اللباب
في شرح الكتاب كتاب العدة
- إذا طلق الرجل امرأته طلاقاً بائناً أو رجعياً أو وقعت الفرقة بينهما
بغير طلاقٍ وهي حرةٌ ممن تحيض فعدتها ثلاثة أقراءٍ، والأقراء: الحيض، وإن
كانت لا تحيض من صغرٍ أو كبرٍ فعدتها ثلاثة أشهرٍ، وإن كانت حاملاً فعدتها
أن تضع حملها، وإن كانت أمةً فعدتها حيضتان، وإن كانت لا تحيض فعدتها شهرٌ
ونصفٌ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
كتاب العدة
هي لغة: الإحصاء، وشرعاً: تربصٌ يلزم المرأة عند زوال النكاح أو شبهته،
وسمى التربص (عدة) لأن المرأة تحصي الأيام المضروبة عليها وتنتظر الفرج
الموعود لها (إذا طلق الرجل امرأته) المدخول بها سواء كان (طلاقاً بائناً
أو رجعياً أو وقعت الفرقة بينهما بغير طلاق) كأن حرمت عليه بوجه من الوجوه
السابقة: كتمكين ابن الزوج، ونحو ذلك مما يوجب الفرقة (وهي حرة) و (ممن
تحيض فعدتها ثلاثة أقراء) كوامل من وقت الطلاق أو الفرقة، فلو طلقت في
الحيض لم بعد من العدة (والأقراء) هي (الحيض) عندنا، لأن الحيض معرف لبراءة
الرحم، وهو المقصود (وإن كانت) ممن (لا تحيض من صغر) أو بلوغ بالسن (أو
كبر) بأن بلغت سن الإياس (فعدتها ثلاثة أشهر) قيدنا الكبر ببلوغ سن الإياس
لأنه إذا كانت ممن تحيض فامتد طهرها فإن عدتها بالحيض مالم تدخل في حد
الإياس. جوهرة (وإن كانت حاملا فعدتها أن تضع حملها) وهذا إذا كانت حرة
(وإن كانت أمة فعدتها) إذا كانت ممن تحيض (حيضتان) لأن الرق منصفٌ، والحيضة
لا تتجزأ، فكملت فصارت حيضتين (وإن كانت) ممن (لا تحيض فعدتها شهر ونصف) ،
لأن الشهر متجزئ فأمكن تنصيفه عملا بالرق، وإن كانت حاملا فعدتها أن تضع
حملها كالحرة
(3/80)
وإذا مات الرجل عن امرأته الحرة فعدتها
أربعة أشهرٍ وعشرٌ، وإن كانت أمةً فعدتها شهران وخمسة أيامٍ، وإن كانت
حاملاً فعدتها أن تضع حملها، وإذا ورثت المطلقة في المرض فعدتها أبعد
الأجلين.
فإن أعتقت الأمة في عدتها من طلاقٍ رجعيٍ انتقلت عدتها إلى عدة الحرائر،
وإن أعتقت وهي مبتوتةٌ أو متوفى عنها زوجها لم تنتقل عدتها، وإن كانت آيسةً
فاعتدت بالشهور ثم رأت الدم انتقض
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(وإذا مات الرجل عن امرأته الحرة) دخل بها أولا، صغيرة كانت أو كبيرة،
مسلمة أو كتابية، حاضت في المدة أو لم تحض، كما في خزانة المفتين (فعدتها
أربعة أشهر وعشرة) أيام، لقوله تعالى {ويذرون أزواجاً يتربصن بأنفسهن أربعة
أشهر وعشراً} ، (وإن كانت أمة فعدتها شهران وخمسة أيام) ؛ لأن الرق منصف
كما مر (وإن كانت) امرأة الميت (حاملا فعدتها أن تضع حملها) أيضاً، لإطلاق
قوله تعالى: {وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن} ، (وإذا ورثت المطلقة)
بائناً (في المرض) بأن كان الطلاق فراراً من إرثها ومات وهي في العدة
(فعدتها أبعد الأجلين) من عدة الوفاة وعدة الطلاق احتياطاً: بأن تتربص
أربعة أشهرٍ وعشراً من وقت الموت، فإن لم تر فيها حيضاً تعتد بعدها بثلاث
حيض، حتى لو امتد طهرها تبقى عدتها حتى تبلغ الإياس كما في الفتح، قال كمال
الإسلام في شرحه: وهذا قول أبي حنيفة ومحمد، وقال أبو يوسف: عدتها ثلاث
حيض، والصحيح قولهما، واعتمده المحبوبي والنسفي وغيرهما. تصحيح، قيدنا
الطلاق بالبائن لأنه إذا كان رجعيا فعليها عدة الوفاة إجماعاً كما في
الهداية.
(فإن أعتقت الأمة في عدتها من طلاق رجعي انتقلت عدتها) من عدة الإماء (إلى
عدة الحرائر) لأن الزوجية باقية (وإن أعتقت وهي مبتوتة أو متوفى عنها زوجها
لم تنتقل عدتها) ؛ لزوال النكاح بالبينونة والموت (وإن كانت) المرأة (آيسة
فاعتدت بالشهور ثم رأت الدم) على جاري عادتها أو حبلت من زوج آخر (انتقض
(3/81)
ما مضى من عدتها وكان عليها أن تستأنف
العدة بالحيض،
والمنكوحة نكاحاً فاسداً والموطوءة بشبهةٍ عدتها الحيض في الفرقة والموت.
وإذا مات مولى أم الولد عنها أو أعتقها فعدتها ثلاث حيضٍ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ما مضى من عدتها) وفسد نكاحها (وكان عليها أن تستأنف العدة بالحيض) قال في
الهداية: ومعناه إذا رأت الدم على العادة، لأن عودها يبطل الإياس، وهو
الصحيح، قال في التصحيح: يحترز بهذا الصحيح عما فصله في زاد الفقهاء فقال:
المختار عندنا أنها إذا رأت الدم قبل الاعتداد بالأشهر يبطل الاعتداد
بالأشهر، وإذا رأت بعد الاعتداد بالأشهر لا يبطل، قال نجم الأمة: هذا هو
الأصح والمختار للفتوى، قال في الذخيرة: وكان الصدر الشهيد حسام الدين يفتي
بأنها لو رأت الدم بعد ذلك على أي صفة رأت يكون حيضاً، ويفتي ببطلان
الاعتداد بالأشهر إن كانت رأت الدم قبل الاعتداد بالأشهر، ولا يفتي ببطلان
الاعتداد بالأشهر بعد تمام الاعتداد بها، قضي بجواز الأنكحة أم لا، قال في
مجموع النوازل: هو الأصح، قلت، وهذا التصحيح أولى من تصحيح فخر الدين في
الهداية، وقد حقق وجهه في فتح القدير. اهـ.
(والمنكوحة نكاحاً فاسداً) المدخول بها (والموطوءة بشبهة عدتها الحيض) إن
كانت ممن تحيض، والأشهر إن كانت ممن لا تحيض (في الفرقة والموت) ؛ لأنها
للتعرف عن براءة الرحم، لا قضاء حق النكاح، والحيض هو المعرف، والأشهر
قائمة مقام الحيض.
(وإذا مات مولى أم الولد عنها أو أعتقها) ولم تكن تحت زوج ولا معتدة
(فعدتها ثلاث حيض) إن كانت من ذوات الحيض، وثلاثة أشهر إن كانت من ذوات
الأشهر؛ لأنها وجبت بالوطء لا بالنكاح، ووجبت وهي حرة، فتكون ثلاث حيض أو
ما يقوم مقامها كما في الوطء بشبهة. قيد بأم الولد لأن القنة والمدبرة إذا
أعتقها المولى أو مات
(3/82)
وإذا مات الصغير عن امرأته وبها حبلٌ
فعدتها أن تضع حملها، وإن حدث الحبل بعد الموت فعدتها أربعة أشهرٍ وعشرٌ.
وإذا طلق الرجل امرأته في حال الحيض لم تعتد بالحيضة التي وقع فيها الطلاق،
وإذ وطئت المعتدة بشبهةٍ فعليها عدةٌ أخرى، وتداخلت العدتان، فيكون ما تراه
من الحيض محتسباً به منهما جميعاً،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عنهما لا عدة عليهما؛ لعدم الفراش، وقيدنا بأن لا تكون متزوجة ولا معتدة؛
لأنها إذا كانت متزوجة أو معتدة ومات مولاها أو أعتقها فلا عدة عليها؛
لأنها ليست فراشا له.
(وإذا مات الصغير) الذي لا يتأتى منه الإحبال (عن امرأته وبها حبل) محقق
وذلك بأن تضع لدون ستة أشهر من موته (فعدتها أن تضع حملها) لإطلاق قوله
تعالى: {وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن} قال في الهداية: وهذا عند أبي
حنيفة ومحمد، وقال أبو يوسف: عدتها أربعة أشهر وعشر؛ لأن الحمل ليس بثابت
النسب منه، فصار كالحادث بعد الموت. اهـ. قال جمال الإسلام: الصحيح قولهما،
واعتمده البرهاني والنسفي وغيرهما. تصحيح. قيدنا الحبل بالمحقق لأنه إذا
كان محتملا - بأن ولدت لأكثر من ستة أشهر - فعليها عدة الوفاة اتفاقا كما
في التصحيح (فإن حدث الحبل بعد الموت فعدتها أربعة أشهر وعشر) ؛ لأنها وجبت
عند الموت كذلك، فلا تتغير بعده، ولا يثبت نسب الولد في الوجهين، لأن الصبي
لا ماء له، فلا يتصور منه العلوق، والنكاح يقام مقامه في موضع التصور،
هداية.
(وإذا طلق الرجل امرأته في حال الحيض لم تعتد) المرأة (بالحيضة التي وقع
فيها الطلاق) ؛ لأنه انقضى بعضها، ولا يقع الاعتداد إلا بالكاملة (وإذا
وطئت المعتدة بشبهة) ولو من المطلق (فعليها عدة أخرى) لتجدد السبب (وتداخلت
العدتان فيكون ما تراه من الحيض) في تلك المدة (محتسباً به منهما جميعاً) ،
لأن المقصود هو التعرف عن
(3/83)
وإذا انقضت العدة الأولى ولم تكمل الثانية
فإن عليها تمام العدة الثانية.
وابتداء العدة في الطلاق عقيب الطلاق، وفي الوفاة عقيب الوفاة، فإن لم تعلم
بالطلاق أو الوفاة حتى مضت مدة العدة فقد انقضت عدتها والعدة في النكاح
الفاسد عقيب التفريق بينهما، أو عزم الواطئ على ترك وطئها،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فراغ الرحم، وقد حصل (وإذا انقضت العدة الأولى ولم تكمل) العدة (الثانية
فإن عليها تمام العدة الثانية) فإذا كان الوطء الثاني بعدما رأت حيضة كانت
الأولى من العدة الأولى والثنتان بعدها من العدتين، وتجب رابعة لتتم
الثانية، وإن كان الوطء قبل رؤية الحيض فلا شيء عليها إلا ثلاث حيض، وهي
تنوب عن ست حيض، كما في الدرر.
(وابتداء العدة في الطلاق عقيب الطلاق، وفي الوفاة عقيب الوفاة) ، لأنهما
السبب في وجوبهما، فيعتبر ابتداؤها من وقت وجود السبب) فإن لم تعلم بالطلاق
والوفاة حتى مضت مدة العدة فقد انقضت عدتها) ، لأن العدة هي مضي الزمان،
فإذا مضت المدة انقضت العدة، قال في الهداية: ومشايخنا يفتون في الطلاق أن
ابتداءها من وقت الإقرار، نفيا لتهمة المواضعة، اهـ قال في التصحيح: يعني
أن مشايخ بخارى وسمرقند يفتون أن من أقر بطلاق سابق وصدقته الزوجة وهما من
مظان التهمة لا يصدق في الإسناد، ويكون ابتداء العدة من وقت الإقرار، ولا
نفقة ولا سكنى للزوجة لتصديقها، قال الإمام أبو علي السندي: ما ذكر محمد من
أن ابتداء العدة من وقت الطلاق محمول على ما إذا كانا متفرقين من الوقت
الذي أسند الطلاق إليه، أما إذا كانا مجتمعين فالكذب في كلامهما ظاهر، فلا
يصدقان في الإسناد. اهـ (والعدة في النكاح الفاسد) ابتداؤها (عقيب التفريق)
من القاضي (بينهما أو) إظهار (عزم الواطئ على ترك وطئها) بأن يقول بلسانه:
تركت وطئها، أو تركتها، أو خليت سبيلها، ونحوه، ومنه الطلاق، أما مجرد
العزم فلا عبرة به، وهذا في المدخولة، أما غيرها فيكفي تفرق الأبدان،
والخلوة في النكاح
(3/84)
وعلى المبتوتة، والمتوفى عنها زوجها - إذا
كانت بالغةً مسلمةً - الإحداد، وهو: ترك الطيب والزينة والدهن والكحل إلا
من عذر، ولا تختضب بالحناء، ولا تلبس ثوباً مصبوغاً بعصفرٍ ولا بزعفرانٍ،
ولا إحداد على كافرةٍ، ولا صغيرةٍ، وعلى الأمة الإحداد، وليس في عدة النكاح
الفاسد ولا في عدة أم الولد إحدادٌ.
ولا ينبغي أن تخطب المعتدة، ولا بأس بالتعريض في الخطبة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الفاسد لا توجب العدة، والطلاق فيه لا ينقص العدد، لأنه فسخ، جوهرة.
(و) يجب (على المبتوتة والمتوفى عنها زوجها إذا كانت بالغة مسلمة) ولو أمة
(الإحداد) وإن أمرها المطلق أو الميت بتركه، لأنه حق الشرع، إظهاراً للتأسف
على فوات نعمة النكاح، وذلك (بترك الطيب والزينة) بحلي أو حرير (والدهن)
ولو بلا طيب كزيت خالص (والكحل، إلا من عذر) راجع الجميع، إذ الضرورات تبيح
المحظورات (ولا تختضب بالحناء ولا تلبس ثوباً مصبوغاً بعصفر ولا زعفران)
ولا ورس لأن هذه الأشياء دواعي الرغبة فيها، وهي ممنوعة، فتجنبها كيلا تصير
ذريعة الوقوع في المحرم (ولا إحداد على كافرة) لأنها غير مخاطبة بحقوق
الشرع (ولا) على (صغيرة) لأن الخطاب موضوع عنها (وعلى الأمة الإحداد) لأنها
مخاطبة بحقوق الله تعالى فيما ليس فيه إبطال حق المولى، بخلاف المنع من
الخروج، لأن فيه إبطال حقه، وحق العبد مقدم لحاجته (وليس في عدة النكاح
الفاسد ولا في عدة أم الولد إحداد) ، لأنه لإظهار التأسف على فوات نعمة
النكاح، ولم يفتهما ذلك.
(ولا ينبغي) بل يحرم (أن تخطب المعتدة) أي معتدة كانت (ولا بأس بالتعريض في
الخطبة) لقوله تعالى: {ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء} إلى
أن قال {ولكن لا تواعدوهن سراً، إلا أن تقولوا قولً معروفا} قال عليه
الصلاة والسلام: (السر النكاح) وقال ابن عباس رضي الله عنهما: التعريض أن
يقول: إني
(3/85)
ولا يجوز للمطلقة الرجعية والمبتوتة الخروج
من بيتها ليلاً ولا نهاراً، والمتوفى عنها زوجها تخرج نهاراً وبعض الليل،
ولا تبيت في غير منزلها، وعلى المعتدة أن تعتد في المنزل الذي يضاف إليها
بالسكنى حال وقوع الفرقة، فإن كان نصيبها من دار الميت لا يكفيها وأخرجها
الورثة من نصيبهم انتقلت،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أريد أن أتزوج، وعن سعيد بن جبير في القول المعروف: إني فيك لراغب، وإني
أريد أن نجتمع. هداية.
(ولا يجوز للمطلقة الرجعية والمبتوتة) الحرة (الخروج من بيتها ليلا ولا
نهاراً) ؛ لأن نفقتها واجبة على الزوج، فلا حاجة إلى الخروج، كالزوجة، حتى
لو اختلعت على أن لا نفقة لها، قيل: تخرج نهاراً لمعاشها، وقيل: لا، وهو
الأصح، لأنها هي التي اختارت إسقاط نفقتها، كالمختلعة على أن لا سكنى لها،
ولا يجوز لها الخروج اختياراً، فيلزمها أن تكتري بيت الزوج، معراج، قيدنا
بالحرة لأن الأمة تخرج في حاجة المولى كما مر (والمتوفى عنها زوجها تخرج
نهاراً وبعض الليل) ، لأنه لا نفقة لها، فتضطر إلى الخروج لإصلاح معاشها،
وربما يمتد ذلك إلى الليل، حتى لو كان عندها كفايتها صارت كالمطلقة فلا يحل
لها الخروج، فتح (ولا تبيت في غير منزلها) لعدم الاضطرار إليه (و) يجب (على
المعتدة أن تعتد في المنزل الذي يضاف إليها بالسكنى حال وقوع الفرقة) حتى
لو طلقت وهي في غير منزلها عادت إليه فوراً فتعتد يه (فإن كان نصيبها من
دار) زوجها (الميت لا يكفيها) لضيقه (فأخرجها الورثة من نصيبهم انتقلت) إلى
حيث شاءت، لأن هذا الانتقال بعذر، والعبادات تؤثر فيها الأعذار، وصار كما
إذا خافت على متاعها، أو خافت سقوط المنزل، أو كانت فيه بأجر ولا تجد ما
تؤديه. ثم إن وقعت الفرقة بطلاق بائن أو ثلاث لابد من سترة بينهما، ثم لا
بأس به مع السترة، لأنه معترف بالحرمة، إلا أن يكون فاسقاً يخاف عليها منه،
فحينئذ تخرج، لأنه عذر، ولا تخرج عما انتقلت إليه، والأولى أن يخرج هو
ويتركها، وإن جعلا بينهما امرأة ثقة
(3/86)
ولا يجوز أن يسافر الزوج بالمطلقة الرجعية.
وإذا طلق الرجل امرأته طلاقاً بائناً ثم تزوجها في عدتها وطلقها قبل أن
يدخل بها فعليه مهرٌ، كاملٌ وعليها عدةٌ مستقبلةٌ. وقال محمدٌ: لها نصف
المهر وعليها إتمام العدة الأولى،
ويثبت نسب ولد المطلقة الرجعية إذا جاءت به لسنتين أو أكثر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
تقدر على الحيلولة فحسن. هداية.
(ولا يجوز أن يسافر الزوج بالمطلقة الرجعية) ، لعموم قوله تعالى: {ولا
تخرجوهن من بيوتهن} فيتناول الزوج وغيره، وقال زفر: له ذلك، بناء على أن
السفر عنده رجعة إذ لا يسافر بها إلا وهو يريد إمساكها، فلا يكون إخراجا
للمعتدة، قيدنا بالرجعية لأن المبانة لا يجوز السفر بها اتفاقاً، وإن
أبانها أو طلقها في سفر وبينها وبين مصرها أقل من ثلاثة أيام رجعت إلى
مصرها، وإن كان ثلاثة أيام خيرت، والعود أفضل إلا أن تكون في مصر فإنها لا
تخرج حتى تعتد كما في الهداية.
(وإذا طلق الرجل امرأته طلاقاً بائناً ثم تزوجها في عدتها) منه (وطلقها)
ثانيا (قبل أن يدخل) أو يختلي (بها فعليه مهر كامل، وعليها عدة مستقبلة)
لأنها مقبوضة بيده بالوطأة الأوللا، وبقي أثره - وهو العدة - فإذا جدد
النكاح وهي مقبوضة ناب ذلك القبض عن القبض الواجب في النكاح، فيكون طلاقاً
بعد الدخول. درر. وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف (وقال محمد: لها نصف المهر،
وعليها إتمام العدة الأولى) ؛ لأنه طلاق قبل المسيس، فلا يوجب كمال المهر
ولا استئناف العدة، وإكمال العدة الأولى إنما وجب بالطلاق الأول، هداية.
قال الإسبيجاني: الصحيح قولهما، واختاره المحبوبي والنسفي وغيرهما، تصحيح.
(ويثبت نسب ولد المطلقة الرجعية إذا جاءت به) أي الولد (لسنتين أو أكثر)
(3/87)
مالم تقر بانقضاء عدتها، فإذا جاءت به لأقل
من سنتين بانت منه، وإن جاءت به لأكثر من سنتين ثبت نسبه وكانت رجعةً.
والمبتوتة يثبت نسب ولدها إذا جاءت به لأقل من سنتين، فإن جاءت به لتمام
سنتين من يوم الفرقة لم يثبت نسبه إلا أن يدعيه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ولو طالت المدة، لاحتمال امتداد طهرها وعلوقها في العدة (مالم تقر بانقضاء
عدتها) والمدة تحتمله (وإن جاءت به لأقل من سنتين بانت منه) أي من زوجها
بانقضاء العدة وثبت نسبه لوجود العلوق في النكاح أو في العدة؛ ولا يصير
مراجعة، لأنه يحتمل العلوق قبل الطلاق ويحتمل بعده فلا يصير مراجعاً بالشك،
هداية (وإن جاءت به لأكثر من سنتين ثبت نسبه وكانت مراجعة) : لأن العلوق
بعد الطلاق، إذ الحمل لا يبقى أكثر من سنتين، والظاهر أنه منه لانتفاء
الزنا من المسلم، فحمل أمره على أنه وطئها في العدة فيصير مراجعاً.
(والمبتوتة يثبت نسب ولدها) بلا دعوى، مالم تقر بانقضاء العدة كما مر (إذا
جاءت به لأقل من سنتين) لأنه يحتمل أن يكون الولد قائما وقت الطلاق، فلا
يتيقن بزوال الفراش قبل العلوق، قيثبت نسبه احتياطا (وإن جاءت به لتمام
سنتين من يوم الفرقة لم يثبت نسبه) من الزوج، لأنه حادث بعد الطلاق، فلا
يكون منه، لأن وطأها حرام (إلا أن يدعيه) الزوج، لأنه التزمه، وله وجه بأن
وطئها بشبهة في العدة، قال في الهداية: فإن كانت المبتوتة صغيرة يجامع
مثلها فجاءت بولد لتسعة أشهر لم يلزمه حتى تأتي به لأقل من تسعة أشهر عند
أبي حنيفة ومحمد، وقال أبو يوسف: يثبت النسب منه إلى سنتين، لأنها معتدة
يحتمل أن تكون حاملا ولم تقر بانقضاء العدة، فأشبهت الكبيرة، ولهما أن
لانقضاء عدتها جهة متعينة - وهي الأشهر - وبمضيها يحكم الشرع بالانقضاء،
وهو بالدلالة فوق إقرارها لأنه لا يحتمل الخلاف. اه
(3/88)
ويثبت نسب ولد المتوفى عنها زوجها ما بين
الوفاة وبين سنتين.
وإذا اعترفت المعتدة بانقضاء عدتها ثم جاءت بولدٍ لأقل من ستة أشهرٍ ثبت
نسبه، وإن جاءت به لستة أشهرٍ لم يثبت نسبه.
وإذا ولدت المعتدة ولداً لم يثبت نسبه عند أبي حنيفة إلا أن يشهد بولادتها
رجلان أو رجلٌ وامرأتان، إلا أن يكون هناك حبلٌ ظاهرٌ أو اعترافٌ من قبل
الزوج، فيثبت النسب من غير شهادةٍ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(ويثبت نسب ولد المتوفى عنها زوجها) ولو غير مدخول بها، إذا لم تقر بانقضاء
عدتها (ما بين الوفاة وبين سنتين) وقال زفر: إذا جاءت به بعد انقضاء عدة
الوفاة لستة أشهر لا يثبت النسب؛ لأن الشرع حكم بانقضاء عدتها بالشهور
لتعين الجهة فصار كما إذا أقرت بالإنقضاء كما بينا في الصغيرة، إلا أنا
نقول: لانقضاء عدتها جهة أخرى، وهو وضع الحمل، بخلاف الصغيرة؛ لأن الأصل
فيها عدم الحمل؛ لأنها ليست بمحل قبل البلوغ. هداية.
(وإذا اعترفت المعتدة) مطلقاً (بانقضاء عدتها) والمدة المحتملة (ثم جاءت
ولد لأقل من ستة أشهر) من وقت الإقرار (يثبت نسبه) ؛ لظهور كذبها بيقين،
فبطل الإقرار (وإن جاءت به لستة أشهر) فأكثر (لم يثبت نسبه) ؛ لأنه علم
بالإقرار أنه حدث بعده، لأنها أمينة في الإخبار، وقول الأمين مقبول إلا إذا
تحقق كذبه.
(وإذا ولدت المعتدة ولداً) وجحدت ولادتها (لم يثبت نسبه عند أبي حنيفة إلا)
بحجة تامة، وهي (أن يشهد بولادتها رجلان أو رجل وامرأتان) ؛ لأنه محقق
مقصود فلا يثبت إلا بحجة كاملة، وتصور اطلاع الرجال عليه مع جوازه للضرورة
كافٍ في اعتباره (إلا أن يكون هناك حبل ظاهر) وهل تكفي الشهادة لأنه بكونه
ظاهراً؟ في البحر بحثا نعم (أو اعترف من قبل الزوج) بالحبل (فيثبت النسب من
غير شهادة) يعني
(3/89)
وقال أبو يوسف ومحمدٌ: يثبت في الجميع
بشهادة امرأةٍ واحدةٍ.
وإذا تزوج امرأةً فجاءت بولدٍ لأقل من ستة أشهرٍ منذ يوم تزوجها لم يثبت
نسبه، وإن جاءت به لستة أشهرٍ فصاعداً ثبت نسبه إن اعترف به الزوج أو سكت،
وإن جحد الولادة ثبت بشهادة امرأةٍ واحدةٍ تشهد بالولادة.
وأكثر مدة الحمل سنتان، وأقله ستة أشهرٍ.
وإذا طلق الذمي الذمية فلا عدة عليها.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
تامة لأنه إذا كان هناك حمل ظاهر وأنكر الزوج الولادة فلابد أن تشهد
بولادتها القابلة لجواز أن تكون ولدت ولداً ميتاً وأرادت إلزامه ولداً
غيره، جوهرة (قالا: يثبت في الجميع بشهادة امرأة واحدة) لأن الفراش قائم
بقيام العدة، وهو ملزم للنسب، والحاجة إلى تعيين الولد، فيتعين بشهادتهما
كما في حال قيام النكاح، هداية. قال في التصحيح: واعتمد قول الإمام
المحبوبي والنسفي وصدر الشريعة.
(وإذا تزوج) الرجل (امرأة فجاءت بولد لأقل من ستة أشهر منذ يوم تزوجها لم
يثبت نسبه) لتحقق سبق العلوق على النكاح (وإن جاءت به لستة أشهر فصاعداً
يثبت نسبه إن اعترف به الزوج أو سكت) ، لأن الفراش قائم، والمدة تامة (وإن
جحد) الزوج (الولادة يثبت) نسبه (بشهادة امرأة واحدة تشهد بالولادة) ، لأن
النسب ثابت بالفراش، والحاجة إلى تعيين الولد، وهو يتعين بشهادة المرأة كما
مر. (وأكثر مدة الحمل سنتان) ، لقوال عائشة رضي الله عنها: (الولد لا يبقى
في البطن أكثر من سنتين، ولو بظل مغزل) والظاهر أنها قالته سماعاً، إذ
العقل لا يهتدي إليه. هداية (وأقله ستة أشهر) لقوله تعالى {وحمله وفصاله
ثلاثون شهراً) ثم قال: {وفصاله في عامين) فبقي للحمل ستة أشهر.
(وإذا طلق الذمي الذمية) أو مات عنها (فلا عدة عليها) عند أبي حنيفة، إذا
(3/90)
وإذا تزوجت الحامل من الزنا جاز النكاح، ولا يطؤها حتى تضع حملها، والله
أعلم. |