اللباب
في شرح الكتاب كتاب الجنايات
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عقل عنه غيره؛ لتأكد ذلك؛ الرابع: أن يشترط العقل والإرث. اهـ (فإن مات)
المولى الأسفل (ولا وارث له فميراثه للمولى) الأعلى، لأن ماله حقه فيصرفه
إلى حيث شاء، والصرف إلى بيت المال ضرورة عدم المستحق، لا أنه مستحق، هداية
(وإن كان له وارث فهو أولى منه) ؛ لأنه وارث شرعاً فلا يملكان إبطاله
(وللمولى) الأسفل (أن ينتقل عنه) : أي عن المولى الأعلى (بولائه إلى غيره)
، لأنه عقد غير لازم بمنزلة الوصية، وكذا للأعلى أن يتبرأ عن ولائه، لعدم
اللزوم؛ إلا أنه يشترط في هذا أن يكون بمحضر من الآخر كما في عزل الوكيل
قصداً، بخلاف ما إذا عقد الأسفل مع غيره بغير محضر من الأول، لأنه فسخ حكمي
بمنزلة العزل الحكمي في الوكالة، هداية. وهذا (مالم يعقل عنه؛ فإذا عقل عنه
لم يكن له أن يتحول بولائه إلى غيره) ؛ لأنه تعلق به حق الغير، وكذا لا
يتحول ولد، وكذا إذا عقل عن ولده، كما في الهداية (وليس لمولى العتاقة أن
يوالي أحداً) ؛ لأنه لازم، ومع بقائه لا يظهر الأدنى، هداية.
كتاب الجنايات
وجه المناسبة بينه وبين العتق أن في مشروعية كل منهما إحياء معنويا.
والجنايات: جمع جناية، وهي لغة: التعدي، وشرعاً: عبارة عن التعدي الواقع في
النفس والأطراف
(3/140)
- القتل على خمسة أوجهٍ: عمدٍ، وشبه عمد،
وخطأٍ، وما أجري مجرى الخطأ، والقتل بسببٍ.
فالعمد: ما تعمد ضربه بسلاح، أو ما أجري مجرى السلاح في تفريق الأجزاء،
كالمحدد من الخشب والحجر والنار، وموجب ذلك المأثم والقود، إلا أن يعفو
الأولياء، ولا كفارة فيه.
وشبه العمد عند أبي حنيفة: أن يتعمد الضرب بما ليس بسلاحٍ، ولا ما أجري
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(القتل) الذي تتعلق به الأحكام الآتية (على خمسة أوجه) وإلا فأنواعه كثيرة
كرجم وصلب وغيرهما، وهي: (عمد، وشبه عمد، وخطأ، وما أجري مجرى الخطأ،
والقتل بسبب) ثم أخذ في بيانها على الترتيب فقال:
(فالعمد: ما) أي آدمى (تعمد) بالبناء للمجهول (ضربه بسلاح أو ما أجرى مجرى
السلاح في تفريق الأجزاء) وذلك (كالمحدد) أي الذي له حد يفرق الأجزاء (من
الخشب والحجر والنار) ، لأن العمد هو القصد، ولا يوقف عليه إلا بدليله -
وهو استعمال الآلة القاتلة - فأقيم الاستعمال مقام القصد، كما أقيم السفر
مقام المشقة، وفي حديث غير محدد روايتان: أظهرهما أنه عمد كما في الدرر عن
البرهان (وموجب ذلك) : أي القتل العمد (المأثم) ، لأنه من أكبر الكبائر بعد
الشرك بالله (والقود) : أي القصاص (إلا أن يعفو الأولياء) أو يصالحوا، لأن
الحق لهم، ثم هو واجب عيناً، وليس للولي أخذ الدية إلا برضاء القاتل، هداية
(ولا كفارة فيه) ؛ لأنه كبيرة محضة، وفي الكفارة معنى العبادة، فلا يناط
بها، ومن حكمه حرمان الإرث، لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا ميرات لقاتل)
كما في الهداية.
(وشبه العمد عند أبي حنيفة: أن يتعمد الضرب بما ليس بسلاح ولا ما أجري
(3/141)
مجرى السلاح، وقال أبو يوسف ومحمدٌ: إذا
ضربه بحجرٍ عظيمٍ، أو خشبةٍ عظيمةٍ، فهو عمدٌ،
وشبه العمد: أن يتعمد ضربه بمالا لا يقتل غالباً، وموجب ذلك على القولين
المأثم والكفارة، ولا قود، وفيه ديةٌ مغلظةٌ على العاقلة.
والخطأ على وجهين: خطأ في القصد، وهو: أن يرمي شخصاً يظنه صيداً فإذا هو
آدميٌ، وخطأ في القتل، وهو:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مجرى السلاح) مما مر؛ لتقاصر معنة العمدية باستعماله آلة لا يقتل بها
غالباً ويقصد بها غير كالتأديب ونحوه، فكان شبه العمد (وقال أبو يوسف
ومحمد: إذا ضربه بحجر عظيم، أو خشبة عظيمة) مما يقتل به غالباً (فهو عمد)
لأنه لما كان يقتل غالباً صار بمنزلة الآلة الموضوعة له (وشبه العمد: أن
يتعمد ضربه بما لا يقتل غالباً) قال الإمام الإسبيجاني في شرحه: الصحيح قول
الإمام، وفي الكبرى: الفتوى في شبه العمد على ما قال أبو حنيفة، واختاره
المحبوبي والنسفي وغيرهما، تصحيح (وموجب ذلك) : أي شبه العمد (على) اختلاف
(القولين: المأثم) ، لأنه قاتل وهو قاصد في الضرب (والكفارة) لشبة بالخطأ
(ولا قود) ، لأنه ليس بعمد (وفيه دية مغلظة على العاقلة) والأصل في ذلك: أن
كل دية وجبت بالقتل ابتداء لا لمعنى يحدث من بعد فهي على العاقلة اعتباراً
بالخطأ. ويتعلق به حرمان الإرث لأنه جزاء القتل، والشبهة تؤثر في إسقاط
القصاص دون حرمان الإرث، كما في الهداية.
(والخطأ على وجهين: خطأ في القصد) أي قصد الفاعل (وهو: أن يرمي شخصا يظنه
صيداً فإذا هو آدمي) أو يظنه حربيا فإذا هو مسلم (وخطأ في) نفس (الفعل وهو
(3/142)
أن يرمي غرضاً فيصيب آدمياً، وموجب ذلك:
الكفارة، والدية على العاقلة، ولا مأثم فيه،
وما أجري مجرى الخطأ مثل النائم ينقلب على رجلٍ فيقتله، فحكمه حكم الخطأ،
وأما القتل بسببٍ: كحافر البئر، وواضع الحجر في غير ملكه، وموجبه إذا تلف
فيه آدميٌ: الدية على العاقلة، ولا كفارة فيه.
والقصاص واجبٌ بقتل كل محقون الدم على التأبيد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أن يرمي غرضا) أو صيداً (فيصيب آدميا، وموجب ذلك) في الوجهين (الكفارة
والدية على العاقلة) لفوله تعالى: {فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله)
الآية (ولا مأثم فيه) في الوجهين، قال في الهداية: قالوا: المراد إثم
القتل، وأما في نفسه فلا يعرى عن الإثم، من حيث ترك العزيمة والمبالغة في
التثبت في حال الرمي، إذ شرع الكفارة يؤذن باعتبار هذا المعنى، ويحرم من
الميراث، لأن فيه إثما فيصح تعليق الحرمان به، اهـ.
(وما أجري مجرى الخطأ مثل النائم ينقلب على رجل فيقتله) لأنه معذور كالمخطأ
(فحكمه حكم الخطأ) من وجوب الكفارة والدية وحرمان الإرث.
(وأما القتل بسبب كحافر البئر، وواضع الحجر في غير ملكه) بغير إذن من
السلطان. در عن ابن كمال (وموجبه) أي القتل بسبب (إذا أتلف في آدمي الدية
على العاقلة، ولا كفارة فيه) ولا إثم، ولا يتعلق به حرمان الميراث، لأن
القتل معدوم منه حقيقة، وألحق به حق الضمان؛ فبقي في حق غيره على الأصل كما
في الهداية.
(والقصاص واجب بقتل كل محقون الدم على التأبيد) وهو المسلم والذمي بخلاف
الحربي والمستأمن، لأن الأول غير محقون الدم، والثاني، وإن كان محقون الدم
في
(3/143)
إذا قتل عمداً، ويقتل الحر بالحر، والحر
بالعبد، والمسلم بالمستأمن؛ ويقتل الرجل بالمرأة، والكبير بالصغير، والصحيح
بالأعمى والزمن، ولا يقتل الرجل بابنه، ولا بعبده، ولا مدبره، ولا مكاتبه،
ولا بعبد ولده، ومن ورث قصاصاً على أبيه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
دارنا لكن لا على التأبيد، لأنه إذا رجع صار مباح الدم (إذا قتل) بالبناء
للمجهول (عمداً) بشرط كون القاتل مكلفاً، وانتفاء الشبهة بينهما (ويقتل
الحر بالحر، والحر بالعبد) لإطلاق قوله تعالى: {أن النفس بالنفس} فإنه ناسخ
لقوله تعالى: {الحر بالحر} ، ولأن القصاص يعتمد المساواة في العصمة، وهي
بالدينم أو بالدار وهما مستويان فيهما (والمسلم بالذمي) لما روى أنه صلى
الله عليه وسلم قتل مسلما بذمي، ولأن المساواة في العصمة ثابتة بالدار،
والمبيح كفر المحارب دون المسالم (ولا يقتل المسلم بالمستأمن) لأنه غير
محقون الدم على التأبيد؛ لأنه على قصد الرجوع ولا يقتل الذمي بالمستأمن،
لما بينا، ويقتل المستأمن بالمستأمن قياسا للمساواة، ولا يقتل استحسانا،
لقيام المبيح كما في الهداية (ويقتل الرجل بالمرأة، والكبير بالصغير،
والصحيح بالأعمى والزمن) وناقص الأطراف والمجنون، للعمومات، ولأن في اعتبار
التفاوت فيما وراء العصمة امتناع القصاص كما في الهداية.
(ولا يقتل الرجل بابنه) ، لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يقاد الوالد
بولده) ولأنه سبب إحيائه فمن المحال أن يستحق له إفناؤه، والجد من قبل
الرجال والنساء وإن علا في هذا بمنزلة الأب، وكذا الوالدة والجدة من قبل
الأب أو الأم قربت أو بعدت، لما بينا. ويقتل الرجل بالوالد لعدم المسقط كما
في الهداية (ولا بعبده ولا مدبره ولا مكاتبه ولا بعبد ولده) لأنه لا يستوجب
لنفسه على نفسه القصاص ولا ولده عليه وكذا لا يقتل بعبد ملك بعضه؛ لأن
القصاص لا يتجزأ، هداية (ومن ورث قصاصا على أبيه) أي أصله
(3/144)
سقط، ولا يستوفى القصاص إلا بالسيف،
وإذا قتل المكاتب عمداً وليس له وارثٌ إلا المولي وترك وفاءً فله القصاص؛
فإن ترك وفاءً ووارثه غير المولي فلا قصاص لهم، وإن اجتمعوا مع المولي،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(سقط) عنه، (لأن الفرع لا يستوجب العقوبة على أصله. وصورة المسألة فيما إذا
قتل الأب أب امرأته مثلا ولا وارث له غيرها، ثم ماتت المرأة؛ فإن ابنها منه
يرث القود الواجب على أبيه، فسقط لما ذكرناه، وأما تصوير صدر الشريعة
فثبوته فيه للابن ابتداء لا إرثاً عند أبي حنيفة وإن اتحد الحكم كما لا
يخفى، در.
(ولا يستوفي القصاص إلا بالسيف) وإن قتل بغيره، لقوله عليه الصلاة والسلام:
(لا قود إلا بالسيف) والمراد به السلاح، هداية] .
(وإذا قتل) بالبناء للمجهول (المكاتب عمداً) وترك وفاء (وليس له وارث إلا
المولي وترك وفاء فله القصاص) عند أبي حنيفة وأبي يوسف، لأن حق الاستيفاء
له بيقين على التقديرين، وقال محمد: لا أرى فيه قصاصا، لأنه اشتبه فيه بسبب
الاستيفاء، فإنه الولاء إن مات حراً، والملك إن مات عبداً، وقال
الإسبيجاني: وهو قول زفر ورواية عن أبي يوسف، والصحيح قول أبي حنيفة، اهـ.
قيدنا بكونه ترك وفاء لأنه إذا لم يترك وفاء فللمولى القصاص إجماعا، لأنه
مات على ملكه، كما في الجوهرة (فإن ترك) المكاتب (وفاء ووارثه غير المولى
فلا قصاص لهم) أي للورثة (وإن اجتمعوا مع المولى) ؛ لأنه اشتبه من له الحق،
لأنه المولى إن مات عبداً، والوارث إن مات حراً، إذ ظهر الاختلاف بين
الصحابة رضي الله عنهم في موته على نعت الحرية أو الرق، بخلاف الأولى، لأن
المولي متعين فيها. هداية
(3/145)
وإذا قتل عبد الرهن لم يجب القصاص حتى
يجتمع الراهن والمرتهن.
ومن جرح رجلاً عمداً فلم يزل صاحب فراشٍ حتى مات فعليه القصاص، ومن قطع يد
غيره عمداً من المفصل قطعت يده، وكذلك الرجل، ومارن الأنف، والأذن، ومن ضرب
عين رجلٍ فقلعها فلا قصاص عليه، وإن كانت قائمةً فذهب ضوءها فعليه القصاص:
تحمى له المرآة، ويجعل على وجهه قطنٌ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(وإذا قتل عبد الرهن لم يجب القصاص حتى يجتمع الراهن والمرتهن) ، لأن
المرتهن لا ملك له فلا يليه، والراهن لو تولاه لبطل حق المرتهن في الدين،
فيشترط اجتماعهما ليسقط حق المرتهن برضاه، هداية.
(ومن جرح رجلاً عمداً فلم يزل) المجروح (صاحب فراش حتى مات فعليه القصاص)
لوجود السبب، وعدم ما يبطل حكمه في الظاهر، فأضيف إليه، هداية.
(ومن قطع يد غيره عمداً من المفصل قطعت يده) ولو كانت أكبر من يد المقطوع،
لقوله تعالى: {والجروح قصاص} وهو ينبئ عن المماثلة، وكل ما أمكن رعايتها
فيه يجب فيه القصاص، وما لا فلا، وقد أمكن من القطع من المفصل فاعتبر؛ ولا
معتبر بكبر اليد وصغرها، لأن منفعة اليد لا تختلف بذلك، هداية.
فلو القطع من الساعد لم يقد، لامتناع حفظ المماثلة وهي الأصل في جريان
القصاق (وكذلك الرجل ومارن الأنف والأذن) ، لإمكان رعاية المماثلة (ومن ضرب
عين رجل فقلعها فلا قصاص عليه) لامتناع المماثلة (و) لكن (إن كانت قائمةً)
غير منخسفة (فذهب ضوءها) فقط (فعليه القصاص) لإمكان المماثلة حينئذ كما قال
(تحمى له المرآة، ويجعل على وجهه) وعينه الأخرى (قطن
(3/146)
رطبٌ، وتقابل عينه بالمرآة حتى يذهب ضوءها،
وفي السن القصاص، وفي كل شجةٍ يمكن فيها المماثلة القصاص، ولا قصاص في عظمٍ
إلا في السن، وليس فيما دون النفس شبه عمدٍ، إنما هو عمدٌ أو خطأٌ، ولا
قصاص بين الرجل والمرأة فيما دون النفس، ولا بين الحر والعبد، ولا بين
العبدين.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
رطب) أي مبلول (وتقابل عينه بالمرآة حتى يذهب ضوءها) وهو مأثور عن الصحابة
رضي الله عنهم (وفي السن القصاص) لقوله تعالى: {والسن بالسن} فتقلع إن
قلعت، وقيل: تبرد إلى اللحم، ويسقط ما سواه لتعذر الممائلة؛ إذ ربما تفسد
لهاته، وبه أخذ صاحب الكافي، وفي المجتبى: وبه يفتي، وفيه: وتؤخذ الثنية
بالثنية والناب بالناب، ولا يؤخذ الأعلى بالأسفل ولا الأسفل بالأعلى، اهـ.
والحاصل أنه لا يؤخذ عضو إلا بمثله (وفي كل شجةٍ يمكن فيها المماثلة
القصاص) ، لما تلونا.
(ولا قصاص في عظم إلا في السن) وهذا اللفظ مروي عن عمر وابن مسعود رضي الله
عنهما، ولأن اعتبار المماثلة في غير السن متعذر، لاحتمال الزيادة والنقصان،
بخلاف السن، لأنه يبرد بالمبرد، كما في الهداية.
(وليس فيما دون النفس شبه عمد، إنما هو عمد أو خطأ) ، لأن شبه العمد يعود
إلى الآلة، والقتل هو الذي يختلف باختلافها، بخلاف ما دون النفس، لأنه لا
يختلف إتلافه باختلاف الآلة، فلم يبق إلا العمد والخطأ، كما في الهداية.
(ولا قصاص بين الرجل والمرأة فيما دون النفس، ولا بين الحر والعبد ولا بين
العبدين) ، لأن الأطراف يسلك فيها مسلك الأموال فينعدم التماثل بالتفاوت في
القيمة
(3/147)
ويجب القصاص في الأطراف بين المسلم
والكافر، ومن قطع يد رجلٍ من نصف الساعد، أو جرحه جائفةً فبرأ منها فلا
قصاص عليه، وإذا كانت يد المقطوع صحيحةً ويد القاطع شلاء أو ناقصة الأصابع
فالمقطوع بالخيار: إن شاء قطع اليد المعيبة، ولا شيء له غيرها، وإن شاء أخذ
الأرش كاملاً، ومن شج رجلا فاستوعبت الشجة ما بين قرنيه، وهي لا تستوعب ما
بين قرني الشاج، فالمشجوج بالخيار: إن شاء اقتص
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(ويجب القصاص في الأطراف) فيما (بين المسلم والكافر) ، للتساوي بينهما في
الأرش.
(ومن قطع يد رجل من نصف الساعد أو جرحه جائفةً) وهي التي وصلت إلى جوفه
(فبرأ منها فلا قصاص عليه) لتعذر المماثلة، لأن الساعد عظم، ولا قصاص في
عظم كما مر، والبرء من الجائفة نادر، على يمكن أن يجرح الجاني على وجه يبرأ
منه، فيكون إهلاكا فلا يجوز، وأما إذا لم تبرأ فإن سرت وجب القود، وإلا فلا
يقاد إلا أن يظهر الحال من البرء أو السراية كما في الدر (وإذا كانت يد
المقطوع صحيحة و) كانت (يد القاطع شلاء أو ناقصة الأصابع فالمقطوع بالخيار:
إن شاء قطع اليد المعيبة، ولا شيء له غيرها، وإن شاء أخذ الأرش كاملا) ؛
لأن استيفاء حقه كاملا متعذر؛ فله أن يتجوز بدون حقه، وله أن يعدل إلى
العوض، كمن أتلف مثليا فانقطع عن أيدي الناس ولم يبق إلا الردئ يخير المالك
بين أخذ الموجود وبين القيمة (ومن شج رجلا) : أي جرحه في رأسه (فاستوعبت
الشجة ما بين قرنيه) أي طرفي رأسه (وهي) إذا أريد استيفاؤها (لا تستوعب ما
بين قرني الشاج) لكون رأسه أكبر من رأس المشجوج (فالمشجوج بالخيار: إن شاء
اقتص
(3/148)
بمقدار شجته، يبتدئ من أي الجانبين شاء،
وإن شاء أخذ الأرش، ولا قصاص في اللسان، ولا في الذكر، إلا أن تقطع الحشفة،
وإذا اصطلح القاتل وأولياء المقتول على مالٍ سقط القصاص، ووجب المال،
قليلاً كان أو كثيراً،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بمقدار الشجة يبتدئ من أي الجانبين شاء، وإن شاء أخذ الأرش) ، لأن في
استيفائه ما بين قرني الشاج زيادة على ما فعل، وفي استيفائه قدر حقه لا
يلحق الشاج من الشين ما لحقه فينتقص حقه، فيخير كما في اليد الشلاء.
(ولا قصاص في اللسان، ولا في الذكر) ولو القطع من أصلهما، قال في الهداية:
وعن أبي يوسف أنه إذا قطع من أصله يجب، لأنه يمكن اعتبار المساواة ولنا أنه
ينقبض وينبسط فلا يمكن اعتبار المساواة. اهـ، ومثله في شرح جمال الإسلام ثم
قال: والصحيح ظاهر الرواية كما في التصحيح (إلا أن تقطع الحشفة) ، لأن موضع
القطع معلوم كالمفصل، ولو قطع بعض الحشفة أو بعض الذكر فلا قصاص فيه، لأن
البعض لا يعلم مقداره، بخلاف الأذن إذا قطع كله أو بعضه، لأنه لا ينقبض ولا
ينبسط، وله حد يعرف، فيمكن اعتبار المساواة، والشفة إن استقصاها بالقطع يجب
القصاص، لإمكان اعتبار المساواة، بخلاف ما إذا قطع بعضها لأنه يتعذر
اعتبارها، هداية.
(وإذا اصطلح القاتل وأولياء المقتول على مال) معلوم (سقط القصاص ووجب
المال) المصالح عليه (قليلا كان) المال (أو كثيرا) لأنه حق ثابت للورثة
يجري فيه الإسقاط عفواً، فكذا تعويضاً، لاشتماله على إحسان الأولياء وإحياء
القاتل فيجوز بالتراضي، والقليل والكثير فيه سواء، لأنه ليس لهم فيه نص
مقدر، فيفوض إلى اصطلاحهما كالخلع وغيره، وإن لم يذكروا حالا ولا مؤجلا فهو
حال، كما في
(3/149)
فإن عفا أحد الشركاء أو صالح من نصيبه على
عوضٍ، سقط حق الباقين من القصاص، وكان لهم نصيبهم من الدية، وإذا قتل
جماعةٌ واحداً عمداً اقتص من جميعهم، وإذا قتل واحدٌ جماعةً فحضر أولياء
المقتولين قتل بجماعتهم، ولا شيء لهم غير ذلك، فإن حضر واحدٌ قتل له وسقط
حق الباقين، ومن وجب عليه القصاص فمات سقط القصاص،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الهداية.
(فإن عفا أحد الشركاء أو صالح من نصيبه على عوض سقط حق الباقين من القصاص؛
وكان لهم نصيبهم من الدية) في مال القاتل في ثلاث سنين، لا على العاقلة،
ووقع في المختار ومجمع البحرين (وتجب بقيتها على العاقلة) وهذا ليس من مذهب
علمائنا، ولا أعلمه قولا لأحد مطلقا، كذا في التصحيح.
(وإذا قتل جماعة واحداً اقتص من جميعهم) ، لقول عمر رضي الله عنه (ولو
تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم) ولأن القصاص مزجرة السفاء، فيجب تحقيقا
لحكمة الإحياء، وفي التصحيح: قال في الفوائد: وتشترط المباشرة من الكل بأن
جرح كل واحد جرحا ساريا، اهـ. وهذا إذا كان القتل عمداً، وأما إذا كان خطأ
فالواجب عليهم دية واحدة (وإذا قتل واحد جماعة) عمداً (فحضر أولياء
المقتولين) جميعهم (قتل بجماعتهم) اكتفاء به (ولا شيء لهم غير ذلك) لأنهم
اجتمعوا على قتله، وزهوق الروح لا يتبعض، فصار كل واحد مستوفياً جميع حقه
(فإن حضر واحد) من الأولياء (قتل له) : أي للولي الحاضر، وفي بعض النسخ
(به) أي بسببه (وسقط حق الباقين) ، لأن حقهم من القصاص، وقد فات، فصار كما
إذا مات القاتل.
(ومن وجب عليه القصاص فمات سقط القصاص) ، لفوات محل الاستيفاء]
(3/150)
وإذا قطع رجلان يد رجلٍ فلا قصاص على واحدٍ
منهما، وعليها نصف الدية، وإن قطع واحدٌ يميني رجلين فحضرا، فلها أن يقطعا
يده، ويأخذا منه نصف الدية، ويقتسمانه نصفين، وإن حضر واحدٌ منهما فقطع يده
فللآخر عليه نصف الدية، وإذا أقر العبد بقتل العمد لزمه القود، ومن رمي
رجلاً عمداً فنفذ السهم منه إلى آخر فماتا، فعليه القصاص للأول، والدية
للثاني على عاقلته.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(وإذا قطع رجلان يد رجل واحد) أو رجله أو قلعا سنه أو نحو ذلك مما دون
النفس (فلا قصاص على واحد منهما) لأن كل واحد منهما قاطع بعض اليد لأن
الانقطاع حصل باعتمادها، والمحل متجزئ؛ فيضاف إلى كل واحد منهما البعض فلا
مماثلة، بخلاف النفس، لأن الانزهاق لا يتجزأ (و) يجب (عليهما نصف الدية)
بالسوية؛ لأنها دية اليد الواحدة (وإن قطع واحد يميني رجلين فحضرا فلهما أن
يقطعا يده ويأخذا منه نصف الدية ويقتسمانه) بينهما (نصفين) سواء قطعهما
معاً أو على التعاقب، لأنهما استويا في سبب الاستحقاق فيستويان في حكمه
كالغريمين في التركة (وإن حضر واحد منهما فقطع يده فللآخر عليه نصف الدية)
لأن للحاضر أن يستوفي، لثبوت حقه، فإذا استوفى لم يبق محل لاستيفاء الآخر؛
فيتعين حقه في الدية لأن حقه لا يسقط إلا بالعوض أو العفو.
(وإذا أقر العبد بقتل العمد لزمه القود) لأنه لا تهمة في إقراره بالعقوبة
على نفسه، بخلاف المال.
(ومن رمى رجلاً عمداً فنفذ السهم منه إلى آخر فماتا فعليه القصاص للأول)
لأنه عمد (و) عليه (الدية للثاني على عاقلته) لأنه أحد نوعي الخطأ فكأنه
رمى صيداً فأصاب آدميا، والفعل يتعدد بتعدد الأثر كما في الهداية]
(3/151)
|