اللباب
في شرح الكتاب كتاب الولاء
- إذا أعتق الرجل مملوكه فولاه له، وكذلك المرأة تعتق، فإن شرط أنه سائبةٌ
فالشرط باطلٌ والولاء لمن أعتق. وإذا أدى المكاتب عتق وولاؤه للمولى. وكذلك
إن عتق بعد موت المولى فولاؤه لورثة المولى، فإن مات المولى عتق مدبره
وأمهات أولاده
ـــــــــــــــــــــــــــــ
كتاب الولاء
هو لغة: النصرة والمحبة، وشرعا: عبارة عن التناصر بولاء العتاقة أو بولاء
الموالاة كما في الزيلعي. وفي الهداية: الولاء نوعان: ولاء عتاقة، ويسمى
ولاء نعمة، وسببه العتق على ملكه في الصحيح، حتى لو عتق قريبه عليه
بالوراثة كان الولاء له، وولاء موالاة، وسببه العقد، ولهذا يقال: ولاء
العتاقة، وولاء الموالاة، والحكم يضاف إلى سببه. اهـ.
(إذا أعتق الرجل مملوكه فولاؤه له) ، لأنه أحياه بإزالة الرق عنه، فيرثه
إذا مات ويعقل عنه إذا جنى، ويصير كالولاد؛ لأن الغنم بالغرم (وكذلك المرأة
تعتق) مملوكها، فيكون ولاؤه لها لما بينا (فإن شرط) المولى (أنه) أي العبد
(سائبة) لا يرثه إذا مات، ولا يعقل عنه إذا جنى (فالشرط باطل) لمخالفته
للنص (والولاء لمن أعتق) كما هو نص الحديث (وإذا أدى المكاتب) بدل الكتابة
ومولاه حي (عتق، و) كان (ولاؤه للمولى) ، لعتقه على ملكه (وكذا إن عتق بعد
موت المولى) لأن العتق من جهته وإن تأخر بمنزلة المدبر وقد مر أنه لا يورث،
وإنما ينتقل إليهم ما تقرر في ذمته، وكذا العبد الموصى بعتقه أو بشرائه
وعتقه بعد موته؛ لأن فعل الوصي بعد موته كفعله، والتركة على حكم ملكه،
هداية (فإن مات الولي عتق مدبره وأمهلت أولاده
(3/136)
وولاؤهم له، ومن ملك ذا رحمٍ محرمٍ منه عتق
عليه وولاؤه له، وإذا تزوج عبد رجل أمةً لآخر فأعتق مولى الأمة الأمة وهي
حاملٌ من العبد عتقت وعتق حملها، وولاء الحمل لمولى الأم لا ينتقل عنه
أبداً، فإن ولدت بعد عتفها لأكثر من ستة أشهرٍ ولداً فولاؤه لمولي الأم فإن
أعتق العبد جر ولاء ابنه، وانتقل عن مولى الأم إلى مولى الأب.
ومن تزوج من العجم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وولاؤهم له) لعتقهم باستيلاده وتدبيره (ومن ملك ذا رحمٍ محرمٍ منه عتق عليه
وولاؤه له) لوجود السبب، وهو العتق عليه (وإذا تزوج عبد رجل أمة لآخر فأعتق
مولى الأمة الأمة وهي حامل من العبد عتقت) الأمة (وعتق حملها) تبعاً لها
(وولاء الحمل لمولى الأم لا ينتقل عنه) : أي عن مولى الأم (أبداً) لأنه عتق
بعتق الأم مقصوداً إذ هو جزء منها يقبل الإعتاق مقصوداً، فلا ينتقل ولاؤه
عنه، وهذا إذا ولدته لأقل من ستة أشهر؛ للتيقن بقيام الحمل وقت الإعتاق،
وكذا لو ولدت ولدين أحدهما لأقل من ستة أشهر والآخر لأكثر، لأنهما توأما
حمل واحد كما في الهداية (فإن ولدت بعد عتقها لأكثر من ستة أشهر ولداً
فولاؤه لمولى الأم) أيضا، لأنه عتق تبعاً للأم لاتصاله بها فتبعها في
الولاء، ولكن لما لم يكن محقق الوجود وقت الإعتاق لم يكن عتقه مقصوداً (فإن
أعتق العبد جر ولاء ابنه) إلى مواليه (وانتقل) الولاء (عن مولى الأم إلى
مولى الأب) ، لأن الولاء بمنزلة النسب، والنسب إلى الآباء، فكذلك الولاء،
وإنما صار أولا لموالي الأم لأنه ضرورة لعدم أهليه الأب، فإذا صار الأب
أهلاً عاد الولاء إليه.
(ومن تزوج من العجم) جمع العجمي، وهو خلاف العربي وإن كان فصيحاً كما في
المغرب
(3/137)
بمعتقةٍ من العرب فولدت له أولاداً فولاء
أولاده لمواليها عند أبي حنيفة. وولاء العتاقة تعصيبٌ، فإن كان للمعتق
عصبةٌ من النسب فهو أولى منه، وإن لم يكن له عصبةً من النسب فميراثه
للمعتق، فإن مات المولى ثم مات المعتق فميراثه لبني المولى دون بناته.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(بمعتقة من العرب فولدت له أولاداً فولاء ولدها لمواليها عند أبي حنيفة)
قال في الهداية: وهو قول محمد، وقال أبو يوسف: حكمه حكم أبيه، لأن النسب
إلى الأب كما إذا كان الأب عربيا، بخلاف ما إذا كان عبداً، لأنه هالك معنى،
ولهما أن ولاء العتاقة قوي معتب في حق الأحكام، حتى اعتبرت الكفاءة فيه؛
والنسب في حق العجم ضعيف، فإنهم ضيعوا أنسابهم، ولهذا لم تعتبر الكفاءة
فيما بينهم بالنسب، والقوي لا يعارضه الضعيف، بخلاف ما إذا كان الأب
عربياً، لأن أنساب العرب قوية معتبرة في حكم الكفاءة والعقل، كما أن
تناصرهم بها، فأغنت عن الولاء، اهـ.
قال جمال الإسلام في شرحه: الصحيح قولهما، ومشى عليه المحبوبي والنسفي
وغيرهما كما في التصحيح (وولاء العتاقة تعصيب) : أي موجب للعصوبة (فإن كان
للمعتق) بالبناء للمفعول (عصبة من النسب فهو أولى منه) لأن عصوبة المعتق
سببية (وإن لم يكب له) : أي المعتق (عصبة من النسب فميراثه للمعتق) يعني
إذا لم يكن هناك صاحب فرض في حال أما إذا كان فله الباقي بعد فرضه لأنه
عصبة، ومعنى قولنا (في حال) أي حالة واحدة كالبنت، بخلاف الأب فإن له حال
فرض وحال تعصيب، فلا يرث المعتق في هذه الحالة كما الجوهرة، وهو مقدم على
الرد وذوي الأرحام، قال في زاد الفقهاء: ثم عندنا المولى الأسفل لا يرث من
الأعلى؛ لأن المعتق أنعم عليه بالعتق: وهذا لا يوجد في المعتق، اهـ (فإن
مات المولى) أولا (ثم مات) بعده (المعتق فميراثه لبني المولى دون بناته)
لأن الولاء تعصيب،
(3/138)
وليس للنساء من الولاء إلا ما أعتقن، أو
أعتق من أعتقن، أو كاتبن، أو كاتب من كاتبن، وإذا ترك المولى ابناً وأولاد
ابنٍ آخر فميراث المعتق للابن دون بني الابن، والولاء للكبر.
وإذا أسلم رجلٌ على يد رجلٍ ووالاه على أن يرثه ويعقل عنه؛ أو أسلم على يد
غيره ووالاه، فالولاء صحيحٌ، وعقله على مولاه،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ولا تعصيب للنساء إلا ما ذكر المصنف بقوله:
(وليس للنساء من الولاء إلا ما أعتقن أو أعتق من أعتقن أو كاتبن أو كاتب من
كاتبن) قال في الهداية: بهذا اللفظ ورد الحديث عن النبي صلى الله عليه
وسلم، وفي آخر (أو جر ولاء معتقهن) ولأن ثبوت الماليكة والقوة في المعتق من
جهتها، فينتسب بالولاء إليها، وينسب إليها من ينسب إلى مولاها، بخلاف
النسب، لأن سببه الفراش، وصاحب الفراش إنما هو الزوج، وليس حكم ميراث
المعتق مقصوراً على بني المولى، بل هو لعصبته الأقرب، اهـ باختصار (وإذا
ترك المولى ابناً وأولاد ابن آخر فميراث المعتق للابن) لأنه أقرب (دون بني
الابن) لأنهم أبعد (والولاء) حيث اجتمعت العصبة (للكبر) قال في الصحاح:
يقال (هو كبر قومه) أي هو أقعدهم نسباً، اهـ. والمراد هنا أقربهم.
(وإذا أسلم رجل) حر مكلف مجهول النسب (على يد رجل ووالاه) أي عقد معه عند
الموالاة، وهو أن يتعاقد معه (على أن يرثه) إذا مات (ويعقل عنه) إذا جنى
(أو أسلم على يد غيره ووالاه) كذلك (فالولاء صحيح، وعقله على مولاه) قال
أبو نصر الأقطع في شرحه. قالوا: وإنما يصح الولاء بشرائط؛ أحدها: أن لا
يكون الموالي من العرب، لأن تفاخر العرب بالقبائل أقوى، والثاني: أن لا
يكون عتيقاً؛ لأن ولاء العتق أقوى، والثالث: أن لا يكون
(3/139)
فإن مات ولا وارث له فميراثه للمولى، وإن كان له وارث فهو أولى منه،
وللمولى أن ينتقل عنه بولائه إلى غيره مالم يعقل عنه، فإذا عقل عنه لم يكن
له أن يتحول بولائه إلى غيره، وليس لمولى العتاقة أن يوالي أحداً. |