في الحال التي تقبل التهنئة أو تبتاع له آلة الولادة صح نفيه ولاعن به،
وإن نفاه بعد ذلك لاعن وثبت النسب. وقال أبو يوسف ومحمدٌ: يصح نفيه في مدة
النفاس، وإذا ولدت ولدين في بطنٍ واحدٍ فنفى الأول واعترف بالثاني ثبت
نسبهما وحد الزوج، وإن اعترف بالأول ونفى الثاني ثبت نسبهما ولاعن.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
تلاعنهما بسبب قوله (زنيت) لا بنفي الحمل، على أن الحمل لا تترتب عليه
الأحكام إلا بعد الولادة.
(وإذا نفى الرجل ولد امرأته عقيب الولادة أو في الحال) أي المدة (التي
تقبل) فيها (التهنئة) ومدتها سبعة أيام عادة كما في النهاية (أو تبتاع له)
أي تشترى فيها (آلة الولادة صح نفيه) ؛ لاحتياجه إلى نفي ولد غيره عن نفسه،
ولم يوجد منه الاعتراف صريحاً ولا دلالة (ولاعن به) لأنه بالنفي صار قاذفاً
(وإن نفاه بعد ذلك لاعن وثبت النسب) ؛ لأنه ثبت نسبه بوجود الاعتراف منه
دلالة، وهو السكوت وقبول التهنئة؛ فلا ينتفي بعد ذلك، وهذا عند أبي حنيفة
(وقال أبو يوسف ومحمد: يصح نفيه في مدة النفاس) ؛ لأن النفي يصح في مدة
قصيرة، ولا يصح في مدة طويلة، ففصلنا بينهما بمدة النفاس؛ لأنه أثر
الولادة، وله أنه لا معنى للتقدير؛ لأن الزمان للتأمل، وأحوال الناس فيه
مختلفة، فاعتبرنا ما يدل عليه، وهو قبول التهنئة، أو سكوته عندها، أو
ابتياعه متاع الولادة أو مضى ذلك الوقت، هداية. قال الإمام أبو المعالي:
والصحيح قول أبي حنيفة، واعتمده المحبوبي والنسفي والموصلي وصدر الشريعة،
تصحيح ولو كان الزوج غائباً فحالة علمه كحالة ولادتها (وإذا ولدت) المرأة
(ولدين في بطن واحد) وهو أن يكون بينهما أقل من ستة أشهر (فنفى) الزوج
الولد (الأول واعترف بالثاني ثبت نسبهما) ، لأنهما توأمان خلقا من ماء واحد
(وحد الزوج) ؛ لأنه أكذب نفسه بدعوى الثاني (وإن اعترف بالأول ونفى الثاني
ثبت نسبهما) لما تقدم (ولاعن) ، لأنه صار قاذفاً بنفي الثاني، والإقرار
بالعفة سابق على القذف، فصار كأنه أقر بعفتها ثم قذفها بالزنا
(3/79)
|