المبسوط
للسرخسي دار الفكر ج / 21 ص -56-
كتاب الرهن
قال الشيخ
الإمام الأجل الزاهد شمس الأئمة وفخر الإسلام
أبو بكر محمد بن أبي سهل السرخسي رحمه الله
إملاء:.
اعلم بأن الرهن عقد وثيقة بمال مشروع للتوثق
في جانب الاستيفاء فالاستيفاء هو المختص
بالمال ولهذا كان موجبه ثبوت يد الاستيفاء حقا
للمرتهن عندنا لأن موجب حقيقة الاستيفاء ملك
عين المستوفي وملك اليد فموجب العقد الذي هو
وثيقة الاستيفاء بعض ذلك وهو ملك اليد وعلى
قول الشافعي رحمه الله موجبه ما هو موجب سائر
الوثائق كالكفالة والحوالة وهو أن تزداد
المطالبة به فيثبت به للمرتهن حق المطالبة
بإيفاء الدين من ماليته وذلك بالبيع في الدين
ولكنا نقول الكفالة والحوالة عقد وثيقة ما
لزمه والذمة محل لالتزام المطالبة فيها فيكون
الثابت بهما بعض ما ثبت لحقيقة التزام الدين
وهو المطالبة والرهن عقد وثيقة بمال والمال
محل لاستيفاء الدين منه فعرفنا أن الثابت به
بعض ما ثبت لحقيقة الاستيفاء وكيف يكون البيع
في الدين موجب عقد الرهن ولا يملك المرتهن ذلك
بعد تمام الرهن إلا بتسليط الراهن إياه على
ذلك نصا وكم من رهن ينفك عن البيع في الدين
وموجب العقد ما لا يخلو العقد عنه بعد تمامه
ثم جواز هذا العقد ثابت بالكتاب والسنة.
أما الكتاب فقوله تعالى:{وَإِنْ
كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا
كَاتِباً فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ}
[البقرة: 283] وهو أمر بصيغة الخبر لأنه معطوف على قوله تعالى
{فَاكْتُبُوهُ}
[البقرة: 282]وعلى قوله تعالى:{وَأَشْهِدُوا
إِذَا تَبَايَعْتُمْ}[البقرة:
282]وأدنى ما يثبت بصيغة الأمر الجواز.
والسنة حديث عائشة رضي الله عنها
"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشترى من
يهودي طعاما لبيته ورهنه درعه"
وفي حديث أسماء بنت يزيد
"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي ودرعه مرهون عند يهودي بوسق من
شعير" وعن
بن عباس وأنس رضي الله عنهما
"أن النبي صلى
الله عليه وسلم رهن درعه ليهودي فما وجد ما
يفتكه حتى توفي صلوات الله عليه"
وجاء اليهودي في أيام التعزية يطالب بحقه ليغيظ المسلمين به وفي هذا
دليل جواز الرهن في كل ما هو مال متقوم ما
يكون معدا للطاعة وما لا يكون معدا له في ذلك
سواء فإن درعه صلوات الله عليه كان معدا
للجهاد به فيكون دليلا على جواز رهن المصحف
بخلاف ما يقوله الشيعة أن ما يكون للطاعة لا
يجوز رهنه لأنه في صورة حسبة عن الطاعة وفيه
دليل أن الرهن جائز في الحضر والسفر جميعا
فإنه رهنه صلى الله عليه وسلم
ج / 21 ص -57- بالمدينة في حال إقامته بها بخلاف ما يقوله أصحاب الظواهر أن الرهن
لا يجوز إلا في السفر لظاهر قوله تعالى
:{وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِباً فَرِهَانٌ
مَقْبُوضَةٌ}
[البقرة: 283]
والتعليق بالشرط يقتضي الفصل بين الوجود
والعدم ولكنا نقول ليس المراد به الشرط حقيقة
بل ذكر ما يعتاده الناس في معاملاتهم فإنهم في
الغالب يميلون إلى الرهن عند تعذر إمكان
التوثق بالكتاب والشهود والغالب أن يكون ذلك
في السفر والمعاملة الظاهرة من لدن رسول الله
صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا فالرهن في
الحضر والسفر دليل على جوازه بكل حال ثم ذكر
عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال يترادان
الفضل في الرهن وفيه دليل أن المقبوض بحكم
الرهن يكون مضمونا ثم بيان هذا اللفظ أنه إذا
رهن ثوبا قيمته عشرة بعشرة فهلك عند المرتهن
سقط دينه فإن كانت قيمة الثوب خمسة يرجع
المرتهن على الراهن بخمسة أخرى وهو مذهبنا
أيضا وإن كانت قيمته خمسة عشر فالراهن يرجع
على المرتهن بخمسة وهو مذهب علي رضي الله عنه
وبه أخذ بعض الناس ولسنا نأخذ بهذا وإنما نأخذ
بقول عمر وبن مسعود رضي الله عنهما فإنهما
قالا إنه مضمون بالأقل من قيمته ومن الدين
فإذا كانت القيمة أكثر فالمرتهن في الفضل أمين
وهكذا روى محمد بن الحنفية عن علي رضي الله
عنه أن المرتهن في الفضل أمين وحاصل الاختلاف
فيه بين العلماء رحمهم الله على ثلاثة أقاويل
فعندنا هو مضمون بالأقل من قيمته ومن الدين
وعند شريح رحمه الله هو مضمون بالدين قلت
قيمته أو كثرت فإنه قال الرهن بما فيه وإن كان
خاتما من حديد بمائة درهم وفي إحدى روايتي علي
رضي الله عنه يترادان الفضل هذا بيان الاختلاف
الذي كان بين المتقدمين رضي الله عنهم في
الرهن إلى أن أحدث الشافعي رحمه الله قولا
رابعا إنه أمانة ولا يسقط شيء من الدين
بهلاكه.
واستدل في ذلك بحديث الزهري عن سعيد بن المسيب
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلوات
الله عليه وسلامه قال
"لا يغلق الرهن لصاحبه غنمه وعليه غرمه"
وفي رواية
"الرهن من
راهنه الذي رهنه له غنمه وعليه غرمه"
وزعم أن معنى قوله صلى الله عليه وسلم:
"لا يغلق الرهن" لا يصير
مضمونا بالدين فقد فسر ذلك بقوله
"الرهن من
راهنه الذي رهنه" أي من ضمان
راهنه وقوله صلى الله عليه وسلم
"وعليه
غرمه" أي عليه هلاكه فالغرم عبارة عن الهلاك قال الله تعالى
{إِنَّا لَمُغْرَمُونَ}[الواقعة:66] أي هلكت علينا أموالنا والمعنى فيه أن الرهن وثيقة
بالدين فبهلاكه لا يسقط الدين كما لا يسقط
بهلاك الصك وموت الشهود وهذا لأن بعقد الوثيقة
يزداد معنى الصيانة فلو قلنا بأنه يسقط دين
المرتهن بهلاكه كان ضد ما اقتضاه العقد لأن
الحق به يصير بعرضة الهلاك وذلك ضد معنى
الصيانة والدليل عليه أن عين الرهن ما زاد على
قدر الدين أمانة في يد المرتهن والقبض في الكل
واحد وما هو موجب الرهن وهو الحبس ثابت في
الكل فلا يجوز أن يثبت حكم الضمان بهذا القبض
في البعض دون البعض والدليل عليه أن عين الرهن
تهلك على ذلك الراهن حتى لو كان عبدا فكفنه
على الراهن ولو استحق
ج / 21 ص -58- وضمنه المرتهن يرجع بالضمان والدين جميعا على الراهن ولو كان قبضه
قبض ضمان لم يرجع بالضمان عند الاستحقاق
كالغاصب وعندكم إذا اشترى المرتهن المرهون من
الراهن لا يصير قابضا بنفس الشراء ولو كان
مضمونا عليه بالقبض لكان قبضه عن الشراء كقبض
الغاصب والمقبوض بحكم الرهن الفاسد لا يكون
مضمونا عندكم كرهن المشاع وغيره والفاسد معتبر
بالجائز في حكم الضمان وليس من ضرورة ثبوت حق
الحبس الضمان كالمستأجر بعد الفسخ محبوس عند
المستأجر بالأجرة المعجلة بمنزلة المرهون حتى
إذا مات الآجر كان المستأجر أحق به من سائر
غرمائه ثم لم يكن مضمونا إذا هلك وكذلك زوائد
الرهن عندكم والدليل على أنه أمانة أن النفقة
على الراهن دون المرتهن كما في الوديعة وحجتنا
في ذلك ما أشرنا إليه من إجماع المتقدمين
رضوان الله عليهم أجمعين فاتفاقهم على ثلاثة
أقاويل يكون إجماعا منهم على أنه ليس فيه قول
رابع لم يستدل بحديث عطاء أن رجلا رهن فرسا
عند رجل بحق له فنفق الفرس عند المرتهن
فاختصما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال للمرتهن:"ذهب حقك"
ولا يجوز أن يقال ذهب حقك في الحبس لأن هذا
مما لا يشكل ولأن ذكر الحق منكرا فى أول
الحديث ثم أعادته معرفا فيكون المراد بالمعرف
ما هو المراد بالمنكر قال الله تعالى:{كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولا فَعَصَى فِرْعَوْنُ
الرَّسُولَ}[المزمل:
15] وقال النبي صلى الله عليه وسلم:
"الرهن
بما فيه ذهبت الرهان بما فيها"
أي بما فيها من الديون ولا حجة لهم في قوله
صلى الله عليه وسلم:
"لا يغلق الرهن"
فإن أحدا من أهل اللغة لا يفهم منه هذا اللفظ
بقي الضمان على المرتهن وذكر الكرخي أن أهل
العلم من السلف رحمهم الله كطاوس وإبراهيم
وغيرهما اتفقوا أن المراد لا يحبس الرهن عند
المرتهن احتباسا لا يمكن فكاكه بأن يصير
مملوكا للمرتهن واستدلوا عليه بقول القائل:
وفارقتك برهن لا فكاك له
يوم الوداع فأمسى الرهن قد غلقا
يعني احتبس قلب المحب عند الحبيب على وجه لا
يمكن فكاكه وليس فيه ضمان ولا هلاك والدليل
عليه ما روي عن الزهري قال كانوا في الجاهلية
يرتهنون ويشترطون على الراهن إن لم يقض الدين
إلى وقت كذا فالرهن مملوك للمرتهن فأبطل رسول
الله صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله:" لا يغلق
الرهن" وسئل سعيد بن المسيب رضي الله عنه عن معنى هذا اللفظ فقيل أهو قول
الرجل إن لم يأت بالدين إلى وقت كذا فالرهن
بيع لي في الدين فقال نعم وقوله صلى الله عليه
وسلم
"الرهن من
راهنه الذي رهنه" يؤكد هذا
المعنى أي هو على ملك راهنه الذي رهنه لا يزول
ملكه بهذا الشرط وكذلك قوله صلى الله عليه
وسلم
"له غنمه وعليه غرمه" يعني في حال إبقائه هو مردود عليه لا يتملك غيره عليه أو أن يبيع
بالدين فزاد الثمن على الدين فالزيادة له وإن
انتقص فالنقصان عليه وبه نقول والمعنى في
المسألة أن الرهن مقبوض للاستيفاء والمقبوض
على وجه الشيء لا يكون كالمقبوض على حقيقته في
حكم الضمان.
ألا ترى أن المقبوض على سوم البيع يجعل
كالمقبوض على جهة الاستيفاء وبيان
ج / 21 ص -59- الوصف أن عقد الرهن يختص بما يمكن استيفاء الدين منه وهو المال
المتقوم الذي يقبل البيع في الدين ويختص بحق
يمكن استيفاؤه من الرهن وهو الدين حتى لا يجوز
الرهن بالأعيان ولا بالعقوبات من القصاص
والحدود وتحقيق ما ذكرنا أن موجب العقد ثبوت
يد الاستيفاء وهذه اليد في حقيقة الاستيفاء
تثبت الملك والضمان فكذا فيها أيضا يثبت
الضمان في عقد الرهن يقرره أن عند أبي حنيفة
رحمه الله استيفاء المستوفي يكون مضمونا على
المستوفي وله على الموفي مثل ذلك فيصير قصاصا
به فكذلك إذا قبضه رهنا وصار مضمونا عليه بهذه
اليد فإذا هلك وجب على المرتهن من أولها فيصير
المرتهن مستوفيا حقه ولهذا يثبت الضمان بقدر
الدين وصفته لأن الاستيفاء به يتحقق وكان
الراهن جعل مقدار الدين في وعاء وسلمه إلى رب
الدين ليستوفي حقه منه فعند هلاكه في يده يتم
استيفاؤه في مقدار حقه ولهذا كان الفضل أمانة
عنده بمنزلة ما لو جعل خمسة عشر درهما في كيس
ودفعه إلى صاحب الدين على أن يستوفي دينه منه
عشرة فيكون أمينا في الزيادة ولهذا جعلت العين
أمانة في يد المرتهن لأن الاستيفاء تحصل منه
المالية دون العين والاستيفاء بالعين يكون
استبدالا والمرتهن عندنا مستوف لا مستبدل
وإنما يتحقق الاستيفاء بحبس الحق والمجانسة
بين الأموال باعتبار صفة المالية دون العين
فكان هو أمينا في العين والعين كالكيس في
حقيقة الاستيفاء وبهذا التقرير اتضح الجواب
عما قال لأن معنى الصيانة يتحقق إذا صار
المرتهن بهلاك الرهن مستوفيا حقه وإنما ينعدم
ذلك إذا قلنا يتوى بينه والاستيفاء ليس مأتوا
للحق ثم موجب العقد ثبوت يد الاستيفاء وفيه
معنى الصيانة ومن ضرورته فراغ ذمة الراهن عند
هلاك الرهن وتمام الاستيفاء فلا يخرج به من أن
يكون وثيقة لصيانة حق المرتهن كالحوالة فإنها
توجب الدين في ذمة المحتال عليه لصيانة حق
الطالب وإن كان من ضرورته فراغ ذمة المحيل وبه
لا ينعدم معنى الوثيقة وكذلك المقصود بالعارية
منفعة المستعير.
ومن ضرورة حصول تلك المنفعة له أن تكون نفقته
عليه فلا يخرج به من أن يكون العقد محض منفعة
له وبهذا فارق موت الشهود وهلاك الصك لأن سقوط
الدين عندنا باعتبار ثبوت يد الاستيفاء إذا تم
ذلك بهلاك الرهن وذلك لا يوجد في الصك والشهود
وإنما لا يصير المرتهن قابضا بنفس الشراء لأن
الشراء لاقى العين وقد بينا أن العين في حكم
الأمانة وقبض الأمانة دون قبض الشراء وإنما
يرجع بالضمان عند الاستحقاق لأجل الغرر
فالراهن هو المنتفع بقبض الرهن منه حيث إنه
يصير موفيا ذمته عند الهلاك في يد المرتهن
فيصير المرتهن مغرورا من جهته من هذا الوجه
ولهذا تكون النفقة على الراهن بمنزلة المؤجر
في يد المستأجر ثم يد المستأجر بعد فسخ
الإجارة ليست بيد الاستيفاء ولأنها هي اليد
التي كانت له قبل الفسخ وإنما قبض لاستيفاء
المنفعة لا لاستيفاء الأجرة من المالية فلهذا
لا يصير مستوفيا بهلاك العين في يده والمقبوض
بحكم الرهن الفاسد عندنا مضمون فإن المسلم إذا
ارتهن من ذمي خمرا أو عصيرا فتخمر في يده كان
مضمونا عليه إذا هلك وهو رهن
ج / 21 ص -60- فاسد فإن المرهون بأجرة النائحة والمغنية ولا عقد هناك فاسدا ولا
جائزا لانعدام الدين أصلا وكذلك رهن المشاع
فقد قامت الدلالة لنا على أن يد الاستيفاء
التي هي موجب الرهن لا تثبت في الجزء الشائع
على ما نبينه فلهذا لا يكون مضمونا فأما شريح
رحمه الله فكان يقيس المرهون بالمبيع في يد
البائع والمبيع في يد البائع مال غير محبوس
بدين هو مال فسقط الدين بهلاكه قلت قيمته أو
كثرت فكذلك المرهون في يد المرتهن ولأن بهلاك
الرهن تعذر على المرتهن رده لا إلى غاية ولو
تعذر إحضاره إلى غاية لم يكن له أن يطالب بشيء
من الدين ما لم يحضره فكذلك إذا تعذر إحضاره
لا إلى غاية ولكن لما حققنا تبين الفرق بين
الرهن والبيع من حيث إن سقوط الثمن هناك بسبب
انفساخ العقد وبهلاك جميع العقود عليه ينفسخ
جميع العقد وهنا سقوط الدين بطريق الاستيفاء
ولا يتحقق الاستيفاء إلا بعد مالية الرهن
فاستيفاء العشرة من خمسة لا يتحقق فلهذا كان
للمرتهن أن يرجع على الراهن بفضل الدين قال
ولا يجوز الرهن غير مقبوض عينا.
وقال مالك رحمه الله: لا يلزم
الرهن بالإيجاب والقبول اعتبارا بالبيع فإن
هذا العقد يختص بمال من الجانبين فيكون في
معنى مبادلة مال بمال وهو وثيقة بالدين بمنزلة
الكفالة والحوالة وذلك يلزم بالقبول وحجتنا في
ذلك قوله تعالى:{فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ}[البقرة: 283] فقد وصف الله تعالى الرهن بالقبض فينتقض أن يكون هذا
وصفا لازما لا يفارقه الرهن ثم قد بينا أن
موجب العقد ثبوت يد الاستيفاء للمرتهن وكما أن
حقيقة الاستيفاء لا تكون إلا بالقبض فكذلك يد
الاستيفاء لا تثبت إلا بالقبض والمقصود الجاء
الراهن حياته ليسارع إلى قضاء الدين ولا يحصل
ذلك إلا بثبوت يد المرتهن على الرهن ومنع
الراهن منه والمقصود أيضا ثبوت حياة حق
المرتهن عند الضرر الذي يلحقه بمزاحمة سائر
الغرماء فإنما يحصل ذلك للمرتهن باعتبار يده
لأن به يصير أحق من سائر الغرماء ثم في ظاهر
الروايات القبض بحكم الرهن ثبت بالتخلية لأن
القبض بحكم عقد مشروع بمنزلة قبض المبيع.
وقد روي عن أبي يوسف رحمه الله إنه لا يثبت في
المنقول إلا بالنقل لأنه قبض موجب للضمان
ابتداء بمنزلة الغصب فكما أن المغصوب لا يصير
مضمونا بالتخلية بدون النقل فكذلك المرهون
بخلاف الشراء فكذلك القبض ناقل للضمان من
البائع للمشتري إلا أن يكون موجبا للضمان
ابتداء والأول أصح لأن حقيقة الاستيفاء تثبت
بالتخلية فالقبض الموجب لهذا الاستيفاء أيضا
ثبت بالتخلية ولا يجوز رهن المشاع فيما يقسم
وما لا يقسم من جميع أصناف ما يرهن عندنا وقال
الشافعي رحمه الله يجوز لأن المشاع عين يجوز
بيعه فيجوز رهنه كالمقسوم وهذا لأن موجب الرهن
استحقاق البيع في الدين لأن الرهن مشروع
لصيانة حق المرتهن عن الضرر الذي يلحقه
بمزاحمة سائر الغرماء فالمشروع وثائق منها ما
يؤمنه عن جحود المديون وذلك كالشهود ومنها ما
يؤمنه عن سياق الشهود وذلك الكتاب ومنها ما
يؤمنه عن التوى بإفلاس من عليه وذلك الكفالة
والحوالة ومنها ما يؤمنه عن إبراء
ج / 21 ص -61- بعض حقه بمزاحمة سائر الغرماء إياه بعد موت المديون وذلك الرهن فإذا
كان مشروعا لهذا النوع من الوثيقة كان المستحق
به البيع في الدين فيختص بمحل يقبل البيع في
الدين ثم القبض شرط تمام هذا والشيوع لا يمنع
أصل القبض.
ألا ترى أن الشائع يصلح أن يكون رأس مال السلم
وبدلا عن الصرف وبالإجماع هبة المشاع فيما لا
يحتمل القسمة تتم بالقبض وكذلك عندي فيما
يحتمل القسمة جائز ودوام يد المرتهن ليس بشرط
لبقاء حكم الرهن فإنه بعد القبض لو أعاره من
الراهن أو غصبه الراهن منه يبطل به الرهن وكان
للمرتهن أن يشترطه ولا يجوز أن يدعي أن موجب
العقد اليد لأن بالعقود المشروعة إنما يستحق
ما هو المقصود واليد ليست بمقصودة بنفسها بل
للتصرف أو للانتفاع والمرتهن لا يتمكن منه
بشيء من ذلك والدليل عليه جواز رهن العين من
رجلين بدين لهما عليه وإنما يكون رهنا من كل
واحد منهما نصف العين وهذا على أصلكم أظهر حتى
إذا هلك كان نصفه مضمونا بدين كل واحد منهما
وإذا كان إيجاب البيع في العين لاثنين إيجابا
لكل واحد منهما في النصف فكذلك الرهن ثم كل
عقد جاز في جميع العين مع اثنين يجوز في نصفه
مع الواحد كالبيع ولنا في المسألة الحالة
طريقان.
أحدهما أن رهن النصف الشائع
بمنزلة قوله رهنتك هذا العير يوما ويوما لا
وذلك لا يجوز فهذه مسألة وبيانه أن موجب عقد
الرهن دوام بين المرتهن عليه من وقت العقد إلى
وقت انفكاكه وذلك لا يتحقق مع الشيوع لأنه
يحتاج إلى المهايأة مع المالك في الإمساك
فينتفع المالك به يوما بحكم الملك ويحفظه
المرتهن يوما بحكم الرهن فهو بمنزلة قوله
رهنتك يوما ويوما لا لأنه ينعدم استحقاق اليد
للمرتهن في يوم الراهن وكان ذلك سببا يقترن
بالعقد وهو الشيوع ومتى اقترن بالعقد ما يمنع
موجبه لم يصح العقد والدليل على أن دوام اليد
موجب العقد قوله تعالى:{فَرِهَانٌ
مَقْبُوضَةٌ}[البقرة: 283] هذا يقتضي أن لا
يكون مرهونا إلا في حال يكون مقبوضا فيه ولأن
المقصود بالرهن ضمان حق المرتهن عن التوى
لجحود منه عليه فنقل الحكم من الكتاب والشهود
إلى الرهن فيكون المقصود بالمنقول إليه ما هو
المقصود بالمنقول عنه وذلك لا يحصل إلا بدوام
اليد عليه لأنه إذا عاد إلى يد الراهن ربما
يجحد الرهن والدين جميعا وكذلك المقصود الجاء
الراهن ليسارع إلى قضاء الدين وإنما يحصل هذا
المقصود بدوام يد المرتهن عليه والدليل عليه
أن المرهون إذا كان شيئا لا ينتفع به مع بقاء
عينه فللمرتهن أن يحبسه عند إطلاق العقد ولو
لم يكن دوام اليد موجب العقد ما كان له أن
يحبسه لأن الراهن يقول أنا أشفق على ملكي منك
وحقك البيع في الدين ولا يفوت ذلك عليك بيدي.
وحيث كان المرتهن أحق بإمساكه عرفنا أن دوام
اليد موجب هذا العقد ولسنا نعني وجود يد
المرتهن حينا وإنما نعني استحقاق دوام اليد
وبالإعادة من الراهن أو الغصب لا ينعدم
الاستحقاق فلهذا لا يبطل منه الرهن وفي الرهن
من رجلين استحقاق دوام اليد ثابت
ج / 21 ص -62- لكل واحد منهما في جميع العين حتى إذا قضى جميع دين أحدهما يكون
للآخر حبس جميع الرهن حتى يستوفي دينه وكما
يجوز أن يكون الواحد محبوسا بدين اثنين لا
يكون جميعه محبوسا بدين واحد منهما فكذلك حبس
العين بحكم الرهن ثم اليد مستحقة على الراهن
هناك ولا يكون له حق إعادة شيء من العين إلى
يده ما لم يقبض الدين والعقد بهذا يتم وإن لم
يكن لكل واحد منهما حق التعذر بإمساك العين
كما لو شرط أن يكون الرهن على يدي عدل يجوز
العقد لاستحقاق اليد على الراهن وإن لم يكن
للمرتهن حق إثبات اليد عليه في شيء من المدة
وللمالك فيما له ملك العين والمنفعة واليد
فكما يجوز أن يوجب له ملك العين أو المنفعة
يجوز أن يوجب له ملك اليد مقصودة وذلك بعقد
الرهن وهذا لأن اليد مقصودة.
ألا ترى أن الغاصب يضمنه بتفويت اليد كما يضمن
المتلف بإتلاف العين وإذا كان باليد يتوصل إلى
التصرف والانتفاع كانت اليد مقصودة بالطريق
الآخر إذ موجب عقد الرهن ثبوت يد الاستيفاء
للمرتهن على ما بيناه ومنه جانب الاستيفاء في
الجزء الشائع لا يتحقق لأن اليد حقيقة لا تثبت
إلا على جزء معين وإذا كان المرهون جزءا شائعا
لو ثبت حكم الرهن إنما يكون عند التخلي لجميع
العين أو عند نقل جميع العين حقيقة ونصف العين
ليس بمعقود عليه وإذا كان موجب العقد لا يتحقق
إلا باعتبار ما ليس بمعقود عليه لا ينعقد
العقد أصلا كما لو استأجر أحد زوجي المقراض
لمنعه قرض الثياب وبهذا تبين أن العين فيما
هوموجب الرهن غير محتمل للتجزى ء وعند إضافة
العقد إلى نصفه لم يثبت في كله فيبطل العقد
أصلا لتعذر أسباب موجبه في النصف كالمرأة في
حكم الحلى لما كانت لا تجزأ فإذا أضيف النكاح
إلى نصفها بطل عند الخصم وعندنا يثبت في الكل
وهذا بخلاف الرهن من رجلين لأن موجب العقد
هناك وهو يد الاستيفاء ثبت في جميع المحل غير
متجزئ ثم حكم التجزي يثبت بين المرتهنين عند
تمام الاستيفاء بالهلاك للمزاحمة وبه لا يظهر
التجزي في المحل.
ألا ترى أن نصف العين لا يستحق قصاصا ثم يجب
القصاص لاثنين في نفس واحدة ويكون كل واحد
منهما مستوفيا للنصف عند العقل باعتبار أن لا
يظهر حكم التجزي في القصاص فكذلك فيما نحن
فيه.
فإن قيل: كيف يستقيم هذا
والشرع لا يمنع الاستيفاء حقيقة فإن من كان له
على غيره عشرة فدفع إليه المديون كيسا فيه
عشرون درهما ليستوفي حقه منه يصير مستوفيا حقه
من النصف شائعا وإذا كان الشيوع لا يمنع حقيقة
الاستيفاء فكيف يمنع ثبوت يد الاستيفاء؟.
قلنا: موجب حقيقة الاستيفاء
ملك عين المستوفي واليد هي على الملك والشيوع
ولا يمنع الملك فيما هو الموجب يمكن إثباته في
الجزء الشائع هناك وموجب الرهن يد الاستيفاء
فقط وذلك لا يتحقق في الجزء الشائع وبهذا
الطريق كان مستوفيا في حكم الرهن عما
ج / 21 ص -63- يحتمل القسمة وعما لا يحتمل القسمة بخلاف الهبة فإن موجب العقد هناك
الملك والقبض شرط تمام ذلك العقد فيراعى وجوده
في كل محل بحسب الإمكان ولهذا لا يجوز رهن
المشاع من الشريك هنا لأن موجب العقد لا يتحقق
فيما أضيف إليه العقد سواء كان العقد مع
الشريك أو مع الأجنبي بخلاف الإجارة عند أبي
حنيفة رحمه الله فالشيوع هناك إنما يؤثر لا
لأن موجب العقد ينعدم به بل لأنه يتقرر
استيفاء المعقود عليه على الوجه الذي أوجبه
العقد لأن استيفاء المنفعة يكون من جزء معين
وذلك لا يوجد في الإجارة من الشريك فإنه
يستوفي منفعة الكل فيكون مستوفيا منفعة ما
استأجر لا على الوجه الذي استحقه وإن كان لا
يمكن استيفاء المعقود عليه إلا بما يتناوله
العقد لا يمنع جواز العقد كبيع الرهن فإنه
استيفاء لا يمكن إلا بالوعاء ولا تمنع به صحة
العقد وعلى هذا قلنا إذا استحق نصف المرهون من
يد المرتهن بطل الرهن في الكل وقال بن أبي
ليلى رحمه الله على الرهن في النصف الآخر لأن
العقد صح في الآلة في جميع العين فإن كون
الملك بغير الراهن لا يمنع صحة الرهن وثبوت
موجبه كما لو استعار منه غيره بيتا ليرهنه
بدين ثم بطل حكم العقد في البعض لانعدام الرضا
من المالك به فيبقي صحيحا فيما بقي كما لو
استحق نصف المبيع ولكنا نقول العقد في المستحق
يبطل منه الأصل لانعدام الرضا من المالك به
فلو صح في النصف الآخر لكان هذا إثبات حكم
الرهن في النصف شائعا والنصف الشائع ليس بمحل
موجب الرهن وهو نظير ما لو تزوج أمة بإذن
مولاها فاستحق نصفها ولم يجز المستحق النكاح
بطل النكاح في الكل لهذا المعنى فأما الشيوع
الطارئ بأن رهن جميع العين ثم تفاسخا فالعقد
ليس بمحل موجب الرهن وهو نظير ما لو تزوج أمة
في النصف ورده المرتهن لم يذكر جوابه في
الكتاب نصا والصحيح أن الشيوع الطارئ كالمقارن
في أنه مبطل للرهن فإنه قال في القلب المكسور
إذا ملك المرتهن البعض بالضمان يتعين ذلك
القدر مما بقي منه مرهونا كيلا يؤدي إلى
الشيوع وقالوا في العدل إذا سلط على بيع الرهن
كيف شاء فباع نصفه يبطل الرهن في النصف الباقي
لما بينا أن الجزء الشائع لا يكون محلا بخلاف
الشيوع الطارئ في الهبة والقبض هناك شرط تمام
العقد وليس شرط بقاء العقد وتأثير الشيوع في
المنع منه تمام التبعيض وذكر سماعا أن أبا
يوسف رحمه الله رجع عن هذه وقال الشيوع الطارئ
لا يمنع بقاء حكم الرهن بخلاف المقارن وقاس
ذلك بصيرورة المرهون دينا في ذمة غير المرتهن
فإنه يمنع ابتداء الرهن ولا يمنع بقاءه حتى
إذا أتلف المرهون إنسانا ووضع المرهون ثمنه
تكون القيمة والثمن رهنا في ذمة من عليه
وابتداء عقد الرهن مضافا إلى دين في الذمة لا
يجوز فكذلك الجزء الشائع.
قال: وإذا ارتهن الرجل ثمرة
في نخل دون النخل أو زرعا أو رطبا في أرض دون
الأرض لم يجز لأن المرهون متصل بما ليس بمرهون
خلفه فيكون بمنزلة الجزء الشائع وكذلك لو رهن
النخل والشجر دون الأرض أو البناء دون الأرض
فهو باطل لاتصال المرهون بما ليس
ج / 21 ص -64- مرهونا إلا أن يقول بأصولها فحينئذ يدخل مواضعها من الأرض في الرهن
وذلك معلوم معين فيجوز رهنه كما لو رهن بيتا
معينا من الدار وإن كان على النخيل ثمر تدخل
الثمرة من غير ذكر لأنهما قصدا تصحيح العقد
ولا وجه لتصحيحه إلا بإدخال الثمار وليس فيه
كبير ضرر على الراهن لأن ملكه لا يزول بخلاف
البيع فهناك الثمار لا تدخل في العقد إلا
بالذكر لأن تصحيح العقد في النخيل بدون الثمار
ممكن بخلاف الهبة ففي إدخاله هناك إضرار
بالمالك في إزالة ملكه عنها فإنه قيل أليس أن
لو رهن دارا هي مشغولة بأمتعة الراهن لا يصح
الرهن ولا يقال لما لم يمكن تصحيح هذا العقد
إلا بإدخال الأمتعة ينبغي أن تدخل الأمتعة في
الرهن قلنا لا اتصال للأمتعة بالدار.
ألا ترى أنه لو باع الدار كل قليل وكثير هو
فيها أو منها لم تدخل الأمتعة بخلاف الثمار
فهي بالتمليك والاتصال هنا من وجه لأنها من
النخيل.
ألا ترى أنه لو باع النخيل كله قليلا وكثيرا
وهو فيها أو منها تدخل الثمار ولو رهن الأرض
دون النخيل لم يجزه في ظاهر الرواية فإن
المرهون مشغول بما ليس مرهونا مع تلك الراهن
فهو كالدار المشغولة بمتاعه وكما لو رهن الأرض
بدون البناء وروى الحسن عن أبي حنيفة رحمهما
الله إن رهن الأرض بدون الأشجار يصح لأن
المستثنى شجر واسم الشجر يقع على الثابت على
الأرض.
ألا ترى أنه بعد القلع يكون جذعا فكأنه استثنى
الأشجار بمواضعها من الأرض وإنما يتناول عقد
الرهن سوى ذلك الموضع من الأرض وهو معين معلوم
بخلاف البناء فإنه اسم لما يكون مبنيا دون
الأرض فيصير راهنا لجميع الأرض وهي مشغولة
بملك الراهن وإذا كفل الرجل بنفس رجل فأعطاه
رهنا بذلك وقبضه المرتهن لم يجز لأن الكفالة
بالنفس ليست بمال والرهن يختص بحق يمكنه
استيفاؤه من مال الراهن وما ليس بمال لا يمكنه
استيفاؤه من مال الراهن وكذلك الرهن بجراحة
فيها قصاص أو دم عمد ولا يضمنه المرتهن إن هلك
الرهن في يده من غير فعله لأنه قبضه بإذن
المالك ولم ينعقد العقد بينهما أصلا لانعدام
الدين فلا يثبت حكم الضمان وكذلك الرهن
والعارية والوديعة والإجارة وكل شيء أصله
أمانة.
قال رضي الله عنه: واعلم بأن
الرهن بالأعيان على ثلاثة أوجه.
أحدها الرهن بعين هو أمانة
وهذا باطل لأن موجب الرهن ثبوت يد الاستيفاء
للمرتهن وحق صاحب الأمانة في العين مقصور عليه
واستيفاء العين من عين آخر ممكن.
والثاني الرهن بالأعيان
المضمونة بغيرها كالمبيع في يد البائع وهذا لا
يجوز أيضا لما قلنا.
والثالث الرهن بالاعيان
المضمونه بنفسها كالمغصوب وهو صحيح لأن موجب
الغصب رد العين إن أمكن ورد القيمة عند تعذر
رد العين وذلك دين يمكنه استيفاؤه من مالية
الرهن وكذلك الرهن بالدرك باطل لأن الدرك ليس
بمال مستحق يمكنه استيفاؤه ممن عليه الرهن
وهذا بخلاف الكفالة بالدرك فإنه يصح لأن
الكفالة تقبل الإضافة ولهذا لو
ج / 21 ص -65- كفل بما ذاب له على فلان فكذا إذا كفل بالدرك فإنه يصح لأنه يكون
العقد مضافا وليس في المال ضمان مال يستحق
فبطل الرهن ولو هلك في يد المرتهن لم يضمن لأن
ضمان الرهن ضمان استيفاء والاستيفاء لا يسبق
الوجوب.
قال: وإذا ارتهن الرجل من
الرجل ثوبا وقبضه فقيمته والدين سواء فلو
استحقه رجل فإنه يأخذه ويرجع المرتهن على
الراهن بدينه لأن عقد الرهن يبطل باستحقاق
المرهون إذا أخذه المستحق من الأصل وإن كان
الثوب هلك في يد المرتهن فللمستحق أن يضمن
قيمته أيهما شاء لأنه عين بالاستحقاق أن
الراهن كان غاصبا والمرتهن بمنزلة غاصب الغاصب
وحق في المستحق فله أن يضمنه أيهما شاء فإن
ضمن الراهن كان الرهن بما فيه لأنه ملكه
بالضمان من وقت وجوب الضمان فتبين أنه رهن ملك
نفسه وإن المرتهن صار مستوفيا دينه بهلاك
الرهن وإن ضمن المرتهن رجع على الراهن بقيمة
الرهن لأنه مغرور من جهته فإن رهنه على أنه
ملكه وفي قبض المرتهن منفعة للراهن من وجه وهو
أن يستفيد براءة الذمة عند هلاك الرهن
والمغرور يرجع على الغار بما يلحقه منه الضمان
كما يرجع المستأجر على الآجر والمودع على
المودع قال ويرجع بالدين أيضا عليه قال أبو
حازم رحمه الله هذا غلط لأنه لما رجع بضمان
القيمة على الراهن فقد استقر الضمان عليه
والملك في المضمون تبع لمن استقر عليه الضمان
فإذا استقر الملك للراهن تبين أنه رهن ملك
نفسه كما في الفصل الأول ومن صحح جواب الكتاب
فرق بين الفصلين فقال المرتهن يرجع بالضمان
على الراهن بسبب الغرور وذلك إنما يحصل
بالتسليم إلى المرتهن وهو إنما يملك العين من
حين العقد وعقد الرهن سابق عليه فلا يصح
باعتبار هذا الملك فأما المستحق فإنما يضمن
الراهن باعتبار قبضه فملكه من ذلك الوقت وعقد
الرهن بعده قال ولو كان الرهن عبدا فأبق فضمن
المستحق المرتهن قيمته ورجع المرتهن على
الراهن بتلك القيمة وبالدين ثم ظهر العبد بعد
ذلك فهو للراهن لأن الضمان استقر عليه قال ولا
يكون رهنا لأنه قد استحق وبطل الرهن وهذا
إشارة لما قلنا إن الملك للراهن إنما يتبع
بقيمته من وقت التسليم بحكم الرهن وعقد الرهن
كان سابقا على ذلك فلهذا بطل الرهن
بالاستحقاق.
قال: وإذا كان الرهن أمة
فولدت عند المرتهن ثم ماتت هي وأولادها ثم
استحقها رجل فله أن يضمن قيمتها إن شاء
المرتهن وإن شاء الراهن وليس له أن يضمن قيمة
الولد واحدا منهما لأن واحدا منهما لم يحدث في
الولد شيئا ومعنى هذه إنه بالاستحقاق ظهر إن
كل واحد منهما كان غاصبا له والزوائد لا تضمن
بالغصب إذا تلفت من غير صنع الغاصب لانعدام
الصنع في الزيادة قال وإذا ارتهن أمة فوضعها
على يدي عدل ليبيعها عند حل المال فولدت الأمة
فللعدل أن يبيع الولد معها لأن العدل إنما
يبيعها بحكم الرهن وقد ثبت حكم الرهن في الولد
وبه جاز للوكيل بيع الجارية ولو ولدت في يده
فإنه لا يملك أن يبيع ولدها لأنه مبيع بحكم
الوكالة وإنما وكله في بيع شخص فلا يملك بيع
شخصين وهنا إنما يبيع
ج / 21 ص -66- العدل بحكم الرهن وحكم الرهن ثبت في الولد حتى كان للمرتهن أن يحبس
الولد مع الأصل إلى أن يستوفي دينه فلهذا ملك
بيع الولد معها إلا أن المرهون لو قتلها عبده
فدفع بها كان للعدل أن يبيع المدفوع.
ولو أن الجارية التي وكل الوكيل ببيعها قتلها
عبده فدفع بها لم يكن للوكيل أن يبيع العبد
المدفوع فكذلك الولد لأن حكم الولد حكم البدل
في سريان حكم العقد إليه وهذه المسألة تنبني
على أن الزوائد المتولدة منه حين الرهن تكون
مرهونة عند المرتهن على معنى أن له أن يحبسها
بالدين وإن لم يكن مضمونا حتى لا يسقط شيء من
الدين بهلاكها كالزيادة على قدر الدين من
الرهن وعند الشافعي رحمه الله لا يثبت حكم
الرهن في الزيادة والراهن أحق بها لقوله صلى
الله عليه وسلم
"له غنمه وعليه غرمه" فإطلاق إضافة الغنم إليه دليل على أنه محض حق له وقال صلى الله
عليه وسلم
"الرهن مركوب
ومحلوب" والمراد أنه محلوب للراهن بدليل قوله
"وعلى الذي يركبه ويحلبه نفقته" والمعنى أن هذه زيادة تملك بملك الأصل فلا يثبت فيها حكم الرهن
كالكسب والغلة وهذا لأن الثابت بالرهن حق
البيع في الدين عنده وذلك ليس بحق متأكد في
القيمة فلا يسري إلى الولد كحق الوكالة بالبيع
وحق الدفع في الجارية الحامل وحق الزكاة في
النصاب بعد كمال الحول بخلاف ملك الراهن فهو
متأكد في العين لأن العين هي المملوك والدليل
على هذا أن حكم الضمان عندكم لا يثبت في الولد
لهذا المعنى فكذلك حكم الرهن ولأن الرهن وثيقة
بالدين فلا يسري إلى الولد كالكفالة وهذا عقد
لا يزيل الملك في الحال ولا في المآل فلا يسري
إلى الولد كالإجارة والوصية بالخدمة وبتفصيل
الوصية يظهر الفرق بين البدل والولد فإن حق
الموصي له بالخدمة يسري إلى البدل لقيامه مقام
الأصل ولا يسرى إلى الولد وحق ولد الجارية
كذلك فكذلك حق المرتهن.
وحجتنا في ذلك قول معاذ رضي الله عنه فيمن
ارتهن نخيلا فأثمرت أن الثمار رهن معها وقال
بن عمر رضي الله عنهما في الجارية المرهونة
إذا ولدت فولدها رهن معها والمعنى فيه أن حق
المرتهن متأكد في العين فيسري إلى الولد كذلك
الراهن وبيان ثبوت الحق في العين أن توصف
العين به يقال مرهون محبوس بحق المرتهن كما
يقال مملوك للراهن ولهذا يسري إلى بدل العين
ودليل التأكيد إن من هو عليه لا يملك إبطاله
وفقه هذا الكلام ما قررنا أن موجب عقد الرهن
يد الاستيفاء ويد الاستيفاء إنما تثبت في
العين وهي معتبرة بحقيقة الاستيفاء وإذا كانت
حقيقة الاستيفاء تظهر في موجبه من الزوائد
التي تحدث بعده فكذلك يد الاستيفاء وهذا لأن
المتولد منه الأصل ثبت فيه ما كان في الأصل
والأصل كان مملوكا للراهن مشغولا بحق المرتهن
فيثبت ذلك الملك في الزيادة لا ملك آخر لأنه
يحتاج لملك آخر وإلى سبب آخر بخلاف الكسب
والغلة فهو غير متولد منه الأصل ولا يثبت في
الكسب لهذا المعنى وبخلاف حق المستأجر فهو في
المنفعة لا في العين ولهذا لا يسري إلى بدل
العين فكذلك لا يسري إلى الولد
ج / 21 ص -67-
توضيحه
أن الحق إنما يسري إلى الولد إذا كان محلا
صالحا والولد محدث غير منتفع به فلم يكن محلا
صالحا لحق المستأجر فأما الولد المنفصل فيكون
مالا متقوما فيكون محلا صالحا لحق المرتهن ورد
أن هذا من الإجارة إن ولدت المرهونة ولدا حرا
باعتبار الغرور فالرهن لا يسري على هذا الولد
لأنه ليس بمحل له وهذا هو العذر عن ولد
المنكوحة فإن حق النكاح لا يسري إليه لأنه ليس
بمحل للحل في حق الزوج وهذا هو العذر عن ولد
الجارية الموصي بخدمتها لأنه لا يكون محلا
صالحا للخدمة حتى ينفصل ثم حق الموصي في
المنفعة والولد غير متولد منه المنفعة
والسراية إلى الولد باعتبار خروج العين من
الثلث لا لأن حقه في العين وحق ولي الجناية
ليس بمتأكد في العين فإن ما عليه تقرر بإبطال
حق العين عن العين باعتبار اليد وحق الزكاة في
الذمة لا في العين فإن المستحق فعل أشياء في
الذمة ثم من عليه ملك الأداء من محل آخر
فعرفنا أنه غير متأكد في العين وحق الكفالة
عندنا يسري إلى الولد إذا كفلت أمه بإذن مولاه
بمال ثم ولدت فأما إذا كانت حرة فالحق
بالكفالة ثبت في ذمتها والولد لا يتولد من
الذمة وإنما لا يثبت حكم الضمان في الولد
عندنا لانعدام السبب الذي يجعل العين مضمونة
عليه وهذا القبض مقصود.
ألا ترى أن ولد المعتق قبل القبض يسري إليه
حكم البيع ولا يكون مضمونا إن هلك لهذا المعنى
وقوله صلى الله عليه وسلم
"له غنمه وعليه غرمه"
يقتضي
أن تكون الزيادة ملكا للراهن وذلك لا يبقى حقا
للمرتهن فإنه كما أضاف الزيادة إليه أضاف
الأصل إليه
"بقوله الرهن من راهنه الذي
رهنه"
ونحن نقول إنه محلوب للراهن على معنى أن اللبن يكون مملوكا له وإنه
ينتفع به بإذن المرتهن أيضا وليس في هذا
الحديث أيضا ما يمنع ثبوت حق المرتهن فيه فإن
باعها العدل وسلمها ثم استحقها رجل ولا يعلم
مكانها كان للمستحق أن يضمن العدل قيمة الأمة
والولد لأنه في حق المستحق غاصب والزيادة في
عين المغصوب تضمن بالبيع والتسليم كالأصل لم
يرجع العدل بذلك في الثمن الذي عنده إن كان
فيه وفاء لأن الثمن بدل العين.
وكما أن الضامن للعين يكون أحق الناس بالعين
فكذلك يكون أحق ببدل العين وإن لم يكن فيه
وفاء رجع بتمام ما ضمن على الراهن لأنه بالبيع
كان عاملا للراهن بأمره ولأنه باعهما ليقتضي
الدين بالثمن ويفرغ ذمة الراهن ومنه لحقته
العهدة في عمل باشره لغيره كان له أن يرجع به
عليه وإنما يرجع في الثمن لأن جنس حقه من مال
الراهن وهو بدل العين الذي كان وجب عليه ضمانه
ولما كان مراد الضمان على الراهن كان الملك في
المضمون له والعدل وكيله بالبيع فيرجع عليه
بما يلحقه من العهدة فإن كان قد قضاه المرتهن
فالعدل بالخيار وإن شاء باع الرهن بذلك وسلم
للمرتهن ما اقتضاه لأنه في قضاء الدين كان
عاملا للراهن بأمره فكان الراهن فعل ذلك لنفسه
فله أن يرجع على الراهن بجميع ما ضمن من
القيمة وإذا فعل ذلك سلم المقبوض للمرتهن لأنه
بدل ملك الراهن قضى به دينه وإن شاء ضمنه
المرتهن لأن حقه ثابت في ذلك الثمن بدليل أنه
لو لم يكن سلمه إلى المرتهن كان له
ج / 21 ص -68- أن يأخذه بحقه بعد التسليم إلى المرتهن وله أن يسترده منه أيضا ولا
يضمنه المرتهن إلا بقدر ما قبضه لأن وجوب
الضمان عليه باعتبار القبض وإن كان في القيمة
فضل رجع بالفضل على الراهن كما لو كان الراهن
هو الذي قضى بالثمن.
توضيحه أن العدل عامل للراهن
بأمره ولكن في عمله منفعة للمرتهن من حيث إنه
يصل إليه بحق إلا أن منفعته بقدر دينه فيثبت
له الخيار وإن شاء ضمن الراهن جميع القيمة
لأنه كان عاملا له وإن شاء ضمن المرتهن بقدر
ما قبض لحصول المنفعة في ذلك القدر له وإذا
فعل ذلك رجع المرتهن على الراهن بدينه لأن
المقبوض لم يسلم إليه وليس له أن يأخذهما
جميعا لأن المخير بين الشيئين إذا اختار
أحدهما تعين ذلك عليه وهذا لأن اختياره تضمين
الراهن بتسليم المقبوض للمرتهن فليس له أن
يرجع عليه فإذا اختار أحدهما فأفلس أو مات لم
يكن له أن يتبع الآخر بذلك بمنزلة الغاصب مع
غاصب الغاصب ولو لم يبعها العدل وماتا عنده
كان للمستحق أن يضمن العدل حق الأم دون الولد
لأن الولد هلك من غير صنع أحد ويرجع بها العدل
على الراهن لأنه عامل له قائم مقامه في إمساك
الرهن وقد بينا أن الرهن لو هلك في يد المرتهن
ثم ضمن حصته للمستحق لرجع بها على الراهن فإذا
هلك في يد العدل أولى.
قال:وقبض العدل للرهن بمنزلة
قبض المرتهن له في حكم صحة الرهن وذهابه
بالدين إذا هلك عندنا وهو قول إبراهيم النخعي
والشافعي وعطاء والحسن رحمهم الله وقال بن أبي
ليلى رحمه الله لا يتم الرهن بقبض العدل حتى
إذا هلك في يد العدل لم يسقط الدين وإن مات
الراهن فالمرتهن أسوة الغرماء قال لأن العدل
نائب عن الراهن فكذا إذا لحقه عهدة يرجع على
الراهن دون المرتهن وكما أن الرهن لا يتم بقبض
الراهن وإن أشفى عليه فكذلك لا يتم بقبض العدل
والدليل أن موجب عقد الراهن بثبوت يد
الاستيفاء وبهذا العقد لم يثبت ذلك للمرتهن
لأنه لا يتمكن من إثبات يده على العين وموجب
العقد لا يجوز أن يثبت بغير العاقد كالملك في
البيع وجه قولنا إن يد العدل كيد المرتهن
بدليل إن ملك العدل رد الرهن برضا المرتهن ولو
كانت يده كيد الراهن لتمكن الراهن من استرداده
متى شاء وبأن كان يرجع بضمان الاستحقاق على
الراهن فذلك لا يدل على أن يد الراهن كالمرتهن
نفسه.
توضيحه إن المرهون محبوس
بالدين كالمبيع بالثمن ثم البائع إذا أبى
تسليم المبيع إلى المشتري فوضعاه على يد عدل
كانت يد العدل فيه كيد البائع الذي له حق
الحبس حتى إذا هلك انفسخ البيع فكذلك في الرهن
يد العدل كيد من له الحبس وهو المرتهن ولأنه
بعد التسليم إلى المرتهن لو اتفقا على وضعه
على يد عدل كانت جائزة وكانت يد العدل فيه كيد
المرتهن حتى يصير مستوفيا دينه بهلاكه ولو
كانت يد العدل كيد الراهن لم يصر المرتهن
مستوفيا دينه بهلاكه كما لو عاد إلى يد الراهن
بطريق العارية والغصب وكان هذا نوع استحسان
منا لحاجة الناس إليه ولكونه أرفق بهم فالراهن
لا يأتمن المرتهن على عين ماله
ج / 21 ص -69- وعند ذلك طريق طمأنينة القلب لكل واحد منهما الوضع على يد عدل ولهذا
جوزنا ذلك في الانتهاء فكذلك في الابتداء.
وإن كان العدل مسلطا على البيع فله أن يبيعه
وبدون تسليط ليس له أن يبيعه لأنه قائم مقام
المرتهن وللمرتهن أن يبيع الرهن إذا سلط عليه
وليس له أن يبيعه إذا لم يسلط على ذلك ونفقته
على الراهن سواء كان في يد العدل أو في يد
المرتهن لقوله صلى الله عليه وسلم
"وعلى من
يحلبه ويركبه نفقته" ولأن العين
باقية على ملك الراهن ونفقة المملوك على
المالك وفي استحقاق اليد عليه للمرتهن منفعة
للراهن فإنه يصير قاضيا دينه بهلاكه فهو نظير
العبد المؤجر تكون نفقته على الآجر وكذلك كفنه
إن مات فإن الكفن لباسه بعد وفاته فيعتبر
بلباسه في حال حياته ولأن ضمان الرهن ضمان
الاستيفاء ولذلك ثبت في المالية دون العين
ولهذا قلنا إن حكم الضمان لا يسري إلى الولد
فبقيت العين على ملك الراهن فكان كفنه عليه.
قال:وإذا دفعه إلى الراهن أو
المرتهن كان ضامنا له لأنه خالف فيما صنع وكل
واحد منهما منعه منه دفعه إلى الآخر بغير رضاه
فيكون الدفع خيانة في حقه وكذلك لو استودعه
رجل أجنبي لأن العدل أمين في حفظ الرهن
كالمستودع والمودع إذا أودع أجنبيا صار ضامنا
وإن أودعه بعض من في عياله لم يضمنه لأنه يحفظ
الوديعة على الوجه الذي يحفظ مال نفسه فكذلك
العدل وكذلك المرتهن لو كان الرهن عنده فدفعه
إلى من في عياله لم يضمنه وإن دفعه إلى أجنبي
كان ضامنا للعين قال وإذا كان العدل رجلين
والرهن مما لا يقسم فوضعاه عند أحدهما كان
جائزا ولا ضمان فيه كالمودعين لأنه لما
أودعهما مع علمه بأنه لا يتهيأ لهما الاجتماع
على حفظه آناء الليل وأطراف النهار فقد صار
راضيا بترك أحدهما إياه عند صاحبه وإذا كان
مما يقسم اقتسماه فكان عند كل واحد منهما نصفه
فإن وضعاه عند أحدهما فمن الذي وضع حصته عند
صاحبه في قول أبي حنيفة رحمه الله وعندهما لا
ضمان عليه لأن كل واحد منهما مؤتمن فيه وقد
بينا المسألة في الوديعة.
ولو سافر العدل أو انتقل من البلد فذهب بالرهن
معه لم يضمنه لأنه أمين في العين كالمودع
وللمودع أن يسافر بالوديعة عندنا وقد بينا
اختلاف الرواية فيما له حمل ومؤنة وفيما لا
حمل له ولا مؤنة قربت المسافة أو بعدت في كتاب
الوديعة وكذلك المرتهن نفسه إذا كان الرهن في
يده لأنه لا تمنع عليه المسافرة بسبب الرهن
ولو دفعه إلى غيره كان ضامنا مخالفا لما أوجب
له نصا فلا يجد بدا من أن يسافر به معه فإن
سلط العدل على بيع الرهن فأبى أن يبيع فرفعه
المرتهن إلى القاضي أجبره القاضي على البيع
بعد أن يقيم البينة على ذلك بخلاف الوكيل فإنه
إذا امتنع عن البيع لا يجبره القاضي على ذلك
لأن الوكالة بالبيع ليست من ضمن عقد لازم فلا
يثبت حكم اللزوم فيه وتسليط العدل على البيع
في ضمن عقد لازم وهو الرهن فإن موجب الاستحقاق
للمرتهن لازم في حق الراهن والعدل نائب في
البيع فيثبت حكم اللزوم في حقه نصا
ج / 21 ص -70-
توضيحه:أن
الوكيل إذا امتنع عن البيع لا يتضرر به الموكل
لأنه يتمكن من البيع نفسه وأما العدل إذا تضرر
من البيع فإنه يتضرر منه المرتهن لأنه لا
يتمكن من البيع هذا إذا كان التسليط مشروطا في
عقد الرهن فإن كان بعد تمام العقد في ظاهر
الرواية لا يجبر العدل على البيع لأن رضا
المرتهن على الرهن قد تم بدونه هذا وهو توكيل
مستأنف ليس في ضمن عقد لازم وعن أبي يوسف رحمه
الله قال التسليط على البيع بعد الرهن يلتحق
بأصل العقد ويصير كالمشروط فيه وعلى هذا لو
أراد الراهن عزل العدل المسلط على البيع فإن
كان بعد تمام الرهن سلطه فهو على الخلاف الذي
مضى وإن كان مشروطا في عقد الرهن لم يصح عزله
بدون رضا المرتهن لأنه ثبت في ضمنه عقد لازم
وهو نظير الوكيل بالخصومة بالتماس الخصم إذا
أراد الموكل بغير محضر منه الخصم لم يصح ذلك
عليه لدفع الضرر عنه فهذا مثله.
ولو مات العدل بطل تسلطه على البيع لأن ذلك
كان يتأتى باعتبار رأيه ولم يتعين بعد موته
والرهن على ماله لأن الرهن لو كان في يد
المرتهن فمات لم يبطل العقد به فلأن يبطل بموت
العدل أولى قال وإذا أوصى العدل ببيعه لم يجز
كما لو وكل ببيعه في حياته وهذا لأن الراهن
رضي برأيه ولم يرض برأي غيره وكذلك لو أراد
وارث العدل بيعه لم يجز لأن الوارث إنما يخلف
المورث فيما هو حق المورث وهذا حق الراهن
والمرتهن وهما رضيا برأي العدل وما رضيا برأي
وارثه فإن أجمع الراهن والمرتهن على وضعه على
يد غيره أو على يد المرتهن جاز لأن الحق إنهما
رأيا ما يعتبر في حقهما كما في الابتداء وإن
اختلفا فجعل القاضي منهما عدلا فوضعه على يديه
فذلك جائز لأن القاضي منصوب لقطع الخصومة
والمنازعة وطريق قطعها هنا أن يقيم عدلا آخر
مقام الأول وكذلك إن وضعه على يد المرتهن
وجعله عدلا فيه فهو جائز لأن ما يرى القاضي
المصلحة فيه عند اختلافهما بمنزلة تراضيهما
عند الاتفاق عليه ولو لم يمت العدل ومات
الراهن كان للأول أن يبيعه بخلاف الوكالة إذا
مات الموكل قبل بيع الوكيل لأن موت الموكل
كعزله وبعد العزل في الوكالة ليس للوكيل أن
يبيع وللعدل أن يبيع كما بينا فكذلك بعد الموت
وهذا لأنه بموت الوكيل تنتقل العين إلى الوارث
ولم يوجد منه الرضا ببيعه وهنا المرتهن أحق
بالعين بعد موت الراهن كما كان في حياته فكان
للعدل أن يبيعه لحق المرتهن.
قال: وإذا باع العدل الرهن
وقضى المال المرتهن ثم وجد بالعبد عيبا فالخصم
فيه هو العدل لأن الرد بالعيب من حقوق العقد
فيتعلق بالعاقد فإذا رد عليه ثمنه فإنه يضمن
الثمن لأنه هو القابض للثمن من المشتري فعليه
رده ويرجع به على المرتهن لأنه لو كان الثمن
في يديه ولم يدفعه إلى المرتهن لرجع فيه ويكون
أحق به فكذلك بعد الدفع إليه يرجع به عليه
وهذا لأن منفعة عمله حصلت له فيستحق الرجوع
عليه بما يلحقه منه العهدة ويكون الرهن رهنا
على حاله الأولى يبيعه العدل لأن البيع الأول
قد بطل فكأنه لم يكن أصلا ولو لم تقم بينة على
العيب ولكن العدل أقر به فإن كان عيبا لا يحدث
مثله فكذلك هذا لأنا أثبتنا أن
ج / 21 ص -71- العيب كان موجودا قبل البيع وإنما لم يستقل العدل بالإنكار لعلمه أن
ذلك قدح في عدالته ولا تمنعه وإن كان عيبا
يحدث مثله فلم يقر به ولكن أبى أن يحلف حتى
رده القاضي عليه فهو كالأول عندنا خلافا لزفر
رحمه الله وقد بينا هذا في الوكيل بالبيع إذا
رد عليه نكوله في البيع فالعدل مثله وإن أقر
به لزمه خاصة لأنه غير مضطر إلى هذا الإقرار
فقد كان متمكنا من السكوت ليجعله القاضي منكرا
ويعرض عليه اليمين ثم يقضي عليه بالنكول
وإقراره ليس بحجة على المرتهن ما لم يصدقه في
ذلك فإن صدقه رد عليه ما قبض منه وبيع الرهن
ثابت ولا يلزم الراهن من وضعه ذلك شيء إلا أن
يقر به كما بينا أن إقرار العدل ليس بحجة عليه
ما لم يصدقه فإن صدقه فهو في حقهما كإقامة
البينة ولو أقاله البيع أو رده عليه بعيب يحدث
قبله أو لا يحدث مثله بغير قضاء قاض لزم ذلك
العدل خاصة لأن هذا التصرف في حق الراهن
والمرتهن كشراء مستقبل وقد أشار في البيوع إلى
العيب الذي لا يحدث مثله إن القضاء وغير
القضاء سواء وقد بينا وجه الروايتين في البيوع
والأصح ما ذكر هنا.
وإذا باع العدل الرهن ثم وهب الثمن للمشتري
قبل أن يقبضه جاز وهو قول أبي حنيفة ومحمد
رحمهما الله وهو خاصة له ولا يجوز في قول أبي
يوسف رحمه الله بمنزلة الوكيل بالبيع إذا أبرأ
المشتري من الثمن ولو قال قد قبضته فهلك عندي
كان مصدقا في ذلك وكان من المال المرتهن لأنه
يملك القبض بحكم العقد فيملك الإقرار بالقبض
وما ظهر بإقراره كالمعاين ولو قبض الثمن وهلك
في يده كان من مال المرتهن لأن حكم الراهن
تحول إلى الثمن فهلاكه في يده كهلاك العين
وكذلك لو قال قد دفعته إلى المرتهن فهو مصدق
مع يمينه ولا نقول بإقرار العدل يثبت وصول
الثمن إلى المرتهن لأن القول قول الابن في
براءة نفسه لا في وصول المال إلى القريب كما
لو أمر المودع أن يقضي بالوديعة دينه وقال قد
فعلت ولكنه يسقط حق المرتهن لأن حكم الرهن
تحول إلى الثمن وقد توى بعد إقرار العدل بما
قال فكأنه هلك في يده ولو قبض الثمن ثم وهبه
كله أو بعضه لم يجز لأن المقبوض بحكم ملك
الراهن مشغول بملك المرتهن فتصرف العدل فيه
بطريق التبرع باطل.
ولو قال: حططت عنك من الثمن
كذا أو قال قد وهبت لك من الثمن كذا وكذا فذلك
جائز في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله لأن
الحط يلتحق بأصل العقد ولو حط قبل القبض جاز
عليه وصار ضامنا فكذلك إذا حط بعد القبض يجوز
ذلك عليه وتبين أن قبض ذلك القدر بغير حق
فعليه أن يغرم مثله للمشتري من ماله والمقبوض
سالم للمرتهن لأن تصرفه صحيح في حق نفسه لا في
حق المرتهن وهذا بخلاف ما إذا أضاف الهبة إلى
المقبوض لأن المقبوض حق غيره فلا تصح هبته فها
هنا أضاف الهبة إلى الثمن والثمن بالعقد يجب
للوكيل ولهذا لو وهبه قبل القبض جاز ذلك في
حقه وهذا لأن القبض يقرر الثمن لأن المقصود
يحصل بالقبض وبحصول المقصود ينتهي حكم الشيء
ويتقرر مكان إضافة الهبة إلى الثمن بعد القبض
كإضافته إليه قبل القبض فيصح ذلك في حقه وإذا
باع العدل الرهن وأقر
ج / 21 ص -72- الراهن والمرتهن بالبيع فقال بعته بمائة درهم والدين مائة وأعطيتكها
وقال المرتهن بعته بخمسين وأعطيتكها فالقول
قول المرتهن مع يمينه لأن العين خرجت من الرهن
بالبيع باتفاقهم جميعا مع الاختلاف منهما في
مقدار ما قبض المرتهن من حقه وهو منكر للزيادة
فالقول قوله وهذا بخلاف ما إذا قال الراهن لم
يبعه وقال العدل بعته بخمسين وصدقه المرتهن
لأن العين في الحال هالكة وذلك مسقط لجميع
الدين عن الراهن باعتبار أن في قيمته وفاء
بالدين وقت القبض والمرتهن مع العدل يدعيان
خروج العين عن الرهن والراهن منكر لذلك فالقول
قوله مع يمينه فأما هنا فقد اتفقا على خروج
العين عن الرهن بالبيع وإنما اختلفا في مقدار
ما قبض المرتهن من دينه وكذلك لو كان توى
الثمن على المشتري ثم اختلفا في مقداره لأن
العين لما خرجت من الرهن باتفاقهما وإنما يحول
حكم الرهن إلى الثمن بقدر الثمن واختلافهما في
مقداره كاختلافهما في مقدار قيمة الرهن حين
قبضه المرتهن والقول في ذلك قول المرتهن
لإنكاره الزيادة وإن أقاما جميعا البينة
فالبينة بينة العدل والراهن لأنهما شيئان
الزيادة فيما استوفاه المرتهن والمثبت للزيادة
من الشيئين أولى.
وإذا قال العدل: قد بعته
بخمسين وصدقه المرتهن وقال الراهن هلك في يدك
قبل أن تبيعه وأقاما البينة فالبينة بينة
الراهن أيضا لأنه أثبت الزيادة فيما استوفاه
المرتهن من الدين وعن أبي يوسف رحمه الله أن
البينة هنا بينة المرتهن والعدل لأنهما سبب
خروج العين من الرهن وهو البيع والحاجة إلى
البينة لها فكانت منهما أولى بالقبول ولو وكل
العدل في بيع الرهن وكيلا فباعه والعدل حاضر
جاز إلا عند زفر رحمه الله وأصله في الوكيل
بالبيع وقد تقدم بيانه في باب الوكالة فإن كان
العدل غائبا عن ذلك البيع لم يجز لأن الآمر
إنما أوصى أن يتم العقد برأي العدل فإن كان
حاضرا كان تمام العقد برأيه بخلاف ما إذا كان
غائبا وإذا لم ينفذ بيعه كان هذا وما لو باعه
قبل التوكيل سواء فإذا أجازه العدل جاز ويصير
كأنه باعه بنفسه لأن تمام العقد حصل برأيه
وكذلك لو وقت العدل للوكيل ثمنا فقال بعه بكذا
فباعه به كان جائزا أما إذا كان بمحضر من
العدل فغير مشكل وإن كان بغير محضر منه فكذلك
في رواية هذا الكتاب لأن مقصود الآمر قد حصل
حين وقت العدل للوكيل الثمن فإن تمام العقد
كان برأيه ومقصود الآمر الثمن لا العبادة وقد
حصل وفي غير هذا الموضع قال لا يجوز لأن
تسميته مقدار الثمن يمنع النقصان ولكن لا يمنع
الزيادة ولو حضر العدل ربما يبيعه بأكثر من
ذلك لجده وكثرة هدايته في التزويج فلهذا لا
يجوز بيع الوكيل الآن بخبرة العدل.
وإذا باع الرهن من ولده أو زوجته لم يجز إلا
أن يخبره الراهن والمرتهن في قول أبي حنيفة
رحمه الله وفي قولهما بيعه منهم لما يتغابن
الناس فيه جائز لأن العدل بمنزلة الوكيل
بالبيع وقد بينا في كتاب البيوع الخلاف في بيع
الوكيل من مولاه فاللفظ المذكور هنا يدل على
أن موضع الخلاف في البيع بالغبن اليسير دون
البيع بمثل القيمة بخلاف باقي البيوع وقد بينا
وجه الروايتين هناك فلو أجازه الراهن والمرتهن
جميعا جاز لأن المنع حقهما فإذا اتفقا
ج / 21 ص -73- على الإجازة نفذ لزوال المانع كما لو باع الرهن فضولي فأجاز الراهن
والمرتهن فإن أجاز ذلك أحدهما دون الآخر لم
يجز كما لو باشر أحدهما البيع لم يجز بدون نص
الآخر وإذا كان العدل اثنين وقد سلطا على
البيع فباع أحدهما لم يجز ذلك لأن الراهن
والمرتهن نصا برأيهما والبيع يحتاج فيه إلى
الرأي ورأي الواحد لا يكون كرأي المثنى فإن
أجاز الآخر جاز لاجتماع رأيهما عليه وكذلك إن
أجازه الراهن والمرتهن كما لو باعه فضولي آخر
فأجازه الراهن والمرتهن وإن أجازه أحدهما دون
الآخر لا يجوز لأن للراهن ملكا وللمرتهن حق
نصابه في الملك فكما لا ينفرد أحدهما بالبيع
بدون رضا الآخر فكذلك لا ينفرد بالإجازة وكذلك
لو باعه أجنبي وأجاز الراهن أو المرتهن لم يجز
وإن أجازاه جميعا وأبي العدلان ذلك جاز لأن
الحق لهما ونفوذ البيع من العدلين باعتبار
رضاهما فإذا وجد الرضا منهما في حق الأجنبي
نفذ بيعه أيضا وقد خرج العدلان من الوكالة كما
لو باشرا البيع بأنفسهما.
وإذا أخرج الراهن والمرتهن العدل من التسليط
على البيع وسلطا غيره أو لم يسلطا فقد خرج
العدل من ذلك إذا علم وإن لم يعلم فهو على
وكالته لأنه وكيل بالبيع والموكل ملك عزل
الوكيل بعلمه فإذا كان حصول التوكيل برأيهما
فكذلك العزل يثبت باتفاقهما عليه إذا علم
العدل به قال وإذا أراد العدل بيع الرهن قبل
حل الأجل لم يكن له ذلك لأنه سلط على البيع
لقضاء الدين عند امتناع الراهن من قضاء الدين
من موضع آخر وإنما يتحقق ذلك بعد حلول الأجل
لأن المطالبة بقضاء الدين تتوجه عليه عند ذلك
وفي النوادر قال محمد رحمه الله هذا على وجهين
أما أن يكون التسليط مضافا بأن قال إذا حل
الأجل فلم أقض ماله فبعه لم يجز بيعه قبل حل
الأجل ولو قال بعه مني متى شئت جاز بيعه قبل
حل الأجل لأنه صار وكيلا عقب هذا اللفظ فينفذ
بيعه بحكم الوكالة ولكن الثمن يكون رهنا إلا
أن يحل الأجل فيستوفيه المرتهن بحقه وإن قال
المرتهن كان الأجل إلى شهر رمضان فالقول قول
الراهن في التسليط على البيع والقول في حل
الأجل قول المرتهن لأن الأجل حق الراهن قبل
المرتهن فإذا ادعى زيادة فيه وجحد المرتهن كان
القول قوله فأما التسليط على البيع فمن حق
المرتهن ويثبت بإيجاب الراهن ولو أنكره أصلا
كان القول قوله فكذلك إذا أنكر حلوله إذ ليس
من ضرورة حل المال ثبوت التسليط على البيع
لجواز أن يسلطه على البيع بعد مضي شهر من حين
يحل المال فإن اتفقا على الأجل إنه شهر
واختلفا في مضيه فالقول قول الراهن لأن الأجل
حق الراهن قبل المرتهن وقد تصادقا على ثبوته
ثم ادعى المرتهن إنه أوفاه ذلك وأنكر الراهن
الاستيفاء فالقول قوله.
وإذا باع العدل الرهن بدنانير أو بغيرها من
العروض والحق دراهم فله أن يصرفها بدراهم إذا
كان مسلطا على بيعه حتى يوفيه في قول أبي
حنيفة رحمه الله وعندهما ليس له أن يبيعه بعرض
لأن العدل وكيل بالبيع وقد بينا الخلاف في
الوكيل بالبيع مطلقا أو باع بالعروض وإذا باع
بالنقود يجوز بالاتفاق ولكنه مأمور بإيفاء حق
المرتهن والإيفاء إنما يكون بجنس الحق
ج / 21 ص -74- فكان له أن يصرف الثمن إلى جنس الحق ليقضي الدين به وكذلك يبيع
العروض به في قول أبي حنيفة رحمه الله وكذلك
لو باعه بمكيل أو موزون فهو كالبيع بالعروض
على قياس الوكيل وذكر الكرخي رحمه الله إن
الرهن إذا كان بطعام السلم فباعه العدل بجنس
ذلك الطعام يجوز البيع عندهم جميعا لأن عندهما
إنما يتقيد البيع بالنقد بدلالة العرف وذلك
غير موجود هنا ثم هذا عرف وعارضه نص لأنه سلطه
على البيع لقضاء الدين وذلك بجنس الدين يتحقق
وإن باعه بالنقد احتاج إلى أن يسوي به طعاما
ليقضي به حق رب السلم فلأجل هذا جوزنا بيعه
بالطعام.
قال: ولو باعه بنسيئة كان
البيع جائزا بمنزلة الوكيل بالبيع مطلقا وروى
أصحاب الإملاء عن أبي يوسف رحمهم الله أنه إذا
قال لغيره بع هذا المتاع فإني محتاج إلى
النفقة أو قال بعه فإن غرمائي ينازعونني فباعه
بالنسيئة لا يجوز لأنه اقترن بكلامه ما يدل
على أن مراده البيع بالنقد وعلى قياس تلك
الرواية لا يجوز بيع العدل بالنسيئة أيضا لأنه
أمره بالبيع عند حل الأجل ليوفي حق المرتهن من
الثمن وذلك لا يحصل إلا بالبيع بالنقد وإن توى
الثمن عند المشتري فهو من مال المرتهن لما
بينا أن حكم الرهن تحول من العين إلى الثمن
وإن كان في ذمة المشتري كما لو قبل المرهون
تحول حكم الرهن من العين إلى القيمة ولو هلكت
العين قبل البيع يصير المرتهن به مستوفيا حقه
فكذلك إذا توى الثمن وفيه وفاء بالدين وإذا
كان الرهن أرض خراج أو عشر فأخذ السلطان
الخراج أو العشر من الثمرة كان للعدل أن يبيع
ما بقي مع الأرض الرهن لما بينا إن حكم الرهن
يثبت في الزيادة المولدة من العين ولا يسقط
باعتبار ما أخذ السلطان من ذلك شيء من الدين
لأن ذلك مستحق على الرهن ولأن ذلك الجزء
كالتاوي بغير صنع المرتهن.
ولو هلك الكل بغير صنعه لم يسقط شيء من دينه
فإن قيل كيف يأخذ السلطان الخراج من الثمرة
والخراج في ذمة الراهن قلنا قد قيل إن المراد
خراج المقاسمة وهو جزء من الخارج كالعشر وإن
كان المراد خراج الوظيفة فله تعلق بالخراج
بدليل أنه لو امتنع من أداء الخراج يبيعه
الإمام بطريق الاجتهاد وإذا أخذ السلطان
الخراج أو العشر من الراهن لم يكن للراهن أن
يرجع بشيء من الثمرة وهو كله رهن يبيعه العدل
ويوفيه المرتهن ولا شك إن للسلطان أن يأخذ منه
الخراج وكذلك العشر عند حاجة مصارف العشر
للسلطان أن يأخذ العشر من مالك الثمرة بعد
إدراك الغلة وهذا لأنه يطالبه بالأداء وله أن
يؤدي من أي موضع شاء فإذا كان هو الذي رهن
العين وتعذر عليه أداء العشر أخذه من غير
الثمرة لزمه الأداء من محل آخر فإذا أخذ منه
بقيت الثمار مملوكة للراهن محبوسة عند المرتهن
بحقه وللعدل أن يبيع الكل كما بينا ولا يكون
للراهن أن يرجع بشيء من الثمرة ما لم يقض
الدين لأنه بتصرفه قصر يد نفسه عن الثمرة ما
لم يؤد الدين وقد كانت الثمرة مشغولة بالعشر
والخراج فإذا زال ذلك بأدائه من محل آخر بقي
حكم الرهن فيه على حاله.
قال: ولو كان الرهن إبلا أو
بقرا أو غنما سائمة لم يكن فيها زكاة لأن على
صاحبها من الدين ما يستغرق رقابها ووجوب
الزكاة من المال النامي باعتبار عناء المالك
قال صلى الله عليه وسلم:
"لا
ج / 21 ص -75- صدقة إلا عن ظهر غني"
وبالدين المستغرق ينعدم العناء والسبب إذا وجب
الحكم بواسطة لم يثبت الحكم بدون تلك الواسطة
كشراء القريب يوجب العتق بواسطة الملك فإذا
اشتراه لغيره لا يكون إعتاقا لانعدام الواسطة
وإن كان العدل هو الراهن فإن كان المرتهن لم
يقبض من يد الراهن فليس برهن لأن تمام الرهن
بالقبض ويد المالك في ماله لا تكون نائبة عن
الغير فلا يصير المرتهن قابضا بيد الراهن وإن
كان المرتهن قبضه وجعل الراهن مسلطا على بيعه
فهو رهن وبيع الراهن فيه جائز لأن العين ملكه
وهو مشغول بحق المرتهن فإذا رضي صاحب الحق
بالبيع نفذ بيع المالك فيه وإذا ارتهن الرجل
دارا أو سلط الراهن رجلا على بيعها ودفع الثمن
إلى المرتهن ولم يقبضها المرتهن حتى حل المال
لم يكن رهنا لانعدام القبض المتمم له.
وإن باع العدل الدار جاز بيعه بالوكالة لا
بالرهن لأن العدل وكيل بالبيع وبقاء يد المالك
في العين لا يمنع صحة الوكالة بالبيع وكذلك
التبعيض في الخادم والدار لأن الشيوع وإن كان
يمنع موجب الرهن فلا ينافي موجب الوكالة وأحد
الحكمين ينفصل عن الآخر فالرهن وإن لم يصح
لعدم القيمة فالتوكيل بالبيع صحيح وإذا باع
العدل ذلك دفع الثمن إلى الراهن دون المرتهن
لأن العين ملك الراهن ولم يثبت فيه حق المرتهن
حين لم يصح الرهن فلهذا يدفع الثمن إلى الرهن
ثم يقضي للمرتهن على الراهن بحقه وإن دفع
العدل المال إلى المرتهن لم يضمن لأن الدفع
إليه حصل بأمر المالك وإن نهاه عن البيع لم
يجز بيعه بعد ذلك وكذلك إن مات الراهن لم يكن
للعدل أن يبيعه بعد موته لأن نفوذ بيعه
بالوكالة دون الرهن والوكالة تبطل بالعزل وموت
الموكل والمرتهن أسوة الغرماء فيه لأن اختصاصه
به يكون باعتبار الرهن فإذا لم يتم الرهن كان
أسوة الغرماء وإذا قتل العبد المرهون عبد فدفع
به أو أخفى عينه فدفع بالعين كان العدل مسلطا
على بيع العبد المدفوع لأنه قائم مقام ما دفع
به إلا أن يرى أن حكم الرهن يثبت فيه بهذه
الطريقة فكذلك حكم التسليط على البيع لأن ذلك
توكيل تعلق به الاستحقاق لكونه في ضمن الرهن
فيظهر ظهور حكم الرهن فيه.
وإذا باع العدل الرهن فقال بعته بتسعين والدين
مائة فأقر بذلك المرتهن فإنه يسأل الراهن عن
ذلك فإن أقر أنه باعه وادعى أكثر من تسعين
فالقول قول المرتهن والعدل فيه لاتفاقهما على
خروج العين من الرهن بالبيع وإنكار المرتهن
للزيادة فيما تحول إليه حكم الرهن والبينة
بينة الراهن لإثباته الزيادة وإن لم يقر
الراهن بالبيع وقال هلك في يد العدل فالقول
قول الراهن إذا كانت قيمته مثل الدين لأنه
بقبض الرهن تثبت يد الاستيفاء للمرتهن في جميع
الدين ثم إذا ادعى ما ينسخه وهو البيع في
الدين فلا يصدق في ذلك إلا بحجة وإذا أقر
بالبيع قال الراهن بعته بمائة وقال العدل بعته
بتسعين وقال المرتهن بعته بثمانين وقد تقابضا
فالقول قول المرتهن ويرجع على الراهن بعشرين
درهما لتصادقهم على ما ينسخ حكم الرهن في
العين وهو البيع وإنكار المرتهن للزيادة فيما
استوفى من حقه والبينة بينة الراهن لأنه هو
المدعي لزيادة إيفاء الدين على المرتهن فإن
أقام العدل البينة إنه باعه بتسعين وأعطاها
ج / 21 ص -76- للمرتهن وقال الراهن لم يبعه وأقام البينة إنه لم يبع وإنه مات في
يده قبل أن يبيعه لم تقبل بينة الراهن على هذا
لأنهم لم يشهدوا على فصل ماله وإنما شهدوا على
أنه لم يبع وهذا لا تجوز شهادتهم فيه لأن
البينة للإثبات فلا تقبل على النفي ولا بلفظ
النفي وإن كانت هذه البينة بلفظ الإثبات فقد
بينا الخلاف بين أبي يوسف ومحمد رحمهما الله
في ترجيح إحدى البينتين على الأخرى فيما سبق.
وإذا ارتد العدل ثم باع الرهن ثم قتل على
ردته فبيعه جائز لأن نفوذ بيعه باعتبار
الوكالة وردته لا تنافي ابتداء الوكالة فلا
ينافي البقاء بطريق الأولى وإنما لا يجوز أبو
حنيفة تصرفه في ملك نفسه إذا قتل على الردة
لأن محل تصرفه حق ورثته وذلك غير موجود هنا
فإنه ليس بمالك للرهن وخلف وارثه فيه إنما هو
وكيل ببيعه وإن أسلم فذلك أجوز لبيعه وإن لحق
بدار الحرب فلحاقه بمنزلة موته ولهذا يقسم
القاضي ميراثه فإن رجع مسلما فهو على وكالته
وقد نص على الخلاف بين أبي يوسف ومحمد رحمهما
الله في الوكيل إذا ارتد ولحق بدار الحرب فقيل
حكم العدل على ذلك الخلاف وقيل بل هذا قولهم
جميعا وأبو يوسف يفرق بينهما فيقول ردته
ولحاقه موجب عزله بمنزلة ردة الوكيل وعزله
نفسه وذلك يصح من الوكيل ولا يصح من العدل بعد
القبول بحق المرتهن فكذلك يبقى حكم التسليط
على البيع بعد لحاقه فإذا رجع فهو على وكالته
وهذا لأن هذه الوكالة تعلق بها الاستحقاق
لكونها في ضمن الرهن على ما بينا وإذا ارتد
الراهن والمرتهن فلحقا بدار الحرب أو قتل على
الردة ثم باع العدل الرهن جاز بيعه لأن
لحاقهما كموتهما والقتل موت وقد بينا أن
موتهما لا يبطل الرهن ولا حكم التسليط على
البيع فكذلك هنا.
قال: وإذا كان العدل عبدا محجورا عليه فإن
وضعا الرهن على يديه بإذن مولاه فهو جائز لأنه
من أهل يد موجبة لتتميم العقد لو كان العقد
معه بإذن مولاه فكذلك إذا كان العقد مع غيره
قلنا يتم العقد بيده على أن تكون يده نائبة عن
يد المرتهن كما في الحر فإن وضعا على يده بغير
إذن مولاه فهو أيضا جائز لأن الأهلية للعبد
يكون آدميا مميزا أو مخاطبا بوجود الإذن من
المولى وإنما الحاجة إلى الإذن فيما يتضرر
المولي به ولا ضرر على المولي في جعل يد العبد
نائبة عن يد المرتهن ولكن عهدة البيع لا تكون
عليه لأن المولي يتضرر به من حيث إنه يتوى ما
ليته فيه وإنما العهدة على الذي سلطه على
البيع لأنه لما تعذر إيجاب العهدة على العاقد
تعلقت بأقرب الناس إليه وهو من سلطه على بيعه
وكذلك الصبي الحر الذي يعقل إذا جعل عدلا فهو
والعدل العبد سواء إن كان أبوه أذن له فالعهدة
عليه ويرجع به على الذي أمره وإن لم يكن أبوه
أذن له فاستحق البيع من يد المشتري فإن شاء
المشتري رجع بالثمن على المرتهن الذي قبض
المال لأنه هو الذي ينتفع بهذا العقد حين سلم
الثمن له وإذا رجع عليه رجع المرتهن على
الراهن بماله وإن شاء على الراهن لأن البائع
كان مأمورا من جهته وإنما حصل بيعه وقبض الثمن
له فكان له أن يرجع بالعهدة عليه.
ج / 21 ص -77- ولو ذهب عقل العدل لم يجز بيعه في تلك الحالة أما إذا صار بحيث لا
يعقل البيع فلا إشكال فيه وإن كان بحيث يعقل
البيع جازت الوكالة ونفذ البيع فقياس تلك
المسألة هنا يدل على جواز بيعه في هذه الحالة
والأصح أن يفرق بينهما فيقال لما وكله وهو
صحيح العقل فهو ما رضي ببيعه إلا باعتبار رأي
كامل وقد انعدم ذلك بجنونه وأما إذا كان وكله
وهو بهذه الصفة فقد رضي ببيعه بهذا القدر من
الرأي فيكون هو في البيع ممتثلا أمره فإن رجع
إليه عقله فهو على وكالته لأن حكم الرهن
والتسليط باق بعد ذهاب عقله ولكنه عجز عن
تحصيل مقصود الراهن بعارض وذلك على شرف الزوال
فإذا زال ذلك صار كان لم يكن وإذا كان العدل
صغيرا لا يعقل أو كبيرا لا يعقل فجعل الرهن
على يده لم يجز ولم يكن رهنا لأنه ليس من أهل
اليد إذ هو مميز وقبض مثله لا يكون معتبرا
شرعا وما هو المقصود بالقبض لا يحصل بقبضه فلا
يمكن تتميم الرهن باعتبار إقامة قبضه مقام قبض
المرتهن ولو كبر وعقل وباع الرهن جاز البيع
لتسليط الراهن إياه على البيع لأن الموكل
ينفرد بالتوكيل ونفوذ تصرف الوكيل يعتمد علمه
به فإذا باعه بعد ما عقل فقد وجد شرط نفوذ
تصرف الموكل بعد صحة التسليط فهو نظير ما لو
وكل غائبا ببيع شيء فبلغه وباعه وذكر الخصاف
رحمه الله إن هذا قول أبي يوسف ومحمد رحمهما
الله أما عند أبي حنيفة فلا يجوز بيعه بعد
البلوغ لأن التسليط كان لغوا لانعدام الأهلية
عنده فلا ينعدم بحدوث الأهلية بخلاف الغائب
فهو أهل للتصرف فيصح تسليطه وعلمه به شرط فإذا
وجد نفذ تصرفه.
وإذا كان العدل ذميا أو حربيا مستأمنا والراهن
والمرتهن مسلمين أو ذميين فهو جائز لأن
المستأمن في المعاملات بمنزلة الذمي أو المسلم
وهو من أهل يد معتبرة شرعا وهو من أهل أن ينفذ
بيعه بتسليط المالك كما ينفذ بيعه باعتبار
ملكه فإن لحق الحربي بالدار لم يكن له أن يبيع
وهو في الدار لأن المرهون في دار الإسلام رجع
إلى دار الحرب عاجز عن تسليم ما في دار
الإسلام لحاجته في الرجوع إلى أمان جديد فلهذا
لا ينفذ بيعه فإن رجع فهو على وكالته بالبيع
لما بينا في المرتهن اللاحق بدار الحرب وإن
كان الحربي الراجع إلى دار الحرب هو الراهن
والمرتهن أو العدل ذمي أو حربي مقيم في دار
الإسلام بإذن فله أن يبيعه لأن لحاق الراهن
والمرتهن بالدار كموتهما وذلك لا يمنع نفوذ
بيع العدل إن كان قادرا على التسليم لبقاء
الرهن والتسليط وإذا باع العدل الرهن وقبض
الثمن فهلك عنده ثم رد عليه المبيع بعيب فمات
عنده أو استحق أو هو باق في يده وقد أخره
بالثمن حتى أداه فله أن يرجع على الراهن في
ذلك كله لأنه في البيع كان عاملا للراهن بأمره
ولا يكون له أن يرجع على المرتهن لأن رجوعه
عليه باعتبار قبضه الثمن منه ولم يوجد وإن كان
الراهن مفلسا والعبد في يد العدل فله أن يبيعه
ويستوفي الثمن الذي غرمه لأن بالرد بالعيب
عليه انفسخ البيع فيبقى التسليط على البيع كما
كان وإذا باعه فالثمن ملك الراهن وقد استوجب
الرجوع على الراهن بما غرم فإذا ظهر حبس حقه
من ماله كان له أن يأخذه وهو أحق بذلك من
المرتهن لأن دينه وجب بسبب هذا
ج / 21 ص -78- العبد ودين المرتهن في ذمة الراهن لا بسبب هذا العبد وكان صرف بدل
العبد إلى دين وجب بسبب العبد أولى ولأنه لو
كان دفع الثمن إلى المرتهن كان له أن يرجع
فإذا لم يكن دفعه إليه فلان يكون هو أحق به
ولا يلزمه دفعه إليه أولى.
وإذا باع العدل الرهن بيعا فاسدا أو ربا لم
يجز بيعه كما لو باشره المالك ولا يضمن العدل
لأنه وكيل وإنما يضمن الوكيل بالإخلاف لا
بالفساد فكل أحد لا يهتدي إلى التحرز عن
الأسباب المفسدة للعقد كما إذا كان الرهن خمرا
أو خنزيرا والراهن والعدل ذميين والمرتهن
مسلما وباعه العدل فبيعه جائز بالوكالة والرهن
باطل لأن المرتهن مسلم والمسلم من أهل العقد
على الخمر ولكن بطلان الرهن لا يبطل الوكالة
بالبيع وإن كان مسلما والعدل والمرتهن ذميين
فالرهن باطل لما قلنا وبيع العدل ينفذ
بالتوكيل في قول أبي حنيفة بمنزلة المسلم يوكل
الذمي ببيع الخمر والخنزير وينبغي له أن يتصدق
بالثمن فإن قضاه العدل المرتهن ففعله كفعل
الراهن بنفسه فينبغي أن يتصدق بمثله لأنه قضى
دينه بمال يثبت فيه حق الفقراء فعليه أن يتصدق
بمثله وإن كان العدل مسلما فبيعه باطل لأن
المسلم ليس من أهل العقد على الخمر وليس له أن
يباشره لنفسه أو لغيره والله أعلم
باب
الرهن الذي لا يضمن صاحبه
قال رحمه
الله:وإذا ارتهن عبدا بألف درهم وقبضه وقيمته ألف درهم ثم وهب المرتهن
المال للراهن أو أبرأه منه ولم يرد عليه الرهن
حتى هلك عنده من غير أن يمنعه إياه فهو ضامن
في القياس قيمته للراهن وهو قول زفر وفي
الاستحسان لا ضمان عليه وهو قول علمائنا
الثلاثة رحمهم الله وجه القياس أن بقبض الرهن
ثبتت يد الاستيفاء للمرتهن ويتم ذلك بهلاك
الرهن وصيرورته مستوفيا بهلاك الرهن بعد
الإبراء بمنزلة استيفائه حقيقة بعد الإبراء
فيلزمه رد المستوفي ولا يقال إنما يصير
مستوفيا من وقت القبض حتى تعتبر قيمته من ذلك
الوقت فيكون بريئا بعد الاستيفاء وهذا لأن
الإبراء بعد الاستيفاء صحيح موجب لرد المستوفي
كالبائع إذا قبض الثمن ثم أبرأ المشتري عن
الثمن وقد قال بعد هذا في الرهن بالصداق إذا
طلقها الزوج قبل الدخول بها ثم هلك الرهن لا
يلزمها رد شيء على الزوج بطريق الاستحسان ولو
كان الطريق فيه هذا للزمها رد النصف لأن
الطلاق قبل الدخول بعد استيفاء الصداق يلزمها
رد نصف المستوفي ولا وجه لإسقاط الضمان الفائت
في مالية الرهن بسبب الإبراء عن الدين لأن
ضمان العقد بالقبض فيبقى بعد القبض وإن سقط
الدين كما لو استوفى الدين حقيقة أو اشترى
بالدين عينا أو صالح منه على عين أو أحاله على
إنسان آخر بقي ضمان الرهن وإن برئت ذمة الراهن
عن الدين وكذلك لو تصادقا على أن لا دين بقي
ضمان الرهن لبقاء القبض وإن انعدم الدين ولو
تبادلا رهنا برهن بقي ضمان الأول ما لا يرده
على الراهن لبقاء القبض والمشتري إذا قبض
المبيع فهو بالخيار ثم فسخ البيع بقي مضمونا
بالثمن لبقاء القبض وإن انفسخ البيع وإذا كان
الخيار للبائع ففسخ البيع يبقي مضمونا بالقيمة
على
ج / 21 ص -79- المشتري لبقاء القبض كما في الابتداء ولا يقال لو وجب الضمان على
المرتهن إنما يجب بسبب الإبراء وهو متبرع فيه
فلا يوجب عليه ضمانا لأن وجوب الضمان عليه ليس
بالإبراء بل الاستيفاء بهلاك الرهن إلا أنه
قبل الإبراء كانت تقع المقاصة وبعد الإبراء لا
يمكن إثبات المقاصة فيبقي المستوفي مضمونا
عليه كما لو استوفاه حقيقة بعد الإبراء ويلزمه
ضمان المستوفي وإن كان لو لم يسبق الإبراء لم
يكن عليه شيء وللاستحسان وجهان أحدهما إن ضمان
الرهن يثبت باعتبار القبض والدين جميعا لأنه
ضمان الاستيفاء فلا يتحقق ذلك إلا باعتبار
الدين وبالإبراء عن الدين انعدم أحد المعنيين
وهو الدين والحكم الثابت بعلة ذات وصفين ينعدم
بانعدام أحدهما.
ألا ترى إنه لو رد الرهن سقط الضمان لانعدام
القبض مع بقاء الدين فكذلك إذا أبرأ من الدين
يسقط الضمان لانعدام الدين مع بقاء القبض وهذا
بخلاف ما لو استوفى حقيقة لأن هناك الدين
بالاستيفاء لا يسقط بل يتقرر فإن ما هو
المقصود يحصل بالاستيفاء وحصول المقصود بالشيء
ينهيه ويقرره ولهذا جاز الإبراء عن الثمن بعد
الاستيفاء فإذا بقي الدين حكما بقي ضمان الرهن
وبهلاك الرهن يصير مستوفيا فتبين إنه استوفي
مرتين فيلزمه رد أحدهما فأما بالإبراء فيسقط
الدين فلا يبقي الضمان بعد انعدام أحد
المعنيين وكذلك إذا اشترى بالدين أو صالح من
الدين على عين فذلك استيفاء الدين بطريق
المقاصة وكذلك إذا أحال على غيره لأن بالحوالة
لا يسقط الدين ولكن ذمة المحال عليه تقوم مقام
ذمة المحيل وهو بصدد أن يعود إلى ذمة المحيل
إذا كان المحتال عليه مفلسا فلهذا بقي ضمان
الرهن وكذلك بعد ما تبادلا رهنا برهن الدين
والقبض باقيان في حق العين الأول فيبقي الضمان
فيه وإذا تصادقا على أن لا دين فإنما يسلم هذا
فيما إذا كان تصادقهما بعد هلاك الرهن والدين
كان واجبا ظاهرا حين هلك الرهن ووجوب الدين
ظاهرا يكفي لضمان الرهن فصار مستوفيا فأما إذا
تصادقا على أن لا دين والرهن قائم ثم هلك
الرهن فإن هناك تهلك أمانته لأن بتصادقهما من
الأصل وضمان الرهن لا يبقى بدون الدين والوجه
الآخر وعليه الاعتماد أن مقصود الراهن بتسليم
الرهن إلى المرتهن أن يبرئ ذمته عند هلاك
الرهن من غير أن يلزمه شيء آخر وقد حصل له هذا
المقصود بالإبراء قبل هلاك الدين فلا يستوجب
عند هلاك الرهن سببا آخر كمن عليه الدين
المؤجل إذا عجل الدين ثم حل الأجل وصاحب المال
إذا عجل الزكاة ثم تم الحول لا يلزمه شيء آخر
لهذا المعنى بخلاف ما إذا استوفى الدين فهناك
مقصوده لم يحصل لأن ذمته إنما برئت بما أعطى
من المال.
وكذلك إذا اشترى بالدين أو صالح أو أحال أو
تبادلا رهنا برهن فما هو المقصود له عند هلاك
الرهن لم يحصل بهذه الأسباب وإذا تصادقا على
أن لا دين له ثم هلك الرهن بعد ذلك لا يكون
مضمونا لأن مقصوده حصل بالتصادق حين لم يلزمه
شيء آخر ولا يقال مقصود براءة ذمته عند هلاك
الرهن بطريق الإيفاء وإنما برئت ذمته بطريق
الإسقاط بالإبراء أو
ج / 21 ص -80- الإسقاط عن الإيفاء وهذا لأن الأسباب غير مطلوبة لأعيانها بل
لأحكامها فإنما ينظر إلى حصول المقصود ولا
ينظر إلى اختلاف الطريق بمنزلة ما لو قال
لفلان على ألف درهم قرضا وقال المقر له بل هو
غصب يلزمه المال لإيفاء ما هو المقصود وإن
اختلفا في السبب وكذلك لو قال لفلان على ألف
درهم ثمن هذه الجارية التي بعتها وقال فلان
الجارية جاريتك بعتها ولي ألف درهم يلزمه
المال لحصول المقصود وهو سلامة الجارية له وإن
اختلفا في السيد فهذا مثله وهذا بخلاف البيع
بالضمان فإنه هناك انعقد بالقبض ولكن فسخ
البيع يبطل بالهلاك قبل الرد كما يبطل البيع
بالهلاك قبل التسليم وهنا الإبراء ما يبطل
بهلاك الرهن بعده لأن هناك ما هو المقصود
للبائع لا يحصل بفسخ البيع ما لم يعد المبيع
إلى يده فلهذا بقي الضمان ولو منعه العبد بعد
ما أبرأه عن الدين حتى مات في يده ضمن قيمته
لأنه كان أمينا فيه فبالمنع بعد طلب الحق يصير
غاصبا كالمودع.
ولو ارتهن المرأة رهنا بصداقها وهو مسمى
وقيمته مثله ثم أبرأته أو وهبته له ولم يقبضه
حتى هلك عندها فلا ضمان عليها في الاستحسان
وكذلك لو اختلعت منه قبل أن يدخل بها ثم لم
يقبضه حتى مات لأن مقصود الزوج هو براءة ذمته
عن الصداق بالخلع من غير أن يلزمه شيء آخر وقد
حصل وكذلك لو طلقها قبل أن يدخل بها وقد
أبرأته عن الصداق ولو لم تبرئه من الصداق قبل
الطلاق ولكن أبرأته من حقها قبل الطلاق أو لم
تبرئه حتى هلك فلا ضمان عليها فيه أما إذا
أبرأته فلحصول مقصود الزوج وإذا لم تبرئه فقد
حصل مقصود الزوج في النصف بالطلاق قبل الدخول
وإنما بقي ضمان الرهن في النصف الذي هو حقها
فبهلاك الرهن يصير مستوفيا ذلك القدر خاصة
فلهذا لا يلزمها رد شيء ولو تزوجها على غير
مهر مسمى وأعطاها بمهر المثل رهنا فمهر المثل
في نكاح لا تسمية فيه بمنزلة المسمى في النكاح
الذي فيه تسمية فإن طلقها قبل الدخول بها سقط
جميع مهر المثل ولها المتعة ثم في القياس ليس
لها أن تحبس الرهن بالمتعة وهو قول محمد
والآخر وهو قول أبي حنيفة رحمهما الله وفي
الاستحسان لها أن تحبس الرهن بالمتعة وهو قول
أبي يوسف الأول وهو قول محمد رحمهما الله وقد
بينا في كتاب النكاح إن عند محمد المتعة في
حكم جزء من مهر المثل بمنزلة نصف مهر المسمى
أو هو خلف عنه والرهن بالشيء يكون رهنا بخلفه
على ما بينه في السلم وأبو يوسف يقول المتعة
دين حادث ليس بجزء من مهر المثل لأنه ثياب
ومهر المثل دراهم ولا هو خلف عن مهر المثل لأن
كل واحد منهما يجب باعتبار ملك البضع في حال
فلا يكون أحدهما خلفا عن الآخر وكيف يكون خلفا
ولا تجب المتعة إلا بعد سقوط مهر المثل
بالطلاق قبل الدخول فإذا لم يكن الرهن بمهر
المثل رهنا بالمتعة عند أبي يوسف قلنا إن هلك
الرهن قبل أن يمنع لا ضمان عليها فيه لحصول
مقصود الزوج وهو سقوط مهر المثل عنه بالطلاق
وإن منعته ما هي ضامنة قيمته وعند محمد لها أن
تمنع فبالهلاك تصير مستوفية مقدار المتعة ولا
ضمان عليها فيما زاد على ذلك لحصول مقصود
الزوج.
ج / 21 ص -81- وإذا أسلم الرجل خمسمائة درهم إلى رجل في طعام مسمى فارتهن منه عبدا
يساوي ذلك الطعام ثم صالحه على رأس ماله ففي
القياس له أن يقبض العبد ولا يكون للمرتهن أن
يحبس الرهن برأس المال لأن العبد كان مرهونا
بالمسلم فيه وقد سقط لا إلى بدل ورأس المال
دين آخر واجب بسبب آخر وهو القرض فلا يكون
العبد مرهونا به كما لو كان له على غيره دراهم
ودنانير فرهنه بالدنانير رهنا ثم أبرأه
المرتهن عن الدنانير لا يكون له أن يحبس الرهن
بالدراهم وفي الاستحسان له أن يحبس الرهن حتى
يستوفي رأس المال لأنه ارتهن بحقه الواجب بسبب
العقد الذي جرى بينهما وحقه في المسلم فيه عند
قيام العقد وحقه في رأس المال عند فسخ العقد
فيكون له أن يحبس الرهن بكل واحد منهما كمن
ارتهن بالمغصوب به فهلك المغصوب كان له أن
يحبس الرهن حتى يستوفي قيمته لأن الواجب
بالغصب استرداد العين عند قيامه والقيمة عند
هلاكه وهذا لأن المسلم فيه مع رأس المال
أحدهما بدل عن الآخر ولهذا لا يجوز الاستبدال
بالمسلم فيه قبل الإقالة والرهن بالشيء يكون
رهنا ببدله لأن البدل يقوم مقام الأصل وحكمه
حكم الأصل فإن هلك العبد في يده من غير أن
يمنعه فعلى المرتهن أن يعطي مثل الطعام الذي
كان على المسلم إليه ويأخذ رأس ماله لأنه بقبض
الرهن صارت ماليته مضمونة بطعام السلم وقد بقي
حكم الرهن إلى أن هلك فصار بهلاك الرهن
مستوفيا طعام السلم ولو استوفاه حقيقة قبل
الإقالة ثم تقايلا أو بعد الإقالة لزمه رد
المستوفي واسترداد رأس المال فكذلك هناك وهذا
لأن الإقالة في باب السلم لا تحتمل الفسخ بعد
ثبوتها فهلاك الرهن لا يبطل الإقالة وإن صار
مستوفيا طعام السلم ومحمد يحتاج إلى الفرق بين
هذا وبين فصل المتعة فهناك جعل الرهن بعد
الطلاق محبوسا بالمتعة وجعلها بهلاك الرهن
مستوفية للمتعة وهنا جعل الرهن محبوسا برأس
المال وجعله هناك هالكا بطعام السلم لأن
المتعة في جزء من مهر المثل فإن الطلاق مسقط
فلا يصلح أن يكون موجبا دينا آخر ابتداء وإذا
كان بمنزلة الجزء فهو كنصف المسمى فإنما يبقى
حكم الضمان بقدره وهذا رأس المال ليس بجزء من
المسلم فيه وعند هلاك الرهن إنما يتم
الاستيفاء من وقت القبض ولهذا تعتبر القيمة من
وقت القبض فإنما يصير مستوفيا لما صار مضمونا
به.
وتوضيحه إن بالطلاق سقط مهر
المثل لا إلى بدل ولا يمكن إيفاء ضمان المهر
في مهر المثل وقد سقط لا إلى بدل فلهذا بقي
الرهن بقدر المتعة رهنا بالإقالة وسقط السلم
فيه لا إلى بدل ولكن إلى بدل وهو رأس المال
لما بينا إن أحدهما بدل عن الآخر فلهذا بقي
ضمان الرهن بالطعام كما انعقد عند القبض وكذلك
لو وهب له رأس المال بعد الصلح ثم هلك العبد
فعليه طعام مثله لأن المرهون مضمون بطعام
السلم لا رأس المال فالإبراء عن رأس المال
وجوده كعدمه في إيفاء حكم الضمان بطعام السلم.
قال:ألا ترى أن رجلا لو أقرض
رجلا كر حنطة وارتهنه منه ثوبا قيمته مثل
قيمته فصالحه الذي عليه الكر على كرى شعير يدا
بيد جاز ذلك ولم يكن له أن يقبض الثوب حتى
ج / 21 ص -82- يدفع الكرين من الشعير ولو هلك الرهن عنده بطل طعامه ولم يكن له على
الشعير سبيل وبيان هذا الاستشهاد إن حبس الرهن
بعد هذا الصلح لا يمكن باعتبار ضمان الشعير
لأن الشعير مبيع عين والرهن مثله لا يجوز
فعرفنا إنه بقي مرهونا بالطعام لأن سقوطه كان
بعوض فبقي حكم الرهن والضمان فيه ما لم يأخذ
العوض وكذلك في مسألة السلم إلا أن هنا إذا
هلك الرهن تم استيفاؤه للطعام فيبطل العقد في
الشعير كما لو استوفاه حقيقة ثم اشترى به
شعيرا بعينه وفي السلم أيضا صار مستوفيا
للمسلم فيه بهلاك الرهن ولكن إقالة السلم بعد
استيفاء المسلم فيه صحيحة فلهذا يلزمه رد مثل
ذلك الطعام.
ولو باعه كرا بدراهم ثم افترقا قبل أن يقبضها
بطل البيع لأنهما افترقا عن دين بدين وبقي
الطعام عليه والثوب رهن به بخلاف الشعير فإنه
عين فإنما الافتراق هنا عن عين بدين حتى لو
كان الشعير بغير عينه وتفرقا قبل أن يقبضا كان
البيع باطلا أيضا لأنه دين بدين هكذا ذكر في
الأصل وينبغي في هذا الموضع أن لا يصح البيع
أصلا لأن الشعير بغير عينه بمقابلة الحنطة
يكون مبيعا وبيع ما ليس عند الإنسان لا يجوز
وإذا اشترى ألف درهم بمائة دينار وقبض الألف
وأعطاه بالمائة الدينار رهنا يساويها ثم تفرقا
فسد البيع لأن الاستيفاء لا يتم مع قيام الرهن
فإنما افترقا في عقد الصرف قبل قبض أحد
البدلين فإذا فسد الصرف وجب عليه رد الألف
وليس له أن يأخذ الرهن حتى يوفيه الألف لما
بينا أنه إنما ارتهن بحقه الثابت بسبب عقد
الصرف وذلك المائة الدينار عند بقاء العقد
واسترداد الألف بعد انفساخ عقد الصرف كما في
مسألة السلم فإن هلك الرهن عنده صار مستوفيا
للدنانير بهلاك الرهن فإن عند القبض انعقد
ضمان الرهن بالدنانير ولو استوفاه حقيقة لزمه
رد المستوفي لفساد عقد الصرف فهنا أيضا ترد
الدنانير ويرجع على المرتهن بالألف فإن لم
يتفرقا حتى ضاع الرهن فهو بالمائة الدنانير
لأن الاستيفاء تم بهلاك الرهن قبل الافتراق
وقد بينا في كتاب الصرف والبيوع حكم الرهن
ببدل الصرف ومن خلاف زفر وكذلك إن كان الرهن
على يدي عدل لأن في حكم الرهن يد العدل كيد
المرتهن وإذا قبض المرتهن حقه من الراهن ثم
هلك عنده فعليه أن يرد ما قبض وقد بينا معنى
هذه المسألة وفي هذا اللفظ إشارة إلى أن سقوط
الدين بهلاك الرهن على معنى إن ضمان الاستيفاء
الذي ثبت بقبض الرهن يتم بهلاك الرهن ويصير
كأنه استوفى بقبض الدراهم بعد ما استوفى بقبض
الرهن فيلزمه رد ما قبض لهذا.
ولو كان الدين طعاما قرضا فاشتراه الذي هو
عليه بدراهم ودفعها إلى المرتهن ثم هلك الرهن
كان على المرتهن أن يرد مثل ذلك الطعام على
الراهن لأنه بهلاك الرهن صار مستوفيا للطعام
وقد سقط حقه عن الطعام حين باعه ممن عليه
بدراهم وقبض الدراهم ولو ارتهن رجل عبدا بألف
درهم يساويها فقضاها رجل تطوعا عن المطالب ثم
هلك الرهن عنده فعلى الطالب أن يرد المال على
المتطوع عندنا وقال زفر يضمن المرتهن ذلك
للراهن وهو بناء على ما تقدم لأن عنده الضمان
انعقد بالقبض وصار حقا للراهن فيبقى ذلك ببقاء
القبض
ج / 21 ص -83- والمتطوع ينزع بقضاء الدين فيكون ذلك كتبرع المرتهن بالإبراء عن
الدين فلا يتغير به حكم الضمان الثابت له
وعندنا قضاء المتبرع للمال كقضاء المطلوب ولو
كان قضاه الدين بنفسه ثم هلك الرهن تم استيفاء
الدين بهلاك الرهن ووجب عليه رد المقبوض بسبب
القبض فكذلك هنا يلزمه رد المقبوض بسبب القبض
وإنما قبضه من المتطوع فيرده عليه وعلى هذا لو
اشترى عبدا بألف فنقدها رجل عنه متطوعا ثم رد
العبد بعيب أو استحق رجع المال إلى المتطوع
وكذلك لو أن امرأة نقد رجل مهرها تطوعا عن
زوجها ثم ارتدت قبل الدخول بها رجع المال إلى
المتطوع ولو طلقها قبل الدخول بها رجع نصف
المال إلى المتطوع فلو لم يكن في النكاح تسمية
رجع بمهر المثل إلى المتطوع والمتعة على الزوج
لأن التطوع بأداء مهر المثل لا يكون تطوعا
بأداء المتعة كما إن الكفالة لمهر المثل لا
تكون كفالة بالمتعة وزفر مخالف في هذا كله وما
أشرنا إليه من المعنى صحيح في الفصول كلها.
وإذا جني العبد الرهن وقيمته ألف والدين ألف
والجناية ألف أو أكثر فأبى المرتهن أن يفتكه
وفداه الراهن بالجناية ثم مات العبد عند
المرتهن فعلى المرتهن أن يرد على الراهن ألفا
لأن الفداء من المضمون في الرهن على المرتهن
فإن مالية الرهن تجني به وهو حق المرتهن
والراهن في الفداء لا يكون متطوعا لأنه قصد
بالفداء تخليص ملكه فيستوجب الرجوع به على
المرتهن وللمرتهن عليه مثله فيصير قصاصا وفي
المقاصة آخر الدينين قضاء عن أولها فصار
الراهن قاضيا دين المرتهن وقد بينا أنه لو هلك
الرهن بعد ما اقتضى الدين وجب عليه رد ما
اقتضى فهذا مثله وكذلك لو كان استهلك متاعا
يستغرق رقبته فقضاه الراهن ثم مات العبد لأن
المستحق للدين ماليته وهو حق المرتهن فيكون
ذلك عليه والراهن لا يكون متطوعا في أداء ذلك
لتخليص ملكه كما في الأول.
ولو ارتهن عبدا بألف يساويها ثم تصادقا إنه لم
يكن عليه شيء وقد مات العبد فعلى المرتهن أن
يرد عليه ألف درهم لأن عند هلاك الرهن كان
الدين واجبا ظاهرا فيصير بهلاك الرهن مستوفيا
ولو استوفاه حقيقة ثم تصادقا على أن لا دين
عليه يلزمه رد المستوفي وعن أبي يوسف أنه ليس
عليه رد شيء لأنهما تصادقا على انتفاء الدين
عند هلاك الرهن وتصادقهما حجة في حقهما
والاستيفاء بدون الدين لا يتصور وكذلك لو أخذه
منه على أن يقرضه ألفا لأن الدين الموعود
بمنزلة الدين المستحق في انعقاد ضمان الرهن به
كما إن المقبوض على سوم الشراء كالمقبوض على
حقيقة السوم في حكم الضمان فهلاك الرهن يصير
مستوفيا فيجعل في الحكم كأنه استوفاه حقيقة
فيلزمه رده وإنما أورد هذا إيضاحا للأول فإن
كون الدين واجبا ظاهرا عند هلاك الرهن أقوى من
الدين الموعود فإذا كان الرهن يهلك مضمونا
بالدين الموعود ففيما كان واجبا ظاهرا أولى.
ولو أحال الراهن المرتهن على رجل بالمال ثم
مات العبد قبل أن يرده فهو بما فيه لما بينا
أن ضمان الرهن باق بعد الحوالة فيتم الاستيفاء
بهلاك الرهن فيجعل هذا بمنزلة ما لو
ج / 21 ص -84- استوفى الطالب الدين من المحيل وذلك مبطل للحوالة فهذا مثله وكذلك
لو أعطاه رهنا مكان الرهن الأول ثم هلك الأول
قبل أن يرده فهو رهن بالمال لبقاء القبض
والدين بعد تسليم العين الثاني إليه وإذا تم
الاستيفاء بهلاك الرهن الأول بطل الرهن الثاني
ولو هلك الثاني قبل هلاك الأول أو بعده فهو
مؤتمن فيه لأنه لم يوجد منهما مرهونا مضمونا
بالدين فمن ضرورة بقاء الدين في الرهن الأول
إبقاء ضمان الدين عن الثاني وإنما بقي مقبوضا
بإذن المالك فيكون القابض أمينا فيه إذا هلك
وكذلك لو ناقضه الراهن فقبل أن يرده هلك فهو
هالك بالمال لبقاء القبض والدين وهذا لأن فسخ
العقد معتبر بأصل العقد فكما إن ضمان الرهن لا
يثبت بالعقد قبل القبض فكذلك لا يسقط بالفسخ
قبل الرد وإذا زاد الرهن دراهم من المرتهن
وجعلها في الرهن فإنه لا يكون في الرهن وهما
فصلان أحدهما الزيادة وصورته إذا رهنه ثوبا
بعشرة يساوي عشرة ثم زاد الراهن المرتهن ثوبا
آخر ليكون مرهونا مع الأول بالعشرة ففي القياس
لا تصح هذه الزيادة وهو قول زفر رحمه الله
لأنه لا بد من أن يجعل بعض الدين بمقابلة
الزيادة ليكون مضمونا به وذلك متعذر مع بقاء
حكم الرهن في الثوب الأول لبقاء القبض فهو
نظير ما لو ناقصه الرهن أو تبادلا رهنا برهن
على ما بينا وهذا في الحقيقة بناء على أصل زفر
رحمه الله إن الزيادة في الثمن والبيع لا يثبت
ملحقه بأصل العقد وقد بينا في البيوع وفي
الاستحسان وهو قول علمائنا الثلاثة رحمهم الله
تعالى وتثبت الزيادة في الرهن في حكم الدين
لأن تراضيهما على الزيادة بعد العقد بمنزلة
تراضيهما عليه عند العقد.
ولو رهنه في الابتداء يومين بالعشرة جاز الرهن
وانقسم الدين على قيمته فكذلك هنا يقسم الدين
على قيمة الأصل وقت العقد وعلى قيمة الزيادة
وقت القبض وهذا بخلاف ما إذا تبادلا رهنا برهن
فلم يوجد هناك افتراض منهما على ثبوت حكم
الرهن فيهما جميعا توضيحه إنه بالناس حاجة إلى
تصحيح هذه الزيادة وربما نطق المرتهن
بالابتداء إنه في الرهن وفاء بدينه ثم ثبت له
خلاف ذلك فلا يرضى برهن لا وفاء فيه فيحتاج
الراهن برد عين آخر ليطمئن قلبه والزيادة في
الرهن تجوز إن ثبت حكما فإن المرهونة إذا ولدت
يكون الولد زيادة تثبت في الرهن حكما فيجوز
إثباته أيضا فضلا والفضل الثاني في الزيادة
بالدين فإن المرتهن إذا زاد الراهن عشرة أخرى
ليكون الرهن عنده رهنا بهما جميعا فهذه
الزيادة لا تثبت في حكم الرهن في القياس وهو
قول أبي حنيفة ومحمد وزفر رحمهم الله وفي
الاستحسان تثبت وهو قول أبي يوسف رحمه الله
وأوجهه قول أبي يوسف إن الدين مع الرهن
يتحاذيان محاذاة المبيع مع الثمن حتى يكون
المرهون محبوسا بالدين مضمونا به كالمبيع
بالثمن عن الزيادة في الرهن يجعل ملحقة بأصل
العقد فكذلك الزيادة في الدين كما في البيع
فإن الزيادة في الثمن والمبيع ثبتت على سبيل
الالتحاق بأصل العقد وهنا مثله.
وكما أن الحاجة تمس إلى الزيادة في الرهن فقد
تمس الحاجة إلى الزيادة في الدين بأن يكون في
مالية الرهن فضلا على الدين ويحتاج الراهن إلى
مال آخر فيأخذه من المرتهن
ج / 21 ص -85- ليكون الرهن رهنا بهما وهذا بخلاف المسلم فيه فالزيادة في المسلم
فيه لا تجوز وإن كانت تجوز في رأس المال لأن
جواز السلم بخلاف القياس فإنه بيع المعدوم
وإنما جعل المسلم فيه كالموجود حكما لحاجة
المسلم إليه والزيادة في رأس المال بين حوائج
المسلم إليه فأما الزيادة في المسلم فيه فليس
من حوائج المسلم إليه في شيء فلا يظهر هذا
العقد فيه فأما جواز الرهن بالدين فثابت
بمقتضى القياس إذ هو لحاجة المديون والزيادة
في الدين من حوائج المديون والفرق لأبي حنيفة
ومحمد رحمهما الله بين الزيادة في الرهن وبين
الزيادة في الدين من وجهين.
أحدهما أن الزيادة في الدين
تؤدي إلى الشيوع في الرهن لأن بعض الرهن يفرغ
من الدين الأول يثبت فيه ضمان الدين الثاني
ويبقى حكم الأول في البعض مشاعا ويثبت فيما
يقابل الزيادة مشاعا والشيوع في الرهن يمنع
صحة الرهن فأما الزيادة في الرهن فتؤدي إلى
الشيوع في الدين لأن بعض الدين يحول ضمانه من
الرهن الأول إلى الثاني والشيوع في الدين لا
يصير كما لو رهنه بنصف الدين رهنا ولا يقال
الزيادة تثبت على سبيل الالتحاق بأصل العقد
فلا يؤدي إلى الشيوع فيه لأنا نسلم هذا ولكنه
مع الالتحاق بأصل العقد تثبت قيمته ملحقا فهو
كما لو رهنه في الابتداء ثوبا بعشرين نصفه
بعشرة ونصفه بعشرة وذلك لا يجوز وبه فارق
البيع فالشيوع وتفرق التسمية لا يؤثر في إفساد
البيع.
والثاني أن الزيادة إنما تصح
ملحقة بأصل العقد في المعقود عليه والمعقود به
والدين ليس بمعقود عليه ولا بمعقود به لأن
المعقود به ما يكون وجوبه بالعقد والدين كان
واجبا قبل عقد الرهن بسببه ويبقى بعد فسخ
الرهن فلا يملك إثبات الزيادة فيه ملحقة بأصل
العقد فأما الرهن فمعقود عليه لأنه لم يكن
محبوسا قبل عقد الرهن ولا يبقى محبوسا بعد فسخ
عقد الرهن فالزيادة في الرهن زيادة في المعقود
عليه فيلتحق بأصل العقد.
وفقه هذا الكلام أن صحة الزيادة باعتبار إنه
تصرف في العقد يعسر وصفه أو حكمه وذلك مستحق
في الزيادة في الرهن لأن الحكم قبل الزيادة إن
الرهن الأول مضمون بعشرة وبعد الزيادة يكون
مضمونا بخمسة فثبتت الزيادة فيه ملتحقة بأصل
العقد فإما الزيادة في الدين فلا تغير وصف
العقد ولا حكمه لأن الرهن مضمون بالأقل من
قيمته ومن الدين سواء وجدت الزيادة في الدين
أو لم توجد فلهذا لا يثبت حكم الزيادة في ضمان
الرهن وعلى هذا لو أنفق المرتهن على الرهن
بأمر القاضي أو بأمر صاحبه فذاك دين وجب له
على الرهن وفي ثبوت حكم الجنس باعتباره اختلاف
كما بينا وكذلك إذا كان الرهن يساوي ألفين
والدين ألفا فجنى المرهون وفداه المرتهن
والراهن غائب فنصف الفداء من ذلك على المرتهن
ونصفه وهو حصة الأمانة على الراهن ولا يكون
المرتهن متطوعا فيه عند أبي حنيفة على ما
بيناه في باب الجنايات فهو دين حادث له على
الراهن فلا يكون له أن يحبس الرهن بعد استيفاء
الأول بمنزلة ما لو أقرضه ما لا زيادة في
الدين الأول والله أعلم بالصواب
ج / 21 ص -86-
باب رهن الوصي والولد
قال
رحمه الله: وإذا كان على
الميت دين وله وصي فرهن الوصي بعض ما تركه عند
غريم من غرمائه لم يجز للآخرين أن يردوه لأن
موجب عقد الرهن ثبوت يد الاستيفاء للمرتهن
فليس للوصي أن يخص بعض الغرماء بإيفاء دينه
حقيقة ولو قبل ذلك كان للآخرين أن يبطلوه
فكذلك حكم يد الاستيفاء ولأن حقهم جميعا تعلق
بالتركة فهو يبطل حق سائر الغرماء عن عين
الرهن بتصرفه فليس له ذلك فإن قضى دينهم قبل
أن يردوه جاز لأن المانع قد ارتفع بوصول حقهم
إليهم وإثبات يد الاستيفاء للمرتهن في هذا
قياس حقيقة الاستيفاء ولو لم يكن للميت غريم
آخر جاز الرهن وبيع في دينه لأنه لو أوفاه
الدين حقيقة جاز فكذلك إذا رهنه منه إذ ليس في
الرهن إبطال حقه ولا حق غيره وقد كان يباع في
دينه قبل الرهن فبعده أولى وإذا ارتهن الوصي
بدين للميت على رجل جاز لأنه يملك استيفاء
الدين حقيقة ويكون هو في ذلك كالموصي فكذلك
فيما هو وثيق للاستيفاء.
وكذلك لو كان الميت هو الذي ارتهنه فوصيه يقوم
مقامه في إمساكه إلا أنه لا يبيعه بدون إذن
الراهن لأن التسليط على البيع بطل بموت
المرتهن فالراهن إنما رضي ببيعه ولم يرهن برأي
غيره في البيع وإن استدان الوصي لليتيم في
كسوته وطعامه ورهن به أيضا وكذلك لو أنجز
لليتيم فرهن أو ارتهن لأن الرهن وثيقة
للاستيفاء فيملكه من يملك حقيقة الإيفاء
والاستيفاء تسليم الرهن إلى المرتهن استحفاظا
له في الحال وقضاء لدينه باعتبار المآل وكل
واحد منهما يملكه الوصي كالإيداع وإيفاء الدين
أو هو إيجاب حق للمرتهن على وجه ينتفع به
اليتيم من حيث إنه الذي يصير مقضيا عند هلاكه
ويكون كالبيع والإجارة والوصي يملك ذلك في مال
اليتيم وينبغي للوصي أن يتصرف على وجه يكون
فيه نظر لليتيم يتجر فيه بنفسه أو بنصفه كما
كانت عائشة رضي الله عنها تفعله في مال ولد
أخيها أو يعمل في ماله مضاربة أو يدفعه إلى
غيره مضاربة كما كان عمر رضي الله عنه يعطي
مال اليتيم مضاربة وقد بينا هذا في أول
المضاربة.
وإذا ارتهن الوصي خادما لليتيم من نفسه أو رهن
خادما لنفسه من اليتيم بحق لليتيم عليه لم يجز
اعتبارا بحقيقة الاستيفاء فإنه لا يستوفي دين
اليتيم من نفسه ولا دين نفسه من مال اليتيم من
خلاف جنسه وهذا لأن تصرفه مع نفسه لا ينفذ إلا
بمنفعة ظاهرة كالبيع والشراء وذلك لا يتحقق في
الرهن والارتهان وكذلك اليتيم إن فعل ذلك لم
يجز إلا أن يجيزه الوصي بمنزلة بيعه وشرائه
وكذلك إن فعل ذلك أحد الوصيين إلا أن يجيزه
الآخر في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله
وتجوز في قول أبي يوسف رحمه الله بناء على
اختلافهم في أحد الوصيين يتقدر بالتصرف وهي
بفروعها مذكورة في الوصايا ولو كانت الورثة
كبارا كلهم لم يكن للوصي أن يرهن من متاعهم
شيئا بدين يستدينه عليه وكذلك إن كانوا صغارا
وكبارا لأنه
ج / 21 ص -87- مشاع وكذلك لو كانوا كبارا محبوسين عن التصرف لأنه إنما يملك عليهم
من التصرف ما يرجع إلى الحفظ والرهن ليس من
ذلك في شيء فهو بمنزلة بيع العقار .
وللوصي أن يرهن بدين على الميت لأنه قائم
مقامه فيما هو من حوائج الميت وإيفاء الدين من
حوائجه ويملكه الوصي فكذلك الرهن به كانت
الورثة صغارا أو كبارا وكان الكبير شاهدا
واحتاج إلى نفقة ينفقها على الرقيق فرهن شيئا
من متاعهم في ذلك فإنه لا يجوز في قول أبي
يوسف ومحمد رحمهما الله وإن كان غائبا جاز لأن
الاستدانة للإنفاق على الرقيق من التصرفات
التي ترجع إلى الحفظ والوصي يملك ذلك في حق
الكبير الغائب كما يملك بيع العروض ولا يملك
في حق الكبير الحاضر عندهما وعند أبي حنيفة
رحمه الله باعتبار ولايته في نصيب الصغير تثبت
له الولاية في ذلك في نصيب الكبير أيضا كما في
البيع فإنه يجوز بيعه الرقيق إذا كان في
الورثة صغار وكبار فكذلك له ولاية الاستدانة
للإنفاق عليهم ثم كما يجوز له أن يقضي ذلك
الدين من مالهم يجوز له أن يرهن به رهنا ولو
رهن الوارث الكبير شيئا من متاع الميت وعلى
الميت دين ولا وارث له غيره فإن خاصم الغريم
في ذلك أبطل الرهن وبيع له في دينه لأن حقه
تعلق بمالية العين التي رهنها فالوارث بتصرفه
قصد إبطال حقه فيرد عليه قصده وهذا التصرف من
الوارث معتبر بسائر التصرفات كالبيع ونحوه
وذلك لا ينفذ من الوارث في التركة المشغولة
بالدين فإن قضى الوارث الدين جاز الرهن لأن
المانع حق الغريم وقد زال بوصول دينه إليه
فينفذ الرهن من الوارث كما ينفذ سائر
التصرفات.
وإذا لم يكن على الميت دين فرهن الوارث الكبير
شيئا من متاعه بمال أنفقه على نفسه أو كان
الوارث صغيرا ففعل ذلك الوصي ثم ردت عليهم
سلعة بالعين كان الميت باعها فهلكت في أيديهم
وصار ثمنها دينا في مال الميت وليس له مال غير
ما رهن بالنفقة فالرهن جائز لأنه حين سلم
الرهن إلى المرتهن لم يكن على الميت دين
والعين كانت ملكا للوارث فارغة عن حق الغير
فلزمه حق المرتهن فيه ثم لحق الدين بعد ذلك
برد السلعة بالعيب فلا يبطل ذلك حق المرتهن
بمنزلة ما لو أقر الوارث بدين على الميت بعد
الرهن وهذا الخلاف ما إذا استحق العبد الذي
كان الميت باعه أو وجد حرا فإن الرهن يبطل
لأنه تبين أن الدين كان واجبا على الميت حين
رهن الوارث التركة فالحر لا يدخل في العقد ولا
يملك عنه وبالاستحقاق يبطل البيع من الأصل
فكان تصرف الوارث في التركة باطلا فأما بالرد
بالعيب فلا يتبين أن الثمن كان مستحق الرد قبل
أن يرد السلعة بالعيب وكان هذا دينا حادثا بعد
تمام الرهن فلا يبطل الرهن ولكن الراهن ضامن
لقيمته حتى يؤديه في دين الميت وصيا كان أو
وارثا لأنه لما لحق الميت دين وجب فصار ذلك من
تركته والوارث قد منع ذلك بتصرفاته فكان في
حكم المستهلك له فيضمن قيمته والوصي كذلك إلا
أن الوصي يرجع به على اليتيم لأنه دين لحقه في
تصرف باشره لليتيم فيرجع به في ماله وعلى هذا
لو كان الميت زوج أمته وأخذ مهرها فأعتقها
الوارث بعد موته قبل دخول الزوج بها فاختارت
نفسها وصار المهر دينا على الميت
ج / 21 ص -88- كان الرهن جائزا والابن ضامنا له لأنه دين لحق الميت بعد ما نفذ
التصرف من الوارث ولا يتبين بهذا السبب قيام
الدين عند تصرف الوارث.
وكذلك لو حفر بئرا في الطريق ثم تلف فيها
إنسان بعد موته حتى صار ضامنا دينا على الميت
فإنه لا يبطل التصرف من الوارث ولكنه ضامن
للقيمة لأنه أتلف حق الغريم في العين بتصرفه
وإذا ارتهن الوصي متاعا لليتيم في دين استدانه
عليه وقبضه المرتهن ثم إن الوصي استفاده من
المرتهن لحاجة اليتيم فضاع في يد الوصي فقد
خرج من الرهن لأن الوصي فيما يتصرف لليتيم
قائم مقامه إن لو كان بالغا ولو كان بالغا
فرهن متاعه بنفسه ثم استعاده من المرتهن فهلك
في يده لم يسقط الدين لأنه عند هلاك الرهن
يصير المرتهن مستوفيا ولا يمكن أن يجعل صاحب
الدين مستوفيا دينه باعتبار المديون.
ألا ترى أن حكم الرهن لا يثبت بيد الراهن في
الابتداء إذا جعل عدلا فيه فكذلك لا تبقى حكم
يد الاستيفاء بعد ما رجع الرهن إلى الراهن
وإذا لم يسقط الدين بهلاكه رجع المرتهن على
الوصي بالدين كما كان يرجع به قبل الرهن ويرجع
به الوصي على اليتيم وقد ضاعت العين من مال
اليتيم لأنه إنما استعارها لحاجة اليتيم وإذا
رهن الوصي متاع اليتيم في نفقة اليتيم فأقر
بذلك بعد بلوغه وأراد أن يبطل الرهن فليس له
ذلك لأنه تصرف نفذ من الوصي في حال قيام
ولايته ولزم فلا يملك اليتيم إبطاله بعد بلوغه
كالبيع ولا يجوز للوصي أن يرهن متاع اليتيم من
بن له صغير أو من عبد له بآخر ليس عليه دين
كان يرهنه من نفسه لأنه في حق الابن الصغير هو
الذي يباشر التصرف من الجانبين وكسب العبد
الذي لا دين عليه ملك لمولاه فرهنه منه كرهنه
من نفسه وإن رهنه من بن له كبيرا ومن أبيه أو
من مكاتبه أو عبد له بآخر عليه دين جاز لأنه
من كسبهم بمنزلة الأجنبي وهم أحق بالكسب منه
يصرفون ذلك إلى حوائجهم وهذا بخلاف الوكيل
بالبيع فإنه لا يبيع من هؤلاء وكذلك الوصي
لأنه في البيع متهم في حق هؤلاء وفي الرهن لا
يكون منهما لأن حكم الرهن واحد وهو إنه مضمون
بالأقل من قيمته ومن الدين سواء رهنه عند
هؤلاء أو عند أجنبي فلانتفاء التهمة ينفذ
تصرفه معهم.
ولو رهن الوصي مال اليتيم ثم غصبه فاستعمله
حتى هلك عنده فهو ضامن لقيمته لأنه بالغصب صار
جانيا على حق المرتهن مفوتا ليده المستحقة فهو
في ذلك كالأجنبي ضامن لقيمته يقضي منه الدين
إذا كان حالا والفضل لليتيم فإن لم يكن حل
فالقيمة رهن لأنه في الغصب والاستعمال لا يكون
عاملا لليتيم في ماله بل يكون هو فيه كأجنبي
آخر فيتقرر الضمان عليه وإن استدانه الوصي على
نفسه ورهن متاعا لليتيم في ذلك فهو جائز وكذلك
الولد في هذه وقد روي عن أبي يوسف رحمه الله
لا يجوز شيء من ذلك لأنه صرف مال اليتيم إلى
منفعة نفسه من غير حاجة وليس للأب والوصي ذلك.
ألا ترى أنه ليس لهما أن يقضيا دينهما بمال
الصغير فكذلك لا يكون لهما أن يرهنا متاع
اليتيم بدينهما ولكنا نقول للأب والوصي أن
يودعا مال الصغير من هذا الرجل والمنفعة
ج / 21 ص -89- للصغير في الرهن أظهر منه في الإيداع لأنه في الإيداع إذا هلك بطل
حق الصغير وفي الرهن إذا هلك صار المرتهن
مستوفيا لدينه وكانا ضامنين للصغير مالية
الرهن وهذا بخلاف حقيقة الإيفاء لأنه إخراج
ملك الدين من ملك الصغير بغير عوض يدخل في
ملكه بمقابلته في الحال فلا ينفذ منهما فأما
بالرهن فلا تخرج العين عن ملكه ولكن يتعين
حافظ يحفظها وهو المرتهن فهو كالإيداع من هذا
الوجه وإن سلطا المرتهن على بيعه فهو نظير
التوكيل بالبيع ولهما ذلك في مال الصغير وفي
الحقيقة هذه المسألة تنبني على البيع فإن الأب
أو الوصي إذا باع مال اليتيم من غريم نفسه
بمثل ما عليه من الدين عند أبي حنيفة ومحمد
رحمهما الله تعالى يصير الثمن قصاصا بدينه
ويصير هو ضامنا للصغير وعند أبي يوسف رحمه
الله لا يصير الثمن قصاصا بدينه فإذا كان من
أصله أنه لا يملك قضاء دين نفسه بمال اليتيم
بطريق البيع فكذلك بطريق الرهن وعندهما لما
كان يملك ذلك بطريق البيع فكذلك بطريق الرهن
لأنه ليس في الرهن ضرر على الصبي إلا أن يصير
قاضيا دينه عند هلاك الرهن ضامنا مثله لليتيم
فهو كالبيع في هذا الحكم.
وإذا رهن الأب من نفسه متاع الصغير فهو جائز
كما يجوز بيعه مال الصغير لنفسه قال بخلاف
الوصي لأن الأب يملك التصرف مع نفسه وإن لم
يكن فيه منفعة ظاهرة للصغير بخلاف الوصي وهنا
لأن الأب غير متهم بإعزاز نفسه على الولد
والوصي متهم بذلك وكذلك لو رهنه الأب من عبد
تاجر له ليس عليه دين لأن أكثر ما فيه إنه
بمنزلة الرهن من نفسه وكسب عبده ملك له وهو
يملك ذلك لما ذكر في الأصل في بيان الصك الذي
يكتبه الأب إذا رهن مال نفسه من الصبي إني
استقرضته من مالي كذا فأنفقته في حاجتي وفي
هذا اللفظ دليل على أن للأب ولاية الإقراض في
مال ولده لأن معاملته مع غيره أقرب إلى النفوذ
منه مع نفسه فإذا جاز له أن يستقرض مال ولده
لنفسه فلأن يجوز له إقراضه من غيره أولى.
والحاصل أن الوصي لا يقرض على اليتيم ولا
يستقرض لأنه تبرع وفي الأب روايتان وفي
الرواية الظاهرة يقول لا يملك الإقراض لأنه
تبرع وليس للصغير فيه منفعة ظاهرة وفي هذه
الرواية إشارة إلى أن للأب ذلك لأنه غير متهم
في حق ولده والظاهر أن لا يقرضه إلا ممن يملك
الاسترداد منه متى شاء فهو بمنزلة القاضي في
ذلك وللقاضي ولاية الإقراض في مال اليتيم
لتمكنه من الاسترداد متى شاء فكذلك الأب له
ذلك وإذا رهن الأب فباع ابنه الصغير عند رجل
فأدرك الولد ومات الأب لم يكن للولد أن يسترد
الرهن حتى يقضي المال لأنه تصرف لزم من الأب
في حال قيام ولايته وهو في ذلك قائم مقام
الولد أن لو كان بالغا فإن كان الأب رهنه
لنفسه فقضاه الابن فإنه يرجع به في مال الأب
بمنزلة المعير للرهن إذا قضى الدين وهذا لأنه
لا يتوصل إلى عين ماله إلا بقضاء الدين فلم
يكن متهما في ذلك.
وإذا رهن الأب متاعا لولده بمال أخذه لنفسه
ولولده الصغير فهو جائز لأنه لما ملك أن يرهن
بدين أحدهم على الانفراد فكذلك بدينهما بخلاف
ما إذا رهن عينا مشتركه بين ابنه
ج / 21 ص -90- الكبير والصغير فإن ذلك لا يجوز ما لم يسلم الكبير لأنه لا ولاية له
على الكبير في رهن نصيبه ونصيب الصغير شائع
فلا يمكن تصحيح الرهن في شيء منه فإن هلك
الرهن ضمن الأب حصته من ذلك للولد لأنه بهلاك
الرهن صار قاضيا دين الصغير ودين نفسه بمال
الصغير فيضمن الصغير حصته من ذلك والوصي في
ذلك كالأب بعد موته وكذلك الجد أبو الأب إذا
لم يكن له وصي لأنه قام مقام الأب في التصرف
بحكم الولاية إلا أن الأب يملك أن يرهن مال
أحد الصغيرين من الآخر والوصي لا يملك ذلك على
قياس الرهن من نفسه وقد بينا الفرق بينهما في
ذلك والله أعلم بالصواب.
باب
رهن الحيوان
قال رحمه
الله: رهن الحيوان المملوك بالدين جائز بخلاف ما يقوله بعض العلماء
رحمهم الله إن الحيوان عرضة للهلاك فهو بمنزلة
ما يسرع إليه الفساد وما يسرع إليه الفساد
كالخضر لا يجوز رهنه ودليلنا على جوازه قوله
صلى الله عليه وسلم
"الرهن مركوب ومحلوب"
ولأنه مال متقوم يجوز بيعه ويمكن استيفاء
الدين من ماليته عند تعذر استيفائه من محل آخر
فهو كسائر الأموال وما من شيء إلا وهو عرضة
للفناء في وقته ثم علفه وطعام الرقيق على
الراهن لأن وجوب النفقة على المالك بسبب ملك
العين فالراهن بعد عقد الرهن مالك للعين كما
كان قبله وفي كون الرهن في يد المرتهن منفعة
للراهن فإنه يصير بهلاكه قاضيا لدينه فيكون
بمنزلة الوديعة والمؤجر بخلاف المستعار
والموصي بخدمته لأنه لا منفعة للمالك في كون
العين في يد المستعير والموصي له وإنما تخلص
المنفعة لهما فتكون المنفعة عليهما فلهذا لا
يرجعان بضمان الاستحقاق بخلاف المرتهن.
توضيحه
أن الإعارة لا يتعلق بها اللزوم فيقال
للمستعير إن ثبت فأنفق عليه وانتفع به وإلا
فرده والوصية بالعين وإن كان يتعلق بها اللزوم
فلم يأت ذلك بإيجاب من الوارث فلا يلزمه نفقة
في حال كونه ممنوعا من الانتفاع به وإثبات
اليد عليها وأما الرهن فإنما يثبت للمرتهن فيه
حق لازم بإيجاب الرهن فلا يكون ذلك مسقطا
للنفقة عنه وإن كانت يده مقصورة عنه كالمستأجر
وكذلك أجر الراعي فهو بمنزلة العلف لأنه إنما
يلتزم بمقصود الراعي فيكون على المالك وعلى
المرتهن أن يضمها إليه إما في منزله وإما في
منزل يتكارى له وليس على الراهن من ذلك شيء
لأن الحفظ على المرتهن ولا يتأتي حفظه إلا في
منزل فمؤنته تلك تكون على المرتهن وهذا لأنه
في الحفظ عامل لنفسه لأنه يقصد به إضجار
الراهن ولأن موجب الرهن ثبوت يد الاستيفاء وما
يكون موجب العقد فهو حق المرتهن وعن أبي يوسف
رحمه الله قال إن كان في منزل المرتهن سعة
فالجواب كذلك وإن احتاج إلى أن يتكارى له
منزلا فالكراء على الراهن لأن أجرة المسكن
كالنفقة.
ألا ترى إنه
على الزوج كالنفقة وإن أصاب الرقيق جراحة أو
مرض أو ديرت الدواب فإصلاح ذلك ودواؤه على
المرتهن لأن المالية انتقصت بما اعترض وبحسب
ذلك يسقط من
ج / 21 ص -91- دين المرتهن ببرء المعالجة إعادة ما كان سقط من الدين أو أشرف على
السقوط وهو محض منفعة للمرتهن والمداواة لا
تكون قياس النفقة.
ألا ترى أن نفقة الزوجة على الزوج وأجرة
الطبيب وثمن الدواء إذا مرضت عليها في مالها
لا شيء على الزوج من ذلك وهذا إذا كانت قيمة
الرهن والدين سواء فإن كان الدين أقل من
القيمة فالمعالجة على الراهن والمرتهن بحساب
ذلك لأن تقدر الدين من الرهن مضمون على
المرتهن والزيادة على ذلك أمانة ومعالجة
الأمانة على صاحبها وهذا لأن بالإصلاح ينتفع
المرتهن في المضمون منه وفي الأمانة المنفعة
للراهن وهو نظير الفداء من الجناية بقدر
المضمون من الرهن والفداء على المرتهن وبقدر
الأمانة على الراهن ونقصان السعر وزيادته لا
يغير حكم الرهن والاعتبار بقيمته يوم رهن لأن
تغير السعر لا يؤثر في العين إنما هو منوط
برغائب الناس فيه وذلك يختلف باختلاف الأوقات
والأمكنة فلا يكون مضمونا على المرتهن.
توضيحه إن نقصان السعر غير
معتبر في ضمان العقود كالمبيع فإن نقصان سعره
لا يسقط شيئا من الثمن ولا يثبت الخيار
للمشتري وكذلك في ضمان المقبوض كالمغصوب
فنقصان سعره في يد الغاصب لا يلزمه شيئا من
الضمان وضمان الرهن لا بد أن يعتبر بأحد هذين
الضمانين وعن زفر رحمه الله إن بقدر ما ينتقص
من سعر المرهون يسقط من الدين وقاس ذلك بنقصان
العين من حيث إن الضمان الثابت بالرهن باعتبار
المالية دون العين فإن ضمان الاستيفاء
والمالية ينتقص بنقصان السعر كما ينتقص بنقصان
العين بخلاف سائر الضمانات فضمان الغصب ضمان
العين ولهذا يملك العين به وكذلك ضمان البيع
ونقصان السعر لا يؤثر في العين وإن ذهبت عين
الدابة عند المرتهن وقيمتها مثل الدين سقط ربع
الدين لحديث زيد بن ثابت رضي الله عنه قال في
عين الدابة ربع قيمتها يعني إذا فقئت وهذا
بخلاف عين الآدمي فإن بذهاب عينه يسقط نصف
الدين لأن الانتفاع بالدواب من حيث الحمل
والركوب وذلك يمسها وإنما يأتي ذلك بأن تمشي
بقوائمها وتبصر بعينها فيتوزع بدلها على ذلك
وحصة العينين من ذلك النصف فبفوات أحدهما يذهب
الربع وأما البصر في الآدمي فمقصود بنفسه
والبطش كذلك والمشي كذلك فيجعل كل جنس بمنزلة
النفس فبذهاب إحدى العينين يجعل نصف النفس
كالفائت حكما لهذا المعنى ولبن الناقة رهن
معها وكذلك أصواف الغنم وأسمانها وأولادها
وثمرة الأشجار وما ينبت من الأشجار في أرض
الرهن رهن لأن هذه زيادة مستولدة من العين
بخلاف ما على الأرض والدار تؤاجر لأن ذلك ليس
بمتولد من غير الرهن فلا يثبت فيه حكم الرهن
وإن هلكت هذه الزيادة لم يسقط شيء من الدين
لانعدام
السبب الموجب للضمان فيها وهو القبض مقصودا.
ثم لا خلاف إن المرتهن لا يملك الانتفاع
بالرهن بدون إذن الراهن لنهي النبي صلى الله
عليه وسلم عن قرض جر منفعة ولو تمكن من
الانتفاع أدى إلى ذلك ولأن المنفعة إنما تملك
بملك
ج / 21 ص -92- الأصل والأصل مملوك للراهن فالمنفعة تكون على ملكه لا يستوفيها غيره
إلا بإيجابها له وهو بعقد الرهن أوجب ملك اليد
للمرتهن لا ملك المنفعة فكان ماله في الانتفاع
بعد عقد الرهن كما كان قبله وكذلك الراهن لا
ينتفع بالمرهون بغير إذن المرتهن عندنا وقال
الشافعي رحمه الله فيما يمكنه الانتفاع به مع
بقاء عينه للراهن أن ينتفع به بدون إذن
المرتهن والمسئلة في الحقيقة بناء على الأصل
الذي بينا إن عندنا دوام يد المرتهن يوجب عقد
الرهن والانتفاع به يفوت هذا الواجب لأنه
يعيده إلى يده لينتفع به وعنده يوجب الرهن حق
المطالبة بالبيع في الدين عند حلول الأجل وذلك
لا يفوت بانتفاع الراهن به ثم الحجة له في
المسألة حديث أبي هريرة رضي الله عنه إن النبي
صلى الله عليه وسلم قال:"المرهون مركوب ومحلوب وعلى من يركبه ويحلبه نفقته" ولا شك أن النفقة على الراهن فعرفنا أنه مركوب ومحلوب للراهن
والمعنى فيه أن عقد الرهن لا يزيل الملك في
الحال ولا في ثاني الحال ولكن يوجب للمرتهن
حقا فكل تصرف من الراهن يقدره يبطل حق المرتهن
فهو باطل كالبيع والراهن من غيره وكل تصرف لا
يؤدي إلى إبطال حق المرتهن فالراهن يملكه
باعتبار ملكه وهذا كالنكاح فإنه لا يزيل ملك
المولي عن الأمة ولكن يوجب للزوج منها حقا فكل
تصرف يؤدي إلى إبطال حقه كالوطء والتزوج من
الغير يمنع المولي منه وكل تصرف لا يؤدي إلى
إبطال حق الزوج كالبيع والهبة لا يمنع المولي
منه والاستيلاد لا يزيل ملك المولي ويوجب لها
حقا وكل تصرف يؤدي إلى إبطال حق لها كالبيع
يمنع للمولي منه وكل تصرف لا يؤدي إلى إبطال
حقها كالوطء والتزويج لا يمنع المولي منه ثم
الانتفاع لا يؤدي إلى إبطال حق المرتهن بدليل
إنه لو انتفع به بإذن المرتهن بقي عقد الرهن
وحق المرتهن ولو كان هذا مبطلا حقه لكان يبطل
حقه عن العين وإن حصل بإذنه كالبيع ولأن الرهن
وثيقة بالدين فلا يمنع المالك من الانتفاع
بالملك كالكتابة والدليل عليه إن الراهن أحق
ببدل المنفعة وهو الكسب والغلة فذلك دليل على
أنه أحق بالمنفعة أيضا.
وعقد الرهن عقد مشروع وبالإجماع المرتهن لا
يتمكن من الانتفاع به فلو قلنا يمتنع على
الراهن الانتفاع به لتعطلت العين عن الانتفاع
بسبب هذا العقد وذلك مشبه تسييب أهل الجاهلية
فيكون خلاف المشروع إلا أنه إنما ينتفع بالرهن
إذا كان الدين مؤجلا وأما إذا كان الدين حالا
فللمرتهن أن يمنعه عن ذلك لاستحقاق المطالبة
ببيعه في دينه في المال وهو كالبيع فإن البائع
يمنع المشتري من الانتفاع به إذا كان الثمن
حالا ولا يمنعه إذا كان الثمن مؤجلا واختلف
أصحاب الشافعي رحمهم الله في الإجارة فمنهم من
يقول للراهن أن يؤاجره كما له أن ينتفع به
بنفسه ومنهم من يقول ليس له ذلك لأن ذلك مبطل
لحق المرتهن بدليل أنه لو فعله بإذن المرتهن
بطل الرهن وكذلك يختلفون في وطء الراهن
الجارية المرهونة فمنهم من يقول يمنع من ذلك
إذا كانت بكرا ولا يمنع إذا كانت ثيبا لأنه
ليس فيه إبطال حق المرتهن في شيء من المالية
ومنهم من يقول يمنع وإن كانت ثيبا لأن فيه
تعريض حق
ج / 21 ص -93- المرتهن للإبطال بأن تعلق منه فتصير أم ولد له وفي الانتفاع لا يوجد
هذا المعنى وحجتنا الاستدلال بقوله سبحانه
وتعالى
"فرهان
مقبوضة"
فهذا يقتضي أن يكون مقبوضا في حال ما يكون
مرهونا وهو مرهون من حين يقبضه المرتهن إلا أن
يعتقه الراهن فينبغي أن يكون مقبوضا له
وانتفاع الراهن يعدم هذا الوصف وقد بينا أن
موجب هذا العقد ثبوت يد الاستيفاء هنا للمرتهن
وأنه من جنس اليد التي ثبتت بحقيقة الاستيفاء
والراهن لا يتمكن من الانتفاع ما لم يحوله من
يد المرتهن إلى يده وفيه تفويت موجب العقد.
ألا ترى أن الدين إذا كان حالا كان الراهن
ممنوعا من الانتفاع به لكونه مرهونا عند
المرتهن فكذلك إذا كان مؤجلا وفصل البيع
دليلنا إن هناك متى ثبت للبائع حق حبس المبيع
كان المشتري ممنوعا من الانتفاع به لكونه
مرهونا عند المرتهن إلا أن حق الحبس هناك إنما
يثبت إذا كان الثمن حالا فهنا أيضا متى ثبت حق
الحبس بعقد الرهن ينبغي أن يمنع الراهن من
الانتفاع وحق الحبس ثابت سواء كان الدين مؤجلا
أو حالا حتى إنه في غير أوان الانتفاع وفيما
لا ينتفع به مع بقاء عينه المرتهن أحق بإمساكه
وبهذا الكلام يتبين أن انتفاع الراهن تصرف
مبطل لا يدل لحق المرتهن فيمنع منه وبأنه كان
لا يبطل حق المرتهن به إذا حصل تسليطه فذلك
على أن الراهن لا يمنع منه كما إذا كان الدين
حالا وكما في الوطء وتوهم العلوق بالوطء موهوم
ولما بنى الحكم على الموهوم ومثله يتحقق هنا
فإنه يتوهم الهلاك في حالة الركوب وإنما يكون
هذا في معنى تسييب أهل الجاهلية إذا لم يكن
غرض صحيح فأما إذا كان فيه غرض صحيح وهو إضجار
الراهن فلا يؤدي إلى ذلك المعنى فأما الحديث
فلنا أن نقول الرهن محلوب ومركوب على معنى إنه
محلوب ومركوب للمرتهن بإذن الراهن وللراهن
بإذن المرتهن ثم قيل الصحيح إن هذا الحديث
موقوف على أبي هريرة ولم يثبت مرفوعا ولو ثبت
فالمراد انتفاع المرتهن على ما فسره في بعض
الروايات لأن الدر يحلب وظهره يركب بنفقته
والنفقة بإزاء المنفعة تكون في حق غير المالك
وهذا حكم كان في الابتداء لأن المرتهن ينتفع
بالرهن وينفق عليه ثم انتسخ ذلك بنهي النبي
صلى الله عليه وسلم عن قرض جر منفعة فإن آجر
المرتهن المرهون بغير إذن الراهن فالغلة له
ويتصدق بها لأنه بمنزلة الغاصب في ذلك فإنه
كما لا يثبت له بعقد الرهن حق الانتفاع به لا
يثبت له حق إيجاب المنفعة للغير إلا أن الأجر
وجب لعقده فيكون له ويتصدق به لأنه حصل بسبب
حرام شرعا وإن كان الراهن أذن له في ذلك فقد
خرج من الرهن ولا يعود فيه إلا برهن مستقبل
والغلة للراهن وقال بن أبي ليلى رحمه الله هي
رهن على حالها والغلة للمرتهن قضاء من حقها
لأن عقد الإجارة لا يلاقي المحل الذي لاقاه
عقد الرهن فإنه بعقد الإجارة يثبت للمستأجر
ملك المنفعة والثابت للمرتهن ملك اليد إلا أن
رضا المرتهن في الإجارة شرط يتمكن به المالك
من التسليم فإجارة المرتهن وإجارة الراهن برضا
المرتهن سواء على معنى أن الأجر للراهن وإن
عقد الرهن على حاله لأن موجب العقدين ما
اجتمعا في محل واحد ثم
ج / 21 ص -94- المرتهن يأخذ الأجر قضاء من حقه لأنه ظفر بجنس حقه من مال المديون
ولكنا نقول عقد الإجارة يوجب استحقاق اليد
للمستأجر في العين وذلك ينافي موجب عقد الرهن
فإذا نفذ ذلك من الراهن بإذن المرتهن أو من
المرتهن بطل عقد الرهن كالبيع إذا نفذ من
أحدهما وتخرج العين من الرهن بهذا المعنى.
وإذا خرج الرهن كانت الغلة للراهن لأنه بدل ما
لم يثبت به حق المرتهن وهو المنفعة وبه فارق
الثمن فإنه بدل ما ثبت به حق المرتهن فيحول
حقه إليه فإن ركب المرتهن الدابة أو كان عبدا
فاستخدمه أو ثوبا فلبسه أو سيفا فتقلده بغير
إذن الراهن فهو ضامن له لأنه مستعمل ملكه بغير
إذنه فيكون كالغاصب بخلاف ما لو تقلد السيف
على سيف أو سيفين عليه فإن ذلك من باب الحفظ
لا من باب الاستعمال وقد بينا الفرق بين ما
يكون حفظا وبين ما يكون استعمالا في كتاب
اللقطة والوديعة فإن كان فعل ذلك بإذن الراهن
فلا ضمان عليه لأن وجوب الضمان باعتبار التعدي
وهو في الانتفاع لا يكون متعديا فإذا نزل عن
الدابة ونزع الثوب وكف عن الخدمة فهي رهن على
حالها إن هلك ذهب بما فيه وإن هلك في حال
الاستعمال بإذنه هلك بغير شيء لأن استعماله
بتسليط المالك كاستعمال المالك بنفسه ولو
استعمله الراهن فهلك في حال الاستعمال لم يسقط
الدين ولو أعاده المرتهن إلى يده بعلة ما فرغ
فهلك في حال الاستعمال كان مضمونا بالدين
وكذلك إذا استعمله المرتهن وهذا لأن في حال
الاستعمال يده يد عارية وهي غير يد الاستيفاء.
ألا ترى إنه باعتبار يد العارية لا يرجع بضمان
الاستحقاق على الغير وباعتبار يد الاستيفاء
يرجع فأما بعد الفراغ من الاستعمال لم تبق يد
العارية لأن تلك اليد المقصودة الاستعمال لا
غير فظهر حكم يد الاستيفاء وكذلك لو أعاره
غيره بإذن الراهن أو أعاره الراهن بإذن
المرتهن فهلك في يد المستعير لا يسقط شيء من
الدين لما قلنا ولكن للمرتهن أن يعيده ليد
نفسه لأن هذا في حقه بمنزلة الإعارة من الرهن
فلا يبطل به حق المرتهن لأن للمرتهن حقا
مستحقا والإعارة لا يتعلق بها الاستحقاق
والشيء لا ينقص بطريان ما هو دونه عليه بخلاف
الإجارة فإنه يثبت حقا مستحقا للمستأجر فهو
مثل الرهن أو أقوى منه فيكون مبطلا للرهن وعلى
هذا لو أذن له أن يرهنه فرهنه منه غيره وسلمه
خرج من الرهن الأول لأن الثاني مثل الأول في
إنه يوجب حقا مستحقا للمرتهن فيبطل به الأول
ثم يد العارية تتقدم ضمان الرهن ولكن لا يرتفع
عقد الرهن حتى لو ولدت في يد المستعير راهنا
كان أو غيره كان الولد مرهونا.
ولو مات الراهن في هذا الحال كان المرتهن أحق
بها من سائر الغرماء فعرفنا أن عقد الرهن باق
فببقائه يتمكن المرتهن من إعادته إلى يده وإذا
أثمر الكرم أو النخل وهو رهن فخاف المرتهن على
الثمرة الهلاك فباعها بغير إذن القاضي لم يجز
بيعه وهو ضامن لقيمتها لأنه باع مال الغير
بغير إذن مالكه فيكون غاصبا في ذلك ولا ضرورة
في الاستبداد بهذا البيع لأنه
ج / 21 ص -95- يتمكن منه إن استأذن الراهن فيه إن كان حاضرا أو يرفع الأمر إلى
القاضي إذا كان الراهن غائبا ليبيعه القاضي أو
يأمره ببيعه فإن ولاية النظر في مال الغائب
للقاضي فإذا لم يفعل كان ضامنا وإن جذ الثمرة
أو قطف العنب فهو ضامن في القياس لأنه تصرف
منه في ملك الغير بغير إذنه وفي الاستحسان لا
ضمان عليه لأن هذا من الحفظ فإنه لو ترك على
رؤوس الأشجار فسد فالجداد في أوانه حفظ وحفظ
المرهون حق المرتهن فإن قيل البيع أيضا من
الحفظ قلنا نعم ولكنه في البيع حفظ المالية
دون العين فأما في الجدار فحفظ الملك في العين
والمرتهن مسلط على ذلك فإن ذلك من الحفظ للعين
بمنزلة الجداد لأن ترك الحلب يفسد الضرع
واللبن.
وإذا رهن الرجل عدلا زطيا بألف درهم أو بمائة
شاة أو عشرة من الإبل وسلمها إليه ثم قضاه بعض
المال لم يكن له أن يقبض شيئا من الرهن حتى
يقضي المال كله لأن العقد منفعة واحدة وكل جزء
مما يتناوله العقد يكون محبوسا بجميع الدين
فما لم يقض جميع الدين لا ينعدم المعنى المثبت
بحق الجنس في شيء من الرهن كما في البيع وكذلك
إن رهن مائة شاة بألف درهم كل شاة بعشرة ثم
قضاه عشرة وفي الزيادات قال في هذه المسألة
يكون له أن يسترد أي شاة شاء قال الحاكم فما
ذكر في الزيادات قول محمد رحمه الله وما ذكر
في كتاب الرهن قول أبي يوسف وكان أبو بكر
الرازي ينكر ما ذكره الحاكم ويقول قد ذكر بن
سماعة في نوادره عن محمد مثل ما أجاب به في
كتاب الرهن والصحيح أن المسألة على روايتين
وجه هذه الرواية ظاهر فإن المرهون محبوس
بالدين كالمبيع بالثمن ثم في البيع لا فرق في
حكم الحبس بين فصل الثمن والإجمال حتى إنه إذا
اشترى شاتين بعشرة فنقده عشرة لم يكن له أن
يقبض واحدة منهما وكذلك في الرهن فأما وجه
الرواية فالزيادات تفرق القيمة بتفرق الصفقة
في الرهن بدليل إنه لو رهن عبدا بألف درهم كل
نصف بخمسمائة لا يجوز.
ولو رهن عبدا من رجلين نصفه من كل واحد منهما
بدينه لا يجوز بخلاف حال الإجمال فعرفنا أن
الصفقة تتفرق في باب الرهن بتفرق الثمن فكذلك
رهن كل شاة بعقد على حدة بخلاف البيع فهناك
بتفرق التسمية لا تتفرق الصفقة بدليل أنه لو
باعه عبدين بألف كل واحد منهما بخمسمائة فقبل
العقد في أحدهما دون الآخر لم يجز كما في حال
الإجمال وهذا لأن البيع عقد تمليك والهلاك قبل
القبض مبطل للبيع فبعدما نقد بعض الثمن لو
تمكن من قبض بعض المعقود عليه أدى إلى تفرق
الصفقة قبل التمام بأن يهلك ما بقي فيفسخ
البيع فيه بخلاف الرهن فإن الهلاك ينتهي حكم
الرهن بحصول المقصود به كما أن بالافتكاك
ينتهي حكم الرهن فلو تمكن من استرداد البعض
عند قضاء بعض الدين لا يؤدي ذلك إلى تفرق
الصفقة لأن أكثر ما فيه أن يهلك ما بقي فينتهي
حكم الرهن منه فإن قيل هذا في حال الإجمال
موجود قلنا نعم ولكن في حال الإجمال حصة كل
شاة من الدين غير معلوم متعين فأما عند
التفصيل فما رهن به كل شاة معلوم بالتسمية
فلهذا يمكن انفكاك البعض
ج / 21 ص -96- بقضاء بعض الدين به ولو رهنه شاتين بثلاثين درهما إحداهما بعشرين
والأخرى بعشرة ولم يبين هذه من هذه لم يجز
الرهن لجهالة ما رهن به كل واحدة منهما وهذه
جهالة تفضي إلى المنازعة فإن إحداهما لو هلكت
وثمنها عشرون فالراهن يقول هذه التي رهنتها
بعشرين والمرتهن يقول بل هذه بعشرة فإن بين كل
واحد منهما كان جائزا لأن الرهن مع الدين
يتحاذيان محاذات المبيع مع الثمن وفي البيع
إذا عين ثمن كل واحد منهما جاز العقد لانعدام
الجهالة بخلاف ما إذا لم يبين فكذلك في الرهن.
ولو ارتهن عبدا بألف نصفه بستمائة ونصفه
بأربعمائة أو كل نصف بخمسمائة لم يجز لتمكن
الشيوع في الرهن باعتبار تفرق التسمية فإن كل
جزء يصير محبوسا بما سمي بمقابلته وقد بينا أن
الجزء الشائع لا يكون محلا لحكم الرهن وكذلك
إن قال لرجلين رهنتكما هذا العبد بألف لكل
واحد منهما نصفه خمسمائة بخلاف ما إذا رهنه
بدينهما مجملا فهناك جميع الرهن يصير محبوسا
بدين كل واحد منهما فكذلك العين وعند تفرق
التسمية إنما يثبت لكل واحد منهما حق الحبس
فيما أوجب له نصفا وهو الجزء الشائع وقد قررنا
أن العين لا تحتمل التجزى ء في موجب الرهن
كالنفس في حكم القصاص ثم قد يثبت قصاص واحد
لرجلين في نفس واحدة عند الإطلاق ولا يتصور أن
يثبت نصف القصاص لكل واحد منهما في نفس واحدة
على الانفراد فكذلك حكم الحبس في الرهن يجوز
أن يثبت لشخص في عين واحدة عند الإجمال ولا
يثبت لكل واحد الحق في النصف عند القبض.
وإذا رهن عند رجل دابتين على أن يقرضه مائة
درهم وقبض إحدى الدابتين فبقيت عنده وقيمتها
خمسون درهما وقيمة الباقية ثلاثون درهما فعلى
المرتهن أن يرد على الراهن خمسين درهما لأن
الدين الموعود في حكم الاستيفاء بهلاك الرهن
كالدين المقبوض بمنزلة المقبوض على سوم الشراء
يجعل في حكم الضمان كالمقبوض بحقيقة السداد
ولو كان الدين واجبا كان المرتهن بهلاك إحدى
الدابتين مستوفيا قدر قيمتها إذا كانت قيمتها
والدين سواء فهنا أيضا عند هلاك إحداهما يصير
مستوفيا خمسين درهما فعليه رد ذلك على الراهن
إن بدا له أن يأخذ الأخرى ويقرضه فهو هنا
مستقيم وإن لم يفعل لم يجبر على شيء لأن ما
جرى بينهما ميعاد والمواعيد لا يتعلق بها
اللزوم وإن بقيت الأخرى أيضا عند الراهن ولم
يدفع المرتهن إليه المائة أو قد دفعها ولم
يختلفا في قيمة الدابتين فالقول قول المرتهن
في الوجهين لأن حاصل الاختلاف منهما في مقدار
ما صار المرتهن مستوفيا مما سقط به دينه
الواجب أو يلزمه رده إن لم يكن دفع إليه شيئا
فالمرتهن ينكر الزيادة والراهن يدعي عليه ذلك
فالقول قول المنكر وما أنفق المرتهن على الرهن
والراهن غائب فهو منه تطوع لأنه تبرع بالإنفاق
على ملك الغير بغير أمره فإن أمره القاضي أن
ينفق ويجعله على الرهن فهو دين على الرهن لأن
الإنفاق بأمر القاضي كالإنفاق بأمر الراهن
وللقاضي ولاية النظر في مال الغائب فيما يرجع
إلى حفظ ملكه عليه والبيان في إنه قال ويجعله
دينا على الراهن وهكذا يقول في كتاب اللقطة
وغيره.
ج / 21 ص -97- وكان أبو بكر الأعمش رحمه الله يقول لا حاجة إلى هذه الزيادة ولكن
مجرد أمره يكفي لأن أمر القاضي كأمر صاحب
المال وأكثر مشايخنا رحمهم الله على أنه ما لم
يصرح القاضي بهذا اللفظ لا يصير دينا لأن أمر
القاضي في هذا الموضع ليس لإلزام المأمور فإنه
لا يلزمه الإنفاق وإن أمره القاضي بذلك ولكن
المقصود النظر وهو متردد بين الأمر بالإنفاق
حسبة وبين الأمر بالإنفاق ليكون دينا فعند
الإطلاق لا يثبت إلا أدناهما ولا يصير دينا
إلا بالقبض بخلاف أمر صاحب المال فهذا استقراض
أو استيهاب يثبت أدناهما والأدنى هناك
الاستقراض ولا يصدق المرتهن على النفقة إلا
ببينة لأنه يدعي لنفسه دينا في ذمة الراهن وهو
غير مقبول القول فيما يدعيه لنفسه في ذمة غيره
إلا ببينة فإن لم يكن له بينة حلف الراهن ما
يعلم إنه أنفق على رهنه كذا كذا لأن المنفق
يدعي عليه الدين وهو ينكر فالقول قوله مع
يمينه ولأنه يستحلف على فعل الغير وهو الإنفاق
من المأمور واليمين على فعل الغير يكون على
العلم.
ولو ارتهن دابتين فنفقت إحداهما ذهب من الدين
بحسابه وكذلك لو كانت الباقية مثلها وليس هذا
كجناية الرقيق معناه إذا رهن عبدين بألف قيمة
كل واحد منهما ألف فقتل أحدهما صاحبه كان
الباقي منهما رهنا بسبعمائة وخمسين ويتحول إلى
القاتل بعد ما كان على المقتول من الدين على
ما بيناه في باب الجنايات وفي هذه الصورة من
الدابتين كانت الباقية رهنا بخمسمائة لأن
جناية إحدى الدابتين على الأخرى هدر قال صلى
الله عليه وسلم:
"جرح العجماء
جبار" فكان قتل إحداهما الأخرى وموتها سواء بخلاف بني آدم فإنه من أهل
جناية معتبرة في الأحكام فحصة الأمانة من
الجاني على المضمون من المجني عليه لا بد أن
يقام مقامه في تحويل ما كان على المجني عليه
إلى الجاني وذلك نصف ما كان على المجني عليه
ولو استحقت إحداهما لم تنفك الأخرى إلا بجميع
المال لما بينا أن كل واحدة منهما محبوسة
بجميع المال عند الإجمال وإن هلكت إحداهما
هلكت بحصتها لأن حكم الضمان يتوزع عليهما فعند
هلاك إحداهما إنما يصير مستوفيا حصتها في
الدين بمنزلة العين الواحدة يرهنها من رجلين
بدين لهما في أن حكم الحبس يكون مخالفا لحكم
استيفاء الدين عند الهلاك حتى يصير كل واحد
منهما عند الهلاك مستوفيا نصف دينه.
ولو ولدت إحداهما ولدا وقيمتهما سواء وقيمة
الولد قيمة الأم ثم بيعت التي لم تلد ذهب بنصف
الدين لأن الولد تابع للأم داخل معها في حصتها
فيقسم الدين أولا على قيمة الدابتين نصفين
لاستوائهما ثم يقسم ثمن التي ولدت على قيمتها
وقيمة ولدها فحصة التي لم تلد نصف الدين ولهذا
ذهب بموتها نصف الدين وإن بيعت التي ولدت ذهب
ربع الدين لأن نصف الدين انقسم على قيمتها
وعلى قيمة ولدها فتوسط معها الولد إلى يوم
الفكاك على هذه القيمة وقد بقي فكانت حصة الأم
ربع الدين وإن لم تتفق هي واتفق ولدها لم يذهب
من الدين شيء إذا كانت الولادة لم تنقص الأم
لأن الولد هلك من غير صنع أحد وكان تابعا في
ج / 21 ص -98- حكم الرهن فصار كان لم يكن فإن كانت الأم ماتت فذهب ربع الدين ثم
ولدت البنت بنتا مثلها كان الثنتان بثلثي
النصف لأن السفلى كالعليا في أنها تابعة للأم
الأصلية فإن العليا تبع ولا تبع للتبع فهو
نظير ما لو ولدت الأم ولدين قيمة كل واحد
منهما مثل قيمتها فإنها تقسم ما فيها على
قيمتها وقيمة الولدين أثلاثا ويتبين أن الساقط
بموت الأم ثلث نصف الدين ولو كانت المسألة
بهذه الصورة في البيع كان الساقط بموت الأم
ربع الثمن وقد قررنا هذا الفرق في آخر البيوع
إن سقوط الثمن هناك بطريق انفساخ البيع والبيع
بعد ما انفسخ لا يعود بحدوث الزيادة وهنا سقوط
الدين بطريق انتهاء عقد الرهن لحصول المقصود
به والمنتهى يكون متقررا في تعينه فبحدوث
الزيادة يعود بعض ما كنا حكمنا بسقوطه بطريق
الظاهر ولا يفتك الراهن شيئا من ذلك دون شيء
لأن العقد في الكل واحد باعتبار الإجمال.
ولو اعورت إحدى العينين ذهب بموت الأم أربعة
أجزاء من أحد عشر جزءا من النصف ولو كان هذا
في الرقيق بقيت الاثنتان بثلاثة أخماس النصف
وهذا لما بينا إن العين من الأدنى نصف ومن
الدية ربعها ففي الرقيق حين اعورت إحدى
الاثنتين ذهب نصفها فإنما ينقسم ما في الأم من
الدين على قيمتها وقيمة العليا وقيمة نصف
السفلى فيكون على خمسة في الأم سهمان وفي
الصحيحة من الاثنتين كذلك وفي العوراء سهم
فلهذا سقط بهلاك الأم خمسا النصف وبقي ثلاثة
أخماس النصف وفي الدواب بالاعورار ذهب بالعور
ربعها فإنما ينقسم نصف الدين على قيمة الأم
والصحيحة من الولدين وثلاثة أرباع العوراء
فكانت الأم أربعة والصحيحة كذلك والعوراء
ثلاثة فلهذا قال يذهب بموت الأم أربعة أجزاء
من أحد عشر جزءا من النصف.
وإذا ارتهن الرجل أرضا ونخلا بألف درهم وقيمة
الأرض خمسمائة وقيمة النخل خمسمائة فاحترق
النخل فالأرض رهن بخمسمائة بخلاف البيع فإن
ضمان البيع ضمان عقد والنخل في العقد تبع
وبهلاكه لا يسقط شيء من الثمن كأطراف العبد
فأما ضمان الرهن فضمان قبض والأوصاف تفرد
بالقبض فتفرد بالضمان فلهذا سقط بذهاب النخل
نصف الدين إذا كانت قيمتهما سواء كان نبت في
الأرض نخل يساوي خمسمائة والأرض والنخل بثلثي
جميع المال لأن النابت زيادة في الأرض فيصير
هو كالموجود في أن حكم الرهن ثبت في كل واحد
منهما معا وتبين أن الدين ينقسم على قيمة
الأرض وقيمة النابت والذي احترق والقيم سواء
كإنما سقط بذهاب ما احترق حصتها وهو ثلث الدين
وعن أبي يوسف رحمه الله قال إن كان الثابت منه
عروق النخل التي احترق سقط ربع الدين وإن كان
من غير ذلك من الأرض سقط نصف الدين لأن الثابت
إذا كان فيه عروق فاحترقت فهو زيادة في النخيل
خاصة فيقسم الدين أولا على قيمة الأصل وقيمة
النخيل الموجود عند العقد نصفين ثم تقسم حصة
النخيل على قيمتها وقيمة الثابت نصف فسقط
باحتراق النخيل الموجودة ربع الدين بمنزلة
الجاريتين إذا ولدت إحداهما ثم ماتت الأم وإذا
نبت النخيل من الأرض كان زيادة في
ج / 21 ص -99- الأرض دون النخيل فباحتراق النخيل سقط ما كان فيها وهو نصف الدين
والنصف الباقي حصة الأرض ينقسم عليها وعلى
النخيل الثابت.
ولو ارتهن أرضا ليس فيها نخل فنبت فيها نخل
وقيمة الأرض مثل الدين وقيمة النخيل كذلك فما
رهن بالمال وإن ذهب النخيل لم يسقط من الدين
شيء لأنها زيادة حدثت بعد تمام الرهن ولم يضر
مقصوده بالتناول حين هلكت قبل الفكاك فلا يسقط
بهلاكها شيء من الدين كالولد ولو ارتهن أرضا
وكرما وقيمته والدين سواء ثم أثمر ثمرا كثيرا
يكون مثل قيمته ثم ذهب الشجر وسلم الثمر وقيمة
الشجر والأرض سواء فإنه يذهب ثلث الثمن لما
بينا إن الثمار زيادة في الشجر والأرض جميعا
لأن الشجر تبع للأرض ولا تبع للتبع فانقسم
الدين على قيمة الثلاثة سواء فيذهب الشجر بثلث
الدين فإن ذهب الثمر بعد ذلك ذهب أيضا سدس
جميع المال وليس المراد أنه بذهاب الثمر سقط
شيء من الدين لأن الثمار زيادة حادثة بعد تمام
الرهن وفاتت من غير صنع أحد فكيف يسقط بهلاكها
شيء من الدين ولكن الثمار صارت كأن لم تكن
فتبين أن الدين انقسم على قيمة الأرض وقيمة
الأشجار نصفين وإن بذهاب الأشجار سقط نصفه
وبقيت الأرض رهنا بنصف الدين.
وإذا ساق المرتهن دابة الرهن أو قادها فأصابت
إنسانا بيدها أو وطئته برجلها فهو على القائد
والسائق لأن القائد والسائق متلف بطريق السبب
فيكون ضامنا مالكا كان أو غير مالك ولا يلحق
الدابة ولا الراهن من ذلك شيء لانعدام سبب
الإتلاف من الراهن وكون فعل الدابة هدرا شرعا
وإذا ارتهن ثوبا يساوي خمسة دراهم ومثقال ذهب
يساوي عشرة دراهم بخمسة فهلك الذهب ولبس الثوب
حتى تخرق أو بدأ بالثوب فلبسه قبل هلاك الذهب
فقد سقط ثلثا الدين بهلاك الذهب لأن الدين
انقسم على قيمة الذهب وقيمة الثوب وحصة الذهب
ثلثا الخمسة فذهب ذلك بهلاك الذهب ويضمن قيمة
الثوب لأنه باللبس حتى تخرق صار غاصبا متلفا
فيضمن قيمته يحسب له من ذلك ما كان منه وذلك
ثلث الخمسة بطريق المقاصة ويؤدي ما زاد على
ذلك إلى صاحب الثوب.
ولو ارتهن عمامة تساوي نصف درهم ودرهم فضة
بدرهم فهلكت الفضة ولبس العمامة حتى تخرقت فإن
الفضة تذهب بثلثي دينه لأن حصتها من الدين
الثلثان ويضمن قيمة العمامة بالإتلاف يحسب له
منها ثلث الدرهم حصة ما كان فيها من الدين
ويؤدي ما بقي قال رحمه الله: كان شيخنا الإمام
رحمه الله يقول هذه من أعجب المسائل في الوضع
فمن عادة محمد رحمه الله أنه يرفع فيما يذكر
منه قيمة الأشياء حتى يذكر ثوبا يساوي ألفا
وجارية تساوي عشرين ألفا وهنا قال عمامة تساوي
نصف درهم ولو كانت هذه العمامة خيشا لكانت
قيمتها أكثر من هذا وقد كان صحيحا لأنه قال
لبس العمامة حتى تخرقت فلا تأويل لهذا سوى إنه
أراد بهذا تطييب قلوب طلبة العلم لأن يثاب بما
منهم يكون خلقة فيعملون إذا نظروا إلى هذه
المسألة إنه قد يكون في الناس من يكون ثوبه
دون ثيابهم فيكون في ذلك بعض التسلي لهم
ج / 21 ص -100- ولا يجوز ارتهان الخمر والخنزير فيما بين المسلم والذمي لأنه ليس
بمال متقوم في حق المسلم منهما فإن هلك عند
المرتهن ذهب بما فيه إن كان الراهن كافرا لأن
خمر الذمي يكون مضمونا على المسلم بالقبض كما
في الغصب وضمان الرهن ضمان القبض وإن كان
الراهن مسلما ذهب بغير شيء لأن خمر المسلم لا
يكون مضمونا على الذمي بالقبض كما في حال
الغصب والإتلاف والله أعلم.
باب
رهن الفضة بالفضة والكيل والوزن
قال رحمه
الله: وإذا ارتهن الرجل قلب فضة فيه عشرة دراهم بعشرة دراهم فهذه
المسألة على ثلاثة أوجه إما أن يكون قيمته مثل
وزنه عشرة أو قيمته أقل من وزنه ثمانية أو
قيمته أكثر من وزنه اثني عشر وكل وجه من ذلك
على وجهين إما أن يهلك القلب أو ينكسر أما إذا
كانت قيمته مثل وزنه فإن هلك القلب سقط حق
المرتهن لأن في وزنه وقيمته وفاء بالدين فيصير
المرتهن مستوفيا كمال حقه بهلاكه وإن انكسر
فعلى قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله
يضمن المرتهن قيمته إن شاء من جنسه وإن شاء من
خلاف جنسه لأنه لا يمكن فيه الربا ويكون ما
ضمنه رهنا عنده إلى أن يحل أجل الدين ثم
يستوفيه ضامن حقه والمكسور مملوك له بالضمان
وعند محمد رحمه الله يخير الراهن إن شاء سلم
المكسور للمرتهن بدينه وإن شاء أفتكه ببعض
الدين.
وروى أصحاب الإملاء عن أبي يوسف وعن أبي حنيفة
رحمهما الله أن الراهن يجبر على افتكاك اقتضاء
جميع الدين وليس له أن يضمن المرتهن شيئا
والأصل عند محمد رحمه الله أن حالة الانكسار
معتبرة بحالة الهلاك والقلب عند الهلاك في هذا
الفصل مضمون بالدين دون القيمة فكذلك عند
الانكسار لأن ضمان القيمة يوجب الملك في
المضمون للضامن وضمان الدين لا يوجب ذلك وسبب
كل واحد من الضمانين القبض ولا يجوز أن يتعلق
بشيء واحد ضمانان من جنسين مختلفين فعند تعذر
الجمع بينهما لا بد أن يكون الثابت أحدهما
وبالإجماع في حالة الهلاك القلب مضمون بالدين
هنا فكذلك في حالة الانكسار.
ألا ترى أن المبيع لما كان مضمونا بالثمن
استوى فيه حالة الهلاك وحالة الانكسار
والمغصوب لما كان مضمونا بالقيمة استوى فيه
حالة الهلاك وحالة الانكسار فهذه مثله إلا أن
عند الهلاك يتم الاستيفاء حكما بين الوزن لأن
الاستيفاء يكون من المالية والمالية في مال
الربا عند المقابلة بالجنس يكون بقدر الوزن
والكيل فأما عند الانكسار فلا يتم الاستيفاء
لبقاء الوزن ولكنه يتخير الراهن إن شاء سلم
المكسور للمرتهن وجعله في حكم الهلاك فيتم
الاستيفاء وإن شاء أفتكه بقضاء الدين كما إذا
انكسر القلب المبيع يخير المشتري بين أن يأخذه
ويؤدي جميع الثمن وبين أن يفسخ البيع ويجعله
في حكم المستهلك وأبو حنيفة وأبو يوسف رحمهما
الله قالا ضمان الرهن ضمان استيفاء والاستيفاء
يكون من المالية ومالية
ج / 21 ص -101- القلب باعتبار وزنه والوزن قائم بعد الانكسار من كل وجه فلا يمكن
جعل المرتهن مستوفيا رضي به الراهن أو لم يرض
لأن عند تسليم الراهن المكسور للمرتهن لا بد
من القبول لأن المرتهن يمتلك المكسور وذلك ليس
من حكم ضمان الاستيفاء إذا لم يهلك الرهن لا
يملك المرتهن المرهون به ولهذا لو كان عبدا
كان كفنه على الراهن وإذا تعذر جعل المرتهن
مستوفيا قلنا الراهن ما رضي بقبضه إلا على وجه
يصير مستوفيا عند تعذر رده كما قبض فلا يكون
راضيا بقبضه بدون هذا الشرط فالقلب في هذه
الحال كالمقبوض بغير رضاه وهو المغصوب فيكون
مضمونا بقيمته.
ويخير المالك بين أن يشترط المكسور ولا يبيعه
بشيء وبين أن يضمنه قيمته ويملك المكسور بضمان
القيمة وبهذا تبين أنا لا نثبت ضمانين باعتبار
قبض واحد ولكن باعتبار قبضين معناه أحدهما قبض
برضا المالك والآخر قبض بغير رضاه وكالواحد
منهما يعتبر في حالة أخرى وعلى الرواية الأخرى
عند أبي حنيفة لا يضمنه المرتهن شيئا لأن
القبض بحكم الرهن يوجب ضمان الاستيفاء فقط
والاستيفاء يكون من المالية وهو باعتبار الوزن
ولم يفت شيء بالانكسار من الوزن إنما فاتت
الصفقة ولا قيمة للصفقة في مال الربا عند
المقابلة بجنسها وما لا قيمة له لا يكون
مضمونا بحكم الرهن وفواته لا يسقط من الدين
ولا يثبت الخيار للراهن كفوات الزيادة إذا لم
يتمكن بحدوثها نقصان في الأصل.
وأما إذا كانت قيمة القلب أقل من وزنه فهلك
فعند أبي حنيفة رحمه الله يصير المرتهن
مستوفيا دينه وعلى قول أبي يوسف ومحمد رحمهما
الله يضمن قيمته من خلاف جنسه كيلا يؤدي إلى
الربا ولا يسقط شيء من الدين لأنه لا يمكن أن
يجعل مستوفيا قدر قيمته من الدين فإن استيفاء
العشرة بثمانية ربا ولا يمكن أن يجعل مستوفيا
لجميع دينه باعتبار الوزن لأن فيه اعتبار حق
المرتهن في الجودة وكما يجب مراعاة حقه في
الوزن يجب مراعاة حقه في الجودة ألا ترى أن
الراهن لو أراد قضاء دينه بما هو دون حقه في
الجودة لا يملك ذلك بغير رضا المرتهن فإذا
تعذر جعله مستوفيا يجعل كالمقبوض بغير إذن
المالك فيكون مضمونا بالقيمة على القابض إذا
هلك وأبو حنيفة يقول ضمان الرهن ضمان استيفاء
والاستيفاء يكون بالوزن وفي القلب وفاء بالدين
فيجعل مستوفيا كمال حقه على معنى إنه لما قبض
الرهن مع علمه بهلاك الرهن يصير مستوفيا دينه
باعتبار الوزن فكأنه رضي بدون حقه في الجودة.
وهذه المسألة نظير مسألة الجامع الصغير إذا
كان له على غيره عشرة جياد وستوق فهلك في يده
ثم علم أن المستوفي كان زيوفا فعند أبي حنيفة
رحمه الله يسقط حقه وعند أبي يوسف رحمه الله
نضمنه مثل المقبوض ويرجع بحقه ذكر قوله محمد
في تلك المسألة كقول أبي حنيفة قال عيسى وهو
قوله الأول أما قول الآخر فكقول أبي يوسف رحمه
الله على قياس ما ذكره في كتاب الرهن إذ لا
فرق بين النصيبين فإن الرهن مقبوض فيكون
بمنزلة المقبوض بحقيقة الاستيفاء وهناك
المستوفي إذا تعذر رده للهلاك سقط حقه ولا
يرجع
ج / 21 ص -102- بشيء عند أبي حنيفة لمكان الجودة فكذلك في الرهن وعندهما هناك يضمن
مثل المستوفي ومقام رد المثل مقام رد العين
لمراعاة حقه في الجودة فكذلك في الرهن.
فإن قيل: كيف يستقيم هذا
البناء وهناك عند القبض لو كان عالما بصفة
المستوفي سقط حقه عندهم جميعا وهنا عند قبض
الرهن هو عالم برداءة المقبوض قلنا: نعم ولكن
عند قبض الرهن ما كان يعلم إنه يهلك في يده
فيصير مستوفيا به حقه وإنما يتم الاستيفاء هنا
عند هلاك الرهن فبمجرد قبض الرهن لا يتم رضاه
بسقوط حقه عند الجودة وعندهما بمنزلة ما لو
قبضه لاستيفاء حقين ولا يعلم أنه دون حقه في
الجودة ولو انكسر القلب هنا ضمنه المرتهن
قيمته من خلاف جنسه أما عند أبي حنيفة وأبي
يوسف رحمهما الله فظاهر وعند محمد حالة
الانكسار معتبرة بحالة الهلاك وفي حالة الهلاك
عنده في هذا الفصل القلب مضمون بالقيمة دون
الدين فكذلك وزيادة القيمة على الدين كزيادة
الوزن فيلغى فتكون تلك الزيادة أمانة ويصير
مستوفيا كمال حقه بهلاك الرهن.
وذكر بن سماعة أن في قياس قول أبي يوسف يضمنه
المرتهن قيمة خمسة أسداس القلب من خلاف جنسه
ولا يسقط شيء من الدين لأنه لا يمكن أن يجعل
مستوفيا دينه بجميع القلب فإن من أصله أن
الجودة لا تفصل عن الأصل في حكم الضمان وفي
هذا إبطال حق الراهن عن الجودة فكما يراعى حق
المرتهن في الجودة فكذلك يراعى حق الراهن ولا
يمكن أن يجعل مستوفيا دينه بما يساوي عشرة من
القلب وهو خمسة أسداسه لأن وزن ذلك ثمانية
وثلث واستيفاء العشرة بثمانية وثلث يكون ربا
فإذا تغير الاستيفاء قلنا يضمن خمسة أسداس
القلب من خلاف جنسه ويكون مرهونا بالدين ولكن
الأول أصح لما بينا أن زيادة الجودة لا تكون
أعلى من زيادة الوزن والمرتهن آمن في تلك
الزيادة فهلاكها في يده كهلاكها في يد الراهن.
وأما إذا انكسر القلب فعلى قول أبي حنيفة يضمن
جميع القلب من خلاف جنسه ومن أصله أن المعتبر
هو الوزن والصيغة تبع للوزن وليس للوزن هنا
فضل على الدين فكان كله مضمونا بالدين وثبوت
الحكم في التبع كثبوته في الأصل فمن ضرورة كون
الأصل كله مضمونا أن تكون الجودة كلها مضمونة
وحالة الانكسار ليست بحالة استيفاء الدين عنده
فيكون ضامنا جميع القيمة من خلاف جنسه كما في
المغصوب وروى بشر عن أبي يوسف رحمهما الله مثل
هذه فأما ظاهر المذهب عند أبي يوسف فهو أن
المرتهن يضمن قيمة خمسة أسداس القلب ويصير
مملوكا له بالضمان وإنما نهى عنه للتحرز عن
الشيوع في الرهنوقد بينا أن الشيوع الطارئ في
ظاهر الرواية كالشيوع المقارن وهذا لأن من أصل
أبي يوسف أن
ج / 21 ص -103- الضمان والأمان تبع في الوزن والجودة لأن الجودة والصنعة لها حكم
المالية مع الأصل ولهذا يعتبر من القلب في
القلب الموصى به.
ولو باع الوصي قلب اليتيم بمثل وزنه لا يجوز
ويجعل محاباته بالجودة والصنعة كمحاباته
بالوزن وكذلك في القلب المغصوب باعتبار فوات
الصنعة والجودة يصير الغاصب ضامنا وإذا تقرر
هذا قلنا خمسة أسداس القلب تصير مضمونة بجودته
وصنعته وسدسه أمانة فالتغير بالانكسار فيما هو
أمانة لا يعتبر فيما هو مضمون معتبر وحالة
الانكسار ليست بحالة الاستيفاء عنده فيضمن
قيمة خمسة أسداس من خلاف جنسه لهذه وأما عند
محمد أن انتقص بالانكسار من قيمته درهم أو
درهمان لجبر الراهن على الفكاك بقضاء جميع
الدين لأن من أصله أن الضمان في الوزن
والأمانة في الجودة والصنعة باعتبار أن الجودة
والصنعة تابعة للوزن وأن الأمانة في المرهون
كذلك فيجعل الأصل بمقابلة الأصل والتبع
بمقابلة التبع وهذه لأن الصنعة مال من وجه كما
قرره أبو يوسف أنها مال تبعا للأصل ولكن ليس
لها حكم المالية والتقوم منفردة عن الأصل كما
أن حكم الرهن فيما هو أمانة ثابت من وجه وهو
الحبس بالدين وليس بثابت في حكم الضمان فإذا
كانت الأمانة هنا في الصنعة والجودة قلنا إذا
لم تنقص بالانكسار أكثر من درهمين فالثابت ما
كان أمانة فيجبر الراهن على الفكاك وإن انتقص
أكثر من ذلك فقد فات شيء من المضمون وحالة
الانكسار عند محمد معتبرة بحالة الهلاك وفي
هذا الفصل عند الهلاك يصير مستوفيا دينه فكذلك
عند الانكسار يكون مضمونا بالدين ويتخير
الراهن كما بينا وسوى هذا فصلان آخر أن ينقسم
الواحد منهما على عشرة أوجه وقد بينا ذلك فيما
أنشأه من شرح الزيادات ولم يذكر محمد معناهما
في هذا الباب فهذا لم يذكره هنا.
ولو ارتهن إبريق فضة قيمته مائة درهم بعشرة
دراهم فانكسر عنده فهو ضامنه بعشر قيمته مصوغا
من الذهب كما قال في الكتاب والصحيح إنه يتخير
بين أن يضمنه بعشر من جنسه أو من خلاف جنسه
لأنه لا يؤدي إلى الربا فالقيمة مثل الوزن
وقيل يؤول ما ذكر أن قيمته بدون الصنعة دون
الوزن وهو إنما يملك بالضمان عشر المكسور
فيضمنه من خلاف جنسه كيلا يؤدي إلى الربا وإذا
ملك عشر الإبريق فالضمان بمعنى ذلك القدر
للتحرز عن البيع ويكون تسعة أعشاره مع الذهب
الذي عزله رهنا بالدين وهذا قول أبي حنيفة
وأبي يوسف رحمهما الله وقد ذكر في نسخ بن حفص
أنه قول أبي يوسف فأما عند محمد فالراهن يجعل
عشر المكسور للمرتهن بعينه ويرد تسعة أعشاره
لأنه يعتبر حالة الانكسار بحالة الهلاك ولو
هلك في هذه المسألة كان المرتهن مستوفيا دينه
بعشر الإبريق وهذا مثله.
ولو ارتهن قلب فضة فيه عشرة دراهم بدرهم فكسر
رجل القلب عنده ضمن قيمته من الذهب وكان رهنا
والقلب له لأن المرهون فات إلى بدل فيقوم
البدل مقام الأصل ويبقى باعتباره جميع الدين
فإن أبى الراهن والمرتهن أن يدفع إليه القلب
ورضيا أن يكون رهنا على
ج / 21 ص -104- حاله وهو مكسور فهو رهن ولا ضمان على ذلك الرجل لما بينا أن الفائت
بالكسر الصنعة وهي لا تتقوم منفردة عن الأصل
وكما لا يتقوم على الكاسر لوجود الرضا من
الراهن به حين الانكسار فكذلك لا يقوم على
المرتهن في الكتاب ذكرا بأيهما جميعا والمعتبر
إباء الراهن خاصة.
ولو ارتهن عشرة دراهم بيضا صرفا بعشرة سود
فهلكت فهي بالسود لأن الفصل في هذا الباب
بالرهن إذ في الوزن والجودة وفاء بحق المرتهن
وزيادة فيجعل عند الهلاك مستوفيا لدينه
والزيادة أمانة ولو ارتهن قلب فضة جيدة بيضاء
فيه عشرة دراهم بعشرة دراهم فضة سوداء فهلكت
فالمرتهن مستوف لجميع دينه بالهلاك ولو انكسر
ضمن المرتهن قيمته مصوغا من الراهن وكان رهنا
فالدين والقلب له عند أبي حنيفة وعند محمد
رحمهم الله يخير الرهن بين أن يفتك المكسور
بقضاء جميع الدين وبين أن يسلمه للمرتهن
بالدين وفي قول أبي يوسف للراهن أن يضمن
المرتهن من القلب ذهبا بقدر قيمة فضة المرتهن
السوداء ويكون ما بقي من القلب للراهن يقسم
ذلك فيجمع مع الذهب الذي ضمنه المرتهن فيكون
رهنا وهذه وما ذكرنا قبله في الوجه الثالث إذا
انكسر القلب في التخريج سواء.
ولو ارتهن قلب فضة فيه عشرة دراهم بدينار
فانكسر وقيمته والدينار سواء فإن المرتهن يقوم
قيمته من الذهب فيكون رهنا بالدينار والقلب له
لأنه في وزن القلب فضل على مالية الدين وحالة
الانكسار في قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما
الله حال ضمان القيمة فيكون ضامنا قيمته
عندهما ولو هلك هو بما فيه لأن الدينار مقوم
بالعشرة ففي ماليته وفاء بالدين عند الهلاك
فيصير مستوفيا دينه وعند محمد في حال الانكسار
أخص الراهن بالخيار إن شاء أخذ القلب مكسورا
وأعطاه الدينار وإن شاء جعل الفضة له بالدينار
اعتبارا بهذا الحال بحال الهلاك ولو ارتهن قلب
فضة فيه خمسون درهما بكر حنطة سلم أو قرض
وقيمته والدين سواء فإن هلك ذهب فيما فيه وإن
انكسر فهو على ما وصفت لك معناه إن عند أبي
يوسف يكون ضامنا جميع قيمته من خلاف جنسه وعند
محمد يخير بين أن يجعله للمرتهن بدينه وبين أن
يفتكه بقضاء جميع الدين.
ولو ارتهن خاتم فضة فيه من الفضة وزن درهم
وفيه فص يساوي تسعة دراهم بعشرة فهلك فهو بما
فيه لأن فيما بقي وفاء بالدين ولو ارتهن سيفا
محلى قيمة السيف خمسون درهما ونصله خمسون
بمائة درهم فهلكت فهو كالخاتم وإن انكسر الفص
والحلية بطل من الدين بحساب نقصان النصل لأن
النصل ليس بمال الربا فالنقصان في عينه يسقط
من الدين بقدره وأما الفضة فمن مال الربا
فالجواب فيه كالجواب في مسألة القلب عند
الانكسار وفي الخلاف بين أبي حنيفة وأبي يوسف
ومحمد رحمهم الله ولو ارتهن كر حنطة جيدة بكر
رديء فهلك فهو بما فيه وإن أصابه ما يفسده
فعلى المرتهن كر مثله لأن الفساد في الحنطة
كالانكسار في القلب إلا أن الحنطة مضمونة
بالمثل والقلب بالقيمة وعند محمد إن شاء
الراهن
ج / 21 ص -105- سلمه للمرتهن بالدين وإن شاء أخذه معيبا وأعطاه دينه اعتبارا لحالة
الفساد بحال الهلاك ولو كان الرهن كرا رديئا
والدين كرا جيد فهلك فهو بما فيه عند أبي يوسف
لأن في القدر وفاء بالدين والمعتبر القدر عنده
وعندهما جميعا وهو نظير ما سبق من رهن القلب
الرديء والعشرة السود بالعشرة البيض.
ولو رهن قلب فضة بعشرة دراهم وقال إن جئتك
بالعشرة إلى شهر وإلا فهو بيع لك بالعشرة
فالرهن جائز والشرط باطل لأن البيع لا يحتمل
التعليق بالشرط وقد بينا في تفسير قوله صلى
الله عليه وسلم
:"لا يغلق الرهن" إن المراد
هذا وإذا كان الحكم في سائر الأعيان المرهونة
هذا ففي القلب أولى لأن البيع يدخله معنى
الصرف هنا وإذا أعطى رجل رجلا قلب فضة فقال
ارهنه لي عند رجل بعشرة دراهم وفي القلب عشرون
فأمسكه الوكيل عنده وأعطاه عشرة دراهم وقال
رهنته لك كما أمرتني ولم يقل رهنته عند أحد
فهلك القلب عنده فإن تصادقا بالذي كان رجع
بالعشرة وكان مؤتمنا في القلب لأنه لم يخالف
فإن قبضه ففضل المقبوض في يده أمانة وهو كفيل
على حفظه إلى أن هلك فهلك أمانة ويرجع بدينه
ولا يكون هو بما صنع عاقدا عقد الرهن في القلب
مع نفسه فيكون رهنا لا راهنا فلهذا لا يصير
مستوفيا دينه بهلاك القلب وإن تجاحدا فقال
الآمر قد أقررت لي إنك رهنته فلا شيء لك على
فهو كما قال لأن القابض قد أقر بالرهن ومن
حكمه بإقراره أنه لا يجب على صاحب القلب شيء
من العشرة بعد هلاك القلب والمقر بواحد بحكم
إقراره ولكن يحلف صاحب القلب بالله ما يعلمه
أمسكه لأنه لو صدق في ذلك لرهنه إذا بعشرة
فيحلف عند التكذيب لرجاء نكوله ولكنه يحلف على
فعل الغير فيكون على الفعل.
فإن قيل: الاستحلاف يترتب على
دعوى صحيحة ولم تصح الدعوى من المقر للتناقض
فكيف يحلف الخصم؟.
قلنا: موضوع المسألة أنه قال
رهنته ولم يقل رهنته عند أحد فكان توفيقه بين
الكلامين صحيحا إني رهنته عند نفسي ظنا منه أن
ذلك صحيح وإذا تقدم التناقض بهذا التوقيف
توجهت اليمين على الخصم وإن قال الآخر قد
أقررت أنك رهنته ثم زعمت إنك لم تفعل فأنت
ضامن للقلب فله أن يضمنه قيمة القلب مصوغا من
الذهب ويرجع بالعشرة قال عيسى هذا غلط ولا
معنى لإيجاب ضمان القيمة على الوكيل لأنه إن
كان رهنه فليس عليه ضمان القيمة أيضا وليس هنا
حالة ثالثة فبأي طريق يكون الوكيل ضامنا
للقيمة وهذا نظير الظن الذي ذكرناه في كتاب
الوديعة إذا ادعى المودع الهلاك ثم ادعى الرد.
ووجه ظاهر الرواية: أنه من
حيث الظاهر قد تناقض كلامه ومع التناقض لا
يقبل قوله فكأنه ساكت حابس للقلب فيضمن قيمته
توضيحه: إنه لما قال رهنته
أوجب هذا الكلام إنه لم يبق لك عندي شيء فيجعل
جاحدا الأمانة بهذا الطريق ومن نكل أمانة في
يده ضمنها فلهذا كان له أن يضمن الوكيل قيمته
ج / 21 ص -106- ولو ارتهن طوق ذهب فيه مائة وخمسون مثقالا بألف درهم فحال الحول
والألف عند الراهن يتجر فيها فلا زكاة فيها
على الراهن في رهنه ولا زكاة على المرتهن في
الدين الذي له عنده فإذا قبض المال ورد الرهن
فعلى المرتهن زكاة الألف لما مضى لوصول يده
إليها وقد ذكرنا في كتاب الزكاة أن الزكاة تجب
في الدين ولكن لا يجب الأداء إلا بعد القبض
وعلى الراهن زكاة الطوق لما مضى لأن وجوب
الزكاة في الذهب باعتبار العين إلا أن العين
كانت محبوسة عند الحق المرتهن فإذا وصلت يده
إليه أدى الزكاة لما مضى وليس عليه في الألف
زكاة لأنه كان عليه مثلها دينا والمستغرق
بالدين لا يكون نصاب الزكاة.
وإذا ارتهن كرى حنطة رديئة بكر حنطة جيدة
وقيمتهما سواء فهلكا عنده فهو بما فيه لأن في
مالية الرهن وفاء بالدين وإن أصابه ففسد فإنه
يضمن كرا مثل أحدهما ويكون له نصف الكرين
جميعا ويرجع على الراهن بدينه في قياس قول أبي
حنيفة لأن حالة الفساد ليست بحال استيفاء
الدين والمضمون منه المقبوض عند تعذر الدين
كيلا فعند الفساد يضمن مثل ذلك القدر ويمكث
الفاسد بالضمان مثل ما ضمن ولم يذكر قولهما في
هذا الفصل وينبني على قولهما في حالة الهلاك
والفساد أن يكون ضامنا مثل أحد الكرين لأنه لا
يمكن أن يجعل مستوفيا دينه بالكرين لمعنى
الربا ولا يمكن أن يجعل مستوفيا دينه بأحد
الكرين لما فيه من أبطال حق المرتهن في
الجودة.
وإن ارتهن شيئا مما يوزن بشيئين مما يكال أو
شيئا مما يكال بشيئين مما يوزن وفيه وفاء فهلك
فهو بما فيه لأن معنى الربا لا يتحقق مع
اختلاف الجنس وفي مالية الرهن وفاء بالدين وإن
أصابه شيء أفسده ضمن المرتهن مثله وكان ذلك له
ويرجع بدينه لقول أبي يوسف وقول أبي حنيفة
رحمهما الله وفي قول محمد يتخير الراهن بين أن
يجعله للمرتهن بدينه وبين أن يسترده بقضاء
الدين ولو ارتهن بعشرة دراهم فلوسا تساويها
فهلكت فهي بما فيها وإن انكسرت دفعت فيه دينه
بحساب ذلك لأن الفلوس الرائجة لا تكون موزونة
فإنما رهنها وهي ليست بمال الربا فبالنقصان في
عينها سقط من الدين بحساب ذلك وذلك أن تقوم
مكسورة وغير مكسورة ثم هذا عند أبي حنيفة وأبي
يوسف رحمهما الله ظاهر لأن بيع فلس بعينه
بفلسين بأعيانهما جائز عندهما وإنما الإشكال
على قول محمد فإنه لا يجوز ذلك إلا باعتبار أن
الفلوس مال الربا على الإطلاق ولكن باعتبار
أنها لا تتعين عنده ولا يقابل أحد الفلسين
شيئا من العوض وذلك مبطل للعقد في أموال الربا
وغيرها ولو لم تنكسر ولكنها كسرت فهي رهن على
حالها فإن هلكت ذهبت بالعشرة لأن كسادها
بمنزلة تغير السعر وقد بينا أن تغير السعر في
المرهون غير معتبر في سقوط الدين وضمان الرهن
بالقبض كضمان الغصب ولو رد الفلوس المغصوبة
بعينها بعد ما كسدت لم يلزمه شيء آخر وجعل
الكساد بمنزلة تغير السعر هناك فكذلك في
الرهن.
ولو ارتهن طستا أو تورا أو كوزا بدرهم أو أكثر
من ذلك وفي الرهن وفاء وفضل فإن
ج / 21 ص -107- هلك فهو بما فيه وإن انكسر فما كان فيه لا يوزن ذهب من الدين بحساب
النقصان وما كان منه يوزن فإن شاء الراهن أخذه
وأعطاه الدين وإن شاء ضمن قيمته مصوغا من
الذهب وكان ذلك للمرتهن وأخذ الراهن القيمة
وأعطاه دينه في قول أبي يوسف قال الحاكم ورأيت
في رواية أبي حفص وهو قول أبي حنيفة مكان قول
أبي يوسف رحمهما الله وهذا صحيح على أصل أبي
حنيفة أما عند أبي يوسف فإنما يستقيم هذا
الجواب على رواية سوى ما على ظاهر الرواية عند
أبي يوسف ينبغي أن يضمن من قيمته بقدر الدرهم
منه وكذلك نصل السيف والشيء من الحديد والصفر
يكون مصوغا لا يباع وزنا بوزن كما يتبادر وما
كان من ذلك يباع وزنا لم يذهب من الدين
باعتباره شيء ولكن إن كان هو والدين سواء ضمن
المرتهن قيمته مصوغا وكان رهنا مكانه وكان ذلك
الشيء للمرتهن والدين على حاله في قول أبي
يوسف وهنا ذكر قول أبي يوسف في الروايتين
جميعا وهو صحيح لما ذكرنا من الزيادة فيه إن
كان هو والدين سواء ولا إشكال فيه عند أبي
حنيفة.
وإذا ارتهن عند رجل قلب فضة فيه عشرة دراهم
على أن يقرضه درهما فهلك الرهن عند المرتهن
قبل أن يقرضه فعليه درهم يعطيه إياه لما بينا
إن الموعود منه الدين كالمستحق في أنه يصير
مستوفيا بهلاك الرهن وكذلك على أن يقرضه شيئا
ولم يسمه فهلك فقد صار مستوفيا ذلك الشيء
وبيانه إليه فيقال للمرتهن أعطه ما يثبت
بمنزلة ما لو أقر له بشيء وكذلك إن قال أمسكه
رهنا بنفقة يعطيها إياه وإن قال أمسكه رهنا
بدراهم فلا بد من أن يعطيه ثلاثة دراهم لأن
أدنى الجمع المتفق عليه ثلاثة وهو وما لو أقر
له بدراهم سواء ولو قال آخذه رهنا بمحتوم حنطة
أو محتوم شعير فهلك عنده كان على المرتهن
محتوم شعير لأن الأول متيقن به فعند الهلاك
يجعل مستوفيا للأول ولذلك لو قال خذه رهنا
بدين أراد بدرهم.
ولو رهن عند رجل خاتم فضة فيه درهم بنصف درهم
فلوس فأعطاه شعيرا بفلس فغلت الفلوس فصارت
ثلثين بدرهم ثم هلك الخاتم فهو بما فيه لأن
هذا نظير الشعير وهو غير معتبر في حكم الرهن
وعند الهلاك إنما يصير مستوفيا باعتبار قيمة
الرهن وقت القبض وفي قيمته وقت القبض وفاء
بالدين فيصير مستوفيا جميع الدين بهلاكه وكذلك
لو كسدت ولم يبق أو رخصت فصارت تسعين بدانق لم
يكن عليه إلا تسعون فلسا وإن هلك الخاتم ذهب
بما فيه وإن انكسر فإن شاء المرتهن أبطل حقه
ودفع به الخاتم مكسورا وإن طلب حقه ضمن نصف
قيمة الخاتم مصوغا من الذهب وأخذ نصف الفضة
وكان الذهب ونصف الفضة الباقي رهنا بتسعين
فلسا لأن نصف الخاتم أمانة ونصفه مضمون فإن
الفضة وزن درهم وإنما رهنه بنصف درهم فلوس
فعرفنا إن نصف الخاتم مضمون ونصفه أمانة فعند
الانكسار يضمن المرتهن قيمة المضمون من الخاتم
من الذهب في قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما
الله وفي قول محمد الراهن بالخيار إن شاء أخذه
فاسدا وأدى الدين وإن شاء جعل المضمون منه
للمرتهن بدينه وأخذ الباقي منه ويبطل قدر
الدين اعتبارا لحال الهلاك بحال الانكسار
ج / 21 ص -108- وذكر الحاكم في المختصر في بيان قول أبي يوسف وإن انكسر فإن شاء
الراهن أبطل الرهن وأخذ الخاتم مكسورا وهذا إن
صح فمراده أنه يؤخذ مكسورا بقضاء جميع الدين
ولا يسقط باعتبار النقصان شيء من الدين بخلاف
ما تقدم في الطست والتور لأن مصوغ ذلك ليس من
مال الربا فإنه لا يوزن فأما المصوغ من الفضة
فمال الربا سواء كان ذلك مما يوزن عادة أو لا
يوزن فلا يسقط شيء من الدين باعتبار النقصان
المتمكن بالكسر ولكن يلزمه قضاء جميع الدين
إذا أراد أخذه والله أعلم.
باب
الشهادة في الرهن
قال رحمه
الله:وإذا ادعى المرتهن الرهن وقد قبضه وأنكره الراهن فأقام شاهدين فشهد
أحدهما أنه رهنه بمائة والآخر إنه رهنه
بمائتين فشهادتهما باطلة عند أبي حنيفة
لاختلاف الشاهدين في المشهود به من المال لفظا
ومعنى فالمائة غير المائتين وبدون ثبوت الدين
لا يثبت الرهن وعندهما يثبت المائة إذا كان
المدعي يدعي المائتين فتقبل شهادتهما ويقضي
بالرهن بالمائة فإن شهد أحدهما بمائة والآخر
بمائة وخمسين والمرتهن يدعي مائة وخمسين
فالرهن بمائة درهم لاتفاق الشاهدين على المائة
لفظا ومعنى والخمسون عطف على المائة في شهادة
أحدهما ولو ادعى المرتهن مائة بطلت شهادتهما
لا كذاب المدعي أحد الشاهدين وهذا بخلاف البيع
فالثمن هناك يجب بالعقد والعقد بمائة غير
العقد بمائة وخمسين فلا يمكن القاضي من القضاء
بواحد من العقدين وبدون السبب لا يجب المال
وهنا الدين كان واجبا قبل عقد الرهن إلا أن
يكون وجوبه بالرهن فاختلاف الشاهدين في مقداره
لا يمنع القاضي من القضاء بما اتفق عليه لفظا
ومعنى عند أبي حنيفة أو معنى عندهما.
ولو شهد أحدهما بدنانير والآخر بدراهم كانت
شهادتهما باطلة لاختلافهما في جنس المشهود به
من الدين فلا بد من أن يدعي أحد المالين فيكون
مكذبا شاهده الآخر ولو ادعى الراهن أنه رهنه
بمائة وخمسين وهي قيمته وشهد له بذلك شاهد
وشهد آخر على مائة وقال المرتهن لي عليه خمسون
ومائة وهذا رهن بمائة منها فالقول قول المرتهن
لأن المنازعة بينهما في مقدار ما ثبت من يد
الاستيفاء للمرتهن بقبض الرهن فيكون ذلك
بمنزلة اختلافهما فيما استوفى من الدين
فالراهن يدعي زيادة في ذلك والمرتهن ينكر
فالقول قول المرتهن ولأنه لو أنكر رهن العين
بشيء من الدين كان القول قوله لأن الرهن لا
يتعلق به اللزوم في حق المرتهن فكذلك إذا أنكر
الرهن ببعض المال فإن أقام كل واحد منهما بينة
على ما ادعى فالبينة بينة الراهن لحاجته إليها
وإثباته الزيادة فيما ثبتت فيه يد الاستيفاء.
وإذا اختلف الراهن والمرتهن في قيمة الرهن بعد
هلاكه فالقول قول المرتهن لأن بهلاك الرهن
يصير المرتهن مستوفيا بقدر قيمته فحاصل
اختلافهما في مقدار ما صار مستوفيا فالراهن
يدعي الزيادة والمرتهن ينكر فالقول قول
المرتهن مع يمينه والبينة بينة الراهن لإثباته
الزيادة بها وكذلك لو كانا ثوبين فهلك أحدهما
ثم اختلفا في قيمة الهلاك فحاصل الخلاف
ج / 21 ص -109- بينهما فيما صار المرتهن مستوفيا بهلاك الثوب الذي هلك عنده وإذا
رهن عبدا بألف درهم ثمن متاع باعه إياه فيقبض
المتاع إلى أن يدفع إليه الرهن وجحد الراهن
فأقام المرتهن بينة أنه باعه على أن يرهنه ذلك
العبد فأبى الآخر من دفع العبد لأن الثابت
بالبينة كالثابت بالمعاينة ولو عاينا البيع
بشرط الرهن لم يجبر الراهن على التسليم لأن
الرهن لا يتم إلا بالقبض ولا يكون مرهونا غير
مقبوض ولكن البائع بالخيار إن شاء أخذ متاعه
إلا أن يعطيه الآخر العبد رهنا أو يعطيه مكانه
رهنا آخر برضاه لأنه تغير عليه شرط عقده حين
لم يعطه ذلك العبد رهنا فثبت له الخيار بين
فسخ العقد وإمضائه إلا أن يعطيه ذلك العبد
رهنا فحينئذ قد وفى له بالشروط وإن أراد أن
يعطيه مكانه رهنا آخر يحتاج إلى رضاه به لأنه
إنما رضي بالأول دون الثاني فالثاني لا يقوم
مقام الأول إلا برضاهما.
ولو لم يجحد الراهن ولكن هلك الرهن في يده أو
استحق أو باعه أو أصابه عيب ينقصه فلبائع
المتاع أن يأخذ رهنا آخر أو دراهم أو دنانير
قيمة ذلك فله ذلك أو يأخذ متاعه لأن قيمة
الشيء عند تعذر تسليم عينه يقوم مقام العين
فكان منع الراهن القيمة بعد هلاك العين كمنع
العين في حال قيامه فلأجله تخير البائع وإن
كان الراهن قد استهلك المبيع أخذ البائع ثمنه
حالا أو يعطيه قيمة الرهن دراهم أو دنانير
مكانه رهنا لأنه تعذر استرداد المبيع حين
استهلكه المشتري والثمن حال فيطالبه بالثمن
حالا أو يعطيه قيمة الرهن لأن القيمة خلف عن
العين عند تعذر تسليم العين والحاصل أن الراهن
إذا أراد أن يعطيه عينا آخر يحتاج فيه إلى رضا
البائع وهو نظير المغصوب بعد ما هلك إذا أراد
الغاصب أن يعطيه عينا أخرى يحتاج إلى رضا
البائع لأن العين الثانية لا تقوم مقام الأولى
إلا بتراضيهما وإذا أراد أن يعطيه القيمة
فالقيمة قائمة مقام العين فلا حاجة فيه إلى
رضا البائع وهو نظير المغصوب بعد ما هلك إذا
أراد الغاصب أن يعطيه عينا أخرى يحتاج إلى رضا
المغصوب منه وإذا أعطاه قيمة المغصوب فليس له
أن يأبى ذلك ويطلبه بشيء آخر.
وإذا ادعى العين الواحدة رجلان كل واحد منهما
يقول لذي اليد قد بعتني بألف درهم وقبضت منك
ويقيم البينة ففي القياس لا يقضي لواحد منهما
بشيء لأنه لو قضى بالبينتين إنما يقضي لكل
واحد منهما بالرهن بنصف وذلك ينعقد لمكان
الشيوع ولم يذكر الاستحسان هنا إنما ذكره بعد
هذا على ما بينه وإن أقام أحدهما البينة إنه
الأول أو ثبتت بينة كل واحد منهما فهو رهن لا
ولهما وقتا لأنه أثبت حقه بعقد تام في وقت لا
ينازعه فيه صاحبه وبثبوت حقه في ذلك الوقت
يمنع ثبوت حق الثاني بعده ما لم يسقط حق الأول
بانفكاك وإن كان في يد أحدهما فهو أولى به لأن
تمكنه من القبض دليل سبق عقده ولأن الآخر
يحتاج إلى إثبات استحقاق اليد عليه وليس في
بينته ما يوجب ذلك لجواز أن يكون عقد ذي اليد
سابقا وذو اليد لا يحتاج إلى إثبات استحقاق
اليد على صاحبه لأن ذلك ثابت له بظاهر يده
فكان ذو اليد أولى إلا أن يقيم الآخر بينة أنه
الأول فحينئذ شهوده صرحوا بسبق تاريخ عقده
وبما يوجب
ج / 21 ص -110- استحقاق اليد له على يد ذي اليد والتاريخ المنصوص عليه يترجح على
التاريخ المدلول عليه فإن كانت يدهما جميعا
فإن علم الأول منهما فهو له وإن لم تعلم
الأولى لم يكن رهنا لواحد منهما في القياس وبه
يأخذ وفي الاستحسان لكل واحد منهما نصفه رهنا
بنصف حقه لأن التعارض لما وقع بين البينتين
والعمل بهما ممكن وجب العمل بهما بحسب
الإمكان.
ألا ترى أن في البيع عند التعارض يعمل
بالبيعين جميعا بحسب الإمكان ويجعل كأنه باع
منهما جميعا فكذلك في الرهن يجعل كأنه رهن
منهما جميعا ورهن العين من رجلين صحيح على أن
يكون مضمونا بدين كل واحد منهما ووجه القياس
إن عند التعارض والتساوي إنما يقضي لكل واحد
منهما بالنصف كما في البيع وذلك غير ممكن هنا
لأجل الشيوع وقد بينا أن العين في حكم الرهن
بمنزلة المرأة في حكم النكاح لا يحتمل التجزي
وعند استواء البينتين في دعوى النكاح على
امرأة واحدة لا يقضي بشيء فهذا مثله وإنما
أخذنا بالقياس هنا لأن وجه الاستحسان أضعف
ووجه القياس أقوى فإن هذا ليس في معنى الرهن
من رجلين لأن هناك كل واحد منهما ثبت حقه في
جميع الرهن حتى إذا قبض جميع دين أحدهما لا
يسترد شيئا من الرهن ما لم يقبض دين الآخر
لوجود الرضا من كل واحد منهما بثبوت حق صاحبه
في الحبس معه وهنا لا يمكن القضاء بذلك لأن كل
واحد منهما غير راهن بحق صاحبه ولأن هناك
العقد في جانب الراهن واحد وهنا كل واحد منهما
يثبت ببينته عقدا آخر والرهن من رجلين بعقدين
مختلفين أو بينتين متفرقتين لا يجوز كما لو
قال رهنت هذه العين منكما بألف نصفه منك
بخمسمائة ونصفه منك بخمسمائة فقد ذكر
الاستحسان فيما إذا كان الرهن في أيديهما ولم
يذكر فيما إذا كانت العين في يد الراهن والأصح
إن القياس والاستحسان منهما وقد تكلف بعض
مشايخنا رحمهم الله فقالوا هناك لا يقضي قياسا
واستحسانا لأنه لو قضى لم يتمكن كل واحد منهما
إلا من قبض النصف وقبض النصف بحكم الرهن مشاعا
لا يجوز وهنا العين في أيديهما فيمكن أن يجعل
ذلك بمنزلة رهن العين من رجلين.
ولو مات الراهن وعليه دين والرهن في أيديهما
وكل واحد منهما يقيم البينة أنه ارتهنه كان
لكل واحد منهما نصفه ونصف حقه يباع له فإن فضل
عن نصيب كل واحد منهما شيء كان الفضل بين
الغرماء بالتخصيص وإن بقي من دين كل واحد
منهما شيء ضرب كل واحد منهما بالدين فيما بقي
له من الغرماء في التركة وهذا قول أبي حنيفة
ومحمد رحمهما الله استحسانا وقال أبو يوسف
الرهن باطل وهو بين الغرماء بالتخصيص فأبو
يوسف أخذ بالقياس وسوى بين ما بعد وفاة الراهن
وحال حياته باعتبار المعنى الذي قلنا إن
القاضي لا يتمكن من القضاء لكل واحد منهما
بالرهن إلا في النصف والشيوع لما كان يمنع صحة
الرهن في حياة الراهن فكذلك بعد وفاته وهما
فرقا لمعنيين أحدهما إن المقصود بعد موت
الراهن إثبات الاختصاص دون الجنس وكل واحد
منهما أثبت لنفسه حق الاختصاص بالعين حتى يباع
له في دينه وهذا مما يحتمل الشركة في العين
وهو نظير ما لو ادعى رجلان نكاح امرأة
ج / 21 ص -111- بعد موتها وأقام كل واحد منهما البينة فيقضي لكل واحد منهما بنصف
ميراث الزوج بخلاف حال الحياة.
وكذلك لو ادعى أختان نكاح رجل بعد موته
وأقامتا البينة يقضي لكل واحدة منهما بالميراث
وبنصف ميراث بخلاف حال الحياة ولأن الشيوع
يمنع استحقاق دوام اليد واليد في حال حياة
الراهن مستدامة للمرتهن فتمكن الشيوع يمنع
القاضي من القضاء به فأما بعد موته فلا يستدام
حبس الرهن ولكنه يباع في الدين والشيوع لا
يمنع من ذلك فيقضي لكل واحد منهما ببيع النصف
في دينه ولو كان الرهن في يد أحدهما وأقام كل
واحد منهما البينة إنه ارتهنه من رجل آخر فهو
للذي في يديه لأن الخارج يحتاج إلى إثبات
الملك لراهنه أولا وذو اليد قد أثبت إنه مرتهن
فلا يكون خصما في إثبات الملك عليه للراهن
الخارج وهو لو حضر بنفسه لا يقبل دينه وما لم
يثبت الملك له لا يثبت الرهن من جهته ولأنه
يحتاج إلى إثبات الدين أولا على راهنه حتى
يثبت حقه فيستحق العين على ذي اليد بحكم الرهن
وذو اليد ليس بخصم عن رهن الخارج في إثبات
الدين عليه.
وكذلك إن كان وقت المرتهن الخارج أولا لهذين
العينين إنه ما لم يثبت ملك راهنه ودينه على
الراهن لما ثبت حقه وإن شهد شهوده بسبق
التاريخ فإذا لم يستحقوا بقيت العين في يد ذي
اليد فيكون القول قوله في بيان حقه وهو لذي
يده وفي البيع بهذه الصورة بينة الخارج أولى
لأن كل واحد من المشتريين خصم عن بائعه في
إثبات الملك له فكان البائعين حضرا أو أقاما
البينة على الملك وأحدهما خارج والآخر ذو اليد
وفي هذا بينة الخارج أولى وكذلك لو أقام كل
واحد منهما البينة إنه متاع فلان الآخر وإنه
ارتهنه منه بكذا وقبضه فهو أيضا رهن للذي في
يديه ولا يقبل من الآخر بينة إذا كان صاحبه
غائبا لأن القضاء يكون على غائب ليس عنه خصم
حاضر وقيل معنى هذه قضي على راهن ذي اليد
بالملك وهو غائب والمرتهن لا يكون خصما عنه في
القضاء بالملك عليه وكل واحد من المعنيين صحيح
يقول فإن كان صاحبه شاهدا يعني راهن الخارج
وصاحب الآخر غائبا لم أقض بينهما حتى يحضر
راهن هذا لأن ذا اليد أثبت ببينته أنه مرتهن
فلا يكون خصما لراهن الخارج في إثبات الملك
عليه ما لم يحضر راهن ذي اليد فإذا حضر قضيت
به للمدعي الذي ليس في يديه وجعلته رهنا له
ولا أنظر في هذا إلى الأول والآخر لأن بعد
حضورهما الدعوى دعوى الملك وبينة الخارج عنه
تترجح على بينة ذي اليد وبالتاريخ في الرهن لا
يثبت التاريخ بينهما في الملك فلهذا كانت بينة
الخارج أولى.
وإذا كان عبد في يد رجل فادعى آخر أنه عبده
رهنه من فلان بألف درهم وقبضه فلان منه وفلان
غائب والذي في يديه يقول هو عبدي فإنه يقضي به
للمدعي لأنه أثبت الملك لنفسه على من يدعي إن
العين ملكه وهو خصم في إثبات الملك لنفسه وإن
زعم إنه مرهون عند غيره لأن الراهن ينتفع
بإثبات الملك لنفسه في العين حتى يصير قاضيا
دينه بهلاك الرهن
ج / 21 ص -112- عند ظهور عقد الرهن ولكن لا تسلم العين إليه لأنه مقر بأن اليد
مستحقة عليه في هذه العين لغائب بحكم الرهن
وإقراره حجة عليه فينبغي للقاضي أن ينظر
للغائب وذلك بأن يضعه على يدي عدل حتى يحضر
الغائب قبضه بالدين أو يكذبه كما يفعل ذلك في
سائر أمواله التي ليس لها حافظ يتعين.
ولو غاب الراهن وقال المرتهن هو رهن في يدي من
قبل فلان بكذا وإن هذا غصبه مني أو استعاره أو
استأجره وأقام على ذلك بينة فإني أدفعه إليه
لأن المرتهن لا يكون دون المودع والمودع خصم
للغائب منه في إقامة البينة للاسترداد
فالمرتهن بذلك أولى لأن بينته أثبتت استحقاق
اليد له في هذه العين.
فإن قيل: كيف يقضي له بحقه
وهو محتاج لإثبات الدين على راهنه أولا وذو
اليد ليس بخصم عن راهنه في ذلك؟.
قلنا: لا يقضي له بالرهن
وإنما يقضي بأن وصوله إلى يد ذي اليد كان من
يده بجهة الغصب أو الإجارة أو الإعارة كما لو
شهد به شهوده وذو اليد خصم له في ذلك.
ألا ترى أن شهود المدعي لو شهدوا أن ذا اليد
أخذ منه هذا المال لأمر بالرد عليه وإن لم
يشهدوا بالملك للمدعي فكذلك هنا.
وإذا اختلف الراهن والمرتهن في عين الراهن
وأقاما البينة فالبينة بينة المرتهن لأنه هو
المدعي المحتاج إلى إثبات حقه بالبينة في
العين التي ادعاها والراهن منكر لذلك ثم
الإلزام في بينته دون بينة الراهن لأن الرهن
لا يتعلق به اللزوم في جانب المرتهن وهو متمكن
من الرد متى شاء فالعين التي أثبت الراهن بينة
الرهن منها قد انتفى ذلك بجحود المرتهن فإن
جحوده أقوى من رده وتبقى دعوى المرتهن حقه في
العين الأخرى وقد أثبته بالبينة وهو لازم في
جانب الراهن وإن كان الشيئان اللذان اختلفا
فيهما قد هلكا في يد المرتهن فالبينة بينة
الراهن لأن المرتهن صار مستوفيا دينه بهلاك
الرهن فالراهن هو المدعي للزيادة فيما أوفى
وقد أثبته بالبينة.
ولو قال المرتهن: ارتهنتهما
جميعا وقال الراهن بل رهنتني هذا وحده وأقاما
البينة فالبينة بينة المرتهن لأنها أثبتت
الزيادة في حقه وإذا قال المرتهن رهنتني هذا
العبد بألف درهم وقبضته منك ولي عليك سوى ذلك
مائتا دينار لم تعطني بها رهنا وقال الراهن
غصبتني هذا العبد ولك على ألف درهم بغير رهن
وقد رهنتك بالمائتي الدينار أمة يقال لها
فلانة وقبضتها مني وقال المرتهن لم أرتهن منك
فلانة أمتك والعبد والأمة بقيا في يدي المرتهن
فإنه يحلف الراهن على دعوى المرتهن لأن عقد
الرهن معلق به اللزوم في جانب الراهن فالمرتهن
يدعي عليه حقا لنفسه لو أقر به يلزمه فإذا
أنكر يستحلف فإن حلف يبطل الرهن في العبد وإن
نكل عن اليمين كان العبد رهنا بألف وأما
المرتهن فلا يحلف في الأمة بشيء ولكنها ترد
على الراهن لأن عقد الرهن لا يكون لازما في
جانب المرتهن فجحوده
ج / 21 ص -113- الرهن في الأمة بمنزلة رده إياها وله أن يردها على الراهن وإن كانت
مرهونة عنده فالاستحسان لا يكون مفيدا فيها
وإن قامت البينة لهما أثبتت بينة المرتهن
لأنها ملزمة للراهن وبينة الراهن لا تلزم
المرتهن شيئا في الأمة فلا معنى للقضاء بها
إلا أن تكون الأمة قد ماتت في يدي المرتهن
فحينئذ يقضي ببينة الراهن أيضا لأنه أثبت أن
المرتهن صار مستوفيا المائتي الدينار بهلاك
الأمة في يده وذلك يلزمه في حق المرتهن.
وإذا أقام الراهن البينة أنه رهن هذا الرجل
عبدا يساوي ألفين بألف وقبضه منه وأنكر
المرتهن ذلك ولا يدري ما فعل العبد فالمرتهن
ضامن لقيمة العبد كلها لأن الراهن أثبت ببينته
إنه يسلم العبد إليه بحكم الرهن والمرتهن منكر
لذلك وبحكم الرهن يقدر الدين من العين مضمونا
عليه وما زاد على ذلك أمانة في يده والأمين
يضمن الأمانة بالجحود فإذا جحد المرتهن ذلك
فهو ضامن لقيمتها كلها لأن ما لا يتوصل إلى
عينه يجعل في حكم الهالك ولو أقر المرتهن ولم
يجحد وادعى أن العبد مات عنده لم يضمن شيئا
وذهب العبد بما فيه لإقرار الراهن أنه كان
مرهونا عنده والرهن إذا هلك فهو بما فيه
والمرتهن أمين في الزيادة وهو مقبول القول
فيما يخبر به من موته في يده وإذا أقام الراهن
البينة على المرتهن إنه رهنه رهنا وقبضه ولم
يسمه الشهود ولم يعاينوه فإنه يسأل المرتهن عن
الرهن والقول فيما يسمى من ذلك قوله مع يمينه
لأن الثابت بالبينة في حقه كالثابت بإقراره.
ولو أقر أنه ارتهن منه رهنا ثم قال هو هذا
الثوب كان القول قوله في ذلك مع يمينه أن ادعى
الراهن زيادة فكذلك إذا أثبت ذلك بالبينة ولو
شهد شهود الراهن إنه رهن عند هذا المرتهن ثوبا
هرويا بمائة وهو يساوي خمسين وجحده المرتهن
ولا يدري ما فعل بالثوب فهو ضامن لقيمته يحسب
له ذلك من دينه لأن ما لا يتوصل إلى عينه فهو
هالك وإن لم يجحده ولكن جاء بثوب يساوي عشرين
درهما فقال هو هذا لم يصدق لأنه ثبت بالبينة
إن المرهون ثوب يساوي خمسين والذي أحضره ليس
بتلك الصفة فالظاهر يكذبه فيما قال فلا يقبل
بيانه إذا جحد الراهن ذلك بخلاف الأول وإذا لم
يقبل بيانه بقي المرهون هالكا في يده لأنه لا
يتوصل إلى عينه فيطرح منه خمسون درهما وإذا
كان الراهن اثنين فادعى المرتهن عليهما رهنا
وأقام البينة على أحدهما إنه رهنه وقبضه
والمتاع لهما جميعا وهما يجحدان الرهن فإنه
يستحلف الذي لم يقم عليه البينة ما رهنه لأنه
لو لم يقم البينة على واحد منهما توجهت اليمين
عليهما فكذلك إذا لم يقم البينة على أحدهما
وهذا لأنه يدعي عليه ما لو أقر به لزمه فإذا
أنكر استحلف عليه فإن نكل ثبت الرهن عليهما
على أحدهما بالبينة وعلى الآخر بالنكول القائم
مقام إقراره فإن حلف رد الرهن عليهما لأن في
نصيب الذي حلف انتفى الرهن من الأصل فلا يمكن
القضاء في نصيب الآخر لأن نصيبه نصف شائع من
العين .
ولو كان الراهن واحدا والمرتهن اثنين فقال
أحدهما ارتهنت أنا وصاحبي هذا الثوب منك بمائة
وأقام له البينة وأنكر المرتهن الآخر وقال لم
نرتهنه وقد قبضا الثوب فجحد
ج / 21 ص -114- الراهن الرهن فإن الرهن يرد على الراهن في قول أبي يوسف وقال محمد
أقضي به رهنا وأجعله في يد المرتهن الذي أقام
البينة أو على يدي عدل فإذا قضى الراهن
المرتهن الذي أقام البينة ماله أخذ الرهن فإن
هلك الرهن ذهب نصيب الذي أقام البينة من المال
فأما نصيب الآخر في الرهن فلا يثبت بالاتفاق
لأنه أكذب شهوده بجحوده ثم قال أبو يوسف لما
انتفى الرهن في نصيب الجاحد انتفى في نصيب
المدعي أيضا لأجل الشيوع كما في الفصل الأول
وهذا لأنه لا يمكن القضاء بجميعه رهنا للذي
أقام البينة بدليل أنه لا يترك في يده وحده
وإن بهلاكه لا يسقط جميع دينه ولا يمكن القضاء
له بالرهن في نصفه لأجل الشيوع ومحمد يقول هو
قد أثبت ببينته الرهن في جميع العين وهو خصم
في ذلك لأنه لا يتوصل إلى إثبات حقه في نصيبه
إلا بإثبات الرهن على الراهن وعلى المرتهن
الآخر فعرفنا إنه خصم في ذلك كله فيقضي بالرهن
في جميع حق الآخر وبجحوده صار رادا للرهن في
نصيبه وهو متمكن من ذلك ولكن لا يتمكن من
إبطال حق الآخر في نصيبه فلا يجوز إعادة شيء
منه إلى الراهن لأن فيه إبطال حق المرتهن
المدعي ولا يمكن إلزام الجاحد إمساكه مع رده
بجحوده ويتعذر جعل الفضل في يد المرتهن المدعي
لإقراره بأن الراهن لم يرض بذلك فيجعل على يده
وعلى يد عدل حتى يستوفي هو دينه فإذا سقط حقه
ردت العين على الراهن وإن هلك الرهن ذهب نصيبه
من المال بخلاف الأول فهناك الشهود ما شهدوا
بالرهن إلا على أحد المالين فلا يمكن القضاء
بالرهن على المالين بحكم تلك البينة فلهذا إذا
حلف المنكر رد الرهن عليهما وإذا أقام رجل
البينة أنه استودع ذا اليد هذا الثوب وأقام ذو
اليد البينة أنه ارتهنه منهما فإنه يؤخذ ببينة
المرتهن لإثباته حقا لازما لنفسه ببينة أو
يجعل كان الأمرين كانا ويجوز أن يكون الثوب
أولا وديعة عنده ثم يرهنه منه.
ولو كان الراهن أقام بينة أنه باعه إياه وأقام
المرتهن البينة على الراهن جعلته بيعا لأن
البيع يرد على الرهن والرهن لا يرد على البيع
ولأن البيع يوجب الملك في البدلية والرهن لا
يوجب ذلك فكان في بينة البيع زيادة إثبات ولو
ادعى الراهن الرهن وأقام البينة وادعى المرتهن
إنه وهبه له وقبضه أخذت ببينة الهبة لأن الهبة
ترد على الرهن والرهن لا يرد على الهبة ولأن
الهبة توجب الملك في العين والرهن لا يوجب ذلك
ولو ادعى رجل الشراء والقبض وآخر الرهن والقبض
وأقام كل واحد منهما البينة وهو في يدي الراهن
أخذت ببينة المشتري لما فيها من الزيادة وهو
إثبات اليد في البدلين ولأنه لا يكون الشراء
دون الرهن لا محالة فلا بد من القضاء بالشراء
في النصف ولا يمكنه القضاء مع ذلك بالرهن في
النصف الآخر لأجل الشيوع فلهذا قضى ببينة
المشتري بالكل إلا أن يعلم أن الرهن كان قبله
ولو كان في يدي المرتهن جعلته رهنا إلا أن
يقيم صاحب الشراء البينة إن الشراء كان أولا
لأن قبض المرتهن دليل سبق عقده ولأن صاحب
الشراء يحتاج إلى استحقاق اليد على ذي اليد
وبينته لا توجب ذلك
ج / 21 ص -115- ولو كان في يد الراهن فادعى المرتهن الرهن والهبة فالصدقة لا تتم
إلا بالقبض ثم الرهن عقد ضمان والهبة والصدقة
عقد تبرع وعقد الضمان أقوى من عقد التبرع فكان
صاحب الرهن أولى إلا أن يقيم الآخر البينة إن
القبض بعلم البينة والصدقة كانت منه قبل الرهن
وإذا استودع رجلا ثوبا ثم رهنه إياه فهلك قبل
أن يقبض المرتهن الرهن فهو فيه مؤتمن لأن يد
المودع كيد المودع فما لم يقبضه المرتهن لا
يثبت حكم يد الرهن له ولأن اليد بحكم الوديعة
دون اليد بحكم الرهن وإلا ضعف لا ينوب عن
الأقوى فإذا لم يصر قابضا له بحكم الرهن بقي
مؤتمنا فيه والقول فيه قوله بغير بينة لأنه
ينكر القبض بحكم الرهن فإن أقام الراهن البينة
إنه قبضه بالرهن وهلك بعد ذلك وأقام المرتهن
البينة إنه هلك عنده بالوديعة قبل أن يقبضه
للرهن فإنه يؤخذ ببينة الراهن لأنه يثبت إيفاء
الدين ولأن المودع ببينة يبقى قبضه بحكم الرهن
ولا يثبت شيئا والبينات للإثبات دون النفي.
وإذا اختلف الراهن والمرتهن فقال الراهن هلك
في يدك وقال المرتهن بل قبضته أنت مني بعد
الرهن فهلك في يدك فالقول قول الراهن لأن
المرتهن يدعي عليه استردادا عارضا وهو ينكر
والبينة أيضا بينة الراهن لأنه يثبت إيفاء
الدين ببينة والعمل بالبينتين ممكن فمن الجائز
إنه استرده منه ثم رده عليه فهلك في يده وإن
قال المرتهن هلك في يد الراهن قبل أن أقبضه
فالقول قوله لإنكار القبض والبينة بينة الراهن
لإثباته إيفاء الدين ببينة وإن قال المرتهن
ارتهنته بمائة وقال الراهن بمائتين وقد قبضته
فالقول قول المرتهن لإنكاره الزيادة مما ثبتت
له فيه يد الاستيفاء والبينة بينة الراهن
لإثباته زيادة في الإيفاء وإن قال المرتهن
رهنتني هذين الثوبين وقبضتهما وقال الراهن
رهنتك أحدهما بعيد فالقول قول الراهن عبدا
والدين ألف فذهبت عين العبد وهو يساوي ألفا
فالقول قول الراهن لإنكاره حقا للمرتهن في
أحدهما والبينة بينة المرتهن لإثباته الزيادة
في حقه.
وإن كان الرهن عبدا والدين ألفا فذهبت عين
العبد وهو يساوي ألفا فقال الراهن كانت هذه
قيمته يوم رهنتك فقد ذهب نصف حقك وقال المرتهن
بل كانت قيمته خمسمائة يومئذ وإنما زاد بعد
ذلك فذهب ربع حقي فالقول قول الراهن مع يمينه
لأن الظاهر شاهد له فقيمته في الحال دليل على
قيمته فيما مضى والبينة بينة الراهن لأنه ثبت
ببينته زيادة فيما أوفاه المرتهن فبينة نفي
ملك الزيادة بالميت أولى والله أعلم.
باب
رهن المكاتب والعبد
قال رحمه
الله:المكاتب بمنزلة الحر في الرهن والارتهان لأنه وثيقة لجانب
الاستيفاء والمكاتب في إيفاء الدين باستيفائه
كالحر فكذلك فيما هو وثيقة به فإن رهن المكاتب
عبدا فيه وفاء قبضه المولى فهو جائز لأن
المكاتبة دين يستوفي والرهن في هذا ليس
كالكفالة فالكفالة له ببدل الكتابة لا تصح لأن
الكفالة وثيقة بجانب اللزوم والكفيل يلتزم في
ذمته المطالبة التي هي على الأصيل لأن الفائت
بحقيقة الالتزام أصل الدين والمطالب فيما هو
وثيقة بجانب
ج / 21 ص -116- بعضه فبهذا تبين أنه لا يمكن إلزام الكفيل مطالبة أقوى مما على
الأصيل والمطالبة ببدل الكتابة على المكاتب
ضعيفة لتمكنه من أن يعجز بنفسه وتعذر إثبات
مثله في ذمة الكفيل فإن هلك الرهن في يدي
المولي فهو بما فيه ويعتق المكاتب لأن استيفاء
المولي بدل الكتابة تم بهلاك الرهن وإن أعور
ذهب نصف المكاتب لأن العين من الآدمي نصفه ولا
يعتق شيء منه كما لو استوفى نصف المكاتب حقيقة
فإن خاصم المكاتب المولي فيه وأراد دفع المال
وأخذ رهنه فقال المولي قد أبق فإنه يحلف على
ذلك بعد أن يتأنى به وينتظر لجواز أن يكون
المولي قد عينه قصدا منه الإضرار بالمكاتب وهو
نظير المغصوب إذا زعم إنه قد أبق فإن القاضي
يعجل بالقضاء بالقيمة ويحلف الغاصب على ذلك
فهنا أيضا يحلف المولي فإذا حلف بطلت المكاتبة
عن المكاتب لأن الآبق يتوى فهو كالهالك حقيقة
فإذا قضى القاضي بذلك ثم وجد العبد بعد ذلك رد
على المكاتب ورجع عليه المولي بالمال كما كان
قبل الإبان وهو حر بالعتق الأول الماضي فيه
لأنه ناقض للعتق بعد ما نفذ بقضاء القاضي وهو
نظير ما لو استوفى البدل فاستحق من يده كان
العتق ماضيا ولو لم يكن قضى القاضي بعتقه حتى
رجع العبد فهو مكاتب على حاله حتى يؤدي البدل
وهو بمنزلة المغصوب إذا أبق فإن رجع قبل أن
يقضي القاضي بالقيمة فهو ملك للمغصوب منه وصار
الأباق كان لم يكن وإن رجع بعد القضاء بالقيمة
كان القضاء ماضيا وكان العبد للغاصب كذا هنا
يفترقان في حكم العتق فأما العبد فعلى ملك
المكاتب في الوجهين جميعا.
وقال زفر رحمه الله: إذا عاد
بعد قضاء القاضي فهو على ملك المولي لتقرير
الضمان عليه بقضاء القاضي وقاس ضمان الرهن
بضمان الغصب ولكنا نقول ضمان الرهن ضمان
استيفاء والاستيفاء حالة الرهن دون العين لأن
الاستيفاء بجنس الحق يتحقق ولا محاسبة باعتبار
العين فيصير المرتهن مالكا للعين وإن جعل
مستوفيا بقضاء القاضي فلهذا يعود العبد إلى
ملك المكاتب وأشبه هذا الغصب في المدبرة وروي
الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله قال إن كان
هذا أول ما أبق فإنه يسقط من الكتابة حصة
نقصان العيب لأن هذا عيب حدث فيه عند المرتهن
فيسقط بحصته من الدين كما لو تعيب بعيب محسوس.
ولو رهن رجل عبدا عن المكاتب لمكاتبته وفيه
وفاء وقبضه المولي جاز كما لو تبرع بأداء
الكتابة عن المكاتب فإن هلك بطلت الكتابة وعتق
المكاتب لأن الاستيفاء قد تم ولا يرجع الراهن
على المكاتب بشيء لأنه لم يأمره به فكان هو
متبرعا فيما صنع ولو تبرع بمثله عن حر لم يرجع
عليه فكذلك عن المكاتب وإذا كان المكاتبان
كتابة واحدة وكل واحد منهما كفيل ضامن عن
صاحبه بالمال فرهن أحدهما بالمكاتبة رهنا
قيمته مثلها فهلك عند المولي عتقا ويرجع
الراهن على المكاتب الآخر بحصته من الكتابة
بمنزلة ما لو أوفى بدل الكتابة حقيقة وهذا
لأنه مطالب بجميع الكتابة متحمل عن الشريك
حصته بأمره فيرجع عليه إذا أدى وهما كشخص واحد
في حكم هذا العقد فيبقى أن يستويا في الغرم
بسبب ولو كان الرهن
ج / 21 ص -117- بينهما نصفين فرهناه جميعا فهلك عند المولي عتقا ثم إن كانت قيمتهما
مختلفة تراجعا فيما بينهما بالفضل لأن بدل
الكتابة يتوزع عليهما بقدر قيمتهما فإن كانت
قيمة أحدهما ألفا وقيمة الآخر ألفين كان بدل
الكتابة عليهما أثلاثا وما زاد على الثلث إلى
تمام النصف أوفاه العبد إلا وكس من كسبه عن
صاحبه بأمره فيرجع بذلك عليه.
وإذا كان لرجل على رجل ألف درهم فرهنه بها
عبدا يساوي خمسمائة ثم أعتقه الراهن فعتقه
نافذ عندنا موسرا كان أو معسرا وهو أحد أقاويل
الشافعي وفي قول آخر يقول لا ينفذ عتقه موسرا
كان أو معسرا وفي قول آخر يقول إن كان موسرا
ينفذ عتقه ويضمن قيمته للمرتهن وإن كان معسرا
لا ينفذ عتقه واحتج فقال الإعتاق إزالة ملك
اليمين بالقول فلا ينفذ من الراهن في المرهون
كالبيع وهذا لأن امتناع نفوذ بيعه لمراعاة حق
المرتهن فإن حقه إما البيع في الدين أو
استيفاء الدين من المالية وإبطال هذا الحق
عليه بالإعتاق أظهر منه بالبيع والبيع أسرع
نفوذا من العتق حتى ينفذ البيع من المكاتب ولا
ينفذ العتق فإذا لم ينفذ بيع الرهن لمراعاة حق
المرتهن فلان لا ينفذ عتقه أولا والدليل عليه
أن المرهون كالخارج عن ملك الراهن بدليل أنه
لو أتلفه ضمن قيمته كالجنين ولو جنى عليه ضمن
الأرش ولو وطئها وهي بكر ضمن النقص ولو كان
زايلا عن ملكه حقيقة لم ينفذ عتقه فيه فكذلك
إذا كان كالزائل عن ملكه والدليل عليه إن حق
المرتهن في المرهون أقوى من حق الغرماء في مال
المريض بدليل أن هناك لا يمتنع البيع على
المولي وهنا يمتنع ثم حق الغرماء في العبد
نفوذ عتق المريض إذا مات من مرضه فحق المرتهن
أولى وعلى القول الآخر نقول الراهن مالك حقيقة
وهو كالزائل عن ملكه حكما لحق المرتهن فإن كان
في إعتاقه إبطال حق المرتهن لم ينفذ عتقه وإن
لم يكن فيه إبطال حق المرتهن نفذ عتقه فإذا
كان الراهن موسرا فليس في الإعتاق إبطال حق
المرتهن أصلا لأن إيجاب الضمان عليه ممكن ولو
ألغينا العتق بطل حق العبد أصلا فلمراعاة حق
العبد أنفذنا العتق ولمراعاة حق المرتهن
أوجبنا الضمان ترجيحا لأهون الضررين وإذا كان
معسرا لو أنفذنا العتق كان فيه إبطال حق
المرتهن أصلا لأن السعاية عندي لا تجب على
العبد والسعاية في ذمة مفلس يكون تاويا فإذا
كان في كل واحد من الجانبين صور الإبطال رجحنا
جانب المرتهن لأن ثبوت حقه أسبق وهو نظير
مذهبه في إعتاق أحد الشريكين نصيبه فإنه لا
يتجزأ إذا كان المعتق موسرا لإمكان إيجاب
الضمان ويتجزأ إذا كان المعتق معسرا ويستدام
الرق فيما يبقى مراعاة لحق الساكت فهذا مثله.
وجه قولنا إنه مخاطب أعتق ملك
نفسه فلا يلغي إعتاقه كالمشتري إذا أعتق
المبيع قبل القبض وبيان الوصف إن موجب عقد
الرهن إما ثبوت يد الاستيفاء للمرتهن كما قلنا
أو حق البيع كما هو مذهبه وشيء من ذلك لا يزيل
ملك العين فتبقى العين على ملك الراهن كما
كانت ثم حق المرتهن إنما يثبت في المالية
والإعتاق تصرف في الرق بالإزالة والرق غير
ج / 21 ص -118- المالية ألا ترى أنه ثبت حق الرق بدون المالية في الحبس وتبقى صفة
الرق في أم الولد بدون المالية والمالية تنفصل
عن الرق في غير بني آدم.
والدليل عليه: أنه لو حلف
بعتق عبده إن دخل الدار ثم باعه ثم اشتراه
فدخل الدار يعتق وبقيت اليمين بعد البيع لبقاء
الرق وإن زال الملك والمالية عنه والإعتاق
تصرف في الرق ولا حق للمرتهن فيه فلا بد من
تنفيذه باعتبار إنه صادف محلا هو خالص حق
الراهن إلا أن المالية المشغولة بحق المرتهن
تتلف بهذا التصرف وقوام تلك المالية كان ببقاء
الرق فيصير المعتق ضامنا لهذا ولهذا نفذ العتق
في المبيع قبل القبض وذلك في معنى المرهون
لأنه محبوس بالدين إلا أن الحبس ويلاقي العين
والمالية دون الرق وبه فارق البيع فإنه تمليك
يمنع للعين نصف المالية وهو مشغول بحق المرتهن
فقيام حقه يمنع نفوذه كما أن حق الحبس للبائع
يمنع نفوذ بيع المشتري وهذا لأن البيع كما
يستدعي الملك في المحل يستدعي القدرة على
التسليم ولهذا لا ينفذ في الآبق والجنين في
البطن فكذلك لا ينفذ في المرهون لعجز الراهن
عن تسليمه بخلاف المعتق.
توضيحه: أن نفوذ البيع يعتمد
تمام الرضا ولهذا لا ينفذ مع الهزل وشرط
الخيار والكره فكذلك عدم الرضا من صاحب الحق
وهو المرتهن يمنع نفوذه فأما العتق فلا يعتمد
نفوذه تمام الرضا حتى ينفذ مع الهزل وشرط
الخيار فإذا كان عدم الرضا من صاحب الملك لا
يمنع نفوذ العتق فمن صاحب الحق أولى ولأن
البيع يراد به ما ينتفع به وهو العين فكذلك لا
يرد منه ما يتصور به وعتق المريض عندنا لا
يلغو لقيام حق الغرماء ولكن يخرج إلى الحرية
بالسعاية لا محالة فهنا أيضا ينبغي أن لا يلغو
إلا أن هناك هو بمنزلة المكاتب ما دام يسعى
وهنا يكون حرا ومراده إن لزمته السعاية عند
اعتبار الرهن لأن العتق في المرض وصية والوصية
تتأخر عن الدين إلا أن العتق لا يمكن رده فيجب
عليه السعاية في قيمته لرد الوصية وبهذا تبين
إن الواجب عليه بدل رقبته ولا يسلم له المبدل
ما لم يرد البدل وهنا السعاية على العبد ليست
في بدل رقبته بل في الدين الذي في ذمة الراهن
لأن من حق المرتهن ذلك فوجوب السعاية عليه لا
يكون مانعا من نفوذ عتقه في الحال ولهذا قلنا
إن أيسر الراهن هنا رجع العبد عليه بما أدى من
السعاية وهناك لا يرجع العبد على أحد بما
ينبغي فيه من قيمته ولا معنى لمن قال إن
المرهون في حكم الزائل عن ملك الراهن لأن عقد
الرهن لا يزيل الموت في الحال ولا في ثاني حال
ووجوب الضمان على الراهن لإتلافه المالية
المشغولة بحق المرتهن كالمولي يتلف المأذون
فيكون ضامنا قيمته للغرماء لا باعتبار أن لحوق
الدين للعبد يزيل ملك المولي ثم أكثر ما في
الباب إن حق المرتهن نصا هو الملك وللراهن ملك
حقيقة فيكون كالشراء بكفيل وعتق المالك في
ملكه لا يمتنع بحق الشريك فلأن لا يمتنع بحق
المرتهن أولى.
ولو دبر الراهن صح تدبيره بالاتفاق أما عندنا
فلأن التدبير يوجب حق العتق له وإذا
ج / 21 ص -119- كان لا يمتنع حقيقة العتق بحق المرتهن فحق العتق أولى وعند الشافعي
كذلك لأن التدبير لا يمنع البيع فلا يكون
مبطلا لحق المرتهن بحق العتق أولى ولو كانت
أمة فاستولدها صح استيلاده عندنا وهو الصحيح
من مذهب الشافعي لأن الاستيلاد لما كان ينفذ
بحق الملك للأب في جارية ولده عنده فلأن ينفذ
بحقيقة الملك للراهن فيها أولى فإن كان الراهن
موسر فهو ضامن قيمتها فيكون رهنا مكانها لما
بينا أنه متلف لحق المرتهن في المالية بما صنع
فيكون ضامنا بدله وحكم البدل حكم المبدل فيكون
رهنا كما لو أتلف الرهن أجنبي ضمن قيمته فإن
كان المال قد حل قبضه المرتهن بحقه لأنه ظفر
بجنس حقه من مال المديون فيأخذ قضاء من دينه
ويرجع بالفضل وإن كان الراهن معسرا كان
للمرتهن أن يستسعى أم الولد والمدبر في الدين
كله لأن كسبهما مملوك للمولى فالراهن موسر
قادر على أداء الدين بكسبهما ولو كان قادرا
على ذلك بمال آخر لأمر بقضاء الدين فكذلك إذا
كان قادرا عليه بكسبهما ويستسعى المعتق البتة
في قيمة خمسمائة لأن كسب المعتق خالص حقه فلا
يجبر على أن يقتضي به دين غيره ولكن قد سلمت
له مالية رقبته وكان مشغولا بحق المرتهن
فيلزمه السعاية في ذلك القدر لاحتباسه عنده
كما تجب السعاية على معتق البعض للشريك الساكت
إذا كان المعتق معسرا ثم يرجع المعتق بذلك على
الراهن لأنه غير متبرع في قضاء دينه بخالص
ملكه بل كان مجبرا على ذلك بسبب باشره الراهن
ورضي به فيرجع به عليه كالكفيل عنه بأمره إذا
أدى ويرجع المرتهن بفضل دينه على الراهن.
فإن ولدت المدبرة ولدا بعد ما قضى عليها
بالسعاية ثم ماتت استسعى ولدها في جميع الدين
لأن ولدها بمنزلتها فإن التدبير يسرى إلى
الولد فولدها مدبر للمولي وكسبه له وهو قادر
على قضاء الدين بسعايته فيستسعي الولد في جميع
الدين كما كان يستسعي الأم وهذا لأن كسب
المملوك لما كان للمالك فحكمه حكم المالك فيما
يلزمه من قضاء الدين والراهن كان مجبرا على
قضاء جميع الدين بملكه فكذلك المدبرة وولدها
يؤمر كل واحد منهما بالسعاية في جميع الدين
وإن كان الولد من المولي قد ادعاه قبل الولادة
لم يكن عليه سعاية لأن الولد انفصل حرا فكسبه
يكون مملوكا له دون المولي ولا يكون المولي
قادرا على قضاء دين بكسبه.
توضيحه: إن الولد الذي إن
انفصل من الأم حرا لا يثبت فيه حكم الرهن لأنه
ليس بمحل له ووجوب السعاية عليه باعتبار حكم
الرهن فأما الولد الذي انفصل مدبرا فهو جزء
منها انفصل بصفتها وله حكم الرهن من حيث
الاستسعاء في الدين لأن هذا الولد جزء منها
وقد انفصل بصفتها فيلزمه السعاية لحكم الرهن
كما لزمها ولو كان الرهن عبدا يساوي خمسمائة
بألف فأعتقه الراهن وهو معسر ثم مات الراهن
وترك خمسمائة فإن المرتهن يأخذها ويسعى له
العبد في مائتين وخمسين لأن الواجب على العبد
السعاية في مقدار قيمته وذلك نصف الدين شائع
في الكل والخمسمائة التي استوفاها المرتهن من
تركة الراهن نصفه مما
ج / 21 ص -120- وجب على العبد السعاية فيه وهو في ذلك كالكفيل عن المولي والاستيفاء
عن الأصل يوجب براءة الكفيل فلهذا استسعى في
نصف ما يبقى وهو مائتان وخمسون.
ولو كان العبد سعى له في قيمته قبل موته ثم
مات الراهن وترك خمسمائة كانت بين المرتهن
والعبد نصفين لأن الباقي من دين المرتهن
خمسمائة والعبد قد استوجب الرجوع على الراهن
بالخمسمائة فتقسم تركته بينهما على مقدار
دينهما وإذا رهن رجلا عبدا بألف درهم فأعتقه
أحدهما وهو موسر وقيمة العبد ألف فهو ضامن
لخمسمائة حصته من الدين وعلى شريكه مثلها لأن
العبد صار خارجا من الرهن عندهما لأن العتق لا
يتجزأ وعند أبي حنيفة لأن معتق البعض لا
يستدام فيه الرق فهو كالمكاتب لا يكون محلا
للبيع وعلى كل واحد منهما قضاء نصيبه من الدين
وهو خمسمائة ثم الحكم بين شريكين في تضمين
المعتق أو الاستيفاء وما فيه من الخلاف قد
بيناه في كتاب العتاق وإن كان المعتق معسرا
فللمرتهن أن يستسعى العبد في الألف كلها لأن
حقه كان ثابتا في جميع المالية وقد احتبس ذلك
عند العبد بما انتفع هو به وهو الإعتاق ثم
يرجع العبد على المعتق بخمسمائة لأنه قضى دينه
بذلك القدر على وجه لم يكن متبرعا فيه ولا
يرجع على الآخر بشيء لأن الآخر قد استوجب عليه
السعاية في نصف القيمة لاحتباس نصيبه عنده وهب
إنه قضى دينه واستوجب الرجوع عليه ولكن له على
العبد مثلها فيصير قصاصا به ولو أعتقه أحدهما
ثم دبره الآخر فإن كانا معسرين فهو كما وصفنا
لك في الأول وإن كانا موسرين ضمنا الألف
للمرتهن وسعى المدبر للذي دبره في نصف قيمته
مدبرا إلا أنه بتدبير نصيبه صار مختارا سعاية
العبد في نصيبه فإنه يصير مستوفيا ملكه في
نصيبه ويمنعه ذلك من تضمين المعتق فعرفنا إنه
صار مختارا للسعاية فنستسعيه في نصف قيمته
مدبرا ولا يرجع واحد منهما على صاحبه بشيء لأن
الأول هو المتلف لنصيبه والثاني قد أبرأ الأول
عن الضمان ولم يتلف عليه شيئا فلا رجوع لواحد
منهما على صاحبه.
وإذا استعار الرجل من الرجل عبدا قيمته ألف
درهم ليرهنه فرهنه بألف درهم ثم إن مولاه
أعتقه وهو موسر ضمن المال للمرتهن لأنه كان
رضي بتعلق حق المرتهن بمالية الرهن حين أعاره
الرهن ثم أتلف على المرتهن ذلك بالإعتاق فيضمن
له مثله ويرجع على الراهن لأنه قضي بما أدى
دين الراهن وكان مجبرا على ذلك.
ألا ترى إنه لو قضى الدين ليسترد الرهن رجع به
على الراهن فكذلك إذا استرده بالإعتاق وضمنه
للمرتهن وهذا لأن الراهن رضي برجوعه عليه متى
صار دينه مقضيا بملكه.
ألا ترى إنه لو هلك الرهن في يد المرتهن رجع
المعير على المستعير بمقدار الدين لهذا المعنى
فكذلك إذا قضاه بمال آخر وإن كان المعتق معسرا
والراهن موسرا ضمن الراهن المال ولم يرجع على
أحد بشيء لأنه قضي دين نفسه بماله وإن كانا
موسرين فللمرتهن أن يضمن أيهما شاء إن شاء
الراهن باعتبار قيام دينه عليه وإن شاء المعتق
لإتلافه محل حقه وإن كانا معسرين سعى العبد في
جميع ذلك لأن المالية سلمت له وقد كانت مشغولة
بحق
ج / 21 ص -121- المرتهن ثم يرجع العبد على أيهما شاء إن شاء على الراهن لأنه كان
مجبرا على قضاء دينه بملك نفسه بسبب رضي به
الراهن وهو عقد الرهن وإن شاء على مولاه لأنه
هو الذي ألزمه ذلك بإعتاقه إياه فإن رجع به
على المولي رجع به مولاه على الراهن كما لو
كان المرتهن هو الذي رجع به على المولي فأداه
وهذه لأن أصل الدين على الراهن.
وإذا رهن الرجل أمة بألف درهم هي قيمتها فجاءت
بولد يساوي ألفا فادعاه بعد ما ولدته وهو موسر
ضمن المال وإن كان معسرا سعت الأمة في نصف
المال والولد في نصفه لأن الدين انقسم عليهما
نصفين بشرط بقاء الولد على هذه القيمة إلى وقت
الفكاك ثم الراهن بالدعوة صار مستردا لهما
لأنه أوجب في الولد حقيقة العتق وفي الأم حق
العتق فيكون ذلك بمنزلة الفكاك المقر به في كل
واحد منهما نصف الدين ويسعى كل واحد منهما في
نصف الدين لسلامة محل ذلك له بالعتق وهو
المالية فإن لم يؤد الولد شيئا حتى ماتت الأم
قبل أن يفرغ من السعاية سعى ولدها في الأقل من
نصف قيمته ومن نصف الدين على حاله لا يزاد
عليه شيء بموت الأم لأنه صار مقصودا
بالاستسعاء حين صار مقصودا بالفكاك فبموت الأم
لا يتحول إليه شيء مما كان عليها لأنه في حكم
السعاية لم يكن تبعا لها.
ألا ترى أنه كان لزمه السعاية في حصته قبل
موتها ولو مات الولد بعد هذا لم يتحول من
سعايته إليها كذلك إذا ماتت هي ويرجع الولد
بما سعى فيه على الأب وإن قضى دينه بكسب هو
خالص ملكه على وجه كان مجبرا عليه وإذا رهن
الرجل عبدا يساوي ألف درهم بألف درهم مؤجلة أو
قبضه المرتهن ثم أقر الراهن بالعبد لرجل لم
يصدق على ذلك في حق المرتهن لأنه متهم في حقه
من حيث إنه لا يقدر على تمليك العبد ابتداء
لحق المرتهن فيخرج كلامه مخرج الإقرار ولكن
المقر له إن شاء أدى المال وقبض الرهن لأن
إقرار المقر حجة في حقه فالمقر له يقوم مقام
المقر فكما أن للمقر أن يؤدي المال ويقبض
الرهن فللمقر له ذلك فإن أداه حالا لم يرجع به
على الراهن حتى يحل عليه لأن أكثر ما فيه أنه
كالمتحمل عنه دينا هو مؤجل عليه والكفيل
بالدين المؤجل إذا عجل لم يرجع على الأصل حتى
يحل الأجل فإذا حل رجع عليه فكذلك المقر له
هنا وهذا لأنه كان يضطر لأداء هذا المال
لتخليص ملكه فلا يكون متبرعا فيه ولأن الراهن
أقر أنه أعتق رقبة عبده بذلك فيكون له أن يرجع
عليه بما أدى كالمعير للرهن إذا قضى الدين
وللمقر له أن يستحلف المرتهن على علمه لأنه لو
أقر بما أقر به الراهن لزمه رد العين عليه
فإذا أنكر يستحلف ولكن يمينه على العلم لأنه
استحلاف على فعل الغير فإن لم يؤد المال وأعتق
العبد جاز عتقه لأن الراهن بإقراره بالملك
للمقر له سلطه على إعتاقه ولو أعتقه بنفسه نفذ
عتقه فكذلك إذا أعتق غيره بتسليطه وكان
المرتهن بالخيار إن شاء أخذ الراهن بقيمة
العبد لأنه صار جانيا على حقه لتسببه بتنفيذ
عتق المعتق فيه وهو إقراره بالملك له وإن شاء
ضمن المعتق ذلك لأنه بإعتاقه تسبب لإتلاف محل
حقه وهو المالية فإن أخذها المعتق رجع بها على
الراهن لأنه مقر أنه أغلق رقبة
ج / 21 ص -122- عبده وباعتبار ذلك لزمه هذا الضمان فيستوجب الرجوع عليه وإن كانا
معسرين استسعى المرتهن العبد في قيمته لأن
المالية التي هي محل حقه سلمت له ويرجع العبد
بها على الراهن دون المعتق لأن العبد مقر بأن
المعتق لم يؤذن له في رهنه وإن الراهن كان في
حكم الغاصب له وإقراره في حق نفسه صحيح فلا
يستوجب الرجوع على المعتق بشيء لهذا ويكون له
أن يرجع بها على الراهن لأنه هو الذي ألزمه
هذه القيمة بما أوجب من حق المرتهن في ماليته
فعند الأداء يرجع عليه.
ولو كان العبد معروفا للمعتق وقد كان أعاره
الراهن ليرهنه فأعتقه وهو والراهن موسران
فللمرتهن أن يرجع بقيمته على المعتق دون
الراهن لأن المعتق هو المتسبب لإتلاف محل حق
المرتهن ولم يوجد من الراهن صنع يكون ذلك سببا
منه لإتلاف محل حقه فلهذا كان رجوعه بالقيمة
على المعتق دون الراهن بخلاف الأول فهناك قد
وجد من الراهن تسبب لما به تلف محل حقه وهو
إقراره بالملك وتسليطه المقر له على إعتاقه
وإن كان المعتق معسرا فللمرتهن أن يستسعى
العبد في قيمته فيكون رهنا مكانه ويرجع بها
العبد على المعير دون المستعير لأن المعير هو
الذي ألزمه ذلك بإعتاقه بعد ما رضي بتعلق حق
المرتهن بماليته بالإعادة ولم يوجد من
المستعير تسبب في إيجاب القيمة عليه بعد ما
تعلق حق المرتهن بماليته فإذا حل الدين أخذ
المرتهن دينه من الراهن ورجعت القيمة إلى
المعير بضمانه لأن العبد لما رجع على المعير
فقد استقر الضمان عليه فيجعل كأنه هو الذي ضمن
القيمة وهذا لأن القيمة تقوم مقام العين ولو
كانت العين باقية واستوفى المرتهن دينه من
الراهن رجع العبد إلى المعير فكذلك القيمة.
وإذا كان لرجل على رجل ألف درهم فرهنه بها
عبدا يساوي ألفين وقبضه المرتهن ثم أقر
المرتهن أن الرهن لرجل غصبه الراهن منه لم
يصدق المرتهن على الراهن لأن العين باقية على
ملك الراهن وإقرار الإنسان في ملك الغير باطل
والمرتهن حافظ للعين كالأمين وإقرار المودع
الوديعة لغير المودع باطل إذا كان الإيداع
ظاهرا فيؤدي الراهن الدين ويأخذ العبد ولا
سبيل للمقر على العبد ولا على ما أخذ المرتهن
لأن المرتهن أخذ دينه ورد العبد على من أخذ
منه فانفسخ به حكم قبضه سواء كان المقبوض منه
مالكا أو غير مالك كالمرتهن من الغاصب إذا رده
عليه وإقراره ليس بحجة على الراهن فلا سبيل
للمقر له على العبد الذي في يده بغير حجة وإن
مات العبد في يدي المرتهن صار مستوفيا لدينه
باعتبار الظاهر لأن في قيمة الرهن وفاء بدينه
وزيادة فكان ضامنا جميع قيمته للمقر له لأن
إقرار العبد كان في يده كالمغصوب فإنه كان
مملوكا للمقر له وقبضه بغير إذنه وإقراره حجة
عليه فيضمن جميع قيمته إذا تعذر رده بالهلاك.
ولو كان المرتهن لم يقر برقبة العبد ولكنه أقر
إن له عليه دينا ألف درهم استهلكها وقد مات في
يد المرتهن فإن المقر يرجع على المرتهن بألف
درهم لأنه أقر إن ماليته كانت
ج / 21 ص -123- مستحقة بدين المقر له وإنه في القبض بغير إذن صاحب الدين على جهة
الرهن غاصب في حقه فإذا هلك في يده ضمن له
مقدار حقه وهو ألف درهم كما لو كان ما أقر به
ظاهرا ولأنه بالهلاك في يده صار مستوفيا دينه
وهو ألف درهم من ماليته والمقر له كان أحق
بماليته بزعمه فيغرم له ما صار مستوفيا دينه
وهو ألف درهم.
ولو أقر المرتهن برقبته لرجل وقد كان الراهن
جعل بينهما عدلا يبيعه واستوفى المرتهن حقه
فباعه العدل بألف درهم ودفعه وقبض الثمن فنقد
المرتهن منه ذلك ألف درهم وأعطى الراهن ألف
درهم فإذا أجاز المقر له البيع أخذ الألف التي
أخذها المرتهن لأن إجازة البيع بالثمن حقه
بزعم المرتهن وما استوفى المرتهن جزء من الثمن
وإقراره فيما وصل إليه حجة فيما أخذه الراهن
وإن لم يجز البيع فلا سبيل له على ما أخذ
المرتهن لأن المقرله يزعم أن عين العبد هي
ملكه ولم يصل العبد إلى يد المرتهن قط ويزعم
إن الثمن مال مشتري العبد ولا سبيل له على مال
مشتري العبد في يد من كان وإنما عليه أن يثبت
ملكه في المشتري بالحجة ولو أثبت ذلك كان يأخذ
العبد ولا سبيل له على الثمن ولكن المشتري هو
الذي يرجع بالثمن فقبل الإثبات أولى أن لا
يثبت له على الثمن سبيل.
ولو كان المرتهن لم يقر بالرقبة ولكنه أقر إن
العبد قد استهلك لرجل ألفي درهم والمسألة
بحالها فإن المرتهن يدفع الألف التي قبض من
ثمنه إلى المقر له أجاز البيع أو لم يجزه لأن
الرقبة لم تكن للمقر له فلا يضره أجاز البيع
أو لم يجز ومعنى هذا إن حق صاحب الدين في
مالية العبد دون عينه وعند إجازته البيع تسلم
له المالية فالتمليك يكون من جهة المالك والذي
قبض المرتهن من ثمنه مالية فعليه أن يدفع ذلك
إلى المقر له باعتبار إقراره أما إذا أجاز
البيع فظاهر وأما إذا لم يجز فهو يزعم إن
المشتري حابس للمالية التي هي حقه ضامن له مثل
ذلك وما قبضه المشتري ماله فقد ظفر بجنس حقه
من مال غريمه فكان له أن يأخذه منه بخلاف
الأول فهناك في زعمه إن العبد باق على ملكه.
ألا ترى أنه لو أقام البينة كان يسلم له ملك
العبد فلا سبيل له على مال المشتري مع بقاء
العبد على ملكه ثم لا يرجع المرتهن على الراهن
بما أخذ منه المقر له لأنه أخذ ذلك من حكم
إقراره وإقراره ليس بحجة على الراهن وإذا رهن
الرجل عبدا يساوي ألف درهم بألف درهم فحفر
العبد عند المرتهن بئرا في الطريق ثم إن
الراهن أدى الدين وأخذ عبده فوقعت في البئر
دابة تساوي ألفا فإن العبد يباع في الدين إلا
أن يفديه الراهن لأنه بالحفر تسبب لإتلاف
الدابة وهو متعد فيه فيكون كالمباشر في حكم
الضمان ولو أتلف العبد دابة بيع في قيمتها إلا
أن يفديه المولى فإن بيع بألف درهم وأخذها
صاحب الدابة رجع الراهن على المرتهن بالدين
الذي قضاه لأن العبد تلف بفعل كان منه عند
المرتهن وهو الحفر فتبين به أن الرد لم يسلم
ويجعل هو كالهالك في يد المرتهن فصار هو
مستوفيا دينه بالهلاك وقد استوفاه مرة أخرى
فعليه رده.
ج / 21 ص -124- ألا ترى إن العبد المغصوب لو فعل مثل هذا في يد الغاصب كان للمغصوب
منه أن يرجع عليه بقيمته ويجعل كالهالك قبل
الرد وإن وقعت في البئر دابة أخرى تساوي ألفا
فعطبت رجع صاحبها على صاحب الدابة الأولى وأخذ
منه نصف ما أخذ لأنهما مشتركان في ثمن العبد
فإن الجناية على الدائنين تستند إلى سبب واحد
وهو الحفر وهما من جنس واحد فهو كما لو استهلك
الدابتين معا فيكون ثمنه بينهما نصفين فإذا
أخذ منه نصف ما أخذ لم يكن لصاحب الدابة
الأولى أن يرجع على الراهن بشيء مما قبض من
الدين لأنه إنما قبض ما كان أعطى المرتهن
بطريق إنه استوفى حقه مرتين ولم يقبض منه من
قيمة العبد شيئا وحق صاحب الدابة في مالية
العبد لا في مال آخر من ملك مولى العبد.
فإن وقع في البئر حر أو عبد فمات فدمه هدر
بمنزلة العبد إذا حفر بئرا في الطريق ثم
استهلك مال إنسان فبيع في قيمته ثم وقع في
البئر إنسان وهذا لأن نفس الحفر ليس بجناية
وإنما يصير جناية إذا اتصل الوقوع به والمستحق
بجناية على الآدمي نفسه فعند الوقوع هو ملك
المشتري وأصل فعل العبد لم يكن في ملكه فلا
تتوجه عليه المطالبة بالدفع بفعل سبق ملكه ولا
تتوجه المطالبة به على البائع لأن فعل العبد
موجبا سببا في ملكه والبيع كان بحق شرعي لا
باختياره فلا يضر تعلقه به وهذا بخلاف ما لو
كان الواقع دابة أخرى لأن المستحق به من العبد
كالمستحق بالأول فيمكن جعل الثمن مشطرا بينهما
وهنا المستحق نفس العبد فلم يكن حق ولي
الجناية من جنس حق صاحب الدابة إلا قبض الثمن
ولما تعذر إثبات حقه في الثمن واستحقاق نفس
العبد غير ممكن من الوجه الذي قلنا كان دمه
هدرا.
وإذا رهن الرجل أمة بألف درهم وقيمتها خمسمائة
ثم قبضها وكاتبها فللمرتهن أن يبطل الكتابة
لأن الكتابة من الراهن تصرف يحتمل الفسخ وفي
عوده إضرار بالمرتهن وكان له أن يفسخ ذلك لدفع
الضرر عن نفسه كما يفسخ بيع الراهن وكما يفسخ
أحد الشريكين كدابة شريكه ولو لم يكاتبها
ولكنه دبرها فسعت في خمسمائة ثم ماتت وقد ولدت
بنتا تساوي خمسمائة فعلى ولدها أن يسعى في
خمسمائة لأن الباقي من دين المرتهن هذا القدر
وولدها بمنزلتها يدبر للراهن وهو أحق بكسبه
فكما كان على الأم أن تسعى في دين المرتهن
باعتبار إن الراهن موسر بهذا الطريق فكذلك
ولدها يسعى فيما يوفي دينه فإن سعت البنت في
مائة درهم ثم ولدت بنتا ثم ماتت البنت الأولى
وقيمة الأولى والسفلى سواء فعلى السفلى أن
تسعى فيما بقي كله لأنها كالأولى مدبرة للراهن
وهو أحق بكسبها والسفلى جزء من الأولى فبقاؤها
كبقاء الأولى.
ولو رهن أمتين بألف درهم وقيمة كل واحدة منهما
ألف فدبرهما المولي ثم ماتت إحداهما سعت
الباقية في نصف الدين ويضمن المولي نصف الدين
لأن الدين انقسم بينهما بحكم الرهن نصفين
ووجوب السعاية على كل واحدة منهما بعد التدبير
كحكم الرهن وإنما يجب على كل واحد منهما بقدر
ما كان فيها من الدين والذي في الباقية نصف
الدين فتسعى
ج / 21 ص -125- فيه ويضمن المولي نصف الدين لأنه بالتدبير مسترد لها فكأنه أفتكها
ثم ماتت فعليه قضاء ما كان منها من الدين.
فإن قيل: فإن ذهب ما قلتم إن
السعاية على المدبرة باعتبار إن المالك لكسبها
موسر بهذا الطريق؟.
قلنا: نعم ولكن السعاية عليها
بهذا الطريق كان بحكم الرهن في الدين الذي
كانت هي مرهونة به فإنها لو لم تكن مرهونة لم
يكن عليها السعاية في ديون المولي ما دام
المولي حيا وكل واحدة منهما كانت مرهونة بنصف
الدين مقصودا بخلاف الأول فالسعاية على الولد
هناك باعتبار إنه جزء من أجزاء الأم لأن حكم
الرهن ثابت فيه بطريق السعاية والأم كانت
مرهونة بجميع الدين وكان وجب عليها السعاية في
جميع الدين بهذا الطريق فيجب ذلك على ولدها
الذي هو جزء منها إذا كان مثلها في الصفة يقول
فإن ولدت هذه الباقية بنتا ثم ماتت قبل أن
تسعى في شيء وقيمتها مثل قيمة أمها أو أقل أو
أكثر سعت في خمسمائة تامة لأنها جزء من أجزاء
الأم وقد كانت الأم مرهونة بخمسمائة خرجت
بالتدبير من الرهن ووجب عليها السعاية في ذلك
فتجب على ولدها الذي هو جزء منها السعاية في
ذلك القدر أيضا لأن هذا الجزء نصفها ولو كانت
ولدتها قبل التدبير ثم دبرهما جميع وقيمتها
مثل قيمة أمها سعت في مائتين وخمسين لأن حكم
الرهن ثبت في الولد حين انفصل قبل التدبير
وانقسم ما في الأم من الدين على قيمتها وقيمة
الولد بشرط بقاء الدين إلى يوم الفكاك على هذه
القيمة وقد بقي فإنه صار مقصودا بالتدبير وذلك
بمنزلة الفكاك لأنه يخرج به من الرهن فوجبت
عليها السعاية فيما كان فيها من الدين وهو
مائتان وخمسون وإذا صار مقصودا يوجب السعاية
فيما كان على الأم بخلاف الأول فهناك إنما
انفصل الولد بعد ما خرجت الأم من الرهن
بالتدبير فلم يصر الولد مقصودا بالسعاية في
شيء حين لم يصر مقصودا بالفكاك بل هو في حكم
جزء من الأم فعليه السعاية فيما وجب عليها
وهذا بخلاف ما إذا انفصل الولد حرا لأن الذي
انفصل حرا ليس على صفة الأم فإن كسبه ليس
لمولاه بل هو أحق به فلا يمكن أن يجعل تبعا في
السعاية الواجبة بحكم الرهن فأما الذي انفصل
مدبرا فهو نصف الأم فيلزمه من السعاية ما كان
على الأم.
ولو رهن أمة تساوي ألفا فولدت بنتا تساوي ألفا
ثم دبر المولي الأم وهو معسر فعلى الأم أن
تسعى في خمسمائة لأن نصف الدين تحول منها إلى
الولد وهو نائب فيه ما بقي الولد والمولي
بالتدبير صار مستردا للأم فعليها أن تسعى فيما
كان فيها من الدين عند التدبير وذلك خمسمائة
فإن ماتت ابنتها سعت في الألف تامة لأن الولد
لم يصر مقصودا بالفكاك حين لم يدبر الولد
وبالفكاك صار كان لم يكن فتبين إن جميع الدين
كان في الأم وقد أخرجها من الرهن بالتدبير
فعليها أن تسعى في جميع الألف فإن لم تمت
البنت وماتت الأم ثم دبر البنت فعلى البنت أن
تسعى في خمسمائة لأنها صارت مقصودة بالفكاك
حين دبرها فيستقر ما كان
ج / 21 ص -126- فيها من الدين وذلك خمسمائة فعليها أن تسعى في ذلك وبعد ما صارت
مقصودة لا تلزمها السعاية في شيء مما كان على
أمها فإن ولدت البنت بنتا وماتت البنت الأولى
سعت السفلى في خمسمائة وإن كانت قيمتها مائة
لأنها جزء من الأولى وهي تابعة للأولى في حكم
هذه السعاية فإنها ما صارت مقصودة بحكم الرهن.
ولو ولدت أمة الرهن بنتا ثم ولدت البنت بنتا
وقيمة كل واحدة منهن ألف درهم ثم دبرهن جميعا
ثم ماتت الأم والبنت الآن كان على السفلى أن
تسعى في نصف الدين من إنه لا يحتسب بالوسطى
وقد طعن عيسى في هذه المسألة وقال ينبغي أن
تسعى في ثلث الدين لأنه كالقابض للوسطى
بالتدبير وكيف لا تحتسب بها وقد صارت مقصودة
بالفكاك والسفلى تابعة للأم كالأولى فانقسم
الدين عليهن أثلاثا ثم بالتدبير أخرجهن من
الرهن فيتقرر في كل واحدة منهن ما كان فيها
وهو ثلث الدين فعلى السفلى السعاية في ذلك
القدر خاصة ولا تأويل لجواب محمد رحمه الله
سوى أنه ذهب بالدين إلى أنه وضع المسألة فيما
إذا دبر الأم والسفلى دون الوسطى فلهذا قال لا
يحتسب بالوسطى.
ألا ترى إنه بني عليه فقال وكذلك لو ماتت الأم
والبنت قبل التدبير ثم دبر السفلى ثم علل فقال
لأني لا أحتسب بالوسطى إذ لم يقع عليها
التدبير فهذا يتعين إن مراده في الفصل الأول
ما إذا لم يدبر الوسطى فأما إذا دبرهن جميعا
فالجواب كما قال عيسى.
ولو ولدت أمة الرهن ولدا يساوي ألفا ثم دبرهما
فكل واحدة منهما صارت مقصودة بالسعاية في نصف
الألف فبموت الأم لا يتحول شيء من سعايتها إلى
الولد ولو ماتت البنت سعت الأم بالألف كلها
وهذا التفريع غير مذكور في نسخ الأصل وإنما
ذكره الحاكم في المختصر والأظهر إنه غلق لأن
البنت صارت مقصودة بالفكاك فإذا ماتت بعد ذلك
لا يمكن أن يجعل كأن لم يكن ولا يتحول ما كان
منها من السعاية إلى الأم وإنما عليها السعاية
في مقدار الخمسمائة وإن صح هذا فوجهه إن الأم
في الأصل كانت مرهونة بجميع الدين وتمام
الفكاك في الولد لا يحصل بالتدبير وإنما تمام
الفكاك بوصول حصة الولد من الدين إلى المرتهن
ولم يصل إليه شيء فوجب على الأم السعاية في
جميع الدين لأن حق المرتهن في استسعاء الأم في
جميع الدين بعد التدبير كان ثابتا والراهن لا
يملك إبطال ذلك الحق بتدبير الولد فلهذا سعت
له في الألف كلها بخلاف ما إذا ماتت الأم
فالبنت ما كانت مرهونة بجميع الألف قط فلا تجب
على البنت السعاية إلا في مقدار ما كانت
مرهونة به.
ولو رهن أمة تساوي ألفا بألف إلى أجل فولدت
ولدا يساوي ألفا فدبر المولي الولد وهو موسر
ضمن قيمته لأنه أتلف حق المرتهن فيه بالتدبير
فكأنه أتلفه بالاستهلاك فيضمن قيمته ويكون
رهنا مع الأم وإن كان معسرا سعى العبد في
خمسمائة مقدار ما كان مرهونا به فإن مات الولد
قبل أن يفرغ من السعاية كانت الأم رهنا بألف
لا تفتكها إلا بها وإن ماتت أمه كانت بخمسمائة
لأن المولي ضامن لقيمة الولد وبقاء قيمة الولد
كبقاء عينه فكانت الخمسمائة
ج / 21 ص -127- من الدين فيه فإنما يسقط بموت الأم خمسمائة ولكن لو مات الولد كانت
الأم رهنا بجميع الدين لما بينا أن حق المرتهن
في جنسها بجميع الألف كان ثابتا والمولي
بتدبير الولد لا يملك إبطال حق ثابت للمرتهن
في الأم ولكن موته قبل التدبير وبعد التدبير
سواء فيما يرجع إلى إبطال حق المرتهن فلهذا لم
يكن له أن يفتك الأم إلا بجميع الألف.
ورهن العبد التاجر من الأجنبي وارتهانه جائز
لأنه منفك الحجر عنه في إيفاء الدين واستيفائه
كالمكاتب وكذلك إن رهن ولده أو والده لأنه
مالك له بخلاف المكاتب فإن الوالدين
والمولودين يتكاتبون عليه ويتعذر عليه بيعهم
إذا ملكهم فلا يجوز له أن يرهنه أيضا وفي
الأخوة كذلك الجواب عندهما وعند أبي حنيفة لا
يمتنع عليه بيع الأخوة فلا يمتنع عليه رهنهم
بالدين أيضا وإن رهن المأذون من مولاه أو
ارتهنه ولا دين عليه لم يجز لأن أكسابه ملك
لمولاه وفي هذه الحالة هو لا يستوجب الدين على
المولي ولا المولي عليه والرهن والارتهان لا
يكون إلا بدين واجب وإن كان عليه دين جاز له
أن يرهن من مولاه لأنه يستوجب على المولي دينا
يطالبه به ويستوفيه لحق الغرماء فيجوز أن
يرتهن به أيضا ولا يجوز لمولاه أن يرتهن منه
لأن المولي لا يستوجب عليه دينا يطالبه به
وإنه مالك لرقبته وإن كان عليه دين فلا يجوز
له أن يرهن منه.
وإذا أخذ العبد رهنا بشيء يقرضه فهلك الرهن
عنده قبل أن يقرضه وقيمته والقرض سواء فهو
ضامن لقيمته لأن المقبوض على جهة الشيء
كالمقبوض على حقيقته ولو أقرض مالا وقبض به
الرهن فهلك عنده كان هو بالهلاك مستوفيا وإن
كان أقرضه لا يجوز فكذلك إذا ارتهن على جهة
الإقراض يصير مستوفيا بهلاكه ويجب عليه رد ما
استوفي حين لم يكن له على مالك الرهن شيء
وكذلك لو ارتهن بكفالة بالمال يصير مستوفيا
بهلاك الرهن وإن لم تصح كفالته في حق المولي
وعليه رد ما استوفى ولا يجوز للعبد التاجر إن
يرهن عن غيره رهنا وإن أذن له مولاه فيه إذا
كان عليه دين لأنه رهنه عن غيره بمنزلة قضائه
دينه بكسبه وهو ينزع منه كالإقراض فلا يصح لحق
غرمائه وإن رضي به مولاه وكذلك لا يصح من
المكاتب كنفس الإقرار وإن لم يكن عليه دين جاز
بإذن المولي لأن كسبه حق لمولي ولو باشر
المولي ذلك في كسبه جاز فكذلك إذا فعله العبد
بإذنه.
وارتهان العبد التاجر من العبد التاجر جائز
فيما يجوز من الإقرار لأنها من صنع التجار ولا
يجوز للعبد التاجر أن يرهن نفسه كما لا يجوز
له أن يبيع نفسه وقد بينا إنه لو رهن ما لا
يملك بيعه لا يجوز ذلك وهو لا يملك بيع نفسه
إذ موجبه ضد موجب الإذن فإن موجب الإذن فك
الحجر عنه وموجب بيع نفسه إثبات الحجر عليه
فإن فعل ذلك فأجازه المولى جاز إن لم يكن عليه
دين غير ذلك.
ألا ترى إنه لو باع نفسه بذلك الدين فاجازه
المولى جاز فكذلك إذا رهنه وهذا لأن المولي
يملك مباشرة بيعه في هذه الحالة والإذن له في
ذلك فإجازته في الانتهاء كالإذن في
ج / 21 ص -128- الابتداء وإذا رهن العبد أو ارتهن ثم حجر عليه فالرهن جائز لأنه
تصرف في حال انفكاك الحجر عنه وكذلك المكاتب
إذا عجز ولا يجوز للعبد المحجور عليه أن يرهن
ولا يرتهن إلا أن يجبره المولي بمنزلة سائر
التصرفات ومنها البيع والشراء وبمنزلة الإيفاء
والاستيفاء وإذا رهن المولي شيئا من متاع
العبد المأذون وعليه دين لم يجز وإن أجازه
العبد لأن كسبه حق غرمائه والمولي ضامن لما
رهنه بحق الغرماء والعبد لا يملك إسقاط حق
الغرماء بإجازته رهن المولي إن لم يكن عليه
دين جائز لأن كسبه خالص حق المولي وكذلك لو
أعار العبد سلعة رجلا أو رهنه فرهنه لم يجز
لأن هذا بمنزلة الإقراض منه لمالية المتاع فإن
أجازه المولي وعليه دين لم يجز لأن المولي
ممنوع من هذا التصرف في كسبه لحق غرمائه فلا
ينفذ بإجازته وكذلك إن أجازه الغرماء لأن
دينهم لا يسقط بالإجازة وهو بمنزلة ما لو أقرض
العبد شيئا من كسبه لم يجز ذلك وإن أجازه
الغرماء.
ولو رهن الصبي الحر من غيره رهنا بأمر أبيه لم
يجز لأنه بمنزلة الإقراض والأب لا يملك
الإقراض في مال الصبي في ظاهر الرواية فكذلك
الصبي لا يملك الإقراض بأمر أبيه واشتراط
الخيار للراهن في الرهن ثلاثة أيام جائز كما
في البيع لأن عقد الرهن يلزم من قبل الراهن
وتأثير اشتراط الخيار في منع اللزوم مستفاد
ذلك بشرط الخيار للراهن ولا معنى لاشتراط
الخيار للمرتهن لأنه لا يتعلق به اللزوم في
حقه فإنه متمكن من رده متى شاء بغير خيار
وكذلك لا معنى لخيار الرؤية فيه لأن ذلك لو
ثبت إنما يثبت للمرتهن وهو متمكن من رده بعد
الرؤية متى شاء وليس له أن يأخذ مكانه رهنا
آخر وإن كان ذلك مشروطا لأن حكم الرهن لا يثبت
بدون القبض ولم يوجد منه القبض في عين أخرى
فلا يكون له أن يطالب به فلهذا لا يثبت
للمرتهن خيار الشرط والرؤية والله أعلم
باب
رهن أهل الكفر
قال رحمه
الله:الرهن والارتهان جائز بين أهل الذمة فيما يجوز بيعهم فيه بمنزلة
الإيفاء والاستيفاء فهو المقصود بالرهن أو
بمنزلة سائر المعاملات فالرهن منها وهم في
المعاملات يسوون بنا فإن رهنه خمرا فصارت
خلافان كانت قيمته مثل قيمتها يوم ارتهنها فهو
رهن على حاله لأن العين باقية في المالية وما
لم يتقوم لم يتغير بتغير هذا الوصف وضمان
الرهن باعتبار المالية فبتغير الوصف إذا لم
يكن بقضاء باقي المالية لا يعتبر وكذلك لو
رهنه عصيرا فصار خمرا لأن العين بكل واحد من
الوصفين مال متقوم في حقهم ولو رهنه شاة فماتت
سقط الدين لفوات المالية في ضمان المرتهن
وفيها وفاء بالدين فإن دبغ المرتهن جلدها فهو
رهن لأن الجلد بالدبغ صار مالا متقوما وهو مما
تناوله الرهن فبقدر ما جنى من المالية يعود من
الدين وهذا بخلاف الشاة المشتراة إذا ماتت قبل
القبض فدبغ البائع جلدها فإن سقط شيء من الثمن
لا يعود هناك لأن سقوط الثمن بانفساخ البيع
وبه عاد العبد إلى ملك البائع فالجلد المدبوغ
ملك البائع فلا يعود الملك فيه بعد ما انفسخ
فأما سقوط الدين هنا فبطريق
ج / 21 ص -129- الاستيفاء وانتهاء حكم الرهن مع بقاء الدين على ملك الراهن فالجلد
المدبوغ يكون ملكا له وقد كان حكم الرهن فيه
متقررا بالانتهاء فلهذا يعود من الدين حصة ما
جنى من مالية الجلد فإن كان الدين عشرة دراهم
وكانت الشاة تساوي عشرة والجلد يساوي درهما
فهو رهن بدرهم وإن كانت الشاة تساوي عشرين يوم
ارتهن والدين عشرة وكان الجلد يساوي درهما
يومئذ فالجلد رهن بنصف درهم.
والحاصل: أن انقسام الدين على
مالية الجلد واللحم وقت عقد الرهن وقد علمنا
إن بمقابلة كل درهم من الرهن نصف درهم من
الدين لأن قيمة الشاة ضعف الدين فتعود مالية
الجلد بعود نصف ماليته من الدين وذلك نصف درهم
فإن كانت الشاة يوم ارتهنت تساوي خمسة والجلد
يساوي درهما فقد ذهب من الدين أربعة والجلد
رهن بستة لأن الخمسة من الدين كانت باقية وقد
عاد من الساقط بقدر مالية الجلد وهو درهم وكل
جزء من الرهن محبوس بجميع الدين فلهذا كان
الجلد مرهونا بما بقي من الدين وهو ستة وإن
هلك هلك بدرهم.
ولو ارتهن المسلم من مسلم وكافر خمرا فصارت في
يده خلا لم يجز الرهن لانعدام المالية والتقوم
في الخمر بخمر في حق المسلم وموجب الرهن ثبت
بالعقد عند القبض والخمر ليس بمحل لذلك في حق
المسلم فبطل العقد لأنه لم يصادف محله والعقد
الباطل بحدوث الصلاحية في المحل المضاف إليه
لا ينقلب صحيحا كما لو اشترى مسلم خمرا فتخللت
أو صيدا قبل الأخذ ثم أخذه البائع وللراهن أن
يأخذ الخل ولا يعطيه أجرا لأن عين ملكه تغير
بطبعه من غير أن زاد المرتهن فيه شيئا من ملكه
أو أحدث فيه صنعا والدين عليه كما كان إن كان
الراهن مسلما وإن كان الراهن كافرا وكانت
قيمته يوم رهن والدين سواء فله أن يدع الخل
ويبطل الدين لأنه قبض الخمر على وجه الضمان
فخمر الكافر يجوز أن تكون مضمونة على المسلم
بالقبض وبالتخلل فإن مقصود المضمون له بصفة
الخمرية كانت مقصودة له ولا وجه لإسقاط شيء من
الدين باعتباره فكان له أن يجعل العين في حكم
المستهلك ويصير المرتهن مستوفيا دينه بطريق
المقاصة قيل هذا قول محمد كما هو أصله في
القلب إذا انكسر إنه تعتبر حالة الانكسار
بحالة الهلاك والأصح أنه قولهم جميعا لأن أبا
حنيفة وأبا يوسف رحمهما الله هناك في حال
الانكسار يوجبان ضمان القيمة لأن تمليك العين
بضمان القيمة من الضامن ممكن وهنا ذلك غير
ممكن والمضمون بالرهن هو الخمر والمسلم ليس من
أهل أن يكتسب بسبب ملك الخمر ببدل فلم يبق إلا
أن يكون له أن يدع الخل ويبطل الدين وهذا
بخلاف ما إذا كان المرتهن ذميا لأن هناك العقد
صحيح فباعتبار صحة العقد يكون المضمون هو
المالية والمالية لم تتغير بالتخلل وهنا العقد
باطل والمضمون بالقبض هو العين لأن الراهن ما
رضي بقبضه إلا باعتبار العقد فبدونه أشبه قبض
الغصب.
ولو غصب المسلم من ذمي خمرا فتخللت عنده كان
للمغصوب منه أن يدع الخل
ج / 21 ص -130- ويضمنه قيمته فهنا أيضا له أن يدع الخل ويختار تضمين القيمة ثم يصير
قصاصا بدينه وقيمته يوم الرهن والدين سواء
وبهذا التحقيق يظهر الاستيفاء عن القدر الذي
ذكرنا لأبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله في
الفرق بين هذا وبين القلب المستهلك فإنه لا
فرق سوى أن القيمة هناك من خلاف جنس الدين فلا
يصير قصاصا بالدين وهنا القيمة من جنس الدين
فيصير قصاصا بالدين.
ولو ارتهن مسلم عصيرا فصار خمرا والراهن مسلم
أيضا لم يكن للراهن أن يأخذه وللمرتهن أن
يخللها ويكون رهنا كما كان يبطل منها على حساب
ما نقص من الدين لأن بحدوث صفة الخمرية تنعدم
المالية ويتقوم في حق المسلم وذلك مسقط للدين
إلا أن المرتهن متمكن من إعادة المالية
بالتخليل فلا يكون للراهن أن يبطل عليه ذلك
بأخذها فإذا خللها المرتهن وقد عادت المالية
وبعودها يعود حكم الرهن كما في الشاة الميتة
إذا دبغ جلدها إلا أنه إن كانت مالية الخل دون
مالية العصير فقد انتقضت المالية بتغير حدث في
عين المرهون فهو بمنزلة العيب يسقط بحصته من
الدين وإن كان الراهن كافرا فله أن يأخذ الرهن
فيكون الدين على حاله وليس للمسلم أن يخللها
لأن بحدوث صفة الخمرية لم تنعدم المالية في حق
الراهن وقد فسد العقد به لأن الطارئ بعد العقد
قبل حصول المقصود به كالمقترن بالعقد والمسلم
لو ارتهن خمرا من كافر لم يصح فكذلك إذا ارتهن
عصيرا فتخمر يفسد العقد كما لو اشترى عصيرا
فتخمر قبل القبض وإذا فسد العقد كان للراهن أن
يأخذها والدين عليه كما كان لأن شيئا من
المالية لم يفت في ضمان المرتهن وليس للمسلم
أن يخللها هنا لأن صفة الخمرية مقصودة للكافر
فليس للمسلم أن يبطلها عليه بالتخلل فإن خللها
فهو ضامن لقيمتها يوم خللها لأنه صار غاصبا
بما صنع فهو كما لو غصب خمر ذمي وخللها فيضمن
قيمتها والخل له ويرجع بدينه لأن رد القيمة
كرد العين فلا يسقط شيء من دينه عن الراهن.
ولو رهن الذمي عند الذمي جلد ميتة فدبغه
المرتهن لم يكن رهنا لأن الميتة ليست بمال في
حقهم ولا يجوز بيعها بينهم فلا يجوز رهنها ثم
ما لم يكن مرهونا فبحدوث صفة المالية فيه لا
يصير مرهونا وللراهن أن يأخذه ويعطيه قيمة
الدباغة إن كان دبغه شيء له قيمة بمنزلة من
غصب جلد ميتة فدبغه وإذا ارتهن الذمي من الذمي
خمرا ثم أسلم فقد خرجت من الرهن لأن الإسلام
الطارئ بعد العقد قبل تمام المقصود به
كالمقارن للعقد بمنزلة التخمر في العصير في حق
المسلم فإن خللها فهو أن أصل العقد كان صحيحا
ثم فسد لانعدام المالية والتقوم بسبب
استلامهما في حقهما فإذا خللها المرتهن فقد
عاد فيها صفة المالية والتقوم فكانت رهنا على
حالها وكذلك لو أسلم أحدهما أيهما كان ثم صار
خلا فهو رهن وينقص من الدين بحساب ما نقص منها
لنقصان المالية بتغير صفة العين.
وإذا ارتهن الكافر من الكافر خمرا ووضعها على
يدي مسلم عدل وقبضها فالرهن جائز لأن العدل في
القبض نائب عن المرتهن والمرتهن من أهل العقد
على الخمر
ج / 21 ص -131- وحكم فعل النائب يظهر في حق المنوب عنه على أن يجعل فعله كفعل
المنوب عنه والمسلم ليس من أهل القبض منهم عند
عقد الرهن له فأما هو فمن أهل القبض منهم عند
عقد الرهن لغيره ولكنها تنزع من المسلم لأنه
مأمور بالإمساك عن الخمر ممنوع عن الاقتران
منها بقوله تعالى
{فَاجْتَنِبُوهُ}[المائدة:
90]فينزع من يده ويوضع على يدي ذمي عدل دين
مراعاة للنظر من الجانبين بمنزلة مسلم رهن من
مسلم شيئا ووضعه على يدي عدل فمات العدل فإنه
يوضع على يدي عدل آخر والحربي المستأمن في
الرهن والارتهان كالذمي فإن رجع إلى دار الحرب
ثم ظهر المسلمون على الدار فأخذوه أسيرا وله
في دار الإسلام رهن بدين عليه فقد بطل الدين
وصار الرهن الذي في يديه بذلك الدين في قول
أبي يوسف وقال محمد يباع الرهن فيستوفي
المرتهن دينه وما بقي فهو في عين أسره فأبو
يوسف يقول تبدلت نفسه بالأسر وصار مملوكا بعد
أن كان مالكا فيسقط الدين بفوات محله وهو
الذمة المشغولة فالدين لا يجب في ذمة العبد
إلا شاغلا مالية رقبته لضعف الذمة بالرق وذلك
غير ممكن هنا لأن الشيء يقتضي صفاء ملك
المالية في الشيء الثاني فلفوات المحل يسقط
الدين ثم الرهن الذي في يديه أما باعتبار أن
يده إليه أقرب من يد الأسير فيصير هو متملكا
له كمن أسلم في دار الحرب إذا ظهر المسلمون
على الدار كان معقولا به لأنه صار محررا لها
بسبق يده إليها أو لأن المرهون كان محبوسا
عنده إلى أن يصل إليه دينه وقد وقع اليأس عند
ذلك فبقي محبوسا في يده على التأييد ولا تظهر
فائدة ذلك إلا بأن يصير مملوكا له وقد كان هو
بحكم يده أخص بغرمه حتى لو هلك سقط دينه فيكون
أخص بقيمته فيملكه بذلك الدين وجه قول محمد أن
سقوط الدين عند الاسترقاق لفوات المحل ولم يفت
المحل هنا لأن الذمة بقيت صالحة لبقاء الواجب
فيها والرهن خلف في حكم الاستيفاء فيبقى الدين
باعتبار هذا الخلف كالمديون إذا مات يبقى
الدين باعتبار التركة لأنها خلف عن الذمة في
حكم الاستيفاء فإذا بقي الدين بقي حكم الأمان
في عين الرهن بحق المسلم المرتهن فيباع في
دينه وإذا استوفى دينه سقط حقه فيكون الباقي
لمن أسره لأن المرتهن في الباقي كان أمينا يده
فيه كيد صاحب الأمانة فكأنه كان في يد المأسور
والأسر كما يملك المأسور بالقهر يملك ما في
يده ولا يمكن أن يجعل مملوكا للمرتهن بضمان
الرهن لأن ضمان الرهن لا يوجب الملك في العين
ولا بطريق الاغتنام لأن ببقاء يد المرتهن وحقه
يبقي الإحراز ولا يفوت فلا يكون محلا للاغتنام
ما لم يسقط حق المرتهن والإحراز كان باعتبار
حقه لأنه لم يبق للمأسور حق فلهذا كان الباقي
لمن أسره.
وإن كان عنده رهن لمسلم أو ذمي بدين له عليه
رد الرهن على صاحبه وبطل دينهم عندهم جميعا
لأنه بالرق خرج عن أن يكون أهلا لملكه المال
فقد صار مملوكا ما لم يخلفه الثاني في ملك
الدين لأن ذمة المسلم لا تدخل تحت القهر فإذا
لم يملكه بالشيء سقط إما لفوات المطالبة به
أصلا أو لأن المسلم محرز ما في ذمته فيملكه
ويسقط عنه والرهن مردود
ج / 21 ص -132- على صاحبه لأنه ملك الرهن فلا يملكه الثاني لبقاء إحراز المسلم أو
الذمي له فلهذا كان مردودا عليه.
وإذا ارتهن الحربي من الحربي رهنا فقبضه ثم
خرجا بإمام فاختصما فيه لم يقض بينهما لأنهما
لم يستأمنا ليجري عليهما الحكم بل ليتجرا
ويعودا إلى دارهما وهذه المعاملة كانت منهما
حيفا حين لم يكونا تحت ولاية الإمام فما لم
يلتزما حكم الإسلام لم يقض في ذلك بينهما ولو
جاءا مسلمين أو ذميين ثم اختصما في الرهن وهو
بعينه أبقيت الرهن على حاله لأنهما التزما حكم
الإسلام وابتدآ الرهن والارتهان صحيح بينهما
بعد هذا الالتزام فيبقى أيضا ما كان جرى
بينهما ورهن المرتهن المرتد وارتهانه موقوف
عند أبي حنيفة فسائر تصرفاته فإن قتل على ردته
وهلك الرهن في يدي المرتهن وقيمته والدين سواء
وقد كان الدين قبل الردة والرهن من مال اكتسبه
قبل الردة أو كان الدين في ردته بإقرار منه أو
ببينة قامت عليه والرهن مما اكتسبه في الردة
أيضا فهو بما فيه لأن الرهن بمنزلة إيفاء
الدين عند هلاكه فيتغير بحقيقة الإيفاء وإنما
يوفي دين الإسلام من كسب الإسلام ودين الردة
من كسب الردة في ظاهر الرواية عنه فلا فائدة
في نقض الرهن هنا وإن كان في الرهن فضل على
الدين فإن المرتهن يضمن الفضل لأن الرهن لم
يصح في الفضل كما في حقيقة الإيفاء.
ولو استدان دينا في ردته ورهن به متاعا اكتسبه
في الردة وكان الدين قبل الردة والمتاع من
كسبه في الردة فالمرتهن ضامن لقيمته ويكون ذلك
كبائع ما اكتسب في الردة ويرجع المرتهن بماله
فيما اكتسبه قبل الردة لأن كسب الردة عنده فيء
وكسب الإسلام ميراث فإذا أوفى دين الإسلام في
كسب الردة فقد أوفاه من محل هو فيء للمسلمين
فيرد ذلك لمراعاة حق المسلمين بإيجاب ضمان
القيمة على المرتهن وكذلك إذا أوفى دين الردة
من كسب اكتسبه قبل الردة لأنه قضى بما هو حق
الورثة دينا لزمه في حالة الردة ومحل ذلك
الدين كسب الردة لأن الغنم مقابل بالغرم فيكون
المرتهن ضامنا قيمته للورثة وفي روايته عن أبي
يوسف وعن أبي حنيفة رحمهما الله إنما يقضي
الدينان من كسب الردة لأن حق المسلمين إنما
يثبت في كسب الردة باعتبار أنه مال ضائع وذلك
إذا فرغ عن دينه وكسب الإسلام يثبت فيه حق
ورثته بالردة فصار خارجا عن ملكه وإنما يقضي
دينه مما كان على ملكه إلى وقت موته فعلى هذا
يقول إن كان الرهن من كسب الردة فهو بما فيه
بأي العينين كان وإن كان من كسب الإسلام
فالمرتهن ضامن قيمته للورثة وفي رواية الحسن
عن أبي حنيفة رحمهما الله يقضي الدينان من كسب
الإسلام إذا أمكن لأنه كان مملوكا له موروثا
عنه والميراث يتأخر عن الدين فعلى هذا إذا كان
الرهن من كسب الإسلام فهو بما فيه وإن كان من
كسب الردة فالمرتهن ضامن قيمته للمسلمين ويرجع
بدينه في كسب الإسلام وأما عند أبي يوسف ومحمد
رحمهما الله حكم الكسبين سواء في أنه ميراث
عنه وتصرفه من حيث الرهن والارتهان نافذ وكان
الرهن بما فيه وكذلك إذا أسلم عند أبي حنيفة
لأن بإسلامه ينفذ الرهن كما ينفذ سائر
ج / 21 ص -133- تصرفاته وقول أبي حنيفة في رهن المرتدة وارتهانها كقولهما لأن رهنها
ينفذ كما تنفذ سائر تصرفاتها فإنها لا تقتل
والرجل يقتل.
وإذا ارتهن المسلم من مسلم عبدا مرتدا وقبضه
وهو لا يعلم به فقتل عنده فهو من مال الراهن
والدين عليه وكذلك لو كان حلال الدم بقصاص
فقتل عند المرتهن ولو كان قد سرق عند الراهن
فقطعت يده عند المرتهن لم يذهب من الدين شيء
وكان رهنا بالدين كله وأما العبد الزاني أو
القاذف أو الشارب خمرا عند الراهن إذا ضرب
الحد عند المرتهن فدخله من ذلك نقصان فذلك من
مال المرتهن وهذا كله في قول أبي حنيفة وقال
أبو يوسف ومحمد رحمهما الله مثل ذلك إلا في
السرقة والقتل فإنه يقوم سارقا ويقوم غير سارق
ويقوم حلال الدم ومحقون الدم فيسقط من الدين
باعتبار قيمته سارقا أو حلال الدم ويكون على
الراهن تفاوت ما بين القيمتين إذا قتل وفي
السارق يسقط من الدين نصف قيمته سارقا ويكون
مرهونا بما وراء ذلك وأصل هذه المسألة في
البيع إذا اشترى عبدا سارقا أو حلال الدم فقتل
أو قطعت يده عند المشتري وقد بيناه في البيوع
وإن اختلف الراهن والمرتهن في ذلك فقال الراهن
رهنتك وهو مسلم وقال المرتهن رهنته وهو كافر
فالقول قول المرتهن والبينة بينة الراهن لأن
المنازعة بينهما في استيفاء الدين والمرتهن
ينكر شيئا من الدين بما فعل به عنده والراهن
يدعي ذلك فالقول قول المنكر مع يمينه وعلى
الراهن إثبات ما يدعي بالبينة والله أعلم.
باب
رهن المضارب والشريك
قال رحمه
الله: وإذا رهن المضارب رهنا من المضاربة بدين استدامه عليها فإن كان رب
المال أمره بأن يستدين ويرهن فالرهن جائز
والدين عليهما لأن الاستدامة هو الشراء
بالبينة وذلك ليس من حكم المضاربة فالمضاربة
تستدعي رأس مال حاضر وذلك معدوم في الاستدانة
ولكن استدانة المضارب بأمر رب المال بمنزلة
استدانتهما جميعا فيكون المشتري بينهما نصفين
والثمن عليهما نصفان سواء كانت المضاربة
بالنصف أو بالثلث فإذا رهن بهذا الدين الذي
عليهما متاعا بإذن رب المال فهلك الرهن وفيه
وفاء صار المرتهن مستوفيا للثمن وعلى المضارب
نصفه لرب المال لأن مال المضاربة ملك رب المال
وقد قضى به دينا عليهما بأمره فيضمن له مقدار
حصته من ذلك كالمستعير للرهن إذا صار قاضيا
دينه بهلاك الرهن ضمن مثله للمعير وإن كان لم
يأمره أن يستدين عليهما فإنما استدان على نفسه
وقضى بمال المضاربة دينا عليه فيكون مخالفا في
حق رب المال ضامنا له قيمة المرهون كله.
وإذا ارتهن المضارب بدين من المضاربة جاز لأن
الارتهان بمنزلة الاستيفاء وإلى المضارب
استيفاء الدين الواجب للمضاربة ولو كانت
المضاربة ألفين واشترى عبدا بألف وقبضه ونقدها
ثم اشترى متاعا بالألف الأخرى وقبضه على أن
أعطاه العبد بها رهنا فهو جائز لأن الرهن
بمنزلة الاستيفاء والدين الواجب بتصرفه
للمضاربة إنما يقتضيه من مال المضاربة
ج / 21 ص -134- وإذا مات رب المال والمضاربة عروض فرهن المضارب منها شيئا لم يجز
لأن المضاربة تنتقض بموت رب المال كالشركة
وإنما يملك من التصرف بعد ذلك ما ينض به المال
ويرد رأس المال ويقسم الربح مع الورثة والرهن
ليس من هذا في شيء بما لا يملك أن يرهن فيكون
هو ضامنا بخلاف ما لو باع شيئا من المال لأنه
إن باعه بالنقد فهو تصرف في الذي ينض به المال
وإن باعه بالعرض فكذلك أيضا لأن هذا العرض
ربما لا يشتري بالنقد فتبادله بعرض آخر يشتري
ذلك منه بالنقد.
وإذا رهن رب المال متاعا من المضاربة وفيه فضل
لم يجز لأن حق المضارب في الفضل مملوك له فلا
يصح رهن رب المال فيه بغير رضا المطالب فلا
يصح فيما وراء ذلك لأجل الشيوع فإن لم يكن فيه
فضل على رأس المال فهو جائز لأنه رهن ملك نفسه
بدينه ولكن يضمن قيمة ذلك لأنه صار مخرجا له
من المضاربة وكان فيه حق للمضارب.
ألا ترى أنه لو نهاه عن التصرف فيه لا يعمل
بنهيه فيصير ضامنا لحقه كما لو استهلكه وعلى
قول زفر لا يضمن له شيئا وأصل الخلاف فيما إذا
باع المضارب شيئا من رب المال ولا فضل في
المال فعندنا يجوز البيع وعند زفر لا يجوز
البيع وبيانه في المضاربة وكذلك لو باع رب
المال متاعا في هذه الحالة وأكل ثمنه ورهن
المفاوض وارتهانه بدين المفاوضة جائز عليه
وعلى شريكه كالاستيفاء لأنهما فيما هو من
التجارة كالواحد من المتفاوضين يقوم مقام
صاحبه ولو وجب عليه دين من جناية فرهن به رهنا
من المفاوضة كان جائزا وهو ضامن حصة شريكه
وليس لشريكه أن ينقض الرهن لأنه سلطه على أن
يرهن ويبيع فلا يكون له أن ينقضه ولكن إذا هلك
الرهن صار قابضا فنصيب شريكه من الرهن دين
عليه فلهذا ضمن له قيمة نصيبه.
ولو أعار الشريك إنسانا متاعا ليرهنه كان
جائزا عليهما في قياس قول أبي حنيفة ولا يجوز
في قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله بمنزلة
الكفالة إذا كفل أحد المتفاوضين بدين وقد
بيناه في كتاب الكفالة.
ولو استعار متاعا من رجل وقبضه ورهنه كان
جائزا لأن هذا من صنع التجار ففعل أحدهما فيه
كفعلهما فإن هلك وقيمته والدين سواء ضمن المال
الذي أعاره لأنه صار ضامنا دينه بملكه وإذا
ارتهن المفاوض رهنا فوضعه عند شريكه فضاع فهو
بما فيه لأن كل واحد من المتفاوضين يحفظ المال
بيد صاحبه كما يحفظه بيد زوجته فيسلم إلى
صاحبه بمنزلة تسليمه إلى زوجته وإذا رهن أحد
شريكي العنان رهنا بدين عليهما لم يجز وكان
ضامنا للرهن لأن كل واحد منهما في نصيب صاحبه
وكيل بالبيع فقط والوكيل بالبيع لا يملك الرهن
وإذا لم يصح رهنه في نصيب شريكه لم يصح في
نصيبه ويكون ضامنا نصيب صاحبه للخلاف ولو
ارتهن بدين لهما أدياه وقبض لم يجز على شريكه
لأنه لا يملك استيفاء نصيب شريكه فإنه غير
مالك لذلك ولا مباشر سبب وجوبه فإن هلك في يده
ذهب بحصته من الدين ويرجع شريكه
ج / 21 ص -135- بحصته على المطلوب ويرجع المطلوب على المرتهن بنصف قيمة الرهن وإن
شاء الشريك ضمن شريكه حصته لأن أخذه الرهن
بمنزلة استيفاء المال وقد بينا وجه هذه
المسألة مع ما فيها من طعن عيسى في كتاب
الشركة ولو كانت شركتهما على أن يعمل كل واحد
منهما برأيه فيها فما رهن أحدهما أو ارتهن فهو
جائز على صاحبه لأن صاحبه أجاز صنيعه على
العموم فيما هو من عمل التجارة والرهن
والارتهان من هذه الجملة.
وإذا استودع الرهن صاحبه أو أحدا من عياله لم
يضمن لأنه يحفظ المرهون على الوجه الذي يحفظ
مال نفسه وإنما يحفظ مال نفسه بيد هؤلاء عادة
فكذلك المرهون لو أخذ رهنا بدين لهما وهلك
عنده فقال شريكه لم تأخذه رهنا وقال الآخر
أخذته رهنا فهلك عندي فإن كان هو ولي حقيقة
البيع فالقول قوله لأن هذا منه إقرار
بالاستيفاء وهو المختص بملك الاستيفاء فيجوز
إقراره به وإن وليها الآخر لم يصدق في هذاإلا
أن يكون كل واحد منهما قد أجاز ما صنع صاحبه
أو أذن له أن يعمل في ذلك برأيه في الرهن
فحينئذ يملك الاستيفاء فيما وجب بمعاملة صاحبه
فيصح إقراره بالاستيفاء والرهن فيه أيضا وإن
كانت شركتهما الثلث والثلثين على أن يعمل كل
واحد منهما برأيه فادان أحدهما دينا من الشركة
فهو جائز لأن كل واحد منهما منفرد برأيه فلو
ادان أحدهما دينا من الشركة فهو جائز لأن كل
واحد منهما فوض الأمر إلى رأي صاحبه فيما هو
من عمل التجارة والإدانة من ذلك وكذلك إن رهن
أو ارتهن فهو على قدر الشركة بينهما على الثلث
والثلثين والكفيل بالدين بأمر المكفول عنه إذا
ارتهن من المكفول عنه رهنا وقبضه فهو جائز وإن
لم يكن أدى المال بعد لأن بنفس الكفالة يجب
المال للكفيل على الأصيل كما يجب للطالب على
الكفيل ولكنه مؤجل إلى أن يؤدي عنه.
ألا ترى أنه إذا طولب طالب وإذا لوزم لازم
وإذا أدى رجع والرهن بالدين المؤجل صحيح وإذا
افترق الشريكان ثم هلك الرهن في يد أحدهما ثم
قال أخذت هذا الرهن من فلان بديني ودينك في
الشركة قبل أن نفترق وقال الآخر أخذته بعد ما
افترقنا فإن كان هذا ادان بدين في الشركة وحده
فلا فائدة في هذا الاختلاف لأنه يملك أخذ
الرهن بها في الشركة وبعدها فإن الاستيفاء
إليه خاصة فكما يصح مباشرته عليها يصح إقراره
وإن كان الآخر أدانه فعلى المرتهن البينة أنه
أخذه في الشركة فإن جاء ببينة على ذلك وقد
أجاز كل واحد منهما ما صنع صاحبه فهو جائز لأن
الثابت بالبينة كالثابت بالمعاينة وفعل أحدهما
في الشركة عند إجازة صاحبه صنيعه كفعل صاحبه
وإن لم يكن أجاز كل واحد منهما ما صنع صاحبه
ولم يقل له اعمل فيه برأيك لم يجز على شريكه
وإن كان أخذه في الشركة.
ولو أن رجلا ادان رجلا ألفا واحدة أخذ بها
رهنا منه لم يجز ذلك على رب المال كما لو
استوفاه حقيقة لأن صاحب المال لم يكن يأمره
بذلك ولا يضمن آخذ الرهن شيئا لأنه هنا بمنزلة
العدل في حق الراهن وإنما قبض العين بإذنه فلا
يكون مضمونا عليه وعيسى في مسألة الطعن إنما
يستدل بهذا وقد بينا الفرق بينهما في كتاب
الشركة ولو كان قال وكلني
ج / 21 ص -136- بقبض المال وأمرني أن آخذ به منك رهنا فأخذ به منك رهنا قيمته مثل
الدين فهلك عنده قال يضمن قيمته للراهن لأنه
إنما رضي بتسليم المال إليه على أنه وكيل تبرأ
ذمته بهلاك الرهن في يده وقد تبين أنه لم يكن
وكيلا فكان قابضا بغير إذنه ضامنا للقيمة ولو
كان المطلوب صدقه بالوكالة لم يرجع المطلوب
على الوكيل بشيء لأن في زعمه أنه كان أمينا في
قبض الرهن وإنه استفاد البراءة بهلاك الرهن في
يده إلا أن الطالب ظلمه بالرجوع عليه مرة أخرى
بدينه ومن ظلم ليس له أن يظلم غيره وزعمه
معتبر في حقه فلا يرجع على الوكيل بشيء لهذا.
ولو كان لرجل على رجل عشرة دراهم فجاء رجل
وقال قد وكلني فلان بأخذها منك أو ابتاع منك
بيعا بها فاصنع فيها ما شئت فأعطاه ثوبا بخمسة
دراهم ورهنه ثوبا بخمسة وقبضهما وصدقه المطلوب
في ذلك فهلك الثوبان عنده ضمن ثمن الثوب الذي
اشتراه لأنه وكيل بالشراء بتصادقهما ولكن
الوكيل بالشراء مطلوب بالثمن ضامن له ولم تقع
المقاصة بدين الطالب حين جحد الوكالة ولم يضمن
الذي ارتهنه لأنه عدل فيه بزعمهما ويرجع
الطالب على الغريم بالعشرة لأن الوكالة لم
تثبت في حقه حين جحد وحلف فيرجع بماله على
المطلوب والله أعلم
باب
العارية في الرهن
قال رحمه
الله:وإذا استعار الرجل من الرجل ثوبا ليرهنه فما رهنه به من قليل أو
كثير فهو جائز أما جواز الاستعارة للرهن فلان
الدين يتعلق بمالية الرهن والمعير يرضى بتعلق
حق صاحب الدين بملكه واستحقاق ماليته به كما
إن الوكيل بالدين يلتزم المطالبة في ذمته على
وجه يستحق به قضاء الدين من ماله وذلك منه
تبرع صحيح فهذا مثله والدليل عليه أنه لو أمر
عبده بأن يكفل بمال صح والدين لا يجب على
العبد إلا شاغلا لمالية رقبته فإذا ملك شاغل
مالية رقبة العبد بطريق الإذن في الكفالة تملك
ذلك بطريق الإعارة للرهن لأن الثابت بالرهن
للمرتهن بعض ما ثبت بحقيقة الاستيفاء وهو ملك
اليد فإذا جاز أن يثبت له ملك اليد والعين
جميعا بإيفاء غير المديون من ماله على طريق
التبرع يجوز أن يثبت ملك اليد له بالرهن أيضا
وإذا جاز أن يفصل ملك اليد على ملك العين بقاء
للبائع جاز أن ينفصل ملك اليد عن ملك العين
ثبوتا للمرتهن ثم ما رهنه به من قليل أو كثير
فهو جائز لأن المعير أطلق فالتقييد شيء زيادة
عليه فلا يثبت ذلك بالمطلق وهذا الإطلاق لا
يمنع صحة الإعارة لأنه لا يفضي إلى المنازعة
بمنزلة الإعارة للانتفاع مطلقا ولو سمى له
سببا فرهنه بأقل منه أو أكثر ضمنه أما إذا
رهنه بأكثر فلانعدام الرضا من المعير بالزيادة
لأن الإنسان قد يرضى بأن يكون ملكه محبوسا بما
تيسر عليه أو على المستعير قضاؤه دون ما تيسر
عليهما وأما إذا رهنه بأقل فلان المعير إنما
رضي بشرط أن يصير المرتهن عند الهلاك مستوفيا
للعشرين ليرجع هو على المستعير بذلك فإذا رهنه
بأقل فعند الهلاك إنما يرجع المعير على
المستعير بذلك القدر والحاصل أن التقييد متى
كان مفيدا فهو معتبر والتقييد هنا مفيد في
المنع من الزيادة والنقصان جميعا
ج / 21 ص -137-
وكذلك لو قال:
ارهنه بجنس فرهنه بجنس آخر فهو تقييد مفيد
لأنه يتعسر على المعير أداء جنس دون جنس وكان
مقصوده من التقييدات يتمكن من غير ملكه بأداء
الجنس الذي هو متيسر عليه وكذلك إن أمره أن
يرهنه من رجل فرهنه من غيره لأن هذا التقييد
مفيد فالناس يتفاوتون في الحفظ وأداء الأمانة
وكذلك لو قال ارهنه بالكوفة فرهنه بالبصرة لأن
هذا التقييد مفيد فقد يرضى الإنسان بأن يكون
ماله في بلدة دون بلدة ومتى صار مخالفا فإنه
يصير ضامنا قيمته وللمعير الخيار إن شاء ضمن
المستعير وتم عقد الرهن بينه وبين المرتهن وإن
شاء ضمن المرتهن ورجع المرتهن بما ضمن وبالدين
على الراهن وقد بينا ذلك في الاستحقاق.
ولو استعار ثوبا ليرهنه بعشرة فرهنه بعشرة
وقيمته عشرة أو أكثر فهلك عند المرتهن بطل
المال عن الراهن لأن الاستيفاء قد تم بهلاك
الرهن ووجب مثله لرب الثوب على الراهن لأنه
قبض الثوب وسلمه برضاه وذلك يمنع وجوب ضمان
العيب ولكن صار قاضيا دينه بهذا القدر من
ماليته ومن قضى دينه بمال الغير يضمن له مثل
ذلك المال وكذلك لو أصابه عيب ذهب من الدين
بحسابه ووجب مثله لرب الثوب على الراهن لأنه
صار قاضيا هذا القدر من الدين بماله والجزء
معتبر بالكل فإن كان الثوب يساوي خمسة وهو رهن
بعشرة فأعسر الراهن ولم يجد ما يفتكه به ثم
هلك الثوب في يد المرتهن ذهب بخمسة وعلى
الراهن خمسة للمرتهن وهو مقدار الزيادة على
قيمة الرهن من الدين وهي خمسة لرب الثوب لأنه
صار موفيا خمسة من دينه بمالية ثوبه فيغرم له
مثله ولو كانت قيمته مثل الدين وأراد المعير
أن يفتكه حين أعسر الراهن لم يكن للمرتهن أن
يمتنع من دفعه إليه إذا قضاه دينه بخلاف ما
إذا تبرع أجنبي بقضاء الدين فلصاحب الدين أن
لايفتكه منه لأن المعير بالإيفاء هنا يقصد
تخليص ملكه فكان بمنزلة المديون الذي يقصد
بالإيفاء تفريغ ذمته فأما الأجنبي فلا يقصد
تخليص ملكه ولا ذمته بل هو متبرع على الطالب
فله أن لا يقبل تبرعه.
توضيحه: أن المرتهن هنا رضي
باستيفاء دينه بملك الغير فلا فرق في حقه بين
مالية الرهن وبين مال آخر يعطيه وهو في الإباء
بعد الرضا يكون متعينا وبهذا الحرف يرجع
المعير على الراهن بما أدى عنه لأن الراهن رضي
بأن يصير دينه مقضيا بملك المعير على وجه يرجع
عليه بمثله وهو إذا هلك الرهن فلا فرق في ذلك
بين مالية الرهن وبين مال آخر يؤديه.
ولو هلك ثوب العارية عند الراهن قبل أن يرهنه
أو بعد ما أفتكه فلا ضمان عليه فيه لأن حفظه
العين في الحالين بإذن المالك وبالهلاك قبل
الرهن أو بعد الفكاك لا يصير قاضيا شيئا من
دينه بماليته وإن قال رب الثوب: هلك قبل أن
يفتكه وقال الراهن هلك بعد ما افتككته أو قبل
أن أرهنه فالقول قوله والبينة بينة رب الثوب
أما إذا قال هلك قبل أن أرهنه فلإنكاره السبب
الموجب للضمان وحاجة رب الثوب إلى إثبات ذلك
بالبينة وأما إذا قال هلك بعد ما افتككته فلان
رب الثوب يدعي عليه إيفاء الدين بماليته وهو
منكر لذلك فالقول قول المنكر مع يمينه وعلى
المدعي البينة
ج / 21 ص -138-
فإن قيل:هنا
الراهن قد أقر بسبب وجوب الضمان وهو رهنه
الثوب بدينه أو ادعى ناسخه وهو الفكاك فلا
يقبل قوله في ذلك إلا بحجة كالغاصب يدعي رد
المغصوب.
قلنا:لا كذلك فالرهن بإذن
صاحب الثوب ليس بسبب موجب للضمان على أحد
وإنما الموجب للضمان عليه لرب الثوب فراغ ذمته
عن الدين بسبب مالية الرهن.
ألا يرى إنه بذلك القدر يستوجب الرجوع عليه
وبالرهن لا يحصل شيء من ذلك فكانت دعواه
الهلاك بعد الفكاك ودعواه الهلاك قبل الرهن في
هذا المعنى سواء.
ولو اختلف الراهن والمرتهن فقال المرتهن قبضت
منك المال وأعطيتك الثوب وأقام البينة وقال
الراهن بل أقبضتك المال وهلك الثوب عندك وأقام
البينة فالبينة بينة الراهن لأنه ثبت ببينته
إيفاء الدين بمالية الرهن والمرتهن ينفي ذلك
بقوله أعطيتك الثوب وترجيح الثياب بالإثبات
أصل فإن كان الثوب عارية فقال رب الثوب أمرتك
أن ترهنه بخمسة وقال المستعير بعشرة فالقول
قول رب الثوب لأن الإذن يستفاد من جهته ولو
أنكره كان القول قوله فكذلك إذا أقر به مقيدا
بصفة والبينة بينة المستعير لإثباته الزيادة
وحاجته إليه.
ولو استعار عبدا يساوي ألف درهم ليرهنه بألف
فرهنه بألف ولم يقبضه حتى مات العبد عند
المرتهن فعلى المرتهن ألف درهم للراهن لأن
الدين الموعود كالدين المستحق لأنه يصير
مستوفيا بهلاك الرهن ولم يكن للمرتهن على
الراهن مثله ليصير قصاصا فعليه رد المستوفي
إلى الراهن وعليه ألف درهم لصاحب العبد لأن
سلامة هذا القدر له من مالية الرهن باستيفائه
من المرتهن كسلامته له ببراءة ذمته عنه فإن
رهنه وأخذ الألف ثم أعتقه الغير جاز عتقه
لقيام ملكه في العبد بمد الرهن وقد قررناه في
إعتاق الراهن وللمرتهن أن يرجع بالمال دينا
على الراهن لأن دينه ثابت في ذمته والمعير صار
مستردا للرهن بالإعتاق وإن شاء رجع به على رب
العبد لأن حق المرتهن تعلق بماليته برضاء
المعير وقد استهلكه بإعتاقه فهو كما لو
استهلكه بالإتلاف وهو في هذا الحكم كأجنبي آخر
فيضمن قيمته وتكون القيمة رهنا في يده حتى
يقبض دينه من الراهن ثم يردها على المعير لأن
استرداد القيمة كاسترداد العين وإن لم يعتقه
ولكن الراهن أقر أنه قد قبض العبد ثم مات عنده
وادعى ذلك المرتهن وكذلك المعير فإن الراهن
يصدق على قبضه العبد لأن المال عليه للمرتهن
وهو قد أقر ببقاء دينه عليه كما كان وقوله حجة
عليه.
وكذلك لو كان العبد حيا فقبضه الراهن ثم قال
اعور عندي ولم أعطه المال بعد وصدقه المرتهن
فالقول قول الراهن لإقراره بوجوب جميع الدين
عليه للمرتهن ولو قضي الراهن المرتهن المال
وبعث وكيلا يقبض العبد فهلك عنده ضمنه
المستعير أيضا لصاحبه بمنزلة ما لو قبضه
المستعير بنفسه ثم دفعه إلى الأجنبي إلا أن
يكون الوكيل من عياله لأنه لو قبضه بنفسه ثم
دفعه إليه لم يضمنه فيد من في عياله في حفظ
الأمانة كيده ولو استعار عبدا من رجلين فرهنه
بأمرهما عند رجل ثم قضى نصف المال وقال هذا
فكاك من نصيب فلان خاصة لم يكن له
ج / 21 ص -139- ذلك وكان من جميع العبد لأن جميع العبد مرهون بالدين صفقة واحدة وكل
جزء منه محبوس بجميع الدين.
ألا ترى إنه لو فرق القيمة في الابتداء وقال
نصيب فلان بنصف المال ونصيب فلان بنصف المال
لا يجوز ذلك فهو في الانتهاء بهذا التفصيل
يريد إبطال الرهن في النصف الباقي وهو لا
يتمكن من ذلك.
ولو استعار عبدا فرهنه بألف وقيمته ألف ثم قضي
المال وهلك العبد عند المرتهن فلا ضمان على
الراهن والمرتهن ضامن للألف يردها على مولي
العبد قال عيسى رحمه الله هذا خطأ ولكن الصحيح
أن الراهن ضامن للألف لصاحب العبد والمرتهن
ضامن للألف للراهن لما هلك في يد المرتهن فقد
تم الاستيفاء الذي انعقد بقبض الرهن وعلى
المرتهن رد ما استوفى بإيفائه وإنما استوفاه
من الراهن فيرده عليه والراهن صار قاضيا دينه
بملك المعير فيقوم له مثل ذلك قال الحاكم
ويحتمل أن يكون أداه فقوله لا ضمان على الراهن
ضمان القيمة لأنه لا يتحقق منه خلاف يترك
استرداد الرهن مع قضاء الدين بخلاف ما لو
استرده ثم دفعه إلى المرتهن يكون ضامنا قيمته
للخلاف بالتسليم للأجنبي قال ورأيت جواب هذه
المسألة في رواية أبي حفص المرتهن ضامن للألف
يردها على الراهن ويردها الراهن على مولي
العبد ولم يقل لا ضمان على الراهن وهو الأصح
كما قال عيسى.
ولو استعار عبد الرهن أو دابته فاستخدم العبد
وركب الدابة قبل أن يرهنهما بمال بمثل قيمتهما
ثم قضى المال ولم يقبضهما حتى هلكا عند
المرتهن فلا ضمان على الراهن لأنه قد بريء عن
الضمان حين رهنهما فإن كان أمينا خالف ثم عاد
إلى الوفاق فيبرأ عن الضمان حين رهنهما.
فإن قيل:أليس أن المستعير إذا
خالف بمجاوزة المكان لم يبرأ عن الضمان ما لم
تصل العين إلى صاحبها وهذا مستعير قد خالف
فكيف يبرأ عن الضمان قبل وصول المال إلى
صاحبه.
قلنا:لأن يد المستعير كيد
نفسه فبالعود إلى المكان المشروط لا يصير أداء
للعين لصاحبها حقيقة ولا حكما بخلاف المودع
فإن يده كيد المالك فبالعود إلى الوفاق يصير
أداء عليه حكما وما نحن فيه نظير مسألة
الوديعة لأن تسليمه إلى المرتهن يرجع إلى
تحقيق مقصود المعير حتى لو هلك بعد ذلك يصير
دينه نقضا فيستوجب المعير الرجوع على الراهن
بمثله وكان ذلك بمنزلة الرد عليه حكما فلهذا
بريء به من الضمان قال والمال على المرتهن
يرده على المعير هكذا ذكر في رواية أبي حفص
وفي رواية أبي سليمان قال والمال على المرتهن
يرده على الراهن ثم يأخذه المعير وقيل وهو
الصحيح لأن المرتهن صار مستوفيا دينه بهلاك
الرهن وظهر أنه استوفى الرهن فعليه أن يرد
المستوفي ثانيا على من استوفاه منه وهو الراهن
ويرجع المعير على الراهن لما صار قاضيا من
دينه بملكه.
ولو قبل الراهن الرهن وقبضه ثم ركب الدابة أو
استخدم العبد فهو ضامن لاستعماله ملك
ج / 21 ص -140- الغير بغير أمره فإن لم تعطب في الركوب والخدمة ثم عطبت بعد ذلك من
غير صنعه فلا ضمان عليه لأنه بعد الفكاك
بمنزلة المودع لا بمنزلة المستعير والمودع إذا
خالف ثم ترك الخلاف بريء من الضمان ولو استعار
أمة ليرهنها فرهنها ثم وطئها الراهن أو
المرتهن فإنه يدرأ له الحد عنهما أما المرتهن
فلأنه ثبت ملك العبد بعقد الرهن وذلك مسقط
للحد وأطلق الجواب هنا وفسر في كتاب الحدود
فقال إذا قال ظننتها تحل لي وهو الصحيح فملك
اليد الثابت للمرتهن هناك كملك اليد للزوج في
العدة في حق المكانة وذلك إنما يسقط الحد إذا
قال ظننت أنها تحل لي وكذلك لو وطئها الراهن
وقال ظننتها تحل لي لأن حقه فيها نظير حق
المرتهن فله حق إيفاء الدين بماليتها وللمرتهن
حق استيفاء الدين من ماليتها فكما يسقط الحد
باعتبار هذا المعنى عن المرتهن فكذلك عن
الراهن ويكون المهر على الواطئ لأن الوطء في
غير الملك لا ينفك عن حد أو مهر والمهر بمنزلة
الزيادة المنفصلة المتولدة من العين لأنه بدل
المستوفي والمستوفي في حكم جزء من العين فيكون
رهنا معها فإذا أفتكها الراهن سلمت الأمة
ومهرها لمولاها كما لو كانت ولدت ولو وهب لها
هبة أو اكتسبت كسبا فذلك لمولاها لما بينا أن
حكم الرهن لا يثبت في الزيادة حتى هي غير
مطالبة من العين ولكنها تملك بملك الأصل وملك
الأصل للمعير فكذلك الغلة والكسب يكون له
والله أعلم.
باب
رهن الأرضين وغيرها
قال رحمه
الله:وإذا ارتهن أرضا فيها نخل وشجر وقبضها فهو جائز وسقي النخل والشجر
على الراهن لأن سقي النخل بمنزلة علف الدواب
ونفقة المالك ليبقى منتفعا بها فيكون على
الراهن باعتبار ملكه كما كان قبل الرهن وإن
أنفق المرتهن عليها فهو متطوع إلا أن يكون
بأمر القاضي وجعله دينا على الراهن وقد بينا
ذلك في النفقة وليس للمرتهن أن يبيع ثمرة
النخيل وإن خاف الفساد عليها لأنه حافظ لها
وبحق الحفظ لا يثبت له ولاية البيع لما فيه من
ترك حفظ العين إلا بأمر الراهن أو بأمر القاضي
إن كان الراهن غائبا لأن للقاضي ولاية النظر
في مال الغائب وبيع ما يخاف الفساد على عينه
من النظر ويدخل البناء والشجر في رهن الأرض
والداروان لم يذكر كما في البيع وكذلك ثمر
النخيل والشجر وزرع الأرض يدخل في الرهن من
غير ذكر لقصدهما إلى تصحيح الرهن وقلة الضرر
على الراهن في دخولهما فيه بخلاف البيع والهبة
وقد بينا هذا الفرق فيما سبق.
وإذا أخذ السلطان العشر من الغلة لم ينقص ذلك
من الدين لأنه أخذ ذلك بحق مستحق على الراهن
فهو في حق المرتهن بمنزلة الاستحقاق ولا يبطل
به الرهن فيما يبقى لأن مقدار العشر من الغلة
يبقى على ملك الراهن ما لم يأخذه السلطان.
ألا ترى أنه لو أدى العشر من موضع آخر جاز فصح
الرهن في الكل ثم خرج هذا الجزء بأخذ السلطان
والباقي مقسوم فلا يتمكن بسببه الشيوع في
الرهن قارنا ولا مقارنا.
ولو أخذ السلطان العشر من الراهن لم يرجع
الراهن في غلة الأرض بشيء لأن الرهن في
ج / 21 ص -141- الكل صحيح لمصادفة العقد ملكه ولو أخذها المرتهن فأدى عشرها أو
خراجها لم يرجع على الراهن بذلك لأنه إن تطوع
بالأداء فلأنه متبرع فيما أدى وإن أكرهه
السلطان فهو ظالم في حقه لأنه ليس عليه من
الخراج والعشر شيء والمظلوم لا يرجع إلا على
الظالم وليس للراهن أن يزرع الأرض المرهونة
لأن ذلك انتفاع منه بالمرهون وهو ممنوع من ذلك
عندنا بحق المرتهن وكذلك لا يؤاجرها لأنه لما
منع من الانتفاع بنفسه فلان يمنع من تمليك
منفعتها من غيره ببدل أولى وهذا لأنه بالإجارة
يوجب للغير حقا لازما وفي تصحيحها إبطال حق
المرتهن في استدامة اليد فإن فعل ذلك فالأجر
له لأنه وجب بعقده بدلا عن منفعة مملوكة له
وكذلك المرتهن لا يزرعها لأن الملك فيها لغيره
فلا يزرعها ولا يؤاجرها بغير إذنه فإن فعل ذلك
ضمن ما نقص من الأرض وتصدق بالأجر إن أجر
ويفصل الزرع أما ضمان النقصان فلأنه بالزراعة
متلف جزءا منها وأما التصدق فلأنه فصل حصل له
من ملك الغير بسبب حرام شرعا.
ولو أذن له الراهن في الإجارة ففعل أو سلم
المرتهن للراهن أن يؤاجر أو يرهن ففعل خرجت من
الرهن ولا يعود فيه لأن الإجارة عقد لازم من
الجانبين ويستحق به تسليم العين والرهن يتعلق
به اللزوم في جانب الراهن وقد بينا إن الشيء
ينقصه ما هو مثله أو أقوى منه فمن ضرورة نفوذ
العقد الثاني بطلان الرهن الأول ولو أعادها
بإذن الراهن وقبضها المستعير خرجت من الرهن ما
دامت في يد المستعير ولم يرد به خروجها من
العقد وإنما أراد خروجها من الضمان الثابت بيد
المرتهن لأن يد المستعير يد نفسه ولهذا يتقرر
عليه ضمان الاستحقاق وتلزمه مؤنة الرد
فباعتباره لا تبقى يد المرتهن وضمان الراهن
باعتبار يد المرتهن فأما عقد الرهن فباق لأن
الإعارة لا توجب حقا لازما للمستعير والشيء لا
ينقصه ما هو دونه فلهذا لا يبطل الحق الثابت
للمرتهن فيكون له أن يستردها متى شاء.
ولو كانت جارية فولدت في يد المستعير كان
الولد رهنا معها وللمرتهن أن يستردهما لما
قلنا وكذلك أن زرع المستعير الأرض بإذنهما
فالإعارة لا تلزم بعد الزراعة كما كان قبلها
ولو ارتهن أرضا فغرقت وغلب عليها الماء حتى
جرت فيها السفن وصارت نهرا لا يستطاع أن ينتفع
بها ولا ينحسر عنها الماء فلا حق للمرتهن على
الراهن لأن المرهون صار في حكم المستهلك خصوصا
في حق المال فإنه خرج عن أن يكون منتفعا به
وبفوات مالية الرهن يصير المرتهن مستوفيا دينه
ولأن المرتهن إنما يطالب الراهن بالدين إذا
قدر على تسليم الرهن إليه بعد استيفاء الدين
كما قبضه منه وهو عاجز عن ذلك فهو نظير العبد
المرهون إذا أبق فإن نضب الماء عنها فهي رهن
على حالها لأن ماليتها عادت بصيرورتها منتفعا
بها كما كانت وإن أفسد منها شيئا ذهب من الدين
بحسابه والله أعلم
باب
رهن الرجلين وارتهانهما
قال رحمه
الله: وإذا كان لرجلين على رجل دين هما فيه شريكان أو لأحدهما دنانير
وللآخر دراهم أو حنطة أو غيرهما فرهنهما بذلك
رهنا واحدا فهو جائز من أي وجه كان كالواحد من
ج / 21 ص -142- الدينين لأن جميع الرهن يكون محبوسا بدين كل واحد منهما لاتحاد
الصفقة ولأنه لا شيوع في المحل باعتبار عدد
المستحقين وهو نظير قصاص يجب لجماعة على شخص
فإنه لا يتمكن الشيوع في المحل باعتبار عدد
المستحقين فإن قضى أحدهما ماله لم يأخذ الرهن
حتى يقبض الثاني ماله لثبوت حق الحبس لكل واحد
منهما في جميع الرهن بدينه وإن تلف الرهن عنده
استرد الذي قضاه ما أعطاه لأن بهلاك الرهن
يصير كل واحد منهما مستوفيا دينه من نصف مالية
الرهن فإن في الرهن وفاء بدينهما فتبين أن
القابض استوفى حقه مرتين فعليه رد ما قبضه
ثانيا وقد بينا أن باستيفاء الدين يتقرر حكم
ضمان الرهن ولا يبطل ما لم يعد الرهن إلى يد
الراهن.
وإذا ارتهن الرجل من الرجلين دارا بحق له
عليهما فهو جائز لأنه لا شيوع في الرهن إنما
الشيوع في ملك الراهنين فإن قضاه أحدهما نصف
المال لم يأخذ شيئا من الدار حتى يقضي صاحبه
ما عليه لأن جميع الرهن محبوس بكل جزء من
الدين وقد رضيا فذلك دين أوجبا له الرهن في
جميعها صفقة واحدة وإذا كانت الأرض بين رجلين
فرهناها من رجل له عليهما مال وأحدهما شريك في
ذلك المال والمال متفرق لم يجز الرهن من قبل
أنه لا يكون راهنا لنفسه فلما بطل بعضه بطل
كله ومعنى هذا أن ملكه لا يجوز أن يكون مرهونا
بشيء من نصيبه من المال وبطلان الرهن في جزء
من الأرض شائع يبطل الرهن في جميعها.
وإذا ارتهن الرجل من الرجلين أرضا أو دارا
ولأحدهما أكثر من نصفها وقبض فهو جائز لاتحاد
الصفقة وثبوت حق المرتهن في حبس الكل وانتفاء
الشيوع عن المحل في موجب الرهن وأكثر ما فيه
أن دينهما سواء فصاحب الكبير كالمعير نصيبه من
صاحبه ليرهنه معه وذلك مستقيم وإذا كان
المرتهن اثنين والراهن اثنين فرهناهما دارا
وجعلاها أثلاثا أو نصفين من قبل أنهما قد فصلا
بعض الرهن من بعض معناه أن يفرق التسمية فيما
أوجبا لكل واحد منهما بمنع ثبوت حق الحبس لكل
واحد منهما في جميعه أو يوجب ذلك تفريق
التسمية كما في البيع من رجلين بتسمية متفرقة
وبتفرق التسمية يتمكن الشيوع في محل فيما
أوجباه لكل واحد منهما وذلك مبطل للرهن.
ولو كان لأحدهما ألف درهم وللآخر ألفا درهم
على حدة فرهناهما الدار جميعا كان جائزا
ولصاحب الألفين الثلثان وللآخر الثلث يعني
مقدار ما صار مضمونا بالدين الذي على كل واحد
منهما فأما حق الحبس فثبت للمرتهن في الجميع
لاتحاد الصفقة والشيوع في الضمان لا يمنع صحة
الرهن كما لو كانت قيمة الرهن أكثر من الدين
وكذلك لو كان جنس المالين مختلفا فباختلاف جنس
المال لا تتفرق الصفقة لاتحاد الإيجاب منهما
فإن مات أحد الراهنين فورثه الآخر فالرهن على
حاله لأن وارث الميت يخلفه في ملكه بعد موته
وكان نصيبه في حياته مشغولا بحق المرتهن فكذلك
بعد موته.
وإذا شارك الراهن المرتهن في الرهن ونقضاه وهو
في يدي المرتهن فهو رهن على حاله حتى يقبضه
الراهن لأن ضمان الرهن انعقد بالقبض والدين
يبقى شائعا بينهما وفسخ العقد
ج / 21 ص -143- معتبر بأصل العقد فكما إن ضمان الرهن لا يثبت بالعقد قبل القبض
فكذلك لا يسقط بالفسخ قبل الرد فإن بدا
للمرتهن أن يملكه فله ذلك وليس للراهن أن
يأخذه لأن بعد العقد قبل التسليم كان للراهن
أن يمتنع من التسليم فكذلك بعد الفسخ قبل الرد
للمرتهن أن يمتنع من الرد حتى يستوفي دينه
اعتبارا لأحد الجانبين بالآخر فبه تتمم
المعادلة وإن بدا للراهن أن يتركه كان للمرتهن
أن يرده لأنه قبل الفسخ كان يتمكن من ذلك
فبعده أولى.
وإذا كان المرتهن اثنين فأراد أحدهما رد الرهن
لم يكن له ذلك حتى يجتمعا على الرد لأن حق
الحبس لكل واحد منهما ثابت في الجميع ولا
ولاية لأحدهما على الآخر في إسقاط حقه ولأنه
لو تمكن من رد نصيبه بطل به الرهن في نصيب
الآخر فإن الشيوع الطارئ كالشيوع المقارن في
ظاهر الرواية ورضاه غير معتبر في إلحاقه
بالضرر بالعين كما لا يعتبر رضا الراهن بذلك
في إبطال حق المرتهن ولو اختلفا في أصل الرهن
فقال أحدهما لم نرتهن وقال الآخر بل قد ارتهنا
وأقام البينة وقال الراهن لم أرهنه لم يكن
رهنا حتى يجتمعا على الدعوى وهو قول أبي يوسف
وقد بينا هذا الخلاف فيما سبق.
وكذلك إن كانا شريكين شركة عنان أو مفاوضة
وليس هذا كالذي كان رهنا فنقضه أحدهما فإن في
المتفاوضين يجوز نقض أحدهما على شريكه لأن
فيما هو من التجارة كل واحد منهما يقوم مقام
شريكه فأما إذا أنكر أحدهما الرهن فقد أكذب
شهوده ومع إكذابه يتعذر القضاء بالرهن في
نصيبه فيتعذر القضاء به في نصيب الآخر لأجل
الشيوع ولو كانا شريكي عنان فرهنا جميعا رهنا
لم يكن لأحدهما أن ينقضه دون صاحبه لأنهما
كالأجنبي في نقض كل واحد منهما الرهن في نصيب
صاحبه فإن شركة العنان لا تتضمن إلا الوكالة
بالبيع والشراء وفيما سوى ذلك كل واحد منهما
في حق صاحبه ينزل منزلة الأجنبي فإن نقضه
وقبضه فهلك عنده كان المرتهن ضامنا لحصة الذي
لم ينتقض لأنه صار مخالفا برد حصته على الآخر
ويرجع عليهما بماله ويرجع بنصف القيمة التي
ضمن على الذي قبض منه الرهن لأن القابض منه لا
يرده عليه بمنزلة غاصب الغاصب في حقه والغاصب
الأول إذا ضمن رجع بما ضمن على الغاصب الثاني
فهذا مثله قال عيسى هذا خطأ والصواب أن لا
يرجع المرتهن بما ضمن على القابض لأنه هو الذي
سلمه إليه مع علمه أنه ليس بمالك له فهو في
حقه كمودع الغاصب فإذا ملك الغاصب بالضمان كان
مسلما ملك نفسه إلى الأجنبي طوعا وقد هلك في
يد القابض من غير فعله فلا ضمان عليه إلا أن
يكون ادعى الوكالة من صاحبه ودفعه المرتهن من
غير تصديق فحينئذ يرجع عليه لأجل الغرور
الممكن من جهته بدعواه الوكالة من صاحبه وقد
قيل في تصحيح جواب الكتاب إن حالة الشركة التي
بينهما توهم كثيرا من الناس جواز قبض أحدهما
له في حقهما فيقوم ذلك مقام الغرور الذي يمكن
بادعاء أحدهما الوكالة فكما يرجع هناك بما ضمن
فكذلك هنا ولو كان رهنه أحدهما بإذن شريكه ثم
نقض الرهن وقبضه وسلم ذلك المرتهن جاز ذلك
لأنه هو الذي رهنه
ج / 21 ص -144- ألا ترى أن المستعير للرهن إذا نقض الرهن واسترد العين برضا المرتهن
كان جائزا فكذلك هنا والله أعلم
باب
جناية الرهن بعضه على بعض
قال رحمه
الله: وإذا ارتهن الرجل عبدين بألف درهم وقيمة كل واحد منهما ألف فقتل
أحدهما صاحبه فإن الباقي يكون رهنا بتسعمائة
وخمسين والأصل فيه أن يقال نصف كل واحد من
العبدين مشغول بنصف الدين ونصفه فارغ فالنصف
الذي هو مشغول من القاتل جنى على نصف شائع من
المقتول نصف ذلك مما هو مشغول ونصفه مما هو
فارغ وكذلك النصف الذي هو فارغ من القاتل جنى
على نصف شائع من المقتول نصفه من المشغول
ونصفه من الفارغ وجناية الفارغ هدر وجناية
المشغول على المشغول هدر وجناية الفارغ على
المشغول معتبرة وإنما قلنا ذلك لأن العبدين
على ملك الراهن بعد عقد الرهن كما كانا قبله
وجناية أحدهما قبل عقد الرهن على الآخر خطأ
هدر لأن المستحق بجناية الخطأ نفس الجاني ملكا
وهو مملوك لمولي المجني عليه ولو اعتبرت
الجناية لاستحق بها على نفسه ملك نفسه وهذا
لغو فكذلك بعد عقد الرهن لا يمكن اعتبار
الجناية لحق الراهن وإنما يجب اعتبار الجناية
لحق المرتهن لأن في حق المرتهن تمييز البعض عن
البعض كان لثبوت حق الاستيفاء له في نصف كل
واحد منهما.
ألا ترى أن جناية الراهن على المرهون تعتبر
لحق المرتهن فكذلك جناية ملك الراهن على حق
المرتهن تكون معتبرة لحق المرتهن إذا عرفنا
هذا فنقول جناية الفارغ على الفارغ لو اعتبرت
إنما تعتبر لحق الراهن إذ لا حق للمرتهن في
المحل المجني عليه من حيث الاستيفاء فلا يعتبر
وكذلك جناية المشغول على المشغول غير مفيد
اعتبارها في حق المرتهن لأنه لا بد من أن يسقط
ماله من الحق في أحدهما أما المجني عليه إذا
جعل فائتا لا إلى بدل وأما الجاني إذا أقيم
مقام المجني عليه بالدفع فإنه في حق نفسه يصير
تاويا وإذا كان اعتبار الجناية في حق المرتهن
وجناية المشغول على المشغول لا يفيد اعتبارها
في حقه كان هدرا وكذلك جناية المشغول على
الفارغ لو اعتبرت إنما تعتبر لحق الراهن
فالمرتهن يتصور باعتبار هذه الجناية لأنها إذا
لم تعتبر لم يسقط من دينه وإذا اعتبرت سقط بعض
دينه فلهذا لا يعتبر وأما جناية الفارغ على
المشغول فهي معتبرة لحق المرتهن ففيه توفير
المنفعة عليه لأنها لو لم تكن معتبرة كان
المجني عليه فائتا لا إلى بدل فيسقط ما كان
فيها من الدين وإذا اعتبرت دفع الجاني بالمجني
عليه فيتحول ما كان في المجني عليه من الدين
إلى الجاني لفوات المشغول إلى خلف فإذا ظهر
اعتبار جناية الفارغ على المشغول قام هذا
الربع من الجاني مقام ذلك الربع من المجني
عليه فيتحول ما كان فيه وذلك مائتان وخمسون
إلى الجاني وقد كان فيه خمسمائة بحكم العقد
فتجتمع فيه من الدين سبعمائة وخمسون ويسقط
مائتان وخمسون حصة جناية المشغول على المشغول
فإن ذلك هدر فيكون كالهالك من غير صنع أحد.
ج / 21 ص -145- وإذا أردت اختصار هذا الكلام قلت السبيل أن ينظر إلى مقدار الفارغ
من الجاني فيتحول مما كان من المجني عليه قدر
ذلك إلى الجاني إن كان نصفا فالنصف وإن كان
ثلثا فالثلث وإن كان ربعا فالربع وإن كان عشرا
فالعشر وأبو يوسف يستدل بهذه المسألة في جواز
الزيادة في الدين حكما في هذه المسألة في حق
العبد الجاني كذلك يجوز إثباته قصدا ولكن هذا
ليس بقوي لأنا إنما لم نجوز الزيادة في الدين
بحكم الرهن لمعنى الشيوع باعتبار تفرق التسمية
وذلك لا يتحقق هنا ولو لم يقتله ولكن فقأ عينه
كان الباقي ستمائة وخمسة وعشرين والمفقوء
بمائتين وخمسين لأن بذهاب العين المفقوءة تلف
نصف نصفه وبقي النصف فإنما يبقى فيه نصف ما
كان من الدين وذلك مائتان وخمسون والذي كان في
العين مائتان وخمسون ونصف الجاني فارغ فيتحول
بحساب ذلك إلى الجاني باعتبار جناية الفارغ
على المشغول وذلك مائة وخمسة وعشرون ويسقط
نصفه بجناية المشغول على المشغول فيجمع في
الفاقئ ستمائة وخمسة وعشرون ولا يفتكهما إلا
جميعا لاتحاد العقد فيهما.
ولو أن المفقوءة عينه فقأ بعد ذلك عين الفاقئ
بقي في الفاقئ الأول ثلاثمائة واثنا عشر ونصف
لأن نصفه فات بفقء العين وقد كان الدين فيه
ستمائة وخمسة وعشرين فبعد فوات النصف إنما
يبقى فيه نصف ذلك وهو ثلاثمائة واثنا عشر ونصف
ولحق الفاقئ الآخر مائة وستة وخمسون وربع لأن
الفاقئ الآخر نصفه فارغ باعتباره يتحول نصف ما
كان في عين المفقوء إليه بجناية الفارغ على
المشغول ويسقط نصفه بجناية المشغول على
المشغول والذي كان في العين المفقوءة ثلاثمائة
واثنا عشر ونصف يسقط ويلحق الفاقئ الآخر نصفه
وذلك مائة وستة وخمسون وربع مع المائتين
والخمسين التي كانت بقيت فيه.
ولو كان كل واحد منهما فقأ عين الآخر مما ذهب
من الدين ربعه وبقي في عنق كل واحد منهما
ثلاثة أرباع خمسمائة لأن في عيني الفاقئ في كل
واحدة منهما نصف الخمسمائة يتحول نصف ذلك من
المجني عليه إلى الجاني باعتبار جناية الفارغ
على المشغول ويسقط نصفه حصة جناية المشغول على
المشغول فإنما يسقط مما في كل واحدة منهما ربع
خمسمائة ويكون كل واحد منهما مرهونا من الحاصل
بثلاثة أرباع خمسمائة.
وإذا كان الرهن أمتين قيمة كل واحد منهما ألف
درهم فولدت كل واحدة منهما بنتا تساوي ألفا
والدين ألف فقتلت إحدى الاثنتين صاحبتها لم
يبطل شيء من الدين لأن كل واحدة من البنتين
مملوكة للراهن غير مضمونة على المرتهن وقد
بينا أن اعتبار الجناية لحق المرتهن لا لحق
الراهن ولا منفعة للمرتهن في اعتبار هذه
الجناية فيجعل كان إحداهما هلكت من غير صنع
أحد فلا يسقط شيء من الدين فإن ماتت أم
المقتولة بقيت القاتلة وأمها بستمائة وسبعة
وثمانين ونصف الأم من ذلك بمائتين وخمسين
والبنت بمائتين وخمسين من الرهن الأول وبمائة
وسبعة وثمانين ونصف مما لحقها من الجناية لأن
كل واحدة منهما لما ولدت انقسم ما كان فيها من
الدين على قيمتها وعلى قيمة البنت فكان في
البنت المقتولة
ج / 21 ص -146- مائتان وخمسون وفي أمها مثل ذلك وفي البنت القاتلة مائتان وخمسون
فلما قتلت إحدى الاثنتين الأخرى نظرنا إلى
مقدار الفارغ من القاتلة وذلك ثلاثة أرباعها
لأن قيمتها ألف وفيها مائتان وخمسون فتحول
مقدار ذلك مما كان في المقتولة إلى القاتلة
والذي كان في المقتولة مائتان وخمسون فثلاثة
أرباع ذلك مائة وسبعة وثمانون ونصف تحول ذلك
إلى القاتلة باعتبار جناية الفارغ على المشغول
وربع ذلك كان عاد إلى أم المقتولة لفوات ذلك
الجزء من ولدها لا إلى خلف وقد سقط ذلك بموتها
مع ما بقي فيها فلهذا افتك القاتلة مع أمها
بستمائة وسبعة وثمانين ونصف ولم يعتبر هذا
التوزيع قبل موت أم المقتولة لأن ذلك غير مفيد
فإن اعتباره إذا جاء أو إن سقوط شيء من الدين
قبل موت أم المقتولة سواء جعلت المقتولة فائتة
لا إلى بدل أو القاتلة لم يسقط شيء من الدين
فلهذا لا يعتبر.
قال رضي الله عنه: وفي جواب
هذه المسألة بعض إشكال عندي لأن الخمسمائة
التي في أم المقتولة إنما انقسمت عليها وعلى
ولدها نصفين بشرط بقاء الولد على تلك القيمة
إلى وقت الفكاك ولم يبق فإن بعض المقتولة هلك
ولم يخلف بدلا وهو ما تلف بجناية المشغول على
الفارغ وبجناية الفارغ على الفارغ وبجناية
المشغول على المشغول فكيف يستقيم تخريج الجواب
على أن المشغول من المقتولة ربعها قال رضي
الله عنه والذي تخيل لي بعد التأمل في الجواب
عن هذا السؤال إن جناية القاتلة على المقتولة
فيما جعل هدرا يكون كجناية الراهن لأنه إنما
جعل ذلك هدرا باعتبار جناية ملكه على ملكه
ويستقيم أن يجعل فعل المملوك كفعل المالك
ولأجله جعل هدرا وفعل الراهن بمنزلة الفكاك
فيتم به ذلك الانقسام ولا يبطل.
فإن قال قائل:كما تعتبر جناية
الفارغ على المشغول ينبغي أن تعتبر جناية
المشغول على الفارغ في أصل الرهن لأن المشغول
من أصل الرهن مضمون فيكون هذا كجناية المغصوب
على وديعة المغصوب منه في يد الغاصب.
قلنا:الفرق بينهما ظاهر فإن
ضمان الغصب ضمان العين وهو يوجب الملك في
العين إذا تقرر فباعتبار المال المغصوب يكون
للغاصب إذا تقرر عليه ضمانه وتبين إن هذه
جناية عند الغاصب على ملك المغصوب منه فكان
معتبرا فأما ضمان الرهن ضمان الاستيفاء والعين
فكحكم الأمانة.
ألا ترى أن تقرر هذا الضمان لا يوجب الملك في
العين للمرتهن فلا يتبين إن جنايته حصلت على
عبد غير مالكه فلهذا لا تعتبر هذه الجناية إلا
لحق المرتهن من الوجه الذي قررنا.
وإذا ارتهن عبدين كل واحد منهما بخمسمائة
وقيمة كل واحد منهما ألف وارتهن كل واحد منهما
بعقد على حدة فقتل أحدهما صاحبه فإنه يخير
الراهن والمرتهن فإن شاء جعلا القاتل مكان
المقتول وبطل ما كان في القاتل من الدين وإن
شاءا فديا القاتل بقيمة المقتول والفداء
عليهما نصفين فكانت هذه القيمة هنا مكان
المقتول وكان القاتل رهنا على حاله
ج / 21 ص -147- لأن كل واحد من هذين رهن على حدة معناه أن الصفقة متفرقة والدين
مختلف وكل واحد منهما محبوس بغير ما كان الآخر
محبوسا به أما إذا كان جنس الدين مختلفا بأن
كان أحدهما رهنا بخمسمائة والآخر بخمسين
دينارا فهو ظاهر وكذلك إذا اتفق جنس المالين.
ألا ترى إنه لو أدى ما على أحدهما من الدين
كان له أن يفتكه فكان هذا بمنزلة ما لو كان كل
واحد منهما مرهونا عند رجل آخر فاعتبار جناية
أحدهما على الآخر مفيد في حق المرتهن فوجب
اعتباره بمنزلة جناية المرهون على عبد أجنبي
أو جناية عبد أجنبي على المرهون بخلاف الأول
فالعقد هناك صفقة واحدة وكل واحد منهما محبوس
بالدين الذي به الآخر محبوس.
ألا ترى أنه لو أدى خمسمائة لم يكن له أن
يسترد واحدا منهما مثل الدين الذي فيه إن
جناية أحدهما على الآخر هل تعتبر فظاهر المذهب
أن ذلك معتبر لتفرق العقد من الوجه الذي
قررنا.
وروى بن سماعة عن أبي يوسف عن أبي حنيفة رحمهم
الله لا تعتبر جناية أحدهما على الآخر إذا كان
جنس الدين واحدا لأن العبدين لمالك واحد ولا
فائدة في اعتبار الجناية في حق المرتهن فإن لم
تعتبر الجناية سقطت الألف التي في المقتول
لفواته لا إلى خلف وإن اعتبرت سقطت الألف التي
في القاتل لما أقيم مقام المقتول بالدفع
بالجناية ولا فائدة للمرتهن بكون الساقط من
دينه هذا الألف دون تلك الألف فلهذا لا تعتبر
أصلا فأما إذا كان في قيمة كل واحد منهما فضل
على الدين فاعتبار الجناية مفيد في حق المرتهن
لأن الفداء في حصة الأمانة على الراهن إذا
عرفنا هذا فنقول إن اختار الدفع قام القاتل
مقام المقتول وخلا مكان القاتل فيصير هو في
معنى الهالك يسقط ما فيه من الدين ويتحول إليه
ما كان في المقتول فإن اختار الفداء فالفداء
بقيمة المقتول ونصف القاتل مضمون فحصة ذلك من
الفداء على المرتهن ونصفه أمانة وحصة ذلك من
الفداء على الراهن فيغرم كل واحد منهما
خمسمائة ثم هذه القيمة قائمة مقام المقتول
فيكون بما كان رهنا في المقتول وقد فرغ القاتل
من الجناية فيبقى رهنا على حاله.
ولو كان فقأ أحدهما عين الآخر قيل لهما ادفعاه
أو افدياه بأرش على الآخر لما قلنا فإن دفعاه
فقد خلا مكان الجاني فيبطل ما فيه من الدين
وهو خمسمائة وإن فدياه كان الفداء عليهما
نصفين وكان الجاني رهنا على حاله لأنه فرغ من
الجناية وكان الفداء رهنا مع المفقوءة عينه
بالدين الذي كان فيه لأن نصفه فات إلى خلف
فيبقى الدين الذي فيه تبعا للخلف.
فإن قال المرتهن:لا أبقي
الجناية وادع الرهن على حاله فله ذلك لأن
اعتبار هذه الجناية لحق المرتهن فإن العبدين
كل واحد منهما ملك الراهن فإذا لم يطلب
المرتهن حقه لم تعتبر الجناية ويجعل كان العين
ذهبت من غير صنع أحد فيسقط نصف ما كان في
المفقوءة عينه من الدين والباقي رهن على حاله
بما كان فيه من الدين وإن طلب المرتهن الجناية
فقال الراهن أنا أفديه وقال المرتهن لا أفدي
ولكني أختار الدفع فللراهن أن يفدي بأرش
الجناية كلها لأن جناية المملوك تثبت الخيار
للمالك بين الدفع والفداء فلا يمكن المرتهن
إبطال هذا
ج / 21 ص -148- الخيار على المالك وليس في اختيار الراهن الفداء ضرر على المرتهن
فإذا فداه بأرش الجناية فإنه يكون له نصف ذلك
غرما على المرتهن في العبد الجاني لأن الفداء
في النصف الذي هو مضمون على المرتهن والراهن
غير متطوع في هذا الفداء لأنه يطهر به ملكه عن
الجناية فلهذا كان نصف الفداء غرما له على
المرتهن في العبد الجاني فيبطل من حقه في
العبد الجاني نصفه بطريق المقاصة لأن الراهن
استوجب عليه مثل ما كان للمرتهن عليه في هذا
النصف ويبقى الجاني رهنا بمائتين وخمسين
والمفقوءة عينه مع الفداء رهنا بما كان فيه.
وإن أبى الراهن أن يفدي وقال المرتهن أنا أفدي
بجميع الأرش فدى وكان متطوعا فيه لا يلحق
الراهن مما فدى منه شيء لأنه تبرع بفداء ملك
الغير ولم يكن مجبرا عليه وإن كان الراهن
غائبا ففداه المرتهن كان على الراهن نصف ذلك
الفداء دينا وهو قول أبي حنيفة وفي قولهما
يكون متطوعا وأصله في جناية المرهون على
الأجنبي وبيانه يأتي في بابه إن شاء الله
تعالى.
وإذا كان العبد يساوي ألفا وهو رهن بألف فقتل
نفسه أو فقأ عين نفسه فليس في ذلك أرش وهذا
مثل بلاء نزل به من السماء لأن جناية المرء
على نفسه هدر حرا كان أو مملوكا وكأنه مات أو
ذهبت عينه من غير صنع أحد فإن كان مرهونا بمثل
قيمته سقط بذهاب عينه نصف الدين وإن كان بمثل
نصف قيمته سقط بذهاب عينه ربع الدين وإن كان
الرهن أمة تساوي ألفا بألف فولدت بنتا تساوي
ألفا فجنت البنت فدفعت بها لم يبطل من الدين
شيء لأن البنت خلا مكانها بالدفع فكأنها ماتت
فإن فقأت الأم عين البنت فدفعت الأم وأخذت
البنت فهي رهن بألف كاملة مكان الأم لأن الأم
لما دفعت بالجناية صارت كلمة أخرى للمدفوع
إليه فتعتبر جناية الأم عليها لحق المدفوع
إليه فلهذا تدفع الأم برضا الراهن والمرتهن
وتؤخذ البنت كما هو الحكم في الجثة العمياء ثم
البنت رهن بجميع الألف مكان الأم عند أبي
حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله وقال محمد يسقط
نقصان العينين من الدين وتكون البنت رهنا بما
بقي وهكذا الحكم فيما إذا فقأت عين عبد آخر
فدفعت وأخذ ذلك العبد فمحمد يقول المجني عليه
قائم مقام الجاني حين أخذ بدفع الجاني فكان
الأمة مرهونة بما فيها وذهبت عيناها فيسقط
نقصان العينين من الدين.
ووجه ظاهر الرواية أن المجني عليه إنما قام
مقام الجاني على هذه الصفة لأن الأمة دفعت
بفقء العينين فلا يستند الدفع والأخذ إلى ما
قبل الفقء فتبين إن المأخوذ قام مقام المدفوع
على هذه الصفة وإن حكم الرهن لم يثبت في عينه
فلهذا لا يسقط شيء من الدين بخلاف ما إذا ذهبت
عينا الأمة المرهونة فإن ماتت البنت ماتت
بجميع الدين لأنها قائمة مقام أم المدفوعة
وبموتها كان يسقط جميع الدين فلذلك يموت من
قام مقامها فإن فقأت البنت بعد ذلك عيني الأم
فدفعت وأخذت الأم عمياء فإنه ينبغي في القياس
أن تكون رهنا بجميع المال لأنها قائمة مقام
البنت المدفوعة ولكنا ندع القياس ونجعل الرهن
على الأول وقد عاد
ج / 21 ص -149- إلى حاله فيذهب من الدين بحساب ما نقص من العينين لأن جميع الدين
كان في الأم التي هي الأصل وعاد إليها المال
فسقط باعتبار ما تخلل بين ذلك من الزوائد
ويجعل كأنها كانت مرهونة إلى الآن وذهبت
عيناها وعلى رواية محمد رحمه الله في القياس
يتحول إلى الأم ما زاد على نقصان عيني البنت
وفي الاستحسان يتوزع ذلك المقدار على ما بقي
من الأم وعلى نقصان عينها فتسقط حصة نقصان
العينين وتكون هي مرهونة بما بقي.
وإذا استعار رجل من رجلين عبدين قيمة كل واحد
منهما ألف فرهنهما بألف ففقأ أحدهما عين الآخر
ثم إن المفقوءة عينه فقأ عين الفاقئ فإن
المستعير يفتك العبدين بتسعمائة وثمانية عشر
درهما وثلاثة أرباع درهم وهذه المسألة تشتمل
على أحكام ثلاثة حكم بين المستعير والمرتهن
فيما يسقط من الدين وما بقي وحكم بين المستعير
والمعيرين فيما يرجع كل واحد منهما به عليه
وحكم بين المعيرين أما الذي بين المستعير
والمرتهن فيقول رهن العبدين منه بعقد واحد
فكأنهما جميعا على ملكه وهي مسألة أول الباب
حين فقأ أحدهما عين الآخر سقط من الدين مائة
وخمسة وعشرون وتحول إلى الفاقئ مثله باعتبار
جناية الفارغ على المشغول فصار الفاقئ مرهونا
بستمائة وخمسة وعشرين فلما فقأ الآخر عينه فقد
فات نصفه فإنما بقي فيه ثلاثمائة واثنا عشر
ونصف وسقط نصف ثلاثمائة واثنا عشر ونصف وهو
مائة وستة وخمسون وربع وتحول مثله إلى الفاقئ
فكان الساقط من الدين مرة مائة وخمسة وعشرين
ومرة مائة وستة وخمسين وربعا وذلك مائتان واحد
وثمانون وربع بقي من الألف سبعمائة وثمانية
عشر وثلاثة أرباع فيقبلهما بهذا.
وأما الحكم الذي بين المستعير والمعيرين فهو
إن كل واحد منهما يرجع عليه بما صار قاضيا
بملك المفقوءة عينه أولا مائة وخمسة وعشرين
فيغرم له ذلك المقدار ويملك مولى المفقوءة
عينه أخيرا مائة وستة وخمسين وربعا فيغرم له
ذلك المقدار وأما الحكم الذي بين المعيرين
فإنه يجبر مولى العبد الفاقئ أولا بجناية عبده
على عبد غيره ويقال له ادفع ثلاثة أرباع عبدك
أوافده بثلاثة أرباع أرش عين العبد الآخر لأن
مقدار الربع من الأرش قد وصل إلى مولى
المفقوءة عينه أولا من جهة المستعير وهو مائة
وخمسة وعشرون فلهذا بقي حكم الجناية في ثلاثة
أرباع العبد فإن دفعه فليس له على صاحبه شيء
لأن بالدفع صار مملوكا لمولي المفقوءة عينه
أولا فيتبين أنه جنى عبده على عبده وذلك باطل
وفيه نوع شبهة فإنه إنما يدفع ثلاثة أرباعه
ويبقى الربع على ملكه وفي ذلك القدر يجعل
جناية المفقوءة عينه أولا على ملك مولي الفاقئ
فكأنه ذهب وهم محمد رحمه الله إلى أن الدفع في
جميع العبد فلهذا قال ليس له على صاحبه شيء
ومثل هذا يقع إذا طال التفريغ.
وإن فداه بثلاثة أرباع أرش العين قيل لرب
العبد المفقوءة عينه أولا ادفع من عبدك ثلاثة
أخماسه وثلاثة أثمان خمسة ونصف ثمن خمسه أو
أفده بمثل ذلك من أرش العين لأن العبد الفاقئ
الأول طهر عن الجناية حين فداه مولاه ثم قد
جنى عليه العبد المفقوءة عينه أولا فلا بد
ج / 21 ص -150- من اعتبار جنايته إلى أنه قد وصل إليه من جهة المستعير مائة وستة
وخمسون وربع وذلك خمس الأرش ونصف خمسه ونصف
ثمن خمسه لأن الأرش خمسمائة فخمسمائة ونصف
خمسة خمسون وستة وربع نصف ثمنه خمسة لأن ثمن
المائة اثنا عشر ونصف فنصف ثمنها ستة وربع
فإنما بقي من حقه ثلاثة أخماسه وثلاثة أثمان
خمسة ونصف ثمن خمسة فيخير بين الدفع والفداء
في هذا المقدار وعلى ذلك يسلم لصاحبه ولا يرجع
واحد منهما على صاحبه بشيء.
وإذا كان الربع أمة تساوي ألفا بألف فولدت
ولدا يساوي ألفا ثم جنت الأم جناية فدفعت بقي
الولد بخمسمائة لأن الدين انقسم على قيمة الأم
وقيمة الولد نصفين بشرط بقاء الولد على هذه
القيمة إلى وقت الهلاك وقد بقي فالأم لما دفعت
بالجناية خلا مكانها فكأنها ماتت فلهذا بقي
الولد بخمسمائة فإن فقأ الولد عيني الأم فدفع
بها وأخذت الأم عادت إلى حالها الأولى رهنا
بألف غير أنه يذهب من الألف بحساب ما ذهب من
بصرها لأن الولد حين دفع فكأنه مات وتبين به
بطلان ذلك الانقسام والأم حين أخذت عادت رهنا
كما كانت بجميع الألف إلا أن عينها ذهبت
فكأنها ذهبت من غير صنع أحد فسقط حصة ذلك من
الألف.
وإذا كان الرهن أمة بألف تساوي خمسمائة فولدت
ولدين كل واحد منهما يساوي ألفا فجنى أحدهما
جناية فدفع بها ثم فقأت الأم عينه فدفعت الأم
فأخذ الولد مكانها فهذا الولد الأعمى والصحيح
بالألف كلها لأن الولد الجاني حين دفع صار كأن
لم يكن ولم يسقط شيء من الدين باعتباره والتحق
هذا بعبد آخر للمدفوع إليه فحين فقأت الأم
عينه فدفعت واحدا مكانها قام مقامها وقبل
جنايتها كانت هي مع الولد الصحيح بالألف فكذلك
المأخوذ بها مع الصحيح بجميع الألف فإن مات
الأعمى ذهب نصف الدين لأنه قائم مقام الأم.
ولو ماتت الأم سقط بموتها نصف الدين فكذلك سقط
بموت من قام مقامها فإن جنى الولد الجاني على
الأم فدفع وأخذته الأم مكانه عاد الرهن على
حاله وذلك من الألف بحساب ما انتقص من الأم
بالجناية عليها لما بينا أنها كانت مرهونة في
الأصل وعادت كما كانت فيجعل ما انتقص منها
بالجناية كالثابت من غير صنع أحد فسقط حصة ذلك
من الدين استحسانا كما بينا.
وإذا استعار عبدين من رجلين كل واحد منهما
يساوي ألفا فرهنهما بألف فقتل أحدهما صاحبه
ففي هذه المسألة أحكام ثلاثة كما بينا أما
الحكم فيما بين المستعير والمرتهن فإنه يسقط
من الدين مائتان وخمسون والقاتل رهن بتسعمائة
وخمسين بمنزلة ما لو كانا مملوكين له فقتل
أحدهما صاحبه وهناك سقط نصف ما كان في المقتول
من الدين وتحول نصفه إلى القاتل بجناية الفارغ
على المشغول فيفتك القاتل بسبعمائة وخمسين
ويغرم لمولي المقتول مائة وخمسين مقدار ما صار
قابضا من دينه بملكه يقال لمولي القاتل ادفع
ثلاثة أرباع إلى مولي المقتول أو افده
بسبعمائة وخمسين لأنه قد وصل إليه ربع حقه
مائتان وخمسون من جهة المستعير فإنما بقي من
حقه ثلاثة أرباع ولو لم يقتله ولكن فقأ عينه
كانا جميعا رهنا بثمانمائة وخمسة وسبعين وكان
الباقي من ذلك ستمائة وخمسة وعشرين لأن بذهاب
العين فات نصفه
ج / 21 ص -151- وحصة ذلك من الدين مائتان وخمسون سقط نصفه وتحول نصفه إلى الفاقئ
بجناية الفارغ على المشغول وقد كان في الفاقئ
خمسمائة فلهذا يفتك الفاقئ بستمائة وخمسة
وعشرين والمفقوءة عينه بمائتين وخمسين ويرد
الراهن على مولى المفقوءة عينه مائة وخمسة
وعشرين لأنه صار قابضا هذا القدر من دينه
بملكه ثم يقال لمولي الفاقئ ادفع ثلاثة أرباع
عبدك أو افده بثلاثة أرباع أرش العين لأنه قد
وصل إلى مولي المفقوءة عينه ربع حقه من جهة
الراهن وذلك مائة وخمسة وعشرون.
ولو كان الرهن أمتين والمسألة بحالها فولدت كل
واحدة منهما ولدا يساوي ألفا ثم إن أحدى
الأمتين قتلت صاحبتها بطل من الدين اثنان
وستون درهما ونصف ولزم القاتلة من الجناية
مائة وسبعة وثمانون ونصف لأن ما في كل واحدة
منهما من الدين انقسم عليها وعلى قيمة ولدها
نصفين فحين قتلت إحداهما الأخرى ففي المقتولة
مائتان وخمسون فالفارغ من القاتلة ثلاثة
أرباعها وبقدر الفارغ من القاتلة يتحول الدين
من المقتولة إليها وثلاثة أرباع مائتين وخمسين
مائة وسبعة وثمانون ونصف كل ربع اثنان وستون
ونصف فلهذا سقط اثنان وستون ونصف بجناية
المشغول على المشغول وتحول مائة وسبعة وثمانون
ونصف إلى القاتلة بجناية الفارغ على المشغول.
فإن مات ولد القاتلة بطل عنها من هذه الجناية
اثنان وستون ونصف لأن ولدها لما مات فقد بطل
الانقسام فيما كان فيها وتبين أن نصفها كان
مشغولا ونصفها فارغ فإنما يتحول من المقتولة
إليها بقدر الفارغ وذلك مائة وخمسة وعشرون
وسقط ما سوى ذلك وقد كنا أسقطنا اثنين وستين
ونصفا فسقط مثل ذلك ليكون الساقط مائة وخمسة
وعشرين وإن ماتت بنت الجارية المقتولة لزم
القاتلة من الجناية مائة وخمسة وعشرون أخرى
لأنه تبين بطلان انقسام الدين بين المقتولة
وولدها حين مات الولد وتبين أن جميع الخمسمائة
كان فيها وإن نصف ذلك سقط وتحول نصفه إلى
القاتلة وذلك مائتان وخمسون فلهذا كانت
القاتلة رهنا بسبعمائة وخمسين والولدان لما
ماتا فكأنهما لم يكونا أصلا.
ولو كان الولدان جنيا فأفتكهما الراهن رد على
مولى المقتولة اثنين وستين ونصفا مقدار ما صار
قابضا من دينه بملكه ودفع مولي الأمة القاتلة
كلها إلا نصف ثمنها أو فدى بتسعمائة وسبعة
وثلاثين ونصف لأن الواصل إلى مولي المقتول
اثنان وستون ونصف وذلك نصف ثمن حقه لأن حقه في
الألف قيمة المقتولة وثمن الألف مائة وخمسة
وعشرون فنصف ثمنها اثنان وستون ونصف فلهذا يحط
ذلك القدر عن مولي القاتلة ويخير بين الدفع
والفداء فيما بقي.
وإذا رهن أمتين بألف تساوي كل واحدة منهما
ألفا فولدت كل واحدة منهما ولدا يساوي ألفا ثم
إن أحد الولدين قتل أمه لم يلحقه من الجناية
شيء وذهبت الأم بمائتين وخمسين كأنها ماتت لأن
ما كان فيها من الدين انقسم عليها وعلى ولدها
نصفين ولكن الولد جزء منها وهو تابع لها في
حكم الرهن وقد بينا أن اعتبار الجناية لحق
المرتهن بحكم الرهن فيجعل جناية
ج / 21 ص -152- الولد عليها في حكم الرهن كجنايتها على نفسها ولو قتلت نفسها كان
ذلك وموتها سواء فكذلك إذا قتلها ولدها فيسقط
ما كان فيه من الدين وذلك مائتان وخمسون ولو
كانت الأم هي التي قتلت ولدها أو فقأت عينه لم
يسقط من الدين شيء بمنزلة ما لو مات الولد أو
ذهبت عينه من غير صنع أحد ولو لم يكن كذلك
ولكن أحد الولدين قتل الولد الآخر كانت أم
المقتول وثلاثة أثمان القاتل رهنا بخمسمائة
وخمسة أثمان القاتل وأمه رهن بخمسمائة وقد
ذكرنا المسألة قبل هذه ولكنه أبهم الجواب هناك
فقال لا يسقط من الدين شيء وهنا بين التقسيم
في القاتل وجه ما ذكرنا هنا إن كل واحد من
الولدين تبع لأمه فالنصف منه تبع للنصف الفارغ
والنصف تبع للنصف المشغول وقد انقسم الدين
الذي في كل واحد منهما عليها وعلى ولدها نصفين
فثلاثة أرباع القاتل فارغ وربعه مشغول وقد جنى
هذا الفارغ على ثلاثة أرباع الفارغ من المقتول
وربع المشغول وقد بينا أن المعتبر جناية
الفارغ على المشغول وذلك نصف ثلاثة أرباع ونصف
ثلاثة أرباع يكون ثلاثة أثمان فقام نصف ثلاثة
أرباعها مقام الفائت مما كان مشغولا بما كان
فيها فلهذا كانت أم المقتولة وثلاثة أثمان
القاتل رهنا بالخمسمائة التي كانت في أم
المقتولة وخمسة أثمان القاتل وأمه رهنا
بخمسمائة فإن مات القاتل لم ينقص من الدين شيء
لأنه كان نماء حادثا وقد هلك فصار كان لم يكن.
وإن لم يمت القاتل وماتت أمه ذهب ربع الدين
حصة ما كان فيها وقد بينا أن الخمسمائة التي
كانت فيها انقسمت عليها وعلى ولدها نصفين
والولد باق وإنما يذهب بموتها ربع الدين ولو
لم تمت أمه وماتت الأخرى ذهب من الدين خمسة
أثمان خمسمائة لأنه كان فيها أربعة أثمان
خمسمائة وفي ولدها مثل ذلك فحين قتل ولدها
تحول إلى القاتل ثلاثة أرباع ما كان في
المقتول باعتبار جناية الفارغ على المشغول ولم
يحول الربع باعتبار جناية المشغول على المشغول
فكان ذلك كالهالك من غير صنع أحد فيعود ذلك
القدر إلى أمه وقد كان في أمه نصف الخمسمائة
وعاد إليها ربع النصف الآخر وذلك خمسة أثمان
خمسمائة فيسقط ذلك بموتها ويبقى في عنق القاتل
ثلاثة أثمان خمسمائة وذلك مائة وسبعة وثمانون
ونصف لأن كل ثمن اثنان وستون ونصف مع ما كان
في عنقه وهو خمسون ومائتان من دين أمه
فيقبلهما الراهن بذلك وقد بينا شبهة هذه
المسألة وما فيها من الأشكال فيما سبق.
وكذلك لو كان الرهن عبدين قيمة كل واحد منهما
ألف بألف فقتل كل واحد منهما أمة قيمتها قليلة
أو كثيرة فدفعت به ثم ولدت كل واحدة منهما
ولدا يساوي الأم ثم قتلت إحدى الأمتين بن
الأخرى أو قتل إحدى الاثنين صاحبه فهذا كالأول
فيما ذكرنا من التخريج لأن كل أمة دفعت بعبد
هي قائمة مقامه في حكم الرهن فهذا وما لو كان
الرهن في الأمتين في الابتداء سواء وإذا ارتهن
أمة وعبدا بألف درهم يساوي كل واحد منهما ألف
درهم فولدت الأمة ولدا يساوي ألفا فهي وولدها
بخمسمائة والعبد بخمسمائة لأن الولد زيادة
فيما كان في أمة خاصة فإن جنى ولدها على إنسان
فدفع به لم يبطل من الرهن شيء لأنه خلا مكانه
بالدفع
ج / 21 ص -153- فكأنه مات فإن فقأ الولد عيني العبد جميعا فأخذ الولد ودفع العبد
فالولد بخمسمائة خاصة وأمه بخمسمائة لأن الولد
لما دفع صار كعبد آخر للمدفوع إليه فإذا فقأ
عيني العبد فدفع العبد وأخذ الولد قام الولد
مقام العبد وتحول إليه ما كان في العبد من
الدين وهو خمسمائة فإن قتلت الأم الولد أو قتل
الولد الأم فالقاتل منهما بتسعمائة وخمسين
بمنزلة مسألة أول الباب إذا كان الرهن عبدين
فقتل أحدهما صاحبه فإن قتل العبد المدفوع هذا
القاتل فدفع به كان رهنا بتسعمائة وخمسين لأنه
قام مقام المقتول إلا أن قدر أن نقصان العينين
يسقط من ذلك لأن العبد كان رهنا في الابتداء
وعاد رهنا كما كان وما تخلل من الزوال بطريق
الاستحسان يصير كأن لم يكن وكأنه ذهبت عيناه
من غير صنع أحد فيسقط نقصان العينين بما فيه
من الدين ويفتكه بما بقي والله أعلم
باب
جناية الرهن على الراهن والمرتهن
قال رحمه الله: وإذا كانت
قيمة العبد ألف درهم وهو رهن بألف أو أكثر
فجني على الراهن جناية خطأ في نفس أو دونها
فالجناية باطلة وهو رهن على حاله لأنه بعد عقد
الرهن باق على ملك الراهن وجناية المملوك على
المالك فيما يوجب المال يكون هدرا لأنه لو جنى
على غيره كان المستحق به ملك المولي وماليته
فيه فإذا جنى عليه لا يثبت له الاستحقاق على
نفسه بخلاف الجناية الموجبة للقصاص فالمستحق
به دمه والمولي من دمه كأجنبي آخر ألا ترى أن
إقرار المولي عليه بالجناية الموجبة للقصاص
باطل وبالجناية الموجبة للمال صحيح وإقراره
على نفسه بالجناية الموجبة للمال باطل؟.
توضيحه: إن الجناية بعد عقد
الرهن على المرهون غير معتبرة لحق المالك كما
قبل الرهن وإنما يعتبر لحق المرتهن فقد قررنا
هذا في الباب المتقدم وليس في اعتبار جنايته
على الراهن منفعة للمرتهن بل فيه ضرر عليه
فكان حق المرتهن في هذه الجناية كأنه ليس
اعتبار الجناية بالجناية عليه وكذلك لو كانت
هذه الجناية على مملوك الراهن أو على متاعه
فليس في اعتبارها منفعة للمرتهن ولا يمكن
اعتبارها لحق الراهن لأن المستحق به ماليته
فلا يعتبر أصلا ولو كان جنى على المرتهن في
نفس أو فيما دونها جناية خطأ فعلى قول أبي
حنيفة رحمه الله هو هدر أيضا وعلى قول أبي
يوسف ومحمد رحمهما الله هو معتبر فيخاطبان
بالدفع أو الفداء بمنزلة ما لو جنى على أجنبي
آخر وجه قولهما أن المرتهن غير مالك للعين
والمستحق بالجناية ملك العبد وإذا كان المرتهن
منه كأجنبي آخر يعتبر جنايته عليه كما يعتبر
على غيره وهذا على أصلهما مستقيم فإن عندهما
جناية المغصوب على الغاصب معتبرة فكذلك جناية
المرهون على المرتهن لأن كل واحد منهما ضامن
غير مالك ثم في اعتبار هذه الجناية فائدة
للمرتهن لأنهما إذا اختارا الدفع تملك المرتهن
العين أو من يخلفه إن كان قتل وإن كان سقط حقه
في الدين ولكن بضمان الدين ما كان يثبت له ملك
العين فربما يكون له في ملك العين غرض صحيح
فيستفيد ذلك باعتبار الجناية وربما يكون بقاء
الدين مع
ج / 21 ص -154- التزام الفداء أنفع له ففي إثبات الخيار له توفير النظر عليه وقد
بينا أن اعتبار الجناية لحق المرتهن صحيح وبه
فارق ما لو جنى على مال المرتهن لأنه لا منفعة
للمرتهن في اعتبار تلك الجناية فإنه لا يستحق
بها الملك ولكن المستحق بالدين مالية العبد
فتباع فيه أو يقضيها المولي وذلك مستحق له
بدينه فلا فائدة في اعتبار جنايته على ماله
فلهذا لا يعتبر وأبو حنيفة رحمه الله يقول
المرتهن في الرهن إذا كانت قيمته مثل الدين
بمنزلة المالك في حكم جنايته.
ألا ترى أنه لو جنى على غيره كان الفداء على
المرتهن بمنزلة ما لو كان مالكا فكذلك في
الجناية عليه يجعل كالمالك فلا تعتبر جنايته
عليه وهذا لأن أصل حق المجني عليه في بدل
الفائت وهو الأرش إلا أن للمولي أن يخلص نفسه
من ذلك بدفع العبد إن شاء ولا يمكن اعتبار
جنايته على المرتهن في استحقاق أصل البدل لأنه
لو وجب ذلك كان قراره عليه ولا يجب على نفسه
أرش الجناية ولا يمكن اعتبار جنايته لمنفعة
ثبوت الملك له في العبد فإن ذلك لا يكون إلا
باختيار الراهن والراهن لا يختار ذلك خصوصا
إذا لم يكن عليه من الفداء شيء فصار هذا
وجنايته على مال المرتهن سواء.
ألا ترى إن في جانب الراهن سوى بين جناية
المغصوب على المغصوب منه أو على الغاصب
والمرهون مضمون على المرتهن كما أن المغصوب
مضمون على الغاصب فسوى بينهما في جانب الضمان
فقال لا تعتبر جناية المرهون على المرتهن كما
لا تعتبر جناية المغصوب على الغاصب وفرق
بينهما في جانب المالك فقال ضمان الغاصب إذا
تقرر وجب الملك فإذا اعتبرنا جنايته على
المغصوب منه واستقر الضمان على الغاصب ثبت
الملك له من وقت الغصب فتبين أن العبد جنى على
غير ملكه فلهذا اعتبر فأما ضمان الرهن وإن
تقرر على المرتهن فلا يوجب الملك له في العين
فلا يتبين به إن جنايته كانت على غير مالكه
فلهذا كان هدرا فصار الحاصل أن المرهون من حيث
إنه مضمون المالية كالمغصوب ومن حيث إن عينه
أمانة كالوديعة فلاعتبار أنه كالأمانة من وجه
تجعل جنايته على المالك هدرا ولاعتبار أنه
كالمغصوب من وجه تجعل جنايته على الضامن هدرا
قال: ولو كانت الجناية منه على بن الراهن أو
بن المرتهن كان كالجناية على الأجنبي يدفع بها
أو يفدي بمنزلة جنايته قبل عقد الرهن قال لأن
بن الراهن وبن المرتهن في ملك العبد وماليته
كأجنبي فجنايته عليهما توجب الدفع أو الفداء
وروى الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله أنه لا
تعتبر جنايته على بن الراهن ولا على بن
المرتهن إذا كان هو المستحق لتركة ابنه لأنه
لو وجب الأرش هنا لوجب له فيكون بمنزلة جنايته
على نفسه وكما لا تعتبر جنايته على الراهن
والمرتهن لخلوه عن الفائدة فكذلك لا تعتبر
جنايته على بن أحدهما.
ولو كانت قيمته ألفين والدين ألفا فجنى على
الراهن أو على ماله كانت الجناية باطلة لأن
نصفه مضمون ونصفه أمانة وحين كان الكل مضمونا
لم تعتبر جنايته على الراهن وعلى ماله لقيام
ملكه هنا أولى ولو جنى على المرتهن في نفسه أو
رقيقه قيل للراهن ادفعه أو افده أما
ج / 21 ص -155- على قولهما فغير مشكل وأما على قول أبي حنيفة رحمه الله فجنايته هنا
معتبرة في ظاهر الرواية وروى أبو يوسف عن أبي
حنيفة رحمهما الله أنه لا يعتبر لأن الكل
محبوس لحق المرتهن فلا تعتبر جنايته عليه كما
في المسألة الأولى ووجه ظاهر الرواية أن النصف
منه أمانة هنا ولا بد من اعتبار جنايته على
المرتهن في ذلك النصف لأنه بمنزلة الوديعة
وجناية الوديعة على المودع معتبرة.
ولو جنى على أجنبي كان الفداء في هذا النصف
على الراهن فإذا جنى على المرتهن كان في
اعتبار جنايته منفعة للمرتهن فلهذا تعتبر
بخلاف الأول وعن زفر رحمه الله قال للمرتهن أن
يبطل الرهن ثم يطالب بموجب الجناية لأن عقد
الرهن ليس بلازم في جانب المرتهن فيتمكن من
إبطاله وإذا أبطله صار كان لم يكن ولكن ليس
هذا بقوي لأن النصف منه مضمون وقد صار مستحقا
كفعله عند الضامن فكيف يتمكن من إبطال الرهن
في ذلك النصف إلا أن يبطل حقه في ذلك النصف
فحينئذ يكون لهذا الوجوب معنى ثم التخريج على
ظاهر الرواية أن يقال للراهن ادفعه أو أفده
لأن الراهن هو المالك للعبد وإنما يخير المالك
بين الدفع والفداء في جناية عبده فإن دفعه
وقبله المرتهن بذلك صار عبدا له وبطل الدين
لأن ملك الراهن تلف بفعله فهو أسوة العبد في
ضمان المرتهن فيكون كالهالك في يده في حكم
سقوط الدين كما لو جنى على أجنبي فدفعاه به
وإن فداه كان على الراهن نصف الفداء حصة
الأمانة ونصف الفداء على المرتهن حصة المضمون
فتسقط حصته لأنه لا يستوجب على نفسه دينا
ويستوفي من الراهن حصته من الفداء ويكون العبد
رهنا على حاله لأنه فرغ من الجناية.
وإن قال المرتهن: لا أبقي
الجناية فهو رهن على حاله لأن اعتبار الجناية
لحقه فإذا سقط حقه بقي مرهونا على حاله وإذا
أفسد متاعا للمرتهن وقيمته ألفان وهو رهن بألف
فإن طلب المرتهن أخذه بقيمة المتاع فإنه يعرض
على الراهن فإن شاء قضى عنه نصف ذلك الدين
وجعل نصفه على المرتهن فإذا قضى الراهن نصف
ذلك الدين فرغ حصة الأمانة منه وحصة المضمون
فارغة من ذلك لأن المرتهن لا يستحق على نفسه
دينا فيكون رهنا على حاله وإن كرهه بيع العبد
في ذلك كله لأن النصف الذي هو أمانة يباع في
الدين حين أبى المالك أن يقضي عنه وبعد بيعه
لا يمكن إيفاء الرهن في النصف الآخر لأجل
الشيوع فالشيوع الطارئ في الرهن كالمقارن وفي
بيع الكل جملة توفير المنفعة عليهما فلهذا
يباع العبد كله ويقضي منه ثمن الدين فإن بقي
بعد ذلك من الثمن شيء أخذ الراهن نصفه
والمرتهن نصفه قل الدين أو كثر لأن نصف ما بقي
بدل الأمانة فيسلم للراهن ونصفه بدل المضمون
في الدين فيستوفيه المرتهن قضاء من دينه وما
زاد على ذلك من حقه تاو لتلف المالية بفعل
باشره العبد في ضمانه.
وإذا قتل الرهن مولاه أو المرتهن عمدا فعليه
القصاص في الوجهين لأن المستحق
ج / 21 ص -156- بالعمد دمه وكل واحد منهما في دمه كأجنبي آخر وإذا قتل قصاصا سقط
الدين لأن ماليته تلفت بسبب باشره في ضمان
المرتهن فإن كان العبد يساوي ألفين والدين ألف
فقتل المرتهن عمدا فعفا أحد اثنين فإنه يقال
للراهن وللذي جنى ادفعا نصف العبد إلى الذي لم
يعف أو افدياه بثلاثة أرباع نصف الدية لأن
بعفو أحدهما انقلب نصيب الآخر مالا وثبت
الخيار للمالك بين الدفع والفداء بمنزلة ما لو
كانت الجناية موجبة للمال في الابتداء والخطاب
بالدفع يكون مع المال إلا أنه لا يتمكن من
الدفع إلا برضا العافي بماله من الحق فيه
باعتبار الرهن على سبيل الخلافة عن المرتهن
فلهذا قال يقال لهما ادفعا وإنما يدفعان نصف
العبد لأن حق الذي لم يعف في نصف الجناية وقد
بينا في هذه الصورة جنايته على المرتهن فيما
دون النفس إنهما إذا اختارا الدفع دفع جميع
العبد إلى المرتهن فكذلك يدفع إلى أحد ابنيه
نصف العبد وبطل نصف الدين بدفع النصف إليه كما
لو دفع جميعه إلى المرتهن بطل جميع الدين وهذا
لأن نصف هذا المدفوع مما كان مضمونا بالدين
فسقط نصف الدين باعتبار فواته وكان لهما على
الراهن نصف الدين بينهما نصفين لأن الرهن قد
بطل في النصف الآخر لأجل الشيوع فيرجعان على
الراهن بنصف الدين وإن اختار الفداء فداه
بثلاثة أرباع نصف الدية لأن على الراهن ربع
الدية حصة الذي لم يعف من النصف الذي هو أمانة
وعلى العافي عن الدية حصة نصيبه من المضمون
بالدين فيكون جملة ما عليهما ثلاثة أثمان
الدية فإذا فدياه بذلك فرغ العبد من الجناية
فكان رهنا على حاله بالدين.
وإذا كان العبد رهنا بين رجلين بألف وهو يساوي
ألفين فقتل أحدهما عمدا وله وليان فعفا أحدهما
فإنه يقال للراهن والمرتهن الباقي وللذي عفا
ادفعوا نصف العبد إلى الذي لم يعف لأن نصيبه
انقلب مالا بعفو صاحبه كما في الفصل الأول فإن
دفعوه بطل الرهن في جميع العبد للشيوع فبطل
نصف الدين فكان نصف الراهن بينهم على حاله وإن
فدوه بسبعة أثمان نصف الدية فعلى الراهن من
ذلك أربعة أسهم حصة الأمانة مما انقلب مالا من
الجناية وعلى المرتهن الباقي سهمان حصة
المضمون بدينه من هذا النصف وعلى المولي الذي
على حصة المضمون بدينه من هذا النصف وقد سقطت
حصة المضمون بدين الذي لم يعف لأن ذلك وجب له
على نفسه وذلك لا يجوز والله أعلم
باب
جناية الرهن على غير الراهن والمرتهن
قال رحمه
الله: وإذا كان العبد رهنا بألف وهو يساوي ألفين فقتل رجلا خطأ فإن شاء
الراهن والمرتهن دفعاه وبطل الرهن وإن شاءا
فدياه بالدية كل واحد منهما بالنصف وكان رهنا
على حاله وقد بينا أن المخاطب بالدفع هو
المالك لأن في الدفع تمليك العين وإنما يملكها
من هو مالك إلا أنه لا يملك الدفع هنا بدون
رضا المرتهن فربما يكون الفداء أنفع للمرتهن
وقد بينا أن حق المرتهن في جناية الرهن مرعي
فلهذا قال يخاطبان بالدفع وإذا دفعاه وقد تلف
ملك الراهن فيه بسبب كان في ضمان المرتهن
فلهذا سقط دينه وهذا بخلاف
ج / 21 ص -157- ما إذا باعه الراهن بإذن المرتهن لأن هناك يقدم الفكاك على البيع
فيصير كان البائع افتكه ثم باعه فلهذا لا يسقط
دين المرتهن وهنا لا يقدم الفكاك على الدفع بل
يدفع بالجناية وهو مرهون لأنه جنى وهو كذلك
وإنما يستحق دفعه على الصفة التي كانت الجناية
منه فيها فلهذا يسقط الدين.
يوضحه: إن بالبيع يفوت الملك
إلى بدل وهو الثمن فيبقى حق المرتهن ببقاء بدل
صالح للأشغال لحق المرتهن وفي الدفع بالجناية
لا يوجد ذلك وإن اختار الفداء فدياه بالدية كل
واحد منهما بالنصف لأن نصفه مضمون ونصفه أمانة
والفداء في المضمون على المرتهن لأنه هو الذي
ينتفع به وقد أشرفت ماليته على الهلاك
وبالفداء يحيا وفيه إبقاء دين المرتهن وكان
الفداء في المضمون عليه لهذا وفي النصف الذي
هو أمانة على الراهن بمنزلة أجرة الطبيب وثمن
الأدوية فإن فدياه فقد فرغ من الجناية فيكون
رهنا على حاله بالدين فإن قال أحدهما ادفع
وقال الآخر أفدي فليس يستقيم ذلك لأنه إن قال
المرتهن ادفع فهو غير مالك فلا يمكن أن يملك
غيره وإن قال الراهن ادفع فهو ممنوع من تمليكه
ببدل يتعلق به حق المرتهن بغير رضاه وهو البيع
فلأن يكون ممنوعا من تمليكه لا ببدل يتعلق به
حق المرتهن بغير رضاه كان أولى فإن دفعه
الراهن والمرتهن غائب فللمرتهن إذا قدم أن
يبطل دفعه وأن يفديه لأن في دفعه ضررا على
المرتهن وليس في فداء المرتهن ضرر على الراهن
وكذلك لو دفعه المرتهن والراهن غائب فالمرتهن
غير مالك فكان دفعه باطلا إذا لم يرض به
الراهن فإن فداه الراهن والمرتهن غائب فهو
جائز لأنه بالفداء يطهر ملكه عن الجناية وليس
فيه إبطال شيء من حق المرتهن فإنه إذا حضر
فإما أن يساعده على ذلك فيرد عليه نصف ما فداه
به أو يأبى ذلك فيكون المرهون هالكا في حقه
ويسقط دينه ولا يرجع عليه الراهن بشيء وإنما
لم يجعل الراهن متبرعا في الفداء لأنه قصد به
تطهير ملكه عن الجناية وهو محتاج إلى ذلك فلا
يكون متبرعا في نصيب المرتهن كالمعير للرهن
إذا قضى الدين ثم إن رد عليه المرتهن نصف
الفداء بقي مرهونا كما لو فدياه به وإن أبى
ذلك فقد خرج من الرهن لأن المرتهن حين أبى
الفداء فقد رضي بإتوائه فيجعل في حقه كأنه هلك
وما توصل الراهن إليه إلا بمال أعطى بمقابلته.
ولو فداه المرتهن والراهن غائب فهو جائز أيضا
لأنه لا ضرر على الراهن في هذا الفداء وهو لا
يكون في هذا دون أجنبي آخر إلا أن المجني عليه
لا يجبر على قبول الفداء من الأجنبي ويجبر على
قبوله من المرتهن لأنه يقصد به إصلاح رهنه
وإحياء حقه فيكون هو في ذلك كالمالك ثم على
قول أبي حنيفة رحمه الله لا يكون هو متطوعا في
نصيب الراهن من الفداء فيرجع على الراهن بنصف
ذلك الفداء ولا يكون العبد به رهنا لأن هذا
بمنزلة الزيادة في الدين فلا يثبت في حكم
الرهن بخلاف ما إذا كان الراهن حاضرا ففداه
المرتهن فإنه يكون متطوعا في نصيب الراهن من
الفداء ولا يرجع عليه بشيء منه وروى زفر رحمه
الله عن
ج / 21 ص -158- أبي حنيفة رحمه الله على عكس هذا أن الراهن إذا كان حاضرا فالمرتهن
لا يكون متطوعا من الفداء وإن كان غائبا فهو
متطوع في الفداء وعلى قول أبي يوسف ومحمد
رحمهما الله المرتهن متطوع في الفداء لا يرجع
بشيء منه على الراهن حاضرا كان الراهن أو
غائبا لأن نصف المرهون أمانة في يد المرتهن
كالوديعة والمودع إذا فدي الوديعة من الجناية
كان متطوعا وهذا لأنه تعين التزامه باختياره
من غير أن يكون مضطرا إليه ومجبرا عليه ففي
النصف الذي هو أمانة ليس للمرتهن ملك العين
ولاحق استيفاء الدين من المالية وأبو حنيفة
رحمه الله يقول المرتهن أحد من يخاطب بالفداء
في هذه الحالة فلا يكون متبرعا فيه كالراهن
وهذا لأن الراهن إنما لم يكن متبرعا لأنه قصد
بالفداء تطهير ملكه والمرتهن قصد بالفداء
إحياء حقه لأنه يتوصل إلى جنس العين واستدامة
اليد عليه بحكم الرهن لا بالفداء ثم في ظاهر
الرواية قال هذه الحاجة له عند غيبة الراهن
فأما عند حضرة الراهن فهو متمكن من استطلاع
دائنه والمطالبة بالمساعدة معه إما على الفداء
أو الدفع وفي حال غيبة الراهن يعجز عن ذلك
فيكون محتاجا إلى الفداء فلهذا لم يكن في
الفداء متطوعا عند حاجته إليه وهو بمنزلة أحد
المشتريين إذا قضى البائع جميع الثمن والآخر
غائب لا يكون متطوعا في نصيب صاحبه بخلاف ما
إذا كان حاضرا وعلى الرواية الأخرى يقول في
حال غيبة الراهن لا حاجة له إلى الفداء لأن
المجني عليه لا يخاطبه بالدفع ولا يتمكن من
أخذ العبد منه ما لم يحضر الراهن فيكون متبرعا
في الفداء فأما في حال حضرة الراهن فالمجني
عليه يخاطب بالدفع أو الفداء ولا يتوصل
المرتهن إلى استدامة يده إلا بالفداء فلا يكون
متبرعا فيه كصاحب العلو إذا بنى السفل ثم بني
عليه علوه لا يكون متبرعا في حق صاحب السفل
فهذا مثله.
وإذا كانت الأمة رهنا بألف وقيمتها ألف فولدت
ولدا يساوي ألفا ثم جنى الولد على الراهن أو
على ملكه فلا شيء في ذلك لأن الولد ملك الراهن
وهو بمنزلة الأمانة في يد المرتهن وجناية
الأمانة على المالك وعلى ملكه هدر ولو جنى على
المرتهن لم يكن بد من أن يدفع أو يفدي لأن
جناية الأمانة على الأمين كجنايتها على أجنبي
آخر فإن دفع لم يبطل من الدين شيء بمنزلة ما
لو مات وإن اختار الفداء كان على الراهن نصف
الفداء لأن الولد جزء من أجزاء الأم فجنايته
على المرتهن كجناية الأم وكذلك لو جنى على
أجنبي فالفداء عليهما بمنزلة الأم وهذا لأن
الدين انقسم على قيمة الأم وقيمة الولد نصفين
فنصف الولد مشغول بالدين.
ألا ترى أن الأم لو ماتت لم يسقط بهلاكها إلا
نصف الدين فالفداء في جناية المشغول بالدين
يكون على المرتهن وفي جناية الفارغ من الدين
على الراهن.
وإذا كان العبد رهنا بألف وقيمته الألف
فاستهلك مالا لرجل فذلك دين في عنقه يباع فيه
ويستوفي صاحب المال ماله لأن حق المرتهن في
الرهن لا يكون أقوى من ملك المالك ثم حق
المتلف عليه في ثمنه مقدم على حق المالك فكذلك
يكون مقدما على حق المرتهن وإذا
ج / 21 ص -159- استوفى صاحب المال ماله كان ما بقي للمرتهن فإن كان ماله قد حل
اقتضاه لأنه من جنس حقه وإن لم يكن كان رهنا
مكان الأول لحصته حتى يحل فيأخذه والزيادة على
ذلك من حق المرتهن قد سقطت لفوات المالية في
ضمانه.
وإن كان الرهن عبدا يساوي ألفا بألف ففقأ عيني
عبد يساوي مائة فدفع الرهن وأخذ العبد أعمى
فهو رهن بألف يفتك بها شاء الراهن أو أبى لأنه
قائم مقام العبد المرهون حين دفع وأخذ مكانه
فكما بقي جميع الدين ببقاء الأول على حاله
ويجبر الراهن على الفكاك فكذلك يبقى ببقاء
خلفه فإذا أصابه عيب ينقصه ذهب من الدين بحساب
ذلك يعني إن كان العيب ينقصه الخمس سقط خمس
الألف وإن كان النصف فنصف الأول وإذا انتقص
سعره لم يسقط من الدين شيء بمنزلة الأول لو
كان باقيا على حاله وهذا قول أبي حنيفة وأبي
يوسف رحمهما الله وقال محمد رحمه الله يقوم
المأخوذ صحيح العينين ويقوم أعمى فيبطل من
الدين فضل ما بينهما ويصير الأعمى رهنا بما
بقي لأنه قائم مقام الأول ولكنه أعمى فكان
الأول على حاله ذهبت عيناه فتسقط حصة العينين
من الدين ويكون رهنا بما بقي فإن شاء الراهن
أخذه وأعطاه ما بقي فيه من الدين وإن شاء سلمه
للمرتهن بما بقي من الدين للتغير الحاصل في
ضمان المرتهن وهو مستقيم على أصل محمد رحمه
الله وقد بينا في انكسار القلب إن الراهن
يتخير بين أن يسلمه للمرتهن بدينه فيجعله في
حكم الهلاك وبين أن يفتكه بقضاء الدين فهذا
مثله والله أعلم بالصواب.
باب
الجناية على الرهن
قال رحمه
الله: وإذا كان العبد رهنا بألف وقيمته ألف فصار يساوي ألفين ثم قتله رجل
فعليه ألفان قيمته يوم قتله فإن أدى ألفا
فالمرتهن أحق بهذه الألف لأن حق المرتهن في
مالية الرهن مقدم على حق الراهن وقد كان جميع
المالية في الأصل مشغولا لحق المرتهن فالزيادة
الحادثة بيع محض لأنها لم تكن في أصل الرهن
فكل مال اشتمل على أصل وبيع فما يخرج منه يكون
من الأصل وما سواه يكون من البيع كمال
المضاربة إذا توى بعضه على الغريم كان ما خرج
من رأس المال والتاوي من الربح ولو كانت قيمته
في الأصل ألفين فإنما خرج من قيمته بين الراهن
والمرتهن نصفين وما توى بينهما لأن النصف
مشغول لحق المرتهن والنصف بمنزلة الأمانة في
يده وحق الراهن فيه أصل فكان بمنزلة العبد
المشترك إذا قتل فما يخرج من قيمته يكون
بينهما وما يتوي يكون بينهما وإن لم يقتل
ولكنه فقئت عينه ثم توى فالأرش على الفاقئ
لأنه ذهب نصف الدين في الفصلين لأن العين من
الآدمي نصفه فإن كانت قيمته في الأصل ألفا
فبفوات نصفه يذهب نصف الدين وإن كانت تساوي
ألفين فبفوات العين يفوت منه نصف شائع نصفه من
المضمون ونصفه من الأمانة فلفوات نصف المضمون
يسقط نصف الدين.
وإن كان الرهن أمة تساوي ألفا بألف فولدت ولدا
يساوي ألفا ثم جنت الأم جناية فدفعت
ج / 21 ص -160- بها ذهب نصف الدين لأن نصف الدين تحول منهما إلى ولدها فحين دفعت
خلا مكانها فيذهب ما بقي فيها وهو نصف الدين
كما لو ماتت وإن فديا الأم فالفداء عليها
نصفين لأنه لما تحول نصف الدين إلى الولد بقي
المشغول بالدين من الأم نصفها والنصف أمانة
فكان الفداء عليهما لهذا فإن مات الولد
فالفداء الذي أعطى المولي قضاء من الدين والأم
رهن بما بقي لأن الولد حين مات قبل الفكاك صار
كأن لم يكن فتبين أن جميع الرهن كان مضمونا
بالدين وإن الفداء كله كان على المرتهن
والراهن لم يكن متطوعا فيما أدى فاستوجب
الرجوع به على المرتهن وبيع المقاصة مقدرة
بقدره فيصير الراهن قاضيا نصف الدين وتبقى
الحادثة رهنا بما بقي من الدين.
ولو كان الرهن عبدا يساوي ألفا بألف فقتله عبد
يساوي مائة فدفع به فهو رهن يفتكه بجميع الدين
في قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله إن
شاء الراهن أخذه وأدى الدين كله وإن شاء سلمه
للمرتهن بدينه وأما زفر رحمه الله فمر على
أصله فإن عنده لو كان العبد الأول بحاله
وتراجعت قيمته إلى مائة لنقصان السعر فإنه
يفتكه بمائة ويسقط ما زاد على ذلك من الدين
فكذلك إذا كانت قيمة المدفوع مكانه مائة
وعندنا بنقصان سعر الرهن لا يسقط شيء من الدين
ولا يتخير الراهن فكذلك هنا عند أبي حنيفة
وأبي يوسف رحمهما الله لأن المدفوع قائم مقام
المقتول فيفتكه الراهن بجميع الدين وعند محمد
رحمه الله يتحول جميع الدين من المقتول إلى
المدفوع إلا أن للراهن الخيار لتغير العين في
ضمان المرتهن بمال منه أوصى به وأفتكه بجميع
الدين وإن شاء سلمه للمرتهن بدينه بخلاف ما
إذا انتقص سعر الأول لأن العين لم تتغير هناك
وهو نظير المبيع في يد البائع إذا انتقص سعره
لا يتخير المشتري وإذا قتله عبد ودفع به يخير
المشتري وهذا بخلاف ما إذا تراجع سعر الأول
إلى مائة ثم قتله حر فغرم قيمته مائة فإنه
يسقط من الدين تسعمائة ويأخذ المرتهن المائة
قضاء من مثلها وزفر رحمه الله يستدل بهذا
الفصل ولكنا نقول الدراهم لا تفك والمائة لا
يجوز أن يكون بمقابلتها أكثر من مائة فإنه لا
يتصور استيفاء جميع الدين منها بحال بخلاف
العبد المدفوع فإنه يجوز أن يكون بمقابلته ألف
درهم شراء فكذلك جنسا بالدين ويتوهم استيفاء
جميع الدين من ماليته بأن تزاد قيمته حتى
يشتري بألف حتى إن الحر القاتل لو عزز
الدنانير حتى تبلغ قيمة هذه الدنانير ألف درهم
وإن كان المدفوع صحيحا فذهبت عينه ذهب نصف
الدين لأن المدفوع قائم مقام المقتول ففوات
نصفه بذهاب عينه كفوات نصف المقتول بذهاب
عينه.
ولو كانت أمة ففات عتق العبد المرهون فدفعت به
فهما جميعا رهن بألف لأن المدفوع خلف عن
الفائت من العين فيتحول إليه ما كان فيها من
الدين وإن ماتت الأمة فكأن العين فاتت من غير
صنع أحد وكذلك لو قتل هذا العبد الأعور عبد
فدفع به كان رهنا مع الأمة أيهما مات فات
بخمسمائة وإن كانت قيمتهما مختلفة لأن المدفوع
بالأعور قائم مقامه
ج / 21 ص -161- فيتحول إليه ما كان في الأعور من الدين وموته كموت ذلك الأعور فإن
قتل أحدهما صاحبه كان القاتل رهنا بخمسمائة
وإن كان فيه فضل لأنهما بمنزلة العبد الأول
المرهون فإن أحدهما مدفوع بعينه والآخر بنفسه
وكان الأول فقأ عين نفسه أو قتل نفسه بعد ما
فقأت الأمة عينه ودفعت به فلهذا سقط بقتل
أحدهما صاحبه من الدين خمسمائة ويجعل كأنه مات
وكذلك لو فقأ أحدهما عين صاحبه ذهب ربع الدين
كما لو ذهبت عينه بغير صنع أحد.
وإذا كان العبد رهنا بألف وقيمته ألف فعليه
عبدان يدفعان فهما جميعا رهن بألف فإن قتل
أحدهما صاحبه كان الباقي رهنا بخمسمائة وإن
كانت قيمة كل واحد منهما ألفا أو أكثر بمنزلة
ما لو مات أحدهما لأنهما جميعا خلف عن العبد
المرهون وكل واحد منهما مدفوع بنصفه وكان
الأول أتلف نصفه بأن فقأ عين نفسه وكذلك إن
مات أحدهما أو جنى فدفع فالباقي رهن بنصف
المال.
ولو كان الرهن عبدين بألف يساوي كل واحد منهما
خمسمائة فزاد كل واحد منهما حتى صار يساوي
ألفا ثم قتل أحدهما صاحبه كان الباقي رهنا
بسبعمائة وخمسين على ما يكون له عليه في
الزيادة لو كان في الأصل لأن عند الجناية نصف
كل واحد منهما فارغ ونصفه مشغول وجناية الفارغ
على المشغول معتبرة فباعتبارها يتحول نصف ما
كان في المقتول إلى القاتل ولو لم يقتل أحدهما
صاحبه ولكن قتل كل واحد منهما عبدا فدفع به
وقيمة المدفوع به قليلة أو كثيرة ثم قتل أحد
المدفوعين صاحبه كان القاتل رهنا بسبعمائة
وخمسين لأنهما قائمان مقام المقتولين فقتل
أحدهما صاحبه كقتل أحد المرهونين في الأصل
صاحبه.
وإذا كان الرهن عبدين بألف وقيمة كل واحد
منهما ألف فقتلهما عبد واحد فدفع بهما ففقأ
عين نفسه أو جرح نفسه فإنه يذهب بحساب ذلك ولا
يكون عليه أرش لأنه شخص واحد وإن كان قائما
مقام المرهونين وجناية المرء على نفسه لا
تعتبر بحال فكان هذا وما لو ذهبت عينه من غير
صنع أحد سواء فسقط من الدين بحساب ذلك والله
أعلم |