اللباب
في شرح الكتاب كتاب المعاقل
- الدية في شبه العمد والخطأ، وكل ديةٍ وجبت بنفس القتل على
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(وإذا قال المستحلف) بالبناء المجهول (1) يريد أنه اسم مفعول. (قتله فلان)
لم يقبل قوله، لأنه يريد إسقاط الخصومة عن نفسه. و (استحلف بالله ما قتلت
ولا عرفت له قاتلا غير فلان) ؛ لأنه لما أقر بالقتل على واحد صار مستثنى عن
اليمين، فبقي حكم من سواه فيحلف عليه.
(وإذا شهد إثنان من أهل المحلة) التي وجد فيها القتيل (على رجل) منهم أو
(من غيرهم أنه قتله لم تقبل شهادتهما) لوجود التهمة في دفع القسامة والدية
عنهما، وهذا عند أبي حنيفة، وقال: تقبل؛ لأنهم كانوا بعرضية أن يصيروا
خصماء، وقد بطلت بدعوى الولي القتل على غيرهم، فتقبل شهادتهم؛ كالوكيل
بالخصومة إذا عزل قبل الخصومة، قال جمال الإسلام في شرحه: والصحيح قول
الإمام، وعليه اعتمد المحبوبي والنسفي وغيرهما، تصحيح.
كتاب المعاقل
جمع معقلة - بفتح الميم، وضم القاف - بمعنى العقل: أي الدية، سميت به لأنها
تعقل الدماء من أن تسفك، ومن العقل، لأنه يمنع القبائح، درر.
(الدية في شبه العمد والخطأ، وكل دية وجبت بنفس القتل) واجبة (على
(3/177)
العاقلة، والعاقلة: أهل الديوان إن كان
القاتل من أهل الديوان، يؤخذ من عطاياهم في ثلاث سنين.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
العاقلة) لأن الخاطئ معذور، وكذا الذي تولى شبه العمد نظراً إلى الآلة، وفي
إيجاب مال عظيم إجحافه واستئصاله، فيضم إليه العاقلة تخفيفاً عليه، وإنما
خصوا بالضم لأنهم أنصاره وقوته؛ واحترز بالواجبة بنفس القتل عما وجبت
بالشبهة كالواجبة بقتل الأب ابنه أو الإقرار والصلح، فإن هناك الواجب
القصاص، لكنه سقط لحرمة الأبوة فوجبت الدية صيانة للدم عن الهدر، لا بنفس
القتل، وفي الإقرار والصلح وجبت بهما لا بالقتل كما في المستصفى (والعاقلة
أهل الديوان وهم الجيش الذين كتبت أساميهم في الديوان، وهو جريدة الحساب؛
وهو معرب، والأصل دوان فأبدل من أحد المضعفين ياء للتخفيف، ولهذا يرد في
الجمع إلى أصله، فيقال: دواوين، ويقال: إن عمر رضي الله عنه أول من دون
الدواوين في العرب: أي رتب الجرائد للعمال كما في المصباح (إن كان القاتل
من أهل الديوان) لقضية عمر رضي الله عنه، فإنه لما دون الدواوين جعل العقل
على أهل الديوان بمحضر من الصحابة رضي الله عنهم من غير نكير منهم، فكان
إجماعاً، وليس ذلك بنسخ، بل هو تقرير معنى، لأن العقل كان على أهل النصرة،
وقد كانت بأنواع: بالقرابة، والحلف، والولاء، والعقد، وفي عهد عمر رضي الله
عنه قد صارت بالديوان، فجعلها على أهله اتباعا للمعنى، ولهذا قالوا: لو كان
اليوم قوم تناصرهم بالحرف فعاقلتهم أهل الحرفة كما في الهداية (يؤخذ) ذلك
(من عطاياهم) جمع عطاء، وهو اسم لما يخرج للجندي من بيت المال في السنة مرة
أو مرتين، والرزق: ما يخرج لهم في كل شهر، وقيل: يوما بيوم، جوهرة؛ لأن
إيجابها فيما هو صلة - وهو العطاء - أولى من إيجابها في أصول أموالهم،
لأنها أخف، وما تحملت العاقلة إلا للتخفيف، وتؤخذ (في ثلاث سنين) من وقت
القضاء بها، والتقدير بذلك مرويٌ عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومحكي عن
عمر
(3/178)
فإن خرجت العطايا في أكثر من ثلاث سنين أو
أقل أخذت منها، ومن لم يكن من أهل الديوان فعاقلته قبيلته، تقسط عليهم في
ثلاث سنين، لا يزاد الواحد على أربعة دراهم في كل سنةٍ وينقص منها، فإن لم
تتسع القبيلة لذلك ضم إليهم أقرب القبائل من غيرهم؛ ويدخل القاتل مع
العاقلة، فيكون فيما يؤدي مثل أحدهم، وعاقلة المعتق قبيلة مولاه، ومولى
الموالاة يعقل عنه مولاه وقبيلته،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
رضي الله عنه، هداية] .
(فإن خرجت العطايا في أكثر من ثلاث سنين أو أقل أخذت منها) ، لحصول
المقصود؛ وهو التفريق على العطايا (ومن لم يكن من أهل الديوان فعاقلته
قبيلته) ؛ لأن نصرته بهم (تقسط عليهم) أيضاً (في ثلاث سنين) في كل سنة
ثلثها (لا يزاد الواحد) منهم (على أربعة دراهم في كل سنة) إذا قلت العاقلة
(وينقص منها) إذا كثرت، قال في الهداية: وهذا إشارة إلى أنه يزاد على أربعة
من جميع الدية، وقد نص محمد على أنه لا يزاد على كل واحد من جميع الدية في
ثلاث سنين على ثلاثة أو أربعة، فلا يؤخذ من كل واحد في كل سنة إلا درهم
وثلث، وهو الأصح. اهـ. ومثله في شرح الزاهدي (فإن لم تتسع القبيلة لذلك)
التوزيع (ضم إليهم أقرب القبائل) إليهم نسباً (من غيرهم) ويضم الأقرب
فالأقرب على ترتيب العصبات (ويدخل القاتل مع العاقلة فيكون فيما يؤدي مثل
أحدهم) لأنه هو الفاعل؛ فلا معنى لإخراجه ومؤاخذة غيره.
(وعاقلة المعتق قبيلة مولاه) ، لأن النصرة بهم، ويؤيد ذلك قوله صلى الله
عليه وسلم: (إن مولى القوم منهم) (ومولى الموالاة يعقل عنه مولاه) الذي
والاه (وقبيلته) : أي قبيلة مولاه، لأنه ولاء يتناصر به فأشبه ولاء العتاقة
(3/179)
ولا تتحمل العاقلة أقل من نصف عشر الدية،
وتتحمل نصف العشر فصاعداً، وما نقص من ذلك فهو في مال الجاني، ولا تعقل
العاقلة جناية العبد، ولا تعقل الجناية التي اعترف بها الجاني إلا أن
يصدقوه، ولا تعقل ما لزم بالصلح.
وإذا جنى الحر على العبد جنايةً خطأً كانت على عاقلته.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(ولا تتحمل العاقلة أقل من نصف عشر الدية) ، لأن تحمل العاقلة للتحرز عن
الإجحاف بالجاني بتحمل المال العظيم، فإذا كان خفيفاً فلا إجحاف عليه
بتحمله (وتتحمل نصف العشر فصاعداً) قال في الهداية: والأصل فيه حديث ابن
عباس رضي الله عنه موقوفا عليه ومرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(لا تعقل العواقل عمداً ولا عبداً ولا صلحاً ولا اعترافاً ولا مادون أرش
الموضحة) وأرش الموضحة نصف عشر مال النفس، ولأن التحمل للتحرز عن الإجحاف،
ولا إجحاف في القليل، وإنما هو في الكثير؛ والتقدير الفاصل عرف بالسمع. اهـ
(وما نقص من ذلك) : أي من نصف العشر (فهو في مال الجاني) دون العاقلة، لما
بينا (ولا تعقل العاقلة جناية العبد) على الحر أو غيره، وإنما هي رقبته،
والمولى مخير بين دفعه بالجناية أو فدائه بأرشها كما مر (ولا تعقل الجناية
التي اعترف بها الجاني) على نفسه، لأن إقراره قاصر على نفسه، فلا يتعدى إلى
العاقلة (إلا أن يصدقوه) لثبوته بتصادقهم، والامتناع كان لحقهم، ولهم ولاية
على أنفسهم (ولا تعقل) أيضاً (ما لزم بالصلح) عن دم العمد، لأن الواجب فيه
القصاص، فإذا صالح عنه كان بدله في ماله.
(وإذا جنى الحر على العبد جناية خطأ كانت) الدية (على عاقلته) : أي عاقلة
الجاني، لأنه فداء النفس، وأما ما دون النفس من العبد فلا تتحمله العاقلة،
لأنه يسلك به مسلك الأموال، هداية
(3/180)
|