المبسوط للسرخسي دار الفكر

ج / 13 ص -3-         بسم الله الرحمن الرحيم
باب البيوع الفاسدة
قال: وإذا اشترى الرجل عدل زطي أو جراب هروي على أن فيه خمسين ثوبا بألف درهم فوجد فيه تسعة وأربعين ثوبا أو أحدا وخمسين ثوبا فالبيع فاسد لأنه إن وجده أكثر فإنما يدخل في البيع العددي المسمى من الثياب وذلك خمسون وهو مجهول لأنه وجب على المشتري رد هذه الزيادة وهذه الزيادة مجهولة فيصير الباقي مجهولا وفي مثله لا يجوز البيع مع الجهالة ألا ترى أنه لو اشترى مما في العدل خمسين ثوبا لا يجوز لأنها تتفاوت في المالية فالمشتري يطالب بخيار العدل والبائع يعطيه شرار العدل وكل جهالة تفضي إلى المنازعة فهي مفسدة للعقد فإن وجده أقل يفسد العقد لجهالة الثمن لأن المسمى من الثمن بمقابلة خمسين ثوبا فيقسم ذلك على قيمة الموجود والمعدوم ولا يدري صفة المعدوم أنه كيف كان جيدا أو وسطا أو رديئا وباختلافه تختلف حصة الموجود فيفسد العقد في الموجود لجهالة الثمن فالبيع بالحصة لا ينعقد صحيحا ابتداء فإن كان سمى لكل ثوب عشرة دراهم فوجده أحدا وخمسين ثوبا كان فاسدا أيضا لأن العاقد يتناول خمسين ثوبا فعليه رد الثوب الزائد وهو مجهول وبجهالته يصير المبيع مجهولا أيضا وإن وجده تسعة وأربعين ثوبا وقد قبض أو لم يقبض كان البيع جائزا لأن الموجود معلوم والمسمى بمقابلة الموجود من الثمن معلوم فيجوز البيع ويتخير المشتري لتفرق الصفقة عليه بنقصان ثوب مما سمى وله في عدد الخمسين مقصود لا يحصل ذلك بما دونه فيتخير إن شاء أخذ كل ثوب بما سمى وإن شاء ترك وأكثر مشايخنا رحمهم الله تعالى يقولون بأن هذا الجواب قولهما أما عند أبي حنيفة العقد فاسد كله لأنه فسد بعضه بفساد قوي إذ لا سبب لبطلان البيع أقوى من عدم المعقود عليه واستدلوا عليه بما ذكر في الزيادات ولو اشترى ثوبين على أنهما هرويان كل واحد منهما بثمن مسمى فوجد أحدهما مرويا فالعقد كله فاسد في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى فإذا كان في الموضع الذي كان أحد الثوبين بخلاف جنس ما سمى يفسد العقد كله ففي الموضع الذي لم يجد أحد ما سمى أصلا أولى أن يفسد العقد كله وهما في المعنى سواء لأن بطلان العقد عند اختلاف الجنس لأنه عدم الجنس الذي سمى وقد تعلق العقد به كذا هنا.
قال رضي الله عنه: والأصح عندي أن هذا قولهم جميعا لأن أبا حنيفة رحمه الله تعالى في نظائر هذه المسألة إنما يفسد العقد في الكل لوجود العلة المفسدة وهو أنه جعل قبول العقد

 

ج / 13 ص -4-         فيما يفسد فيه العقد شرطا لقبوله في الآخر وهذا لا يوجد هنا فإنه ما شرط قبول العقد في المعدوم ولا قصد إيراد العقد على المعدم وإنما قصد إيراده على الموجود فقط ولكنه غلط في العدد بخلاف مسألة الزيادات فإن هناك جعل قبول العقد في كل واحد من الثوبين شرطا في قبوله في الآخر وهو شرط فاسد وهكذا الجواب في كل عددي يتفاوت نحو ما إذا اشترى قطيعا من الغنم على أنها خمسون فوجده أزيد فالجواب على التقسيم الذي ذكرنا وفي المكيلات إذا اشترى صبرة من حنطة على أنها خمسون فإنه يجوز العقد سواء سمى ثمن كل واحد من القفزان أو لم يسم لأن القفزان مما لا تتفاوت في نفسها فكانت حصة كل قفيز من الثمن معلومة وكذلك الوزنيات وكذلك في العدديات المتقاربة نحو ما إذا اشترى عدل جوز على أنه خمسة آلاف فإذا هي أنقص أو أزيد فإنه يجوز العقد لما ذكرنا وإذا اشترى الرجل من الرجل عبدين صفقة واحدة بألف درهم فإذا أحدهما حر فالبيع فاسد فيهما فكذا إذا لم يسم لكل واحد منهما ثمنا فظاهر لأن الحر لا يدخل في العقد لأن دخول الشيء في العقد بصفة المالية والتقوم وذلك لا يوجد في الحر فلو جاز العقد في العبد إنما يجوز بالحصة والبيع بالحصة لا ينعقد ابتداء على الصحة لمعنى الجهالة كما لو قال اشتريت منك هذا العبد بما يخصه من الألف إذا قسم على قيمته وقيمة هذا العبد الآخر لجهالة الثمن كذلك هنا فإن كان سمى لكل واحد منهما ثمنا بأن قال اشتريتهما بألف كل واحد منهما بخمسمائة فكذلك الجواب عند أبي حنيفة.
وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى: العقد جائز في العبد بما سمى بمقابلته من الثمن وكذلك لو اشترى شاتين مسلوختين فإذا أحدهما ميتة أو ذبيحة مجوسي أو ذبيحة مسلم ترك التسمية عليها عمدا فإن ذلك والميتة سواء عندنا والجواب على التفصيل الذي قلنا وكذلك إذا اشترى دنين من خل فإذا أحدهما خمر وهذا الجنس نظير ما سبق إذا أسلم كر حنطة في شعير وزيت فطريقهما أن الفساد يقتصر على ما وجدت فيه العلة المفسدة وعند تسمية الثمن لكل واحد منهما قد انعدمت العلة المفسدة فيما هو مال متقوم منهما وهذا لأن أحدهما ينفصل عن الآخر في البيع ابتداء وبقاء فوجود المفسد في أحدهما لا يؤثر في العقد على الآخر لأن تأثيره في العقد على الآخر إما باعتبار التبعية وأحدهما ليس بتبع للآخر أو باعتبار أنهما كشيء واحد وليس كذلك فكل واحد منهما ينفصل عن الآخر في العقد ألا ترى أنه لو هلك أحدهما قبل القبض بقي العقد في الآخر وذلك فيما إذا كان كل واحد منهما عبدا وإنما يشترط قبول العقد في أحدهما لقبول العقد في الآخر إذا صح الإيجاب فيهما حتى لا يكون المشتري ملحقا الضرر بالبائع في قبول العقد في أحدهما دون الآخر وذلك ينعدم إذا لم يصح الإيجاب في أحدهما وصار هذا كما لو اشترى عبدا أو مكاتبا أو مدبرا فالبيع يفسد في المدبر ويبقى العقد على العبد صحيحا كذلك هنا وأبو حنيفة يقول البائع لما جمع بينهما في الإيجاب فقد شرط في قبول العقد في كل واحد منهما قبول العقد في الآخر بدليل

 

ج / 13 ص -5-         أن المشتري لا يملك قبول العقد في أحدهما دون الآخر واشتراط قبول العقد في الحر في بيع العبد شرط فاسد والبيع يبطل بالشرط الفاسد.
وقولهما: إن هذا عند صحة الإيجاب قلنا عند صحة الإيجاب فيما يكون هذا شرطا صحيحا ونحن إنما ندعي الشرط الفاسد وذلك عند فساد الإيجاب لأن هذا الشرط باعتبار جمع البائع بينهما في كلامه لاعتبار وجود المحلية فيهما وقد ذكر الكرخي رجوع أبي يوسف في فصل من هذا الجنس إلى قول أبي حنيفة وهو مسألة الطوق والجارية إذا باعهما بثمن مؤجل كما بينا في الصرف فاستدلوا برجوعه في تلك المسألة على رجوعه في جميع هذه المسائل لأن الفرق بينهما لا يتضح فإذا اشترى عبدين فإذا أحدهما مدبر أو مكاتب أو اشترى جاريتين فإذا أحدهما أم ولد جاز البيع في الآخر سواء سمى لكل واحد منهما ثمنا أو لم يسم وعند زفر لا يجوز لأن الإيجاب في المدبر والمكاتب وأم الولد فاسد لما ثبت لهم من حق العتق وقد جعل ذلك شرطا لقبول العقد في الفرق بينهما فيفسد العقد كما في مسألة الحر وجه قولهما أن كل واحد منهما دخل في العقد لأن دخول الآدمي في العقد باعتبار الرق والتقوم وذلك موجود فيهما ثم استحق أحدهما نفسه فكان بمنزلة ما لو استحقه غيره بأن باع عبدين فاستحق أحدهما فهناك البيع جائز في الآخر سواء سمى لكل واحد منهما ثمنا أو لم يسم يوضحه أن البيع في المدبر ليس بفاسد على الإطلاق بدليل جواز بيع المدبر من نفسه فإنه إذا باع نفس المدبر من نفسه يجوز وبدليل أن القاضي إذا قضى بجواز بيع المدبر ينفذ قضاؤه وكذلك المكاتب فإن بيعه من نفسه جائز ولو باعه من غيره برضاه جاز في أصح الروايتين والذي روي في النوادر عن أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى بخلاف هذا غير معتمد عليه وكذلك بيع أم الولد من نفسها جائز ولو قضى القاضي بجواز بيعها نفذ قضاؤه عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى ولم ينفذ عند محمد لأن عنده إجماع التابعين رحمهم الله تعالى على فساد بيعها يرفع الخلاف الذي كان في عهد الصحابة رضوان الله عليهم فإن هذه المسألة كان مختلفا فيها في الصدر الأول فكان عمر رضي الله عنه يقول بأن بيع أم الولد لا يجوز وعلي رضي الله عنه كان يقول بأنه يجوز ثم من بعدهم من السلف رحمهم الله تعالى اتفقوا على أن بيع أم الولد لا يجوز.
والحاصل أن الإجماع المتأخر هل يرفع الاختلاف المتقدم عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى لا يرفع وعند محمد يرفع وقضاء القاضي بخلاف الإجماع لا ينفذ وعندهما ليس لإجماع التابعين رحمهم الله تعالى من القوة ما يرفع الخلاف الذي كان بين الصحابة رضوان الله عليهم فكان هذا قضاء في فصل مجتهد فيه فإذا ثبت أن المحل قابل للبيع حتى نفذ قضاء القاضي فيه وقضاء القاضي لا ينفذ في غير محله عرفنا أنه دخل في العقد ثم خرج فصار كما لو خرج بالهلاك قبل القبض فيبقى العقد صحيحا في الآخر حتى إذا كان قبضهما لزم البيع في القن بحصة من الثمن وكذلك إن كان عالما بذلك وقت البيع وإن لم يكن عالما به وقت البيع

 

ج / 13 ص -6-         ولكن علم بذلك بعد القبض كان له أن يرد القن منهما لتفرق الصفقة قبل التمام فإن خيار تفرق الصفقة بمنزلة خيار العيب فإنما يثبت إذا لم يكن معلوما له وإذا نظر إلى إبل أو غنم أو إلى رقيق أو إلى عدل زطي أو جراب هروي فقال قد أخذت كل واحد من هذا بكذا ولم يسم جماعتها فالعقد فاسد عند أبي حنيفة في الكل وعندهما جائز في الكل وهذا لأن الأصل عند أبي حنيفة أنه متى أضاف كلمة كل إلى ما لا يعلم منتهاه فإنما يتناول أدناه وهو الواحد كما لو قال لفلان علي كل درهم يلزمه درهم واحد.
قال: وإذا أجر داره كل شهر لزم العقد في شهر واحد عند أبي حنيفة فإذا اشترى صبرة من حنطة كل قفيز بدرهم عند أبي حنيفة يجوز العقد في قفيز واحد وعندهما يجوز في الكل وإذا كفل بنفقة امرأة عن زوجها كل شهر فإنما يلزمه ذلك في شهر واحد عند أبي حنيفة وعندهما هو كذلك فيما لا يكون منتهاه معلوما بالإشارة إليه فأما فيما يعلم جملته بالإشارة فالعقد يتناول الكل كما لو كان معلوم الجملة بالتسمية لأن الإشارة أبلغ في التعريف من التسمية إذا عرفنا هذا فنقول هنا الجملة معلومة بالإشارة فيجوز العقد في الكل عندهما ولا جهالة في ثمن كل واحد منهما والجهالة التي في جملة الثمن لا تفضي إلى المنازعة فإنها ترفع بعد المشار إليه وعند أبي حنيفة لما لم يكن العدد معلوما عند العقد فإنما يتناول العقد واحدا من الجملة وبيع شاة من القطيع لا يجوز لأنها متفاوتة وإذا كانت العبرة للإشارة فثمن جميع ما أشار إليه مجهول عند العقد وجهالة مقدار الثمن تمنع صحة العقد وما هو شرط العقد إذا انعدم عند العقد يفسد العقد ولا يمكن اعتبار إيجابه في الثاني كشرط الشهود في النكاح وعلى هذا لو باع صبرة حنطة كل قفيز منها بدرهم ولم يسم عدد الجملة إلا أن أبا حنيفة قال: هناك العقد جائز في قفيز واحد فإنه إذا اشترى قفيزا من الصبرة جاز بالإجماع فإن القفزان لا تتفاوت بخلاف الغنم فإن علم مبلغ الجملة بعد الافتراق لا ينقلب العقد جائزا لأن المفسد قد تقرر بالافتراق عن المجلس قبل إزالته وإن كان ذلك قبل أن يفترقا كان العقد استحسانا لأن حالة المجلس جعلت كحالة العقد ولكن يتخير المشتري لتنكشف الحالة له الآن فإن شاء أخذ الكل بجميع الثمن وإن شاء تركه لأن مقدار ما يلزمه من الثمن إنما يصير معلوما له الآن فيتخير لأجله وكذلك لو اشترى دارا كل ذراع بدرهم ولم يسم جملة الذرعان فهو على هذا الخلاف فعند أبي حنيفة العقد يفسد في الكل لأن قيمة الذرعان تتفاوت في مقدم الدار ومؤخرها فلا يمكن تصحيح العقد في ذراع منها وكذلك الثوب والخشب ولو اشترى ذراعا من عشرة أذرع من هذه الدار عند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى يجوز العقد لأن ما سمى عبارة عن عشر الدار بمنزلة قوله سهم من عشرة أسهم أو جزء من عشرة أجزاء وعند أبي حنيفة لا يجوز لأن الذراع اسم لموضع معلوم يقع عليه الذراع وذلك يتفاوت موضعه من الدار بخلاف السهم والجزء.
وقد روي عن أبي يوسف رحمه الله تعالى أنه إذا اشترى ذراعا من هذه الدار بكذا يجوز

 

ج / 13 ص -7-         العقد وإن لم يقل من كذا ذراعا ثم يذرع الدار فإن كانت عشرة أذرع فله العشر بخلاف ما لو اشترى سهما من الدار ولم يقل من كذا سهما لأن تلك الجهالة لا يمكن إزالتها فسهم من سهمين النصف وسهم من عشرة أسهم العشر وفي الذراع يمكن إزالة الجهالة بأن يذرع جميع الدار فيصير الجزء المسمى في العقد معلوما به وإذا اشترى غنما أو بقرا أو عدل زطي كل اثنين منها بعشرة فهو باطل لأن ثمن كل واحد غير معلوم فإنه يضم إلى كل واحد آخر فيقسم العشر على قيمتهما ولا يعرف كيفية الضم أنه يضم الجيد إلى الجيد أو الرديء إلى الرديء أو إلى الوسط فيبقى عن كل واحد مجهولا وهذه الجهالة تفضي إلى المنازعة فإنه إذا وجد بثوب عيبا بعد القبض يرد المعيب خاصة وتتمكن المنازعة بينهما في ثمنه وكذلك إذا هلك أحدهما قبل القبض واستحق أو تقايلا العقد في ثوب واحد فعرفنا أن هذه الجهالة تفضي إلى المنازعة فيفسد العقد بها وإذا اشترى عدل زطي بقيمته فالبيع فاسد لجهالة الثمن عند العقد والقيمة ما تظهر عند تقويم المقومين وذلك مجهول عند العقد ويختلف المقومون في التقويم أيضا ثم ما سميا تفسير العقد الفاسد لأن المقبوض بحكم الشراء الفاسد مضمون بالقيمة فقد نصا على ما هو حكم العقد الفاسد وكذلك إن قال بحكمه لأن ما يحكم به مجهول الجنس والقدر والصفة ويتمكن بسببه منازعة وله أن يرجع عن تفويض الحكم إليه وإن لم يرجع حتى مات أحدهما بطل ما له من الحكم وبقي الثمن مجهولا وكذلك لو قال بألف درهم ويحلف يمينه فالبيع فاسد.
قيل: معنى هذا أن المشتري كان ساومه بألف فحلف البائع أن لا يبيعه بألف فاشتراه بألف وزيادة بقدر ما يبر به البائع في يمينه وتلك الزيادة مجهولة الجنس والقدر والصفة وقيل بل معناه أن البائع كان حنث في يمينه وكان تهمة تكفره فاشتراه منه بألف وما يكفر به البائع يمينه وهذا أيضا مجهول لأن التكفير يكون بالإعتاق تارة وبالكسوة أخرى وبالإطعام تارة وضم المجهول إلى المعلوم يوجب جهالة الكل وجهالة الثمن مفسدة للبيع وإذا اشتراه بألف درهم إلا دينارا أو بمائة دينار إلا درهما أو بألف درهم إلا قفيز حنطة أو إلا شاة فالبيع فاسد لأن المستثنى إذا كان من غير جنس المستثنى منه فإنما يستثنى من المستثنى بالقيمة وطريق معرفة القيمة الحرز والظن فلا يتيقن به وجهالة المستثنى توجب جهالة المستثنى منه يوضحه أن الكلام المقيد بالاستثناء يكون عبارة عما وراء الاستثناء وما وراء المستثنى من الألف مجهول فالبيع بالثمن المجهول فاسد.
وإن قال: قد أخذته منك بمثل ما يبيعه الناس كان فاسدا أيضا لأن المستثنى مجهول الجنس والقدر والصفة والناس في المبايعة يتفاوتون فمن بين مسامح ومستعصي وإذا فسد البيع فإن قبضه وهلك عنده فعليه مثله إن كان من ذوات الأمثال وقيمته إن لم يكن من ذوات الأمثال لأن المقبوض بحكم الشراء الفاسد بمنزلة المغصوب أو المقبوض على سوم الشراء في حكم الضمان ولو قال أخذته منك بمثل ما أخذ به فلان من الثمن فإن كان ذلك معلوما

 

ج / 13 ص -8-         عندهما وقت العقد فهو جائز وإلا كان العقد فاسدا فإن علم ذلك قبل أن يتفرقا جاز العقد ويتخير المشتري لأن حالة المجلس كحالة العقد ولكن إنما يكشف الحال للمشتري إذا علم مقدار ما أخذ به فلان رضاه به قبل ذلك لا يكون تاما فلهذا يتخير بين الأخذ والترك وإذا عقد العقد على أنه إلى أجل كذا بكذا وبالنقد بكذا أو قال إلى شهر بكذا أو إلى شهرين بكذا فهو فاسد لأنه لم يعاطه على ثمن معلوم ولنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن شرطين في بيع وهذا هو تفسير الشرطين في بيع ومطلق النهي يوجب الفساد في العقود الشرعية وهذا إذا افترقا على هذا فإن كان يتراضيان بينهما ولم يتفرقا حتى قاطعه على ثمن معلوم وأتما العقد عليه فهو جائز لأنهما ما افترقا إلا بعد تمام شرط صحة العقد.
قال ومن اشترى شيئا فلا يجوز له أن يبيعه قبل أن يقبضه ولا يوليه أحدا ولا يشرك فيه لأن التولية تمليك ما ملك بمثل ما ملك والإشراك تمليك نصفه بمثل ما ملك به والكلام في بيع المبيع قبل القبض في فصول أحدها في الطعام فإنه ليس لمشتري الطعام أن يبيعه قبل أن يقبضه لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الطعام قبل أن يقبض وكذلك ما سوى الطعام من المنقولات لا يجوز بيعه قبل القبض عندنا وقال مالك رضي الله عنه يجوز لأن النبي صلى الله عليه وسلم خص الطعام بالذكر عند النهي فذلك دليل على أن الحكم فيما عداه بخلافه وإلا فليس لهذا التخصيص فائدة وحجتنا ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيع ما لم يقبض وقال صلى الله عليه وسلم لغياث بن أسد حين وجهه إلى مكة قاضيا وأميرا:
"سر إلى أهل بيت الله وانههم عن بيع ما لم يقبضوا" وكلمة ما للتعميم فيما لا يعقل ثم تخصيص الشيء بالذكر عندنا لا يدل على أن الحكم فيما عداه بخلافه قال الله تعالى: {فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} [التوبة:36] وذلك لا يدل على أنه يجوز ذلك في غير الأشهر الحرم كيف وراوي هذا الحديث ابن عباس رضي الله عنهما.
وقال: بعد روايته وأحسب كل شيء مثله والكلام في هذه المسألة ينبني على أصل وهو أن عند مالك فيما سوى الطعام البيع لا يبطل بهلاك المعقود عليه قبل القبض وعندنا يبطل لفوات القبض المستحق بالعقد كما في الطعام فلتوهم الغرر في الملك المطلق للتصرف قلنا لا يجوز تصرفه قبل القبض أو لعجزه عن التسليم بحبس البائع إياه لحقه والإجارة في ذلك كله كالبيع وأما الهبة والصدقة في المبيع قبل القبض لا يجوز عند أبي يوسف وقال محمد رحمه الله تعالى كل تصرف لا يتم إلا بالقبض فذلك جائز في المبيع قبل القبض إذا سلطه على قبضه فيقبضه لأن تمام العقد لا يكون إلا بالقبض والمانع زائد عند ذلك بخلاف البيع والإجارة فإنه ملزم بنفسه وقاس بهبة الدين من غير من عليه الدين فإنه يجوز إذا سلطه على قبضه بخلاف البيع وأبو يوسف يقول البيع أسرع نفاذا من الهبة بدليل أن الشيوع فيما يقسم يمنع تمام الهبة دون البيع ثم بيع المبيع قبل القبض لا يجوز لأنه تمليك لعين مالكه في حال قيام الغرر في ملكه فالهبة أولى لأن الهبة في استدعاء الملك أقوى من البيع حتى يجوز البيع

 

ج / 13 ص -9-         من المأذون والمكاتب دون الهبة ثم المبيع قبل القبض ليس محل التمليك من غيره ألا ترى أنه لا ينفذ البيع فيه وإن أجازه البائع فكان هذا بمنزلة عين مملوكه أيضا كالصيد في الهواء وذلك لا يجوز إيجاب البيع والهبة فيه فهذا مثله.
وأما بيع العقار قبل القبض يجوز في قول أبي حنيفة وأبي يوسف الآخر رحمهما الله تعالى ولا يجوز في قوله الأول وهو قول محمد والشافعي رحمهما الله تعالى لعموم النهي عن بيع ما لم يقبض ولنهيه صلى الله عليه وسلم عن ربح ما لم يضمن وبيع العقار قبل القبض بأكثر مما اشترى فيه ربح ما لم يضمن والمعنى فيه أنه باع المبيع قبل القبض فلا يجوز كما في المنقول وتأثيره أن ملك التصرف يستفاد بالقبض كما أن ملك العين يستفاد بالعقد ثم العقار والمنقول سواء فيما يملك به العين وهو العقد فكذلك فيما يملك به التصرف أو لأن السبب وهو البيع لا يتم إلا بالقبض ولهذا جعل الحادث بعد العقد قبل القبض كالموجود وقت العقد والملك إنما يتأكد بتأكد السبب وفي هذا العقد العقار والمنقول سواء يوضحه أن قبل القبض المبيع مضمون بغيره وهو الثمن والعقار في هذا كالمنقول حتى إذا استحق أو تصور هلاكه فهلك سقط الثمن ولأن القدرة على التسليم شرط لجواز البيع في العقار والمنقول جميعا وذلك بيده أو بيد نائبه ويد البائع الأول ليست بنائبة عن يده فلا تثبت قدرته على التسليم باعتبارها وأبو حنيفة وأبو يوسف يقولان بيع العقار قبل القبض في معنى بيع المنقول بعد القبض فيجوز كما يجوز بيع المنقول بعد القبض.
وإنما قلنا ذلك لأن المطلق للتصرف الملك دون اليد ألا ترى أنه لو باع ملكه وهو في يد مودع أو غاصب وهو مقر له بالملك كان البيع جائزا إلا أنه إذا بقي في الملك المطلق للتصرف غرر يمكن الاحتراز عنه فذلك يمنع جواز التصرف لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر وفي المنقول قبل القبض في الملك غرر لأن بهلاكه ينتقض البيع ويبطل ملك المشتري فإذا قبضه انتفى هذا الغرر ولا يبقى إلا معنى الغرر بظهور الاستحقاق وذلك لا يمكن الاحتراز عنه وفي العقار قبل القبض ليس في ملكه إلا غرر الاستحقاق لأنه لا يتصور هلاكه وانفساخ البيع به وانتفاء الغرر لعدم تصور سببه أصلا يكون أبلغ من انتفاء الغرر إذا تصور سببه ولم يعمل وإنما يتصور الغرر فيه من حيث الاستحقاق وذلك لا يمكن الاحتراز عنه والدليل عليه أن التصرف في الثمن قبل القبض جائز لأنه لا غرر في الملك وكذلك التصرف في المهر قبل القبض يجوز عندنا لانعدام الغرر في الملك فإن بالهلاك لا يبطل ملكها ولكن على الزوج قيمته لها وأصحاب الشافعي يختلفون في ذلك فمنهم من يقول التسمية تبطل بهلاك الصداق قبل القبض فعلى هذا يقولون لا يجوز التصرف لبقاء الغرر في الملك ومنهم من يقول لا تبطل التسمية وعلى الزوج القيمة وعلى هذا يقولون يجوز التصرف في الصداق قبل القبض فعرفنا أن الأصل ما قلنا والدليل عليه أن التصرف الذي لا يمتنع بالغرر نافذ في المبيع قبل القبض وهو العتق والتزويج وبه يتبين فساد قولهم أن تأكد الملك بتأكد السبب

 

ج / 13 ص -10-       وذلك بالقبض لأن العتق في استدعاء ذلك تام في المحل فوق البيع ثم يجوز في المبيع قبل القبض وما يقولون من أنه يدخل في ضمان المشتري بالقبض قلنا شرط ثبوت الملك بالتصرف في المحل أصل الملك دون الضمان بدليل جواز التصرف في الموهوب بعد القبض وكذلك القدرة على التسليم كما يثبت بيد غيره إذا لم يمنعه والحديث عام دخله الخصوص لإجماعنا على جواز التصرف في الثمن والصداق قبل القبض ومثل هذا العام يجوز تخصيصه بالقياس فنحمله على المنقول بدليل ما قلنا والدليل عليه أن حق الشفعة يثبت للشفيع قبل القبض والشفيع يتملك ببدل فلو كان العقار قبل القبض لا يحتمل التملك ببدل لما ثبت للشفيع حق الأخذ قبل القبض إلا أن حق الشفيع مقدم على حق المشتري فلا يمكن أن يجعل قائما مقامه فلهذا يبطل بأخذه ملك المشتري ويكون عهدته على البائع بخلاف المشتري الثاني يوضحه أن المبيع في مكانه الذي يقبضه فيه يتعين فيجوز تصرفه فيه كما بعد قبضه بالتخلية وبخلاف المنقول فإنه لا يدري في أي مكان يقبضه ما لم يقبضه ولا يدخل على شيء لما ذكرنا أن التصرف في المسلم فيه قبل القبض لأنا بما قررنا أثبتنا الملك المطلق للتصرف دون سائر الشروط فمن الشرائط في المبيع العينية وجواز السلم رخصة بخلاف القياس ومن الشرائط الكيل فيما اشتراه مكايلة فلا يجوز التصرف فيه قبل أن يكيله وإن كان قبضه.
قال: رجل باع عبدا آبقا فهو باطل لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر وعن بيع العبد الآبق ولأنه عاجز عن تسليمه والمالية في الآبق ثاوية فهو كالمعدوم حقيقة في المنع من البيع حتى أنه وإن عاد من إباقه لا يتم ذلك العقد لأنه لم يصادف محله بمنزلة ما لو باع الطير في الهواء ثم أخذه إلا رواية عن محمد فإنه يقول الملك والمالية بعد الإباق باق حقيقة والمانع كان هو العجز عن التسليم فإذا زال صار كأن لم يكن كالراهن يبيع المرهون ثم يفتكه قبل الخصومة.
قال: ولو باع جارية كان قد أعتق ما في بطنها أو باعها واستثنى ما في بطنها فهذا فاسد لا يجوز وقد بينا هذا الفصل في كتاب الهبة.
قال: ولو باع عبدا مغصوبا فالبيع موقوف فإن جحده الغاصب ولم يكن للمغصوب منه بينة لم يجز البيع لأنه عقد غير مقدور التسليم للعاقد ولأن الملك تاوى في حقه وجواز بيعه باعتبار الملك.
قال: وإن أقر به فإن سلمه إليه تم البيع لأن ملكه قائم في المحل بإقرار الغاصب والقدرة على التسليم ثابتة حين سلمه الغاصب فإن لم يسلمه الغاصب حتى تلف انتقض البيع لفوات القبض المستحق بالعقد بمنزلة ما لو كان في يد البائع فهلك قبل أن يقبضه المشتري فإن قيل قد وجبت القيمة على الغاصب والمبيع إذا فات وأخلف بدلا يبقى البيع كما لو قبله أجنبي قبل القبض قلنا هذا إذا وجب البدل بسبب بعد البيع حتى يجعل قيام البدل كقيام الأصل في إبقاء حكم البيع فيه وهنا القيمة تجب في الغصب السابق على البيع بدليل أنه يعتبر

 

ج / 13 ص -11-       قيمته وقت الغصب ولو تعينا البيع باعتباره كان هذا إثبات حكم البيع في القيمة ابتداء وكذلك لو كان العبد رهنا فباعه الراهن وأبى المرتهن أن يجبره لم يجز البيع وهو موقوف لأن الراهن عاجز عن التسليم فإن حق المرتهن في الحبس لازم ثم في موضع يقول بيع المرهون فاسد وفي موضع يقول جائز والصحيح ما ذكره هنا أنه موقوف وتأويل قوله فاسد يفسده القاضي إذا خوصم فيه وطلب المشتري التسليم إليه ومنع المرتهن ذلك فتأويل قوله جائز إذا اجتازه المرتهن وسلمه إليه وإذا لم يجز المرتهن وفسخه ففيه روايتان ففي إحدى الروايتين ينفسخ البيع حتى لو افتكه الراهن فلا سبيل للمشتري عليه لأن حق المرتهن بمنزلة الملك ومن باع ملك الغير فإن أجازه المالك تم البيع وإن فسخ انفسخ فهذا مثله وفي أصح الروايتين لا ينفسخ بفسخه حتى لو صبر المشتري حتى أفتكه الراهن كان له أن يأخذه ولفظ الكتاب يدل عليه فإنه قال بعد إباء المرتهن وهو موقوف وهذا لأن المرتهن لا حق له في هذا العقد حتى إذا أجازه كان المشتري متملكا على الراهن لا على المرتهن بخلاف المالك فإن هناك إذا أجاز العقد كان المشتري متملكا عليه فكانت له ولاية الفسخ وهنا للمرتهن حق دفع الضرر عن نفسه بالحبس إلى أن يصل إليه دينه وليست له ولاية فسخ العقد إنما كان ذلك إلى القاضي إذا خوصم وعجز البائع عن التسليم فإنه يفسخ البيع لقطع المنازعة فما لم يوجد ذلك كان البيع موقوفا
قال: رجل باع سمكا محصورا في أجمة فالبيع باطل وقال ابن أبي ليلى هو جائز إذا كان قد أخذه ثم أرسله في الأجمة لأن بإرساله لا يزول ملكه وإن كان لا يتمكن من أخذه إلا بالصيد ولكنا نستدل بما روي عن ابن عمر وابن مسعود رضي الله تعالى عنهما أنهما قالا لا تبيعوا السمك في الماء فإنه غرر ثم إن كان لم يأخذه فقد باع ما ليس بمملوك له والتمليك لا يسبق الملك فهو كبيع الطير في الهواء وإن كان قد أخذه ثم أرسله فهو آبق في الماء فبيعه كبيع الآبق وأنه لا يقدر على تسليمه إلا باكتساب سبب يثبت ابتداء الملك به وهو الاصطياد فكان هذا في معنى الأول.
قال: وإن كان في وعاء أوجب يقدر عليه بغير صيد فبيعه جائز عندنا لبقاء ملكه وقدرته على التسليم من غير صيد والمشتري بالخيار إذا رآه وعند الشافعي لا يجوز بيعه وأصله شراء ما لم يره وبيانه يأتي إن شاء الله تعالى.
قال: وإن كان في بركة يمكن أخذه من غير صيد فإن كان أخذه ثم أرسله فيها فهو كالجب وإن لم يأخذه ولكنه دخل مع الماء فإن سد موضع دخول الماء حتى صار بحيث لا يقدر على الخروج فقد صار آخذا له بمنزلة ما لو وقع في شبكة فيجوز بيعه وإن لم يفعل ذلك لم يجز بيعه لأنه لا يملك السمك بدخوله في البركة ما لم يأخذه ولم يوجد منه الأخذ لا حقيقة ولا حكما.
قال: وإذا اشترى فصا على أنه ياقوت فإذا هو غير ذلك فالبيع فاسد والأصل في هذا

 

ج / 13 ص -12-       الجنس أن من جمع في كلامه بين الإشارة والتسمية فإن كان المشار إليه من خلاف جنس المسمى فالبيع باطل لأن انعقاد العقد بالتسمية فإن ما ينعقد على المسمى وهو معدوم وإن كان المشار إليه من جنس المسمى فالبيع جائز لأن التسمية تتناول ما وقعت الإشارة إليه فكانت الإشارة من يده مؤيدة للتسمية فينعقد العقد بالمشار إليه وهو مال إلا أنه إن كان المشار إليه دون المسمى فللمشتري الخيار لفوات شرطه كما لو اشترط في العبد على أنه كاتب فوجده غير كاتب إذا ثبت هذا فنقول إن كان المشار إليه زجاجا فالبيع فاسد لانعدام المجانسة وإن استهلكه المشتري فعليه قيمته لأنه استهلك ملك الغير بغير إذنه وإن سمى يقوتا أحمر والمشار إليه أصفر فالبيع جائز وللمشتري الخيار لفوات صفة مشروطة وكذلك لو اشترى ثوبا على أنه هروي فإذا هو من صنف آخر فهو فاسد لأن الثياب أجناس مختلفة ولو اشترى شخصا على أنه عبد فإذا هو جارية فالبيع فاسد عندنا و قال زفر جائز وللمشتري الخيار لأن بني آدم جنس واحد ذكورهم وإناثهم كسائر الحيوان ولو اشترى بقرة على أنها أنثى فإذا هي ثور كان البيع جائزا وكذلك الإبل والبقر والغنم فكما يتفاوت المقصود هنا في بني آدم بين الذكور والإناث يتفاوت هناك يوضحه أنه لو اشترى عبدا على أنه تركي فإذا هو رومي أو سندي جاز البيع وبينهما تفاوت فيما هو المقصود وهو المالية وحجتنا في ذلك أن الذكور والإناث من بني آدم في حكم جنسين لأن ما هو المقصود بأحدهما لا يحصل بالآخر فالمقصود بالجارية الاستفراش والاستيلاد وشيء من ذلك لا يحصل بالغلام فكان التفاوت بينهما في المقصود أبلغ من التفاوت بين الحنطة والشعير وبين الهروي والمروي من الثياب وبه فارق سائر الحيوانات لأن ما هو المقصود بالعين فيهما لا يتفاوت في الذكور والإناث وذلك اللحم أو الانتفاع من حيث الركوب أو الحمل عليه وإنما التفاوت في صفة المقصود لا في أصله فكان جنسا واحدا كذلك ذكر في الأصل والله أعلم.

باب البيوع إذا كان فيها شرط
قال: إذا اشترى عبدا على أنه لا يبيعه ولا يهبه ولا يتصدق به فالبيع فاسد عندنا وقال ابن أبي ليلى البيع جائز والشرط باطل و قال ابن سيرين البيع جائز والشرط صحيح وحكي عن عبد الوارث بن سعيد قال حججت فدخلت بمكة على أبي حنيفة وسألته عن البيع بالشرط فقال باطل فخرجت من عنده ودخلت على بن أبي ليلى وسألته عن ذلك فقال البيع جائز والشرط باطل فدخلت على بن سيرين وسألته عن ذلك فقال البيع جائز والشرط جائز فقلت هؤلاء من فقهاء الكوفة وقد اختلفوا علي في هذه المسألة كل الاختلاف فعجزني أن أسأل كل واحد منهم عن حجته فدخلت على أبي حنيفة فأعدت السؤال عليه فأعاد جوابه فقلت إن صاحبيك يخالفانك فقال لا أدري ما قالا حدثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله تعالى عنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع وشرط فدخلت على بن أبي ليلى فقلت له مثل ذلك فقال لا أدري ما قال حدثني هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله

 

ج / 13 ص -13-       تعالى عنها أنها لما أرادت أن تشتري بريرة رضي الله عنها أبى مواليها إلا بشرط أن يكون الولاء لهم فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال صلوات الله عليه وسلامه: "اشتري واشترطي لهم الولاء فإن الولاء لمن أعتق" ثم خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "ما بال أقوام يشترطون شروطا ليست في كتاب الله كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل كتاب الله أحق وشرط الله أوثق والولاء لمن أعتق" فدخلت على ابن شبرمة وقلت له مثل ذلك فقال لا أدري ما قالا حدثني محارب بن دثار عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى منه ناقة في بعض الغزوات وشرط له ظهرها إلى المدينة والصحيح ما استدل به أبو حنيفة فإنه حديث مشهور ومطلق النهي يوجب فساد المنهي عنه فأما حديث هشام بن عروة فقد قال أبو يوسف أوهم هشام بن عروة ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "اشترطي لهم الولاء" لأن هذا أمر بالغرور ولا يظن برسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك ولو صح فتأويله اشترطي الولاء عليهم واللام تذكر بمعنى على قال الله تعالى: {أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} [الرعد:25] أو معناه أعلميهم معنى الولاء فالاشتراط في اللغة الأعلام ومنه أشراط الساعة قال القائل:

فاشرط فيها نفسه وهو معصم                          وألقى بأسباب له وتوكلا

أي جعل نفسه علما لذلك الأمر وتأويل حديث جابر رضي الله تعالى عنه أن ذلك لم يكن شرطا في البيع على أن ما جرى بينهما لم يكن بيعا حقيقة وإنما كان ذلك من حسن العشرة والصحبة في السفر والدليل عليه قصة الحديث فإن جابرا رضي الله تعالى عنه قال كانت لي ناقة ثغال فقامت علي في بعض الطريق فأدركني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "ما بالك يا جابر" فقلت جرى أن لا يكون لي إلا ناقة ثغال فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن راحلته فدعا بماء ورشه في وجه ناقتي ثم قال "اركبها" فركبتها فجعلت تسبق كل راحلة الحديث إلا أن قال "أتبيعني ناقتك بأربعمائة درهم" فقلت هي لك يا رسول الله ولكن من لي بالحمل إلى المدينة فقال صلى الله عليه وسلم: "لك ظهرها إلى المدينة" فاشتراها رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربعمائة درهم فلما قدمت المدينة جئت بالناقة إلى باب المسجد ودخلت المسجد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أين الناقة" قلت بالباب فقال صلوات الله عليه: "جئت لطلب الثمن" فسكت فأمر بلالا رضي الله تعالى عنه فأعطاني أربع مائة درهم فقال صلى الله عليه وسلم: "خذها مع الناقة فيما لك بارك الله لك فيهما" وبهذا يتبين أنه لم يكن بينهما بيع ثم الشرط في البيع على أوجه إما أن يشترط شرطا يقتضه العقد كشرط الملك للمشتري في المبيع أو شرط تسليم الثمن أو تسليم المبيع فالبيع جائز لأن هذا بمطلق العقد يثبت فالشرط لا يزيده إلا وكادة وإن كان شرطا لا يقتضيه العقد وليس فيه عرف ظاهر فذلك جائز أيضا كما لو اشترى نعلا وشراكا بشرط أن يحذوه البائع لأن الثابت بالعرف ثابت بدليل شرعي ولأن في النزوع عن العادة الظاهرة جرحا بينا وإن كان شرطا لا يقتضيه العقد وليس فيه عرف ظاهر.
قال فإن كان فيه منفعة لأحد المتعاقدين فالبيع فاسد لأن الشرط باطل في نفسه،

ج / 13 ص -14-       والمنتفع به غير راض بدونه فتتمكن المطالبة بينهما بهذا الشرط فلهذا فسد به البيع وكذلك إن كان فيه منفعة للمعقود عليه وذلك نحو ما بينا أنه إذا اشترى عبدا على أنه لا يبيعه فإن العقد يعجبه أن لا تتناوله الأيدي وتمام العقد بالمعقود عليه حتى لو زعم أنه حر كان البيع باطلا فاشتراط منفعته كاشتراط منفعة أحد المتعاقدين.
 قال: وإن لم يكن فيه منفعة لأحد فالشرط باطل والبيع صحيح نحو ما إذا اشترى دابة أو ثوبا بشرط أن لا يبيع لأنه لا مطالب بهذا الشرط فإنه لا منفعة فيه لأحد وكان لغوا والبيع صحيح إلا في رواية عن أبي يوسف قال يبطل به البيع نص عليه في آخر المزارعة لأن في هذا الشرط ضررا على المشتري من حيث أنه يتعذر عليه التصرف في ملكه والشرط الذي فيه ضرر كالشرط الذي فيه منفعة لأحد المتعاقدين ولكنا نقول لا معتبر بعين الشرط بل بالمطالبة به والمطالبة تتوجه بالمنفعة في الشرط دون الضرر.
 قال: وإذا اشترى عبدا على أنه يعتقه فالبيع فاسد وروى الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى أن البيع جائز بهذا الشرط وهو قول الشافعي لحديث بريرة رضي الله عنها فإنها جاءت إلى عائشة رضي الله عنها تستعينها في المكاتبة قالت إن شئت عددتها لأهلك وأعتقك فرضيت بذلك فاشترتها وأعتقتها وإنما اشترتها بشرط العتق وقد أجاز ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم لها ولأن الشراء بشرط الإعتاق متعارف بين الناس لأن بيع العبد سمة متعارف في الوصايا وغيره وتفسيره البيع بشرط العتق ولأن العتق في المبيع قبض حتى إذا أعتق المشتري المبيع قبل القبض صار قابضا والقبض من أحكام العقد فاشتراطه في العقد يلائم العقد ولا يفسده وحجتنا في ذلك نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع وشرط ولأن في هذا الشرط منفعة للمعقود عليه والعقد لا يقتضيه فيفسد به في العقد كما لو شرط أن لا يبيع يوضحه أنه لو شرط في الجارية أن يستولدها أو في العبد أن يدبره كان العقد فاسدا فإذا كان اشتراط حق العتق لها يفسد البيع فاشتراط حقيقة العتق أولى ودعواه أن هذا الشرط يلائم العقد لا معنى له فإن البيع موجب للملك والعتق مبطل له فكيف يكون بينهما ملائمة ثم هذا الشرط يمنع استدامة الملك فيكون ضد ما هو المقصود بالعقد وبيع العبد لسمة لا يكون بشرط العتق بل يكون ذلك وعدا من المشتري ثم البيع بعقد مطلقا وهو تأويل حديث عائشة رضي الله عنها فإنها اشترت بريرة رضي الله عنها مطلقا ووعدت لها أن تعتقها لترضى هي بذلك فإن بيع المكاتبة لا يجوز بغير رضاها فإن استهلكه المشتري فعليه قيمته لأنه قبضه بعقد فاسد فيكون مضمونا بالقيمة عند تعذر رد العين وإن أعتقه فعليه الثمن المسمى في قول أبي حنيفة استحسانا وفي قولهما عليه قيمته وهو القياس لأنه قبضه بعقد فاسد وقد تعذر رده بإعتاقه فيلزمه قيمته كما لو تعذر بيعه أو استهلاكه بوجه آخر يوضحه أنه لو اشتراها بشرط التدبير أو الاستيلاد كانت مضمونة عليه بالقيمة إذا تعذر ردها ثان وفى بذلك الشرط فكذا إذا اشترى بشرط العتق اعتبارا لحقيقة الحرمة بحقيقة العتق وأبو حنيفة استحسن فقال زال المفسد قبل تقرره فيجب الثمن كما لو اشتراه بأجل مجهول ثم أسقطه قبل مضيه.

 

ج / 13 ص -15-       وبيان ذلك أن الحكم بفساد هذا العقد كان لمخافة أن لا يفي المشتري بالعتق وليكون في الإقدام على التصرف في ملكه مختارا غير مجبر عليه وقد زال هذا المعنى حين أقدم على إعتاقه مختارا وحقيقة المعنى فيه أن هذا الشرط لا يلائم العقد بنفسه ولكن يلائم العقد بحكمه لأن العتق ينهي الملك فإن الملك في بني آدم ثابت إلى العتق فيكون العتق مهينا له وإنهاء الشيء يقرره ولهذا لو اشترى عبدا فأعتقه ثم اطلع على عيب به رجع بنقصان العيب بخلاف ما إذا باعه والدليل عليه أن شراء القريب إعتاق على معنى أنه متمم عليه العتق وهي الملك فكان هذا الشرط ملائما بحكمه للعقد وبصورته غير ملائم لأن الإنسان لا يجبر على إنهاء ملكه بالعتق وبالشرط يجبر عليه فلا يحكم بفساد العقد على الثبات ولكنه موقوف فإن استهلكه بوجه آخر يتقرر الفساد لوجود صورة الشرط دون الحكم وإن أعتقه تتقرر صفة الجواز باعتبار الملائمة بحكم العقد وهو إنهاء الملك به فيلزمه الثمن المسمى وإنما سماه استحسانا لمعنى التوقف فيه في الابتداء ومخالفة صورته معنى بخلاف شرط الاستيلاد والتدبير فالملك به لا ينتهي ومعنى الملائمة باعتبار إنهاء الملك به فلهذا تتعين صفة الفساد هناك وفى بالشرط أو لم يف.
قال: وإذا اشتراه على أن يقرض له قرضا أو يهب له هبة أو يتصدق عليه بصدقة أو على أن يبيعه بكذا وكذا من الثمن فالبيع في جميع ذلك فاسد لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع وسلف وعن بيعتين في بيعة وكل شيء فسد فيه البيع فالمشتري إذا استهلكه فهو ضامن لقيمته بالغة ما بلغت لأن الضمان الأصلي في البيع ضمان القيمة ولهذا كان المقبوض على سوم المبيع مضمونا بالقيمة وقبض الغصب ينوب عن قبض الشراء وإنما يتحول من القيمة إلى المسمى عند صحة السبب وتمامه فإذا فسد السبب بقي الضمان الأصلي كما إذا كان البيع بالخيار فإن البيع يكون مضمونا على المشتري بالقيمة لعدم تمام السبب.
قال: ولو اشترى ثوبا على أنه إن لم ينقد الثمن إلى ثلاثة أيام فلا بيع بينهما فالبيع فاسد في القياس وهو قول زفر وفي الاستحسان يجوز وهو قول علماؤنا الثلاثة رحمهم الله تعالى وجه القياس أنه شرط في البيع إقالة معلقة لخطر عدم النقد ولو شرط إقالة مطلقة فسد به العقد فإذا شرط إقالة معلقة أولى أن يفسد به العقد وهذا الشرط ليس في معنى شرط الخيار لأن هناك لو سكت حتى مضت المدة تم البيع وهنا لو سكت حتى مضت المدة بطل البيع وجواز البيع مع شرط الخيار ثابت بالنص بخلاف القياس فلا يلحق به ما ليس في معناه ولكن تركنا هذا القياس لحديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فإنه باشر البيع بهذا الشرط وقول الواحد من فقهاء الصحابة رضوان الله تعالى عليهم مقدم على القياس عندنا لأن قوله بخلاف القياس كروايته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لا يظن به أنه قال: جزافا والقياس لا يوافق قوله فعرفنا أنه قال سماعا ثم هذا الشرط من حيث المقصود كشرط الخيار لأنه إنما يشترط الخيار ليتروى النظر فيه ويكون مخيرا في الأيام الثلاثة بين فسخ العقد وتمامه بهذا الشرط لا يحصل إلا

 

ج / 13 ص -16-       هذا المقصود والشرع إنما جوز شرط الخيار لهذا المقصود حتى قال لحيان بن منقد: "إذا بايعت فقل لا خلابة ولي الخيار ثلاثة أيام".
قال: فإن اشتراه على أنه لم ينقده إلى أربعة أيام فلا بيع بينهما فهذا العقد فاسد عند أبي حنيفة كقوله في شرط الخيار فإن عنده شرط الخيار أكثر من ثلاثة أيام يفسد العقد وعند محمد العقد جائز بمنزلة شرط الخيار عنده فإنه يجوز شرط الخيار مدة معلومة طالت المدة أو قصرت ولم يذكر في الكتاب قول أبي يوسف وفي بعض نسخ المأذون ذكر قول أبي يوسف كقول أبي حنيفة رحمهما الله تعالى وذكر بن سماعة في نوادره أن هذا قوله الأول فأما قوله الأخير كقول محمد لأن هذا في معنى شرط الخيار وقوله كقول محمد في جواز اشتراط الخيار أربعة أيام فكذلك في هذا الشرط وجه قوله الذي ذكره في المأذون أن القياس ما قاله زفر فإن هذا الشرط من حيث الحكم ليس نظير شرط الخيار ولكن تركنا القياس في ثلاثة أيام لقول ابن عمر رضي الله تعالى عنهما ففيما زاد على ذلك نأخذ بالقياس وهذا لأن الغرر يزداد بطول المدة وقد يجوز أن يحمل العقد لليسير من الغرر دون الكثير منه ألا ترى أنا نجوز شراء أحد الثياب الثلاثة على أنه بالخيار فيها ثم لا يجوز ذلك في الأربعة لما ذكرنا.
قال: وكل فاسد رده المشتري على البائع بهبة أو صدقة أو بيع فهو متاركة للبيع ويبرأ المشتري من ضمانه لأن الرد بسبب فساد البيع مستحق في هذا المحل بعينه شرعا فعلى أي وجه أتى به يقع من الوجه المستحق كرد المغصوب والودائع وهذا لأنه ممنوع من تمليكه من البائع بسبب مبتدأ مأمور برده لفساد البيع ولا معاوضة بين المنهي عنه ويكره المأمور به فيترك جانب المأمور به في رده عليه.
قال: وإن اشترى شيئا وشرط على البائع أن يحمله إلى منزله أو يطحن الحنطة أو يخيط الثوب فهو فاسد لأن فيه منفعة لأحد المتعاقدين والعقد لا يقتضيه لأنه إن كان بعض البدل بمقابلة العمل المشروط عليه فهو إجارة مشروطة في العقد وإن لم يكن بمقابلته شيء من البدل فهو إعارة مشروطة في البيع وهو مفسد للعقد وكذلك لو اشترى دارا على أن يسكنها البائع شهرا فهذه إعارة مشروطة في البيع وهو مفسد للعقد أو هذا شرط أجل في العين والعين لا تقبل الأجل.
قال: ولو اشترى شيئا على أن يرهنه بالثمن رهنا أو على أن يعطيه كفيلا بنفسه أو بالثمن فهذا العقد فاسد والكلام في هذين الفصلين ينقسم على أربعة أقسام أما في شرط الكفيل سواء سمى الكفيل أو لم يسمه فالعقد فاسد إذا كان الكفيل غائبا عن مجلس العقد لأنه لا يدري أيكفل أم لا فيفسد العقد لمعنى الغرر ولأن جواز هذا العقد يتعلق بقبول الكفيل الكفالة فمتى شرط قبوله إذا كان غائبا عن مجلس العقد لم يجز العقد وإن قبله بعد المجلس كالمشتري فإن كان الكفيل حاضرا أو حضر وقبل قبل أن يتفرقا جاز البيع استحسانا وفي القياس لا يجوز وهو قول زفر لأن الكفالة عقد آخر ليس من حقوق العقد

 

ج / 13 ص -17-       في شيء واشتراط هذا عقد آخر في عقد البيع مفسد للعقد إذا كان فيه منفعة لأحد المتعاقدين وجه الاستحسان أن المقصود بالكفالة التوثق بالثمن في معنى اشتراط زيادة وصف الجودة في الثمن ولو اشترط في البيع ثمنا جيدا كان البيع جائزا ثم تمام هذا العقد بقبول الكفيل فإنه بقبوله ينتفي معنى الغرر فإذا وجد ذلك في المجلس كان هذا بمنزلة انتفاء الغرر عند العقد وشرط الحوالة في هذا كشرط الكفالة لأنه لا ينافي وجود أصل الثمن في ذمة المشتري فإن الحوالة تحويل ولا يكون ذلك إلا بعد وجود الثمن في ذمة المشتري بخلاف ما لو شرط وجوب الثمن ابتداء على غير المشتري بالعقد فإن ذلك ينافي وجوب العقد فكان مفسدا للعقد.
قال: وإن شرط أن يرهنه بالثمن رهنا فإن كان الرهن مجهولا فالعقد فاسد لأن قبول العقد في الرهن لا بد منه عند هذا الشرط وما يشترط قبول العقد فيه لا بد أن يكون معلوما ولكن لو أوفاه الثمن صح العقد لأن المفسد قد زال قبل تقريره لأن شرط الرهن للاستيفاء وقد استوفاه حقيقة وإن شرط أن يرهنه هذا المبتاع بعينه ففي القياس العقد فاسد لما بينا أنه شرط عقد في عقد وفي الاستحسان يجوز هذا العقد لأن المقصود بالرهن الاستيفاء فإن موجبه ثبوت يد الاستيفاء وشرط استيفاء الثمن ملائم للعقد ثم الرهن بالثمن للتوثق بالثمن فاشتراط ما يتوثق به كاشتراط صفة الجودة في الثمن وكذلك إن سمى مكيلا أو موزونا موصوفا بغير عينه وجعله رهنا بالثمن لأن قبول ذلك في البيع قبول صحيح ألا ترى أنه يصلح أن يكون ثمنا فكذلك يصلح اشتراطه رهنا بالثمن فإن أبى المشتري أن يرهنه ما سمى لم يجبر عليه لأن تمام الرهن بالقبض ولم يوجد القبض وعلى قول ابن أبي ليلى يجبر عليه لأنه ثبت في ضمن عقد لازم فيصير الوفاء به مستحقا كالعدل في الرهن إذا سلطه على البيع كان مجبرا عليه ولا يملك الراهن عزله بخلاف التوكيل بالبيع مقصودا ولكنا نقول عقد الرهن ليس من حقوق البيع فلا بد في إتمامه من اتحاد شرط العقد وإتمامه بالقبض فما لم يوجد لا يلزم حكم الرهن ألا ترى أن يد الاستيفاء لا تثبت له إلا بالقبض فكذا اشتراطه في العقد لا يلزم إلا بالقبض ولكن إن أبى المشتري أن يرهنه فللبائع أن يفسخ العقد لأن رضاه بالبيع كان بهذا الشرط فبدونه لا يكون راضيا وإذا لم يتم رضاه كان له أن يفسخ.
قال: وإن باع شيئا من الحيوان واستثنى ما في بطنه فالبيع فاسد لأن ما في البطن لا يجوز إيجاب البيع فيه مقصودا فلا يجوز استثناؤه مقصودا كاليد والرجل وهذا لأن الجنين ما دام متصلا بالأم فهو في حكم الأجزاء ألا ترى أنها تقطع بالمقراض عنها وأجزاء الحيوان لا تقبل العقد مقصودا ولا يكون مقصودا بالاستثناء وهذا لأن الجنين في البطن مجهول ولا يدري أذكر هو أم أنثى واحدا أو مثنى فإذا كان المستثنى مجهولا فالمستثنى منه يصير مجهولا أيضا وجهالة المعقود عليه تمنع جواز العقد وكذلك إن وقع العقد على عدل بر أو أغنام أو نخيل واشترط أن يرد المشتري أحد العينين أو يأخذ البائع إحداهن بغير عينها فالبيع فاسد لأن

 

ج / 13 ص -18-       المستثنى مجهول وبه يصير المستثنى منه مجهولا أيضا وهذه جهالة تفضي إلى المنازعة لأنها متفاوتة في المالية فيفسد البيع.
قال: وإن اشترى شاة على أنها حامل فالعقد فاسد لأن الحبل في البهائم وهي زيادة مجهولة فإنه لا يدري أن انتفاخ بطنها من ريح أو ولد وإن الولد حي أو ميت ذكر أم أنثى واحدا أو مثنى والمجهول إذا ضم إلى معلوم يصير الكل مجهولا وكذلك إن شرط أنها تحلب كذا فالبيع فاسد لأنه لا يدري لعل الشرط باطل يعني أن اشتراط مقدار من البيع ليس في وسع البائع إيجاده ولا طريق إلى معرفته فكان شرطا باطلا فيفسد به العقد.
قال: وإن شرط أنها حلوب أو لبون لم يذكر هذا الفصل في الأصل وقد ذكر الكرخي أن هذا ما لو شرط أنها تحلب كذا وكذا سواء لأن اللبن زيادة مال منفصل ولا يكون لبونا حلوبا إلا به وتلك الزيادة مجهولة على ما مر فصار كما لو اشترى على أنها حامل وذكر الطحاوي أن هذا شرط وصف مرغوب فيه فلا يفسد العقد به كما لو شرط في العبد أنه كاتب أو خبار ولأن هذا يذكر على سبيل بيان الوصف لا على سبيل الشرط لأن هذا وصف مرغوب فيه كما إذا اشترى فرسا على أنها هملاج أو اشترى كلبا على أنه صائد فإنه يجوز كذا هنا وهكذا روى الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى في الحلوب بخلاف ما إذا اشترط أنها تحلب كذا لأن الفساد باشتراط مقدار لبن في الضرع لا طريق إلى معرفته.
قال: وكذلك إن اشترى سمسما أو زيتونا على أن فيهما من الدهن كذا أو اشترى حنطة بشرط أن يطحن منها كذا مختوم دقيق فهذا شرط باطل لا طريق للبائع إلى معرفته ولا يقدر على الوفاء به فيكون مفسدا للعقد.
قال: ولو باع جارية وتبرأ من الحبل وكان بها حبل أو لم يكن فالبيع جائز لأن الحبل في بنات آدم ألا ترى أن للمشتري حق الرد به فإنما تبرأ البائع من العيب وذلك غير مفسد للعقد
قال: وليست البراءة في هذا كالبهائم قيل معناه كالشرط في البهائم فإن الحبل في البهائم زيادة فذكره في العقد شرط زيادة مجهولة وفي الآدمية عيب فذكره يكون تبريا من العيب ولا يكون شرط زيادة مجهولة وقيل معناه إذا ذكر الحبل في الجارية على وجه التبري عرفنا أن مراده العيب فلا يفسد به العقد وإذا ذكره على وجه الشرط عرفنا أن مراده شرط زيادة مجهولة فيفسد به العقد وقد ذكر هشام عن محمد رحمهما الله تعالى أنه إذا اشترى جارية على أنها حامل فالبيع جائز إلا أن يظهر المشتري أنه يريدها للطؤرة فحينئذ يفسد به العقد لعلمنا أنه قصد الحبل بالشرط وهو مجهول وعلى هذا يحكى عن الهندواني أنه كان يقول إن شرط الحبل إذا وجد من البائع لم يفسد به العقد وأن شرطه المشتري يفسد لأن البائع إنما يذكر الحبل على وجه بيان العيب عادة والمشتري يذكر على وجه اشتراط الزيادة.
قال: رجل اشترى جارية بجاريتين إلى أجل فالعقد فاسد لأن الحيوان لا يثبت دينا في الذمة بدلا عما هو مال ولأن الجنس بانفراده يحرم النساء فإن قبض الجارية فذهبت عينها

 

ج / 13 ص -19-       عنده من عمله أو من غير عمله فللبائع أن يأخذها ويضمنه نصف قيمتها لأن العين من الآدمي نصفه وفوات النصف في ضمان المشتري كفوات الكل ولو هلكت كان عليه ضمان قيمتها سواء هلكت بفعله أو بغير فعله فكذلك إذا ذهب نصفها وهذا لأنها صارت مضمونة بالقبض والأوصاف تضمن بالقبض ألا ترى أنها تضمن بالغصب فإن الجارية المغصوبة إذا ذهبت عينها عند الغاصب أخذها المغصوب منه مع نصف قيمتها ولو فقأ عينها غيره فإن البائع يأخذها لأن فسخ العقد فيها مستحق شرعا فما دامت قائمة كان على البائع أن يأخذها ثم يتخير في نصف قيمتها فإن شاء ضمن ذلك الفاقئ وإن شاء ضمن المشتري لأن بالأخذ ينفسخ العقد فيها ويعود إلى قديم ملك البائع فجناية الفاقئ كانت على ملكه فله أن يضمنه نصف قيمتها وإن شاء ضمن المشتري ذلك لأنها كانت مضمونة عليه بالقبض بجميع أجزائها فكانت كالمغصوبة في هذا الحكم فإن ضمن المشتري يرجع المشتري بذلك على الفاقئ لأن ملكه تقرر في ذلك الجزء حين ضمن بدله وهو كالغاصب في ذلك وإن ضمن الفاقئ لم يرجع على المشترى بشيء لأنه ضمن بجنايته فأما إذا قتلها في يد المشتري قاتل فللبائع أن يضمن المشتري قيمتها ولا سبيل له على القاتل بخلاف المغصوبة فإن المغصوبة إذا قتلها إنسان في يد الغاصب يتخير المغصوب منه إن شاء ضمن الغاصب قيمتها وإن شاء ضمن القاتل بخلاف المشتراة شراء فاسدا في يد المشتري لأن المغصوبة على ملك المغصوب منه فالقاتل من القاتل جناية على ملكه فيتخير في التضمين إن شاء ضمن الغاصب بالغصب أو القاتل بالقتل وهنا قد صارت الجارية مملوكة للمشتري بالقبض وبالقتل يتعذر فسخ البيع فيها ولا يعود إلى ملك البائع فلهذا تعين حق البائع في تضمين المشتري وليس له أن يضمن القاتل وفي فقء العين ما تعذر فسخ العقد فيها وإذا انفسخ العقد فيها بالرد كانت جناية الفاقئ على ملك البائع فلذلك يتخير البائع إن شاء ضمن القاتل بالقتل وإن شاء ضمن المشتري بالقبض كما في الغصب ثم إذا ضمن البائع المشتري قيمتها في القتل كان للمشتري أن يضمن القاتل قيمتها لأنه أتلف ملكه فيها بالجناية فكان له أن يضمنه قيمتها.
قال: فلو كانت الجارية كما هي غير أنها ولدت ولدين فمات أحدهما أخذ البائع الجارية والولد الباقي لأنها في يده كالمغصوبة مستحقة الرد بزوائدها المتصلة والمنفصلة وهذا لأن الولد متولد من العين ووجوب الرد كان حكما متقررا فيها فيسري إلى الولد ولأن ملك الأصل يسري إلى الولد والثابت للمشتري في الأصل كان ملكا مستحق الإزالة بالرد على البائع فثبت مثله في الولد وليس له أن يضمنه قيمة الميت بمنزلة ولد المغصوب إذا مات في يد الغاصب من غير صنعه لم يضمن لانعدام الصنع منه فهذا مثله.
قال: فإن كانت الولادة قد نقصتها وفي الولد الثاني وفاء بجميع ذلك النقصان فلا شيء على المشتري لرده ما ينجبر به النقصان فإن نقصان الولادة ينجبر بالولد عندنا وقد بينا ذلك في المغصوبة وكذلك في المشتراة شراء فاسدا والولد الميت صار كأن لم يكن فكأنها ولدت ولدا واحدا.

 

ج / 13 ص -20-       قال: وإن لم يكن في الولد الباقي وفاء النقصان فعلى المشتري تمام ذلك لأن انجبار النقصان بالولد لصفة المالية وإنما ينجبر بقدر مالية الولد وما زاد على ذلك ليس بإزائه ما يجبره فعلى المشتري ضمان ذلك.
قال: وإن كان الميت مات من فعل المشتري أو منعه بعد طلب البائع حتى مات صار المشتري ضامنا بقيمته يردها مع الأم لأن الولد إنما لم يكن مضمونا عليه لانعدام الصنع الموجب للضمان فيه وقد وجد ذلك بالإتلاف أو المنع بعد الطلب ثم رد قيمة الولد كرد عينه حتى إذا كان فيها وفي مالية الحي وفاء بالنقصان فلا شيء على المشتري وإن لم يكن فيها وفاء بنقصان الولادة فعلى المشتري تمام ذلك لأن الانجبار بقدر المالية على ما مر.
قال: ولو كانت الأم هي الميتة والولدان حيان أخذ البائع الولدين وقيمة الأم يوم قبضه المشتري وهكذا القول في كل بيع فاسد لأن حق الاسترداد ثابت للبائع في الولدين فلا يسقط ذلك بهلاك الأم كالمغصوبة إذا ولدت ثم ماتت كذلك هنا وإن كان ضامنا قيمتها للبائع حين قبضها لأنها دخلت في ضمانه بالقبض وتعذر ردها فيجب ضمان قيمتها والولد تبع فلا يقوم مقام الأصل في حق الرد حتى لا يسقط برد الولدين ضمان قيمة الأم وإن كان في ماليتهما وفاء بذلك بخلاف نقصان الولادة فالفائت هناك وصف هو بيع ثم الخلافة هناك باتحاد السبب فإن سبب النقصان والزيادة واحدة وهذا لا يوجد هنا فإن موت الأم لم يكن بالولادة ولو كان بالولادة فالولادة من حيث أنها موت لا توجب الزيادة ولدا ولذا لا ينجبر قدر النقصان بالولدين بعد موت الأم حتى يضمن كمال قيمتها لأن هنا لا يحتاج إلى جبر النقصان بعد موت الأم لأن الملك يثبت للمشتري بعد القبض على ما ذكرنا وتقرر القيمة عليه من حين قبضها فإذا مات تبين أن ذلك النقصان حاصل في ملك المشتري فلا تقع الحاجة إلى جبر هذا النقصان بالولد بخلاف ما إذا بقيت الأم لأنه أمكن فسخ العقد فيها بالرد فإن ردها عادت إلى قديم ملك البائع فتبين أن النقصان حصل فوقعت الحاجة إلى انجبار النقصان بخلف قائم مقامه وهو الولد فلهذا افترقا.
قال: والبيع الفاسد ينعقد موجبا للملك إذا اتصل به القبض عندنا وعند الشافعي لا ينعقد للملك وفي الحقيقة هذه المسألة تنبني على مسألة من أصول الفقه وهو أن النهي عن العقود الشرعية لا يخرجها من أن تكون مشروعة عندنا فإن ذلك موجب النسخ والنهي عن النسخ وعندنا يخرجها من أن تكون مشروعة بمقتضى النهي فإن صفة القبح من ضرورة النهي كما أن صفة الجنس من ضرورة الأمر والمشروع ما يكون مرضيا والقبيح ما لا يكون مرضيا فينعدم أصل العقد لضرورة النهي ومقتضاه ولكنا نقول موجب النهي الانتهاء على وجه يكون المنتهي مختارا فيه كما أن موجب الأمر الائتمار على وجه يكون المؤتمر مختارا فيه فإن استحقاق الثواب والعقاب ينبني على ذلك وذلك لا يكون إلا بعد تقرر المشروع مشروعا باعتبار هذا الأصل ثم يخرج المقتضى عليه بحسب الإمكان أولى من إعلام المقضي

 

ج / 13 ص -21-       بالمقتضى وهذه في أصول الفقه فأما التخريج هنا على الأصل المتفق عليه وهو أن النهي متى كان لمعنى في غير المنهي عنه فإنه لا يعدم المشروع كالنهي عن البيع وقت النداء وإن كان المنهي عنه بعدمه كالنهي عن بيع المضانين والملاقيح والشافعي يقول في البيوع الفاسدة النهي لمعنى في غير المنهي عنه ولهذا أفسد البيع ويتضح هذا في البيع بالخمر فالبيع مبادلة مال متقوم بمال متقوم والخمر ليس بمال متقوم حتى لا يملك بالعقد وإن قبض فلا ينعقد موجبا حكمه فعرفنا أنه غير منعقد في حق حكمه وهو الملك والدليل عليه أن البيع موجب للملك بنفسه ثم الفاسد منه لا يكون موجبا الملك بنفسه فعرفنا أنه ليس ينعقد في حكم الملك وثبوت الضمان بالقبض ليس من حكم انعقاد العقد بالمقبوض على سوم الشراء مضمون بالقيمة ولا عقد وإن كان منعقدا بصفة الفساد لما منعت ثبوت الملك بالبيع قبل القبض فكذلك بعده لأن الفساد قائم بعده ولأن بالقبض يزداد الفساد والحرمة وكل ما يمنع ثبوت الملك بالبيع قبل القبض يمنع بعد القبض كخيار الشرط وهذا في معناه لأن مع خيار الشرط لا يتم الرضا من البائع ومع الفساد كذلك فإنه لو صار مملوكا إنما يصير مملوكا بالقيمة والبائع لم يرض بهذا ولهذا ثبت خيار الفسخ لكل واحد منهما ولأن هذا عقد معاوضة فالفاسد منه لا ينعقد موجبا للملك كالنكاح وهذا لأن الملك مشروع محبوب فيستدعي سببا مرضيا شرعيا بخلاف الكتابة الفاسدة حيث انعقد العقد مع صفة الفساد ففيها معنى المعاوضة واليمين لأنه تعليق العتق بشرط الأداء والحرمة لا تمنع صحة التعليق كما لو قال: إن زنيت فأنت حرة فإنما ينزل العتق هناك لمعنى التعليق دون المعاوضة.
وحجتنا في ذلك من حيث التخريج على الأصل المجمع عليه أن يقول هذا النهي لمعنى في غير المنهي عنه لأن البيع ينعقد بالإيجاب والقبول في محل قابل له ولا يختل شيء من ذلك بالشرط الفاسد وانعقاد العقد يوجب ركنه من أهله والنهي كان للشرط وهو وراء ما يتم العقد به وكذلك النهي عن الربا للفضل الخالي عن المقابلة وهو وراء ما يتم به العقد فلا ينعقد فيه أصل العقد والعقد لا ينعقد شرعا إلا موجبا حكمه لأن الأسباب الشرعية تطلب لأحكامها فإذا كانت خالية عن الحكم تكون لغوا ولكن الحكم متصل بها تارة ويتأخر أخرى كالهبة فإنها عقد تمليك ثم الملك بها يتأخر إلى القبض قوله بأن البيع يفسد به قلنا لأن النهي اتصل بوصفه لأن الخيار والأجل لو كان جائزا كان عمله في تغيير وصف العقد لا في تغيير أصله فكذلك إذا كان فاسدا يكون عمله في تغيير وصف العقد حتى يصير العقد فاسدا وليس من ضرورة انعدام الوصف انعدام الأصل بل من ضرورته انعقاد الأصل فالصفة لا تكون بدون الموصوف وهكذا نقول في النكاح فإنه ينعقد مع الفساد ولهذا يتعلق به وجوب المهر والعدة والنسب عند الدخول إلا أنه لا يثبت الملك به لأن الحكم يثبت بحسب النسب فالعقد الفاسد إنما يثبت ملكا حراما وليس في النكاح إلا ملك الحل وبين الحل والحرمة منافاة فكان من ضرورة الفساد هناك انتفاء الملك وهنا بالبيع الفاسد إنما يثبت ملك

 

ج / 13 ص -22-       حرام. ولهذا لو كانت جارية لا يحل له وطؤها وليس من ضرورة ثبوت الحرمة انتفاء ملك اليمين كالعصير يتخمر يبقى مملوكا وإن كان حراما وكشراء الرجل أخته من الرضاع فيملكها وإن كانت حراما عليه فأثبتنا الملك لهذا ولكن العقد بصفة الفساد يضعف فيتأخر الحكم إلى انضمام ما يقوم إليه وهو القبض كعقد التبرع ولأنه لو ثبت الملك قبل القبض يثبت بغير عوض فإن المسمى لا يجب للفساد والضمان لا يجب إلا بالقبض فلهذا تأخر الملك إلى ما بعد القبض وهكذا نقول في البيع بشرط الخيار فإنه انعقد مفيدا لحكمه ولكنه تأخر ثبوت الحكم إلى سقوط الخيار على أن ذلك في معنى المعلق بالشرط لأنه يقول على أني بالخيار والمتعلق بالشرط مقدم قبل الشرط ألا ترى أنه تعذر أعمال التعليق في أصل السبب فيجعل عاملا في الحكم وليس من ضرورة الفساد انعدام العقد شرعا كالإحرام يفسد بالجماع ويبقى أصله والطلاق في حالة الحيض حرام شرعا ويكون مفيدا بحكمه والظهار حرام شرعا ثم ينعقد موجبا حكمه والدليل عليه أن المقبوض يصير مضمونا والضمان إنما يجب بطريق الجبران أو بالعقد وهنا وجوب الضمان ليس بطريق الجبر لأنه يقبضه بإذن المالك فعرفنا أن وجوب الضمان بالعقد وهكذا نقول في المقبوض على سوم البيع أنه مضمون بالعقد ولكن على وجه وهو أن يجعل الموعود من العقد كالمتحقق وليس بينهما عقد موجود هنا فعرفنا أن الضمان باعتبار العقد المتحقق وإذا ثبت هذا في البيع مع الشرط الفاسد فكذلك في الربى لأن الفساد يكون لمعنى في وصف العقد فإن بالفضل يصير البيع رابحا وكذلك في البيع بالخمر فإن ركن العقد المالية في البدلين وبتخمر العصير لا تنعدم المالية وإنما ينعدم التقوم شرعا فإن المالية تكون بكون العين منتفعا بها وقد أثبت الله تعالى ذلك في الخمر بقوله تعالى: {وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ}[البقرة:219] ولأنه كان مالا متقوما قبل التحريم وإنما ثبت بالنص حرمة التناول ونجاسة العين وليس من ضرورته انعدام المالية كالسرقين إلا أنه فسد تقومه شرعا لضرورة وجوب الاجتناب عنه بالنص ولهذا يكون مالا في حق أهل الذمة فانعقد العقد بوجود ركنه في محله بصفة الفساد ولكن الخمر لا يملك بالقبض لأنه غير متقوم شرعا فيملك بأدائه لانعقاد العقد موجبا الملك فيه بخلاف البيع بالميتة والدم فذلك ليس بمال في حق أحد فلانعدام ركن العقد في محله لا ينعقد العقد.
قال: ولو كان المشتري أعتق الجارية التي اشتراها بعقد فاسد بعد قبضه إياها أو باعها أو أمهرها أو وهبها وسلمها أو دبرها أو كاتبها أو استولدها جاز جميع ذلك لأنه تصرف في ملكه وهذا التعليل نص عليه محمد في كتاب الشهادات في نظير هذا قال لأنه مالك رقبتها وهنا قال: لأن البائع سلطه عليها وهو إشارة إلى ما قلنا لأن التمليك تسليط على التصرف فصار كما لو سلطه على الإعتاق نصا بأن قال: أعتقتها ألا ترى أنه ذكر في كتاب الاستحسان إذا اشترى طعاما حل له أن يتناول من ذلك الطعام لأن البائع سلطه على ذلك فلما كان في العقد الجائز يعتبر التسليط في حق تناول الطعام فكذا في حق الفاسد ولهذا قلنا إنه لا يحل

 

ج / 13 ص -23-       له أن يطأها لأن الوطء مما لا يستباح بصريح التسليط فكذلك لا يستباح به دلالة ويعود التصرف باعتبار أصل الملك دون صفة الحل وقد ثبت أصل الملك فيثبت التسليط على التصرف ثم قد تعذر رد عينها فيلزمه رد قيمتها وإنما تعذر الرد باعتبار هذه التصرفات نحو البيع والهبة وما أشبه ذلك لأن المشتري شرا فاسدا لما باع من غيره وسلمه إليه تعلق بهذا العين حق المشتري الثاني وحق الله تعالى من حيث فسخ العقد بالرد على البائع الأول وحق الله تعالى مع حق العبد إذا اجتمعا تقدم حق العبد لا تهاونا بحق الله تعالى ولكن الله تعالى أغنى والعفو منه أرجى بخلاف المشتري من الغاصب لأنه تعلق به حق المشتري وحق المغصوب منه وكل واحد من الحقين حق العبد فترجح حق المغصوب منه لأنه أسبق.
قال: وليس عليه في الوطء مهر وفي كتاب السرب يقول وعليه العقر قبل تأويل المسألة إذا لم يستولدها بالوطء حتى ردها على البائع فإن بردها ينفسخ الملك من الأصل فتبين أن الوطء صادق ملك الغير فيلزمه العقر بالوطء وهنا قال: استولدها وبالاستيلاد يتقرر ملكه فإنما وطئها وهي مملوكة له فلا يلزمه العقد بذلك وقيل ما ذكر هنا قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى وما ذكر هناك قول محمد وأصله فيما ذكر هشام أنها لو زادت في يد المشتري في بدنها ثم أعتقها فعليه ضمان قيمتها وقت القبض عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى وعند محمد وقت العتق فلما كان محمد ثبت حق البائع في الزيادة ويجعلها مضمونة على المشتري بالإتلاف فكذلك المستوفي بالزيادة في حكم زيادة هي ثمرة ومن أصلها أن الزيادة تكون في يد مضمونة على المشتري بالإتلاف فكذلك المستوفي بالوطء فلهذا لا مهر عليه.
قال: وإن رهنها فعليه قيمتها لأن عقد الرهن إذا اتصل به القبض يكون لازما في حق الراهن فيثبت به عجزه عن رد العين فلهذا لزمته قيمتها وإن افتكها قبل أن يضمنه القاضي قيمتها ردها عليه لأن المانع قد زال قبل تحول حق البائع إلى القيمة وكذلك إن عجزت عن الكتابة لأن المانع حق المكاتب وقد سقط قبل أن يتحول الحق إلى القيمة فإن التحول إنما يكون بقضاء القاضي فكذلك إن رجع في الهبة بقضاء أو بغير قضاء ردها على البائع لأنه يعود إليه قديم ملكه في الوجهين فكذلك إن رد عليه بعيب قبل أن يقضي القاضي عليه بالقيمة فإن ذلك كله يمنع قضاء القاضي بالقيمة فإن كان ذلك كله بعد قضاء القاضي بالقيمة فقد تم تحول الحق إلى القيمة فلا يعود في العين بعد ذلك كما لو أبق المغصوب فقضى القاضي بقيمته على الغاصب ثم عاد.
قال: ولو كان أجرها فله أن ينقص الإجارة ويردها لأن الإجارة تنفسخ بالأعذار وقيام حق الشرع في الرد لفساد السبب منه أقوى الأعذار فتنفسخ الإجارة ألا ترى أن المشتري لو أجر المبيع ثم وجد به عيبا كان له أن ينقص الإجارة ليرده فهذا أولى.
 قال: وإن اشترى الرجل شيئا إلى الحصاد أو إلى الدياس أو إلى العطاء أو إلى جذاذ

 

ج / 13 ص -24-       النخل أو رجوع الحاج فهذا كله باطل بلغنا نحو ذلك عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وقول ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في البيع إلى العطاء فإن عائشة رضي الله تعالى عنها كانت تجيز البيع إلى العطاء وابن عباس رضي الله تعالى عنهما كان يفسد ذلك وابن أبي ليلى رحمه الله تعالى أخذ بقول عائشة رضي الله تعالى عنها وقال: البيع جائز والمال حال لأن العقد لما لم يكن صالحا للأجل الذي ذكره لغى ذكره فأما عائشة كانت تقول وقت خروج العطاء معلوم بالعرف لا يتأخر الخروج عنه إلا نادرا فكان هذا بيعا بأجل معلوم ولكنا أخذنا بقول ابن عباس رضي الله تعالى عنهما لأن العطاء فعل العباد قد يتقدم وقد يتأخر بحسب ما يبدوا لهم والآجال بالأوقات دون الأفعال قال الله تعالى: {قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ}[البقرة:189] ثم الشرط في البيوع ببدل مؤجل إعلام الأجل كما قال صلى الله عليه وسلم في السلم: "إلى أجل معلوم" وإعلام الأجل يكون بما لا يتقدم ولا يتأخر من الأيام والشهور فأما ما يتقدم ويتأخر من أفعال العباد يكون مجهولا وكذلك الحصاد فإنه من أفعالنا وقد يتقدم أو أنه قد يتعجل الحر وقد يتأخر إذ أبطاء البرد والدياس وجذاذ النخل كذلك ورجوع الحاج فعله قد يتقدم وقد يتأخر.
 قال: فإن أبطل المشتري الأجل الفاسد ونقد الثمن في المجلس أو بعد الافتراق عن المجلس جاز البيع عندنا استحسانا وقال زفر والشافعي رحمهما الله تعالى: لا يجوز البيع لأنه انعقد فاسدا وتصحيح العقد الفاسد في استقباله كالنكاح بغير شهود لا ينقلب صحيحا بالإشهاد والنكاح إلى أجل لا ينقلب صحيحا بإسقاط الأجل ودليل فساد العقد أن المبيع مضمون على المشتري بالقيمة لو هلك في يده وأن كل واحد منهما يتمكن من فسخ العقد بغير رضاء صاحبه وأن للبائع أن يسترده بزوائده المتصلة والمنفصلة ولكنا نقول المانع من صحة البيع زال قبل تقرره فيصح البيع كما لو باع فصا في خاتم أو جذعا في سقف ثم نزعه وسلمه إلى المشتري البيع كان صحيحا وتحقيق هذا الكلام أن نفس الأجل غير مفسد للبيع وإنما المفسد جهالة وقت الحصاد وذلك غير موجود في الحال فالشتاء ليس زمان الحصاد بيقين ولكنه وصل ذلك الزمان بما قبله في الذكر ولأجله فسد العقد وهذا اتصال يعرض للفصل فإذا أسقطه مجيء أوان الحصاد فقد تحقق الانفصال فبقي العقد صحيحا كما في الجذع فإنه عين مال متقوم ولكن لاتصاله بالسقف وللضرر في نزعه كان لا يصح البيع فإذا نزعه زال ذلك المعنى كذا هذا حتى لو جاءه زمان الحصاد وتحقق الاتصال على وجه لا يمكن فصله بتقرر الفساد وهذا بخلاف النكاح بغير شهود لأن المفسد هناك انعدام شرط الجواز ولا يزول ذلك بالإشهاد بعد العقد والنكاح إلى أجل متعة والمتعة عقد آخر سوى النكاح وهذا بخلاف البيع إلى هبوب الريح وأمطار السماء لأن ذلك ليس بأجل فالأجل ما يكون منتظر الوجود وهبوب الريح وإمطار السماء قد يتصل بكلامه فعرفنا أنه ليس بأجل بل هو شرط فاسد ولأجله فسد العقد وهذا بخلاف ما إذا باع بألف وبرطل من خمر فإن ذلك العقد ينقلب صحيحا عندنا إذا اتفقا على إسقاط الخمر نص عليه في آخر الصرف إلا أن هناك لا ينفرد به

 

ج / 13 ص -25-       البائع لأنه تصرف في البدل فلا يتم إلا بهما وهنا ينفرد به من له الأجل لأنه خالص حقه فيسقط بإسقاطه
قال: وإن اشترى إلى النيروز أو إلى المهرجان فهو فاسد أيضا لأنه ليس من آجال المسلمين ولأنهم لا يعرفون وقت ذلك عادة وإن كان معلوما عند المتعاقدين فهو جائز بمنزلة الأهلة لأن الشرط إعلام المتعاقدين الأجل بينهما وكذلك إلى الميلاد قيل المراد وقت نتاج البهائم وذلك قد يتقدم وقد يتأخر بمنزلة الحصاد وقبل ولادة امرأة بعينها هي حبلى وقد يتقدم وقد يتأخر وقبل وقت ولادة عيسى عليه السلام وذلك غير معلوم عند المسلمين وكذا إلى صوم النصارى لأن المسلمين لا يعرفون وقت ذلك وقد يتقدم وقد يتأخر وكذا إلى فطر النصارى قبل أن يشرعوا في صومهم لأن ذلك قد يتقدم وقد يتأخر بحسب شروعهم في الصوم إلا أن يكون ذلك معلوما عند المتعاقدين على وجه لا يتقدم ولا يتأخر وإن اشتراه إلى فطر النصارى بعد ما شرعوا في الصوم جاز لأن مدة صومهم معلومة بالأيام فإذا شرعوا في الصوم صار وقت فطرهم معلوما.
قال: وإذا اشترى شيئا إلى أجلين وتفرقا عن ذلك لم يجز لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الشرطين في بيع وإن ساومه على ذلك ثم قاطعه على أحدهما وأمضى البيع عليه جاز ولا بأس بطيلسان كردي بطليسانين حواريين إلى أجل لأنهما جنسان باختلاف الصنعة والمقصود وكذا لا بأس بمسح موصلي بمسحين ساريين إلى أجل وكذلك لا بأس بقطيفة يمانية بقطيفتين كرديتين إلى أجل وهذا مبني على الأصل الذي بينا أن اختلاف الصنعة والمقصود تختلف باختلاف الجنس وإن كان الأصل واحدا وحرمة النساء لا تثبت إلا باعتبار أحد الوصفين والله أعلم.

باب الاختلاف في البيوع
قال رحمه الله تعالى: إذا اشترى سمنا أو غيره في زق فوزنه ثم جاء بالزق ليرده فقال البائع ليس هذا بزقي وقال المشتري بل هو زقك فالقول قول المشتري مع يمينه لأن الزق أمانة في يد المشتري والقول في تعيين الأمانة قول الأمين وإن كان مضمونا في يده كان القول في تعيينه أيضا قوله كالمغصوب ولأن حقيقة الاختلاف بينهما في مقدار ما قبض من المعقود عليه فإن ذلك يختلف باختلاف وزن الزق فالبائع يدعي الزيادة فعليه البينة والمشتري منكر للزيادة فالقول قوله مع يمينه.
قال: وإن اشترى عبدين فقبض أحدهما ومات عنده ومات الآخر عند البائع ثم اختلفا في قيمة المقبوض وفي قيمة الآخر فالقول قول المشتري مع يمينه لأن حاصل اختلافهما في مقدار ما قبضه المشتري فالبائع يقول قبضت ثلثي المعقود عليه فإن قيمة المقبوض ألف وقيمة الآخر خمس مائة والمشتري ينكر ذلك ويقول ما قبضت إلا ثلث المعقود عليه فإن قيمة المقبوض خمسمائة وقيمة الآخر ألف فالقول قول المشتري مع يمينه لإنكاره القبض فيما زاد

 

ج / 13 ص -26-       على الثلث ألا ترى أنه لو اشترى كر حنطة فقبض بعضه وهلك الباقي عند البائع فقال المشتري قبضت منك ثلثه و قال البائع نصفه كان القول قول المشتري مع يمينه ولو كان المشتري قبض العبدين فمات أحدهما عنده وجاء بالآخر يرده بالعيب فاختلفا في قيمة الميت كان القول قول البائع مع يمينه لأن المشتري هنا قبض جميع المعقود عليه ثم وقع الاختلاف بينهما في مقدار ما رده بالعيب فالمشتري يدعي الزيادة فيه والبائع ينكره فكان القول قول المنكر مع يمينه يوضح الفرق نحن نعلم أن الثمن كله لم يتقرر على المشتري وإنما الاختلاف بينهما في مقدار ما تقرر من الثمن على المشتري فالبائع يدعي في ذلك زيادة والمشتري منكر ردهما اتفقا أن جميع الثمن متقرر على المشتري بالقبض ثم الاختلاف بينهما في مقدار ما سقط عنه بالرد فالمشتري يدعي زيادة في ذلك والبائع منكر فكان القول قوله مع يمينه ويقسم الثمن على قيمة الذي يريد رده غير معيب وعلى قيمة الميت كما أقر به البائع لأن الانقسام على قيمة المبيع كما دخل في العقد وقد دخل في العقد غير معيب ولو أقاما جميعا البينة على قيمة الميت أخذت بينة البائع أيضا لأنها مثبتة الزيادة في المشهود به وهو قيمة الميت والمثبت للزيادة من البينتين يترجح.
 قال: وإذا اختلف البائع والمشتري في الثمن والسلعة قائمة في يد البائع أو المشتري فإنهما يتحالفان ويترادان استحسانا وفي القياس القول قول المشتري لأنهما اتفقا على أصل البيع وادعى البائع زيادة في حقه وهو الثمن والمشتري منكر لذلك فالقول قوله مع يمينه لقوله صلى الله عليه وسلم: "واليمين على من أنكر" ولكن تركنا القياس بالسنة والمروي في الباب حديثان.
أحدهما حديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"إذا اختلفا المتبايعان والسلعة قائمة بعينها فالقول ما يقوله البائع ويترادان".
 والثاني حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"إذا اختلف المتبايعان تحالفا وترادا" فالحديث صحيح مشهور فيترك كل قياس بمقابلته وكان أبو حازم القاضي يقول إن كانت السلعة في يد البائع فالتحالف بطريق القياس لأن كل واحد منهما يدعي حقا لنفسه على صاحبه فإن البائع يدعي زيادة الثمن والمشتري يدعي وجوب تسليم السلعة إليه عند أداء ما أقر به من الثمن فيحلف كل واحد منهما على دعوى صاحبه قياسا وإن كانت في يد المشتري فالتحالف بخلاف القياس لأن المشتري لا يدعي لنفسه على البائع شيئا فإن المبيع مسلم إليه باتفاقهما وكان أبو يوسف يقول أولا يبدأ بيمين البائع وهو قول زفر وإحدى الروايتين عن أبي حنيفة لأن الشرع جعل القول قول البائع وهو يقتضي الاكتفاء بيمينه وإن كان لا يكتفي بيمينه فلا أقل من أن يبدأ بيمينه ولأن المقصود من الاستحلاف النكول وبنكوله تنقطع المنازعة بنفسه وبنكول المشتري لا تنقطع المنازعة ولكن يجبر على أداء ما ادعى من الثمن واليمين تقطع المنازعة فيبدأ بيمين من يكون نكوله أقرب إلى قطع المنازعة ثم رجع فقال يبدأ بيمين المشتري وهو قول محمد وإحدى الروايتين عن أبي حنيفة لأنه أظهرهما

 

ج / 13 ص -27-       إنكارا واليمين على المنكر ولأن أول التسليمين على المشتري وهو تسليم الثمن فأول اليمينين عليه ولهذا قلنا في بيع المقابضة القاضي يبدأ بيمين أيهما شاء لأنه لا يجب على أحدهما التسليم قبل صاحبه وأيهما نكل عن اليمين لزمه دعوى صاحبه لأن نكوله بدل أو هو قائم مقام الإقرار وإن حلفا جميعا معا ذكر في كتاب الدعوى أن في القياس يكون البيع بينهما بألف درهم لأن الزيادة التي ادعاها البائع انتفت بيمين المشتري وقد تصادقا على صحة البيع بينهما فيقضي بالبيع بما وقع عليه الاتفاق من الثمن ولكنا تركنا القياس وقلنا يفسخ البيع بينهما بالسنة وهو قوله صلى الله عليه وسلم: "ويترادان" والمراد رد العقد لا رد المقبوض لأن ما يكون على ميزان التفاعل يقتضي وجوده من الجانبين وأحد البدلين غير مقبوض وقد بينا في السلم أنه إنما يفسخ العقد إذا طلب ذلك أحدهما وأيهما أقام البينة أوجب قبول بينته أما البائع فلأنه مدعي حقيقة وقد أثبت الزيادة بالبينة وأما المشتري فلأنه مدعي صورة لأنه يدعي العقد بألف درهم والدعوى صورة تكفي لقبول البينة كالمودع إذا ادعى رد الوديعة وأقام البينة وإن أقاما جميعا البينة فالبينة بينة البائع لما فيها من إثبات الزيادة.
قال: وإن كانت السلعة قد هلكت في يد المشتري ثم اختلفا في الثمن فعلى قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى القول قول المشتري مع يمينه وعند محمد والشافعي رحمهما الله تعالى يتحالفان ويترادان العقد لظاهر قوله صلى الله عليه وسلم:
"إذا اختلفا المتبايعان تحالفا وترادا" ولا يمنعا من الاستدلال لظاهر هذا الحديث الآخر من ظاهر قوله والسلعة قائمة بعينها لأن ذلك مذكور على سبيل التثنية أي تحالفا وإن كانت السلعة قائمة لأن عند ذلك يتأتى تميز الصادق من الكاذب بتحكيم قيمة السلعة في الحال ولا يتأتى ذلك بعد هلاك السلعة فإذا كان تحري التحالف مع إمكان تميز الصادق من الكاذب فعند عدم الإمكان أولى ولأن التحالف عند قيام السلعة إنما يصار إليه لأن كل واحد منهما يدعي عقدا ينكره صاحبه فالبيع بألف غير البيع بألفين ألا ترى أن شاهدي البيع إذا اختلفا في مقدار الثمن لا تقبل الشهادة والدليل عليه أنه لو انفرد كل واحد منهما بإقامة البينة وجب قبول بينته فعرفنا أن كل واحد منهما يدعي عقدا ينكره صاحبه فيحلف كل واحد منهما على دعوى صاحبه وهذا المعنى عند هلاك السلعة متحقق فصار كما لو ادعى أحدهما البيع والآخر الهبة أو كان البيع مقابضة وهلك أحد البدلين ثم اختلفا أو قبل المبيع قبل القبض ثم اختلفا في الثمن فإنهما يتحالفان ثم إذا حلفا فقد انتفى كل واحد من الثمنين بيمين المنكر منهما فيبقى البيع بلا ثمن والبيع بغير ثمن يكون فاسدا والمقبوض بحكم عقد فاسد يجب رد عينه في حال قيامه ورد قيمته بعد هلاكه.
وأبو حنيفة وأبو يوسف رحمهما الله تعالى استدلا بقوله صلى الله عليه وسلم:
"البينة على من ادعى واليمين على من أنكر" والبائع هو المدعي والمشتري منكر فكان القول قوله مع اليمين فأما المشتري لا يدعي لنفسه شيئا على البائع لأن المبيع مملوك له مسلم إليه باتفاقهما وهذا هو القياس حال قيام السلعة أيضا ولكنا تركناه بالنص وهو قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا اختلف المتبايعان

 

ج / 13 ص -28-       والسلعة قائمة بعينها تحالفا وترادا" وقوله: "والسلعة قائمة" مذكور على وجه الشرط لا على وجه البينة لأن قوله: "إذا اختلفا المتبايعان" شرط وقوله: "والسلعة قائمة بعينها" معطوف على الشرط فكان شرطا لأن موجب الاشتراط والمخصوص من القياس بالسنة لا يلحق به إلا ما كان في معناه وحال هلاك السلعة ليس في معنى حال قيام السلعة لأن عند قيام السلعة يندفع الضرر عن كل واحد منهما بالتحالف فإنه ينفسخ العقد فيعود إلى كل واحد منهما رأس ماله بعينه وبعد هلاك السلعة لا يحصل ذلك فالعقد بعد هلاك السلعة لا يحتمل الفسخ ألا ترى أنه لا ينفسخ بالإقالة والرد بالعيب فكذلك بالتحالف وهذا لأن الفسخ لا يراد إلا على ما ورد عليه العقد والمعقود عليه فات لا إلى بدل فإن القيمة قبل الفسخ لا تكون واجبة على المشتري والفسخ على غير محله لا يتأتى بخلاف بيع المقابضة فإن أحد العوضين هناك قائم وهو معقود عليه ولهذا جاز الفسخ بالإقالة والرد بالعيب فكذلك بالتحالف وكذلك إذا قبل المبيع قبل القبض فالقيمة هناك واجبة على القاتل وهي قائمة مقام العين في إمكان فسخ العقد عليها لأن القيمة الواجبة قبل القبض لما ورد عليها القبض المستحق بالعقد كانت في حكم المعقود عليه ولا معنى لقوله إن كل واحد منهما يدعي عقدا آخر فإن العقد لا يختلف باختلاف الثمن ألا ترى أن الوكيل بالبيع بألف يبيع بألفين وأن البيع بألف قد يصير بألفين بالزيادة في الثمن والبيع بألفين يصير بألف عند حط بعض الثمن واختلاف الشاهدين في مقدار الثمن إنما يمنع قبول الشهادة لا لاختلاف العقد بل لأن المدعي يكذب أحدهما وقبوله بينة المشتري عند الانفراد لأنه مدعي صورة لا معنى وذلك يكفي لقبول بينته ولكن لا يتوجه به اليمين على خصمه كالمودع يدعي رد الوديعة فلا يتوجه اليمين على خصمه وإن كانت بينته تقبل عليه والدليل عليه أن المشترى لو كان جارية حل للمشتري وطؤها ولو كان الاختلاف في الثمن موجبا اختلاف العقد لما حل له وطؤها كما لو ادعى أحدهما البيع والآخر الهبة ولهذا تبطل دعوى الفساد وهو قوله إنهما إذا حلفا يبقى العقد بلا ثمن لأنه لو كان هكذا لما حل له وطؤها ولأن القاضي إنما يفسخ البيع عند طلب أحدهما وما لم يفسخ حل للمشتري وطؤها ولو فسد البيع بالتحالف لما حل له وطؤها ولما تأخر حكم الفسخ إلى طلب أحدهما والحديث المطلق فيه ما يدل على قيام السلعة وهو لفظ التراد لأنه إن كان المراد رد المأخوذ حسا وحقيقة فذلك يتأتى عند قيام السلعة وإن كان المراد العقد فقد بينا أن الفسخ إنما يتأتى عند قيام السلعة مع أن المطلق والمقيد في حادثة واحدة في حكم واحد إذا ورد فالمطلق محمول على المقيد.
قال: وإن كان البائع قد مات واختلفت ورثة المشتري في الثمن فالقول قول ورثة البائع إن كان المبيع في أيديهم ويجري التحالف بالاتفاق استحسانا لأنهم قائمون مقام البائع حتى يطالبون بالثمن ويطالبون بتسليم المبيع وذلك بحكم العقد فإذا ثبت في حقهم عرفنا أنهم صاروا كالبائع وإن كان المشتري قد قبض المبيع فالقول قوله مع يمينه في قول أبي حنيفة

 

ج / 13 ص -29-       وأبي يوسف وعند محمد يتحالفان ويترادان وكذلك إن مات المشتري وبقي البائع فإن كانت السلعة لم تقبض جرى التحالف استحسانا لأن ورثة المشتري قاموا مقامه في وثوق العقد فإنه يثبت لهم حق المطالبة بتسليم المبيع وإن كانت السلعة مقبوضة فعند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى القول قول ورثة المشتري وعند محمد يتحالفان ويترادان وكذلك إذا ماتا جميعا ثم وقع الاختلاف بين الورثة في الثمن فإن كانت السلعة مقبوضة فعند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى لا يتحالفان وعند محمد يتحالفان وإن لم تكن مقبوضة يتحالفان بالإجماع وهذا بناء على الفصل الأول فإن الوارث يخلف الميت كما أن القيمة تخلف العين فكما أثبت محمد رحمه الله تعالى حكم التحالف والفسخ عند هلاك السلعة باعتبار ما يخلفها وهي القيمة فكذلك أثبت حكم التحالف عند موت العاقد باعتبار من يخلفه وهو الوارث إذا كانت السلعة قائمة.
وأبو حنيفة وأبو يوسف رحمهما الله تعالى فرقا في الأصل بين هلاك السلعة قبل القبض إلى ما يخلفها وهو القيمة بأن قتل قبل القبض ثم اختلفا في الثمن وبين هلاكها بعد القبض في حكم التحالف فكذلك في موت العاقد فرقا بين ما قبل القبض وبين ما بعده لأن هذا حكم ثبت بخلاف القياس بالنص وصاحب الشرع اعتبر اختلاف المتبايعين وقيام السلعة فقبل القبض وارث البائع في معنى البائع حكما لأنه مطالب بتسليم السلعة فيمكن إثبات حكم التحالف فيه بالنص فأما بعد القبض وارث البائع ليس ببائع حقيقة ولا حكما فلم يكن هذا في معنى المنصوص عليه فيؤخذ فيه بالقياس وكذلك وارث المشتري على هذا ولا يقال الوارث يقوم مقام المورث في الإقالة والرد بالعيب فكذلك في الفسخ بالتحالف لأن صحة ذلك منه باعتبار الخلافة في الملك لا في العقد ألا ترى أن الموكل يملك الإقالة والرد بالعيب باعتبار الملك وإن لم يكن هو عاقدا حقيقة ولا حكما.
قال: وإن كانت السلعة في يد المشتري وقد ازدادت خيرا ثم اختلفا في الثمن فالقول قول المشتري في قول أبي حنيفة وأبي يوسف وعند محمد رحمهما الله تعالى يتحالفا فيفسخ العقد على العين لأن الزيادة المتصلة لا عبرة بها في عقود المعاوضات عند محمد ولهذا قال لا يمنع بنصف الصداق في الطلاق وعند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى الزيادة المتصلة تمنع الفسخ كما تمنع بنصف الصداق عندهما وإذا تعذر الفسخ امتنع التحالف لأنه لا يفسخ العقد إلا فيما ورد عليه العقد والزيادة الحادثة بعد القبض لم يرد عليها العقد ولا القبض المستحق بالعقد فلا يمكن فسخ العقد فيها فيمتنع الفسخ في الأصل لأجلها كالموهوبة إذا زادت في بدنها خير لا يملك الواهب الرجوع فيها بعد ذلك لهذا المعنى أنه تعذر فسخ العقد عليه بهلاكه العبد في الزيادة فيتعذر في الأصل لأن الزيادة لا تنفصل عن الأصل وعند محمد تعذر الفسخ في جميع المعقود عليه بهلاكه لا يمنع التحالف ففي البعض أولى وقد ذكر في المأذون أنهما لو تبايعا عند الجارية وقبض الجارية وازدادت في بدنها ثم هلك العبد قبل

 

ج / 13 ص -30-       القبض أو وجد به المشتري عيبا فرده فإنه يسترد الجارية بزيادتها فهو دليل محمد في أن الزيادة المتصلة لا تمنع الفسخ عن العين وقيل هو قول محمد خاصة وبعد التسليم الفرق بينهما أن هناك سبب الفسخ قد تقرر وهو هلاك العين قبل القبض أو رده بالعيب وبتقرر السبب يثبت الحكم ضرورة في محله وهو أصل الجارية ومن ضرورة ثبوت حكم الفسخ فيها ثبوته في الزيادة لأن الزيادة المتصلة بيع محض وثبوت الحكم في البيع بثبوته في الأصل وهنا سبب الفسخ التحالف ولم يتقرر لما بينا أن هذا ليس في معنى المنصوص من كل وجه فيمتنع التحالف بطريق القياس فيه ومن ضرورته أن يجعل القول قول المشتري مع يمينه.
قال: وإن كانت الزيادة المتصلة غير متولدة في الأصل كالضبع في الثوب والسمن في السويق فكذلك الجواب في حكم التحالف إنه على الاختلاف إلا أن عند محمد يفسخ العقد على القيمة هنا أو المثل لأن هذه الزيادة ليست من عين المعقود عليه فلا يثبت فيها حكم العقد.
قال: وإن كانت الزيادة منفصلة فإن كانت متولدة من العين كالجارية إذا ولدت أو جنى عليها فأخذ المشتري أرشها فحكم التحالف على الاختلاف الذي قلنا إلا أن عند محمد يفسخ العقد على القيمة لأن الزيادة المنفصلة المتولدة من العين تمنع الفسخ بالرد في العيب عنده فكذلك بالتحالف فتكون الجارية كالهالكة وعند الشافعي رضي الله عنه الزيادة المنفصلة لا تمنع الرد بالعيب فلا تمنع فسخ العقد على العين بالتحالف ولكنها ترد ويسلم الولد للمشتري وإن كانت الزيادة المنفصلة غير متولدة كالكسب والعلة فإنها لا تمنع التحالف وفسخ العقد على العين بالاتفاق كما لا يمنع الفسخ بالإقالة والرد بالعيب وإن انتقصت السلعة عند المشتري بعيب دخلها فالقول قول المشتري أيضا لا أن يرضي البائع أن يأخذها ناقصة في قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى لأن حدوث العيب في يد المشتري يمنع الرد بالعيب والإقالة إلا أن يرضى به البائع فكذلك البيع انفسخ بالتحالف وعند محمد يتحالفان ثم يفسخ العقد على الغير إن رضي به البائع وإن أبى فعلى المشتري رد القيمة كما لو كانت هالكة.
قال: وإن اختلفا في الثمن وقد خرجت السلعة من ملك المشتري فهو على الخلاف الذي بينا فيما إذا هلكت السلعة وكذلك إن كانت قد رجعت إليه لوجه غير الذي خرجت به من يده لأن هذا ملك حادث فاختلاف أسباب الملك كاختلاف الأعيان فكما لا يجري التحالف باعتبار رجوع عين آخر إليه فكذلك باعتبار رجوع هذه العين بسبب مستقل.
قال: وإن كان البائع باعها من رجلين فباع أحدهما نصيبه من شريكه ثم اختلفا في الثمن فالقول قول المشتري الذي باع نصيبه لزوال ملكه المستفاد من جهة البائع ويجعل في حقه كأنهما باعا ويتحالفان على حصة الآخر لقيام ملكه في النصف الذي استفاده من جهة البائع وقيل هذا قول أبي يوسف فأما عند أبي حنيفة لا يجري التحالف إلا أن يرضى البائع لأن

 

ج / 13 ص -31-       أصله إن تعذر الرد في نصيب أحدهما يمنع الفسخ في نصيب الآخر بسبب العيب أو الخيار على ما نبينه في بابه إن شاء الله تعالى فيكون القول قولهما في الكل إلا أن يرضى البائع به فحينئذ يتحالفان على حصة الآخر وعند محمد التحالف يجري في الكل ثم في حصة الذي باع يفسخ العقد على القيمة وفي حصة الذي لم يبع يفسخ العقد على العين.
قال: وإذا اختلفا البائع والمشتري في الأجل فالقول قول البائع ولا يتحالفان عندنا و قال زفر والشافعي رحمهما الله تعالى: يتحالفان لأن هذا في معنى الاختلاف في مقدار مالية الثمن فإن المؤجل أنقص من الحال في المالية ولكنا نقول اختلفا في مدة ملحقة بالعقد شرطا فيكون القول قول من ينكرها ولا يجري التحالف كما لو اختلفا في خيار الشرط وهذا لأن حكم التحالف عرف بالنص وإنما ورد النص عند الاختلاف فيما يتم به العقد والأجل وراء ما يتم به العقد فلم يكن في معنى المنصوص فأخذنا فيه بالقياس وجعلنا القول قول البائع سواء أنكر زيادة الأجل أو أنكر أصل الأجل وفرق بين هذا وبين الأجل في باب السلم فإن هناك القول قول من يدعي الأجل عند أبي حنيفة وهنا القول قول من ينكر الأجل من قبل أن هناك الأجل من شرائط صحة العقد فإقراره بالعقد إقرار به وبما هو من شرائط العقد فإذا أنكر الأجل بعد ذلك فقد رجع عن الإقرار بعد ما أقر به فلا يصدق فأما هنا الأجل ليس من شرائط العقد ولا من مقتضياته لأن العقد يقتضي أيضا الثمن والمعقود عليه في المجلس فالمشتري يدعي عليه التأخير وهو منكر فكان القول قول المنكر.
قال: وإن اتفقا على الأجل واختلفا في نصيبه فالقول قول المشتري لأن الأجل حقه وهو منكر استيفاء حقه.
قال: وإن قال البائع بعتك هذه الجارية بمائة دينار وقال المشتري بعتنيها مع هذا الوصيف بخمسين دينارا وأقاما البينة فهما جميعا للمشتري بمائة دينار وتقبل البينتان جميعا ويقضي بالعقدين لأن كل واحد منهما يثبت زيادة في حقه فبينة كل واحد منهما على ما أثبت من الزيادة في حقه مقبولة وقيل هذا قول أبي حنيفة الآخر فأما في قوله الأول وهو قول زفر يقضي بهما للمشتري بمائة وخمسة وعشرين دينارا إذا استوت قيمتهما وقد قررنا هذا في نظير هذه المسألة في شرح الإجارات.
قال: ولو قال البائع بعتك هذه الجارية لعبدك هذا وقال المشتري اشتريتها منك بمائة دينار وأقاما البينة لزمه البيع بالعبد وتقبل بينة البائع دون المشتري لأن حق المشتري في الجارية ثابت باتفاقهما وإنما الاختلاف في حق البائع فبينته على حقه أولى بالقبول ولأنه يثبت ببينته الحق لنفسه في العبد والمشتري ينفي ذلك والبينات للإثبات لا للنفي.
قال: وإذا اشترى عبدا بثوبين وتقابضا ثم استحق العبد أو وجد به عيبا فرده وقد هلك أحد الثوبين فإنه يأخذ الباقي وقيمة الهالك لأن العقد انفسخ باستحقاق العبد أو رده بالعيب فعلى قابض الثوبين ردهما لأنه قبضهما بحكم العقد وهو في القائم فيهما القادر على رد

 

ج / 13 ص -32-       العين وفي الهالك عاجز عن رد العين فيلزمه رد قيمته وكذلك لو هلكا فعليه رد قيمتهما لأنه تعذر رد العين مع تقرر السبب الموجب للرد فتجب القيمة كالمغصوب والقول في القيمة قول الذي كانا في يديه لأن القيمة دين في ذمته فالقول في بيان مقداره قوله.
قال: ولو كان الثمن جارية فولدت من غير السيد ثم استحق العبد كان لصاحب الجارية أن يأخذها وولدها لأن باستحقاق العبد يبطل العقد من الأصل فتكون الجارية في يد القابض بمنزلة المقبوضة بحكم عقد فاسد فيجب ردها بزوائدها وإن كان قد دخلها عيب ينقصها أخذ معها النقصان أيضا كما في المشتراة شراء فاسدا وهذا لأنها مضمونة بالقبض والأوصاف تضمن بالتناول.
قال: ولو كان الذي الجارية في يده أعتقها نفذ عتقه فيها لأنها مملوكة له فإن بدل المستحق مملوك عند القبض بمنزلة المشتراة شراء فاسدا وعليه رد قيمتها مع الولد إن كانت ولدته قبل العتق لتعذر رد عينها بنفوذ العتق فيها
قال: ولو وجد العبد حرا كان عتق البائع في الجارية باطلا لأن بدل الحر لا يملك بالعقد فإن الحر ليس بمال والبيع مبادلة مال بمال فعند انعدام المالية في أحد البدلين لا ينعقد البيع أصلا وبدون انعقاد البيع لا يثبت الملك بالقبض كما في المشتراة بميتة أو دم.
قال: ولو اشترى العبد بثوبين وقبض العبد ثم هلك الثوبان قبل أن يقبضهما فعليه رد العبد لفساد العقد بفوات القبض المستحق بالعقد فإن أعتقه أو باعه قبل هلاك الثوبين أو بعده قبل أن يقضي القاضي بينهما بشيء فهو جائز لأنه أعتق ملكه أما قبل هلاك الثوبين فلا إشكال وبعد هلاكهما وإن فسد العقد فقد بقي الملك ببقاء القبض لأن فساد العقد لا يمنع ثبوت الملك بالقبض ابتداء فلا يمنع بقاؤه بطريق الأولى ثم عليه قيمته لتعذر رد العين بعد ما فسد السبب فيه ولو تقابضا ثم استحق أحد الثوبين فقال الذي كان عنده الثوبان استحق أعلاهما ثمنا وقال الذي باعهما بل أستحق أرخصهما ثمنا فالقول قول المشتري في الثوبين مع يمينه لأنهما تصادقا على أنه لم يسلم لبائع الثوبين جميع العبد حين استحق أحد الثوبين وإنما الاختلاف بينهما في مقدار ما يثبت لبائع الثوبين من العبد وهو يدعي زيادة في ذلك فعليه أن يثبتها بالبينة وإن لم يكن لهما بينة فالقول قول المنكر مع يمينه.
قال: وإن قال البائع بعت منك هذا العبد الذي في يدي بألف درهم وقال المشتري بل هذه الجارية بخمسين دينارا فهنا كل واحد منهما مدعي ومنكر حقيقة لأنه يدعي كل واحد منهما العقد في عين آخر فيحلف كل واحد منهما على دعوى صاحبه وإن أقاما البينة قضى بالبيع فيهما جميعا بألف وخمسين دينارا وقد بينا هذا في باب السلم وإن قال المشتري ابتعت منك هذا العبد الذي في يدي بألف درهم ونفذت الثمن وقال البائع ما بعتك هذا العبد إنما بعتك جارية بهذه الألف وقبضت الثمن ودفعتها إليك فكل واحد منهما يحلف على دعوى صاحبه فإن حلف البائع رد عليه العبد لأن العقد قد انتفى بيمينه فيه وقد أقر ذو اليد

 

ج / 13 ص -33-       أنه كان مملوكا له في الأصل وإذا حلف الذي كان في يديه العبد ما اشترى الجارية فعلى بائعها رد الألف عليه وإن قامت لهما بينة قضى بالبينتين وعلى المشتري أداء ألف أخرى.
قال: رجل اشترى عدل زطي وأقر أنه زطي ولم يره وقبضه ثم جاء بعد ذلك يرده فقال وجدته كرابيس لم يصدق والثمن له لازم لأنه مناقض في دعواه والمناقض لا قول له ولأن بسبب خيار الرؤية إنما يتمكن من الفسخ إذا أحضر المعقود عليه والذي أحضره كرابيس والمعقود عليه زطي يزعمه فلا يتمكن من فسخ العقد على غير المعقود عليه بخيار الرؤية وإن قال لا أدري أزطي هو أم لا ولكني أخذته على قولك فانظر ثم جاء يرده فقال وجدته كرابيس كان مصدقا في ذلك مع يمينه لأن المشتري ينفرد بفسخ العقد بخيار الرؤية وخيار الشرط وإذا انفسخ العقد بخيار الرؤية وخيار الشرط بقي المقبوض في يده ملك البائع فالقول قوله في تعيينه ضامنا كان أو أمينا وهذا لأنه غير مناقض في كلامه هنا بل منكر لقبض الزطي فالقول قوله مع يمينه وفي الأول هو مناقض في كلامه لأنه أقر بقبض المعقود عليه وهو الزطي فلا يقبل منه قوله بخلاف قوله ذلك.
قال: ولو اشترى ثوبا فقال البائع هو هروي وقال المشتري لا أدري وقد رآه ولكني أخذته على ما يقول ثم جاء يرده وقال وجدته يهوديا لم يصدق لأنه كان قد رأى المعقود عليه فليس له فيه خيار الرؤية بعد ذلك بقي دعواه حق الرد لنفسه على البائع في هذه العين والبائع منكر لذلك فلا يقبل قوله كما ادعى المشتري العيب بالمعقود عليه إلا بحجة قال: وإذا نظر إلى العدل مطويا ولم ينشره ثم اشتراه فليس له أن يرده إلا بعيب لأنه قد رأى طرفا من كل ثوب ورؤية جزء من المعقود عليه كرؤية الكل في إسقاط خيار الرؤية إلا أن يكون في طي الثوب ما هو مقصود كالطراز والعلم فحينئذ لا يسقط خياره ما لم ير ذلك الموضع لأن مالية المعقود عليه تختلف باختلاف المقصود والمقصود بالرؤية العلم بمقدار المالية.
قال وإذا اشترى خادمة على أنها خراسانية فوجدها سندية كان له أن يردها فهذا بمنزلة هذا العيب فيها لأن العبيد جنس واحد لاتحاد الأصل وتقارب المقصود إلا أن الخراسانيات أكثر مالية من السنديات فإنما فات زيادة صفة مشروطة وذلك بمنزلة العيب في إثبات حق الرد كما لو اشترى عبدا على أنه كاتب أو خباز فوجده لا يحسن ذلك العمل والله أعلم بالصواب.

باب الخيار في البيع
قال: رحمه الله تعالى بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من اشترى شاة محفلة فهو يؤخر النظرين ثلاثة أيام" وفي رواية "يخير النظرين" ففيه دليل جواز اشتراط الخيار في البيع والمراد خيار الشرط ولهذا قدره بثلاثة أيام وذكر التحفيل لبيان السبب الداعي إلى شرط الخيار والمحفلة التي اجتمع اللبن في ضرعها والمحفل هو المجمع واجتماع اللبنين في ضرعها قد يكون لغزارة اللبن وقد يكون بتحصيل البائع بأن يسد ضرعها حتى يجتمع اللبن في ضرعها

 

ج / 13 ص -34-       فلا يتبين أحدهما عن الآخر للمشتري إلا بالنظر مدة وذلك ثلاثة أيام لأنه إذا حلبها في اليوم الأول لا يتبين له شيء وكذلك في اليوم الثاني فلعل النقصان تعارض فإذا حلبها في اليوم الثالث وكان مثل اليوم الثاني علم أن لبنها هذا القدر وأن الزيادة في اليوم الأول كان للتحفيل فيحتاج إلى أن يشترط الخيار لنفسه ثلاثة أيام حتى يدفع الغرور به عن نفسه فجوز له الشرع ذلك وجعله يؤخر النظرين ثلاثة أيام وأما إذا اشتراها بغير شرط خيار فليس له أن يردها بسبب التحفيل عندنا وقال الشافعي رحمه الله تعالى له أن يردها ويرد معها صاعا من تمر لأجل اللبن وكذلك لو اشترى ناقة فوجدها مصراة وهي التي سد البائع ضرعها حتى اجتمع اللبن فيه فصار ضرعها كالصراة وهي الحوض فليس له أن يردها والتصرية ليست بعيب عندنا.
و قال الشافعي رحمه الله له أن يردها بسبب التصرية والتحفيل وكذلك لو سود أنامل العبد حتى ظنه المشتري كاتبا أو ألبسه ثياب الخبازين حتى ظنه خبازا وعن أبي يوسف في الشاة المحفلة أخذ بالحديث وأقول يردها وفيما سوى ذلك أخذنا بالقياس واستدل الشافعي بالحديث وهو حديث صحيح مشهور وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"من اشترى شاة محفلة فهو يؤخر النظرين إلى ثلاثة أيام إن رضيها أمسكها وإن سخطها ردها ورد معها صاعا من تمر" وبعد ما صح الحديث فكل قياس متروك بمقابلته مع أن الحديث موافق للأصول لأنه أثبت الخيار لغرور كان من البائع والتدليس والغرور يثبت للمشتري حق الرجوع كما لو اشترى صبرة حنطة فوجد في وسطها دكانا أو اشترى قفة من الثمار فوجد في أسفلها حشيشا ثم ذكر الأيام الثلاثة ليس للتوقيت في خيار العيب بل لبيان المدة التي يظهر فيها العيب وأما رد التمر لمكان اللبن فلأن ما كان موجودا عند العقد من اللبن قد أتلفه المشتري أو فسد في يده ولا يعلم مقداره ليرد مثله فأمره برد التمر مكانه للتحرز عن الربا فالقوت فيهم كان هو التمر واللبن فلهذا أقام أحدهما مقام الآخر وأكثر ما فيه أن هذا مخالف للقياس فيجعل كالمسكوت عنه فيبقى أول الحديث معمولا به.
واختلف أصحاب الشافعي فيما إذا سقى الدابة وعلفها حتى ظنها المشتري حاملا فمنهم من يقول له حق الرد إذا تبين أنها ليست بحامل للتدليس والغرور ومنهم من يقول ليس له حق الرد هنا لأن اكتساب سبب هذا الغرور يجعل كالشرط فيما يجوز اشتراطه وشرط الحبل في بيع الدابة لا يجوز فلا يجعل ذلك كالمشروط وأما شرط كون الناقة لبونا والعبد كاتبا أو خبازا يجوز فيجعل البائع إنما اكتسب من السبب كالشارط ذلك للمشتري وحجتنا في ذلك أن مطلق البيع يقتضي سلامة المبيع وبقلة اللبن لا تنعدم صفة السلامة لأن اللبن ثمرة وبعدمها لا تنعدم صفة السلامة فبقلتها أولى وإذا ثبت صفة السلامة انتفى العيب ضرورة ولا يجوز أن يثبت الخيار للغرور لأن المشتري مغتر لا مغرور فإن ظنها عزيزة اللبن بالبناء على شيء مثبتة فإن انتفاخ الضرع قد يكون بكثرة اللبن في الضرع وقد يكون بالتحفيل وعلى ما ظهر من عادات الناس احتمال التحفيل فيه أظهر فيكون هو مغترا في تباطنه على المحتمل والمحتمل

 

ج / 13 ص -35-       لا يكون حجة وقد كان متمكنا من أن يسأل البائع ليبني على النص الذي سمع منه فحين لم يفعل كان مغترا ولئن كان مغرورا فلا يمكن أن يجعل هذا الشرط غزارة اللبن عندنا لأن اشتراط ذلك مفسد للبيع كشرط الحمل فأكثر ما في الباب أن يجعل ذلك بمنزلة جبر يجبره البائع أنها عزيزة اللبن من غير أن يجعل ذلك مشروطا في العقد والغرور بالخبر لا يثبت حق الرجوع على الغار كمن أخبر إنسانا بأمن الطريق فسلكها فأخذ اللصوص متاعه وإنما يثبت للمغرور حق الرجوع إذا كان مشروطا في عقد الضمان ولم يوجد ذلك بخلاف الصبرة فقد شرط له أن جميع الصبرة حنطة وأن جميع ما في القفة عنب فإذا وجده بخلاف ما شرط كان له حق الرد لذلك فأما الحديث قلنا من مذهبنا أنه إنما يقبل من أحاديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه ما لا يخالف القياس فأما ما خالف القياس الصحيح فالقياس مقدم عليه لأنه ظهر تساهله في باب الرواية وقد رد بن عباس رضي الله تعالى عنهما بعض رواياته بالقياس نحو حديث الوضوء من حمل الجنازة فقال أيلزمنا الوضوء عن حمل عيدان يابسة ونحو الوضوء مما مسته النار حيث قال لو توضأت بما سخن كنت أتوضأ منه
وهذا الحديث مخالف للكتاب والسنة والأصول من وجوه:
أحدهما: أن ضمان المتلفات يتقدر بالمثل بالكتاب والسنة وفيما لا مثل له بالقيمة فإن كان اللبن من ذوات الأمثال فالواجب المثل والقول قول من عليه في بيان المقدار وإن لم يكن من ذوات الأمثال فالواجب هو القيمة فأما إيجاب التمر مكان اللبن مخالف لما ثبت بالكتاب والسنة وفيه تسوية بين قليل اللبن وكثيره فيما يجب مكانه وهذا مخالف للأصول لأن الأصل أنه إذا قل المتلف قل الضمان وإذا كثر المتلف كثر الضمان وهنا الواجب صاع من التمر قل اللبن أو كثر وهو مخالف للأصول من وجه آخر من حيث إن فيه توقيت خيار العيب فوجب رده لذلك ثم يحمله عن تأويل وإن بعد للتحرز عن الرد فنقول يحتمل أنه اشتراها على أنها عزيزة اللبن فكان العقد فاسدا بالشرط فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بردها مع ما حلب من لبنها لأن المشتراة شراء فاسدا ترد بزوائدها وقد كان المشتري أكل اللبن فدعاهما إلى الصلح ورد مكان اللبن صاعا من تمر بطريق الصلح فظن الراوي أنه ألزمه ذلك وقد يقع مثل هذا لمن قل فهمه من الرواة ولهذا لم يرو الحديث أحد من كبار الصحابة المشهورين بالفقه رضوان الله تعالى عليهم.
 قال: وبلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه جعل رجلا من الأنصار بالخيار في كل بيع يشتريه بثلاثة أيام واسم هذا الرجل حبان بن منقد وأبوه منقد بن عمر فالاختلاف في اسمه روي الحديث باللفظ الذي ذكرنا وقد كان يعين في البياعات لمأمومة أصابت رأسه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إذا بايعت فقل لا خلابة ولي الخيار ثلاثة أيام" وكان ألثغ باللام فكان يقول لا خيابة ففي الحديث دليل جواز البيع مع شرط الخيار والقياس يأبى ذلك لأن شرط الخيار تعلق العقد وعقود المعاوضات لا تحتمل التعليق ويبقى مقتضى العقد وهو اللزوم وموجبه

 

ج / 13 ص -36-       وهو الملك ولكنا نقول تركنا هذا القياس للحديث ولحاجة الناس إلى ذلك فالبيع عقد معاينة والمقصود به الاسترباح ولا يمكنه تحصيل ذلك إلا أن يرى النظر فيه ويريه بعض أصدقائه ليحتاج لأجل ذلك إلى شرط الخيار فإذا كان يجوز بعض العقود لحاجة الناس كالإجارة ونحوها فشرط الخيار في العقد أولى ثم أصل العقد لا يتعلق بالشرط لأن الخيار صفة في العقد يقال بيع بات وبيع بخيار وبالصفة لا يتعلق أصل الموصوف وإنما يدخل الخيار في الحكم فيجعله في معنى المعلق بالشرط لأن الشرط لا يخلو السبب عن الحكم إلا أن يتصل الحكم به فقد يجوز أن يتأخر الحكم عنه لمؤخر كما يتأخر وجوب تسليم الثمن بشرط الأجل ثم خيار الشرط يتقدر بثلاثة أيام وما دونها ولا يجوز أكثر من ذلك في قول أبي حنيفة وزفر رحمهما الله تعالى.
وقد قال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى وابن أبي ليلى يجوز إذا كانت المدة معلومة طالت أو قصرت لقوله صلى الله عليه وسلم:
"المسلمون عند شروطهم" فإذا شرط الخيار شهرا وجب الوفاء به لظاهر الحديث وعن عمر رضي الله تعالى عنه عنه أنه أجاز الخيار لرجل في ناقة شهرين والمعنى فيه أن هذا مدة ملحقه بالعقد شرطا فلا تتقدر بالثلث كالأجل وهذا لأن ما زاد على الثلث كالثلث في المعنى الذي لأجله جوزنا شرط الخيار ثم يعتبر هذا الخيار بخيار العيب والرؤية أو بنفس هذا العقد على عقد الكفالة فكما يجوز اشتراط الخيار هناك أكثر من ثلاثة أيام فكذلك يجوز هنا وأبو حنيفة استدل بالحديث فإن النبي صلى الله عليه وسلم قدر الخيار بثلاثة أيام والتقدير الشرعي إما أن يكون لمنع الزيادة والنقصان أو لمنع أحدهما وهذا التقدير ليس لمنع النقصان فاشتراط الخيار دون ثلاثة أيام يجوز فعرفنا أنه لمنع الزيادة إذ لو لم تمنع الزيادة لم يبق لهذا التقدير فائدة وما نص عليه صاحب الشرع من التقدير لا يجوز إخلاؤه عن الفائدة لأنه ما كان بحارق في بيان الأحكام ثم بسبب اشتراط الخيار يتمكن معنى الغرر وبزيادة المدة يزداد الغرر
وقد كان القياس أن لا يجوز اشتراط الخيار في البيع أصلا وهو قياس يسده الأثر لأنه صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر إلا أنا تركنا القياس في مدة الثلاثة لورود الأثر فيه وجواز العقد مع القليل من الغرر لا يدل على الجواز عند كثرة الغرر وبه فارق الطفالة لأنها تحتمل الغرر والخطر ألا ترى أنه يجوز تعليق أصل الطفالة بأن يقول مالك على فلان فهو علي وبه فارق خيار العيب والرؤية لأنه لا يتمكن الغرر بسببه وفي حديث عمر رضي الله تعالى عنه أنه أجاز الخيار وليس فيه بيان خيار الشرط ولعل المراد خيار الرؤية والعيب وأنه أجاز الرؤية بعد الشهرين وكما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"المسلمون عند شروطهم" فقد قال أيضا: "كل شرط ليس في كتاب الله تعالى فهو باطل" ثم جواز شرط الخيار لحاجة وهذه الحاجة ترفع بثلاثة أيام ففيما رآه لحاجة وإن شرط الخيار أربعة أيام فسد البيع في قول أبي حنيفة وزفر رحمهما الله تعالى فإن أسقط من له الخيار خياره قبل مجيء اليوم الرابع صح العقد عند أبي حنيفة ولم يصح عند زفر وهو بناء على ما بينا من الشراء بثمن إلى الحصاد وهذا لأن شرط الخيار غير

 

ج / 13 ص -37-       مفسد للعقد وإنما المفسد وصل الخيار في اليوم الرابع بالأيام الثلاثة وهو يعرض الفصل الخيار في اليوم الرابع بالأيام الثلاثة وهو يعرض الفصل قبل مجيء اليوم الرابع فإذا فصل بالإسقاط صار كأن لم يكن فأما إذا جاء اليوم الرابع قبل إسقاط الخيار فقد تقرر المفسد باتصال جزء من اليوم الرابع بالأيام الثلاثة على وجه لا يقبل الفصل لأن عمل الإسقاط فيما بقي لا فيما مضى فلهذا يتقرر الفساد به.
قال: وإن كان الخيار للمشتري ثلاثة أيام فمات قبل أن يختار فقد انقطع خياره ولزم البيع وكذلك إن كان الخيار للبائع فمات البائع أو كان الخيار لهما جميعا فماتا فقد لزم البيع وأجمعوا أنه إذا مات من عليه الخيار فإن الخيار باق ولا يورث خيار الشرط عندنا وقال الشافعي يورث ويقوم وارث من له الخيار مقامه في التصرف بحكم الخيار لأن هذا حق لازم ثبت في عقد بيع فيخلف الوارث فيه المورث كما في ملك المبيع والثمن وحق الكفالة والرهن بخلاف خيار القبول فإنه غير لازم ولا ثابت في بيع منعقد وبخلاف الأجل فإنه ليس بثابت في البيع ولكنه صفة الدين ثم الإرث فيما ينتفع به الوارث أو المورث ولا منفعة لواحد منهما في إبقاء الأجل فإن ذمة الميت مرتهنة بالدين ما لم يقض عنه فلا نبسط يد الوارث في التركة لقيام الدين على المورث فأما في توريث الخيار فيه منفعة للوارث وللمورث جميعا فإن الضرر والعين يدفع به وربما يقولون هذا خيار ثابت في عين مبيعة فيخلف الوارث المورث فيه كخيار العيب ولأن البدل الذي من جانب من له الخيار يبقى على ملكه ما بقي خياره والوارث يخالف المورث فيما كان مملوكا له فإذا كان الملك باقيا للبائع في المبيع إلى وقت موته انتقل إلى وارثه ولا يبطل العقد بهذا الانتقال فمن ضرورة انتقال الملك إلى الوارث مع بقاء العقد انتقال الخيار إليه ليقوم الوارث مقام المورث في التصرف بحكمه وحجتنا ما قال في الكتاب إن البيع منعقد مع الخيار وقد كان الخيار مشيئته في رده ولا يتحول بالموت مشيئته إلى غيره لأن إرادته ومشيئته صفة فلا يحتمل الانتقال منه إلى غيره وإنما يورث ما يحتمل الانتقال إلى الوارث فأما ما لا يحتمل الانتقال إلى الوارث لا يورث كملكه في منكوحته وأم ولده وكذلك العقد لا ينتقل إلى الوارث لأنه إنما يورث ما كان قائما والعقد قول قد مضى ولا يتصور انتقاله إلى الوارث وإنما يملك الوارث الإقالة لقيامه مقام المورث في الملك لا في العقد فإن الملك يثبت ولاية الإقالة.
ألا ترى أن إقالة الموكل مع البائع صحيحة والعاقد هو الوكيل دون الموكل وإنما يخلفه في الملك الباقي بعد موته ولما انقطع خياره بالموت صارت العين مملوكة للمشتري ووارث البائع لا يخلفه في ملك العين وهذا لأن البيع سبب موجب للملك والخيار مانع فإذا سقط صار كأن لم يكن ولهذا ملك المشتري المعقود عليه بزوائده المتصلة والمنفصلة فأما خيار العيب لا يقول بأنه يورث ولكن سبب الخيار يتقرر في حق الوارث وهو استحقاق المطالبة بتسليم الجزء الفائت لأن ذلك جزء من المال مستحق للمشتري بالعقد فإذا طالب البائع

 

ج / 13 ص -38-       بتسليمه وعجز عن التسليم فسخ العقد لأجله وقد وجد هذا المعنى في حق الوارث لأنه يخلف المشتري في ملك ذلك الجزء.
ألا ترى أن الخيار قد يثبت ابتداء للوارث وإن لم يكن ثابتا للمورث بأن يتغيب المبيع في يد البائع بعد موت المشتري قبل أن يقبضه الوارث بخلاف خيار الشرط فإن السبب وهو الشرط لا يوجد في حق الوارث ولا يمكن التوريث له فيه ولأن المشروط له الخيار مسلط على الفسخ من جهة صاحبه لأن الخيار يشترط للفسخ لا للإجازة وهو مالك للفسخ في حق نفسه بدون شرط الخيار فإنما يشترط الخيار ليفسخ العقد في حق صاحبه والمسلط على التصرف في حق الغير لا يقوم وارثه مقامه بعد موته كالوكيل بالبيع إذا مات بخلاف خيار العيب فالمقصود هناك ليس هو الفسخ ولكن المطالبة بتسليم ما هو المستحق بالعقد حتى إذا تعذر الرد بالعيب رجع بحصة البيع من الثمن والوارث يخلف المورث فيما هو مال ولأن هذه مدة ملحقة بالعقد شرطا فلا تبقى بعد موت من هي له كالأجل فإنه حق لمن عليه الدين قبل من له الدين فيبطل لموته ولا معنى لقوله بأن الأجل صفة الدين لأن الدين حق المطالب والأجل حق المطلوب فكيف يكون صفة للدين وفي إبقاء الأجل فائدة فربما لا يكون في تركته ما بيديه ثم يصير عند حلول الأجل فيها وفاء بالدين يتم بغير السعر أو يتصرف الوارث في التركة لأنه إنما لا يبسط في التركة يده إذا حل الأجل فأما إذا بقي الأجل قام الوارث مقام المورث في التصرف في التركة ومع هذا لم يبق الأجل فكذلك الخيار وكذلك إذا سكت من له الخيار حتى مضت الثلاثة أو ذهب عقله أو أغمي عليه أو ارتد فقتل أو مات لأنه عجز عن التصرف بحكم الخيار وقد تقرر ذلك بمضي المدة فلزم البيع وهذا لأن الخيار المؤقت لا يبقى بعد مضي الوقت والبيع في الأصل لازم وإنما الخيار كان مانعا من اللزوم فبأي وجه سقط صار كأن لم يكن.
قال وإن كان الخيار للمشتري فهلكت السلعة في يده لزمه الثمن وانقطع الخيار لأنه عجز عن التصرف بحكم الخيار حين أشرفت السلعة على الهلاك فإنها قد تعينت بذلك وليس له أن يردها بحكم الخيار إلا كما قبضها فإذا عجز عن ذلك سقط خياره وتم البيع وتقرر عليه الثمن لكونه قابضا للمبيع وكذلك إن أصاب السلعة عيب عنده بفعله أو بفعل أجنبي أو بآفة سماوية أو بفعل المبيع بنفسه لأنه عجز عن رده كما قبض بأي وجه تعيب عنده يسقط خياره وكذلك إن كانت جارية فوطئها لأن الوطء لا يحل إلا في ملك مستقر فإقدامه على وطئها من أدل الدلائل على الرضا باستقرار ملكه فيها وذلك لا يكون إلا بعد سقوط الخيار وكذلك إن عرضها البيع لأنه إنما يعرضها على البيع ليبيعها والبيع تصرف منه بحكم الملك ولا يكون ذلك إلا بعد إسقاط الخيار ورضاه يقرر ملكه فيها وكذلك لو قال قد رضيتها لأنه بالرضى يسقط حقه في الرد ولا يلزم البائع شيء فالمبيع لازم في جانب البائع وهو راض بتمامه ولو لم يكن شيء من ذلك ولكنه اختار ردها على البائع بغير محضر منه فليس ذلك بشيء وله أن

 

ج / 13 ص -39-       يرضى بعد ذلك ما لم يعلم البائع بفسخه في الأيام الثلاثة فإن علم بعد ذلك تم الفسخ وليس للمشتري أن يرضى به بعد ذلك وإن لم يعلم بفسخه حتى مضت الأيام الثلاثة بطل ذلك الفسخ وتم البيع في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى وهو قول أبي يوسف الأول ثم رجع فقال رده جائز بغير محضر من البائع وبغير علمه لأن تصرفه يلاقي خالص حقه فيكون نافذا كالزوج إذا طلق امرأته ثم راجعها بغير علمها والمعتقة إذا اختارت نفسها بغير علم الزوج كان اختيارها صحيحا وبيان الوصف أن الخيار خالص حق من له الخيار ولهذا لا يشترط رضا الآخر في تصرف من له الخيار بحكم الخيار فكذلك لا يشترط حضوره واعتبر الفسخ بالإجازة وتقرير كلامه من وجهين:
أحدهما: أن المشروط له الخيار مسلط على الفسخ من جهة صاحبه والمسلط على التصرف ينفذ تصرفه بغير محضر من المسلط كما ينفذ تصرف الوكيل بغير محضر من الموكل.
والثاني: أن الخيار شرط ليدفع به الضرر عن نفسه فلو لم يكن متمكنا من الفسخ بغير محضر من صاحبه يفوت مقصوده لأن الآخر يخفي شخصه حتى تمضي مدة الخيار فيلزمه العقد شاء أو أبى ولهذا سقط اعتبار رضاه فكذلك يسقط اعتبار حضوره.
وهذا بخلاف خيار العيب فإنه غير موقت فلو شرطنا حضور البائع فيه للفسخ لا يتضرر به المشتري من حيث سقوط خياره بمضي المدة ثم هناك المشتري غير مسلط على الفسخ وإنما له حق المطالبة بتسليم الجزء الفائت فإذا تحقق عجز البائع عنه تمكن من الفسخ فلا يتحقق عجزه إلا بمحضر منه وأبو حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى قالا إنه بالفسخ يلزم غيره حقا فلا يبطل تصرفه في حق ذلك الغير ما لم يعلم به كالموكل إذا عزل الوكيل حال غيبة لا يثبت حكم العزل في حقه ما لم يعلم به وبيان الوصف أن العقد منعقد مع الخيار وبالفسخ ارتفع الانعقاد في حق الآخر وحكم الفسخ ضد حكم العقد فعرفنا أن بتصرفه يلزمه غيره حقا وتأثيره أنه لا يتمكن صاحبه من العمل بموجب الفسخ إذا لم يعلم به ولا يثبت حكم الخطاب في حق المخاطب ما لم يعلم به كما في خطاب الشرع يقرره أن البائع لا يطلب لسلعته مشتريا آخر بناء على أن البيع قد تم بمضي المدة فإذا جاء المشتري بعد ذلك فأخبره أنه كان فسخ العقد فلو ثبت حكم الفسخ في حقه لتضرر البائع به وهذا ضرر يلحقه بتصرف المشتري وإذا لم يثبت حكم الفسخ قبل علمه في حقه فالمشتري وإن تضرر ولكن هذا ضرر يلحقه لا من جهة البائع بل لعجز المشتري عن اتحاد شرط صحة الفسخ وهو بمنزلة خيار الرد بالعيب قبل القبض وهذا بخلاف الإجارة فإنه لا يلزم البائع بإجارته شيء وهو نظير الرضى بالعيب من المشتري فإنه يصح بغير علم البائع لأنه لا يلزمه شيء ولأن العقد بشرط الخيار يصير غير لازم في حق من له الخيار فيلتحق بالعقود التي هي غير لازمة كالوكالات والشركات والمضاربات وهو لا يملك فسخ هذه العقود بغير علم من صاحبه وإن كان يملك فسخها بغير رضا صاحبه وتقرير هذا الكلام من وجهين:

 

ج / 13 ص -40-       أحدهما: أن تصرف المشروط له الخيار لا ينعقد في حق صاحبه بتسليطه إياه على ذلك وكيف يقال هو مسلط على الفسخ من جهة صاحبه وصاحبه لا يملك الفسخ ولكن إنما يتمكن من الفسخ لأن العقد غير لازم في حقه وبانعدام صفة اللزوم يتمكن من الفسخ بغير رضا صاحبه ولكن إنما يتمكن من الفسخ بغير علمه كما في الوكالات والشركات والمضاربات وهذا بخلاف الوكيل حيث يتصرف بغير علم الموكل لأن الوكيل مسلط على التصرف من جهة الموكل بتسليطه إياه على التصرف فوق علمه به يوضحه أن اشتراط الخيار في العقود التي هي غير لازمة كالوكالة والشركة والمضاربة لا يجوز ولو كان اشتراط الخيار ليتمكن به من الفسخ بغير علم صاحبه يصح في هذه العقود لكونه محتاجا إليه فحيث لم يصح عرفنا أن موجب الخيار دفع صفة اللزوم فيسقط وليس هذا كالطلاق فإن الزوج بايقاع الطلاق لا يلزمها شيء إنما يرفع الحل الثابت له وكذلك في الرجعة لا يلزمها شيء لأن النكاح باق بعد الطلاق الرجعي على حاله وقيل في خيار المعتقة إن فسخها لا ينفذ إلا بمحضر من الزوج فلا يسلم على هذا وبعد التسليم هناك ثبوت الخيار لدفع زيادة الملك لأن ملك الزوج يزداد بحرمتها ودفعها زيادة الملك يكون امتناعا من الالتزام لا إلزام الغير شيئا ولا يتمكن من الامتناع من هذا الالتزام إلا برفع أصل النكاح فثبت لها ولاية رفع النكاح لضرورة حاجتها إلى دفع الزيادة عن نفسها ويوضحه أنها مسلطة بتخير الشرع إياها بقوله صلى الله عليه وسلم: "ملكت بضعك فاختاري" فيجعل كأن الزوج خيرها فلهذا صح اختيارها بغير محضر منه وهنا من له الخيار غير مسلط على الفسخ من جهة صاحبه كما قررنا
قال: وإن اختارت ردها عليه فعليه أو الإجارة بقلبه كان باطلا أيهما كان صاحب الخيار لأن ما يكون بالقلب فهو نية والنية بدون العمل لا تثبت الفسخ ولا الإجارة كما لا ينعقد أصل العقد منها والأصل فيه قوله صلى الله عليه وسلم:
"إن الله تعالى تجاوز لأمتي عن ما حدثت به أنفسهم ما لم يعملوا أو يتكلموا"
قال: ولو كان الخيار للبائع فما ثبت في يد المشتري فعليه قيمتها وقال ابن أبي ليلى هو أمين فيها لأنه قبضها بإذن صاحبها ووجوب ضمان القيمة باعتبار تفويت شيء على صاحبها وذلك غير موجود وإن كان القبض برضاه ولكنا نقول البائع ما رضي بقبضه إلا بجهة العقد والمقبوض بجهة العقد يكون مضمونا بالقيمة كالمقبوض على سوم البيع وهذا لأن الضمان الأصلي الثابت بالعقد هو القيمة وإنما يتحول منه إلى الثمن عند تمام الرضا ولم يوجد ذلك حين شرط البائع الخيار لنفسه فيبقى الضمان الأصلي وهذا بخلاف ما إذا كان الخيار للمشتري لأن هناك لما أشرف على الهلاك سقط خياره بعجزه عن الرد كما قبضه فيتم البيع وهو قائم فلزمه الثمن المسمى وهنا وإن أشرف على الهلاك فخيار البائع لم يسقط لأنه لم يعجز عن التصرف بحكم الخيار فلو لزم البيع فيه إنما يلزم بعد موته وذلك لا يجوز فكان مضمونا بالقيمة كذلك.

 

ج / 13 ص -41-       قال ولو كانت جارية فأعتقها البائع أو دبرها أو وطأها أو قبلها من شهوة أو كاتبها أو رهنها وسلمها أو وهبها وسلمها أو أجرها وسلم أو لم يسلم فهذا كله نقض للبيع.
فأما العتق والتدبير والكتابة فلأنه خرج المحل بتصرفه عن أن يكون محلا لابتداء البيع ولإثبات حكم البيع فيه ومن ضرورته انفساخ العقد وأما الوطء والتقبيل فدليل الرضا بتقرر ملكه ولا يكون ذلك إلا بعد انفساخ البيع لأن هذا تصرف لا يحل إلا في الملك فلو لم ينفسخ البيع به لكان إذا جاز البيع بعد هذا ملك المشتري المبيع من وقت العقد بزوائده فتبين أن وطأه في غير الملك وذلك لا يحل فأما بالهبة والتسليم فلأنه أزال ملكه عن العين وبالرهن والتسليم أوجب للغير فيه حقا وبالإجارة يوجب للغير فيه حقا وذلك يمنعه من إلزام البيع ولهذا شرط التسليم في الرهن لأن حق المرتهن لا يثبت بدون القبض ولم يشترط ذلك في الإجارة لأنه يلزم بنفسه ثم ففسخ العقد بهذه الأسباب صحيح بغير محضر من المشتري لأن ثبوت الفسخ بطريق الحكم لا بقصد التصرف إلى ذلك فلا يتوقف على العلم كالموكل إذا أعتق العبد الذي وكل ببيعه ينعزل الوكيل وإن لم يعلمه بخلاف ما إذا عزله قصدا ولو اختار البائع رد المبيع بغير محضر من المشتري فلا يتوقف على العلم كالموكل فهو على الخلاف الذي بينا وإن اختار لزوم البيع والمشتري غائب فهو جائز لأنه لا يلزم المشتري بتصرفه ما لم يلتزم فالبيع لازم في جانب المشتري وإنما يسقط البائع حق نفسه في الفسخ بالإجارة وذلك صحيح منه بعد غيبة المشتري فليس له بعد ذلك أن ينقضه كما لو لم يكن في البيع خيار لواحد منهما.
قال: وإذا اشترط أحد المتبايعين الخيار لإنسان من أهله أو من غيرهم فهو جائز عندنا بمنزلة اشتراطه لنفسه وقال زفر لا يجوز البيع بهذا لشرط لأن خلاف ما يقتضيه العقد فإن خيار الشرط من حقوق العقد وحقوق العقد تثبت للعاقد فاشتراطه لغير العاقد خلاف مقتضى العقد فيكون مفسدا للعقد ولأن هذا يتعلق بانفساخ العقد وإبرامه بفعل الغير والبيع لا يحتمل ذلك واعتبر خيار الشرط بخيار العيب والرؤية فإن ذلك لا يثبت لغير العاقد فكذلك هذا وحجتنا في ذلك أن هذا في معنى اشتراط الخيار لنفسه منه لأنه يجعل الغير نائبا عنه في التصرف بحكم الخيار ولا يكون ذلك إلا بعد ثبوت الخيار له ولهذا أثبتنا الخيار للشارط بهذا اللفظ ولو شرط الخيار لنفسه ثم وكل الغير بالتصرف بحكمه استقام ذلك وهذا لأن جواز اشتراط الخيار للحاجة إلى دفع العين وقد يشتري الإنسان شيئا وهو غير مهتد فيه فيحتاج إلى شرط الخيار لمن يكون مهتديا فيه من صديق أو قريب حتى ينظر إليه فللحاجة إلى ذلك جعلناه كاشتراط الخيار لنفسه.
قال: وإذا هلكت السلعة في يد البائع وله الخيار أو للمشتري فلا ضمان على المشتري فقد بطل البيع لفوات القبض المستحق بالعقد كما لو كان البيع باتا وإن كان في البيع خيار للبائع أو للمشتري فجاء به المشتري ليرده فقال البائع ليس هو الذي بعتك فالقول قول

 

ج / 13 ص -42-       المشتري فيه لأنه ينفرد بالفسخ بخياره فيبقى ملك البائع في يده والقول في تعينه قوله أمينا كان أو ضامنا لأن المشتري قابض والأصل أن القول قول القابض في المقبوض أمينا كان أو ضمينا كما في الغاصب وكذلك إن كان غير مقبوض وأراد البائع أن يلزمه فقال المشتري ليس هذا الذي بعتني فالقول قول المشتري مع يمينه ولا يلزمه البيع إلا أن تقوم عليه بينة أنه هو المبيع فيلزمه إن لم يكن له خيار وإن كان له خيار رده إن شاء لأن البيع إذا كان فيه شرط الخيار للبائع فهو في حكم الملك كالمعلق بالشرط والمعلق بالشرط معدوم قبل الشرط وكان إلزام المبيع إياه بمنزلة ابتداء التمليك من هذا الوجه والبائع يدعي ثبوت حق التمليك له في هذه العين والمشتري منكر دعواه ولو أنكر العقد أصلا كان القول قوله فكذلك هنا يوضحه أن البائع لا يملك بحكم خياره إلزام البيع إلا إذا كان المبيع قائما في يده وقوله في تعيين المبيع ليس بحجة على المشتري في إيجاد الشرط وبدون التعيين لا يملك إيجاب البيع فيه فحال البائع فيه الآن كحال المشتري إذا ادعى الرد بالعيب بعد القبض في أنه لا يقبل قوله في تعيين المبيع وبدون التعيين لا يتمكن من رده بالعيب بعد القبض.
قال: وإن شرط المشتري الخيار لغيره ثم آن زمن الخيار رد المبيع بمحضر من البائع جاز البيع لأنه قائم مقام المشتري في التصرف بحكم الخيار وكذلك لو كان المشتري هو الذي رده لما بينا أن شرط الخيار لغيره اشتراط منه لنفسه وإن قال المشتري قد أجرته وقال الذي له الخيار قد رددته فإن سبق أحدهما فإن تصرف السابق منهما أولى إذا كان ردا كان أو إجازة لأن برد السابق منهما انفسخ العقد والمنفسخ لا تلحقه الإجازة وبإجازة السابق منهما انبرم العقد وبعد انبرامه لا ينفرد أحد المتعاقدين بفسخه ولو وجد الأمران معا فالفسخ أولى لأن الفسخ يرد على الإجازة والإجازة لا ترد على الفسخ فيترجح الفسخ باعتبار أنه عامل لاحقا كان أو سابقا كنكاح الحرة والأمة إذا اجتمعا يقدم نكاح الحرة وكذلك لو كان البائع شرط الخيار لبعض أهله فقال قد أوجبت البيع وقال الذي له الخيار لا أرضى فهو جائز.
وقد أشار في بعض نسخ البيوع إلى أنه إذا أجاز أحدهما وفسخ الآخر فما فعله العاقد أولى فسخا كان أو إجازة لأن العاقد يتصرف بحكم ملكه والآخر بحكم النيابة عنه وفقه هذا الكلام أن الحاجة إلى الثابت للتصرف عند امتناع المنوب عنه عن التصرف بنفسه وذلك ينعدم إذا اقترن تصرفه بتصرف النائب ولكن الأول أصح وقد فسره في المأذون أن الفسخ أولى لما بينا ولأن الخيار مشروط بالفسخ لا للإجازة والفاسخ منهما يتصرف بحكم الخيار تصرفا شرع الخيار لأجله فكان تصرفه أولى.
قال: وإذا كان الخيار للبائع أو للمشتري فالتقيا فتناقضا البيع ثم هلك عند المشتري قبل أن يقبضه البائع فعلى المشتري الثمن إن كان له الخيار والقيمة إن كان الخيار للبائع لأن تمام الفسخ بالرد على البائع كما أن استحكام البيع بالقبض ثم هلاك المعقود عليه بعد العقد

 

ج / 13 ص -43-       قبل القبض يبطل العقد فكذلك هلاكه بعد الفسخ قبل الرد وإذا بطل الفسخ عاد إلى ملك المشتري وهو في يده هلك فيهلك مضمونا عليه بالثمن إذا كان الخيار للمشتري وإذا كان الخيار للبائع يكون مضمونا عليه بالقيمة لأن خيار البائع يمنع خروج المبيع عن ملكه وبالفسخ يرتفع العقد وبالهلاك في يد المشتري يرتفع الفسخ فيبقى الحال بعد الفسخ كالحال قبله وقبل الفسخ لو هلك في يد المشتري لا يكون مضمونا عليه بالقيمة لأنه مقبوض بجهة العقد فصار كالمقبوض على سوم الشراء وهذا لأن الفسخ بحكم الخيار يحتمل الفسخ في نفسه حتى لو تفاسخا ثم تراضيا على فسخ الفسخ وعلى إعادة العقد بينهما جاز فينفسخ الفسخ بهلاك محله قبل حصول المقصود به وبعد الفسخ لا يجوز فيه عقد عتق المشتري ولا شيء من عقوده أما إذا كان الخيار للبائع فظاهر لأن العقد على ملكه نفذ فكيف يجوز فيه عتق المشتري وكذلك إذا كان الخيار للمشتري لأنه بفسخ المشتري يعود العبد إلى ملك البائع ولكن يجوز فيه عتق البائع لأنه عاد إلى ملك البائع بمنزلة البيع بعد العقد قبل التسليم لما ذكرنا.
قال: وإذا اشترى الرجل عدل زطي برأس ماله ولم يعلم ما هو فالبيع فاسد لجهالة الثمن عند العقد فإن أخبره بذلك فهو بالخيار إن شاء أخذه وإن شاء تركه وقد بينا أن مراده إذا أخبر بذلك في المجلس فإن حال المجلس كحال العقد وكذلك إن اشترى برقمه فهو فاسد فإن أخبره برقمه فهو بالخيار ليكشف الحال له لأن البيع إنما يظهر كونه رابحا أو خاسرا في حقه إذا علم بالثمن فصار كما لو اشترى شيئا لم يره ثم رآه كذلك هاهنا.
قال: وإن استهلكه المشتري قبل أن يجيزه فعليه القيمة لأنه في يده بحكم عقد فاسد فيكون مضمونا بالقيمة عند تعذر الرد وبعد الاستهلاك لا يمكن تصحيح العقد فيه بإعدام رأس ماله لانعدام المحل فإن تصحيح العقد بإزالة المفسد نظير الإجازة في البيع الموقوف فكما لا ينفذ البيع بالإجازة إلا عند قيام المحل فكذلك لا يصح بإقامة المفسد بعد هلاك المحل.
قال: وإذا كان البائع والمشتري جميعا بالخيار لم يتم البيع بإجازة أحدهما حتى يجتمعا عليه لأن الذي أجاز منهما أسقط الخيار فصار كما لو لم يشترط الخيار لنفسه في الابتداء فيبقى خيار الآخر وبقاء خيار الآخر يكفي للمنع من انبرام العقد.
قال: وقد بينا أنه إذا اشترى عبدا على أنه إن لم ينقد الثمن إلى ثلاثة أيام فلا بيع بينهما أنه جائز استحسانا فرع عليه وقال فإن أعتقه ثم لم ينقد الثمن حتى مضت ثلاثة أيام فالعتق جائز وعليه الثمن لأن هذا في معنى اشتراط خيار المشتري لنفسه وخيار المشتري لا يمنع نفوذ عتقه عندهما لأنه مالك وعند أبي حنيفة رضي الله عنه خيار المشتري يمنع دخوله في ملكه ولا يمنع نفوذ العتق لأنه متمكن من إسقاط خياره بتصرفه فإذا سقط خياره تقرر عليه الثمن المسمى نقده في الأيام الثلاثة أو لم ينقده ولأن امتناعه من أداء الثمن في آخر جزء من

 

ج / 13 ص -44-       الأيام الثلاثة بمنزلة فسخ البيع لأنه نفى البيع عن ذلك بقوله فلا بيع بيننا وبعد الإعتاق هو لا يملك الفسخ فنقده الثمن وعدم نقده في الحكم سواء.
قال: وإن كان المشتري اثنين وهما بالخيار فاختار أحدهما رده والآخر إمساكه فليس لواحد منهما أن يرد حصته دون الآخر في قول أبي حنيفة رضي الله عنه وقال أبو يوسف ومحمد والشافعي رحمهما الله تعالى له ذلك وكذلك الخلاف في الرد بخيار الرؤية وخيار العيب بأن اشتريا شيئا لم يرياه ثم رأياه فأراد أحدهما أن يرده فليس له ذلك عنده وعندهما له ذلك وكذلك إذا اشتريا شيئا فوجد أحدهما به عيبا فأراد أن يرده فهو على الاختلاف وهما يقولان الراد منهما يرد ما اشترى كما اشترى فيتمكن من ذلك وإن لم يساعد الآخر عليه كما لو كان العقد في صفقتين وتحقيقه أن الرد يلاقي ملك المشتري والمبيع في ملك المشتريين متفرق فصار نصيب كل واحد منهما كعقد على حدة وبه فارق القبول لأن القبول يلاقي ملك البائع والقبض يلاقي يد البائع وهو مجتمع في ملكه ويده فلا يكون لأحدهما أن يفرقه عليه وهو نظير الشفعة فإن للشفيع أن يأخذ نصيب أحد المشتريين لأن أخذه يلاقي ملك المشتري ولو كان البائع اثنين والمشتري واحدا لم يكن للشفيع أن يأخذ نصيب أحد البائعين لهذا المعنى لأن أخذه يلاقي ملك المشتري وملك المشتري مجتمع لأنه واحد وإن كان البائع اثنين وكل واحد منهما شرط الخيار لنفسه ليكون متخيرا مستبدا بالتصرف فيما يرجع إلى دفع الضرر عنه ولو لم يكن له حق الفسخ إذا لم يساعده الآخر على ذلك فات عليه مقصوده وربما يكون في الإجازة لأحدهما ضرر وللآخر نظر فكما لا يكون للفاسخ أن يلزم شريكه ضرر تصرفه بالفسخ فكذلك لا يكون للمجيز أن يلزم شريكه ضرر تصرفه للإجازة يوضحه أن الراد منهما ما ثبت له الخيار إلا في نصفه ولو اشترى العبد كله على أنه بالخيار في نصفه كان له أن يرد النصف بحكم الخيار فإذا اشترى النصف وما ثبت له الخيار إلا في نصفه فهو أولى وأبو حنيفة يقول إن الراد منهما يرد نصيبه بعيب لم يكن ذلك عند البائع وليس له حق الرد بعيب حادث بسبب الخيار كما لو تعيب في يده وهذا لأنه بالرد يدفع الضرر عن نفسه ولكن يلحق الضرر بغيره وليس له أن يلحق الضرر بغيره.
وبيان الوصف أن المبيع خرج من ملك البائع جملة فإذا رد أحدهما النصف فإنما يرد النصف معيبا بعيب الشركة فإن الشركة فيما يضره التبعيض عيب فاحش ولهذا يرد الصداق به والرجوع في معرفة العيب إلى العرف فالأشقاص في العادة لا يشترى بمثل ما يشترى به في الأشخاص فعرفنا أنه يتضرر البائع بالرد عليه والبائع أوجب العقد لهما جملة وذلك لم يكن منه رضا بعيب التبعيض بدليل أنه لا يملك أحدهما القبول دون الآخر ولو قبلا ثم نقد أحدهما حصته من الثمن لا يملك قبض حصته من المبيع ولو كان البائع راضيا بعيب التبعيض لملك ذلك أحدهما وإن كان الملك واليد في جانب البائع مجتمعا لوجود الرضا منه بذلك ولكن كان راضيا بعيب التبعيض فإنما يرضى به في ملك الغير وذلك لا يدل على أنه رضي به

 

ج / 13 ص -45-       في ملك نفسه ألا ترى أن المشتري لو زوج المبيعة ثم وجد بها عيبا لا يردها لأنها تعيبت بعيب النكاح وقد سلطه البائع على تزويجها وذلك أقوى من الرضى بتصرفه ولكن إنما يرضى به في ملك الغير لا في ملك نفسه ولا يقال بأن هذا العيب حدث في يد البائع لأن تصرف الملك ثبت بالعقد قبل القبض لأنه وإن حدث في يد البائع فإنما حدث بفعل المشتري والمشتري إذا عيب المعقود عليه في يد البائع لم يكن له أن يرده بحكم خياره إلا أن هذا العيب يعرض الزوال بأن يساعده في الرد على الراد وإذا انعدم ذلك ظهر عمله في المنع من الرد ولا معنى لما قالا أن في امتناع الرد ضررا على الراد لأن هذا ضرر يلحقه بعجزه عن إيجاد شرط الرد لا يتصرف من الغير ولأن مراعاة جانب البائع أولى لأن البائع يتضرر بتصرف الراد والراد لا يتضرر بتصرف باشره البائع ثم هذا في الرد بالعيب يتضح فإن في مراعاة جانب المشتري إبطال حق البائع وليس في مراعاة جانب البائع إبطال حق المشتري لأنه يرجع بحصة العيب من الثمن فلهذا كان اعتبار جانب البائع أولى وليس هذا كما لو شرط الخيار في نصفه فالبائع هناك رضي بعيب التبعيض حين شرط الخيار في النصف مع علمه أن الخيار يشترط للفسخ وهنا ما رضي بذلك لأنه شرط الخيار في الكل وإنما ثبوت الخيار لكل واحد منهما في النصف بمقتضى قوله وملكه لا ينتقص من البائع على ذلك وهو نظير ما لو أوجب البيع في النصف صح قبول المشتري في ذلك النصف وإذا أوجب البيع لهما في الكل لا يصح قبول أحدهما في النصف.
قال: وإن اشترى شيئا على أنه بالخيار إلى الغد أو إلى الليل أو إلى الظهر فله الغد كله والليل كله ووقت الظهر كله في قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى له الخيار إلى طلوع الفجر أو إلى أن تغيب الشمس أو إلى أن تزول الشمس ولا تدخل الغاية في الخيار عندهما لأن الغاية حد والحد لا يدخل في المحدود كما لو قال بعت منك من هذا الحائط إلى هذا الحائط لا يدخل الحائطان في البيع وهذا لأن الحد غاية ومن حكم الغاية أن يكون ما بعده بخلاف ما قبله لكن هذا إنما يتحقق فيما يكون بعضه متصلا بالبعض كما في المساحات والأوقات وهي مسئألتنا فأما في الأعداد لا يتحقق هذا لأنه ليس بينهما اتصال ليكون حدا فلهذا جعلنا المعتبر هناك أكثر الأعداد ذكرا حتى إذا قال لامرأته أنت طالق من واحدة إلى ثلاث تطلق ثلاثا وإذا قال لفلان علي من درهم إلى عشرة يلزمه عشرة فأما الأوقات يتصل بعضها ببعض فيتحقق فيها معنى الغاية بيان ذلك في قوله تعالى:
{ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ}[البقرة:187] ومن حيث الأحكام إذا باع بثمن مؤجل إلى رمضان أو أجر داره إلى رمضان أو حلف لا يكلم فلانا إلى رمضان لا يدخل الحد فأما الموافق في قوله تعالى: {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ}[المائدة:6] فإنما عرفنا دخولها بفعل النبي صلى الله عليه وسلم حين توضأ فأدار الماء على مرافقه وبه يتبين أن إلى بمعنى مع ولكنه نوع من المجاز لا يحمل الكلام عليه إلا عند قيام الدليل عليه ولأبي حنيفة في المسألة حرفان:

 

ج / 13 ص -46-       أحدهما: أن البدل الذي في جانب من له الخيار باق على ملكه سواء كان الخيار للبائع أو للمشتري والملك الثابت له بيقين لا يزال بالشك وإذا كانت الغاية تدخل في الكلام وفي بعض المواضع ولا تدخل في بعض المواضع فلو لم تدخل الغاية كان فيه إزالة ملكه بالشك يوضحه أن البيع بشرط الخيار في حق الحكم كالمتعلق بالشرط وهو سقوط الخيار فما لم يتيقن بوجود الشرط لا يثبت ما علق به وفي موضع الغاية شك وعليه تخريج المسائل لأبي حنيفة فإن في وقوع التطليقة الثالثة شك وفي وجوب الدرهم العاشر في ذمته شك وفي مسألة الأجل البيع موجب ملك اليمين والأجل مانع من توجه المطالبة والمانع بالشك لا يثبت وفي الإجارة ملك الرقبة سبب لحدوث المنفعة على ملكه إلا إذا ثبت الحق فيه لغيره وبالشك لا يثبت الحق للغير فتحدث المنفعة على ملك المؤاجر فسبب ملك الرقبة وفي اليمين إباحة الكلام أصل فلا تثبت الحرمة والمنع بالشك والأصل فراغ ذمته عن الكفارة فلا يشغلها بالشك في موضع الغاية.
والحرف الآخر أن في كل موضع تكون الغاية لمد الحكم إلى موضع الغاية لا تدخل الغاية كما في الصوم لو قال ثم أتموا الصيام إلى الليل اقتضى صوم ساعة فقوله إلى الليل لمد الحكم إلى موضع الغاية وفي كل موضع ذكر الغاية لإخراج ما وراءها يبقى موضع الغاية داخلا كما في قوله تعالى:
{وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ}[المائدة:6] لأن مطلق الأيدي في الطهارة يتناول الحارحة إلى الآباط ولهذا فهمت الصحابة رضوان الله تعالى عليهم بإطلاق الأيدي في التيمم الأيدي إلى الآباط فكان ذكر الغاية لإخراج ما وراءها فيبقى موضع الغاية داخلا هنا ولو شرط الخيار مطلقا يثبت الخيار مؤبدا ولهذا فسد العقد فكان ذكر الغاية لإخراج ما وراءها فيبقى موضع الغاية داخلا وفي مسألة الأجل ذكر الغاية لمد الحكم إلى موضع الغاية لأن الأجل للترقية فمطلق الاسم يتناول أدنى ما يحصل به الترقية وكذلك في الإجارة فإنها عقد تمليك المنفعة بعوض فمطلقها لا يوجب إلا أدنى ما يتناوله الاسم وذلك مجهول ولأجل الجهالة يفسد العقد فكان ذكر الغاية لبيان مقدار المعقود عليه وذلك لمد الحكم إلى موضع الغاية ولكن يدخل فصل اليمين على هذه الطريقة وقد روى الحسن عن أبي حنيفة أن في اليمين تدخل الغاية فيأخذ في اليمين على هذه الطريقة بتلك الرواية.
قال: وإذا اشترى شيئا لغيره بأمره واشترط الخيار له فقال البائع رضي الآمر وهو غائب لم يصدق على ذلك لأن البيع غير لازم للخيار المشروط للآمر والبائع يدعي لزومه ولو ادعى أصل البيع لم يصدق على ذلك إلا بحجة فكذلك إذا ادعى صفة اللزوم ولا يمين على المشتري في ذلك لأنه لا يدعي عليه الرضا وإنما يدعيه على الآمر فلو استحلف المشتري على ذلك كان بطريق النيابة عن الآمر ولا نيابة في اليمين ولأنه لا يمين له في هذه الدعوى على الآمر لو كان حاضرا فإذا لم يتوجه اليمين على من يدعي عليه الرضا فعلى وكيله أولى وإنما لم يتوجه اليمين على الآمر لأنه لا خصومة بين البائع والآمر فإن العقد لم يجز بينهما

 

ج / 13 ص -47-       والاستخلاف ينبني على الدعوى والخصومة ولأنه لو كان على الأمر يمين لم يكن للوكيل أن يرده حتى يحضر الآمر فيحلف كما في الوكيل بالرد بالعيب إذا ادعى البائع الرضا على الموكل لم يكن للوكيل أن يرده حتى يحضر الموكل فيحلف وهنا للوكيل أن يرده بغير يمين لأن اشتراط الخيار للآمر اشتراط منه لنفسه وما لم يظهر المسقط لنفسه بخياره فهو متمكن من الرد فعرفنا أن بهذه الدعوى لا يتوجه اليمين على أحد وإذا أقام البائع البينة أن الآمر قد رضي فالبيع لازم للآمر لأنه أثبت ما ادعى من صفة اللزوم بالبينة والثابت بالبينة كالثابت معاينة والوكيل خصم في إثبات ذلك عليه لأنه نائب عن الموكل والإثبات بالبينة على الثابت صحيح ولأن العقد جرى بينهما فيكون هو خصما في إثبات صفته عليه ألا ترى أنه لو كان شرط الخيار لنفسه كان خصما في إثبات الرضى عليه فكذلك إذا شرطه للآمر وإن لم يقم البينة وصدقه المشتري فيه وقال الآمر في الثلث بحضرة البائع قد أبطلت لزم البيع المشتري لأن إقرار المشتري حجة عليه دون الآمر وقد أقر بلزوم العقد برضا الآمر فيجعل ما أقر به في حقه كالثابت بالبينة فلا يتمكن من الرد على البائع بعد ذلك وهو في حق الآمر كالمعدوم فإذا قال في الأيام الثلاثة بمحضر من البائع قد أبطلت البيع فقد أقر بما يملك إنشاءه فلا تمكن التهمة في إقراره بخلاف ما إذا قال ذلك بعد مضي المدة لأنه أقر بما لا يملك إنشاءه وما يلزم البيع وهو مضي الأيام قبل ظهور الفسخ معلوم فلا يصدق فيما يدعي من الفسخ في المدة يوضحه أن إقرار الوكيل برضا الآمر بمنزلة مباشرته للعقد في الابتداء بغير خيار ولو أمره بأن يشتري بشرط الخيار له فاشترى ولم يشترط الخيار لزمه دون الآمر فكذلك إذا أقر برضا الآمر بعد ما شرط الخيار.
 قال: وإذا اشترى عدلا على أنه زطي فيه خمسون ثوبا كل ثوب بكذا أو جماعته بكذا أو شرط الخيار لنفسه ثلاثة أيام فإن أراد أن يرد بعضه دون بعض لم يكن له ذلك لأن خيار الشرط يمنع تمام الصفقة ألا ترى أن البدل الذي من جانب من له الخيار لا يخرج عن ملكه فهو برد البعض يفرق صفة مجتمعة على البائع قبل التمام فليس له ذلك كما لو قبل العقد في الابتداء في البعض دون البعض فكذلك ما اشتراه صفقة واحدة من المكيل والموزون والعروض والحيوان وما يضره التبعيض وما لا يضره في ذلك سواء لأن في تفريق الصفقة قبل التمام ضررا فإن من عادة الناس ضم الجيد إلى الرديء لترويج الردى ء بثمن الجيد والمشروط له الخيار بدفع الضرر عن نفسه ولا يملك إلحاق الضرر بصاحبه.
 قال: ولو اشترى ثوبين كل واحد منهما بعشرة دراهم على أنه بالخيار ثلاثة أيام يمسك أيهما شاء ويرد الآخر جاز العقد عندنا استحسانا وكذلك هذا في ثلاثة أثواب وفيما زاد على الثلاثة العقد فاسد و قال زفر رحمه الله تعالى ما زاد على الثلاث وما دون الثلاث فيه سواء فالعقد فاسد وهو القياس في الثلاثة والاثنين لأن المبيع مجهول فإن المبيع أحد الثياب وهي متفاوتة في نفسها وجهالة المبيع فيما يتفاوت يمنع صحة العقد ألا ترى أنه لو لم يسم لكل ثوب

 

ج / 13 ص -48-       ثمنا كان العقد فاسدا لجهالة المبيع؟ وكذلك لو لم يشترط الخيار لنفسه كان العقد فاسدا فكذلك إذا اشترط الخيار لأن شرط الخيار يزيد في معنى الغرور ولا يزيله وجه الاستحسان أن هذه الجهالة لا تفضي إلى المنازعة لأنه شرط الخيار لنفسه وبحكم خياره يستند بالتعتين والجهالة التي لا تفضي إلى المنازعة لا تمنع صحة العقد كما إذا اشترى قفيزا من الصبرة بخلاف ما إذا لم يشترط الخيار لنفسه فالجهالة هناك تفضي إلى المنازعة وبخلاف ما إذا لم يسم لكل ثوب ثمنا لأن هناك ثمن ما يتناوله العقد مجهول فإنما فسد العقد لجهالة الثمن ثم الجهالة التي تتمكن بسبب عدم تعيين الثمن معتبر بالقدر الذي يتمكن بسبب شرط الخيار وذلك يتحمل في الثلث وما دونه ولا يتحمل في الزيادة على ذلك فكذا هذا اعتبارا للمحل بالزمان وهذا لأن احتمال هذه الجهالة لأجل الحاجة فقد يشتري الإنسان لعياله ثوبا ولا يعجبه أن يحمل عياله إلى السوق ولا يرضى البائع بالتسليم إليه ليحمله إلى عياله بغير عقد فيحتاج إلى مباشرة العقد بهذه الصفة وهذه الحاجة مقصورة على الثلاث لأن كل نوع يشتمل على أوصاف ثلاثة جيد ووسط ورديء فإذا حمل الثلاثة إلى أهله ثم المقصود فأخذنا فيما زاد على ذلك بالقياس لعدم الحاجة فيه كما فعلنا ذلك في شرط الخيار ثم نص في هذا الموضع على تقدير الخيار بثلاثة أيام وهو الصحيح لأن هذا خيار ثبت بالشرط فلا بد فيه من إعلام المدة وإن أطلق ذلك في غير هذا الموضع من الكتب.
قال: فإن هلك أحدهما أو دخله عيب لزمه ثلثه ويرد الباقي وهو فيه أمين لأنه عجز عن رد الهالك منهما بحكم الخيار فيتعين البيع فيه وهذا لأنه حين أشرف على الهلاك فقد ثبت في يده وعجز عن رده كما قبضه فيلزمه البيع فيه ثم يكون هالكا على ملكه فإذا تعين البيع في الهالك كان هو أمينا في الآخر لأنه قبضهما بإذن البائع على أن يكون المبيع أحدهما دون الآخر فكان أحدهما بغير عينه مبيعا والآخر أمانة لأنه ما قبض الآخر للشراء فإذا تعيين البيع في أحدهما تعيين البيع في الهالك كان أمينا في الآخر لأنه قبضهما بإذن البائع على أن يكون تعين الآخر للأمانة وفرق بين هذا وبين ما إذا طلق إحدى امرأتيه أو أعتق أحد عبديه ثم مات أحدهما تتعين الباقية للطلاق دون الهالكة وهنا تتعين الهالكة للبيع قال علي القمي لا فرق بين المسألتين في الحاصل لأن في الفصلين ما يهلك على ملكه أما الثوب فلأنه يهلك على ملكه حيث يتعين الباقي للرد وفي الطلاق كذلك يهلك الهالكة على ملكه حتى تتعين الباقية للطلاق إلا أن الصحيح ما ذكرنا ووجه الفرق أن الثوب لما أشرف على الهلاك خرج من أن يكون محلا للرد لأنه عجز عن رد ما اشترى كما اشترى فبتعين العقد فيه وتعين الباقي للرد ضرورة فأما في الطلاق والعتاق حين أشرفت على الهلاك لم يتعين محلا لوقوع الطلاق عليها فلو وقع الطلاق عليها إنما يقع بعد الموت والطلاق لا يقع بعد الموت فتتعين الباقية للطلاق وهذا بخلاف ما إذا اشترى كل واحد منهما بعشرة على أنه بالخيار ثلاثة أيام فهلك أحدهما عنده فإنه لا يرد الباقي لأن العقد يتناولهما جميعا ألا ترى أنه يملك العقد فيهما

 

ج / 13 ص -49-       فبعد ما تعذر عليه رد أحدهما لا يتمكن من رد الآخر لما فيه من تفريق الصفقة على البائع قبل التمام وهنا العقد يتناول أحدهما ألا ترى أنه لا يملك إتمام العقد فيهما فبعدما هلك أحدهما وتعيب كان له رد الباقي.
قال: وإن هلكا معا فعليه نصف ثمن كل واحد منهما إن كان الثمن متفقا أو مختلفا لأن أحدهما بغير عينه مبيع لزمه ثمنه بالهلاك في يده والآخر أمانة وليس أحدهما لتعينه مبيعا بأولى من الآخر لأن حالهما قبل الهلاك سواء فبعد الهلاك لا يتحقق تعيين البيع في أحدهما فللمعارضة قلنا فيستتبع حكم الأمانة وحكم البيع فيهما فيكون هو أمينا في نصف كل واحد منهما مشتريا نصف كل واحد منهما ولأن كل واحد من الثمنين يلزمه من وجه دون وجه فلهذا يلزمه نصف ثمن كل واحد منهما.
قال: وإن كان قائمين بأعيانهما وأراد ردهما فله ذلك لأنه أمين في أحدهما فرده بحكم الأمانة وفي الآخر مشتر قد شرط الخيار لنفسه فيتمكن من رده فإن اختار أحدهما لزمه ثمنه لأنه عين البيع فيه والتزمه باختياره فيلزمه ثمنه وكان في الآخر أمينا فإن ضاع عنده بعد ذلك لم يكن عليه فيه ضمان لما ذكرنا.
قال: وإذا اشترى جاريتين أحدهما بألف والأخرى بخمسمائة على أن يأخذ أيهما شاء ويرد الأخرى فأعتقهما في كلمة واحدة فإنه يخير فأيتهما اختار وقع العتق عليها ويرد الأخرى لأن عتقه نفذ في أحديهما وهي المشتراة منهما فإن إعتاق المشتري في المشتراة بشرط الخيار له صحيح فيسقط الخيار فيها والأخرى كانت أمانة عنده فإعتاقه إياها باطل فإذا عرفنا نفوذ العتق منه في إحداهما بغير عينها كان البيان في ذلك إليه لأن الإبهام كان منه فإذا عين أحديهما تعينت هي للعتق ورد الأخرى كما لو كانتا مملوكتين له فاعتق إحديهما بغير عينها.
قال: ولو لم يعتقها ولكن حدث بهما عيب ولا يدري أيهما أول فقال المشتري حدث العيب بالتي قيمتها خمسمائة أولا فالقول قوله لأنه كان الخيار له وكان متمكنا من تعيين البيع فيها فإذا زعم أن البيع تعين فيها بأن تعينت في يده أولا وجب قبوله في ذلك ويرد الأخرى ونصف قيمة عينها في القياس لأنهما لو هلكتا معا لزمه نصف بدل كل واحدة منهما فإذا تعينتا فقد فات جزء من كل واحدة منهما في الجملة والجزء معتبر بالجملة ثم كل واحد منهما يتردد بين الضمان والأمانة فللتردد كان نصف ما فات من كل واحد منهما في ضمان المشتري وقوله في تعين المبيع مقبول ولكن في إسقاط ما لزمه من ضمان العيب في الأخرى غير مقبول فلهذا يرد نصف قيمة عينها وفي الاستحسان لا يرد شيئا من حصة عينها لأن من ضرورة تعيين أحديهما للبيع تعيين الأخرى للأمانة وتعيين الأمانة في يد الأمين لا يوجب عليه شيئا من الضمان وهذا لأن بالقبض ما لزمه إلا ضمان ثمن واحدة منهما ألا ترى أنهما لو هلكتا لم يلزمه إلا نصف ثمن كل واحدة منهما وقد وجب عليه كمال ثمن أحديهما وهي التي عينها للمبيع فلا يلزمه مع ذلك شيء من قيمة الأخرى.

 

ج / 13 ص -50-       قال: وإن حدث العيب بهما معا رد أيتهما شاء وأمسك الأخرى بخلاف ما إذا هلكتا لأن الهالك ليس بمحل لابتداء البيع فيه فلا يكون محلا لتعيين البيع فيه والمعيب محل لابتداء البيع فيه فيكون محلا لتعيين البيع فيه أيضا فلهذا يبقى خياره بعد ما تعينتا معا إذ ليست إحداهما بتعيين البيع فيها بالأولى من الأخرى ولكن ليس له أن يردهما بخلاف ما قبل التعييب لأن العقد قد لزمه في المبيعة منهما بالتعيب وسقط خيار الشرط فيها فلهذا لا يتمكن من ردهما وإذا رد أحديهما في القياس يرد معها نصف قيمة العيب وفي الاستحسان ليس عليه ذلك كما في الفصل الأول.
قال: وإن حدث بإحديهما عيب آخر بعد ذلك لزمه البيع لأن العيب الأول لما لم يؤثر في التعيين لاستوائهما فيه كان كالمعدوم فكأنه ما تعيب إلا إحداهما الآن وذلك موجب تعيين البيع لعجزه عن ردها كما قبضها وكذلك لو ماتت إحداهما أو جنى عليها المشتري لزمته ورد الأخرى لأن العيب الأول صار كالمعدوم ولو ماتت إحداهما في يده أو جنى عليها قبل التعيب لزمه البيع فيها ويرد الأخرى فهذا مثله وإن أعتق البائع التي اختار المشتري لم يعتق لأن باختيار المشتري تعين البيع فيها فإنما أعتق البائع ما لا يملكه وإن أعتقهما جميعا عتقت التي ترد عليه منهما لأن عتقه نفذ في أحديهما فإن أحديهما مبيعة خارجة عن ملكه وإن كان للمشتري فيها خيار فلا ينفذ عتقه فيها والأخرى أمانة وهي باقية على ملكه فينفذ عتقه فيها إلا أن بإعتاقه لا يسقط الخيار الثابت للمشتري لأن البائع غير متمكن من إسقاط خياره فيقال للمشتري اختر أيتهما شئت فإذا اختار أحديهما تعينت الأخرى للرد فينفذ عتق البائع فيها.
قال: وإن اختار ردهما جميعا فعتق البائع إنما ينفذ في أحديهما لأن أحديهما ما كانت مملوكة له حين أعتق فلا ينفذ عتقه فيها وإن عادت إليه بعد ذلك وإذا نفذ عتقه في أحديهما بغير عينها كان البيان فيه إلى البائع.
قال: ولو لم يعتق واحد من الموليين شيئا منهما ولكن المشتري وطئهما فحبلتا ثم مات قبل أن يبين أيتهما اختار فإن عرفت الموطوءة أولا فهي أم ولده لأن إقدامه على وطئها تعيين للبيع فيها وإسقاط للخيار فإن الوطء لا يحل إلا في الملك فإقدامه عليه دليل تقريره الملك فيها ألا ترى ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما خير بريرة رضي الله تعالى عنها قال لها:
"إن وطئك زوجك فلا خيار لك" فقد جعل تمكينها نفسها من الزوج مسقطا لخيارها وإذا تعين بيعه فيها وقد استولدها كان عليه ثمنها وهي أم ولد له ويرد الأخرى وولدها على البائع ولا يثبت نسبه من المشتري لأنه ليس له في الأخرى ملك ولا شبهة ملك وعليه عقرها وهذا لأن الحد قد سقط بالشبهة صورة العقد والوطء في غير الملك لا ينفك عن حد أو عقر فإذا سقط الحد لزمه عقرها وإن لم يعلم أيتهما وطئت أولا فالقول قول ورثته لأنهم قائمون مقامه وهو لو بين الموطوءة أولا منهما وجب قبول بيانه فكذلك بيان ورثته بعده وهذا لأن ثمن الموطوءه أولا وجب على الوارث قضاؤه من التركة والقول قوله في بيان ما لزمه ثمنه فإنهم

 

ج / 13 ص -51-       إن قالوا لا نعلم لزم المشتري نصف ثمن كل واحدة منهما ونصف عقرها لأنه ليست إحداهما بتعيين البيع فيها بأولى من الأخرى فيتبع البيع فيهما ويلزمه نصف ثمن كل واحدة منهما وقد لزمه عقر أحديهما بالوطء وليست إحداهما بذلك بأولى من الأخرى فلزمه نصف عقد كل واحدة منهما وتسعى كل واحدة منهما في نصف قيمتها للبائع لأن المبيعة منهما أم ولده وقد عتقت بموته وليست إحداهما بذلك بأولى من الأخرى فلهذا يعتق نصف كل واحدة منهما وتسعى كل واحدة منهما في نصف قيمتها للبائع لأن حكم أمية الولد لا يثبت فيما هو ملك البائع منهما وكذلك يعتق أحد الولدين على المشتري وليس أحدهما بذلك بأولى من الآخر فيعتق نصف كل واحد منهما ويسعى كل واحد منهما في نصف قيمته للبائع ولا يثبت نسب كل واحد منهما لأن من ثبت نسبه من المشتري منهما مجهول وإنما يثبت في المجهول ما يحتمل التعليق بالشرط والنسب لا يحتمل التعليق بالشرط فلا يثبت في المجهول.
قال: وإذا وطئها المشتري والبائع جميعا فادعى هو والمشتري ولديهما جميعا فالقول قول المشتري في التي وطئها أولا وهي أم ولده والولد ولده لأن خيار البيان كان للمشتري دون البائع فالمصير إلى قوله بالتعيين أولى من المصير إلى قول البائع ثم عليه عقر الأخرى لأنه وطئها وهي مملوكة للبائع والأخرى وولدها للبائع ويثبت نسب ولدها من البائع لأنه ظهر أنه استولدها في ملكه وعلى البائع عقر أم ولد المشتري لإقراره بأنه وطئها وقد سقط الحد عنه بالشبهة فلزمه العقر فيجعل العقر بالعقر قصاصا ويترادان الفضل إن كان فيه فضل وإن مات البائع والمشتري قبل البيان فالقول قول ورثة المشتري لأنهم قائمون مقامه ولأن الثمن يلزمهم فإن لم يعلموا لم يثبت نسب واحد من الولدين لا من البائع ولا من المشتري لأن الثابت نسبه من كل واحد منهما مجهول والأمتان وولدهما أحرار لأن كل واحدة منهما أم ولد لأحدهما وقد عتقت بموت مولاها والولدان كذلك وعلى المشتري نصف ثمن كل واحدة منهما لأجل التعارض والتساوي فإن كل واحد من الثمنين يلزمه في حال دون حال وعليه نصف عقر كل واحد منهما وعلى البائع كذلك نصف عقر كل واحد منهما وهذا قصاص لأنه لا فائدة في القبض والرد ولا الجاريتين والولدين بين البائع والمشتري لأن كل واحدة عتقت منهما جميعا.
قال: وإذا اختلف البائع والمشتري في اشتراط الخيار فالقول قول الذي ينفيه منهما لأنه متمسك بمقتضى العقد وهو اللزوم ولأن الخيار مانع لا يثبت إلا بالشرط فالمدعي منهما يدعي شرطا زائدا والآخر ينكر فالقول قول المنكر كما في دعوى الأجل وإن اختلفا في مقداره فالقول قول المقر بأقصر الوقتين لأن الثابت من الخيار ما وقع الاتفاق عليه واختلافهما في الزيادة على ذلك في هذا الفصل كاختلافهما في أصل الخيار في الفصل الأول وإن اختلفا في مضيه فالقول قول الذي ينكر مضيه لأنهما تصادقا على ثبوت الخيار ثم ادعى أحدهما سقوطه بمضي المدة فلا يقبل قوله إلا بحجة كما في الأجل ولأن البيع حادث فإنما يحال

 

ج / 13 ص -52-       بحدوثه إلى أقرب الأوقات والذي يدعي مضي الخيار يسند البيع إلى ما قبل هذه الساعة بثلاثة أيام فلا يصدق في ذلك إلا بحجة وإذا لم يصدق فإنما يظهر البيع بينهما في الحال فلا يكون مضي مدة الخيار إلا بمضي أيامها.
قال: ولو كان المبيع دارا وكان للبائع فيها خيار لم يكن فيها شفعة لأن خيار البائع يمنع خروج المبيع عن ملكه فإنه لا يتم رضاه بالسبب مع شرط الخيار وخروج المبيع عن ملكه يعتمد تمام الرضا به ووجوب الشفعة يعتمد انقطاع حق البائع لأن الشفعة لدفع ضرر سوء مجاورة الجار الحادث وذلك لا يكون إلا بعد انقطاع حق البائع.
قال: وإذا كان الخيار للمشتري فللشفيع فيها الشفعة لأن حق البائع قد انقطع فقد تم البيع من جهته ووجوب الشفعة تعتمد لثبوت الملك للمشتري ألا ترى أنه لو قال كنت بعت هذه الدار من فلان وقال المشتري ما اشتريتها كان للشفيع أن يأخذها بالشفعة ولأن المشتري قد صار أحق بها ملكا أو تصرفا فيتحقق ضرر سوء مجاورة الجار الحادث فكان للشفيع أن يدفع ذلك بالآخر.
قال: وإذا قال الرجل للرجل اذهب بهذه السلعة فانظر إليها اليوم فإن رضيتها فهي لك بألف درهم أو قال إن رضيتها اليوم فهي لك بألف درهم فهو جائز على ما اشترطا استحسانا وفي القياس هو باطل وهو قول زفر رحمه الله تعالى وجه القياس أنه صرح بتعليق الإيجاب بشرط الرضا وإيجاب البيع لا يحتمل التعليق بالشرط كما لو قال إن تكلمت فهي لك بكذا ووجه الاستحسان أنهما أتيا بمعنى شرط الخيار يوما والمعتبر والمقصود هو المعنى فكأنه قال بعت منك على أنك بالخيار إلى الليل وهذا لأن حمل كلامه على الصحة واجب ما أمكن والتقديم والتأخير في الكلام محتمل وتصحيح الكلام بالتقديم والتأخير طريق في الشرع فكأنه قال هي لك بألف فإن رضيتها اليوم وإلا فردها علي.
قال: وإذا كان المشتري بالخيار فاستخدم الجارية فهو على خياره ثلاثة أيام لأنه إنما يشترط الخيار في شراء الرقيق لهذا حتى يستخدمه في المدة فينظر أيوافقه أو لا وكذلك إن ركب الدابة ينظر إلى سيرها أو لبس القميص ينظر إلى قده عليه فهو على خياره لأنه لا يعرف مقصوده إلا بالامتحان ولأجله يشترط الخيار والامتحان في الدابة بالركوب والسير وفي الثوب باللبس فإن لبس بعد ذلك ثانيا فهذا منه رضا لأن معنى الاختيار قد تم باللبس الأول فالثاني يكون اختيارا وكذلك إن سافر على الدابة فقد رضيها لأن الاختيار لا يكون بالسفر على الدابة ولا يفعل ذلك إلا في الملك عادة فإن الإنسان لا يسافر بدابة الغير عادة من غير كراء وكذلك إذا سكن الدار فهو على خياره وإنما اختلف الجواب لاختلاف الموضوع فإذا كان ساكنا في الدار قبل الشراء فاستدام السكنى بعد الشراء لا يسقط خياره فإن انتقل إليها وسكنها بعد الشراء سقط خياره لأنه لا يكون ذلك اختيارا عادة بل يكون رضا بتقرر الملك.

 

ج / 13 ص -53-       قال: وإذا قبل جارية بشهوة ونظر إلى فرجها بشهوة فهو رضا لأن هذا الفعل لا يحل إلا في الملك فإقدامه عليه دليل الرضى فتقرر ملكه فيها بمنزلة الغشيان.
قال: وإن كانت الجارية هي التي نظرت إلى فرجه أو قبلته أو مسته بشهوة فأقر المشتري أنها فعلت ذلك بشهوة لزمته الجارية أيضا وحرمت عليه أمها وابنتها وكذلك هذا في الرجعة وهذا قول أبي يوسف وقاسه على قول أبي حنيفة رحمهما الله تعالى يعني في الرجعة وأما في قول محمد فلا يكون ما صنعت الجارية بالمشتري رضا منه لأنه لم يصنع شيئا والخيار من المشتري إنما يسقط باعتبار صنع أو يوجد دليل الرضا منه وصنعها به لا يكون دليل الرضا من المشتري بها وإنما هو دليل رضا بكون المشتري مولى لها ولو صرحت بذلك أو أسقطت الخيار كان ذلك لغوا منها وليس هذا نظير ما لو جنت على نفسها لأن سقوط خيار المشتري هناك بعجزه عن ردها كما قبضها لا لفعلها ألا ترى أنها وإن تعيبت من غير فعل أحد سقط خياره أيضا وجه قول أبي يوسف رحمه الله تعالى أن فعلها به في الحكم كفعله بها بدليل الوطء فإنه لو كان نائما فاستدخلت فرجه فرجها سقط خياره كما لو فعل بها فكذلك دواعي الوطء ألا ترى أن في حرمة المصاهرة يسوي بين الوطء ودواعيه وبين فعلها به وفعله بها وهذا لأن الفعل غير مسقط الخيار بنفسه بل بحكمه وهو أنه لا يحل إلا في الملك والحل باعتبار الملك يثبت من الجانبين فكما يسقط الخيار باعتبار هذا المعنى عند فعله بها فكذلك عند فعلها به وبعد قيام الدليل الحكمي لا يبقى خياره وإن انعدم رضاه كما لو تعيبت في يده بفعله أو بغير فعله وكما عجز هناك عن ردها كما قبض فقد عجز هنا عن ذلك لأنه إذا كان اشتراها من أبيه فقد اشتراها وهي حلال للأب وبعد هذا الفعل يردها وهي حرام عليه فيمتنع الرد كذلك والدليل عليه الرجعة فإن المرأة إذا صرحت بالرجعة لم يصح ذلك منها ثم جعل فعلها به في حكم ثبوت الرجعة كفعله بها فهذا مثله.
قال أبو يوسف رحمه الله تعالى: وهذا في الخيار أقبح ولكن الكل قياس واحد يريد أن ملك الحل بسبب النكاح مشترك بين الزوجين ولا شركة بين المشتري والجارية في حقوق عقد الشراء والملك الثابت ولكن الكل قياس واحد من الوجه الذي قررنا وإنما يسقط إقرار المشتري أنها فعلت ذلك من شهوة لأن قول الأمة غير مقبول في إسقاط خياره وإقرار المشتري بذلك حجة عليه ألا ترى أن في حرمة أمها وابنتها عليه يعتبر إقرار المشتري بذلك فكذلك في سقوط خياره وروى بشر عن أبي يوسف رحمهما الله تعالى أنها إن اختلست ذلك منه وهو كاره لم يسقط خياره وإن مكنها من ذلك حينئذ يسقط خياره لوجود دليل الرضا منه لتمكنها من تقبيله أو مسه بشهوة.
قال: وإذا باع الوكيل خادما واشترط الخيار للآمر بأمره فقال البائع يعني الوكيل قد رضي الآمر وقال الآمر ما رضيت فالقول قول الآمر مع يمينه أنه ما رضي لأنه في أصل التوكيل استثنى الرضا حيث أمره باشتراط الخيار له ولهذا لو باعه ولم يشترط الخيار له لم

 

ج / 13 ص -54-       ينفذ بيعه فعند ذلك الوكيل يدعي عليه أنه ما عرف أنه استثناه لنفسه والآمر ينكر فالقول قوله مع يمينه بمنزلة ما لو أنكر أصل الأمر بالبيع.
قال: وإن اختلف الآمر والمشتري في الخادم وقد فسخ الآمر العقد بخياره فقال الآمر ليست هذه بخادمي وقال المشتري هي الخادم التي اشتريت منك فالقول قول المشتري لأن الآمر لما فسخ العقد بخياره فالخادم ملكه في يد المشتري والقول في تعيين الملك قول ذي اليد أمينا كان أو ضامنا كالغاصب.
قال: وإذا لم يكن للخيار وقت فلصاحب الخيار أن يختار في الثلاث فإن مضت الثلاث قبل أن يختار البيع فالبيع فاسد في قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى يجوز إن اختار بعد الثلاث وقال زفر لا يجوز وإن اختاره في الأيام الثلاث وهو بناء على ما تقدم أن عند أبي حنيفة اشتراط الخيار لا يجوز أكثر من ثلاثة أيام ومطلق اشتراط الخيار يقتضي التأبيد ألا ترى أن ما لا يتوقت من الخيار كخيار العيب فإنه يثبت على التأبيد ثم الإسقاط إنما يعمل في المستقبل دون الماضي فإذا سقط قبل مضي الأيام الثلاثة عمل إسقاطه في المستقبل وما مضى غير مناف لصحة العقد فكان العقد صحيحا عنده وإذا سقط بعد مجيء اليوم الرابع فما مضى كاف لإفساد العقد وإسقاطه غير ممكن وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى ما مضى غير معلوم في نفسه وهو غير مناف لصحة العقد وعلى قول زفر العقد متى فسد لا طريق لتصحيحه إلا الاستقبال ومشايخنا رحمهم الله تعالى مختلفون في الحكم في هذا العقد في الابتداء فمنهم من يقول هو فاسد ثم ينقلب صحيحا بإسقاط الخيار.
والأوجه أن يقول الحال فيه مراعى وهو عقد غير منبرم في الحال لأن تأثير الخيار في المنع من انبرام العقد لا في إفساد العقد وإنما المفسد هو الخيار في اليوم الرابع وذلك لا يتصور إلا بعد مضي الأيام الثلاثة ما لم يتقرر عليه الفساد لا يتعين عليه صفة الفساد للعقد ويستوي إن أسقط المشتري خياره في الأيام الثلاثة أو أعتقه أو مات في يده أو تعيب في أنه يسقط خياره في المستقبل باعتراض هذه المعاني ويجب عليه الثمن المسمى ذكره الكرخي في جامعه الصغير وبهذا يتبين أن العقد غير محكوم بفساده قبل مجيء اليوم الرابع.
قال: وإذا اشترى عبدين أحدهما بألف والآخر بخمسمائة على أن يأخذ أيهما شاء ويرد الآخر فمات فقال البائع مات الذي بألف درهم قبل وقال المشتري لا بل مات الذي بخمسمائة قبل وكان أبو يوسف يقول أولا لم يصدق واحد منهما على ما قال ويحلف المشتري ما يعلم أنه مات الذي بألف أول مرة ويحلف البائع ما يعلم أنه مات الذي بخمسمائة أولا فأيهما نكل عن اليمين لزمه دعوى صاحبه فإن حلفا لزمهما نصف ثمن كل واحد منهما ثم رجع أبو يوسف بعد ذلك فقال القول قول المشتري إلا أن يقيم البائع البينة وهو قول محمد وجه قوله الأول أن كل واحد منهما يدعي على صاحبه العقد في مجلس آخر،

 

ج / 13 ص -55-       فيحلف كل واحد منهما على دعوى صاحبه كما لو قال بعت منك هذا العبد بألف وقال المشتري إنما اشتريت منك هذا العبد الآخر بخمسمائة وقد بينا فيما سبق أن كل واحد منهما في هذا الفصل مدع ومنكر حقيقة فالهلاك لا يمنع جريان التحالف وإنما يحلف كل واحد منهما على العلم لأنه استحلاف على ما ليس من صنعه وهو الموت أولا فإذا حلفا فقد انتفى دعوى كل واحد منهما بيمين صاحبه وقد علمنا يقينا بلزوم البيع في أحدهما ووجوب ثمنه عليه وليس أحدهما بأولى من الآخر فيلزمه نصف ثمن كل واحد منهما أو لم يعلم التاريخ بين موتيهما يجعل كأنهما ماتا معا فيتسع حكم البيع والأمانة فيهما ووجه قوله الآخر أن حاصل الاختلاف في مقدار ما وجب للبائع على المشتري من الثمن فالبائع يدعي الزيادة فعليه أن يقيم البينة على ذلك والمشتري منكر لتلك الزيادة فالقول قوله مع يمينه وليس هذا على أصل محمد نظير اختلاف المتبايعين في الثمن بعد هلاك السلعة لأن هناك كل واحد منهما يدعي عقدا آخر فالبيع بألف غير البيع بألفين على ما بينا وهنا هما صادقان على العقد بالثمن المسمى في كل واحد منهما وإنما يختلفان في مقدار ما لزم المشتري من الثمن المسمى فالقول قوله لإنكاره الزيادة وإن قامت لهما بينة لزمه ألف درهم لأن بينة البائع تثبت الزيادة وكذلك لو حدث بهما جميعا عيب فاختلفا في الذي أصابه العيب أولا وأقاما البينة فالبينة بينة البائع لإثبات الزيادة في حقه قبل المشتري.
قال: وإذا اشترى عبدا على أن البائع بالخيار ثلاثة أيام فقطعت يده عند المشتري فالبائع بالخيار إن شاء ألزمه البيع وأخذ منه الثمن وإن شاء أخذ منه عبده لأن التعيب حصل في ضمان المشتري وذلك لا ينافي خيار البائع ومحل الإجازة بعد القطع قائم فيبقى على خياره فإن اختار أخذ العبد يخير في نصف القيمة بين أن يرجع به على الجاني أو على المشتري لأن خيار البائع يمنع خروج المبيع عن ملكه فالجناية من القاطع حصلت على ملكه ولكن ضمان المشتري بالقبض فيكون له الخيار في التضمين كالعبد المغصوب إذا قطعت يده عند الغاصب فإذا اختار اتباع القاطع لم يرجع القاطع على المشتري لأن القاطع ضمن بجنايته وإن اختار اتباع المشتري فللمشتري أن يرجع به على القاطع لأن ذلك الضمان تقرر عليه بجناية القاطع فيرجع به عليه كالغاصب وإن كان البائع هو الذي قطع يده فهذا منه رد للبيع وليس له أن يلزمه البيع بعد ذلك لأن اليد من الآدمي نصفه فهو قد استرد نصفه بقوله وفي الاسترداد بحكم الخيار العقد لا يتجزى ء وفسخه البيع في النصف بالاسترداد يكون فسخا في الكل فلهذا لم يكن له أن يلزمه البيع بعد ذلك.
قال: وإن اشترى جارية على أنه بالخيار فيها ثلاثة أيام فولدت عنده فقد انقطع خياره لأنها تعينت بالولادة وكذلك لو وطئها هو أو غيره بفجور أو غير ذلك لأن وطأه إياها دليل الرضا ووطء الغير إياها بالفجور تعييب لها وقد بينا أن حدوث العيب في ضمان المشتري مسقط لخياره المستوفي بالحكم في حكم جزء من آخر العين لأن المستوفي بالوطء ما يملك

 

ج / 13 ص -56-       بالنكاح والمملوك بالنكاح في حكم العين ولهذا يثبت مؤيدا واستيفاء جزء من العين مسقط لخياره سواء كان المستوفي هو أو غيره.
قال: مسلم اشترى من مسلم عبدا على أنه بالخيار ثلاثة أيام ثم ارتد المشتري في الثلاثة والعياذ بالله فله أن يرد العبد ولا يوجب عليه الإسلام ولا الكفر شيئا لأن مشيئته لا تنقطع بردته ثم عندهما خياره لا يمنع دخول العبد في ملكه فرده بالخيار بمنزلة الإخراج عن ملكه وذلك صحيح من المرتد عندهما وعند أبي حنيفة خياره يمنع دخول العبد في ملكه فهو بالرد يمتنع من التملك إلا أن يملك غيره شيئا وردته لا تمنعه من ذلك.ثم لا خلاف بين أصحابنا رحمهم الله تعالى أن البدل الذي من جانب المشروط له الخيار لا يخرج عن ملكه وللشافعي فيه ثلاثة أقوال في قول مثل هذا وفي قول يخرج ويدخل في ملك الآخر لأن العقد منعقد مع شرط الخيار فيثبت حكمه وهو الملك إذ الخيار لا ينافي ذلك كخيار العيب وفي قول آخر يقول أنه إذا أسقط الخيار تبين أنه كان خارجا من ملكه إلى ملك صاحبه من وقت العقد بناء على أصله أن الخيار ما يقع بعد ما انعقد السبب موجبا للملك فإذا زال بسقوط الخيار تبين أن الملك كان ثابتا من وقت السبب ووجه قولنا أن العين لا تخرج من ملكه بطريق التجارة إلا بعد تمام رضاه وباشتراط الخيار ينعدم رضاه به والسبب بدون الشرط لا يكون عاملا في الحكم كاليمين بالطلاق فإنه سبب لوقوع الطلاق عند وجود الشرط فما لم يوجد الشرط لا يثبت الحكم به وعند وجود الشرط لا يتبين أن الحكم كان ثابتا قبله كما في حكم الطلاق وهذا معنى ما يقول أن البيع بشرط الخيار في حق الحكم كالمتعلق بسقوط الخيار وإنما تثبت حقيقة الملك عند سقوط الخيار ولهذا لو كان المشتري أعتقه قبل ذلك لم ينفذ عتقه إلا أن السبب المنعقد في الأصل يسري إلى الزوائد المتصلة والمنفصلة لكونها محلا له فعند وجود الشرط كما يثبت الحكم في الأصل يثبت في الزوائد وأما البدل الذي من جانب الآخر على قول أبي حنيفة رضي الله عنه يخرج في ملكه ولا يدخل في ملك المشروط له الخيار وعندهما يدخل في ملك المشروط له الخيار لأن البيع لازم في جانب من لا خيار له فيتوفر على البدل الذي في جانبه حكم البيع اللازم وهو الانتقال من ملك أحدهما إلى ملك الآخر ولهذا خرج من ملكه ولو لم يدخل في ملك صاحبه بقي مملوكا بلا مالك وذلك لا يجوز وليس من حكم العقد الخروج عن الملك من غير دخول في ملك الغير والدليل عليه أن المبيع إذا كان دارا والخيار للمشتري فبيعت دار بجنب هذه الدار كان له حق الشفعة ولو لم يصير مالكا لها لما استحق بها الشفعة كخيار السكنى وأبو حنيفة رضي الله عنه يقول من شرط الخيار لنفسه فقد استثنى الرضا فيما هو حكم العقد ودخول بدل صاحبه في ملكه من حكم العقد كما أن خروج البدل الذي من جانبه عن ملكه من حكم العقد فإذا لم يثبت أحدهما لانعدام الشرط فكذلك الآخر لمعنيين:
أحدهما: أنه لو دخل العوض في ملكه بحكم العقد ولم يخرج المعوض عن ملكه،

 

ج / 13 ص -57-       اجتمع البدلان في ملك رجل واحد بحكم المعاوضة مع كونها بمحل النقل وذلك لا يجوز.
والثاني: أنه لو دخل في ملكه من غير أن يخرج البدل الآخر عن ملكه كان مالكا بغير عوض وليس هذا بموجب البيع إن ثبت الملك به بغير عوض وإذا ثبت الملك له بغير عوض فلا يجوز أن يجب عليه العوض بعد ذلك إذن يكون ذلك عوضا يلزمه عن ملك نفسه.
فالحاصل أنهما بينا مذهبهما على اعتبار حال البدل وأبو حنيفة رضي الله عنه بنى مذهبه على اعتبار حال العاقد وأن الذي شرط الخيار لما استثنى الرضا لم يثبت حكم العقد أصلا في حقه لا في البدل الذي من جانبه ولا في البدل الذي من جانب صاحبه واعتبار هذا الجانب أولى لما قررنا ووجوب الشفعة للمشتري بها لأنه صار أحق بها تصرفا لأنه ملكها بمنزلة العبد المأذون إذا بيعت دار بجنب داره يجب له الشفعة لهذا المعنى ولهذا لو أعتقه المشتري نفذ عتقه لأنه صار أحق بالتصرف فيه وإقدامه على الإعتاق إسقاط منه لخياره.
ويتفرع على الأصل الذي بينا مسائل منها أن من اشترى قريبه على أنه بالخيار ثبت خياره عند أبي حنيفة رضي الله عنه ولم يعتق عليه لأنه لم يملكه وعندهما عتق عليه لأنه قد ملكه ولا خيار له فيه وكذلك لو قال أن ملكت هذا العبد فهو حر فاشتراه على أنه بالخيار بخلاف ما إذا قال إن اشتريته فهو حر لأن عند وجود الشرط يصير كالمنشئ للعتق فإذا كان الشرط هو الشراء يجعل بعد الشراء كأنه أعتقه فلهذا يعتق عندهم جميعا وعلى هذا لو اشترى زوجته على أنه بالخيار ثلاثة أيام لا يفسد النكاح عند أبي حنيفة ولو وطئها في المدة كان الوطء بحكم النكاح ولا يمنعه من ردها بخياره وعندهما يفسد النكاح ولو وطئها في المدة لم يكن له أن يردها بحكم خياره ومنها أن المسلم إذا اشترى عصيرا على أنه بالخيار ثلاثة أيام فقبضه فتخمر في يده فعلى قولهما يسقط خياره لأنه قد صار مالكا فلا يتمكن من رده بعد التخمر وعند أبي حنيفة رضي الله عنه لم يكن مالكا فيفسد البيع بالتخمر لأنه لو لم يفسد البيع لكان متملكا بإسقاط الخيار بعد ما تخمر وذلك لا يجوز
وقيل في هذا الموضع تتغير العين من صفة إلى صفة في ضمان المشتري فينبغي أن يسقط الخيار عندهم جميعا وإنما هذا للاختلاف في ذمي اشترى من ذمي خمرا على أن المشتري بالخيار وقبضها ثم أسلم فعندهما يسقط خياره لأنه كان مالكا فلا يردها بعد إسلامه وعند أبي حنيفة يبطل البيع لأنه لم يكن مالكا ولو لم يبطل البيع يتملكها عند إسقاط الخيار بحكم العقد بعد إسلامه وذلك لا يجوز ومنها أن من اشترى جارية على أنه بالخيار وقبضها ثم ردها بحكم الخيار فعند أبي حنيفة رضي الله عنه لا يجب على البائع استبراء جديد لأنه لم يدخل في ملك غيره عنده وعندهما يجب ولو حاضت عند المشتري في مدة الخيار ثم أسقط خياره عند أبي حنيفة رضي الله عنه لا يجتزي بتلك الحيضة من الاستبراء وعندهما يجتزي بها ومنها العبد المأذون إذا اشترى عبدا على أنه بالخيار ثلاثة أيام فأبرأه البائع من الثمن ثم أراد رده بخياره فله ذلك عند.

 

ج / 13 ص -58-       أبي حنيفة لأنه لم يكن مالكا له فهو بالرد يمتنع من تملكه وعندهما كان مالكا فلو رده بعد ما أبرأه عن الثمن يخرج العبد عن ملكه بغير عوض والعبد المأذون لا يملك ذلك.
قال: نصراني اشترى من نصراني خمرا فلم يقبضها حتى أسلم أحدهما إما البائع أو المشتري فلا بيع بينهما استحسانا وفي القياس يبقى البيع بينهما صحيحا لأن المشتري ملك الخمر بنفس العقد والإسلام لا يمنعه من قبضها ألا ترى أنه لو كانت خمرا مغصوبة له في يد غيره كان له أن يقبضها بعد الإسلام فكذلك في البيع وجه الاستحسان أن الإسلام يمنع القبض هنا لأن هذا القبض مشابه بالعقد من حيث أنه يتأكد به ملك العين ويستفاد به ملك التصرف فكما أن الإسلام من أحدهما يمنع ابتداء العقد على الخمر فكذلك يمنع القبض بحكم العقد وفوات القبض المستحق بالعقد مبطل للعقد يوضحه أن الطارئ بعد العقد قبل القبض من الزوائد يجعل كالموجود عند العقد حكما فكذلك الطارئ من إسلام أحدهما يجعل كالموجود عند العقد وكذلك السلم في الخمر يعين إذا أسلم نصراني إلى نصراني في خمر يجوز فإن أسلم أحدهما قبل قبض الخمر فهو على هذا القياس والاستحسان وعن أبي يوسف أنه قال في السلم أخذ بالاستحسان وفي مبيع العين أخذنا بالقياس لأن القبض بحكم السلم يوجب الملك في غير المقبوض وهو نظير العقد في أن إسلام أحد المتعاقدين يمنع العقد على الخمر فأما في بيع العين القبض ناقل للضمان وليس بموجب ملك العين فهو بمنزلة استرداد المغصوب.
 قال: وإن كان المشتري قبض الخمر ولم يرد الثمن حتى أسلما أو أسلم أحدهما فالبيع ماض والثمن عليه لأن حكم العقد ينتهي في الحرام بالقبض والإسلام الطارئ لا يؤثر في المنع من قبض الثمن يقرره أن الإسلام إذا طرأ فإنه يلاقي الحرمة القائمة بالرد والماضية بالعفو كنزول آية الربا على ما نص الله تعالى عليه بقوله
{وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا}[البقرة:278] أي ما بقي غير مقبوض فعرفنا أن الإسلام المحرم إذا طرأ لا يتعرض للمقبوض.
 قال: وإذا اشترى الرجل عبدين بألف درهم على أن أحدهما له لازم وهو في الآخر بالخيار فهو فاسد لأن الذي لزمه العقد فيه منهما مجهول وإلزام العقد في المجهول لا يجوز وكذلك إن سمى لكل واحد منهما ثمنا فإن لم يبين الذي لزمه العقد فيه منهما فهذا فاسد أيضا لما قلنا وإن بين ذلك فحينئذ يجوز لأن الذي لزمه العقد فيه معلوم وثمنه مسمى معلوم والذي له الخيار فيه معلوم فكأن العقد كان في صفقتين متفرقتين فإن اشترى أحدهما بعينه في صفقة واحدة على أنه بالخيار فيه والآخر في صفقة من غير خيار ولو لم يكن الذي لزمه العقد فيه معيبا وقبضهما وماتا في يده فهو ضامن لقيمتهما لأنه قبضهما بحكم الشراء الفاسد فكل واحد منهما يكون مضمونا عليه بالقيمة والله أعلم بالصواب.

باب الخيار بغير الشرط
قال رحمه الله تعالى: وإذا اشترى الرجل جراب هروي أو زيتا في زق أو حنطة في جوالق

 

 

ج / 13 ص -59-       فلم ير شيئا من ذلك فهو بالخيار إذا رآه عندنا وقال الشافعي رحمه الله تعالى إن لم يكن جنس المبيع معلوما للمشتري فالعقد باطل قولا واحدا وإن كان جنس المبيع معلوما فله فيه قولان احتج في ذلك بنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر والغرر ما يكون مستور العاقبة وذلك وجود فيما لم يره وبنهيه صلى الله عليه وسلم عن بيع ما ليس عند الإنسان والمراد ما ليس بحاضر مرئيا للمشتري لإجماعنا على أن المشتري إذا كان رآه فالعقد جائز وإن لم يكن حاضرا عند العقد لأنه لم يعرف من المعقود عليه إلا الاسم فلا يجوز البيع كما لو قال بعت منك عبدا ولم يشر إليه ولا إلى مكانه ومعنى هذا الكلام أن جميع أوصاف المعقود عليه مجهولة وطريق معرفتها الرؤية دون الخبر ألا ترى أن العقد لا يلزم قبل الرؤية مع سلامة المعقود عليه والرضا بلزومه ولو كان الوصف طريقا للإعلام هنا لكان العقد يلزم باعتباره يوضحه أن المقصود هو المالية ومقدار المالية لا يصير معلوما إلا بالرؤية فالجهل بمقدار المالية قبل الرؤية بمنزلة انعدام المالية في إفساد العقد كبيع الآبق فإن المالية في الآبق قائمة حقيقة ولكن لا يتوصل إليه للبعد عن اليد فيجعل ذلك كفوات المالية في المنع من جواز البيع ولهذا لا يجوز بيع الجنين في البطن وبيع اللبن في الضرع ولأن البيع نوعان بيع عين وبيع دين وطريق معرفة المبيع فيما هو دين الوصف يعني المسلم فيه وفي ما هو عين المشاهدة ثم ما هو الطريقة لمعرفة المعقود عليه في بيع الدين وهو الوصف إذا تراخى عن حالة العقد لم يجز العقد فكذلك ما هو الطريق للمعرفة في بيع العين وهو الرؤية إذا تأخر عن حالة العقد لا يجوز العقد.
وحجتنا في ذلك ما روي في المشاهير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"من اشترى شيئا لم يره فهو بالخيار إذا رآه" والهاء في قوله لم يره كناية فينصرف إلى المكنى السابق وهو الشيء المشتري والمراد خيار لا يثبت إلا بعد تقدم الشراء وذلك الخيار بين فسخ العقد وإلزامه دون خيار الشراء ابتداء وتصريحه بإثبات هذا الخيار له تنصيص على جواز شرائه وهذا الحديث رواه عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما وعطاء والحسن البصري وسلمة بن المجير رحمهم الله تعالى مرسلا عن النبي صلى الله عليه وسلم لشهرته والمعنى فيه أن المبيع معلوم العين مقدور التسليم فيجوز بيعه كالمرئي وبيان الوصف أنه مشار إلى عينه فإن الخلاف في جارية قائمة بين يديه مبيعة فلا شك أن عينها معلومة بالإشارة إليها وكذلك إن أشار إلى مكانها وليس في ذلك المكان مسمى بذلك الاسم غيرها فأما كونها جارية وكونها مملوكة فلا طريق إلى معرفة ذلك الأخير التابع له فإنها وإن رفعت النقاب لا يعلم ذلك إلا بقول البائع وقد أخبرته وهذا لأن خبر الواحد في المعاملات يوجب العلم من حيث الظاهر ولهذا من علم شيئا مملوكا لإنسان ثم رآه في يد غيره يبيعه ويزعم أنه اشتراه من الأول أو أنه وكله ببيعه جاز له أن يشتري منه بناء على خبره فإنما نفى تقدم رؤية وجهها الجهل بصفات الوجه وجواز العقد وفساده لا ينبني على ذلك لأن الجهل ببعض أوصافها لا يكون أكثر تأثيرا من فوات بعض

 

ج / 13 ص -60-       الأوصاف بأن كانت محترقة الوجه أو معيبة بعيب آخر وذلك لا يمنع جواز العقد وإن كان يمنع لزوم العقد فكذلك الجهل لبعض الأوصاف.
ألا ترى أن عدم المعقود عليه يمنع العقد والجهل بالمعقود عليه في بعض المواضع لا يمنع العقد وهو أنه إذا باع قفيزا من الصبرة فإن عين المعقود عليه مجهول وجاز العقد فدل أن تأثير العدم فوق تأثير الجهل يوضحه أن الجهالة إنما تفسد العقد إذا كانت تفضي إلى المنازعة كما في شاة من القطيع فأما إذا لم تفض إلى المنازعة لا تفسد البيع كبيع القفيز من الصبرة وجهالة الأوصاف بسبب عدم الرؤية لا تفضي إلى المنازعة بعد ما صار معلوم العين وإنما تأثير هذه الجهالة في انعدام تمام الرضا به وذلك شرط انبرام العقد لا شرط جوازه ألا ترى أن البيع يجوز مع خيار الشرط ولا يلزم لانعدام تمام الرضا وكذلك في العيب إلا أن هناك السبب المانع من تمام الرضا شرط الخيار منه وهو محتمل للإسقاط فإذا أسقطه تم الرضا في العيب والسبب بثبوت الحق المطالبة بالجزء الفائت وهو محتمل للإسقاط فإذا أسقطه تم الرضاء به وهنا السبب هو الجهل بأوصاف المعقود عليه وذلك لا ينعدم إلا بالرؤية فلهذا لا يسقط خياره وإن أسقطه قبل الرؤية والدليل عليه أن جهالة العين كما تمنع جواز البيع تمنع جواز النكاح حتى لو قال زوجتك إحدى ابنتي أو زوجتك إحدى أمتي لم يصح النكاح ثم عدم الرؤية لا تمنع صحة النكاح فعرفنا أنه لا يوجب جهالة العين إلا أن في النكاح العقد يلزم لأن لزومه لا يعتمد تمام الرضا ولهذا لزم مع اشتراط الخيار والعيب بخلاف البيع وعليه نقيس لعله أن هذا عقد معاوضة فعدم رؤية المعقود عليه لا تمنع جوازه كالنكاح ولأنه ليس في هذا أكثر من أن ما هو المقصود بالعقد مسترد بغيره وهذا لا يمنع جواز الشراء كما إذا اشترى جوزا أو بيضا أو اشترى قفاعا في كوز يجوز فالمقصود بالعقد مسترد بغيره.
يوضحه أن الشافعي رحمه الله تعالى لا يجوز بيع اللوز الرطب والجوز الرطب في قشرين ويجوز بيع اليابس منهما لأنه في قشر واحد وفي الوجهين المقصود وهو اللب دون القشر وهو مسترد بما ليس بمقصود وهذا بخلاف السلم لأن جهالة الوصف هناك تفضي إلى المنازعة المانعة من التسليم ولأن العقد يرد على الأوصاف في باب السلم فإن الدين وصف في الذمة والبدل بمقابلتها فإذا لم يذكر عند العقد لم يجز العقد لانعدام المعقود عليه وبيع الآبق إنما لا يجوز للعجز عن التسليم لا لعدم المالية ولهذا جوزنا هبته من ابنه الصغير وبيعه ممن في يده وبيع الجنين في البطن إنما لا يجوز لانعدام المالية فيه مقصودا فإنه في البطن جزء من أجزاء الأم ألا ترى أنه لا يحتمل التزويج مقصودا فكذلك البيع بخلاف ما نحن فيه وتأويل النهي عن بيع ما ليس عند الإنسان بيع ما ليس في ملكه بدليل قصة الحديث فإن حكيم بن حزام رضي الله عنه قال يا رسول الله إن الرجل يطلب مني سلعة ليست عندي فأبيعها منه ثم أدخل السوق فاستحدثها فاستجيدها فأشتريها فأسلمها إليه فقال صلى الله عليه وسلم:
"لا تبع ما ليس عندك" والنهي عن بيع الغرر ينصرف إلى ما لا يكون معلوم العين إذا عرفنا هذا فنقول هنا فصلان:

 

ج / 13 ص -61-       أحدهما: البائع إذا لم ير المبيع قط بأن ورث شيئا فباعه قبل الرؤية فالبيع جائز عندنا وكان أبو حنيفة رضي الله عنه أولا يقول له الخيار ثم رجع وقال لا خيار له وقال الشافعي لا يجوز بيعه قولا واحدا والدليل على جوازه ما روي أن عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه باع أرضا كانت له بالبصرة من طلحة رضي الله تعالى عنه فقيل لطلحة إنك قد عينت فقال: الخيار لي لأني اشتريت ما لم أره فذكر ذلك لعثمان رضي الله تعالى عنه فقال لي الخيار لأني بعت ما لم أره فحكما جبير بن مطعم رضي الله تعالى عنه في ذلك فقضى بالخيار لطلحة رضي الله تعالى عنه فقد اتفقوا على جواز الشرط ولهذا رجع أبو حنيفة حين بلغه الحديث و قال لا خيار للبائع وهذا لأن تمام رضاه باعتبار علمه بما يدخل في ملكه لا بما يخرج عن ملكه والمبيع يخرج عن ملك البائع وإنما يدخل في ملكه الثمن وهو طريق إعلامه التسمية دون الرؤية فأما إذا كان البائع قد رأى المعقود عليه ولم يره المشتري فهو على الخلاف الذي قلنا وبعد العقد قبل الرؤية للمشتري أن يفسخ العقد لأن تمكنه من الفسخ باعتبار أن العقد غير لازم وما لم يتم الرضا به لا يكون العقد لازما فكان له أن يفسخ العقد قبل الرؤية وليس له أن يلزم العقد قبل الرؤية لأن اللزوم يعتمد تمام الرضا وإنما يتم رضاه إذا علم بالأوصاف التي هي مقصوده وإنما يصير ذلك معلوما بالرؤية وهذا بخلاف خيار العيب فإن العلم بالأوصاف قبل رؤية موضع العيب يثبت على الوجه الذي اقتضاه العقد وهو صفة السلامة فإنما يثبت خيار العيب لثبوت حق المطالبة له بتسليم الجزء الفائت وذلك يحتمل الإسقاط فلهذا صح الإبراء قبل رؤية العيب.
يوضحه أن في الرضا قبل الرؤية هنا إبطال حكم ثبت بالنص وهو الخيار للمشتري عند رؤية المعقود عليه لأنه يراه بعد ذلك ولا خيار له وليس له في الفسخ إبطال حكم ثابت بالنص لأنه يوجد رؤية المعقود عليه خاليا عن الخيار وقد أثبت الشرع الخيار عند رؤية المعقود عليه بخلاف الفسخ قبل الرؤية لأن بالفسخ خرج من أن يكون معقودا عليه فلا يوجد بعد ذلك رؤية المعقود عليه خاليا عن الخيار ثم يشترط لإسقاط الخيار هنا الرؤية التي توجب إعلام ما هو المقصود وذلك في بني آدم برؤية الوجه وفي الدواب برؤية وجهها وكفلها ومؤخرها فيما يروى عن أبي يوسف وفي الغنم يحتاج مع ذلك إلى الجنس وفيما يكون المقصود منه اللبن يحتاج إلى رؤية الضرع وفيما يعلم بالذوق والشم يحتاج إلى ذلك أيضا لأن العلم بما هو المقصود إنما يحصل به فلا يسقط خياره ما لم يرض بعد العلم بما هو المقصود صريحا أو دلالة وليس للخيار في هذا وقت لأن الحديث ورد بخيار مطلق للمشتري فالتوقيت فيه زيادة على النص ولأن هذا في معنى خيار العيب وذلك لا يتوقت إلا أن خيار العيب يجوز الصلح عنه على مال بخلاف خيار الرؤية لأن الحق هناك في الجزء الفائت والاصطلاح يكون على رد حصة الجزء الفائت من الثمن ولهذا لو تعذر الرد رجع بحصة العيب من الثمن وهنا الخيار للجهل بأوصاف المعقود عليه وذلك ليس بمال فلا يجوز الصلح

 

ج / 13 ص -62-       عنه على مال كخيار الشرط ولهذا قلنا إن خيار العيب يورث لأن الوارث يقوم مقام المورث فيما هو مال وخيار الرؤية لا يورث كخيار الشرط.
قال: فإن رأى بعض الثياب فهو فيما بقي منها بالخيار لأن الثياب تتفاوت فلا يستدل برؤية بعضها على رؤية البعض وإذا أراد الرد فليس له أن يرد ما لم يره خاصة ولكن يرد الكل أو يمسك الكل لأن خيار الرؤية يمنع تمام الصفقة كخيار الشرط فإن كل واحد منهما يمنع اللزوم لعدم تمام الرضا فكما أن من له خيار الشرط لا يتمكن من تفريق الصفقة قبل التمام بلزوم العقد فكذلك من له خيار الرؤية ويستوي في ذلك ما قبل القبض وما بعد القبض لأن الصفقة إنما تتم بالقبض باعتبار تمام الرضا ولا يكون ذلك قبل الرؤية بخلاف خيار العيب فهناك الصفقة تتم بالقبض لتمام الرضا به على ما هو مقتضى العقد وهو صفة السلامة.
قال: ولو تعذر رد البعض الهالك في يد المشتري قبل الرؤية فليس له أن يرد ما بقي لأنه تعذر عليه رد الهالك وليس له أن يفرق الصفقة في الرد قبل التمام فمن ضرورة تعذر الرد في الهالك تعذر الرد فيما بقي إلا في رواية عن أبي يوسف قال له أن يرد ما بقي لأنه لو صرح بإلزام العقد قبل الرؤية لم يسقط خياره فبهلاك البعض أولى أن لا يسقط خياره فيما بقي ولكنه قبل الهلاك باختياره رد البعض هو فاسد للإضرار بالبائع فيرد عليه قصده وذلك لا يوجد بعد الهلاك فيتمكن من رد ما بقي وكذلك كل حيوان أو عرض فأما السمن والزيت والحنطة فلا خيار له إذا اشتراها بعد رؤية بعضها لأن المكيل أو الموزون من جنس واحد لا يتفاوت فبرؤية البعض تصير صفة ما بقي منه معلوما والأصل أن كل ما يعرض بالنموذج فرؤية جزء منه يكفي لإسقاط الخيار فيه وما لا يعرض بالنموذج فلا بد من رؤية كل واحد منهما لإسقاط الخيار وفيما يعرض بالنموذج إنما يلزم العقد إذا كان ما لم يره مثل ما رآه أو أجود مما رآى فإن كان أدنى مما رأى فله الخيار لأنه إنما رضي بالصفة التي رآى فإذا تغير لم يتم الرضا به وإن اختلفا فقال المشتري قد تغير وقال البائع لم يتغير فالقول قول البائع مع يمينه وعلى المشتري البينة لأن دعواه التغير بعد ظهور سبب لزوم العقد وهو رؤية جزء من المعقود عليه بمنزلة دعوى العيب في المشترى ولو ادعى عيبا بالمبيع فعليه أن يثبت ذلك بالبينة والقول قول البائع مع يمينه إن لم يكن له بينة فهذا مثله.
قال: وإذا رأى متاعا مطويا ولم يقسه ولم ينشره فاشتراه على ذلك فلا خيار له لأن في الثوب الواحد يستدل برؤية طرف منه على ما بقي فلا تتفاوت أطراف الثوب الواحد إلا يسيرا وذلك غير معتبر ولأن رؤية كل جزء منه يتعذر قالوا وهذا إذا لم يكن في طي الثوب ما هو المقصود فإن كان في طي الثوب ما هو مقصود كالعلم لم يسقط خياره ما لم ير ذلك الموضع يعني موضع العلم لأن المالية تتفاوت بجنسه وهو نظير النظر إلى وجه الآدمي فإنه وإن رأى سائر المواضع من جسده لا يسقط خياره ما لم ير وجهه.
قال: ولو كان رآه قبل الشراء ثم اشتراه فلا خيار له إلا أن يكون قد تغير عن الحال الذي

 

ج / 13 ص -63-       رآه عليه وإن ادعى المشتري التغير فالقول قول البائع مع يمينه لإنكاره وعلى المشتري البينة وهذا إذا كانت المدة قريبة يعلم أنه لا يتغير في مثل تلك المدة فأما إذا تطاولت المدة فالقول قول المشتري أرأيت لو كانت جارية شابة ثم اشتراها بعد عشرين سنة فزعم البائع أنها لم تتغير أكان يصدق على ذلك فهذا مما يعرفه كل عاقل فالظاهر يشهد فيه للمشتري فالقول قوله.
قال: وإذا اشترى شيئا ثم أرسل رسولا يقبضه فهو بالخيار إذا رآه ورؤية الرسول وقبضه لا يلزمه المتاع لأن المقصود علم العاقد بأوصاف المعقود عليه ليتم رضاه وذلك لا يحصل برؤية الرسول فأكثر ما فيه أن قبض رسوله كقبضه بنفسه ولو قبض بنفسه قبل الرؤية كان بالخيار إذا رآه فكذلك إذا أرسل رسولا فقبضه له فأما إذا وكل وكيلا بقبضه فرآه الوكيل وقبضه لم يكن للموكل فيه خيار بعد ذلك في قول أبي حنيفة رضي الله عنه و قال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى له الخيار إذا رآه لأن القبض فعل والرسول والوكيل فيه سواء وكل واحد منهما مأمور بإحراز العين والحمل إليه والنقل إلى ضمانه بفعله ثم خياره لا يسقط برؤية الرسول فكذلك برؤية الوكيل وكيف يسقط خياره برؤيته وهو لو أسقط الخيار نصا لم يصح ذلك منه لأنه لم يوكله به فكذلك إذا قبض بعد الرؤية وقاسا بخيار الشرط والعيب فإنه لا يسقط بقبض الوكيل ورضاه به فكذلك خيار الرؤية وأبو حنيفة رضي الله عنه يقول التوكيل بمطلق القبض يثبت للوكيل ولأنه إتمام القبض كالتوكيل بمطلق العقد يثبت للوكيل ولأن إتمامه وتمام القبض لا يكون إلا بعد تمام الصفقة والصفقة لا تتم مع بقاء خيار الرؤية فيضمن التوكيل بالقبض إنابة الوكيل مناب نفسه في الرؤية المسقطة لخياره بخلاف الرسول فإن الرسول ليس إليه إلا تبليغ الرسالة فأما إتمام ما أرسل به ليس إليه كالرسول بالعقد ليس إليه من القبض والتسليم شيء والدليل على الفرق بين الوكالة والرسالة أن الله تعالى أثبت صفة الرسالة لنبيه صلى الله عليه وسلم وبقي الوكالة بقوله تعالى
{لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ} [الأنعام:66] وهذا بخلاف خيار العيب فإن بقاءه لا يمنع تمام الصفقة والقبض ولهذا ملك بعد القبض رد المعيب خاصة.
يوضحه أن خيار العيب لثبوت حق المطالبة بتسليم الجزء الفائت وذلك للموكل والوكيل لا يملك إسقاطه لأنه فوض إليه الاستيفاء دون الإسقاط فأما خيار الشرط فقد منعه بعض أصحابنا رحمهم الله تعالى والأصح هو التسليم والفرق بينهما أنا نجعل في الموضعين فعل الوكيل كفعل الموكل والموكل لو قبض بنفسه بعد الرؤية سقط به خياره فكذلك قبض الوكيل ولم يسقط خيار الشرط بقبض الوكيل بحال وهذا لأن من شرط الخيار استثنى رضاه نصا فلا بد لسقوط خياره من إسقاطه أو إسقاط نائبه والوكيل ليس بنائب عنه في إسقاط حصة الذي استثناه لنفسه أو يقول سقوط خيار الرؤية من حقوق العقد لأن الرؤية تكون عند القبض عادة والوكيل بالشيء فيما هو من حقوقه كالمباشر لنفسه بمنزلة الوكيل بالعقد بخلاف خيار الشرط فإسقاطه لا يكون عند القبض والرؤية بل بالتأكد فيه بعد مدة بعيدة ولأن الوكيل بقبض المبيع

 

ج / 13 ص -64-       بمنزلة الوكيل بالعقد لأن القبض مشابه بالعقد من حيث أنه يستفاد به ملك التصرف ثم رؤية الوكيل بالعقد تجعل كرؤية الموكل فكذلك رؤية الوكيل بالقبض بخلاف خيار العيب فرضاء الوكيل بالعيب لا يكون ملزما الموكل ألا ترى أنه بعد الشراء لو وجد بالمبيع عيبا فرضي به الوكيل وأبى الموكل أن يرضى به فله أن لا يرضى بخلاف خيار الشرط فالوكيل بالعقد لا يملك إسقاط خيار الشرط الذي استثناه الآمر لنفسه نحو ما إذا أمره بأن يشترط له الخيار فكذلك الوكيل بالقبض لا يملك إسقاطه.
قال: وإذا اشترى عدل زطي لم يره ثم باع منه ثوبا ثم نظر إلى ما بقي فلم يرض به لم يكن له أن يرده إلا من عيب يجده فيه لأنه تعذر الرد فيما باع وليس له أن يفرق الصفقة في الرد بخيار الرؤية فإذا عاد إلى ملك البائع ما باع بسبب فهو فسخ من كل وجه فله أن يرد الكل بخيار الرؤية لزوال المانع إلا في رواية علي بن الجعد رحمه الله تعالى عن أبي يوسف أنه يقول خيار الرؤية كخيار الشرط فلا يعود بعد ما سقط وإن عاد إلى قديم ملكه وإن كان باعه على انه بالخيار فإن كان بعد الرؤية فهو دليل الرضى منه فيسقط خياره وإن كان قبل الرؤية فهو على خياره لأنه لم يتعذر عليه رد الكل بما أحدث من التصرف فلو أسقطنا خياره لأسقطنا بإيجابه البيع في الثوب وذلك لا يكون أقوى من تصريحه بإسقاط خيار الرؤية ولو صرح بذلك لم يسقط خياره قبل الرؤية فكذلك إذا باعه على أنه بالخيار فإن كان بعد الرؤية فهو دليل الرضى منه فسقط خياره وإن كان قبل الرؤية فهو على خياره لأنه لم يتعذر عليه رد الكل بما أحدث من التصرف فلو أسقطنا خياره لأسقطنا بإيجابه البيع في الثوب وذلك لا يكون أقوى من تصريحه بإسقاط خيار الرؤية ولو صرح بذلك لم يسقط خياره قبل الرؤية فكذلك إذا باعه على أنه بالخيار وكذلك لو قطع ثوبا منه وألبسه حتى تغير فقد تعذر عليه رد هذا الثوب كما قبضه وليس له أن يرد ما بقي لما فيه من تفريق الصفقة قبل التمام.
قال: وإذا اشترى عدل زطى بثمن واحد أو كل ثوب بعشرة أو كر حنطة أو خادمين فحدث في شيء من ذلك عيب قبل أن يقبضه أو كان العيب فيه فعلم به فليس له إلا أن يرده كله أو يأخذه كله لما في رد البعض من تفريق الصفقة قبل التمام ولأن الرد بالعيب قبل القبض بمنزلة الرد بخيار الشرط وخيار الرؤية ولهذا ينفرد الراد به من غير قضاء ولا رضاء وهذا لأنه لا حصة من الثمن قبل القبض فهو مجرد خيار يثبت له ليدفع به الضرر عن نفسه لا حصة للجزء الفائت من المثمن قبل القبض لأنه وصف فلا يمكن من إلحاق الضرر بالبائع في تفريق الصفقة عليه ولكن يرد الكل أو يمسك الكل والحادث من العيب قبل القبض كالموجود عند العقد لأن المبيع في ضمان البائع ولو هلك كان هلاكه على البائع فكذلك إذا فات جزء منه ولأن الزيادة التي تحدث في العين قبل القبض لما جعلت في حكم الموجود عند العقد فكذلك النقصان الحادث في العين قبل القبض وكذلك لو قبض أحدهما دون الآخر لأن تمام الصفقة تعلق بالقبض فلا يثبت إلا بعد قبض الجميع كسقوط

 

ج / 13 ص -65-       حق البائع في الجنس لما تعلق بوصول الثمن إليه فما لم يقبض جميع الثمن بقي حقه في الجنس فيستوي في ظاهر الرواية إن وجد العيب بالمقبوض فله أن يرده خاصة وإن وجد بالذي لم يقبض فليس له إلا أن يردهما لأنه يجعل في حكم ما وجد به العيب كان الآخر بصفته وأما إذا علم بالعيب بعد ما قبضهما فله أن يرد المعيب خاصة وقد لزمه البيع في الآخر بحصته من الثمن إلا على قول زفر فإنه يقول يردهما إن شاء لأن ضم الجيد إلى الرديء عادة ظاهرة في البيع فلو رد الرديء بالعيب خاصة تضرر به البائع فلدفع الضرر عنه أما أن يردهما أو يمسكهما كما في الرد بخيار الشرط والرؤية ولكنا نقول حق المشتري بعد القبض في المطالبة بتسليم الجزء الفائت ولأجله يتمكن من الرد ولهذا إذا تعذر الرد رجع بحصة العيب من الثمن وهذا المعنى تقتصر على العيب فلا يتعدى حكم الرد إلى محل آخر وهذا لأن الصفقة تتم بالقبض لوجود تمام الرضا من المشتري عند صفة السلامة كما أوجبه العقد وبه فارق خيار الشرط والرؤية فالمانع من تمام الصفقة هناك عدم الرضا للجهل بأوصاف المعقود عليه أو بشرط الخيار وهذا باق وفي رد أحدهما تفريق الصفقة قبل التمام فلهذا لا يتمكن منه وأما ما كان من مكيل أو موزون من ضرب واحد فليس له إلا أن يرد كله أو يمسك كله لأن الكل في الحكم واحد ألا ترى أن الكل تسمى باسم واحد وهو الكر فالشيء الواحد لا يرد بعضه بالعيب دون البعض.
يوضحه أنه إذا ميز المعيب ازداد عيبه فالمعيب من الحنطة عند الاختلاط بما ليس بمعيب لا يتبين فيه من العيب ما يتبين إذا ميز عما ليس بمعيب والمشتري لا يتمكن من الرد بعيب أكثر مما خرج من ضمان البائع وبعض المتأخرين رحمهم الله تعالى يقولون هذا إذا كان الكل في وعاء واحد فأما إذا كان في وعائيين فوجد ما في أحد الوعائين معيبا فله أن يرد ذلك بالعيب إن شاء بمنزلة الثوبين والجنسين كالحنطة والشعير لأنه يرده على الوجه الذي خرج من ضمان البائع والأظهر في الجنس الواحد بصفة واحدة أنه كشيء واحد سواء كان في وعاء واحد أو في وعائين فإما أن يرد الكل أو يمسك الكل.
قال: وإذا اشترى ثوبين أو عبدين بثمن واحد وقبضهما ثم استحق أحدهما فالآخر له لازم لأن الاستحقاق لا يمنع تمام الصفقة بالقبض فإن العقد حق العاقد فتمامه يستدعي تمام الرضا من العاقد به وبالاستحقاق ينعدم رضا المالك لا رضا العاقد ولهذا قلنا في الصرف ورأس مال السلم لو أجاز المستحق بعد ما افترقا يبقى العقد صحيحا فإذا عرفنا تمام الصفقة بالقبض قلنا يرجع بثمن المستحق لأن ذلك لم يسلم له والبيع لازم له في الآخر لأنه سالم واستحقاق أحدهما لا يمكن نقصانا في الآخر وإن استحق أحدهما قبل القبض فله الخيار في الآخر ليفرق الصفقة عليه قبل التمام وكذلك لو قبض أحدهما ولم يقبض الآخر حتى استحق المقبوض أو الذي لم يقبض فله الخيار في الباقي لما بينا أن تمام الصفقة يقبض جميع ما يتناوله العقد فما بقي شيء منه غير مقبوض لا تكون الصفقة تامة ولو كان ثوب واحد أو عبد أو

 

ج / 13 ص -66-       شيء مما لا يتبعض فاستحق بعضه قبل القبض أو بعده فله أن يرد ما بقي بعيب الشركة فالتجار يعدون الشركة فيما يضره التبعيض عيبا فاحشا.
قال: وإذا اشترى شيئا مما يكال أو يوزن فاستحق بعضه قبل القبض أو وجده ناقصا فله أن يترك ما بقي لتفرق الصفقة عليه قبل التمام وإن استحق البعض بعد القبض فلا خيار له فيما بقي لأن هذا لا يضره التبعيض وباستحقاق البعض لا يتعيب ما بقي وقد تمت الصفقة بالقبض.
قال: ولو اشترى دارا فنظر إلى ظاهرها خارجا منها ولم يدخلها فليس له أن يردها إلا بعيب عندنا و قال زفر له أن يردها
وقيل هذا الجواب بناء على دورهم بالكوفة فإنها تختلف بالسعة والضيق وفيما وراء ذلك يكون بصفة واحدة وهذا يصير معلوما بالنظر إلى جدرانها من خارج فأما في ديارنا مالية الدور تختلف بقلة المرافق وكثرتها وذلك لا يصير معلوما إلا بالنظر إليها من داخل فالجواب على ما قال زفر ومن حقق الخلاف في المسألة فحجة زفر هنا الذي ذكرنا الجواب وحجتنا أن النظر إلى كل جزء من أجزائها متعذر فإنه يتعذر عليه أو ينظر إلى ما تحت السور وإلى ما بين الحيطان من الجذوع والاسطوانات وإذا سقط شرط رؤية الكل للتعذر أقمنا رؤية جزء منها مقام رؤية الجميع تيسيرا.
قال: والأعمى في كل ما اشترى إذا لم يقلب ولم يجس بالخيار فإذا قلب أو جس فهو بمنزلة النظر من الصحيح ولا خيار له إلا أن يجد به عيبا والكلام في فصول:
أحدها جواز العقد عندنا من الأعمى بيعا كان أو شراء وقال الشافعي رحمه الله تعالى إن كان بصيرا فعمي فكذلك الجواب وإن كان أكمه فلا يجوز بيعه وشراؤه أصلا لأنه لا يعرف لون الأشياء وصفتها وهذا غلط منه فالناس تعارفوا معاملة العميان من غير نكير منكر وتعامل الناس من غير نكير منكر أصل في الشرع ثم من أصله أن من لا يملك أن يشتري بنفسه لا يملك أن يأمر غيره به فإذا احتاج الأعمى إلى مأكول ولا يتمكن من أن يشتري أو يوكل به مات جوعا وفيه من القبح ما لا يخفى فإذا ثبت جواز شرائه قلنا إن كان المشترى مما يعرف بالجس أو الذوق فهو كالبصير في ذلك وإن كان مما تعرف صفته بالجس كما تعرف بالرؤية فالمس فيه كالرؤية من البصير حتى لو لمسه وقال رضيت به يسقط خياره وما لا يمكن معرفته كالعقارات فإنه يوصف له بأبلغ ما يمكن فإذا قال قد رضيت سقط خياره لأن ذكر الوصف يقام مقام الرؤية في موضع من المواضع كما في عقد السلم والمقصود رفع العين عنه وذلك يحصل بذكر الوصف وإن كان بالرؤية أتم وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى قال تعاد إلى ذلك الموضع فإذا كان بحيث لو كان بصيرا رأى فقال قد رضيت سقط خياره وجعل هذا كتحريك الشفتين من الأخرس فإنه يقام مقام عبارة الناطق في التكبير والقراءة لأن الممكن ذلك القدر وقال الحسن بن زياد يوكل بصيرا بالقبض حتى يرى البصير له فيقبض وهذا أشبه بقول أبي حنيفة فالوكيل بالقبض عنده يجعل في الرؤية كالموكل وقال بعض أئمة بلخ

 

ج / 13 ص -67-       رحمهم الله: تعالى يمس الحيطان والأشجار فإذا قال قد رضيت يسقط خياره لأن الأعمى إذا كان زكيا يقف على مقصوده في ذلك بالمس وحكي أن أعمى اشترى أرضا فقال قيدوني فقادوه إليها فقادوه فجعل يمس الأرض حتى انتهى إلى موضع منها فقال أموضع كدس هذا فقالوا لا فقال هذا الأرض لا تصلح لأنها لا تكسوا نفسها فكيف تكسوني فكان كما قال: فإذا كان الأعمى بهذه الصفة فرضي بها بعد ما مسها سقط خياره والله أعلم بالصواب.

باب المرابحة
قال رحمه الله تعالى: وإذا اشترى شيئا بنسيئة فليس له أن يبيعه مرابحة حتى يتبين أنه اشتراه بنسيئة لأن بيع المرابحة بيع أمانة تنفي عنه كل تهمة وجناية ويتحرز فيه من كل كذب وفي معاريض الكلام شبهة فلا يجوز استعمالها في بيع المرابحة ثم الإنسان في العادة يشتري الشيء بالنسيئة بأكثر مما يشتري بالنقد فإذا أطلق الإخبار بالشراء فإنما يفهم السامع من الشراء بالنقد فكان من هذا الوجه كالمخبر بأكثر مما اشترى به وذلك جناية في بيع المرابحة
يوضحه أن المؤجل نقص في المالية من الحال ولهذا حرم الشرع النساء عند وجود أحد الوصفين للفضل الخالي عن المقابلة حكما فإذا باعه وكتم ذلك فالمشتري بالخيار إذا علم للتدليس الموجود من البائع وهذا لأن المشتري إنما التزم ربحا بناء على خبره أنه اشتراه لنفسه بكذا من الثمن فلو علم أنه اشتراه بالنسيئة لم يرغب في شرائه بالنقد بذلك القدر من الثمن فضلا من أن يعطيه على ذلك ربحا فللحاجته إلى دفع الضرر أثبتنا له الخيار كما إذا وجد المعقود عليه دون ما شرط البائع فإن كان هذا قد استهلك المبيع فالمبيع له لازم وليس له أن يرد الباقي منه ولا يرجع في شيء من الثمن لأنه تعذر رده ومجرد الخيار إذا سقط لتعذر الرد بسببه لا يرجع بشيء بمنزلة خيار الرؤية والشرط.
وروي عن محمد أنه يرد قيمة المبيع ويرجع بالثمن إن شاء وهو صحيح على أصله فإنه جوز فسخ العقد بسبب التحالف على القيمة بعد هلاك السلعة وجعل رد القيمة عند تعذر رد العين كرد العين فكان ذلك باعتبار معنى في الثمن فهذا مثله والمعنى في الكل تحقق الحاجة إلى دفع الضرر عن المشتري وهذا بخلاف خيار العيب على ظاهر الرواية فالمستحق للمشتري هناك المطالبة بتسليم الجزء الفائت ولهذا يرجع بحصة العيب من الثمن إذا تعذر الرد وهنا الثابت له مجرد الخيار والخيار ليس بمال وكذلك إن استهلك بعضه فليس له أن يرد الباقي منه لما فيه من تفريق الصفقة على البائع ولا يرجع في شيء من الثمن لما قلنا إن المبيع سلم له كما استحقه بالعقد وإن لم يكن الأجل مشروطا وإنما كان متعادا كما هو الرسم بين الباعة أن يودي المشتري الثمن منجما في كل أسبوع نجما فقد اختلف مشايخنا رحمهم الله تعالى في هذا الفصل قال بعضهم له أن يبيعه مرابحة من غير بيان لأن الثمن حال وبأن سامحه البائع واستوفى الثمن منه منجما لا يخرج من أن يكون حالا ومنهم من يقول المعروف كالمشروط بالنص ولو كان الأجل مشروطا لم يكن له أن يبيعه مرابحة من غير

 

ج / 13 ص -68-       بيان فكذلك إذا كان متعارفا ألا ترى أن الورثة في بعض الأشياء تستحق بالعرف وتجعل كالمشروط فهذا قياسه.
قال: وإذا اشترى خادما فاعورت أو ثوبا أو طعاما فأصابه عيب عند المشتري بغير فعل أحد فله أن يبيعه مرابحة على جميع الثمن من غير بيان وقال زفر ليس له ذلك ما لم يبين لأن المشتري لو علم أنه اشتراه غير معيب بما سمى من البدل لم يلتزم له على ذلك ربحا ما لم يبين بعد ما تعيب وهذا مذهب الشافعي أيضا بناء على مذهبه أن للأوصاف من الثمن حصة وأن التعيب بآفة سماوية وبصنع العباد فيه سواء ولكنا نقول بأن المشتري غير حابس شيئا من المعقود عليه فيكون له أن يبيعه مرابحة كما لو تغير السعر وهذا لأن الفائت وصف فيكون تبعا لا يقابله شيء من البدل إذا فات بغير صنع أحد وإنما البدل بمقابلة الأصل وهو باق على حاله فيبيعه مرابحة أرأيت لو اصفر الثوب أو توسخ أو نكس كان له أن يمنعه من المرابحة وفي نوادر هشام ذكر عن محمد رحمه الله تعالى قال هذا إذا نقصه العيب شيئا يسيرا فإن نقصه العيب قدر مالا يتغابن الناس فيه لم يبعه مرابحة.
قال: وكذلك إن تعيب بفعل المبيع بنفسه لأن ذلك هدرا وإن تعيب بفعل المشتري فليس له أن يبيعه مرابحة حتى يتبين لأنه حابس لجزء من المبيع بما أحدث فيه من العيب وما يكون بيعا إذا صار مقصودا بالتناول كان له من الثمن حصة كالبائع إذا أتلف شيئا من أوصاف المعقود عليه يسقط حصته من الثمن بخلاف ما إذا تعيب بغير فعل وكذلك إن عيبه أجنبي بأمر المشتري أو بغير أمره فإن فعله بأمر المشترى كفعل المشتري بنفسه وبغير أمره جناة موجبة ضمان النقصان عليه فيكون المشتري حابسا بدل جزء من المعقود عليه وذلك يمنعه من أن يبيعه مرابحة حتى يبين فإن باعه ولم يبين كان للمشتري رده إذا علم به وإن كان قد استهلك شيئا منه لم يكن له رد الباقي ولا الرجوع بشيء من الثمن فإن لم يصبه عيب ولكنه أصاب من علة الدابة أو الدار أو الخادم شيئا فله أن يبيع المشتري مرابحة على ثمنه لأن العلة ليست بمتولدة من العين فلا يكون حابسا شيئا من المعقود عليه باعتبارها ولأن العلة بدل المنفعة واستيفاء المنفعة لا تمنعه من بيعها مرابحة وهذا لأنه أنفق عليها بإزاء ما نال من المنفعة.
قال: وإذا ولدت الجارية أو السائمة أو أثمر النخيل فلا بأس ببيع الأصل مع الزيادة مرابحة لأنه لم يحبس شيئا من المعقود عليه وإن نقصتها الولادة فهو نقصان بغير فعل أحد وبإزائه ما يجبره وهو الولد وفي مثل هذا النقصان كان له أن يبيعه مرابحة وإن لم يكن بإزاء النقصان ما يجبره فإذا كان بإزائه ما يجبره أولى فإن استهلك المشتري الزيادة لم يبع الأصل مرابحة حتى يبين ما أصاب من ذلك لأن ما استهلك متولد من العين ولو استهلك جزء من عينها لم يبعها مرابحة بغير بيان فكذا إذا استهلك ما تولد من العين.
قال: وكذلك البان الغنم وأصوافها وسمونها إذا أصاب من ذلك شيئا فلا يبيع الأصل

 

ج / 13 ص -69-       مرابحة حتى يبين ما أصاب منها لأن ما أصاب في حكم جزء من عينها وعند الشافعي رحمه الله تعالى له أن يبيعها مرابحة بناء على مذهبه أن الزيادة المنفصلة وإن كانت متولدة من العين فهي بمنزلة الغلة حتى لا يمنع رد الأصل بالعيب وسيأتي بيانه في باب العيوب إن شاء الله تعالى.
قال: فإن كان أنفق عليها ما يساوي ذلك في علفها وما يصلحها فلا بأس بأن يبيعها مرابحة من غير بيان لأن حصول الزيادة باعتبار ما أنفق عليها من ماله والغنم مقابل بالغرم ولأن في بيع المرابحة يعتبر عرف التجار ومن عاداتهم إذا أنفقوا بقدر ما أصابوا من الزيادة لا يعدون ذلك خيانة في بيع المرابحة وإن هلكت هذه الزيادة من غير أن ينتفع بها المشتري فله أن يبيعها مرابحة ولا يبين وإن كان قد نقصت الأصول لأن النقصان حصل بغير صنع أحد.
قال: وإذا اشترى متاعا فله أن يحمل عليه ما أنفق في القصارة والخياطة والكراء ويقول قام علي بكذا ولا يقول اشتريته بكذا فإنه كذب وهذا لأن عرف التجار معتبر في بيع المرابحة فما جرى العرف بإلحاقه برأس المال يكون له أن يلحقه به ومالا فلا أو يقول ما أثر في المبيع فتزداد به ماليته صورة أو معنى فله أن يلحق ما أنفق فيه برأس المال والقصارة والخياطة وصف في العين تزداد به المالية والكراء كذلك معنا لأن مالية ماله حمل ومؤنة تختلف باختلاف الأمكنة فنقله من مكان إلى مكان لا يكون إلا بكري ولكنه بعد إلحاق ذلك برأس المال لو قال اشتريته بكذا يكون كذبا فإنه ما اشتراه بذلك فإذا قال قام على بكذا فهو صادق في ذلك لأن الشيء إنما يقوم عليه بما يغرم فيه وقد غرم فيه القدر المسمى وإن كان في عقود متفرقة ولم يحمل عليه ما أنفق على نفسه في سفره من طعام ولا كراء ولا مؤنة لانعدام العرف فيه ظاهرا ولأن بما أنفق على نفسه لا تزداد مالية البيع صورة ولا معنى وأما الرقيق فله أن يلحق بهم طعامهم وكسوتهم بالمعروف ثم يقول قاموا علي بكذا للعرف الظاهر في ذلك ولأن في هذه النفقة إصلاح مالية الرقيق فإن بقاءهم على هيئتهم لا يكون بدون الإنفاق بالمعروف.
قال: وإذا اشترى طعاما فأكل نصفه فله أن يبيع النصف الباقي مرابحة على نصف الثمن وكذلك كل مكيل أو موزون إذا كان صنفا واحدا لأنه مما لا يتفاوت بحصة كل جزء منه من الثمن يكون معلوما وبيع المرابحة على ذلك يبنى وإن كان مختلفا لا يبيع الباقي منه مرابحة لأن انقسام الثمن على الأجناس المختلفة باعتبار القيمة وطريق معرفتها الحزر والظن فلم يكن حصة كل جنس من الثمن معلوم يقينا ليبيعه مرابحة عليه وكذلك الثوب الواحد إذا ذهب نصفه أو احترق أو أحرقه إنسان أو باعه أو وهبه فلا يبيع النصف الباقي مرابحة على الثمن الأول لأن المسمى لا ينقسم على ذرعان الثوب باعتبار الأجزاء والذرع صفة في الثوب وانقسام الثمن لا يكون على الأوصاف فقد تتفاوت أطراف الثوب الواحد إذا ذهب نصفه ألا ترى أنه يشتري ذراعا من أحد جانبيه بثمن لا يشتري بمثله من جانب آخر بخلاف القفزان من الصبرة الواحدة وهكذا الثوبان إذا اشتراهما صفقة واحدة فلا يبيع أحدهما مرابحة دون الآخر،

 

ج / 13 ص -70-       فإن انقسام الثمن عليهما باعتبار القيمة وكذلك إن اشترى عدل زطي بألف درهم وإن كان أخذ كل ثوب بعشرة دراهم فله أن يبيع كل ثوب منها مرابحة على عشرة في قول أبي حنيفة وأبي يوسف.
وقال محمد رحمه الله تعالى: لا يبيع شيئا من ذلك مرابحة حتى يبين أنه اشتراه مع غيره لأن من عادات التجار ضم الجيد إلى الرديء وبيعهما بثمن واحد مع التفضل فيرغب المشتري في شراء الرديء لماله من المقصود في الجيد ويرغب البائع في بيع الجيد لماله من المقصود في ترويج الرديء فلو جوزنا له أن يبيع أحدهما مرابحة من غير بيان لأمسك الجيد وباع الرديء مرابحة وإذا علم منه المشتري أنه كان معه في العقد أجود منه لم يعطه ربحا عن ما سمى فيه من الثمن فلأجل هذا العرف استحسن محمد وقال لا يبيعه مرابحة حتى يبين والقياس ما قال فإن حصة كل واحد منهما من الثمن مسمى معلوم فله أن يبيعه مرابحة كما لو كان في عقدين ومثل هذا العرف الذي اعتبره محمد يوجد في العقدين أيضا فقد يسامح الإنسان لمن يعامله في ثمن جيد من الترويج عليه رديئا بعده بثمن مثل ذلك الثمن ثم لم يعتبر ذلك لأن اعتبار العادة عند عدم النص فأما عند وجود النص فلا يعتبر بالعادة فكذلك هنا بعد التنصيص على ثمن كل واحد منهما لا يعتبر بالعادة.
قال: وإذا اشترى متاعا بحنطة أو شعير أو شيء مما يكال أو يوزن فلا بأس بأن يبيعه مرابحة على ذلك لأن بيع المرابحة تمليك بثمن ما ملك به من ربح ضمه إليه في بيعه فإذا كان الثمن مما له مثل في جنسه يتحقق هذا المعنى فيه فله أن يبيعه مرابحة عليه.
قال: وإذا اشترى ثوبا بعشرة دراهم فباعه بخمسة عشر درهما ثم اشتراه بعشرة فلا يبيعه مرابحة حتى يطرح ربحه الأول من رأس المال في قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى ببيعه مرابحة على عشرة دراهم لأنه شراء مستقل فلا يدخل فيه ما قبله من ربح أو وصية ألا ترى أنه لو كان أصله هبة أو ميراثا أو وصية فباعه ثم اشتراه كان له أن يبيعه مرابحة على الثمن الآخر ولا يعتبر بما كان قبله كذا هذا وهذا لأن بالشراء الثاني يتجدد له ملك غير الأول لأن ثبوت الحكم بثبوت سببه فإذا كان السبب متجددا فالملك الثابت به كذلك واختلاف أسباب الملك بمنزلة اختلاف العين ولو كان للمشتري في المرة الثانية عين آخر باعه مرابحة على ما اشتراه به وقاس بما لو استفاد في المرة الثانية زيادة من العين فإن ذلك لا يمنعه من بيع المرابحة في الشراء الثاني فكذلك إذا استفاد ربحا قبل الشراء الثاني وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول ما استفاد من الربح إنما يؤكد حقه فيه بالشراء الثاني لأن قبل شرائه كان حقه فيه يعرض السقوط بأن يرد عليه بعيب والمؤكد في بعض المواضع كالموجب فكأنه استفاد ذلك بالعقد الثاني وبه فارق الزيادة المتولدة من العين فتأكد حقه فيها لم يكن بالعقد الثاني ولأن مبني بيع المرابحة على ضم المعقود بعضها إلى بعض ألا ترى إنما أنفق في القصارة والقتل والخياطة يلحق برأس المال فإذا كان يضم بعض العقود إلى بعض فيما

 

ج / 13 ص -71-       يوجب زيادة في الثمن فلأن يضم المعقود إلى بعض فينظر إلى حاصل ما غرم فيه فيطرح من ذلك بقدر ما رجع إليه ويبيع مرابحة فيما يوجب النقصان من الثمن أولى فإن هذا إلى الاحتياط أقرب ولكن ضم العقود عند اتحاد جنسها فأما عند الاختلاف فلا ألا ترى أنه لو استعان بخياط حتى خاطه لم يلحق بسببه شيئا من رأس المال وكذلك إذا كان العقد الأول هبة أو صدقة لا يضم أحدهما إلى الآخر لأن أحد العقدين تبرع والآخر تجارة فأما إذا اتحد جنس العقود يضم بعضها إلى بعض فينظر إلى حاصل ما عزم فيه فيطرح من ذلك بقدر ما رجع إليه ويبيع مرابحة على ما بقي إن شاء وفي هذه المسألة قد غرم عشرين درهما في دفعتين وعاد إليه خمسة عشر درهما فيبيعه مرابحة على خمسة. قال ولو كان اشتراه بعشرة ثم باعه بعشرين ثم اشتراه بعشرة لم يبيعه مرابحة عند أبي حنيفة أصلا لأنه رجع إليه مثل ما غرم فيه فلم يبق له فيه رأس المال ليبيعه مرابحة عليه ولو كان اشتراه بعشرة ثم باعه بوصيف أو بدابة ثم اشتراه بعشرة كان له أن يبيعه مرابحة على عشرة لأن ما عاد إليه ليس من جنس ما غرم فيه فلا يمكن طرحه إلا باعتبار القيمة ولا مدخل لذلك في بيع المرابحة ولأن الربح لا يظهر ما لم يعد إليه رأس ماله وإذا كان ما عاد إليه من عين جنس ما غرم فيه لا يظهر ربحه فيه فلهذا كان له أن يبيعه مرابحة على الثمن الثاني وإذا اشترى نصف عبد بمائة درهم واشترى آخر نصفه بمائتي درهم ثم باعاه مرابحة أو وضيعة أو تولية فالثمن بينهما أثلاثا بخلاف ما لو باعه مساومة فإن في بيع المساومة المسمى بمقابلة الملك ولهذا يستوي فيه المشتري والموهوب وملكهما في العبد سواء بخلاف المرابحة والوضيعة والتولية فإن الثمن الثاني مبني على الأول في هذه العقود لأن التولية تمليك لما ملك والوصيفة بنقصان شيء يسمى عما ملكت به والمرابحة بزيادة معدومة على ما ملكت به ولهذا اختصت هذه العقود بالمشتري دون الموهوب فإذا أثبت أن الثمن الثاني مبني على الثمن الأول وقد كان الثمن الأول أثلاثا فيقسم الثمن الثاني بينهما كذلك والأصل في جواز هذه العقود ما روي أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه اشترى بعيرين عند قصد الهجرة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ولني أحدهما" فقال: هو لك بغير شيء فقال صلوات الله عليه: "أما بغير شيء فلا".
قال: وإذا أنفق على عبده في تعليم عمل من الأعمال دراهم لم يلحقه برأس المال لأنه ليس فيه عرف ظاهر وكذلك الشعر والغناء والعربية وأجر تعليم القرآن والحساب حتى لو كان في شيء من ذلك عرف ظاهر في موضع بإلحاقه برأس المال كان له أن يلحقه به لأن زيادة المالية باعتبار معنى من المتعلم وهو الذهن والذكاء بما أنفق على المعلم فلم يكن ما أنفق موجبا زيادة في مالية العين وعلى هذا أجر الطيب والرابص والبيطار والراعي وجعل الآبق والحجام والخباز لا يلحق شيء من ذلك برأس المال لما قلنا وأما أجر سائق الغنم الذي يسوقها من بلد إلى بلد يحلق برأس المال للعرف الظاهر فيه ولأن هذا بمنزلة الكراء فيما له

 

ج / 13 ص -72-       حمل ومؤنة. وكذلك أجرة السمسار فقد جرى العرف بإلحاقه برأس المال فهو كأجرة القصار وأجرة الراعي ليس نظير أجرة سائق الغنم لأن الراعي لا يستحق الأجر بالنقل ولا يعمل الراعي بل يحفظ الغنم فهو كأجرة البيت الذي تحفظ فيه الغنم.
وكذلك جعل الآبق ليس نظير أجر سائق الغنم لأن الإباق نادر وفي إلحاق شيء برأس المال العرف الظاهر وذلك لا يوجد في النادر قال وإذا باع المتاع مرابحة ثم حط البائع الأول منه شيئا من الثمن فإنه يحط ذلك من المشتري الآخر وحصة من الربح ولو كان ولاية حط ذلك عندنا وعند زفر والشافعي رحمهما الله تعالى لا يحط عن الثاني شيء بهذا السبب وأصل المسألة أن الزيادة في الثمن والمثمن ثبتت على سبيل الالتحاق بالأصل عندنا وعند زفر والشافعي رحمهما الله تعالى هو هبة مبتدأة لا تتم إلا بالتسليم ويستوي إن كانت الزيادة من العاقد أو من أجنبي آخر وكذلك حط بعض الثمن عندنا يلتحق بأصل العقد ويصير كأن العقد بقي العقد على ما في حق الشفيع والمولى وعند زفر والشافعي رحمهما الله تعالى هو بر مبتدأ في حق من حط عنه خاصة وحجتهما في ذلك أن الثمن لا يستحق بالعقد إلا عوضا والمبيع كله صار مملوكا للمشتري بالعقد الأول فيبقى ملكه ما بقي ذلك العقد ومع بقاء ملكه في المبيع لا يمكن إيجاب الزيادة عليه عوضا إذ يلتزم العوض عن ملك نفسه وذلك لا يجوز كالمودع يشتري الوديعة من المودع وهذا في حق الأجنبي أظهر فإنه لا يملك شيئا من المبيع فكيف يلتزم الثمن بمقابلة ما لا يملكه ولا يمكنه إثبات الزيادة في وقت العقد فإن المبيع لو كان هالكا في الحال أو كانت جارية فأعتقها المشتري أو دبرها لم تثبت الزيادة في الثمن وكذلك في الصداق الزيادة لا تتنصف بالطلاق قبل الدخول فلو ثبتت من وقت العقد لكان حكمها حكم المسمى فإذا ثبت هذا في الزيادة فكذلك في الحط لأن الثمن كله إذا صار مستحقا بالعقد فلا يخرج البعض من أن يكون ثمنا إلا بفسخ العقد في ذلك القدر والفسخ لا يكون في أحد العوضين دون الآخر مع أن الثمن معقود به وفسخ العقد في المعقود عليه دون المعقود به وقاسا حط البعض بحط الجميع فكما أن ذلك لا يثبت في حق المولى والشفيع فكذلك حط البعض وحجتنا في ذلك قوله تعالى:
{وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ} [النساء:24] أي من فريضة بعد الفريضة فذلك تنصيص على أن حكم الزيادة المفروضة بعد العقد كحكم المفروض في العقد إلا فيما قام الدليل عليه وقد قام الدليل على أنه لا ينتصف الطلاق قبل الدخول إلا ما تأكد بالتسمية في أصل العقد بالنص ففيما سوى ذلك حكم الزيادة حكم الأصل والمعنى فيه أنهما غيرا العقد بتراضيهما من وصف إلى وصف مشروع له فيصح ذلك ويجعل ذلك كالمذكور في أصل العقد كما لو كان البيع لخيار لهما فأسقط الخيار أو بغير الخيار فشرطا الخيار لهما أو لأحدهما وبيان الوصف أنهما يجعلان الخاسر عدلا بالزيادة في الثمن أو العدل رابحا والرابح عدلا أو خاسرا بالحط وهذا وصف مشروع في البيوع والبيوع أنواع منه خاسر ورابح

 

ج / 13 ص -73-       وعدل فعرفنا أنهما قصدا تعبيره إلى وصف مشروع وتأثيره أن العقد قائم بينهما بملكان التصرف فيه رفعا وإبقاء فيملكان التصرف فيه بالتغيير من وصف إلى وصف لأن التصرف في صفة الشيء أهون من التصرف في أصله فإذا كان باتفاقهما يملكان التصرف في أصل العقد ففي صفته أولى.
فأما قوله إنه يلتزم العوض عن ملكه قلنا قيام العقد بقيام المعقود عليه والمعقود عليه قائم في يد المشتري على وجه يجوز الاعتياض عنه فيصح منه التزام العوض بمقابلته أيضا لأن الإنسان إنما لا يلتزم العوض عما هو مملوك له أصلا ومقصودا فأما ربحا فقد يلتزم العوض وهذا لأن الأرباح في حكم الصلاة ولهذا لو حصل من المريض كان معتبرا من الثلث ولأنه بيع والعوض بمقابلة الأصل دون البيع ألا ترى أن أطراف المبيع يستحق بالمعاوضة تبعا ولا يقابلها شيء من الثمن بل العوض بمقابلة الأصل يعني عن اعتبار العوض بمقابلة البيع فكذلك الزيادة بعد هلاك المعقود عليه وقد روي في غير الأصول عن أبي حنيفة أن الزيادة تصح كما يصح الحط بطريق التغيير لأصل العقد وفي ظاهر الرواية لا تثبت الزيادة لأن المعقود عليه لم يبق على وجه يجوز الاعتياض عنه ولا يمكن إثبات الزيادة عوضا وكذلك بعد العتاق والتدبير لم يبق على وجه يجوز الاعتياض عنه وهذا لأنه لا بد لإثبات الزيادة عوضا من اعتبار الحال ثم الاستناد إلى وقت العقد وقد تعذر إثباتها في الحال فلا يظهر فيها حكم الاستناد كما قلنا في البيع الموقوف أنه لا بد من قيام المعقود عليه عند الإجارة ليثبت الملك مستندا إلى وقت العقد وبالاتفاق في البيع يشترط الخيار على البائع وعلى هذا إن كانت الزيادة من الأجنبي وضمنها لأنه التزمها عوضا وهذا الالتزام صحيح منه فإن لم يملك بمقابلته شيئا كما لو خالع امرأته مع أجنبي على مال وضمنه الأجنبي أو تصالح مع أجنبي من الدين على مال وضمنه صح الصلح وإن لم يملك الملتزم بمقابلته شيئا وعلى هذا الحط إلا أن عمل الحط في إخراج قدر المحطوط من أن يكون ثمنا فالشرط فيه قيام الثمن لا قيام المعقود عليه والثمن باق فثبت الحط على سبيل الالتحاق بأصل العقد وقد بينا أنه مغير لوصف العقد وليس بفاسخ للعقد حتى يقال الفسخ في الثمن لا يكون والدليل عليه الحط بسبب العيب والحط في مجلس العقد على أحد قولي الشافعي فإنه يثبت ملتحقا بأصل العقد لما قلنا بخلاف حط الجميع فإنه مغير لوصف العقد لأن الإنسان لا يكون مغبونا بجميع الثمن ولو التحق بأصل العقد فإما أن يفسد به العقد لأنه يبقى بيعا بلا ثمن وقد علمنا أنهما لم يقصدا ذلك أو يصير ذلك العقد هبة وقد كان قصدهما التجارة في البيع دون الهبة فأما حط البعض لو التحق بأصل العقد تحقق به مقصودهما وهو التغير.
قال: وإذا باع المتاع مرابحة فخانه فيه فالمشتري بالخيار إذا اطلع عليه إن شاء أخذه بجميع الثمن وإن شاء ترك وإن استهلك المتاع أو بعضه فالثمن كله لازم له في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله وقال أبو يوسف وابن أبي ليلى رحمهما الله تعالى يحط عنه الخيانة

 

ج / 13 ص -74-       وحصتها من الربح على كل حال ولا خيار له في ذلك وإن خان في التولية فعند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى يحط عنه مقدار الخيانة وعند محمد هو بالخيار إن شاء أخذه بجميع الثمن وإن شاء ترك فأبو يوسف يقول في المرابحة والتولية جميعا يحط عنه مقدار الخيانة وحصتها من الربح لأن العقد الثاني في حق الثمن بناء على الأول وقدر الخيانة لم يكن ثمنا في العقد الأول فلا يمكن إثباته في العقد الثاني كما في الشفيع فإن المشتري إذا خان الشفيع لا يثبت مقدار الخيانة في حقه فإنه يأخذ بمثل الثمن الأول فلا يمكن إثباته في العقد الثاني كما في الشفيع وهذا لأن السبب الثاني لما أضافه إلى السبب الأول فإنما يؤثر في إيجاب مثل ما وجب بالسبب الأول إلا مقدار ما زاد فيه من الربح ففيما وراء ذلك لا يثبت وبدون السبب لا يثبت الحكم والدليل عليه أنه لو خرج البعض من أن يكون ثمنا في العقد الأول بالحط يخرج ذلك من أن يكون ثمنا في العقد الثاني فإذا ثبت أنه لم يكن ثمنا فيه أولى ومحمد يقول فيهما جميعا لا يحط الثمن عن المشتري الثاني لأنهما باشرا عقدا باختيارهما بثمن سمياه فينعقد بجميع ذلك الثمن كما لو باعاه مساومة وهذا لأن انعقاد سبب الثاني يعتمد التراضي منهما ولا يتم رضا المشتري الأول إذا لم يجب له جميع الثمن المسمى بخلاف الأخذ بالشفعة فلا معتبر برضا المشتري هناك ثم حق الأخذ للشفيع بالثمن الأول مستحق على المشتري على وجه لا يمكن إبطاله ولا نعتبره وبالخيانة قصد تغيره فيرد عليه قصده وهنا البيع مرابحة أو تولية لم يكن مستحقا على المشتري الأول فهو في تسمية ما سمى غير قاصد إبطال ما هو مستحق عليه ولكنه يدلس والتدليس يثبت للمشتري الخيار كتدليس العيوب وهذا بخلاف الحط بعد العقد لأن الاستحقاق يثبت للمشتري الثاني بمثل الثمن الأول وثم رضي المشتري الأول به فما خرج من أن يكون ثمنا في العقد الأول يخرج من أن يكون ثمنا في العقد الثاني فكان المشتري الثاني بعد ما تم استحقاقه بمنزلة الشفيع.
وأبو حنيفة يفرق بين التولية والمرابحة من وجهين:
أحدهما أن التولية بناء على السبب الأول من كل وجه فلا يثبت فيه ما لم يكن ثابتا في العقد الأول كالإقالة لما كانت فسخا عند الأول فما لم يكن ثابتا في العقد لا يمكن إثباته في الإقالة فأما المرابحة فليست تبنى على العقد الأول من كل وجه وإن ثبتت عليه من وجه وهو العيار في الثمن ألا ترى أنهما سميا فيه ما لم يكن مسمى في العقد الأول فيه يتبين أنه سبب مبتدأ باشراه باختيارهما فينعقد بالثمن المسمى فيه يقرره أنه لا حاجة في التولية إلى ذكر الثمن وتسمية مقدار خيانة فيه فيكون لغوا أيضا وفي المرابحة لا بد من تسمية الثمن وتعيين قدر الربح فكان انعقادها بالتسمية الثانية فينعقد بجميع ما سميا فيها وفرق آخر أن في إثبات الخيانة في التولية تغير العقد عن موضوع ما صرحا به لأن به يصير البيع مرابحة لا تولية وقد صرحا بالتولية وكان ذلك منهما نفيا لمقدار الخيانة فأما في المرابحة لو أثبتنا جميع المسمى لا يتغير به العقد عن موضوع ما صرحا به فإنما صرحا ببيع المرابحة وهو مرابحة إلا أن الربح

 

ج / 13 ص -75-       فيه أكثر مما ظنه المشتري والبائع دلس بتسمية بعض ربحه رأس المال فكان ذلك مثبتا الخيار للمشتري وإذا سقط خياره بهلاك المبيع في يده لزمه جميع الثمن المسمى.
قال: وإذا اشترى ثوبا بعشرة دراهم فليس له أن يبيع منه ذرعا مرابحة لما بينا أن الثمن ينقسم على ذراعان الثوب باعتبار الأجزاء وله أن يبيع نصفه أو ثلثه مرابحة لأن ثمن النصف معلوم يقينا وهذا لأن النصف جزء شائع فلا يتفاوت والذراع اسم لموضع معين يقع عليه الذراع وذلك مختلف في الثوب.
قال: ولو اشترى نصف عبد بمائة درهم ثم اشترى النصف الآخر بمائتي درهم فله أن يبيع أي النصفين شاء مرابحة على ما اشتراه لأنه يملك كل نصف بعقد على حدة فيجعل كل نصف بمنزلة عبد على حدة وإن شاء باع كله على ثلاثمائة درهم مرابحة لأن العبد قام عليه في العقدين جميعا بثلثمائة وبيع المرابحة بيع بما قام عليه.
قال: ولو اشترى عبدا بألف درهم فوهب له البائع الثمن كله فله أن يبيعه مرابحة على الألف ولو وهب له بعض الثمن أو حط عنه بعضه باعه مرابحة على ما بقي للفرق الذي بينا بينهما في حكم الالتحاق بأصل العقد وإن باعه بالثمن عرضا أو أعطاه به رهنا فهلك الرهن كان له أن يبيع العبد مرابحة على ألف درهم لأنه صار قابضا لهذا الثمن بهذا الطريق فكأنه قضاه مشاهدة ولأنه يبيعه مرابحة على ما يملك وإنما يملك المسمى عند الشراء ألا ترى أنه قبل أن ينقد الثمن له أن يبيعه مرابحة.
قال: ولو اشترى ثوبا بعشرة دراهم جياد فنقدها زيوفا وتجوز البائع عنه فله أن يبيعه مرابحة على عشرة جياد لأنه يتملكه بالجياد وبما نقد من الزيوف صار قاضيا لما عليه بدليل جواز ذلك في السلم والصرف وكذلك إن اشتراه بعشرة نقد فلم ينقده الثمن شهرا فله أن يبيعه مرابحة على العشرة النقد لأنه يملك بالنقد وبأن لم يطالبه البائع بالثمن شهرا لا يخرج الثمن من أن يكون نقدا فلم يجعل تجوز البائع بالزيوف وتركه المطالبة بالثمن مدة بمنزلة الحط لأن هناك القدر المحطوط يلتحق بأصل العقد فيكون مغيرا الوصف وهنا يترك المطالبة بالثمن زمانا لا يلتحق شيء بأصل العقد وكذلك بالتجوز بالزيوف لأن الوصف تبع للأصل فإذا لم يخرج شيء من أصل العشرة من أن يكون ثمنا لا يمكن إخراج الوصف من ذلك لئلا يصير البيع مقصودا فيما هو بيع فيه وذلك ممتنع.
قال: فإن وهب الثوب المشتري بعشرة لإنسان ثم رجع فيه فله أن يبيعه مرابحة على عشرة لأن بالرجوع يعود العين إلى قديم ملكه سواء رجع بقضاء أو بغير قضاء وقد بينا هذا في الهبة وكذلك إن باعه فرد عليه بعيب أو فساد بيع أو خيار أو إقالة فله أن يبيعه مرابحة على عشرة لأنه إن عاد إليه بسبب هو فسخ من كل وجه فقد عاد إليه قديم ملكه وإن عاد إليه بسبب هو متردد كالإقالة فأكثر ما فيه أنه بمنزلة عقد جديد وقد تملك فيه الثوب بعشرة فيبعه مرابحة عليه ولو تم البيع فيه رجع إليه بميراث أو هبة لم يكن له أن يبيعه مرابحة لأنه ما عاد

 

ج / 13 ص -76-       إليه الملك المستفاد بالشراء الأول فإن ملك الوارث ينبني على ملك المورث فإنما يبقى له ما كان لمورثه فيبيعه مرابحة على ما اشتراه مورثه به لو باعه مرابحة وليس له ذلك لأن الملكية قد تحددت له وإن كان الملك هو الذي كان لمورثه وأما في الهبة فقد يثبت له ملك جديد بسبب التبرع فلا يكون له أن يبيعه مرابحة.
قال: وإذا اشترى شيئا من أبيه أو أمه أو ولده أو مكاتبه أو عبده أو اشترى العبد أو المكاتب من مولاه بثمن قد قام على البائع بأقل منه لم يكن له أن يبيعه مرابحة إلا بالذي قام على البائع في العبد والمكاتب بالاتفاق لأن بيع المرابحة على ما يتيقن بخروجه في ملكه بمقابلة هذا العين وهو المدفوع إلى البائع الأول فأما الربح الذي حصل لعبده لم يخرج من ملكه لأن كسب العبد لمولاه وما حصل لمكاتبه من وجه كان له أيضا فللمولى حق الملك في كسب المكاتب وينقلب ذلك حقيقة الملك لعجزه ولأن تهمة المسامحة تتمكن فالإنسان يسامح في المعاملة مع عبده ومكاتبه لعلمه أنه لا يتعذر عنه ما يحصل لهما وبيع المرابحة بيع أمانة ينفي عنه كل تهمة وخيانة فأما في غير المماليك من الآباء والأولاد والأزواج والزوجات فكذلك الجواب عند أبي حنيفة و قال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى له أن يبيعه مرابحة على ما اشتراه به من هؤلاء لتباين الأملاك بينهما إذ ليس لكل واحد منهما في ملك صاحبه ملك ولا حق ملك فهما في ذلك كالأخوين وأبو حنيفة رضي الله عنه يقول ما يحصله المرء لهؤلاء بمنزلة ما يحصل لنفسه من وجه ولهذا لا تقبل شهادته لهؤلاء فباعتبار هذا الوجه صاروا في حقه كالعبد والمكاتب ولأن مسامحة بعض هؤلاء مع البعض في المعاملة أمر ظاهر وبيع المرابحة يؤخذ فيه بالاحتياط فلا يبيعه مرابحة إلا على القدر الذي يتيقن بالالتزام فيه لا على وجه المسامحة وذلك أقل الثمنين كما في العبد والمكاتب.
قال: وإذا اشترى ثوبا بثوب قد قام عليه الأول بعشرة دراهم فليس له أن يبيعه مرابحة على العشرة لأنه ملك هذا الثوب بالعقد الثاني فالعوض ما كان مذكورا فيه ولا مثل للثوب من جنسه فلهذا لا يبيعه مرابحة على ما اشترى به ولا على الثمن الأول لأنه ما التزم ذلك عوضا عن هذا الثوب.
قال: وإذا اشترى الرجلان عدل زطي بألف درهم فاقتسماه فليس لواحد منهما أن يبيع نصيبه مرابحة لأن القسمة فيما تتفاوت يتمكن فيها معنى المعاوضة من حيث أن كل واحد منهما يأخذ نصف ما يصيبه بقديم ملكه ونصفه عوضا عما ترك لصاحبه فيمنعه ذلك من البيع مرابحة يوضحه أنا لا نتيقن بأن ما يصيبه بالقسمة هو النصف وإنما يعرف ذلك بطريق الحزر وقبل القسمة لو ميزا بعض الثياب وأرادا بيع ذلك مرابحة على ما يخصها من الثمن لم يملكا ذلك فكذلك بعد القسمة وبه فارق المكيل والموزون.
قال: وإذا اشترى عبدا به عيب قد دلس عليه فلما علم به رضي فله أن يبيعه مرابحة لأنه اشتراه بالثمن الذي يبعه مرابحة عليه وسبب العين يثبت له الخيار فإسقاطه لا يمنعه من البيع

 

ج / 13 ص -77-       مرابحة كما لو كان فيه خيار الشرط أو رؤية فأسقط وكذلك لو اشتراه مرابحة فخانه صاحبه فيه كان له أن يبيعه مرابحة على ما أخذه به لما بينا أن الثابت له بسبب هذه الخيانة الخيار فقط.
قال: وإذا ولى رجل رجلا بيعا بما قام عليه ثم اطلع على أنه أخذه بأقل من ذلك بشهادة شهود أو بإقرار البائع الأوسط أو بنكوله عن اليمين فيه وقد ادعاه المشتري الآخر فإنه يرجع عليه بالفضل وتم له البيع وقد بينا الخلاف في هذه المسألة وإنما الشبهة في حرف وهو أنه سمع دعوى المشتري الآخر أن الثمن الأول كان أقل مما سمى في التولية منه حتى سمع بينته على ذلك واستحلفه على ذلك خصمه يقضي عليه بنكوله من أصحابنا رحمهم الله يقول هو مناقض في هذه الدعوى والمناقض لا قول له ولا طريق لظهور ذلك إلا إقرار البائع الأوسط به ومنهم من يقول بل دعوى الخيانة من المشتري الآخر بمنزلة دعوى العيب أو بمنزلة دعوى الحط ولو ادعى شيئا من ذلك فأقام البينة قبلت بينته وإذا لم يكن له بينة يستحلف خصمه فكذلك هنا وإن كان المولى قد باعه مرابحة قبل أن يرجع على البائع الأول بشيء ثم رجع عليه بقدر الخيانة يرد ذلك القدر وربحه على المشتري منه بمنزلة ما لو حط بائعه عنه بعض الثمن.
قال: وإذا اشترى شيئا من شريك له شركة عنان فلا بأس بأن يبيعه مرابحة لأنهما فيما ليس من شركتهما كسائر الأجانب ولهذا قبلت شهادة كل واحد منهما لصاحبه فإن كان للأول فيه حصة فليس له أن يبيعه حصة نفسه مرابحة إلا على ما اشتراه به لأنه يملك حصته بالعقد الأول وإنما يملك على شريكه بالعقد الثاني حصته فبيع كل حصته مرابحة على ما اشتراه به.
قال: وإن كانت خادم لشريك مفاوض للخدمة فاشتراها شريكه منه للخدمة ثم بدا له أن يبيعها مرابحة فله ذلك لأن هذا ليس من شركتهما وكل واحد منهما من صاحبه فيه كأجنبي آخر وكل شيء كان لأحدهما خاصة فالحكم فيه كذلك وكل شيء كان بينهما فلا يبيعه واحد منهما مرابحة إذا اشتراه من صاحبه إلا على الأصل الأول لأن العقد الثاني غير معتبر فإن قبله كانت العين مشتركة بينهما شركة مفاوضة فكذلك بعده بخلاف ما يشتري أحد شريكي العنان من صاحبه للشركة لأن ذلك شراء معتبر فإنه يدخل في شركتهما ما لم يكن داخلا إلا أن البائع في حصة نفسه إنما يبيعه مرابحة على أقل الثمنين وهو ما اشتراه به لأنه متيقن بخروج ذلك القدر عن ملكه.
قال: عبد بين اثنين قام عليهما بمائة دينار فربح أحدهما صاحبه في حصته دينارا فلا بأس بأن يبيعه مرابحة على مائة دينار ودينار لأنه يملك جميع العبد بهذا القدر وفي شركة الملك شراء أحدهما من صاحبه كشرائه من أجنبي آخر.
قال: وإذا اشترى الرجل متاعا ثم رقمه بأكثر من ثمنه ثم باعه مرابحة على رقمه فهو جائز ولكن لا ينبغي أن يقول قام علي بكذا ولا أخذته بكذا فإن ذلك كذب والكذب لا

 

ج / 13 ص -78-       رخصة فيه، ولكن يقول رقمه بكذا وأنا أبيعه مرابحة على ذلك وعن أبي يوسف قال هذا إذا كان المشتري ممن يعلم عادة التجار أنهم يرقمون السلع بأكثر مما يشترون به فإن كان لا يعلم ذلك فهذه خيانة وللمشتري حق الرد به إذا علم وهذا منه احتياط وقد كان يبالغ في الاحتياط في باب المرابحة حتى قال إذا اشترى شيئا بأكثر من ثمنه مما لا يتغابن الناس في مثله وهو يعلم ذلك فليس له أن يبيعه مرابحة من غير بيان وكذلك لو اشترى بالدين ممن عليه الدين شيئا وهو لا يشتري ذلك الشيء بمثل ذلك الثمن من غيره فليس له أن يبيعه مرابحة وإن كان يشتري بمثل ذلك الثمن من غير غريمه فله أن يبيعه مرابحة سواء أخذه بلفظة الشراء أو بلفظة الصلح وفي ظاهر الرواية يفرق بين الصلح والشراء فنقول مبني الصلح على الحط والتجوز بدون الحق ومبني الشراء على الاستقصاء والمماكسة ولو كان أصل الثوب له بميراث أو هبة أو وصية فقومه قيمة ثم باعه مرابحة على تلك القيمة كان جائزا أيضا لأنه ما أخبر المشتري بشيء هو كذب وإنما قال قيمته كذا أو رقمه كذا وهو صادق في ذلك فإن صار المشتري مغبونا فيه فذلك من قبل جهله.
قال: وإذا باع الرجل المتاع بربح ده يازده أو بربح أحد عشر فكذلك سواء إن كان المشتري قد علم بالثمن قبل عقده البيع وليس أن يرده لأن مقدار الثمن وربحه معلوم له عند العقد وإن لم يكن عالما بالثمن فهو بالخيار إن شاء أخذه وإن شاء تركه ليكشف الحال له حين يعلم بمقدار الثمن وكذلك إن باعه له برقمه فللمشتري الخيار إذا علم بالرقم لما بينا.
قال: وإذا اشترى ثوبا بعشرة دراهم ثم باعه بوضيعة ده يازده عن الثمن فإن الثمن يكون تسعة دراهم وجزء من إحدى عشر جزءا من درهم ولو باعه بربح ده يازدة كان الربح درهما ثم إذا باعه بوضيعة ده يازده لم يجعل الوضيعة درهما ففي الحقيقة لا فرق بينهما فإنه إذا باعه بربح ده يازده كان الثمن أحد عشر درهما فالربح جزء من إحدى عشر جزءا من الثمن وذلك بأن تضرب العشرة في إحدى عشر فتكون مائة وعشرة فمقدار الوضيعة جزءا من إحدى عشر جزء وذلك عشرة أجزاء يبقى مائة جزء وكل إحدى عشر جزءا درهم وذلك تسعة دراهم وجزءا من إحدى عشر جزءا من درهم.
قال: وإذا اشترى ثوبا بخمسة دراهم واشترى آخر ثوبا بستة دراهم ثم باعاهما بصفقة واحدة مرابحة ومواضعة فالثمن بينهما على قدر رأس ماليهما لأن الثمن الثاني في هذا النوع من البيع مبنى على الثمن الأول.
قال: ولو ولى المشتري رجلا ثم حط البائع الأول عنه جميع الثمن فإنه لا يحط عن الآخر شيء لأن حط الكل مبتدأ غيره ملتحق بأصل العقد فلا يثبت في حق المولى والله أعلم.

باب العيوب في البيوع
قال رحمه الله تعالى: وإذا بريء البائع إلى المشتري عند عقده البيع من كل عيب فهو جائز وإن لم يسم العيوب عندنا و قال الشافعي شرط البراءة عن العيوب المجهولة باطل إلا أن يكون

 

ج / 13 ص -79-       عيبا في باطن الحيوان فله في ذلك قولان وفي البيع بشرط البراءة من كل عيب له قولان في أحد القولين البيع فاسد وفي القول الآخر البيع صحيح والشرط باطل واحتج بنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر وهذا بيع غرر لأنه لا يدري أن المعقود عليه على أي صفة هو ولأن هذا شرط يمنع موجب العقد لأن موجب المعاوضة استحقاق صفة السلامة وهذا الشرط يمنع من ذلك فهو نظير شرط يمنع الملك ولأن البائع يلتزم تسليم المجهول لأنه يلتزم تسليمه على الصفة التي عليها البيع وذلك غير معلوم عند المتعاقدين والتزام تسليم المجهول بالبيع لا يصح كبيع ثوب من العدل أو شاة من القطيع بخلاف ما إذا سمى العيب أو أبرأه المشتري فإن ما يلتزم تسليمه بالعقد بعد تسمية العيب معلوم وما لا يمكن إعلامه نحو عود الجراحة أو يلحق الجرح بإعلامه نحو ما يكون في باطن الحيوان يسقط اعتباره للتعذر.
والدليل على الفرق بين المسمى وغير المسمى أن المشتري لو عرض على إنسان و قال اشتره فإنه لا عيب به ثم وجد به عيبا كان له أن يخاصم فيه بائعه وبمثله لو قال اشتره فإنه ليس بآبق ثم وجد به عيب الإباق لم يكن له أن يخاصم فيه بائعه وحجتنا في ذلك ما روي أن زيد بن ثابت رضي الله عنه ابتاع مملوكا من عبد الله بن عمر رضي الله عنهما بشرط البراءة من كل عيب ثم طعن فيه بعيب فاختصما إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه فحلفه بالله لقد بعته وما به عيب يعلمه وكتمته فنكل عن اليمين فرده عليه فقد اتفقوا على جواز البيع بهذا الشرط وإنما اختلفوا في حصة الشرط فيستدل باتفاقهم على جواز البيع وبقول النبي صلى الله عليه وسلم:
"المسلمون عند شروطهم" على صحة الشرط والكلام في شرط صحة البراءة من كل عيب ينبني على صحة الإبراء عن الحقوق المجهولة فالشافعي لا يجوز ذلك وقد قام الدليل على جوازه لنا في ذلك حديث علي رضي الله عنه حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصالح بني جذيمة فواداهم حتى ميلغة الكلب وبقي في يديه مال فقال هذا لكم ما لا تعلمونه ولا يعلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فسر فهذا دليل جواز الصلح عن الحقوق المجهولة والمعنى فيه أن هذا إسقاط حق لا يحتاج فيه إلى التسليم فيصح في المجهول كالطلاق والعتاق وتأثيره أن نفس الجهالة لا تمنع صحة الالتزام ولكن جهالة تفضي إلى تمكن المنازعة ألا ترى أن التمليكين يصح في هذا وهذا أضيق من الإسقاطات ثم الجهالة التي لا تفضي إلى المنازعة لا تمنع صحة التمليك كجهالة القفيز من الصبرة فلأن لا يمنع صحة الإسقاط أولى فالسقوط يكون متلاشيا لا يحتاج فيه إلى التسليم والجهالة التي لا تفضي إلى المنازعة أولى ولا معنى لقول من يقول أن الإيجاب في المجهول في معنى التعليق بشرط البيان فما لا يحتمل التعليق بالشرط لا يصح إيجابه في المجهول لأن الشرط داخل على نفس السبب حتى يجعله في حكم تصرف آخر هو يمين والجهالة تدخل على حكم السبب فإذا كانت تفضي إلى المنازعة يتعذر إثبات الحكم مع الجهالة وإذا كانت لا تفضي إلى المنازعة لا تتعذر فلا يمنع صحته إذا ثبت صحة هذا الشرط ثبت جواز العقد معه لأن هذا الشرط يقرر

 

ج / 13 ص -80-       مقتضى العقد ومقتضى العقد اللزوم والعقد بهذا الشرط يلزم سليما كان المبيع أو معيبا ثم البائع بهذا الشرط يمتنع من التزام ما لا يقدر على تسليمه لأن عند إطلاق العقد يلتزم تسليم المبيع بصفة السلامة وإذا كان معيبا فهو عاجز عن تسليمه سليما وعند هذا الشرط يلتزم التسليم على الصفة التي عليها المبيع وهو قادر على تسليمه بتلك الصفة والقدرة على التسليم شرط جواز العقد لا أن يكون موجبا فساد العقد ثم لا يتمكن جهالة في المبيع بهذا الشرط لأنه مشار إليه معلوم بالإشارة إلى عينه وإلى مكانه وليس مقصوده من هذا الشرط الإقرار بالعيوب به فلا يجتمع كل عيب في عيب واحد وإنما يقصد بذكر هذا الشرط التزام البيع والتزام التسليم على وجه يقدر عليه وهذا من الحكمة ولهذا قلنا إن المشتري بقوله لا عيب به لا يصير مقرى بإسقاط العيوب عنه بل قصده من ذلك ترويج السلعة بخلاف قوله ليس بآبق ففي تخصيصه هذا العيب بالذكر ما يدل على أن مراده نفي هذا العيب عنه ولئن تمكنت جهالة في وصف المعقود عليه بهذا الشرط فهي جهالة لا تفضي إلى المنازعة فلا يؤثر في العقد كجهالة مقدار العيب المسمى.
وكان ابن أبي ليلى رحمه الله تعالى يقول لا تصح البراءة من العيب مع التسمية ما لم يره المشتري وقد جرت المسألة بينه وبين أبي حنيفة في مجلس الدوانيقي فقال له أبو حنيفة أرأيت لو أن بعض حرم أمير المؤمنين باع عبدا برأس ذكره برص أكان يلزمها أن يرد ذلك المشتري وما زال به حتى أفحمه وضحك الخليفة مما صنع به فإذا عرفنا جواز العقد لهذا الشرط قلنا تدخل فيه البراءة من كل عيب موجود به وقت العقد فإن حدث به عيب آخر بعد البيع قبل التسليم فهو داخل في هذه البراءة أيضا في قول أبي حنيفة رضي الله عنه وهو الظاهر من قول أبي يوسف رحمه الله وقال محمد وزفر والحسن رحمهم الله تعالى لا تدخل البراءة عن العيب الحادث في هذا الشرط وهو رواية عن أبي يوسف لأن ذلك مجهول لا يدري أيحدث أم لا وأي مقدار يحدث ولو صرح بالتبري من العيب الذي يحدث قبل القبض فسد به العقد ولو دخل في هذا الشرط لفسد العقد به أيضا فأبو يوسف رحمه الله تعالى يقول العيب الحادث قبل القبض لما جعل كالموجود عند العقد في ثبوت حق الرد فكذلك يجعل كالموجود عند العقد في دخوله في شرط البراءة من كل عيب وهذا لأن مقصود البائع إثبات صفة اللزوم للعقد والامتناع من التزام ما لا يقدر على تسليمه وفي هذا لا فرق بين العيب الموجود والحادث قبل القبض ولا رواية عن أبي يوسف فيما إذا نص على البراءة عن العيب الحادث وقيل ذلك صحيح عندنا باعتبار أنه يقيم السبب وهو العقد مقام نفس العقد الموجب للرد في صحة الإسقاط ولئن سلمنا فنقول هنا ظاهر لفظه يتناول العيوب الموجودة ثم يدخل فيه ما يحدث قبل القبض تبعا لأن ذلك يرجع إلى تقرير مقصودهما وقد يدخل في التصرف تبعا ما لا يجوز أن يكون مقصودا بذلك التصرف كالشرب في بيع الأرض والمنقولات في وقف القربة ولو كان شرط البراءة من كل عيب به فهذا يفسد العيب الموجود فلا يتناول الحادث بالاتفاق.

 

ج / 13 ص -81-       وإن اختلفا في عيب فقال المشتري أنه حدث بعد العقد قال البائع بل كان موجودا عند العقد فإن كان شرط البراءة من كل عيب فالقول قول المشتري وإن كان شرط البراءة من كل عيب فعلى قول محمد القول في ذلك قول البائع وعند زفر القول قول المشتري لأنه هو المسقط لحقه فالقول في بيان ما أسقط قوله كما في الفصل الأول ومحمد يقول قد ظهر المسقط مطلقا فالمشتري إذا ادعى خروج شيء بعينه من ذلك المطلق لا يقبل قوله في ذلك إلا بحجة كما لو أبرأه عن كل حق له عليه ثم اختلفا في دين أنه كان موجودا وقت الإبراء أو حدث بعده فإنه يجعل القول قول من يدعي دخوله في البراءة المطلقة لهذا المعنى بخلاف ما إذا شرط البراءة من كل عيب به لأن المسقط هنا ما ظهر إلا مقيدا بوصف فإذا أنكر المشتري في عيب عينه أنه ما دخل في ذلك الإيجاب المقيد وجب المصير إلى قوله كما في البراءة المقيدة بمكان أو زمان.
قال: وإذا شهد شاهدان على البراءة من كل عيب في خادمة ثم اشتراها أحد الشاهدين بغير براءة فوجد بها عيبا كان له أن يردها لأن البراءة من كل عيب لا تتضمن الإقرار بوجود كل عيب فيها فلا يكون الشاهد راضيا بعيب فيها بعد تلك الشهادة وكذا لو شهدا على البراءة من الإباق ثم اشتراها أحدهما فوجدها آبقة فله أن يردها لأن الإباق مذكور في البراءة مطلقا غير مضاف إليها فلا يكون ذلك إقرارا من الشاهد ولا من المشتري بوجود ذلك فيها بمنزلة البراءة من كل عيب ولو شهدا أنه تبرأ من إباقها ثم اشتراها أحد الشاهدين فوجدها آبقة فليس له أن يردها لأن الإباق هنا مضاف إليها بحرف الكتابة وتخصيصه من بين سائر العيوب بالإضافة إليها يكون إخبار بوجوده فيها فالشاهد أقدم على شرائها وهو عالم بعيبها فلا يكون له أن يردها بالعيب.
قال: وإذا اشترى جارية ولم يتبرأ البائع من عيوبها فوطئها المشتري ثم وجد بها عيبا فليس له أن يردها بالعيب عندنا بكرا كانت أو ثيبا عندما اشتراها وقال الشافعي رحمه الله تعالى إن كانت بكرا فكذلك الجواب وإن كانت ثيبا فله أن يردها بالعيب ولا يغرم للوطء شيئا
وقال ابن أبي ليلى: يردها بكرا كانت أو ثيبا ويرد معها عقرها وعقرها عشر قيمتها إن كانت بكرا أو نصف عشر قيمتها أن كانت ثيبا وجه قول الشافعي أنه قادر على ردها كما قبضها فله أن يردها كما قبل الوطء وهذا لأن الوطء في الثيب لا يوجب نقصانا في عينها حقيقة ولا حكما وإنما استوفى منها محض منفعة فهو كما لو استخدمها ثم اطلع على عيب بها بل أولى فإن الاستخدام يعيبها والوطء يمنعها بخلاف ما إذا كانت بكرا فالوطء هناك يفوت جزء منها فإن صفة البكارة في الجارية بمنزلة جزء من عين هو مال متقوم ولهذا استحق بالبيع شرطا والدليل على الفرق إن المشتري بعد ما وطء البكر ليس له أن يبيعها مرابحة من غير بيان وفي الثيب له أن يبيعها مرابحة بعد الوطء من غير بيان وكذلك لو كانت ذات زوج فوطئها الزوج عند المشتري فإن كانت بكرا ليس للمشتري أن يردها بعيب النكاح بعد ذلك،

 

ج / 13 ص -82-       وإن كانت ثيبا فله ذلك وكذلك البائع إذا وطئ المبيعة قبل القبض فإن كانت ثيبا لم يسقط شيئا من الثمن ولا يتخير المشتري به في قول أبي حنيفة بخلاف ما إذا كانت بكرا وبهذه الفصول يتبين أن الوطء في الثيب بمنزلة الاستخدام وكما أن الوطء لا يحل إلا في الملك فالإجبار على الخدمة لا تحل إلا في الملك ثم لا يمنع نسبة الرد بالعيب.
وحجتنا في ذلك إجماع الصحابة رضوان الله عليهم فقد قال علي وابن مسعود رضي الله عنهما لا يردها بعد الوطء و قال عمر وزيد بن ثابت رضي الله عنهما يردها ويرد معها عشر قيمتها إن كانت بكرا ونصف عشر قيمتها إن كانت ثيبا فقد اتفقوا على أن الوطء لا يسلم للمشتري مجانا فمن قال يردها ولا يرد معها شيئا فقد خالف أقاويل الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين وكفى بإجماعهم حجة عليه ثم إنهم مجمعين على أن الوطء بمنزلة الجناية إلا أنه كان من مذهب عمر وزيد رضوان الله عليهما أن المشتري إذا جنى عليها ثم علم بعيب يردها ويرد معها الأرش ففي الوطء أجابا نحو ذلك وعلي وابن مسعود رضي الله عنهما كان يقولان لا يردها بعد الجناية فكذلك بعد الوطء وبالإجماع بيننا وبين الشافعي الجناية تمنع الرد فكذلك الوطء وهو المعنى الفقهي في المسألة أن الوطء يسلك فيه مسلك الجناية فيمنع الرد بمنزلة الجناية عليها بنفسها.
والدليل على إثبات هذا الوصف اتفاق الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين كما بينا والدليل على أن المستوفي بالوطء في حكم جزء من العين فإن المستوفي بالوطء ما يملك بالنكاح والمملوك بالنكاح في حكم العين ولهذا لا يملك العقد إلا مؤبدا والدليل عليه أن استيفاءه في غير الملك لا يخلو عن عقوبة أو غرامة واستيفاء المنفعة تنفك عن ذلك وإن المستوفي بالوطء مصون عن الابتدال حتى لا يجوز استيفاؤه بالبدل بدون الملك والمصون من الآدمي نفسه وأجزاؤه لا منافعه والمنفعة تتبدل من الآدمي كما تتبدل من غيره فإذا ثبت أنه في حكم جزء من العين فاستيفاؤه كاستيفاء جزئه بالجناية وذلك يمنعه من الرد بالعيب والدليل عليه ما إذا كانت بكرا تقرر ما قلنا إن الرد بالعيب فسخ للعقد من الأصل ولهذا لو كان موهوبا كان للواهب أن يرجع فيه ولو كان مبيعا كان للبائع أن يرده على بائعه ولو لم يتعذر ردها بالعيب لأجل الوطء لكان إذا ردها ويفسخ العقد من الأصل تبين أن وطأه إياها كان في غير الملك والوطء لا يحل إلا في الملك فللتحرز عن الوطء الحرام قلنا لا يردها والوطء في غير الملك بمنزلة تناول جزء من العين حتى لا ينفك عن عقوبة أو غرامة وبهذا فارق حكم بيع المرابحة لأنه لا يتبين بالبيع مرابحة أن وطأه إياها كان في غير الملك ولأن ذلك في حكم جزء من العين أيضا ولكن هو جزء وهو ثمرة لما لم يتمكن به نقصان في العين وذلك لا يمنع بيع المرابحة عندنا فإنه لو تناول لبن الشاة وأعلفها بقدره كان له أن يبيعها مرابحة وهذا بخلاف وطء الزوج إياها عند المشتري لأن ذلك حصل بتسليط البائع وإيجابه له بالنكاح فيجعل كفعل البائع بنفسه بخلاف ما إذا كانت بكرا فإنه بالنكاح يوجب الوطء للزوج

 

ج / 13 ص -83-       لا صفة البكارة فيصير أصل الوقت مضافا إلى البائع ولكن بزوال صفة البكارة لا يصير مضافا إلى البائع فكأنها ذهبت إلى المشتري من غير صنع أحد أو بصنع إنسان بأصبع أو خشبة وذلك يمنع المشتري من ردها وكذلك وطء البائع قبل التسليم فثبوت الخيار للمشتري وسقوط شيء من الثمن إذا كانت بكرا باعتبار صفة البكارة دون الوطء وهذا لأن المستوفي بالوطء في حكم جزء هو ثمرة كما بينا وذلك لا يوجب الخيار للمشتري كتناول الثمار واللبن إلا أن ذلك مال متقوم فيقابله جزء من الثمن إذا صار مقصودا يتناول البيع وهذا الجزء ليس بمال متقوم ألا ترى أنه يملك بالنكاح والمملوك بالنكاح ليس بمال فلا يقابله شيء من الثمن ثم المبيعة قبل التسليم في ضمان البائع وفي حكم الوطء إنما تصير مملوكة للمشتري بالقبض فإن الوطء تصرف وملك التصرف يثبت للمشتري بالقبض ولهذا لا يجتزأ بالحيضة التي توجد قبل القبض من استبراء المشتري فلهذا لم يوجب العقد على البائع إذا وطئها وسنقرر لأبي حنيفة الكلام في موضعه إن شاء الله تعالى وهذا بخلاف الاستخدام فالمنفعة ليست في حكم جزء من العين ولكنها أعراض تحدث شيئا فشيئا وهو يتبدل ويجوز استيفاؤها في عين الملك واستيفاؤها بخلو عن عقوبة أو غرامة فأكثر ما فيه أنه يتبين بالرد أنه استخدمها في غير ملكه وذلك لا يوجب عليه شيئا فلهذا لا يمنع الرد بسبب الاستخدام بخلاف الوطء إذا ثبت أنه لا يمكنه ردها بالعيب قلنا يرجع بحصة العيب من الثمن لأن الجزء الفائت صار مستحقا بالعقد للمشتري وقد تعذر تسليمه إليه فيرد حصة من الثمن لأنه صار مقصودا بالمنع فيكون له حصة من الثمن فطريق معرفة ذلك أن يقومها وبها العيب ويقومها ولا عيب بها فإن كان تفاوت ما بين القيمتين العشر رجع بعشر الثمن وإن كان نصف العشر رجع بنصف عشر الثمن إلا أن يقول البائع ردها علي فأنا أرضى بذلك فحينئذ يردها لأن المانع من الرد حقه وقد زال حين رضي به.
ولو لم يطأها ولكن حدث بها عيب عند المشتري ووجد بها عيب لم يردها عندنا وقال ابن أبي ليلى يردها ويرد معها نقصان العيب الحادث عنده لأن رد البدل عند تعذر رد العين بمنزلة رد العين ولكنا نقول حق الرد للمشتري إنما ثبت لدفع الضرر عن نفسه وإنما يدفع الضرر عن نفسه بطريق لا يلحق الضرر فيه بالبائع وبعد ما تعيب عنده لو ردها كان في ذلك إلحاق الضرر بالبائع ولا يقال لا بد من إلحاق الضرر بأحدهما فيترجح جانب المشتري في دفع الضرر عنه لأن البائع دلس له العيب والمشتري صار مغرورا من جهته وهذا لأن الشرع ينظر لهما جميعا والضرر عن المشتري يندفع إذا أثبتنا له حق الرجوع بحصة العيب من الثمن فإن لم يندفع فذلك لعجزه عن الرد كما قبض لا لتصرف يباشره البائع ولو رده تضرر البائع بتصرف يباشره المشتري وهو ردها عليه فكان مراعاة جانب البائع أولى من هذا الوجه وإذا لم يردها رجع بنقصان العيب من الثمن كما بينا إلا أن يرضى البائع بأن يردها عليه لأن المانع من الرد حق البائع وقد رضي بالتزام هذا الضرر.

 

ج / 13 ص -84-       قال: فإن باعها المشتري بعد ما رأى العيب بها وقد وطئها أو تعيبت عنده لم يكن له أن يرجع على البائع بنقصان عيبها لأن البائع يقول أنا أقبلها فإنما تعذر الرد ببيع المشتري إياها بعد العلم بالعيب وذلك يمنعه من الرجوع بحصة العيب والأصل في جنس هذا أن في كل موضع يجوز ردها برضا البائع فإذا باعها المشتري لم يكن له أن يرجع بنقصان عيبها وفي كل موضع لم يكن له أن يردها وإن رضي البائع فبيعه إياها لا يمنعه من الرجوع بنقصان العيب لأن تعذر الرد هنا بمعنى حكمي دون بيع المشتري إياها وفي الأول إنما تعذر الرد ببيع المشتري إياها فكأنه حبسها عنده وأراد الرجوع بنقصان العيب وعلى هذا لو اشترى ثوبا فقطعه ولم يخطه حتى رأى به العيب ثم باعه لم يكن له أن يرجع بنقصان العيب لأن بعد القطع يجوز رده إذا رضي به البائع وإنما تعذر الرد ببيع المشتري إياه ولو قطعه وخاطه ثم رأى به العيب فباعه كان له أن يرجع بنقصان العيب لأن الرد كان متعذرا قبل البيع وإن رضي به البائع بصفة الخياطة التي أحدث المشتري فيه وكذلك لو اشترى ثوبا فصبغه بعصفر أو زعفران ثم وجد به عيبا فباعه رجع بنقصان العيب لأن الرد كان متعذرا قبل البيع للزيادة الحادثة في الثوب من ملك المشتري ولو صبغه أسود فكذلك الجواب عند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى لأن السواد عندهما زيادة وعند أبي حنيفة السواد نقصان كالقطع فإنما تعذر الرد ببيعه إياه فلا يرجع بنقصان العيب وقد ذكرنا هذا في كتاب الغصب.
قال: ولو وطئها غير المشتري بزنا لم يردها المشتري بالعيب لحدوث العيب بها عنده بالزنى فالزنى عيب في الجارية ولكنه يرجع بنقصان العيب إلا أن يقول البائع ردها علي وهذا بخلاف ما إذا جنى عليها أجنبي فالجناية توجب الأرش والأرش زيادة منفصلة متولدة من العين حكما وذلك يمنع ردها بالعيب عندنا وإن رضي البائع بذلك على ما يذكره وأما الزنى فلا يوجب إلا الحد ووازن الأرش النكاح فإن المشتري لو زوجها فوطئها الزوج أو لم يطأها ثم وجد بها عيبا لم يكن له أن يردها به لمكان المهر الذي وجب بالنكاح للمشتري وكذلك لو وطئت بالشبهة وأخذ المشتري العقد لم يردها بالعيب بعد ذلك وإن رضي البائع به ولكن يرجع بنقصان العيب لأن الرد قد تعذر فيدفع الضرر عن المشتري برد حصة العيب من الثمن عليه وكل عيب وجده المشتري في السلعة فعرضها بعد ما رآه على بيع أواطئها أو قبلها أو لمسها بشهوة أو أجرها أو رهنها أو كاتبها فذلك رضا منه بالعيب وليس له ان يردها ولا يرجع بنقصان عيبها لأنه يعرضها على البيع لحاجته إلى ثمنها وذلك دليل الرضا منه بسقوط حقه من الثمن المدفوع إلى البائع ودليل الرضا كصريح الرضا وأما الوطء ودواعيه فلا يحل إلا في الملك المتقرر فإقدامه عليه دليل الرضا بتقرر ملكه فيها ولو وجد ذلك قبل العلم بالعيب امتنع ردها بالعيب كان هذا في القياس رضا فبعد العلم بالعيب أولى إلا أن قبل العلم بالعيب لم يصر هو راضيا بالعيب فيرجع بالنقصان وبعد العلم بالعيب يصير هو بالإقدام على هذا الفعل راضيا بالعيب ولا يرجع بالنقصان وأما الإجارة والرهن فلانه أوجب هذا التصرف للغير

 

ج / 13 ص -85-       فيها حقا لازما وذلك يعجزه عن ردها فالإقدام عليه دليل الرضا بالعيب والكتابة توجب لها حقا لازما في نفسها وذلك يعجزه عن ردها فالإقدام عليه دليل الرضا بالعيب ودليل الرضا فيما يسقط الخيار كصريح الرضا.
قال: ولو استخدمها بعد العلم بالعيب كان هذا في القياس رضا لأنه يستخدمها لملكه فيها فالإقدام عليه دليل الرضا ويتقرر ملكه وفي الاستحسان هذا لا يكون رضا بالعيب لأن الناس قد يتوسعون في الاستخدام فقد يستخدم الإنسان ملك غيره بأمره وبغير أمره وإنما يستخدمها للاختبار أنها مع هذا العيب هل تصلح لخدمته أم لا فكان ذلك اختبارا لا اختيارا ولو كان ثوبا فلبسه فهو رضا منه لأنه تصرف بحكم الملك وقلما يفعله الإنسان في ملك غيره فيكون ذلك منه دليل الرضا فيتقرر ملكه وكذلك إن كانت دابة فركبها غير أني أستحسن إذا ركب الدابة ليعلفها أو ليسقيها أو ليردها أن لا يكون هذا رضا منه لأنه يحتاج في ردها إلى سوقها وربما لا تنقاد له ما لم يركبها وكذلك في سقيها وعلفها فالركوب لأجله لا يكون دليل الرضا منه وإنما دليل الرضا أن يركبها في حاجة نفسه أو يسافر عليها.
قال: وإذا ولدت الجارية عند الرجل أو وطئها ثم باعها وكتم ذلك فليس للمشتري أن يردها لأن هذا ليس بعيب لازم لأن العيب ما يعده التجار عيبا أو يؤثر نقصانا في المالية وصفة الثيوبة لا يعدها التجار عيبا فالجواري عليها في أغلب أحوالهن والبكارة صفة زائدة لا تستحق إلا بالشرط والولادة كذلك فالنقصان الممكن فيها بسببها يزول بمضي المدة وبعد زواله لا أثر له في مالية العين فلا يعده التجار عيبا وفي كتاب المضاربة يقول الجارية إذا ولدت فهذا فيها عيب لازم أبدا فللمشتري أن يردها إذا علم بذلك لأنه يدخل عليها بالولادة كسر لا يرتفع ويظهر ذلك في عكن بطنها ولا بأس بأن يبيعها مرابحة بعد ما وطئها إن لم يكن الوطء نقصها لأن المعتبر في بيع المرابحة عرف التجار وهم لا يعدون هذا من الخيانة ولأن المستوفي بالوطء ليس بمال وبيع المرابحة يلاقي ماليتها فاستيفاء ما ليس بمال منها إذا كان لا يوجب النقصان في ماليتها لا يعتبر في بيع المرابحة بخلاف ما إذا كانت بكرا فإن الوطء في هذه الحالة يؤثر نقصانا في ماليتها والنقصان فيها إذا كان بفعل المشتري فذلك يمنعه من أن يبيعها مرابحة.
قال: وإذا اشترى جارية فأعتقها أو دبرها أو ولدت له ثم وجد بها عيبا فليس له أن يردها لبطلان ملكه فيها وخروجها من أن يكون محلا للنقل من ملك إلى ملك وفي القياس ليس له أن يرجع بنقصان العيب لأن تعذر الرد كان بفعل المشتري فهو كما لو قبلها وهذا لأنه لما اكتسب سببا يتعذر الرد فيه كان حابسا لها حكما فكأنها في يده يحبسها ويريد الرجوع بنقصان العيب وفي الاستحسان يرجع بنقصان عيبها لأن ملكه تقرر فيها بما صنع أما التدبير والاستيلاد فلا يزيل الملك ولكنها تخرج من أن تكون محل النقل من ملك إلى ملك وأما

 

ج / 13 ص -86-       العتق فهو منه للملك لأن الملك في الآدمي إلى وقت العتق والشيء ينتهي بمضي مدته والمنتهي متقرر في نفسه ولهذا قلنا يثبت الولاء بالعتق والولاء أثر من آثار الملك فبقاؤه كبقاء أصل الملك فمتى تعذر الرد مع بقاء الملك المستفاد بالشراء حقيقة أو حكما يرجع بنقصان العيب لأنه استحق ذلك الملك بصفة السلامة كما لو تعيب في يده.
يوضحه أنها لو ماتت عنده رجع بنقصان العيب لأنه بالموت تنتهي مدة حياته والملك فيها باعتبارها فكذلك بالعتق ينتهي الرق والمالية فيها باعتبارها وأما إذا قتلها فقد روي عن أبي يوسف أنه يرجع بنقصان العيب أيضا لأن القتل موت بأجل فكأنها ماتت حتف أنفها وفي ظاهر الرواية قال لا يرجع بعد القتل بنقصان العيب لأن القتل فعل مضمون لو باشره في ملك الغير كان موجبا للضمان عليه وإنما استفاد البراءة عن الضمان هنا لملكه فيها وذلك في معنى عوض سلم له فكأنه باعها بخلاف العتق فإنه ليس بفعل موجب للضمان على الإنسان في ملك الغير على الإطلاق لأن عتقه في ملك الغير لا ينفذ ومن أحد الشريكين وإن نفذ فلا يتعلق به الضمان مطلقا حتى إذا كان معسرا لم يضمن شيئا فهو لم يستفد عوضا عن ملكه حقيقة وحكما وكذلك إن ماتت لأنه لم يوجد منه فعل مضمون فيها أما إذا باعها ثم علم بالعيب فيها لم يرجع بنقصان العيب لأنه لو خاصم إنما يخاصم في عيب ملك الغير ولأنه نال العوض حيث باعها بصفة السلامة ولأن البيع والتسليم فعل مضمن في ملك الغير فهو بمنزلة القتل والهبة والصدقة في هذا كالبيع لأنه أوجب الملك فيها باختياره فيكون قاطعا ملكه الذي استفاده من جهة البايع فكان كالبيع ثم هذا فعل مضمون في ملك الغير فإنما استفاد البراءة عن الضمان باعتبار ملكه فيها.
قال: ولو باع منها بعضا لم يكن له أن يرد ما بقي عندنا وقال ابن أبي ليلى له ذلك إلا أن يشاء البائع أن يرد عليه نقصان العيب لأنه يتمكن من رد ما بقي ولكنه معيب بعيب الشركة ولو تعيب في يده بعيب آخر كان له أن يرجع بنقصان العيب إلا أن يشاء البائع أن يقبلها معيبة فهذا مثله ولكنا نقول عجز عن رد الباقي على الوجه الذي قبض لأنه قبض غير معيب وإنما حدث عيب الشركة عنده وذلك يمنعه من الرد وسبب هذا كان بيع النصف ومتى كان تعذر الرد بسبب البيع فليس له أن يرجع بشيء من نقصان العيب كما لو باع الكل وعند زفر له أن يرجع بنقصان العيب في النصف الذي لم يبع اعتبارا للبعض بالكل إذا لم يبع ولو كاتبها فالكتابة نظير البيع من حيث أنه يوجب لها حقا بعوض يستوجبه المولى عليها فلا يرجع بنقصان العيب بعد ذلك وكذلك لو أعتقها بمال فيما رواه أبو يوسف عن أبي حنيفة رحمهما الله لأنه أزال ملكه عنها بعوض فهو كما لو باعها وفي رواية أخرى يرجع بنقصان العيب لأن العتق منه للرق سواء كان بعوض أو بغير عوض ألا ترى أنه يثبت به الولاء في الموضعين جميعا ولو قتلها أجنبي لم يرجع بنقصان العيب على البائع لأنه أخذ العوض من القاتل فكان ذلك بمنزلة عوض سلم له بالبيع وكذلك لو كان ثوبا فأحرقه أجنبي أو طعاما فأكله لأنه قد

 

ج / 13 ص -87-       سلم للمشتري العوض من جهته وكذلك إن كان المشتري هو الذي أحرقه لأنه قد استفاد البراءة عن الضمان بسبب ملكه.
قال: ولو لبس الثوب حتى تخرق أو أكل الطعام ثم علم بالعيب لم يرجع بشيء في قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله يرجع بنقصان العيب من الثمن استحسانا لأنه صنع بالمبيع ما يشتري لأجله ويعتاد فعله به فلا يمنعه من الرجوع بنقصان العيب كما لو أعتق العبد وأبو حنيفة يقول تعذر الرد بفعل مضمون منه في المبيع فلا يرجع بنقصان العيب كالإحراق والقتل وهذا لأن اللبس والأكل موجب للضمان عليه في ملك الغير وإنما استفاد البراءة باعتبار ملكه في المحل فذلك بمنزلة عوض سلم إليه وكما أن الأكل واللبس مقصودان بالشراء فالمبيع مقصود بالشراء ثم لا يعتبر ذلك المعنى في إثبات حق الرجوع له بنقصان العيب لسلامة العوض له فكذلك الأكل وإن أكل بعض الطعام ثم علم بالعيب فكذلك الجواب عند أبي حنيفة بمنزلة ما لو باع البعض لأن الطعام في الحكم كشيء واحد فلا يرد بعضه بالعيب دون البعض وعن أبي يوسف ومحمد رحمهما الله روايتان فيما إذا أكل البعض في إحدى الروايتين يرجع بنقصان العيب في الكل لأن الطعام في حكم شيء واحد يرد بعضه بالعيب وأكل الكل عندهما لا يمنعه من الرجوع بنقصان العيب فأكل البعض أولى وفي الرواية الأخرى يرد ما بقي لأن هذا مما لا يضره التبعيض وهو قادر على الرد كما قبضه ويرجع بنقصان العيب فيما أكله وبعد بيع البعض عنهما روايتان أيضا ففي إحدى الروايتين لا يرجع بشيء كما هو قول أبي حنيفة لأن الطعام في حكم شيء واحد فبيع البعض فيه كبيع الكل وفي الرواية الأخرى يرد ما بقي لأنه لا يضره التبعيض ولكنه لا يرجع بنقصان العيب فيما إذا باع اعتبارا للبعض بالكل.
قال: وإذا طحن الحنطة أولت السويق ثم علم بعيب به كان له أن يرجع بنقصان العيب لأن الملك المستفاد له بالشراء باق وإنما تعذر الرد لمكان الزيادة التي هي غير متولدة من العين بمنزلة الثوب إذا قطعه وخاطه أو صبغه فله أن يرجع بنقصان العيب.
قال: وإذا اشترى خفين أو نعلين أو مصراعي باب فوجد في أحدهما عيبا فله أن يردهما جميعا لأنهما في الصورة شيئان وفي المنفعة والمعنى كشيء واحد فإنه لا يتأتى الانتفاع المقصود بإحداهما دون الأخرى والمعتبر هو المعنى وفي الشيء الواحد وجود العيب بجزء منه ممكن من رد الكل لأنه لو رد المعيب خاصة لعاد إلى البائع بعيب حادث إذ التفريق بينهما يمنع الانتفاع وذلك عيب في كل واحد منهما فإن كان قد باع الذي ليس به عيب لم يكن له أن يرد ما بقي ولا يرجع بشيء كما في الشيء الواحد حقيقة إذا باع بعضه أما إذا اشترى ثوبين أو عبدين وقبضهما ثم وجد بأحدهما عيبا رد المعيب خاصة عند علمائنا الثلاثة رحمهم الله وقال زفر له أن يردهما جميعا وليس له أن يرد أحدهما لأن الصفقة واحدة وضم الجيد إلى الرديء عادة معروفة ولو رد المعيب تضرر البائع بذلك فليس له ذلك إلا أن

 

ج / 13 ص -88-       يردهما جميعا كما في الفصل الأول ألا ترى أنه في الرد بخيار الشرط والرؤية ليس له أن يفرق بينهما وكذلك في الرد بالعيب قبل القبض فكذلك بعد القبض ولكنا نقول الصفقة قد تمت بالقبض لأن العيب لا يمنع تمام الصفقة ثم علة الرد العيب وذلك وجد في أحدهما والحكم إنما يثبت بحسب العلة ألا ترى أنه لو استحق أحدهما بعد القبض لم يتخير في الآخر فكذلك إذا وجد العيب في أحدهما بخلاف النعلين فهناك لو استحق أحدهما كان له أن يرد الآخر لاتصال أحدهما بالآخر انتفاعا وبخلاف خيار الشرط والرؤية لأن ذلك يمنع تمام الصفقة بالقبض وكذلك خيار العيب قبل القبض لأن الصفقة لا تتم قبل القبض وتفريق الصفقة قبل التمام لا يجوز ثم إن تضرر البائع هنا من الوجه الذي ذكره زفر فكذلك من قبل تدليسه فلا يعتبر في حق المشتري وليس من ضرورة ثبوت الخيار له في أحدهما ثبوته في الآخر كما لو سمى لكل واحد منهما ثمنا وشرط الخيار لنفسه في أحدهما بعينه.
قال: وإذا اشترى عبدا ثم باعه فرد عليه بعيب بغير قضاء قاض فليس له أن يرده على بائعه بالعيب لأن هذا بمنزلة الإقالة فإنه حصل بتراضيهما والإقالة في حق البائع الأول بمنزلة بيع مبتدأ فلم يعد إليه الملك المستفاد من جهة البائع الأول في حقه فلهذا لا يخاصمه في عينه قال ولو قبله بقضاء قاض ببينة قامت عليه أو بإباء اليمين أو بإقرار عند القاضي أنه باعه والعيب به وهو لا يعلم به كان له أن يرده على الأول إن كان له على العيب بينة وإلا استحلفه لأن الرد عليه بقضاء القاضي فسخ فإن للقاضي ولاية الفسخ بسبب العيب دون ابتداء البيع فيعود إليه الملك المستفاد من جهة البائع فهو على خصومته في العيب معه بمنزلة ما لو وهبه ثم رجع في الهبة إلا أن في الرجوع في الهبة القضاء وغير القضاء سواء بخلاف الرد بالعيب وقد قررنا هذا الفرق في كتاب الهبة.
قال: ولو اشترى جارية ولها زوج أو عبدا وله امرأة فله أن يردهما بالعيب لأن النكاح مما يعده التجار عيبا في الغلام والجارية جميعا ولأن المقصود بملك الجارية الاستفراش وهذا المقصود يختل إذا ظهر أنها منكوحة الغير وفي العبد بسبب النكاح يلزمه نفقة امرأته وذلك ينقص من ماليته فلهذا كان النكاح عيبا فيهما جميعا وإذا اشترى شاة أو بقرة فحلبها وشرب اللبن ثم علم بعيبها لم يكن له أن يردها بالعيب ولكنه يرجع بنقصان العيب عندنا وقال الشافعي يردها بالعيب بجميع الثمن والأصل أن الزيادة نوعان متصلة ومنفصلة والمتصلة نوعان زيادة غير متولدة من العين كالصبغ في الثوب والسمن والعسل في السويق وهي تمنع الرد بالعيب بالاتفاق لمراعاة حق المشتري في مالية الزيادة والزيادة المتصلة التي هي متولدة من الأصل كالسمن وانجلاء البياض من العين وثياب اللبس لا يمنع الرد بالعيب في ظاهر الرواية لأنه لا معتبر بها في عقود المعاوضات ألا ترى أنها إذا حدثت قبل القبض لا يتغير حكم انقسام الثمن بسببها وقيل على قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله هذه الزيادة تمنع الرد بالعيب وعند محمد لا تمنع على قياس مسألة التحالف وقد تقدم بيانها.

 

ج / 13 ص -89-       وأما الزيادة المنفصلة فهي نوعان عين متولدة من الأصل كالكسب والغلة فلا تمنع الرد بالعيب ولكن الزيادة تسلم للمشتري به ورد الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الخراج بالضمان" ثم الكسب والغلة بدل المنفعة وسلامة المنفعة للمشتري لا تمنع رد الأصل بالعيب بجميع الثمن فكذلك سلامة بدل المنفعة وأما الزيادة المنفصلة التي هي متولدة من الأصل كاللبن والثمار والولد والعقد إذا وطئت الجارية بالشبهة والأرش إذا جنى عليها بعد ما قبضها المشتري فهو يمنع رد الأصل بالعيب عندنا وعند الشافعي لا يمنع ولكن يرد الأصل بجميع الثمن والزيادة تسلم للمشتري لأن هذه زيادة تملك بسبب ملك الأصل فلا يمنع رد الأصل بالعيب كالكسب والغلة وتأثيره أنه لا يقابل هذه الزيادة شيء من الثمن لأنها لم تكن موجودة لا عند العقد ولا عند القبض فكان جميع الثمن بمقابلة الأصل ألا ترى أن هذه الزيادة إذا هلكت من غير صنع أحد كان له أن يرد الأصل بالعيب بجميع الثمن فكذلك إذا كانت قائمة في يد المشتري أو استهلكها أو غيره وبهذا يتبين أن هذه الزيادة ليست بمبيعة لأن المبيع ما يقابله الثمن فلو صارت هذه الزيادة مبيعة لقابلها شيء من الثمن كما قلتم في الزيادة الحادثة قبل القبض إذا قبضها المشتري مع الأصل والدليل عليه أنه لا يرد هذه الزيادة بعيب إذا وجد بها فلو صارت مبيعة لثبت فيها حكم الرد بالعيب ويجوز فسخ سبب الملك في الأصل مع بقاء الزيادة سالمة للمتملك كالموهوبة إذا زادت زيادة منفصلة ثم رجع الواهب فيها تبقى الزيادة سالمة للموهوب له.
وحجتنا في ذلك أن تملك المشتري في هذه الزيادة تملك مبيع فلو رد الأصل بجميع الثمن لبقيت الزيادة له مبيعا بلا ثمن وذلك ربا وبيان هذا أنه لا سبيل لملك الزيادة سوى التولد من الأصل وإنما يسري إليها الملك الثابت في الأصل وملكه في الأصل ملك مبيع لأن هذا الملك يثبت له بالشراء وما ثبت فهو باق من غير دليل منفي حتى يقوم الدليل والدليل عليه أن باعتبار قيام ذلك الملك التصرف في العقد بالإقالة وإذا ثبت أن ملكه في الأصل ملك مبيع فذلك الملك يسري إلى الزيادة لأن المتولد من عين الشيء يكون بصفته ألا ترى أن ولد المكاتبة وولد أم الولد من غير السيد يكون الملك فيه بصفة الملك في الأصل وبه فارق الكسب والعلة لأنه ملكه بسبب مبتدأ وما سرى إليه ملك الأصل ألا ترى أن كسب المكاتب لا يثبت فيه حكم الكتابة فإذا ثبت أن هذه الزيادة في حكم المبيع قلنا ليس بمقابلتها شيء من الثمن لأنها بيع محض والثمن بمقابلة الأصل دون البيع كأطراف المبيع لا يقابلها شيء من الثمن إلا أن يصير مقصودا بالتناول فكذلك الزيادة إن حدثت قبل القبض ثم قبضها المشتري مع الأصل صارت مقصودة بالتناول فيقابلها جزء من الثمن ومن ضرورة ذلك استحقاق صفة السلامة فيها فإذا وجد بها عيبا كان له أن يردها بذلك وقبل القبض لما كان لا يقابلها شيء من الثمن كان ردها مقصودا ولكن يردها مع الأصل تبعا وأما الزيادة الحادثة بعد القبض فلم تصر مقصودة بالتناول والقبض بحكم العقد فلا يقابلها ثمن فلهذا لا يكون له أن يردها ولا يرد الأصل دونها بجميع الثمن لأنها تبقى مبيعة سالمة للمشتري بغير

 

ج / 13 ص -90-       عوض والربا ليس إلا هذا ولهذا لا يملك ردها وإن رضي البائع لأن تعذر الرد لحق الشرع ولهذا رجع بالنقصان وإن باعها بعد العلم بالعيب لأن الرد ممتنع لمكان الزيادة سواء رضي البائع بذلك أو لم يرض ولا يقال قبل رد الأصل الزيادة تسلم للمشتري مبيعا بلا ثمن فكذلك بعد رد الأصل لأن قبل رد الأصل الزيادة تبع فتكون الزيادة بمقابلة الأصل يعني عن اعتبار الثمن بمقابلة المبيع فإذا تعذر رد الأصل بالعيب فقد انفسخ العقد فيه فالزيادة بعد ذلك لا تكون تبعا للأصل وإذا صارت مقصودة ولا يقابلها ثمن كانت ربا ولهذا يرد الأصل بالعيب بعد هلاك الزيادة لأن المانع زيادة كانت تبقي للمشتري مبيعا بلا ثمن وقد انعدم ذلك إذا هلك من غير صنع أحد وإن استهلكها أجنبي غرم بدلها فسلامة البدل للمشتري كسلامة الأصل وإن كان المشتري هو الذي استهلكها فلأنه حابس لها باستهلاكه أو لأنه استفاد البراءة عن الضمان بملكه فيها وذلك بمعنى عوض سلم إليه منها فمنفعة ذلك من ردها بالعيب بخلاف الموهوبة لأن بعد الرجوع في الأصل هناك الزيادة تبقي للموهوب له بغير عوض والأصل كان سالما له موهوبا بغير عوض ولم يكن له ذلك ربا فكذلك الزيادة وهذا لأن حكم الربا إنما يثبت في المعاوضات دون التبرعات.
قال: وإذا اشترى عبدا فوجده مخنثا أو سارقا أو كافرا له أن يرده والأصل أن مطلق العقد يقتضي سلامة المعقود عليه عن العيب لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى من العداء بن خالد عبدا وكتب في عهدته:
"هذا ما اشترى محمد رسول الله من العداء بن خالد بن هودة عبدا لاداء ولا غائله ولا خبثة بيع المسلم من المسلم" ففي هذا تنصيص على أن البيع يقتضي سلامة المبيع عن العيب وتفسير الداء فيما رواه الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله المرض في الجوف والكبد قال المرض ما يكون في سائر البدن والداء ما يكون في الجوف والكبد والرئة وفيما روي عن أبي يوسف قال الداء المرض والغائلة لا تكون من قبل الأفعال كالإباق والسرقة والخبثة هو الاستحقاق وقيل الجنون ثم المرجع في معرفة العيوب إلى عرف التجار وفي كل شيء إنما يرجع إلى أهل تلك الصنعة فما يعدونه عيبا فهو عيب يرد به أو ما ينقص المالية فهو عيب لأن المقصود بالبيع الاسترباح وذلك بالمالية فما ينقص المالية فهو يمكن خللا في المقصود وذلك عيب يرد به وإذا وجد العبد مخنثا فهذا مما يعده التجار عيبا فيمكن نقصانا في ماليته وفيما هو المقصود بملك العبد وهو الاستعمال في الأعمال الشاقة وكذلك إن وجده سارقا فإن ذلك يخل بمقصوده لأنه لا يمكنه استخدامه إذ لا يأتمنه على ماله ويشق عليه حفظ ماله عليه آناء الليل والنهار وإن سرق مال الغير يقطع بسببه وكذلك إن وجده كافرا كان له أن يرده إذ لا عيب تبلغ درجته درجة الكفر وهذا لأنه ربما يحتاج إلى استخدامه في الأمور الدينية نحو اتخاذ الماء لطهوره وحمل المصحف إليه والكافر نجس لا يؤدي الأمانة في الأمور الدينية ولو اشتراه بشرط أنه كافر فوجده مسلما لم يكن له أن يرده عندنا وقال الشافعي له أن يرده لأنه وجده بخلاف شرطه وله في هذا الشرط غرض فربما

 

ج / 13 ص -91-       قصد أن يستخدمه في المحقرات من الأمور ولا يستخير من نفسه أن يستخدم المسلم في مثله فإذا فات عليه مقصوده يمكن من رده وأصحابنا رحمهم الله قالوا الكفر عيب فذكره في العقد لا يكون على وجه الشرط بل على وجه التبري من العيب فكأنه اشتراه على أنه معيب فإذا هو سليم وهذا لأنه وجد أزيد مما شرط وثبوت حق الرد لدفع الضرر عن نفسه فإذا وجده أزيد مما شرط فلا حاجة إلى دفع الضرر عن نفسه بإثبات حق الرد له.
قال: وإن وجد الغلام زانيا لم يكن له أن يرده بالعيب عندنا وقال الشافعي له أن يرده لأن عيب الزنى كعيب السرقة أو فوقه ألا ترى أن في الجارية كل واحد منهما عيب فكذلك في الغلام ولكنا نقول اشتراه على أنه فحل فوجده أفحل ثم الذي به ليس إلا تمني الزنى فإن تمني الزنى معدوم في حقه فإن فعل الزنى لا يتهيأ للعبد إلا بمال ولا مال له بخلاف الجارية ثم المقصود من العبد الاستخدام في أمور خارج البيت وزناه لا يخل بمقصود المولى وأما في الجارية فالمقصود هو الاستفراش وزناها يخل بهذا المقصود فإنها تلوث عليه فراشه وقيل في الغلام إذا صار ذلك عادة له بحيث لا يصبر عنه فله أن يرده لأنه يتمكن الخلل في مقصوده فكلما يوجهه في حاجته ذهب في متابعة هواه فهو كالسرقة فإنها تخل بالاستخدام من الوجه الذي قلنا وكذلك إن وجد العبد ولد زنا لم يكن له أن يرده لأن هذا لا يخل بمقصوده من الاستخدام ولأن أكثر المماليك بهذه الصفة لا تعرف أنسابهم فأما الجارية إذا كانت ولد زنا فله أن يردها لأن ذلك يخل بمقصوده منها وهو الاستيلاد فإن ولده يعير بأمه إذا كانت ولد زنا وعلى هذا الغلام إذا لم يكن مختونا أو الجارية إذا لم تكن مخفوضة ففي الحلية من دار الحرب هذا لا يكون عيبا لأنا لا نعلم أنهم لا يفعلون ذلك وفي المولد لا يكون عيبا في الصغير أيضا ويكون عيبا بعد البلوغ لأن المولد في دار الإسلام لا يترك كذلك حتى يبلغ والتجار يعدون ذلك عيبا في المولد.
قال: والثؤلول عيب إذا كان ينقص الثمن وإن كان لا ينقصه فليس بعيب لأنه لا يخل بالمقصود فيعتبر نقصان المالية بسببه والخال كذلك فقد يكون الخال رتبة لا تنقص من المالية وهو ما إذا كان على الخد وقد يشينه إذا كان على رأس الأرنبة وذلك ينقص من المالية فلهذا يعتبر فيه أن ينقصه من الثمن.
قال: والصهوبة في الشعر عيب لأن التجار يعدونه عيبا وكذلك الشمط فإن الشمط في أوانه من الهرم والهرم عيب وفي غير أوانه ومن داء في الباطن وهو عيب ثم اللون المستوى للشعر السواد فما سوى ذلك إذا كان ينقص من الثمن ويعده التجار عيبا ثبت به حق الرد قال والبخر عيب في الجارية وليس بعيب في الغلام إلا أن يكون من داء وهو نتن الفم وهذا يخل بما هو المقصود من الجارية وهو الاستفراش ولا يخل بما هو المقصود من الغلام لأنه يستخدمه بالبعد من نفسه إلا أن يكون من داء فالداء نفسه عيب قال والذفر كذلك وهو نتن الإبط وهو يخل بالمقصود من الجارية دون الغلام إلا أن يكون فاحشا لا يكون في الناس مثله،

 

ج / 13 ص -92-       فهذا يكون لداء في البدن وهو ينقص الثمن قال والبجر عيب وهو انتفاخ تحت السرة وبه سمى بعض الناس أبجر وهو يكون لداء في البدن ويعده التجار عيبا والأدرة عيب وهي عظم الخصيتين وإنما يكون ذلك لداء في البدن وفي بعض النسخ الآذن عيب وهو الذي يسيل من منخره الماء ومنه قول القائل:

وترى الذنين على مناخرهم                            يوم الهياج كمارن النمل

وذلك يستقذر منه ولا يكون إلا لداء في الدماغ واليسر عيب وهو الذي يعمل بيساره ولا يستطيع أن يعمل بيمينه إلا أن يكون أعسر يسر وهو الأضبط الذي يعمل باليدين وقد كان عمر رضي الله عنه بهذه الصفة فحينئذ يكون زيادة وليس بعيب.
قال: والعشي عيب وهو ضعف في البصر حتى لا يبصر من شدة الظلمة أو شدة الضوء ومنه يسمى الأعشى والعسم عيب وهو يبوسة وتشنج في الاعصاب منه أصل العرج والسن السوداء عيب لأنه لا ينتفع به وهو يشين صاحبه والسواد في السن دليل موت السن عند من يقول في السن حياة وكذلك السن الساقطة عيب ضرسا كان أو غيره لأنه ينقص من الثمن ويعده التجار عيبا ثم سقوط السن فيما لا يبدو منها كالطواحين ينقص من المنفعة وفيما يبدو منها كالضواحك وفي الأصل كالنواجذ ينقص من الجمال ولهذا وجب الأرش إذا قلع من الغير وأفسد المنبت.
قال: والظفر الأسود عيب إذا كان ينقص الثمن لأنه ينقص من الجمال والسواد في الظفر دليل موته كما في السن وإنما يشترط هذه الزيادة لأن ذلك قد لا ينقص من الثمن فيمن هو اسود اللون كالحبشي وإنما ينقص فيمن هو أبيض اللون كالأتراك وإذا كان بحيث لا ينقص الثمن لا يثبت حق الرد به والإباق مرة واحدة عيب من الصغير ما دام صغيرا فإذا بلغ فليس ذلك بعيب إلا أن يأبق بعد الكبر وهذا إذا كان بحيث يميز أما في الصغير جدا فهذا لا يكون عيبا لأنه يضل ولا يأبق والإباق يكون عن قصد منه وهو ليس من أهله ولكنه لا يهتدي إلى بيت مولاه فيضل كالدابة فأما إذا كان مميزا فالإباق والقصد إلى ذلك يتحقق منه وهو عيب فيه ما لم يبلغ فإذا بلغ زال ذلك وان أبق بعد البلوغ مرة فهو عيب لازم أبدا والسرقة كذلك.
قال: والبول في الفراش كذلك في حق الصغير جدا لا يكون عيبا لأنه يكون من أمثاله عادة وأما الجنون إذا وجد مرة فهو عيب لازم أبدا سواء وجد في حالة الصغر أو بعد البلوغ والفرق أن سبب الجنون واحد لا يختلف بالصغر والكبر وهو آفة في العقل فإذا وجد مرة فأثره يبقي فيه ما عاش وذلك يظهر في حماليق عينيه بمعرفة أهل البصر فيه وأما سبب الإباق والسرقة والبول في الفرش في حالة الصغر فمخالف لسبب هذه العيوب بعد البلوغ لأن الإباق في الصغر سببه سوء الأدب وحب اللعب وسببه بعد البلوغ التمرد وقلة المبالاة بالمولى وكذلك السرقة سببها قبل البلوغ قلة التأمل في عواقب الأمور بسبب الصغر وبعد البلوغ سببها

 

ج / 13 ص -93-       التمرد ولهذا لا يجب بها على الصبي ما يجب على البالغ وسبب البول في الفراش قبل البلوغ استرخاء في المثانة بسبب الصغر وسببه بعد البلوغ آفة في الآلة الماسكة فإذا وجد في حالة الصغر فهو عيب ما دام صغيرا فإذا بلغ زال ذلك السبب فزال الحكم أيضا فإذا وجد بعد البلوغ فهو عيب لازم أبدا لأن التجار يعدونه عيبا فهو ينقص من المالية والإباق سوى المالية فيه حكما فكان من أفحش العيوب.
قال: والحبل في بنات آدم عيب لأنه ينقص المالية ويخل بالمقصود وليس بعيب في البهائم لأنه يزيد في المالية قال والقرن عيب وهو عظم في المأتى يمنع الوصول إليها وبه قضى شريح رحمه الله قال اقعدوها فإن أصاب الأرض فهو عيب والرتق عيب وهو لحم في المأتى يمنع وصول الواطئ إليها والعفل عيب وهو أن يكون في المأتى شبه الكيس لا يتلذذ الواطئ بوطئها وهذا كله يخل بالمقصود قال والبرص عيب وهو معلوم يعده التجار عيبا فينقص من المالية قال والجذام عيب وهو قيح تحت الجلد يوجد نتنه من بعد وربما تنقطع الأعضاء به وهو أفحش العيوب قال صلى الله عليه وسلم: "فر من المجذوم فرارك من الأسد" قال والفتق عيب وهو ريح في المثانة ربما يهيج بالمرء فيقتله ولا يكون ذلك الا لداء في البدن.
قال: والسلعة عيب وهو القروح التي تكون في العنق ويسمى بالفارسية خوك وذلك لا يكون إلا لداء في بدنه وربما يتلف بسببه وكل شيء ينقص الثمن في الرقيق والدواب فهو عيب لأن المقصود في البيع الاسترباح فما ينقص من الثمن يكون خللا في المقصود.
قال: والكي عيب لأنه إنما يفعل ذلك لداء في البدن إلا أن يكون سمة في بعض الدواب فإن كان من ذلك شيء لا يعده التجار عيبا لا يرد به قال والفدع عيب وهو في الكف زيغ في الرسغ بينه وبين الساعد وفي القدم كذلك زيغ بينه وبين عظم الساق وفي الفرس هو التواء الرسغ عن عرضه الوحشي وهو الجانب الأيمن قال والفحج عيب وهو في الفرس تباعد ما بين الكعبين والافحج من الآدمي الذي تتدانى صدور قدميه وتتباعد عقباه وتنفحج ساقاه والدحس عيب وهو ورم يكون في أطراف حافر الفرس قال والصكك عيب وهو أن يصطك ركبتاه قال أبو عمر وأبو عبيد رحمهم الله الصكك في الرجلين في الكعبين.
قال: والحنف عيب وهو إقبال كل واحد من الإبهامين إلى صاحبه وذلك ينقص من قوة المشي وقال ابن الأعرابي الأحنف الذي يمشي على ظهر قدميه قال والصدف عيب وهو التواء في أصل العنق.
قال: والشدق عيب وهو وسع مفرط في الفم وفيه الحديث "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التشدق في الكلام" وهو مما يعده التجار عيبا.
ثم العيوب التي يطعن المشتري بها أنواع أربعة نوع منها يكون ظاهرا في موضع يراه القاضي وغيره ولا تسمع الخصومة في ذلك ما لم يره العيب لأن قيام العيب عند الخصومة شرط لتوجه الخصومة وحقيقة معرفة ذلك بالمعرفة ممكن فإذا رآه القاضي فإن كان عيبا لا

 

ج / 13 ص -94-       يحدث مثله في مثل تلك المدة وقد علم القاضي وجوده عند البائع فيقضي بالرد إلا أن يدعي البائع أن المشتري علم به عند العقد ورضي به فحينئذ يحلف المشتري على ذلك ثم يرده وإن كان شيئا مما يحدث مثله في مثل تلك المدة فالقول قول البائع أن العيب لم يكن عنده لأن الحوادث إنما يحال بحدوثها على أقرب الأوقات ومن ادعى تاريخا سابقا فعليه أن يثبته بالبينة فإن أقام المشتري البينة على أن العيب كان عند البائع قضي بالرد وإن لم يكن له بينة يحلف البائع ألبتة بالله لقد باعه وسلمه وما به هذا العيب وإنما يذكر التسليم لجواز أن يكون العيب حدث بعد العقد قبل التسليم إلا أنهم قالوا النظر للمشتري ينعدم إذا استحلفه بهذه الصفة فإن العيب لو كان حادثا بعد العقد وقبل التسليم كان للمشتري حق الرد والبائع بار في يمينه بأن العيب لم يكن موجودا عند العقد فالأحوط أن يحلفه بالله لقد سلمه بحكم هذا العقد إليه ولم يكن به هذا العيب قال الشيخ الإمام عندي الأول أصح لأن البائع ينفي العيب عند البيع وعند التسليم ولا يكون بارا في يمينه إذا لم يكن العيب منتفيا في الحالين جميعا وإنما يستحلف على الثبات لأن استحلافه على فعل نفسه وهو التسليم كما لو التزمه بالعقد فإن نكل عن اليمين فنكوله كإقراره وإن حلف انقطعت المنازعة بينهما.
ونوع من ذلك عيب لا يعرفه إلا الأطباء فعلى القاضي أن يريه مسلمين عدلين من الأطباء لأن علم ذلك عندهم وإنما يرجع إلى معرفة كل شيء إلى من له بصر في ذلك الباب كما في معرفة القيمة والأصل فيه قوله تعالى:
{فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل:43] ولا بد من العدد في ذلك لأنه قول ملزم كالشهادة فإذا قالا العيب موجود فيه وقالا هو مما لا يحدث في مثل هذه المدة حكم بالرد بقولهما وإن قالا قد يحدث ذلك حينئذ يحلف البائع كما بينا في الفصل الأول إلا أن يقيم المشتري البينة على إقرار البائع أن العيب كان عنده.
ونوع منه لا يعرفه إلا النساء بأن يكون في موضع لا يطلع عليه الرجال فالقاضي يريها النساء لأن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز شهادة النساء فيما لا يطلع عليه الرجال والمرأة الواحدة تكفي لذلك بعد أن تكون حرة مسلمة فإن كانتا اثنتين فهو أحوط وهذه المسألة معروفة في الطلاق والشهادات فإن أخبرت بوجود العيب توجهت الخصومة لظهور السبب في الحال بقولها ولكن لا يثبت الرد بقول النساء وإن كان ذلك مما لا يحدث في مثل تلك المدة لأن هذه الزيادة يمكن الوقوف عليها لا من جهة النساء فلا يعتبر قول النساء فيها ولأن شهادة النساء حجة ضعيفة لا يفصل الحكم بها ما لم تتأيد بمؤيد وذلك بنكول البائع فيستحلف حتى إذا انضم نكول البائع إلى شهادة النساء فسخ البيع وعن أبي يوسف أنه يقضي بالرد بقول النساء لأن شهادتهن فيما لا يطلع عليه الرجال كشهادة الرجال فيما يطلعون عليه وقاس بالعنين إذا ثبتت البكارة بقول النساء بعد مضي السنة فإنه يفرق بينهما وقد بينا الفرق بين الفصلين في كتاب النكاح وعن محمد قال إن كانت الخصومة قبل القبض يفسخ العقد بقول النساء وإن كان

 

ج / 13 ص -95-       بعد القبض لا يفسخ لأن الحاجة إلى نقل الضمان من المشتري إلى البائع وشهادة النساء في ذلك ليست بحجة تامة.
ونوع من ذلك ما هو حكمي كالإباق والسرقة والبول في الفراش فإن القاضي لا يسمع خصومة المشتري في ذلك ما لم تقم البينة على وجود العيب عنده لأن قيام العيب في الحال شرط لتوجه الخصومة ولا طريق لمعرفة ذلك إلا بالبينة فإن طلب المشتري يمين البائع على وجود ذلك العيب عنده فقد ذكر في الجامع أن على قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله يستحلف البائع بالله ما يعلم أنه أبق عند المشتري أو سرق أو بال في الفراش وقد بينا هذا الفصل فيما أمليناه من شرح الجامع الكبير وأن يثبت وجود العيب عند المشتري فإن كان اشتراه وقبضه وهو صغير والخصومة بعد البلوغ لم تسمع الخصومة في ذلك لأن العيب الذي كان عند البائع قد زال وهذا عيب حادث عند المشتري.
قال: وان كانت الخصومة في الصغر أو كان الشراء بعد البلوغ فالآن تسمع خصومة المشتري ويحتاج إلى إقامة البينة على الذي كان أبق عنده بعد ما بلغ قبل شرائه فإن لم يكن له بينة يستحلف البائع بالله لقد باعه وقبضه المشتري وما أبق ولا سرق ولا بال في الفراش منذ بلغ مبلغ الرجال وهذا استحلاف على الثبات لأنه على التسليم الذي التزمه واليمين الأولى على العلم لأنها على فعل الغير وفي ظاهر الرواية الجنون كذلك إلا أن في الجنون يستحلف بالله لقد باعه وسلمه وما جن قط لما بينا أن الجنون إذا وجد مرة في الصغر أو الكبر فهو عيب لازم أبدا وبعض المتأخرين من مشايخنا رحمهم الله قالوا في الجنون لا يشترط عوده عند المشترى لتوجه الخصومة لأن أثر ذلك الذي كان قائم فيه على ما بينا فالجنون بعد انقلاعه يعقب أثرا يظهر ذلك في حماليق عينيه وذلك يكفي لتوجه الخصومة بخلاف الإباق والسرقة والبول في الفراش فإنه ليس لما قد كان أثر في العين فلا بد من عوده عند المشتري لتوجه الخصومة.
قال: وإن طلب البائع يمين المشتري بالله ما رضي بالعيب منذ علم به ولا عرضه على بيع حلفه على ذلك لأنه ادعى عليه ما لو أقر به لزمه فإذا أنكر يستحلف عليه لرجاء نكوله.
قال: والعزل عيب وهو أن يعزل ذنبه في أحد الجانبين وذلك يكون عادة لا خلقة وإنما يفعل ذلك إذا راث وربما يحول الذنب من جانب إلى جانب حتى يلطخ وركيه بالروث وذلك ليتقذر ويعد عيبا يرد به قال والمشش عيب وهو شيء يشخص في وظيفة حتى يكون له حجم ليس له صلابة العظم قال الوظيف مستدق الساق قال والحرد عيب وهو كل ما حدث في عرقوبه من تزيد أو انتفاخ عصب.
قال والزوائد عيب وهو أطراف عصب يتفرق عند العجانة وينقطع عندها ويلصق بها والحرن عيب فمنهم من يقول الخزر وهو ضيق مفرط في العين والأظهر هو الحرن فإنه ذكر في جملة عيوب الفرس وهو أن لا تنقاد للراكب عند العطف والسير وهو نوع من الجمح

 

ج / 13 ص -96-       والجمح عيب يخل بالمقصود وخلع الرأس عيب.وهو أن يكون به حيلة يخلع رأسه من العذار وإن شد عليه وهو مما يعد عيبا وربما بطل سببه وبل المخلاة عيب إذا كان ينقص الثمن وهو أن يسيل لعاب الفرس على وجه تبتل المحلاة به إذا جعلت على رأسه وفيها علفه وقيل أن يأخذ المخلاة بشفتيه فيرمي بها وهذا نوع من الجمح فهو عيب إذا كان ينقص الثمن والمهقوع عيب والهقعة دائرة في عرض زوره يعد عيبا ويتشاءم به ومنه يقال اتق الخيل المهقوع والانتشار عيب وهو انتفاخ العصب عند الاتعاب والعصب الذي ينشر هي العجانة وتحرك السطا كانتشار العصب غير أن الفرس لانتشار العصب أشد احتمالا منه لتحرك السطا والغرب عيب وهو ورم في المآقي وربما يسيل منه شيء حتى قال محمد إذا كان ذلك سائلا فصاحبه في حكم الطهارة كصاحب الجرح السائل والشتر عيب وهو انقلاب في الأجفان وبه كان يسمى الأشتر وهذا يمكن ضعفا في البصر والحول عيب فإنه يمكن ضعفا في البصر حتى يرى الأحول الشيء الواحد شيئين والحوص والفتل عيب وهو نوع من الحول إلا أنه إذا كان يمل إنسان العين إلى الجانب المقدم يسمى فتلا وإذا كان إلى الجانب المؤخر فهو الحوص والطفر عيب وهو بياض يبدو في إنسان العين يسمى بالفارسية باحسه وذلك يمكن ضعفا في البصر وربما يمنع البصر أصلا والشعر في جوف العين يكون عيبا لأنه يضعف البصر والجرب عيب سواء كان في العين أو في غير العين لأن الجرب في العين يمكن ضعفا في البصر وفي غير العين يكون لداء في البدن وكذلك الماء في العين عيب لأنه يضعف البصر وريح السبل عيب فإنه يضعف البصر وربما يذهب به.
والسعال القديم عيب إذا كان من داء أما القدر المعتاد منه فلا يعد عيبا فإذا كان قديما فذلك من داء في البدن والداء نفسه عيب والاستحاضة عيب لأن الاستحاضة لداء في البدن ثم سيلان الدم إذا كان مستداما فربما يصيبها ويقتلها والتي يرتفع حيضها زمانا عيب لأن ذلك لا يكون إلا من داء في البدن ومنه يكون مواد المرض للمرأة فإن الرطوبة إذا كانت تسيل منها في وقتها تكون صحيحة البدن وإذا لم تسل اصفر لونها ولأنها إذا كانت لا تحيض فإنها لا تحبل أيضا فعرفنا أنه يخل بما هو المقصود منها.
وإذا اشترى عبدا عليه دين لم يعلم به ثم علم بذلك فله أن يرده لأن قيام الدين عليه مما يعده التجار عيبا وتكون ماليته مشغولة بحق الغرماء فهو عيب حكمي كعيب النكاح إلا أن يقضي عنه البائع دينه أو يبرئه الغرماء منه فبذلك يزول العيب وزوال العيب قبل الخصومة يسقط حق المشتري في الرد أما إذا علم بالدين ثم اشتراه هل له أن يرده عند محمد لا استدلالا بسائر العيوب وعند أبي يوسف له أن يرده كما إذا كان مستحقا وهو عالم به له أن يرده كذلك هنا وإذا اشترى جارية فوجدها محرمة فليس ذلك بعيب لأن له أن يحللها عندنا وقال زفر ليس له أن يحللها ولكنه يردها بالعيب لأنها دخلت في ملكه وهي بهذه الصفة فلا يكون له أن يحللها كما لو اشتراها وهي منكوحة لا يكون له أن يفسخ النكاح ولكنه يردها

 

ج / 13 ص -97-       بالعيب ولكنا نقول المشتري قائم فيها مقام البائع وقد كان للبائع أن يحللها فإذا كانت أحرمت بغير إذنه حللها من غير كراهة وإذا كانت أحرمت بإذنه فله أن يحللها وإن كان ذلك مكروها لما فيه من خلف الوعد فكذلك المشتري ولا يكره ذلك للمشتري لأن خلف الوعد لا يوجد منه بهذا وبه فارق النكاح فهناك لم يكن للبائع أن يفرق بينهما بعد صحة النكاح فكذلك للمشتري وهذا لأن لزوم النكاح لحق الزوج وقد كان مقدما على حق المشتري فأما لزوم الإحرام فلحق الشرع وحق الآدمي في المحل مقدم فلهذا كان للمشتري أن يحللها وإذا تمكن من إزالة العيب فليس له أن يردها به وإن كانت في عدة من زوج فإن كان الطلاق رجعيا وله أن يردها كان النكاح قائما والزوج يستند بالرجعة إلا إذا انقضت العدة قبل الخصومة فحينئذ لا يردها لزوال العيب وإن كانت العدة من طلاق بائن أو موت فليس هذا بعيب لأن هذا مما لا يعده التجار عيبا فالعيب هو النكاح وقد انقطع والحرمة بهذا السبب نظير الحرمة بسبب الحيض كما أن ذلك لا يكون عيبا فهذا مثله.
وإذا وجد بالجارية عيبا فاراد أن يردها فقال البائع ما هذه بجاريتي فالقول قوله مع يمينه لأن العيب لا يمنع تمام القبض والرد بحكمه لا ينفرد المشتري به من غير قضاء ولا رضا فالمشتري يدعي ثبوت حق الرد له في هذا المحل والبائع ينكر والقول قوله مع يمينه بخلاف ما سبق من خيار الشرط والرؤية وإن اشتراها على أنها بكر فقال وجدتها ثيبا لا يصدق على ذلك إلا ببينة لأن البكارة في النساء أصل فالمشتري يدعي عارضا ليثبت لنفسه حق الرد به فهو بمنزلة دعوى العيب فلا يصدق عليه إلا ببينة.
قال: وإذا اشترى جوزا أو بيضا فوجده فاسدا كله وقد كسره فله أن يرده ويأخذ الثمن كله أما البيض فالفاسد منه ليس بمال متقوم إذ هو غير منتفع به ولا قيمة لقشرة فتبين أن أصل البيع كان باطلا وأما الجوز فالمقصود منه اللب دون القشر ولا قيمة لقشره في المواضع التي يكثر فيها الحطب وفي المواضع التي يندر فيه الحطب فإن كان لقشره قيمة لكن مالية الجوز قبل الكسر باعتبار اللب دون القشر فإذا كان حادثا أو منتن اللب لا يصلح للانتفاع به فكان البيع باطلا فأما إذا كان قليل اللب أو أسود اللب فهذا بمنزلة العيب فإذا وجده كذلك بعد الكسر رجع بنقصان العيب من الثمن عندنا وقال الشافعي يرده وكذلك البطيخ والقرع والفاكهة إذا وجدها فاسدة كلها بعد ما يكسرها فإن كانت لا تساوي شيئا رجع بجميع الثمن لأنه تبين بطلان البيع وإن كانت بحيث يأكلها بعض الناس أو تصلح لعلف الدواب يرجع بحصة العيب من الثمن عندنا وقال الشافعي له أن يرده لأنه لا يتمكن من الرد إلا بعد العلم بالعيب ولا طريق له إلى معرفة العيب سوى الكسر ولا يصير ذلك مانعا حقه في الرد وهذا لأن دفع الضرر عن المشتري واجب بحسب الإمكان والبائع هو الذي سلطه على الكسر فكأنه فعل ذلك بنفسه ولكنا نقول الكسر عيب حادث بفعل المشتري وذلك يمنعه من الرد كما لو تعيب المبيع بعيب آخر وهذا لأن الرد لدفع الضرر عن المشتري وإنما يتمكن منه على وجه

 

ج / 13 ص -98-       لا يلحق الضرر بالبائع ثم مراعاة جانب البائع أولى فإن حق المشتري لا يبطل أصلا ولكن يرجع بنقصان العيب من الثمن والضرر الذي يلحق البائع بالرد لا يمكن دفعه بعوض فلهذا رجحنا جانبه وهذا إذا وجد الكل فاسدا فإن وجد البعض بهذه الصفة فالكلام في حصة ذلك كالكل إذا وجده فاسدا إلا أن في الجوز إذا كان الفاسد منه مقدار ما لا يخلو الجوز منه عادة كالواحدة والاثنتين في كل مائة فليس له أن يخاصم البائع لأجله لأنه عند الأقدام على الشراء راض به على الوجه المعتاد والجوز في العادة لا يخلو عن هذا فلا يخاصم فيه لأجل ذلك.
قال: وإذا اشترى عبدا قد حل دمه بقصاص أو ردة فقتل عند المشتري رجع على البائع بالثمن كله في قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله يقوم حلال الدم وحرام الدم فيرجع بتفاوت ما بين القيمتين من الثمن لأن العبد بعد ما حل دمه مال متقوم وحل الدم عيب فيه ومن اشترى شيئا معيبا وتعذر عليه رده بعد ما قبضه رجع بحصة العيب من الثمن كما لو كان زانيا فجلد عند المشتري ومات وبيان الوصف أن بيع حلال الدم صحيح وبالقبض ينتقل إلى ضمان المشتري بدليل أنه لو مات كان الثمن متقررا على المشترى ولو تصرف فيه المشتري نفذ تصرفه فيه ولو كان عالما حين اشتراه أنه حلال الدم لم يرجع بشيء فعرفنا أن حل الدم عيب فيه.
يوضحه أن البيع يرد على محل غير مستحق بسبب حل الدم فالمستحق به النفس وإنما يملك بالبيع المالية ومحل الدم لا يعدم المالية ولا يصير يستحقه وإنما تلفت المالية باستيفاء القتل وذلك فعل أنشأه المستوفي باختياره بعد ما دخل المبيع في ضمان المشتري بخلاف ما إذا استحق المبيع بملك أو حق رهن أو دين لأن المستحق هناك ما تناوله البيع فينقص به قبض المشتري من الأصل وفي الكتاب استدل بما لو اشترى حاملا وقبضها فولدت وماتت في نفاسها لم يرجع بجميع الثمن وإن كان أصل السبب في يد البائع وعذركم أن الغالب في الولادة السلامة يشكل على أصل أبي حنيفة بالجارية المغصوبة إذا حبلت ثم ردها الغاصب فماتت في نفاسها يرجع المغصوب منه على الغاصب بقيمتها وفي هذا الفرق نوع تناقض وأبو حنيفة يقول زالت يد المشتري عن المبيع لسبب كانت الإزالة مستحقة في يد البائع فيرجع بالثمن كما لو استحقه مالك أو مرتهن أو صاحب دين وهذا لأن الإزالة لما كانت مستحقة قبل قبض المشتري ينتقض بها قبض المشتري من الأصل فكأنه لم يقبضه وإنما قلنا ذلك لأن القتل بسبب الردة مستحق لا يجوز تركه وبسبب القصاص مستحق في حق من عليه إلا أن ينشئ من هو له عفوا باختياره والبيع وإن كان يرد على المالية ولكن استحقاق النفس بسبب القتل والقتل متلف للمالية في هذا المحل فكان في معنى علة العلة وعلة العلة تقام مقام العلة في الحكم فمن هذا الوجه المستحق كأنه المالية ولا تصور لبقاء المالية في هذا المحل بدون النفسية والنفسية مستحقة بالسبب الذي كان عند البائع فيجعل ذلك بمنزلة استحقاق المالية لأن ما لا ينفصل عن الشيء بحال فكأنه هو ولا تصور لبقاء المالية في هذا المحل بدون النفسية إلا أن استحقاق النفسية في حكم الاستيفاء فقط وانعقاد البيع صحيحا وراء ذلك.

 

ج / 13 ص -99-       وإذا مات في يد المشتري فلم يتم الاستحقاق في حكم الاستيفاء فلهذا هلك في ضمان المشتري وإذا قبل فقد تم ذلك الاستحقاق ولا يبعد أن يظهر الاستحقاق في حكم الاستيفاء دون غيره كملك الزوج في زوجته وملك من له القصاص في نفس من عليه القصاص لا يظهر إلا في الاستيفاء حتى إذا وطئت المنكوحة بالشبهة كان المهر لها وإذا قتل من عليه القصاص إنسان فالدية تكون لورثته دون من له القصاص وهذا بخلاف الزنى وزنا العبد لا يصير نفسه مستحقة وإنما المستحق عليه ضرب مؤلم واستيفاء ذلك لا ينافي المالية في المحل وإذا اشتراه وهو يعلم محل دمه ففي أصح الروايتين عن أبي حنيفة يرجع بالثمن أيضا إذا قتل عنده لأن هذا بمنزلة الاستحقاق وفي الرواية الأخرى لا يرجع لأن حل الدم من وجه كالاستحقاق ومن وجه كالعيب حتى لا يمنع صحة المبيع فلشبهه بالاستحقاق قلنا عند الجهل به يرجع بجميع الثمن ولشبهه بالعيب قلنا لا يرجع عند العلم بشيء لأنه إنما جعل هذا كالاستحقاق لدفع الضرر عن المشتري وقد اندفع حين علم به وأما الحامل فهناك السبب الذي كان عند البائع يوجب انفصال الولد لا موت الأم بل الغالب عند الولادة السلامة فهو نظير الزاني إذا جلد وليس هذا كالغصب لأن الواجب على الغاصب فسخ فعله وهو أن يرد المغصوب كما غصب ولم يوجد ذلك حين ردها حاملا وهنا الواجب على البائع تسليم المبيع كما أوجبه العقد وقد وجد ذلك ثم إن تلف بسبب كان الهلاك مستحقا به عند البائع ينتقض قبض المشتري فيه وإن لم يكن مستحقا لا ينتقض قبضه فيه وعلى هذا الأصل لو كان العبد سارقا فقطعت يده عند المشتري رجع بحصة العيب من الثمن عند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله بأن يقوم سارقا وغير سارق وعند أبي حنيفة يرجع بنصف الثمن لأن قطع اليد كان مستحقا عليه بسبب كان عند البائع واليد من الآدمي نصفه فينتقض قبض المشتري في النصف فيكون المشتري بالخيار إن شاء رجع بنصف الثمن وإن شاء رد ما بقي ويرجع بجميع الثمن على البائع كما لو قطعت يده عند البائع.
وإن مات العبد من ذلك قبل أن يرده لم يرجع إلا في نصف الثمن لأن النفس ما كانت مستحقة في يد البائع ألا ترى أن على الإمام أن يتحرز عن السراية بأن لا يقطع في البرد الشديد ولا في الحر الشديد وأن يحسم بعد القطع فقبض المشتري لا ينتقض في النصف الباقي وإن سرى.
قال: وإن اشترى جارية وعبدا فزوجهما ثم وجد بهما عيبا لم يكن له أن يردهما لأن النكاح فيهما عيب حادث عنده فإن أبانها ولم يكن دخل بها كان له أن يردهما لزوال العيب الحادث عنده ولم يجب المهر بهذا النكاح فإن المولى لا يستوجب على عبده دينا قال وإذا شهد شاهد أنه اشترى هذا العبد وهذا العيب به وشهد آخر على إقرار البائع به لم تجز الشهادة لاختلاف الشاهدين في المشهود به فأحدهما يشهد بقول والآخر بعيب معاين وليس على واحد من الأمرين شهادة شاهدين.

 

ج / 13 ص -100-    ولو باع عبده من نفسه بجارية ثم وجد بها عيبا كان له أن يردها ويأخذ منه قيمة نفسه في قول أبي حنيفة الآخر وهو قول أبي يوسف رحمهما الله وكان يقول أولا يرجع بقيمة الجارية وهو قول محمد وكذلك لو ماتت قبل أن يقبضها المولى واستحقت وكذلك لو حدث بها عيب عند المولى حتى تعذر ردها بالعيب ففي قوله الآخر يرجع بحصة العيب من قيمة العبد وفي قوله الأول من قيمة الجارية.
وجه قوله الأول أن هذا مبادلة مال بما ليس بمال فعند الاستحقاق والرد بالعيب يكون رجوعه بقيمة ما هو بدل له كما في النكاح والخلع والصلح من دم العمد إذا استحق البدل وكان بعينه رجع بقيمته وبيان الوصف أن الذي من جهة المولى في هذا العقد الإعتاق فإن بيع العبد من نفسه إعتاق وذلك ليس بمال والدليل عليه أن الحيوان يثبت دينا في الذمة بمقابلته فإن العبد يعتق على ملك المولى حتى يكون الولاء له وأن الوكيل من جانب المولى في هذا العقد لا يكون له قبض البدل ولا يبطل بقيامه عن المجلس قبل قبول العبد أنه لا يملك الرجوع عنه.
والأجل إلى الحصاد ونحوه يثبت في بدله وأن البدل لا يرد إلا بالعيب الفاحش عرفنا أنه في حكم مبادلة مال بما ليس بمال وتأثيره وهو أن استحقاق الجارية لورودها بالعيب لا ينفسخ العقد فكيف ينفسخ وقد عتق العبد فإذا لم ينفسخ فقد تعذر تسليم الجارية مع قيام السبب الموجب للتسليم فتجب قيمتها واستدل بالكتابة فإنه لو كاتبه على جارية بغير عينها فأداها وعتق ثم وجد المولى بها عيبا ردها وأخذ مثلها صحيحة فإن حدث بها عيب عند المولى رجع بنقصان العيب من قيمة الجارية وكذلك في بيع العبد من نفسه بجارية.
ووجه قوله الآخر إن المولى أزال عن ملكه مالا بإزاء مال فإذا لم يسلم ما بذل له رجع بقيمة ما بذل كما لو باعه من فرسه بجارية فعتق على القريب ثم استحقت الجارية رجع المولى بقيمة العبد وبيان الوصف أن يقول تصرف المولى باعتبار ملكه وليس له في العبد إلا ملك المالية إلا أن إزالة ملك المالية إذا لم تكن إلى مالك يكون موجبا عتق العبد فأما تصرف المولى من حيث الإزالة فتلاقي ملكه وملكه ملك المالية.
وتحقيق هذا الكلام أن في حق ما يسلم للعبد في هذا في معنى مبادلة المال بما ليس بمال لأن الذي سلم للعبد العتق وهو ليس بمال وفيما يزيله المولى عن ملكه هذا مبادلة المال بالمال فعند الاستحقاق والرد بالعيب مراعاة جانب المولى أولى لأن الحاجة في دفع الضرر عن المولى فأما العتق فسالم للعبد بكل حال ولأن العتق للعبد يبني على إزالة المولى ملكه فيعتبر ما هو الأصل وباعتباره هذا مبادلة مال بمال ألا ترى أنه إذا أعتق عبدا على خمر يجب على العبد قيمة نفسه وما كان ذلك إلا بالطريق الذي قلنا فكذلك إذا استحق البدل أو هلك قبل التسليم وقوله أن السبب لم ينفسخ على إحدى الطريقتين يقول في حق المولى قد انفسخ السبب ولأن في حقه مبادلة المال بالمال ولكن يتعذر عليه استرداد العبد لنفوذ العتق فيجب رد قيمته كالمدبر إذا مات المولى وعليه دين مستغرق أو قتله مولاه تبطل وصيته ولكن يتعذر

 

 

ج / 13 ص -101-    رده إلى الرق فيجب عليه السعاية في قيمته وعلى الطريق الآخر يقول لا ينفسخ السبب ولكن لم يسلم للمولى العوض فيرجع بمثله ومثل الجارية بحكم هذا العقد ما هو عوضها وهو مالية العبد فإنما يرجع بقيمة العبد بهذا بخلاف النكاح فإن عوض الصداق هناك ليس بمال متقوم ليكون الرجوع بماليته فلهذا صرنا إلى قيمة الصداق هناك وفي الكتاب قيل الجواب قول محمد فإن من عادته الاستشهاد بالمختلف لإيضاح الكلام ولئن سلمنا فنقول بدل الكتابة ليس بمقابلة رقبة المكاتب بل بمقابلة ما يسلم للمكاتب لعقد الكتابة وهو كونه أحق بنفسه ومكاسبه وذلك ليس بمال فلهذا كان الحكم فيه بمنزلة الحكم في النكاح وهنا بدل الجارية مالية العبد في حق المولى فإذا لم يسلم له الجارية كان رجوعه بمالية العبد وهو قيمته وإذا باع رجل جارية رجل بأمره ثم خوصم في عيب فقتلها بغير قضاء قاض فإنها تلزم البائع دون الآمر لأن هذا بمنزلة الإقالة في أنه يعتمد تراضيهما فالإقالة في حق الموكل كالبيع الجديد فكأن الوكيل اشتراها ابتداء قال إلا أن يعلم أن مثله لا يحدث فيلزم الآمر لأنا تيقنا بوجود العيب عند الآمر وإنما لم يشتغل الوكيل بالخصومة لأنه لم ير فيها فائدة وفي كتاب الوكالة والمأذون قال لا يلزم الآمر على كل حال وهو الأصح لما قلنا أن هذا بمنزلة الإقالة وفي هذا المعنى لا فرق بين العيب الذي يحدث مثله أو لا يحدث وإن أبى البائع أن يقبلها فخاصمه المشتري إلى القاضي فأقر عنده بالعيب كان إقراره عند القاضي وعند غيره سواء لا يلزم الأمر إلا في عيب لا يحدث مثله.
ومعنى هذا الكلام أن في العيب الذي لا يحدث مثله رد القاضي بإقرار الوكيل وبالبينة سواء في أنه يلزم الآمر لأن الرد بقضاء القاضي فسخ وقد تيقنا بوجود سببه عند الآمر وإن كان العيب يحدث مثله فإقرار الوكيل لا يكون حجة على الآمر ولكن يحتاج إلى أن يثبت على الآمر بالبينة أن العيب كان عنده ليردها عليه وإن لم يكن له بينة فعلى الآمر اليمين على ذلك وإن ردها القاضي على الوكيل ببينة أقامها المشتري فالبينة حجة على الآمر فيلزم الآمر فإن ردها بإباء اليمين من الوكيل فإنها تلزم الآمر عندنا وقال زفر هذا والإقرار سواء لأن النكول بدل عن الإقرار وهو بمنزلة البدل فلا يكون حجة على الآمر ولكن الوكيل على خصومته مع الآمر كما في الإقرار ألا ترى أن المشتري لو باع الجارية من غيره ثم ردت عليه بعيب بنكوله جعل هذا وما لو ردت عليه بإقراره سواء في حق البائع الأول فكذلك في حق الوكيل ولكنا نقول الوكيل مضطر في هذا النكول لأنه لا يمكن أن يحلف كاذبا إذا كان عالما بالعيب وإنما اضطر إلى ذلك في عمل باشره للآمر فيرجع عليه بما يلحقه من العهدة بخلاف ما إذا أقر فإنه غير مضطر إلى الإقرار لأنه يمكنه أن يسكت حتى يعرض عليه الثمن ويقضي عليه بالنكول فيكون هو في الإقرار مختارا لا مضطرا وبخلاف المشتري الأول فإنه مضطر في النكول ولكن في عمل باشره لنفسه فلا يرجع بعهدة عمله على غيره فإن أنكر الآمر أن تكون الجارية التي باعها فالقول قوله مع يمينه لأن الوكيل يدعي لنفسه حق الرجوع على الآمر بما يلحق من العهدة

 

ج / 13 ص -102-    في هذا المحل والموكل منكر فالقول قوله مع يمينه إلا أن يقيم البائع البينة أنها هي الجارية التي باعها فحينئذ الثابت بالبينة كالثابت بإقرار الخصم وإذا اشترى الرجل جارية لرجل بأمره ثم وجد بها عيبا فله أن يردها بالعيب قبل أن يدفعها إلى الآمر من غير أمر الآمر عندنا وقال ابن أبي ليلى ليس له ذلك لأنها مملوكة للآمر فلا يملك إخراجها عن ملكه بغير أمره ولأنها أمانة في يد الوكيل ويد الأمين كيد صاحبها ولو كان سلمها إلى الآمر لم يردها بالعيب إلا بأمره.
وجه قولنا أن الرد بالعيب من حقوق العقد ولهذا اختص به الوكيل والعاقد في حقوق العقد مستبد به وإن كان قد عقده لغيره ولأنه في الحقوق كالعاقد لنفسه ألا ترى أن في الرد بخيار الشرط والرؤية لا تحتاج إلى استطلاع رأي الآمر فكذلك في الرد بخيار العيب بخلاف ما بعد التسليم إلى الآمر لأنه لا يتمكن من ردها إلا بإعادتها إلى يده وليس له ولاية إثبات اليد عليها بغير رضا الآمر بعد ما سلمها إليه فأما قبل التسليم فهو لا يحتاج إلى ذلك ألا ترى أن المضارب يرد ما اشترى بالعيب وإن كان رب المال غائبا والعبد المأذون يرد ما اشترى بالعيب وإن كان مولاه غائبا فإن ادعى البائع أن الآمر قد رضي بالعيب فطلب يمين الآمر أو يمين المأمور ما رضي بذلك الآمر لم يكن على واحد منهما في ذلك يمين عندنا وقال ابن أبي ليلى لا يردها الوكيل ولا المضارب حتى يحضر الآمر أو رب المال فيحلف ما رضي بالعيب لأن رضا الآمر ورب المال يسقط حق الوكيل في الرد بدليل أن البائع لو أقام البينة على ذلك وأقر به الوكيل لم يكن له أن يردها فإذا ادعى البائع سببا مسقطا لحقه في الرد استحق اليمين على من يدعى ذلك عليه كما لو ادعى الوكيل أنه قد رضي به وجه قولنا أنه لا يمين على الوكيل في هذه الدعوى لأنه لا يدعي البائع عليه الرضا فلو استحلف كان بطريق النيابة ولا نيابة في اليمين ولا يمين على الآمر لأن الاستحلاف يترتب على دعوى وخصومة ولم يجر بين البائع والآمر معاملة فلا يكون هو خصما له في دعوى الرضا بخلاف ما إذا أقام البينة فإن الوكيل خصم للبائع وإن كان نائبا عن الآمر وإثبات الحق بالبينة على خصم هو ثابت صحيح وإذا أقر الوكيل فرضا الآمر بإقراره لا يثبت ولكن إقراره حجة عليه وقد زعم أنه لا خصومة له مع البائع في هذا العيب فباعتبار زعمه تنقطع الخصومة ولو أقر الوكيل على نفسه أنه رضي بهذا العيب فذلك منه صحيح في حق نفسه دون الآمر لو أقر أن الآمر رضي بالعيب فالجارية تلزمه إلا أن يقر الآمر بذلك أو تقوم بينة على ذلك أو يرضى بما رضي به الوكيل.
قال: وإذا اشترى الرجلان جارية فوجدا بها عيبا فرضي أحدهما فهو على الخلاف الذي ذكرنا في خيار الرؤية والشرط وقول ابن أبي ليلى كقول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله في أن له ذلك قال: وإذا اشترى عبدا بجارية وتقابضا ثم وجد بالعبد عيبا ومات عنده فإنه يرجع بحصة العيب من الجارية فيقوم العبد صحيحا ويقوم وبه العيب فإن كان ذلك ينقصه العشر

 

ج / 13 ص -103-    رجع بعشر الجارية لأن بدل العبد الجارية ألا ترى أنه لو كان قائما بعينه رده وأخذ الجارية والرجوع بحصة العيب من البدل يكون وكذلك الحيوان والعروض كلها إذا استحق أحد العوضين أو رد بالعيب فقد انفسخ العقد فيرجع بالبدل إن كان قائما وبقيمته إن كان هالكا لأنه تعذر استرداده مع قيام السبب الموجب للرد وكذلك ما يكال أو يوزن إن كان بعينه فإن فوات القبض فيه مبطل للعقد كما في العروض ولو أقر المشتري به لإنسان ولم يقم عليه بينة لم يرجع على البائع بشيء لأن إقراره حجة في حقه دون البائع فهو في حق البائع متلف للسلعة بإقراره وإن استحق ببينة فقال البائع ليس هو عبدي الذي بعتك فالقول قوله مع يمينه لأنه ينكر البيع في هذا العبد ولو أنكر جريان البيع بينهما أصلا كان القول قوله مع يمينه وكان على المشتري إثبات العقد بالبينة فكذلك إذا أنكر العقد في هذا المحل قال: وإذا اشترى خادما بكر حنطة وليس الكر عنده لم يجز لأنه إن عين الكر وهو ملك غيره فهذا بيع ما ليس عند الإنسان وإن لم يعين فهو مجهول الصفة وهذه جهالة تفضي إلى المنازعة فإن قال بكر حنطة جيدة أو وسط ففي القياس لا يجوز هذا أيضا لأنه في جانب الكر بائع وبيع ما ليس عند الإنسان لا يجوز إلا بشرائط السلم لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيع ما ليس عند الإنسان ورخص في السلم.
وفي الاستحسان يجوز هذا العقد لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه اشترى جزورا بكري تمر ثم استقرضه فأعطاه إياه ولأن المكيل أو الموزون إذا لم يكن بعينه فهو يثبت في الذمة ثمنا فكان شراء بثمن ليس عنده وذلك صحيح كالشراء بالدراهم والدليل على أنه ثمن جواز الاستبدال به قبل القبض والاستبدال بالمبيع قبل القبض لا يجوز عينا كان أو دينا فإن وجد بالجارية عيبا وقد استهلك البائع الكر ردها وأخذ كرا مثل كره وكذلك لو كان ذلك الكر عند البائع بعينه كان له أن يرد كرا مثله لأن ألا ترى أن البيعت يستدعي محلا هو مال متقوم كالشراء؟ فنفوذ بيع دليل على أنه مال متقزم في حقه.وفي تصحيح البيع إظهار سلطان مالكيته ولم يكن سلطان الملكية ولا يكون في عينه من معنى الإذلال شيء، وبهذا يتبين أن النهي ليس لمعنى في قصده، وهو الاستخدام قهراً بملك اليمين، ولا يمنع صحة الشرء كالنهي عن الشراء وقت النداء ولهذا ندب الولد إلى شراء أبيه مع أنه ممنوع من إذلاله لأنه لا يقصد بشرائه الاستخدام.ولو كان إثبات الملك بطريق الشراء عينه إذلالا لكان القريب ممنوعاً عنه في قريبه، لأن كل طاعة لا تصل إليها إلا بمعصية لا يجوز الإقدام عليها، ثم تحقيق هذا الكلام أن بالشراء لا تتبدل صفة المحل لأنه كان مملوكاً قبل شرائه وبقي مملوكاً بعد شرائه، وإنما تتحول الإضافة من المسلم إلى الكافر وهي إضافة مشروعة. ألا ترى أنه يرث الكافر العبد المسلم و بالإرث تتجدد الإضافة في حق الوارث ولكن لا تتبدل وصف المحل فلا يكون عينه إذلالاً؟ بخلاف الاسترقاق فبه تتبدل صفة المحل فيصير مملوكاً بعد أن كان مالكاً،

 

ج / 13 ص -104-    والمملوكية إذا بالمالكية كانت المملوكية في غاية الذل والهوان, وهذا غير مشروع للكافر على المسلم. وكذلك النكاح يتجدد ثبوت المملوكية في المحل وكان ينبغي أن لا يثبت للمسلم على المسلمة إلا أن لضرورة الحاجة إلى قضاء الشهوة وإقامة النسل أثبت الشرع ذلك للمسلم على المسلمة، فيبقى في حق الكافر إذلالاً فلا يكون مشروعاً للكافر على المسلمة ألا ترى أن ملك النكاح فيبقى للكافر على المسلمة لأنه ليس في إبقاء الملك تبديل صفة المحل، فصار الشراء هنا في معنى الإذلال بمنزلة البقاء في ملك النكاح.
يوضحه أن المحلية للنكاح باعتبار صفة المحل، ولهذا لا يجوز للمسلم نكاح المجوسية والمرتدة ولأخت من الرضاعة، والمسلمة ليست بمتحللة في حق الكافر فلانعدام المحل لا ينعقد النكاح ولكن يبقى لأن فوات المحل عارض على شرف الزوال فيمنع ابتداء النكاح، ولا يمنع البقاء كالفوات بسبب العدة وكذلك القبض الذي يتم به العقد ليس فيه معنى الإذلال لأن ذلك يحصل بالتخلية وليس هذا نظير المحرم يشتري صيداً لأن الصيد في حق المحرم محرم العين قال الله تعالى:
{وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً} [المائدة:96] فلم يكن مالا متقوما كالخمر في حق المسلم ولهذا لا يجوز بيعه أنه اشترى على ما ليس في ضمانه ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربح ما لم يضمن وبيان ذلك أن الثمن لا يدخل في ضمانه قبل القبض فإذا عاد إليه الملك الذي زل عنه بعينه وبقي له بعض الثمن فهذا ربح حصل لا على ضمانه ولا يوجد هذا المعنى فيما إذا اشتراه بمثل الثمن الأول أو أكثر فالربح هناك يحصل للمشتري والمبيع قد دخل في ضمانه ولا كذلك فيما إذا باعه من غيره لأنه لا يحصل للمشتري هناك ربح إلا على ضمانه وكذلك إذا اشتراه البائع الأول من المشتري الثاني لأنه لم يعد إليه الملك المستفاد من جهته لأن اختلاف أسباب الملك بمنزلة اختلاف أسباب الأعيان وقد قررنا هذا وكذلك لو دخل في المبيع عيب ثم اشتراه البائع بأقل من الثمن الأول لأن الملك لم يعد إليه على الهيئة التي خرج عن ملكه فلا يتحقق فيه ربح ما لم يضمن ولكن يجعل النقصان بمقابلة الجزء والذي احتبس عند المشتري سواء كان النقصان بقدر ذلك أو دونه حتى إذا كان النقصان نقصان السعر فهو غير معتبر في العقود لأنه فتور في رغبات الناس فيه وليس فيه فوات جزء من العين فباعتباره لا يجوز شراؤه بأقل من الثمن الأول وكذلك لو اشتراه بجنس آخر غير جنس الثمن الأول فذلك جائز لأن الربح لا يظهر عند اختلاف الجنس فالفضل إنما يظهر في التقويم والبيع لا يوجب ذلك بخلاف ما إذا اشتراه بجنس الثمن الأول والفضل يظهر هناك من غير تقويم.
ولو كان العقد الأول بالدراهم فاشتراه بالدنانير وقيمتها أقل من الثمن الأول فهو جائز في القياس وهو قول زفر لأن الدراهم والدنانير جنسان بدليل أنه لا يجري الربا بينهما وفي الاستحسان هذا لا يجوز وهو مذهبنا لأنهما جنسان صورة وجنس واحد معنى فالمقصود منهما واحد وهو الثمنية ولهذا جعلا في أغلب الأحكام كجنس واحد فباعتبار أنهما جنسان

 

ج / 13 ص -105-    صورة يصح هذا العقد وباعتبار أنهما جنس واحد معنى لا يجوز هذا العقد وعند اجتماع المعنى الموجب للحل والموجب للحرمة يغلب الموجب للحرمة بقوله صلى الله عليه وسلم: "ما اجتمع الحرام والحلال في شيء إلا وقد غلب الحرام الحلال" ولأن ثبوت هذه الحرمة لأجل الربا وباب الربا مبنى على الاحتياط وكذلك لو اشتراه مملوك البائع الأول عبده أو مكاتبه بأقل من الثمن الأول لأن تصرف المملوك لمالكه من وجه فكسب العبد لمولاه وللمولى في كسب مكاتبه حق الملك فهو كشراء البائع بنفسه لمكان حقه في المقصود بالعقدين وإن اشتراه ولده أو والده أو زوجته فكذلك في قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله يجوز لأن الاملاك بينهما متباينة فليس للولد في مال الوالد ملك ولا حق ملك فهو قياس ما لو اشترى أخوه وأبو حنيفة يقول إن كل واحد منهما يجعل بمنزلة صاحبه فيما يرجع إلى ملك العين ألا ترى أن شهادة أحدهما لصاحبه تجعل كشهادته لنفسه فكذلك شراء بن البائع وأبيه كشراء البائع بنفسه وهو نظير الخلاف الذي سبق أن الوكيل بالبيع عند أبي حنيفة لا يبيع ممن لا تجوز شهادته له كما لا يبيع من نفسه ومملوكه وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله يجوز بيعه منه كما يجوز من أخيه وغيره من القرابات.
قال: وإن اشترى وكيل البائع بأقل من الثمن الأول جاز في قول أبي حنيفة ولا يجوز في قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله وهو بناء على ما تقدم أن المسلم إذا وكل ذميا بشراء خمر له أو بيعها عند أبي حنيفة يجوز وينزل الوكيل في ذلك منزلة العاقد لنفسه فكذلك هنا الوكيل عنده كالعاقد لنفسه ثم الملك ينتقل إلى الموكل حكما فهو كما لو اشتراه لنفسه ثم مات فورثه البائع منه وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله هناك يعتبر حال الموكل ويجعل عقد الوكيل له كعقده لنفسه فهنا أيضا يجعل كذلك والموكل هنا بائع لا يجوز شراؤه بأقل من الثمن الأول فكذلك شراء الوكيل له إلا أن أبا يوسف يسوي بين الفصلين ويقول هناك التوكيل باطل والوكيل يصير في الشراء عاقدا لنفسه فهنا أيضا يصير الوكيل مشتريا لنفسه شراء صحيحا ومحمد يفرق بينهما فيقول هناك الوكيل يصير مشتريا لنفسه وهنا يصير مشتريا للموكل شراء فاسدا حتى يصير بقبض الوكيل مضمونا بالقيمة على الموكل لأن المسلم ليس من أهل العقد على الخمر حتى لو اشترى الخمر لنفسه لا يملك وإن قبض فكذلك توكيله بالشراء باطل أما البائع هنا فمن أهل مباشرة هذا العقد حتى لو اشتراه بنفسه انعقد شراؤه فاسدا فكذلك إذا وكل غيره فيه لأن التوكيل بالشراء الفاسد صحيح كالتوكيل بالشراء إلى الحصاد والدياس وبعد صحة الوكالة وبعد صحة الوكالة شراء الوكيل كشراء الموكل وقبض الوكيل للموكل فيصير مضمونا عليه بالقيمة ولكن أبو يوسف يقول متى أمكن تصحيح العقد لا يجوز إفساده إذ لا معارضة بين الفاسد والصحيح وهنا لو جعلناه مشتريا لنفسه كان الشراء صحيحا ولو جعلناه مشتريا للآمر كان الشراء فاسدا فينبغي أن يجعل مشتريا لنفسه شراء صحيحا وفيه شبهة على مذهب أبي حنيفة فإنه قال: إن البائع أو ابنه لا يشتريه لنفسه وما تحصل للبائع من

 

ج / 13 ص -106-    الملك بشراء الوكيل فوق ما تحصل بشراء ابنه لنفسه وإن جعل هذا نظير مسألة الخمر في الوكالة فكذلك ينبغي أن يجعل في شراء ابن البائع ومملوك البائع فإن المسلم إذا كان له عبد مكاتب أو عبد مأذون كافر فاشترى خمرا جاز شراؤه وكذلك لو كان له أب كافر فاشترى خمرا يجوز شراؤه فمن هذا الوجه يشكل مذهب أبي حنيفة.
قال الشيخ الإمام: الأصح عندي في إزالة هذا الأشكال أن المنع هنا لأجل العقد لا لأجل المعقود عليه بدليل أن أحد العقدين لو كان هبة كان كل واحد من العقدين صحيحا وكل من له الحق في العقدين جميعا لا يجوز منه الشراء كالبائع وليس للوكيل حق في العقد الأول فلهذا صح منه العقد الثاني وإن كان حكمه يثبت للبائع فأما الأب والابن فلهما حق في العقدين فنزلا منزلة البائع في ذلك بخلاف مسألة الخمر فهناك المنع لانعدام صفة المالية والتقوم في الخمر وإنما يعتبر ذلك في حق العاقد خاصة فإذا كان العاقد كافرا صح العقد سواء ثبت به حق الملك أو حقيقة الملك أو شبهة الملك لمسلم لأن ذلك يثبت بطريق الحكم.
قال: ولو كان البائع والمشتري وكيلين في البيع الأول لم يجز للبائع أن يشتري بأقل من الثمن الأول قبل النقد لا من المشتري ولا من موكله لأن هذا المنع باعتبار العقد والعاقد لغيره في حقوق العقد بمنزلة العاقد لنفسه وكذلك ليس لموكل البائع أن يشتريه من المشتري ولا من موكله لأن وكيله إنما باع له فهو بمنزلة بيعه بنفسه في المنع من الشراء ألا ترى أن من باع أو بيع له لا يثبت له حق الأخذ بالشفعة فكذلك لا يجوز شراؤه بأقل من الثمن الأول قبل النقد وهذا لأن الربح لا على ضمانه الذي يحصل له قال: وإذا باع بألف درهم نسيئة سنة ثم اشتراه بألف درهم بنسيئة سنتين قبل قبض الثمن لم يجز لأن هذا في معنى شراء ما باع بأقل مما باع فإن الزيادة في الأجل تمكن نقصانا في مالية الثمن ألا ترى أن أصل الأجل يمكن نقصانا في المالية حتى يكون المؤجل أنقص من الحال ولهذا يثبت ربا النسأ شرعا فكذلك بزيادة الأجل يزداد النقصان في المالية فإن زاد على الثمن درهما أو أكثر جاز لأن الزائد في الثمن الثاني بمقابلة النقصان المتمكن بزيادة الأجل فينعدم النقصان به معنى والممتنع شراء ما باع بأقل مما باع فإذا لم يعلم أن الثمن الثاني أقل من الثمن الأول كان الشراء جائزا.
قال: وإذا باع الرجل طعاما بدراهم فلا بأس بأن يشتري بالثمن قبل أن يقبضه من المشتري ما بداله من العروض أو الطعام يدا بيد سواء كان أكثر من طعامه أو أقل إذا لم يكن طعامه بعينه لأن الثمن دين لا يستحق قبضه في المجلس ويجوز الإبراء عنه فيجوز الاستبدال به أيضا كبدل العروض والأصل في جواز الاستبدال بالثمن حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما حيث سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني أبيع الإبل بالنقيع وربما أبيعه بالدراهم وآخذ مكانها دنانير فقال صلى الله عليه وسلم:
"لا بأس أن افترقتما وليس بينكما عمل"
قال: وإذا كان لرجل على رجل دين إلى أجل وهو من ثمن مبيع فحط عنه شيئا على أن يعجل له ما بقي فلا خير فيه ولكن يرد ما أخذ والمال كله إلى أجله وهو مذهب

 

ج / 13 ص -107-    عبد الله بن عمر رضي الله عنهما وكان زيد بن ثابت رضي الله عنه يجوز ذلك ولسنا نأخذ بقوله لأن هذا مقابلة الأجل بالدراهم ومقابلة الأجل بالدراهم ربا ألا ترى أن في الدين الحال لو زاده في المال ليؤجله لم يجز فكذلك في المؤجل إذا حط عنه البعض ليعجل له ما بقي والذي روي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أجلى بني النضير فقالوا إن لنا ديونا على الناس فقال صلى الله عليه وسلم: "ضعوا وتعجلوا" فتأويل ذلك ضعوا وتعجلوا من غير شرط أو كان ذلك قبل نزول حرمة الربا وهذا بخلاف المولى إذا صالح مع مكاتبه من الألف المؤجلة على خمسمائة على أن يعجلها له فذلك يجوز لأن المكاتب ملكه ولا ربا بين المملوك وسيده فما فيه شبهة الربا لا يعتبر بين المملوك والسيد وإن كان يعتبر حقيقة الربا بينهما حتى لا يجوز بيع الدرهم بالدرهمين بينهما يوضحه أن المولى يقصد بالكتابة الرفق بالمكاتب فكذلك في حط بعض البدل مقصوده الرفق به لا مبادلة الأجل بالدراهم وكذا لو زاده في بدل الكتابة ليزيده في الأجل جاز وينعدم هذا المعنى فيما بين الحرين.
قال: وإذا باع عبدا بنسيئة فباعه المشترى من رجل أو رهنه أو أوصى له به ثم اشتراه البائع من ذلك الرجل بأقل من الثمن الأول جاز لأن هذا ملك متجدد ثبت للثاني بسبب جديد فهو كعين آخر يشتريه بأقل من الثمن الأول منه وفرق بين الموصى له وبين الوارث فإن البائع لو اشتراه من وارث المشتري بأقل من الثمن الأول لا يجوز ذلك لأن الوراثة خلافة وإنما ينتقل إلى الوارث الملك الذي كان للمورث ولهذا يرده بالعيب ويصير مغرورا فيما اشتراه مورثه ويجوز إقالة الوارث مع البائع أما الموصى له فثبت له ملك بسبب متجدد ولهذا لا يرده بالعيب ولا يقبل العقد مع بائع الموصي ولا يصير مغرورا فيما اشتراه الموصي فلهذا جاز شراؤه منه بأقل من الثمن الأول وفرق بين ما إذا اشتراه له وارث البائع من المشتري بعد موت البائع وبين ما إذا اشتراه البائع من وارث المشتري وأبو يوسف يسوي بين الفصلين ويقول لا يجوز فيهما لأن وارث البائع يقوم مقامه بعده كوارث المشتري ووجه الفرق على ظاهر الرواية أن الوارث يقوم مقام المورث فيما كان للمورث وقد كان الملك في المبيع للمشتري فيخلفه وارثه فيه وما كان ملكه للوارث فيخلفه وارثه في ذلك ولكن هذا ملك يحصل لوارث البائع باكتسابه وهو ليس بخلف عن البائع في ذلك فيجعل شراؤه بعد موت البائع كشرائه في حياة البائع.
قال: وإن اشتراه البائع من المشتري مع عبد آخر بثمن حصته منه أقل من الثمن الذي باعه لم يجز الشراء فيه كما لو اشتراه وحده بأقل من الثمن الأول ويجوز في العبد الآخر بحصته لأنه لا مفسد للعقد في حصة العبد الآخر وقد بينا عذر أبي حنيفة في الخلافيات أن هذا فساد ضعيف خفي ولهذا خفي على زيد بن أرقم رضي الله عنه فلا يعدو حكمه محله بخلاف ما إذا كان الفساد ظاهرا بسبب الربا أو غيره ولا يقال ينبغي أن يجعل بمقابلة ما باع مثل الثمن الأول احتيالا لتصحيح العقد لأن هذا الوجه غير متعين للتصحيح فإنه وإن جعل

 

ج / 13 ص -108-    بمقابلة أكثر من الأول يجوز العقد أيضا ولا يقال قد جعل قبول العقد في ذلك شرطا لقبول العقد في الآخر وهو شرط فاسد فينبغي أن يفسد به العقد في الثاني كما هو مذهب أبي حنيفة في نظائر هذا لأن قبول العقد في ذلك العبد ليس بشرط فاسد ألا ترى أن ثمنه لو كان مثل الثمن الأول أو خلاف جنس الثمن الأول كان صحيحا وإنما الفساد لأجل الربح الحاصل لا على ضمانه وهذا المعنى يقتصر على العبد الذي باعه ولا يتعدى إلى العقد في العبد الثاني وإن اشتراه البائع مع رجل آخر جاز شراء الأجنبي في نصفه كما يجوز شراؤه في الكل إذا اشتراه لنفسه واعتبار البعض بالكل اعتبار صحيح.
وإن كانت جارية فولدت عند المشتري ثم اشتراها منه بأقل من الثمن الأول جاز إن كانت الولادة نقصتها كما لو دخلها عيب آخر عند المشتري بسبب آخر ولا يجوز إن لم ينقصها لأن ما دخل في ملك المشتري على هيئته كما كان فإذا اشتراها البائع بأقل من الثمن الأول يحصل له ربح لا على ضمانه قال وإذ اشترى الرجل جارية فولدت عنده لأقل من ستة أشهر من يوم اشتراها فادعى البائع الولد وكذبه المشتري في ذلك لم تصح دعواه في القياس وهو قول زفر وصحت دعوته في الاستحسان وهو قول علمائنا الثلاثة رحمهم الله وجه القياس فيه أن البائع بهذه الدعوى يسعى في نقص ما تم به فلا يقبل ذلك منه كما لو زعم أنه كان أعتقها قبل البيع وكما لو جاءت بالولد لستة أشهر فصاعدا وكما لو مات الولد أو أعتق المشتري الولد ثم ادعى نسبه وهذا لأنه مناقض في كلامه فإقدامه على بيعها إقرار منه أنها ليست بأم ولد له فإذا زعم بعد ذلك أن الولد ولده وأنها أم ولد له كان مناقضا في ذلك والدليل عليه أن البائع لو ادعى نسب هذا الولد لم تصح دعواه باتفاق فلو جعل الحال بعد بيعها كالحال قبله في دعوى البائع فكذلك ينبغي أن يجعل في دعوى أبيه وجه الاستحسان أنا تيقنا أن العلوق حصل في ملكه لأن أدنى مدة الحبل ستة أشهر فلما وضعته لأقل من ستة أشهر عرفنا أن العلوق كان حاصلا قبل البيع وحصول العلوق في ملكه يثبت له حق استحقاق النسب بالدعوى وحق استلحاق النسب لا يحتمل الفسخ بحقيقة النسب فلا يبطل ذلك بالبيع وإذا لم يبطل كانت دعواه بعد البيع كدعواه قبله وهذا لأن الشيء لا ينقضه ما هو دونه وإنما ينقضه ما هو مثله أو فوقه والملك الثابت للمشتري دون حق استلحاق النسب للبائع فهذا يحتمل لرفعه وذلك لا يحتمل فلا ينتقض به بخلاف ما إذا وضعته لستة أشهر فصاعدا فإنا لا نتيقن هناك بحصول العلوق في ملك البائع وثبوت حق استلحاق النسب له والملك للمشتري متيقن به والمتيقن به أقوى مما لا يتيقن فيه وبخلاف ما إذا أعتق المشتري الولد لأن ولاءه يثبت للمشتري بالعتق والولاء لا يحتمل النقض لحق استلحاق النسب فتنقض به ما كان من حق استلحاق النسب لأن هذا مثله أو فوقه بخلاف ما إذا مات الولد لأن حق استلحاق النسب لمنفعة الولد وحاجته إلى النسب وهو بالموت قد استغنى عن ذلك وهو بخلاف ما لو ادعاه أبو البائع لأنه بمجرد حصول العلوق في ملك البائع لا يثبت لابنه حق استلحاق النسب إلا

 

ج / 13 ص -109-    بشرط وهو ولاية نقلها إلى نفسه ألا ترى أن حق الدعوى لا يثبت للجد حال حياة الأب ويثبت له بعد موت الأب لأن ولايته بعد موت الأب وهذا الشرط لا يوجد فيه بعد البيع لأنها صارت مملوكة للمشتري فليس للأب ولاية نقلها إلى نفسه بالدعوى فلهذا تصح دعواه ثم التناقض لا يمنع صحة استلحاق النسب ألا ترى أن الملاعن إذا اكذب نفسه يثبت النسب منه وهو مناقض في ذلك وهو لخفاء أثر العلوق قد يظن في الابتداء أنها لم تعلق منه فيبيعها ثم يتبين أنها علقت منه فيستدرك ذلك بدعوى النسب وحكم الحاكم باللعان وقطع النسب أقوى منه في بيعه إياها فإذا جاز إبطال حكم الحاكم بدعوى النسب وإن كان هو ساعيا في نقض ما تم به فلأن يجوز إبطال البيع أولى.
وإن ادعاه المشتري أولا ثم ادعاه البائع لم تصح دعوى البائع لأن نسبه قد ثبت من المشتري فاستغنى به الولد عن النسب ولأن النسب الذي يثبت من المشتري لا يحمل النقض فهو أقوى من الولاء الثابت له بالعتق وقد بينا أن اعتبار الولاء يبطل حق الاستلحاق الثابت للبائع فاعتبار النسب أولى وإن ادعياه معا فإنه يثبت نسبه من البائع وتصير أم ولد للبائع وينتقض البيع فيها عندنا وقال إبراهيم النخعي يثبت نسبه من المشتري لأن للمشتري فيها حقية الملك وللبائع حق الملك وصاحب حقية الملك يترجح في الدعوى كما لو ولدت جارية رجل فادعى الولد هو وأبوه صحة دعوى المولى دون أبيه لهذا المعنى ولكنا نقول دعوى البائع سابقة معنى لأنها تستند إلى وقت العلوق فإن العلوق حصل في ملكه ودعوى المشتري لا تستند إلى تلك الحالة لأنه يملكها بعد ذلك ولو سبق البائع بالدعوى كان النسب ثابتا منه فكذلك إذا سبقت معنى بخلاف مسألة الأب لأن دعوى كل واحد منهما هناك تستند إلى ما تستند إليه دعوى الآخر إلا أن شرط دعوى الأب نقلها إليه ولا يمكن اتحاد هذا الشرط إذا اقترنت دعوى المولى بدعواه يوضح ما قلنا أن دعوى المشتري دعوى التحرير لأن العلوق لم يكن حاصلا في ملكه ودعوى التحرير كالإعتاق أما دعوى البائع فدعوى استيلاء ولأن العلوق كان في ملكه فيجعل هذا بمنزلة ما لو ادعاه البائع وأعتقه المشتري معا فتكون دعوى البائع أولى وأما إذا ولدته لأكثر من ستة أشهر فادعياه معا فدعوى المشتري أولى لأنا لم نتيقن بحصول العلوق في ملك البائع هنا ولو انفرد بالدعوى لم يصح إذا لم يصدقه المشتري فإذا اقترنت دعوى المشتري بدعوى البائع فأولى أن لا تصح دعوى البائع.
قال: ولو أعتق المشتري الأم ثم ادعى البائع الولد وقد جاءت به لأقل من ستة أشهر فنسبه يثبت من البائع لأنه يحتاج إلى النسب فحل له بعد عتق الأم ولكن لا ينقض عتق المشتري في الأم للولاء الذي لم يثبت له عليها وهو مما لا يحتمل النقض وقد يجوز أن يثبت نسب الولد وإن كانت لا تثبت حق أمية الولد للأم كما في ولد المغرور وهذا بخلاف ما لو أعتق الولد فإن هناك دعوى البائع لا تصح في حق الأم لأن الولد هو المقصود والأم تبع فإذا لم يمكن تصحيح دعواه فيما هو الأصل لا يشتغل بتصحيحه في البيع فأما حق الأم في

 

ج / 13 ص -110-    الاستيلاد فبيع وتعذر ثبوت الحكم في البيع لا يمنع ثبوت الحكم في الأصل فلهذا يثبت نسب الولد منه ويقسم الثمن على قيمتها وقيمة ولدها فيرد البائع حصة الابن من الثمن وإنما كان لهذا الولد حصة من الثمن وإن انفصل بعد القبض لأنه صار مقصودا بنقض العقد فيه فيكون بمنزلة الولد المقصود بالقبض فيكون له حصة من الثمن ولذلك لو كانت ولدت قبل أن يبيعها ثم ادعى النسب بعد ما باعها فهذا وما سبق سواء ولو اشتراها ثم باعها ثم ادعى المشتري الأول نسب الولد لم تصح دعواه لأن أصل العلوق لم يكن في ملكه فدعواه فيه كدعوى التحرير ولا يعمل بعد زوال الملك ولو ادعاه البائع الأول صحت دعواه لأن العلوق كان ملكه والبيع الثاني في احتمال النقض كالأول فباعتبار الدعوى ينقض العقدان جميعا.
 ولو ولدت عنده ولدين في بطن واحد ثم باع أحدهما وأعتقه المشتري ثم ادعى البائع الولد الذي عنده ثبت نسبهما منه لحاجتهما إلى النسب وبقي أحد الولدين في ملكه على حاله ثم ينتقض عتق المشتري في الولد الآخر حكما لأنهما توأم خلقا من ماء واحد فمن ضرورة حرية الأصل لأحدهما حرية الأصل للآخر ومن ضرورة ثبوت حرية الأصل فيه انتقاض العتق والولاء الثابت للمشتري بخلاف ما سبق فيما إذا أعتق المشتري الأم لأنه ليس من ضرورة ثبوت النسب وحرية الأصل للولد انتقاض عتق المشتري الأم يوضحه أن هناك لو نقض عتق المشتري عادت أم ولد للبائع فيطؤها بالملك بعد ما حكم بحريتها وذلك لا يجوز أما هنا لو نقضنا عتق المشتري في الولد أثبتنا فيه ما هو أقوى وهو حرية الأصل فهذا هو الفرق بينهما والله أعلم.

باب بيوع أهل الذمة
قال: وإذا اشتري الذمي مملوكا مسلما صغيرا أو كبيرا ذكرا أو أنثى من مسلم أو ذمي جاز شراؤه في قول علمائنا الثلاثة رحمهم الله وقال الشافعي لا يجوز شراؤه لقول الله تعالى:
{وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً} [النساء:141] وفي إثبات الملك للكافر على المسلم سبب يكسبه إثبات أقوى السبيل له عليه والمعنى فيه أن الكافر لا يقر على تحصيل مقصود هذا العقد لحرمة الإسلام فلا يصح استدامته كنكاح المسلمة وبيان الوصف أن المقصود استدامة الملك ولهذا لا يصح البيع إلا مؤبدا وهو ممنوع من استدامة الملك على المسلم لأنه يجبر على بيعه فإذا لم يصح منه استدامة الملك على المسلم لا يصح مباشرة سبب الملك الدليل عليه أن إسلام المملوك مع كفر المالك يمنع استدامة الملك إذا طرأ فيمتنع ثبوت الملك إذا اقترن بالسبب كما في النكاح وهذا لأن الكافر ممنوع من استذلال المسلم وفي إثبات الملك له عليه استذلال المسلم ولهذا لا يسترق الكافر المسلم فكذلك لا يشتريه لأن الثابت بالشراء له ملك متجدد بتجدد سببه ولهذا لا يرد بالعيب على بائعه فيكون هذا في المعنى كالاسترقاق بخلاف الإرث فإنه يبقى للوارث الملك الذي كان للمورث ولهذا يرث المسلم الخمر ولا يملك الخمر بالشراء وبخلاف البيع لأنه بالبيع يزول ملكه وذله

 

ج / 13 ص -111-    على المسلم واكتساب سبب إزالة الذل غير ممنوع منه إنما الممنوع منه اكتساب سبب الذل.
وهذا النهي لمعنى في المنهي عنه فيكون مفسدا للعقد ألا ترى أن الكافر يطلق امرأته المسلمة ولا يصح عقد النكاح من الكافر على المسلمة وهذا بخلاف الولد يشتري والده يجوز وإن كان الولد ممنوعا عن إذلال والده لأن بالشراء هناك تتم علة العتق فيتخلص به عن ذل الرق والأمور بعواقبها فباعتبار المال يصير هذا الشراء إكراما ا لا إذلالا ولهذا قلنا الابن الكافر إذا اشترى أباه المسلم يجوز وكذلك إذا قال الكافر لمسلم أعتق عبدك هذا على ألف درهم يجوز ويتملكه الكافر ثم يعتق عليه وهو نظير الفصد فهو جرح لا يجوز الإقدام عليه من غير حاجة وعند الحاجة يكون دواء والذي يحقق ما قلنا أنه بالشراء يتمكن من قبضه وفي إثبات اليد للكافر على المسلم على وجه يستفيد به ملك التصرف معنى الذل ولا يوجد ذلك في حق من يعتق عليه وإن قلتم أنه يمتنع من قبضه فيقول ما لا يتأتى فيه القبض بحكم الشراء لا يجوز شراؤه كالعبد الآبق وهذا لأن فوات القبض إذا طرأ بهلاك المعقود عليه قبل التسليم كان مبطلا للعقد فإذا اقترن بالعقد منع انعقاد العقد والدليل عليه المحرم إذا اشترى طيبا لا يملكه لأنه ممنوع من إثبات اليد عليه وكذا على الصيد لإحرامه فلا يملكه بالشراء كما لا يملكه بالاصطياد فكذلك الكافر في العبد المسلم وحجتنا في ذلك العمومات المجوزة للبيع من الكتاب والسنة والمعنى فيه أن الكافر يملك بيع عبده المسلم فيملك شراءه كالمسلم وهذا لأن صحة التصرف باعتبار أهلية التصرف وكون المحل قابلا للتصرف وما يصير به أهلا للتصرف يستوي فيه الكافر والمسلم وإنما يكون المحل محلا للتصرف لكونه مالا متقوما والعبد المسلم مال متقوم في حق المسلم والكافر جميعا حال المشتري مع البائع عند الفسخ كحال البائع معه عند العقد وقد كان للبائع على المشتري كر في ذمته يعطيه المشتري من أي موضع شاء فكذلك البائع يفعله عند الفسخ وكل ما يكال أو يوزن أو يعد في هذا الحكم سواء لما قلنا.
قال: ولو اشترى جارية بثوب ليس عنده لم يجز لأن الثياب لا تثبت دينا في الذمة إلا موصوفة ومؤجلة ذلك وإن كان الثوب بعينه فوجد بالجارية عيبا وقد استهلك البائع الثوب ردها وأخذ قيمة الثوب لأن الثوب ليس من ذوات الأمثال وقد لزمه رد عينه حين رد عليه الجارية فإذا تعذر رده بالاستهلاك يلزمه قيمته كما في المغصوب وإذا باع رجل شيئا بنقد أو نسيئة فلم يستوف ثمنه حتى اشتراه بمثل ذلك الثمن أو أكثر منه جاز وإن اشتراه بأقل من ذلك الثمن لم يجز ذلك في قول علمائنا رحمهم الله استحسانا وفي القياس يجوز ذلك وهو قول الشافعي لأن ملك المشتري قد تأكد في المبيع بالقبض فيصح بيعه بعد ذلك بأي مقدار من الثمن باعه كما لو باعه من غير البائع ألا ترى أنه لو وهبه من البائع جاز ذلك فكذلك إذا باعه منه بثمن يسير ولأنه لو باعه من إنسان آخر ثم باعه ذلك الرجل من البائع الأول بأقل من الثمن الأول جاز فكذلك إذا باعه المشتري منه إلا أنا استحسنا لحديث عائشة

 

ج / 13 ص -112-    رضي الله عنها فإن امرأة دخلت عليها وقالت إني بعت من زيد بن أرقم جارية لي بثمانمائة درهم إلى العطاء ثم اشتريتها منه بستمائة درهم قبل محل الأجل فقالت عائشة رضي الله عنها بئسما شريت وبئسما اشتريت أبلغى زيد بن أرقم أن الله تعالى أبطل حجه وجهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لم يتب فأتاها زيد بن أرقم معتذرا فتلت قوله تعالى {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ} [البقرة:275] فهذا دليل على أن فساد هذا العقد كان معروفا بينهم وأنها سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن أجزية الجرائم لا تعرف بالرأي وقد جعلت جزاءه على مباشرة هذا العقد بطلان الحج والجهاد فعرفنا أن ذلك كالمسموع من رسول الله صلى الله عليه وسلم واعتذار زيد رضي الله عنه إليها دليل ذلك لأن في المجتهدات كان يخالف بعضهم بعضا وما كان يعتذر أحدهم إلى صاحبه فيها ولا يجوز أن يقال إنما ألحقت الوعيد به للأجل إلى العطاء فإن مذهب عائشة رضي الله عنها جواز البيع إلى العطاء وقد كرهت العقد الثاني بقولها بئسما اشتريت وليس فيه هذا المعنى عرفنا أنها إنما كرهت لما قلنا وإنما كرهت العقد الأول لأنهما يطرقان به إلى الثاني والمعنى فيه
عندنا فكذلك شراؤه فإنما بطل ذلك التصرف لانعدام المحل بخلاف ما نحن فيه ولسنا نقول بأنه لا يقر على مقصود هذا العقد بل يقر على مقصوده إذا أسلم ثم موجب الشراء إثبات الملك.
فأما استدامة الملك فليس من موجبات العقد ولا يمنع صحة الشراء لكونه ممنوعا من استدامة الملك فيه كالمسلم يشتري عبدا مرتدا فيصح شراؤه وإن كان ممنوعا من استدامة الملك فيه وعند التأمل في تصحيح هذا الشراء إظهار ذل الكافر دون المسلم لأن العبد المسلم يتسلط به على الكافر فيخاصمه ويجره إلى باب القاضي ويجبره على بيعه شاء أو أبى ولهذا يتبين أن هذا النوع من التصرف لم يدخل تحت قوله:
{وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً} [النساء:141] مع أن المراد بالآية أحكام الآخرة بدليل قوله تعالى: {فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [النساء:141] وعلى هذا الخلاف الكافر إذا اشترى مصحفا لا يصح الشراء عند الشافعي لأنه يستخف به فيرجع ذلك إلى إذلال المسلمين وعندنا يصح شراؤه لأنه ليس في عين الشراء من إذلال المسلمين شيء وكلامنا في هذا الفصل أظهر فالكافر لا يستخف بالمصحف لأنه يعتقد أنه كلام فصيح وحكمه بالغة وإن كان لا يعتقد أنه كلام الله عز وجل فلا يستخف به ثم يجبر على بيع العبد من المسلمين لأنه لو ترك في ملكه استخدمه قهرا بملك اليمين وفيه ذل فيجبر على إزالة هذا الذل وذلك ببيعه من المسلمين ولا يترك ليبيعه من كافر آخر وإن كان لو باعه جاز ولكن المقصود لا يحصل به فلا يمكن منه وكذلك يجبر على بيع المصحف لأنه لا يعظمه كما يجب تعظيمه وإذا ترك في ملكه يمسه وهو نجس وقال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة28] وقال الله تعالى في القرآن: {لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة:79] فلهذا يجبر على بيعه من المسلمين وكذلك إن أسلم مملوك الذمي فإنه يجبر على بيعه من المسلمين وذلك بعد أن يعرض عليه الإسلام فلعله يسلم فيترك العبد في ملكه فإن أبى ذلك

 

ج / 13 ص -113-    أجبر على بيعه كالكافر إذا أسلمت امرأته يعرض عليه الإسلام فإن أبى فرق بينهما إلا أن ملك النكاح ليس بمال متقوم فيجوز إزالته مجانا عند إباية الإسلام وملك اليمين مال متقوم محترم بعقد الذمة فلا يجوز إبطاله عليه بالعتق مجانا ولا بد من إزالة ملكه عن المسلم فيجبر على بيعه بقيمته ليستوفي المالية ويحصل المقصود وإن كان للذمي عبد وامرأة له أمة قد ولدت منه فأسلم العبد وولده منها صغير فإنه يجبر على بيع العبد وولده لأن الولد الصغير يصير مسلما بإسلام أبيه فيجبر على بيعه وإن كان ذلك تفريقا بينه وبين أمة لأن هذا تفريق بحق وجب فيه فهو كما لو جنى الابن الصغير جناية فدفع بها أو لزمه دين فبيع فيه يجوز ذلك وإن كان فيه تفريق بين الولد والأم ولكن لما كان بحق لزم ذلك في الولد خاصة واستقام ذلك فهذا مثله وعن أبي يوسف أن في كل موضع يجب بيع الولد تباع الأم معه لأنه لا ضرورة في التفريق بينهما إذا كان كل واحد منهما محلا للبيع.
قال: وإذا أسلم العبد وهو بين مسلم وكافر أجبر الكافر على بيع حصته منه اعتبارا للبعض بالكل وإن أسلم عبد الذمي فكاتبه جازت الكتابة لأن ملكه فيه باق بعد إسلامه ونفوذ عقد الكتابة منه باعتبار ملكه ثم ما هو المقصود يحصل بالكتابة في الحال وهو إزالة ذله منه لأنه يصير بمنزلة الحر في حق اليد والمكاسب ولا يبقى له ولاية الاستخدام عليه قهرا بملك اليمين وربما يؤدي بدل الكتابة فيعتق ويتم المقصود به فإن عجز أجبر على بيعه لأن الكتابة انفسخت حين تحقق عجزه فظهر الحكم الذي كان قبل الكتابة وهو الإجبار على البيع وإن لم يكاتبه ولكنه رهنه عند مسلم أو كافر أجبر المولى على بيعه لأن المقصود بعقد الرهن لم يحصل فالراهن يستخدم المرهون بإذن الراهن ثم بعد الرهن هو محل للبيع فيبقى فيه حكمه وهو الإجبار على البيع فأما بعد الكتابة فلا يكون محلا للبيع ما بقيت الكتابة وإذا بيع المرهون فيكون ثمنه رهنا مكانه لأن عقد الرهن قد صح باعتبار ملكه في المحل فيتحول حكمه إلى بدله كما إذا قبل المرهون وأخذ المرتهن قيمته وكذلك لو آجره من مسلم أو كافر فالمقصود وهو إزالة اليد عن المسلم لا يحصل بالإجارة بل يتحقق فيه معنى الإذلال ويبقى هو محلا للبيع بعد الإجارة فيجبر على بيعه ثم تبطل به الإجارة بخلاف الرهن ألا ترى أن المؤجر إذا باع المؤاجر برضا المستأجر بطلت الإجارة والراهن إذا باع المرهون برضا المرتهن كان الثمن رهنا ولو كان رهنه أو أجره وهو كافر ثم أسلم في يد المرتهن أو المستأجر أجبرته على بيعه ولم أتركه يكون في ملك الكافر وهو مسلم كما بينا أن الإذلال هنا يتقرر إذا ترك في ملكه فيجب إزالته بالإجبار على بيعه.
وإن كانت جارية فدبرها أو استولدها قبل الإسلام أو بعده جعلت عليها أن تسعى في قيمتها لأن بيعها متعذر لما يقر فيها من حق العتق فيجب إخراجها عن ملك الكافر بالاستسعاء في قيمتها وهي بمنزلة المكاتبة ما دامت تسعى وعند زفر هي حرة والسعاية دين عليها وعند الشافعي يجبر على بيع المدبرة وأم الولد بخارج وقد تقدم بيان هذا في كتاب العتاق.

 

ج / 13 ص -114-    وإذا باع الكافر عبدا على أنه بالخيار ثلاثة أيام ثم أسلم العبد فهو على خياره لأن إسلامه لا يمنع ابتداء البيع ولا يمنع بقاءه بطريق الأولى فإن نقض البيع أجبر على بيعه لأن الأول صار كأن لم يكن وإن أمضاه لكافر مثله أجزأه وأجبر ذلك الكافر على بيعه كما لو باعه منه ابتداء بعد ما أسلم العبد وكذلك إن كان الخيار للمشتري فإن فسخ العقد أجبر على بيعه إذا كان كافرا وإن أمضى العقد والمشتري مسلم فهو سالم له.
قال: وإذا اشترى الكافر عبدا مسلما شراء فاسدا وقبضه فإنه يجبر على رده على البائع سواء كان البائع مسلما أو كافرا ثم يجبر البائع على بيعه إن كان كافرا لأن فسخ البيع الفاسد مستحق شرعا ولا يفوت به ما يثبت من الحق للعبد بإسلامه فإن البائع يجبر على بيعه إذا كان كافرا ومع إمكان استيفاء الحقين لا يجوز ترك أحدهما فإن كان البائع غائبا فرفع العبد المشتري إلى القاضي أجبره على البيع إن كان شراء يجوز في مثله البيع منه لأنه مالك له وقد تعذر فسخ العقد الفاسد لغيبة البائع ولا يجوز أن يترك المسلم في ملك الكافر فيجبر على بيعه وهذا لأن في التأخير إلى أن يحضر البائع إضرارا بالعبد وإبقاء له في ذل الكافر وذلك ممتنع في الشرع وإن كان شراء لا يجوز في مثله البيع فهو غير مالك له ولا يمكن إجباره على بيعه ولكنه ملك الغير مضمون في يده أو أمانة بمنزلة المغصوب أو الوديعة.
مسلم اشترى عبدا مسلما من كافر شراء فاسدا أجبرته على رده على الكافر لفساد العقد ثم يجبر الكافر على بيعه لأن استيفاء الحقين ممكن وإن كان الكافر غائبا فهو على حاله عند المسلم لأنه ليس في إبقاء المسلم في ملك المسلم معنى الإذلال ولو أن مسلما وهب عبدا مسلما لكافر أو تصدق به عليه جاز وأجبر الكافر على بيعه كما لو ملكه بسبب آخر ولو أراد المسلم أن يرجع في هبته كان له ذلك ما لم يبعه الكافر أو يعوض المسلم منه والكافر في حكم الهبة بمنزلة المسلم وكذلك لو كان الكافر هو الواهب للعبد المسلم من المسلم ثم رجع في هبته كان له ذلك لأن حقه في الرجوع كان ثابتا ما لم يصل إليه العوض فلا يبطل بإسلام العبد ولكن إذا رجع فيه أجبر على بيعه وإذا أسلم عبد النصراني فأجبره القاضي على بيعه فباعه ثم استحقه نصراني آخر ببينة مسلمين وقد أعتقه المشتري فإن عتقه باطل لأن بالاستحقاق قد ظهر أن المشتري لم يملك وإن عتقه لم ينفذ لأن بائعه لم يكن مالكا فيأخذه المستحق ويجبر على بيعه ولا يقال ينبغي أن ينفذ البيع بإجبار القاضي عليه في حق المستحق إذا كان نصرانيا لأن القاضي إنما أجبر عليه المالك الظاهر له حين أبى أن يسلم فلا يتعدى ذلك إلى المستحق لأنه لم يكن ظاهرا يومئذ ولعله يسلم لو عرض عليه الإسلام ولو أن نصرانية تحت مسلم لها مملوك مسلم فأجبرت على بيعه فباعته من زوجها واشتراه زوجها لولد له صغير فذلك جائز لأن المقصود قد حصل وهو إزالة ذل الكافر عن المسلم بخروجه من ملكها.
قال: ولو أن يتامى من النصارى أسلم عبد لهم أجبروا على بيعه لتقرر السبب وهو ملك

 

ج / 13 ص -115-    الكافر في العبد المسلم فإن كان لهم وصي باعه الوصي لأنه قائم مقامهم في البيع الذي ليس بمستحق ففي البيع المستحق أولى وإن لم يكن لهم وصي جعل القاضي لهم وصيا فباعه لهم لأنه إذا جاز للقاضي نصب الوصي نظرا منه لليتامى فلأن يجوز ذلك منه نظرا لليتامى ومراعاة لحرمة الإسلام أولى قال: وإذا كان للمسلم عبد نصراني تاجر فاشترى عبدا نصرانيا فأسلم ولا دين على العبد التاجر لم أجبره على بيعه لأن كسب العبد الذي لا دين عليه مملوك لمولاه وهو مسلم وإن كان عليه دين أجبرته على بيعه لأن المولى لا يملك من كسبه ما لم يقض عنه الدين كالأجنبي والعبد هو المستبد بالتصرف وهو نصراني فيجبر على بيعه كمكاتب نصراني لمسلم أسلم عبده.
قال: وإذا اشتري النصراني عبدا مسلما فوجد به عيبا فقال أرده تركته حتى يرده لأنه يستوفي بالرد حقه ويدفع به الضرر عن نفسه وأكثر ما فيه أن يكون رده إياه بمنزلة البيع منه وذلك صحيح وإن وكل وكيلا يخاصم عنه في العيب جاز حتى يبلغ اليمين بالله ما رأى ولا رضي فإذا بلغ ذلك لم يستطع رده حتى يحضر الموكل فيحلف وفي هذا الحكم يستوي الكافر والمسلم ثم في ظاهر الرواية القاضي يحلف المشتري بهذه الصفة ما رأى ولا رضي طلب البائع ذلك أو لم يطلب ومن أصحابنا رحمهم الله من يقول لا يحلف إلا بطلب البائع لأنه نصب لفصل الخصومة لا لإنشائها ولكنا نقول هو مأمور بأن يصون قضاءه عن أسباب الخطأ وليس كل خصم يهتدي إلى ذلك ليسأل أو يتجاسر على ذلك مع حشمة القاضي فيحتاط القاضي بذلك ويحلفه بالله ما رأى العيب ولا رضي به وفي موضع آخر قال ولا عرضه على بيع ثم يقضي بالرد فإن أقر الوكيل عند القاضي أن المشتري قد رضي بالعيب جاز ذلك على المشتري وإن وكل البائع وكيلا بالخصومة فإقرار وكيله عليه جائز في مجلس القاضي لأنه قائم مقام الموكل في جواب الخصم ولا يحلف لوكيل لأن النيابة في اليمين لا تجزئ ولكن يحضر الموكل فيحلف بالله لقد باعه وما هذا به وقد قررنا هذا في كتاب العيوب.
قال: ولا يجوز بين أهل الذمة شيء من بيوع الصرف والسلم وغيرهما إلا ما يجوز بين أهل الإسلام ما خلا الخمر والخنزير فإني أجيز ذلك بينهم وأستحسن ذلك لأنهما أموال متقومة في حقهم والأثر الذي جاء فيه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه حيث قال: ولوهم بيعها وخذوا العشر من أثمانها وقد تقدم بيان هذا الفصل في كتاب الغصب وأوضحنا الفرق بين الربا والتصرف في الخمر والخنزير باعتبار أن ذلك مستثنى من عقد الذمة ونذكر هنا حرفا آخر للفرق بينهما فنقول لما بقي الخمر والخنزير مالا متقوما في حقهم فلو لم نجز تصرفهم فيهما بالبيع والشراء لم تظهر فائدة المالية والتقوم فيكون إضرارا بهم ولو منعناهم عن عقود الربا لأدى ذلك إلى إبطال فائدة المالية والتقوم لأنهم قد لا يتمكنون من التصرف في ذلك المحل إلا بطريق الربا.

 

ج / 13 ص -116-    قال: ولا يحل للمسلم بيع الخمر ولا أكل ثمنها بلغنا ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه حديثان.
أحدهما قوله صلى الله عليه وسلم:
"لعن الله في الخمر عشرة" وذكر في الجملة بائعها.
والثاني قوله صلى الله عليه وسلم:
"إن الذي حرم شربها حرم بيعها وأكل ثمنها".
وفي حديث آخر قال صلى الله عليه وسلم:
"لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها وباعوها وأكلوا ثمنها" وإن الله تعالى إذا حرم شيئا حرم بيعه وأكل ثمنه وبهذه الآثار تبين أن الخمر ليست بمال متقوم في حق المسلم فلا يجوز بيعه إياها.
قال: وإذا اشترى المسلم عصيرا فلم يقبضه حتى صار خمرا فالبيع فاسد لأنه تعذر قبضه بعد التخمر وبالقبض يتأكد الملك المستفاد بالعقد ويستفاد بملك التصرف وكما لا يجوز ابتداء العقد على الخمر من المسلم فكذلك لا يجوز قبض الخمر بحكم العقد فإن صارت خلا قبل أن يترافعا إلى السلطان فالمشتري بالخيار إن شاء أخذه وإن شاء تركه وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله أما عند محمد فالبيع باطل هكذا ذكر الكرخي لأن العقد فسد بالتخمر فلا يمكن تصحيحه على الخل إلا بالاستقبال وهذا لأن التخمر قبل القبض كالموجود عند العقد ولو اشترى المسلم خمرا فتخللت لا يصح العقد وجه قولهما أن أصل العقد كان صحيحا ثم بالتخمر فات القبض المستحق بالعقد العارض على شرف الزوال وهو انعدام المالية والتقوم فإذا زال صار كأن لم يكن كما لو أبق المبيع قبل القبض ثم عاد من إباقه إلا أن المشتري هنا مخير لتغيير صفة المبيع وهو في ضمان البائع ولهذا لو خاصمه فيها قبل أن يصير خلا فأبطل القاضي البيع ثم صارت خلا بعد ذلك لم يكن له عليها سبيل لأن العقد انفسخ بقضاء القاضي كما في الإباق إذا عاد بعد ما فسخ القاضي البيع بينهما وبه فارق ما لو كانت خمرا في الابتداء فإن هناك البيع ما انعقد صحيحا ألا ترى أنه لو باع العبد وهو آبق ثم رجع من إباقه لم يصح البيع وعلى هذا النصراني لو اشترى من نصراني خمرا ثم صارت خلا ثم أسلما فالمشتري بالخيار إن شاء أخذ وإن شاء ترك لتغير صفة المبيع وإن أسلما ثم صارت خلا فهو على هذا الخلاف الذي ذكرنا ثم ذكر مسألة اقراض النصراني نصرانيا خمرا وقد تقدم بيان ذلك في كتاب الغصب.
قال: وإذا اشترى النصراني من النصراني خمرا أو خنزيرا على أنه بالخيار ثلاثة أيام ثم أسلم المشتري قبل أن يختار وقد قبض كان البيع باطلا في قول أبي حنيفة ويتم البيع في قول صاحبيه بناء على اختلافهما في وقوع الملك للمشتري مع اشتراط الخيار وقد تقدم بيانه بفصوله ولو كان الخيار للبائع فأسلما أو أسلم البائع بطل البيع لأن خيار البائع يمنع خروج المبيع عن ملكه فلا يمكن من إخراجه عن ملكه بالإجازة بعد إسلامه وإن أسلم المشتري وقد قبض ما اشترى لم يفسد البيع لأن البيع قد تم من قبله والبائع على خياره فإن أجاز البيع ملك المشتري الخمر حكما من غير عقد باشره بعد إسلامه وإسلامه لا يمنعه من ذلك وإذا

 

ج / 13 ص -117-    ارتهن نصراني من نصراني خمرا بدين له عليه فأسلم المرتهن بطل الرهن لأن المقصود بالرهن الاستيفاء ولا يتم ذلك إلا بهلاك الرهن فالإسلام الطارئ بعد العقد قبل حصول المقصود يجعل بمنزلة المقترن بالعقد فإن كان المرتهن هو الذي أسلم بقي مضمونا عليه حتى إذا هلك هلك على الراهن لأن خمر الكافر يجوز أن تكون مضمونة على المسلم بالغصب فكذلك بالقبض بحكم الرهن فإن كان الراهن هو الذي أسلم ثم هلك الرهن لم ينتقص من حق المرتهن شيء لأن خمر المسلم لا تكون مضمونة على الذمي بالغصب فكذلك بالقبض بحكم الرهن وهذا لانعدام المالية والتقوم في حق المالك هنا بخلاف الأول.
قال: وإذا وكل المسلم نصرانيا ببيع الخمر فباعها جاز في قول أبي حنيفة لأن العاقد نصراني ولم يجز في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله لأن من وقع له العقد مسلم وقد تقدم بيان هذا الفصل وإذا كان للذمي عبدان أخوان لم أكره له أن يفرق بينهما في البيع لأن ما فيه من الشرك أعظم من التفريق يعنى أن المنع من التفريق لحق الشرع والكفار لا يخاطبون من حقوق الشرع بما هو أعظم من كراهة التفريق نحو العبادات فكذلك لا يظهر في حقهم حكم كراهة التفريق في البيع والله أعلم.

باب بيوع ذوي الأرحام
قال: ليس ينبغي للرجل أن يفرق بين الجارية وولدها في البيع ولا في الهبة ولا في الصدقة ولا في الوصية إذا كان صغيرا لما روي أن زيد بن حارثة رضي الله عنه قدم بسبايا فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يتصفحهم فرأى جارية والهة فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شأنها فقال زيد رضي الله عنه: احتجنا إلى نفقة فبعنا ولدها فقال صلى الله عليه وسلم:
"أدرك أدرك لا توله والدة بولدها" وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "من فرق بين والدة وولدها فرق الله تعالى بينه وبين الجنة" وفي رواية "فرق الله تعالى بينه وبين أحبته يوم القيامة" وكذلك كل ذي رحم محرم والحاصل أنه إذا اجتمع في ملكه شخصان بينهما قرابة محرمة للنكاح وهما صغيران أو أحدهما صغير فليس له أن يفرق بينهما في الإخراج عن ملكه بالبيع عندنا وقال الشافعي في الوالدين والمولودين كذلك وفيما سوى ذلك لا بأس بالتفريق بناء على مذهبه في عتق أحدهما على الآخر عند دخوله في ملكه وحجتنا في ذلك ما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهب لعلي كرم الله وجهه أخوين صغيرين ثم لقيه بعد ذلك فقال: "ما فعل الغلامان" فقال: بعت أحدهما فقال: "أدرك أدرك" والمعنى فيه أن الصغير يستأنس بالكبير والكبير يشفق على الصغير ويقوم بحوائجه ففي التفريق بينهما إيحاشهما وترك الترحم عليهما وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من لم يرحم صغيرنا ولم يوقر كبيرنا فليس منا" والكافر والمسلم في ذلك سواء لاستوائهما في الشفقة التي تنبني على القرابة ثم تمتد هذه الكراهة إلى البلوغ عندنا وقال الشافعي إلى أن يستغني الصغير عن الكبير في التربية.
واعتمادنا في ذلك ما ذكره الدارقطني في مسنده بالإسناد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:
"لا تجمعوا عليهم بين السبي والتفريق ما لم يبلغ الغلام وتحض الجارية" وقد قال بعض

 

ج / 13 ص -118-    مشايخنا رحمهم الله: إذا راهق الصغير ورضيا أن يفرق بينهما فلا بأس بالتفريق بينهما لأن كل واحد منهما من أهل النظر لنفسه وربما يريان مصلحة في ذلك فلا بأس بالتفريق عند ذلك برضاهما فأما بعد البلوغ فلا بأس بالتفريق بينهما لأن كل واحد منهما يقوم بحوائجه وربما لا يستأنس بعضهم ببعض بل يستوحش بعضهم من بعض إذا اجتمعوا في ملك رجل واحد حتى يؤدي إلى قطيعة الرحم ولهذا حرم الجمع بين الأختين نكاحا ولو كان مملوك لرجل وولده الصغير مملوك لابن الرجل وهو صغير في حجره كان له أن يفرق بينهما بالبيع لأنهما ما اجتمعا في ملك رجل واحد والأب في التصرف في ملك ولده قائم مقام الولد لو كان بالغا وكذلك إن كان كل واحد منهما لولد من أولاده ولو اشتراهما جميعا لنفسه فوجد بأحدهما عيبا كان له أن يرده ويمسك الباقي وعن أبي يوسف قال يردهما أو يمسكهما لأن في معنى كراهة التفريق بينهما أنها كشخص واحد وقاس بما لو اشترى مصراعي باب فوجد بأحدهما عيبا كان له أن يردهما أو يمسكهما.
وجه ظاهر الرواية أن المثبت لحق الرد له هو العيب وهو مقصور على المعيب حقيقة وحكما ولا يتمكن من رد الآخر بعد تمام الصفقة ثم هذا تفريق بحق مستحق في أحدهما فيجوز كالدفع بالجناية والبيع بالدين ولو كان له من كل واحد منهما شقص لم أكره له أن يبيع شقصة من أحدهما دون الآخر لأنهما ما اجتمعا في ملكه وكراهة التفريق بناء على اجتماعهما في ملكه ولو كانا مملوكين له فباع أحدهما دون الآخر كان مسيئا والبيع جائز في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله وقال أبو يوسف أستحسن إبطال البيع في الوالدين والمولودين ولا أبطله في الأخوين وهو قول الشافعي وروى الحسن عن أبي يوسف رحمهما الله أن البيع في جميع ذلك باطل لما روينا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي رضي الله عنه:
"أدرك أدرك" وقال صلى الله عليه وسلم ذلك لزيد بن حارثة رضي الله عنه وإنما يتمكن من الإدراك بالاسترداد لفساد البيع ففي إحدى الروايتين فيهما جميعا قال البيع فاسد وفي الرواية الأخرى فرق لقوة الولادة وضعف القرابة المتجردة عن الولادة وحمل قوله صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه "أدرك أدرك" على طلب الإقالة أو بيع الآخر ممن باع منه أحدهما وهو تأويل الحديثين عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله والقياس لهما فإن النهي عن بيع أحدهما لمعنى في غير البيع غير متصل بالبيع وهو الوحشة وذلك ليس من البيع في شيء والنهي متى كان لمعنى في غير المنهي عنه لا يفسد البيع كالنهي عن البيع وقت النداء.
قال: ولا بأس بأن يكاتب أحدهما دون الآخر لأن عقد الكتابة مآله العتق فهو كالإعتاق ولا بأس بأن يعتق أحدهما فكذلك يكاتبه لأنه لا تفريق بينهما في هذا التصرف بل يزداد الاستئناس ويمكن الكبير من القيام بحوائج الصغير إذا كوتب أو أعتق وربما يتمكن من شرائه بعد ذلك فيعتق عليه وكذلك لا بأس بأن يبيع أحدهما نسمة للعتق ويمسك الآخر وعن محمد أنه يكره له ذلك وهذا لأن بيع نسمة ليس ببيع بشرط العتق فإن البيع بهذا الشرط

 

ج / 13 ص -119-    لا يجوز ولكنه ميعاد بينهما فربما يفي به المشتري وربما لا يفي فيبقى التفريق بينهما متحققا في الحال وجه ظاهر الرواية أن الظاهر من حال من يشتري النسمة للعتق الوفاء بما يعد وإنما ينبني الحكم على الظاهر ما لم يتبين خلافه فبيع أحدهما نسمة كبيعه من قريبه ليعتق عليه وذلك غير مكروه.
قال: وإذا اجتمع في ملكه أختان فدبر إحداهما أو استولدها والأخرى صغيرة لم أكره له بيع الصغيرة وكذلك إن كاتب إحداهما لأن كراهة التفريق عند تمكنه من بيعها فإن عند ذلك يكون التفريق محالا على اختياره وهنا هو غير متمكن من بيع إحداهما فيجوز له له بيع الأخرى وعن أبي يوسف أن في التدبير والاستيلاد ليس له أن يبيع الأخرى لأن ملكه في المدبرة وأم الولد مطلق فيتحقق اجتماعهما في ملكه فيكره التفريق وفي الكتابة لا يكره لأن ملكه في المكاتب ثابت من وجه دون وجه فلم يجتمعا في ملك مطلق له فلا بأس بأن يبيع إحداهما.
قال: وإذا كان أحد المملوكين له والآخر لزوجته أو لمكاتبه فلا بأس بالتفريق بينهما لأنهما ما اجتمعا في ملك رجل واحد ولأنه غير متمكن من بيعهما من واحد إذ ليس له حق التصرف في كسب مكاتبه وملك زوجته وكذلك إن كانت إحداهما لعبد له تاجر وعليه دين لأنه غير متمكن من بيعها فإن تصرفه في كسب العبد المديون لا ينفذ وعن أبي حنيفة هو لا يملك كسبه فلم يجتمعا في ملكه وإن لم يكن على العبد دين فليس له أن يفرق بينهما لأنهما اجتمعا في ملكه وهو متمكن من بيعهما وإن كانت إحداهما لمضاربه فلا بأس بأن يبيع المضارب ما عنده منهما لأن المضارب غير مالك لهما ولا هو متمكن من بيعهما فله أن يبيع ما كان عنده منهما.
قال: وإذا كان للرجل أمة فباعها على أن له الخيار ثلاثة أيام ثم اشترى ابنها كرهت له أن يوجب البيع في الأمة لأن خيار البائع يمنع خروج المبيع عن ملكه فقد اجتمعا في ملكه وهو متمكن من أن لا يفرق بينهما بأن يفسخ البيع فيها ثم يبيعهما معا فإذا أوجب البيع في الأمة كان مفرقا بينهما باختياره وذلك مكروه وكذلك إن سكت حتى مضت المدة لأن سكوته عن الفسخ إلى مضي المدة كاختياره إمضاء البيع وإن كان الخيار للمشتري فلا بأس بأن يستوجبها لأن الأمة خرجت من ملك البائع مع خيار المشتري فلم يجتمعا في ملك رجل واحد ولو كان عنده ابن لها فاختار ردها لم يكن بذلك بأس أما عند أبي حنيفة فلأنهما لم يجتمعا في ملكه فإن خيار المشتري يمنع وقوع الملك له وعندهما لأن هذا التفريق لحق له في إحداهما فكان بمنزلة الرد بخيار العيب.
قال: ويكره للمكاتب والعبد التاجر من التفريق ما يكره للحر لأنهما مخاطبان وفي التمكن من بيعهما معا بمنزلة الحرين وكراهة التفريق لحق الشرع فيستوي فيه المملوك والحر ولا يكره التفريق من ذي محرم من غير النسب كالرضاع والمصاهرة لحديث عبد الله بن مسعود

 

ج / 13 ص -120-    رضي الله عنهما أن رجلا سأله فقال: أبيع جارية لي قد أرضعت ولدي فقال: قل من يشتري أم ولدي وهذا لأن الرضاع والمصاهرة بمنزلة النسب في حرمة النكاح خاصة وأما الأحكام المتعلقة بالقرابة سوى الحرمة لا يثبت شيء منها بالرضاع والمصاهرة قال: ولا بأس بالتفريق بين المملوكين الزوجين لأنه لا قرابة بينهما وعلى ذلك تنبني كراهية التفريق.
قال: وإذا اجتمع أخوان في ملك رجل لا ينبغي له أن يبيع أحدهما من ابن صغير له في عياله لأن هذا تفريق بينهما في البيع والملك ولو جاز هذا لجاز الذي باعه من ابنه الصغير بعد ذلك فيتحقق التفريق بهذا الطريق فإذا دخل الحربي دار الإسلام بغلامين أخوين صغيرين بأمان فأراد أن يبيع أحدهما فلا بأس بشرائه منه وإن كان فيه تفريق لأني إن لم أشتره منه لأعاده إلى دار الحرب ويتمكن من ذلك فشراؤه منه أقرب إلى النظر من مراعاة التفريق ولو كان قد اشتراهما في دار الإسلام كرهت للمسلم أن يشتري منه أحدهما لأنه يجبر على بيعهما ولا يمكن أن يدخل بهما في دار الحرب لأنه اشتراهما من أهل الإسلام أو من أهل الذمة وهو إن لم يكن مخاطبا بحرمة التفريق فالمسلم المشتري مخاطب بالتحرز عن اكتساب سبب التفريق إلا أن يكون اشتراهما في دار الإسلام من حربي مستأمن فلا بأس حينئذ بشراء أحدهما منه لأنه غير مجبر على بيعهما بل هو ممكن من أن يدخلهما دار الحرب كما كان البائع متمكنا من ذلك ولم يذكر في الكتاب ما إذا اجتمع في ملكه مع الصغير كبيران والجواب في ذلك أن الكبيرين إذا استويا في القرابة من الصغير وكان ذلك من جهة واحدة كالأخوين والخالين والعمين فلا بأس بأن يبيع أحد الكبيرين استحسانا.
وفي القياس يكره ذلك وهو رواية عن أبي يوسف لأن الصغير يستأنس بكل واحد منهما وكل واحد منهما في حقه كالمنفرد به وفي الاستحسان قال: هذا يمنع لحق الصغير وحقه مراعى إذا ترك معه أحد الكبيرين فإنه يستأنس به ويقوم الكبير بحوائجه فلا بأس ببيع الآخر وإن كانت قرابتهما إليه من جهتين كالأب والأم فليس له أن يفرق بينهما وبينه ولا يبيع واحدا منهما لأن كل واحد منهما له نوع شفقة ليس للآخر وله بكل واحد منهما نوع استئناس لا يحصل ذلك بالآخر فإن كان أحدهما أبعد والآخر أقرب إليه في القرابة كالأم مع الجد في ظاهر الرواية لا بأس ببيع الأبعد ويمسك الأقرب مع الصغير لأن مقصود الصغير يحصل إذا أمسك الأقرب معه وشفقة الأقرب عليه أظهر والقرابة البعيدة عند المقابلة بالقريبة تكون البعيدة كالمعدومة وروى بشر عن أبي يوسف رحمهما الله أنه يكره له أن يبيع واحدا منهما لأنه يستأنس بكل واحد منهما نوع استئناس كما إذا استويا في الدرجة.

باب بيع الأمة الحامل
قال رضي الله عنه: اعلم أنه أورد هذا الباب في كتاب الدعوى وقد بينا شرح مسائله هناك وهو بكتاب الدعوى أشبه وقد بينا بعض المسائل فيما تقدم هنا أيضا فمما زاد على ما تقدم بيانه أن الجارية المبيعة إذا ولدت ولدين أحدهما لأقل من ستة أشهر والآخر لأكثر من ستة

 

ج / 13 ص -121-    أشهر فادعاهما البائع فإنه يرد البيع لأنا تيقنا حصول العلوق بالتي ولدت لأقل من ستة أشهر في ملكه وهما توأم فمن ضرورة التيقن بعلوق أحدهما في ملكه التيقن بعلوق الآخر فهو كما لو ولدتهما لأقل من ستة أشهر وقد بينا أن بعد موت الولد لا تصح دعوى البائع وإن كان الولد خلف ولدا بخلاف ولد الملاعنة فإنه إذا مات عن ولد ثم أكذب الملاعن نفسه فإنه يثبت النسب منه وهذا لأن نسب ولد الملاعنة كان ثابتا من الزوج بالفراش وبقي بعد اللعان موقوفا على حقه حتى لا تنفذ دعوة الغير فيه فيظهر ذلك بالإكذاب إذا كان مقيدا وتقام حاجة ولده إلى ذلك مقام حاجته فأما نسب ولد الجارية المبيعة فلم يكن ثابتا منه قبل الدعوى وإنما تصح دعواه لحاجة الولد إلى النسب وقد استغنى عن ذلك بالموت فلا يمكن إقامة ولده مقامه في إثبات نسبة ابتداء فلهذا لا تصح دعواه وإن كان في يده صبي لا ينطق فزعم أنه عبده ثم أعتقه ثم زعم أنه ابنه فهو غير مصدق في ذلك في القياس لأنه مناقض في كلامه ويصدق في الاستحسان ويثبت نسبه منه لأن الإنسان قد يشتبه عليه هذا في الابتداء ثم يتبين له في الانتهاء فيريد أن يتدارك وقد بينا أن لخفاء أمر العلوق يعذر في التناقض فيه ثم لا منافاة بين الولاء الثابت له عليه وبين النسب ألا ترى أنه يشتري ابنه فيعتق عليه ويجتمع له ولاؤه ونسبه ولو كان عبدا كبيرا أعتقه ثم ادعاه ومثله يولد لمثله لم تجز دعوته إلا أن يصدقه لأنه بالعتق صار في يد نفسه فالتحق بسائر الأحرار فالدعوى من المولى بعد ذلك ومن غيره سواء لا تنفذ إلا بتصديقه بخلاف الصغير الذي لا يعبر عن نفسه لأنه في يد مولاه إذ هو ليس بمحل أن يعبر عن نفسه.
قال في الكتاب: أستحسن في الصغير كما أستحسن في المدبر يكون بين اثنين إذا جاء بولد فادعاه أحدهما وقد تقدم بيان هذه المسألة في كتاب العتاق قال وإذا ولدت الأمة ولدين في بطن واحد فباع المولى الأم مع أحدهما ثم ادعى المشتري الذي اشترى فإن نسبة يثبت منه لأنه ادعى مملوكه في حال حاجته إلى النسب ثم يثبت منه نسب الذي عند البائع لأنه توأم ومن ضرورة ثبوت نسب أحدهما منه ثبوت نسب الآخر وهو عند البائع على حاله لأن العلوق لم يكن في ملك المشتري فدعواه دعوى التحرير والتوأم ينفصل أحدهما عن الآخر في التحرير كما لو أعتق أحدهما وإن كان البائع ادعى الولد الذي عنده ثبت نسبهما منه وانتقض البيع في الآخر وإن كان اعتقه المشتري لأن أصل العلوق كان في ملك البائع فدعواه توجب حرية الأصل الذي بقي عنده والتوأمان خلقا من ماء واحد ولا يفصل أحدهما عن الآخر في حرية الأصل وقد بينا أنه يجوز نقض عتق المشتري لضرورة إثبات حرية الأصل له.
قال: وإذا باع أمة حاملا فخاف المشتري أن يدعي البائع حملها وأراد أن يتحرز عن ذلك فإنه يشهد عليه أن هذا الحمل من عبد له كان زوجا لها وليس هذا بتعليم للكذب ولا أمر به فإنه لا رخصة في الكذب ولكنه بيان لحكم أن البائع إن أقر بذلك كيف يكون الحكم فيه وقد بينا بقية هذه المسألة في كتاب الإعتاق أن المقر له إن صدقة أو لم يظهر منه تصديق

 

ج / 13 ص -122-    ولا تكذيب فليس للبائع أن يدعيه لنفسه وإن كذبه فكذلك عند أبي حنيفة لأن لإقراره حكمين إخراج نفسه عن نسب هذا الولد وإثبات من المقر له فإنما يبطل بتكذيب المقر له ما كان من حقه فأما ما هو من خالص حق المقر فإن إقراره فيه لا يبطل بتكذيب المقر له خصوصا فيما لا يحتمل الإبطال وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله الإقرار بتكذيب المقر له يبطل من أصله فله أن يدعيه لنفسه بعد ذلك وقاسا النسب بالولاء فإن من اشترى جارية ثم زعم أن البائع كان أعتقها فكذبه البائع كان له أن يدعي ولاءها لنفسه بعد ذلك إلا أن أبا حنيفة يفرق بينهما فيقول الولاء قابل للتحول من شخص إلى شخص ألا ترى أن ولاء الولد يثبت لمولى الأم إذا كان الأب عبدا فإذا عتق الأب تحول ولاؤه إليه والنسب لا يحتمل التحول من شخص إلى شخص فعندما أخرج نفسه من نسب هذا الولد لا يصح دعواه لنفسه.
قال: أمة بين اثنين باع أحدهما نصيبه من صاحبه ثم ولدت لأقل من ستة أشهر فادعاه البائع صحت دعواه وبطل البيع فيكون هذا كحكم الجارية المشتركة استولدها أحدهما ولو ادعياه معا ثبت نسبه منهما وبطل البيع لأن العلوق حصل في ملكيهما جميعا ولو دعاه البائع وأعتقه المشتري فدعوى البائع تستند إلى وقت العلوق ويثبت به حرية الأصل للولد فيكون عتق المشتري فيه باطلا ولو باع أحدهما نصيبه من رجل وهي حامل فادعى المشتري الحبل وادعاه البائع والذي لم يبع فإن ولدت لأقل من ستة أشهر فالبيع باطل ويثبت نسبه من البائع ومن شريكه لأن دعواهما تستند إلى وقت العلوق فالعلوق حصل في ملكهما ويأخذ المشتري ما نقد من الثمن ويرد على الذي لم يبع نصف العقد لإقراره بالوطء قال الحاكم أبو الفضل قوله ويرد على الذي لم يبع نصف العقد ليس بسديد والصواب أن يرد جميع العقد على الشريكين جميعا وهكذا في رواية أبي سليمان لأن إقراره بوطئها لا بد أن يكون سابقا على الشراء وقد حصل ذلك في ضمن دعوى النسب فيكون عليه جميع العقد للشريكين وإن جاءت به لأكثر من ستة أشهر ثبت نسبه من المشتري ومن الذي لم يبع لأنا لم نتيقن بحصول العلوق قبل البيع فلا يصح دعوى البائع ولكن على البائع نصف العقد للذي لم يبع لأنه أقر بوطئها وذلك يلزمه نصف العقد للذي لم يبع سواء كان وطؤه إياها قبل البيع أو بعد البيع بشبهة وليس للبائع على المشتري عقد لأنه ما أقر بوطئها قبل شرائه وإنما زعم أنه وطئها بعد شرائه في ضمن دعوى النسب فلهذا لا يغرم له شيئا من العقد والله أعلم.

باب الاستبراء
قال رضي الله عنه: الأصل في وجوب الاستبراء قول النبي صلى الله عليه وسلم في سبايا أوطاس:
"ألا لا توطأ الحبالي من الفيء حتى يضعن حملهن ولا الحيالى حتى يستبرأن بحيضة" وهذا خطاب للموالي فيفيد وجوب الاستبراء على المولى فإنه إذا قيل لا تضرب فلانا يكون ذلك نهيا للضارب عن الضرب لا خطابا للمضروب والمعنى في المسبية حدوث ملك الحل فيها لمن وقعت في سهمه بسبب ملك الرقبة فبهذه العلة يتعدى الحكم من المنصوص عليه إلى غير

 

ج / 13 ص -123-    المنصوص عليه وهي المشتراة أو الموهوبة ووجوب الاستبراء في المشتراة مروى عن علي وابن عمر رضي الله عنهما والحكمة في ذلك تعرف براءة الرحم وصيانة ماء نفسه عن الخلط بماء غيره والتحرز عن أن يصير ماؤه ساقيا زرع غيره ولكن الحكم يثبت بثبوت علته ولهذا قلنا إذا اشتراها من امرأة أو صبي باعها أبوه أو اشتراها وهي بكر أو اشتراها من مملوك لزمه الاستبراء لوجود العلة الموجبة وهي حدوث ملك الحل بسبب ملك الرقبة.
وعن أبي يوسف قال: إذا تيقن فراغ رحمها من ماء البائع فليس عليه فيها استبراء واجب لأن الاستبراء كاسمه تبين فراغ الرحم وقاس بالمطلقة قبل الدخول أنه لا يلزمها العدة لأن المقصود من العدة في حال الدخول تبين فراغ الرحم ولكنا نقول هذه حكمة الاستبراء والحكم متعلق بالعلة لا بالحكمة ثم اشتغال رحمها بالماء عند الشراء لا يمكن معرفته حقيقة فيتعلق الحكم شرعا بالعيب الظاهر وهو حدوث ملك الحل بسبب ملك الرقبة فدار الحكم معه وجودا وعدما للتيسير على الناس وكذلك لا يقبلها ولا يباشرها ولا ينظر منها إلى عورة حتى يستبرئها لأن من الجائز أنها حملت من البائع وأن البيع فيها باطل وهذه التصرفات لا تحل إلا في الملك كالوطء ولأن الوطء حرام في مدة الاستبراء وهذا من دواعي الوطء فيحرم بحرمة الوطء كما إذا ظاهر من امرأته لما حرم عليه وطؤها حرم عليه دواعيه بخلاف الحيض فإن المحرم بسبب الحيض استعمال الأذى كما وقعت إليه الإشارة بالنص ولا يوجد ذلك في التقبيل والمس ثم الدواعي هناك لا توقعه في ارتكاب الحرام لنفرة في طبعه عنها بسبب الأذى والدواعي هنا موقعة في إرتكاب الحرام وهو الوطء لأنه راغب فيها غاية الرغبة ما لم يحصل مقصوده منها فإن كانت لا تحيض من صغر أو كبر فاستبراؤها بشهر لأن الشهر قائم مقام الحيض والطهر شرعا فكل شهر يشتمل على حيض وطهر عادة ألا ترى أن الله تعالى أقام ثلاثة أشهر في حق الآيسة والصغيرة مقام ثلاثة قروء في العدة ومدة الاستبراء ثلث مدة العدة فيتقدر بشهر وإن كانت حاملا فاستبراؤها بوضع الحمل للنص كما روينا ولأن مدة الحمل لا تحتمل التحري لتعذر الاستبراء ببعضها فإذا وجب اعتبار جزء منها وجب اعتبار الكل والمقصود تبين فراغ الرحم ولا يحصل شيء من هذا المقصود قبل الوضع بل يزداد معنى الاشتغال بمضي بعض المدة فلهذا قدرنا الاستبراء في حقها بوضع الحمل وإذا ارتفع حيضها وهي ممن تحيض تركها حتى إذا استبان له أنها ليست بحامل وقع عليها لأن المقصود تبين فراغ الرحم من ماء البائع ليتيقن بصحة البيع ووقوع الملك للمشتري فيها وقد حصل ذلك إذا مضي من المدة ما لو كانت حبلى لظهر ذلك بها وليس في ذلك تقدير بشيء فيما يروى عن أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله إلا أن مشايخنا رحمهم الله قالوا يتبين ذلك بشهرين أو بثلاثة أشهر وكان محمد رحمه الله يقول أولا يستبرئها بأربعة أشهر وعشر اعتبارا بأكثر العدة وهي عدة الوفاة في حق الحرة ثم رجع وقال يستبرئها بشهرين وخمسة أيام لأن أطول مدة العدة في حق الأمة هذا فإذا كان بأقوى السببين وهو النكاح لا يجب على الأمة

 

ج / 13 ص -124-    الاعتداد إلا بهذه المدة ففي أضعف السببين وهو الملك أولى أن لا يجب في استبرائها زيادة على هذه المدة.
وقال زفر: يستبرئها بحولين أكثر مدة الحمل وكان أبو مطيع البلخي يقول يستبرئها بتسعة أشهر لأنها مدة الحبل في النساء عادة قال والأول أصح لأن نصب المقادير بالرأى لا يكون وليس في ذلك نص ولو ملكها بهبة أو صدقة أو وصية أو ميراث أو جناية وجبت عليه أو جعل كتابة أو خلع فعليه الاستبراء فيها لحدوث ملك الحل له بسبب ملك الرقبة وكذلك لو كان له في جارية شقص فملك الباقي منها بوجه من الوجوه لأن حدوث ملك الحل بسبب ملك الرقبة يكون بعد ملكه جميع رقبتها فعند ذلك يلزمه الاستبراء وهذا لأن ملك بعض الرقبة بمنزلة بعض العلة وثبوت الحكم عند كمال العلة وأما ببعض العلة فلا يثبت شيء من الحكم.
قال: وإذا اشتراها وهي حائض لم يحتسب بتلك الحيضة عليه وأن يستبرئها بحيضة أخرى وعن أبي يوسف أنها كما طهرت من هذه الحيضة فله أن يطأها لتبين فراغ رحمها بناء على أصله ولكنا نقول الشرع ألزمه الاستبراء بحيضة والحيضة لا تتجزأ وقد تعذر الاحتساب من الاستبراء بما مضى منها قبل الشراء فلا يحتسب بجميعها منه كما لو طلق امرأته في حالة الحيض لا يحتسب بهذه الحيضة من العدة ولأنه كان يحتسب بما بقي من الحيضة بعد الشراء من الاستبراء فعليه إكمالها من حيضة أخرى فإذا وجب جزء من الحيضة الثانية وجبت كلها وكذلك إن كانت حاضت حيضة مستقبلة بعد الشراء قبل القبض لم يحتسب بتلك الحيضة من الاستبراء إلا على رواية أبي يوسف رحمه الله فإنه يقول تبين فراغ الرحم يحصل بالحيضة التي توجد في يد البائع كما يحصل بالحيضة التي توجد في يد المشتري ولكنا نقول ملك الوطء بسبب ملك الرقبة إنما يستفيده المشتري بالقبض لأن الوطء تصرف وملك التصرف يحصل للمشتري بالقبض فالحيضة التي توجد قبل هذا لا يحتسب بها ولكن الموجود بعد العقد قبل القبض كالمقترن بالعقد والموجود قبله بمنزلة الزوائد الحادثة والتخمر في العصير وكذلك إن وضعت على يدي عدل حتى ينقد الثمن فحاضت عنده لأن يد العدل فيها كيد البائع ألا ترى أنها لو هلكت انفسخ البيع وهلكت من مال البائع.
قال: وإذا باع جارية ولم يسلمها حتى تاركه المشتري البيع فيها ففي القياس على البائع أن يستبرئها بحيضة وذكر أبو يوسف في الأمالي أن أبا حنيفة كان يقول أولا بالقياس ثم رجع إلى الاستحسان فقال ليس عليه أن يستبرئها وهو قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله وجه القياس أنها بالبيع خرجت عن ملكه ثم عادت إليه بالإقالة فقد حدث له فيها ملك الحل بسبب ملك الرقبة وهي العلة الموجبة للاستبراء ووجه الاستحسان أنها في ضمان ملكه ما بقيت يده عليها بدليل أنها لو هلكت هلكت على ملكه فيجعل بقاؤه فيها كبقاء الملك فأما إذا سلمها إلى المشتري ثم تقايلا فعلى البائع أن يستبرئها في ظاهر الرواية لأنها خرجت من

 

ج / 13 ص -125-    ملكه ويده وثبت ملك الحل فيها لغيره وهو المشتري فإذا عادت إليه لزمه استبراء جديد كما لو استبرأها ابتداء بخلاف ما قبل التسليم وعن أبي يوسف قال: إذا لم يكن البائع فارق المشتري حتى تقايلا فليس عليه فيها استبراء لأنه تيقن بفراغ رحمها من ماء غيره.
قال: وإذا اشترى جارية لا تحيض فاستبرأها بعشرين يوما ثم حاضت بطل الاستبراء بالأيام لأن الشهر بدل عن الحيض وإكمال البدل بالأصل غير ممكن ولكن القدرة على الأصل قبل حصول المقصود بالبدل يسقط اعتبار البدل كالمعتدة بالأشهر إذا حاضت وإذا حاضت عند المشتري حيضة ثم وجد بها عيبا فردها لم يقربها البائع حتى تحيض عنده حيضة لأنها عادت إليه بعد ما حدث ملك الحل فيها لغيره بسبب ملك الرقبة فعليه أن يستبرئها سواء كان عودها إليه بسبب هو فسخ أو بمنزلة عقد جديد وكذلك لو باع شقصا منها ثم استقاله البيع فيها أو اشتراها لأن بيع البعض كبيع الكل في زوال ملك الحل في حق البائع وفي الوجهين تجدد الحل بعد زوال ملكه ويده فلزمه استبراء جديد.
قال: وإذا رجعت الآبقة أوردت المغصوبة أو فكت المرهونة أو ردت عليه المؤجرة للخدمة قبل انقضاء العدة فليس عليه أن يستبرئها لأن ملك الحل ما زال عنه بما عرض من الأسباب فإن سببه ملك الرقبة ولم يختل ملك الرقبة بهذه الأسباب فبارتفاعها لا يتجدد ملك الحل له وكذلك لو كاتب أمته ثم عجزت فليس عليه أن يستبرئها عندنا وقال الشافعي عليه أن يستبرئها لأنها بالكتابة صارت كالخارجة عن ملكه حتى يغرم بوطئها العقد لها ويغرم الأرش لها لو عليه جنى عليها يوضحه أنها صارت بمنزلة الحرة يدا فتكون مملوكة له من وجه دون وجه فهو كما لو باع نصفها ثم اشترى الباقي والدليل عليه أنه لو زوجها من إنسان ثم فارقها الزوج وجب عليه أن يستبرئها لأن ملك المنفعة زال عنه بالتزويج فكذلك بالكتابة وجه قولنا أنها بعد الكتابة باقية على ملكه فقد قال صلى الله عليه وسلم:
"المكاتب عبد ما بقي عليه درهم" والعبد يكون مملوكا لمولاه فكيف يقال زال ملكه وانحل وإنما كاتبه ليعتق على ملكه إلا أن بعقد الكتابة يثبت لها ملك اليد في منافعها ومكاسبها وملك الحل لا ينبني على ذلك وإنما ينبني على ملك الرقبة وبسبب الكتابة لا يختل ملك الرقبة فلا يلزمه الاستبراء وإنما يغرم الأرش والعقد لأن ذلك بمنزلة الكسب وقد جعلها أحق بكسبها فإذا عجزت فإنما تقرر له الملك الذي كان باقيا فلم يحدث ملك الحل بسبب ملك الرقبة فلا يلزمه الاستبراء.
فأما الزوجة إذا فارقها زوجها فإن كانت الفرقة بسبب يوجب عليها العدة فالعدة أقوى من الاستبراء وهو حق النكاح لا حق ملك اليمين وإن طلقها الزوج قبل الدخول ففيه روايتان أشار إليهما في هذا الكتاب في إحدى الروايتين يلزمه الاستبراء لأنها حلت لغيره فإذا حلت له كان ذلك حلا متجددا وفي الكتابة ما حلت لغيره حتى يجعل ذلك حلا متجددا له وفي الرواية الأخرى ليس له أن يستبرئها وهو الأصح لأنه لو لزمه الاستبراء لكان ذلك بسبب ملك النكاح الثابت للزوج والوظيفة في النكاح العدة دون الاستبراء فإذا لم يجب عند الطلاق قبل

 

ج / 13 ص -126-    الدخول ما هو وظيفة النكاح فلأن لا يجب أولى ألا ترى أن المطلقة قبل الدخول إذا كانت حرة كان لها أن تتزوج عقيب الطلاق ويطؤها زوجها بالنكاح فكذلك للمولى أن يطأ أمته بعد الطلاق بالملك ولو وهبها لولد له صغير ذكر أو أنثى ثم اشتراها لنفسه منه كان عليه أن يستبرئها لحدوث ملك الحل له بسبب تجدد ملك الرقبة ولو باعها على أنه بالخيار ثم نقض البيع لم يكن عليه أن يستبرئها لأنه لم يحدث ملك الحل له لأنها باقية على ملكه والحل الذي كان له باق في مدة خياره فبفسخ البيع لم يتجدد له ملك الحل فإن كان الخيار للمشتري فردها بعد القبض فليس على البائع أن يستبرئها في قول أبي حنيفة لأن المشتري لم يملكها مع بقاء خياره عنده وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله أن يستبرئها لأن المشتري قد ملكها ثم ردها بخيار الشرط كردها بخيار العيب والرؤية بعد القبض وإذا قبضها المشتري على شراء فاسد ثم ردها القاضي على البائع بفساد البيع فعليه أن يستبرئها لأن المشتري ملك رقبتها بالقبض فيحدث الحل للبائع بما عاد إليه من الملك.
قال: وإذا غصب جارية فباعها من رجل وقبضها المشتري فوطئها ثم خاصم مولاها الأول فقضى القاضي له بها فعليه أن يستبرئها بحيضة استحسانا وفي القياس لا يلزمه الاستبراء لأن المشتري من الغاصب غاصب كالأول وقد بينا أن المغصوب منه إذا استرد المغصوبة فليس عليه فيها استبراء ولكنه استحسن فقال عليه أن يستبرئها لأنها حلت للمشتري حين اشتراها ومعنى هذا الكلام أن المشتري ما كان يعلم أن البائع غاصب وإنما قدم على شرائها باعتبار أن البائع مالك فيثبت له الحل من حيث الظاهر وإن لم يثبت له الحل فيها باطنا فلثبوت الحل له ظاهرا قلنا إذا وطئها ثم استردها البائع كان عليه أن يستبرئها ولعدم ثبوت الحل فيها باطنا قلنا إذا لم يطأها فليس على البائع استبراء وهذا لأن الوطء بشبهة النكاح في حكم العدة بمنزلة الوطء بحقيقة النكاح فكذلك الوطء بشبهة ملك اليمين بمنزلة الوطء بحقيقة الملك في حق وجوب الاستبراء على المالك وإن كان المشتري يعلم أن البائع غاصب فليس على المولى أن يستبرئها إذا استردها لأن الحل للمشتري لم يثبت فيها ظاهرا ولا باطنا ألا ترى أنه لا يثبت نسب الولد منه هنا وإن ادعى ذلك بعد ما وطئها وفي الأول يثبت نسب الولد منه وسقوط الحد عنه باعتبار صورة العقد الموقوف لا بثبوت الحل له فيها فلا يجب على المالك لأجل ذلك استبراء كما لو لم يطأها المشتري.
قال: وإذا زوج الرجل أمته وطلقها الزوج قبل الدخول كان للمولى أن يقر بها بعد ما يستبرئها بحيضة هذا في إحدى الروايتين في هذه المسألة وقد بينا وجه الروايتين وإن كانت تزوجت بغير إذنه ففرق بينهما قبل الدخول لم يكن عليه أن يستبرئها لأنها ما حلت لغيره والأمة لا تملك أن تزوج نفسها بغير إذن مولاها وإن فرق بينهما بعد الدخول لم يكن له أن يقربها حتى تنقضي عدتها لأنه دخل بها بنكاح فاسد فيجب عليها العدة بسببه والعدة أقوى من الاستبراء.

 

ج / 13 ص -127-    قال: وإذا وطئ جارية ولده ولم تعلق منه ثم اشتراها فعليه أن يستبرئها لأن ملك الحل له فيها حدث بالشراء ووطؤه إياها قبل الشراء كان حراما وارتكاب المحرم لا يمنع وجوب الاستبراء إذا تقرر سببه وكذلك إن اشترى جارية من أبيه أو أمة مكاتبة فعليه أن يستبرئها لحدوث ملك الحل له بسبب ملك الرقبة قال وإن اشتراها من عبد تاجر له فلا استبراء عليه إن كانت قد حاضت حيضة بعد ما اشتراها العبد ولا دين عليه لأن المولى ملك رقبتها من وقت شراء العبد وقد حاضت بعد ذلك حيضة فيكفيه ذلك عن الاستبراء كما لو اشتراها له وكيله فحاضت في يد الوكيل حيضة وإن كان على العبد دين يحيط برقبته وبما في يده فكذلك الجواب عند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله لأن عندهما دين العبد لا يمنع ملك المولى في كسبه ولهذا لو أعتقها جاز عتقه فأما عند أبي حنيفة فالقياس كذلك لأن العبد ليس أهلا أن يثبت له عليها ملك الحل بسبب ملك الرقبة ولا يثبت ذلك للغرماء أيضا بسبب دينهم والمولى أحق بها حتى يملك استخلاصها لنفسه بقضاء الدين من موضع آخر فإذا حاضت بعد ما صار المولى أحق بها يجتزئ بتلك الحيضة من الاستبراء ولكنه استحسن فقال عليه أن يستبرئها بعد ما يشتريها من العبد لأن قبل الشراء كان لا يملك رقبتها عنده حتى إذا أعتقها لم ينفذ عتقه فإنما حدث له ملك الحل بسبب ملك الرقبة حين اشتراها فعليه أن يستبرئها.
قال: وإن وهب جاريته لرجل وسلمها ثم رجع في الهبة فعليه أن يستبرئها لأنها حلت للموهوب له فتجدد للواهب ملك الحل فيها بالرجوع بعد ما حلت لغيره وكذلك إذا أصاب المأسورة قبل القسمة أو بعدها لأن العدو قد كانوا ملكوها بالاحراز ألا ترى أنهم لو أسلموا عليها كانت لهم فتجدد له فيها ملك الحل حين استردها وإن أبقت إلى دار الحرب فأخذوها فكذلك الجواب عند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله لأنهم ملكوها وعند أبي حنيفة رحمه الله الآبق إذا دخل دار الحرب لا يملك بالأخذ فإذا ردت على المولى بغير شيء فهي باقية على ملكه كما كانت فلا يلزمه أن يستبرئها.
قال: وإذا باع أم ولده أو مدبرته وقبضها المشتري ثم ردها عليه فليس عليه أن يستبرئها لأن المشتري لم يملكها فإن حق الحرية الثابتة فيها كحقيقة الحرية في المنع من تملكها بالشراء ألا ترى أنها لو كانت امرأته لم يفسد نكاحها ولو أعتقها لم يجز عتقه فيها ولو ولدت عند المشتري لم يثبت نسب الولد من المشتري وإن ادعاه فإذا لم يثبت فيها ملك الحل لغيره لا يلزمه استبراء جديد قال: وإذا أراد الرجل أن يبيع أمته وقد كان يطؤها فليس ينبغي له أن يبيعها حتى يستبرئها بحيضة هكذا روي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما وهذا الاستبراء في حق البائع مستحب عندنا وقال مالك: واجب لأنه يخرجها عن ملكه بعد وجوب السبب الشاغل لرحمها بمائة وهو الوطء فهو نظير ما لو طلق امرأته بعد الدخول فهناك العدة واجبة لا مستحبة فكذلك الاستبراء هنا وإن كان عند الشراء يجب عليه الاستبراء لتوهم سبب اشتغال الرحم فلأن يجب عند البيع وقد تقرر بسبب اشتغال رحمها أولى ولكنا نقول الاستبراء في

 

ج / 13 ص -128-    ملك اليمين نظير العدة في النكاح ثم وجوب العدة يختص بأحد الطرفين فكذلك وجوب الاستبراء عند حدوث الملك فلو أوجبنا عليه الاستبراء عند إزالة الملك لأوجبنا عليه الاستبراء في الطرفين جميعا يوضحه أن الاستبراء على المولى لصيانة ماء نفسه من أن يسقى به زرع غيره وإنما يتحقق هذا عند الشراء فأما عند البيع فلا يتحقق هذا في حق البائع ومعنى صيانة مائه يحصل بإيجاب الاستبراء على المشتري إلا أنه لا يأمن أن لا يستبرئها المشتري فيستحب له أن يستبرئها احتياطا وإذا فعل ذلك ثم باعها فليس للمشتري أن يجتزئ بذلك إلا في رواية شاذة عن أبي يوسف بناء على أصله في أن تبين فراغ رحمها يحصل به ولكنا نقول حدث ملك الحل فيها للمشتري بالشراء فعليه أن يستبرئها ولو أراد البائع أن يزوجها لم يكن له أن يزوجها حتى يستبرئها ومن أصحابنا رحمهم الله من يقول لا فرق بين البيع والتزويج بل في الموضعين جميعا يستحب للمولى أن يستبرئها من غير أن يكون واجبا عليه ألا ترى أنه لو زوجها قبل أن يستبرئها جاز كما لو باعها قبل أن يستبرئها والأظهر أن عليه أن يستبرئها أن أراد أن يزوجها بعد ما وطئها صيانة لمائه لأنه لا يجب على الزوج أن يستبرئها ليحصل معنى الصيانة له بخلاف البيع فهناك يجب على المشتري أن يستبرئها فيحصل معنى الصيانة وإن زوجها قبل أن يستبرئها جاز لأن وجوب الاستبراء على المولى لا على الأمة ولا يمنع صحة تزويجها والأحسن للزوج أن لا يقربها حتى تحيض حيضة وليس ذلك بواجب عليه في القضاء وفي الجامع الصغير قال: للزوج أن يطأها قبل أن يستبرئها عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله وقال محمد: أحب إلي أن لا يطأها حتى يستبرئها كي لا يؤدي إلى اجتماع رجلين على امرأة واحدة في طهر واحد لأن ذلك حرام قال صلى الله عليه وسلم: "لا يحل لرجلين يؤمنان بالله واليوم الآخر أن يجتمعا على امرأة واحدة في طهر واحد" وجه قولهما أن الاستبراء وظيفة ملك اليمين كما أن العدة وظيفة ملك النكاح فكما لا ينقل وظيفة النكاح إلى ملك اليمين فكذلك لا ينقل وظيفة ملك اليمين إلى النكاح وكذلك إن أراد أن يزوج أم ولده أو مدبرته فهي في ذلك كالأمة.
قال: وإذا زنت أمة الرجل فليس عليه أن يستبرئها بحيضة لأنه لا حرمة لماء الزنى والشرع ما جعل للزاني إلا الحجر وليس في الزنى استبراء ولا عدة وقال زفر: عليه أن يستبرئها بحيضة صيانة لماء نفسه عن الخلط بماء غيره وفي الجامع الصغير ذكر عن محمد قال أحب إلي أن لا يطأها حتى يستبرئها بحيضة فإن حبلت من الزنى لم يقربها حتى تضع حملها لأنه لو وطئها كان ساقيا ماءه زرع غيره وقال عليه الصلاة والسلام:
"من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسقين ماءه زرع غيره".
قال: أمة بين رجلين باع أحدهما كلها وسلم الآخر البيع بعد ما حاضت عند المشتري حيضة فعليه أن يستبرئها بعد جواز البيع كله لأن ملك الحل لا يثبت له ما لم يملك جميع رقبتها وذلك بعد إجازة البيع وكذلك لو باع أمة رجل بغير إذنه فقبضها المشتري وحاضت

 

ج / 13 ص -129-    عنده حيضة ثم أجاز المولى البيع كان عليه أن يستبرئها لأن ملك الحل إنما يثبت له بعد إجازة المالك البيع عندنا وأصل المسألة أن بيع الفضولي يتوقف على إجازة المالك عندنا ويجعل إجازته في الانتهاء كالإذن في الابتداء وعند الشافعي لا يتوقف بل يلغو بيع مال الغير بغير إذن المالك وكذلك كل ما له مجيز حال وقوعه من العقود والفسوخ والنكاح والطلاق فهو على هذا الخلاف واحتج الشافعي بنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع ما ليس عند الإنسان ومطلق النهي يوجب فساد المنهي عنه والفاسد من العقود عنده غير مشروع ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع ما لم يقبض فكون بيع ما يقبض ولم يملك منهيا عنه أولى والمعنى فيه أن تصرفه صادف محلا لا ولاية له على ذلك المحل فيلغو كبيع الطير في الهواء والسمك في الماء فإنه لا ينعقد وإن أخذه بعد ذلك وهذا لأن انعقاد العقد يستدعي محلا ويختص بمحل للعاقد عليه ولاية فإذا انعدمت الولاية على المحل ينزل ذلك منزلة انعدام الأهلية في المتصرف عند العقد وذلك يوجب إلغاءه كالصبي والمجنون إذا طلق امرأته يلغو ذلك ولا ينعقد وإن أجازه بعد البلوغ فكذلك هذا وهذا بخلاف قول المشتري قبل إيجاب البائع قد اشتريت منك بكذا فإن ذلك تصرف في ذمة نفسه بالتزام الثمن إذا أوجب البائع البيع وهو محل ولايته والدليل عليه أن المشتري إذا باع المبيع قبل القبض ثم قبضه لا ينفذ ذلك البيع وكذلك لو أجازه البائع لانعدام ولاية العاقد على المحل يدا وكذلك لو باع الآبق ثم رجع من إباقه لم ينفذ ذلك البيع فإذا انعدمت ولايته ملكا ويدا على المحل أولى وكذلك لو باع مال الغير ثم اشتراه من المالك أو ورثه يبطل البيع ولا ينفذ فإذا لم يجز أن ينفذ هذا العقد من جهة العاقد باعتبار ملكه فلأن لا ينفذ من جهة غيره بإجازته أولى.
وحجتنا في ذلك ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم دفع إلى حكيم بن حزام دينارا وأمره أن يشتري له أضحية فاشترى شاة ثم باعها بدينارين ثم اشترى شاة بدينار وجاء بالشاة والدينار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك فقال صلوات الله عليه وسلامه: "
بارك الله لك في صفقتك فأما الشاة فضح بها وأما الدينار فتصدق به" فقد باع ما اشترى له بغير أمره ثم أجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعه ولا يجوز أن يقال كان هو وكيلا مطلقا بالبيع والشراء لأن هذا شيء لا يمكن إثباته بغير نقل ولو كان النقل على سبيل المدح له فالمنقول أمره أن يشتري له أضحية وبهذا لا يصير وكيلا بمطلق التصرف ودفع رسول الله صلى الله عليه وسلم دينارا إلى عروة البارقي رضي الله عنه وأمره أن يشتري أضحية فاشترى بالدينار شاتين ثم باع إحداهما بدينار وجاء بالأخرى مع الدينار إلى النبي صلى الله عليه وسلم فجوز عليه الصلاة والسلام ذلك ودعا له بالخير ولو لم يكن البيع موقوفا على إجازته لأمره بالاسترداد والمعنى فيه أن هذا تصرف صدر من أهله في محله فلا يلغو كما لو حصل من المالك وكالوصية بالمال ممن عليه الدين وبأكثر من الثلث ممن لا دين عليه وهذا لأن التصرف كلام وهو فعل اللسان فحده ما هو حد سائر الأفعال وتحقيق الفعل ينتقل من فاعل في محل ينفعل فيه فهذا يكون حد التصرف باللسان وإذا صدر من أهله في محله تحقق

 

ج / 13 ص -130-    به وجوده ثم قد يمتنع نفوذه شرعا لمانع فيتوقف على زوال ذلك المانع وبالإجارة يزول المانع وهو عدم رضا المالك به وبيان الأهلية في التصرف أن التصرف كلام والأهلية للكلام حقيقة بالتميز واعتباره شرعا بالخطاب وبيان المحلية أن البيع تمليك مال بمال فالمحل إنما يكون محلا بكونه مالا متقوما وبانعدام الملك للعاقد في المحل لا تنعدم المالية والتقوم ألا ترى أنه لو باعه بإذن المالك جاز وما ليس بمحل فبالإذن لا يصير محلا ولو باعه المالك بنفسه جاز والمحلية لا تختلف بكون المتصرف مالكا أو غير مالك فإذا قبل اعتبار التصرف شرعا لحكمه لا لعينه والمراد بالأسباب الشرعية أحكامها واشتراط الملك في المحل لأجل الحكم فالتمليك لا يتحقق إلا من المالك فإذا لم يكن المتصرف مالكا لغا تصرفه لانعدام حكمه ففي الجواب عن هذا السؤال طريقان:
أحدهما: أن نقول لا نسلم أن الحكم لا يثبت لهذا التصرف بل يثبت حكم يليق بالسبب فإنه يثبت بالسبب الموقوف ملك الموقوف كما يثبت بالسبب البات ملك بات ولهذا لو أعتق المشتري ثم أجاز المالك البيع نفذ عتقه وهذا لأنه لا ضرر على المالك في إثبات ملك موقوف بهذا السبب كما لا ضرر عليه في انعقاد السبب وإنما الضرر في زوال ملكه وبالملك الموقوف لا يزول ملكه البات.
والثاني: أن السبب إنما يلغو إذا خلا عن الحكم شرعا فأما إذا تأخر عنه الحكم فلا لأن الحكم تارة يتصل بالسبب وتارة يتأخر كما في البيع بشرط الخيار وهنا الحكم يتأخر إلى إجازة المالك ولا ينعدم أصلا لأن انعدام الحكم في الحال لرفع الضرر عن المالك وفي تأخير الحكم إلى وجود الإجازة توفر المنفعة عليه فإنه إذا صار مستندا بالنظر إن شاء أجاز البيع وإن شاء أبطله فيكون فيه محض منفعة له فلهذا انعقد السبب في الحال على أن يجعل إجازته في الانتهاء كإذنه في الابتداء بخلاف بيع الطير في الهواء والسمك في الماء فهناك لغا العقد لانعدام محله والمحل غير مملوك أصلا ولا يكون قابلا للتمليك وكذلك طلاق الصبي امرأته إنما لغا لانعدام الأهلية في المتصرف فإن اعتبار عقل الصبي وتميزه لتوفير المنفعة عليه وما يتمحض ضررا ينعدم فيه هذا المعنى ولا يجعل أهلا باعتباره ودليل أن الطلاق يتمحض ضررا أن الولي لا يملك عليه هذا التصرف وإنما لغا لانعدام حكمه أصلا فامرأة الصبي ليست بمحل لوقوع الطلاق عليها بالايقاع ألا ترى أنه لا يقع عليها بإذن الولي ولا بإيقاعه فأما مال الغير فمحل الحكم البيع حتى يثبت فيه حكم البيع عند إذن المالك أو مباشرته بنفسه وهذا بخلاف بيع الآبق والمبيع قبل القبض فإن ذلك لا يصير لغوا بل ينعقد فاسدا لانعدام شرط الصحة وهو قدرة العاقد على تسليم المعقود عليه وبخلاف ما إذا اشترى العاقد ما باعه لأن حكم ذلك السبب لا يمكن إثباته باعتبار الملك الحادث له فحكم السبب ثبوت الملك للمشتري من وقت العقد وإنما يتأتى ذلك باعتبار ملك من كان مالكا وقت العقد وقد زال ذلك بإزالته فلو نفذ باعتبار الملك الحادث نفذ مقصورا على الحال وحكم السبب ليس هذا فأما عند الإجازة

 

ج / 13 ص -131-    فيثبت الملك للمشتري من وقت العقد ولهذا يستحق المبيع بزوائده المتصلة والمنفصلة وهذا هو تأويل النهي عن بيع ما ليس عند الإنسان أن المراد إذا باعه ثم اشتراه وأراد تسليمه بحكم ذلك العقد بدليل قصة الحديث فإن حكيم بن حزام رضي الله عنه قال: يا رسول الله إن الرجل ليأتيني فيطلب مني سلعة ليست عندي فأبيعها منه ثم أدخل السوق فأشتريها فأسلمها فقال صلى الله عليه وسلم: "لا تبع ما ليس عندك".
إذا عرفنا هذا في بيان مسألة الاستبراء فالملك النافذ للمشتري لا يكون إلا بعد الإجازة والحل يبنى على ذلك ولا يحتسب بالحيضة التي توجد قبل الإجازة من الاستبراء فتلك دون الحيضة الموجودة في يد البائع بعد تمام البيع فإذا كان لا يحتسب بها من الاستبراء فهذا أولى ولو كان البائع هو المالك لها فسلمها وحاضت بعد ما قبضها المشتري قبل أن يتفرقا عن مجلس العقد فإنه يحتسب بهذه الحيضة من الاستبراء عندنا خلافا للشافعي وهو بناء على خيار المجلس فإن عندنا البيع يلزم بنفسه ويتم الملك للمشتري بالقبض وليس لواحد منهما أن ينفرد بالفسخ قبل الافتراق عن المجلس ولا بعده وعند الشافعي خيار ثابت لكل واحد منهما فما لم يفترقا فكل واحد منهما ينفرد بالفسخ إلا أن يقول أحدهما لصاحبه اختر ويرضى به صاحبه وله في وقوع الملك للمشتري قولان.
واحتج بحديث مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا" ولا يكونا متبايعين إلا بعد الإيجاب والقبول وقد نص على إثبات الخيار لكل واحد منهما ما لم يتفرقا والمراد التفرق عن المجلس بدليل ما ذكره في رواية أخرى "المتبايعان كل واحد منهما على صاحبه بالخيار ما لم يتفرقا" عن مكانهما الذي تبايعا فيه وراوي الحديث ابن عمر رضي الله عنهما وقد فهم منه الافتراق عن المجلس على ما يروى أنه كان إذا أراد أن يوجب البيع مشى هنية والمعنى فيه أن هذا عقد تمليك المال فلا يلزم بنفسه ما لم ينضم إليه ما يتأيد به كعقد الهبة فإنه لا يوجب الملك بنفسه ما لم ينضم إليه القبض وتأثيره أن المال مبتذل تكثر المعاملة فيه ويقع العقد عليه بعينه من غير نظر وروية والمقصود به الاسترباح ولا يحصل هذا المقصود إلا بعد نظر وروية فأثبت الشرع الخيار لكل واحد منهما به ما داما في المجلس ليتحقق به ما هو المقصود لكل واحد منهما بخلاف النكاح فإنه في العادة لا يقع بغتة وإنما يكون بعد تقدم الخطبة والمراودة ثم إنما تقدر هذا الخيار بالمجلس لأن حال المجلس جعل كحالة العقد ألا ترى أن في الصرف والسلم القبض الموجود في المجلس كالقبض المقترن بالعقد ثم حالة العقد وهو ما بعد الإيجاب قبل القبول يثبت الخيار لكل واحد منهما فكذلك يثبت ما داما في المجلس إلا أن يقول أحدهما لصاحبه اختر فيستدل بهذا اللفظ على تمام النظر والرواية فيسقط به الخيار.
وحجتنا في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:
"المسلمون عند شروطهم" وقد شرط إمضاء العقد بينهما فيلزمهما الوفاء بظاهر الحديث وقال عمر رضي الله عنه: البيع صفقة أو خيار، والصفقة هي

 

ج / 13 ص -132-    النافذة اللازمة فتبين أن البيع نوعان لازم وغير لازم بشرط الخيار فيه فمن قال بأن الخيار يثبت في كل بيع فقد خالف هذا الحديث والمعنى فيه أن البيع عقد معاوضة فمطلقه يوجب اللزوم بنفسه كالنكاح وتأثير هذا الكلام أن العقد يتقوى بصفة المعاوضة وإنما يظهر فوته في حكمه حتى لا ينفرد أحدهما برفعه وبه فارق التبرع فهو ضعيف لخلوه عن العوض ولهذا لا يثبت الحكم به إلا بالقبض ثم لزوم هذه المعاوضة تعتمد تمام الرضا من المتعاقدين وبه يلزم بعد المجلس فكذلك في المجلس لأنه لا أثر لبقائهما في المجلس في المنع من تمام الرضا والدليل عليه أنه لو قال أحدهما لصاحبه اختر فإنه يلزم العقد مع بقائهما في المجلس لوجود الرضا وإيجاب العقد مطلقا أدل على الرضا من هذه الكلمة ثم الشرع مكن كل واحد منهما من دفع العين عن نفسه بشرط الخيار فإذا لم يفعل فهو الذي ترك النظر لنفسه ومن لم ينظر لنفسه لا ينظر له ثم الفسخ ضد العقد فما هو المقصود بالعقد لا يحصل بالفسخ بل هو متعين في إمضاء العقد فهذا يقتضي أن لا يثبت حق الفسخ لواحد منهما بحال إلا أن الشرع مكن كل واحد منهما من اشتراط الخيار لنفسه ليتمكن به من الفسخ إذا ظهر أن منفعته فيه فإذا لم يشترط الخيار عرفنا أنه إنما قصد تحصيل ما هو المطلوب بالعقد وهو الملك في البدل وفي لزوم العقد بنفسه يحصل هذا المقصود لا تفويته فأما الحديث فرواية مالك رحمه الله ومن مذهبه أنه لا يثبت خيار المجلس وفتوى الراوي بخلاف الحديث دليل ضعفه ثم المراد بالحديث إن صح المتساومان فإن حقيقة اسم المتبايعين لهما حالة التشاغل بالعقد لا بعد الفراغ منه كالمقابلين والمناظرين وبه نقول أن لكل واحد من المتساومين الخيار أو المراد بالتفرق التفرق بالقول دون المكان يعني أنهما جميعا بالخيار إن شاآ فسخا البيع بالإقالة ما لم يتفرق رأيهما في ذلك.
وذكر أبو يوسف في الأمالي أن تأويل هذا الحديث إذا قال لغيره بعني هذه السلعة بكذا فيقول الآخر بعت وبه يتأول أن يعد هذا الكلام قبل قول المشتري اشتريت لكل واحد منهما الخيار ما لم يتفرقا عن ذلك المجلس وهذا صحيح فهما متبايعان في هذه الحالة لوجود التكلم بالبيع منهما وعلى أصل الشافعي بهذا اللفظ ينعقد البيع بينهما ثم يثبت الخيار لكل واحد منهما ما لم يتفرقا عن المجلس إن شاء قال المشتري اشتريت حتى يتم البيع وإن شاء رجع البائع أو قام من المجلس قبل أن يقول المشتري اشتريت.
قال: وإذا ارتدت أمة لرجل ثم تابت لم يكن عليه أن يستبرئها لأنها لم تخرج عن ملكه ولم تحل لغيره إنما حرمت عليه لعارض الردة ثم زال ذلك بالتوبة فهو بمنزلة ما لو حرمت عليه بالحيض.
قال: وإذا اشترى أمة لها زوج ولم يدخل بها وطلقها قبل أن يقبضها المشتري فعلى المشتري أن يستبرئها لأن وقت وجوب الاستبراء على المشتري وقت القبض وهي فارغة عن حق الغير عند القبض فوجود النكاح عند العقد وعدمه سواء وإن طلقها الزوج بعد ما قبضها

 

ج / 13 ص -133-    المشتري فليس عليه أن يستبرئها لأنه حين قبضها لم يلزمه الاستبراء لكونها مشغولة بحق الزوج فحقه يمنع ثبوت ملك الحل له بملك الرقبة وإذا لم يلزمه الاستبراء عند القبض لا يلزمه بعد ذلك لأنه لو لزمه الاستبراء إنما يلزمه بالطلاق قبل الدخول والطلاق لا يوجب الاستبراء وهذه هي الرواية الأخرى في أن الزوج إذا طلقها قبل الدخول لا يجب على المولى به الاستبراء ولو استبرأها وقبضها ثم زوجها فإن مات عنها زوجها واعتدت عدة الوفاة ولم تحض ولا بأس بأن يطأها لما بينا أن العدة أقوى من الاستبراء فعند ظهور العدة لا يظهر حكم الاستبراء وإن طلقها الزوج قبل أن يدخل بها وقبل أن تحيض عنده لم يطأها المشتري حتى يستبرئها بحيضة لأن الاستبراء قد وجب هنا حين قبضها وهي فارغة وبالطلاق قبل الدخول ارتفع النكاح لا إلى أثر فيظهر ما كان من الحكم قبل النكاح والطلاق وهو الاستبراء الواجب على المشتري وإن كانت قد حاضت حيضة عند الزوج قبل الطلاق أجزأت تلك الحيضة عن الاستبراء لأنها حاضتها بعد ما وجب الاستبراء على المشتري بالقبض وبتلك الحيضة يتبين فراغ رحمها من ماء البائع فيجتزئ بها من الاستبراء لأنها حاضتها بعد ما وجب الاستبراء بالقبض.
وفي كتاب الحيل قال: إن زوجها المشتري عبدا له قبل أن يقبضها ثم قبضها ثم طلقها العبد قبل أن يدخل بها وقبل أن تحيض فللمشتري أن يطأها من غير استبراء وهو صحيح فتزويجه إياها قبل القبض صحيح كالإعتاق لأن النكاح لا يمنع صحته بسبب الغرر أو أن وجوب الاستبراء بعد القبض وقد قبضها وهي مشغولة بالنكاح فلم يلزمه الاستبراء عند ذلك ولا بالطلاق بعد ذلك وهذه هي الحيلة لاسقاط الاستبراء في حق من كان تحته حرة لأنه لا يمكنه أن يتزوجها بنفسه وإن لم يكن تحته حرة فالحيلة أن يتزوجها قبل الشراء ثم يشتريها فيقبضها فلا يلزمه الاستبراء لأن بالنكاح يثبت له عليها الفراش فإنما اشتراها وهي فراشة وقيام الفراش له عليها دليل على تبين فراغ رحمها من ماء الغير شرعا ثم الحل لم يتجدد له بملك الرقبة لأنها كانت حلالا له بالنكاح قبل ذلك ولا بأس بالاحتيال لإسقاط الاستبراء بهذه الصفة إذا علم أن البائع لم يكن وطئها في هذا الطهر وفي قول أبي يوسف وقال محمد: يكره ذلك وهو نظير ما تقدم من الحيلة لإسقاط الزكاة فعند أبي يوسف هو يمتنع من التزام حكم مخافة أن لا يتمكن من الوفاء به إذا لزمه ومحمد يقول الفرار من الأحكام الشرعية ليس من أخلاق المؤمنين فيكره له اكتساب سبب الفرار وهكذا الخلاف في الحيلة لإسقاط الشفعة والله أعلم.

باب الاستبراء في الأختين
قال: وإذا وطئ الرجل أمة ثم اشترى أختها كان له أن يطأ الأولى وليس له أن يطأ الثانية لأنه إذا وطئ الثانية يصير جامعا بين الأختين وطئا بملك اليمين وذلك لا يحل لظاهر قوله تعالى:
{وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} [النساء:23] وكان في هذا الفصل اختلاف بين عثمان وعلي رضي الله عنهما فكان عثمان رضي الله عنه يقول أحلتهما آية يعني قوله

 

ج / 13 ص -134-    تعالى: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء:3] وحرمتهما آية يعني قوله تعالى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} فكان يتوقف فيه وكان علي رضي الله عنه يرجح آية التحريم لأنه إن كان المراد الجمع بينهما وطأ فهو نص خاص وإن كان المراد الجمع بينهما نكاحا فالنكاح سبب مشروع للوطء فحرمة الجمع بينهما نكاحا دليل على حرمة الجمع بينهما وطئا وأخذنا بقول علي رضي الله عنه احتياطا لتغليب الحرمة على الحل والإباحة ولذا قال صلى الله عليه وسلم: "ما اجتمع الحلال والحرام في شيء إلا غلب الحرام الحلال" وإن لم يكن وطئ الأولى حتى اشترى الثانية أو اشتراهما معا فله أن يطأ أيتهما شاء لأن كل واحدة منهما مملوكة له وبوطء إحداهما لا يصير مرتكبا لما هو المحرم وهو الجمع بينهما وطئا فله أن يطأ أيتهما شاء فإن وطئ إحداهما لم يكن له أن يطأ الأخرى لأنه لو وطئ الأخرى صار جامعا بينهما وطئا فإن وطئهما جميعا أو قبلهما أو نظر إلى فرجيهما بشهوة فقد أساء بارتكاب الجمع المحرم فكما يحرم الجمع بينهما في دواعي الوطء والتقبيل والنظر إلى الفرج بشهوة من جملة الدواعي كالنكاح ولهذا تثبت به حرمة المصاهرة كما تثبت بالوطء ثم ليس له أن يطأ واحدة منهما حتى يحرم على نفسه إحداهما ببيع أو نكاح أو تبرع لأنه إذا أراد أن يطأ إحداهما والآخرة موطوءته ولهذا لو كانت موطوءته على الخصوص لم يكن له أن يطأ أختها بالملك حتى يحرمها على نفسه فكذلك هذا الحكم بعد ما وطئهما فإن زوج إحداهما فله أن يطأ الباقية منهما لأن المنكوحة صارت فراشا للزوج وبثبوت الفراش الصحيح للزوج ينعدم أثر وطء المولى حكما ولهذا لو جاءت بالولد بعد ذلك لا يثبت النسب من المولى وإن ادعاه فيكون هذا بمنزلة الطلاق قبل الدخول ولو طلق إحدى الأختين قبل الدخول كان له أن يتزوج بالأخرى من ساعته فهنا أيضا له أن يجامع الأخرى غير أني لا أحب له أن يجامعها حتى تحيض أختها حيضة لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل لرجل يؤمن بالله واليوم الآخر أن يجمع ماءه في رحم أختين" وكذلك الزوج يستحب له أن لا يقرب التي تزوج حتى تحيض حيضة لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا ينبغي لرجلين يؤمنان بالله واليوم الآخر أن يجتمعا على امرأة في طهر واحد" فإن طلقها الزوج وانقضت عدتها لم ينبغ للمولى أن يطأ واحدة منهما حتى يزوج إحداهما أو يبيع لأن حق الزوج يسقط عنها بالطلاق ولم يبق له أثر بعد انقضاء العدة فعاد الحكم الذي كان قبل التزويج وكذلك لو باع إحداهما وسلم ثم اشتراها أو ردت عليه بعيب فليس له أن يطأ واحدة منهما حتى يحرم إحداهما على نفسه هكذا روي عن ابن عمر رضي الله عنهما وهذا لأنهما اجتمعا في ملكه وكل واحدة منهما موطوءته فكانت هذه الحالة كحاله قبل البيع في المنع.
قال: وإذا ارتدت إحداهما عن الإسلام والعياذ بالله لم يحل له أن يطأ الأخرى لأن المرتدة في ملكه بعد ولم يثبت فيها حل لغيره وحرمتها عليه بالردة كحرمتها بالحيض وكذلك الرهن والإجارة والتدبير فمباشرته في إحداهما لا يخرجها عن ملكه ولا يحرمها عليه ولا يحل له أن يطأ الأخرى باعتباره وكذلك إن لحق إحداهما دين أو جناية فإنها لم

 

ج / 13 ص -135-    تخرج من ملكه ما لم تدفع أو تبع فإذا دفعت أو بيعت في الدين فقد خرجت من ملكه وحل له وطء الأخرى عند ذلك.
قال: ولو كاتب إحداهما أو أعتق بعضها فقضى عليها بالسعاية أو لم يقض حل له أن يطأ الأخرى أما في معتقة البعض فهو غير مشكل لأن ملكه زال عنها بقدر ما أعتق وزوال ملكه عن بعضها في حكم الحرمة كزوال ملكه عن جميعها وفي الكتابة الجواب مشكل فقد ذكرنا في الباب المتقدم أنها بالكتابة لا تخرج عن ملك المولى حتى لا يلزمه استبراء جديد بعد العجز ولم يحل فرجها لغيره وكان ينبغي أن لا يحل له وطء الأخرى ولكن قال: ملك المولى يزول بالكتابة ولهذا يلزمه العقد بوطئها وجعل وطؤه إياها وطئا في غير ملك حتى لا ينفك عن عقوبة أو غرامة وقد سقطت العقوبة فتجب الغرامة فيجعل زوال ملك الحل عنها بالكتابة كزواله بتزويجها أو ببيع بعضها فيحل له أن يطأ الأخرى وكذلك لو وهب إحداهما أو وهب شقصا منها وسلم فهو والبيع سواء وكذلك لو أسرها العدو وأحرزوها بدارهم لأنهم ملكوها بالاحراز ولو أبقت إليهم لم يحل له وطء الباقية في قول أبي حنيفة لأنهم لم يملكوا الآبق بالأخذ فهي باقية على ملكه وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله إذا أخذوها ملكوها بالاحراز فيحل له وطء الأخرى.
قال: ولو زوج إحداهما نكاحا فاسدا فوطئها زوجها ثم فرق بينهما فله أن يطأ أختها لأن العدة وجبت على التي زوجها والعدة بمنزلة النكاح في حرمتها بها على المولى فيحل له أن يطأ أختها وإن كانت عند الزوج لم يفرق بينهما ولم يدخل بها أو فرق بينهما قبل الدخول لم يكن له أن يقرب الأخت لأن النكاح الفاسد لا يحرمها على المولى ولا يثبت للزوج عليها فراش فوجوده وعدمه سواء وإن باع إحداهما بيعا فاسدا وقبضها المشتري حل له وطء الأخرى لأن المشتري ملكها بالقبض وإن كان لا يحل له وطؤها لفساد البيع وبخروج إحداهما عن ملكه يحل له وطء الأخرى لأن المشتري ملكها بالقبض فإن ترادا البيع فليس له أن يطأ واحدة منهما حتى يحرم إحداهما عليه فإن باع التي لم يبع لم يقرب التي ردت عليه حتى يستبرئها بحيضة لخروجها عن يده وملكه بالتسليم بحكم البيع الفاسد.
قال: وإذا تزوج أخت جاريته التي وطئها لم يقرب واحدة منهما حتى يملك فرج أمته غيره لأن التي تزوجها صارت فراشا له بنفس النكاح حتى لو جاءت بالولد يثبت النسب منه فكانت كالموطوءة حكما فلهذا لا يقرب أمته ولا يقرب المنكوحة لأنه وطئ أختها بالملك فيصير بهذا الفعل جامعا بين الأختين وطئا وذلك حرام وقال مالك له أن يطأ أمته كما كان يطؤها قبل النكاح وجعل نكاحه أختها بمنزلة شرائه أختها والفرق بينهما ما ذكرنا فإنها بنفس الشراء ما صارت فراشا له حتى لو جاءت بالولد لا يثبت النسب ولو اشترى أخت امرأته وهي أمه كان له أن يطأ الأولى وهي المنكوحة لأن الثانية بنفس الشراء ما صارت فراشا له ويستوي إن كان وطئ المنكوحة أو لم يطأها لأن بالنكاح صارت فراشا له والتحقت

 

ج / 13 ص -136-    بالموطوءة. ولو اشترى عمة أمته التي وطئها أو خالتها أو بنت أختها أو بنت أخيها من نسب أو رضاع فهو بمنزلة شراء الأخت لأن الجمع بين هاتين في النكاح حرام فكذلك يحرم الجمع بينهما وطئا بملك اليمين.
قال: وإذا اشترى جارية وقبضها وعليها عدة من زوج من طلاق أو وفاة يوم أو أكثر من ذلك فليس عليه بعد مضي تلك المدة استبراء استحسانا لأن العدة من حقوق النكاح فتعمل عمل أصل النكاح في المنع من وجوب الاستبراء ولو كانت منكوحة عند القبض بالشراء لم يجب على المشتري فيها استبراء فكذلك إذا كانت معتدة ألا ترى أنها لو كانت حاملا فولدت بعد ما قبضها المشتري لم يلزمه استبراء آخر فكذلك إذا انقضت عدتها بغير ولد.
قال: وإذا اشترى جارية لها زوج وقبضها ثم طلقها الزوج قبل أن يدخل بها وقد كان البائع وطئها قبل أن يزوجها لم ينبغ للمشتري أن يقربها حتى تحيض حيضة استحسانا لأنه لو قربها أدى إلى اجتماع الرجلين على امرأة واحدة في طهر واحد وقيل هنا الاستبراء مستحب لا واجب كما يستحب للزوج أن يستبرئها قبل أن يطأها إذا علم أن المولى وطئها في هذا الطهر فكذلك حال المشتري بعد طلاق الزوج مثله وقيل بل في حق المشتري الاستبراء واجب وهو إحدى الروايتين في أن الطلاق قبل الدخول يوجب الاستبراء على المشتري فإن كانت قد حاضت حيضة بعد وطء البائع فلا بأس بأن يقربها المشتري ولا يستبرئها فبهذا تبين أن المنع في الفصل الأول لكيلا يؤدي إلى اجتماع رجلين على امرأة واحدة في طهر واحد لا لوجوب الاستبراء على المشتري عند الطلاق.
قال: وإذا اشترى المكاتب جارية وقبضها فحاضت عنده ثم عتق حل له أن يطأها لأن المكاتب في حكم ملك التصرف بمنزلة الحر وبالشراء يثبت له حق الملك فتأكد ذلك بالعتق وبالحيضة التي توجد في يده بعد ذلك يتبين له فراغ رحمها من ماء الغير فيحتسب بها من استبرائه قال: ألا ترى أن مولاه إذا اشتراها منه قبل أن يعتق كان عليه أن يستبرئها بحيضة يعني أن المولى في كسب مكاتبه كالأجنبي والمعتبر ملك المكاتب فيها قبل العجز لا ملك المولى فإن عجز المكاتب لم يطأها المولى حتى يستبرئها بحيضة لأن المولى إنما ملكها بعد عجز المكاتب وهذا لأن ملك الحل بمنزلة ملك التصرف والمكاتب هو المستبد بالتصرف في ملكه قبل العجز وإنما يملك المولى التصرف بعد عجز المكاتب فيلزمه استبراء جديد ألا ترى أن المشتراة قبل القبض إذا حاضت ثم قبضها يلزمه استبراء جديد وإن كان هو قبل القبض مالكا رقبتها فهذا أولى فإن كانت أم المكاتب أو ابنته لم يكن على المولى أن يستبرئها لأنها تتكاتب عليه وكل من دخل في كتابته فهو مملوك المولى حتى ينفذ عتقه فيه كما ينفذ في المكاتبة فكما أن المكاتبة إذا عجزت لا يجب على المولى أن يستبرئها فكذلك لا يجب عليه الاستبراء متى صارت مكاتبة معه ولو كانت أخت المكاتب أو ذات رحم محرم منه فكذلك الجواب عند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله لأنها قد تكاتبت عليه وعند أبي حنيفة: لا

 

ج / 13 ص -137-    يتكاتب ما سوى الوالدين والمولودين فيجب على المولى فيها الاستبراء بعد العجز كما في الأجنبية ألا ترى أن المولى لو أعتقها لم ينفذ عتقه فيها عنده ولا يمتنع عليه بيعها؟.
قال: ولو اشترى النصراني جارية فليس عليه أن يستبرئها لأن ما فيه من الشرك أعظم من ترك الاستبراء معناه أن وجوب الاستبراء لحق الشرع والكافر لا يخاطب بما هو أهم من الاستبراء كالعبادات فإن أسلم قبل أن يطأها وقبل أن تحيض حيضة ففي القياس ليس عليه أن يستبرئها لأن أوان وجوب الاستبراء عند القبض ولم يلزمه عند ذلك فلا يجب من بعد كما لو كانت منكوحة أو معتدة حين قبضها وفي الاستحسان عليه أن يستبرئها بحيضة لأن وقت الاستبراء من حين يقبضها إلى أن تحيض حيضة فإذا أسلم وقد بقي شيء من وقت الاستبراء يجعل ذلك لوجود الإسلام في أول الوقت كالكافر إذا أسلم في آخر وقت الصلاة يلزمه تلك الصلاة لهذا المعنى فإن وطئها قبل إسلامه ثم أسلم لم يكن عليه أن يستبرئها لأن وقت الاستبراء ما قبل الوطء لأنه يستبرئ رحمها من ماء غيره لا من ماء نفسه وبعد الوطء لو استبرأها إنما يستبرئها من ماء نفسه.
قال: وإذا اشترى جارية مجوسية فحاضت عنده حيضة ثم أسلمت حل له أن يطأها لأن تلك الحيضة وجدت بعد تمام الملك له فيها فيجتزئ بها من الاستبراء وكذلك إن كانت محرمة فحاضت في إحرامها ثم حلت.
قال: وإذا اشترى جارية هي أخت البائع من الرضاع أو كانت حراما عليه بوجه من الوجوه فعلى المشتري أن يستبرئها لأنه حدث له فيها ملك الحل بسبب ملك الرقبة فهو كما لو اشتراها من امرأة.
قال: وإن اشترى جارية فلم يقبضها حتى ردها بخيار أو عيب فليس على البائع أن يستبرئها لأنها لم تخرج من ضمان ملكه حين عادت إليه والله أعلم.

 

ج / 13 ص -138-    باب آخر من الخيار
قال: وإذا رأى الرجل عند رجل جارية فساومه عليها ولم يشترها ثم رآها بعد ذلك متنقبة فاشتراها بثمن مسمى ولم يعلم أنها تلك الجارية ولم يقع بينهما منطق يستدل به أنه قد عرفها فهو بالخيار إذا كشفت نقابها وهذا بمنزلة من اشترى شيئا لم يره لأن الرؤية السابقة لم تفد له العلم بأوصاف المعقود عليه لما لم يعلم أنها تلك الجارية وثبوت خيار الرؤية للجهل بأوصاف المعقود عليه فإنما يسقط خياره برؤية تفيده العلم بأوصاف المعقود عليه فما لم يفده بأوصاف المعقود عليه فوجوده كعدمه أرأيت لو رآها عنده ثم رآها متنقبة عند آخر ولا يعلم أنها تلك الجارية فاشتراها أما كان له الخيار إذا كشفت نقابها فكذلك إذا اشتراها من الأول.
قال: ولو نظر إلى جراب هروي فقلبه ثم إن صاحب الجراب قطع منه ثوبا ثم أخبره أنه قطع منه ثوبا ولم يره إياه ثانية حتى اشتراه فهو بالخيار إذا رآه لأن الثياب عدد متفاوت ولذا لا يجوز شراء ثوب من الجراب بغير عينه فإذا لم يكن ما قطع منه معلوما عند المشتري لم

 

ج / 13 ص -139-    يكن ما يتناوله العقد أيضا معلوم الوصف عنده فثبت له الخيار عند الرؤية ألا ترى أنه لو اشترى الجراب إلا ثوبا منها بغير عينه لم يجز الشراء فكذلك إذا كان لا يعلم ما قطع البائع منها بعد رؤيته فلعله قطع أجودها والمشتري يظن أنه قطع أردأها فلهذا كان له الخيار إذا رآه.
قال: ولو عرض رجل على رجل ثوبين فلم يشترهما ثم لف أحدهما في منديل ثم اشتراه منه ولم يره ولم يعلم أيهما هو فهو بالخيار إذا رآه لأن الرؤية المتقدمة لا تفيده العلم بأوصاف المعقود عليه فلعل المشتري يظن أنه أجودهما وهو أردؤهما ولو أتاه بالثوبين جميعا وقد لف كل واحد منهما في منديل فقال هذان الثوبان اللذان قد عرضت عليك أمس فقال أخذت هذا لأحدهما بعشرين درهما وهذا بعشرة في صفقتين أو صفقة ولم يرهما في هذه المدة فأوجبهما له فهو بالخيار لأنه لما خالف بينهما في الثمن فما هو المقصود لا يحصل له ما لم يعلم بأوصاف كل واحد منهما بعينه لجواز أن يظن أن الذي اشتراه بعشرين درهما أجودهما والذي اشتراه بعشرة أردؤهما والحال بخلاف ذلك فربما يهلك أحدهما أو يجد به عيبا يحتاج إلى رده فلا يندفع الغبن عنه ما لم يعرف كل واحد منهما بعينه ولو قال قد أخذت كل واحد منهما بعشرة أو بعشرين جاز ذلك ولا خيار له لأنه أخذهما صفقة واحدة ولم يفصل أحدهما في الثمن وقد كانا معلومي الوصف عنده بالرؤية المتقدمة فلأجله لا يثبت له خيار الرؤية فيهما.
قال: رجل اشترى ثوبا ولم يره حتى رهنه أو أجره يوما أو باعه والمشتري بالخيار فهذا اختيار منه له وليس له أن يرده لأنه أوجب للغير فيه حقا لازما وذلك بعجزه عن الرد فإن البيع بشرط الخيار للمشتري لازم في جانب البائع واكتسابه ما يعجزه عن الرد مسقط لخياره حكما كما لو كان المبيع عبدا فدبره أو باعه والبائع بالخيار فنقض البيع كان له أن يرده لأن خيار البائع يمنع زوال ملكه والبيع بهذه الصفة لا يعجزه عن الرد فلا يكون مسقطا لخياره وروى الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله أنه يسقط خياره بهذا البيع وقيل تلك الرواية أصح لأن البيع بشرط الخيار للبائع أقوى في إسقاط الخيار من العرض على المبيع ولو عرضه على المبيع سقط خياره فإذا باعه بشرط الخيار أولى ووجه ظاهر الرواية أن البيع تصرف من جهة القول فإذا كان بحيث لا يعجزه عن الرد لا يكون إسقاطا لخياره حكما ولكنه بمنزلة إسقاط خيار الرؤية بالقول قصدا وذلك لا يصح قبل الرؤية فكذلك إيجاب البيع بشرط الخيار له.
قال: ولو اشترى عبدا لم يره فكاتبه ثم عجز فرآه لم يكن له أن يرده بالخيار وكذلك خيار الشرط في ذلك لأن عقد اكتساب لازم في جانب المولى وهو يعجزه عن الرد بحكم الخيار فمباشرته تتضمن سقوط خياره حكما فخيار الشرط والرؤية في ذلك سواء ولو حم العبد ثم ذهبت الحمى عنه كان له أن يرده بخيار الرؤية والشرط لأن الحمى عنده بمنزلة عيب حادث وذلك غير مسقط لخياره وإنما يمنعه عن الرد بغير رضا البائع لدفع الضرر عن البائع،

 

ج / 13 ص -140-    فإذا أقلعت الحمى عنه فقد زال معنى الضرر فكان هو على خياره في الرد بخلاف ما تقدم فإن عجزه عن الرد هناك لإيجابه حقا لازما للغير فيه وذلك مسقط لخياره حكما ولو أشهد على نقض البيع في الثلاثة بحضرة البائع والعبد محموم وله خيار الشرط ثم ذهبت الحمى قبل مضي الثلاثة ولم يحدث ردا حتى مضت الثلاثة الأيام كان له أن يرده بذلك الرد لأن نقضه البيع بحضرة البائع صحيح في حقه وإنما امتنع ثبوت حكمه في حق البائع لدفع الضرر عنه فإذا ذهبت الحمى قبل مضي الثلاثة فقد انعدم معنى الضرر فتم البيع في حق البائع أيضا فلهذا كان له أن يرده بعد مضي الأيام الثلاثة وهذا لأن الحمى حين ذهبت مع بقاء مدة الخيار تجعل المشتري كالمجدد للفسخ في هذه الحالة لأنه مصر على الفسخ الذي كان منه كأنه جدده بعد زوال المانع ولو تمادت به الحمى عشرة أيام ليس له بذلك الرد ولا بغيره لأن مدة الخيار ذهبت والمانع قائم فبطل حكم الرد لاستغراق المانع في جميع المدة ولأنه حين أقلعت الحمى عنه يصير كالمجدد للفسخ وهو لا يملك الرد به بعد مضي مدة الخيار وإنما يملك ذلك في مدة الخيار ولو خاصمه في الثلاثة إلى القاضي فرده المشتري وأبى البائع أن يقبله وهو محموم فإن القاضي يجيز البيع ويبطل الرد لأنه يرده بعيب حادث عنده وإنما كان تمكنه من الرد بحكم الخيار له لدفع الضرر عن نفسه لا لإلحاق الضرر بالبائع فإذا أدى ذلك إلى الاضرار بالبائع أبطل القاضي رده ولزمه البيع بقضاء القاضي فإن صح العقد في الثلاث لم يكن له أن يرده لأن إلزام القاضي إياه أقوى من التزامه إسقاط الخيار ولو أسقط خياره لم يكن له أن يرده بعد ذلك فإذا ألزمه القاضي كان أولى وكذلك هذا في خيار الرؤية لأن قضاء القاضي ببطلان رده مسقط لخياره حكما وذلك حاصل قبل الرؤية وهذا بخلاف الرجوع في الهبة فإن الموهوب له إذا بنى في الدار الموهوبة ثم رجع الواهب فأبطل القاضي رجوعه ثم رفع الموهوب له بناءه كان للواهب أن يرجع فيها لأن حق الواهب في الرجوع لا يحتمل الإسقاط حتى لو أسقطه بنفسه كان إسقاطه باطلا فالقاضي إنما يمنع رجوعه بقضائه لأجل البناء لا أن يسقط حقه في الرجوع فإذا زال المانع كان له أن يرجع وهنا القاضي مسقط لخياره لأن خياره محتمل للسقوط فبعدما سقط خياره بقضاء القاضي لا يمكن من الرد بحكمه.
قال: ولو أشهد على رده في الثلاثة بحضرة البائع وهو صحيح ثم حم قبل أن يقبضه البائع ثم أقلعت عنه الحمى وعاد إلى الصحة في الثلاثة أو بعدها فهو لازم للبائع ولا خيار له فيه لأن المشتري فسخ البيع وهو صحيح فعاد فسخه إلى ذلك البائع ثم بحدوث العيب في ضمان المشتري يثبت للبائع الخيار فإذا أقلعت الحمى فقد زال ذلك العيب وسقط ما كان من الخيار للبائع كما لو حدث بالمبيع عيب في يد البائع ثم زال العيب قبل أن يقبضه المشتري كان لازما للمشتري ولا خيار له فيه فهذا مثله وكذلك خيار الرؤية ولو خاصمه والحمى به فأبطل القاضي الرد وألزم المشتري العبد فليس له أن يرده بعد ذلك لأن ذلك الفسخ بطل بقضاء القاضي بمنزلة البيع إذا أبطله القاضي للعيب الحادث عند البائع ثم زال العيب.

 

ج / 13 ص -141-    مملوكة للمشتري أمانة في يد البائع فهلاكها في يد الأمين كهلاكها في يد المشتري وفي خيار الشرط كذلك الجواب عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله لأن خيار الشرط عندهما لا يمنع ملك المشتري وعند أبي حنيفة في القياس كذلك لأن البيع لازم في جانب البائع والمبيع خارج من ملكه فإيداع المشتري إياه كإيداعه أجنبيا آخر فإذا هلك في يده هلك من مال المشتري وفي الاستحسان يهلك من مال البائع لأن خيار المشتري يمنع ملكه عند أبي حنيفة فتسليمه إياها إلى البائع لا يكون إيداعا فيه ملك نفسه ولكنه فسخ للقبض فكأنها هلكت في يد البائع قبل أن يقبضها المشتري فيهلك من مال البائع

باب بيع النخل وفيه ثمر أو لم يكن فيه ثمر
قال: وإذا اشترى الرجل أرضا ونخلا بألف درهم والأرض تساوي ألفا والنخل يساوي ألفا فأثمر النخيل بعد ذلك في يد البائع مرة أو مرتين كل مرة تساوي الثمرة ألفا فأكله البائع كله ثم جاء المشتري يطلب بيعه فالأصل في تخريج هذه المسألة أن الثمار الحادثة زيادة في الأرض والنخل في قول أبي حنيفة ومحمد وهو قول أبي يوسف الأول رحمهم الله وفي قوله الآخر هو زيادة في النخل خاصة وجه قوله الآخر أن الثمار يخرجه النخيل دون الأرض فيكون زيادة فيهما يقسم الثمن على قيمة الأرض والنخل أولا ثم حصة النخيل تقسم على قيمتها وقيمة الثمار بمنزلة ما لو اشترى جاريتين فولدت إحداهما قبل القبض ثم قبضهما فإنه يقسم الثمن على قيمة الجاريتين أولا ثم ما أصاب التي ولدت يقسم على قيمتها وقيمة ولدها يوم يقبض المشتري الولد لهذا المعنى أن الولد انفصل عنها فتكون زيادة فيها خاصة.
وجه قولهما أن النخيل في هذا البيع بيع بدليل أنها تدخل في البيع من غير ذكر والبيع لا يقع له فتكون الثمار الحادثة زيادة في الأصل بمنزلة ما لو اشترى جارية فولدت ابنة قبل القبض ثم كبرت الابنة وولدت ولدا فيجعل الولد الثاني زيادة في الجارية حتى يقسم الثمن على قيمتها وقيمة الولدين لأن الابنة تابعة في العقد فلا يكون ولدها تبعا لها فهذا مثله والثمار في الصورة يخرجها النخيل وفي المعنى زيادة في الأرض لأن النخيل تتشرب بعروقها من الأرض ألا ترى أن بقوة الأرض تزداد الثمار جودة فعرفنا أن من حيث المعنى الأصل هو الأرض للثمار وللنخيل جميعا فلهذا يقسم الثمن على قيمة الكل قسمة واحدة ثم يعتبر في القسمة قيمة الثمار حين أكلها البائع لأنها عند ذلك صارت مقصودة فالزيادة الحادثة إنما تصير لها خاصة من الثمن إذا صارت مقصودة بالتناول ألا ترى أن المشتري إذا قبضها يعتبر في الانقسام قيمتها وقت القبض فكذا إذا أكلها البائع فإن كانت أثمرت مرة واحدة فأكلها البائع وقيمتها ألف درهم انقسم الثمن أثلاثا ثلثه بإزاء الأرض وثلثه بإزاء النخيل وثلثه بإزاء الثمار ويسقط عن المشتري حصة الثمار من الثمن ويأخذ الأرض والنخيل بثلثي الثمن وفي قول أبي يوسف الآخر يقسم الثمن أولا على قيمة الأرض والنخيل نصفين ثم حصة النخيل تقسم على قيمتها وقيمة الثمار نصفين فيسقط عن المشتري ربع الثمن ويأخذ الأرض والنخيل

 

ج / 13 ص -142-    بثلاثة أرباع الثمن وإن كانت أثمرت النخيل مرتين أخذ المشتري الأرض والنخيل بنصف الثمن لأن القيم لما استوت فحصة ما تناول البائع من الثمار نصف الثمن الأول.
وقال أبو يوسف: يأخذ بثلثي الثمن لأن نصف الثمن بمقابلة الأرض والنصف الذي يقابله النخيل يقسم أثلاثا ثلثه يسقط عن المشتري بتناول البائع الثمار مرتين وثلث النصف حصة النخيل يتقرر على المشتري مع حصة الأرض فيأخذها بثلثي الثمن وإن كانت أثمرت ثلاث مرات أخذ الأرض والنخيل بخمسي الثمن وسقط عنه ثلاثة أخماس الثمن حصة الثمن ثلاث مرات وعند أبي يوسف يأخذ الأرض والنخيل بخمسة أثمان الثمن نصف الثمن حصة الأرض وربع النصف الآخر حصة النخل ويسقط عن المشتري ثلاثة أثمان الثمن وإن أثمرت أربع مرات فعند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله يأخذ الأرض والنخيل بثلث الثمن لأن الثمن ينقسم على ستة أسهم حصة الأرض والنخل سهمان وهو الثلث وعند أبي يوسف يأخذهما بثلاثة أخماس الثمن نصف الثمن حصة الأرض وخمس النصف الآخر حصة النخل فذلك ستة أجزاء من عشرة من جميع الثمن وإن أثمرت خمس مرات أخذ الأرض والنخل عندهما سبع الثمن لأن القسمة على الأسباع عندهما فيسقط حصة الثمار خمسة أسباع الثمن ويأخذ الأرض والنخل بسبعة أجزاء من اثني عشر جزءا من الثمن حصة الأرض نصف الثمن وحصة النخل سدس النصف الباقي وفي جميع ذلك الخيار للمشتري إن شاء أخذ الأرض والنخل وإن شاء فسخ البيع فيهما وهذا قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله.
فأما عند أبي حنيفة فلا خيار للمشتري في ذلك وإنما نص على الاختلاف في الباب الذي بعد هذا في الولد الحادث قبل القبض إذا أتلفه البائع ولا فرق بين الولد في الشاة وبين الثمار وجه قولهما أن الزيادة الحادثة قبل القبض لما صارت مقصودة تتناول البائع وكان لها حصة من الثمن فالتحقت بالموجود عند العقد ولو كانت موجودة فأتلفها البائع ثبت الخيار للمشتري فيما بقي لتفرق الصفقة عليه قبل الثمار فكذلك هنا وأبو حنيفة يقول المشتري عند القبض رضي بأخذ الأرض والنخيل بجميع الثمن فهو بأخذهما ببعض الثمن أرضي وثبوت الخيار لتمكن الخلل في رضا المشتري فإذا علمنا تمام الرضا منه هنا فلا معنى لإثبات الخيار له يوضحه أن هذه الزيادة لو هلكت من غير صنع البائع أخذ المشتري الأرض والنخل بجميع الثمن ولا خيار له ولأن يلزم الأرض والنخل ببعض الثمن عند إتلاف البائع الثمار كان أولى بخلاف الموجود عند العقد فإنه لو هلك من غير صنع البائع يخير المشتري فكذلك بصنع البائع وبهذا يتبين أن تفريق الصفقة إنما يحصل بهلاك الموجود عند العقد لا بهلاك الحادث بعد القبض فإن كان في النخل ثمرة تساوي ألفا يوم اشترى الأرض والنخل وقد اشتراهما معا فإن الثمار لا تدخل في البيع إلا بالذكر لأنه يعرض الفضل فهو والموضوعة في الأرض سواء بخلاف النخيل فإنها تابعة للأرض كالبناء فيدخل في البيع من غير ذكر فإذا أكلها البائع ثم أثمرت بعد ذلك مرارا فأكله البائع فالأصل في تخريج هذه المسألة أن ثلث

 

ج / 13 ص -143-    الثمن يسقط من المشتري بأكل البائع الثمار الموجودة لأن الثمار الحادثة بعد ذلك ليست بزيادة في الثمار الموجودة وهي مقصودة لا تدخل في العقد إلا بالذكر فيقسم الثمن أولا على قيمة الأرض وعلى قيمة النخل وقيمة الثمار الموجودة وقت العقد وقد استوت القيم فتقسم أثلاثا ويسقط عن المشتري ثلث الثمن حصة الثمار الموجودة وأما ثلثا الثمن حصة الأرض والنخيل في هذه المسألة فبمنزلة جميع الثمن في المسألة الأولى في حكم الانقسام على قيمتها وقيمة ما أكل البائع من الثمار الحادثة على نحو ما خرجنا في المسألة الأولى.
قال: فإن كانت الثمرة التي حدثت بعد البيع لم يأكلها البائع ولكن أصابتها آفة من السماء فذهبت بها ونقصت تلك النخل فالمشتري بالخيار إن شاء أخذها بجميع الثمن وإن شاء تركها لأن الثمار الحادثة لما فاتت من غير صنع أحد لم يكن لها حصة من الثمن وصارت كأن لم تكن فنفي النقصان المتمكن فيتخير المشتري لأجل ذلك وإن لم ينقص النخل لم يكن للمشتري في البيع خيار وهو لازم له بجميع الثمن لأن الثمار الحادثة لما هلكت بغير صنع أحد صارت كأن لم تكن وأما الثمار الموجودة عند العقد فسواء هلكت بغير صنع أحد أو تناولها البائع سقط عن المشتري حصتها من الثمن لأنها كانت مقصودة بالعقد وقد فات القبض المستحق بهلاكها فينفسخ البيع فيها ويسقط عن المشتري حصتها من الثمن وله الخيار في أخذ الأرض والنخل سواء هلكت من صنع أحد أو تناولها البائع لتفرق الصفقة عليه قبل التمام بمنزلة ما لو اشترى جاريتين فهلكت إحداهما قبل القبض والله أعلم.

باب جناية البائع والمشتري على المبيع قبل القبض
قال: رجل اشترى من رجل عبدا بألف درهم فلم يقبضه حتى قطع البائع يده فالمشتري بالخيار إن شاء أخذ العبد بنصف الثمن وإن شاء تركه لأن المبيع تغير في ضمان البائع وتعيب بصنعه فتفرقت الصفقة على المشتري قبل التمام بفوات النصف فإن اليد من الآدمي نصفه وذلك مثبت الخيار له فإن اختار فسخ العقد سقط عنه جميع الثمن وإن اختار أخذ الأقطع فعليه نصف الثمن عندنا.
وقال الشافعي: عليه جميع الثمن ويضمن البائع نصف القيمة وكذلك لو قتله البائع قبل القبض سقط الثمن عن المشتري عندنا وعند الشافعي يغرم البائع القيمة إذا اختار المشتري إمضاء العقد لأن المبيع صار مملوكا للمشتري بالعقد قبل القبض والقاطع في الجناية عليه كأجنبي آخر وباعتبار أن اليد للبائع يثبت له حق الفسخ وبهذا لا يخرج من أن يكون مضمونا عليه بالقيمة إذا جنى عليه كالمرهون إذا جنى عليه المرتهن وحجتنا في ذلك أن المبيع مضمون بالثمن على البائع وضمان الثمن مع ضمان القيمة لا يلتقتان وهذا لأنه لو وجب بالجناية ضمان القيمة على البائع لزمه تسليمها بحكم العقد ولا يجوز أن يجب على البائع القيمة في ذمته على وجه يلزمه تسليمها بحكم العقد ولأن المبيع في ضمان ملك البائع حتى لو هلك كان هلاكه على ملكه فينزل ذلك منزلة المملوك له حقيقة في المبيع من وجوب

 

ج / 13 ص -144-    ضمان القيمة عليه بالجناية كما لو كانا في مجلس العقد أو كان البائع شرط الخيار لنفسه فإذا لم يلزمه ضمان القيمة سقط عنه من الثمن حصة ما أتلفه بجنايته لأن ذلك صار مقصودا بالتناول فيقابله حصة من الثمن وقد فات القبض المستحق فيه باستهلاك البائع فينفسخ العقد فيه في ذلك القدر وإن كانت يد العبد شلت من غير فعل أحد كان المشتري بالخيار إن شاء أخذه بجميع الثمن وإن شاء تركه لتغير المعقود عليه في ضمان البائع فإن اختار الأخذ فعليه جميع الثمن هنا بخلاف الأول والشافعي يسوي بينهما فيقول في الموضعين جميعا على البائع ضمان نصف القيمة لأن المبيع في ضمانه قبل التسليم فلا فرق بين أن يفوت جزء منه بفعل الضامن أو بغير فعله كالمغصوب وقاس بما لو اشترى عبدين فتلف أحدهما قبل القبض بفعل البائع أو بغير فعله كان الجواب في ذلك سواء فهذا مثله ولكنا نقول الطرف من العبيد وصف ألا ترى أنه يدخل في البيع تبعا من غير ذكر ولا يجوز استثناؤه من العقد واسم العبد لا يتغير بفواته وبقائه والبيع يلاقي العين والثمن يكون بمقابلة الأصل دون الوصف فإذا كان الفائت وصفا قلنا إن فات بغير صنع أحد فقد فات تبعا لا مقصودا فلا يقابله شيء من الثمن وإن فات بجناية البائع فقد صار مقصودا بالجنس وفسخ العقد فيه فيقابله بعض الثمن لا محالة بخلاف العبدين وكل واحد منهما هناك يدخل في العقد مقصودا.
يوضحه أن الوصف لا يفرد بالعقد فلا يفرد بضمان العقد أيضا والثابت ببقاء يد البائع ضمان العقد فلا يظهر ذلك في الوصف إذا فات من غير صنعه بخلاف المغصوب فهو مضمون بالتناول والوصف يفرد بالتناول فيفرد أيضا بضمان التناول وكذلك إن كان البائع هو الذي جنى عليه فسقوط حصته من الثمن هنا باعتبار تناول البائع إياه وحبسه إياه والوصف يفرد بذلك وكذلك إن قطع العبد يد نفسه فهو كما لو شلت يده بغير فعل أحد لأن فعله بنفسه هدر وإن قطع أجنبي يد العبد فالمشتري بالخيار فإن اختار إمضاء العقد فعليه جميع الثمن واتبع القاطع بنصف القيمة لأن جناية القاطع على ملكه والقيمة الواجبة عليه تقوم مقام الفائت فباعتبارها يبقى جميع الثمن على المشترى وهذا لأن وجوب ضمان القيمة على الجاني ليس بحكم العقد بل بسبب الجناية ألا ترى أنه يبقى عليه وإن فسخ المشتري العقد بالرد بخلاف ما إذا كان الجاني هو البائع فإنه لو لزمه ضمان القيمة إنما يلزمه بحكم العقد ألا ترى أنه لا يبقى بعد فسخ العقد بالرد فلا يجوز استحقاق القيمة في الذمة بحكم البيع فإذا أخذ من القاطع نصف القيمة تصدق بما زاد على نصف القيمة على نصف الثمن لأن هذا ربح حصل في ضمان غيره لا على ضمانه ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربح ما لم يضمن.
وعند الشافعي لا يلزمه التصدق بشيء وأصل الخلاف في القتل فإن العبد المبيع لو قتله أجنبي وقيمته ألفا درهم وقد اشتراه بألف درهم فاختار المشتري إمضاء العقد وأخذ القيمة من القاتل فعليه أن يتصدق بالفضل عندنا لأنه ربح حصل لأعلى ضمانه ولأن القبض له مشابهة بالعقد من حيث أنه يستفاد به ملك التصرف ومبادلة الألف بالألفين ربا فقبض الألفين

 

ج / 13 ص -145-    بحكم العقد بمقابلة الألف يتمكن من شبهة الربا فيلزمه التصدق وعند الشافعي لا يلزمه ذلك لأن حكم الربا عنده إنما يثبت باعتبار الشرط في العقد فإذا لم يكن مشروطا في العقد لا يتمكن باعتباره الربا والمشتري إنما يعطي الثمن بمقابلة العبد لا بمقابلة القيمة وإنما استوفى القيمة باعتبار أنه بدل ملكه فهو كما لو قتل بعد قبضه وإن اختار المشتري فسخ البيع فإن البائع يتبع الجاني بنصف القيمة أيضا لأن العقد انفسخ برد المشتري من الأصل فيبقى جناية القاطع على ملك البائع ورجع عليه بنصف القيمة ويتصدق أيضا بما زاد من نصف القيمة على نصف الثمن لأن أصل الجناية حصل لأعلى ملك البائع وإن كان باعتبار المال يجعل كالحاصل على ملكه وتأثير الملك في سلامة الربح أكثر من تأثير الضمان فإذا كان يلزمه التصدق بالربح الحاصل على ملكه دون ضمان فلأن يلزمه التصدق بالربح الحاصل لأعلى ملكه أولى ولو كان المشتري هو الذي قطع يد العبد صار قابضا لجميع العبد لأنه أتلف نصفه بقطع اليد وفي الإتلاف قبض وزيادة وغير ما بقي بفعله والمشتري بصنع معين للمعقود عليه يصير قابضا.
يوضحه أنه لو تخلى به كان قابضا له وبقطع يده يكون متخليا بما بقي منه وزيادة فإن هلك العبد في يد البائع من القطع أو من غيره قبل أن يمنعه البائع من المشتري فعلى المشتري جميع الثمن لأنه صار قابضا لجميع العبد وبالقبض يتحول المبيع إلى ضمانه فإذا هلك قبل أن يمنعه البائع كان هالكا في ضمان المشتري فيتقرر عليه جميع الثمن سواء هلك بسراية القطع أو بسبب آخر وإن كان البائع منعه ثم مات من القطع فعلى المشتري جميع الثمن أيضا لأن القطع إذا اتصلت به السراية فهو قتل حكما ومنع البائع إياه لا يقطع السراية عن الجناية لأن هذا المنع لا يتبدل المالك والمستحق إنما يفوت يد المشتري وإذا كان حكم الجناية يثبت بدون يده فلأن يبقى بدون يده أولى وإن مات من غير القطع فعلى المشتري نصف الثمن لأن البائع لما منع الباقي بالثمن فقد صار مستردا له بحق فاسخا لقبض المشتري فيه ولو قبضه المشتري حقيقة قبل نقد الثمن فاسترده البائع وحبسه بالثمن انتقض به حكم المشتري فكذلك إذا صار قابضا لما بقي منه باعتبار الجناية وإذا انفسخ قبض المشتري فيه كان هالكا في ضمان البائع فسقط حصته من الثمن وهو النصف فأما نصف الثمن فقد تقرر على المشتري بقطع اليد لأن اليد من الآدمي نصفه ولا يتصور الاسترداد في الجزء الفائت فإن قطع البائع أولا يده ثم قطع المشتري رجله من خلاف ثم بريء منهما جميعا فالعبد لازم للمشتري بنصف الثمن ولا خيار له فيه لأن البائع بقطع اليد فوت نصفه فسقط نصف الثمن وثبت الخيار للمشتري بنصف الثمن فلما قطع المشتري رجله فقد صار مسقطا لخياره لأنه قابض لجميع ما بقي متلف لبعضه ومجرد قبضه بعد العلم بالعيب يسقط خياره فقبضه مع الإتلاف أولى أن يكون مسقطا لخياره.
ولو كان المشتري هو الذي قطع يده أولا ثم قطع البائع رجله من خلاف فبرئ منهما كان المشتري بالخيار إن شاء أخذ العبد وأعطى ثلاثة أرباع الثمن وإن شاء تركه وعليه نصف

 

ج / 13 ص -146-    الثمن لأن بقطع اليد تقرر على المشتري نصف الثمن ثم البائع بقطع الرجل بعد ذلك صار مفوتا قبض المشتري في الباقي متلفا لنصف ما بقي فيسقط عن المشتري نصف ما بقي من الثمن وهو ربع جميع الثمن ويثبت له الخيار فيما بقي من العبد لأنه تغير المعقود عليه في ضمان البائع بفعله ولم يوجد من المشتري بعد ذلك ما يكون دليل الرضا منه فإن شاء فسخ العقد فيما بقي منه وعليه نصف الثمن بقطع اليد وإن شاء أخذ ما بقي وعليه نصف الثمن بقطع اليد وربعه بمقابلة ما بقى من العبد ولو كان المشتري نقد الثمن ولم يقبض العبد حتى قطع المشتري يده ثم قطع البائع رجله من خلاف فبريء منهما فالعبد للمشتري ولا خيار له فيه لأن المشتري صار قابضا لجميع العبد بإتلاف النصف بقطع اليد ثم بقطع البائع رجله لا ينتقض قبض المشتري في شيء لأن الثمن قد سلم للبائع وليس له بعد استيفاء الثمن حق نقض قبض المشتري فلهذا لا يجعل قطعه الرجل ناقضا قبض المشتري بخلاف ما تقدم في البائع هناك لم يستوف الثمن وله أن ينقض قبض المشتري ما لم يصل إليه الثمن وإذا بقي حكم قبض المشتري كان البائع في قطع الرجل كأجنبي آخر فعليه نصف قيمة قطع اليد وعلى المشتري جميع الثمن لبقاء حكم قبضه في جميع العبد ولا خيار للمشتري لأن المعقود عليه إنما تغير لعدم تمام قبض المشترى.
قال: ولو كان البائع أولا قطع يده ثم قطع المشتري رجله فالعبد لازم للمشتري بنصف الثمن لأن بقطع البائع يده يسقط نصف الثمن ويتخير المشتري إلا أن خياره يسقط بقطعه رجله فكان العبد لازما له بنصف الثمن ويرجع على البائع بنصف الثمن الذي أعطاه.
قال: وإذا اشترى عبدا بألف درهم ولم ينقده الثمن حتى قطع البائع يده ثم قطع المشتري رجله من خلاف فمات من ذلك كله في يد البائع فعلى المشتري ثلاثة أثمان الثمن لأن البائع بقطع اليد صار متلفا نصفه ثم المشتري بقطع رجله صار متلفا نصف ما بقي وهو الربع تلف بسراية الجنايتين فنصفه يكون هالكا بسراية جناية البائع وإنما تعتبر السراية في الحكم بأصل الجناية وحكم أصل جناية البائع سقوط الثمن بحصة ما تلف به فكذلك حكم سراية جنايته وحكم أصل جناية المشتري تقرر الثمن عليه فكذلك حكم ما تلف بسراية جنايته فيحتاج إلى حساب تقسم ربعه نصفين وذلك ثمانية فقد تلف بأصل جناية البائع أربعة وبسراية جنايته سهم فلهذا سقط عن المشتري خمسة أثمان الثمن وتلف بجناية المشتري سهمان وبالسراية سهم فعليه ثلاثة أثمان الثمن فإن قيل فأين ذهب قولكم إن المشتري بجناية يصير قابضا لما أتلف ولما بقي منه قلنا هو كذلك ولكن للبائع حق الاسترداد فيما بقي ما لم يصل إليه الثمن فيكون مستردا لما تلف بسراية جنايته لأن تأثير سراية جنايته فوق تأثير حبسه وقد بينا أنه لو حبسه بعد جناية المشتري انتقض به قبض المشتري إلا فيما تلف بسراية جناية المشتري فلأن ينتقض حكم قبض المشتري فيما تلف بسراية جناية البائع كان أولى ولو كان المشتري هو الذي قطع يده أولا ثم قطع البائع رجله من خلاف فمات من ذلك فعلى المشتري خمسة أثمان

 

ج / 13 ص -147-    الثمن وبطل عنه ثلاثة أثمان الثمن لأنه تلف بجناية المشتري النصف وهو أربعة من ثمانية وبسراية جنايته سهم فيلزمه خمسة أثمان الثمن وتلف بجناية البائع سهمان وبسراية جنايته سهم فكما انتقض قبض المشتري فيما تلف بجناية البائع فكذلك ينقض فيما تلف بسراية جنايته فلهذا سقط عنه ثلاثة أثمان الثمن وإن كان الثمن منقودا والمشتري هو البادئ بالجناية فعليه جميع الثمن لأنه بقطع اليد صار قابضا لجميع العبد ولم ينتقض قبضه في شيء بجناية البائع لأنه لا حق للبائع في نقض قبضه بعد وصول الثمن إليه فلهذا كان عليه جميع الثمن وعلى البائع ثلاثة أثمان قيمته صحيحا لأنه تلف بأصل جنايته نصف ما بقي منه وهو ربع العبد وبسراية جنايته ربع ما بقي منه وذلك ثلاثة أثمان جميع العبد فيلزمه ثلاثة أثمان قيمته صحيحا والبائع في هذه الحالة كأجنبي آخر فإن كان البائع هو البادئ بالقطع رد البائع على المشتري نصف الثمن الذي أعطاه لأنه بقطع اليد أتلف نصفه قبل أن يصير المشتري قابضا له فينفسخ البيع في ذلك النصف ويجب عليه رد نصف الثمن ثم المشتري بقطع الرجل صار قابضا جميع ما بقي قبضا تاما فيتقرر عليه نصف الثمن إلا أن نصف ما بقي تلف بجناية المشتري والنصف بسراية الجنايتين فما تلف بسراية جناية البائع وهو الثمن فعلى البائع حصة ذلك من قيمة العبد لأن التالف بسراية الجناية كالتالف بأصل الجناية ولو تلف بجنايته بعد ما تم قبض المشتري فيه كان الواجب عليه ضمان القيمة فكذلك ما تلف بسراية جنايته فلهذا ألزمه ثمن قيمة العبد للمشتري.
فإن قيل: قد قلتم إن للقبض مشابهة بالعقد وإذا كان بأصل العقد بعد الجناية ينقطع حكم السراية فإن قطع يد عبد نفسه ثم باعه فكذلك بقبض المشتري بعد جناية البائع ينبغي أن ينقطع حكم السراية قلنا عيب المبيع لا تقطع حكم السراية ولكن تبدل المستحق سبب للبيع هو القاطع للسراية لأن المستحق هو المالك وقد انتقل إلى ملك المشتري بالبيع وهذا المعنى لا يوجد في القبض وبه لا يتبدل المالك والمستحق فإن قيل معنى التبدل هنا يحصل حكما أيضا فإن ما تلف بأصل الجناية قبل القبض يتلف على ملك البائع وما تلف بسراية جنايته يتلف على ملك المشتري ويتبين ذلك بالموجب فإن باعتبار ما تلف بجناية البائع سقط الثمن عن المشتري وباعتبار ما تلف بجنايته يجب القيمة على البائع قلنا لا كذلك بل العبد بنفس العقد صار مملوكا للمشتري فجناية البائع تصادف ملك المشتري وهو سبب لضمان المتلف للمشتري عليه إلا أن قبض المشتري يفوت فيما تلف بأصل جنايته ومن ضرورة فوات قبضه إنفساخ البيع فيه فيسقط حصته من الثمن بذلك فأما ما تلف بسراية فلم يفت قبض المشتري فيه فلهذا كان مضمونا بالقيمة على البائع وتبين بهذا أن اختلاف الحكم لأجل فوت قبض المشتري لأن حكم السراية مخالف لحكم أصل العقد في حكم الضمان وهذا هو الجواب عن الإشكال الذي يرد على أبي حنيفة في مسألة سراية القصاص أن القطع مع السراية لا يكون قتلا من أصله إذا كان حكم أصل الفعل مخالفا لحكم السراية بدليل هذه المسألة.

 

ج / 13 ص -148-    ولو كان المشتري حين اشتراه نقد الثمن أو لم ينقده حتى قطع البائع يده ثم قبضه المشتري بإذن البائع أو بغير إذنه فمات في يد المشتري من جناية البائع عليه بطل على المشتري نصف الثمن بقطع البائع يده ولا ضمان على البائع فيما هلك في يد المشتري بجناية البائع لأن المشتري بإقدامه على القبض صار راضيا بما بقي منه وذلك قاطع لحكم سراية جناية البائع بمنزلة الرد فلهذا كان على المشتري نصف الثمن ولأن القبض مشابه بالعقد ولو اشتراه بعد قطع البائع يده انقطع به حكم السراية لأن المشتري صار راضيا بقبضه بحكم الشراء فكذلك في هذا الموضع ولا يشبه قبض المشتري في هذا الوجه قبضه في الوجه الأول بالجناية عليه أو بعيب يحدثه فيه وكل شيء يحدثه من جناية البائع بعد ما يحدث المشتري فيه جناية فإن كان الثمن غير منقود بطل عن المشتري من الثمن بحساب ما هلك منه بجناية البائع وإذا كان الثمن منقودا فعلى البائع فيه القيمة وإذا كان القبض بعد جناية البائع بأخذ المشتري إياه فلا ضمان على البائع فيما هلك من جنايته في يد المشتري من القيمة ولا يبطل عنه شيء من الثمن باعتباره لأن القبض بالجناية حكمي فإنما يظهر أثره فيما تلف به ولا تنقطع السراية التي انعقد سببها بجناية البائع فأما القبض بالأخذ فحتى يظهر في جميع ما بقي من العبد وله مشابهة بالعقد فينقطع به حكم سراية جناية البائع وهذا لأن بالقبض حسا يجعل راضيا بما بقي من العبد بعد جناية البائع وبالجناية لا يكون راضيا بتقرر ملكه فيما بقي بل هو متلف فإنما ينقطع حكم سراية جناية البائع فيما يتلف بجناية المشتري أو بسراية جنايته ضرورة ألا ترى أن رجلا لو قطع يد عبده ثم غصبه منه غاصب فمات في يده من جناية المولى كان على الغاصب قيمته يوم غصبه ولو لم يغصبه ولكنه جنى عليه فمات العبد من الجنايتين كان على الجاني ضمان ما تلف بجنايته وسراية جنايته ولو لم يكن عليه ضمان ما تلف بسراية جناية المالك فيه يتضح ما سبق من الفرق بين القبض حسا وبين القبض بحكم الجناية.
قال: وإذا اشترى الرجل عبدا من رجل فلم ينقده الثمن حتى قبض بغير إذن البائع فقطع البائع يده في يد المشتري ولم يأخذه حتى مات العبد من قطع اليد أو غير ذلك في يد المشتري فإن كان مات من قطع اليد فقد بطل البيع ولا شيء على المشتري فيه لأن حق البائع في الحبس لم يسقط بقبض المشتري إياه بغير إذنه والسراية إذا اتصلت بالجناية كانت قتلا من أصله فكأن البائع قتله في هذه الحالة في يد المشتري فيصير مستردا له ينفسخ العقد فيه فيسقط الثمن عن المشتري وإذا مات من غير قطعه فعلى المشتري نصف الثمن لأن البائع إنما صار مستردا لنصفه بقطع اليد فإنما انتقض قبض المشتري في ذلك النصف وبقي النصف الآخر هالكا في ضمان المشتري وهذا بخلاف ما تقدم إذا قطع المشتري يده في يد البائع ثم هلك لا من ذلك القطع ولم يحدث البائع فيه منعا فعلى المشتري جميع الثمن ويجعل قابضا لجميع المعقود عليه بإتلاف نصفه وهنا لم يجعل البائع مستردا لجميع العبد بإتلاف نصفه لأن في

 

ج / 13 ص -149-    الوجهين جميعا بقطع اليد يتمكن من قبض ما بقي منه فيجعل بمنزلة التخلي به والمشتري بالتخلية يصير قابضا فبالجناية أيضا يصير قابضا والبائع بالتخلي بالمبيع لا يصير مستردا فكذلك بالجناية لا يصير مستردا لما بقي منه وهذا لأن الملك للمشتري والملك ممكن له من القبض فيمكن أن يجعل قابضا للبعض بالإتلاف ولما بقي منه بالتخلي به لكونه مملوكا له فأما البائع فليس بمالك وإنما حقه في الحبس باعتبار يده ألا ترى أنه لو سلم المعقود عليه لم يكن له بعد ذلك أن يحبسه فكذلك استرداده لا يظهر إلا فيما ظهر فيه عمله بيده وذلك فيما يتلف بجنايته أو بسراية جنايته وإذا اشتراه ولم ينقده الثمن حتى أحدث المشتري فيه عيبا ينقصه من الثمن فهذا بمنزلة قطعه يده في أنه يصير قابضا لجميعه ويتقرر عليه جميع الثمن إن تلف بعد ذلك بآفة سماوية ولو باعه المشتري بعد ما أحدث فيه وقبضه الذي اشتراه منه كان بيعه جائزا وبه تبين أنه صار قابضا لجميع العبد بما أحدث وهو إشارة إلى ما ذكرنا أنه مالك للعبد والملك مطلق له حق القبض والتصرف.
قال: وإذا اشترى جارية فلم يقبضها حتى زوجها رجلا كان النكاح جائزا لأن ولاية التزويج تثبت بملك الرقبة والملك حصل للمشتري بنفس العقد والتزويج من التصرفات التي لا يمتنع صحتها لأجل الغرر ألا ترى أن تزويج الآبقة والرضيعة يجوز فكان التزويج نظير العتق وإعتاق المشتري قبل القبض صحيح فكذلك تزويجه ولهذا يجوز من الراهن تزويج الجارية المرهونة كما ينفذ عتقه ثم في القياس يصير المشتري قابضا بنفس التزويج وهو رواية عن أبي يوسف حتى إذا هلكت بعد ذلك فهو من مال المشتري لأن التزويج عيب فيها والمشتري إذا عيب المعقود عليه يصير به قابضا أو يجعل التزويج كالإعتاق أو التدبير فكما يصير المشتري قابضا بذلك فكذلك بالتزويج ولكنه استحسن فقال لا يكون قابضا لها بنفس التزويج حتى إذا هلكت فهي من مال البائع لأنه لم يتصل من المشتري فعل بها وإنما التزويج عيب من طريق الحكم على معنى أنه تقل رغائب الناس فيها وينتقص لأجله الثمن فهو في معنى نقصان السعر أو التزويج لما كان عيبا من طريق الحكم فهو نظير الإقرار عليه بالدين والمشتري لو أقر عليها بدين لا يصير قابضا لها بخلاف العيب الحسي فذلك باعتبار فعل يتصل من المشتري بعينها وهو إتلاف لجزء من عينها فإما أن يصير قابضا لما بقي بالتخلي بها أو لأن المشتري لا يتمكن من قبض البعض دون البعض فمن ضرورة كونه قابضا لما أتلف أن يكون قابضا لما بقي منه وبه يفرق بين قبض المشتري واسترداد البائع فالبائع يملك استرداد البعض ليحبسه بالثمن دون القبض فلا يجعل بتفويت البعض مستردا لما بقي وهذا بخلاف الإعتاق لأنه إنهاء للملك وإتلاف للمالية ولهذا يثبت به الولاء فمن ضرورته أن يصير قابضا والتدبير نظير العتق في استحقاق الولاء وثبوت حق الحرية للمدبرة فإن وطئها الزوج ثم ماتت بعد ذلك ماتت من مال المشتري إن نقصها الوطء أو لم ينقصها لأن الزوج إنما وطئها بتسليط المشتري إياه على ذلك فيكون فعله كفعل المشتري ولو كان المشتري هو الذي وطئها بنفسه

 

ج / 13 ص -150-    ثم ماتت فعليه جميع ثمنها لأنه بالوطء قد تخلى بها والوطء بمنزلة إتلاف جزء منها فكذلك إذا وطئها الزوج بتسليط المشتري.
وإن كان البائع منعها من المشتري بعد وطء المشتري أو الزوج إياها ولم ينقصها الوطء شيئا ثم ماتت فلا شيء على المشتري من الثمن ولا من العقر لأن البائع صار مستردا لها بحبسه إياها بالثمن ومنع المشتري منها ولم يتلف بالوطء شيئا من ماليتها لأن المستوفي بالوطء وإن كان في حكم جزء من عينها فذلك جزء ليس بمال والثمن بمقابلة ما هو مال فلهذا لا يتقرر على المشتري شيء من الثمن ولا عقر عليه لأنه وطئها في ملكه ووطء الإنسان في ملك نفسه لا يلزمه العقر وإن كانت بكرا أو كان الوطء نقصها لم ينظر إلى العقر ولكن ينظر إلى ما ينقصها الوطء فيكون عليه حصة من الثمن لأنه فات جزء من ماليتها بفعل المشتري فيتقرر عليه حصة ذلك من الثمن كما لو فقأ المشتري عينها ثم استردها البائع فهلكت وهذا لأن البكارة في حكم جزء من المالية ولهذا يصير مستحقا بالبيع إذا اشترط فبوطء المشتري إن كانت بكرا يفوت جزء من المالية وقد بينا أن الوصف الذي هو مال يقابله حصة من الثمن إذا صار مقصودا بالتناول وإذا كان البائع هو الواطى ء لم ينظر إلى العقر ولكنه ينظر إلى النقصان فإن كان لم ينقصها شيئا أخذها المشتري بجميع الثمن وإن كان نقصها شيئا حط عنه حصة النقصان وأخذها بما بقي من الثمن في قول أبي حنيفة.
وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله: إذا لم ينقصها الوطء يقسم الثمن على العقر والقيمة فيسقط حصة العقر من الثمن عن المشتري فإن نقصها الوطء ينظر إلى الأكثر من العقر ومن النقصان فيقسم الثمن عليه وعلى قيمتها ويبطل على المشتري حصة ذلك الثمن ويأخذها بحصة القيمة من الثمن لأنها بالعقر صارت مملوكة للمشتري فوطء البائع حصل في ملك الغير والوطء في ملك الغير لا ينفك عن حد أو عقر وقد سقط الحد للشبهة فيجب العقر ولكن لا يمكن استيفاء العقر من البائع لأنها في ضمانه بالثمن فيعتبر العقر لإسقاط حصته من الثمن وهذا لأن الوطء في ملك الغير بمنزلة الجناية فكما أن جناية البائع عليها قبل التسليم تعتبر في إسقاط حصة من الثمن لا في إيجاب الضمان فكذلك وطؤه إياها إلا أنها إذا كانت بكرا فالممكن هنا اعتبار معنى نقصان البكارة والعقر بسبب الوطء ولكن يتعذر الجمع بينهما بسبب فعل واحد فيدخل الأقل في الأكثر ويعتبر الانقسام على القيمة وعلى الأكثر منهما وأبو حنيفة رحمه الله يقول الجارية قبل التسليم في ضمان البائع وقد جعل ذلك في حكم ضمان الفعل بمنزلة حقيقة الملك ألا ترى أنه لا يلزمه بالجناية أرش ولا بالوطء عقر يستوفي منه فكما أن وطأه إياها لو حصل في حال قيام ملكه فيها لم يكن موجبا للعقر أصلا فكذلك إذا حصل في ضمان ملكه وهذا لأن المستوفي بالوطء في حكم جزء من العين كما قال ولكنه جزء ليس بمال فإذا لم يمكن نقصانا في ماليتها والثمن بمقابلة المالية لا يمكن إسقاط شيء من الثمن باعتباره وبه فارق الجناية فإنه يمكنه نقصانا في المالية نقول إنه يسقط

 

ج / 13 ص -151-    بحصة ذلك النقصان من الثمن يوضحه أن الجارية في حكم الوطء إنما تصير مملوكة للمشتري بالقبض وقبل القبض هي كالمملوكة للبائع في حكم ضمان الوطء ولهذا لا يحتسب بالحيضة التي توجد في يد البائع من استبراء المشتري وأن المشتري لو زوجها ثم قبضها لم يكن عليه أن يستبرئها إذا طلقها الزوج فوطء البائع إياها قبل التسليم من هذا الوجه بمنزلة وطئه إياها قبل البيع وبهذا الطريق قال أبو حنيفة لا خيار للمشتري أيضا بمنزلة ما لو وطئها البائع قبل القبض ولم ينقصها الوطء ثم علم المشتري بذلك لم يكن له فيها خيار وإن كانت بكرا فنقصها الوطء ثبت الخيار للمشتري لفوات جزء من المالية بمنزلة ما لو ذهبت البكارة من غير صنع أحد.
يوضحه أن المستوفي بالوطء في حكم جزء هو ثمرة لأنه من حيث الصورة استيفاء منفعة والمنفعة تحدث شيئا فشيئا فإتلاف البائع جزءا مما هو ثمرة لا يثبت الخيار للمشتري عند أبي حنيفة إذا لم يتمكن نقصان في مالية العين كإتلاف ولد الشاة وثمرة الأشجار فإذا لم يمكن نقصانا في العين ثبت الخيار للمشتري لأجله كما لو ولدت الجارية فأتلف البائع ولدها وذكر بن سماعة عن محمد رحمهما الله فيما إذا كانت بكرا تخريجا هو ألطف من هذا فقال ينظر إلى نقصان البكارة والعقر أيقسم الثمن أولا على نقصان البكارة وعلى قيمتها فيسقط نقصان البكارة من الثمن ثم يقسم ما بقي من الثمن على قيمتها وعلى ما بقي من العقر فسقط حصة العقر من الثمن وبيانه إذا اشتراها بمائة وقيمتها مائة ونقصان البكارة عشرون والعقر أربعون فإنه يسقط أولا باعتبار نقصان البكارة عشرين درهما ثم يقسم ما بقي من الثمن وذلك ثمانون درهما على قيمتها وهي ثمانون وعلى ما بقي من العقر وهو عشرون فيقسم أخماسا بأن يجعل كل عشرين سهما فيسقط عنه خمس ما بقي وذلك ستة عشر درهما وإنما يأخذها بما بقي وذلك أربعة وستون درهما.
قال: وإذا اشترى عبدا بألف درهم فلم يقبضه ولم ينقد الثمن حتى قطع البائع يده ثم قطع المشتري وأجنبي رجله من خلاف فعلى المشتري ثلاثة أثمان الثمن وثلث ثمن الثمن حصة جنايته وجناية الأجنبي ويبطل عنه جناية البائع أربعة أثمان الثمن وثلثا ثلث الثمن لأن البائع بقطع اليد أتلف نصفه والمشتري مع الأجنبي بقطع الرجل أتلف نصف ما بقي ثم ما بقي وهو الربع تلف بجناية ثلثه فيكون ثلث ذلك الربع هالكا بجناية كل واحد منهم وأصل السهام من ثمانية ثم انكسر بالأثلاث فيضرب ثمانية في ثلاثة فيكون أربعة وعشرون ثم انكسر بالأنصاف لأن ما تلف بجناية المشتري والأجنبي يكون نصفين بينهما فتضعف أربعة وعشرون للكسر بالأنصاف فيكون ثمانية وأربعين التالف بجناية البائع أربعة وعشرون وبسراية جنايته أربعة فذلك ثمانية وعشرون وذلك أربعة أثمان العبد وثلثا ثمنه لأن سهام العبد ثمانية وأربعون كل ثمن ستة فأربعة وعشرون أربعة أثمان وأربعة ثلثا الثمن وجنايته موجبة سقوط الثمن فلهذا سقط أربعة أثمان الثمن وثلثا الثمن ويتقرر على المشتري ثلاثة أثمان الثمن وثلث الثمن

 

ج / 13 ص -152-    حصة ما تلف بجنايته وحصة ما تلف بجناية الأجنبي لأن الأجنبي ضامن للقيمة فيبقى البيع فيما تلف بجناية الأجنبي تبعا لبدله والتالف بجنايتهما وسراية جنايتهما في الحاصل عشرون وذلك ثلاثة أثمان العبد وثلث ثمنه ويرجع المشتري على الأجنبي بثمن القيمة وثلثي ثمنها لأن التالف بجناية الأجنبي نصف العشرين وهو عشرة وذلك ثمن العبد وثلثا ثمنه فيرجع المشتري عليه بثمن القيمة وثلثي ثمن القيمة ولا يتصدق بشيء منه وإن كان فيه فضل على حصة من الثمن لأن المشتري بجنايته يصير قابضا وجناية الأجنبي اقترنت بجناية المشتري ووجوب القيمة عليه بعد الجناية فعرفنا أن الوجوب على الأجنبي بعد قبض المشتري فكان ذلك ربحا على ملكه وضمانه.
ولو كان البائع والأجنبي هما اللذان قطعا اليد أولا ثم قطع المشتري رجله من خلاف فمات من ذلك كله فهو على ما ذكرنا من التخريج يرتفع سهام العبد إلى ثمانية وأربعين والفائت بجناية البائع والأجنبي أربعة وعشرون وبسراية جنايتهما ثمانية وذلك اثنان وثلاثون بينهما نصفان فيكون الفائت بفعل كل واحد منهما ستة عشر وبجناية المشتري اثنى عشر وبسراية جنايته أربعة فذلك ستة عشر فأما ما تلف بفعل البائع فيسقط ثمنه عن المشتري وذلك ثمنا الثمن وثلثا ثمنه كل ثمن ستة وما سوى ذلك قيمته واجبة على المشتري أما حصة ما تلف بجنايته فغير مشكل وكذلك حصة ما تلف بجناية الأجنبي لأنه قد وجب عليه بدله وهو القيمة فعرفنا أنه يقرر على المشتري خمسة أثمان الثمن وثلث ثمن الثمن ويرجع المشتري على الأجنبي بثمن القيمة وثلثي ثمن القيمة فيكون ذلك على عاقلته في ثلاث سنين لأن الجناية على طرف المملوك إذا اتصلت بالنفس تتحملها العاقلة وكما أن بدل النفس كله يكون مؤجلا في ثلاث سنين فكذلك كل جزء من بدل النفس فعرفنا أنها على الأجنبي وذلك ثمنا القيمة وثلثا ثمنها يؤخذ من عاقلته في ثلاث سنين في كل سنة ثلث ذلك فإذا قبض المشتري ذلك فإنه يقابل مقدار ربع القيمة بربع الثمن فإن كان فيه فضل تصدق بالفضل لأن مقدار الربع وجب بأصل جناية الأجنبي وقد كان ذلك قبل قبض المشتري فهذا ربح حصل لا في ضمانه فيتصدق به بالفضل وأما ثلثا ثمن القيمة فهو سالم للمشتري لا يتصدق بشيء منه لأن وجوب ذلك على المشتري بسراية جنايته وقد كان ذلك بعد ما صار المشتري قابضا له بالجناية فهو ربح حصل في ضمانه ألا ترى أن رجلا لو اشترى عبدا فلم يقبضه حتى قطع أجنبي يده ثم قبضه على ذلك ورضيه فمات في يده من جناية الأجنبي عليه فعلى عاقلة الأجنبي قيمة العبد في ثلاث سنين فإذا قبضها وفيها فضل تصدق بنصف الفضل لأن ذلك ربح ما لم يضمن واليد قطعت قبل دخول العبد في ضمانه ولا يتصدق بنصف الفضل لأن السراية كانت بعد دخول العبد في ضمان المشتري بالقبض.
قال: ولو قطع المشتري وأجنبي يده معا ثم قطع البائع رجله من خلاف فمات من ذلك كله فالمشتري بالخيار لوجود الجناية من البائع بعد جناية المشتري فقد انتقص قبض

 

ج / 13 ص -153-    المشتري فيما تلف بجناية البائع وصار ذلك كجنايته قبل قبض المشتري وذلك يثبت الخيار للمشتري للتغير ولم يوجد بعده من المشتري ما يكون دليل الرضا منه فلهذا يخير بين فسخ البيع وإمضائه فإن اختار البيع فعليه من الثمن خمسة أثمانه وثلث ثمنه وسقط عنه ثمنا الثمن وثلثا ثمنه حصة ما تلف بجناية البائع وبسراية جنايته وقد بينا على التخريج الأول أن التالف بجناية البائع اثنا عشر من ثمانية وأربعين وبسراية جنايته أربعة فذلك ستة عشر وهو ثمنا العبد وثلثا ثمنه ثم يرجع المشتري على الأجنبي بثمن القيمة وثلثي ثمن القيمة لأن التالف بجنايتهما أربعة وعشرون وسراية جنايتهما ثمانية فيكون اثنين وثلاثين نصف ذلك على الأجنبي وذلك ستة عشر فلهذا يرجع عليه بثمن القيمة وثلثي ثمن القيمة ولا يتصدق بالفضل إن كان في ذلك لأن جناية الأجنبي كانت مع قبض المشتري على ما بينا أن المشتري بجنايته يصير قابضا وإن اختار المشتري نقض البيع لزمه من الثمن حصة ما تلف بجنايته وسراية جنايته وذلك ثمنا الثمن وثلثا ثمن الثمن ويسقط عنه ما سوى ذلك لانفساخ البيع فيه ويرجع البائع على الأجنبي بثمن القيمة وثلثي ثمن القيمة لأنه ظهر أن جناية الأجنبي حصلت على ملك البائع حين انفسخ البيع فما تلف بجنايته وسراية جنايته يقابل ذلك بما يخصه من الثمن فإن كان فيه فضل يتصدق بالفضل لأنه ربح حصل لأعلى ملكه لما بينا أن أصل الجناية لم تكن على ملكه.
قال: وإذا اشترى الرجل من الرجلين عبدا بألف درهم فلم ينقدهما الثمن حتى قطع أحد البائعين يد العبد ثم قطع الآخر رجله من خلاف ثم فقأ المشتري إحدى عينيه فمات من ذلك كله في يد البائعين فالمشتري مختار للبيع بجنايته بعد جناية البائعين لأن جنايتهما أوجبت الخيار له ولكن جنايته بعد جنايتهما تكون دليل الرضا منه والإسقاط لخياره فيكون عليه من الثمن للقاطع الأول ثمن الثمن وخمسة أسداس ثمن الثمن لأن للقاطع الثاني ثمنا الثمن وخمسة أسداس الثمن لأن القاطع الأول بجنايته أتلف النصف وذلك أربعة وعشرون من ثمانية وأربعين والقاطع الثاني بجنايته أتلف نصف ما بقي وذلك اثنا عشر ثم المشتري بفقء العين أتلف نصف ما بقي وهو ستة وما بقي وهو ستة تلف بثلاث جنايات فيكون على كل واحد منهم ثلث ذلك فكان حاصل ما تلف بجناية القاطع الأول وسراية جنايته ستة وعشرون نصف ذلك مما باع هو ونصف مما باع شريكه ففي حصة ما باع هو يسقط من الثمن وذلك ثلاثة عشر وكل ثمن ستة فالثلاثة عشر تكون ثمن الثمن وسدس الثمن وقد كان للقاطع الأول أربعة أثمان الثمن فإذا سقط ثمناه وسدس ثمنه بقي له ثمن الثمن وخمسة أسداس ثمنه فلهذا يغرم المشتري له ذلك والتالف بجناية القاطع الثاني وسراية جنايته أربعة عشر نصف ذلك مما باعه هو فيسقط بحصته من الثمن ونصفه فيما باع شريكه كالأجنبي فعرفنا أن الساقط من حقه ثمن الثمن وسدس ثمن الثمن بقي له ثمنا الثمن وخمسة أسداس ثمن الثمن فيغرم له المشتري ذلك ثم يرجع المشتري على القاطع الأول بثمني القيمة وسدس ثمن القيمة وذلك ثلاثة عشر سهما من ثمانية وأربعين سهما حصة ما تلف بجنايته وسراية جنايته مما باعه شريكه،

 

ج / 13 ص -154-    لأنه في الجناية على ذلك كأجنبي آخر فيلزمه القيمة ويكون ذلك على عاقلته في ثلاث سنين وعلى عاقلة القاطع الثاني ثمن قيمة العبد وسدس ثمن قيمة حصة ما تلف بجنايته وسراية جنايته مما باعه القاطع الأول وذلك سبعة أسهم ويكون ذلك في ثلاث سنين لأنه جزء من بدل النفس فيكون في حكم التأجيل يعتبر الجميع بدل النفس ويتصدق المشتري بما زاد من ذلك كله على ما غرم من الثمن الأفضل سدس ثمن قيمة العبد على ما كان بمقابلته من الثمن فإن ذلك يطيب له لأن ما وجب بأصل جناية كل واحد من البائعين إنما وجب قبل قبض المشتري فيلزمه التصدق بالفضل فيه وأما ما تلف بسراية جناية كل واحد منهما فإنما تلف بعد ما صار المشتري قابضا له فيطيب له الفضل في ذلك القدر.
قال: وإذا اشترى الرجلان من رجل عبدا فلم ينقده الثمن حتى قطع أحد المشتريين يده ثم قطع الآخر رجله من خلاف فمات العبد من ذلك كله فالبيع لازم للمشتريين بالثمن كله لأن المبيع تلف بفعلهما وذلك قبض منهما وزيادة ويرجع القاطع الأول على القاطع الثاني بثمن القيمة ونصف ثمن قيمته ويرجع القاطع الثاني على القاطع الأول بثمن قيمته ونصف من قيمته فيكون ذلك على عاقلة كل واحد منهما في ثلاث سنين لأن القاطع الأول بجنايته أتلف النصف والقاطع الثاني أتلف نصف ما بقي ثم تلف ما بقي بسراية جنايتهما فيكون نصفه على كل واحد منهما فحاصل ما تلف بجناية القاطع الأول أربعة وعشرون وسراية جنايته ستة فذلك ثلاثون نصف ذلك مما اشتراه هو ونصفه مما اشتراه صاحبه فيجب عليه قيمة ذلك لصاحبه وذلك خمسة عشر سهما وخمسة عشر من ثمانية وأربعين ثمناه ونصف ثمنه فلهذا يجب على عاقلة القاطع الأول ثمنا القيمة ونصف ثمنها والتالف بجناية القاطع الثاني وبسراية جنايته ثمانية عشر نصفه مما اشتراه صاحبه وهو تسعة وذلك ثمن ونصف ثمن فلهذا يجب على عاقلة القاطع الثاني ثمن القيمة ونصف ثمن القيمة فإن كان البائع فقأ عينه بعد جنايتهما فمات من ذلك كله فللمشتريين الخيار لوجود الجناية من البائع ولم يوجد بعدها منهما ما يكون دليل الرضا فإن ختارا نقض البيع فللبائع على القاطع الأول ثمنا الثمن وسدس ثمنه وعلى الثاني ثمن الثمن وسدس ثمنه لأن التالف بجناية القاطع الأول أربعة وعشرون وبسراية جنايته سهمان ثلث ما بقي بعد جناية البائع فذلك ستة وعشرون نصف ذلك ثلاثة عشر مما اشتراه هو فيقرر عليه حصة من الثمن وذلك ثمنا الثمن وسدس ثمنه ونصف ذلك مما اشتراه شريكه فقد انفسخ البيع فيه بفسخه فيغرم للبائع ثمني القيمة وسدس ثمن القيمة لأنه فيما اشترى شريكه كالأجنبي والتالف بجناية القاطع الثاني اثنا عشر وبسراية جنايته سهمان نصف ذلك وهو سبعة مما اشتراه فلزمه حصة من الثمن وهو ثمن الثمن وسدس ثمن الثمن ونصفه مما اشتراه شريكه فينفسخ البيع فيه بفسخه ويغرم للبائع حصة من القيمة وذلك ثمن القيمة وسدس ثمنها فإن اختار إمضاء البيع كان على كل واحد منهما ثلاثة أثمان الثمن وثلث ثمنه لأنه إنما سقط من الثمن ما تلف بجناية البائع وسراية جنايته والتالف بجنايته سنة وبسراية جنايته سهمان فذلك

 

ج / 13 ص -155-    ثمن وثلث ثمن والباقي عليهما من الثمن ستة أثمان الثمن وثلثا ثمن على كل واحد منهما ثلاثة أثمان الثمن وثلث ثمنه ويرجع القاطع الثاني على الأول بثمني القيمة وسدس ثمنها لما بينا أن التالف بفعله مما اشتراه القاطع الثاني ثلاثة عشر سهما فيلزمه قيمة ذلك وذلك ثمنا القيمة وسدس ثمنها لأنه تلف بفعل الثاني مما اشتراه الأول سبعة أسهم وذلك ثمن وسدس ثمن فلا تقع المقاصة بينهما فيه لأن ما يجب على كل واحد منهما من ذلك يكون على عاقلته في ثلاث سنين فلا تقع المقاصة فيه مع اختلاف من يجب عليه.
قال: وإذا اشترى عبدا بألف درهم ولم ينقده الثمن حتى قطع البائع يده ثم قطع المشتري يده الأخرى أو قطع رجله التي في جانب اليد المقطوعة فمات من ذلك كله فقد بطل على المشتري بقطع البائع يد العبد نصف الثمن لأن اليد من الآدمي نصفه ثم ينظر إلى ما نقص العبد من جناية المشتري عليه في قطع يده أو رجله بخلاف ما سبق وهو ما إذا قطع رجله من خلاف لأن فعله هناك ليس باستهلاك فإنه غير مفوت لجنس المنفعة فلهذا يجعل التالف بفعله نصف ما بقي وهنا فعله استهلاك حكما لأنه إن قطع اليد الأخرى فقد فوت منفعة البطش وتفويت منفعة الجنس يكون استهلاكا من طريق الحكم ولهذا لا يستحق ذلك في السرقة ولا يجوز إعتاق مقطوع اليدين في الكفارة فإن قطع الرجل التي من جانب اليد المقطوعة فقد فوت عليه منفعة المشي لأنه لا يمكنه أن يمشي بعصا بخلاف ما إذا قطع الرجل من خلاف فعرفنا أن هذا استهلاك وأن النقصان فيه أكثر فلهذا اعتبرنا النقصان فإن كانت هذه الجناية نقصته أربعة أخماس ما بقي بأن كانت قيمته بعد قطع اليد ألف درهم وتراجعت قيمته بجناية المشتري إلى مائتي درهم فقد تقرر على المشتري أربعة أخماس نصف الثمن ثم الباقي وهو خمس النصف تلف بجنايتهما فيكون نصف ذلك على المشتري فصار حاصل ما على المشتري من الثمن أربعة أعشار الثمن ونصف عشر الثمن وسقط عنه بجناية البائع وسراية جنايته خمسة أعشار ونصف عشر.
قال: فإن بدأ المشتري فقطع يده ثم قطع البائع رجله من خلاف ثم مات من غير ذلك ولم يحدث البائع فيه منعا فعلى المشتري ثلاثة أرباع الثمن لأنه بقطع اليد صار قابضا لجميع العبد ثم إنما ينتقض حكم قبضه فيما تلف بفعل البائع خاصة والتالف بفعل البائع نصف ما بقي منه وهو ربع العبد فيسقط عن المشتري ربع الثمن ويلزمه ثلاثة أرباع الثمن نصف الثمن حصة ما تلف بجنايته وربع الثمن حصة ما بقي من العبد لأن حكم قبض المشتري بقي فيه وقد تلف لا بسراية جناية البائع فيتقرر ثمنه على المشتري ولو لم يمت العبد وبرأ كان المشتري بالخيار لأن حكم قبضه انتقض فيما تلف بجناية البائع وذلك يثبت الخيار للمشتري ولم يوجد منه بعد ذلك ما يدل على الرضا فكان على خياره إن شاء أخذه وأعطاه ثلاثة أرباع الثمن نصف الثمن حصة ما تلف بقطعه اليد وربع الثمن حصة الباقي من العبد وإن شاء تركه وأعطى نصف الثمن بقطعه اليد ولو أراد المشتري أخذه فمنعه البائع حتى يعطيه ثلاثة أرباع

 

ج / 13 ص -156-    الثمن فمات في يده من غير جنايتهما فليس على المشتري إلا نصف الثمن لأن حكم قبضه انتقض فيما بقي حين منعه البائع فإنما تلف ما بقي في ضمان البائع فلهذا لا يجب على المشتري من الثمن إلا حصة اليد وذلك نصف الثمن والله أعلم.

باب زيادة المبيع ونقصانه قبل القبض
قال: وإذا اشترى الرجل جارية بألف درهم وقيمتها ألف درهم فولدت عند البائع بنتا تساوي ألف درهم ونقصت الولادة الأم فالمشتري بالخيار إن شاء أخذهما بجميع الثمن وإن شاء تركهما لأنها تعيبت في ضمان البائع والعيب الحادث قبل القبض فيها يجعل كالمقترن بالعقد ونقصان الولادة وإن كان منجبرا بالولد فالخيار يثبت للتغير كما لو قطعت يدها وأخذ البائع الأرش فإن اختار المشتري أخذهما فلم يأخذهما حتى ولدت البنت بنتا تساوي ألفا وقد نقصتها الولادة فالمشتري أيضا بالخيار لأن الزيادة الحادثة قبل القبض كالموجودة عند العقد حتى يصير بمقابلتها حصة من الثمن إذا قبضت وأنه يثبت للمشتري فيها حق القبض كما يثبت في الأصل فكما أنه يستحق سلامة الأصل عن العيب ويثبت له الخيار إذا لم يسلم فكذلك يثبت الخيار للنقصان المتمكن في الزيادة بسبب الولادة لأنه إنما رضي بنقصانها على أن يسلم له الزيادة سليمة عن النقصان فإذا لم يسلم كان هو على خياره فإذا زادت الوسطى حتى صارت تساوي ألفين فقبضهن جميعها والأم قد رجعت قيمتها إلى خمسمائة ثم وجد بالأم عيبا ردها بربع الثمن وهذا لأن الوسطى والسفلى كلاهما زيادة في الأم فإن الوسطى تبع الأم في العقد ولا تبع للتبع فإذا لم يمكن جعل السفلى تبعا للوسطى جعلناهما كولدين للأم ثم الأصل في قسمة الثمن أنه يعتبر قيمة الأم وقت العقد وقيمة الولد وقت القبض لأن الزيادة إنما تصير مقصودة بالقبض وإنما يكون لها حصة من الثمن إذا صارت مقصودة فأما البيع فلا حصة له من الثمن ما لم يصر مقصودا كأطراف المبيع وقيمة الأم عند العقد ألف درهم وقيمة الوسطى عند القبض ألفان وقيمة السفلى ألف فجعلنا كل ألف سهما وإذا جعلنا كل ألف سهما انقسم الثمن على أربعة أسهم سهم بإزاء الأم فيردها بذلك إذا وجد العيب بها وسهمان بإزاء الوسطى فيردها بالعيب بنصف الثمن وسهم بإزاء السفلى فيردها بالعيب بربع الثمن لأن كل واحدة منهن لما صارت مقصودة بالقبض التحقت بالموجود عند العقد في استحقاق المشتري صفة السلامة فيها وعند وجود العيب إنما يرد المعيب خاصة بعد القبض وقد بينا هذا فيما سبق.
قال: وإذا اشترى أمتين بألف درهم قيمة إحداهما خمسمائة وقيمة الأخرى ألف درهم فولدت كل واحدة منهما ولدا يساوي ألفا ثم اعورت التي كانت تساوي ألفا فاختار المشتري أخذ ذلك كله بالثمن فقبضهن جميعا ودفع الثمن ثم وجد بالعوراء عيبا وقيمتها خمسمائة ردها بثلثمائة وثلاثة وثلاثين وثلث لأن ولد كل واحدة منهما يتبعها فيما يخصها من الثمن والانقسام أولا على قيمة الأمتين لأنهما مقصودتان بالعقد وولد كل واحدة منهما زيادة فيها

 

ج / 13 ص -157-    دون الأخرى فيقسم الثمن على قيمة الجاريتين وقت العقد وقيمة العوراء وقت العقد ألف درهم وقيمة الأخرى خمسمائة فكان ثلثا الثمن حصة العوراء ثم ينقسم حصتها من الثمن على قيمتها وقت العقد وقيمة ولدها وقت القبض وذلك ألف فانقسم نصفان نصفه حصة ولدها ونصفه حصة العوراء وذلك ثلث الألف فبذلك يردها بالعيب ولو وجد العيب بالأمة الأخرى ردها بمائة وأحد عشر درهما وتسع درهم لأن حصتها ثلث الثمن فانقسم ذلك على قيمتها وقت العقد وهو خمسمائة وقيمة ولدها وقت القبض وهو ألف درهم فيردها بذلك.
قال: وإذا اشترى شاة فولدت قبل القبض فليس للمشتري أن يترك البيع لأن الولادة زيادة في البهائم فلا يتمكن بها نقصان في الأصل فالمشتري يجبر على قبضها لأنه لما كان راضيا بلزوم العقد قبل حدوث الزيادة فهو راض بلزومه بعد حدوثها فإن وجد بالأم عيبا قبل القبض فهو بالخيار إن شاء أخذهما بجميع الثمن وإن شاء تركهما جميعا وليس له أن يأخذ إحداهما دون الأخرى لأن الزيادة قبل القبض تبع في العقد لا حصة لها من الثمن وثبوت الحكم في التبع بثبوته في الأصل ولأنه لو رد الأصل وحدها ردها بجميع الثمن إذ لا حصة للولد ما لم يصر مقصودا بالقبض وبعد ما ردها بجميع الثمن لو بقي العقد في الولد أخذه بغير شيء فيكون فضلا خاليا عن المقابلة مستحقا بالتبع مقبوضا به وهو الربا بعينه وإن وجد بالولد عيبا فلا خيار له فيه وهما لازمان له لأن بوجود العيب يظهر فوات جزء من الولد ولو مات الولد قبل القبض أخذ الأم بجميع الثمن ولا خيار له فيها فكذلك إذا فات جزء من الولد وهذا لأن الزيادة لما فاتت من غير صنع أحد صارت كأن لم تكن وقبل حدوثها كان العقد لازما له في الأصل بجميع الثمن فكذلك بعد فواتها وهذا بخلاف ما إذا وجد العيب بالولد بعد ما قبضهما لأن الولد بالقبض صار مقصودا فصار له حصة من الثمن فباعتبار العوض بمقابلته يستحق المشتري صفة السلامة فيه فإذا وجد المشتري به عيبا رده فأما قبل القبض فلا حصة له من الثمن واستحقاق صفة السلامة عن العيب باعتبار العوض ألا ترى أنه لا يستحق ذلك في الموهوب وإن كان البائع هو الذي قتل الولد فقد صار الولد مقصودا بإتلاف البائع إياه ولو صار مقصودا بقبض المشتري إياه كان له حصة من الثمن فكذلك إذا صار مقصودا بإتلاف البائع وقد قررنا هذا في طرف المبيع أنه إذا فات من غير صنع أحد لا يسقط شيء من الثمن وإذا أتلفه البائع يسقط حصته من الثمن فكذلك هذا في الولد الذي هو تبع فيقسم الثمن على قيمة الأم وقت البيع وعلى قيمة الولد يوم قتله البائع فما أصاب الولد بطل عن المشتري وأخذ الأم بما بقي ولا خيار له في ذلك عند أبي حنيفة وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله له الخيار وهذه هي الخلافية التي ذكرناها في الثمار وتنصيصه على الخلاف هنا يكون تنصيصا ثمة إذ لا فرق بينهما.
قال: وإذا اشترى الرجل من الرجل جارية بألف درهم وإحدى عينيها بيضاء وقيمتها ألف درهم فولدت ولدا يساوي ألفا ثم ذهب البياض من عينها فصارت تساوي ألفين ثم إن البائع

 

ج / 13 ص -158-    ضرب العين التي كانت في الأصل صحيحة فابيضت ورجعت قيمتها إلى ألف درهم وبياض العين ينقصها أربعة أخماس القيمة الأولى لو كانت العين الأولى بيضاء على حالها فإني لست ألتفت إلى الزيادة لكي أنظر كم كان ينقصها البياض لو كان بياض العين الأولى على حاله فإذا كان ينقصها أربعة أخماس القيمة الأولى وذلك ثمانمائة درهم فالمشتري بالخيار إن شاء أخذها بستة أعشار الثمن وإن شاء تركها أما ثبوت الخيار فلأنها تغيرت في ضمان البائع بفعله ثم ذهاب البياض عن العين الأولى زيادة متصلة ولا معتبر بالزيادة المتصلة في عقود المعاوضات لما بينا أن المعتبر في الانقسام قيمتها وقت العقد فوجود هذه الزيادة كعدمها ولو لم يذهب البياض عن عينها حتى ضرب البائع العين الصحيحة فابيضت فإنه يعتبر فيه النقصان فيها لأنها عميت بفعله وذلك استهلاك حكما فيكون المعتبر فيه النقصان فلهذا قال ينظر إلى ما نقصها القيمة الأولى ثم الثمن ينقسم على قيمتها وقت العقد وقيمة ولدها وقت القبض وهما سواء فانقسم نصفان نصف الثمن حصة الولد ونصفه حصة الأم فإذا كان النقصان أربعة أخماس القيمة الأولى سقط عن المشتري أربعة أخماس النصف وتبين أن جميع الثمن صار على عشرة أسهم نصفه وهو خمسة حصة الولد وسهم واحد حصة ما بقي من الأم فإذا قبضهما ثم وجد بالأم عيبا ردها بحصتها من الثمن وهو سدس ما أخذهما به ولو وجد العيب بالولد رده بحصته وهو خمسه أسداس ما أخذهما به ولو لم يكن البائع ضرب العين الصحيحة ولكنه ضرب العين التي كان بها البياض بعد ما ذهب البياض فعاد إلى الحالة الأولى فالمشتري بالخيار في قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله إن شاء أخذهما بثلثي الثمن وإن شاء تركهما ولأن ذهاب البياض كان زيادة متصلة فقد انفصلت بفعل البائع فهي كزيادة متصلة أتلفها البائع بأن ولدت ولدا آخر قيمته ألف فقتله البائع ولو كان كذلك لكان يقسم الثمن على قيمة الأم وقت العقد وقيمة الولد من حين يصير كل واحد منهما مقصودا والقيمة سواء فيقسم الثلث أثلاثا وحصة ما أتلف البائع ثلث الثمن فيسقط ذلك عن المشتري ويتخير فيما بقي عندهما.
وعند أبي حنيفة لا خيار له بمنزلة الزيادة المنفصلة في البهائم إذا أتلفها البائع لأن تلك الزيادة لا تمكن نقصانا في الأصل وهذه الزيادة مثل تلك فإن كان أخذهما ثم وجد بإحداهما عيبا رده بنصف ما أخذهما به لما بينا أن حصة كل واحد منهما ثلث الثمن وهذا بخلاف الأول وهو ما إذا كانت جناية البائع على العين الصحيحة لأن الزيادة هناك لم تزايل البدن فلا معتبر بها وهنا الزيادة زايلت البدن بصنع البائع فوجب اعتبارها.
قال: وإذا اشترى جارية بألف وقيمتها ألف وإحدى عينيها بيضاء فذهب البياض فصارت تساوي الفين ثم أن عبدا لأجنبي ضرب تلك العين فعاد بياضها ودفعه مولاه وقيمته خمسمائة درهم فأخذهما المشتري بجميع الثمن ثم إنه وجد بالعبد عيبا فإنه يرد بثلث الثمن لأن العبد المدفوع بالعين قائم مقامها وذهاب البياض عن تلك العين كان زيادة متصلة وقد انفصلت

 

ج / 13 ص -159-    فيجعل كولد ولدته الجارية وإنما ينقسم الثمن على قيمتها وقت العقد وقيمة الولد وقت القبض فكذلك يعتبر قيمة العبد المدفوع في الانقسام وقت القبض بحكم العقد لا وقت الدفع بالجناية لأن ذلك ليس من حكم العقد في شيء وقيمته وقت القبض خمسمائة فانقسم الثمن أثلاثا ثلثه بإزاء العبد يرده بذلك إن وجد به عيبا وثلثاه بإزاء الجارية إن وجد العيب بها يردها بذلك وإن كان المشتري لم يقبض العبد حتى زاد في يد البائع فصار يساوي ألف درهم ثم قبضهما المشتري فوجد بإحداهما عيبا رده بنصف الثمن لما بينا أن المعتبر قيمة العبد وقت القبض بحكم العقد وهي مساوية لقيمة الأمة وقت العقد فانقسم الثمن عليهما نصفين.
قال: وإذا اشترى جارية تساوي ألفا ففقأ البائع عينها ثم ولدت بعد الفقء ولدا يساوي ألفا أخذهما المشتري بنصف الثمن لأن البائع لما فقأ عينها فقد سقط عن المشتري نصف الثمن لأن العين من الآدمي نصفه ثم لما ولدت انقسم ما بقي من الثمن على قيمتها وقيمة ولدها فإن كان الفقء بعد الولادة أخذهما إن شاء بثلاثة أرباع الثمن لأنها حين ولدت وهي صحيحة فقد انقسم جميع الثمن على قيمتها وقيمة الولد بشرط بقاء الولد على هذه القيمة إلى وقت القبض وقد بقي فظهر أن نصف الثمن كان بمقابلة الولد ونصفه حصة الأم فلما فقأ البائع العين فإنما يسقط نصف حصتها من الثمن وذلك ربع الثمن فإما إذا كان الفقء قبل الولادة فقد كان جميع الثمن فيها حين فقأ البائع عينها فلهذا يسقط نصف الثمن.
قال: ولا يشبه الرهن في هذا البيع يعني في الرهن في هذه الصورة لا فرق بين الولادة قبل ذهاب العين وبين الولادة بعد ذهاب العين ويكون الساقط ربع الدين في الموضعين جميعا وبالولادة بعد ذهاب العين هناك يعود بعض ما كان ساقطا وفي البيع لا يعود والفرق بينهما أن سقوط الثمن بفقء البائع العين إنما كان بطريق انفساخ العقد فيما أتلفه البائع والبيع بعد ما انفسخ لا يعود بحدوث الزيادة وأما في الرهن فسقوط الدين بطريق المرتهن صار مستوفيا والاستيفاء يقرر الدين ولا يسقطه فإذا حدثت الزيادة فقد حدثت في حال قيام الدين كله لكونه منتهيا بالاستيفاء فلهذا يعود باعتبار أن الزيادة بعض ما كان ساقطا وتجعل الزيادة الحادثة بعد ذهاب العين كالزيادة قبل ذهاب العين ألا ترى أنه لو اشترى شاة فماتت قبل القبض ثم دبغ البائع جلدها لا يعود العقد في حصة الجلد؟.
ولو أن الشاة المرهونة ماتت وحكم بسقوط الدين ثم دبغ المرتهن جلدها عاد من الدين ما يخص الجلد وكان الفرق ما ذكرنا وتحقيقه من حيث المعنى أن الفسخ ضد ما هو مقصود بالعقد فإنما يسقط بعض الثمن عن المشتري بما هو ضد المقصود بالعقد فلا يجعل العقد فيه كالقائم حكما وأما سقوط الدين بهلاك بعض المرهون فيحقق ما هو المقصود بالعقد لأن المقصود بعقد الرهن الاستيفاء أو إنما يتم ذلك بهلاك الرهن فلهذا يجعل كأن العقد في الكل قائم حكما حين حدثت الزيادة فيسقط نصف ما يخص الأم وذلك ربع الدين ثم الرهن والبيع يفترقان من وجه آخر وهو أن في البيع إذا ذهبت العين من غير صنع أحد لا يسقط شيء من

 

ج / 13 ص -160-    الثمن وفي الرهن بذهاب العين من غير صنع أحد يسقط نصف الدين لأن ضمان الرهن يثبت بالقبض والأوصاف تصير مضمونة بالقبض وإذا فاتت من غير صنع أحد وذلك كأوصاف المغصوبة وفي البيع الضمان بالعقد فإذا فاتت من غير صنع أحد قلنا لا يسقط شيء من الثمن بفواتها.
قال: وإذا اشترى جارية بألف درهم تساوي ألفا وهي بيضاء إحدى العينين ففقأ البائع العين الباقية فصارت تساوي مائة درهم أخذها المشتري بمائة درهم إن شاء لأن فعل البائع استهلاك لها حكما ويعتبر نقصان القيمة فيما يسقط من الثمن به فإذا لم يأخذها حتى ذهب بياض عينها الأولى فصارت تساوي ألفا فالمشتري على خياره إن شاء أخذها بمائة درهم وإن شاء تركها لأن ذهاب البياض عن العين الأخرى زيادة متصلة ولا معتبر بها في حكم البيع فإن ضرب عبد هذه العين التي برئت فعاد بياضها فمولى العبد بالخيار إن شاء دفعه بالجناية وإن شاء فداه بأرش الجناية وهو ثمانمائة درهم فإن دفعه وقيمته خمسمائة درهم أخذها المشتري بمائتي درهم لما بينا أن العقد انفسخ في أربعة أخماسها بفقء البائع عينها وكما لا يعود شيء من ذلك بولد تلده فكذلك لا يعود بالعبد المدفوع بالجناية لأنه قائم مقام الزيادة المتصلة وقد صارت منفصلة فهو كولد ولدته فلهذا يأخذهما المشتري بمائتي درهم إن شاء فإن قبضهما فوجد بالجارية عيبا ردها بسبعي الثمن الذي نقد وهو مائتا درهم وإن وجد بالعبد عيبا رده بخمسة أسباعه لأن ما بقي من الثمن وهو مائتا درهم انقسم على قيمة ما بقي منها وذلك مائتان وعلى قيمة العبد وقت القبض وهو خمسمائة درهم فإذا جعلت كل مائة سهما كانت القسمة أسباعا خمسة أسباعه حصة العبد فيرده به وسبعاه حصة الجارية فيردها بذلك وإنما اعتبرنا في الانقسام قيمة ما بقي منها ولم نعتبر قيمتها وقت العقد لأن العقد قد انفسخ في أربعة أخماسها وإنما يعتبر في الانقسام قيمة ما بقي حكم العقد فيه لا قيمة ما انفسخ العقد فيه.
ولو كان البائع لم يفقأ عينها حتى ذهب بياض عينها فصارت تساوي ألف درهم ثم أن عبدا ضرب العين التي برئت فعاد بياضها ثم إن البائع فقأ العين الباقية فصارت تساوي مائتي درهم فمولى العبد بالخيار إن شاء دفعه وإن شاء فداه بألف درهم لأن الفداء يكون بأرش الجناية وأرش الجناية هنا ألف درهم فقد كانت قيمتها عند الجناية ألفي درهم فمات بذهاب العين نصفها وتراجعت قيمتها إلى ألف درهم فإن دفعه وقيمته خمسمائة أخذها المشتري إن شاء بخمسي الثمن وثلث خمس الثمن ويبطل عنه بفقء البائع عين الجارية خمسا الثمن وثلثا خمس الثمن لأن العبد مدفوع بما فوته من الزيادة المتصلة فهو بمنزلة ولد ولدته يساوي خمسمائة وعند ظهوره جميع العقد فيها قائم فانقسم الثمن على قيمتها وقت العقد وقيمة العبد وقت القبض أثلاثا ثلثه بإزاء العبد وثلثاه بإزاء الجارية ثم بفقء البائع عينها سقط أربعة أخماس ما فيها وبقي الخمس فإذا أردت تصحيح ذلك فالسبيل أن تضرب ثلاثة في خمسة فتكون خمسة عشر حصة الأم من ذلك عشرة والساقط ثمانية من هذه العشرة وثمانية من خمسة

 

ج / 13 ص -161-    عشر خمساه وثلثا خمسه لأن كل خمس ثلاثة فخمساه ستة وثلثا خمسه سهمان فيسقط ذلك عن المشتري ويأخذهما بما بقي وهو سبعة من خمسة عشر وذلك خمساه وثلث خمسه والله أعلم.

باب قبض المشترى بإذن البائع أو بغير إذنه
قال: وإذا اشترى الرجل من الرجل عبدا بألف درهم حالة فليس للمشتري أن يقبض العبد حتى يعطي الثمن عندنا وهو أحد أقاويل الشافعي وقال في قول على البائع تسليم المبيع أولا لأن ملك المشتري ثبت بالعقد في العين وملك البائع دينا في ذمة المشتري والملك في العين أقوى ووجوب التسليم بحكم الملك وفي قول آخر يسلم كل واحد منهما بيد ويقبض بيد لأن قبضه لمعاوضة التسوية فكما اقترن ثبوت الملك لأحدهما بثبوت الملك للآخر فكذلك القبض كما في بيع المقابضة ولكنا نقول قصة المعاوضة التسوية وقد عين البائع حق المشتري في المبيع فعلى البائع أن يعين حق البائع في الثمن ولا يتعين الثمن إلا بالقبض فلهذا كان أول التسليمين على المشتري بخلاف بيع المقابضة فهناك حق كل واحد منهما متعين وهذا هو الجواب عن قوله أن ملك المشتري أقوى فإنا إنما نوجب عليه تسليم الثمن أولا لهذا المعنى وهو أنه لما يقوى ملكه في المبيع فعليه أن يسوي جانب البائع في ملك الثمن بجانب نفسه ولا يكون ذلك إلا بالتسليم وكذلك نقده الثمن إلا درهما لأن سقوط حق البائع في الجنس متعلق بوصول الثمن إليه فما لم يصل إليه جميع الثمن لا يتم الشرط ويبقى حق البائع في الحبس إلا أن يكون الثمن مؤجلا فحينئذ ليس للبائع أن يحبس المبيع قبل حلول الأجل ولا بعده لأن قبل حلول الأجل ليس له أن يطالب بالثمن وإنما يحبس المبيع بما له أن يطالبه من الثمن وأما بعد حلول الأجل فلأن حق الحبس لم يثبت له بأصل العقد فلا يثبت بعد ذلك تبعا بهذا الحق ما كان له من استحقاق اليد قبل البيع فإذا لم يبق ذلك بعد العقد لا يثبت ابتداء بحلول الأجل.
وذكر هاشم عن محمد رحمهما الله في نوادره أنه إذا أجله في الثمن شهرا ثم لم يسلم البائع المبيع إلى المشتري حتى مضى شهر فعلى قول أبي حنيفة إن كان الأجل شهرا بعينه فيمضيه بحل الثمن وإن كان شهرا بغير عينه فعلى البائع أن يسلم المبيع وليس له أن يطالب بالثمن حتى يمضي شهر بعد التسليم وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله له أن يطالب بالثمن في الوجهين جميعا لأن مطلق الشهر في الأجل ينصرف إلى الشهر الذي يعقب العقد عيناه أو لم يعيناه كما في الإجارات والأيمان هذا هو القياس الظاهر وما ذهب إليه أبو حنيفة نوع استحسان بناء على مقصودهما فالمقصود أن يتصرف المشتري في المبيع في الشهر ويؤدي الثمن عند مضيه ويستفصل لنفسه ولا يحصل هذا المقصود إذا لم يسلم المبيع إليه فلهذا قال في الشهر المطلق يكون ابتداؤه من حين يسلم إليه المبيع فإن نقد المشتري الثمن وهو حال ولم يقبض المبيع حتى وجد البائع الدراهم زيوفا أو نبهرجة أو ستوقا أو رصاصا أو

 

ج / 13 ص -162-    استحقت من يده فللبائع أن يمنع المشتري من قبض العبد حتى يعطيه الثمن مثل شرطه لأن الرد بهذه الأسباب ينقض القبض من الأصل فيلتحق بما لم ينقد الثمن وكذلك لو وجد بعض الثمن بهذه الصفة وإن كان ذلك درهما واحدا لأن القبض قد انتقض في ذلك المردود فكأنه لم يقبض ذلك القدر.
وإن كان المشتري قبض العبد من البائع بإذنه ثم إن البائع وجد الثمن أو بعضه على ما وصفنا فإن كان الذي وجد ستوقا أو رصاصا كان له أن يأخذ العبد حتى يدفع إليه المشتري مكان الذي وجد من ذلك جيادا على ما شرطه لأن المقبوض ليس من جنس الدراهم حتى لو تجوز به في الصرف والسلم لم يجز وإنما لم يسلم البائع المبيع إليه على أن المقبوض ثمن فإذا تبين أنه لم يكن ثمنا لم يكن هو راضيا بالتسليم فكان المشتري قبضه بغير إذنه وكذلك إن استحق المقبوض من يده لأن المستحق وإن كان من جنس الدراهم ولكن البائع إنما رضي بالتسليم بشرط أن يسلم له المقبوض فإذا لم يسلم كان هو على حقه في الحبس وإن كان وجد الثمن أو بعضه زيوفا أو نبهرجة استبدلها من المشتري لأن المستحق له بمطلق التسمية الدراهم الجياد فإن المعاملات عرفا بين الناس بالجياد وبمطلق عقد المعاوضة تستحق صفة السلامة عن العيب والزيافة عيب في الدراهم فكان له أن يستبدل الزيوف بالجياد وليس له أن يسترد العبد فيحبسه بالثمن عندنا.
وقال: زفر له ذلك وهو رواية عن أبي يوسف لأنه إنما سلم المبيع على أن المقبوض من الثمن حقه وقد تبين أنه لم يكن حقا له لأن حقه في الجياد والمقبوض زيوف والثمن دين في الذمة فيختلف باختلاف الأوصاف وإذا لم يكن المقبوض حقه لم يتم رضاه بالتسليم فهو والستوق سواء يوضحه أن الرد بالعيب الزيافة ينقض القبض من الأصل ولهذا ينفرد به الراد ويرجع بموجب العقد لا بموجب تسليم الثمن مرتين فلا يتمكن من الرجوع بموجب العقد ما لم ينتقض القبض من الأصل وإذا انتقض عاد حقه في المجلس كما كان قبل استيفاء الثمن وجه قولنا أنه سلم المبيع قبل قبض الثمن فصح تسليمه وبعد صحة التسليم لا يعود حق البائع في الحبس لأن من ضرورة صحة التسليم سقوط حقه في الحبس والمسقط يكون مثلا شيئا لا يتصور عوده لهذا قلنا لو أعار المبيع من المشتري أو أودعه منه سقط حقه في الحبس وكذلك لو أجله في الثمن سقط حقه في الحبس ثم لا يعود بحلول الأجل.
وبيان لوصف أن الزيوف والنبهرجة من جنس الدراهم إلا أن بها عيبا والعيب بالشيء لا يبدل جنسه ولهذا لو تجوز به في الصرف والسلم جاز وكان مستوفيا لا مستبدلا فكان البائع بقبضها قابضا للثمن وتسليم المبيع بعد قبض الثمن صحيح ثم بالرد ينتقض قبضه من الأصل كما قال ولكن في الحكم الذي يحتمل النقض بعد الثبوت دون ما لا يحتمل ذلك ألا ترى أن المولى إذا قبض بدل الكتابة فوجده زيوفا فرده لا يبطل العتق؟ وكذلك لو حلف لا يفارق غريمه حتى يستوفي حقه فاستوفى حقه ثم وجد المقبوض زيوفا فرده لا يبطل به حكم

 

ج / 13 ص -163-    البر في اليمين فقد بينا أن حق البائع في الحبس بعد ما سقط لا يتصور عوده فلا يعود بانتقاض القبض بالرد أيضا بخلاف الستوق والرصاص فهناك يتبين أنه لم يقبض الثمن وإن تسليمه لم يكن صحيحا وبخلاف المستحق لأن قبض المستحق موقوف على إجازة المستحق فالتسليم الذي ينبني عليه يكون موقوفا أيضا ولا يكون صحيحا مطلقا.
وإن لم يرتجع البائع من المشتري العبد ولم يجد في الثمن شيئا مما ذكرنا حتى باع المشتري العبد أو وهبه وسلمه أو رهنه وسلمه أو أجره ثم وجد البائع في الثمن بعض ما ذكرنا فجميع ما صنع المشتري في العبد جائز لا يقدر البائع على رده ولا سبيل له على العبد لأن المشتري تصرف فيه بعد القبض وإنما تصرف فيه بتسليط البائع فالبيع والتسليم تسليط له على التصرف ألا ترى أن في البيع الفاسد لا يتمكن البائع من نقض تصرفه فلما حصل بتسليط صحيح كان أولى ولو كان المشتري قبض العبد بغير إذنه ثم صنع فيه بعض ما ذكرنا ثم وجد البائع بعض الثمن على ما ذكرنا كان له أن ينقض جميع ما صنع المشتري فيه ويسترده حتى يوفيه المشتري الثمن لأن تصرف المشتري حصل لا بتسليط من البائع فالقبض منه كان بغير إذن وذلك لا يسقط حق البائع في الحبس.
ولما ظهر أن الثمن كان على ما وصفنا فقد ظهر أن حق البائع باق في الحبس لم يسقط حكما بوصول حقه ولا أسقطه باختياره بتسليم المبيع إلى المشتري فكان له أن ينقض جميع ما تصرف فيه المشتري إذا كان محتملا للقبض بأن كان البائع لما علم بقبض المشتري العبد سلم ذلك ورضي به والمسئلة على حالها كان هذا مثل إذنه له في القبض لأنه أجاز قبضه في الانتهاء وتأثير إجازته في إسقاط حقه كتأثير إذنه في الابتداء.
قال: ولو كان لرجل على رجل ألف درهم فرهنه بها عبدا يساوي ألفا فقبضه المرتهن ثم قضاه لراهن دراهمه ولم يقبض الرهن حتى وجد المرتهن الدراهم أو بعضها زيوفا أو نبهرجة أو ستوقا أو رصاصا أو استحقت من يده فاعلم أن الجواب في الرهن في جميع ما ذكرنا كالجواب في البيع لأن المرهون محبوس بالدين كما أن المبيع محبوس بالثمن إلا في خصلة واحدة وهي ما إذا وجد المرتهن المقبوض زيوفا فرده وقد كان الراهن قبض الرهن بإذنه فللمرتهن أن يسترده ويحبسه بالدين بخلاف البيع وزفر يستدل في الخلافية به والفرق أن تسليم المرتهن العين إلى الراهن ليس بمسقط حقه في الحبس وإن كان صحيحا في نفسه ألا ترى أنه لو سلم المرهون إلى الراهن على طريق العارية أو الوديعة كان له أن يسترده فكذلك إذا سلمه بعد قبض الزيوف فإنما المسقط لحقه كمال وصول حقه إليه ولم يوجد بخلاف المبيع فالتسليم الصحيح من البائع مسقط حقه في الحبس وهذا لأن الثابت للمرتهن بعقد الرهن بدل الاستيفاء فيبقى حقه ما لم يستوف حقه وقد تبين أنه لم يستوف حقه ألا ترى أن مع التأجيل في الدين يكون له أن يحبس الرهن فأما في البيع فحق الحبس للبائع باعتبار توجه المطالبة له بالثمن حتى لو أجله في الثمن لم يبق حقه في الحبس وبعد قبض

 

ج / 13 ص -164-    الزيوف ليس له حق المطالبة بالثمن ما لم يرد المقبوض فلهذا سقط حقه في الحبس إذا سلم المبيع قبل أن يرد المقبوض.
قال: وإذا اشترى الرجل من الرجل عبدا بألف درهم فلم يقبضه حتى وكل رجلا يقبضه فقبضه الوكيل بغير أمر البائع ولم ينقد البائع الثمن فهلك العبد في يد الوكيل فللبائع أن يضمن الوكيل قيمة العبد فيكون في يده حتى يعطيه المشتري الثمن لأن بالبيع المبيع صار مملوكا للمشتري ولكنه محبوس في يد البائع ما لم يصل إليه الثمن فقبض الوكيل في حق البائع جناية بمنزلة الغصب ولو غصبه منه غاصب فهلك في يده كان للبائع أن يضمنه القيمة وهذا نظير المرهون إذا قبضه وكيل الراهن بغير رضا المرتهن فهلك في يده يكون ضامنا حقا للمرتهن وهذا بخلاف ما لو كان المشتري قبضه بنفسه فهلك عنده فإنه لا يكون ضامنا للقيمة لأن قبض المشتري يقرر عليه ضمان الثمن فلا يوجب عليه ضمان القيمة إذ لا يجوز أن يجتمع الضمانان على واحد بسبب قبض واحد فأما قبض الوكيل فلا يوجب عليه ضمان الثمن فيكون موجبا ضمان القيمة لحق البائع ثم استرداد البائع القيمة منه كاسترداد العبد لو كان باقيا إذ القيمة تقوم مقام العين وإنما سميت قيمة لقيامها مقام العين فإذا أعطاه الثمن رجعت القيمة إلى الوكيل لأن الوكيل في حق المشتري كان أمينا ممتثلا لأمره وإنما كان ضمان القيمة عليه لحق البائع فإذا سقط حقه رجعت القيمة إلى الوكيل كما لو أوفى المشتري الثمن قبل أن يضمن البائع الوكيل ولو نويت القيمة عند البائع سقط الثمن عن المشتري لأن استرداد القيمة كاسترداد العين ولو استرد العين فهلك عنده انفسخ البيع وسقط الثمن فكذلك إذا استرد القيمة ثم يتبع الوكيل المشتري في القيمة لأنه في القبض كان عاملا له بأمره وقد لحقه فيه ضمان فيرجع به عليه.
ولو كان المشتري أعتق المبيع قبل القبض لم يكن عليه ضمان القيمة لأن إعتاقه إياه بمنزلة القبض ولو قبضه فهلك في يده لم يكن عليه ضمان القيمة فكذلك إذا أعتقه ولو كان الوكيل هو الذي قبض العبد بإذن المشتري ثم أعتقه المشتري فهذا وموت العبد في يد الوكيل سواء في حق البائع لأنه تعذر عليه استرداده بهذا السبب فهو كتعذر الاسترداد بالموت في يده وهذا لأن أمر المشتري الوكيل بالقبض غير معتبر في حقه لأنه لا يملك قبضه بنفسه لحق البائع في الحبس فكذلك لا يملك أن يأمر غيره به.
قال: ولو أن المشتري أمر رجلا بعتق العبد وهو في يد البائع فأعتقه المأمور ففي قول أبي يوسف الأول هذا وأمره بالقبض سواء في جميع ما ذكرنا من التفريع لأن إعتاق المبيع بمنزلة القبض فكذلك إذا وكل الغير به فهو والوكيل بالقبض سواء ألا ترى أن المشتري لو باشره بنفسه كان ذلك بمنزلة قبضه فكذلك إذا وكل الغير به فهو والوكيل بالقبض سواء ثم رجع وقال لا ضمان على الوكيل في هذا الفصل ولكن يرجع البائع على المشتري بالثمن وهو قول محمد وهو رواية عن أبي حنيفة ووجه ذلك أن الوكيل بالإعتاق معبر عن المشتري

 

ج / 13 ص -165-    فيكون ذلك كإعتاق المشتري بنفسه وذلك يقرر عليه الثمن فلا يوجب ضمان القيمة كما لو أعتقه بنفسه وتقرير هذا أنه بكلمة الإعتاق إذا جعله مقصورا عليه لا يحصل به الإتلاف ولا يبطل به حق البائع وإنما يحصل به الإتلاف إذا انتقلت عبارته إلى المشتري ألا ترى أنه لو أعتقه بغير إذن المشتري كان إعتاقه باطلا ولا يجب على المعتق له ضمان وإذا نقلنا عبارته إلى المشتري كان هذا مقررا للثمن عليه فلا يكون موجبا ضمان القيمة فأما القبض ففعل محسوس يوجب الحكم على القابض إذا جعل مقصورا عليه ألا ترى أنه لو قبضه بغير إذن المشتري كان موجبا عليه ضمانه فكذلك إذا قبضه بإذنه لأنه لا معتبر بإذنه في حق البائع وإذا اقتصر حكم القبض على القابض في حق البائع كان هو ضامنا للقيمة ولو أعتق المشتري المبيع قبل القبض وهو معسر فليس للبائع أن يستسعي العبد في شيء رجع أبو يوسف عن هذا وقال له أن يستسعي العبد في الأقل من قيمته من الثمن وذكر هذا القول في نوادر هشام وجعله قياس المرهون إذا أعتقه الراهن وهو معسر ووجه الفرق بينهما على ظاهر الرواية أن بعقد الرهن يتثبت للمرتهن حق الاستيفاء من مالية الرهن وتلك المالية احتبست عند العبد بإعتاق الراهن إياه فكان له أن يستسعي العبد إذا تعذر عليه الوصول إلى حقه لعسرة الراهن فأما البائع فما كان له حق استيفاء الثمن من مالية المبيع ولكن كان له ملك العين واليد فأزال ملك العين بالبيع وبقي له اليد إلى أن يصل إليه الثمن وبإعتاق المشتري العبد فات محله ومجرد اليد ليس يقوم على العبد فلا يستسعيه لأجل ذلك.
يوضحه أن حق البائع في الحبس ضعيف ولهذا يسقط بإعارة المبيع من المشتري بخلاف حق المرتهن ثم يعود تصرف المشتري بتسليط البائع إياه على ذلك فيمتنع هذا التسليط بثبوت حقه في استسعاء العبد بخلاف تصرف الراهن في المرهون فإن لم يعتقه المشتري ولكنه أفلس بالثمن فإن لم يكن البائع سلم المبيع إليه فله أن يحبسه إلى أن يستوفي الثمن وإن كان سلم المبيع إليه فله أن يسترده ولكنه أسوة غرماء المشتري فيه وليس له أن يفسخ البيع عندنا.
وقال الشافعي: إذا أفلس المشتري بالثمن فللبائع أن يفسخ البيع وهو أحق بالمبيع إن كان سلمه بفسخ العقد ويعيده إلى ملكه ويؤيده حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أيما رجل أفلس بالثمن فوجد رجل متاعه عنده بعينه فهو أحق به" والمعنى فيه أن البيع عقد معاوضة فمطلقه يقتضي التسوية بين المتعاقدين ثم لو تعذر على المشتري قبض المبيع بالإباق ثبت للمشتري حق الفسخ فكذلك إذا تعذر على البائع قبض الثمن لإفلاس المشتري وكما أن المالية في الآبق كالثاوي حكما فكذلك الدين في ذمة المفلس بمنزلة الثاوي حكما لاستبداد طريق الوصول إليه ولا فرق بين المبيع والثمن إلا من حيث إن الثمن دين والمبيع عين وكما أن تعذر القبض في العين يثبت حق الحبس فكذلك تعذر القبض في الدين ألا ترى أن المسلم فيه دين فإذا تعذر قبضه بانقطاعه من أيدي الناس يثبت لرب السلم حق الفسخ فكذلك الثمن ولا فرق بينهما سوى أن الثمن مفقود والمسلم به والمسلم فيه معقود عليه

 

ج / 13 ص -166-    ولكن حق الفسخ يثبت بتعذر قبض المعقود به كما ثبت بتعذر قبض المعقود عليه ألا ترى أن المكاتب إذا عجز عن أداء بدل الكتابة تمكن المولى من فسخ العقد وبدل الكتابة معقود به كالثمن والدليل عليه أن هلاك الثمن قبل القبض يوجب انفساخ العقد كهلاك المبيع فإن من اشترى بفلوس شيئا فكسدت قبل القبض بطل العقد لأن الثمن فلوس رائجة فإذا كسدت الفلوس فقد هلك الثمن وما ينقص العقد بهلاك إذا تعذر قبضه ثبت للعاقد حق الفسخ كالمبيع.
وحجتنا في ذلك قوله تعالى:
{وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة:280] والمشتري حين أفلس بالثمن قد استحق النظرة شرعا ولو أجله البائع لم يكن له أن يفسخ العقد قبل مضي الأجل فإذا صار منظرا بإنظار الله تعالى أولى أن يتمكن البائع من فسخ العقد وأما الحديث الذي استدلوا به فقد ذكر الخصاص بإسناده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أيما رجل أفلس فوجد رجل عنده متاعه فهو في ماله بين غرمائه" أو قال: "فهو أسوة غرمائه فيه" وتأويل الرواية الأخرى أن المشتري كان قد قبضه بغير إذن البائع أو مع شرط الخيار للبائع وبه نقول إن في هذا الموضع للبائع حق الاسترداد والمعنى فيه إن لم يتعين على البائع شرط عقده فلا يتمكن من فسخ العقد كما لو كان المشتري مليا وبيان ذلك أن موجب العقد ملك اليمين فإن اليمين يجب بالعقد ويملك به وإنما يملك بالعقد دينا في الذمة وبقاء الدين ببقاء محله والذمة بعد الإفلاس على ما كانت عليه قبل الإفلاس محل صالح لوجوب الدين عليه فأما حق الاستيفاء فثابت للبائع بسبب ملكه لا بحكم العقد ألا ترى أنه يجوز إسقاطه بالإبراء وبالاستبدال وقبض البدل إذا صار مستحقا بالبيع لا يجوز إسقاطه بالاستبدال وقبض البدل إذا صار مستحقا بالبيع لا يجوز إسقاطه بالاستبدال كما في البيع عينا كان أو دينا فعرفنا أن حق قبض الثمن له بحكم الملك لا أن يكون موجب العقد فبتعذره لا يتغير شرط العقد والدليل على هذا أن قدرة المشتري على تسليم الثمن عند العقد ليس بشرط لجواز العقد فلو كان تسليم الثمن يستحق بالعقد لكانت القدرة على تسليمه شرطا لجواز العقد كما في جانب المبيع فإنه إذا كان عينا لا يجوز العقد إلا أن يكون مقدور التسليم للبائع وإن كان دينا كالتسليم لا يجوز العقد إلا على وجه تثبت القدرة على التسليم به للعاقد وهو الأجل ولما جاز الشراء بالدرهم حالا وإن لم يكن في ملكه عرفنا أن وجوب تسليم الثمن ليس من حكم العقد وبهذا الحرف يستدل في المسألة ابتداء فإن العجز عن تسليم الثمن إذا طرأ بالإفلاس لا يكون أقوى من العجز عن تسليم الثمن إذا اقترن بالعقد والمفلس إذا اشترى شيئا والبائع يعلم أنه مفلس صح العقد ولزم فبالافلاس الطارئ لأن لا ترتفع صفة اللزوم أولى بخلاف جانب المبيع فهناك ابتداء العقد مع العجز عن التسليم لإباق العبد لا يجوز فإن رضي به المشتري فكذلك إذا طرأ العجز فإنه يثبت للمشتري حق الفسخ.
فإن قيل: كيف يستقيم هذا وقد قلتم إن أول التسليمين على المشتري فلو لم يكن تسليم الثمن مستحقا بالعقد لم يتأخر حقه في قبض المبيع إلا أن يؤدي الثمن؟ قلنا وجوب

 

ج / 13 ص -167-    أول التسليمين عليه لتحقيق معنى التسوية بينهما لأن ذلك موجب العقد على ما قررنا أن العقد عقد تمليك فيقتضي التسوية بين المتعاقدين في الملك وقد حصل الملك لكل واحد منهما بالعقد إلا أن الملك في العين أكمل منه في الدين فعلى المشتري تسليم الثمن أولا ليتقوى به ملك البائع فكان ذلك من حكم الملك لا أن يكون موجب العقد ولئن سلمنا أنه من حكم العقد لاقتضى التسوية ولكن هذا المعنى قد انعدم بتسليم البائع لما بيع طوعا فهو كما لو انعدم بالتأجيل في الثمن فلا يبقى له بعد ذلك حق فسخ البيع وإن تعذر عليه استيفاء الثمن لإفلاس المشتري وهذا بخلاف الفلوس إذا كسدت لأنه تغير هناك موجب العقد فيتغير فموجب العقد ملك فلوس هي ثمن وبعد الكساد لا يبقى له في ذمة المشتري فلوس بهذه الصفة فأما بعد إفلاس المشتري فيبقى الثمن في ذمته مملوكا للبائع كما استحقه بالعقد وهذا بخلاف الكتابة لأن هناك يعجز المكاتب بغير موجب العقد فموجب ملك المولى بدل الكتابة عند حلول الأجل ولا يملكه إلا بالقبض لأن المكاتب عبد له والمولى لا يستوجب دينا في ذمة عبده ولهذا لو كفل له إنسان ببدل الكتابة عن المكاتب لم تصح الكفالة وللمكاتب أن يعجز نفسه فإذا لم يكن له ذلك دينا حقيقة قلنا الملك للمولى إنما يثبت بالقبض وإذا عجز المكاتب عن الأداء فقد تغير ما هو موجب العقد عليه فلهذا يمكن من فسخ العقد وهنا بإفلاس المشتري لا يتغير ملك البائع في الثمن فإنه مملوك دينا في ذمة المشتري ولسنا نسلم أن الدين في ذمة المفلس ثاو فإن المديون إذا كان مقرى بالدين فهو قائم حقيقة وحكما مفلسا كان أو مليا ولهذا قال أبو حنيفة يجب على صاحب الدين الزكاة بمعنى إذا قبضه فإذا لم يتغير موجب العقد لا يتمكن من فسخ العقد والله أعلم.
تم الجزء الثالث عشر ويليه الجزء الرابع عشر
وأوله كتاب الصرف