ج / 22 ص -17-
كتاب المضاربة
قال رحمه
الله: قال الشيخ الإمام الأجل الزاهد شمس الأئمة وفخر الإسلام أبو بكر
محمد بن أبي سهل السرخسي رحمه
الله إملاء:المضاربة مشتقة من
الضرب في الأرض وإنما سمي به لأن
المضارب يستحق الربح بسعيه وعمله
فهو شريكه في الربح ورأس مال
الضرب في الأرض والتصرف وأهل
المدينة يسمون هذا العقد مقارضة
وذلك مروي عن عثمان رضي الله عنه
فإنه دفع إلى رجل مالا مقارضة وهو
مشتق من القرض وهو القطع فصاحب
المال قطع هذا القدر من المال عن
تصرفه وجعل التصرف فيه إلى العامل
بهذا العقد فسمي به وإنما اخترنا
اللفظ الأول لأنه موافق لما في
كتاب الله تعالى قال الله تعالى:{وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ
اللَّهِ}
يعني السفر للتجارة.
وجواز هذا العقد عرف بالسنة
والإجماع فمن السنة ما روي أن
العباس بن عبد المطلب رضي الله
عنه كان إذا دفع مالا مضاربة شرط
على المضارب أن لا يسلك به بحرا
وأن لا ينزل واديا ولا يشتري به
ذات كبد رطب فإن فعل ذلك ضمن فبلغ
رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك
فاستحسنه وكان حكيم بن حزام رضي
الله عنه إذا دفع مالا مضاربة شرط
مثل هذا وروى أن عبد الله وعبيد
الله ابنا عمر رضي الله عنهم قدما
العراق ونزلا على أبي موسى رضي
الله عنه فقال لو كان عندي فضل
مال لاكرمتكما ولكن عندي مال من
مال بيت المال فابتاعا به فإذا
قدمتما المدينة فادفعاه إلى أمير
المؤمنين رضي الله عنه ولكما ربحه
ففعلا ذلك فلما قدما على عمر رضي
الله عنه أخبراه بذلك فقال هذا
مال المسلمين فربحه للمسلمين فسكت
عبد الله وقال عبيد الله لا سبيل
لك إلى هذا فإن المال لو هلك كنت
تضمننا قال بعض الصحابة رضوان
الله عليهم أجمعين اجعلهما بمنزلة
المضاربين لهما نصف الربح
وللمسلمين نصفه فاستصوبه عمر رضي
الله عنه.
وعن القاسم بن محمد قال كان لنا
مال في يد عائشة رضي الله عنها
وكانت تدفعه مضاربة فبارك الله
لنا فيه لسعيها.
وكان عمر رضي الله عنه يدفع مال
اليتيم مضاربة على ما روي محمد
رحمه الله وبدا به الكتاب عن حميد
بن عبد الله بن عبيد الأنصاري عن
أبيه عن جده أن عمر رضي الله عنه
أعطاه مال يتيم مضاربة وقال لا
أدري كيف كان الشرط بينهما فعمل
به بالعراق وكان بالحجاز اليتيم
كان يقاسم عمر رضي الله عنه
بالربح وفيه دليل جواز المضاربة
بمال اليتيم
ج / 22 ص -18-
وإن للإمام ولاية النظر في مال اليتامى وإن للمضارب والأب والوصي
المسافرة بمال اليتيم في طريق آمن
أو مخوف بعد أن كانت القوافل
متصلة فقد كان عمر رضي الله عنه
أعطي زيد بن خليدة رضي الله عنه
مالا مضاربة فأسلمه إلى عتريس بن
عرقوب في حيوان معلوم بأثمان
معلومة إلى أجل معلوم فحل الأجل
فاشتد عليه فأتى عتريس عبد الله
بن مسعود رضي الله عنه يستعين به
عليه فذكر ذلك فقال له عبد الله
رضي الله عنه خذ رأس مالك ولا
تسلمه شيئا مما لنا في الحيوان
وفيه دليل جواز المضاربة وفساد
السلم وإنما اشتد على عتريس بن
عرقوب لفساد العقد أيضا فلا يظن
به المماطلة في قضاء ما هو مستحق
عليه مع قوله صلى الله عليه وسلم
"خيركم أحسنكم قضاء"
وبعث رسول الله صلى الله عليه
وسلم والناس يتعاملون بالمضاربة
بينهم فأقرهم على ذلك وندبهم أيضا
إليه على ما قال صلوات الله
وسلامه عليه
"من عال ثلاث بنات فهو أسير فأعينوه يا عباد الله ضاربوه داينوه" ولأن
بالناس حاجة إلى هذا العقد فصاحب
المال قد لا يهتدي إلى التصرف
المربح والمهتدي إلى التصرف قد لا
يكون له مال والربح إنما يحصل
بهما يعني المال والتصرف ففي جواز
هذا العقد يحصل مقصودهما وجواز
عقد الشركة بين اثنين بالمال دليل
على جواز هذا العقد لأن من جانب
كل واحد منهما هناك ما يحصل به
الربح فينعقد بينهما شركة في
الربح ولهذا لا يشترط التوقيت في
هذا العقد ولكل واحد منهما أن
ينفرد بفسخه لأن انعقاده بطريق
الشركة دون الإجارة.
ولهذا العقد أحكام شتى من عقود
مختلفة فإنه إذا أسلم رأس المال
للمضارب فهو أمين فيه كالمودع
وإذا تصرف فيه فهو وكيل في ذلك
يرجع بما يلحقه من العهدة على رب
المال كالوكيل فإذا حصل الربح كان
شريكه في الربح وإذا فسد العقد
كانت إجارة فاسدة حتى يكون
للمضارب أجر مثل عمله.
وإذا خالف المضارب كان غاصبا
ضامنا للمال ولكن المقصود بهذا
العقد الشركة في الربح وكل شرط
يؤدي إلى قطع الشركة في الربح
بينهما مع حصوله فهو مبطل للعقد
لأنه مفوت لموجب العقد ومن ذلك ما
رواه عن إبراهيم رحمه الله إنه
كان يكره المضاربة بالنصف أو
الثلث وزيادة عشرة دراهم قال
أرأيت إن لم يربح إلا تلك العشرة
وهو إشارة إلى ما بينا من قطع
الشركة في الربح مع حصوله بأن لم
يربح إلا تلك العشرة وعن إبراهيم
رحمه الله في المضاربة والوديعة
والدين سواء يتحاصون ذلك في مال
الميت وبه نأخذ والمراد مضاربة أو
وديعة غير معينة فالأمين بالتجهيل
يصير ضامنا فهو والدين سواء فأما
ما كان معينا معلوما فصاحبه أولى
به لأن حق الغريم بموت المديون
يتعلق بماله إلا بما كان أمانة في
يده لغيره.
وعن إبراهيم رحمه الله قال في
الوصي يعطي مال اليتيم مضاربة وإن
شاء أبضعه وإن شاء تجر إلى غير
ذلك وكان خيرا لليتيم فعل لقوله
تعالى:{قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ }[البقرة:
ج / 22 ص -19-
220]وقال
الله تعالى:{وَلا
تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ
إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الأنعام: 152] والأحسن والأصلح في حقه أن يتجر
بماله قال صلى الله عليه وسلم
"ابتغوا في أموال اليتامى خيرا
كيلا تأكلها الصدقة" يعني النفقة فإن احتسب بالتصرف فيه أو وجد أمينا يحتسب ذلك
والأنفع لليتيم أن يدفعه إليه
بضاعة وإن لم يجز ذلك وربما لا
يرغب في أن يتصرف فيه مجانا فلا
بأس بأن يتصرف فيه على وجه
المضاربة وهو أنفع لليتيم لما
يحصل له من بعض الربح وبما لا
يتفرغ الوصي لذلك فيحتاج إلى أن
يدفعه مضاربة إلى غيره وإذا جاز
منه هذا التصرف مع نفسه فمع غيره
أولى وذكر عن علي رضي الله عنه
قال ليس على من قاسم الربح ضمان
وتفسيره أنه المواضعة على المال
في المضاربة والشركة وهو مروي عن
علي رضي الله عنه قال المواضعة
على المال والربح على ما اشترطا
عليه وبه أخذنا فقلنا رأس المال
أمانة في يد المضارب لأنه قبضه
بإذنه ليتصرف فيه له وعن علي رضي
الله عنه أنه كان يعطي مال اليتيم
مضاربة ويقول قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم:
"رفع
القلم عن ثلاثة عن الغلام حتى
يحتلم وعن المجنون حتى يصح وعن
النائم حتى يستيقظ"
وفيه دليل أن ولاية النظر في مال اليتيم للقاضي إذا لم يكن له وصي
لعجز اليتيم عن النظر لنفسه وإليه
أشار علي رضي الله عنه فيما استدل
به من الحديث.
وعن الشعبي رحمه الله أنه سئل عن
رجل أخذ مالا مضاربة فأنفق في
مضاربته خمسمائة ثم ربح قال يتم
رأس المال من الربح وبه أخذنا
فقلنا للمضارب أن ينفق من مال
المضاربة إذا سافر به لأن سفره
كان لأجل العمل في مال المضاربة
فيستوجب النفقة فيه كالمرأة
تستوجب النفقة على زوجها إذا زفت
إليه لأنها فرغت نفسها له فقلنا
الربح لا يظهر ما لم يسلم جميع
رأس المال لرب المال لأن الربح
اسم للفضل فما لم يحصل ما هو
الأصل لرب المال لا يظهر الفضل
قال صلى الله عليه وسلم:
"مثل المؤمن كمثل التاجر لا تخلص له نوافله ما لم تخلص له فرائضه" فالتاجر
لا يسلم له ربحه حتى يسلم له رأس
ماله.
وعن الشعبي رحمه الله أنه سئل عن
رجل دفع إلى رجل أربعة آلاف درهم
مضاربة فخرج بها إلى خراسان وأشهد
عند خروجه أن هذا المال مال صاحب
الأربعة الآلاف ليس لا حد فيها حق
ثم أقبل فتوفي في الطريق فأشهد
عند موته أيضا بذلك ثم إن رجلا
جاء بصك فيه ألف مثقال مضاربة مع
هذا الرجل له بها بينة وهي قبل
الأربعة الآلاف بأحد وعشرين سنة
فقال عامر رحمه الله أشهد في
حياته وعند موته أن المال لصاحب
الأربعة الآلاف وبه نأخذ فإن حق
الآخر صار دينا في ذمته بتجهيله
عند موته.
وقد بينا أن حق الغريم يتعلق
بشركة الميت لا بما في يده من
الأمانة وإنما أفتى الشعبي رحمه
الله بهذا لإقراره بالعين لصاحب
الأربعة الآلاف في حال صحته لا
لإقراره عند موته فإقرار المريض
بالدين أو العين لا يكون صحيحا في
حق من ثبت دينه بالبينة لكونه
متهما في ذلك وإقراره في الصحة
بذلك مقبول لأنه غير متهم فيه وعن
الحسن رحمه الله أنه كان يكره
المضاربة والشركة بالعروض وبه
نأخذ وقد بيناه في كتاب الشركة
وقال أبو حنيفة
ج / 22 ص -20-
رحمه الله: لا تكون المضاربة إلا بالدراهم والدنانير وهو قول أبي
يوسف رحمه الله وقال محمد رحمه
الله أستحسن أن تكون المضاربة
بالفلوس كما تكون بالدراهم
والدنانير لأنها ثمن مثل الدراهم
والدنانير.
والحاصل أن في المضاربة بالفلوس
عن محمد رحمه الله رواية واحدة
إنها تجوز لأنها ما دامت رائجة
فهي ثمن لا يتعين في العقد
مقابلتها بجنسها وبخلاف جنسها عند
محمد رحمه الله فالعقد بها يكون
سواء بثمن في الذمة لا بيعا فيكون
الربح للمضارب على ضمان الثمن فهو
والمضاربة بالدراهم سواء وهكذا
روى الحسن عن أبي حنيفة رحمهما
الله أن المضاربة بالفلوس جائزة
لأنها ثمن لا يتعين عند المقابلة
بخلاف جنسها وهكذا ذكره بن سماعة
عن أبي يوسف رحمهما الله وفي
الأصل روى عنهما أن المضاربة
بالفلوس لا تجوز لأنها إذا كسدت
فهي كالعروض فهي ثمن من وجه مبيع
من وجه وهي ثمن لبعض الأشياء في
عادة التجار دون البعض فكانت
كالمكيل والموزون فإنها ثمن دينا
ومبيع عينها فلا تصح المضاربة بها
وهذا الاستدلال مروي عن أبي يوسف
رحمه الله فإنه سئل عن المضاربة
بالدراهم التجارية فقال لو جوزت
ذلك جاوزت المضاربة بالطعام بمكة
يعني أن أهل مكة يتبايعون بالطعام
كما أن أهل بخارى يتبايعون بالبر
بعينه.
قال الشيخ الإمام الأجل رحمه
الله: وكان شيخنا الإمام رحمه
الله يقول الصحيح جواز المضاربة
بها عندي لأنها من أعز النقود
عندنا كالدنانير في سائر البلدان
وظاهر ما ذكر هنا يدل على أن
المضاربة بالتبر لا لا تجوز
والدراهم والدنانير اسم للمضروب
دون التبر وذكر في غير هذا الموضع
أن التبر لا يتعين بالتعيين ولا
يبطل العقد بهلاكه فذلك دليل جواز
المضاربة به والحاصل أن ذلك يختلف
باختلاف البلدان في الرواج ففي كل
موضع يروج التبر رواج الأثمان
وتجوز المضاربة به وفي كل موضع هو
بمنزلة السلع لا تجوز المضاربة به
كالمكيل والموزون وإذا دفع الرجل
إلى رجل ألف درهم مضاربة على أن
ما رزق الله تعالى في ذلك من شيء
فهو بينهما نصفان أو قال ما كان
في ذلك من ربح أو قال ما رزقك
الله في ذلك من ربح أو ما ربحت في
ذلك من شيء فهو كله سواء لأن
الحكم يبني على ما هو المقصود ولا
ينظر إلى اختلاف العبارة بعد
اتحاد المقصود والمقصود بهذه
الألفاظ اشتراط التناصف في الربح.
وكذلك لو شرط للمضارب عشر الربح
والباقي لرب المال فهو جائز لأن
المشروط للمضارب جزء شائع معلوم
وهذا الشرط لا يؤدي إلى قطع
الشركة بينهما في الربح مع حصوله
فما من شيء يحصل من الربح قل أو
كثر إلا وله عشر ويستوي إن كانت
الألف المدفوعة جيدة أو زيوفا أو
نبهرجة لأن الفضة تغلب على العشر
في هذه الأنواع فهو في حكم
الدراهم المضروبة من النقرة فيها
ولو قال على أن ما رزق الله تعالى
في ذلك من شيء فللمضارب من ذلك
مائة درهم فهذه مضاربة فاسدة لأن
هذا الشرط يوجب قطع الشركة بينهما
ج / 22 ص -21-
في الربح مع حصوله فربما لا يربح إلا مقدار المائة فيأخذه من شرط
له ويجيب الآخر وفي هذه الشرط عيب
يمكن التحرز عنه أيضا وربما يربح
أقل من مائة درهم فلا يسلم جميع
المائة لمن شرط له مع حصول الربح
فلهذا فسد العقد فإن عمل ذلك فربح
مالا أو لم يربح شيئا فله أجر
مثله فيما عمل وليس له من الربح
شيء لأن استحقاق الشركة في الربح
بعقد المضاربة والعقد الفاسد لا
يكون بنفسه سببا للاستحقاق وإنما
يستوجب أجر المثل لأنه عمل لرب
المال وابتغى عن عمله عوضا فإذا
لم يسلم له ذلك استحق أجر المثل
كما في الإجارة الفاسدة ثم إن كان
حصل الربح فله أجر مثله بالغا ما
بلغ في قول محمد رحمه الله وقال
أبو يوسف رحمه الله لا يجاوز بأجر
مثله ما سمي له وهو بناء على ما
بينا في كتاب الشركة من اختلافهما
في شركة الاحتطاب والاحتشاش وإن
لم يحصل الربح فقد روي عن أبي
يوسف رحمه الله أنه قال استحسن أن
لا يكون للمضارب شيء لأن الفاسد
من العقد معتبر بالصحيح في الحكم
ولا طريق لمعرفة حكم العقد الفاسد
إلا هذا.
وفي المضاربة الصحيحة إذا لم يربح
لا يستحق شيئا فكذلك في المضاربة
الفاسدة وجه ظاهر الرواية أنه لا
يستحق بهذا العقد شيئا من الربح
بحال وإنما يعتبر حصول الربح في
حق من يستحق الربح ثم الفاسد إنما
يعتبر بالجائز إذا كان انعقاد
الفاسد مثل انعقاد الجائز كالبيع
وهنا المضاربة الصحيحة تنعقد شركة
لا إجارة والمضاربة الفاسدة تنعقد
إجارة فإنما تعتبر بالإجارة
الصحيحة في استحقاق الأجر عند
إيفاء العمل ولو تلف المال في يده
فله أجر مثله فيما عمل ولا ضمان
عليه ذكر بن سماعة عن محمد رحمهما
الله أنه ضامن للمال فقيل المذكور
في الكتاب قول أبي حنيفة رحمه
الله وهو بناء على اختلافهم في
الأجير المشترك إذا تلف المال في
يده من غير صنعه فإن هذا العقد
انعقد إجارة وهو بمنزلة الأجير
المشترك لأن له أن يأخذ المال
بهذا الطريق من غير واحد والأجير
المشترك لا يضمن عند أبي حنيفة
رحمه الله إذا هلك المال في يده
من غير صنعه وعندهما هو ضامن إذا
هلك في يده فما يمكن التحرز عنه
فكذلك الحكم في كل مضاربة فاسدة.
ولو دفع إليه ألف درهم مضاربة على
أن ما رزق الله في ذلك من شيء
فللمضارب ربح نصف المال أو قال
ربح عشر المال أو قال ربح مائة
درهم من رأس المال فهذه مضاربة
جائزة لأن في هذا المعنى اشتراط
جزء شائع من الربح للمضارب إذ لا
فرق بين أن يشترط له عشر الربح
وبين أن يشترط له ربح عشر المال
ولا أجر للمضارب في عمله هنا إن
لم يحصل الربح لأن عند صحة
المضاربة هو شريك في الربح فإذا
لم يحصل الربح لم يستحق شيئا
لانعدام محل حقه لو قال على أن ما
رزق الله تعالى في ذلك من شيء
فللمضارب ربح هذه المائة بعينها
أو ربح هذا الصنف بعينه من المال
فهي مضاربة فاسدة لأن هذا الشرط
يؤدي إلى قطع الشركة في الربح مع
حصوله فمن الجائز أن لا يربح فيما
يشتري بتلك المائة والأصل فيه ما
روي عن النبي صلى الله عليه وسلم
"أنه سئل عن المزارعة بما سقت السواني والماذيانات
ج / 22 ص -22-
فأفسدها"
وكان المعنى فيه أن ذلك الشرط
يؤدي إلى قطع الشركة بينهما في
الخارج مع حصوله فيتعدى ذلك الحكم
إلى هذا الموضع بهذا المعنى فإن
عمل فله أجر مثله لأنه أوفى العمل
بحكم عقد فاسد وإذا دفع إليه ألف
درهم فقال خذ هذه الألف مضاربة
بالثلث أو قال بالخمس أو قال
بالثلثين فأخذها وعمل بها فهي
مضاربة جائزة وما شرطه من ذلك فهو
للمضارب وما بقي لرب المال لأن
المضارب هو الذي يستحق الربح
بالشرط فأما رب المال فإنما يستحق
الربح باعتبار أنه بما ملكه فمطلق
الشرط ينصرف إلى جانب من يحتاج
إليه وعرف الناس يشهد بذلك
والثابت بالعرف من التعيين
كالثابت بالنص فكأنه قال الثلثان
من الربح لك حتى إذا قال إنما
عنيت أن الثلثين لي لم يصدق لأنه
يدعي خلاف ما هو الظاهر المتعارف
والقول في المنازعات قول من يشهد
له الظاهر وحرف الباء دليل عليه
لأنه إنما يصحب الأعواض فهو دليل
على أن بالثلثين لم يستحق الربح
عوضا وهو المضارب وأنه في المعنى
يستحق الربح عوضا عن عمله فلهذا
كان المنصوص عليه للمضارب.
وكذلك لو قال خذها معاوضة بالنصف
أو معاملة بالنصف لأن العبرة في
العقود للمعاني دون الألفاظ.
ألا ترى أنه لا فرق بين أن يقول
بعتك هذا الثوب بألف أو المكيل
بألف ولو قال خذها على أن ما رزق
الله تعالى فيها من شيء فهو بيننا
ولم تزد على هذا فهو مضاربة جائزة
بالنصف لأن كلمة بين تنصيص على
الاشتراك ومطلق الاشتراك يقتضي
المساواة.
ألا ترى أن في الوصية والإقرار
إذا قال ثلث ما لي بين فلان وفلان
أو هذا المال بين فلان وفلان كان
مناصفة بينهما فكذلك قوله الربح
بيننا منزل منزلة اشتراط المناصفة
في الربح والدليل على أن مطلق
كلمة بين تقتضي المساواة قوله
تعالى:{وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ}[القمر: 28]والمراد التسوية بدليل قوله تعالى:{لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ}[الشعراء: 155]ولو قال خذها فاعمل بها على أن ما رزق الله تعالى
في ذلك من شيء فهو بيننا نصفين
ولم يقبل مضاربة فهي مضاربة جائزة
لأنه خرج بمعنى المضاربة وإن لم
ينص على لفظ المضاربة وما هو
المقصود يحصل بالتصريح بالمعنى
وليس لهذا العقد حكم يدل لفظ
المضاربة خاصة على ذلك الحكم
بخلاف لفظ المفاوضة في شركة
المفاوضة على ما قررنا في كتاب
الشركة.
وكذلك لو قال:
اعمل بهذه الألف على أن لك نصف
ربحها أو جزءا من عشرة أجزاء من
ربحها فهو جائز لأن المضارب هو
الذي يستحق الربح بالشرط وقد نص
على شرط نصيبه من الربح وكذلك لو
قال خذ هذه الألف فاعمل بها
بالنصف أو قال بالثلث فهي مضاربة
جائزة استحسانا وفي القياس لا
يجوز لانعدام التنصيص على من شرط
له الثلث ولكن في الاستحقاق قال
إنما يراد بهذا في العرف اشتراط
ذلك للمضارب وحرف الباء دليل عليه
فكأنه صرح بذلك وللقياس وجه آخر
وهو أنه لما لم ينص على المضاربة
فيحتمل أن يكون مراده إيجاب الثلث
له من أصل الألف بمقابلة عمله
ويحتمل أن يكون المراد إيجاب
ج / 22 ص -23-
الثلث له من الربح ولكنه استحسن فقال في عرف الناس المراد بهذا
اللفظ اشتراط الثلث له من الربح
فهو وما لو أتى بلفظ المضاربة
سواء.
ألا ترى إنه لو قال في وصيته
أوصيت لك بثلثي بعد موتي جاز
استحسانا وكان وصية له بثلث المال
لاعتبار العرف فهذا مثله.
ولو دفع الألف إليه على أن ما رزق
الله تعالى في ذلك من شيء فهو كله
للمضارب فقبض المال على هذه فربح
أو وضع أو هلك المال قبل أن يعمل
به فهو قرض عليه وهو ضامن له
والربح كله له لأن اشتراط جميع
التركة له يكون تنصيصا على تمليك
أصل المال منه فإنه لا يستحق جميع
الربح ما لم يكن مالكا للمال
وللتمليك طريقان الهبة والإقراض
فعند التردد لا يثبت إلا أدنى
الوجهين لأنه متيقن به وأدنى
الوجهين القرض فلهذا جعل مقرضا
المال منه .
ولو كان قال: على أن ما رزق الله
تعالى في ذلك من شيء فهو كله لرب
المال فهذه بضاعة مع المضارب وليس
له فيها ربح ولا أجر ولا ضمان
عليه في المال إن هلك لأنه ما
ابتغى عن عملي عوضا فيكون هو في
العمل معينا لصاحب المال والمعين
في التجارة مستصنع فيكون المال في
يده أمانة ورب المال لم يعنه في
شيء حين شرط جميع الربح لنفسه
وهذا الأصل الذي قلنا لأن العبرة
للمقصود في كل عقد دون اللفظ ولو
قال خذ هذه الألف مضاربة أو
مقارضة ولم يذكر ربحا فهي مضاربة
فاسدة لأن المضارب شريك في الربح
والتنصيص على لفظ المضاربة يكون
استرداد الجزء من ربح المضارب
وذلك الجزء غير معلوم وجهالته
تفضي إلى المنازعة بينهما ومثله
إذا كان في صلب العقد يكون مفسدا
للعقد فيكون الربح كله لرب المال
وللمضارب أجر مثله ربح أو لم
يربح.
ولو قال: على أن لرب المال ثلث
الربح ولم يسم للمضارب شيئا فهذه
مضاربة فاسدة في القياس لأنهما لم
يبينا ما هو المحتاج إليه وهو
نصيب المضارب من الربح وإنما ذكرا
مالا يحتاج إليه وهو نصيب رب
المال ولا حاجة به إلى ذلك فرب
المال لا يستحق بالشرط وليس من
ضرورة اشتراط الثلث لرب المال
اشتراط ما بقي للمضارب فإن ذلك
مفهوم والمفهوم لا يكون حجة
للاستحقاق ومن الجائز أن يكون
مراده اشتراط بعض الربح لعامل آخر
يعمل معه وهذا بخلاف ما إذا بين
نصيب المضارب خاصة لأنه ذكر هنا
ما يحتاج إلى ذكره وهو بيان نصيب
من يستحق بالشرط.
ووجه الاستحسان أن عقد المضاربة
عقد شركة في الربح والأصل في
المال المشترك إنه إذا بين نصيب
أحدهما كان ذلك بيانا في حق الآخر
إن له ما بقي قال الله تعالى
{وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ}[النساء: 11] معناه وللأب ما بقي وهنا لما دفع إليه المال مضاربة
فذلك تنصيص على الشركة بينهما في
الربح فإذا قال على أن لي ثلث
الربح يصير كأن قال ولك ما بقي
كما لو قال على أن لك ثلث الربح
يصير كأنه قال ولي ما بقي ولو صرح
بذلك لكان العقد صحيحا على ما
اشترطا فهذا مثله وهذا عمل
بالمنصوص لا بالمفهوم
ج / 22 ص -24-
ولو قال:
على أن للمضارب ثلث الربح أو سدسه
كانت المضاربة فاسدة لأنه لم ينص
في نصيب المضارب على شيء معلوم
ولكن ردده بين الثلث والسدس وبهذا
اللفظ تمكن فيما يستحقه المضارب
جهالة تفضي إلى المنازعة وكذلك لو
قال على أن لي نصف الربح أو ثلثه
لأن معنى هذا الكلام ولك ما بقي
النصف أو الثلث فيفسد العقد
لجهالة تفضي إلى المنازعة فيما
شرط للمضارب ولو شرط للمضارب ثلث
الربح ولرب المال نصف الربح
فالثلث للمضارب كما شرط إليه
والباقي كله لرب المال لأن
استحقاق المضارب بالشرط وما شرط
له إلا الثلث ورب المال يستحق ما
بقي لكونه بما ملكه وهذا موجود في
المسكوت عنه فيكون له.
ولو قال: خذ هذه
الألف لتشتري بها هرويا بالنصف أو
قال لتشتري بها رقيقا بالنصف فهذا
فاسد لأنه استأجره ببعض ما يحصل
بعمله وهو نصف المشتري وذلك فاسد
ثم هذا استئجار بأجرة مجهولة
وإنما جعلناه استئجارا لأنه أمره
بالشراء خاصة والربح لا يحصل
بالشراء وإنما يحصل به وبالبيع
وهو بالأمر بالشراء لا يملك البيع
عرفنا أن هذا العقد ليس شركة
بينهما في الربح فبقي استئجارا
على الشراء بأجرة مجهولة وهذا
فاسد يعني به الإجارة فأما
الوكالة بالشراء فجائزة وما اشترى
بها يكون لرب المال وللمضارب أجر
مثله فيما اشترى لأنه ابتغى في
عمله عوضا وليس له أن يبيع ما
اشترى إلا بأمر رب المال فإن باع
بغير أمره فحكمه حكم بيع الفضولي
لا يجوز إلا بإجازة المالك فإن
تلف ما باع ولم يقدر على المشتري
منه فالمضارب ضامن لقيمته حين باع
لأنه بالبيع والتسليم غاصب والثمن
الذي باع به المضارب ملكه بالضمان
فينفذ بيعه من جهته فإن كان فيه
فضل على القيمة التي غرم فينبغي
له أن يتصدق به إلا على قول أبي
يوسف رحمه الله وأصله في المودع
إذا تصرف في الوديعة وربح.
وإذا أجاز رب المال بيع المضارب
فإن كان المبيع قائما بعينه نفذ
بيعه لأن الإجازة في الانتهاء
كالإذن في الابتداء وكذلك إن كان
لا يدري إنه قائم أم هالك لأن
التمسك بالأصل المعلوم واجب حتى
يعلم غيره وقد علمنا قيامه فجاز
البيع باعتبار الأصل والثمن لرب
المال لا يتصدق منه بشيء كما لو
كان أمره بالبيع في الابتداء وإن
علم هلاكه عند الإجازة فإجارته
باطلة لأن الملك يثبت للمشتري
بالعقد عند الإجارة فلا بد من
قيام المعقود عليه على وجه يقبل
ابتداء العقد حتى ينفذ العقد فيه
بالإجارة فإذا بطلت الإجارة كان
المضارب ضامنا للقيمة يوم باعه
والثمن له يتصدق بالفضل إذا كان
فيه .
ولو قال: خذ هذه
الألف فابتع بها متاعا فما كان من
فضل فلك النصف ولم يزد على هذه
فهو فاسد في القياس أيضا لأن
الابتياع عبارة عن الشراء فهذا
وقوله اشتر بها بالنصف سواء وفي
الاستحسان هذه مضاربة جائزة لأن
لفظ الابتياع عام يقع على البيع
والشراء جميعا وبقوله فما كان من
فضل تبين أن مراده البيع والشراء
جميعا لأن الفضل لا يحصل إلا بهما
فيكون له أن يشتري ما بدا له
ويبيعه وإنما شرط له نصف الربح
فكانت مضاربة
ج / 22 ص -25-
جائزة وكذلك لو قال خذها بالنصف فهو جائز استحسانا وفي القياس هذه
أفسد من قوله اشتر بها هرويا
بالنصف والفرق بينهما على وجه
الاستحسان إن هنا لم ينص على شيء
من العمل وإنما ذكر حرفا يدل على
المعاوضة وهو حرف الباء وهو تنصيص
على العوض له وإنما يستحق العوض
باعتبار عمله وعمله الذي يستحق
باعتباره عوضا مسمى هوالبيع
والشراء جميعا فكأنه نص عليهما
وبهذه تبين أن مراده اشتراط نصف
الربح له فأما هناك فنص على العمل
الذي أوجب له العوض بمقابلته وهو
الشراء فيكون استئجارا بأجرة
مجهولة.
وكذلك لو قال خذها على النصف لأن
حرف على وحرف الباء مستعملان في
مثل هذا المحل استعمالا واحدا
ويكون دليلا على المعاوضة وكذلك
لو قال اعمل بهذه على النصف لأنه
نص على العمل هنا وإنما ينصرف
للعمل الذي يحصل به الربح وذلك
الشراء والبيع جميعا ولو دفع إليه
مضاربة على أن يعطي المضارب رب
المال ما شاء من الربح أو على أن
يعطي رب المال المضارب ما شاء من
الربح فهذه مضاربة فاسدة لجهالة
حصة المضارب من الربح في الفصلين
فإن المشيئة المشروطة لأحدهما لا
تكون لازمة في حق الآخر وله أن
يرجع عن ذلك متى شاء وعند رجوعه
تتمكن منهما المنازعة باعتبار
جهالة نصيب المضارب.
وكذلك لو اشترط لأحدهما بعينه ما
شاء من الربح وللآخر ما بقي فهذه
مضاربة فاسدة لجهالة نصيب المضارب
سواء كان صاحب الشرط أو صاحب ما
بقي ولو اشترطا لرب المال من
الربح مائة درهم والباقي للمضارب
فهذه مضاربة فاسدة لأن هذا الشرط
يؤدي إلى قطع الشركة في الربح مع
حصوله فربما لا يحصل إلا قدر
المائة وكذلك لو اشترطا للمضارب
نصف الربح إلا عشرة دراهم أو نصف
الربح وزيادة عشرة دراهم فهذه
فاسدة لأن هذا الشرط يؤدي إلى قطع
الشركة ولأن هذه مخاطرة لا مضاربة
فربما يكون الحاصل من الربح دون
العشرة فيتعذر مراعاة الشرط
عليهما مع حصول الربح.
ولو دفعها إليه مضاربة على مثل ما
شرط فلان لفلان من الربح فإن كانا
قد علما جميعا ما شرطه فلان لفلان
فهو مضاربة لأنهما جعلا المشروط
لفلان عيارا فإذا كان ذلك معلوما
عندهما ضاربا به وإن لم يكن
معلوما لهما أو لم يعلمه أحدهما
فهي مضاربة فاسدة لأن حصة المضارب
من الربح لا بد أن تكون معلومة
لهما وبما ذكرا في العقد لم يصر
ذلك معلوما لهما ففسد العقد
لجهالة نصيب المضارب عندهما أو
عند أحدهما وقت العقد وإذا دفع
الرجل إلى رجل دراهم مضاربة ولا
يدري واحد منهما ما وزنها فهي
مضاربة جائزة لأن الإعلام
بالإشارة إليه أبلغ من الإعلام
بالتسمية ورأس المال أمانة في يد
المضارب كالوديعة والدراهم تتعين
في الأمانة وعند الشراء بها يعلم
مقدارها بالوزن ويقبل قول المضارب
فيه لكونه أمينا فجهالة المقدار
عند العقد لا تفضي إلى المنازعة
فإن اختلفا في مقدار رأس المال
عند قسمة الربح فالقول قول
المضارب مع يمينه لأنه هو القابض
والقول في مقدار المقبوض قول
القابض ذلك من شيء فللمضارب ثلثه
ولرب المال ثلثه ولعبد المضارب
ثلثه فهو
ج / 22 ص -26-
جائز وثلثا الربح للمضارب لأن المشروط للعبد الذي دين عليه
كالمشروط لمولاه فإن كسب العبد
مملوك لمولاه فكان هذا بمنزلة
اشتراط المضارب ثلثي الربح لنفسه
فكذلك لو لم يشترط للعبد المضارب
ولكنه شرط لعبد رب المال فقلنا
الربح لرب المال لأن المشروط
لعبده كالمشروط له أو يجعل هذا في
حقه كالمسكوت عنه.
ولو كان اشترط الثلث لعبد
المضارب وعليه دين يحيط بكسبه
فالثلثان من الربح لرب المال في
قول أبي حنيفة رحمه الله لأن من
أصله أن استغراق كسب العبد بالدين
يمنع ملك المولي في كسبه ويكون
المولي من كسبه كأجنبي آخر
فالمشروط للعبد في هذه الحالة
كالمشروط لأجنبي آخر ولو شرط ثلث
الربح لأجنبي كان ذلك لرب المال
لأن الربح لا يستحق إلا بعمل أو
مال وليس للمشروط له عمل ولا مال
في هذا العقد فيلغو ما شرط له
ويجعل ذلك كالمسكوت عنه فيكون لرب
المال ولا تفسد المضاربة بين
المضارب ورب المال وهذا لأن الشرط
الفاسد ليس من صلب العقد وإنما
صلب العقد بيان حصة المضارب من
الربح بالشرط ولا فساد في ذلك
وعقد المضاربة نظير عقد الشركة لا
يفسد بالشرط الفاسد إذا لم يكن
متمكنا في صلب العقد بخلاف ما إذا
شرط للمضارب مائة درهم فالشرط
الفاسد هناك فيما هو من صلب العقد
ولكن ما نحن فيه نظير ما لو شرط
أن تكون الوضيعة عليهما فإن هذا
الشرط فاسد والوضيعة على المال
ولا يفسد العقد لأنه ليس من صلب
العقد وأما عند أبي يوسف ومحمد
رحمهما الله فثلثا الربح للمضارب
لأن عندهما الولي يملك كسب عبده
وإن كان مستغرقا بالدين فالمشروط
لعبد المضارب كالمشروط للمضارب
عندهما.
ولو كان اشترط ثلث الربح لامرأة
المضارب أو لابنه أو لمكاتبه كان
ذلك الشرط باطلا ولا يفسد به
العقد لأنه ليس من صلب العقد
والمضاربة جائزة وثلثا الربح لرب
المال لأنه ليس للمرأة والابن في
هذا العقد مال ولا عمل فلا يستحق
شيئا من الربح ولكن ما شرط له
كالمسكوت عنه فيكون لرب المال
وكذلك لو كان اشترط الثلث لامرأة
رب المال أو ولده أو لأجنبي آخر
ولو كان الثلث للمساكين أو للحج
أو في الرقاب فهو كذلك لأن ما سمي
له ثلث الربح ليس من جانبه رأس
مال ولا عمل فالشرط له يلغو
واشتراطه للمساكين تصدق بما لم
يملكه بعد فكان باطلا ويجعل ذلك
كالمسكوت عنه فيكون لرب المال
لأنه لو فسد جميع المضاربة كان
جميع الربح لرب المال فكذلك إذا
فسد بعض الشرط كان ذلك لرب المال
وهذا لأن المضارب إنما يملك
بالشرط أمينا كان أو ضمينا
والبينة بينة رب المال لإثباته
الزيادة ببينة.
وإذا كان لرجل عند رجل ألف درهم
وديعة فأمره أن يعمل بها مضاربة
بالنصف فهو جائز لأنه أضاف العقد
إلى رأس مال هو عين وهو شرط صحة
المضاربة ولا فرق في ذلك بين أن
يكون في يد رب المال أو في يد
المضارب لأنه لا بد من تسليمه إلى
المضارب عقيب العقد ولم يذكر ما
لو كانت الدراهم مغصوبة في يد ذي
اليد فقال اعمل بها مضاربة
ج / 22 ص -27-
بالنصف وفي اختلاف زفر ويعقوب رحمهما الله قال عند أبي يوسف رحمه
الله هذا والوديعة سواء لأنه أضاف
العقد إلى رأس مال عين وذلك منه
رضاء بقبض المضارب وإسقاطه لحقه
في الضمان فيلحق بالأمانة وعلى
قول زفر رحمه الله هذا لا يجوز
لأن شرط صحة المضاربة أن يكون رأس
المال أمانة في يد المضارب وهذا
الشرط لا يحصل بنفس العقد لأن
الغاصب لا يصلح قابضا من نفسه
للمغصوب منه حتى ينسخ به حكم
الغصب ولهذا لو وكل الغاصب ببيع
المغصوب لا يبرأ عن الضمان حتى
يبيعه ويسلمه فإذا لم يوجد الشرط
هنا لا تصح المضاربة.
ولو كان لرجل على رجل ألف درهم
دين فأمره أن يعمل بها مضاربة
ويشتري بها ما بدا له من المتاع
ثم يبيعه بالنصف فهذا فاسد لأن
شرط صحة المضاربة كون رأس المال
عينا ولم يوجد ذلك عند العقد ولا
بعده فالمديون لا يكون قابضا
للدين من نفسه لصاحبه وصاحب الدين
لا يمكن أن يبرئه عن الضمان مع
بقائه بدون القبض فإذا لم تصلح
المضاربة فما اشتراه المديون فهو
له لا شيء لرب المال منه في قول
أبي حنيفة رحمه الله ودينه عليه
بحاله وفي قول أبي يوسف ومحمد
رحمهما الله ما اشترى فهو لرب
المال والمضارب بريء من دينه وله
على رب المال أجر مثله فيما عمل
وهو بناء على مسألة كتاب البيوع
إذا قال لمديونه اشتر بمالي عليك
ثوبا هرويا وقد بيناها ثمة ثم
عندهما المضاربة فاسدة فلهذا كان
الربح كله لرب المال وللمضارب أجر
مثله.
ولو قال رب المال لرجل آخر اقبض
ما لي على فلان ثم اعمل به مضاربة
بالنصف فهو جائز لأنه وكيل رب
المال في قبض الدين منه فإذا قبضه
كان المقبوض بمنزلة الوديعة في
يده فتنعقد المضاربة بينهما برأس
مال هو عين في يده وذكر في
النوادر أن هذا يكره لأنه شرط
لنفسه منفعة قبل عقد المضاربة ليس
ذلك مما حصل به الربح وهو تقاضي
الدين وقبضه فالكراهة لهذا والله
أعلم
باب
اشتراط بعض الربح لغيرهما
قال رحمه
الله: وإذا دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة على أن ما رزق الله تعالى في
فساد الشرط في البعض لا يزداد
الشرط في جانب المضارب فلا يزداد
حقه ولو دفع إليه ألف درهم مضاربة
على أن ثلث الربح للمضارب وثلثه
يقضي به دين المضارب الذي للناس
عليه أو مالي الذي لفلان عليه
فثلث الربح لرب المال والمضاربة
جائزة وثلثا الربح للمضارب لأن
المديون إنما يقضي الدين بملك
نفسه فما شرط لقضاء الدين الذي
على المضارب يكون مشروطا للمضارب
ولا يجبر على قضاء الدين منه لأن
الاختيار إلى المديون في تعيين
المحل الذي يقضي به الدين من ماله
والذي سبق منه وعد بقضاء الدين من
بعض الربح الذي يستحقه والمواعيد
لا يتعلق بها اللزوم.
ولو دفع رجلان إلى رجل ألف درهم
مضاربة على أن للمضارب ثلث ربح
جميع المال
ج / 22 ص -28-
وما بقي من الربح فثلثه لأحد صاحبي المال بعينه والثلثان للآخر
فعمل المضارب على هذا وربح فثلث
جميع الربح للمضارب كما شرط
والباقي بين صاحب المال نصفين
لاستوائهما في رأس المال وذلك
يوجب التسوية بينهما في استحقاق
الربح والذي شرط لنفسه ثلثي ما
بقي يكون شارطا لنفسه شيئا من ربح
مال صاحبه من غير أن يكون له فيه
رأس مال أو عمل وهذا الشرط باطل
ولكنه ليس في صلب العقد بينهما
وبين المضارب فبقي العقد بينهما
وبينه صحيحا ولو كان المضارب
اشترط إن له ثلث الربح ثلثا ذلك
من حصة أحدهما بعينه والثلث من
حصة الآخر على أن ما بقي من الربح
فهو بين صاحبي المال نصفان
فللمضارب ثلث الربح على ما اشترطا
ثلثا ذلك من حصة الذي اشترط ذلك
والثلث من حصة الاخر وما بقي من
الربح فهو بين صاحبي المال على
اثني عشر سهما خمسة للذي شرط
للمضارب من حصته ثلثي ثلث الربح
وسبعة للآخر لأنك تحتاج إلى حساب
له نصف وثلث ينقسم ثلثه أثلاثا
وأقل ذلك ثمانية عشر فقد شرط
للمضارب ثلث ذلك ستة أسهم ثلثا
ذلك وهو أربعة من نصيب الذي شرط
له ثلثي الثلث وثلثه وهو سهمان من
نصيب الآخر وذلك جائز لأن نصيب كل
واحد منهما بمنزلة مال على حدة
دفعه إليه مضاربة والمضارب قد
يستقصي فيما يشترطه لنفسه بعمله
فيما لزيد ويسامح فيما يشترطه
لنفسه من مال عمرو فإذا صح هذا
الشرط قلنا ربح كل واحد منهما
سبعة أسهم فالذي شرط للمضارب
أربعة من نصيبه يبقى له خمسة
والذي شرط للمضارب سهمين من نصيبه
يبقى له سبعة فكان الباقي مقسوما
بينهما على مقدار ما بقي من حق كل
واحد منهما فيكون على اثني عشر
سهما واشتراط المناصفة بينهما
باطل لأن من بقي له خمسة اشترط
لنفسه سهما من ربح مال صاحبه من
غير أن يكون له فيه رأس مال أو
عمل وذلك باطل.
ولو دفع إليه ألف درهم مضاربة على
أن ثلث الربح للمضارب وثلثه لرب
المال وثلثه لمن شاء المضارب
فالثلثان من الربح لرب المال
والشرط باطل لأنه ليس في شرط
المشيئة منفعة للمضارب فلا يجعل
ذلك القدر كالمشروط فيكون لرب
المال بخلاف المشروط في قضاء
الدين فعلى المضارب لأن فيه منفعة
ظاهرة له وهي براءة ذمته فيجعل
ذلك كالمشروط للمضارب ولو قالا
ثلث الربح لمن شاء رب المال فهو
والمسكوت عنه سواء فيكون لرب
المال وإذا دفع رجل إلى رجلين ألف
درهم مضاربة على أن ما رزق الله
تعالى في ذلك من شيء فلأحدهما
بعينه نصف الربح وللآخر سدس الربح
ولرب المال ثلث الربح فهو جائز
على ما اشترطا لأن رب المال شرط
على كل واحد من المضاربين جزءا
معلوما من الربح وفاوت بينهما في
الشرط لتفاوتهما في الهداية في
التجارة المربحة وذلك صحيح.
ولو دفع رجلان إلى رجلين ألف درهم
مضاربة على أن لأحد المضاربين
بعينه من الربح الثلث وللآخر
السدس وما بقي من صاحبي المال
لأحدهما ثلثه وللآخر ثلثاه فعملا
وربحا فنصف الربح للمضاربين على
ما اشترطا ثلثاه لأحدهما وللآخر
ثلثه لأن الاستحقاق لهما بالشرط
وهكذا شرط لهما والنصف الآخر بين
صاحبي المال نصفين لان استحقاقهما
باعتبار
ج / 22 ص -29-
رأس المال وقد تفاوتا في ذلك فاشتراط الفضل لأحدهما فيما بقي من
غير أن يكون له في نصيب صاحبه مال
أو عمل يكون شرطا فاسدا ولو قال
للمضاربين نصف الربح بينكما لفلان
منه الثلثان من نصيب أحد صاحبي
المال ثلثاه ومن نصيب الآخر الثلث
ولفلان الآخر منه الثلث ثلثا ذلك
من نصيب صاحبي المال وهو الذي
أعطى له نصيبه وثلث ذلك من نصيب
الآخر والنصف الآخر بين صاحبي
المال نصفين فعملا فربحا فنصف
الربح بين المضاربين على ما
اشترطا والنصف الآخر بين صاحبي
المال على تسعة أسهم للذي شرط
للمضارب ثلثي النصف من نصيبه من
ذلك أربعة أسهم وللآخر خمسة وتخرج
المسألة على نحو تخريج المسألة
الأولى بأن يجعل الربح على ثمانية
عشر نصيب كل واحد منهما تسعة
والمشروط لأحد المضاربين ثلثا
الربح وهو ستة من تسعة ثلثا ذلك
وهو أربعة من نصيب أحدهما وثلثه
وهو سهمان من نصيب الآخر والذي
شرط له ثلث النصف ثلثه ثلث ذلك
وهو سهم ممن أعطى الآخر أربعة
وثلثاه وهو سهمان ممن أعطى الآخر
سهمين فالذي شرط ثلثي الربح
لأحدهما استحق عليه أحد المضاربين
من نصيبه أربعة والآخر سهما واحدا
فإذا دفعت ذلك من تسعة بقي له
أربعة أسهم والآخر استحق عليه كل
واحد من المضاربين سهمين بقي له
خمسة أسهم فيقسم الباقي بينهما
على مقدار ما بقي من حق كل واحد
منهما فيكون على تسعة لأحدهما
خمسة وللآخر أربعة واشتراطهما
المناصفة فيما بقي باطل لما قلنا.
وإذا دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة
على أن يخلطها المضارب بألف من
قبله ثم يعمل بهما جميعا على أن
ما رزق الله تعالى في ذلك من شيء
فللمضارب ثلثاه وللدافع ثلثه فهو
جائز على ما اشترطا لأن العامل
شرط لنفسه ربح مال نفسه وثلث ربح
مال صاحبه فكأنه أخذ منه الألف
مضاربة بثلث الربح وذلك جائز ولو
كان الدافع اشترط لنفسه ثلثي
الربح وللعامل ثلثه فالربح بينهما
نصفان على قدر مالهما لأن الدافع
شرط لنفسه جميع ربح ماله فيكون
دافعا المال من وجه البضاعة وشرط
أيضا لنفسه جزءا من ربح مال
العامل وهذا منه طمع في غير مطمع
لأنه ليس له في مال العامل رأس
مال ولا عمل فيبطل هذا الشرط
ويكون الربح بينهما على قدر رأس
مالهما نصفين.
ولو دفع إليه ألف درهم مضاربة على
أن يخلطها بألف من قبله ويعمل
بهما جميعا على أن للمضارب ثلثي
الربح نصف ذلك من ربح ألف صاحبه
ونصفه من ربح ألفه خاصة وعلى أن
ما بقي من الربح للدافع فهو جائز
للمضارب ثلثا الربح على ما اشترطا
والثلث لرب المال لما بينا أنه
شرط الدافع للمضارب جزءا من ربح
ماله بعمله فيه وذلك مستقيم ثم
يقول في بيان العلة لأن سدس الربح
صار للدافع من ربح مال المضارب
وصار له سدس مثله من ربح ألفه
الذي صار للمضارب قال الشيخ
الإمام الأجل رضي الله عنه وكان
شيخنا الإمام رحمه الله يقول هذا
التعليل لا يصح فمبادلة ربح لم
يوجد بربح لم يوجد كيف يكون صحيحا
وإنما معنى هذا التعليل أنه ليس
في هذا التفصيل فائدة لأحدهما لأن
بعد خلط المالين لا فرق في
ج / 22 ص -30-
حق كل واحد منهما بين سدس الربح الذي يكون من ألفه وبين مثله من
ألف صاحبه والشرط إنما يراعى إذا
كان مفيدا لهما أو لأحدهما فما لم
يكن مفيدا يكون لغوا ويبقى اشتراط
ثلثي الربح للمضارب مطلقا فيكون
صحيحا على ما اشترطا.
ولو دفع إليه ألفي درهم على أن
يخلطهما بألف من قبله على أن
الربح بينهما نصفان فهذا جائز لأن
العامل شرط لنفسه ربح ألفه وربع
ربح مال الدافع ودفع المال مضاربة
بربع الربح صحيح فإن كان الدافع
شرط لنفسه ثلاثة أرباع الربح
وللعامل ربعه فالربح بينهما
أثلاثا على قدر مالهما لأن الدافع
شرط الزيادة على الثلثين لنفسه
وطمع في جزء من ربح مال العامل
وليس له فيه رأس مال ولا عمل فكان
هذا الشرط باطلا والله أعلم
باب
المضاربة بالعروض
قال رحمه
الله: ذكر عن إبراهيم والحسن رحمهما الله قالا لا تكون المضاربة
بالعروض إنما تكون بالدراهم
والدنانير وبه نأخذ وقال مالك
رحمه الله المضاربة بالعروض صحيحة
لأن العرض مال متقوم يستريح عليه
بالتجارة عادة فيكون كالنقد فيما
هو المقصود بالمضاربة وكما يجوز
بقاء المضاربة بالعرض يجوز
ابتداؤها بالعروض ولكنا نستدل
بنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن
ربح مال يضمن والمضاربة بالعروض
تؤدي إلى ذلك لأنها أمانة في يد
المضارب وربما ترتفع قيمتها بعد
العقد فإذا باعها حصل الربح
واستحق المضارب نصيبه من غير أن
يدخل شيء في ضمانه بخلاف النقد
فإنه يشتري بها وإنما يقع الشراء
بثمن مضمون في ذمته فما يحصل له
يكون ربح ما قد ضمن.
توضيحه: إن الربح
هنا لما كان يحصل بمجرد البيع
يصير في المعنى كأنه استأجره لبيع
هذه العروض بأجرة مجهولة وفي
النقد الربح لا يحصل إلا بالشراء
والبيع جميعا فتكون شركة ولأن
تقدير المضاربة بالعروض كأنه قال
بع عرضي هذا على أن يكون بعض ثمنه
لك ولو قال على أن جميع ثمنه لك
لم يجز فكذلك البعض وإذا كان رأس
المال نقدا يصير كأنه قال اشتر
بهذه الألف وبع على أن يكون بعض
ثمنه لك ولو قال على أن جميع ثمنه
لك صح فكذلك البعض.
توضيحه: إن الربح
في المضاربة لا يظهر إلا بعد
تحصيل رأس المال ورأس المال إذا
كان عرضا فطريق تحصيله وطريق
معرفة قيمته الحزر والظن فلا
يتيقن بالربح في شيء ليقسم بينهما
بخلاف النقود فإن كان رأس المال
مكيلا أو موزونا من غير النقود
فالمضاربة فاسدة أيضا عندنا وقال
بن أبي ليلى رحمه الله هي جائزة
لأنها من ذوات الأمثال فيمكن
تحصيل رأس المال بمثل المقبوض ثم
قسمة الربح بينهما ولأن المكيل
والموزون يجوز الشراء بهما ويثبت
دينا في الذمة ثمنا فيكون ذلك
بمنزلة النقود في أن المضارب إنما
يستحق الربح بالضمان وحجتنا في
ذلك أن المكيل والموزون يتعين في
العقد كالعروض وأول التصرف بهما
يكون
ج / 22 ص -31-
بيعا وقد يحصل بهذا البيع ربح بأن يبيعه ثم يرخص سعره بعد ذلك
فيظهر ربحه بدون الشراء فيكون هذا
استئجارا للبيع بأجرة مجهولة وذلك
باطل كما في العروض.
فإن اشترى وباع فربح أو وضع
فالربح لرب المال والوضيعة عليه
ولا ضمان على المضارب وله أجر
مثله فيما عمل كما هو الحكم في
المضاربة الفاسدة وقد بينا حكم
المضاربة بالفلوس والنبهرجة
والستوقة والزيوف والتبر زاد هنا
فقال ألا ترى أن رجلا لو اشترى
عبدا بذهب تبر بعينه أو بفضة تبر
بعينها فهلك التبر قبل التسليم
بطل البيع فقد أشار في كتاب الصرف
إلى أن التبر لا يتعين في الشراء
ولا ينتقض العقد بهلاكه وقد بينا
هناك وجه الروايتين أن هذا يختلف
باختلاف البلدان في رواج التبر
نقدا أو عرضا.
وإذا دفع إلى رجل فلوسا مضاربة
بالنصف فلم يشتر شيئا حتى كسدت
تلك الفلوس وأحدثت فلوس غيرها
فسدت المضاربة لأن على قول من
يجيز المضاربة بالفلوس إنما يجيز
باعتبار صفة الثمنية وهي ثمن ما
دامت رائجة فإذا كسدت فهي قطاع
صفر كسائر الموزونات ولو اقترن
كسادها بعقد المضاربة لم تصح
المضاربة فكذلك إذا كسدت بعد
العقد قبل حصول المقصود به وقد
بينا في كتاب الشركة أن الطارئ
بعد العقد قبل حصول المقصود به
كالمقارن للعقد فهذا مثله فإن
اشترى بها المضارب بعد ذلك فربح
أو وضع فهو لرب المال وللمضارب
أجر مثل عمله فيما عمل هو الحكم
في المضاربة الفاسدة ولا فرق فيه
بين الفساد الطارئ والفساد
المقارن.
ألا ترى إنه لو اشترى بهذه الفلوس
الكاسدة شيئا فضاعت قبل أن ينقدها
انتقض البيع فعرفنا أنها بالكساد
صارت كالعروض ولو لم تكسد حتى
اشترى بها المضارب ثوبا ودفعها
وقبض الثوب ثم كسدت فالمضاربة
جائزة على حالها لأن بالشراء حكم
المضاربة تحول إلى الثوب وصار مال
المضاربة الثوب دون الفلوس فلا
يتغير الحكم بكساد الفلوس بعد ذلك
ولكن المقصود قد حصل بالشراء وما
يعرض بعد حصول المقصود لا يجعل
كالمقترن بالسبب.
فإذا باع الثوب بدراهم أو عرض فهو
على المضاربة فإن ربح ربحا
وأرادوا القسمة أخذ رب المال قيمة
فلوسه يوم كسدت لأنه لا بد من رد
رأس المال إليه ليظهر الربح ورأس
المال كان فلوسا رائجة وهي للحال
كاسدة فقد تعذر رد مثل رأس المال
وهذا التعذر إنما يتحقق يوم
الكساد فيعتبر قيمتها في ذلك
الوقت وفرق بين هذا وبين ما إذا
غصب شيئا من ذوات الأمثال فانقطع
المثل من أيدي الناس إن عند أبي
حنيفة رحمه الله تعتبر قيمته يوم
الخصومة لأن المثل هناك باق في
الذمة والقدرة على تسليمه متعذرة
أو إنه حاصل وإنما يتحول الحق إلى
القيمة عند الخصومة فتعتبر قيمته
يومئذ وهنا الوقت في تحصيل المثل
غير منتظر لأن ما كسد من الفلوس
قد لا يروج بعد ذلك قط ولا يدري
متى يروج فإنما يتحول الحق إلى
القيمة عند تحقق فوات مثل تلك
الفلوس وذلك وقت الكساد فتعتبر
قيمته عند ذلك ثم الباقي بينهما
ربح على الشرط
ج / 22 ص -32-
وإذا دفع إلى رجل شبكة ليصيد بها السمك على أن ما صاد بها من شيء
فهو بينهما فصاد بها سمكا كثيرا
فجميع ذلك للذي صاد لقوله صلى
الله عليه وسلم
:"الصيد
لمن أخذ" ولأن الآخذ هو المكتسب دون الآلة فيكون الكسب له وقد استعمل فيه
آلة الغير بشرط العوض لصاحب الآلة
وهو مجهول فيكون له أجر مثله على
الصياد وكذلك لو دفع إليه دابة
يستقي عليها الماء ويبيع عليها أو
لينقل عليها الطين ليبيعه أو ما
أشبه ذلك بخلاف ما إذا أمره أن
يؤاجر الدابة فالغلة هناك لصاحب
الدابة وللعامل أجر مثله وقد تقدم
بيان هذا في الإجارة إنه إذا آجر
الدابة فالأجر بمقابلة منافعها
والعامل وكيل لصاحبها وإذا
استعملها العامل في نقل شيء عليها
وبيع ذلك فهو لنفسه.
ولو دفع إلى حائك غزلا على أن
يحوكه سبعة في أربعة ثوبا وسطا
على أن الثوب بينهما نصفان فهذا
فاسد وهو في معنى قفيز الطحان وقد
بينا ما فيه من اختيار بعض
المتأخرين رحمهم الله باعتبار
العرف في ذلك في بعض البلدان في
كتاب الإجارة والثوب لصاحب الغزل
وللحائك أجر مثله وإذا دفع إلى
رجل أرضا بيضاء على أن يبني فيها
كذا كذا بيتا وسمى طولها وعرضها
وكذا كذا حجرة على أن ما بنى من
ذلك فهو بينهما نصفان وعلى أن أصل
الدار بينهما نصفان فبنى فيها كما
شرط فهو فاسد لأنه أمر بأن يجعل
أرضه مساكن بآلات نفسه فيكون
مشتريا بالآلات وهي مجهولة وقد
جعل العوض نصف ما يعمل لنفسه من
المساكن وذلك فاسد وقد قررنا في
الإجارات أن هذا المعنى في الأرض
يدفعها إليه ليغرسها أشجارا على
أن تكون الأرض والشجر بينهما
نصفين فهو في البناء كذلك ثم جميع
ذلك لرب الأرض وعليه للثاني قيمة
ما بنى لأنه يصير قابضا له بحكم
العقد الفاسد فإن بناء الغير له
بأمره كبنائه بنفسه فعليه ضمان
القيمة لما تعذر رد العين باعتبار
إنه صار وصفا من أوصاف ملكه
وللعامل أجر مثله فيما عمل لأنه
أقام العمل له وقد ابتغى من عمله
عوضا فإذا لم ينل ذلك استوجب أجر
المثل.
ولو دفع إليه أرضا على أن يبني
فيها دسكرة ويؤاجرها على أن ما
رزق الله تعالى في ذلك من شيء فهو
بينهما نصفان فبناها كما أمره
فأجرها فأصاب مالا فجميع ما أصاب
من ذلك فهو للباني والبناء له لأن
صاحب الأرض هنا شرط البناء لنفسه
فيكون الثاني عاملا لنفسه في
البناء وإذا كان البناء ملكا له
فعليه البناء أيضا وإنما يستأجر
البيوت للسكنى وذلك باعتبار
البناء ولهذا لو انهدم جميع
البناء لم يكن على المؤاجر
للمستأجر أجر بعد ذلك فلهذا كان
الأجر كله لصاحب البناء ولرب
الأرض أجر مثل أرضه على الباني
لأنه أجر الأرض بنصف ما يحصل من
غلة البناء وهي مجهولة وقد استوفى
منفعة الأرض بهذا العقد الفاسد
فيلزمه أجر مثلها وينقل الثاني
بناءه عن أرض رب الأرض لأن الأرض
باقية على ملك صاحبها فعلى الثاني
أن يفرغها ويردها على صاحبها
لفساد عقد الإجارة بينهما في
الأرض ولو كان اشترط مع ذلك أن
الأرض والبناء بينهما نصفان كان
ذلك كله مع ما أجرها به لرب الأرض
لأنه صار مشتريا لما بنى به هنا
بنصف الأرض أو أمره بأن يجعل أرضه
دسكرة بآلات نفسه
ج / 22 ص -33-
على أن له بعض ما يحصل بعمله وذلك فاسد ولكنه صار قابضا مستهلكا
بشراء فاسد فعليه قيمته يوم بنى
الباني وأجر مثله فيما عمل وأجر
مثله فيما أجر من الدسكرة لأنه في
كل ذلك عامل لصاحب الأرض بأجرة
مجهولة بخلاف الأول فهناك صاحب
الأرض ما شرط لنفسه شيئا من
البناء فيكون الثاني عاملا لنفسه
وهنا أضاف البناء إلى نفسه حين
شرط لنفسه نصف البناء وجعل النصف
الآخر أجرة للباني فلهذا كان
البناء كله لصاحب الأرض هنا.
وإذا دفع إلى رجل بيتا على أن
يبيع فيه البر على أن ما رزق الله
تعالى في ذلك من شيء فهو بينهما
نصفان فقبض البيت فباع فيه وأصاب
مالا فالمال كله لصاحب البر لأنه
ثمن ملكه وهو في البيع كان عاملا
لنفسه ولرب البيت أجر مثل بيته
لأنه أجر البيت بأجرة مجهولة ولو
كان رب البيت دفع إليه البيت
ليؤجره ليباع فيه البر على أن ما
رزق الله تعالى في ذلك من شيء فهو
بينهما نصفان فهذا فاسد فإن أجر
البيت فالأجر لرب البيت لأن الأجر
عوض منفعة البيت هنا والعامل
كالوكيل لصاحب البيت في إجارته
ولكنه ابتغى عن عمله له عوضا لم
يسلم له فيستوجب أجر مثله فيما
عمل.
وإذا قال: خذ هذا
العبد مضاربة وقيمته ألف درهم على
أن رأس مالي قيمته على أن يبيعه
ويشتري بثمنه ويبيع فما رزق الله
تعالى في ذلك من شيء أخذت منه رأس
مالي قيمة العلام وما بقي فهو
بينهما نصفان فهذه مضاربة فاسدة
لأن رأس المال فيها العبد وهو
متعين كسائر العروض ولا يمكن أن
يجعل قيمة رأس المال لأن القيمة
تختلف باختلاف المقومين ولا يمكن
تحصيلها يقينا ليظهر الربح بعدها
وإذا فسد العقد فجميع ذلك ما باع
واشترى لرب العبد وللمضارب أجر
مثله ولو قال بع عبدي هذا واقبض
ثمنه واعمل فيه مضاربة على أن ما
رزق الله تعالى في ثمنه من شيء
فهو بيننا نصفان فهو جائز على ما
اشترطا لأنه وكله ببيع العبد أولا
فكان بيع الوكيل له كبيعه لنفسه
ثم عقد المضاربة على الثمن
المقبوض من دراهم أو دنانير وهو
أمانة في يد الوكيل فقد وجد شرط
صحة المضاربة وأكثر ما فيه أنه
أضاف عقد المضاربة إلى ما بعد
البيع وقبض الثمن وذلك لا يفسد
المضاربة غير أني أكره أن يقول
بعه وخذ الثمن مضاربة على أن
الربح بيننا نصفان لأن بيع العبد
ليس من المضاربة وقد صار كأنه شرط
فيها فلهذا كره فإن شبهة الشيء
كحقيقته في وجوب التحرز عنه قال
صلى الله عليه وسلم :"من اتقى الشبهات سلم له دينه".
ولو شرط على المضارب في المضاربة
منفعة له سوى ما يحصل به الربح
كان ذلك الشرط فاسدا فكذلك شرط
بيع العبد لما صار في معنى ذلك
ولكنه ينبغي أن يأمره ببيعه ولا
يذكر المضاربة فإذا قبض الثمن
أمره أن يعمل به مضاربة وكذلك هنا
الحكم في جميع العروض من المكيلات
والموزونات.
ولو باع المضارب العبد بعشرة
إكرار حنطة وعمل بها فهذا في قياس
قول أبي حنيفة رحمه الله مضاربة
فاسدة لأنه وكيل بالبيع مطلقا ومن
أصل أبي حنيفة إن الوكيل بالبيع
يملك
ج / 22 ص -34-
البيع بالمكيل والموزون فلا يصير هو ضامنا ولكنه يصير كأنه دفع
إليه الحنطة مضاربة فتكون
المضاربة فاسدة وجميع ما ربح لرب
المال وللمضارب أجر مثله فيما عمل
بالثمن لأنه في بيع العبد معين
وإنما يصير أجيرا باعتبار
المضاربة وأوان ذلك بعد قبض الثمن
وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله
المضارب ضامن لقيمة العبد وجميع
ما ربح له لأن عندهما الوكيل
بالبيع لا يملك البيع إلا بالنقود
فإذا باع بالحنطة كان مخالفا
ضامنا لقيمة العبد كالغاصب فإذا
ضمن القيمة بعد البيع من جهته
والحنطة التي قبضها له بمقابلة
العبد فإنما ربح على مال نفسه ولا
يتصدق بالفضل لأنه ربح ما قد ضمن.
فإن قيل: عند أبي
حنيفة ينبغي أن يكون الجواب كذلك
لأنه قال: اعمل بثمنه مضاربة
فبهذا اللفظ ينبغي أن تنفذ
الوكالة بالبيع بما يصلح أن يكون
رأس المال في المضاربة وهو النقد.
قلنا: لا كذلك
فكون المضاربة بالعروض والمكيل
فاسدة من الدقائق قد خفي ذلك على
بعض العلماء فلعله خفي ذلك على
صاحب المال أيضا أو كان ممن يعتقد
جواز المضاربة بها فمطلق الوكالة
لا يتقيد بمثل هذا الكلام
المحتمل.
ولو باعه بمائة درهم وقيمته ألف
درهم وعمل بها فهي مضاربة جائزة
في المائة عند أبي حنيفة رحمه
الله وعندهما المضارب ضامن قيمة
العبد لرب المال بناء على
اختلافهم في الوكيل بالبيع مطلقا
يبيع بالغبن الفاحش وإذا كان
للرجل دراهم ودنانير وإكرار حنطة
ودقيق فقال خذ أي أصناف ما لي شئت
واعمل به مضاربة بالنصف فأخذ
المضارب أحد الأصناف فعمل به فإن
كان أخذ الدنانير والدراهم فعمل
بهما فهو جائز على الشرط وإن أخذ
غيرهما فهو فاسد فإذا اشترى وباع
فهو لرب المال وعليه وضيعته
وللمضارب أجر مثله لأن تعيين
الضارب صنفا بأمر من رب المال
كتعيين رب المال ذلك بنفسه فإن
كان المعين من النقود انعقد العقد
صحيحا وإلا فالمضاربة فاسدة.
ولو قال: خذ أي
مالي شئت فبعه ثم اعمل بثمنه
مضاربة فأخذ عبدا فباعه بدراهم أو
دنانير ثم عمل به مضاربة فهو جائز
كما لو كان رب المال دفع العبد
إليه وأمره بذلك ولو قال اشتر لي
عبدا بألف درهم نسيئة سنة ثم بعه
واعمل بثمنه مضاربة فاشترى به كما
أمره وقبضه ثم باعه بدراهم أو
دنانير ثم عمل بالثمن فهذه مضاربة
جائزة لأنه في شراء العبد وبيعه
وكيل للآمر معين فكان الآمر فعل
ذلك بنفسه ثم إنما عقد المضاربة
بعد قبض الثمن على المقبوض وهو
تعد فكانت المضاربة جائزة ورأس
المال ثمن العبد الذي باعه به
المضارب فأما الثمن الذي اشترى به
المضارب فليس من المضاربة بل هو
دين له على رب المال كما هو الحكم
في الوكالة أن البائع يستوجب
الثمن على الوكيل والوكيل على
الموكل والله أعلم
باب
ما يجوز للمضارب في المضاربة
قال رحمه
الله:وإذا دفع إلى رجل مالا مضاربة ولم يقل اعمل فيه برأيك فله أن
يشتري
ج / 22 ص -35-
به ما بدا له من أصناف التجارة ويبيع لأنه نائب عن صاحب المال في
التجارة فإن قصده بالدفع إليه
تحصيل الربح وذلك بطريق التجارة
فكذلك ما هو من صنع التجار يملكه
المضارب بمطلق العقد ويبيع بالنقد
والنسيئة عندنا وقال ابن أبي ليلى
رحمه الله ليس له أن يبيعه
بالنسيئة لأن ذلك تصرف يوجب قصر
يده عن مال المضاربة والتصرف فيه
فيكون ضدا لما هو مقصود رب المال
بمنزلة الإقراض.
ألا ترى أن البيع بالنسيئة من
المريض يعتبر من الثلث فعرفنا أنه
بمنزلة التبرع ولكنا نقول البيع
بالنسيئة من صنع التجار وهو أقرب
إلى تحصيل مقصود رب المال وهو
الربح فالربح في الغالب إنما يحصل
بالبيع بالنسيئة دون البيع بالنقد
ولأن تسليط المضارب على المال ليس
بمقصود رب المال إنما مقصوده
تحصيل الربح بطريق التجارة وذلك
حاصل.
والدليل على أن البيع بالنسيئة
تجارة مطلقة قوله تعالى{إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةَ تُدِيرُونَهَا
بَيْنَكُمْ}[البقرة:
282] فهذا يبين أن التجارة قد
تكون غائبة وليس ذلك إلا بالبيع
بالنسيئة وله أن يبضعه لأن
الإبضاع من عادة التجار ويحتاج
المضارب إليه لتحصيل الربح
فالتجارة نوعان حاضرة في بلده
وغائبة في بلدة أخرى ولا يتمكن من
مباشرتهما بنفسه ولم لم يجز له
الإبضاع والتوكيل والإيداع لفاته
أحد نوعي التجارة لاشتغاله بالنوع
الآخر وله أن يستأجر معه الإجراء
يشترون ويبيعون ويستأجر البيوت
والدواب للأمتعة التي يشتريها لأن
ذلك من صنع التجار فالمضارب لا
يستغني عن ذلك في تحصيل الربح
وللمنافع حكم المال عند العقد
والإجارة والاستئجار تجارة من حيث
إنه مبادلة مال بمال وله أن يسافر
به وروى أصحاب الإملاء عن أبي
يوسف عن أبي حنيفة رحمهم الله إنه
ليس له أن يسافر به ما لم يأذن له
فيه صاحب المال لأن فيه تعريض
المال للهلاك وجه ظاهر الرواية إن
اشتقاق المضاربة من الضرب في
الأرض وإنما يتحقق ذلك بالمسافرة
ولأن مقصوده تحصيل الربح وإنما
يحصل ذلك في العادة بالسفر بالمال
فيملكه بمطلق عقد المضاربة.
وقد بينا في الوديعة إن المودع له
أن يسافر بمال الوديعة ففي
المضارب أولى وروي عن أبي يوسف
رحمه الله إنه قال إن دفع المال
في مصر وهو من أهل ذلك المصر فليس
له أن يسافر به وإن دفع المال
إليه في غير مصر فله أن يسافر به
لأن العام الغالب أن الإنسان يرجع
إلى وطنه ولا يستديم الغربة مع
إمكان الرجوع فلما أعطاه مع علمه
إنه غريب في هذا الموضع كان ذلك
منه دليل الرضا بالمسافرة بالمال
عند رجوعه إلى وطنه وذلك لا يوجد
فيما إذا دفع المال إليه وهو مقيم
في مصره ولكن هذا التفصيل فيما له
حمل ومؤنة بناء على ما روينا عن
أبي يوسف رحمه الله في المودع إنه
لا يسافر بالوديعة إذا كان لها
حمل ومؤنة وليس له أن يقرضه لأن
الإقراض تبرع قال النبي صلى الله
عليه وسلم:
"قرض مرتين صدقة مرة"
ولأنه ليس في الإقراض تحصيل شيء
من مقصود رب المال لأن المقبوض
بحكم القرض مضمون بمثله لا يتصور
فيه زيادة شرط ولا غيره وليس له
أن يخلطه بماله لأن في الخلط
بماله أو بمال غيره إيجاب
ج / 22 ص -36-
الشركة في المال المدفوع إليه على وجه لم يرض به رب المال وكذلك
لا يدفعه مضاربة لأن بالدفع
مضاربة سوى غيره بنفسه في حق
الغير وهو لا يملك ذلك.
ألا ترى أن الوكيل بالبيع مطلقا
لا يوكل به غيره ولأنه موجب لغيره
شركة في الربح ورب المال لم يرض
بالشركة لغيره في ربح ماله ولا
يشارك به أيضا لأن الشركة بمنزلة
الدفع مضاربة بل أقوى منه.
فإن قيل:أليس إن
المضارب يأذن لعبد من مال
المضاربة في التجارة ويصح ذلك منه
وإطلاق التصرف بالإذن في التجارة
بمنزلة الدفع مضاربة أو فوقه.
قلنا: قد روى ابن
رستم عن محمد رحمهما الله أنه لا
يملك الإذن في التجارة بمنزلة
الدفع مضاربة والفرق بينهما على
ظاهر الرواية إن المأذون لا يصير
شريكا في الربح فيكون الإذن في
التجارة نظير الإبضاع لا نظير
الدفع مضاربة والشركة به فإن كان
قال له اعمل فيه برأيك فله أن
يعمل جميع ذلك إلا القرض لأنه فوض
الأمر في هذا المال إلى رأيه على
العموم وقد علمنا إن مراده
التعميم فيما هو من صنع التجار
عادة فيملك به المضاربة والشركة
والخلط بماله لأن ذلك من صنع
التجار كما يملك الوكيل توكيل
غيره بما وكل به إذا قيل له اعمل
فيه برأيك ولا يملك القرض لأنه
تبرع ليس من صنع التجار عادة فلا
يملكه بهذا اللفظ كالهبة والصدقة
وإذا دفعه إليه مضاربة على أن
يعمل به في الكوفة ليس له أن يعمل
به في غيرها لأن كلمة على للشرط
والشرط في العقد متى كان مفيدا
يجب اعتباره وهذا شرط مفيد لصاحب
المال ليكون ماله محفوظا في المصر
يتمكن منه متى شاء فيتقيد الأمر
بما قيده به وليتبين له أن يعطيه
بضاعة ممن يخرج به لأنه إنما
يستعين في هذا المال في غير
الكوفة فلا يملك أن يستعين بغيره
أيضا ويقاس التوقيت من حيث المكان
بالتوقيت من حيث الزمان فإن أخرجه
من الكوفة فلم يشتر به شيئا حتى
رده إليها فهو ضامن على حاله
يتصرف فيها لأن خلافه لا يتحقق
بإخراج المال ما لم يعمل خارجا من
الكوفة فإنه قيد الأمر بالعمل
بالمكان وإنما يمتنع عليه إخراج
المال من الكوفة على قصد التصرف
لكيلا يكون مخالفا لما شرط عليه
صاحبه فعرفنا إن بالإخراج لا
يتحقق خلافه ولو تحقق فهو أمين
خالف ثم عاد إلى الوفاق فيكون
أمينا كما كان.
وإن اشترى ببعضه في غير الكوفة
واشترى بما بقي منه في الكوفة فهو
مخالف فيما اشتراه بغير الكوفة
ضامن لذلك القدر من المال فله
ربحه وعليه وضيعته لتحقق الخلاف
منه في ذلك القدر وفيما بقي من
المال فهو متصرف على المضاربة
لأنه ليس من ضرورة صيرورته مخالفا
ضامنا لبعض المال انتفاء حكم
المضاربة فيما بقي ما لم يتقرر
فيه الخلاف والبعض معتبر بالكل
ولو دفعه إليه مضاربة على أن يعمل
به في سوق الكوفة فعمل به في
الكوفة في غير ذلك المكان ففي
القياس هو مخالف ضامن لأنه خالف
شرطا نص عليه الدافع وفي
الاستحسان ينفذ تصرفه على
المضاربة ولا يكون ضامنا لأن
الشرط إذا لم يكن
ج / 22 ص -37-
مفيدا لا يكون معتبرا ولا فائدة في تقييد تصرفه بالسوق لأن مقصوده
سعر الكوفة لا عين السوق ففي أي
موضع من الكوفة تصرف كان تصرفه
واقعا على ما شرطه الدافع.
أرأيت لو أمره أن يعمل بها في
الصيارفة فعمل بها في سوق آخر أو
أمره أن يعمل في بيت فلان فعمل في
غير ذلك المكان كان ضامنا ولا
يكون ضامنا في شيء من ذلك بسبب
اتحاد المصر ولو دفعه إليه على أن
يعمل به في سوق الكوفة وقال له لا
تعمل به إلا في السوق فعمل به في
غير السوق فهو مخالف ضامن لأنه
منعه من التصرف بقوله لا تعمل به
واستثنى تصرفا مخصوصا وهو ما يكون
في السوق فما يكون على الوجه
المستثني ينفذ منه ومالا فلا
بخلاف الأول فهناك ما حجر عليه عن
التصرف إنما أمره بالتصرف وقيد
الأمر بشرط غير مفيد فلا يعتبر
تقييده وينفذ تصرفه باعتبار صحة
الأمر.
ولو قال: خذه
مضاربة تعمل به في الكوفة أو قال
فاعمل به في الكوفة فعمل به في
غير الكوفة فهو ضامن لأن قوله
تعمل به تفسير لقوله خذه مضاربة
والكلام المبهم إذا تعقبه تفسير
فالحكم لذلك التفسير وقوله فاعمل
به في معنى التفسير أيضا لأن
الفاء للوصل والتعقيب والذي يتصل
بالكلام المبهم ويتعقبه تفسير
وكذلك لو قال خذ مضاربة بالنصف
بالكوفة لأن الباء للإلصاق فذلك
يقتضي أن يكون موجب كلامه ملصقا
بالكوفة وموجب كلامه العمل بالمال
وإنما يتحقق إلصاقه بالكوفة إذا
عمل بها وكذلك لو قال خذه مضاربة
بالنصف في الكوفة لأن حرف في
للظرف والمكان إنما يكون ظرفا
للعمل إذا كان حاصلا فيه فهذا كله
اشتراط العمل في الكوفة وقد بينا
أن هذا شرط مفيد.
ولو قال: خذه
مضاربة بالنصف واعمل به في الكوفة
فله أن يعمل به حيث شاء لأن الواو
للعطف والشيء لا يعطف على نفسه
وإنما يعطف على غيره وقد تكون
الواو للابتداء خصوصا بعد الجملة
الكاملة وقوله خذه مضاربة بالنصف
جملة تامة وقوله واعمل عطف أو
ابتداء فيكون مشورة أشار به عليه
لا شرطا في الأول.
فإن قيل: لماذا
لم يجعل بمعنى الحال كما في قوله
أد إلي ألفا وأنت حر.
قلنا: لأنه غير
صالح للحال هنا فحال العمل لا
يكون وقت الأخذ وإنما يكون العمل
بعد الأخذ مع أن الواو تستعار
للحال مجازا وإنما يصار إليه
للحاجة إلى تصحيح الكلام والكلام
صحيح هنا باعتبار الحقيقة فلا
حاجة إلى حمل حرف الواو على
المجاز ولو قال خذه مضاربة على أن
تشتري به الطعام أو قال فاشتر به
الطعام أو قال تشتري به الطعام أو
قال خذه مضاربة بالنصف في الطعام
فهذا كله بمعنى الشرط كما في
الأول وهو شرط مفيد وقد يكون
المرء مهتديا إلى التصرف في
الطعام دون غيره فيعتبر التقييد
ثم يصرف لفظ الطعام في هذا
الموضوع إلى الحنطة والدقيق خاصة
ليس له أن يشتري به غيرهما لأنه
ذكر لفظ الطعام عند ذكر الشراء
وذلك ينصرف إلى الحنطة والدقيق
خاصة باعتبار عرف الناس فإن بائع
الطعام في عرف الناس من يبيع
الحنطة ودقيقها وسوق الطعام
الموضع الذي يباع فيه
ج / 22 ص -38-
الحنطة ودقيقها وقد قررنا هذا في الإقرار والأيمان وله أن يستأجر
ببعضه شيئا يجوز فيه الطعام أو
يبيعه فيه أو سفينة ليحمل فيها
الطعام من مصر إلى مصر أو دواب
لأن هذا كله من صنع التجار في
الطعام ولا يجد منه بدا فلما أمره
صاحب المال بذلك مع علمه إنه لا
يجد بدا من ذلك فقد صار إذنا له
بجميع ذلك وكذلك كل صنف سماه فهو
عليه خاصة لأنه تقييد مفيد فإن
اشترى غيره فهو ضامن للخلاف.
وكذلك لو قال:
خذه مضاربة في الرقيق فليس له أن
يشتري به غير الرقيق لما بينا أن
حرف في للظرف ولا يتحقق ذلك إلا
من حيث العمل في الرقيق وله أن
يشتري ببعضه كسوة للرقيق وطعاما
لهم وما لا بد لهم منه ويستأجر ما
يحملهم عليه لأن التاجر في الرقيق
يحتاج إلى هذا كله عادة فيكون هذا
من توابع التجارة في الرقيق
وبمباشرة البيع لا يصير مخالفا
ولو قال خذه مضاربة بالنصف واشتر
به البر وبع فله أن يشتري به ما
بدا له من البر وغيره لأن قوله
واشتر به البر مشورة وليس بشرط
وكذلك لو قال واشتر به من فلان أو
قال وانظر فلانا وعامله فيه
واشتريه البر وبع لأن هذا مشورة
لا شرط فيبقى الأمر الأول بعده
على إطلاقه ولو دفع إليه مضاربة
على أن يشتري من فلان ويبيع منه
فليس له أن يشتري من غيره ولا أن
يبيع من غيره لأن هذا تقييد بشرط
مفيد والناس يتفاوتون في المعاملة
في الاستقضاء والمساهلة ويتفاوتون
في ملاءة الذمة وقضاء الديون ولو
دفعه إليه مضاربة على أن يشتري به
من أهل الكوفة ويبيع فاشترى وباع
بالكوفة من رجل ليس من أهل الكوفة
فهو جائز لأن مقصوده هنا تقييد
العمل بالكوفة لا تعيين من يعامله
وتقييد ذلك بأهل الكوفة لأن طريق
جميع أهل الكوفة في المعاملة
وقضاء الديون لا يتفق فعرفنا أن
مراده تقييد التصرف بالكوفة وقد
وجد ذلك سواء تصرف بالكوفة مع أهل
الكوفة أو مع الغرباء بها.
وكذلك لو دفعه إليه مضاربة في
الصرف على أن يشتري من الصيارفة
ويبيع كان له أن يشتري من غير
الصيارفة وما بدا له من الصرف
لأنه لما لم يعين شخصا لمعاملته
عرفنا أنه ليس مراده إلا التقييد
بالمكان وإذا دفع الرجل ما لا
مضاربة بالنصف فاشترى به حنطة
فقال رب المال دفعته إليك مضاربة
في البر وقال المضارب دفعته إلى
مضاربة ولم يقل شيئا فالقول قول
المضارب مع يمينه عندنا وقال زفر
رحمه الله القول قول رب المال ولو
قال المضارب أمرتني بالبر وقد
خالفت فالربح لي وقال رب المال لم
أسم شيئا فالقول قول رب المال
والربح بينهما على الشرط بالاتفاق
فزفر رحمه الله يقول الإذن يستفاد
من جهة رب المال ولو أنكر الإذن
أصلا كان القول قوله فكذلك إذا
أقر به بصفة دون صفة وقد تقدم
نظيره في
الإجارات إذا قال الحائك أمرتني
بستة في أربعة وقال رب الغزل
أمرتك بسبعة في خمسة إن القول قول
رب الغزل وكذلك المعير مع
المستعير إذا اختلفا في صفة
الإعارة كان القول فيه قول
المعيروالوكيل مع الموكل إذا
اختلفا كان القول قول الموكل فهذا
مثله
وحجتنا في ذلك أن مطلق المضاربة
يقتضي العموم لأن المقصود تحصيل
الربح وتمام
ج / 22 ص -39-
ذلك باعتبار العموم في التفويض للتصرف إليه والدليل عليه إنه لو
قال خذ هذا المال مضاربة بالنصف
يصح ويملك به جميع التجارات فلو
لم يكن مقتضى مطلق العقد العموم
لم يصح العقد إلا بالتنصيص على ما
يوجب التخصيص كالوكالة وإذا ثبت
أن مقتضى مطلق العقد العموم
فالمدعي لإطلاق العقد متمسك بما
هو الأصل والآخر يدعي تخصيصا
زائدا فيكون القول قول من يتمسك
بالأصل كما في البيع إذا ادعى
أحدهما شرطا زائدا من خيار أو من
أجل وبه يتضح الفرق بين هذا وبين
ما استشهد زفر رحمه الله مع أنه
لا فرق فإن هناك كل واحد منهما
يدعي التخصيص بشيء آخر.
وفي المضاربة: لو
ادعى أحدهما التقييد بالبر والآخر
بالحنطة كان القول فيه قول رب
المال أيضا لأنهما اتفقا على
تغيير مطلق العقد فبعد ذلك القول
قول رب المال باعتبار أن الإذن
يستفاد من جهته فأما هنا فأحدهما
متمسك بما هو مقتضي العقد فيترجح
قوله لذلك فإن أقام كل واحد منهما
البينة على ما ادعى من تجارة خاصة
أخذ ببينته لأنه أثبت بالبينة ما
يعين مقتضي العقد وهو محتاج إلى
إثبات ذلك ولو دفع إليه مالا
مضاربة بالنصف ولم يقل شيئا ثم
قال له رب المال بعد ذلك لا تعمل
بالمال إلا في الحنطة فليس له أن
يعمل به إلا في الحنطة لأن تقييده
الأمر بعد الدفع مضاربة لتقييده
بذلك عند الدفع وهذا لأن رأس
المال ما دام في يد المضارب نقدا
فرب المال يملك نهيه عن التصرف
فيملك تقييد الأمر بنوع دون نوع
لأن من يتمكن من دفع شيء أصلا
يتمكن من تغيير وصفه بطريق الأولى
وبعد ما صار المال عروضا لو قال
لا تعمل به إلا في الحنطة لا
يعتبر تقييده هذا ما لم يصر المال
في يده نقدا لأنه لا يملك نهيه عن
التصرف بعد ما صار المال عروضا
ولو نهاه لا يعمل نهيه ما لم يصر
المال في يده نقدا فكذلك لا يملك
تغيير صفة الأمر بالتقييد.
وإن كان اشترى ببعض المال ثيابا
ثم أمره بأن لا يعمل في المال إلا
في الحنطة فليس له أن يشتري بما
بقي في يده من المال إلا في
الحنطة اعتبارا للبعض بالكل وأما
الثياب فله أن يبيعها بما بدا له
لأنه إذا رجع إليه رأس المال الذي
كان نقد في الثياب فليس له أن
يشتري به إلا الحنطة وذلك التقييد
بعمل الآن اعتبارا للبعض بالكل
ولو دفع إلى رجلين مالا مضاربة
وأمرهما بأن يعملا في ذلك برأيهما
فليس لواحد منهما أن يشتري ويبيع
إلا بأمر صاحبه لأنه رضى وفوض
الأمر في العمل إلى رأيهما ورأى
الواحد لا يكون كرأي المثنى
فباعتبار هذه الزيادة لا ينفذ
تصرف أحدهما وحده وفي الوكيلين
الجواب كذلك ولو دفع إليه المال
مضاربة بالنصف ولم يقل شيئا ثم
قال بعد ذلك اشتر به البر وبع فله
أن يشتري به غيره وليس هذا بنهي
إنما هو مشورة كما لو قال عند
الدفع خذه مضاربة بالنصف واشتر به
البر وإن قال رب المال دفعته إليك
مضاربة في الطعام خاصة وقال
المضارب في البر خاصة فالقول قول
رب المال لاتفاقهما على تعيين
مقتضي مطلق العقد بالتقييد.
وإن أقام المضارب البينة أن رب
المال دفع إليه المال وأمره أن
يشتري ما بدا له وأقام
ج / 22 ص -40-
رب المال البينة أنه نهاه أن يشتري به شيئا غير الطعام وقد وقتت
البينتان فإنه يؤخذ ببينة الوقت
الأخير لأنه لا تنافي بينهما
فيجعل كان البينتين صدقتا والقول
الآخر ينقض الأول لأن النهي بعد
الإذن صحيح والإذن بعد النهي عامل
وإن لم توقت البينتان وقتا أو
وقتت إحداهما دون الأخرى فالبينة
بينة رب المال لأنه هو المحتاج
إليها فإن القول قول المضارب
لدعواه الإطلاق ولأن في بينة رب
المال زيادة إثبات التقييد ولو
كان ادعى كل واحد منهما شيئا خاصا
وأقام البينة فإن وقتت البينتان
أخذ بالوقت الأخير لما بينا أن
الثاني ينقض الأول وإن وقتت
إحداهما أو لم توقتا فالبينة بينة
المضارب لأنه هو المحتاج إلى
إثبات ما ادعاه بالبينة فإن القول
قول رب المال في هذا الفصل.
ولو دفعه إليه مضاربة على أن
يشتري بالنقد ويبيع فليس له أن
يشتري إلا بالنقد لأن هذا تقييد
مفيد في حق رب المال وهو أن يكون
متمكنا من ماله مستردا فإن قال
المضارب أمرتني بالنقد والنسيئة
وقال رب المال أمرتك بالنقد
فالقول قول المضارب مع يمينه
عندنا لأنه يدعي ما هو مقتضى مطلق
العقد والبينة بينة رب المال لأنه
هو المحتاج إلى إثبات المعين
بالبينة ولو أمره أن يبيع
بالنسيئة ولا يبيع بالنقد فباع
بالنقد فهو جائز لأن هذا خير
لصاحب المال والخلاف إلى خير في
جنس ما أمره به لا يكون خلافا في
المضاربة كما لو أمره بأن يبيعه
بألف درهم ولا يبيعه بأكثر من ألف
فباعه بألفين لا يصير مخالفا وهذا
لأنه باشر ما به يحصل مقصود الآمر
وزيادة خير فكذلك إذا أمره بالبيع
نسيئة فباعه بالنقد قالوا وهذا
إذا باعه بالنقد بمثل قيمته أو
أكثر أو بمثل ما سمي له من الثمن
فإن كان بدون ذلك فهو مخالف لأنه
ليس فيه تحصيل مقصود الآمر في
القدر فالشيء يشتري بالنسيئة
بأكثر مما يشتري به بالنقد.
وإذا دفعه إليه مضاربة على أن
يشتري به الطعام خاصة فله أن
يستأجر لنفسه دابة إذا خرج للطعام
خاصة كما يستأجر للطعام لأنه لا
يجد بدا من ذلك فهو من توابع
تجارته في الطعام وله أن يشتري
دابة يركبها إذا سافر كما يشتري
التجار لأن ركوبه إذا سافر في مال
المضاربة كنفقته على ما نبينه في
بابه إن شاء الله عز وجل وربما
يكون شراء الدابة أوفق من
استئجاره وذلك من صنع التجار عادة
وله أن يشتري أيضا حمولة يحمل
عليها الطعام فإن ذلك من صنع
التجار عادة إذا لم يوجد الكراء
أو يكون الشراء أوفق في ذلك من
الكراء فإن اشترى سفينة يحمل
عليها الطعام فإن ذلك لا يجوز على
رب المال لأن هذا ليس من صنع
التجار عادة ولا يعد شراء السفينة
من توابع التجارة في الطعام فإن
كان في بلد يشتري للطعام الحمولة
فيحمل عليها فاشترى شيئا من
الحمولة فهو جائز استحسانا في
القياس شراء الحمولة ليس من
التصرف في الطعام ولكنه استحسن
فقال ما يصنعه التجار عادة إذا
خرجوا في حمولة الطعام فذلك يملكه
المضارب بتفويض التصرف إليه في
هذا المال في الطعام وما ليس من
صنع التجار عادة كشراء السفينة
يؤخذ بأصل القياس فيه ويكون
مشتريا ذلك لنفسه فإن نقد ثمنها
من المضاربة فهو ضامن لما نقد
لأنه قضى بمال المضاربة دين نفسه
ج / 22 ص -41-
ولو كان رب المال دفع المال إليه مضاربة بالنصف ولم يسم فاشترى
بها طعاما وسفينة يحمل عليها
الطعام أو اشترى دواب جاز ذلك على
المضاربة لأنه يملك التجارة في
المدفوع إليه هنا مطلقا وجميع ما
اشترى من عقود التجارة وإذا
اختلفا بعد ما اشترى بها في غير
المصر فقال أحدهما كانت المضاربة
على أن يكون الشراء والبيع في
المصر خاصة وقال الآخر لم يسم
شيئا فالقول قول الذي لم يسم شيئا
لتمسكه بمطلق العقد في مقتضاه
والبينة بينة الآخر لأنه هو
المدعي المحتاج إلى إثبات ما
يدعيه بالبينة وإذا دفع إلى رجلين
ألف درهم مضاربة ليس لواحد منهما
أن يتصرف في المال إلا بإذن صاحبه
فهو جائز وقد زعم بعض المتأخرين
من مشايخنا رحمهم الله أن ذلك لا
يجوز لأن صاحب المال ما رضي برأي
أحدهما فليس للمضارب أن يرضى بما
لم يرض رب المال به وما ذكره في
الكتاب أصح لأن الذي أذن لصاحبه
في التصرف يكون كالموكل وللمضارب
أن يوكل ولو وكل إنسانا واحدا
بالتصرف نفذ تصرف الوكيل بيعا
وشراء فكذلك إذا وكل أحدهما
صاحبه.
وإن أبضع أحدهما بعض المال بغير
أمر صاحبه فاشترى المستبضع وباع
وربح أو وضع فربح ذلك للمضارب
الذي أبضع ووضيعته عليه لأن
إبضاعه صحيح في حق نفسه غير صحيح
في حق صاحبه ولا في حق رب المال
فيجعل تصرف المستبضع له كتصرفه
بنفسه ولرب المال أن يضمن إن شاء
المستبضع ويرجع به المستبضع على
الآمر وإن شاء ضمن المضارب الآمر
لأن كل واحد منهما في حقه غاصب
فإن ضمنه لم يرجع على المستبضع
بشيء لأنه ملك المال بالضمان
فإنما أبضع ملك نفسه ولأن
المستبضع عامل له لو لحقه ضمان
رجع به عليه ورجوع الآمر عليه
بالضمان لا يفيده شيئا فإن أذن كل
واحد من المضاربين لصاحبه في أن
يبضع ما شاء من المال فأبضع
أحدهما رجلا وأبضع الآخر رجلا
فذلك جائز عليهما وعلى رب المال
لأن فعل كل واحد منهما بإذن صاحبه
بمنزلة فعلهما جميعا.
وإن باع المضاربان عبدا من رجل
فلكل واحد منهما أن يقبض نصف
الثمن من المشتري وإن لم يأذن له
شريكه في ذلك لأن كل واحد منهما
بائع للنصف وحق قبض الثمن إلى
العاقد والعاقد في ذلك لغيره
كالعاقد لنفسه ولا يقبض أكثر من
نصف الثمن إلا بإذن شريكه فإن أذن
له شريكه في ذلك فهو جائز كما لو
وكل به غيره لأن حق قبض النصف
الآخر للشريك ولو قال لهما حين
دفع المال إليهما مضاربة لا تبضعا
المال فأبضعاه فهما ضامنان له لأن
هذا نهي مفيد فيكون عاملا مع
العقد وبعده وإن أبضعاه رب المال
فهو جائز على المضاربة لأن قبول
رب المال البضاعة منهما والشراء
لهما به فسخ منه لذلك النهي فيكون
بمنزلة ما لو أذن لهما في الإبضاع
أو كان العقد مطلقا وفي ذلك لا
فرق بين أن يبضعا رب المال أو
غيره.
وإذا أبضع المضارب في المضاربة
الفاسدة فهو جائز على رب المال
لأن الفاسد يعتبر بالجائز في
الحكم فإنه لا يمكن تعرف معرفة
الحكم الفاسد إلا باعتباره
بالجائز فكما لا يصير مخالفا به
في المضاربة الجائزة فكذلك لا
يصير مخالفا في المضاربة الفاسدة
وللمضارب
ج / 22 ص -42-
أجر المثل فيما عمل المستبضع لأن عمل المستبضع له بأمره كعمله
بنفسه وقد بينا إن له في المضاربة
الفاسدة أجر مثله فيما عمل وكذلك
لو كان قال له اعمل فيه برأيك
فإنه ينفذ منه بعد هذا ما ينفذ في
المضاربة الصحيحة فلا يصير به
ضامنا ولو دفع إلى رجلين ألف درهم
مضاربة على أن لأحدهما ثلث الربح
وللآخر مائة درهم فثلث الربح
للمضارب الذي شرط له ثلث الربح
وما بقي من الربح فهو لرب المال
وعليه أجر المثل للمضارب الآخر
فيما عمل لأن المضاربة فيما بينه
وبينه فاسدة باشتراطه له مقدارا
مسمى من المال وهذا المفسد غير
ممكن فيما هو من صلب العقد بينه
وبين الذي شرط له ثلث الربح
فاستحق هو ثلث الربح بالشرط لصحة
العقد بينهما فإن لم يعملا به حتى
أبضع أحدهما المال مع صاحبه فعمل
به أيهما كان فكذلك الجواب لأنا
قد بينا أن عمل أحدهما بإذن صاحبه
كعملهما إذا كان العقد صحيحا في
حقهما أو فاسدا فكذلك إذا كان
صحيحا في حق أحدهما فاسدا في حق
الآخر والمضارب الذي شرط له مائة
درهم أجر مثله في العمل بنصف
المال سواء كان هو العامل أو
صاحبه لأن عمله في النصف لصاحبه
وعمل صاحبه في النصف له فيكون
كعمله بنفسه.
وإذا باع المضارب متاع المضاربة
وسلمه إلى المشتري ثم أخر الثمن
عن المشتري بعيب أو غير عيب فهو
جائز على المضاربة ولا يضمن
المضارب بهذا التأخير شيئا بخلاف
الوكيل فهناك عند أبي يوسف رحمه
الله لا يصح تأجيله في الثمن وعند
أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله يجوز
ويصير ضامنا للموكل لأن المضارب
يملك أن يشتري ما باع بمثل ذلك
الثمن ثم يبيعه بمثله مؤجلا فكذلك
يملك أن يؤجله في ذلك الثمن لأن
ذلك من صنع التجار وهو يملك ما هو
من صنع التجار فأما الوكيل في حق
الموكل لا يملك الشراء والبيع
ثانيا بثمن مؤجل فكذلك تأجيله في
حق الموكل لا يصح وكذلك لو أحال
به المضارب على إنسان أيسر من
المشتري أو أعسر منه لأن قبول
الحوالة من صنع التجار ولو أقال
العقد مع الأول ثم باعه بمثله من
المحتال عليه جاز فكذلك إذا قبل
الحوالة بالثمن عليه وبه فارق
الوكيل والمضارب في هذه ليس نظير
الأب والوصي فإن قبولهما الحوالة
على من هو أعسر من المحيل لا يصح
في حق الصغير لأن تصرفهما مقيد
بشرط الأحسن والأصلح له وذلك لا
يوجد في قبول الحوالة على من هو
أفلس وتصرف المضارب غير مقيد
بمثله بل بما هو من صنع التجار
عادة وذلك يوجد هنا.
وكذلك لو حط شيئا بعيب مثل ما يحط
التجار في مثل ذلك العيب أو
يتغابن به الناس فذلك جائز لأنه
من صنع التجار عادة ولو قبله
بالعيب ثم باعه منه بغبن يسير
ثانيا جاز فكذلك إذا حط عنه هذا
المقدار وإن حط عنه شيئا فاحشا أو
حط بغير عيب جاز ذلك على المضارب
خاصة في قول أبي حنيفة وأبي يوسف
رحمهما الله وهو ضامن ذلك لرب
المال وما قبضه من الثمن فعمل به
فهو على المضارب خاصة ورأس المال
في ذلك الذي قبضه من المشتري وقال
أبو يوسف رحمه الله لا يجوز هذا
الحط لأن هذا الحط ليس من صنع
التجار فلا يملكه
ج / 22 ص -43-
بمقتضى عقد المضاربة ولكنه هو العاقد فيكون في هذا الحط كالوكيل
بالبيع والحط والإبراء عن الثمن
من الوكيل بالبيع باطل في قول أبي
يوسف رحمه الله صحيح في قول أبي
حنيفة ومحمد رحمهما الله وهو ضامن
ذلك للموكل وفي مقدار ما صار
ضامنا يبطل حكم المضاربة لأن شرط
المضاربة الصحيحة أن يكون رأس
المال أمانة في يد المضارب.
وإذا قال رب المال للمضارب اعمل
فيه برأيك فخلطه بماله ثم اشترى
به جاز على المضاربة لأنه بتعميم
التفويض إلى رأيه يملك الخلط
بماله فلا يصير به مخالفا ولو لم
يقل له اعمل فيه برأيك كان هو
بالخلط مخالفا ضامنا للمال والربح
له والوضيعة عليه لبطلان حكم
المضاربة بفوات شرطها فإن لم
يخلطه ولكنه اشترى به وبألف من
ماله عبدا واحدا وقبضه ونقد الثمن
قبل أن يخلط فهو جائز على
المضاربة كما لو اشترى نصف العبد
بألف المضاربة في صفقة ونصفه بمال
نفسه في صفقة أخرى إذ لا فرق
بينهما في المعنى وهذا لأن
الاختلاط إنما يحصل حكما إما
لاتحاد الصفقة أو لاتحاد المحل من
غير فعل من المضارب في الخلط
وبمثله لم يصر مخالفا ضامنا كما
لو اشترى العبد بألفين ينفذ شراؤه
في النصف على المضاربة وإن باع
العبد بألفين وقبضه مختلطا فهو
جائز على المضاربة لما بينا أن
الاختلاط بمعنى حكمي لا بفعل
باشره المضارب قصدا فإن عزل حصة
المضارب ثم اشترى بأحد المالين
فربح أو وضع فالربح لهما نصفه
للمضارب ونصفه على ما اشترطا في
المضاربة والوضيعة عليهما نصفان
وقسمته باطلة لأنه لا يكون مقاسما
لنفسه فلا يكون أمينا في المقاسمة
مع نفسه وقد بينا في كتاب القسمة
أن القسمة لا تتم إلا باثنين فكان
هذا وشراؤه ببعض المال قبل القبض
سواء والله أعلم
باب
شراء المضارب وبيعه
قال رحمه الله:
وإذا دفع الرجل إلى الرجلين ألف
درهم مضاربة بالنصف وقال لهما
اعملا برأيكما أو لم يقل فاشترى
أحدهما بنصف المال بأمر صاحبه
وباعه حتى أصاب مالا وعمل الآخر
بنصف المال بغير أمر صاحبه حتى
أصاب مالا فالعامل بغير أمر صاحبه
مخالف ضامن لنصف رأس المال لأن
صاحب المال فوض التصرف في المال
إلى رأيهما ولم يرض برأي أحدهما
فيه والعامل بغير أمر صاحبه ينفرد
بالرأي فيه حقيقة وحكما فيكون
مخالفا ضامنا وما يحصل بتصرفه من
الربح له ويتصدق بالفضل لحصوله له
بسبب حرام وأما الذي عمل بأمر
صاحبه فتصرفه حاصل برأيهما حكما
فيكون على المضاربة يؤخذ مما في
يده نصف رأس المال والباقي بين
المضاربين ورب المال على الشرط
كما لو عملا فيه فإن توى ما في يد
العامل بغير أمر صاحبه وهو معسر
فإن رب المال يأخذ جميع رأس المال
مما في يد المضارب الذي عمل بأمر
صاحبه لأن الربح لا يظهر ما لم
يصل إليه جميع رأس ماله وما أخذه
العامل الآخر تاو فهو بمنزلة ما
لو غصب بعض رأس المال إنسان أو
استهلكه وتوى بدله عليه ثم عملا
بما بقي وفي هذا يأخذ رب المال
جميع رأس ماله ثم قسمه الربح
بينهما بعد ذلك.
ج / 22 ص -44-
ألا ترى أنه لو هلك جميع المال إلا عشرة دراهم فتصرفا فيها حتى
أصابا مالا فإنه يأخذ رب المال
جميع رأس ماله أولا فهذا مثله.
فإن بقي من الربح شيء أخذ رب
المال نصفه وأخذ هذا المضارب ربعه
والربع الباقي نصيب المضارب
المخالف من الربح فلا يدفع إليه
لأن نصف رأس المال دين عليه وصاحب
الدين إذا ظفر بجنس حقه من مال
المديون يأخذه لحقه وإذا ظهر إنه
لا يدفع إليه قلنا إن كان هذا
الربع مثل ما توى من حصته من
الربح أخذ رب المال والموافق ربع
الربح الذي صار للمخالف فاقتسماه
أثلاثا على مقدار حقهما في الربح
وإن كان ما توى عليه أكثر من حصته
من الربح أو أقل تراجعوا بالفضل
وبيان ذلك إن المال الذي كان في
يد الموافق إن كان ألفا وخمسمائة
فأخذ رب المال رأس ماله ألفا بقي
خمسمائة فيجمع إلى نصف رأس المال
الذي استهلكه المضارب الآخر فيقسم
على أربعة أسهم لرب المال من ذلك
النصف وللمضارب العامل بأمر صاحبه
الربع وذلك مائتان وخمسون وبقيت
حصة المضارب الآخر وهو الربع وذلك
مائتان وخمسون يحسب لهما عليه
ويقسم رب المال والمضارب الآخر
خمسمائة العين على ثلاثة أسهم
ويرجعان على المضارب الذي استهلك
نصف رأس المال بمائتين وخمسين
درهما فيقسمانها على ثلاثة أسهم
فإذا فعل ذلك وصل إلى رب المال
خمسمائة وإلى المضارب الموافق
مائتان وخمسون وسلم للآخر مما
عليه مائتان وخمسون فاستقام
الحساب ولو لم يهلك ما في يده
ولكن هلك ما في يد العامل بأمر
صاحبه فإن رب المال يضمن المضارب
المخالف نصف رأس ماله ليس له غير
ذلك لأن نصف رأس المال صار دينا
عليه بالخلاف وتصرفه كان لنفسه
ولو كان حين قبضا الألف مضاربة
اقتسماها نصفين فاشترى أحدهما
بنصف المال عبدا ثم أجاز صاحبه
شراءه لم يكن العبد من المضاربة
بإجازته لأن الإجازة إنما تعمل في
العقد الموقوف والشراء هنا نافذ
على المشتري فلا يكون إجازة الآخر
تنفيذا للعقد فيكون وجوده كعدمه.
ولو اشتريا جميعا بالألف عبدا ثم
باعه أحدهما بثمن معلوم فأجازه
صاحبه جاز لأن البيع من أحدهما
توقف على إجازة الآخر باعتبار أنه
تعذر تنفيذه على العاقد ولأن ملك
العين لغيره فتكون إجازته في
الانتهاء كإذنه في الابتداء وهو
نظير فضولي باع مال الغير فأجازه
المالك ينفذ بإجازته ولو اشترى
لغيره ينفذ الشراء على العاقد ولا
يتغير ذلك بإجازة المشتري له
وكذلك لو أجازه رب المال لأن ملك
العين لرب المال والمضارب الآخر
عامل له في الإجازة فإذا كان
العقد ينفذ بإجازة الآخر فبإجازة
رب المال أولى والبائع هو الذي
يلي قبض الثمن من المشتري لأن قبض
الثمن من حقوق العقد فيتعلق
بالعاقد وليس للآخر أن يأخذ
المشتري بشيء من الثمن إلا بوكالة
من البائع لأن المشتري لم يعامله
بشيء ولو كان أحدهما باع العبد
بشيء بعينه فأجازه صاحبه ففي
القياس لا تعمل إجازته لأن في بيع
المقابضة كل واحد من العاقدين
يكون مشتريا عرض صاحبه وقد بينا
أن الشراء لا يتوقف على الإجازة
كما لو اشتراه بالدراهم وإذا لم
تعمل إجازته فيما اشتراه صاحبه
فكذلك لا تعمل في البدل الآخر
ج / 22 ص -45-
وفي الاستحسان ينفذ العقد بإجازته ويكون بدله من المضاربة لأن في
العرض الذي هو من جهته هو بائع
وبيعه يتوقف على إجازة صاحبه
وتجعل إجازته في الانتهاء بمنزلة
إذنه في الابتداء فمن ضرورة أعمال
إجازته في نفوذ العقد به في أحد
البدلين أعماله في البدل الآخر ثم
هذا العقد في أحد البدلين شراء
وفي البدل الآخر بيع ولكنا رجحنا
جانب البيع لأن العوض الآخر مذكور
في العقد على وجه الثمن فإنهما
قرنا به حرف الباء وحرف الباء
يصحب الإبدال والأثمان وفي ترجيح
جانب البيع بصحيح العقد على الوجه
الذي قصد العاقد عند الإجازة وبقي
الضمان على المتصرف والضمان لا
يلزمه بالشك فلهذا رجحنا جانب
البيع فإن لم يجز الآخر حتى قبض
البائع ما باع به العبد فباعه ثم
إن المضارب الآخر أجاز ما صنع من
ذلك فإجازته باطلة لأنه أجاز ما
أجاز بيعه قبل إجازته معناه أنه
مشتر للعرض الآخر وأكثر ما فيه
إنه اشتراه ببدل يستحق فيملكه
بالقبض وينفذ بيعه من جهته وبعد
ما نفذ بيعه من جهة لا يصير
للمضاربة بإجازة الآخر فإذا بطلت
الإجازة يسترد العبد من المشتري
فيكون على المضاربة وعلى البائع
ضمان الذي قبضه وباعه لأنه لما
استحق ما يقابله ظهر أنه ملكه
بالقبض بسبب فاسد وقد تعذر رده
حين باعه فعليه مثله إن كان له
مثل وقيمته إن لم يكن له مثل.
ولو كان رب المال هو الذي أجاز
بيع العبد بشيء بعينه قبل أن يحدث
العامل في ثمنه شيئا جاز بيع
العبد للعامل البائع وله ثمنه وهو
ضامن قيمة العبد لرب المال لأنه
كان اشترى العرض لنفسه وأعطى
العبد بمقابلته قرضا على نفسه ورب
المال مالك للإقراض فيصير
بالإجازة كأنه أقرضه العبد
واستقرض الحيوان وإن كان فاسدا
ولكنه يملك بالقبض وينفذ فيه تصرف
المستقرض وهو ضامن قيمته للمقرض
وقد بطلت المضاربة لأنها صارت
دينا على المضارب البائع وذلك
ينافي عقد المضاربة ولم يحصل
الحكم عند إجازة المضارب الآخر
بهذه الصفة لأن المضارب الآخر لا
يملك الإقراض في مال المضاربة فلا
يمكن إعمال إجازته بطريق إقراض
العبد من صاحبه فاشتغلنا بترجيح
جانب البيع لأعمال إجازته ورب
المال يملك الإقراض فأمكن أن يجعل
إجازته إقراضا منه فلهذا لم يشتغل
فيه بترجيح جانب البيع.
وإذا دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة
بالنصف فاشترى عبدا بألف درهم
فلما قبضه قال اشتريته وأنا أنوي
أن يكون بالمضاربة وكذبه رب المال
والعبد قائم أو هالك فالقول قول
رب المضارب لأن ما في ضميره لا
يوقف عليه إلا من جهته فيقبل قوله
فيه ويدفع مال المضاربة في ثمنه
لأنه أمين فيما في يده من المال
فيكون مقبول القول فيه كالوكيل
بالبيع إذا قال بعت وقبضت الثمن
وهلك في يدي يقبل قوله في ذلك فإن
لم يدفعه حتى هلك المال ثم قال
المضارب اشتريته وأنا أنوي
المضاربة وقد كان الشراء قبل هلاك
المال والعبد قائم أو هالك فالقول
قول رب المال والعبد للمضارب لأن
المضارب يريد بهذا البيان أن يرجع
على رب المال بألف أخرى ليدفعه في
ثمن العبد وهو لم يكن مسلطا من
جهة رب المال على ذمته لالتزام
المال فيها بخلاف الأول فهناك
إنما يريد دفع الألف الذي في يده
في ثمنه وهو مسلط على ذلك من جهة
رب المال.
ج / 22 ص -46-
يوضحه أن هناك تملك هو دفع ما في يده بإنشاء الشراء للمضاربة
فيملك ذلك بالإقرار به أيضا وفي
هذا الفصل لا يملك إلزام شيء في
ذمة رب المال بإنشاء الشراء
للمضاربة لأن ذلك استدانة على رب
المال والمضارب لا يملك ذلك فكذلك
بطريق الإقرار.
وإن كان هذا القول من المضارب قبل
هلاك المال وكذبه رب المال ثم هلك
المال بعد ذلك فإن كان العبد
قائما فالقول قول المضارب لأنه
يملك دفع المال بمقابلة هذا العبد
بطريق إنشاء الشراء فكذلك بطريق
الإقرار وإن كان العبد هالكا حين
قال المضارب هذا القول ثم ضاعت
الألف بعد ذلك قبل أن ينقدها
المضارب للبائع فالقول قول رب
المال لأنه حين أقر ما كان يملك
إنشاء الشراء في هذا العبد لكونه
هالكا فلا يمكن جعل إقراره
كالإنشاء وإنما أعملنا إقراره
باعتبار إنه أمين فيما في يده من
المال وذلك المعنى ينعدم بهلاك
المال في يده قبل الدفع فكان
القول قول رب المال وفي الفصل
الأول كان عند الإقرار متمكنا من
إنشاء الشراء في هذا العبد القائم
فيجعل إقراره كإنشائه والمضارب
إذا اشترى شيئا للمضاربة ثم هلك
المال في يده قبل دفع الثمن رجع
بمثله على رب المال لأنه في
الشراء كان عاملا له فهذا مثله.
ولو كان المضارب اشترى العبد بألف
المضاربة ثم نقد ثمنه من مال نفسه
وقال اشتريته لنفسي وكذبه رب
المال فالقول قول رب المال ويأخذ
المضارب ألف المضاربة قصاصا بما
أداه لأن الظاهر شاهد لرب المال
فإضافة الشراء إلى الألف المضاربة
دليل ظاهر على إنه قصد الشراء
للمضاربة ثم لا يتغير ذلك الحكم
بنقده الثمن من مال نفسه فقد
يحتاج المضارب إلى ذلك لتعذر
وصوله إلى المضاربة في الموضع
الذي يطالبه البائع بإيفاء الثمن
ولا يكون هو متبرعا فيما نقد من
مال نفسه فيما اشتراه للمضاربة
لأنه قضى به عليه ولكن يأخذ ألف
المضاربة قصاصا بما أداه لأن ذلك
صار دينا له على مال المضاربة.
ولو كان اشترى العبد بألف درهم
ولم يسم مضاربة ولا غيرها ثم قال
اشتريته لنفسي فالقول قوله لأن
الحكم هنا ينبني على قصده فإنه
يملك الشراء للمضاربة ولنفسه
بالألف المرسلة على السواء وما في
ضميره لا يوقف عليه إلا من جهته
فيكون هو مقبول القول فيه ولو
اشترى المضارب عبدا بألف درهم ولم
يسم شيئا ثم اشترى عبدا آخر بألف
درهم ولم يسم شيئا ثم قال نويتها
للمضاربة ولم ينقدها في واحد
منهما وصدقه رب المال أو كذبه
فيهما فالعبد الأول من المضاربة
لأنه حين اشتراه كان في يده من
مال المضاربة مثل ثمنه فصح شراؤه
للمضاربة ويقبل قوله في ذلك وحين
اشترى العبد الثاني هو لم يكن
مالكا شراءه للمضاربة لأن مال
المضاربة صار مستحقا في ثمن الأول
فلو نفذ الشراء الثاني على
المضاربة كان استدانة والمضارب لا
يملك ذلك فصار مشتريا العبد
الثاني لنفسه.
وإن قال رب المال:
إنما اشتريت الثاني للمضاربة
فالقول قوله لأنهما تصادقا على
إنه اشترى العبد الثاني للمضاربة
فيثبت ذلك بتصادقهما وذلك
كالإقرار من المضارب أنه ما اشترى
الأول للمضاربة فإذا ادعى إنه
اشترى الأول للمضاربة كان مناقضا
والمناقض لا قول له
ج / 22 ص -47-
بخلاف ما إذا صدقه رب المال فيهما أو في الأول لأنه مناقض صدقة
خصمه وبخلاف ما إذا كذبه رب المال
فيهما لأنه عند الشراء الأول كان
هو مالكا الشراء للمضاربة بيقين
فيجب قبول قوله فيه وإن كذبه وعند
الشراء الثاني ما كان يملك ذلك
بيقين فلا يقبل قوله في الثاني مع
تكذيب رب المال إياه.
ولو كان المضارب اشترى العبدين
صفقة واحدة كل واحد منهما بألف
درهم ثم قال نويت كل واحد بالألف
المضاربة وصدقه رب المال في ذلك
فنصف كل واحد من العبدين للمضارب
ونصفهما للمضاربة لأنه إنما
اشتراهما معا فليس أحدهما بجعله
للمضاربة بأولى من الآخر وليس
قبول المضاربة في أحدهما بأولى
منه في الآخر ولا يمكن تنفيذ
شرائه لهما على المضاربة لما فيه
من الاستدانة على المال فصار
مشتريا نصف كل واحد منهما
للمضاربة ونصفه لنفسه ولو قال رب
المال اشتريت هذا بعينه للمضاربة
كان القول قوله لتصادقهما إنه
اشترى ذلك العبد للمضاربة وذلك
يمنع المضارب من دعوى الشراء
للمضاربة في العبد الآخر ولو قال
المضارب اشتريتهما بألف من عندي
وبألف من المضاربة فقال رب المال
اشتريت هذا بعينه بألف المضاربة
فالقول قول المضارب لأن رب المال
يدعي تفرق الصفقة والمضارب منكر
لذلك فالقول قوله ونصف العبدين
على المضاربة ونصفهما للمضارب.
وإذا دفع إلى رجل مالا مضاربة
بالنصف ثم نهاه بعد ذلك أن يبيع
ويشتري فإن كان المال بعينه في
يده فنهى رب المال جائز لأن عقد
المضاربة لا يتعلق به اللزوم
بنفسه فيملك رب المال فسخه بنهيه
عن التصرف وهذا في الابتداء وكالة
والموكل يملك عزل الوكيل قبل
تصرفه فإن اشترى المضارب بعد ذلك
فهو مشتر لنفسه لانفساخ المضاربة
بنهي رب المال وإن كان رب المال
نهاه بعد ما اشترى بالمال شيئا
فنهيه باطل لأن المال بعد ما صار
عروضا بتصرف المضارب قد ثبت فيه
حقه في الربح فلا يملك رب المال
إبطال حقه عليه بالنهي عن التصرف
وبخلاف ما قبل الشراء فلا حق هناك
للمضارب في المال الذي في يده ثم
له أن يبيع ما في يده من العروض
بما بدا له من العروض والمكيل
والموزون ثم يبيع ذلك بما بدا له
كما قبل نهى رب المال وهذا لأن
مقصوده وهو الربح قد لا يحصل
بالبيع بالنقد فقد لا يجد من
يشتري ذلك منه بالنقد فيكون له أن
يبيعه بما شاء ليحصل مقصوده من
الربح الذي هو حقه فإن باع شيئا
من ذلك بدراهم بما شاء أو دنانير
لم يكن له أن يشتري لأن المال صار
نقدا في يده فيعمل ذلك النهي
بمنزلة ما لو كان نقدا في
الابتداء حين نهاه عن التصرف
ويستوي أن صار بعض المال أو جميعه
نقدا في أن النهي يعمل فيما صار
منه نقدا فلا يكون له أن يشتري به
شيئا إلا أن له أن يبيع الدنانير
بالدراهم حتى يوفي رب المال رأس
ماله لأن النقود في حكم المضاربة
جنس واحد على ما نبينه فيعمل
النهي لذلك ولكن إنما يرد رأس
المال على رب المال من جنس ما قبض
حقيقة وحكما ولا يتهيأ له ذلك إلا
بمبادلة أحد النقدين بالآخر وكذلك
إن كان رأس المال سودا والحاصل في
يده بيض فله أن يشتري بها مثل رأس
المال
ج / 22 ص -48-
وكذلك لو مات رب المال فإن موته ونهيه سواء من حيث إن كل واحد
منهما لا يعمل فيما يرجع إلى
إبطال الحق الثابت للمضارب ولو
دفع إليه مالا مضاربة وأجاز ما
صنع في ذلك من شيء فاشترى بها
خمرا أو خنزيرا أو ميتة أو مدبرا
أو مكاتبا وهو يعلم أو لا يعلم
فقبض ذلك ودفع الدراهم فهو ضامن
للدراهم لأن رب المال إنما أمره
بشراء ما يتمكن من بيعه والربح لا
يحصل إلا بذلك وقد اشترى بها ما
لا يجوز بيعه فيه فلا ينفذ شراؤه
على المضاربة وإنما يكون مشتريا
لنفسه سواء علم بذلك أو لم يعلم
وإن نفذ فيه مال المضاربة فهو
ضامن للخلاف.
ولو اشترى بالمضاربة عبدا شراء
فاسدا أو اشترى بها دراهم أكثر
منها أو أقل ودفع المال وقبض ما
اشترى فلا ضمان عليه فيما دفع من
مال المضاربة لأنه اشترى ما يملكه
بالقبض ويجوز بيعه فيه فالمشتري
شراء فاسدا يملك بالقبض فلا يمكن
تضمينه بالخلاف لأنه لم يخالف
والمضارب لا يضمن بالفساد كالوكيل
ولو دفع إليه ألفا مضاربة وأمره
أن يعمل في ذلك برأيه فاشترى بها
عبدا يساوي خمسمائة فهو مخالف
مشتر لنفسه ضامن للمال إن دفعه
لأنه اشترى بما لا يتغابن الناس
في مثله والمضارب في الشراء
كالوكيل والوكيل لا يملك أن يشتري
بما لا يتغابن الناس فيه.
ولو اشترى العبد بألف درهم وهو
يساوي تسعمائة وخمسين جاز على
المضاربة لأن قدر الخمسين في
الألف مما يتغابن الناس في مثله
وذلك عفو في حق الوكيل بالشراء
ولو اشترى بها عبدا يساوي ألفا ثم
باعه بمائة درهم جاز في قياس قول
أبي حنيفة رحمه الله لأنه فيما
يبيع بمنزلة الوكيل بالبيع ومن
أصله أن الوكيل بالبيع يملك البيع
بغبن فاحش وقد بينا هذا الفرق له
في كتاب الوكالة ولو دفع إليه ألف
درهم مضاربة على أن يشتري بها
الثياب ويقطعها بيده ويخيطها على
أن ما رزق الله تعالى في ذلك من
شيء فهو بينهما نصفان فهو جائز
على ما اشترطا لأن العمل المشروط
عليه مما يصنعه التجار على قصد
تحصيل الربح فهو كالبيع والشراء
وكذلك لو قال له على أن يشتري بها
الجلود والإدم ويخرزها خفافا
ودلاء وروايا واجربة فكل هذا من
صنع التجار على قصد تحصيل الربح
فيجوز شرطه على المضاربة.
ولو دفع إليه مالا مضاربة على
أنهما شريكان في الربح ولم يسم
نصفا ولا غيره فهو جائز وللمضارب
نصف الربح لأن مطلق الشركة يقتضي
التسوية قال الله عز وجل
{فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ}[النساء: 12] ولو قال على أن للمضارب شركا في الربح فكذلك في قول
أبي يوسف رحمه الله إذ لا فرق بين
الشرك والشركة في اقتضاء ظاهر
اللفظ التسوية وقال محمد رحمه
الله هذه مضاربة فاسدة لأنه بمعنى
النصيب قال الله تعالى:{أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ}[الاحقاف: 4] فكأنه قال على أن للمضارب نصيبا وذلك مجهول.
توضيحه: إن
الشركة التي تقتضي التسوية ما
يكون مضافا إلى الشريكين كما في
قوله على أنهما شريكان وهنا أضاف
الشركة إلى المضارب خاصة عرفنا أن
المراد به النصيب.
وإذا دفع في مرضه ألف درهم مضاربة
بالنصف فعمل المضارب فربح ألفا ثم
مات رب
ج / 22 ص -49-
المال من مرضه ذلك وأجر مثل المضارب أقل مما شرط له من الربح فيما
عمل وعلى رب المال دين يحيط بما
به فللمضارب نصف الربح يبدأ به
قبل دين المريض لأن عقد المضاربة
قد صح فنصيب المضارب من الربح لم
يكن مملوكا لرب المال قط حتى يكون
إيجابه للمضارب بطريق الوصية
بخلاف الأجرة فإنه يستحق الأجرة
على المستأجر فيعتبر ما زاد على
أجر مثله بعد الدين بطريق الوصية
وهذا لأنهما شريكان في الربح واحد
الشريكين لا يتملك على صاحبه شيئا
إنما يملك كل واحد منهما حصته من
الربح كما حدث ابتداء.
توضيحه: أن
المشروط له بعض ما يحدث بعمله وهو
يملك أن يجعل جميع ذلك له بأن
يقرضه المال ليتصرف فيه لنفسه
فيكون ربحه كله له لا سبيل
للغرماء وورثة المريض عليه فلان
يملك جعل بعض الربح له بطريق
المضاربة أولى ولو لم يكن سمى
للمضارب ربحا كان له أجر مثل عمله
ذلك دينا على المريض كسائر الديون
فيضرب به مع الغرماء في تركته ولا
حق له في شيء من الربح ليستحق
التقديم فيه على سائر الغرماء.
ولو دفع الصحيح ألف درهم مضاربة
إلى مريض على أن للمضارب عشر
الربح وأجر مثله خمسمائة فربح
ألفا ثم مات من مرضه وعليه دين
كثير فللمضارب عشر الربح لا يزاد
عليه لأن الذي من جهته مالا حق
فيه للغرماء والورثة وهو العمل
بمنافعه ولو تبرع به بأن عمل لا
على وجه المضاربة بل على وجه
البضاعة لم يكن للغرماء والورثة
سبيل على صاحب المال فإذا شرط
لنفسه بمقابلة عمله شيئا كان ذلك
أولى بالجواز وإن كان ذلك دون أجر
مثله وإذا أراد المضارب أن يرد
عبدا اشتراه بالعيب فطلب البائع
يمين المضارب ما رضي بالعيب ولا
عرضه على بيع منذ رآه فله ذلك
لأنه لو أقر به تعذر الرد فإن نكل
عن اليمين بقي العبد على المضاربة
لأنه مضطر إلى هذا النكول فإنه لا
يمكنه أن يحلف كاذبا وقد بينا في
البيوع أن يكون الوكيل ملزما
للموكل فيكون المضارب أولى وكذلك
لو أقر المضارب بذلك لأن إقراره
يتضمن لزوم البيع فيه فهو بمنزلة
شرائه ابتداء وهو يملك ذلك بأن
يقيله العقد ثم يشتريه ثانيا
بخلاف الوكيل.
ولو ادعى البائع الرضا على الآمر
لم يكن له أن يستحلف المضارب ولا
رب المال على ذلك لأن رب المال
بمنزلة الموكل وقد بينا في كتاب
البيوع إن دعوى الرضا على الموكل
لا يوجب اليمين على الوكيل ولا
على الموكل فكذلك في المضاربة ولو
اشترى المضارب عبدا لم يره وقد
رآه رب المال فللمضارب أن يرده
بخيار الرؤية لأن رؤية رب المال
لا تكون دليل الرضا منه به فإنه
ما كان يعلم أن المضارب يشتري ذلك
العبد بعينه لا عند رؤيته ولا عند
عقد المضاربة وبعد الرؤية لو
اشتراه رب المال وهو لا يعلم عند
الشراء إنه ذلك العبد لا يسقط
خيار رؤيته فإذا اشتراه مضاربة
أولى أن لا يسقط الخيار بتلك
الرؤية ولو رآه المضارب ثم اشتراه
لم يكن لواحد منهما خيار وإن لم
يره رب المال لأن المضارب عالم
عند الشراء بأنه يشتري ذلك الذي
رآه فالرؤية السابقة منه دليل
الرضا به وفيما يبني على الرضا
ولزوم العقد العاقد لغيره كالعاقد
لنفسه
ج / 22 ص -50-
ولو كان رب المال قد علم أنه أعور قبل أن يشتريه المضارب فاشتراه
المضارب وهو لا يعلم به فله أن
يرده بالعيب لأن رب المال ما كان
يعلم أن مضاربه يشتري ذلك العبد
بعينه فعلمه بالعور لا يكون دليل
الرضا منه بعيبه في ملك نفسه ولأن
المضارب بمطلق العقد يستحق صفة
السلامة فإنه ما كان يعلم بالعيب
على العبد ولا علم لرب المال
بعيبه فبفوات صفة السلامة يثبت له
حق الرد والوكيل بشراء عبد بغير
عينه بألف درهم بمنزلة المضارب في
جميع ما ذكرنا ولو دفع إلى رجل
مالا مضاربة على أن يشتري به عبد
فلان بعينه ثم يبيعه فاشتراه
المضارب ولم يره وقد رآه رب المال
فلا خيار للمضارب فيه ولأن
المضارب نائب عنه في الشراء ورؤية
رب المال هنا دليل الرضا منه بذلك
العيب حين أمر نائبه وكذلك لو كان
المضارب رآه ولم يره رب المال
فهذا كالأول في هذا الحكم.
ولو كان العبد أعور وقد علم به
أحدهما لم يكن للمضارب أن يرده
أبدا لأنه إن كان المضارب عالما
به فهو ما استحق صفة السلامة
بالإقدام على الشراء بعد علمه
بالعيب وإن كان رب المال هو الذي
علم به فأمره إياه بالشراء بعينه
بعد علمه بعيبه دليل الرضا منه
بالعيب ورضا رب المال معتبر في
إسقاط خيار العيب للمضارب وكذلك
الوكيل بشراء عبد بعينه إذا
اشتراه وقد كان الآمر رآه أو علم
به فليس للوكيل أن يرده لما قلنا
وإذا دفع إليه مالا مضاربة على أن
يشتري به الثياب ويبيع فاسم
الثياب اسم جنس للملبوس في حق بني
آدم فله أن يشتري به ما شاء من
ذلك كالخز والحرير والقز وثياب
القطن والكتان والأكسية
والانبجانيات والطيالسة ونحو ذلك
وليس له أن يشتري المسوح والستور
والأنماط والوسائد والطنافس ونحو
ذلك لأن ذلك كله من جنس الفرش لا
يتناوله اسم الثياب في العادة
مطلقا والدليل عليه أن بايع هذه
الأشياء لا يسمى ثيابا بل الثيابى
في الناس من يبيع ما يلبسه الناس
ومطلق اللفظ محمول على المفهوم
عرفا.
ولو دفعه على أن يشتري به البز
فليس له أن يشتري به من ثياب الخز
والحرير والطيالسة والأكسية شيئا
وإنما يشتري ثياب القطن والكتان
فقط لأن البراز في عرف الناس من
يبيع ثياب القطن والكتان لا من
يبيع الخز والحرير وهذا شيء مبناه
على عرف الناس ليس من فقه الشريعة
في شيء وإنما يعتبر فيه ما هو
معروف عند الناس في كل موضع وإذا
باع المضارب عبدا من المضاربة ثم
قبله بعيب يحدث مثله بإقرار أو
غيره بحكم أو إقالة فهو سواء وهو
على المضاربة بخلاف الوكيل بالبيع
لأن الوكيل بالبيع لا يملك الشراء
للموكل ابتداء والمضارب يملك
الشراء كما يملك البيع فقبوله
بهذه الوجوه لا يكون فوق شرائه
ابتداء فيجوز على المضاربة.
ولو أنكر المضارب العيب ثم صالحه
منه على أن زاده مع العبد دينارا
أو ثوبا أو نحو ذلك من المضاربة
فهو جائز على رب المال إن كان مثل
ذلك العيب أو أكثر مما يتغابن
الناس فيه وإن كان أكثر مما لا
يتغابن الناس فيه أبطلته لأن
الصلح عن العيب على مثل هذا
متعارف بين التجار والمضارب يملك
ما هو من صنع التجار فأما الصلح
على أكثر من حصة العيب
ج / 22 ص -51-
مما لا يتغابن الناس فيه فليس من صنع التجار بل هو كالبر المبتدأ
ثم هو مأمور بالصلح لإصلاح مال
المضاربة لا لإفساد المال وفي
الصلح على مثل حصة العيب أو زيادة
يسيرة إصلاح فأما في الصلح على
أكثر منه مما لا يتغابن الناس فيه
فإفساد به.
ولو اشترى المضارب بألف المضاربة
من ولده أو والديه أو مكاتبه أو
عبده وعليه دين يساوي ألف درهم
فهو جائز على المضاربة وإن كان
يساوي أقل منه مما يتغابن الناس
فيه فهو مشتر لنفسه في قياس قول
أبي حنيفة رحمه الله وقال أبو
يوسف ومحمد رحمهما الله هو جائز
على المضاربة إلا ما اشترى من
عبده أو مكاتبه فإن قولهما في ذلك
مثل قول أبي حنيفة رحمه الله وقد
أطلق في الوكيل جواب هذه المسألة
في كتاب البيوع ولم يفصل بين
الشراء بمثل القيمة وبين الشراء
بغبن يسير ومن أصحابنا رحمهم الله
من يقول تقسيمه هنا تقسيم في
الوكيل والخلاف في الفصلين في
الشراء بغبن يسير فأما الشراء
بمثل القيمة فجائز لأن أبا حنيفة
رحمه الله يعتبر التهمة وذلك إنما
يظهر عند الشراء بغبن يسير وفي حق
الأجنبي ليس بينهما سبب موجب
التهمة فيحمل شراؤه بغبن يسير على
أنه خفي عليه ذلك وفي حق الآباء
والأولاد بينهما سبب التهمة فيحمل
ذلك على الميل إليه وإيثاره على
الموكل كما في الشهادة فأما في
الشراء بمثل القيمة فلا يتمكن
معنى التهمة ومنهم من قال بل هذا
التقسيم في المضارب فأما الوكيل
فلا يملك الشراء من هؤلاء لموكله
بمثل القيمة والفرق بينهما لأبي
حنيفة رحمه الله أن المضارب شريك
في الربح فيمنعه ذلك من ترك
الاستقصاء والنظر وإن كان يعامل
أباه أو ابنه لأنه يؤثر نفسه
عليهما فلهذا جازت معاملته معهم
بمثل القيمة فأما الوكيل فعامل
للموكل ولا حق له فيما يشتريه
فالظاهر إنه يترك الاستقصاء في
المعاملة مع هؤلاء فلهذا لا ينفذ
تصرفه معهم على الموكل.
يوضحه: أن
المضارب أعم تصرفا من الوكيل وقد
يستبد بالتصرف على وجه لا يملك رب
المال نهيه وهو بعد ما صار المال
عروضا وقد يكون نائبا محضا في بعض
الأحوال فلشبهه بالمستبد بالتصرف
قلنا يجوز تصرفه مع هؤلاء بمثل
القيمة ولشبهه بالنائب قلنا لا
يجوز تصرفه معهم بغبن يسير فأما
الوكيل فنائب محض وهو نائب في
تصرف خاص فيكون متهما في تصرفه مع
هؤلاء في حق الموكل وإن كان بمثل
القيمة.
ولو كان العبد يساوي ألفا فأراد
المضارب أن يبيعه مرابحة لم يبعه
في قول أبي حنيفة رحمه الله حتى
يبين وعندهما يبيعه مرابحة من غير
بيان إلا ما اشتراه من مكاتبه
وعبده المديون فإنه لا يبيعه
مرابحة حتى يبين وقد تقدم بيان
هذه المسألة في كتاب البيوع.
ولو اشترى بألف المضاربة أباه أو
أمه أو أخاه أو ولده ولا فضل على
رأس المال فهو جائز على المضاربة
لأن المضارب لا يملك شيئا منه إذا
لم يكن في المال فضل فهو يتمكن من
بيعه وقد بينا أن للمضارب أن
يشتري للمضاربة ما يملك بيعه وإن
كان فيه فضل يوم اشتراه فهو مشتر
لنفسه لأنه لو نفذ شراؤه على
المضاربة ملك منه مقدار حصته من
الربح فيعتق
ج / 22 ص -52-
عليه ذلك الجزء ولا يمكنه بيعه وقد بينا أن المضارب لا يشتري
للمضاربة ما لا يمكن بيعه فكان
مشتريا لنفسه فعتق عليه وإن نقد
ثمنه من مال المضاربة فهو ضامن
لذلك لأنه قضى بمال المضاربة دين
نفسه ولو اشترى أبا رب المال أو
ابنه أو أخاه وفيه فضل أولا فضل
فيه فهو مشتر لنفسه لأنه لو نفذ
شراؤه على المضاربة ملكه رب المال
وعتق عليه بالقرابة فلا يتمكن
المضارب من بيعه وليس له أن يشتري
بمال المضاربة ما لا يمكنه بيعه
فكان مشتريا لنفسه.
وإذا كان لرجل على رجل ألف درهم
فأمر رجلا أن يقبض من المديون
جميع ماله عليه ويعمل به مضاربة
بالنصف فقبض المأمور نصف ما على
المديون ثم عمل به فهو جائز على
المضاربة ورأس المال فيه ما قبضه
اعتبارا للبعض بالكل وهذا لأن
الواو للعطف من غير أن تقتضي
الترتيب فكان هو في كل جزء من
المال مأمورا بالقبض والعمل به
مضاربة فإذا قبض البعض وعمل به
كان ممتثلا أمر رب المال ولو قال
له اقبض جميع الألف التي لي على
فلان ثم اعمل بها مضاربة كان
مخالفا فيما صنع ضامنا للمال
والربح له والوضيعة عليه لأن حرف
ثم للتعقيب مع التراخي فهو أخر
الأمر بالعمل مضاربة عن قبض جميع
المال فما لم يقبض جميع الألف لا
يأتي أو إن العمل بالمال مضاربة
فإذا عمل بالبعض قبل أن يقبض الكل
كان مخالفا.
ألا ترى إنه لو قال لزوجته اقبضي
جميع المال الذي على فلان ثم أنت
طالق فقبضت البعض دون البعض لم
تطلق ولو قال اقبضي جميع المال
الذي على فلان وأنت طالق طلقت
للحال قبل أن تقبض شيئا إذا لم
يزد الزوج واو الحال.
وإذا دفع الرجل إلى الصبي أو إلى
العبد المحجور عليه مالا مضاربة
فاشترى به فربح أو وضع بغير إذن
والد الصبي ومولى العبد جاز على
رب المال والربح بينهما على ما
اشترطا لأنه من أهل التصرف لكونه
مميزا وإنما يلاقي تصرفه مال رب
المال وهو راض بتصرفه ولو استعان
به من غير شرط شيء من الربح له
نفذ تصرفه في حقه فإذا شرط لهما
نصيبا من الربح أولى لأن ذلك محض
منفعة لهما والعبد والصبي لا
يلحقهما الحجر بتمحض منفعة
والعهدة في البيع والشراء على رب
المال بمنزلة ما لو كانا وكيلين
له بالبيع لأن في إلزام العهدة
إياهما ضررا وهم محجوران عن
اكتساب سبب الضرر فإذا تعذر إيجاب
العهدة عليهما لزمت العهدة من
ينتفع بهذا العقد بعدهما وهو رب
المال ثم لا تنتقل العهدة إلى
الصبي وإن كبر وتنتقل إلى العبد
إذا عتق لأن العبد مخاطب من أهل
إلزام العهدة في حق نفسه ولكن حق
المولي كان مانعا من إلزام العهدة
إياه فإذا زال المانع لزمته
العهدة والصبي ليس من أهل إلزام
العهدة أصلا فلا يلحقه ذلك وإن
بلغ وهو بمنزلة الكفالة والإقرار.
ولو مات العبد في عمل المضاربة
وقتل الصبي وهو في عمل المضاربة
بعد ما ربحا فإن مولي العبد يضمن
رب المال قيمة عبده يوم عمل في
ماله مضاربة بأمره لأنه صار غاصبا
له
ج / 22 ص -53-
باستعماله بغير إذن مالكه وإذا ضمن قيمته في ذلك الوقت ملكه
بالضمان فجميع ما ربح العبد لرب
المال دون مولي العبد لأن ذلك كسب
اكتسبه العبد المغصوب والكسب
للغاصب إذا ملك العبد بالضمان.
ألا ترى أن المضاربة لو كانت
فاسدة كان للعبد أجر مثله في
حياته فإذا مات غرم رب المال
قيمته وبطل الأجر عنه فهذا مثله.
وأما الصبي إذا قتل في عمل رب
المال بعد ما ربح فعلى عاقلة
القاتل الدية وإن شاء ورثة الصبي
ضمنوا عاقلة رب المال لأنه
باستعماله صار متسببا لهلاكه وهذا
سبب هو متعد فيه فيكون بمنزلة
جنايته بيده في إيجاب الدية على
قاتله بمنزلة من غصب صبيا حرا
وقربه إلى مسبعة حتى افترسه السبع
ثم يرجع على عاقلة رب المال بها
على عاقلة القاتل لأنهم قاموا
مقام ورثة الصبي حين ضمنوا لهم
ديته وهذا لأن القاتل مباشر
والمتسبب يرجع بما يلحقه من
الضمان على المباشر لأنه هو الذي
قرر عليه ذلك بمباشرته فكأنه
ألزمه إياه ابتداء ثم يسلم لورثة
الصبي حصته من الربح لأن الصبي
الحر لا يملك بضمان الدية ولأن
عاقلة رب المال إنما غرموا الدية
بهلاك الصبي في عمله لرب المال لا
لاستعمال رب المال إياه.
ألا ترى أن الصبي لو مات ولم يقتل
كان رب المال بريئا من ديته فلهذا
يسلم حصته من الربح لورثته.
وإذا دفع الرجل إلى الرجلين ألف
درهم مضاربة فمات أحدهما فقال
الباقي منهما قد هلك المال فهو
مصدق في نصف المال مع يمينه ولا
ضمان عليه في شيء من المال لأنه
مؤتمن فيما كان في يده فالقول
قوله إذا أخبر بهلاكه مع يمينه
وأما الميت فإن نصف مال المضاربة
دين في ماله لأن نصف المال كان
أمانة في يده وقد مات مجهلا
والأمين بالتجهيل ضامن لأنه عند
الموت يصير متملكا فيكون ضامنا
وإذا دفع المسلم إلى النصراني
مالا مضاربة بالنصف فهو جائز لأن
المضاربة من المعاملات وأهل الذمة
في ذلك كالمسلمين إلا أنه مكروه
لأنه جاهل بشرائع الإسلام فلا
نأمن أن يؤكله حراما أما لجهله أو
لقصده فإنهم لا يؤدون الأمانة في
حق المسلمين قال الله تعالى:{لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ
خَبَالاً}[آل
عمران: 118] أي لا يقصرون في
إفساد أمر دينكم ولأنه يتصرف في
الخمر والخنزير ويعمل بالربا ولا
يتحرز في ذلك فيكره للمسلم أن
يكتسب الربح بتصرف مثله له ولكن
مع هذا جازت المضاربة لأن الذي من
جانب المضارب البيع والشراء
والنصراني من أهل ذلك فإن اتجر في
الخمر والخنزير فربح جاز على
المضاربة في قول أبي حنيفة رحمه
الله وينبغي للمسلم أن يتصدق
بحصته من الربح وعندهما تصرفه في
الخمر والخنزير لا يجوز على
المضاربة وهو فرع الاختلاف الذي
بينا في البيوع في المسلم يوكل
الذمي بشراء الخمر والخنزير فإن
اشترى ميتة فنقد فيها مال
المضاربة فهو مخالف ضامن عندهم
جميعا لأنه اشترى مالا يمكنه أن
ج / 22 ص -54-
يبيعه وإن تصرفهم في الميتة لا يكون نافذا والمضارب لا يشتري بمال
المضاربة مالا يمكنه أن يبيعه وإن
أربى فاشترى درهمين بدرهم كان
البيع فاسدا لأنهم يمنعون من
المعاملة بالربا لأنفسهم كما
يمنعه المسلم منه ولكن لا يصير
ضامنا لمال المضاربة والربح
بينهما على الشرط لما بينا أن
المضارب لا يصير مخالفا بإفساد
العقد إذا كان هو يتمكن من بيع ما
اشتراه والمشتري شراء فاسدا يملك
بالقبض فينفذ البيع فيه ولا بأس
بأن يأخذ المسلم مال النصراني
مضاربة ولا يكره له ذلك لأن الذي
يلي التصرف في المال هنا المسلم
وهو يتحرز من العقود الفاسدة في
تصرفه في مال غيره كما يتحرز عنه
في تصرفه في مال نفسه فإن اشترى
به خمرا أو خنزيرا أو ميتة ونقد
المال فهو مخالف ضامن لأنه اشترى
بمال المضاربة مالا يمكنه أن
يبيعه فيكون مخالفا كما لو كان رب
المال مسلما فإن ربح في ذلك رد
الربح على من أخذه منه إن كان
يعرفه لأنه أخذه منه بسبب فاسد
فيستحق رده عليه وإن كان لا يعرفه
تصدق به لأنه حصل له بكسب خبيث
ولا يعطي رب المال النصراني منه
شيئا لأن تصرفه ما وقع له حين
اشترى ما لا يمكنه بيعه وصار به
مخالفا.
ولو دفع المسلم ماله مضاربة إلى
مسلم ونصراني جاز من غير كراهة
لأن النصراني هنا لا ينفرد
بالتصرف ما لم يساعده المسلم عليه
والمسلم لا يساعده في العقود
الفاسدة والتصرف في الخمر بخلاف
ما إذا كان المضارب نصرانيا وحده
فإنه ينفرد بالتصرف هناك وإذا دفع
الرجل ماله مضاربة إلى عبده وعليه
دين أو إلى مكاتبه أو إلى ولده
فهو جائز على ما اشترطا لأنه من
كسب هؤلاء كالأجنبي فكسب العبد
المستغرق بالدين حق الغرماء وإذا
دفع رجل إلى رجلين ألف درهم
مضاربة بالنصف فاشتريا بها عبدا
يساوي ألفي درهم وقبضاه فباعه
أحدهما بغير أمر صاحبه بعرض يساوي
ألفا وأجاز ذلك رب المال فذلك
جائز لأن المضارب مشتر ذلك العرض
لنفسه مستقرض عبد المضاربة حين
جعله عوضا عما اشتراه لنفسه ورب
المال بالإجازة صار مقرضا العبد
منه فتعمل إجازته بهذا الطريق
ويكون على المضارب العامل قيمة
العبد ألفي درهم ألف من ذلك
يأخذها رب المال برأس ماله وألف
أخرى ربحه يأخذ رب المال نصفها
ونصفها بين المضاربين فيطرح عن
العامل مقدار نصيبه من الربح وذلك
ربع الألف ويغرم ما سوى ذلك وحق
المضارب الآخر بيع لحق رب المال
فلا يمتنع لأجله نفوذ إجازة رب
المال في حصته.
ولو كان المضارب باع العبد بألفي
درهم وأجاز ذلك رب المال جاز على
المضاربين ولا ضمان على البائع
لأنه غير مشتر بمال المضاربة شيئا
بل هو تابع لمال المضاربة
واستقراضه في الفصل الأول كان
ضمنا لشرائه لنفسه ولم يوجد ذلك
هنا فكان فعله بيعا مطلقا إن
أجازه صاحبه نفذ لاجتماع رأيهما
عليه وإن أجازه رب المال نفذ لأن
المضارب نائب عنه في التصرف وإذا
كان ينفذ العقد بإجازة النائب
فبإجازة المنوب عنه أولى ويؤخذ من
المشتري الألفان فيكون ذلك على
المضاربة بمنزلة ما لو باعاه
جميعا ولو كان المضارب باع العبد
بأقل من ألفين بقليل أو كثير بما
يتغابن الناس في مثله أو لا
يتغابن فيه فأجاز ذلك رب المال
فإجازته باطلة لأن فيه نقصانا
يدخل على المضارب الآخر
ج / 22 ص -55-
ألا ترى أنه لا ربح في المضاربة حتى يستوفي رأس المال فإن كان
النقصان يدخل عليه لم يجز ذلك
عليه إلا أن يرضى بالبيع فإذا لم
يرض به رب العبد حتى يبيعه
المضاربان جاز وحاصل المعنى أن
الإجازة إنما تصح ممن يملك مباشرة
العقد ورب المال لا يملك بيع مال
المضاربة بغبن يسير مراعاة لحق
المضارب في الربح فكذلك لا يملك
إجازة البيع بغبن يسير من أحد
المضاربين أو من أجنبي آخر وهو
يملك مباشرة البيع بمثل القيمة
فكذلك يملك إجازة بيع أحدهما بمثل
القيمة وهذا لأن رب المال غير
مسلط على هذا التصرف من جهة من له
الحق وهو المضارب فيستوي في حقه
الغبن اليسير والفاحش كالمريض في
حق ورثته بخلاف الوكيل بالشراء
فإنه مسلط على التصرف من جهة
الموكل فيجعل الغبن اليسير عفوا
في حقه بخلاف الوصي فهو مسلط على
التصرف في حق الصبي شرعا فيقام
ذلك مقام التسليط من جهته أن لو
كان من أهله وعلى هذا لو كان رب
المال هو الذي باعه وأجازه أحد
المضاربين فإن كان باعه بمثل
القيمة فهو جائز وإن باعه بدون
القيمة بقليل أو كثير لم يجز حتى
يجيزاه جميعا.
ولو كان أحد المضاربين باع العبد
ببعض ما ذكرنا من الثمن فأجازه
المضارب الآخر ولم يجز رب المال
فهو جائز إن كان باعه بأقل من
قيمته بما يتغابن الناس فيه وإن
كان بما لا يتغابن الناس فيه لم
يجز في قول أبي يوسف ومحمد رحمهما
الله وهو جائز في قول أبي حنيفة
رحمه الله بمنزلة ما لو كان باعاه
جميعا وأصل المسألة في الوكيلين
بالبيع والله أعلم.
باب
نفقة المضارب
قال رحمه
الله: وإذا دفع الرجل إلى رجل مالا مضاربة بالنصف فعمل به في مصره أو
في أهله فلا نفقة له في مال
المضاربة ولا على رب المال لأن
القياس أن لا يستحق المضارب
النفقة في مال المضاربة بحال فإنه
بمنزلة الوكيل أو المستبضع عامل
لغيره بأمره أو بمنزلة الأجير لما
شرط لنفسه من بعض الربح وواحد من
هؤلاء لا يستحق النفقة في المال
الذي يعمل فيه إلا أنا تركنا هذا
القياس فيما إذا سافر بالمال لأجل
الصرف فبقي ما قبل السفر على أصل
القياس وهذا لأن مقامه في مصره أو
في أهله لكونه متوطنا فيه لا لأجل
مال المضاربة.
ألا ترى أنه قبل عقد المضاربة كان
متوطنا في هذا الموضع وكانت نفقته
في مال نفسه فكذلك بعد المضاربة.
فأما إذا خرج بالمال إلى مصر يتجر
فيه كانت نفقته في مال المضاربة
في طريقه وفي المصر الذي يأتيه
لأجل العادة وهذا لأن خروجه وسفره
لأجل مال المضاربة والإنسان لا
يتحمل هذه المشقة ثم ينفق من مال
نفسه لأجل ربح موهوم عسى يحصل
وعسى لا يحصل بل إنما رضي بتحمل
هذه المشقة باعتبار منفعة تحصل له
وليس ذلك إلا بالإنفاق من ماله
الذي في يده فيما يرجع إلى كفايته
بخلاف الوكيل والمستبضع فإنه
متبرع في عمله لغيره غير طامع في
شيء من ماله لأجله وبخلاف الأجير
لأنه عامل له ببدل مضمون في ذمة
المستأجر
ج / 22 ص -56-
وذلك يحصل له بيقين فأما هذا فغير متبرع ولا هو مستوجب بدلا
مضمونا بل حقه في ربح عسى يحصل
وعسى لا يحصل فلا بد من أن يحصل
له بإزاء ما تحمل من المشقة شيء
معلوم وذلك نفقته في المال وهو
بمنزلة الشريك والشريك إذا سافر
بمال الشركة فنفقته في ذلك المال
وهو مروي عن محمد رحمه الله
فالمضارب كذلك وهذا لأنه فرغ نفسه
عن أشغاله لأجل مال المضاربة فهو
كالمرأة إذا فرغت نفسها لزوجها
بالمقام في بيته فأما في المصر
فما فرغ نفسه لمال المضاربة فلا
يستوجب نفقته فيه ونفقته طعامه
وكسوته ودهنه وغسل ثيابه وركوبه
في سفره إلى المصر الذي أتاه
بالمعروف على قدر نفقة مثله لأن
هذا كله مما لا بد منه في السفر.
وفي النوادر عن أبي حنيفة وأبي
يوسف رحمهما الله إن دهنه ليس من
جملة النفقة وكأنهما أرادا به في
الموضع الذي لا يحتاج فيه إلى
استعمال الدهن عادة فتكون الحاجة
إليه نادرة والثابت عرفا لا يثبت
فيما هو نادر ومراد محمد رحمه
الله إذا سافر إلى المواضع التي
يحتاج فيها إلى استعمال الدهن
عادة وذلك في ديار الحجاز والعراق
ثم المستحق نفقة المثل وهو
المعروف كما في نفقة الزوجة فإن
أنفق أكثر من ذلك حسب له من ذلك
نفقة مثله وكان ما بقي عليه في
ماله فإذا رجع إلى مثله وقد بقي
معه ثياب أو طعام أو غيره رده في
مال المضاربة لأن استحقاقه قد
انتهى برجوعه إلى مصره فعليه رد
ما بقي كالحاج عن الغير إذا بقي
معه شيء من النفقة بعد رجوعه
وكالمولى إذا بوأ أمته مع زوجها
بيتا ثم شغلها بخدمته وقد بقي
معها شيء من النفقة كان للزوج أن
يسترد ذلك منها فأما الدواء
والحجامة والكحل ونحو ذلك ففي
ماله خاصة دون مال المضاربة وروى
الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله
أن ذلك كله في مال المضاربة لأن
مال المضاربة مدة سفره في حاجته
كمال نفسه فكما إنه يصرف مال نفسه
في هذه الأشياء كما يصرف في
النفقة فكذلك مال المضاربة.
وجه ظاهر الرواية إنه إنما يستوجب
النفقة في مال المضاربة وثمن
الدواء وأجرة الحجام وما يحتاج
إليه من العلاج ليس من النفقة.
ألا ترى أن الزوجة لا تستحق شيئا
من ذلك على زوجها بخلاف النفقة ثم
الحاجة إلى هذه الأشياء غير
معتادة بل هي نادرة والنادر لا
يستحق بطريق العادة وكذلك جارية
الوطء والخدمة لا يحتسب بثمنها في
المضاربة لأن ذلك ليس من أصول
حوائجه بل يكون للترفه وقضاء
الشهوة ولأن ما قصد لشرائها لا
ترجع منفعته إلى مال المضاربة.
ولو استأجر أجيرا يخدمه في سفره
وفي مصره الذي أتاه ليخبز له
ويطبخ ويغسل ثيابه ويعمل له ما لا
بد له منه احتسب بذلك على المضارب
لأنه لو لم يستأجر احتاج إلى
إقامة هذه الأعمال بنفسه فإنه ما
لا بد له منه وإذا عمل له أجيره
تفرغ هو للعمل في مال المضاربة
فكان في هذا الاستئجار منفعة
للمضاربة وكذلك لو كان معه غلمان
له يعملون في المال كانوا بمنزلته
ونفقتهم في مال المضاربة لأن
نفقتهم كنفقته وهم يعملون له في
المال كما يعمل هو
ج / 22 ص -57-
ومن يستحق نفقته على إنسان يستحق نفقة خادمه كالمرأة على زوجها
إلا أنها لا تحتاج إلى الزيادة
على خادم واحد في عملها للزوج في
بيته وقد يحتاج المضارب إلى غلمان
يعملون في المال معه فلهذا كانت
نفقتهم في مال المضاربة وكذلك لو
كان للمضارب دواب يحمل عليها متاع
المضاربة إلى مصر من الأمصار كان
علفها على المضاربة ما دامت في
عملها لأنها بالعلف تتقوى على حمل
المتاع ومنفعة ذلك راجعة إلى مال
المضاربة وإذا أراد القسمة بدأ
برأس المال فأخرج من المال وجعلت
النفقة مما بقي فإن بقي من ذلك
شيء فهو الربح يقسم بين المضارب
ورب المال على ما اشترطا.
وكذلك لو كان أنفق في سفره من
المال بعضه قبل أن يشتري به شيئا
ثم اشترى بالباقي وباع وربح
استوفى رب المال رأس ماله كاملا
لأن ما أنفقه المضارب يجعل
كالتاوي وقد بينا أن العقد يبقى
في الكل بعد هلاك بعض رأس المال
فيحصل جميع رأس المال وما بقي فهو
بينهما على الشرط ولو دفع المال
مضاربة إليه فخرج إلى السواد
يشتري به الطعام وذلك مسيرة يوم
أو يومين فأقام في ذلك المكان
يشتري ويبيع فإنه ينفق في طريقه
ومقامه في ذلك المكان من مال
المضاربة وهذا ومسيرة ثلاثة أيام
في المعنى سواء لأنه إنما فارق
وطنه لعمله في مال المضاربة وكذلك
لو أقام في هذا الموضع أيضا
فيستوجب النفقة في مال المضاربة
ولو كان في المصر الذي فيه أهله
إلا أن المصر عظم أهله في أقصاه
والمقام الذي يتجر فيه في الجانب
الآخر وكان يقيم هناك ليتجر ولا
يرجع إلى أهله فلا نفقة له في مال
المضاربة لأن نواحي المصر في حكم
ناحية واحدة.
ألا ترى أن المقيم في ناحية من
المصر يكون مقيما في جميع نواحيه
وإذا خرج من أهله على قصد السفر
لا يصير مسافرا ما لم ينفصل من
عمران المصر وقد بينا أن مقامه في
المصر لم يكن لأجل المضاربة وعلى
هذا قيل لو كان يخرج للعمل إلى
موضع قريب ويعود إلى أهله قبل
الليل فإنه لا ينفق من مال
المضاربة لأنه مقيم في أهله إذا
كان خروجه إلى موضع لا يحتاج إلى
أن يبيت في غير أهله.
ولو كان له أهل بالكوفة وأهل
بالبصرة ووطنه فيهما جميعا فخرج
بالمال من الكوفة ليتجر فيه
بالبصرة فإنه ينفق من مال
المضاربة في طريقه فإذا دخل
البصرة كانت نفقته على نفسه ما
دام بها فإذا خرج منها راجعا إلى
الكوفة أنفق من مال المضاربة في
سفره لأن سفره في الذهاب والرجوع
لأجل المضاربة أما في البلدتين
فهو مقيم في أهله وإقامته في أهله
ليس لأجل المضاربة ففي البلدتين
ينفق من مال نفسه.
ولو كان أهل المضارب بالكوفة وأهل
رب المال بالبصرة فخرج بالمال إلى
البصرة مع رب المال ليتجر فيه
فنفقته في طريقه وبالبصرة وفي
رجوعه إلى الكوفة من مال المضاربة
لأن مقامه بالبصرة لأجل مال
المضاربة إذ ليس له أهل بالبصرة
لتكون البصرة وطن الإقامة له
ويستوي إن نوى الإقامة بها خمسة
عشر يوما أو أقل لأن التاجر في
المال العظيم قد يحتاج
ج / 22 ص -58-
إلى هذا القدر من المقام في بلده لأجل التصرف في المال وبهذه
النية تصير البصرة وطنا مستعارا
له بخلاف ما لو كان له بها أهل أو
تأهل بها لأنه حينئذ تصير البصرة
وطن إقامته ولو دفع إليه المال
مضاربة وهما بالكوفة وليست الكوفة
بوطن للمضارب لم ينفق على نفسه من
المال ما دام بالكوفة لأن إقامته
بالكوفة على أي وجه كان ليس لأجل
المضاربة.
ألا ترى أنه قبل عقد المضاربة كان
مقيما بها فلا يستوجب النفقة في
مال المضاربة ما لم يخرج منها فإن
خرج منها إلى وطنه ثم عاد إليها
في تجارته أنفق بالكوفة من مال
المضاربة لأنه حين سافر بعد عقد
المضاربة استوجب النفقة في مال
المضاربة وصارت الكوفة في حقه
كسائر البلدان لأن وطنه بها كان
مستعارا وقد انتقض بالسفر فرجوعه
بعد ذلك إلى الكوفة وذهابه إلى
مصر آخر سواء فإن تزوج بها امرأة
واتخذها وطنا زالت نفقته عن مال
المضاربة لأن مقامه بها بعد ما
تزوج بها واتخذها دارا لأجل أهله
لا لأجل مال المضاربة فهي بمنزلة
وطنه الأصلي.
وإذا سافر المضارب بالمال فأعانه
رب المال بغلمانه يعملون معه في
المضاربة أو أعانه بدوابه لحمل
المتاع الذي يشتري بالمضاربة
عليها فإن المضاربة لا تفسد بهذا
كما لو أعانه بنفسه في بعض
الأعمال ونفقة الغلمان والدواب
على رب المال دون مال المضاربة
لأن نفقة غلمان رب المال وعلف
دوابه كنفقة نفسه ورب المال لو
سافر معه ليعينه على العمل في مال
المضاربة لم يستوجب نفقة في مال
المضاربة بهذا السبب فكذلك نفقة
غلمانه ودوابه بخلاف غلمان
المضارب ودوابه فإن نفقتهم كنفقته
وهو يستوجب نفقة نفسه في مال
المضاربة إذا سافر لأجله فكذلك
نفقة غلمانه ودوابه فإن أنفق على
غلمان رب المال ودوابه من مال
المضاربة بغير أمر رب المال ضمنه
من ماله بمنزلة ما ينفق على أجنبي
آخر لأنه صرف مال المضاربة إلى
وجه غير مستحق صرفه إليه بحكم
المضاربة فيصير كالمستهلك لذلك
المال وإن كان أنفقه بأمر رب
المال حسب ذلك على رب المال لأنه
صرف إلى ملكه بأمره بمنزلة صرفه
إليه فيحسب ذلك على رب المال وفي
الأصل أوضح هذا الفرق فقال لو لم
أجعل نفقة غلمان المضارب في
المضاربة جعلتها على المضارب لا
محالة وكل نفقة تلحق المضارب في
سفره في المضاربة فذلك في مال
المضاربة ونفقة غلمان رب المال لو
لم أجعلها في مال المضاربة كان
ذلك على رب المال وهذا في المعنى
اعتبار نفقة هؤلاء بنفقة نفسه على
ما بينا.
ولو دفع المضارب مال المضاربة إلى
عبده ليخرج به إلى مصر فيشتري به
ويبيع فخرج به كانت نفقته في مال
المضاربة لأن نفقة عبده كنفقته
وهو لو خرج بنفسه أنفق من مال
المضاربة فكذلك عبده إذا خرج.
ألا ترى أني لو لم أجعل نفقته على
المضاربة جعلتها على المضارب ولو
كان ذلك عبد رب المال بإعانته
وإذنه فنفقته على مولاه ولا تكون
على المضاربة بمنزلة ما لو خرج رب
المال بنفسه على وجه الإعانة
للمضارب في عمله فإن كان العبد
أنفق على نفسه بأمر رب
ج / 22 ص -59-
المال فذلك محسوب على رب المال كما لو كان هو الذي أنفق على نفسه
ولو أبضعه المضارب مع رجل لم يكن
للمستبضع نفقة في مال المضاربة
لأن المستبضع متبرع ولأنه لا
يسافر عادة لأجل البضاعة بخلاف
المضارب ولو أبضعه المضارب مع رب
المال فعمل به فهو على المضاربة
والربح بينهما على الشرط لأنه
معين للمضارب متبرع فيما أقام من
العمل فلا يفسد به عقد المضاربة
بينهما كالشريكين في المال إذا
عمل أحدهما ولم يعمل الآخر شيئا
ولا نفقة لرب المال على المضاربة
لأنه بمنزلة المستبضع إذا كان
أجنبيا.
وإذا دفع إلى رجل مالا مضاربة
وأمره أن يعمل فيه برأيه فدفعه
المضارب إلى آخر مضاربة فسافر
الآخر بالمال إلى مصر ليشتري
ويبيع فنفقته على المضاربة لأنه
بمنزلة المضارب الأول فإن بعد قول
رب المال اعمل فيه برأيك للمضارب
أن يدفعه مضاربة ويقوم هو في ذلك
مقام رب المال فكما أن نفقة
المضارب الأول في سفره في مال
المضاربة فكذلك نفقة المضارب
الثاني وإذا دفع الرجل إلى رجل
ألف درهم مضاربة فخرج المضارب
فيها وفي عشرة آلاف من مال نفسه
إلى مصر ليشتري بها ويبيع فإن
نفقته على أحد عشر سهما جزء منها
في مال المضاربة وعشرة أجزاء في
مال نفسه لأنه يحتمل أن يكون
خروجه لأجل مال المضاربة ويحتمل
أن يكون خروجه لأجل مال نفسه
احتمالا على السواء فينظر إلى
منفعة خروجه وعمله وذلك يختلف
بقلة المال وكثرته فيقسم النفقة
على قدر ذلك لأن المغرم مقابل
بالمغنم وكذلك لو قال له اعمل فيه
برأيك فخلط ماله بمال المضاربة ثم
خرج لأنه بعد هذا القول لا يصير
ضامنا بالخلط فكان إخراجه المالين
بعد الخلط كإخراجه قبل الخلط وكل
مضاربة فاسدة فلا نفقة للمضارب
فيها على مال المضاربة لأن بعد
فساد المضاربة هو بمنزلة الأجير.
ألا ترى أنه يستوجب أجر المثل ربح
أو لم يربح والإجارة الفاسدة
معتبرة بالصحيحة فكما أن في
الإجارة الصحيحة لا يستوجب النفقة
على المال لأنه استوجب بدلا
مضمونا بمقابلة عمله فكذلك في
الإجارة الفاسدة فإن أنفق على
نفسه من المال حسب من أجر مثل
عمله وأخذ بما زاد عليه إن كان
أنفق أكثر من أجر المثل لأنه صاحب
دين ظفر بجنس حقه من مال مديونه
وأخذ أكثر من حقه وفي هذا يلزمه
رد الزيادة وإذا أنفق في المضاربة
الصحيحة في سفره من مال المضاربة
فلما انتهى إلى المصر الذي قصده
لم يشتر شيئا حتى رجع بالمال إلى
مصره فأخذ رب المال ما بقي منه لم
يكن على المضارب ضمان ما أنفق
لأنه أنفق بحق مستحق له فإن سفره
كان لأجل المضاربة وبان لم يشتر
شيئا لا يتبين أن سفره لا يكون
لأجل المضاربة فالتاجر لا يشتري
بالمال في كل موضع يأتيه للتجارة
لا محالة ولكن إن وجد ما يربح
عليه اشترى وإلا رجع بالمال وذلك
أرفق الوجهين له فإن كان ما فعله
من صنع التجار لا يخرج هو به من
أن يكون مستحقا للنفقة على المال
فلا يضمن ما أنفق وإذا مر المضارب
على العاشر بمال المضاربة وأخبره
به وأخذ منه العشر فلا ضمان على
ج / 22 ص -60-
المضارب فيما أخذ منه العاشر وقد بينا في كتاب الزكاة أن على قول
أبي حنيفة الأول رحمه الله العاشر
يأخذ منه الزكاة وعلى قوله الآخر
وهو قولهما لا يأخذ منه شيئا فما
أخذه العاشر أما أن يكون تاويا أو
مأخوذا بحق فلا ضمان فيه على
المضارب وإن كان هو الذي أعطى
العاشر بغير إلزام من العاشر له
فهو ضامن لما أعطى وكذلك إن صانعه
بشيء من المال حتى كف عنه فهو
ضامن لما أعطى لأنه أعطى باختياره
إلى من لا حق له في أخذه منه
فيكون هو مستهلكا لما أعطى كما لو
وهبه من أجنبي آخر.
قال الشيخ الإمام الأجل رحمه الله
وكان شيخنا الإمام رحمه الله يقول
الجواب في زماننا بخلاف هذا ولا
ضمان على المضارب فيما يعطي من
مال المضاربة إلى سلطان طمع فيه
وقصد أخذه بطريق الغصب وكذلك
الوصي إذا صانع في مال اليتيم
لأنهما يقصدان الإصلاح بهذه
المصانعة فلو لم يفعل أخذ الطامع
جميع المال فدفع البعض لإحراز ما
بقي من جملة الحفظ في زماننا
والأمين فيما يرجع إلى الحفظ يكون
ضامنا كما لو وقع الحريق في بيت
المودع فناول الوديعة أجنبيا فأما
في زمانهم فكانت القوة لسلاطين
العدل فكان الأمين متمكنا من دفع
الأمر إليهم ليدفعوا الظالم عن
الأمانة فلهذا قال إذا صانع بشيء
من المال فهو ضامن لما أعطى.
وإذا اشترى المضارب بالمال متاعا
أو لم يشتر به شيئا فنهاه رب
المال أن يخرج من البلدة فليس له
أن يخرجه من ذلك البلد أما قبل
الشراء بالمال فالجواب صحيح واضح
لأنه يملك نهيه عن التصرف أصلا ما
بقي المال نقدا في يده فإذا قيد
الأمر بشيء دون شيء كان أقرب إلى
الصحة والحال قبل الشراء بعد
العقد كحال العقد في انتفاء صفة
اللزوم في حق كل واحد منهما
وانعدام حق المضارب فكما أنه يملك
التقييد عند العقد فكذلك بعد
العقد قبل الشراء بالمال فأما بعد
الشراء بالمال فمن أصحابنا رحمهم
الله من يقول إنما يستقيم الجواب
على الرواية التي رويت إنه ليس
للمضارب أن يسافر بالمال بمطلق
المضاربة.
وموضوع هذه المسألة فيما إذا قال
له اعمل برأيك فإنما يملك
المسافرة باعتبار هذه الزيادة وهو
يملك رفع هذه الزيادة بعد الشراء
فكذلك يملك التقييد فيما هو
مستفاد بهذه الزيادة فأما على
الرواية التي قلنا بمطلق العقد له
حق المسافرة بالمال لا يستقيم هذا
الجواب لأنه بعد صيرورة المال
عروضا لا يملك نهيه عما صار
مستفادا له بمطلق العقد وهو حق
التصرف فيه فكذلك لا يملك التقييد
فيه بالنهي عن المسافرة بالمال
والأصح أن نهيه عن المسافرة
بالمال عامل على الإطلاق وإن كان
بمطلق المسافرة لدلالة اسم العقد
فالمضاربة مشتقة من الضرب في
الأرض أو لمراعاة ما نص عليه رب
المال من حفظه المال بنفسه عند
خروجه مسافرا كما في الوديعة وهذا
كله ينعدم بالنهي عن المسافرة
بالمال بخلاف أصل التصرف فإن حق
المضارب يثبت بالتصرف حين صار
المال عرضا لأن ربحه لا يظهر إلا
بالتصرف ورب المال لا يملك إبطال
حقه أما بالنهي عن المسافرة
بالمال فليس فيه إبطال حق المضارب
لتمكنه من التصرف في البلدة وإنما
فيه إيفاء حق رب المال في أن يكون
ماله
ج / 22 ص -61-
مصونا عن أسباب الهلاك وهذا مملوك له بعد ما صار المال عروضا كما
كان قبله فإن أخرجه ضمنه للخلاف
والأمين متى خالف ما أمر به نصا
كان ضامنا وما أنفق على نفسه أو
على المال بعد ما صار ضامنا له
فهو في ماله خاصة بمنزلة الغاصب
فإن لم يحدث فيه حدثا حتى رده إلى
البلد فهو بريء من ضمانه لأنه عاد
إلى الوفاق بعد ما خالف والعقد
قائم بينهما فيعود أمينا كما كان
وكذلك لو لم ينهه ولكن رب المال
مات والمضاربة في يد المضارب عين
أو متاع فسافر به المضارب بعد
موته لأن المال بالموت انتقل إلى
الورثة ولم يوجد منهم الرضا بسفره
به قط وما كان من رضا رب المال به
قد انقطع بموته فذلك بمنزلة نهيه
عن المسافرة بالمال إذا بلغه
فالنهي لا يعمل في حقه ما لم يعلم
به ولا فرق في الموت بين أن يعلم
به أو لا يعلم لأنه عزل حكمي فلا
يتوقف على العلم به كعزل الوكيل
بموت الموكل.
وإذا سافر المضارب بالمال فاشترى
به متاعا في بلد آخر فمات رب
المال وهو لا يعلم بموته ثم سافر
بالمتاع حتى أتى مصرا فنفقة
المضارب بعد موت رب المال على
نفسه دون المضاربة لأن حكم
المضاربة في حق المسافرة بالمال
قد انتهى بموت رب المال وإن لم
يعلم به المضارب وباعتباره كان
ينفق من مال المضاربة فنفقته بعد
ذلك في سفره على نفسه وهو ضامن
لما يهلك من المتاع في الطريق فإن
سلم حتى يبيعه جاز بيعه لأن
بالموت لا يمتنع عليه بيعه في أي
موضع باعه كما لا يمتنع عليه ذلك
بالنهي عن التصرف بعد علمه به لما
في التصرف من حق المضارب وقد سبق
ثبوت حقه بثبوت حق الورثة فلا
يبطل لحقهم لو كان المضارب خرج
بالمتاع من ذلك المصر قبل موت رب
المال لم يكن عليه ضمان وكانت
نفقته في سفره حتى ينتهي إلى
المصر ويبيع المتاع على المال
لأنه لا يتمكن من المقام في
المفازة أو في موضع لا يتمكن من
بيع المتاع كما هو عادة التجار
فهو في نفقته على السفر إلى أن
ينتهي إلى المصر ويبيع المتاع
موافق لا مخالف فتكون نفقته في
المال.
ولو كان رب المال مات والمضارب
بمصر من الأمصار غير مصر رب المال
والمضاربة متاع في يده فخرج بها
إلى مصر رب المال ففي القياس هو
ضامن ولا يستوجب النفقة في المال
لأنه ينشئ سفرا بالمال بعد ما
انعزل عنه بموت رب المال ولا حاجة
به إلى ذلك فإنه في موضع أمن
ويتمكن من التصرف في المال وهذا
وسفره إلى مصر آخر سواء وفي
الاستحسان لا ضمان عليه ونفقته
حتى يبلغ مصر رب المال على
المضاربة لأن هذا سفر لا يجد
المضارب منه بدا فإنه لا بد من أن
يسلم المال إلى الورثة ليسلم له
نصيبه من الربح ولا يتأتى له ذلك
إلا بالعود إلى مصر لأن ورثته فيه
بخلاف سائر الأمصار والعقد يبقى
لأجل الحاجة إليه كما إذا مات
صاحب السفينة وهي في لجة البحر أو
مات المكاري للدابة في طريق الحج
بخلاف سفره إلى مصر آخر فإنه غير
محتاج إلى ذلك.
وكذلك لو كان رب المال حيا فأرسل
إليه رسولا ينهاه عن الشراء
والبيع وفي يده متاع فخرج بها إلى
مصر رب المال فإني لا أضمنه ما
هلك من المتاع في سفره واجعل
نفقته في
ج / 22 ص -62-
المال استحسانا لأنه لا بد من أن يرجع بالمال إلى مصر رب المال
كما لا بد له من أن يبيعه إذا
نهاه في المصر فكما أن نهيه في
ذلك لا يعمل إيفاء لحق المضارب في
حصته من الربح فكذلك في هذا
المقدار لا يعمل نهيه.
ولو كانت المضاربة في يده دراهم
أو دنانير فمات رب المال والمضارب
في مصر آخر وكان رب المال حيا
فأرسل إليه ينهاه عن الشراء
والبيع فأقبل المضارب بالمال إلى
مصر رب المال فهلك في الطريق فلا
ضمان عليه لأنه لا يجد بدا من رد
المال عليه ولا يتمكن من ذلك ما
لم يأت به مصره فيسلمه إليه أو
إلى ورثته.
ألا ترى أنه لو تركه هناك عند
غيره وخرج إلى مصر رب المال كان
مخالفا ضامنا وهو بما صنع يتحرز
عن الخلاف فلا يضمنه لانعدام
السبب الموجب للضمان فإن سلم حتى
قدم وقد أنفق منه على سفره فهو
ضامن للنفقة لأن عقد المضاربة لا
يبقى بعد موت رب المال أو نهيه
إذا كان المال في يده نقدا فإن
بقاء العقد ببقاء حق المضارب في
المال ولا حق له في المال هنا
فهذا المال بمنزلة الوديعة في يده
والمودع لا يستوجب النفقة في مال
الوديعة.
ألا ترى أنه ليس له أن يشتري به
شيئا لرب المال ولو فعل ذلك كان
ضامنا بخلاف ما إذا كان المال
عروضا فقد بقي العقد هناك لبقاء
حق المضارب.
ألا ترى أنه يملك البيع على رب
المال فكذلك يستوجب النفقة في سفر
لا بد له منه وإذا اشترى المضارب
بالمال وباع فصار المال دينا على
الناس ثم أبى أن يتقاضاه فإن كان
فيه فضل أجبر على أن يتقاضاه وإن
لم يكن له فيه فضل لم يجبر على أن
يتقاضاه لأنه إذا كان فيه فضل فقد
استحق المضارب نصيبه من الربح
بعمله فيجبر على إكمال العمل
كالأجير وذلك بالتقاضي حتى يقبض
المال وإن لم يكن فيه فضل
فالمضارب كالوكيل في التصرف إذا
لم يستوجب بإزاء تصرفه شيئا
والوكيل بالبيع لا يجبر على تقاضي
الثمن ولكن يؤمر بأن يحيل به
الموكل على المشتري فكذلك هنا
يؤمر بأن يحيل به رب المال على
الغرماء لأنه لا يتمكن من
مطالبتهم إذا لم يعاملهم وليس في
امتناع المضارب من أن يحيله
بالمال عليهم إلا التعنت والقصد
إلى إتواء ماله فيمنع من ذلك.
توضيح الفرق: إنه
إذا كان في المال فضل فلا بد
للمضارب من أن يتقاضى نصيبه من
الربح ويقبض فإذا قبض سلم له ذلك
ولكنه يؤمر بتسليمه إلى رب المال
بحساب رأس المال لأنه ما لم يصل
رأس المال رب المال لا يسلم شيء
من الربح للمضارب ثم يقبض ثانيا
مثله فيسلمه إليه فلا يزال هكذا
حتى يقبض جميع المال فإنه إذا لم
يكن في المال فضل فلا حاجة
بالمضارب إلى تقاضي شيء منه إذ لا
نصيب له في المال فيؤمر أن يحيل
به رب المال على الغرماء كما يؤمر
به الوكيل وإن كان فيه فضل وهو في
مصره فأنفق في تقاضيه وخصومة
أصحابه وطعامه وركوبه نفقة لم
يرجع بها في مال المضاربة لأن هذا
كله بمنزلة تصرفه في المال وقد
بينا إنه ما دام يتصرف في مصره لا
يستوجب النفقة في مال المضاربة
ولأنه بما
ج / 22 ص -63-
صنع يحيى حصة من الربح فهو كبيعه العروض في مصره وإن كان الدين
غائبا عن مصر المضارب فأنفق في
سفره وتقاضيه ما لا بد له منه حسب
ذلك من مال المضاربة لأن سفره
وسعيه كان لأجل مال المضاربة
فتكون نفقته في المال كما لو سافر
للتصرف في المال وبهذا يتبين أن
المضارب إذا أنفق في السفر من مال
نفسه استوجب الرجوع به في مال
المضاربة لأنه قد لا يجد بدا من
ذلك بأن لا تصل يده إلى مال
المضاربة عند كل حاجة إلى نفقة
فلا يكون متبرعا فيما ينفق من مال
نفسه كالوصي يشتري لليتيم ويؤدي
الثمن من مال نفسه كان له أن يرجع
به في مال اليتيم إلا أن تزيد
نفقة المضارب على الدين فلا يرجع
بالزيادة على رب المال لأن نفقته
في مال المضاربة لا في ذمة رب
المال فلو استوجب الزيادة إنما
يستوجبها في ذمة رب المال ولأنه
إنما يستوجب النفقة لأن سعيه
لإصلاح مال المضاربة ولمنفعة رب
المال وهذا المعنى ينعدم في
الزيادة على المال.
وإذا سافر المضارب بمال المضاربة
فاشترى طعامه وكسوته واستأجر ما
يركب عليه من ماله ليرجع به في
مال المضاربة فلم يرجع به حتى توى
مال المضاربة لم يرجع على رب
المال بتلك النفقة لأن حقه كان في
المال لا في ذمة رب المال وبهلاك
المال فات محل حقه فيبطل حقه
كالعبد الجاني أو المديون إذا مات
ومال الزكاة إذا هلك لا تبقى
الزكاة واجبة بعد هلاك المال
وكذلك لو لم يكن نقد ماله في ذلك
فكان ثمن الطعام والكسوة وأجرة
الدابة دينا عليه لأنه التزمه
بمباشرة سبب الالتزام فلا يستوجب
شيئا من ذلك في ذمة رب المال وهذا
بخلاف ما إذا استأجر دابة ليحمل
عليها متاع المضاربة أو اشترى
طعاما للمضاربة فضاع المال قبل أن
ينفذ فإنه يرجع بذلك على رب المال
لأنه فيما يشتري للمضاربة عامل
لرب المال بأمره فعليه أن يخلصه
من عهدة عمله وذلك في رجوعه عليه
بالثمن في الأجرة فيما تعذر
إيفاؤه من المال الذي في يده فإما
فيما يشتري أو يستأجر لحاجة نفسه
هو عامل لنفسه وهو فيما هو عامل
لنفسه لا يستوجب الرجوع على رب
المال بما يلحقه من العهدة وإنما
كان يرجع في مال المضاربة لأن
سعيه لأجل مال المضاربة وهذا لا
يوجد في مال آخر لرب المال فلا
يستوجب الرجوع في ذلك بعد هلاك
مال المضاربة.
وإذا ادان المضارب مال المضاربة
في غير مصره وربح فيه فأراد أن
يتقاضاه وتكون نفقته منه وقال رب
المال بل أتقاضاه ولا أريد أن
تكون أنت المتقاضي فإن رب المال
يجبر على ترك التقاضي للمضارب
وتكون نفقته على المال لأن حق
المضارب ثابت في نصيبه من الربح
فلا بد من أن يتقاضى حصة من الربح
وإذا أخذ ذلك أخذه رب المال منه
بحساب رأس المال ثانيا أو ثالثا
فتبين أن المضارب متقاض لرب المال
وإن نفقته في المال فرب المال
فيما يسأل يقصد إسقاط حق المضارب
وهو لا يتمكن من ذلك وإن لم يكن
فيه فضل فقال المضارب أنا أتقاضاه
وتكون نفقتي منه حتى أقبضه وقال
رب المال أحلني به أجبر المضارب
على أن يحيل به رب المال لأنه لا
حصة للمضارب في المال هنا ولا حق
فهو
ج / 22 ص -64-
بمطالبته يريد أن يلزمه نفقة نفسه في مال غيره فلصاحب المال أن
يأبى ذلك ويتقاضى بنفسه وإذا
اشترى المضارب بمال المضاربة
متاعا وفيه فضل أولا فضل فيه
فأراد المضارب أن يمسكه حتى يجد
به ربحا كثيرا وأراد رب المال أن
يبيعه فإن كان لا فضل فيه أجبر
المضارب على أن يبيعه أو يعطيه رب
المال برأس ماله لأنه لا حق
للمضارب في المال في الحال فهو
يريد أن يحول بين رب المال وبين
ماله بحق موهوم عسى يحصل له وعسى
لا يحصل وفيه إضرار برب المال
والضرر مدفوع وإن كان فيه فضل
وكان رأس المال ألفا والمتاع
يساوي ألفين فالمضارب يجبر على
بيعه لأن في تأخيره حيلولة بين رب
المال وبين ماله وهو لم يرض بذلك
حين عاقده عقد المضاربة إلا أن
للمضارب هنا أن يعطي رب المال
ثلاثة أرباع المتاع برأس ماله
وحصته من الربح ويمسك ربع المتاع
وحصته من الربح وليس لرب المال أن
يأبى ذلك عليه لأن الربح حق
والإنسان لا يجبر على بيع ملك
نفسه لتحصيل مقصود شريكه وكما يجب
دفع الضرر عن رب المال يجب دفعه
عن المضارب في حصته والطريق الذي
يعتدل فيه النظر من الجانبين ما
ذكرنا.
وإذا دفع مالا مضاربة وأمر
المضارب أن يعمل في ذلك برأيه أو
لم يأمره فاستأجر المضارب ببعضه
أرضا بيضاء واشترى ببعضه طعاما
فزرعه في الأرض فهو جائز على
المضاربة بمنزلة التجارة لأن عمل
الزراعة من صنع التجار يقصدون به
تحصيل النماء وإليه أشار صاحب
الشرع صلى الله عليه وسلم
"الزارع يتاجر ربه وما كان من عمل التجار يملكه المضارب بمطلق العقد".
ولو استأجر أرضا بيضاء
على أن يغرس فيها شجرا أو أرطابا
فقال ذلك من المضاربة فهو جائز
والوضيعة على رب المال والربح على
ما اشترطا لأنه من صنيع التجار
يقصدون به استنماء المال ولو كان
دفع إليه مضاربة بالنصف وقال له
اعمل فيه برأيك فأخذ المضارب نخلا
وشجرا وأرطابا معاملة على أن ما
أخرج الله بعد من ذلك فنصفه لصاحب
النخل ونصف المضارب على المضارب
فعمل وأنفق مال المضاربة عليه فإن
ما خرج من ذلك بين صاحب النخل
والمضارب نصفين ولا يكون لرب
المال شيء من ذلك لأنه إنما استحق
النصف بعقد المعاملة وفي عقد
المعاملة العامل يؤاجر نفسه وصاحب
المال إنما فوض الأمر إلى رأيه في
المضاربة لأن منافع يده فيما
يستوجب بإقامته العمل بمنافعه
تكون له خاصة والنفقة التي أنفقها
من ماله خاصة وهو ضامن لما أنفق
من ذلك من مال المضاربة لأنه صرف
إلى حاجة نفسه على وجه لم يأذن له
رب المال فيه.
ولو كان المضارب أخذ من رجل أرضا
بيضاء على أن تزرعها طعاما فما
خرج منها فنصفه لصاحب الأرض ونصفه
على المضاربة فاشترى طعاما ببعض
المال فزرعه في الأرض ثم أنفق ما
بقي من المضاربة عليه حتى بلغ
فهذا جائز لأنه مستأجر الأرض بنصف
الخارج منها ولو استأجرها بدراهم
جازت المضاربة فكذلك إذا استأجرها
بنصف الخارج منها ولو استأجرها
بدراهم جاز على المضاربة لذلك
وتصرفه هنا في المال فإن استحقاقه
للخارج باعتبار
ج / 22 ص -65-
أنه بما بذره والبذر من مال المضاربة فلهذا كان نصف الخارج لصاحب
الأرض ونصفه يباع يستوفي رب المال
رأس ماله والباقي بينه وبين
المضارب على الشرط وإن لم يكن قال
له اعمل فيه برأيك فالمضارب ضامن
للمضاربة لأنه أشرك غيره في مال
المضاربة وقد بينا أن بمطلق العقد
لا يملك المضارب الإشراك وهو
بمنزلة دفعه بعض المال مضاربة إلى
غيره وإذا صار مخالفا بتصرفه ضمن
مال المضاربة وهو ملك المضمون به
فما خرج من الزرع بين المضارب ورب
المال نصفين على الشرط والله
أعلم.
باب
المرابحة في المضاربة
قال رضي
الله عنه: قد تقدم بيان بعض مسائل الباب في البيوع فمن ذلك أن ما أنفق
المضارب على نفسه في سفره لا
يلحقه برأس المال في بيع المرابحة
بخلاف ما أنفق على المتاع والرقيق
مما لا بد منه فإنه يلحقه ويقول
قام علي بكذا من غير أن يفسره
لوجود العادة بين التجار في إلحاق
النفقة على المتاع برأس المال دون
إلحاق ما أنفقوا على أنفسهم وفي
حق المشتري لا فرق بين أن يكون
المتصرف مضاربا أو مالكا فكما أن
المالك لا يلحق ما أنفقه على نفسه
برأس المال لأن منفعة ذلك لا ترجع
إلى المتاع خاصة فكذلك ما أنفقه
المضارب على نفسه وإن ألحق ما
أنفقه على نفسه برأس المال وباعه
مرابحة أو تولية على الجملة من
غير بيان فذلك جناية وقد بينا
أقاويلهم في الجناية في المرابحة
والتولية في البيوع وفي قول زفر
كقول محمد رحمهما الله.
ولو اشترى المضارب متاعا بألف
درهم ورقمه بألفي درهم ثم قال
للمشتري منه ابتعه مرابحة على
رقمه فإن بين للمشتري كم رقمه فهو
جائز لا بأس به لأنه صادق في
مقالته فرقمه ما أخبره ولم يخبره
أنه قام عليه بذلك وقد بينا في
البيوع رواية أبي يوسف في الفرق
بين ما إذا كان المشتري عالما
بعادة التجار أو غير عالم بذلك
وإن لم يعلم المشتري كم رقمه
فالبيع فاسد لجهله بمقدار الثمن
فإذا علم بالرقم كم هو فهو
بالخيار إن شاء أخذه وإن شاء تركه
لأنه إنما يكشف له الحال الآن
وخيار كشف الحال قد بيناه في
البيوع عند أبي حنيفة رحمه الله
فإن قبضه فباعه ثم علم ما رقمه
فرضي به فرضاه باطل وعليه قيمته
لأنه ملكه بالقبض بحكم عقد فاسد
فنفذ بيعه فيه وتقرر عليه ضمان
القيمة بإخراجه من ملكه فلا يتغير
ذلك بعلمه بالرقم ورضاه به لأن
إزالة المفسد إنما تصحح العقد إذا
كان المعقود عليه قائما في ملكه
والتولية في هذه كالمرابحة فإن
كان المضارب ولاه رجلا برقمه ولا
يعلم المشتري ما رقمه ثم باعه
المضارب بعد ذلك من آخر بيعا
صحيحا جاز إن لم يكن الأول قبضه
لأن البيع الأول كان فاسدا ولم
يملكه المشتري قبل القبض فصح
البيع الثاني من المضارب وانتقض
به البيع الأول ولذلك لو كان
الأول علم برقمه فسكت حتى باعه
المضارب من آخر بيعا صحيحا لأن
بمجرد علمه لا يصح البيع الأول ما
لم يرض به فإن رضي الأول بعد ما
علم ثم باعه المضارب من آخر بيعا
صحيحا فالبيع للثاني باطل لأن
البيع الأول قد تم برضا المشتري
به بعد علمه فصار
ج / 22 ص -66-
المبيع مملوكا للمشتري ولو كان الأول قبض المتاع من المضارب في
هذه الوجوه ثم باعه المضارب من
آخر كان بيعه الثاني باطلا لأن
الأول بالقبض صار مالكا فما لم
يسترده المضارب منه لا ينفذ بيعه
من غيره وإن علم الأول بالرقم
فنقض البيع لم يجز البيع الثاني
أيضا لأنه سبق عود الملك إليه فلا
ينفذ بعوده إليه من بعد كمن باع
مالا يملكه ثم ملكه.
ولو كان المضارب اشترى المتاع
بألف درهم ثم قال لرجل أبيعك هذا
المتاع مرابحة بربح مائة على ألفي
درهم ولم يسم رقما ولا غيره
فاشتراه برقمه ثم علم أن المضارب
كان اشتراه بألف درهم فالبيع لازم
بألفي درهم ومائة درهم ولا بأس
للمضارب بما صنع لأنه ما باعه
مرابحة على رأس ماله فيه بل باعه
مرابحة على ألفي درهم وإنما يكره
أن يتكلم بالكذب أو بما فيه شبهة
الكذب فأما إذا خلا كلامه عن ذلك
فلا بأس ببيعه وقد باعه بثمن مسمى
معلوم فيجوز وإن كان أسرف فيما
أنفق على الرقيق فإنما يضم إلى
رأس ماله من ذلك نفقة مثله فأما
الزيادة على ذلك كالتبضع منه فلا
يلحق برأس المال.
وإذا دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة
فاشترى بها جارية ثم باعها بألفين
واشترى بألفين جارية تساوي ألفي
درهم من الغريم لا بأس بأن يبيعها
مرابحة ولا يبين أن ثمنها كان
دينا بخلاف ما إذا صالحه على هذه
الجارية صلحا فإنه لا يبيعها
مرابحة حتى يبين لأن الشراء مبني
على الاستقصاء والصلح مبني على
التجاوز بدون الحق فعند ذلك لفظ
الصلح يمكن شبهة الحطيطة والشبهة
كالحقيقة في المنع من بيع
المرابحة لأنه مبني على الأمانة
ولو اشترى بألف المضاربة جارية
نسيئة سنة فهو جائز لأن في يده من
مال المضاربة مثل ثمنها فلا يكون
هذا استدانة على المضاربة والشراء
بالنسيئة من عادة التجار كالشراء
بالنقد ثم لا يبيعها مرابحة على
الألف ما لم يبين لما في الشراء
بالنسيئة من شبهة الزيادة على ثمن
المثل وقد بينا هذا في البيوع.
ولو اشترى ببعض الجارية ثيابا ثم
فتلها أو قصرها بأجر أو صبغها
بأجر فله أن يبيعها مرابحة على
الثمن والأجر لأن هذا مما جرى
الرسم به بين التجار في إلحاقه
برأس المال ولو مر على العاشر
فعشره لم يلحق ذلك برأس المال لأن
ذلك إما أن يكون زكاة فلا يلحقه
برأس المال وإما أن يكون غصبا فلا
بيع على ما غصب منه مرابحة ولو
اشترى المتاع بجميع المال ثم قصره
من ماله فهو متطوع لا يرجع به على
رب المال ولا ضمان عليه إن قال له
رب المال اعمل فيه برأيك أو لم
يقل لأن القصارة تزيل الدرن ولا
تزيد في العين شيئا من مال
المضاربة فلا يصير هو مخالفا بما
صنع لأنه زاد المتاع خيرا بما صنع
وهو متطوع في ذلك لأن رب المال لم
يرض برجوعه عليه بشيء في ذمته
فعمله ذلك في متاع المضاربة ومتاع
أجنبي آخر سواء وإذا باعه مساومة
أو مرابحة كان الثمن كله على
المضاربة وكذلك لو فتل الثوب أو
صبغه أسود من ماله فنقصه ذلك أو
لم يزد فيه وإن صبغه من ماله صبغا
يزيد فيه كالعصفر والزعفران وإن
كان رب المال أمره أن يعمل في ذلك
برأيه فلا ضمان عليه وإن كان
ج / 22 ص -67-
لم يأمره لذلك فهو ضامن للثياب لأنه خلط ماله بمال المضاربة
والصبغ مال متقوم للمضارب وقد
بينا أن المضارب بالخلط يصير
ضامنا إذ لم يقل له رب المال اعمل
فيه برأيك ثم إن لم يكن فيه فضل
على رأس المال فرب المال بالخيار
إن شاء أخذه برأس ماله وأعطى
المضارب ما زاد على الصبغ فيه يوم
يختصمون وإن شاء سلم له الثوب
وضمنه قيمته لأن الثوب كله لرب
المال والمضارب فيما صنع بمنزلة
من غصب ثوب إنسان وصبغه فإن لم
يختر شيئا حتى باعها المضارب
مساومة أو مرابحة جاز بيعه لبقاء
عقد المضاربة بينهما في الثوب بعد
الصبغ لأن المضارب في البيع
كالوكيل والوكالة بالبيع لا تبطل
بالخلاف من طريق الفعل وبرئ من
ضمانه لأنه عاد إلى الوفاق من بعد
تصرفه على المضاربة ويقسم الثمن
في المساومة على قيمة الثوب وقيمة
ما زاد الصبغ فيه فيكون حصة الصبغ
للمضارب ويستوفي رب المال رأس
ماله من حصة الثوب والباقي ربح
بينهما على الشرط لأن الصبغ عين
مال قائم في الثوب للمضارب وقد
تناوله البيع كالثوب فيقسم الثمن
عليهما بخلاف القصارة وإن كان
باعه مرابحة قسم الثمن على ما
اشترى به المضارب وعلى جر الصبغ
يوم صبغ لأن الثمن في بيع
المرابحة مبنى على الثمن الأول
فيقسم عليه وفي بيع المساومة
بمقابلة الملك فيقسم على قدر
الملك وإن كان صبغه أسود فكذلك
الجواب عندهما لأن السواد عندهما
زيادة كالحمرة وعند أبي حنيفة
السواد في الثوب نقصان فهو بمنزلة
الفتل والقصارة في أنه لا حصة
للمضارب من الثمن ولا ضمان عليه
لأنه لم يخلط مال المضاربة بمال
متقوم له.
وإذا اشترى المضارب المتاع بألف
المضاربة وقبضه ولم ينقد الثمن
حتى ضاعت فإنه يرجع على رب المال
بألف أخرى فينقدها إياه لأنه في
الشراء كان عاملا لرب المال بأمره
فيرجع عليه بما لحقه من العهدة
وهو في هذا كالوكيل إذا دفع إليه
الثمن قبل الشراء وهلك في يده بعد
الشراء فإنه يرجع على الموكل بعد
الشراء لأن الوكيل لا يرجع إلا
مرة واحدة فإن شراء الوكيل يوجب
الثمن عليه للبائع وله على الموكل
فإذا رجع على الموكل بعد الشراء
صار مقتضيا ما استوجبه دينا عليه
وصار مضمونا عليه بالقبض فإذا هلك
يهلك من ضمانه فأما المضارب إذا
رجع على رب المال فما يقبضه يكون
أمانة في يده لأنه من رأس المال.
ألا ترى أن عند القسمة يرد على رب
المال أولا جميع ما استوفى ثم
يقاسمه الربح؟.
ومن شرط المضاربة أن يكون رأس
المال أمانة في يد المضارب فإذا
هلك ثانيا كان هلاكه على رب المال
فيرجع عليه مرة بعد أخرى حتى يصل
الثمن إلى البائع ولا يبيع المتاع
مرابحة إلا على ألف درهم لأنه
اشتراه بألف وما هلك في يده من
رأس مال المضاربة فلا يلحقه برأس
المال فإذا باع المتاع أخذ رب
المال رأس ماله ألفي درهم لأنه
رجع ذلك إلى المضارب بسبب عقد
المضاربة فيكون جميع رأس ماله يرد
عليه ثم الباقي ربح بينهما.
وكذلك لوكان اشترى بألف جارية فلم
يقبضها حتى ادعى المضارب إنه قد
نقد البائع الثمن وجحد البائع ذلك
وحلف فإن المضارب يرجع على رب
المال بألف أخرى فيدفعها إلى
ج / 22 ص -68-
البائع ويأخذ الجارية فتكون على المضاربة لأن هذه عهدة لحقته في
عمل باشره لرب المال وإذا اقتسموا
المضاربة أخذ رب المال رأس ماله
ألفي درهم لما ذكرنا والمضارب في
هذا مخالف للوكيل فإن الوكيل
بالشراء لو قال دفعت الألف إلى
البائع وجحد البائع غرمها الوكيل
من ماله فيدفعها إلى البائع ويأخذ
منه الجارية فتسلم إلى الآمر لأن
الوكيل قد أقر إنه اقتضى دينه على
الموكل بما قضى به دين نفسه من
مال الموكل فيسلمها إلى الآمر
وإقرارهما ليس بحجة على البائع في
قضاء الثمن لأن ذلك دعوى منه عليه
ولكنه حجة عليه في الاقتضاء لأن
ذلك إقرار منه وبعد ما صار مقتضيا
لا يرجع على الموكل بشيء فأما
المضارب يدفع الثمن إلى البائع
يكون قاضيا لا مقتضيا لأنه لو صار
مقتضيا كان ضامنا ورأس المال
أمانة في يده فإذا لم تصح دعواه
في القضاء بجحود البائع بقي
المقبوض كالهالك في يده فيرجع على
رب المال بألف أخرى.
ألا ترى أن الوكيل لو لم يدفع
إليه الثمن حتى اشترى ثم قبض
الثمن فهلك في يده لم يرجع على
الموكل مرة أخرى والمضارب في مثله
يرجع على رب المال ثانيا حتى يدفع
الثمن إلى البائع ولو اشترى ثوبا
بعشرة دراهم من مال المضاربة ثم
باعه مرابحه فقال للمشتري أبيعك
هذا الثوب بربح الدرهم درهم
فالثمن عشرون درهما لأنه سمى
بمقابلة كل درهم من رأس المال
درهما ربحا والألف واللام للجنس
فيما يمكن استغراق الجنس فيه إذ
لا معهود له فيه ليحمل على
المعهود فهذا وقوله بربح كل درهم
درهما سواء وكذلك لو قال بربح كل
درهم اثنين فالثمن ثلاثون درهما
ولو قال بربح العشرة خمسة أو بربح
الدرهم نصف درهم كان الثمن خمسة
عشر لأنه سمي بمقابلة كل درهم من
رأس المال نصف درهم ربحا أو
بمقابلة جميع رأس المال خمسة ربحا
ولو قال أبيعك بربح العشرة خمسة
عشر فالقياس أن يكون بخمسة وعشرين
درهما لأنه ضم إلى رأس المال خمسة
عشر درهما ربحا ولكنا نستحسن أن
يكون البيع بخمسة عشر للعادة
الظاهرة بين التجار فإنهم يقولون
يده يا زده سود فروحب وإنما
يريدون به أن الخمسة ربح والعشرة
رأس مال.
وكذلك لو قال بربح العشرة أحد عشر
أو قال يده يازده فالربح درهم
واحد استحسانا لأن مطلق اللفظ
محمول على معاني كلام الناس وما
يتفاهمونه في مخاطباتهم وكذلك لو
قال بربح عشرة أحد عشر ونصف
فالربح درهم ونصف أو قال أحد عشر
ودانق فالربح درهم ودانق ولو قال
بربح العشرة عشرة وخمسة أو خمسة
وعشرة فالثمن خمسة وعشرون لأنه
عطف أحد العددين على الآخر في
تسمية الربح وضم العدد إلى رأس
ماله وليس بين التجار عادة في مثل
هذا اللفظ فيجب حمل اللفظ على
الحقيقة ويكون ربحه العددين
جميعا.
و إن كان الثوب انتقص عنده حتى
صار يساوي ثلاثة دراهم ثم باعه
بوضيعة الدرهم درهم كان الثمن
خمسة دراهم لأن بيع الوضيعة كبيع
المرابحة فكما أن هذا اللفظ في
بيع المرابحة
ج / 22 ص -69-
التضعيف على الثمن الأول فكذلك في بيع الوضيعة يوجب التنصيف ولو
كان بوضيعة الدرهم درهمين كان
الثمن عليه ثلاثة دراهم وثلثا لأن
هذا اللفظ في بيع المرابحة يوجب
أن يكون الربح ضعف رأس المال ففي
بيع الوضيعة نصف الثمن وإنما يكون
ذلك إذا كان النقصان من العشرة
ستة وثلاثين لأن في بيع المرابحة
هذا اللفظ يوجب أن يكون الربح مثل
نصف رأس المال ففي الوضيعة يوجب
أن يكون النقصان مثل نصف الباقي
في ذلك في أن يكون الباقي من
الثمن ستة وثلاثين والنقصان ثلاثة
وثلثا وكذلك لو قال بوضيعة العشرة
خمسة عشر اعتبارا للوضيعة
بالمرابحة.
ولو اشترى المضارب عبدا وقبضه ثم
باعه بجارية وقبضها ودفع العبد لم
يكن له أن يبيع الجارية مرابحة
على الثمن ولا تولية إلا من الذي
يملك العبد لأن بيع المرابحة
والتولية بيع بمثل الثمن الأول
وزيادة ربح مسمى في عقد المرابحة
والعبد لا مثل له من جنسه فلو
باعها مرابحة أو تولية من غير أن
يملك العبد لكان هذا بيعا بقيمة
العبد وطريق معرفة القيمة الحزر
والظن دون الحقيقة فأما ممن يملك
العبد إنما يبيعها على العبد
بعينه وهو قادر على تسليمه فإن
باعها تولية جاز وإن باعها مرابحة
بربح عشرة دراهم جاز ويأخذ العبد
عشرة دراهم وإن باعها مرابحة بربح
عشرة أحد عشر لم يجز لأن هذا
اللفظ يوجب أن يكون الربح من جنس
رأس المال ورأس المال لا مثل له
من جنسه ليضم إليه مقدار الربح من
جنسه بخلاف ما إذا كان اشتراها
بماله مثل من جنسه كالمكيل
والموزون فإن هناك يبيعها مرابحة
ممن شاء فسواء سمي مقدارا معلوما
من الربح أو قال بربح عشرة أحد
عشر لأنه لما اشترى بماله مثل من
جنسه فهو والمشتري بالنقد سواء.
ولو كان الذي اشترى العبد باعه من
رجل آخر أو وهبه وسلمه ثم باعه
المضارب الجارية مرابحة أو تولية
كان باطلا لأنه لم يبق العبد في
ملكه فهو في هذا الشراء كأجنبي
آخر ولو باع المضارب الجارية من
الموهوب له بالغلام مرابحة أو
تولية جاز ذلك لأن عين الغلام في
ملكه وهو قادر على تسليمه فهو
بمنزلة الواهب في المسألة الأولى
ولو باع المضارب الجارية من رجل
لا يملك العبد بربح عشرة دراهم
على رأس المال فأجاز رب العبد
البيع جاز لأنه بإجازة رب العبد
قدر المشتري على التسليم للعبد
فنزل في ذلك منزلة المالك للعبد
فإن بملكه كان يقدر على التسليم
وقد قدر على ذلك بإجازة رب العبد
والمانع من جواز هذا العقد عجزه
عن تسليم العبد ثم الجارية تكون
للمشتري من المضارب ويأخذ المضارب
الغلام ويأخذ من المشتري منه
الجارية عشرة دراهم ويرجع مولى
الغلام على المشتري بقيمة الغلام
لأن المشتري للجارية عامل لنفسه
في شرائها فنفذ الشراء عليه ولم
يتوقف على إجازة رب الغلام ولكنه
استقرض منه الغلام ليدفعه في
ثمنها وهو بالإجازة صار مقرضا منه
واستقراض الحيوان وإن كان فاسدا
لكنه مضمون بالقيمة عند تعذر رد
العين وقد تعذر رد الغلام بخروجه
عن ملك المستقرض وصيرورته على
المضاربة
ج / 22 ص -70-
ولو كان في يد المضارب جارية من المضاربة فباعها بغلام وتقابضا ثم
إن المضارب باع الغلام من صاحب
الجارية بربح العشرة أحد عشر كان
البيع فاسدا لأن موجب هذا اللفظ
أن يكون الربح من جنس رأس المال
وليس للجارية مثل من جنسها ولو
باع الغلام من رب الجارية بوضيعة
العشرة أحد عشر كان البيع جائزا
ويعطيه المشتري من الجارية عشرة
أجزاء من أحد عشر جزءا لأن موجب
هذا اللفظ في الوضيعة نقصان جزء
من أحد عشر جزءا من ثمن الأول وقد
بينا ذلك في البيوع فيما إذا كان
الثمن عشرة دراهم فكذلك هنا يصير
في التقدير كأنه باع الغلام من رب
الجارية بعشرة أجزاء من أحد عشر
جزءا من الجارية ولو قال أبيعك
هذا الغلام بربح عشرة دراهم كان
جائزا ويأخذ الجارية وعشرة دراهم
لأن ما سماه ربحا وضمه إلى
الجارية دراهم معلومة.
ولو قال: أبيعك
بوضيعة عشرة دراهم من رأس المال
كان البيع باطلا لأن موجب لفظ
الوضيعة النقصان وإنما ينقص من
ثمن الجارية مقدار عشرة دراهم
منها وذلك لا يعرف إلا بالتقويم
والبيع بالوضيعة كالبيع مرابحة في
أنه إذا وقعت الجارية إلى التقويم
كان باطلا لأن طريق معرفة القيمة
الحزر والظن.
يوضحه: أنه يصير
في التقدير كأنه قال بعتك هذا
الغلام بهذه الجارية إلا مقدار
عشرة دراهم منها وذلك باطل.
وإن كانت المضاربة بألف درهم بخية
فاشترى بها عبدا ثم باعه بالكوفة
مرابحة بربح مائة درهم فعلى
المشترى ألف درهم بخية ومائة درهم
غلة نقد الكوفة ولو قال أبيعك
بربح عشرة أحد عشر كان الثمن
والربح كله بخية لأن موجب هذا
اللفظ أن يكون الربح من جنس ثمن
الأول بصفته ليكون الربح جزءا من
أحد عشر جزءا من جميع الثمن
الثاني واللفظ الأول لا يوجب ذلك
وإنما يوجب أن يكون الربح مائة
درهم كما سمي فيه وتسمية مائة
درهم في البيع مطلقا ينصرف إلى
غلة الكوفة.
ألا ترى أنه لو قال أبيعك بربح
دينار كان الثمن ألف درهم بخية
ودينارا من نقد الكوفة ولو كان
باعه بوضيعة مائة درهم أو بوضيعة
عشرة أحد عشر كانت الوضيعة من
البخية لأن الوضيعة لا تكون أبدا
إلا من الثمن الأول فإن طرح بعض
الثمن الأول بأي لفظ ذكره لا بد
أن يكون المطروح جزءا من الثمن
الأول والربح ليس من الثمن الأول
فلهذا افترقا.
وإذا دفع مالا مضاربة إلى رجل
فاشترى به جارية وقبضها وباعها
بغلام وتقابضا فزادت الجارية في
يد المشتري أو ولدت ثم باع
المضارب الغلام من رب الجارية
بربح مائة درهم وهو لا يعلم
بالولادة فإن كانت الزيادة في
البدن أخذ الجارية ومائة درهم لأن
الزيادة المنفصلة لا تعتبر في
عقود المعاوضات.
ألا ترى أنه لو وجد بالجارية عيبا
ردها مع الزيادة المنفصلة فكان
وجود هذه الزيادة كعدمها وإن كانت
ولدت فإن شاء المضارب أخذ الجارية
ومائة درهم وإن شاء نقض البيع ولا
سبيل له على الولد لأنه إنما باع
الغلام بالجارية والولد منفصل
عنها عند هذا العقد فلا يدخل
ج / 22 ص -71-
في البيع ولكن إن كانت الولادة نقصت الجارية فلا إشكال في ثبوت
الخيار للمضارب لأنه وجدها معيبة
ولم يكن عالما بعيبها وإن لم يلف
فيها نقصان الولادة فعلى رواية
هذا الكتاب الجواب كذلك فإن
الولادة في هذه الجارية على رواية
هذا الكتاب عيب لازم أبدا بخلاف
رواية كتاب البيوع وقد بينا وجه
لروايتين ثمة والتولية في هذا
كالمرابحة ومقصود بيان الفرق بين
هذا وبين الرد بالعيب أنه فسخ
للعقد الأول فلو جاز بقي الولد
ربحا للمشتري بغير عوض وهو الربا
بعينه فأما التولية أو المرابحة
فلا توجب فسخ العقد الأول فيمكن
تصحيح ذلك في الجارية مع سلامة
الولد للمشتري.
وإن كانت المضاربة ألف درهم
فاشترى بها جارية وباعها بألف
وخمسمائة ثم اشتراها بألف باعها
مرابحة على ألف درهم عند أبي يوسف
ومحمد رحمهما الله وعند أبي حنيفة
رحمه الله على خمسمائة وقد بينا
هذا في البيوع أن من أصل أبي
حنيفة ضم أحد العقدين إلى الآخر
واعتبار الحاصل مما بقي من ضمانه
فإنما يبيعه مرابحة على ذلك وذلك
خمسمائة هنا ولو كان باعها بألف
درهم وكر حنطة وسط أو بألف درهم
ودينار ثم اشتراها بألف لم يبعها
مرابحة عند أبي حنيفة لأنه إنما
يبيعها مرابحة على حاصل ما بقي في
ضمانه ولا يعرف ذلك إلا بالحزر
والظن لأنه غرم فيها مرتين ألف
درهم ورجع إليه ألف وكر حنطة أو
ألف دينار فلا بد من طرح ذلك من
الألفين وطرح الحنطة والدينار من
الدراهم يكون باعتبار القيمة
وطريق معرفتها الحزر والظن.
ولو كان باعها بمائة دينار
وقيمتها أكثر من ألف درهم ثم
اشتراها بألف درهم لم يبعها
مرابحة في قياس قول أبي حنيفة لأن
الدراهم والدنانير في الصورة
جنسان وفي المعنى كجنس واحد ألا
ترى أن في شراء ما باع بأقل مما
باع قبل نقد الثمن جعل الدراهم
والدنانير كجنس واحد للاحتياط وفي
بيع المرابحة كذلك وإذا كانا كجنس
واحد فلا بد من طرح مائة دينار من
الألفين التي غرمها في ثمنها
مرتين ولا طريق لذلك إلا باعتبار
القيمة فلهذا لا يبيعها مرابحة
عنده ولو كان المضارب باع الجارية
بشيء من المكيل أو الموزون أو
بعرض قيمته أكثر من ألف درهم ثم
اشتراها بألف درهم فله أن يبيعها
مرابحة على الألف لأن ما عاد إليه
ليس من جنس ما غرم فيها حقيقة
وحكما وضم بعض العقود إلى البعض
كما لا يكون عند اختلاف جنس
النقود بأن يكون أحد العقدين هبة
فكذلك لا يكون عند اختلاف الجنس
فيما غرم فيه وفيما عاد إليه وهذا
بمنزلة شراء ما باع بأقل مما باع
قبل نقد الثمن فإنه لو اشتراه بكر
حنطة قيمته أقل مما باعه به قبل
قبض الثمن كان جائزا بخلاف النقود
فهذا مثله والله أعلم.
باب
المضارب يبيع المال ثم يشتريه
لنفسه بأقل من ذلك
قال رضي
الله عنه: قد بينا في البيوع أن من باع أو بيع له فليس له أن يشتري المبيع
بأقل من الثمن الأول قبل قبض
الثمن إذا لم يتعيب المبيع عند
المشتري فعلى ذلك الأصل بني الباب
قال إذا اشترى المضارب بألف
المضاربة جارية وقبضها ثم باعها
بألف درهم فلم ينقد
ج / 22 ص -72-
ثمنها حتى اشتراها لنفسه بخمسمائة لم يجز لأنه هو البائع لها
والبائع لغيره كالبائع لنفسه في
حق قبض الثمن فكذلك في المنع من
الشراء بأقل قبل قبض الثمن وكذلك
لو اشتراها رب المال لنفسه
بخمسمائة لم يجز لأن المضارب
باعها له.
ألا ترى إنه يرجع عليه مما لحقه
من العهدة فكأنه باعها بنفسه
وكذلك لو كانت قيمتها ألفي درهم
يوم اشتراها المضارب وإنما أورد
هذا لأن المضارب في مقدار حصته من
الربح ببيعها لنفسه لا لرب المال
فكان ينبغي أن يصح شراء رب المال
في ذلك الربح لأنه ما باعه ولا
بيع له ولكنه قال حق المضارب تبع
لحق رب المال لا يظهر قبل وصول
رأس المال إلى رب المال فبيعه في
جميعها كان لرب المال حكما.
ألا ترى إنه لو استوفى من المشتري
ألفا من الثمن وتوى عليه ألف كان
المقبوض كله لرب المال من رأس
ماله فبه تبين أن بيعه في جميعها
وقع لرب المال.
وكذلك لو كان المضارب باعها
بألفين وقبض الثمن إلا درهما ثم
اشتراها المضارب لنفسه أو اشتراها
رب المال لنفسه بأقل من الثمن
الأول لم يجز لأن المنع من الشراء
بأقل من الثمن الأول حكم ثبت لعدم
قبض الثمن فيبقى ما بقي شيء من
الثمن غير مقبوض كحق الحبس للبائع
في المبيع .
وكذلك لو اشتراها أحدهما بدنانير
قيمتها أقل من الثمن الأول لأن
الدراهم والدنانير في هذا الحكم
كجنس واحد استحسانا وقد بيناه في
البيوع وكذلك لو اشتراها بن
أحدهما أو أبوه أو عبده أو مكاتبه
في قول أبي حنيفة رحمه الله وفي
قولهما شراء هؤلاء جائز إلا
المكاتب والعبد وقد بينا هذا في
البيوع.
ولو وكل المضارب ابنه بشرائها أو
بن رب المال لم يجز الشراء في قول
أبي حنيفة للوكيل وللموكل لأن هذا
الوكيل لا يملك شراءها لنفسه بهذا
الثمن فلا يملك شراءها لغيره أيضا
كالمسلم في الخمر بخلاف ما إذا
وكل أجنبيا فإن الأجنبي يملك
شراءها لنفسه بأقل من الثمن الأول
فيصح منه شراؤها للمضارب أيضا
بناء على أصل أبي حنيفة في المسلم
يوكل ذميا بشراء الخمر والخنزير
وقد بينا في البيوع الفرق بين
شراء الوكيل للبائع وبين شراء بن
الآمر لنفسه على أصل أبي حنيفة
رحمه الله.
ولو وكل المضارب رب المال أن
يشتريها له أو وكل رب المال
المضارب بذلك لم يجز لأن كل واحد
منهما لا يملك شراءها لنفسه وإذا
دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة على
أن يشتري بها من الهروي خاصة
والربح بينهما نصفان وما يشتري
بها من النسائي فالربح كله لرب
المال وما يشتري بها من الزطي
فالربح كله للمضارب فهو على ما
سمي لأنه فوض إلى رأيه ثلاثة
أنواع من العمل أما العمل على
طريق المضاربة أو على سبيل
البضاعة أو على سبيل القرض لنفسه
وكل ذلك معلوم عند مباشرته العمل
والجهالة عند العقد لا تفضي إلى
تمكن المنازعة بينهما فيصح فإن
كان اشترى الهروي فهو على
المضاربة كما اشترطا وإن كان
ج / 22 ص -73-
اشترى بها النسائي فهو بضاعة في يده والربح لرب المال والوضيعة
عليه فإن كان اشترى بها الزطية
فالمال قرض عليه والربح له
والوضيعة عليه.
وإذا اشترى المضارب بمال المضاربة
جاريتين تساوي كل واحدة منهما ألف
درهم ثم باع إحداهما بألف والأخرى
بألفين وقبضهما المشتري ثم لقيه
المضارب وقال زدني في ثمنها فزاده
مائة درهم وقبضها المضارب ثم وجد
المشتري بأحدهما عيبا ردها بثمنها
ونصف المائة لأن الزيادة أضيفت
إليهما والتزمها المشتري بمقابلها
فيتوزع على قيمتهما كأصل الثمن
إذا سمي بمقابلهما جملة وقيمتهما
سواء فانقسمت الزيادة عليهما
نصفين ولو كان المشتري طعن فيهما
بعيب فصالحه المضارب على أن حط من
الثمن مائة درهم ثم وجد المشتري
بعد ذلك بالذي اشتراها بألف درهم
عيبا ردها بألف غير ثلاثة وثلاثين
وثلث لأنه حط المائة من الثمنين
فيقسم على قدر الثمنين ثلثاه من
ثمن التي باعها بألفين وثلثه من
ثمن التي باعها بألف وثلث المائة
ثلاثة وثلاثون وثلث فلهذا ينتقص
من ثمنها وهو ألف هذا المقدار
وهذا لما قدمنا في الباب الأول إن
الحط من الثمن والزيادة ليست من
الثمن إنما هي مال التزمه المشتري
بمقابلة الجاريتين فهو كالمال
الذي اشترى به الجاريتين.
ولو كان المضارب اشترى الجاريتين
من المشتري بربح مائة درهم على ما
باعهما به ثم وجد بإحداهما عيبا
ردها بثمنها وحصتها من الربح إذا
قسمت على الثمنين لما بينا أن
الثمن في بيع المرابحة مبني على
الثمن الأول أصله وربحه ولو كان
المشتري اشترى إحدى الجاريتين
بألف والأخرى بألفين ثم أراد أن
يبيعهما مرابحة على ثلاثة آلاف
درهم فله ذلك لأن حاصل ما غرم في
ثمنهما ثلاثة آلاف درهم وإن باع
كل واحدة منهما على حدة مرابحة
على ثمنها جاز عند أبي حنيفة وأبي
يوسف وقد بينا هذا في البيوع فإن
زاد في ثمنهما مائة درهم وأراد أن
يبيعهما مرابحة باعهما جميعا على
ثلاثة آلاف درهم ومائة درهم لأنه
تيقن بمقدار ما غرم في ثمنهما
فيبيعهما على ذلك مرابحة وإن أراد
أن يبيع إحداهما مرابحة على حدة
لم يكن له ذلك لأن المائة الزائدة
إنما تقسم على قيمتها وطريقة
معرفة القيمة الحزر والظن وذلك
يمنعه من بيع المرابحة كما لو كان
اشتراهما بثمن واحد له أن يبيعهما
جميعا مرابحة على الثمن وليس له
بيع إحداهما مرابحة على حصتها من
الثمن والله أعلم
باب
عمل رب المال مع المضارب
قال رضي
الله عنه: وإذا وقعت المضاربة على أن يعمل رب المال مع المضارب فالمضاربة
فاسدة لأن من شرط صحتها التخلية
بين المضارب وبين رب المال وهذا
الشرط بعدم التخلية وإنما قلنا
ذلك لأن من حكم المضاربة أن يكون
رأس المال أمانة في يد المضارب
ولا يتحقق ذلك إلا بأن يخلي رب
المال بينه وبين المال كالوديعة
وإذا اشترط عمل نفسه معه تنعدم
هذه التخلية لأن المال في أيديهما
يعملان فيه.
يوضحه أن
المضاربة فارقت الشركة في الاسم
فينبغي أن تفارقها في الحكم وشرط
ج / 22 ص -74-
العمل عليهما من حكم الشركة فلو جوزنا ذلك في المضاربة لاستوت
المضاربة والشركة في العمل وشرط
الربح فلا يبقي لاختصاص المضاربة
بهذا الاسم فائدة.
وإذا أخرج الرجل من ماله ألف درهم
وقال لرجل اعمل بهذه مضاربة فاشتر
بها وبع على أن ما رزق الله تعالى
في ذلك من شيء فهو بيننا نصفان
ولم يدفع إليه المال مضاربة
فالمضاربة فاسدة لأن المال غير
مدفوع إلى المضارب وقد بينا أن من
شرط المضاربة دفع المال إلى
المضارب ليكون أمانة في يده فبقي
هذا استئجارا على البيع والشراء
بأجرة مجهولة فإذا تصرف كان الربح
كله لرب المال والوضيعة عليه
وللعامل أجر مثله فيما عمل.
ولو دفع المال إليه على أن يعمل
به المضارب وعبد رب المال على أن
لرب المال نصف الربح وللمضارب
والعبد نصف الربح فهذه مضاربة
جائزة والربح على ما اشترطا سواء
كان على العبد دين أو لم يكن لأن
عبد رب المال في حكم المضاربة
كعبد أجنبي آخر ألا ترى إن لرب
المال أن يدفع ماله إليه مضاربة
فما هو شرط للمضاربة يوجد مع
اشتراط عمل رب المال وهو التخلية
بين المضارب والمال بخلاف شرط عمل
رب المال فإنه لا يدفع المال إلى
نفسه مضاربة وهذا لأن للعبد يدا
معتبرة في كسبه وليست يده بيد رب
المال فيتحقق خروج المال من يد رب
المال مع اشتراط عمل عبده وإذا
ثبت هذا في عبده فهو في مكاتبه
وابنه وأبيه أظهر.
ولو اشترط أن يعمل معه شريك مفاوض
لرب المال فالمضاربة فاسدة لأن
المفاوضين فيما بينهما من المال
كشخص واحد فكل واحد منهما إنما
يستحق الربح الحاصل بعمل المضارب
بملكه رأس المال فاشتراط عمل
شريكه كاشتراط عمل نفسه لأن بهذا
الشرط تبقى المرابحة لمالك المال
مع المضارب في اليد فتنعدم به
التخلية وإن كان شركة عنان فإن
كان المال من شركتهما فالمضاربة
فاسدة لأن كل واحد منهما يستحق
الربح بملكه بعض رأس المال وإن لم
يكن من شركتهما فهي مضاربة جائزة
لأن ما ليس من شركتهما ينزل كل
واحد منهما من صاحبه منزلة
الأجنبي.
ألا ترى أن لأحدهما أن يدفع إلى
صاحبه مالا من غير شركتهما مضاربة
وإذا دفع الرجل مال ابنه الصغير
مضاربة إلى رجل على أن يعمل معه
الأب بالمال على أن للمضارب ثلث
الربح وللابن ثلثه وللأب ثلثه جاز
على ما اشترطا وكذلك الوصي لأن
الأب أو الوصي لو أخذ مال الصبي
مضاربة ليعمل فيه بنصف الربح جاز
كما لو دفعه إلى أجنبي مضاربة وكل
مال يجوز أن يكون الإنسان فيه
مضاربا وحده يجوز أن يكون مضاربا
فيه مع غيره وهذا لأنهما يستحقان
الربح بالعمل لا بملك المال فكانا
في ذلك كأجنبي آخر وما هو شرط
المضاربة وهو كون المال أمانة في
يد المضارب لا ينعدم بهذا لأن
يدهما بعد هذا الشرط يد المضارب
على المال كيد المضارب الآخر.
ولو كان الأب اشترط عمل الابن مع
مضارب كانت المضاربة فاسدة لأن
الابن لا يجوز
ج / 22 ص -75-
أن يكون مضاربا بالعمل في مال نفسه ولأنه يستحق الربح بملك المال
سواء كان الدافع هو أو أباه أو
وصيه ولو كان الدافع هو بعد بلوغه
وأباه أو وصيه وشرط عمل نفسه مع
المضارب بطلت المضاربة فكذلك أبوه
أو وصيه ثم أجر مثل المضارب في
عمله على الأب أو الوصي يؤديان
ذلك من مال الابن لأنه أجير في
العمل فإنما يطالب بالأجر من
استأجره والأب استأجره للعمل
للابن فيؤدي أجره من مال الابن.
وإذا دفع إلى رجل مالا مضاربة
بالنصف فرده المضارب على رب المال
وأمره أن يشتري به ويبيع على
المضاربة ففعل رب المال ذلك فربح
ولم يل المضارب شيئا من العمل
فهذه مضاربة جائزة لأن رب المال
معين للمضارب في إقامة العمل
والمال في يده على سبيل البضاعة
في حق المضارب ولو أبضعه غيره كان
الربح بينهما على الشرط فكذلك إذا
أبضعه رب المال وعلى قول زفر رحمه
الله رده المال على رب المال نقض
منه للمضاربة لأن رأس المال في
المضاربة من جانب العامل عمله ورب
المال لا يجوز أن يكون عاملا في
مال نفسه لغيره فكان ذلك بمنزلة
نقض المضاربة ولكنا نقول منافع رب
المال لم يتناولها عقد المضاربة
كمنافع أجنبي آخر فكما يجوز إقامة
عمل أجنبي آخر مقام عمل المضارب
ما استعان به بعد فكذلك تجوز
إقامة عمل رب المال من منزل
المضارب بغير أمره فاشترى به وباع
وربح فقد انتقضت المضاربة والربح
كله لرب المال لأن عمله هنا لا
يمكن أن يجعل كعمل المضارب فإنه
ما استعان به.
ألا ترى إنه لو فعل ذلك أجنبي آخر
كان غاصبا عاملا لنفسه ضامنا لرب
المال فإذا فعل رب المال ذلك كان
عاملا لنفسه أيضا فانتقضت
المضاربة لفوات العمل حقيقة وحكما
بخلاف الأول على ما بينا.
وإذا دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة
بالنصف فاشترى بها المضارب جارية
وقبضها وأخذها رب المال وباعها
بغير أمر المضارب فربح فيها جاز
بيعه والربح على ما اشترطا ولا
يكون بيعه الجارية نقضا للمضاربة
أما جواز البيع فلأنه مالك
للجارية قادر على تسليمها ثم قد
بينا إنه بعد ما صار المال عروضا
لا يملك رب المال نقض المضاربة
ومنع المضارب من التصرف فلا يكون
بيعه نقضا للمضاربة أيضا بل يكون
نظرا منه للمضارب ولنفسه فربما
يخاف أن يفوته هذا المشتري لو
انتظر حضور المضارب فأعانه في
بيعها بخلاف الأول فإن المال ما
دام نقدا في يده فهو متمكن من نقض
المضاربة فيجعل إقدامه على الشراء
نقضا للمضاربة يوضح الفرق إن
استحقاق المضارب الربح باعتبار
ضمانه الثمن بالشراء في ذمته فإن
ربح ما لم يضمن منهي عنه ولهذا لم
تجز المضاربة بالعروض فإذا كان
المضارب هو المشتري فقد تأكد به
سبب استحقاقه لحصة من الربح إذا
ظهر فلا يبطل ذلك بيع رب المال
الجارية فأما قبل الشراء فلم
يتأكد سبب ثبوت الحق للمضارب في
الربح إذا ظهر فلا يثبت ذلك بشراء
رب المال
ج / 22 ص -76-
قال:باع
رب المال الجارية بألفي درهم ثم
اشترى بألفين جارية أخرى فباعها
بأربعة آلاف درهم ضمن رب المال
للمضارب خمسمائة درهم حصته من
الربح على الجارية الأولى ولا حق
له في ثمن الجارية الأخيرة لأن
ببيع الجارية الأولى صار المال
نقدا في يد رب المال فهو بمنزلة
ما لو كان نقدا قبل شراء المضارب
الجارية بالمال وقد بينا هناك أن
عمل رب المال في المال يكون لنفسه
ويكون نقضا للمضاربة إذا عمل بغير
أمر المضارب فهنا أيضا شراء
الجارية الأخيرة بغير أمره لنفسه
وقد نقد ثمنها حصة المضارب من
الربح وهو خمسمائة فيضمن له ذلك
القدر وثمن الجارية الأخيرة كلها
له لأنه عمل لنفسه في ماله في
شرائها وبيعها.
ولو كان المضارب دفع الجارية إلى
رب المال وأمره أن يبيعها ويشتري
بثمنها ويبيع على المضاربة جاز ما
صنع على المضاربة وما ضاع في يد
رب المال من ذلك ضاع من الربح
لأنه فيه بمنزلة أجنبي آخر استعان
به المضارب في العمل فكما أن
الأجنبي إذا استعان به المضارب
يكون أمينا في المال وما يهلك في
يده يجعل كالمالك في يد المضارب
فكذلك رب المال ولو كان رب المال
أخذ الجارية بغير أمر المضارب
فباعها بغلام أو عرض أو شيء من
المكيل والموزون يساوي ألف درهم
وقبضها وباعها بأربعة آلاف درهم
فذلك كله على المضارب لأن رب
المال لا يتمكن من نقض المضاربة
ما دام المال عروضا.
ألا ترى أنه لو نهى المضارب عن
التصرف لا يعمل نهيه وإن حوله
المضارب من عرض إلى عرض لم يصر
المال نقدا فكذلك لا تنتقض
المضاربة بتحويل رب المال من عرض
إلى عرض بغير أمر المضارب ولكنه
فيما يباشر من التصرف بمنزلة
الأجنبي يعقد للمضارب فجميع ما
يحصل يكون على المضاربة .
ولو كان رب المال باع الجارية
الأولى بمائتي دينار ثم اشترى بها
جارية أخرى كان هذا بمنزلة بيعه
لها بالدراهم والجارية الأخرى له
دون المضارب لأن الدراهم
والدنانير في حكم المضاربة كجنس
واحد.
ألا ترى أنه بعد ما نهى المضارب
عن التصرف لو صار المال في يده
دنانير عمل نهى رب المال حتى لا
يملك أن يشتري بها عرضا بمنزلة ما
لو صار المال في يده دراهم فكذلك
هنا لما صار المال في يد رب المال
دنانير انتقضت المضاربة بمنزلة ما
لو صار دراهم فكان هو في شراء
الجارية الأخيرة عاملا لنفسه
والذي قلنا إن تأكيد السبب في حق
المضارب بضمان الثمن بالشراء وذلك
ينعدم في شراء رب المال بالدنانير
كما ينعدم في شرائه بالدراهم
بخلاف العروض وفي بيع المقابضة
واحد من المتعاقدين لا يلتزم إلا
تسليم العين التي من جهته سواء
كان المضارب هو المباشر لهذا
العقد أو رب المال فالتزام تسليم
العين يكون بصفة واحدة فلهذا كان
العرض المشتري بمقابلة العرض على
المضارب.
ولو لم يشتر بالدنانير جارية
ولكنه اشترى بها ثلاثة آلاف درهم
كانت على المضاربة يستوفي رب
المال منها رأس ماله والباقي
بينهما على الشرط لأنه في هذا
التصرف خاصة معين للمضارب.
ج / 22 ص -77-
ألا ترى أنه بعد ما نهاه عن التصرف أو مات رب المال وبطلت
المضاربة بموته يملك المضارب هذا
التصرف ليحصل به جنس رأس المال
فكذلك رب المال يكون معينا
للمضارب في هذا التصرف والحاصل أن
كل تصرف صار مستحقا للمضارب على
وجه لا يملك رب المال منعه منه
فرب المال في ذلك يكون معينا له
سواء باشره بأمره أو بغير أمره
وكل تصرف يتمكن رب المال أن يمنع
المضارب منه فهو في ذلك التصرف
بغير أمر المضارب عامل لنفسه إلا
أن يكون بأمر المضارب فحينئذ يكون
معينا له.
وإذا دفع العبد المأذون إلى رجل
مالا مضاربة فهو جائز لأن هذا من
صنيع التجار وهو منفك الحجر عنه
فيما هو من صنيع التجار فإن اشترط
أن يعمل مولاه معه على أن للعبد
نصف الربح وللمضارب ربعه وللمولي
ربعه ولا دين على العبد فالمضاربة
فاسدة لأن المولي يستحق الربح هنا
بملك المال فلا يجوز اشتراط عمله
فيه وإن كان الدافع عبده ولأنه لا
يجوز أن يكون هو مضاربا لعبده في
عمله في المال هنا لو دفعه إليه
وحده فلهذا كان اشتراط عمله مفسدا
للعقد وإن كان عليه دين جاز على
ما اشترطوا لأن عند أبي حنيفة
رحمه الله المولي لا يملك كسب
عبده المديون فهو إنما يستحق
الربح بعمله هنا لا بملك المال
كأجنبي آخر وعندهما وإن كان هو
يملك كسب عبده إلا أن حق الغرماء
في كسبه مقدم على حق المولي ويجوز
أن يكون المولي مضاربا وحده في
هذا المال لاعتبار حق الغرماء
فكذلك يجوز اشتراط عمله مع
المضارب ويكونان كالمضاربين في
هذا المال.
ولو كان العبد اشترط عمل نفسه مع
المضارب ولا دين عليه فالمضاربة
فاسدة لأن العبد متصرف لنفسه بحكم
انفكاك الحجر عنه فهو كالمالك في
هذا المال ويده فيه يد نفسه
فاشتراط عمله بعد التخلية بين
المضارب والمال فلهذا فسدت
المضاربة وللمضارب أجر مثل عمله
على العبد لأنه هو الذي استأجره
للعمل ولو كان الدافع مكاتبا
واشترط أن يعمل مولاه مع المضارب
جاز لأن المولي من كسب مكاتبه
أبعد منه من كسب العبد المديون
وهو يجوز أن يكون مضاربا في هذا
المال وحده فكذلك مع غيره فإن عجز
قبل العمل ولا دين عليه فسدت
المضاربة لأن المال صار مملوكا
للمولي وصار بحيث يستحق ربحه
بملكه المال وقد بينا أن الفساد
الطارئ بعد العقد قبل حصول
المقصود به كالمقترن بالعقد فلهذا
فسدت المضاربة فإن اشتريا بعد ذلك
وباعا وربحا فالربح كله لرب المال
والأجر للمضارب في عمله لأن رب
المال لم يستأجره للعمل والمكاتب
بالعجز صار عبدا محجورا عليه
واستئجار العبد المحجور عليه غيره
للعمل في مال مولاه باطل واستئجار
المكاتب لو كان صحيحا في حال
الكتابة يبطل بعجزه فكيف يثبت حكم
الاستئجار بعد عجزه موجبا للأجر
عليه.
ولو كانا اشتريا بالمال جارية ثم
عجز المكاتب فباعا الجارية بغلام
ثم باعا الغلام بأربعة آلاف درهم
فإن المولي يستوفي منها رأس ماله
وما بقي فهو بينهما على ما اشترطا
لأن عجز المكاتب هنا بمنزلة موته
أو بمنزلة موت الحر والموت لا
يبطل المضاربة ما دام المال
ج / 22 ص -78-
عروضا وإنما يبطل إذا صار المال نقدا فهنا كذلك ولو دفع مالا إلى
رجل مضاربة بالنصف وأمره أن يعمل
فيه برأيه فدفعه المضارب إلى رجل
آخر مضاربة على أن يعمل المضارب
الأول معه وللمضارب الآخر ربع
الربح وللأول ربعه ولرب المال
نصفه فالمضاربة فاسدة لأن المضارب
الأول في عمله في المال بمنزلة
المالك فاشتراط عمله يعدم التخلية
بين المال وبين المضارب الآخر
وذلك شرط صحة المضاربة الثانية
والدليل عليه أن المضارب لا يعاقد
نفسه في هذا المال عقد المضاربة
وحده فكذلك لا يعاقد غيره على شرط
عمله معه فإن عملا فللآخر أجر
مثله لأنه أوفى عمله بعقد فاسد
والربح بين الأول ورب المال على
شرطهما والوضيعة على رب المال لأن
المضارب الآخر أجير للأول إجارة
فاسدة.
ولو استأجره إجارة صحيحة للعمل في
المال كان يعطي أجره من المال
والربح بين المضارب ورب المال على
الشرط فكذلك هنا فإن دفعه المضارب
الأول إلى رب المال مضاربة بالثلث
فعمل به فربح أو وضع فإنه يقسم
على شرط المضاربة الأولى
والمضاربة الأخيرة باطلة والمال
في يد رب المال بمنزلة البضاعة
وعلى قول زفر رحمه الله الثانية
تنقض الأولى والربح كله لرب المال
وعندنا رب المال في العمل معين
للمضارب لأن المضارب قد استعان به
فيكون عمله كعمل المضارب والربح
بينهما على الشرط ولا تصح
المضاربة الأخيرة لأن رب المال
مالك للمال يستحق الربح باعتبار
ملكه فلا يجوز أن يكون مضاربا فيه
لأن المضارب من يستحق الربح بعمله
لا بملكه المال فالمضاربة الثانية
لم تصادف محلا فكانت باطلة.
ألا ترى أن المضارب لو استأجر رب
المال أن يشتري له ويبيع بعشرة
دراهم في الشهر فاشترى له فربح أو
وضع كان ما صنع من ذلك جائزا على
المضارب ولا أجر له لأنه عامل في
مال نفسه فلا يستوجب على عمله
أجرا بالشرط وبه تبين الفرق بينه
وبين الأجنبي ولو دفعه المضارب
إلى رجل مضاربة بالربع على أن
يعمل هو ورب المال فعملا
فالمضاربة الثانية فاسدة لأن رب
المال يستحق الربح بملكه المال
ولا يجوز أن يكون مضاربا في هذا
المال وحده فاشتراط عمله بعدم
التخلية فإذا فسدت المضاربة
الثانية فللمضارب الآخر أجر مثله
والربح بين الأول وبين رب المال
على ما اشترطا والله أعلم
باب
الاختلاف بين المضارب ورب المال
قال رضي
الله عنه:وإذا قال المضارب بعد حصول الربح شرطت لي نصف الربح وقال رب
المال شرطت لك ثلث الربح فالقول
قول رب المال مع يمينه لأن الربح
بما ملك رب المال وإنما يستحقه
المضارب بالشرط فهو يدعي الزيادة
فيما شرط له ورب المال منكر
فالقول قوله مع يمينه وإن أقاما
البينة فالبينة بينة المضارب
لإثباته الزيادة في حقه ببينة وإن
قال رب المال لم أشترط لك الربح
أو قال اشترطت لك مائة درهم من
الربح وقال المضارب شرطت لي نصف
الربح فالقول قول رب المال
لإنكاره استحقاق شيء من ربح ماله
ج / 22 ص -79-
عليه وللمضارب أجر مثله فيما عمل أما في قوله شرطت لك مائة درهم
فظاهر فالمضاربة بهذا الشرط تصير
إجارة فاسدة وكذلك في قوله لم
أشترط ربحا لأنهما اتفقا على أن
الدفع إليه كان بطريق المضاربة
فإذا لم يبين نصيب المضارب كانت
إجارة فاسدة وقد وفي العمل فاستحق
أجر المثل.
ولو قال المضارب:
شرطت لي ثلث الربح وقال رب المال:
شرطت لك ثلث الربح وزيادة عشرة
دراهم فالقول قول المضارب لأنهما
تصادقا على أنه شرط له ثلث الربح
ثم أقر رب المال بزيادة على ذلك
لا يستحقها المضارب بل ليفسد
العقد بها ويبطل استحقاق المضارب
فهو متعنت في هذا فلا يقبل قوله
ويجعل القول قول من يدعي جواز
العقد لأن الأصل في العقود الصحة
وإن أقاما البينة فالبينة بينة رب
المال لأنه يثبت ببينته زيادة
الشرط المفسد للعقد فهو كما لو
أثبت أحد المتعاقدين خيارا أو
أجلا مجهولا ببينة.
ولو قال رب المال:شرطت
لك ثلث الربح إلا مائة وقال
المضارب شرطت ثلث الربح فالقول
قول رب المال لأن المضارب يدعي
عليه زيادة فإن الكلام المقيد
بالاستثناء يكون عبارة عما وراء
المستثنى فالمضارب يدعي أن
المشروط له ثلث كامل ورب المال
ينكر ذلك والقول قول المنكر لأنه
غير متعنت في ذلك والبينة في هذا
الفصل بينة المضارب لإثباته
الزيادة في حقه بالبينة ولو وضع
في المال فقال رب المال شرطت لك
نصف الربح وقال المضارب شرطت لي
مائة درهم أو دفعته إلى مضاربة
ولم تشترط لي شيئا فلي أجر المثل
فالقول قول رب المال لأن المضارب
يدعي لنفسه دينا في ذمته وهو أجر
المثل ورب المال ينكر ذلك فالقول
قوله فإن أقام رب المال البينة
أنه شرط له ثلث الربح وأقام
المضارب البينة أنه لم يشترط له
شيئا فالبينة بينة رب المال لأنها
قامت لإثبات شرط نصف الربح وبينة
المضارب قامت على نفي الشرط
والشهادة على النفي لا تقبل فلهذا
كانت البينة بينة رب المال والقول
قوله.
وإن كان أقام المضارب البينة أنه
شرط له ربح مائة درهم وأقام رب
المال البينة أنه شرط له نصف
الربح فالبينة بينة المضارب لأن
البينتين استوتا في إثبات الشرط
فرجحت بينة المضارب لأنها تثبت
دينا مضمونا في ذمة رب المال ولأن
المضارب هو المحتاج إلى البينة
وذكر نظير هذه المسألة في
المزارعة أن رب الأرض والبذر إذا
قال للعامل شرطت لك نصف الخارج
وقال العامل شرطت لي مائة أقفزة
من الخارج ولم يحصل الخارج وأقاما
البينة فالبينة بينة رب الأرض
والبذر وأكثر مشايخنا رحمهم الله
قالوا جوابه في كل واحد من
الفصلين جواب في الفصل الآخر وفي
المسألتين روايتان وجه هذه
الرواية ما ذكرنا ووجه رواية
المزارعة إن رب المال يثبت صحة
العقد فترجح بينته لذلك وأصح
الجوابين ما ذكر هنا قال الشيخ
الإمام الأجل رحمه الله والأصح
عندي الفرق بين المضاربة
والمزارعة لأن عقد المزارعة يتعلق
بها اللزوم.
ج / 22 ص -80-
ألا ترى إنه ليس للعامل أن يمتنع من إقامة العمل فترجح فيه البينة
المثبتة لصحة العقد لما فيها من
الإلزام وأما المضاربة فلا تكون
لازمة فإن للمضارب أن يمتنع من
العمل ويفسخ العقد متى شاء فترجح
هنا البينة التي فيها إلزام وهي
المثبتة للدين في ذمة رب المال.
وإذا ادعى المضارب إنه شرط له نصف
الربح أو شرط له مائة درهم وقال
رب المال إنما دفعت إليك المال
بضاعة لتشتري به وتبيع فالقول قول
رب المال لأن المضارب يدعي
استحقاق جزء من ربح ماله أو
استحقاق الأجر دينا في ذمته ورب
المال ينكر ذلك بإنكاره سببه
فالقول قوله والبينة في هذا الفصل
بينة المضارب لأنها تثبت حقه على
رب المال وبينة رب المال تنفي
ذلك.
ولو كانت المضاربة بالنصف فجاء
المضارب بألفي درهم فقال رب المال
دفعت إليك ألفين وقال المضارب
دفعت إلي ألف درهم وربحت ألف درهم
فالقول قول المضارب في قول أبي
حنيفة الآخر وهو قول أبي يوسف
ومحمد رحمهم الله وفي قوله الأول
القول قول رب المال وهو قول زفر
رحمه الله.
وجه قوله الأول:
إن المضارب أقر أن جميع ما في يده
مال المضاربة والأصل في مال
المضاربة حق رب المال فإذا ادعى
بعد ذلك استحقاق بعض المال لنفسه
لا يقبل قوله إلا بحجة والقول قول
رب المال لإنكاره كما في مسألة
البضاعة بخلاف ماذا قال المضارب
ألف من الألفين خلطته لي بمال
المضاربة وقد كان قال له اعمل فيه
برأيك لأن هناك لم يقر أن جميع ما
في يده مال المضاربة والأصل أن
القول قول المرء فيما في يده من
المال بخلاف ما لو ادعى رب المال
رأس المال أكثر مما جاء به
المضارب وإنه قد استهلك بعضه فإن
هناك هو يدعي دينا على المضارب
والمضارب ينكر والقول قول المنكر.
وجه قوله الآخر:
أن الاختلاف بينهما في مقدار
المقبوض من رأس المال والقابض هو
المضارب فيكون القول قوله في
مقدار المقبوض لأن رب المال يدعي
زيادة فيما أعطاه وهو ينكر لأنه
لو أنكر أصل القبض كان القول قوله
فكذلك إذا أنكر زيادة القبض.
يوضحه أن المال في يده فالقول
قوله في بيان جهة حصوله في يده
كما لو قال ألف من المال لي خلطته
بمال المضاربة فإن اختلفا مع ذلك
فيما شرط له من الربح فقال رب
المال شرطت لك الثلث وقال المضارب
شرطت لي النصف فالقول قول المضارب
في رأس المال والقول قول رب المال
فيما شرط له من الربح لأن المضارب
يدعي الزيادة فيما شرط له ورب
المال ينكر ولو أنكر أصل الشرط
بأن قال كان المال في يدي بضاعة
فالقول قوله فكذلك إذا أنكر
الزيادة فيما شرط له وإن أقاما
البينة فالبينة بينة رب
المال في مقدار ما سلم إليه من رأس المال ويأخذ الألفين برأس ماله
لأنه أثبت زيادة فيما دفعه إليه.
وإن كان المال ثلاثة آلاف كانت
البينة بينة المضارب فيما ادعى من
الربح حتى إن الألف الفاضلة عن
الألفين بينهما نصفان لأن المضارب
يثبت ببينته زيادة في حصته من
الربح وإذا
ج / 22 ص -81-
دفع الرجل إلى رجلين مالا مضاربة بالنصف فجاء بثلاثة آلاف درهم
فقال رب المال كان رأس مالي ألفين
والربح ألف وصدق أحد المضاربين
وقال الآخر كان رأس المال ألفا
والربح ألفي درهم فإن رب المال
يأخذ ألف درهم من رأس ماله من يد
المضاربين لأنهما اتفقا على ذلك
القدر من رأس ماله ويبقي في يد كل
واحد منهما ألف درهم فيأخذ رب
المال خمسمائة من الذي صدقه لأنه
يقر أنه قد بقي من رأس ماله ألف
نصفه في يده ونصفه في يد شريكه
وإقراره فيما في يده حجة وإن لم
يكن حجة فيما في يد شريكه فيأخذ
منه خمسمائة بحساب رأس ماله لأن
حق رب المال في الربح ضعف حق
المصدق فيقسمان الحاصل من الربح
في أيديهما على أصل حقهما أثلاثا
ويقاسم الآخر خمسمائة مما في يده
أثلاثا لأن رب المال يزعم أن هذه
الخمسمائة من رأس ماله أيضا ومن
في يده ينكر ويقول هو ربح وحق رب
المال فيه ضعف حقي لأن حق رب
المال في نصف الربح وحق كل واحد
من المضاربين في ربع الربح فلهذا
يقاسمه خمسمائة أثلاثا ثلثها لرب
المال يأخذها بحساب رأس ماله
بزعمه فيجتمع في يده ألف
وثمانمائة وثلاثة وثلاثون وثلث ثم
يقتسمون الألف الباقية ربحا بينهم
أرباعا فيصير في يد رب المال
خمسمائة من الربح وفي يد الذي
صدقه مائتان وخمسون فيجمع ذلك
فيأخذ منه رب المال ما بقي من رأس
ماله على ما تصادقا عليه لأن
الربح لا يكون إلا بعد وصول جميع
رأس المال إلى رب المال وقد بقي
من رأس المال بزعمهما مائة وستة
وستون وثلثا درهم فيأخذ رب المال
ذلك والباقي من الربح بينهما
أثلاثا لأن حق رب المال في الربح
ضعف حق المصدق فيقسمان الحاصل من
الربح في أيديهما على أصل حقهما
أثلاثا والمكذب بزعمهما استوفى
أكثر من حقه فتجعل تلك الزيادة في
حقهما كالتاوي.
وقد طعن عيسى بن أبان رحمه الله
في فصل من جواب هذه المسألة وهو
قوله إن الخمسمائة مما في يد
المكذب تقسم بين رب المال وبين
المكذب أثلاثا وقال الصحيح أنه
ليس لرب المال إلا نصفها لأن
المنكر يزعم أن الألف الباقية
مقسومة بينهم أرباعا نصفها لرب
المال وربعها للمصدق وربعها لي
فالمصدق أقر بحصته لرب المال من
هذه الألف فيصير لرب المال ثلاثة
أرباعها وقد وصل إليه من يد
المصدق نصف هذه الألف وهو خمسمائة
فإنما بقي حقه في ربعها وحقي في
ربعها فينبغي أن تقسم هذه
الخمسمائة بينهما نصفان وكان
القياس ما ذكره عيسى رحمه الله
ولكن محمد رحمه الله ترك ذلك
لوجهين أحدهما أنا لو فعلنا هكذا
كنا قد أعطينا المنكر جميع حصة
مدعاه من ربح الألفين ويأخذ من
الألف الثانية مائتين وخمسين ومن
الألف الثالثة مائتين وخمسين
فتسلم له حصته من ربح الألفين
بزعمه ولا يجوز أن يصدق هو على ما
في يد صاحبه كما لا يصدق صاحبه
على ما في يده والثاني أن ما وصل
إلى رب المال من تلك الألف لم يصل
ربحا كما ادعاه هذا المضارب وإنما
أخذه على أنه من رأس ماله فلا
يكون للمنكر أن يجعل ذلك محسوبا
عليه من الربح في مقاسمته
الخمسمائة الأخرى معه فلهذا قسمت
هذه الخمسمائة بينهما أثلاثا وهذا
الجواب حكاه بن سماعة عن محمد
رحمهما الله
ج / 22 ص -82-
وإذا دفع الرجل إلى رجل مالا فربح فيه ربحا فقال العامل أقرضتني
هذا المال وقال الدافع دفعته إليك
بضاعة أو مضاربة بالثلث أو قال
مضا فالقول قول رب المال لأن
العامل يدعي تملك المال عليه
بالقبض ورب المال ينكر ذلك ولأن
الإذن في التصرف مستفاد من جهة رب
المال فالقول قوله في بيان الإذن
والتسليط فإن كان أقر بالمضاربة
فلا شيء للعامل بل الربح كله لرب
المال لأنه بما ملكه وإن كان أقر
له بربح الثلث أعطاه ذلك لأن
العامل يدعي عليه جميع الربح وهو
أقر له بالثلث وإن أقر بمضاربة
فاسدة أعطاه أجر مثله فيأخذه
المضارب قضاء مما ادعاه من المال
الذي أخذه منه رب المال لأن
العامل يدعي عليه أكثر مما أقر له
به فيعطيه مقدار ما أقر له به من
الجهة التي أقر بها ويأخذه العامل
من الجهة التي يدعيها فإن هلك
المال في يد المضارب بعد هذا
القول فهو ضامن للأصل والربح لأنه
كان أمينا في الكل وقد جحد حق
صاحب المال فيه وادعى أنه ملكه
فيكون ضامنا له.
ولو قال المضارب:
شرطت لي النصف وقال رب المال شرطت
لك الثلث ثم هلك المال في يد
المضارب فهو ضامن لسدس الربح لأنه
ادعى تلك الزيادة لنفسه وقد كان
أمينا فيه فيصير ضامنا بدعواه
الأمانة لنفسه ولو وضع في المال
ثم قال العامل دفعته إلى مضاربة
وقال رب المال دفعته إليك قرضا
فالقول قول رب المال لأن الإذن
مستفاد من جهته فالقول قوله في
بيان صفته ولأن العامل يزعم أنه
كان نائبا عن رب المال في العمل
ورب المال ينكر ذلك فالقول قوله
وإن أقاما البينة فالبينة بينة رب
المال أيضا لأنه يثبت ببينته سبب
تمليك المال منه بالفرض ووجوب
الضمان دينا له في ذمته فكانت
بينته أولى بالقبول ولأنه لا
تنافي بين البينتين فالقرض يرد
على المضاربة فيجعل كأنه دفعه
إليه مضاربة ثم أقرضه منه ولا
يمكن أن يجعل على عكس هذا لأن
المضاربة لا ترد على القرض والقرض
يرد على المضاربة ولو لم يكن عمل
بالمال وضاع فالقول قول المضارب
لأن رب المال يدعي عليه سبب
الضمان والمضارب ينكر والبينة
بينة رب المال لإثباته الضمان
دينا في ذمة المضارب ثم الفرق بين
هذا والأول أن في هذا الفصل
تصادقا على أنه قبضها بإذن المالك
وذلك غير موجب للضمان عليه فبقي
دعوى رب المال سبب الضمان وفي
الفصل الأول عمل العامل في ملك
الغير سبب موجب للضمان وقد ظهر
ذلك فيحتاج إلى سبب مسقط للضمان
عن نفسه وهو كونه نائبا عن المالك
في عمله في المال مضاربة ولا يثبت
هذا المسقط إلا بالبينة ولا يقال
تصادقا أن عمله حصل بإذن رب المال
وتسليطه فلا يكون سببا لوجوب
الضمان عليه لأن رب المال يزعم
أنه عمل لنفسه في مال نفسه فإذا
لم يثبت الملك له لا يكون هو
عاملا بإذن رب المال كما أقر به
فيبقى عاملا في المال بغير إذنه
وذلك موجب للضمان عليه.
ولو قال المضارب:
دفعته إلى مضاربة وقد ضاع المال
قبل أن أعمل به وقال رب المال
أخذته غصبا فلا ضمان على المضارب
لأنه ما أقر بوجود السبب الموجب
للضمان عليه وإنما أقر بتسليم رب
المال إليه وذلك غير موجب للضمان
ج / 22 ص -83-
عليه ورب المال يدعي عليه الغصب الموجب للضمان وهو ينكر فإن كان
عمل به ثم ضاع فهو ضامن للمال لأن
عمله في مال الغير سبب موجب
للضمان عليه ما لم يثبت إذن صاحبه
فيه ولم يثبت ذلك لإنكاره فإن
أقاما البينة فالبينة بينة
المضارب في الوجهين لأنه يثبت
تسليم رب المال والإذن له في
العمل ببينة.
ولو قال المضارب:
أخذت منك هذا المال مضاربة فضاع
قبل أن أعمل به أو بعد ما عملت
وقال رب المال: أخذته مني غصبا
فالقول قول رب المال والمضارب
ضامن لأنه أقر بالأخذ وهو سبب
موجب للضمان عليه قال عليه الصلاة
والسلام
"على اليد ما أخذت حتى ترد"
ثم ادعى المسقط وهو إذن صاحبه فلا
يصدق في ذلك إلا بحجة.
ولو قال: أخذته
منك مضاربة فضاع قبل أن أعمل به
وقال رب المال أقرضتكه فلا ضمان
على المضارب لتصادقهما أن القبض
حصل بإذن المالك فإنه هو الذي
دفعه إليه إلا أن يكون عمل بالمال
فحينئذ هو ضامن لأن عمله في مال
الغير سبب موجب للضمان عليه كما
ذكرنا وإذا دفع الرجل إلى الرجلين
ألف درهم مضاربة بالنصف فجاءا
بألفين فقال أحدهما ألف رأس مالك
وألف ربح فصدقه رب المال بذلك
وقال المضارب الآخر ألف رأس المال
وخمسمائة ربح وخمسمائة لفلان كان
دينا علينا في المضاربة وادعى
المقر له ذلك فإن رب المال يأخذ
رأس ماله ألف درهم لتصادقهما على
ذلك ويأخذ المقر له بالدين من
المضارب المقر مائتين وخمسين
درهما لأنه أقر أن نصف الخمسمائة
دينا عليه يؤديه مما في يده ونصفه
دين على شريكه وإقراره على نفسه
وبما في يده حجة وعلى غيره لا
فلهذا يأخذ منه مائتين وخمسين
وهذا بخلاف أحد الوارثين إذا أقر
على الميت بدين فإنه يستوفي جميع
الدين من نصيبه لأن هناك ما أقر
بالدين في ذمة نفسه ولا في ذمة
شريكه وإنما أقر به على الميت
والمقر يعامل في حق نفسه كان ما
أقر به حق فلا يسلم له شيء من
التركة ما لم يقبض جميع الدين
الذي على الميت وها هنا إنما أقر
بالدين على نفسه وعلى شريكه بسبب
معاملتهما مع المقر له وإقراره
بالدين في ذمة الغير لا يلزمه
القضاء مما في يده ثم يقاسم
المضارب الجاحد مع رب المال
مائتين وخمسين درهما مما في يده
له ثلثها ولرب المال ثلثاها لأن
المضارب المقر يزعم إنه لا حق له
في هذا بل حق صاحب الدين والجاحد
يزعم إنه ربح ولكن لا حق فيه
للمقر لأنه أتلف مثل هذا بإقراره
كاذبا فهو محسوب عليه من نصيبه
فيقسم هذا المقدار بين رب المال
والجاحد على مقدار حقهما من الربح
لرب المال ثلثاها وللجاحد ثلثها
ويبقى في يد المضاربين خمسمائة
درهم قد أقروا جميعا أنها ربح
فيقتسمونها بينهم لرب المال نصفها
ولكل واحد من المضاربين ربعها ولا
يرجع الغريم على المضارب المقر
بشيء مما أخذ لما بينا إنه أقر له
بالدين في ذمة شريكه فلا يلزمه
ذلك القضاء من مال نفسه.
وكذلك لو كان أحدهما ادعى لنفسه
خمسمائة من هذا المال أنه من خاصة
ماله فهذا
ج / 22 ص -84-
والأول في التخريج سواء كما بينا ولو جاء المضاربان بألفي درهم
خمسمائة منها بيض وألف وخمسمائة
سود فقال أحدهما الخمسمائة البيض
وديعة لفلان عندنا والخمسمائة
السود ربح وقال المضارب الآخر
كلها ربح فإن رب المال يأخذ رأس
ماله ألف درهم من السود ويأخذ
المقر له مائتين وخمسين من البيض
وهي التي في يد المقر بالوديعة
لأن نصف البيض في يده وإقراره فيه
حجة ويقسم المضارب الآخر ورب
المال مائتين وخمسين من البيض
أثلاثا سهمان لرب المال وسهم
للمضارب لأن المقر لا يدعي لنفسه
في هذا شيئا والمنكر يزعم إنه
أتلف فوق حقه من هذا المال فلا حق
له فيما بقي بل يقسم هذا المقدار
بين الجاحد ورب المال مائتين
وخمسين على أصل حقهما أثلاثا
ويقسم الخمسمائة السود أرباعا
لاتفاقهم على أن ذلك ربح.
وكذلك لو كان جميع المال في يد
المنكر للوديعة لأن المنكر
للوديعة يزعم أن الخمسمائة البيض
ربح من مال المضاربة ومال
المضاربة في أيديهما فباعتبار
إقرار ذي اليد هذه وما لو كان
المال كله في أيديهما سواء بخلاف
ما إذا كان المال كله في يد المقر
لأن المقر يزعم إن هذه الخمسمائة
ليست من مال المضاربة بل هي وديعة
لصاحبها ولا يدفعها للمضارب الآخر
ولا قول فلهذا كان المقر مصدقا في
جميعها هنا فإن كان المضاربان حين
جاءا بألفين كانت الخمسمائة البيض
كلها في يد المقر بالوديعة فقال
هذه وديعة لفلان عندي وقال الآخر
ورب المال كله ربح أخذها صاحب
الوديعة كلها لأن اليد فيها له
فكان القول قوله فيها والخمسمائة
السود بينهم أرباعا لاتفاقهم على
أنها ربح.
ولو كانت البيض في يد المنكر
للوديعة أخذ رب المال رأس ماله
ألف درهم وما بقي من المال قسم
على أربعة أسهم لرب المال سهمان
ولكل واحد من المضاربين سهم لأن
البيض هنا قبل القسمة في يد
الجاحد ليس شيء منها في يد المقر
وإقراره بالوديعة فيما في يد
الغير لا يكون صحيحا ما لم يصل
إليه المال فلهذا قسم الكل كما هو
زعم المنكر للوديعة ثم ما وقع في
سهم المقر بالوديعة من البيض سلمه
إلى صاحب الوديعة لأن ذلك القدر
قد وصل إلى يده وقد أقر بالملك له
وهذا بخلاف ما سبق إذا كان المال
كله في يد الجاحد لأن هناك الجاحد
مقر للمقر بالوديعة باليد في نصفه
وهنا الجاحد لا يقر باليد في شيء
من البيض للمقر بالوديعة لأن في
يده مثلها من مال المضاربة وهي
الخمسمائة السود.
وإذا دفع إلى رجلين ألف درهم
مضاربة بالنصف وأمرهما أن يعملا
في ذلك برأيهما فجاءا بألفي درهم
في أيديهما جميعا فقال أحدهما ألف
منها رأس المال وخمسمائة ربح
وخمسمائة وديعة لفلان خلطناها
بالمال بأمره فهو شريكنا في هذا
المال بخمسمائة درهم وصدقه فلان
بذلك وقال المضارب الآخر يملك
الألف كلها ربح فإن رب المال يأخذ
رأس ماله ألفا ويأخذ المقر له
بالشركة مائتين وخمسين مما في يد
المنكر أثلاثا لأنهما يزعمان إن
ذلك ربح وإن المقر أتلف منه ذلك
فهو محسوب عليه ثم يقسم رب المال
والمضاربان
ج / 22 ص -85-
الخمسمائة الباقية أرباعا لاتفاقهم على أنها ربح فيكون للمضارب
المقر بالشركة منها مائة وخمسة
وعشرون درهما فيجمعها إلى ما أخذ
المقر له بالشركة ويقسم ذلك كله
بينهما على خمسة أسهم سهم للمضارب
وأربعة للمقر له بالشركة لأنهما
تصادقا على الشركة بينهما في
المال وتصادقهما معتبر في حقهما
فما وصل إليهما يقسم على أصل
حقهما وهما متفقان أن حق المقر له
في خمسمائة وإن حق المقر في مائة
وخمسة وعشرين فاجعل كل مائة وخمسة
وعشرين سهما فيكون الخمسمائة
أربعة أسهم فأربعة أسهم حق المقر
له وسهم حق المقر فلهذا قال يقسم
ما في أيديهما أخماسا بينهما وما
لم يصل إلى يدهما من المال يجعل
كالتاوي بينهما.
ولو كان المال كله في يد المقر
بالشركة يوم أقر بها أخذ المقر له
بالشركة جميع الخمسمائة من المال
لأن إقرار المقر فيما في يده
مقبول ويأخذ رب المال رأس ماله
ألفا والخمسمائة الباقية بين
المضاربين وبين رب المال أرباعا
ولو كان المال كله في يد المنكر
للشركة أخذ رب المال رأس ماله ألف
درهم فاقتسم هو والمضاربان الألف
الباقية أرباعا وما أخذه المقر
بالشركة اقتسمه هو والمقر أخماسا
لأن الواصل إلى يده من المال هذا
المقدار فباعتباره يصح إقراره
ويقسم بينهما أخماسا للمقر خمسه
وللقمر له أربعة أخماسه قال عيسى
بن أبان رحمه الله هذا غلط وسواء
كان المال في أيديهما أو في يد
المنكر منهما ينبغي أن يأخذ المقر
له بالشركة مائتين وخمسين أولا
كما أجاب به في مسألة البيض
والسود قبل هذا لأن المنكر مقر أن
المال كله من المضاربة وإن نصفه
في يد صاحبه ولكن ما ذكره هنا
أصح.
والفرق بين هذا وبين تلك المسألة
من وجهين أحدهما أن المنكر وإن
أقر في هذه المسألة أن نصف المال
في يد صاحبه وصاحبه ينكر ويقول يد
المقر له على ماله لأنه شريك معنى
فلم تثبت يد المقر على شيء من تلك
الخمسمائة فلهذا لا يجوز إقراره
في شيء منها قبل القسمة بخلاف
مسألة البيض.
والثاني إن في مسألة الشركة حق
المقر له شائع في الكل وحق
المضاربة كذلك شائع فلم يختص واحد
من المضاربين بشيء منه ولم يثبت
تنفيذ إقراره إلا بعد القسمة وأما
في الوديعة فقد أقر بشيء بعينه
متميز من حق المضاربة غير مفتقر
إلى المقاسمة.
ولو جاء المضاربان بألفي درهم
فقال أحدهما كان رأس المال ألف
درهم فشاركنا فلان في المال
بخمسمائة درهم فخلطناها بالألف ثم
عملنا فربحنا خمسمائة وقال الآخر
كلها ربح فإن رب المال يأخذ رأس
ماله ألف درهم لاتفاقهم عليه ثم
يدفع إلى المقر له مائتين وخمسين
درهما في يد المقر بالشركة لأن
إقراره فيما في يده مقبول ويبقى
في يد المقر بالشركة مائتان
وخمسون فقد أقر أنها ربح بين صاحب
الشركة وبين المضاربين وبين رب
المال على ثلاثة فيأخذ صاحب
الشركة أيضا منها حصته من الربح
بإقراره وذلك ثلاثة وثمانون
ج / 22 ص -86-
وثلث ويبقى في يد المضارب المقر بالشركة مائة وستة وستون وثلثان
ثم ينظر إلى ما في يد المنكر
للشركة وهو خمسمائة فيدفع منها
مثل ما أخذ المقر له مما في يد
المقر بالشركة وذلك ثلاثمائة
وثلاثون وثلث فيقسمها رب المال
والمضارب المنكر للشركة بينهما
أثلاثا لإقرارهما أن هذا ربح وإن
المقر بالشركة أتلف مثل هذا مما
في يده وذلك محسوب عليه من نصيبه
ويقسم هذا القدر بين المضارب
الجاحد ورب المال على أصل حقهما
ثلثاه لرب المال وثلثه للمضارب
الجاحد ثم يجمع ما بقي في يد
المضاربين وذلك ثلاثمائة وثلاثون
وثلث فيكون ذلك بينهم أرباعا
لاتفاقهم على أن ذلك ربح مال
المضاربة فيقسم بينهم على الشرط
ثم يجمع ما أصاب المقر بالشركة من
الربح وهو ثلاثة وثمانون وثلث إلى
ما في يد صاحب الشركة فيقسمان ذلك
كله على تسعة أسهم للمقر سهم
وللمقر له ثمانية لأن المقر زعم
إن للمقر له سهما أصل ماله وثلث
الخمسمائة ربح وذلك مائة وستة
وستون وثلثان وثلث الخمسمائة
الربح بينه وبين رب المال أرباعا
فيجعل كل خمسمائة على ستة أسهم
والخمسمائة التي أقر بها المقر
لصاحب الشركة ستة أسهم وحصته من
الربح سهمان فذلك ثمانية وحصة
المضارب المقر بالشركة مما بقي من
الخمسمائة سهم فذلك كله إذا جمعته
تسعة أسهم فلهذا يقسم ما حصل في
أيديهما على تسعة أسهم ثمانية
اتساعه للمقر له وتسعه للمقر لأن
ما زاد على ما وصل إليهما يجعل في
حقهما كالتاوي والله أعلم.
باب
المضارب يدفع المال مضاربة
قال رحمه
الله: وإذا دفع إلى رجل ألف درهم ولم يقل اعمل فيه برأيك فليس للمضارب
أن يدفعه إلى غيره مضاربة لأنه
سوى غيره بنفسه في حق الغير ولأنه
يوجب للثاني شركة في ربح مال رب
المال ورب المال ما رضي إلا شركته
فليس له أن يكسب سبب الشركة للغير
فيه فإن دفعه مضاربة إلى غيره
فاشترى به وباع فرب المال بالخيار
إن شاء ضمن المضارب الأول رأس
ماله لأنه صار غاصبا مخالفا بدفعه
إلى غيره لا على الوجه الذي رضي
به رب المال فإن ضمنه سلمت
المضاربة فيما بين المضارب الأول
والمضارب الآخر على شرطهما لأنه
ملكه بالضمان من حين صار مخالفا
فإنما دفع مال نفسه مضاربة إلى
الثاني وإن شاء ضمن المضارب الآخر
لأنه قبض ماله بغير إذنه وتصرف
فيه ثم يرجع المضارب الآخر بما
ضمن من ذلك على المضارب الأول
لأنه مغرور من جهته فيرجع عليه
بما يلحقه من الضمان ولأنه كان
عاملا للمضارب الأول فيرجع عليه
بما يلحقه من العهدة ثم الربح بين
المضاربين على ما اشترطا لأن
الضمان استقر على الأول فيثبت
الملك له وإن اختار رب المال أن
يأخذ من الربح الذي ربح
المضارب الآخر حصته الذي اشترط على المضارب الأول لا يضمن واحد
منهما شيئا فليس له ذلك لأن
المضارب الأول صار غاصبا بما صنع.
ومن غصب من رجل مالا ودفعه مضاربة
فعمل به المضارب وربح فلا سبيل
لرب المال على الربح ولكن يضمن
أيهما شاء وفرق بين المضاربة
والرهن فإن المرهون إذا استحق
ج / 22 ص -87-
وضمن المرتهن قيمته فرجع به على الراهن لم يصح الرهن حتى يرجع
عليه بالدين أيضا وهنا إذا رجع
الثاني على الأول صحت المضاربة
بين الأول والثاني لأن استرداد
القيمة كاسترداد العين فينتقض قبض
المرتهن باسترداد المستحق القيمة
منه وبدون قبضه لا يكون مرهونا
وهنا أيضا استرداد المثل كاسترداد
العين ولكنه لا ينعدم به ابتداء
اليد للمضارب على المال واستدامته
ليست بشرط لحكم المضاربة حتى إنه
إذا رد المضارب المال على رب
المال واستعان به في التصرف كان
الربح بينهما على الشرط.
ولو رد المرتهن المرهون على
الراهن بعارية أو غيرها خرج من
ضمان الرهن ولو كان المضارب
الثاني لم يعمل بالمال حتى ضاع في
يده فلا ضمان على واحد من
المضاربين وكذلك لو غصب رجل المال
من الآخر فالضمان على الغاصب ولا
ضمان على واحد من المضاربين وقال
زفر رحمه الله لرب المال أن يضمن
أيهما شاء لأن المضارب الأول أمين
وقد خالف بالدفع إلى غيره على وجه
المضاربة فكان كل واحد منهما
ضامنا كالمودع إذا أعار الوديعة
من غيره ولكنا نقول المضارب غير
ممنوع من دفع المال إلى غيره.
ألا ترى أن له أن يودع المال وأن
يبضعه فلا يكون مجرد الدفع موجبا
للضمان على واحد منهما ولكن في
ظاهر الرواية حين عمل به الثاني
صار المال مضمونا على كل واحد
منهما وروى الحسن عن أبي حنيفة أن
بمجرد العمل لا يصير مضمونا على
واحد منهما حتى يحصل الربح لأنه
إنما يصير مضمونا إذا صار مخالفا
وذلك باشتراك الغير في ربح ماله
ولهذا لا يضمن إذا أبضع أو أودع
لأنه ليس في ذلك اشتراك الغير في
الربح والشركة في الربح لا تتحقق
قبل حصول الربح لسبب الخلاف وإنما
تتحقق إذا حصل الربح.
وجه ظاهر الرواية:
أن الربح إنما حصل بالعمل فيقام
سبب حصول الربح مقام حقيقة حصول
الربح في صيرورة المال به مضمونا
عليهما بخلاف مجرد الدفع فهو ليس
سببا لحصول الربح ليقام مقام
حصوله.
ولو استهلك المضارب الآخر المال
أو وهبه كان الضمان على الآخر
خاصة دون الأول لأنه في مباشرة
هذا الفعل مخالف لما أمره به
الأول فيقصر حكمه عليه بخلاف ما
إذا عمل بالمال لأنه في مباشرة
العمل ممتثل أمر المضارب الأولة
فيجعل ذلك كعمل المضارب الأول
فلهذا كان له أن يضمن أيهما شاء
ولو أبضعه المضارب الثاني مع رجل
يشتري به ويبيع فلرب المال أن
يضمن ماله أي الثلاثة شاء لأن
المضارب الثاني بمطلق العقد يملك
الإبضاع كما يملك التصرف فيه
فيكون هو فيما صنع ممتثلا أمر
المضارب الأول والربح الحاصل بين
المضاربين على الشرط لأن عمل
المستبضع كعمل المبضع بنفسه وكان
الربح بينهما على الشرط والوضيعة
على المضارب الأول ولا ربح لرب
المال لأن الأول صار بمنزلة
الغاصب في حق رب المال فإن ضمن
المضارب الأول صحت المضاربة
الثانية وإن ضمن الثاني رجع به
على الأول لأنه مغرور من جهته
وصار المال مملوكا للمضارب الأول
حين استقر عليه
ج / 22 ص -88-
الضمان وإن ضمن المستبضع رجع به على المضارب الثاني لأنه عامل له
ومغرور من جهته ويرجع به الثاني
على المضارب الأول كما لو ضمن
نفسه لرب المال فإذا ظهر استقرار
الضمان عليه تبين به وجه صحة
المضاربة الثانية.
وإذا دفع الرجل مالا مضاربة
بالنصف ولم يقل له اعمل فيه برأيك
فدفعه المضارب إلى آخر مضاربة
بالثلث ولم يقل له اعمل فيه برأيك
فدفعه الثاني إلى آخر مضاربة
بالسدس فعمل فيه وربح أو وضع
فالمضارب الأول بريء من الضمان
لأن الثاني خالف أمره حين دفعه
إلى الغير مضاربة فلا يتحول منه
هذا العقد إلى الأول كما لو
استهلك المال ورب المال بالخيار
إن شاء ضمن الثان رأس ماله وإن
شاء ضمن الثالث وحال الثالث في
هذه المسألة كحال الأول في
المسألة الأولى حتى إذا ضمن لم
يرجع على أحد بشيء وإن ضمن الثالث
رجع على الثاني والربح بينهما على
ما اشترطا لأن الضمان استقر على
الثاني فصحت المضاربة بينه وبين
الثالث.
ولو كان المضارب الأول حين دفع
المال مضاربة إلى الثاني بالثلث
وقال له اعمل فيه برأيك فدفعه
الثاني إلى الثالث مضاربة بالسدس
فربح أو وضع فلرب المال أن يضمن
أي الثلاثة شاء لأن الثاني بالدفع
إلى الثالث هنا ممتثل أمر الأول
فإن بعد قوله اعمل فيه برأيك له
أن يدفع المال مضاربة إلى غيره
فكان فعله كفعل الأول فلرب المال
أن يضمن أي الثلاثة شاء فإن ضمن
الثالث رجع على الثاني ورجع
الثاني على الأول لمعنى الغرور
وإن ضمن الثاني رجع على الأول وإن
ضمن الأول لم يرجع على أحد مما
ضمن بعد كما استقر الملك للأول
صحت المضاربتان جميعا الثانية
والثالثة والوضيعة على الأول وأما
الربح فللضارب الآخر سدسه لأنه
المشروط له هذا المقدار وللثاني
سدسه لأن الأول للثاني شرط ثلث
الربح ولنفسه ثلثيه فشرط الثاني
السدس للثالث ينصرف إلى نصيبه
خاصة دون نصيب الأول لأنه ليس
للثاني أن يبطل حق الأول عن شيء
من الربح الذي شرط لنفسه وإن كان
قال اعمل فيه برأيك فلهذا كان
للثاني ما بقي من الثلث بعد حق
الثالث وهو السدس وللأول ثلث
الربح.
ولو كان المضارب الأول دفع المال
إلى رجل مضاربة على أن للمضارب
الثاني من الربح مائة درهم فعمل
به فربح أو وضع أو توى المال بعد
ما عمل به فلا ضمان لرب المال على
أحد والوضيعة عليه والتوى من ماله
لأن المضارب الأول إنما يصير
ضامنا بإشراك الغير في ربح ماله
وبما باشر من المضاربة الفاسدة لا
يوجد سبب الاشتراك بل المضاربة
الفاسدة كالإجارة ولو استأجر
أجيرا ليعمل في المال لم يكن
مخالفا به وجعل عمل الأجير كعمله
فكذلك إذا دفعه إلى غيره مضاربة
فاسدة وللعامل أجر مثله على
المضارب الأول لأنه هو الذي
استأجره ويرجع به الأول على رب
المال لأنه في الاستئجار عامل له
بأمره غير مخالف وإن كان فيه ربح
فإنه يعطي أجر مثل العامل أولا من
المال كما لو استأجره إجارة صحيحة
ثم الربح بين رب المال والمضارب
الأول على الشرط لأن عمل الأجير
كعمل المضارب بنفسه وهذا وما لو
أبضعه غيره سواء.
ج / 22 ص -89-
ولو كان رب المال شرط للمضارب الأول من الربح مائة درهم ولم يقل
له اعمل برأيك فدفعه المضارب إلى
آخر مضاربة بالنصف فعمل به فلا
ضمان على المضاربين في الوضيعة
والتوى لأن المضارب الأول ما أوجب
للغير شركة في ربح ماله فإن
بالعقد الذي بينه وبين رب المال
لا يستحق هو شيئا من الربح فكيف
يوجبه لغيره وإنما يتحقق الخلاف
بإيجاب الشركة للغير في ربح ماله
ثم الربح كله لرب المال هنا لأن
عمل الثاني بأمر الأول كعمل الأول
بنفسه وعليه أجر مثل المضارب
الأول بمنزلة ما لو أقام العمل
بنفسه وعلى المضارب الأول للمضارب
الآخر مثل نصف الربح الذي ربح في
ماله خاصة لأنه صار مغرورا من
جهته فإنه أطمعه في نصف الربح وقد
حصل الربح ولم يسلم له مع حصوله
بل استحقه رب المال بسبب كان بينه
وبين المضارب الأول وهو فساد
العقد فرجع المضارب الثاني على
المضارب الأول بمثل نصف الربح في
ماله خاصة لأجل الغرر.
ألا ترى أن رجلا لو استأجر رجلا
يعمل له بماله فيشتري به ويبيع
ويبضعه ويستأجر عليه إن أحب
فاستأجر عليه الأجير من يعمل به
أو أبضعه مع رجل فربح أو وضع
فالربح لرب المال والوضيعة عليه
وللأجير الأول أجره على رب المال
لأن عمل أجيره بأمره كعمله بنفسه
وللأجير الآخر أجره على الأول
لأنه هو الذي استأجره وعمل له ولو
كان الأجير الأول دفعه مضاربة إلى
رجل بالنصف فعمل به وربح كان
الربح كله لرب المال وللأجير أجره
على رب المال وللمضارب نصف الربح
على الآخر في ماله خاصة لأجل
الغرر الموجود من جهته ولا ضمان
على الأجير والمضارب في المال لأن
المضارب لم يصر شريكا في المال
بمضاربته والخلاف إنما يتحقق به.
ولو دفع إلى رجل مالا مضاربة
بالنصف وقال له اعمل برأيك فدفعه
المضارب إلى رجل مضاربة بالثلث
فعمل به وربح فللمضارب الآخر ثلث
الربح وللأول سدسه ولرب المال
نصفه لأن دفعه إلى الثاني مضاربة
كان بإذن رب المال حين قال له
اعمل برأيك فالمضارب بهذا اللفظ
يملك الخلط والشركة والمضاربة في
المال لأن ذلك كله من رأيه وهو من
صنيع التجار إلا أن رب المال شرط
لنفسه نصف جميع الربح فلا يكون
للمضارب الأول أن يوجب شيئا من
ذلك لغيره بل ما أوجبه للثاني وهو
ثلث الربح ينصرف إلى نصيبه خاصة
كأحد الشريكين في العبد إذا باع
ثلثه.
وإذا كان المشروط للمضارب الأول
نصف الربح وقد أوجب للثاني الثلث
بقي له السدس وذلك طيب له
بمباشرته العقدين وإن لم يعمل
بنفسه شيئا.
ألا ترى أنه لو أبضع المال مع
غيره أو أبضعه رب المال له حتى
ربح كان نصيب المضارب من الربح
طيبا له وإن لم يعمل بنفسه شيئا
وإن دفع الثاني إلى ثالث مضاربة
وقد كان الأول قال للثاني اعمل
فيه برأيك فهو جائز والمضارب
الثاني فيه بمنزلة الأول لأنه قال
اعمل فيه برأيك فله أن يخلطه
بماله وأن يشارك فيه وأن يدفعه
إلى غيره مضاربة
ج / 22 ص -90-
وهذا بخلاف الوكيل إذا قال له الموكل اعمل برأيك فوكل غيره وقال
للثاني اعمل برأيك لم يصح هذا منه
حتى لا يكون للثاني أن يوكل غيره
لأن الوكيل نائب محض لا حق له في
المال فليس للأول أن يسوي غيره
بنفسه في تفويض الأمر إلى رأيه
على العموم بل هو نائب عن الموكل
في توكيل الثاني به فأما المضارب
فله في المال نوع حق من حيث إنه
شريك في الربح فيكون له أن يفوض
الأمر إلى رأي غيره على العموم
فيما يعامله من عقد المضاربة ولو
لم يقله الأول للثاني لم يكن
للثاني أن يدفعه مضاربة وله أن
يبضعه ويستأجر فيه بمنزلة الأول
لو لم يقل له رب المال اعمل فيه
برأيك وهذا لأن المضارب لا يستغني
عن الأعوان والأجراء لتتميم مقصود
رب المال.
وإذا دفع مالا مضاربة إلى رجل على
أن للعامل من الربح مائة درهم
وقال له اعمل فيه برأيك فدفعه
المضارب إلى غيره بالنصف فربح فيه
أو وضع فالربح كله لرب المال
والوضيعة عليه لأن المضارب غير
مخالف في دفعه المال إلى غيره
مضاربة فقد قال له رب المال اعمل
فيه برأيك والمضاربة الفاسدة
تعتبر بالمضاربة الجائزة في الحكم
فكما أنه في العقد الجائز بهذه
الصورة لا يصير مخالفا بالدفع إلى
غيره مضاربة فكذلك الفاسدة إلا
إنه لا حق للأول في الربح فلا
يستحق الثاني بشرطه شيئا من غير
الربح ولكن عمل المضارب الثاني
كعمل الأول فالربح كله لرب المال
والوضيعة عليه وعلى رب المال أجر
مثل المضارب الأول فيما عمل
المضارب الآخر وللمضارب الآخر مثل
نصف الربح في مال المضارب الأول
لأنه صار مغرورا من جهته وقد
استحق الربح من يده بعد حصوله
فيرجع عليه بمثل ما أوجبه له ولو
كان الأول أخذ المال مضاربة
بالنصف وقيل له اعمل فيه برأيك
فدفعه مضاربة إلى آخر على أن له
من الربح مائة درهم فعمل به
الثاني فللثاني أجر مثله على
المضارب في تلك المضاربة لما بينا
أنه بمنزلة الأجير له ولكن
الإجارة فاسدة ولو كانت صحيحة كان
رجوعه في مال المضاربة فكذلك في
الإجارة الفاسدة والربح بينه وبين
رب المال على الشرط لأن عمل أجيره
كعمله بنفسه.
ولو كان رب المال حين دفعه إلى
الأول قال على أن ما رزق الله
تعالى في ذلك من شيء فهو بيننا
نصفان أو قال ما كان في ذلك من
رزق فهو بيننا نصفان أو قال خذ
هذا المال مضاربة بالنصف وقال
اعمل فيه برأيك فدفعه المضارب إلى
آخر مضاربة بالثلث فربح فللمضارب
الآخر ثلث الربح وللأول سدسه ولرب
المال نصفه لأن رب المال بهذه
الألفاظ يكون شارطا نصف ربح جميع
المال لنفسه فما أوجبه المضارب
الأول للآخر يكون من نصيبه خاصة
حتى لو دفعه الأول إلى الثاني
مضاربة بالنصف فنصف الربح للمضارب
الثاني ونصفه لرب المال ولا شيء
للمضارب الأول لأنه حول جميع
نصيبه إلى الثاني فإن كان المضارب
الأول شرط للثاني ثلثي الربح
فللمضارب الثاني نصف الربح لأن
إيجاب المضارب الأول للثاني إنما
يتم سببا لاستحقاقه فيما هو نصيب
الأول وهو النصف دون الزيادة على
ذلك ثم
ج / 22 ص -91-
يرجع الثاني على الأول في ماله خاصة بسدس الربح أيضا لأنه صار
مغرورا من جهته فإنه شرط له
الثلثين ولم يسلم له إلا النصف
وهذا الشرط من المضارب الأول غير
صحيح في إبطال استحقاق رب المال
أما في حق نفسه فهو صحيح وقد
التزم سلامة ثلثي الربح للثاني
فإذا لم يسلم إلا النصف رجع عليه
بالسدس إلى تمام الثلثين ولا ضمان
على المضارب الأول لأن رب المال
قال له اعمل برأيك فلا يصير هو
مخالفا بإيجاب الشركة للغير في
ربح المال.
ولو قال رب المال للأول:
ما ربحت في هذا من شيء فهو بيننا
نصفان أو ما رزقك الله فيه أو قال
على أن ما كان لك فيه من فضل أو
ربح أو قال على أن ما كسبت فيه من
كسب أو قال على أن ما رزقك الله
فيه من شيء أو قال على أن ما صار
لك فيه من ربح فهو بيننا نصفان
وقال له اعمل فيه برأيك ودفعه
الأول إلى آخر مضاربة بالنصف أو
بثلثي الربح أو بخمسة أسداس الربح
كان ذلك كله صحيحا وللثاني من
الربح جميع ما شرط له والباقي بين
الأول ورب المال نصفان لأن رب
المال بهذه الألفاظ ما شرط لنفسه
نصف جميع الربح وإنما شرط لنفسه
نصف ما يحصل للأول من الربح لأنه
أضاف بحرف الخطاب وهو الكاف أو
التاء فما شرطه الأول للثاني قل
أو كثر لا يتناول شيئا مما شرط رب
المال لنفسه فيستحق الثاني جميع
ما شرط له وما وراء ذلك جميع ما
حصل للمضارب الأول وإنما شرط رب
المال لنفسه نصف ذلك فلهذا كان
الباقي بينهما نصفين بخلاف الأول
فرب المال هناك شرط نصف جميع ربح
المال لنفسه لأنه أضاف الرزق
والربح إلى المال دون المضارب
الأول.
وإذا دفع رب المال ماله مضاربة
على أن ما رزق الله تعالى في ذلك
من شيء فهو بينه وبين المضارب
نصفان وقال له: اعمل فيه برأيك
فدفعه الثاني إلى الثالث مضاربة
بالثلث فعمل به وربح فيه فللثالث
ثلث الربح لأن ما أوجبه الثاني له
ينصرف إلى نصيبه خاصة وللثاني سدس
الربح لأن هذا القدر هو الباقي من
نصيبه فلرب المال نصف الربح ولا
شيء للمضارب الأول لأنه أوجب
للثاني جميع نصيبه حين شرط له
النصف ولو كان المضارب الأول دفعه
إلى الثاني وشرط عليه أن ما رزق
الله تعالى في ذلك من شيء فهو
بيننا نصفان وقال له اعمل فيه
برأيك فدفعه الثاني إلى ثالث
مضاربة بالثلث فللمضارب الآخر ثلث
الربح كله وسدس الربح بين المضارب
الثاني والأول نصفان ونصف الربح
لرب المال لأن رب المال شرط لنفسه
نصف جميع الربح والأول إنما شرط
للثاني نصف ما رزق الله وذلك سدس
الربح فكان بينهما نصفين.
ولو كان رب المال قال للأول: ما
رزق الله من شيء و المسألة بحالها
فالمضارب الآخر يأخذ ثلث الربح
ويقاسم المضارب الثاني المضارب
الأول الثلثين نصفين لأن الأول
إنما أوجب للثاني نصف ما رزقه
الله تعالى والذي رزقه الله تعالى
ما وراء نصيب الثالث فكان ذلك
بينهما نصفين ويقاسم رب المال
المضارب الأول ثلث الربح الذي وصل
إليه نصفين لأن رب المال إنما شرط
لنفسه نصف ما رزق المضارب الأول
والذي رزق الأول هذا الثلث فكان
بينهما نصفين والله أعلم.
ج / 22 ص -92-
باب قسمة رب المال والمضارب
قال رحمه
الله: وإذا دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة بالنصف فربح ألفا فاقتسما
الربح وأخذ كل واحد منهما خمسمائة
لنفسه وبقي رأس مال المضاربة في
يد المضارب على حاله حتى هلك أو
عمل بها فوضع فيها أو توى بعد ما
عمل فيها فإن قسمتها باطلة
والخمسمائة التي أخذها رب المال
تحتسب من رأس ماله فيغرم له
المضارب الخمسمائة التي أخذها
لنفسه فيكون له من رأس ماله وما
هلك فهو من الربح لأن الربح لا
يتبين قبل وصول رأس المال إلى رب
المال قال عليه الصلاة والسلام:"مثل المؤمن كمثل التاجر لا يسلم له ربحه حتى يسلم له رأس ماله فكذلك
المؤمن لا تسلم له نوافله حتى
تسلم له عزائمه" أو قال:" فرائضه" وهذا لأن
رأس المال أصل والربح فرع وما بقي
من رأس المال في يد المضارب فهو
أمين فيه فإذا هلك من عمله أو من
غير عمله لا يكون مضمونا عليه
ولكن يجعل ما هلك كأن لم يكن
فتبين أن الباقي من المال كان
مقدار الألف وصل إلى رب المال من
ذلك خمسمائة وما أخذه لنفسه فهو
مضمون عليه فيغرم لرب المال
الخمسمائة التي أخذها حتى يصل
إليه كمال رأس ماله وقسمة الربح
هنا قبل وصول رأس المال إلى رب
المال بمنزلة قسمة الوارث التركة
مع قيام الدين على الميت.
ولو أن الورثة عزلوا من التركة
مقدار الدين وقسموا ما بقي ثم هلك
المعزول قبل أن يصل إلى الغرماء
بطلت القسمة وعليهم ضمان ما أخذوا
لحق الغرماء فكما أن حق الغرماء
سابق على حق الورثة في التركة
فكذلك هنا حق رب المال سابق على
حقهما في الربح وكذلك لو هلك أيضا
ما أخذه كل واحد منهما لنفسه لأن
ما أخذ رب المال محسوب عليه من
رأس ماله فيستوي هلاكه في يده
وبقاؤه وما هلك في يد المضارب كان
مضمونا عليه لأنه أخذه لنفسه
وأخرجه من المضاربة بأخذه فبقاؤه
وهلاكه في يده سواء.
ولو كان الربح ألفين وأخذ كل واحد
منهما ألفا من الربح ثم ضاع المال
كله ولم يقبض رب المال رأس ماله
من المضاربة فإن الألف التي قبض
رب المال هو رأس ماله لأن قسمة
الربح بعد انتهاء العقد بوصول رأس
المال إلى يد رب المال أو إلى يد
وكيله فأما مع بقاء المال في يد
المضارب وقيام عقد المضاربة فلا
يصح قسمة الربح بينهما فيجعل ما
هلك كأن لم يكن وتبين أن ما قبضه
رب المال هو رأس ماله وأن الربح
كله ما أخذه المضارب وقد أخذه
لنفسه فكان مضمونا عليه فيغرم نصف
تلك الألف لرب المال حصته من
الربح ولو لم يضع المال حتى اشترى
المضارب بالألف التي بقيت في يده
بعد قسمة الربح فربح مالا كثيرا
كانت الألف التي قبضها رب المال
أولا من رأس المال ويأخذ من هذا
المال ألف درهم مثل ما أخذ
المضارب من الربح الأول ثم يكون
الباقي ربحا بينهما نصفين لما
قلنا إن قسمة الربح لا تجوز حتى
يستوفي رب المال رأس ماله أو
يستوفي له وكيله فإذا استوفاه ثم
اقتسموا الربح جازت المقاسمة فإن
استوفاه ثم اقتسما الربح فأخذ كل
واحد منهما نصفه ثم إن رب المال
ج / 22 ص -93-
دفع إلى المضارب الألف التي قبضها برأس ماله فقال خذها فاعمل بها
على المضاربة التي كانت فهذه
مضاربة مستقبلة جائزة إن ربح فيها
أو وضع لم تنتقض القسمة الأولى
لأن العقد الأول قد انتهى بوصول
رأس المال إلى يد رب المال ثم
قسمتهما الربح حصلت في أوانها
فتمت ثم دفع المال إلى الأول
مضاربة مستقلة بمنزلة ما لو دفع
إليه ألفا أخرى سوى الألف الأولى.
ولو دفع إليه ألف درهم مضاربة
بالنصف فربح فيها ألفي درهم ثم
اقتسما فدفع إلى رب المال رأس
ماله ألف درهم وأخذ المضارب من
الألفين حصته من الربح ألف درهم
وبقيت حصة رب المال ولم يأخذها
حتى ضاعت فإنها تضيع منهما جميعا
لأن المضارب أمين فيما بقي في يده
من المال ما لم يأخذه لنفسه فإذا
هلك صار كأن لم يكن ويرد المضارب
نصف ما أخذ من الربح لأن تلك
الألف مضمونة عليه حين أخذها
لنفسه وقد تبين أنها كانت جميع
الربح ولأنها لا تسلم للمضارب
ربحا حتى يسلم لرب المال مثلها
ربحا ولم يسلم فعلى المضارب أن
يرد نصف ما أخذ من الربح.
ولو كانت الألف التي أخذها
المضارب لنفسه هي التي هلكت وبقيت
الألف الأخرى فإنها تحسب على
المضارب من حصته وتسلم الألف التي
بقيت لرب المال لأنه قبض تلك
الألف لنفسه فصارت مضمونة عليه
والضمان الذي لزمه بعد ما هلك
محسوب عليه من حصته من الربح
فيأخذ رب المال الألف الباقية من
الربح فإن كان المضارب قاسم رب
المال الربح وأخذ حصته ولم يقبض
رب المال حصته حتى ضاع ما قبضه
المضارب لنفسه وما بقي فإن الذي
لم يقبضه رب المال هلك من مالهما
ويصير كأن لم يكن لأن المضارب بقي
أمينا في ذلك ويغرم المضارب لرب
المال نصف الربح الذي كان قبضه
لنفسه وكان مستوفيا له بالقبض
فهلك مضمونا عليه وقد تبين أنه
جميع الربح فيغرم نصفه لرب المال
ولو ربح ألفا فاقتسما الربح وأخذ
كل واحد منهما نصفه ثم اختلفا في
رأس المال فقال المضارب قد دفعته
إليك وإنما قاسمتني بعد الدفع
وقال رب المال لم تدفع إلى رأس
المال فالقول قول رب المال ويأخذ
الخمسمائة التي أخذها المضارب
فتكون له من رأس ماله لأن المضارب
أمين والأمين فيما يدعي من الرد
مقبول القول في براءة نفسه عن
الضمان غير مقبول القول في وصول
المال إلى المردود عليه.
ألا ترى أن المودع إذا ادعى رد
الوديعة على الوصي ليس لليتيم أن
يضمن الوصي شيئا وإذا ادعى الرد
على أحد الشريكين ليس للشريك
الآخر أن يضمنه شيئا فكذلك هنا لا
يقبل قول المضارب في وصول رأس
المال إلى رب المال وما لم يصل
رأس المال إليه لا يسلم للمضارب
شيء بطريق الربح ولأن المضارب
يدعي خلوص الخمسمائة المقبوضة له
ورب المال منكر لذلك والقول قول
المنكر فإن قيل كان ينبغي أن يقال
اشتغالهما بقسمة الربح يكون
إقرارا بوصول رأس المال إليه فهو
في إنكاره بعد ذلك مناقض إذ
الظاهر يشهد للمضارب
ج / 22 ص -94-
لأن الظاهر أن قسمة الربح تكون بعد قبض رب المال رأس المال قلنا
لا كذلك فبين التجار عادة ظاهرة
في المحاسبة في كل وقت وأخذ كل
واحد منهما حصته من الربح مع بقاء
رأس المال على حاله فلا يكون هذا
إقرارا من رب المال بقبض رأس
المال فباعتبار هذا العرف لا يشهد
الظاهر للمضارب أيضا ثم الظاهر
حجة لدفع الاستحقاق لا لإثبات
الاستحقاق والمضارب يدعي استحقاق
الخمسمائة ربحا والظاهر لهذا لا
يكفي فإن أقاما البينة فالبينة
بينة المضارب لأنه أثبت ببينته
دفع رأس المال إلى رب المال وبينة
رب المال تنفي ذلك ولأنه أثبت
استحقاقه الخمسمائة ربحا بالحجة
وإن لم يقيما بينة وهلكت
الخمسمائة التي أخذها المضارب
لنفسه فالمضارب ضامن لها لأنه
أخذها على أنها له فصار ضامنا
لها.
ولو دفع إليه ألف درهم مضاربة
بالنصف فذكر المضارب أنه قد ربح
فيها ألفا وجاء بألفين ثم إنه جحد
فقال لم أربح فيها إلا خمسمائة
فهلكت الألفان في يده وقامت
البينة على إقراره بما قال من
الربح فإنه يضمن الخمسمائة التي
جحدها من الربح فيأخذها رب المال
من رأس ماله ولا يضمن شيئا غيرها
لأن جميع المال أمانة في يده
وإنما يصير ضامنا مقدار ما جحد من
المال كالمودع وإنما جحد
الخمسمائة فيما سوى ذلك وقد هلكت
في يده فهي أمانة فإنما عليه ضمان
الخمسمائة فيأخذها رب المال من
رأس ماله ولو كان أنكر أن يكون
ربح في المال شيئا و المسألة
بحالها ضمن الألف الربح كلها
فيأخذها رب المال من رأس ماله ولا
ضمان عليه في رأس المال لأنه لم
يجحدها فهلكت في يده أمانة وقد
جحد الألف التي اعترف أنها ربح في
يده فيكون ضامنا مثلها يأخذها رب
المال من رأس ماله.
ولو ربح فيها ألفا وقال لرب المال
قد دفعت إليك رأس المال ألف درهم
وبقيت هذه الألف الربح وقال رب
المال لم أقبض منك شيئا فالقول
قول رب المال مع يمينه أنه لم
يقبض شيئا ويأخذ الألف الباقية من
رأس ماله ويستحلف المضارب بالله
ما استهلكها ولا ضيعها لأن
المضارب أمين في رأس المال والقول
قول الأمين مع اليمين في براءته
عن الضمان لكونه غير مقبول القول
فيما يدعي من سلامة نصف ما بقي له
ولا هو مقبول القول في وصول رأس
المال إلى رب المال بل القول في
ذلك قول رب المال مع يمينه فإذا
حلف هو ونكل المضارب عن اليمين
غرم الخمسمائة لرب المال حصته من
الربح لأن رب المال يأخذ الألف
الباقية كلها من رأس المال
والمضارب بنكوله عن اليمين قد أقر
أنه استهلك تلك الألف أو ضيعها
وقد بين أن ذلك كان جميع الربح
فيغرم حصة رب المال وهو النصف.
ولو أن المضارب حين أراد رب المال
استحلافه قال لم أدفعها إليك
ولكنها ضاعت مني وحلف على ذلك
فإنه يغرم نصفها لرب المال لأنه
تناقض كلامه في تلك الألف حين
ادعى مرة أنه دفعها إليه ثم ادعى
إنها ضاعت منه وقد بينا في
الوديعة أن المودع يضمن بمثل هذا
التناقض فكذلك المضارب ولو أن
المضارب حين قال دفعت إليك رأس
مالك وبقيت هذه الألف الربح في
يدي وكذبه رب المال وأقاما البينة
فالبينة بينة المضارب لأنه يثبت
قبض رب
ج / 22 ص -95-
المال رأس ماله ببينته ورب المال ينفي ذلك ولو أقام المضارب
البينة أن رب المال أقر أنه قبض
رأس ماله ألف درهم وأقام رب المال
البينة على المضارب أن رب المال
لم يقبض من رأس ماله شيئا فإن لم
يعلم أي الإقرارين أول فالبينة
بينة المضارب لأنه يثبت حق نفسه
في نصف ما بقي بطريق الربح ورب
المال ينفي ذلك وإن علم أيهما أول
فالبينة بينة الذي يدعي الإقرار
الآخر لأنا لو عاينا الإقرارين
كان الثاني منهما ناقضا للأول فإن
المقر الآخر يصير به رادا إقرار
الأول والإقرار يرتد برد المقر له
فلهذا كان المعمول به آخر
الإقرارين.
وإذا دفع الرجل إلى الرجل مالا
مضاربة بالنصف فاشترى به وباع
وربح أو لم يربح أو لم يشتر به
شيئا منذ دفع المال إليه أو اشترى
به عرضا ولم يبعه حتى زاد رب
المال من الربح السدس فصار لرب
المال الثلثان من الربح وللمضارب
الثلث ثم ربح المضارب بعد ذلك
ربحا فهذا جائز على ما فعلا
ويقتسمان على ذلك ما حصل قبل
الزيادة أو الحط وما حصل بعد ذلك
لا ينظر فيه إلى الشرط الأول لأن
الحط والزيادة قد نقضا الشرط
الأول وهذا لأن العقد قائم بينهما
ما لم يصل إلى رب المال رأس ماله
والزيادة والحط في العقود اللازمة
تثبت على سبيل الالتحاق بالأصل
ففيما ليس بلازم أولى وإذا التحق
بأصل العقد وصار كأنهما شرطا في
الابتداء أن يكون الربح بينهما
على الثلث والثلثين.
ولو كان ربح ربحا فاقتسماه نصفين
وأخذ رب المال رأس ماله قبل الحط
والزيادة ثم وقع الحط والزيادة
بعد ذلك فقال المضارب إنك قد
غبنتني فزاده سدس الربح أو قال رب
المال قد غبنتني فنقص المضارب من
حقه سدس الربح فهذا جائز لازم
يرجع كل واحد منهما على صاحبه بما
حصل له من ذلك في القياس وهو قول
أبي يوسف رحمه الله فأما في قول
محمد رحمه الله فيجوز الحط ولا
تجوز الزيادة لأنالعقد قد ارتفع
بوصول رأس المال إلى رب المال
وقسمة الربح وصحة الزيادة في حال
بقاء العقد ثم ما يأخذ المضارب
يأخذه بمقابلة عمله وقد انقضى
عمله حقيقة وحكما بانتهاء العقد
بقسمة الربح فلا تجوز الزيادة بعد
ذلك في البدل وتجوز في الحط كما
في الإجارة والبيع فإن بعد هلاك
المبيع لا تجوز الزيادة ويجوز
الحط فهذا مثله وأبو يوسف يقول
القسمة تنهي عقد المضاربة
والمنتهي ما يكون متقررا في نفسه
فكان في معنى القائم دون المفسوخ
فيجوز الحط والزيادة جميعا ثم من
حيث المعنى كل واحد منهما يزيد من
وجه ويحط من وجه لأن رب المال
يزيد في حصة المضارب وذلك حط من
نصيبه وكذلك المضارب يزيد في نصيب
رب المال وذلك حط منه لنصيبه فإذا
جاز من المضارب هذا بطريق الحط
فكذلك يجوز من رب المال بطريق
الحط والله أعلم
باب
عتق المضارب ودعوته الحط
قال رحمه
الله: وإذا دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة بالنصف فاشترى بها عبدا يساوي
ألفا فأعتقه المضارب فعتقه باطل
لأنه لا فضل في مالية العبد على
رأس ماله والمضارب إنما يثبت له
الملك في الفضل فبعتقه العبد ولا
فضل فيه عتق فيما لا يملكه ولا
عتق فيما لا
ج / 22 ص -96-
يملكه بن آدم والذي تدور عليه مسائل الباب أن رأس المال معتبر في
كل نوع من أنواع مال المضاربة كان
ذلك النوع جميع المال.
ألا ترى انه لو هلك أحد النوعين
استوفى رب المال جميع رأس ماله من
الآخر فهنا يعتبر العبد كأنه جميع
المال ولا فضل فيه على رأس المال
فلا ينفذ عتق المضارب فيه سواء
كان في يد المضارب من مال
المضاربة شيء آخر أو لم يكن ولو
أعتقه رب المال كان حرا لأنه أعتق
ملك نفسه ولا ضمان على رب المال
فيه لأن جميعه مشغول برأس المال
ورأس المال خالص حق رب المال وقد
بطلت المضاربة إن لم يكن في يد
المضارب سوى العبد من مال
المضاربة شيء لأن المال قد تلف
كله بإتلاف رب المال.
ولو أن المضارب اشترى بخمسمائة
درهم من الألف عبدا يساوي ألفا
فأعتقه المضارب فعتقه باطل لما
قلنا وإن أعتقه رب المال جاز عتقه
وصار مستوفيا لرأس المال بعتقه
فتبقى الخمسمائة ربحا في يد
المضارب فيقسمانها نصفين ولو كان
اشترى بالألف عبدا يساوي ألفين
فأعتقه المضارب جاز عتقه في ربعه
لأن المال كله من جنس واحد وفيه
فضل على رأس المال فيملك المضارب
حصته من الربح وذلك ربع العبد فإن
نصفه مشغول برأس المال والنصف
الآخر ربح بينهما نصفان وإعتاق
أحد الشريكين صحيح في حصته ثم عند
أبي حنيفة رحمه الله إن كان موسرا
فلرب المال الخيار بين أن يضمن
المضارب ثلاثة أرباع قيمته وبين
أن يستسعى العبد فيها وبين أن
يعتقه بناء على مذهبه أن العتق
يتجزأ وعندهما قد عتق كله
والمضارب ضامن لرب المال ثلاثة
أرباع قيمته إن كان موسرا وإن كان
معسرا استسعى العبد في ثلاثة
أرباع قيمته وهي مسألة معروفة في
العتاق.
ولو كان المضارب اشتراه بخمسمائة
درهم من المضاربة وهي تساوي ألفين
فأعتقه وهو موسر جاز عتقه في ربعه
ويأخذ رب المال الخمسمائة الباقية
من رأس المال ويضمن المضارب تمام
رأس ماله خمسمائة ونصف الربح وهو
سبعمائة وخمسون ويرجع المضارب في
قول أبي حنيفة رحمه الله على
العبد بجميع ما ضمن وهو ألف
ومائتان وخمسون ويرجع المضارب
أيضا على العبد بمائتين وخمسين
فيستسعيه فيها وذلك تمام ما كان
وجب له من الربح لأن عتقه إنما
نفذ في القدر الذي هو مملوك له
وقت الإعتاق وذلك ربع العبد
فالعبد كأنه جميع مال المضاربة
لأن ما سواه ليس من جنسه وإذا نفذ
عتقه في ربعه وذلك خمسمائة أخذ رب
المال الخمسمائة الباقية من رأس
ماله وضمن المضارب الخمسمائة
الأخرى من قيمة العبد تمام رأس
ماله وظهر أن الربح ثلاثة أرباع
العبد وهو ألف وخمسمائة لكل واحد
منهما سبعمائة وخمسون فيغرم
المضارب لرب المال حصته وذلك
سبعمائة وخمسون وقد أتلف من نصيب
نفسه بالإعتاق خمسمائة فإنما بقي
له مائتان وخمسون فيستسعى العبد
في ذلك ويرجع عليه أيضا بما ضمن
لرب المال وذلك ألف ومائتان
وخمسون لأنه ضمن له ذلك بإعتاقه
ج / 22 ص -97-
ومن أصل أبي حنيفة رحمه الله أن المعتق إذا ضمن يرجع بما ضمن على
العبد فيستسعيه فيه لأنه قائم
مقام الساكت في ذلك وقد كان
للساكت أن يستسعى العبد في ذلك
فكذلك للمعتق إذا ضمن ولأنه
بالضمان ملك نصيبه فيستسعى العبد
في ذلك لإتمام العتق وعند أبي
يوسف ومحمد يعتق العبد كله
ويستوفي رب المال الخمسمائة
الباقية من رأس ماله ويضمن
المضارب ألفا ومائتين وخمسين
درهما ولا سعاية له على العبد في
شيء بناء على أصلهما أن العتق لا
يتجزأ.
ولو اشترى المضارب بألف المضاربة
عبدين كل واحد منهما يساوي ألفا
فأعتقهما المضارب فعتقه باطل
عندنا وعند زفر رحمه الله نافذ في
ربع كل واحد منهما وقيل على قول
أبي يوسف ومحمد رحمه الله ينبغي
أن يكون الجواب كذلك بناء على
أصلهما أن الرقيق يقسم قسمة واحدة
فكان هذا بمنزلة جنس واحد من
المال فيملك المضارب حصته من
الربح وعند أبي حنيفة رحمه الله
لا يجري في الرقيق قسمة الجبر
فيستسعى كل واحد من العبدين على
حدته وكل واحد منهما مشغول برأس
المال والأصح عند علمائنا الثلاثة
رحمهم الله أن لا ينفذ عتق
المضارب في شيء منها لأنهما يريان
قسمة الجبر على الرقيق عند إمكان
اعتبار المعادلة إذا رأى القاضي
النظر في ذلك فعند عدم هذا الشرط
كل واحد منهما معتبر على حده لا
فضل في كل واحد منهما على رأس
المال فلا ينفذ عتق المضارب في
شيء منها فزفر رحمه الله يقول
العبدان في حكم المضاربة كعبد
واحد ورأس المال ألف درهم فيتيقن
بوجود الفضل فيهما على رأس المال
فينفذ عتق المضارب في حصته وهو
الربع كما في العبد الواحد.
ألا ترى أنه لو أعتقهما رب المال
كان ضامنا حصة المضارب خمسمائة
فإذا ظهر نصيب المضارب في حق وجوب
الضمان له عند إعتاق رب المال
فلإن يظهر نصيبه في تنفيذ العتق
كان أولى ولنا أن بإعتاق رب المال
إياهما يصل إليه رأس المال فيظهر
الفضل فأما بإعتاق المضارب إياهما
لا يصل إلى رب المال شيء ولا فضل
في واحد منهما على رأس المال
فيعتبر كل واحد منهما على حدة
كأنه ليس معه غيره فلا ينفذ عتق
المضارب في واحد منهما.
يوضحه أن للمضارب هنا حقا يتقرر
عند وصول رأس المال إلى رب المال
لا قبله.
ألا ترى أنه لو هلك أحدهما كان
الباقي كله لرب المال برأس ماله
وباعتبار الحق يجب الضمان ولكن لا
ينفذ العتق وإنما ينفذ باعتبار
الملك ولا ملك له في واحد منهما
عند الإعتاق فلهذا لا ينفذ عتقه
وإن زادت قيمتهما بعد ذلك كان
العتق باطلا أيضا لأنه إنما يملك
نصيبه الآن حين ظهر الفضل فيهما
على رأس المال بزيادة قيمتهما ومن
أعتق ما لا يملك ثم ملك لا ينفذ
عتقه ولو أعتقهما رب المال معا
عتقا لأن كل واحد منهما ملكه لكون
كل واحد منهما مشغولا بملك رأس
المال وألف ربح فيضمن حصة المضارب
من ذلك وهو خمسمائة موسرا كان أو
معسرا ولا سعاية على العبد عندهم
جميعا لأن كل واحد منهما عتق
ج / 22 ص -98-
كله بإعتاق المالك إياه فلا يلزمه السعاية ورب المال صار متلفا حق
المضارب من الربح بالعتق فيضمن له
موسرا كان أو معسرا فإن أعتق
أحدهما قبل صاحبه عتق الأول كله
وولاؤه له ويعتق من الثاني نصفه
لأنه حين نفذ عتقه في الأول منهما
قد وصل إليه كمال رأس ماله وبقي
العبد الآخر ربحا والربح مشترك
بينهما نصفان فهو بإعتاق الثاني
أعتق عبدا مشتركا بينه وبين غيره
وحكم هذا في الخيار والاستسعاء
والتضمين معروف.
ولو كان المضارب اشترى بها عبدين
يساوي أحدهما ألفين والآخر ألفا
فأعتقهما المضارب معا أو متفرقين
وهو موسر فعتقه في دين قيمته ألف
درهم باطل لأنه لا فضل في قيمته
على رأس المال فلا يملك هو شيئا
منه وأما الذي قيمته ألفان
فالمضارب مالك لربعه حين أعتقه
فيعتق منه ربعه ثم باع الذي قيمته
ألف درهم فيستوفي رب المال من ذلك
رأس ماله لأن رأس المال يحصل من
شراء الأموال وذلك مالية العبد
الذي لقي فيه عتقه بطريق البيع
فقد تعذر البيع في معتق العبد
فإذا وصل إليه رأس ماله ظهر إن
العبد الثاني كله ربح وأن نصيب
المال منه ألف درهم فيضمن المضارب
ذلك لرب المال إن كان موسرا ويرجع
بها على العبد في قول أبي حنيفة
ويستسعيه أيضا في خمسمائة تمام
نصيبه لأنه حين أعتق ما كان يملك
منه إلا الربع فإن حدث له ملك في
ربع آخر بعد ذلك بأن وصل إلى رب
المال رأس ماله لا ينفذ ذلك العتق
فيه فلهذا يستسعيه في هذا الربع
لتتميم العتق.
ولو لم يعتقهما المضارب وأعتقهما
رب المال في كلمة واحدة فالعبد
الذي قيمته ألف جزء من مال رب
المال ولا سعاية عليه وأما العبد
الذي قيمته ألفان فثلاثة أرباعه
جزء من مال رب المال لأن عتقه
إنما نفذ فيه بقدر ملكه فيهما وقت
الإعتاق وقد كان مالكا جميع العبد
الأوكس لأنه لا فضل فيه على رأس
المال وثلاثة أرباع الأرفع فينفذ
عتقه في ذلك القدر وأما الربع
الباقي فإن كان رب المال موسرا
فالمضارب في قول أبي حنيفة رحمه
الله بالخيار إن شاء أعتق ذلك
الربع وإن شاء استسعى العبد فيه
وإن شاء ضمنه رب المال ويرجع به
رب المال على العبد وإن كان معسرا
فإن شاء أعتق وإن شاء استسعى وهذا
ظاهر وضمن المضارب أيضا رب المال
تمام حصته من الربح وذلك خمسمائة
موسرا كان أو معسرا لأنه بالإعتاق
صار متلفا مقدار ألفين وخمسمائة
ألف من ذلك رأس ماله وألف
وخمسمائة ربح وقد وصل إلى
المضارب خمسمائة إما بالتضمين أو بالاستسعاء فيسلم مثله لرب المال
بقي ألف درهم بما أتلفه فنصفها
حصة المضارب فلهذا غرم له خمسمائة
موسرا كان أو معسرا.
والحاصل: أن كل شيء زاد به نصيب
المضارب بعد عتق رب المال فالضمان
فيه على رب المال ولا ضمان فيه
على العبد وكل ما كان الملك فيه
ظاهرا للمضارب وقت إعتاق رب المال
فالحكم فيه بالتضمين والاستسعاء
يختلف باليسار والإعسار كما بينا
ثم رب المال لا يرجع على العبد
بما ضمن للمضارب من هذه الخمسمائة
الأخرى لأنه التزم ذلك بالإتلاف
فإن كان رب المال أعتق الذي قيمته
ألفان أولا عتق منه ثلاثة أرباعه
لما بينا ثم تبين بوصول
ج / 22 ص -99-
رأس المال إلى رب المال أن الآخر كله ربح مشترك بينهما فإنما ينفذ
عتق رب المال في نصفه فالحكم فيه
بمنزلة الحكم في العبد المشترك
يعتقه أحد الشريكين وإن كان أعتق
الذي قيمته ألف درهم أولا عتق
الأول كله وصار رب المال مستردا
جميع رأس ماله فيظهر أن الآخر كله
ربح وأنه مشترك بينهما وإنما ينفذ
عتق رب المال في نصفه وللمضارب
الخيار في نصيبه كما بينا.
ولو اشترى بألف عبدين كل واحد
منهما يساوي ألفا فأعتقهما
المضارب معا أو أحدهما قبل صاحبه
ثم فقأ رب المال عين أحدهما أو
قطع يده فقد صار مستوفيا نصف رأس
ماله لأن العين من الآدمي نصفه
فصار متلفا نصفه بفقء العين أو
قطع اليد ولو كان العبد الأجنبي
يضمن نصف قيمته خمسمائة فإذا كان
من مال المضاربة صار مستوفيا نصف
رأس ماله ثم ظهر الفضل في العبد
الآخر لأن الباقي من رأس المال
خمسمائة وقيمته ألف إلا أن العتق
الذي كان من المضارب قبل ذلك فيه
باطل لأنه سبق الملك فلا ينفذ وإن
ظهر الملك من بعده وإن أعتقهما
المضارب بعد ذلك لم يجز عتقه في
المجني عليه لأنه لا فضل فيه عما
بقي من رأس المال وأما العبد
الآخر فيعتق منه ربعه نصف الفضل
على ما بقي من رأس المال فيه ثم
يباع المجني عليه فيدفع إلى رب
المال تمام رأس ماله ويضمن
المضارب إن كان موسرا لرب المال
نصف قيمة العبد الذي جاز عتقه فيه
لأنه ظهر أن جميعه ربح وأن نصفه
لرب المال فيضمن المضارب له ذلك
إذا كان موسرا ضمان العتق ويرجع
به على العبد ويرجع عليه أيضا
بمائتين وخمسين درهما وهذا قياس
قول أبي حنيفة رحمه الله لأنه ظهر
ملكه في نصفه إلا أن أعتقه حين
عتق ما نفذ إلا في ربعه فيستسعيه
في قيمة ربعه لتتميم العتق فيه.
وإذا دفع الرجل إلى الرجل ألف
درهم مضاربة بالنصف فاشترى بها
جارية تساوي ألفا فولدت ولدا
يساوي ألفا فادعاه المضارب فدعواه
باطل لأن كل واحد منهما مشغول
برأس المال ولا فضل فيه وكل واحد
منهما معتبر بانفراده فدعوته حصلت
في غير ملكه فهو ضامن لعقر
الجارية لأنه أقر بوطئها وهي
مملوكة لرب المال فعليه عقرها لما
سقط الحد عنه بالشبهة وله أن يبيع
الجارية وولدها فقد أبهم الجواب
هنا وهو على التقسيم فإن كانت
جاءت بالولد منذ اشتراها لأقل من
ستة أشهر فله أن يبيعها ولكن لا
يلزمه العقر لأنا تيقنا إن الوطء
سبق شراءه فلا يوجب عليه العقر
للمضاربة وإن كانت جاءت به لأكثر
من ستة فعليه العقر وله أن يبيعها
ما لم يستوف رب المال منه عقرها
فإن استوفى عقرها وهو مائة درهم
صحت دعوته وثبت نسب الولد منه
وصارت الجارية أم ولد له لأن ما
وصل إلى رب المال وهو مائة درهم
محسوب من رأس ماله فإنما يبقى من
رأس ماله تسعمائة وفي قيمة كل
واحد منهما فضل على ما بقي من رأس
المال فتصح دعواه ثم يغرم لرب
المال من قيمة الجارية تسعمائة
تمام رأس ماله وخمسين درهما مما
بقي موسرا كان أو معسرا لأن ضمان
الاستيلاد ضمان تملك فلا يختلف
باليسار والإعسار ولهذا لا يعتمد
الصنع فإذا غرم له
ج / 22 ص -100-
تسعمائة فقد وصل إليه تمام رأس ماله وصارت المائة الباقية من
قيمتها ربحا بينهما فيغرم حصة رب
المال من ذلك خمسين درهما وأما
الولد فهو ربح كله ويعتق نصيب
المضارب منه وهو النصف ويستسعى في
نصف قيمته لرب المال ولا ضمان على
المضارب في ذلك وإن كان موسرا
لأنه كالمعتق له وضمان الإعتاق لا
يجب إلا بالصنع وإنما عتق نصيبه
هنا حكما لظهور الفضل في قيمة كل
واحد منهما على رأس المال فإن لم
يبع واحد منهما ولم يستوف رب
المال عقرها حتى زادت الجارية
فصارت تساوي ألفين فهي أم ولد
للمضارب لأنه ظهر الفضل في قيمتها
على رأس المال فيملك المضارب حصته
منها وهو الربع فتصير أم ولد له
لأنه بدعواه نسب الولد قد أقر
أنها أم ولد له والإقرار
بالاستيلاد إذا حصل قبل الملك
يوقف على ظهور الملك في المحل
وبعد الملك يصير كالمجدد له ثم
الاستيلاد لا يحتمل الوصف بالتحري
في المحل فصار هو متملكا نصيب رب
المال منها وذلك ثلاثة أرباعها
ألف وخمسمائة ألف رأس ماله
وخمسمائة ربح فعليه قيمة ثلاثة
أرباعها موسرا كان أو معسرا لأنه
ضمان التملك وأما الولد فهو رقيق
على حاله ما لم يؤد ما عليه من
قيمة الأم أو يأخذ رب المال شيئا
من العقر لأنه لا فضل فيه على رأس
المال وله أن يبيعه فإن لم يبعه
حتى صار يساوي ألفين فإنه يصير بن
المضارب ويعتق منه ربعه لأنه ظهر
الفضل في قيمته على رأس المال
فملك المضارب نصيبه من الربح وذلك
ربع الولد فيعتق ذلك القدر عليه
بخلاف ما سبق أنه إذا أعتقه ولا
فضل فيه على رأس المال ثم ظهر
الفضل فيه لم ينفذ ذلك العتق لأن
إنشاء العتق متى سبق الملك لم
ينفذ بحدوث الملك في المحل بعده
ودعوى النسب إذا سبقت الملك نفذ
لحدوث الملك في المحل بعده
باعتبار أن سببه لا يحتمل الفسخ
بحال وهو كونه مخلوقا من مائة ثم
لا ضمان على المضارب فيه لأنه عتق
حكما لظهور الفضل في قيمته وضمان
العتق يعتمد الصنع وحين وجد منه
الصنع وهو الدعوى لم يعتق شيء منه
لأن علة العتق القرابة والملك
فإنما يضاف إلى آخر الوصفين وجودا
وقد حصل ذلك حكما بغير صنعه ولهذا
لو ورث بعض قريبه لم يضمن لشريكه
شيئا بخلاف الأم فإن ضمان
الاستيلاد ضمان تملك وهو لا يعتمد
الصنع.
ألا ترى أنه لو ورث بعض أم ولده
يضمن لشريكه نصيبه فإن استوفى رب
المال من المضارب ألف درهم صار ما
بقي من الابن وما بقي على المضارب
من قيمة الأم وعقرها على المضاربة
ربحا كله فإن كان العقر مائة درهم
ضمن رب المال المضارب الألف كلها
والمائة الدرهم فإذا أخذها كان
للمضارب مثل ذلك من الولد فيعتق
من الولد قدر ألف درهم ومائة
ويبقى تسعمائة فهو بين المضارب
وبين رب المال نصفين فيعتق حصة
المضارب ويستسعى الولد لرب المال
في حصته أربعمائة وخمسين ولرب
المال من ولاء الولد عشره وربع
عشره والباقي للمضارب في قول أبي
حنيفة رحمه الله وهذا اللفظ سهو
فإن لرب المال من ولاء الولد خمسه
وربع عشره لأن قيمة الولد ألفان
والذي عتق منه على ملك رب
ج / 22 ص -101-
المال قدر أربعمائة وخمسين وأربعمائة خمس
الألفين والخمسون ربع العشر فإن العشر مائتان
فعلمنا أن له من الولاء خمسه وربع عشره
والباقي للمضارب وقد طعن عيسى رحمه الله في
هذا الجواب فقال هو خطأ لأن الباقي بعد الألف
الذي استوفاها رب المال كله ربح بينهما نصفان
فلا يكون حصة المضارب من الولد خاصة ولكن
المضارب يضمن نصف ما بقي من نصف قيمة الأم
ونصف العقر واستسعى الولد في نصف قيمته
واستشهد ب المسألة التي ذكرها في آخر الباب
فإنه خرجها على هذا الوجه فقال تلك صحيحة وهي
تنقض هذه المسألة فقال مشايخنا رحمهم الله ما
ذكره عيسى هو القياس ولكن ما ذكره محمد رحمه
الله نوع استحسان وإنما أخذ به هنا لزيادة
العتق في الولد فأما لو سلكنا طريق القياس لم
يعتق الولد مجانا إلا بصفة وإذا صرنا إلى ما
ذكره محمد رحمه الله يعتق من الولد ثلاثة
أرباعه وربع عشره مجانا ومبنى العقد على
الغلبة والسراية فيترجح الطريق الذي فيها
تكثير العتق ثم الفرق بين هذه المسألة وبين
تلك بيناه في آخر الباب.
ولو كان المضارب معسرا لا يقدر على الأداء
فأراد رب المال أن يستسعى الجارية في رأس ماله
وحصته من الربح لم يكن له ذلك لأن ذلك دين على
المضارب ولا سعاية على أم الولد في دين مولاها
وإن أراد أن يستسعى الولد كان له ذلك في الألف
وخمسمائة ألف درهم رأس ماله وخمسمائة حصته من
الربح في الولد لأن نصيب المضارب من الولد وهو
الربع عتق بالدعوى فعليه السعاية في نصيب رأس
المال وهو ثلاثة أرباعه وهذا لأن الولد يعتق
بأداء السعاية والاستسعاء لتتميم العتق صحيح
فأما أم الولد فلا تعتق بأداء السعاية فلهذا
لا يلزمها السعاية في دين مولاها ثم لرب المال
ثلاثة أرباع ولاء الولد لأن هذا القدر عتق على
ملكه بأداء السعاية إليه ويرجع على المضارب
بنصف قيمة الأم ونصف العقد لأنها مع عقرها كله
ربح فيسقط عن المضارب حصته من ذلك ويغرم حصة
رب المال فإذا أدى ذلك إلى رب المال فأراد
الولد أن يرجع بشيء مما سعى فيه على واحد
منهما لم يكن له ذلك لأن عوض ما سعى فيه قد
حصل له وهو ذلك القدر من رقبته.
ولو كان المضارب حين اشترى الجارية بالألف وهي
تساوي ألفا فولدت ولدا يساوي ألفا فلم يدعه
ولكنه ادعاه رب المال فهو ابنه والأم أم ولد
له ولا يغرم للمضارب شيئا من عقر ولا قيمة
جارية لأن الجارية كلها مملوكا لرب المال إذ
لا فضل فيها على رأس المال فاستيلاده حصل في
خالص ملكه وذلك نقض منه للمضاربة بمنزلة ما لو
استردها بالإعتاق فلم يلزمه عقرها وقد علق
الولد حر الأصل ولا شيء للمضارب قبله من
قيمتها ولا من قيمة ولدها وكذلك لو كان الولد
يساوي ألفين لأن نسبه ثبت من وقت العلوق وإنما
علق حر الأصل فلا معتبر بقيمته قلت أو كثرت
ولو كانت الأم تساوي ألفين غرم ربع قيمتها
وثمن عقرها للمضارب لأنه حين استولدها كان
الربع منها للمضارب فيغرم له ربع قيمتها وقد
لزمه ربع عقرها أيضا باعتبار ملك المضارب لكن
هذا الربع من العقر ربح بينهما نصفان فتسقط
حصته من ذلك
ج / 22 ص -102-
ويغرم حصة المضارب وهو ثمن عقرها ولا ضمان
عليه في الولد لأنه علق حر الأصل فإن أصل
العلوق حصل في ملكه فتستند دعواه إلى تلك
الحالة ويكون الولد حر الأصل.
ولو كان المضارب هو الذي وطىء الجارية وقيمتها
ألفان فجاءت بولد فادعاها المضارب بعد ما
ولدته وقيمته ألف درهم فالولد ولد المضارب
لأنه كان مالكا لربعها حين استولدها وذلك يكفي
لثبوت نسب الولد بالدعوى ولا ضمان عليه فيه
وهو عبد لأنه لا يملك شيئا من الولد فإنه لا
فضل في قيمته على رأس المال ولو اشترى المضارب
ابنا معروفا له بمال المضاربة ولا فضل فيه على
رأس المال لم يعتق عليه فكذلك إذا ثبت النسب
بدعواه ويغرم لرب المال ثلاثة أرباع قيمة
الجارية لأن نصيبه منها صار أم ولد له وصار به
متملكا نصيب رب المال وهو ثلاثة أرباعها فلهذا
يغرم ثلاثة أرباع قيمتها ويغرم له ثلاثة أثمان
العقر ولكن ذلك ربح كله فيسقط نصف حصة المضارب
ويضمن لرب المال حصته من ذلك وهو ثلاثة أثمان
عقرها فإذا قبض رب المال ذلك عتق نصف الولد
لأن الولد صار ربحا كله فيعتق نصيب المضارب
منه وهو النصف ويسعى في نصف قيمته لرب المال
ولا ضمان على المضارب فيه لأن العتق حصل حكما
بحدوث ملكه فيه ولا يقال كان ينبغي أن يكون
الولد حر الأصل كما في جانب رب المال لأن رب
المال صار ناقضا للمضاربة باسترداد رأس المال
عنه عند الاستيلاد والمضارب لا يتمكن من ذلك
فلا يسلم له شيء من الربح ما لم يسلم رأس
المال لرب المال فلهذا كان الولد رقيقا وإنما
يعتق إذا سلم رأس المال لرب المال.
ولو كانت الجارية تساوي ألفا فولدت ولدا يساوي
ألفا فادعاه المضارب فغرمه رب المال المقر وهو
مائة درهم وأخذها صارت الجارية أم ولد للمضارب
ويعتق الولد ويثبت نسبه لظهور الفضل في قيمة
كل واحد منهما على ما بقي من رأس المال ويضمن
المضارب من قيمة الأم تسعمائة وخمسين درهما
تسعمائة ما بقي من رأس المال وخمسون حصة رب
المال من المائة التي هي ربح في الجارية فإذا
قبضها رب المال عتق نصف الولد من المضارب
ويسعى في نصف قيمته لرب المال وولاؤه بينهما
نصفان لأن الولد كله ربح بينهما نصفين وهذه هي
المسألة التي استشهد بها عيسى رحمه الله
والفرق بينها وبين الأول على جواب الكتاب من
وجهين.
أحدهما: أن في هذا الموضع سبب
عتق الولد اشترك فيه المضارب ورب المال فلهذا
لا يجمع نصيب المضارب من الربح في الولد كله
وهناك لا صنع لرب المال في السبب الموجب للعتق
في الولد وإنما السبب ظهور الفضل في قيمته على
رأس المال فلهذا يجمع جميع نصيب المضارب من
الربح في الولد لدفع الضرر عن رب المال بوصوله
إلى جميع نصيبه بالتضمين في الحال.
والثاني: أن الجمع هناك
لتغليب العتق وذلك لا يقوى هناك لأن تفاوت ما
بين الجمع والتفريق نصف عشر الولد فالربح من
الجارية قدر المائة وإن جعلنا ذلك كله لرب
المال لا يزداد العتق للولد إلا بقدر نصف
العشر وذلك قليل فلهذا لم يشتغل بالجمع هنا
ج / 22 ص -103-
وإن كان المضارب معسرا وقد أدى العقر فلرب
المال أن يستسعى الولد بتسعمائة وخمسين درهما
تسعمائة بقية رأس ماله لأنه لا وجه لاستسعاء
الجارية في ذلك فإنها أم ولد فلا يلزمها
السعاية في دين مولاها ولكن يستسعى الولد في
ذلك ليعتق ثم المائة الباقية منه ربح فيسعى
لرب المال في نصفها ويكون لرب المال من الولد
تسعة أعشاره ونصف عشره ويكون له نصف قيمة الأم
دينا على المضارب في قول أبي حنيفة رحمه الله
لأن الأم صارت ربحا كلها وإنما يضمن المضارب
لرب المال مقدار حصته منها بالاستيلاد وذلك
النصف والله أعلم.
باب جناية العبد في المضاربة والجناية عليه
قال رحمه
الله: رجل دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة فاشترى وباع وربح ثم اشترى
ببعضها عبدا يساوي ألفا فقتله رجل عمدا فلا
قصاص فيه لاشتباه المتوفى لأن في الحال العبد
كله مشغول برأس المال فالقصاص لرب المال دون
المضارب وباعتبار المال المضارب شريك لأن رب
المال باستيفاء القصاص لا يصير مستوفيا رأس
ماله فإن القصاص ليس بمال فلا بد أن يستوفي ما
بقي من المال بحساب رأس المال وإذا استوفى ذلك
ظهر في العبد فضل على ما بقي من رأس المال
فيكون المضارب شريكا بقدر حصته من الربح وليس
لأحد الشريكين أن ينفرد باستيفاء القصاص فإن
قيل كان ينبغي أن يجتمعا في استيفاء القصاص
قلنا هذا غير ممكن أيضا فإن المضارب يصير
مستوفيا لنفسه شيئا قبل أن يصل إلى رب المال
كمال رأس ماله وذلك لا يجوز وبه فارق العبد
المرهون إذا قتل عمدا واجتمع الراهن والمرتهن
في استيفاء القصاص فإن لهما ذلك في قول أبي
حنيفة وأحد الروايتين عن أبي يوسف رحمهما الله
وفي قول محمد رحمه الله وهو أحد الروايتين عن
أبي يوسف رحمه الله ليس لهما ذلك لأن حق
المرتهن مع حق الراهن فيه بمنزلة حق المضارب
مع حق رب المال هنا والفرق بينهما عند أبي
حنيفة وأبي يوسف إن هناك الحق لا يعد وهما
وليس في اجتماعهما على استيفاء القصاص ما
يتضمن مخالفة حكم الشرع بل مالية الرهن تصير
تاوية به ويسقط الدين وذلك مستقيم بتراضيهما
وهنا في اجتماعهما على الاستيفاء سلامة شيء
للمضارب قبل وصول كمال رأس المال إلى رب المال
يوضحه أن هناك الراهن هو المالك لجميع العبد
في الحال والمآل وللمرتهن حق فيشترط رضاه
ليتمكن المالك من استيفاء القصاص وهنا المالك
رب المال في الحال وباعتبار المآل المضارب
شريك في المآل وهو نظير المكاتب إذا قتل عن
وفاء وله وارث سوى المولى لا يجب القصاص
لاشتباه المستحق.
ولوكان المضارب اشترى بالألف المضاربة عبدا
يساوي ألف درهم فقتله رجل عمدا فالقصاص واجب
لرب المال لأن العبد قتل على ملكه ولا شركة
للغير فيه باعتبار الحال والمال إذ لا فضل في
المال على رأس المال فيجب القصاص له على
القاتل وقد خرج العبد عن المضاربة لأن القصاص
الواجب ليس بمال وقد صار مال المضاربة بحال لا
يتأتى فيه
ج / 22 ص -104-
التصرف بيعا ولا شراء فلهذا يخرج من المضاربة
كما لو أعتقه رب المال فإن صالحه على ألف درهم
كانت لرب المال من رأس ماله وإن صالحه على
ألفي درهم استوفى رب المال من ذلك رأس ماله
وما بقي بمنزلة الربح بينهما على ما اشترطا
لأن القود الواجب كان مثلا لمال المضاربة وقد
صار ذلك القود بالصلح مالا والمال عوض عن ذلك
القود وحكم العوض حكم المعوض إلا أنه كان لا
يظهر حق المضارب في القود لأنه ليس بمال
والربح لا يظهر ما لم يصل رأس المال إلى رب
المال فأما هنا العوض مال فيظهر نصيب المضارب
فيه إذا وصل رب المال رأس ماله وهو نظير
الموصى له بالثلث لا حق له في القصاص فإن وقع
الصلح عنه على مال ثبت فيه حق الموصى له.
ولو كان المضارب اشترى العبد بألف المضاربة
وهو يساوي ألفين فقتله رجل عمدا فلا قصاص عليه
وإن اجتمع على طلبه رب المال والمضارب لأن رب
المال لا ينفرد باستيفاء القصاص هنا للشركة
التي كانت للمضارب في العبد حين قتل ولا يجوز
أن يجتمعا على الاستيفاء لأن رب المال
باستيفاء القصاص لا يصير مستوفيا رأس ماله
فيؤدي إلى أن يستوفي المضارب شيئا لنفسه قبل
أن يصل إلى رب المال رأس ماله فلهذا لا يجب
القصاص أصلا ومتى تعذر إيجاب القصاص في العمد
المحض يجب بدل المقتول في مال القاتل وبدل
المقتول قيمته هنا فيأخذ المضارب قيمة العبد
من القاتل في ماله في ثلاث سنين لأن وجوب
المال بنفس القتل فيكون مؤجلا وإن كانت
العاقلة لا تعقله لكونه عمدا كالأب إذا قتل
ابنه عمدا ثم هذه القيمة على المضاربة يشتري
بها ويبيع بمنزلة ما لو غصب العبد غاصب وتلف
في يده.
ولو كانت قيمته ألف درهم أو أقل فقتل العبد
رجلا عمدا فادعى ذلك أولياؤه على العبد
وأقاموا عليه البينة بذلك والمضارب حاضر ورب
المال غائب لم يقض على العبد بالقصاص حتى يحضر
رب المال وكذلك إن حضر رب المال والمضارب غائب
ما لم يقض بالقصاص حتى يحضر المضارب لأن الملك
لرب المال واليد للمضارب وهي يد مستحقة له.
ألا ترى أنه يتمكن من التصرف باعتبارها على
وجه لا يملك رب المال نهيه عن ذلك فنزل هو
منزلة المالك واشتراط حضور المالك في القضاء
بالبينة على العبد بالقود قول أبي حنيفة ومحمد
رحمهما الله وفي قول أبي يوسف الآخر لا يشترط
ذلك لأن العبد في حكم دمه مبقي على أصل الحرية
وعندهما للمولي حق الطعن في الشهود فلا يجوز
تفويت ذلك الحق عليه بالقضاء بالبينة حال
غيبته وقد بينا المسألة في الآبق فحال غيبة
المضارب على الخلاف أيضا ولا خلاف أن العبد لو
أقر بالقتل عمدا فإنه يقضي عليه بالقود حضرا
أو لم يحضرا لأن الإقرار ملزم بنفسه وليس لهما
حق الطعن في إقراره ولو أقر العبد بذلك وهما
حاضران يكذبانه فيه وللمقتول وليان فعفا
أحدهما فإن حق ولي الآخر باطل لأن صحة إقراره
باعتبار أن المستحق به دمه وهو خالص حقه وبعد
عفو أحد الوليين المستحق للآخر هو المال
وإقراره في استحقاق الملك والمالية على مولاه
باطل كما لو أقر بجناية خطأ
ج / 22 ص -105-
وكذلك لو كان المضارب صدقه لأن العبد كله
مشغول برأس المال فالمضارب فيه كالأجنبي
وباعتبار اليد لا ينفذ إقراره كالمرتهن إذا
أقر بذلك على المرهون فإن كان في العبد فضل
فقيل له ادفع نصف حصتك إلى الولي الذي لم يعف
أو افده لأنه ملك حصته من الفضل ولو أقر فيه
بجناية خطأ خوطب بالدفع أو الفداء فكذلك
بجناية العمد بعد عفو أحد الوليين في نصيب
الآخر فإذا احتال أحدهما بطلت المضاربة لأنه
لو اختار الدفع فقد صار مملكه ذلك القدر من
جهة نفسه لا على وجه التصرف في مال المضاربة
وإن اختار الفداء فقد سلم له ذلك القدر بما
أدى من الفداء وذلك يبطل عقد المضاربة فيه
وإذا بطل حكم المضارب في بعض رأس المال بطل في
كله فيأخذ رب المال من العبد قدر رأس ماله
وحصته من الربح ويأخذ المضارب نصف حصته الذي
بقي ولو لم يكن في دفعه إلا إثبات الشركة
للغير في مال المضاربة لكان ذلك مبطلا
للمضاربة.
ولو كان المضارب أنكر ما أقر به العبد وأقر به
رب المال وقيمته ألف أو أقل قيل لرب المال
ادفع نصفه أو افده بنصف الدية لأن العبد كله
مملوك لرب المال فإقراره عليه بالجناية
الموجبة للمال صحيح فإن دفعه كان النصف الباقي
على المضاربة ورأس المال فيه خمسمائة لأنه في
حق المضارب صار هو مستوفيا نصفه بالدفع فيكون
ذلك محسوبا عليه من رأس ماله وإن كانت قيمته
أقل من ألف طرح من الألف قدر قيمة ما استهلك
رب المال من العبد بالدفع ورأس ماله ما وراء
ذلك والباقي على المضاربة يتمكن المضارب من
التصرف فيه ولو كانت قيمته ألفي درهم صدق رب
المال على حصته من ذلك وهو ثلاثة أرباع العبد
فيقال له ادفع نصف حصتك أو افده ويسلم لرب
المال نصف حصته من العبد ويكون للمضارب حصته
من العبد وهو الربع لأن المولي حين أقر عليه
بالجناية كان العبد مشتركا بينه وبين المضارب
أرباعا فإنما يعمل إقراره في نصيبه دون نصيب
المضارب.
ولو اشترى المضارب بألف المضاربة عبدا قيمته
ألف درهم فجني جناية خطأ لم يكن للمضارب أن
يدفعه بالجناية لأن العبد كله مملوك لرب المال
فالدفع بالجناية تمليك لا بطريق التجارة فلا
يملكه المضارب بعقد المضاربة كالتمليك بالهبة
والصدقة وكإبطال الملك فيه بالإعتاق وإن فداه
كان متطوعا في الفداء لأنه لا ملك له في العبد
وهو غير مجبر على هذا الفداء فهو فيه كأجنبي
آخر وكان العبد على المضاربة على حاله لأنه
فرغ من الجناية بالفداء فإن كان رب المال
حاضرا قيل له ادفعه أو افده لأنه هو المالك
لجميع العبد حين جنى والمالك هو المخاطب
بالدفع أو الفداء فإن اختار الفداء أخذه ولم
يكن للمضارب عليه سبيل لأنه سلم له العبد بما
أدى من الفداء فصار هو في حق المضارب كالتاوي
حين أبى المضارب أن يفديه فلا يبقي له حق فيه
باعتبار يده وإن أراد دفعه فقال المضارب أنا
أفديه ويكون على المضاربة لأني أريد أن أبيعه
فاربح فيه كان له ذلك لأن له في العبد يدا
معتبرة وباعتبارها يتمكن من التصرف على وجه لا
يملك رب المال منعه عن ذلك فيكون هو متمكنا من
ج / 22 ص -106-
استدامة يده بأداء الفداء لأنه لا يبطل
بالفداء شيئا من حق رب المال ورب المال بالدفع
يبطل حق المضارب ولو كان المضارب غائبا لم يكن
لرب المال أن يدفعه وإنما له أن يفديه لأنه
ليس في الفداء إبطال اليد المستحقة للمضارب
فيه بل فيه تقرير يده بعد ما أشرفت على الفوات
وفي الدفع تفويت يده فلا يملكه إلا بمحضر من
المضارب لأن له أن يختار الفداء إذا حضر فلا
يملك رب المال أن يبطل عليه خياره.
ولو كان المضارب اشترى ببعض المضاربة عبدا
فجنى جناية خطأ وفي يد المضارب من المضاربة
مثل الفداء أو أكثر لم يكن له أن يفديه بالمال
الذي في يده لأن الفداء من الجناية ليس من
التجارة وليس له أن يتصرف في مال المضاربة على
غير وجه التجارة وإنما له أن يفديه من مال
نفسه إن أحب ولو كان اشترى بألف المضاربة عبدا
يساوي ألفين فجنى جناية خطأ تحيط بقيمته أو
أقل منها لم يكن لواحد منهما أن يدفعه حتى
يحضرا جميعا لأن العبد مشترك بينهما ربعه
للمضارب وثلاثة أرباعه لرب المال وأحد
الشريكين في العبد لا ينفرد بدفع جميع العبد
وأيهما فداه فهو متطوع في الفداء لأن في نصيب
شريكه هو غير مجبر على الفداء ولا مضطر إلى
ذلك لإحياء ملكه فكان متبرعا فيه فإن حضرا
واختارا الدفع دفعاه وليس لهما شيء وإن اختارا
الفداء فالفداء عليهما أرباعا على قدر ملكهما
فيه وقد خرج العبد من المضاربة وليس للمضارب
بيع نصيب رب المال منه لأنه إنما سلم له بما
أدى من الفداء والمضارب قد رضي بفوات يده وحقه
فيه حين أبى الفداء في حصة رب المال فإن اختار
رب المال الفداء واختار المضارب الدفع فكل
واحد منهما يختص بملك نصيبه وله ما اختار في
نصيبه من دفع أو فداء وقد وقعت القسمة بينهما
وخرج العبد من المضاربة لأن رب المال إن دفع
نصيبه وفدى المضارب نصيبه فقد تميز نصيب
أحدهما من الآخر وكذلك إن كان المضارب دفع
نصيبه وتميز نصيب أحدهما من نصيب الآخر لا
يكون إلا بعد القسمة فلهذا جعل ذلك قسمة
بينهما وإبطالا للمضاربة ولأن بالتخيير في حق
كل واحد يثبت في نصيبه حكم ليس ذلك من حكم
المضاربة فيتضمن ذلك بطلان المضاربة بينهما
والله أعلم
باب ما يجوز للمضارب أن يفعله وما لا يجوز
قال رحمه
الله: وإذا اشترى المضارب بألف المضاربة عبدا أو أمة ليس له أن يزوج
واحدا منهما في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما
الله وفي قول أبي يوسف رحمه الله يزوج الأمة
ولا يزوج العبد لأن في تزويج الأمة اكتساب
المال وإسقاط نفقتها من مال المضاربة وذلك
بمنزلة بيعها وإجارتها وتزويج العبد إضرار لا
منفعة فيه للمضاربة ولهما أن المضارب فوض إليه
التجارة في هذا المال والتزويج ليس من التجارة
فإن التجار ما اعتادوه ولم نعرف في موضع من
البلدان سوقا معدا للتزويج وفيما ليس بتجارة
المضارب كغيره من الأجانب.
ألا ترى إنه لا يكاتب لأن الكتابة ليست بتجارة
وإن كان فيها اكتساب المال فكذلك تزويج الأمة
ج / 22 ص -107-
وإن كاتب عبدا من المضاربة ولا فضل في قيمته
على رأس المال فأدي الكتابة فهو عبد لأنه لو
أعتقه كان عتقه باطلا فكذلك إذا استوفى منه
بدل الكتابة وما أداه فهو من المضاربة لأنه
كسب عند المضاربة والكسب يتبع الأصل فإذا كان
المكتسب على المضاربة فكذلك كسبه وإذا كان
كاتبه وفيه فضل على رأس المال فالكتابة أيضا
باطلة لأنه لا يمكن تنفيذها على المضاربة
فإنها ليست بتجارة ولا يمكن تنفيذها في نصيب
نفسه باعتبار ملكه لأن ذلك القدر يخرج من
المضاربة فيؤدي إلى سلامة شيء للمضارب قبل
وصول رأس المال إلى رب المال ثم هذا عبد مشترك
بينهما وأحد الشريكين إذا كاتب فللآخر أن يفسخ
الكتابة لدفع الضرر عن نفسه فهنا للمولي أن
يبطل الكتابة أيضا فإن لم يبطلها حتى أدى
البدل عتق نصيب المضارب منه لأنه كان علق عتقه
بالأداء فعند استيفاء البدل منه يصير كالمعتق
إياه وإعتاق المضارب في نصيب نفسه صحيح إذا
كان في العبد فضل على رأس المال ثم حصة نصيب
المضارب من المكاتب وهو الربع يسلم له وما
وراء ذلك كسب ثلاثة أرباعه فيكون على المضارب
يستوفي رب المال منه رأس المال وما بقي بعد
ذلك اقتسماه على الشرط في الربح ثم رب المال
بالخيار في قول أبي حنيفة رحمه الله إن شاء
ضمن المضارب إن كان موسرا نصف قيمة العبد إذا
كانت المضاربة بالنصف وإن شاء استسعى العبد
وإن شاء أعتقه لأنه لما وصل إلى رب المال رأس
المال بقي العبد كله ربحا فيكون بينهما نصفين
وقد عتق نصيب المضارب منه باعتاقه وهو موسر
فيكون للثالث ثلاث خيارات كما هو أصل أبي
حنيفة.
ولو كان المضارب أعتقه على ألفي درهم ولا فضل
في قيمته على رأس المال فعتقه باطل لأنه لا
يملك إعتاق شيء منه بغير عوض لانعدام ملكه في
شيء من الرقبة فكذلك لا يملك الإعتاق بعوض وإن
كان فيه فضل عتق نصيبه منه بحصته من المال
الذي أعتقه عليه لأنه في حصته يملك الإعتاق
بغير عوض فيملك الإعتاق بعوض وشرط العتق قبول
العبد جميع العوض وقد وجد وسلم تلك الحصة له
ورب المال بالخيار وإن كان المضارب موسرا بين
التضمين والاستسعاء والإعتاق.
إذا دفع الرجل إلى رجل ألف درهم مضاربة فاشترى
ببعضها عبدا فرهنه المضارب بدين عليه من غير
المضاربة لم يجز كان في العبد فضل على رأس
المال أو لم يكن لأنه صرف مال المضاربة إلى
حاجة نفسه والرهن نقيض الاستيفاء وليس له أن
يوفي دين نفسه بمال المضاربة قبل القسمة فكذلك
لا يرهن به فإن رهنه بدين من المضاربة وفيه
فضل أو ليس فيه فضل فالرهن جائز لأنه يملك
إيفاء دين المضاربة بمال المضاربة فيملك الرهن
أيضا وهذا لأنه من صنيع التجار والمضارب فيما
هو من صنيع التجار بمنزلة المالك ولو لم يرهنه
ولكن العبد استهلك مالا لرجل أو قتل دابة
فباعه المضارب في ذلك دون حضور رب المال أو
دفعه إليهم بدينهم أو قضى الدين عنه من مال
المضاربة فذلك جائز لأن ما فعله من صنيع
التجار
ج / 22 ص -108-
أما البيع فلا يشكل وكذلك قضاء الدين عنه لأن
فيه تخلص المالية فيكون بمنزلة فكاك الرهن
بقضاء الدين وهذا بخلاف جنايته في بني آدم فإن
موجب الجناية الدفع أو الفداء وليس ذلك من
التجارة فليس تستند المضاربة به.
ولو أذن المضارب لهذا العبد في التجارة ولم
يقل له رب المال في المضاربة اعمل برأيك جاز
ذلك على رب المال لأن الإذن في التجارة من
التجارة وبمطلق العقد يملك المضارب ما هو من
التجارة في مال المضاربة مطلقا فإن اشترى
العبد عبدا من تجارته فجنى عبده جناية لم يكن
للعبد أن يدفعه ولا يفديه حتى يحضر رب المال
والمضارب وهذا بخلاف العبد المأذون من جهة
مولاه إذا اشترى عبدا فجنى جناية فإن للمأذون
أن يدفعه أو يفديه لأن هناك العبد استفاد
الإذن ممن يخاطب بموجب جنايته فكذلك هو بعد
انفكاك الحجر يخاطب بموجب جناية عبده فيخير
بين الدفع والفداء وأما عبد المضاربة فاستفاد
الإذن من جهة من لا يكون مخاطبا بموجب جنايته
فكذلك هو لا يكون مخاطبا بموجب جناية عبده في
الدفع أو الفداء قبل حضور رب المال والمضارب
وهذا لأن المأذون من جهة المضارب لا يكون أحسن
حالا في التجارة من المضارب فإذا كان المضارب
لا ينفرد بدفع عبد المضاربة بالجناية ولا
بالفداء من مال المضاربة قبل أن يحضر رب المال
فكذلك المأذون من جهته لأن كسب هذا المأذون
مال المضاربة لنفسه.
وإذا دفع الرجل مال ابنه الصغير مضاربة بالنصف
أو بأقل أو بأكثر فهو جائز لأنه مأمور بقربان
ماله بالأحسن وقد يكون الأحسن هذا فقد لا يجد
من يحتسب بالتصرف في ماله ولا يتفرغ لذلك
لكثرة أشغاله وإن استأجر من يتصرف في ماله وجب
الأجر حصل الربح أو لم يحصل فكان أنفع الوجوه
للصبي أن يجعل المتصرف شريكا في الربح التابع
في النظر لأجل نصيب نفسه من الربح ولا يغرم
الصبي له شيئا إن لم يحصل الربح وكذلك لو أخذه
لنفسه مضاربة لأن منفعة الصغير في هذا أبين
فإنه أشفق على ماله من الأجنبي ويكون المال
عنده محفوظا فوق ما يكون عند الأجنبي.
ولو أخذ الأب لابنه الصغير مال رجل مضاربة
بالنصف على أن يعمل به الأب للابن فعمل به
الأب فربح فالربح بين رب المال والأب نصفان
ولا شيء للابن من ذلك لأن الربح في المضاربة
يستوجب بالعمل وإذا كان العمل مشروطا على الأب
فما يقابله من الربح يكون له وهذا لأنه يعمل
بمنافعه وهو العقد على منافع نفسه ولا يكون
نائبا عن الابن فكانت الإضافة إلى الابن لغوا
إذا كان العمل مشروطا على الأب ولو كان مثله
يشتري ويبيع فأخذه الأب على أن يشتري به
الغلام ويبيع والربح نصفان فالمضاربة جائزة
والربح بين رب المال والابن نصفان لأنه ممن
يملك التصرف عند الإذن له في التجارة والأب
نائب عنه فيما هو من عقود التجارة وفيما هو من
عقود التجارة عليه وأخذ المال له المضاربة
بتلك الصفة فمباشرة الأب له كمباشرته بنفسه أن
لو كان بالغا وكذلك لو عمل به الأب للابن
بأمره لأنه استعان
ج / 22 ص -109-
بالأب في إقامة ما التزم من العمل بعقد
المضاربة ولو استعان بأجنبي آخر كان عمل
الأجنبي له بأمره كعمله بنفسه فكذلك إذا
استعان فيه نائبه وإن كان الابن لم يأمره
بالعمل فهو ضامن للمال لأن رب المال إنما رضي
بتصرف الصبي لا بتصرف أبيه فيكون الأب في
التصرف فيه كأجنبي آخر بخلاف مال الصبي فله
ولاية التصرف فيه شرعا لكونه قائما مقام الصبي
وإن ثبت أنه في هذا التصرف كأجنبي آخر كان
غاصبا ضامنا للمال والربح له يتصدق به لأنه
استفاده بكسب خبيث والوصي في جميع ذلك بمنزلة
الأب لأنه بعد موته قائم مقامه فيما يرجع إلى
النظر للصغير في ماله.
وإذا دفع المكاتب مالا مضاربة بالنصف أو بأقل
أو بأكثر أو أخذ مالا مضاربة فهو جائز وكذلك
العبد المأذون له في التجارة لأن هذا من عمل
التجار وكذلك الصبي المأذون له في التجارة
لأنه منفك الحجر عنه فيما هو من صنيع التجار
كالعبد وإن دفعه الصبي بغير إذن أبيه أو وصيه
وهو غير مأذون له في التجارة فعمل به المضارب
فهو ضامن له لأنه غاصب للمال فإذن الصبي له في
التصرف ودفعه المال إليه بدون رأي الولي باطل
وإذا كان غاصبا ضمن المال وملك المضمون
بالضمان والربح له ويتصدق به والله أعلم.
باب مضاربة أهل الكفر
قال رحمه
الله: ولا بأس بأن يأخذ المسلم من النصراني مالا مضاربة لأنه من نوع
التجارة والمعاملة أو هو توكيل من رب المال
إياه بالتصرف فيه ولا بأس للمسلم أن يلي البيع
والشراء للنصراني بوكالته ويكره للمسلم أن
يدفع إلى النصراني مالا مضاربة وهو جائز في
القضاء كما يكره أن يوكل النصراني بالتصرف في
ماله وهذا لأن المباشر للتصرف هنا النصراني
وهو لا يتحرز عن الزيادة ولا يهتدي إلى
الأسباب المفسدة للعقد ولا يتحرز عنها اعتقادا
وكذلك يتصرف في الخمر والخنزير ويكره للمسلم
أن ينيب غيره منابه في التصرف فيها ولكن هذه
الكراهة ليست لعين المضاربة والوكالة فلا
تمتنع صحتها في القضاء.
ولا يكره للمسلم أن يدفع ماله إلى مسلم
ونصراني مضاربة لأن النصراني لا يستبد بالتصرف
في هذا المال دون المسلم والمسلم لا يمكنه من
الربا والتصرف في الخمر فكان دفعه إليهما
مضاربة كالدفع إلى المسلمين ولا ينبغي للمضارب
ولا لرب المال أن يطأ جارية اشتراها للمضاربة
كان فيها فضل على رأس المال أو لم يكن ولا
يقبلها ولا يلمسها لأنه إن لم يكن فيها فضل
فهي ملك رب المال ليست بزوجة للمضارب ولا بملك
يمين ولكن للمضارب فيها حق نسبة الملك حتى أن
رب المال لا يملك أخذها منه ولا نهي المضارب
عن التصرف فيها فكان المضارب ممنوعا عن التصرف
والتي يختص بالملك فيها والوطء ودواعيه من هذه
الجملة وكان رب المال ممنوعا من ذلك لقيام حق
المضارب فيها وفي المضاربة الصغيرة قال إذا لم
يكن فيها فضل فأحب إلي أن لا يطأها رب المال
ولا يعرض لها بشيء من هذا ولو فعل لم يكن آثما
فيه لأنه خالص ملكه وحق المضارب في المالية
وحل
ج / 22 ص -110-
الوطء ينبني على ملك المتعة وإنما يستفاد ذلك
بملك الرقبة دون ملك المالية وإن كان فيها فضل
فهي بمنزلة جارية مشتركة بين اثنين فلا يحل
لواحد منهما أن يطأها لأن حل الوطء ينبني على
ملك المتعة وإنما يستفاد ذلك بكمال ملك الرقبة
وببعض العلة لا يثبت شيء من الحكم.
ولو زوجها رب المال من المضارب فإن كان فيها
فضل فالنكاح باطل لأن المضارب يملك مقدار حصته
منها وملك جزء منها كملك جميع الرقبة في المنع
من النكاح ابتداء وبقاء وإذا بطل النكاح بقيت
على المضاربة كما كانت وإن لم يكن فيها فضل
جاز النكاح كما لو زوجها من أجنبي آخر لأن
ولاية التزويج تستفاد بملك الرقبة كولاية
الإعتاق ولو أعتقها رب المال أو دبرها نفذ ذلك
منه فكذلك إذا زوجها وقد خرجت من المضاربة لأن
التزويج ليس من التجارة وتنفيذ المولي فيها
تصرفا ليس من التجارة بل يكون إخراجا لها من
المضاربة فليس للمضارب أن يبيعها بعد ذلك.
ألا ترى أن المولى لو زوج أمته من كسب عبده
المأذون ولا دين عليه من المأذون أو غيره جاز
النكاح وخرجت الجارية من التجارة حتى لا يملك
المأذون بيعها بعد ذلك فكذلك المضارب.
وإذا اشترى المضارب بمال المضاربة جارية ثم
أشهد بعد ذلك أنه اشتراها لنفسه شراء مستقلا
بمثل ذلك المال أو بربح وكان رب المال أذن له
أن يعمل فيه برأيه أو لم يأذن فإن شراءه لنفسه
باطل ولا ينبغي له أن يطأها وهي على المضاربة
على حالها لأنه يشتري من نفسه لنفسه وأحد لا
يملك ذلك غير الأب في حق ولده الصغير وهذا
المعنى يضاد الأحكام وإن كان حين اشتراها بمال
المضاربة أشهد أنه يشتريها لنفسه فإن كان رب
المال أذن له في ذلك فذلك جائز وما اشترى فهو
له وهو ضامن لرب المال ما نقد لأنه قضى بمال
المضاربة دين نفسه فإن ثمن ما اشترى لنفسه
يكون عليه وإن كان رب المال لم يأذن له في ذلك
فالجارية على المضاربة لأنه أضاف الشراء إلى
مال المضاربة وهو لا يملك التصرف في مال
المضاربة إلا للمضاربة والمأمور بالتصرف لا
يعزل نفسه في موافقته أمر الآمر كالوكيل بشراء
شيء بعينه إذا اشترى ذلك الشيء لنفسه يكون
مشتريا لرب المال لأنه يريد عزل نفسه في
موافقة أمر الآمر فأما إذا كان أذن له في ذلك
فيتمكن من التصرف في هذا المال إلا للمضاربة
ويصير رب المال بهذا الإذن كالمقرض للمال منه
أن اشترى به لنفسه وإن كان اشتراها على
المضاربة وفيها فضل فأراد المضارب أن يأخذها
لنفسه فباعها إياه رب المال بربح فذلك جائز
ويستوفي رب المال من ذلك رأس ماله وحصته من
الربح وقد خرج المال من المضاربة لأن رب المال
لو باعها من غيره برضاه جاز فكذلك إذا باعها
منه وأكثر ما فيه إن للمضارب فيها شركة وشراء
أحد الشريكين من صاحبه جائز في نصيبه ثم قد
خرج المال من المضاربة لأنه حين اشتراها لنفسه
فقد تحول حكم المضاربة إلى ثمنها والثمن مضمون
في ذمة المضارب
ج / 22 ص -111-
ومن شرط المضاربة كون المال أمانة في يد
المضارب فإذا صار مضمونا عليه بطلت المضاربة.
ولو كان رب المال أراد أخذ الجارية لنفسه
فباعها إياه المضارب بزيادة على رأس المال فهو
جائز عندنا وهو قول زفر لا يجوز لأن الملك
فيها لرب المال حقيقة وللمضارب فيها حق وبيع
الحق لا يجوز ولنا أن هذا تصرف مفيد لأنه يخرج
به من المضاربة ما كان فيها ويدخل به في
المضاربة ما لم يكن فيها وهو الثمن ومبنى
التصرفات الشرعية على الفائدة فمتى كان مفيدا
كان صحيحا كالمولى إذا اشترى عبدا من عبده
المأذون المديون ويكون الثمن هنا على المضاربة
لأن شرط المضاربة ما انعدم بصيرورة الثمن دينا
في ذمة رب المال فإن العينية شرط ابتداء
المضاربة فأما في حالة البقاء في ذمة رب المال
وكونه في ذمة أجنبي آخر فسواء بخلاف الأول
فيكون المال أمانة في يد المضارب بشرط بقاء
العقد وابتدائه فإذا صار مضمونا عليه قلنا بأن
المضاربة تبطل.
وإذا دفع الرجل إلى الرجل مالا مضاربة بالنصف
فارتد المضارب أو دفعه إليه بعد ما ارتد ثم
اشترى وباع فربح أو وضع ثم قتل على ردته أو
مات أو قتل بدار الحرب جاز جميع ما فعل من ذلك
والربح بينهما على ما اشترطا لأن توقف تصرفاته
عند أبي حنيفة رحمه الله لتعلق حق ورثته بماله
أو لتوقف ملكه باعتبار توقف نفسه وهذا المعنى
لا يوجب تصرفه في مال المضاربة لأنه نائب فيه
عن رب المال وهو متصرف في منافع نفسه ولا حق
لورثته في ذلك فلهذا نفذ تصرفه والعهدة في
جميع ما باع واشترى على رب المال في قول أبي
حنيفة لأن حكم الردة نيط بردته وقد بينا ذلك
في ردة الوكيل وهذا لأنه لو لزمته العهدة لكان
قضى ذلك من ماله فإذا نحيت العهدة عنه بأن قتل
على ردته تعلق بما انتفع بتصرفه بمنزلة الصبي
المحجور عليه إذا توكل بالشراء للغير أو
بالبيع في قول أبي يوسف ومحمد وحاله في التصرف
بعد الردة كحاله قبل الردة فالعهدة عليه ويرجع
بذلك على رب المال.
وإن كان المضارب امرأة فارتدت أو كانت مرتدة
حين دفع المال إليها ثم فعلت ذلك كانت العهدة
عليها كما لو تصرفت لنفسها وهذا لأن المرتدة
لا توقف نفسها ما دامت في دار الإسلام ولا
يوقف مالها أو تصرفها أيضا بخلاف المرتد قال
ولو لم يرتد المضارب وارتد رب المال أو كان
مرتدا ثم اشترى المضارب وباع فربح أو وضع ثم
قتل المرتد أو مات أو لحق بدار الحرب فإن
القاضي يجيز البيع والشراء على المضاربة
والربح له ويضمنه رأس المال في قياس قول أبي
حنيفة رحمه الله وفي قول أبي يوسف ومحمد
رحمهما الله هو على المضاربة لأن رب المال حين
ارتد فقد توقفت نفسه وصار بحيث لا يملك التصرف
بنفسه فكذلك لا يملك المضارب التصرف له ولكن
ينفذ تصرفه في الشراء والبيع على نفسه ويضمن
ما نقد من مال المضاربة وعند أبي يوسف ومحمد
تصرفه نافذ على المضاربة ثم على قول أبي حنيفة
رحمه الله ينفذ شراؤه على نفسه غير مشكل ولكن
الإشكال في تنفيذ بيعه وإنما
ج / 22 ص -112-
ينفذ بيعه لأن ردة رب المال بعد ما صار المال
عروضا كموته وقد بينا أنه يملك البيع بعد موت
رب المال فلا بد من تنفيذ بيعه لذلك ثم شراؤه
بعد ذلك بالمال على نفسه ولو لم يدفع ذلك إلى
القاضي حتى رجع المرتد مسلما جاز جميع ذلك على
المضاربة كما اشترطا وهذا بخلاف الوكالة فإن
الموكل إذا ارتد ولحق بدار الحرب ثم عاد مسلما
جاز جميع ذلك على المضاربة كما اشترطا وهذا
بخلاف الوكالة فإن الموكل إذا ارتد ولحق بدار
الحرب ثم عاد مسلما لم يعد الوكيل على وكالته
أما إذا لم يتصل قضاء القاضي بلحاقه فلان هذا
بمنزلة الغيبة فلا يوجب عزل الوكيل ولا بطلان
المضاربة وأما بعد الالتحاق والقضاء به
فالوكيل إنما ينعزل بخروج محل التصرف عن ملك
الموكل إلى ملك ورثته وذلك مبطل للوكالة
والوكالة بعد ما بطلت لا تعود إلا بالتجديد
وهو غير مبطل للمضاربة لمكان حق المضارب كما
لو مات حقيقة وهذا الفرق فيما ينشأ من التصرف
بعد عود رب المال فأما فيما كان أنشأ من
التصرف فإن كان قد قضى القاضي بلحاقه لا ينفذ
ذلك التصرف على المضاربة بعد ما نفذ على
المضارب نفسه كما لو مات حقيقة فإن كان لم يقض
القاضي بلحاقه فهو كما لو غاب ثم رجع قبل
اللحوق بدار الحرب وأسلم فينفذ جميع ذلك على
المضاربة.
ولو كان لرب المال امرأة مرتدة كان جميع ذلك
جائزا على المضاربة إن أسلمت أو لم تسلم لأنها
تملك التصرف بعد الردة فكذلك ينفذ تصرف
المضارب لها بعد ردتها.
وإذا دفع الرجل إلى الرجل مالا مضاربة بالنصف
فارتد رب المال ولحق بدار الحرب فلم يقض في
ماله بشيء حتى رجع مسلما وقد اشترى المضارب
بالمال أو باع ورب المال في دار الحرب فذلك
كله جائز على المضاربة لأن اللحوق بدار الحرب
إذا لم يتصل به قضاء القاضي بمنزلة الغيبة.
ولو كان المضارب هو الذي ارتد ولحق بدار الحرب
واشترى به في دار الحرب وباع ثم رجع بالمال
مسلما فإن له جميع ما اشترى وباع من ذلك ولا
ضمان عليه في المال لأنه لما لحق بالمال دار
الحرب فقد تم استيلاؤه عليها لأنه حربي أدخل
مال المسلم دار الحرب بغير رضاه وهذا
الاستيلاء يوجب الملك له في المال فتصرفه بعد
ذلك لنفسه لا للمضاربة ولا ضمان عليه في المال
لأنه صار مستوليا مخالفا بعد الإحراز بدار
الحرب ولو استهلك بعد ذلك لم يكن عليه ضمان
لأن الموجب للتقوم في هذا المال كان هو
الإحراز بدار الإسلام وقد انقطع ذلك.
ألا ترى أنه لو لحق مرتدا ثم عاد فأخذ المال
فاستهلكه لم يكن عليه ضمان فكذلك إذا أدخله مع
نفسه في دار الحرب.
وإذا دفع الرجل إلى الرجل ألف درهم مضاربة
فاشترى بها ثم ارتد رب المال ولحق بدار الحرب
أو قتل مرتدا ثم باع المضارب العرض جاز بيعه
على المضاربة لأنه لو مات رب المال حقيقة كان
للمضارب بيع العروض بعد ذلك فكذلك إذا قتل أو
مات مرتدا وإن كان
ج / 22 ص -113-
المال في يده دراهم لم يكن له أن يشتري بها
شيئا اعتبارا للموت الحكمي بالموت الحقيقي وإن
كانت دنانير فليس له أن يشتري بها عين الدراهم
وإن كان غيرهما كان له أن يبيعه بما بدا له
حتى يصير في يده دراهم أو دنانير وإذا دخل
الحربي إلينا بأمان فدفع إليه مسلم مالا
مضاربة بالنصف فأودعه الحربي مسلما ثم رجع إلى
دار الحرب ثم دخل إلينا بعد ذلك بأمان وأخذ
المال من المستودع فاشترى به وباع فهو عامل
لنفسه ويضمن لرب المال رأس ماله لأنه لما عاد
إلى دار الحرب التحق بحربي لم يكن في دارنا قط
وذلك ينافي عقد المضاربة بينه وبين المسلم لأن
ما هو أقوى من المضاربة وهو عصمة النكاح منقطع
بتباين الدارين حقيقة وحكما فانقطاع المضاربة
بهذا السبب أولى فإذا بطلت المضاربة كان هو في
التصرف غاصبا ضامنا لرب المال رأس ماله.
ولو أن الحربي دخل بالمال دار الحرب فاشترى به
وباع هناك فهو له ولا ضمان عليه لأنه صار
مستوليا على المال حين دخل دار الحرب بغير إذن
رب المال وتم إحرازه لها فيكون متملكا متصرفا
فيه لنفسه وبعد الإسلام هو غير ضامن لما يملكه
على المسلم بالاستيلاء وإن كان رب المال أذن
له في أن يدخل دار الحرب فيشتري به ويبيع هناك
فإني أستحسن أن أجيز ذلك على المضاربة وأجعل
الربح بينهما على ما اشترطا إن أسلم أهل الدار
ورجع المضارب إلى دار الإسلام مسلما أو معاهدا
أو بأمان وفي القياس هو متصرف لنفسه لأن
المنافي للمضاربة قد تحقق برجوعه إلى دار
الحرب وإن كان بإذن رب المال بعد تحقق المنافي
لا يمكن تنفيذ تصرفه على المضاربة فيكون
متصرفا لنفسه بطريق الاستيلاء على المال ووجه
الاستحسان أنه ما دخل دار الحرب إلا ممتثلا
أمر رب المال ولا يكون مستوليا على ماله فيما
يكون ممتثلا فيه أمره وإذا انعدم الاستيلاء
كان تصرفه في دار الحرب وفي دار الإسلام سواء.
ألا ترى أن رب المال لو بعث بماله إليه ليتصرف
فيه له جاز وتكون الوديعة في ذلك التصرف على
رب المال والربح له فكذلك إذا أدخله مع نفسه
بإذن رب المال.
وإن ظهر المسلمون على تلك الدار والمال في يد
المضارب فربح فيه واشترى عرضا فيه فضل أولا
فضل فيه قال رب المال يستوفي من المضاربة رأس
ماله وحصته من الربح وما بقي فهو فيء للمسلمين
لأن الباقي حصة الحربي والحربي صار فيئا بجميع
أمواله فأما قدر رأس المال وحصته من الربح فهو
حق رب المال ورب المال مسلم ماله مصون عن
الاغتنام كنفسه وقيل هذا قول أبي حنيفة فأما
عندهما فينبغي أن يكون جميع المال فيئا لأنه
مال المسلم في يد الحربي ولا حرمة ليده وأصل
الخلاف في مسلم أودع ماله عند حربي في دار
الحرب ثم خرج إلى دار الإسلام ثم ظهر المسلمون
على الدار فعند أبي حنيفة هذا وما لو أودعه
عند مسلم أو ذمي سواء فلا يكون فيئا وعند أبي
يوسف ومحمد يد المودع على الوديعة لا تكون
أقوى من يده على مال نفسه ويد الحربي على مال
نفسه لا تكون دافعة للاغتنام فكذلك يده على
الوديعة
ج / 22 ص -114-
وإذا دخل الحربيان دار الإسلام بأمان فدفع
أحدهما إلى صاحبه مالا مضاربة بالنصف ثم دخل
أحدهما دار الحرب لم تنتقض المضاربة لأنهما من
أهل دار الحرب والذي بقي منهما في دار الإسلام
كأنه في دار الحرب حكما.
ألا ترى أنه يتمكن من الرجوع إلى دار الحرب
وأن زوجته التي في دار الحرب لا تبين منه
فانتقاض المضاربة بين المسلم والحربي الراجع
إلى دار الحرب كان حكما لتباين الدارين وذلك
غير موجود هنا.
ولو أن أحد الحربيين دفع إلى مسلم مالا مضاربة
بالنصف ثم دخل المسلم دار الحرب لم تنتقض
المضاربة وكذلك إن كان المضارب ذميا لأنه من
أهل دار الإسلام فإن دخل دار الحرب تاجرا حتى
لا تبين زوجته التي في دار الإسلام فيكون هذا
السفر في حقه بمنزلة السفر إلى ناحية أخرى من
دار الإسلام ولو دفع أحد الحربيين إلى صاحبه
مالا مضاربة على أن له من الربح درهما
فالمضاربة فاسدة وهما في ذلك بمنزلة المسلمين
والذميين لأن المضاربة من المعاملات وقد
التزموا أحكام الإسلام فيما يرجع إلى
المعاملات حين دخلوا دارنا بأمان للتجارة فما
يفسد بين المسلمين يفسد بينهم إلا التصرف في
الخمر والخنزير وكذلك حكم المسلمين في
المضاربة الفاسدة في دار الحرب ودار الإسلام
سواء لأن المسلم ملتزم أحكام الإسلام حيثما
يكون فإذا دخل المسلم والذمي دار الحرب بأمان
فدفع إلى حربي مالا مضاربة بربح مائة درهم أو
دفعه إليه الحربي فهو جائز في قول أبي حنيفة
ومحمد والربح بينهما على ما اشترطا حتى إذا لم
يربح إلا مائة درهم فهي كلها لمن شرط له
والوضيعة على رب المال وفي قول أبي يوسف رحمه
الله المضاربة فاسدة وللمضارب أجر مثله
وحالهما في ذلك كحالهما في دار الإسلام وهو
بناء على مسألة الربا فإنه لا يجري بين المسلم
والحربي في دار الحرب عن أبي حنيفة ومحمد
رحمهما الله خلافا لأبي يوسف رحمه الله
والعقود الفاسدة كلها في معنى الربا وإن كان
ربح أقل من مائة درهم فذلك للمضارب ولا شيء
على رب المال غيره لأنه إنما شرط له المائة من
الربح فلا يلزمه أداء شيء من محل آخر وهكذا إن
لم يربح شيئا فلا شيء له على رب المال لأن محل
حقه قد انعدم ولا وجه لإثبات الحق له في محل
آخر لانعدام السبب.
وإذا دفع المسلم المستأمن في دار الحرب مالا
مضاربة إلى رجل قد أسلم هناك ولم يهاجر إلينا
بربح مائة درهم وأخذ منه ذلك جاز على ما
اشترطا في قول أبي حنيفة رحمه الله وفي قول
أبي يوسف ومحمد رحمهما الله المضاربة فاسدة
وهو بمنزلة الربا أيضا فإن عند أبي حنيفة الذي
أسلم ولم يهاجر في حكم الربا كالحربي وعندهما
كالتاجر المسلم في دار الحرب وقد بينا المسألة
في الصرف والله أعلم بالصواب.
باب الشركة في المضاربة
قال
رحمه الله: وإذا دفع الرجل
إلى رجل مالا مضاربة ولم يقل له اعمل فيه
برأيك
ج / 22 ص -115-
فدفع المضارب المال إلى رجل وقال له اخلطه
بمالك هذا أو بمالي ثم اعمل بهما جميعا فأخذه
الرجل منه فلم يخلطه حتى ضاع من يده فلا ضمان
على المضارب ولا على الذي أخذه منه لأنه
بمنزلة الوديعة في يده ما لم يخلطه والمضارب
بمطلق العقد يملك الإيداع والإبضاع فلا يصير
هو بالدفع مخالفا ولا القابض بمجرد القبض منه
غاصبا ما لم يخلطه.
ولو كان رب المال حين دفع إليه المال مضاربة
قال له شارك به فدفعه المضارب إلى رجل مضاربة
جاز ولا ضمان على واحد منهما فيه لأن المضاربة
في معنى الشركة فإنه إشراك للمضارب في الربح
وبمطلق العقد إنما كان لا يملك الدفع مضاربة
لمعنى الاشتراك للثاني في الربح.
ألا ترى أنه يملك الإبضاع واستئجار الأجراء
للتصرف فيه فإذا أذن له في الإشراك كان ذلك
إذنا له في الدفع مضاربة وإذا اشترى الآخر به
وباع فهو على المضاربة بمنزلة ما لو كان قال
له رب المال اعمل فيه برأيك.
ولو دفع إليه ألف درهم مضاربة بالنصف ودفع
إليه ألفا أخرى مضاربة بالثلث أيضا ولم يقل في
واحد منهما اعمل فيه برأيك فخلطهما المضارب
قبل أن يعمل بشيء منهما ثم عمل فربح أو وضع
فلا ضمان عليه والوضيعة على رب المال لأن
المالين على ملك رب المال والمضارب أمين فيهما
والأمين بخلط الأمانة بعضها ببعض لا يصير
ضامنا لأن الخلط إنما يكون موجبا للضمان
باعتبار أن فيه معنى الاستهلاك لمال رب المال
أو معنى الشركة فيه وذلك لا يوجد إذا خلط
بماله ماله فإن ربح في المالين ربحا قسما نصف
الربح نصفين والنصف الآخر أثلاثا لأن نصف
الربح حصة الألف المدفوعة إليه مضاربة بالنصف
والنصف الآخر حصة الألف المدفوعة إليه مضاربة
بالثلث فما يكون من ربح كل واحد منهما بعد
الخلط معتبر به قبل الخلط وإن ربح في أحدهما
ووضع في الآخر قبل أن يخلطهما فالربح بينهما
على الشرط والوضيعة على المال الآخر ولا يدخل
أحد المالين في المال الآخر ذكر هذا في كتاب
المضاربة الصغيرة لأن كل واحد من المالين في
يده بحكم عقد على حدة وهو مختص بحكم فهو وما
لو كانا من جنسين مختلفين سواء في أن الوضيعة
التي تكون في أحدهما لا تعتبر كماله من ربح
ماله الآخر فإن خلطهما بعد ذلك صار ضامنا
للمال الذي وضع فيه ولا ضمان عليه في مال
الآخر لأنه صار شريكا في المال الذي ربح فيه
بمقدار حصته من الربح فإنما يخلط الذي وضع فيه
بمال نفسه في مقدار حصته من الربح وذلك موجب
الضمان عليه فأما المال الذي ربح فيه فإنما
خلطه بمال رب المال لأن الذي وضع فيه كله لرب
المال وقد بينا أن خلط رب المال
بماله لا يكون موجبا للضمان على المضارب فإن
عمل بعد ذلك كان ربح المال الذي كان وضعه
للمضارب يتصدق به لأنه بالضمان يملك ذلك المال
فيملك ربحه أيضا ولكنه استفاده بكسب خبيث
فيتصدق به وربح المال الآخر بينهما على الشرط
لأنه أمين فيه ممتثل أمر رب المال في التصرف
فيه.
ج / 22 ص -116-
ولو دفع إليه ألف درهم مضاربة فاشترى المضارب
بها وبألف من ماله جارية ثم خلط الألفين قبل
أن ينقدهما بعد الشراء ثم نقدهما فلا ضمان
عليه لأن حكم المضاربة بالشراء تحول من المال
إلى الجارية وتعين عليه قضاء ثمن الجارية
بالألفين ووجود الخلط قبل النقد في هذا الموضع
وعدمه سواء.
ألا ترى أنه لا يملك أن يصرف الألف إلى غيره
بل عليه دفعها إلى البائع مع الألف من عنده
وفي حق البائع لا فرق بين أن يأخذ الألفين
مختلطا أو غير مختلط والاختلاط الذي في
الجارية يثبت حكما لاتحاد الصفقة وقد بينا أن
المضارب لا يصير مخالفا ضامنا بمثل ذلك فإن
باعها بعد ذلك وقبض الثمن مختلطا فلا ضمان
عليه فيه لأنه بالبيع استوجب ثمن الكل جملة
فالاختلاط في الثمن حكمي بمنزلة الاختلاط في
الجارية وله أن يشتري بالثمن بعد ذلك ويبيع
فيكون نصفه على المضاربة حصة ما اشترى من
الجارية بمال المضاربة ونصفه للمضارب حصة ما
اشترى منها بمال نفسه.
وإن قسم المضارب المال بغير محضر من رب المال
فقسمته باطلة لأنه شريك مع رب المال في هذا
المال وأحد الشريكين لا ينفرد بالقسمة من غير
محضر من صاحبه لأن القسمة للحيازة والإفراز
وذلك لا يتم بالواحد وإنما يتحقق بين اثنين
ولو أن المضارب حين أخذ الألف المضاربة خلطها
بألف من ماله قبل أن يشتري بها كان مشتريا
لنفسه وهو ضامن لمال المضاربة لأنه بالخلط
بماله صار مستهلكا أو موجبا الشركة في مال
المضاربة على حال لم يأمره به رب المال فيصير
ضامنا وبعد ما صار ضامنا للمال لا تبقى
المضاربة لأن شرطها كون رأس المال أمانة في
يده فلهذا كان مشتريا لنفسه بها.
ولو كان خلط المال بعد ما اشترى به ثم لم ينقد
حتى ضاع في يده كان ضامنا لألف المضاربة حتى
يدفعها من ماله إلى البائع لأنه كان أمينا في
المال ما لم يسلمها إلى البائع والأمين إذا
خلط الأمانة بمال نفسه كان ضامنا في حق صاحب
الأمانة فما ضاع يكون مما له وعليه دفع الثمن
إلى البائع كما لو التزمه بالشراء ولا يرجع
على رب المال بشيء لأنه استوجب الرجوع بالألف
على رب المال ولرب المال عليه مثله فصار قصاصا
ولكن حكم المضاربة تحول من الألف إلى الجارية
فلا تبطل المضاربة بخلط الألف بعد ذلك ولكنه
إذا قبض الجارية كان نصفها على المضاربة
ونصفها للمضارب وهذا نظير ما لو كانت الجارية
مشتركة بين المضارب وبين الأجنبي فاشترى نصيب
الأجنبي منها بمال المضاربة للمضاربة فذلك
جائز ولا يصير هو مخالفا بشراء نصفها شائعا
للمضاربة.
ولو كان المضارب اشترى بألف المضاربة مع رجل
وبألف مع عبد ذلك الرجل جارية ودفعها قبل أن
يخلطاها ثم قبض الجارية فنصفها على المضاربة
ونصفها لذلك الرجل وهذا الشيوع لا يجعل
المضارب مخالفا في تصرفه على المضاربة فإن
باعا بثمن واحد وقبضا الثمن مختلطا فهو جائز
ولا ضمان على المضارب لأنه اختلاط ثبت حكما
لكون الأصل مختلطا
ج / 22 ص -117-
فإن قاسم المضارب ذلك الرجل الثمن فهو جائز
على رب المال لأن القسمة إما أن تكون تمييزا
أو مبادلة وكل واحد منهما يملكه المضارب في حق
رب المال فإن خلط مال المضاربة بمال ذلك الرجل
بعد القسمة فالمضارب ضامن للمضاربة لأن
بالقسمة تميز أحد المالين من الآخر فالخلط بعد
ذلك اشتراك واستهلاك حكمي باشره المضارب قصدا
فيصير ضامنا للمضاربة.
وإن شارك المضارب بمال المضاربة بإذن رب المال
ثم قال المضارب للشريك قد قاسمتك والذي في يدي
من المضاربة كذا وكذبه الآخر فالقول قول
الشريك مع يمينه لأن المضارب يدعي الإيفاء
وقطع الشركة فلا يصدق إلا بحجة ويدعي الاختصاص
بما بقي دون شريكه بعد ما علم إنه كان مشتركا
فلا يقبل قوله إلا بحجة وإذا دفع الرجل إلى
الرجل ألفا مضاربة بالنصف وأمره أن يعمل فيها
برأيه فعمل فربح ألفا ثم أعطاه ألفا أخرى
مضاربة بالثلث فعمل فيها برأيه فخلط خمسمائة
من هذه الألف بالمضاربة الأولى ثم هلك منها
ألف فالهالك في قول أبي يوسف هو ربح المال
الأول وقال محمد رحمه الله يهلك من ذلك كله
بالحساب ولم يذكر قول أبي حنيفة رحمه الله في
الكتاب وقوله كقول أبي يوسف رحمه الله هو بناء
على مسألة الأيمان إذا أعطى في يمينين كل
مسكين صاعا على قول أبي حنيفة رحمه الله وأبي
يوسف رحمهما الله لا يجزئه إلا عن يمين واحدة
وفي قول محمد يجزئه عنهما وجه قول محمد إن حكم
المالين مختلف لأن المال الأول مدفوع إليه
مضاربة بالنصف بعقد على حدة والذي خلطه من
المال الثاني في يده مضاربة بالثلث بعقد على
حدة فالسبيل أن يجعل الهالك من المالين جميعا
والباقي من المالين بالحساب.
ألا ترى إنه لو كان دفع الألف الأخرى إلى آخر
مضاربة يعمل فيه برأيه و المسألة بحالها كان
الهالك من المالين بالحصة فكذلك إذا كان
المدفوع إليه واحدا وأبو يوسف يقول الكل في حق
رب المال كمال واحد وقد اشتمل على أصل وتبع
فيجعل الهالك من التبع دون الأصل.
ألا ترى أنه لو هلك من المال ألف قبل أن يخلط
بالخمسمائة يجعل الهالك كله من الربح فكذلك
بعد الخلط وهذا لأنا لو جعلنا شيئا من الهالك
من الخمسمائة يؤدي إلى أن يسلم للمضارب شيء من
الربح قبل وصول جميع رأس المال إلى رب المال
وذلك لا يجوز لأن المستحق للربح واحد سواء كان
المالان دفعهما إليه رب المال بعقد واحد أو
بعقدين بخلاف ما إذا كان المضارب في الألف
الأخرى رجلا آخر لأن لكل واحد من المضاربين
بالمال المدفوع إليه حقا معتبرا وعند اختلاف
المستحق لا بد من أن يعتبر اختلاف السبب
فجعلنا الهالك من المالين فأما عند اتحاد
المستحق فلا حاجة إلى ذلك وهو نظير العبد
المأذون مع المولي وأجنبي إذا تنازعا في شيء
في أيديهم فإن لم يكن على العبد دين فهو بين
المولي والأجنبي نصفان لاتحاد المستحق فيما في
يد المولي والعبد بخلاف ما إذا كان على
ج / 22 ص -118-
العبد دين فالمستحق لكسب العبد هناك غرماؤه
فلا بد من اعتبار يد كل واحد منهم على حدة ولو
لم يهلك حتى عمل فربح ألفا أخرى فخمس هذا
الربح من المضاربة الأخيرة وأربعة أخماسه على
المضاربة الأولى لأن الربح نماء الربح وخمس
الربح نماء الخمسمائة التي خلطها من الألف
الأخرى بالمال فيكون بينهما على الثلث
والثلثين وأربعة أخماسه على المضاربة الأولى
فيكون مع الربح الأول بينهما نصفان.
وإذا دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة بالنصف يعمل
فيها برأيه فعمل فربح ألفا وأعطي رب المال
رجلا آخر ألف درهم مضاربة بالنصف يعمل فيها
برأيه ودفع المضارب الثاني الألف إلى هذا
الرجل أيضا مضاربة بالثلث يعمل فيها برأيه
فخلط الألف بالألفين فلا ضمان عليه لأن الأمر
من المضاربين كان مفوضا إلى رأيه على العموم
وقد صح منهما كما يصح من رب المال فيمنع ذلك
وجوب الضمان عليه بالخلط فإن ربح على ذلك كله
ألفا أمسك ثلثه لنفسه وقسم الثلثين الباقيين
المضاربان الأولان أثلاثا باعتبار ما دفعا
إليه من المال لأن أحدهما دفع إليه الألفين
والآخر دفع إليه ألفا فإذا أخذ صاحب الألفين
الثلثين من ذلك دفع إلى رب المال رأس ماله ألف
درهم وما بقي فلرب المال نصف ما كان ربح
المضارب الأول في المال من شيء وذلك خمسمائة
ونصف ذلك للمضارب ولرب المال أيضا ثلاثة أرباع
ما كان من الربح الثاني لأن المضارب الأول
أوجب للثاني ثلث الربح وذلك من نصيبه خاصة وقد
كان له نصف الربح فإنما بقي من حقه سهم وحق رب
المال في النصف وهو ثلثه فيجعل هذا الباقي
مقسوما بينهما على مقدار حقهما ثلاثة أرباعه
لرب المال وربعه للمضارب ويأخذ المضارب الآخر
من المضارب الثاني ثلث الثلثين ثم يدفع إلى رب
المال رأس ماله ويقاسمه الربح أرباعا ثلاثة
أرباعه لرب المال وربعه له لما بينا أنه أوجب
الثلث للمضارب المتصرف وذلك من نصيبه خاصة
فإنما بقي من حقه ثلث النصف وهو سهم من ستة
وحق رب المال في ثلثه فيجعل الربح مقسوما
بينهما أرباعا.
ولو كان المضارب الأول لم يربح شيئا حتى دفع
المال مضاربة بالثلث وأمره أن يعمل فيها برأيه
فعمل فربح ألفا ثم دفع إليه المضارب الثاني
الألف التي في يده مضاربة بالثلث وأمره أن
يعمل فيه برأيه فعمل فخلطها بألفين ثم عمل
وربح ألفا ثم دفع إليه المضارب الثاني الألف
التي في يده مضاربة بالثلث وأمره أن يعمل فيه
برأيه فخلطها بألفين ثم عمل فربح ألفا فإن
الربح على ثلاثة والوضيعة على ثلاثة بحسب
المال فنصيب الألف ثلث الربح ويأخذ المضارب
الآخر حصته من ذلك الثلث ثم يأخذ رب المال منه
رأس ماله ألفا واقتسما ما بقي بينهما لرب
المال ثلاثة أرباعه وللمضارب ربعه لأنه أوجب
ثلث الربح للمضارب الآخر وذلك من نصيبه خاصة
وما أصاب الألفين من الربح وهو الثلثان من ذلك
أخذ المضارب الآخر منه ومن الألف التي هي ربح
والألف الأول ثلثه لأن ذلك حصة من الربح ورد
ما بقي على المضارب الأول ويأخذ منه رب المال
رأس ماله وثلاثة أرباع ما يبقي بعده من الربح
ج / 22 ص -119-
وللمضارب ربعه لأنه قد أوجب ثلث الربح للمضارب
الآخر وذلك من نصيبه خاصة وإنما يقسم الباقي
على مقدار ما بقي من حق كل واحد منهما.
وإذا دفع الرجل إلى الرجل ألف درهم فقال نصفها
قرض عليك ونصفها معك مضاربة بالنصف فأخذها
المضارب فهو جائز على ما سمي أما في حصة
المضاربة فغير مشكل لأن الشيوع لا يمنع صحة
المضاربة فإن شرطها كون رأس المال أمانة في يد
المضارب وذلك في الجزء الشائع يتحقق وأما
القرض فلأنه تمليك بعوض والشيوع لا يمنع صحته
كالبيع بخلاف الهبة فإن الهبة تبرع محض
والتبرع ينفي وجوب الضمان على المتبرع وبسبب
الشيوع فيما يحتمل القسمة يجب ضمان المقاسمة
على المتبرع فأما القبض بجهة القرض فلا ينفي
وجوب الضمان إلا أنه يدخل على هذه الهبة بشرط
العوض فإنه لا يجوز في مشاع يحتمل القسمة وقبل
الشيوع إنما يمنع صحة الهبة لأنه لا يتم القبض
فيما يحتمل القسمة مع الشيوع وهذا لا يتحقق
هنا فالمال كله في يد المستقرض فيتم قبضه في
المستقرض وهذا ليس يقوى فإن هبة المشاع من
الشريك لا تجوز فيما يحتمل القسمة وكون النصف
في يده بطريق المضاربة لا تكون أقوى مما يكون
في يده بطريق الملك والأوجه أن نقول القرض أخذ
شبها من الأصلين من الهبة باعتبار أنه تبرع
ومن البيع باعتبار إنه مضمون بالمثل على كل
حال فيوفر حظه على الشبهين فلشبهه بالتبرع
يشترط فيه أصل القبض وبشبهه بالمعاوضة لا
يشترط فيه ما يتم القبض به وهو القسمة بخلاف
الهبة بشرط العوض فإنه تبرع في الابتداء وإنما
يصير معاوضة بعد تمامه بالقبض من الجانبين فإن
هلك المال قبل أن يعمل به فهو ضامن لنصفه لأنه
تملك نصف المقبوض بجهة القرض وكان مضمونا عليه
بمثله والنصف الباقي أمانة في يده وهو ما أخذه
بطريق المضاربة ولو عمل به فربح كان نصف الربح
للعامل ونصفه على شرط المضاربة بينهما.
وإن قسم المضارب المال بينه وبين رب المال بعد
ما عمل به أو قبل أن يعمل به بغير محضر من رب
المال فقسمته باطلة لما بينا إن الواحد لا
ينفرد بالقسمة فإن هلك أحد القسمين قبل أن
يقبض رب المال نصيبه هلك من مالهما جميعا لأن
القسمة صارت كان لم تكن وإن لم يهلك حتى حضر
رب المال فأجاز القسمة فالقسمة جائزة ومعنى
قوله أجاز القسمة أي قبض نصيبه فيكون ذلك
بمنزلة القسمة تجري بينهما ابتداء لأن معنى
الحيازة والإفراز قد تم حين وصل إلى رب المال
مقدار نصيبه فإن لم يقبض رب المال نصيبه الذي
حصل له حتى هلك رجع بنصف نصيب المضارب لأن نصف
رب المال لم يسلم له وإنما يسلم للمضارب نصيبه
إذا سلم لرب المال نصيبه فإذا لم يسلم كان
الهالك من النصيبين والباقي من النصيبين ولو
كان هلك نصيب المضارب لم يرجع المضارب في نصيب
رب المال بشيء لأنه قد قبض منه نصيبه وذلك منه
حيازة في نصيبه إلا إن شرط سلامة ذلك له في
سلامة الباقي لرب المال وقد وجد ذلك وإن هلك
النصيبان جميعا بعد رضا رب المال
ج / 22 ص -120-
بالقسمة رجع رب المال على المضارب بنصف ما صار
للمضارب لأن شرط سلامة النصف له سلامة الباقي
لرب المال ولم يوجد والمضارب قبض تلك الحصة
على سبيل التملك لنفسه فلهذا يضمن نصفها لرب
المال ولرب المال على المضارب قرض خمسمائة على
حالها لأنه قبض نصف الألف بحكم القرض وقد بينا
أن ذلك مضمون عليه بالمثل.
ولو قال:خذ هذه الألف على أن
نصفها قرض عليك وعلى أن تعمل بنصفها الآخر
مضاربة على أن الربح كله لي فهذا مكروه لأنه
قرض جر منفعة فإنه أقرضه نصف الألف وشرط عليه
منفعة العمل له في النصف الآخر ونهى رسول الله
صلى الله عليه وسلم عن قرض جر منفعة فإن عمل
مع هذا فربح أو وضع فالربح والوضيعة بينهما
نصفان لأن نصف المال ملكه فقد قبضه بجهة القرض
والنصف الآخر بضاعة في يده فقد قبضه على أن
يعمل فيه لصاحبه ولو دفعها إليه على أن نصفها
مضاربة بالنصف ونصفها هبة للمضارب وقبضها
المضارب غير مقسومة فهي هبة فاسدة لأنه هبة
المشاع فيما يحتمل القسمة وبهذا تبين أن
الصحيح من المذهب أن هبة المشاع بعد اتصال
القبض بها فاسدة بخلاف ما ظنه بعض المتأخرين
رحمهم الله إنها تكون بمنزلة الهبة قبل القبض
ولكن الصحيح أنها فاسدة لأن القبض الموجب
للملك قد وجد مع الشيوع.
ألا ترى أن هذا القبض فيما لا يحتمل القسمة
يوجب الملك لكن شرط صحته القسمة فلانعدام شرط
الصحة تكون الهبة فاسدة والمقبوض بحكمها مملوك
للموهوب له وهو مستحق الرد عليه للفساد فلهذا
كان مضمونا عليه بخلاف المقبوض بهبة صحيحة فإن
هلك المال في يده قبل العمل أو بعده ضمن نصفه
لهذا المعنى فإن ربح في المال كان نصف الربح
حصة الهبة للمضارب والنصف الآخر على ما اشترطا
في المضاربة بينهما فإن وضع فالوضيعة عليهما
نصفين لأن نصف المال مملوك للمتصرف فله ربح
ذلك النصف وعليه وضيعته والنصف الآخر مضاربة
في يده.
ولو دفعها إليه على أن نصفها بضاعة ونصفها
مضاربة بالنصف فهو كما قال لأن الشيوع لا يمنع
صحة دفع المال مضاربة ولا صحة دفعه بضاعة ولو
دفعها إليه على أن نصفها وديعة في يد المضارب
ونصفها مضاربة بالنصف فذلك جائز على ما سمى
لأنه لا منافاة بينهما فمال المضاربة أمانة في
يد المضارب كالوديعة فإن تصرف في جميع المال
كان ضامنا للنصف حصة الوديعة لأنه خالف
بالتصرف فيه وربح ذلك النصف له وعليه وضيعته
وإن قسم المضارب المال نصفين ثم عمل بأحد
النصفين على المضاربة فربح أو وضع فالوضيعة
عليه وعلى رب المال نصفين لأنه لا ينفرد
بالقسمة فالنصف الذي تصرف فيه من النصفين
جميعا نصفه مما كان مضاربة في يده ونصفه كان
وديعة فله ربح حصة الوديعة من ذلك وعليه
وضيعته لأنه صار مخالفا ضامنا والبعض في هذا
الحكم معتبر بالكل نقول فإن أراد أن يشتري
بالمضاربة ولا يضمن اشترى بنصف الألف غير
مقسوم وكان البائع شريكا في الألف
ج / 22 ص -121-
حتى يحضر رب المال فيقاسمه ومراده أن يشتري
بنصفه ويسلمه على سبيل الشيوع لأن الضمان في
الوجه الأول إنما كان يلزمه بالتسليم لا بنفس
الشراء فطلب السلامة في هذا الموضع من الضمان
الذي كان يلحقه في الوجه الأول ثم قد صار نصف
المال شائعا مملوكا للبائع ونصفه وديعة في يد
المضارب والمودع لا يملك المقاسمة فلا بد من
أن يحضر رب المال ليقاسمه.
ولو دفع إليه ألف درهم مضاربة بالنصف وأشهد
عليه في العلانية إنها قرض يتوثق بذلك فعمل
المضارب بالأمر فإن تصادقوا أن الأمر كان على
ذلك وإنهم إنما شهدوا بالقرض على جهة الثقة
فالمال على حكم المضاربة لأن تصادقهما حجة
تامة في حقهما وكذلك إن تكاذبا فقامت البينة
إنه دفعه مضاربة وأشهد عليه بالقرض وقالوا
أخبرانا أنهما إنما أشهدا بالقرض على وجه
التوثق وليس بقرض إنما هو مضاربة فإن الثابت
بالبينة كالثابت باتفاق الخصمين أو أقوى منه.
وإن شهد شاهدان بالمضاربة وشاهدان بالقرض ولم
يفسروا شيئا غير ذلك فالبينة بينة الذي يدعي
القرض لأنه لا تنافي بينهما فيجعل كأن الأمرين
كانا والقرض يرد على المضاربة والمضاربة لا
ترد على القرض فيجعل كأنه دفع المال إليه
مضاربة أولا ثم أقرضه منه وفي بينة من يدعي
القرض إثبات الزيادة وهو الملك في المقبوض
للقابض واستحقاق القرض عليه إذا دفع الرجل إلى
رجل جراب هروي فباع نصفه بخمسمائة ثم أمره بأن
يبيع النصف الباقي ويعمل بالثمن كله مضاربة
على أن ما رزق الله تعالى في ذلك من شيء فهو
بينهما نصفان فباع المضارب نصف الجراب
بخمسمائة ثم عمل بها وبالخمسمائة التي عليه
فالربح والوضيعة نصفان في قول أبي حنيفة رحمه
الله لأن من أصله أن من قال لمديون اشتر لي
متاعا بمالي عليك لا يصح هذا التوكيل فإذا
اشترى المديون كان مشتريا لنفسه وهنا أمره
إياه بالشراء بالخمسمائة التي هي دين عليه لا
يصح فكان هو عاملا لنفسه فيما اشتراه بتلك
الخمسمائة له ربحه وعليه وضيعته وأما عندهما
فأمره المديون بالشراء بما عليه من الدين صحيح
ذلك لا على وجه المضاربة لأن شرط صحة المضاربة
أن يكون رأس المال أمانة في يد المضارب ولا
يوجد هذا الشرط فيما هو دين في ذمته فكان نصف
ما اشترى للآمر له ربحه وعليه وضيعته والنصف
الآخر على المضاربة.
ولو كان رب المال أمره أن يعمل بالمالين
مضاربة على أن للمضاربة ثلثي الربح فعمل بها
كان للمضارب ثلثا الربح لأنه في النصف مشتر
لنفسه فاستحق نصف الربح بذلك والنصف الآخر
إنما دفعه إليه مضاربة بثلث ربح هذا النصف
وذلك صحيح ولو كان رب المال اشترط لنفسه
الثلثين من الربح وللمضارب الثلث و المسألة
بحالها كان الربح بينهما نصفان والوضيعة
عليهما نصفين لأن من أصله أن المضارب صار
مشتريا بالدين لنفسه فنصف الربح له باعتبار
ملكه نصف المشتري وقد شرط رب المال لنفسه ثلث
ذلك النصف من الربح وليس له في
ج / 22 ص -122-
ذلك النصف مال ولا عمل فلا يستحق شيئا من ربح
ذلك النصف لأنه أسباب المعدوم فهو بمنزلة رجل
دفع إلى آخر خمسمائة مضاربة بالنصف وأمره أن
يخلطها بخمسمائة من ماله ثم يعمل بها على أن
للمضارب ثلث الربح ولرب المال الثلثان فعمل
بها فالربح بينهما نصفان فكذلك في الفصل الأول
والله أعلم.
باب إقرار المضارب بالمضاربة في المرض
قال رحمه
الله: وإذا مات المضارب وعليه دين ومال المضاربة في يده معروف وهو دراهم
وكان رأس المال دراهم بدى ء برب المال قبل
الغرماء بأخذ رأس المال وحصته من الربح لأنه
وجد عين ماله ومن وجد عين ماله فهو أحق به ثم
دين المضارب إنما يتعلق بتركته بعد موته
وتركته ما كان مملوكا له عند موته وهو حصته من
الربح فأما مقدار رأس المال وحصة رب المال من
الربح فهو ملكه ليس من تركة المضارب في شيء
فإن قال ورثة المضارب والغرماء الدين الذي على
المضارب من المضاربة وكذبهم رب المال فالقول
قول رب المال لأنهم يدعون استحقاق ملكه بالدين
الذي هو على المضارب في الظاهر فلا يقبل قولهم
إلا بحجة ورب المال منكر لدعواهم فالقول قوله
مع يمينه وإنما استحلف على علمه لأنه استحلاف
على فعل الغير.
وإن كانت المضاربة حين مات المضارب عروضا أو
دنانير فأراد رب المال أن يبيعها مرابحة لم
يكن له ذلك لأنه في حال حياة المضارب كان هو
ممنوعا عن أخذ وبيعها لحق المضارب وحقه بموته
لا يبطل والذي يلي بيعها وصي المضارب لأنه
قائم مقامه فيبيعها لتحصيل جنس رأس المال فإن
لم يكن له وصي جعل القاضي له وصيا ببيعها
فيوفي رب المال رأس ماله وحصته من الربح ويعطي
حصة المضارب من الربح غرماءه لأن الميت عجز عن
النظر لنفسه والقيام باستيفاء حقه فعلى القاضي
أن ينظر له بنصيب الوصي وقال في المضاربة
الصغيرة يبيعها وصي الميت ورب المال ووجهه أن
رب المال ما كان راضيا بتصرف الوصي في ماله
والمال وإن كان عروضا أو دنانير فالملك لرب
المال فيه ثابت فلا ينفرد الوصي ببيعها ولكن
رب المال يبيعها معه وما ذكر هنا أصح لأن
الوصي قائم مقام الموصي وكان للموصي أن ينفرد
ببيعها فكذلك لوصيه وهذا لأن رب المال لو أراد
بيعها بنفسه لم يملك فلا معنى لاشتراط انضمام
رأيه إلى رأي الوصي في البيع.
وإن كانت المضاربة لا تعرف بعينها في يد
المضارب وعليه دين في الصحة فرب المال أسوة
الغرماء في جميع تركته ولا ربح للمضارب لأن
مال المضاربة كان أمانة في يده وقد صار مجملا
بترك التعيين عند موته فيكون متملكا ضامنا لها
وهذا دين لزمه بسبب لا تهمة فيه فيكون رب
المال مزاحما لغرماء الصحة في جميع تركته
وتركته ما كان في يده لأن الأيدي المجهولة عند
الموت تنقلب يد ملك وإذا دفع إلى رجل ألف درهم
مضاربة بالنصف فأقر المضارب عند موته أنه قد
عمل بالمال فربح ألفا ثم مات والمضاربة غير
معروفة وللمضارب مال فيه وفاء بالمضاربة
وبالربح
ج / 22 ص -123-
فإن رب المال يأخذ من مال المضارب رأس ماله
ولا شيء له من الربح لأن المضارب لم يقر بأن
الربح وصل إليه إنما أقر أنه ربح ألفا وليس
لرب المال أن يأخذ من تركته شيئا من الربح ما
لم يثبت وصوله إلى يده ولو كان أقر أن ذلك وصل
إليه أخذ رب المال حصته منه مع رأس المال لأن
حصة رب المال من الربح كانت أمانة في يد
المضارب مع رأس المال وقد مات مجملا للملك
فصار ذلك دينا عليه يستوفيه رب المال من مال
المضاربة.
ولو قال المضارب في مرضه: قد ربحت ألف درهم
ووصلت إلي فضاع المال كله وكذبه رب المال
فالقول قول المضارب مع يمينه لأنه أمين أخبر
بما هو مسلط على الإخبار به فإن لم يستحلف على
ذلك حتى مات فهو بريء من المال لإخباره بضياع
المال ولرب المال أن يستحلف ورثته على علمهم
بضياع المال لأنهم لو أقروا بما ادعاه رب
المال كانوا ضامنين له من التركة فإذا أنكروا
استحلفهم على العلم لرجاء نكولهم وهو استحلاف
على فعل الغير بأن يدهم ما وصلت إلى المال
ولذلك لو قال في مرضه قد دفعت رأس المال إلى
رب المال وحصته من الربح فهو مخبر بما هو مسلط
عليه فيقبل قوله في براءته عن ذلك إلا أن قوله
غير مقبول في الحكم بإيصال المال إلى رب المال
حقيقة فيأخذ حصة المضارب من الربح فيكون له من
رأس ماله لأن ما وراء ذلك كالتاوي حين لم يثبت
وصوله إلى رب المال ولم يكن المضارب ضامنا فإن
كان على المضارب دين يحيط بماله وحصة المضارب
من الربح غير معروفة وقد علم أن المضارب قد
ربح ألف درهم ووصلت إليه فإن رب المال يحاص
الغرماء بحصة المضارب من الربح لأن ذلك القدر
قد صار دينا له في تركته بسبب لا تهمة فيه
فيكون صاحبه مزاحما لغرماء الصحة.
ولو أقر المضارب عند موته وعليه دين يحيط
بماله أنه ربح في المال ألف درهم وأن المضاربة
والربح دين على فلان ثم مات فإن أقر الغرماء
بذلك فلا حق لرب المال فيما ترك المضارب لأنه
عين مال المضاربة بما أقر به وذلك يمنع صيرورة
المال دينا في تركته ولكن يتبع رب المال
المديون برأس ماله فيأخذه ويأخذ نصف ما بقي
منه أيضا حصة من الربح واقتسم نصفه غرماء
المضارب مع ماله وإن قال غرماء المضارب إن
المضارب لم يربح في المال شيئا وليس الدين
الذي على فلان من المضاربة كان ذلك الدين مع
سائر تركته بين الغرماء ورب المال بالحصص يضرب
رب المال برأس ماله ولا يضرب بشيء من الربح
لأن ذلك الدين واجب بمعاملة المضارب فيكون في
الظاهر له كالمال الذي في يده وإقراره به لرب
المال كإقراره بعين في يده لإنسان ومن عليه
الدين المستغرق إذا أقر في مرضه بعين لإنسان
وكذبه الغرماء لم يصح إقراره فهذا مثله إلا أن
بقدر رأس المال قد علمنا وجوبه في تركته
وصيرورته دينا عليه حين لم يعمل بيانه فهذا
القدر دين لزمه لسبب لا تهمة فيه فأما حصة رب
المال من الربح لو لزمه إنما يلزمه بإقرار
المضارب به وإقرار المضارب بالدين غير صحيح في
مزاحمة غرماء الصحة
ج / 22 ص -124-
ولو أقر في مرضه بمال في يده أنه مضاربة لفلان
ولا يعرف إلا بقوله بدئ بدين الصحة لأن المريض
محجور عن الإقرار بالدين والعين بحق غرماء
الصحة فإن لم يكن عليه دين في الصحة وإنما أقر
بالدين في مرضه قبل إقراره بالمضاربة حاص رب
المال الغريم برأس ماله لأن إقراره بمضاربة
بعينها كالإقرار بالوديعة وقد بينا في كتاب
الإقرار أن المريض إذا أقر بالدين أولا ثم
بالوديعة يتحاصان لأن حق الغريم متعلق بماله
فيمنع ذلك سلامة العين للمقر له بالعين ويصير
هذا كالإقرار بالوديعة مستهلكة ولو كان بدأ
الإقرار بالمضاربة بعينها بدئ بها لأن العين
صار مستحقا لرب المال وخرج من أن يكون مملوكا
للمضارب فإقراره بالدين بعد ذلك يكون شاغلا
لتركته لا لأمانة الغير في يده وإن أقر لها
بغير عينها تحاصا لأن الإقرار بالمضاربة
المجهولة كالإقرار بالدين فكأنه أقر بدين ثم
بدين وإن أقر بها بعينها ثم أقر بالدين ثم أقر
بعد ذلك إن المضاربة في هذه الألف بعينها
تحاصا لأن إقراره بالعين كان بعد الإقرار
بالدين فلا يكون مقبولا في استحقاق المقر له
العين واختصاصه به بعد ما صار مشغولا بحق
المقر له بالدين وإن قال هذه الألف مضاربة
لفلان عندي ولفلان عندي وديعة كذا ولفلان كذا
من الدين بدئ بالمضاربة لأنه أقر بها بعينها
فبنفس الإقرار صارت العين مستحقة لرب المال
فلا يتغير ذلك بما يعطف عليه الإقرار بوديعة
غير معينة بالدين ولو لم يقر بها بعينها كان
جميع مال المضاربة بين صاحب الدين وصاحب
الوديعة وصاحب المضاربة بالحصص لأن إقراره
بأمانة غير معينة بمنزلة إقراره بالدين.
ولو قال لفلان: عندي ألف درهم
مضاربة وهي في هذا الصندوق ولفلان على ألف
درهم فلم يوجد في الصندوق شيء كان ما تركه
المضارب بين رب المال والغريم بالحصص لأنه حين
لم يوجد في الصندوق شيء فقد ظهر أن تعيينه كان
لغوا بقي إقراره بمضاربة غير معينة وبالدين
ولو وجد في الصندوق ألف كان رب المال أحق بها
لأن تعيينه كان صحيحا فإن التعيين وجد منه قبل
الإقرار بالدين فكأنه أقر ابتداء بالمضاربة
بعينها.
فإن قيل: كان ينبغي أن يقال
إذا لم يوجد في الصندوق شيء أن لا يكون لرب
المال شيء لفوات محل حقه.
قلنا: هذا إن لو صح تعيينه مع
فراغ الصندوق عنه ولم يصح ذلك بل هو تجهيل منه
والمضارب بالتجهيل ضامن.
وقال في المضاربة الصغيرة:
إذا لم يشهد الشهود إن هذه الألف كانت في
الصندوق يوم أقر جعلناها بين الغرماء ورب
المال بالحصص والقياس ما قاله ثمة لأن الموجود
من المضارب تعيين الصندوق ولم يوجد منه تعيين
مال المضاربة إذا لم يعلم أن الألف كانت في
الصندوق يومئذ وطريق العلم به شهادة الشهود
وما ذكر هنا استحسان لأن الصندوق محل لما فيه
من المال فتعيينه كتعيين المال فلهذا كان رب
المال أحق بها ولو وجد في الصندوق ألفان فلرب
المال ألف منها خاصة والباقي بين الغرماء لأن
تعيينه صحيح لما وجد في الصندوق
ج / 22 ص -125-
من جنس حق رب المال مقدار حقه وزيادة وسواء
كانت الألفان مختلطة أو غير مختلطة لأن
المضارب أمين في مال المضاربة واختلاط الأمانة
بمال الأمين من غير صنعه لا يكون موجبا للضمان
فإن علم أن المضارب هو الذي خلط المال بغير
أمر رب المال كان المال كله بينهم بالحصص في
قول أبي حنيفة وفي قول أبي يوسف ومحمد نصفه
لرب المال ونصفه للغرماء وهو بناء على ما تقدم
بيانه أن الأمين إذا خلط الوديعة بمال نفسه
صار مستهلكا للمخلوط وصارت الأمانة دينا عليه
عند أبي حنيفة رحمه الله فيكون رب المال صاحب
دين كغيره من الغرماء وأما عندهما فبالخلط
يصير ضامنا ولكن لا يصير متملكا فلرب المال أن
يرضى بالخلط ويختار المشاركة فيأخذ نصف
المخلوط برأس ماله ونصفه للغرماء.
ولو قال لفلان: عندي ألف درهم
مضاربة وهي التي على فلان ولفلان على ألف درهم
ولا مال له غيره فذلك الدين لرب المال لأن
تعيينه للمضاربة التي على غيره كتعيينه ألفا
في صندوقه أو في كيسه أو بيته فإذا حصل ذلك
قبل الإقرار بالدين اختص رب المال به وإن جحد
المضارب المضاربة في صحة أو مرض ثم أقر بها
فهي دين في ماله لأن الإقرار بعد الإنكار صحيح
ولكن الأمين بالجحود يصير ضامنا فإقراره بعد
ذلك كالإقرار بالدين وكذلك لو جحد شيئا من
الربح ثم أقر ثم قال لم يصل إلي ضمن ما جحد من
الربح وإن كان دينا قال عيسى رحمه الله هذا
غلط وإن جحد الدين لم يضمنه حتى يقبضه على
الجحود لأن الجحود إنما يكون موجبا للضمان
عليه باعتبار أن المال في يده وأنه متملك له
مستول عليه بهذا الجحود وهذا لا يتحقق فيما هو
دين على الغير ما لم يقبضه فإن قبضه على
الجحود فهو ضامن وإن رجع إلى الإقرار ثم قبضه
فلا ضمان عليه وقيل يحتمل أن مراد محمد رحمه
الله قوله لرب المال لك ثلث الربح ولي ثلثاه
ليس بإقرار وفي المختصر للكافي قال ليس إقراره
بأن له النصف وقيل في تأويله أنه أقر له
بالثلث ثم بالنصف بعد ذلك فيكون مقرى بالسدس
بعد الجحود فيجب عليه الضمان وذكر القاضي أبو
عاصم في شرحه فقال جحوده الربح إقرار بإبراء
الغريم ولو صرح بالإبراء فإنه يضمن الربح وإن
لم يصل إلى يده كذلك هذا بإقرار بأن له النصف
فيكون ضامنا ثم سلم بما سلم من ذلك على ذلك
والأصح أن يقول حق القبض فيما وجب بمعاملته له
خاصة فكونه في ذمة الغريم وكونه في يده سواء
في أنه صار متملكا مقدار ما جحده متويا حق رب
المال فيه فكان قبضه على الجحود وعلى الإقرار
بعد الجحود في إيجاب الضمان عليهلأجل الإقرار
سواء.
وإذا دفع إلى رجلين مالا مضاربة فمات أحدهما
وقال الآخر هلك المال صدق في نصيبه لكونه
أمينا فيه وكان نصيب الآخر دينا في تركته لأنه
مات مجهلا لنصيبه فإن علم أن الميت كان أودع
نصيبه صاحبه الحي فقال الحي قد هلك فهو مصدق
على جميعه لأن المضارب يملك الإيداع فقول
مودعه قد هلك بمنزلة قول المضارب في حياته إنه
قد هلك وإن قال قد دفعت ذلك إلى صاحبي كان
مصدقا مع يمينه لكونه أمينا فيه وكان ذلك دينا
في
ج / 22 ص -126-
مال صاحبه لأن صاحبه مات مجهلا فإنه إن ثبت
وصوله إليه فلا إشكال وإن لم يثبت وصوله إليه
من يد الحي فالحي كان مسلطا من جهته على الرد
وإنما قبل قوله في ذلك لأجل التسليط فيكون
المضارب الميت مجهلا له على كل حال فكان ذلك
دينا في تركته وإذا ربح المضارب في المال ربحا
فأقر به وبرأس المال ثم قال قد خلطت مال
المضاربة بمالي قبل أن أعمل وأربح لم يصدق لأن
الربح صار مستحقا لرب المال فهو بهذه المقالة
يبطل استحقاقه ويدعي ملك جميع الربح لنفسه
بالخلاف الحاصل منه بالخلط فلا يقبل قوله إلا
بحجة ولأن الربح نماء المال فيكون ملكا لصاحب
المال باعتبار الظاهر فلا يستحقه غيره إلا
بالشرط.
ألا ترى أن المضارب لو ادعى زيادة فيما شرط له
من الربح لم يقبل قوله فيه إلا بحجة فإذا ادعى
سببا يملك به جميع الربح فلأن لا يقبل قوله من
غير حجة كان أولى فإن هلك المال في يده بعد
ذلك ضمن رأس المال لرب المال وحصته من الربح
لإقراره على نفسه بالسبب الموجب للضمان ولأنه
لما زعم أنه خلطه بماله ثم ربح بعد ذلك فقد
ادعى أن الربح كله ملكه والأمين إن ادعى الملك
لنفسه في الأمانة يصير ضامنا.
وإذا أقر المضارب بدين في المضاربة لولده أو
والده أو زوجته أو مكاتبه أو عبده وعليه دين
أو لا دين عليه لزمه ذلك في ماله خاصة في قول
أبي حنيفة رحمه الله إلا ما أقر به لعبده ولا
دين عليه فإنه لا يلزمه منه شيء وفي قول أبي
يوسف ومحمد رحمهما الله إقراره لهؤلاء صحيح
على المضاربة إلا لعبده أو لمكاتبه وهذا لأن
المضارب نائب في التصرف كالوكيل وقد بينا في
البيوع أن عند أبي حنيفة رحمه الله الوكيل لا
يملك التصرف مع من لاتجوز شهادته له في حق
الموكل لكونه متهما في ذلك وعندهما يملك ذلك
إلا في عبده ومكاتبه فالمضارب كذلك وهذا لأنه
يلزمه لهؤلاء حق في مال رب المال بمجرد قوله
فيكون في معنى الشاهد لهم على غيره بمال
وشهادته لهؤلاء لا تقبل فكذلك قراره إلا أن
الدين بالمعاملة يجب في ذمته وهو غير متهم
فيما يلزمه لهؤلاء فلذا لزمه ذلك في ماله خاصة
فأما العبد الذي لا دين عليه له فهو ليس من
أهل أن يستوجب دينا عليه وعندهما إقراره لعبده
ومكاتبه كإقراره لنفسه لأنه يملك كسب عبده وله
حق الملك في كسب مكاتبه وأما إقراره لابنه
وأبيه كإقراره لأخيه من حيث أنه لا يثبت له في
المقر به ملكا ولا حق ملك فيصح في حق رب
المال.
وقال في المضاربة الصغيرة في قول أبي حنيفة
إذا كان في المضاربة فضل لزم المضارب ما أقر
به من حصته وهو صحيح لما بينا أنه غير متهم في
حق نفسه وإن كان متهما في حق غيره ولو أقر
المضارب في مرضه بمضاربة بعينها ثم أقر بها
بعينها وديعة لآخر ثم أقر بدين ثم مات بدئ
بالمضاربة لأن رب المال استحق ذلك المال
بإقراره عينا كما أقر به ثم هو أقر للثاني
بوديعة قد استهلكها بإقراره فيها بالمضاربة
والإقرار بالوديعة المستهلكة إقرار بالدين
فكأنه أقر بدين ثم بدين فيتحاص صاحب الوديعة
والدين فيما بقي من تركته.
ج / 22 ص -127-
باب الشفعة في المضاربة
قال رحمه الله: وإذا دفع
الرجل إلى الرجل ألف درهم مضاربة فاشترى
المضارب بها دارا تساوي ألفا أو أقل منها أو
أكثر ورب المال شفيعها بدار له فله أن يأخذها
بالشفعة من المضارب ويدفع إليه الثمن فيكون
على المضاربة لأن أكثر ما فيه أن المضارب
اشتراها لرب المال ومن اشترى أو اشترى له فهو
على شفعته وإنما تسقط شفعة من باع أو بيع له
ثم الأخذ بالشفعة بمنزلة الشراء لأنه يملك
الدار عليه بما يعطيه من الثمن وقد بينا أن رب
المال لو اشترى من المضارب دارا اشتراها
للمضاربة جاز شراؤه لكونه مفيدا فكذلك إذا
أخذها بالشفعة.
ولو اشترى المضارب دارا ببعض المضاربة ثم
اشترى رب المال دارا لنفسه إلى جنبها فللمضارب
أن يأخذها بالشفعة بما بقي من مال المضاربة
لأن أكثر ما فيه أن المضارب يأخذها لرب المال
ورب المال مشتر والشراء لا يكون مبطلا شفعة
الشفيع ثم أخذه بالشفعة كالشراء المبتدأ وشراء
المضارب بمال المضاربة دارا من رب المال يكون
صحيحا لكونه مفيدا من حيث أنه يدخل فيه في
المضاربة ما لم يكن فيها ويخرج من المضاربة ما
كان فيها.
ولو اشترى بألف مضاربة دارا تساوي ألفا ورب
المال شفيعها فتسلم الشفعة ثم باع المضارب
الدار فلا شفعة لرب المال فيها لأن المضارب
نائب عن رب المال في بيعها ومن بيع له لا
يستوجب الشفعة كما لا يستوجبها من باع وكذلك
لو باع رب المال داره لم يكن للمضارب فيها
شفعة بدار المضاربة لأنه لو أخذها أخذها
للمضاربة ومال المضاربة لرب المال ورب المال
بائع لهذه الدار فكما لا يكون له أن يأخذها
بالشفعة بدار أخرى له لا يكون لمضاربه أن
يأخذها بدار المضاربة.
ولو اشترى المضارب بألف المضاربة دارا تساوي
ألفين ورب المال شفيعها فسلم الشفعة ثم باعها
المضارب بألفي درهم لم يكن لرب المال أن يأخذ
شيئا منها بالشفعة أما مقدار رأس المال وحصته
من الربح فلأن البيع فيه وقع من المضارب لرب
المال وأما حصة نصيبه من الربح فلأنه لو أخذها
رب المال تفرقت الصفقة على المشتري وليس
للشفيع أن يفرق الصفقة على المشتري ولأن حق
المضارب في الربح تبع وإذا لم تجب الشفعة فيما
هو الأصل لا تجب في التبع ولهذا لا يستحق
البناء بدون الأصل في الشفعة لأن البناء يمنع
الأصل ولو لم يبعها المضارب ولكن باع رب المال
داره فأراد المضارب أن يأخذها بالشفعة لنفسه
من الربح الذي له في مال المضاربة بحصته من
الربح كان له ذلك لأن رب المال ما باع داره
للمضارب والمضارب حاز الدار المبيعة بحصته من
الربح فإنه تملك حصته قبل القسمة حقيقة ولهذا
تجب عليه الزكاة فيه فيكون له أن يأخذها
بالشفعة لنفسه بذلك السبب.
ولو اشترى المضارب ببعض المال دارا في قيمتها
فضل على رأس المال فباع رجل إلى جنبها دارا
وفي يد المضارب من مال المضاربة مثل ثمن الدار
التي بيعت إلى جنب دار
ج / 22 ص -128-
المضاربة فأراد المضارب أن يأخذ الدار بالشفعة
لنفسه لم يكن له ذلك وإنما يأخذها على
المضاربة أو يدع لأن حق رب المال أصل وحق
المضارب تبع وهو متمكن من أخذها بما هو الأصل
والتبع لا يظهر مع ظهور الأصل وهذا لأن في
أخذها للمضاربة مراعاة الحقين جميعا حق رب
المال وحق المضارب وفي أخذها لنفسه إبطال حق
رب المال وليس للمضارب أن يقدم حق نفسه في
الربح ويبطل حق رب المال فتسلم المضارب الشفعة
فأراد رب المال أن يأخذها بالشفعة لنفسه لم
يكن له ذلك لأن المضارب إذا كان متمكنا من
الأخذ بالشفعة يصح منه التسليم في حق نفسه وفي
حق رب المال جميعا فإن التسليم من التجارة
كالأخذ قيل هذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف
رحمهما الله فأما عند محمد رحمه الله فينبغي
أن لا يصح تسليمه في حق رب المال كما في الأب
والوصي إذا سلما شفعة الصبي والأصح أن هذا
قولهم جميعا لأن فيما هو من صنيع التجار
المضارب نائب عن رب المال على الإطلاق وتسليم
الشفعة من صنيع التجار.
ولو لم يكن في يد المضارب من مال المضاربة شيء
يأخذ به الدار التي بيعت كان له أن يأخذها
بالشفعة لنفسه لأنه غير متمكن من أخذها
للمضاربة هنا لأنه لو أخذها للمضاربة كان
استدانة منه على المال والمضارب لا يملك ذلك
فإذا لم يثبت له الحق باعتبار الأصل ظهر حكم
التبع وهو أنه جاز للدار المبيعة بملكه في
نصيبه من الربح فيكون له أن يأخذ بالشفعة
لنفسه وإن لم يكن فيها فضل على رأس المال لم
يكن للمضارب أن يأخذها لنفسه لأنه لا ملك له
فيها وإنما جواره من حيث اليد دون الملك وبه
لا يستحق الشفعة وإن أراد رب المال أن يأخذها
لنفسه فله ذلك لأن ما في يد المضارب ملك لرب
المال حقيقة فيكون به جارا للدار المبيعة فإن
سلم المضارب الشفعة فتسليمه باطل ورب المال
على شفعته لأن تسليم الشفعة إنما يصح ممن يكون
متمكنا من الأخذ بالشفعة والمضارب هنا لم يكن
متمكنا من الأخذ فليس له تسليم الشفعة.
ولو كان في الدار التي من المضاربة فضل على
رأس المال وليس في يد المضارب من مال المضاربة
شيء فأراد المضارب ورب المال أن يأخذ الدار
المبيعة إلى جنب دار المضاربة بالشفعة
لأنفسهما فلهما أن يأخذاها نصفين لأن كل واحد
منهما جار لها بملكه في حصته من دار المضاربة
واستحقاق الشفعة باعتبار عدد رؤوس الشفعاء لا
باعتبار مقدار الانصباء فإن سلم أحدهما كان
للآخر أن يأخذها كلها لأن لكل واحد من
الشفيعين سببا تاما لاستحقاق جميع الدار
المبيعة ولكن للمزاحمة عند طلبهما يأخذ كل
واحد منهما النصف فإذا انعدمت هذه المزاحمة
بتسليم أحدهما كان للآخر أن يأخذها كلها فإن
كان بقي في يد المضارب من المضاربة قدر ثمن
الدار التي بيعت فأراد المضارب أو رب المال أن
يأخذها بالشفعة لم يكن له ذلك لأن حق المضاربة
في هذه الدار هو الأصل قبل القسمة لما في
الأخذ للمضاربة من مراعاة الحقين في أخذ
أحدهما لنفسه إبطال حق الآخر وإذا كان الأخذ
باعتبار الحق الأصلي
ج / 22 ص -129-
ممكنا يوجب ترجيح ذلك فيكون للمضارب أن يأخذها
للمضاربة وليس لواحد منهما أن يأخذها لنفسه
فإن سلم المضارب الشفعة لم يكن لواحد منهما أن
يأخذها بالشفعة بعد ذلك لأن المضارب كان
متمكنا من أخذه لهما فيعمل تسليمه أيضا في
حقهما.
أرأيت لو أخذها للمضاربة ثم باعها من الذي
أخذها منه أو ردها عليه بحكم الإقالة أما كان
يصح ذلك منه في حق رب المال فكذلك إذا ردها
عليه بتسليم الشفعة له ولو لم يعلم المضارب
بالشفعة حتى تناقضا المضاربة واقتسما الدار
التي من المضاربة على قدر رأس المال والربح ثم
أرادا أن يأخذا الدار المبيعة بالشفعة
لأنفسهما فلهما ذلك لأن سبب الاستحقاق لكل
واحد منهما يتقرر بالقسمة ولا ينعدم فإن السبب
كونه جارا للدار المبيعة بملكه في دار
المضاربة وبالقسمة يتقرر ملك كل واحد منهما
إلا أن حق المضاربة كان مقدما فإذا انعدم ذلك
بقسمتها كان لكل واحد منهما حق الأخذ لنفسه
بالشفعة كالشريك إذا سلم الشفعة فللجار أن
يأخذها فإن طلباها جميعا فهي بينهما نصفان
وأيهما سلم أخذ الآخر الدار كلها لما قلنا.
وإذا دفع الرجل إلى الرجلين مالا مضاربة
فاشتريا به دارا ورب المال شفيعها فله أن يأخذ
حصة أحدهما بالشفعة دون حصة الآخر لأن الصفقة
تتفرق بتعدد الشريكين في حكم الشفعة.
ألا ترى أنهما لو اشترياها لأنفسهما كان
للشفيع أن يأخذ نصيب أحدهما دون الآخر قبل
القبض في ظاهر الرواية وقد بينا هذا في الشفعة
فكذلك إذا كان المشتريان مضاربين وكذلك لو كان
الشفيع أجنبيا فإن المضاربين في شرائهما
للمضاربة في حق الشفيع كالمشتريين لأنفسهما
حتى كان له أن يأخذها منهما بالشفعة وإن لم
يحضر رب المال وكذلك الوكيلان.
ولوكان المضارب واحدا فأراد الشفيع أن يأخذ
بعض الدار بالشفعة لم يكن له ذلك سواء كان
الشفيع رب المال أو أجنبيا لما فيه من تفريق
الصفقة على المشتري وإذا دفع الرجلان إلى رجل
مالا مضاربة فاشترى بها دارا وأحد صاحبي المال
شفيعها فأراد أن يأخذ بعضها بالشفعة فليس له
ذلك إما أن يأخذها كلها أو يدع لأن المشتري
لما كان واحدا كانت الصفقة في حكم الشفعة
متحدة فلا يكون للشفيع أن يفرقها بأخذ البعض
سواء كان الشفيع أجنبيا أو أحد ربى المال
وكذلك الرجلان يوكلان رجلا بشراء دار كان
للشفيع أن يأخذها من الوكيل جملة وإن كان
الآمران غائبين وليس له أن يأخذ نصيب أحد
الآمرين وإن كان المأمور اثنين فله أن يأخذ
نصيب أحد الآمرين دون الآخر لأن المشتري لغيره
في حق الشفيع كالمشتري لنفسه فإن المعتبر في
تفريق الصفقة واجتماعها حال العاقد لا حال من
وقع العقد له.
وإذا وجبت الشفعة للمضاربة فسلم أحد المضاربين
الشفعة لم يكن للآخر أن يأخذها لأن الأخذ
بالشفعة شراء وأحد المضاربين لا ينفرد بالشراء
دون صاحبه فكذلك في الأخذ بالشفعة.
ألا ترى إنه ليس لأحدهما أن يأخذ بالشفعة دون
صاحبه وإن لم يسلما فبعد تسليم أحدهما أولى.
ج / 22 ص -130-
وإن كان رأس المال ألف درهم فاشترى بها
المضارب دارا تساوي ألفا أو أقل أو أكثر
وشفيعها رب المال بدار له ورجل أجنبي أيضا
شفيعها بدار له أخرى فلهما أن يأخذا الدار
نصفين لأن كل واحد منهما لو انفرد لاستحق الكل
بالشفعة فإذا اجتمعا وطلباها أخذاها بينهما
نصفين فإن سلم رب المال الشفعة وأراد الأجنبي
أن يأخذها فالقياس أن يأخذ الأجنبي نصف الدار
بالشفعة وليس له غير ذلك لأن المضارب إنما
اشتراها لرب المال وشراء الشفيع لنفسه يكون
أخذا بالشفعة فكذا شراء غيره له واحد الشفيعين
إذا سلم بعد الأخذ فليس للآخر أن يأخذ إلا
النصف بخلاف ما إذا سلم قبل الأخذ لأن مزاحمته
في الأخذ تنعدم بالتسليم قبل الأخذ لا بعده
وفي الاستحسان للأجنبي أن يأخذ الدار كلها أو
يدع لأن المضارب إنما اشترى للمضاربة وذلك حق
آخر غير حق رب المال فيما له على الخصوص
والمزاحمة بينهما باعتبار الحق الخالص لكل
واحد منهما ولم يوجد من رب المال أخذ باعتبار
هذا الحق ولا من غيره له فإنما سلم قبل الأخذ
والدليل عليه إنه لو تمكن الأجنبي من أخذ
النصف تفرقت الصفقة به على المشتري وليس
للشفيع حق تفريق الصفقة على المشتري بالأخذ
بالشفعة فلهذا يأخذ كلها أو يدع.
باب الشروط في المضاربة
قال رحمه
الله: وإذا دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة بالنصف على أن للمضارب بما عمل
في المال أجرا عشرة دراهم كل شهر فهذا شرط
فاسد ولا ينبغي له أن يشترط مع الربح أجرا
لأنه شريك في المال بحصته من الربح وكل من كان
شريكا في مال فليس ينبغي له أن يشترط أجرا
فيما عمل لأن المضارب يستوجب حصة من الربح على
رب المال باعتبار عمله له فلا يجوز أن يستوجب
باعتبار عمله أيضا أجرا مسمى عليه إذ يلزم
عوضان لسلامة عمل واحد له وإن اعتبرنا معنى
الشركة في المضاربة كان رأس مال المضاربة عمله
ورأس ماله فلا يجوز أن يستوجب باعتبار عمله
على رب المال أجرا فإن عمل على هذا الشرط فربح
فالربح على ما اشترطا ولا أجر للمضارب في ذلك
لأنه ما سلم عمله بحكم الإجارة على رب المال
والمضاربة شركة والشركة لا تبطل بالشرط الفاسد
إذا كان لا يؤدي ذلك إلى قطع الشركة بينهما في
الربح بعد حصوله وقد طعن عيسى رحمه الله في
هذه المسألة وقال يجب أن يكون للمضارب أجر
مثله فيما عمل لأن شرط الأجر المسمى ينافي
موجب المضاربة فإن المضاربة جائزة غير لازمة
فلكل واحد منهما أن يفسخها واشتراط الأجر
المسمى يجعل العقد لازما وكل شرط يضاد موجب
المضاربة فهو مفسد للمضاربة كما لو شرط
للمضارب مائة درهم من الربح واستدل بما قاله
في كتاب المزارعة في نظير هذه المسألة إن
المزارعة تفسد والخارج كله لصاحب البذر وقد
قيل في الفرق بينهما أنه قال في مسألة
المزارعة على أن للمزارع أجر مائة درهم ولم
يقل كل شهر فصار الأجر شرطا على العمل الذي قد
اشترط له نصيبه من الزرع عليه وفي المضاربة
قال على أن له أجرا عشرة دراهم كل شهر فالأجر
هناك مشروط بمقابلة منافعه لا مقابلة العمل.
ج / 22 ص -131-
ألا ترى أن بمضي المدة بعد تسليم النفس يجب
الأجر وإن لم يعمل له شيئا وشرط الربح بمقابلة
العمل فكانا في حكم عقدين إذا فسد أحدهما لم
يفسد الآخر به وقيل في الفرق بينهما المزارعة
إجارة ولهذا شرط التوقيت فيها والإجارة تبطل
بالشروط الفاسدة.
فأما المضاربة فشركة حتى لا يشترط فيها
التوقيت والشركة لا تبطل بالشروط الفاسدة قوله
هذا الشرط يضاد موجب المضاربة قلنا الشرط لا
يضاد ذلك ولكن صحة الشرط واستحقاق الأجر به
يوجب اللزوم وهذا الشرط غير صحيح هنا بل هو
لغو كما ذكرنا فتبقى المضاربة بينهما صحيحة
كما هو موجب المضاربة ولذلك إذا شرط ذلك الأجر
لعبد له يعمل معه في المضاربة أو لبيت يشتري
فيه ويبيع فالربح على ما اشترطا ولا أجر لعبد
المضارب ولا لبيته لأن المشروط للبيت مشروط
للمضارب وعليه حفظ مال المضاربة في بيته ولا
يجوز أن يستوجب على ذلك أجرا ولهذا لا يجوز
استئجار المرتهن على حفظ المرهون وعبد المضارب
الذي لا دين عليه كسبه لمولاه فالمشروط له من
الأجر كالمشروط للمضارب.
ولو كان العبد الذي اشترط له الأجر عليه دين
أو كان مكاتب المضارب أو ولده أو والده فهو
جائز على ما اشترطا وللذي عمل بالمال مع
المضارب من هؤلاء عشرة دراهم كل شهر على ما
اشترطا لأنه من كسب هؤلاء كالأجنبي وله أن
يستأجرهم للعمل معه ويكون أجرهم في مال
المضاربة فاشتراط ذلك في المضاربة لا يزيده
إلا وكادة وليس له أن يستأجر عبده الذي لا دين
عليه ولا بيته من نفسه ليبيع فيه ويشتري
للمضاربة فكان اشتراط ذلك في العقد شرطا
فاسدا.
ولو اشترطا أن يعمل عبد رب المال مع المضارب
على أن للعبد أجرا عشرة دراهم كل شهر ما عمل
معه فهذا شرط فاسد لأن عبد رب المال إذا لم
يكن عليه دين كنفسه ولو شرط عمل رب المال معه
بأجر لم يجز ذلك ولا أجر له فيما عمل فكذلك
إذا شرط ذلك لعبده أو لأبيه والربح بينهما على
الشرط لأن الشرط الفاسد غير متمكن في صلب
العقد بخلاف ما إذا شرط رب المال أن يعمل معه
وهو بغير أجر لأن ذلك الشرط يعدم التخلية بين
المضارب ورب المال وهنا الشرط لا يعدم التخلية
فإن العبد أجير المضارب ويد الأجير كيده.
ولو كان عبد رب المال عليه دين فاشترط له أجرا
عشرة دراهم كل شهر أو اشترط ذلك لمكاتبه أو
لابنه جاز لما بينا أن هؤلاء كأجنبي آخر فيما
يشترط لهم من الأجر على العمل وإذا استأجر رجل
رجلا عشرة أشهر كل شهر بعشرة دراهم يشتري له
البز ويبيع ذلك فهو جائز لأنه عقد على منافعه
في مدة معلومة ببدل معلوم فإن دفع إليه رب
المال في هذه العشرة الأشهر ما لا يعمل به على
أن الربح بينهما نصفان فعمل به الأجير فالربح
لرب المال والوضيعة عليه ولا شيء للأجير من
الربح في قول أبي يوسف وقال محمد ربح المضاربة
بينهما على ما اشترطا ولا أجر للأجير ما دام
يعمل بهذا وإذا عمل بغيره من ملك رب المال فله
أجر عشرة دراهم في كل شهر حتى تنقضي هذه
الشهور لأن اتفاقهما على المضاربة بمنزلة
الفسخ منهما
ج / 22 ص -132-
للإجارة ولكن هذا الفسخ في ضمن المضاربة
فيقتصر على المنافع التي يعمل بها في مال
المضاربة ولا تتعدى إلى ما يعمل به في غيره من
مال رب المال فيستوجب الشركة في الربح باعتبار
المضاربة والأجر بمنافعه المصروفة إلى عمله
لرب المال من غير مال المضاربة ولأن المضاربة
شركة.
ولو أن الأجير شارك رب المال بألف من ماله
خلطه بمال رب المال بإذنه على أن يعمل
بالمالين فما رزق الله تعالى في ذلك من شيء
فهو بينهما نصفان كانت الشركة جائزة على ما
اشترطا ولا أجر للأجير ما دام يعمل بهذا المال
فكذلك في المضاربة وأبو يوسف يقول عقد الإجارة
لا ينتقض بالمضاربة لأن المضاربة دون الإجارة
فالإجارة لازمة من الجانبين والمضاربة غير
لازمة ولا ينتقض الشيء بما هو دونه ولأن
المعقود عليه في الإجارة منافعه وفي المضاربة
العمل وأحدهما غير الآخر والعقد المضاف إلى
محل لا يبطل عقدا مضافا إلى محل آخر هو أقوى
منه ومع بقاء الإجارة لا يجوز أن تثبت له
الشركة في الربح إذا اجتمع له الأجر والشركة
في الحاصل بعمله وذلك لا يجوز ولأن المضارب
إنما يستحق الشركة في الربح بإزاء عمل نفسه
بمنافع هي له وهنا منافعه بعقد الإجارة مستحقة
للمستأجر فلا يوجد ما هو موجب استحقاق الشركة
في الربح وهذا بخلاف الشركة فإن الشريك يستحق
الربح بماله لا بعمله فبالإجارة السابقة
بينهما لا ينعدم ما به يستحق الشريك ولأن
الشريك يعمل لنفسه في مال نفسه فلا يستوجب
الأجر بهذا العمل على المستأجر والمضارب يعمل
لرب المال وهو بعمله لرب المال يستوجب الأجر
هنا فلا يجوز أن يستوجب الشركة في الربح وعقد
الإجارة يرد على منافعه كما قال ولكن المقصود
هو العمل فإذا وجد ما هو المقصود كان البدل
بمقابلته وإن كان تسليم النفس عند عدم العمل
يقام مقامه في استحقاق الأجر كالصداق فإنه
بمقابلة ما هو المقصود وإن كان تسليم المرأة
نفسها قد يقام مقام ما هو المقصود في تأكد
المهر به لدفع الضرر عنها.
ولو كان الأجير دفع إلى رب المال مالا مضاربة
يعمل به على النصف جاز والأجير على الإجارة
والمستأجر على المضاربة لأن عقد الإجارة لا
يوجب للأجير حقا في منافع رب المال ولا في
عمله فدفعه المال إليه مضاربة بعد الإجارة
كدفعه إليه قبل الإجارة فإن استبضع رب المال
الأجير مال المضاربة يشتري به ويبيع على
المضاربة فقبضه الأجير فاشترى به وباع فهو
جائز على ما اشترطا في المضاربة لأن عمل
المستبضع كعمل المبضع كما لو أبضعه المضارب مع
أجنبي آخر والأجر على حاله للأجير لأنه قد
تحقق منه تسليم نفسه في المدة للعمل به وهو
يستوجب الأجر بذلك وعقد المضاربة لا يفسد هنا
بخلاف ما إذا اشترط عمل رب المال بالمال لأن
ذلك الشرط يعدم التخلية فأما الإبضاع فلا يعدم
التخلية المستحقة لتمكن المضارب من استرداد
المال منه متى شاء.
وإذا دفع إلى رجل مالا مضاربة بالنصف على أن
يعمل معه رب المال على أن لرب
ج / 22 ص -133-
المال أجرا عشرة دراهم كل شهر فهذا الشرط يفسد
عقد المضاربة لأنه يعدم التخلية وقد بينا أنه
لو شرط عمل رب المال مع المضارب بغير أجر فسد
العقد فإذا شرط عمله مع المضارب كان أولى وإذا
فسد العقد كان الربح كله لرب المال والوضيعة
عليه وللمضارب أجر مثله فيما عمل وهو الحكم في
المضاربة الفاسدة ولا أجر لرب المال لأنه عامل
في مال نفسه لنفسه وهو في ذلك لا يكون أجيرا
لغيره فلهذا لا يستوجب الأجرة به, والله أعلم
.
باب المرابحة بين المضارب ورب المال
قال رحمه
الله: رجل دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة على أن ما كان في ذلك من ربح فهو
بينهما نصفان فاشترى رب المال عبدا بخمسمائة
وباعه من المضارب بألف المضاربة جاز ذلك لكون
العقد مفيدا بينهما فإن باعه المضارب مساومة
باعه كيف شاء وإن باعه مرابحة باعه على
خمسمائة وهو ما اشتراه به رب المال دون الألف
الذي اشتراه به المضارب لأن الذي يجري بين رب
المال والمضارب في الحقيقة لم يكن بيعا فإن
البيع مبادلة ملك إنسان بملك غيره وهذا كان
مبادلة ملك رب المال بملكه ولكن جعل بمنزلة
العقد في حق ما بينهما لكونه مفيدا في حقهما
فأما في حكم بيع المرابحة فالعقد هو الأول وهو
شراء رب المال إياه بخمسمائة فيبيعه مرابحة
على ذلك.
يوضحه: أن المضارب متهم في حق
رب المال بالمسامحة وترك الاستقصاء وبيع
المرابحة بيع أمانة ينفي عنه كل تهمة وخيانة
وانتفاء التهمة في أقل الثمنين فبيعه مرابحة
على ذلك إلا أن يبين الأمر على وجهه فحينئذ
يبيعه كيف شاء ولأن المضارب ببيعه لرب المال
فينبغي أن يطرح ربح رب المال عند انضمام أحد
العقدين إلى آخر وربح رب المال خمسمائة فيطرح
ذلك من الثمن ويبيعه مرابحة على ما بقي.
ولو كان رب المال اشترى العبد بألف فباعه من
المضارب بخمسمائة درهم من المضاربة باعه
المضارب مرابحة على خمسمائة لأنه أقل الثمنين
والذي جرى بينهما عقد في حقهما فإن لم يكن في
الحقيقة عقدا فيعتبر هذا الجانب إذا كان أقل
الثمنين عند اعتباره وانتفاء التهمة إنما يكون
في الأقل ولو كان رب المال ملك العبد بغير شيء
فباعه من المضارب بألف المضاربة لم يبعه
مرابحة حتى يبين إنه اشتراه من رب المال لما
بينا أن الذي جرى بينهما ليس ببيع في الحقيقة
وليس لرب المال على هذه العين شراء سوى هذه
ليبيعه المضارب به مرابحة باعتبار ذلك فإن بين
الأمر على وجهه فقد انتفت التهمة.
ولو عمل المضارب بألف المضاربة فربح فيها ألفا
ثم اشترى رب المال عبدا يساوي ألفي درهم فباعه
من المضارب بالألفين فله أن يبيعه مرابحة على
ألف وخمسمائة لأن مقدار الخمسمائة في العقد
الثاني ربح رب المال فيطرح ذلك من الثمن
الثاني إذا لم يخرج ذلك القدر من ملك رب المال
وإنما بقي من الثمن ربح المضارب فيه وهو
خمسمائة وما اشتراه به رب المال وهو ألف
فيبيعه مرابحة على ذلك لأن المضارب إنما يبيعه
لرب المال في مقدار
ج / 22 ص -134-
رأس ماله وحصته من الربح ولهذا لو لحقه عهدة
في ذلك رجع به عليه فيطرح مقدار ربح رب المال
لذلك ولو كان رب المال اشتراه بخمسمائة
والمسألة على حالها باعه المضارب مرابحة على
ألف درهم خمسمائة منها التي اشترى بها رب
المال العبد وخمسمائة ربح فأما ألف المضارب
التي طرحت من الثمن بخمسمائة درهم تمام رأس
مال رب المال والعقد في ذلك لرب المال فيعتبر
أقل الثمنين فتطرح الزيادة إلى تمام رأس مال
رب المال وخمسمائة درهم ربح رب المال فلا
يحتسب بشيء من ذلك ويبيعه مرابحة على ما
اشتراه به رب المال وعلى حصة المضارب من الربح
إلا أن يبين الأمر على وجهه.
ولو كان رب المال اشتراه بألف وقيمته ألف
فباعه من المضارب بألفين باعه المضارب مرابحة
على الألف لأن قيمته إذا كانت مثل رأس المال
فلا ربح للمضارب منه.
ألا ترى أنه لو أعتقه لم يجز عتقه وربح رب
المال يطرح من بيع المضارب فإنما يبيعه مرابحة
على ما اشتراه به رب المال وهو ألف درهم.
وإن كان اشتراه رب المال بخمسمائة وقيمته ألف
فباعه من المضارب بالألفين باعه المضارب
مرابحة على خمسمائة لأنه لا ربح في قيمته
فإنما يبيعه لرب المال كله فإن قيل كيف ينفذ
هذا الشراء بالغبن الفاحش من المضارب على
المضاربة قلنا لأنه اشتراه من رب المال وشراؤه
بالزيادة الفاحشة من غيره إنما لا ينفذ على
المضاربة لحق رب المال فإذا كان العامل معه رب
المال فهو راض بذلك.
ولو كان رب المال اشتراه بألفين وقيمته ألف
فباعه من المضارب بألفين باعه المضارب مرابحة
على ألف على أنه لا فضل فيه على رأس المال وفي
حق رب المال إنما يعتبر أقل الثمنين وذلك
مقدار قيمته فبيعه مرابحة على الألف كذلك فإن
قيل رب المال اشتراه بألفين والمضارب اشتراه
منه كذلك بألفين فقولكم أقل الثمنين ألف من
أين قلنا نعم رب المال اشتراه بألفين وقد عاد
إليه ألف زائدة على قيمته بالعقد الذي جرى
بينه وبين المضارب فإنما بقي له فيه بقدر رأس
مال المضاربة وذلك ألف درهم.
ولو كان العبد يساوي ألفا وخمسمائة وقد اشتراه
رب المال بألف و المسألة بحالها باعه المضارب
مرابحة على ألف ومائتين وخمسين لأن الربح فيه
خمسمائة نصف ذلك لرب المال وقد بينا أن ربح
المال يطرح وإنما يعتبر قدر رأس المال وربح
المضاربة وذلك ألف ومائتان وخمسون ولو دفع إلى
رجل ألف درهم مضاربة بالنصف فاشترى المضارب
بها عبدا فباعه من رب المال بألفي درهم باعه
رب المال مرابحة على ألف وخمسمائة لان خمسمائة
من الألفين حصة رب المال من الربح فيطرح ذلك
من الثمن لان المضارب انما كان اشترى العبد له
فيعتبر في حقه أقل الثمنين وذلك ما اشترى به
المضارب وهو ألف وحصة المضارب من الربح معتبرة
لا محلة فيبيعه رب المال مرابحة على ألفى درهم
وخمسمائة.
ولو كان المضارب اشترى العبد بخمسمائة من
المضاربة فباعه من رب المال بألفى
ج / 22 ص -135-
درهم فإنه يبيعه مرابحة على ألف وخمسمائة
الثمن الذي اشتراه به المضارب وخمسمائة ربح
المضارب ويطرح عنه خمسمائة ربح رب المال
وخمسمائة ربح رب المال أيضا مما يكمل به رأس
المال وان كان بقى من المضاربة خمسمائة في يد
المضارب لم يحتسب بها في ثمن هذا العبد وقد
بينا أن في حق كل جنس من المال يجعل كأنه ليس
في المضاربة غيره.
ألا ترى أن تلك الخمسمائة لو ضاعت كان رأس مال
المضاربة كله ثمن هذا العبد فلهذا حسب جميع
رأس المال في ثمن هذا العبد فطرح تمام رأس
المال من ثمن العبد الذي اشتراه به رب المال
وهو خمسمائة وربح رب المال باعه مرابحة على
الثمن الذي اشترى به المضارب وهو خمسمائة وعلى
ربح المضارب وهو خمسمائة ويشترى إن كانت قيمة
العبد أقل من ذلك أو أكثر في هذا الوجه لأنه
لا معتبر بقيمة العبد فإنه إنما يصل إلى
المضارب في هذا الوجه الثمن دون العبد.
ولو دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة فاشترى بها
عبدا فباعه من رب المال بألفى درهم ثم باعه رب
المال من أجنبي مساومة بثلاثة آلاف ثم اشتراه
المضارب من الأجنبي بالألفين اللذين أخذهما من
رب المال ثمنا للعبد فإنه لا يبيعه مرابحة في
قياس قول أبي حنيفة رحمه الله أصلا وفي قول
أبي يوسف ومحمد رحمهما الله يبيعه المضارب
مرابحة على الثمن الأخير الذي اشتراه به من
الأجنبي وهو ألفا درهم وهذا بناء على ما بينا
في كتاب البيوع إن عند أبي حنيفة يضم بعض
العقود إلى البعض ثم ينظر إلى حاصل الضمان فيه
فعلى ذلك يباع مرابحة فهنا الثمن الأول كان
ألف درهم فلما باعه المضارب بألفين من رب
المال كان المعتبر من ذلك مقدار رأس المال وهو
ألف وحصة المضارب من الربح وهو خمسمائة فلما
باعه رب المال بثلاثة آلاف فقد ربح فيه ألفا
وخمسمائة فلا بد من أن يطرح ذلك من رأس المال
بعد ما اشتراه المضارب من الأجنبي ليبيعه
مرابحة لرب المال على ما بقي وإذا طرحت ذلك من
رأس المال لم يبق شيء فلهذا لا يبيعه مرابحة
أصلا إلا أن يبين الأمر على وجهه وعندهما لا
يعتبر ضم العقود بعضها إلى بعض في المعاملة مع
الأجنبي فيبيعه مرابحة على ما اشتراه من
الأجنبي وذلك ألفا درهم .
ولو كان المضارب باع العبد من رب المال بألف
وخمسمائة ثم باعه رب المال من أجنبي بألف
وستمائة ثم عمل المضارب بالألف وخمسمائة حتى
صارت ألفين فاشترى بها العبد من الأجنبي بألف
وستمائة ثم عمل المضارب بألف وخمسمائة حتى
صارت ألفين فاشترى بها العبد من الأجنبي فإن
بيعه مرابحة في قولهما على ألفين وهو ظاهر
وأما في قياس قول أبي حنيفة فإنه يبيعه مرابحة
على ألف وأربعمائة لأن المضارب كان ربح في
البيع الأول مائتين وخمسين وكان المعتبر رأس
المال وحصة المضارب من الربح فحين باعه رب
المال بألف وستمائة فثلثمائة وخمسون من ذلك
ربح المال فيطرح ذلك من الألفين ويطرح أيضا ما
ربح المضارب على رب المال وذلك مائتان وخمسون
درهما فإذا طرحت ذلك من الألفين يبقى
ج / 22 ص -136-
ألف وأربعمائة درهم فعلى ذلك يبيعه المضارب
مرابحة وإنما يطرح ما ربح المضارب على رب
المال لأنه لو ربح ذلك في معاملته مع الأجنبي
بيعا وشراء لكان يطرح ذلك عند أبي حنيفة رحمه
الله في بيع المرابحة فلأن يطرح ذلك عند
معاملته مع رب المال أولى.
وإذا دفع إلى رجل مالا مضاربة بالنصف فاشترى
بألف منها عبدا يساوي ألفين فولاه رب المال
فهذا جائز عند أبي حنيفة لا يشكل لأنه يملك
البيع بالمحاباة وعندهما بيعه بالمحاباة
الفاحشة من غير رب المال لا يجوز لحق رب المال
فلا يكون ذلك مانعا من جواز المعاملة بينه
وبين رب المال فإن باعه رب المال من أجنبي
بألف وخمسمائة مرابحة ثم اشتراه المضارب من
الأجنبي مرابحة بألفي درهم من المضاربة ثم حط
رب المال عن الأجنبي من الثمن ثلاثمائة فإن
الأجنبي يحط عن المضارب مثل ذلك من الثمن
وحصته من الربح وذلك كله أربعمائة لأن العقدين
جميعا كانا مرابحة فإذا خرج القدر المحطوط من
أن يكون ثمنا في حق الأجنبي بحط رب المال عنه
يخرج ذلك القدر وحصته من الربح من أن يكون
ثمنا في عقد المضارب أيضا والمحطوط في عقد رب
المال خمس الثمن وفي عقد المضارب جملة الثمن
ألفان فيحط عنه خمس الثمن وفي عقد المضارب
جملة الثمن ألفان فيحط عنه خمسها أيضا وهو
أربعمائة ثم يبيعه لمضارب مرابحة على ما بقي
من الألفين في قول أبي يوسف ومحمد وهو ألف
وستمائة وعند أبي حنيفة رحمه الله يبيعه
مرابحة على ألف ومائتي درهم لأن رب المال كان
ربح فيه خمسمائة فلما حط ثلاثمائة كان الحط من
جميع الثمن ثلثاه من رأس المال وثلثه من الربح
فبقي ربحه على الأجنبي أربعمائة درهم فيطرح
المضارب هذه الأربعمائة مع الأربعمائة التي
سقطت عنه من الألفين لأنه يبيعه مرابحة لرب
المال فلهذا باعه مرابحة على ألف ومائتين إلا
أن يبين الأمر على وجهه.
ولو كان المضارب حط عن رب المال من الثمن الذي
ولاه به العقد مائتي درهم فإن رب المال يحط
المائتين وحصتها من الربح وهو مائة درهم عن
الأجنبي لأن المضارب حط عنه خمس الثمن وبيعه
من الأجنبي كان مرابحة بألف وخمسمائة فيطرح
عنه أيضا خمس الثمن وذلك ثلاثمائة ثم يحط
الأجنبي عن المضارب هذه الثلثمائة حصتها من
الربح وهو مائة لما قلنا فيبقى العبد في يد
المضارب بألف وستمائة شراء من الأجنبي فإن
أراد أن يبيعه مرابحة باعه في قول أبي حنيفة
مرابحة على ألف ومائتين لما بينا أنه يطرح ما
ربح رب المال عن الأجنبي وهو أربعمائة لأنه
بقي حاصل ضمانه الأول فيه ثمانمائة وحاصل ما
سلم له من الأجنبي ألف ومائتان فعرفنا أن ربحه
كان أربعمائة فيحط المضارب ذلك في بيع
المرابحة عند أبي حنيفة رحمه الله وعندهما
يبيعه مرابحة وهو على ألف وستمائة لما بينا
والله أعلم .
باب ضمان المضارب
قال رحمه
الله: رجل دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة بالنصف وأمره أن يعمل فيه برأيه
أو لم يأمره فعمل فربح ألف درهم ثم إنه دفع
إليه ألف درهم مضاربة بالنصف وأمره أن يعمل
ج / 22 ص -137-
فيها برأيه أو لم يأمره فخلط هذه الألف
الأخيرة بالألف الأولى ثم عمل بالمال كله فربح
ألفا فإن كان لم يأمره أن يعمل في الأخيرة
برأيه فالمضارب ضامن للألف الأخيرة بالخلط لأن
له في المال الأول من الربح خمسمائة فهذا منه
خلط مال المضاربة بمال نفسه وذلك موجب للضمان
عليه في المضاربة المطلقة فإن كان ربح بعد هذا
الخلط ألف درهم فثلث ذلك حصة الألف الأخيرة
وقد ضمنها المضارب فيكون ربحها له فيأخذ من
المال هذه الألف وربحها ثلاثمائة وثلاثة
وثلاثون وثلث وما بقي من المال فهو على
المضاربة الأولى بينهما لأن في حق المضاربة
الأولى إنما خلط مال رب المال بماله وذلك لا
يوجب الضمان عليه.
ولو ضاع المال قبل القسمة لم يضمن المضارب إلا
الألف الأخيرة لأن سبب الضمان وهو الخلط بمال
نفسه إنما وجد فيها خاصة ولو كان أمره في
المضاربة الثانية أن يعمل فيها برأيه ولم
يأمره بذلك في الأولى أو أمره والمسألة بحالها
فلا ضمان عليه والمال كله مضاربة على ما
اشترطا لأن الأمر في المضاربة الأخيرة مفوض
إلى رأيه على العموم فلا يصير ضامنا لها
بالخلط وفي المضاربة الأولى إنما خلط مال رب
المال بماله وذلك غير موجب للضمان عليه فلهذا
كان المال كله مضاربة في يده على ما اشترطا
ولو لم يأمره أن يعمل في واحد من المالين
برأيه فخلطهما قبل أن يربح في واحد منهما شيئا
فلا ضمان عليه لأنه إنما خلط مال رب المال
بماله وذلك ليس بسبب موجب للضمان عليه في
المضاربة المطلقة.
ولو كان ربح في كل واحد ربحا ثم خلطهما ضمنهما
جميعا مع حصة رب المال من الربح الذي كان قبل
الخلط لأن في كل واحد من المالين وجد سبب وجوب
الضمان وهو خلط ملك رب المال بملك نفسه وذلك
حصته من الربح في كل مال وما ربح فيهما بعد ما
خلطهما فهو للمضارب لأنه يملك المالين بالضمان
فما ربح عليهما بعد ذلك يكون له ويتصدق به
لأنه حصل له ذلك بسبب حرام إلا حصة ربحه قبل
أن يخلطها فإنها حلال له لأن ذلك حصل له بسبب
لا حنث فيه وفي قول أبي يوسف لا يتصدق بشيء من
الربح لأنه حصل على ضمانه وأصل الخلاف في
المودع إذا تصرف في الوديعة وربح وإذا كان
أمره فيهما جميعا أن يعمل برأيه كان ذلك كله
مضاربة بينهما على الشرط لوجود تفويض الأمر
إلى رأيه في المضاربتين على العموم والجواب في
المضاربين إذا خلطا المالين قبل أن يربح واحد
منهما شيئا أو بعد ما ربح أحدهما في مضاربته
شيئا نحو الجواب في المضارب الواحد لاستواء
الفصلين في المعنى الذي أشرنا إليه والله أعلم
.
باب المرابحة في المضاربة بين المضاربين
قال رحمه
الله: وإذا دفع الرجل إلى الرجل ألف درهم مضاربة بالنصف ودفع إلى آخر
ألف درهم مضاربة بالنصف فاشترى أحدهما عبدا
بخمسمائة من المضاربة فباعه من المضارب الآخر
بجميع الألف المضاربة فهو جائز وإن كان
المالان لواحد لأن هذا البيع مفيد فإنه يدخل
في مضاربة كل واحد منهما ما لم يكن فيها
وللمشتري أن يبيعه مساومة كيف شاء وإن أراد
ج / 22 ص -138-
أن يبيعه مرابحة باعه على أقل الثمنين وهو
خمسمائة التي اشتراه بها المضارب الأول لأن ما
زاد على ذلك لم يتم خروجه من ملك رب المال فإن
ما في يد المضارب الأول وما في يد المضارب
الآخر كله ملك رب المال وكل واحد منهما عامل
له فإنما يبيعه مرابحة على ما يتيقن بخروجه من
ملكه وهو الخمسمائة التي دفعها الأول إلى
البائع.
ولو كان المشتري اشترى العبد بألف المضاربة
وبألف من ماله ثم أراد أن يبيعه مرابحة باعه
على ألف ومائتين وخمسين لأنه اشترى نصفه لنفسه
بألف من ماله فيبيعه على ذلك مرابحة ويشتري
النصف الآخر للمضاربة فإنما يبيعه مرابحة على
أقل الثمنين فيه وثمن هذا النصف في العقد
الأول كان مائتين وخمسين فيبيع العبد كله
مرابحة على ألف ومائتين وخمسين فإن بين الأمر
على وجهه باعه مرابحة على الألفين لأن تهمة
الجناية تنعدم ببيان الأمر على وجهه.
ولو دفع ألف درهم إلى رجل مضاربة بالنصف ودفع
إلى آخر ألفي درهم مضاربة بالنصف فاشترى
المدفوع إليه الألف عبدا بها وباعه من آخر
بألفي درهم المضاربة فلهذا كان للثاني أن
يبيعه مرابحة على ألف وخمسمائة لأن المضارب
الأول ربح ألف درهم حصته من ذلك خمسمائة وحصة
رب المال خمسمائة إلا أن حصة رب المال من
الربح تطرح في بيع المرابحة لأن ذلك لم يخرج
من ملكه فإنما يعتبر حصة المضارب الأول من
الربح والألف التي غرمها المضارب الأول في
ثمنه فيه فيبيعه الآخر مرابحة على ألف
وخمسمائة لهذا ولو كان الأول اشتراه بخمسمائة
من المضاربة وباعه من الثاني بألفي المضاربة
باعه مرابحة على ألف درهم خمسمائة منها رأس
مال المضاربة الأول الذي نقد في العبد
وخمسمائة ربح المضارب الأول وقد بطلت حصة رب
المال من الربح وهو خمسمائة وخمسمائة أخرى
تمام رأس مال رب المال من المضاربة الأولى
لأنا قد بينا أنه يعتبر رأس المال في كل جنس
كأنه ليس معه غيره.
ألا ترى أنه لو هلكت الخمسمائة الأخرى كان
جميع رأس المال محسوبا من هذا الثمن بمقدار ما
يكمل به رأس مال رب المال ويطرح في بيع
المرابحة كما يطرح حصة رب المال من الربح لأن
ذلك لم يخرج من ملكه والمضارب الآخر إنما
اشتراه لرب المال والأول كذلك باعه لرب المال
وإذا ثبت أنه يطرح من الثمن الثاني ألف درهم
باعه مرابحة على ألف ولو كان الأول اشتراه
بألف المضاربة ثم باعه من الثاني بألفي
المضاربة وألف من ماله فله أن يبيعه مرابحة
على ألفين ومائة وستة وستين درهما وثلثي درهم
لأنه اشترى ثلثه لنفسه بألف درهم فيبيعه
مرابحة على ذلك واشترى ثلثيه بألفي المضاربة
ورأس مال المضاربة الأولى فيه ثلثا الألف وربح
المضارب الأول فيه خمسمائة فإذا ضممت خمسمائة
إلى ثلثي الألف يكون ألفا ومائة وستة وستين
وثلثين ويضم إليه الألف التي هي ثمن ثلث العبد
فيبيعه مرابحة على ذلك ويطرح ما سواه يعني حصة
رب المال من الربح وذلك خمسمائة وما يكمل به
رأس
ج / 22 ص -139-
ماله في المضاربة الأولى من هذا المال وذلك
ثلاثمائة وثلاثة وثلاثون وثلث فتبين أن
المطروح من ثلاثة آلاف ثمانمائة وثلاثة
وثلاثون وثلث.
ولو كان المضارب الأول اشترى العبد بخمسمائة
وقيمته ثلاثة آلاف والمسألة بحالها فإن للآخر
أن يبيعه مرابحة على ألف وثمانمائة وثلاثة
وثلاثين درهما وثلث لأن الآخر اشترى ثلثه
لنفسه بألف درهم وذلك معتبر كله واشترى ثلثه
للمضاربة وإنما يعتبر فيه حصته من الثمن الأول
وهو ثلاثمائة وثلاثة وثلاثون وثلث وحصة
المضارب من الربح وهو خمسمائة فإذا جمعت ذلك
كان مقداره ما بيناه ويطرح حصة رب المال من
الربح وهو خمسمائة وما يكمل به رأس ماله في
المضاربة الأولى من هذا المال وهو ستمائة وستة
وستون وثلثان فإذا طرحت من ثلاثة آلاف ألفا
ومائة وستة وستين وثلثين يبقى ألف وثمانمائة
وثلاثة وثلاثون وثلث.
ولو دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة بالنصف ثم
دفع إلى آخر ألف درهم مضاربة بالنصف فعمل
الآخر بالمال حتى صارت ألفين ثم اشترى الأول
بألف المضاربة عبدا فباعه من الآخر بالألفين
اللتين في يده وقيمته ألفا درهم فإن الثاني
يبيعه مرابحة على ألف وخمسمائة لأن رأس مال
الأول فيه ألف درهم فيعتبر ذلك ويعتبر حصة
الأول من الربح وهو خمسمائة وتبطل حصة رب
المال من الربح في المضاربة الأولى لأن ذلك لم
يخرج من ملكه بالعقد الثاني فلهذا باعه الثاني
مرابحة على ألف وخمسمائة.
ولو كان الأول اشتراه بخمسمائة من المضاربة
وخمسمائة من ماله والمسألة على حالها باعه
مرابحة على ألف وخمسمائة لأن الأول اشترى نصفه
لنفسه بخمسمائة وباعه من الثاني بألف فيبيع
ذلك النصف مرابحة على ألف واشترى الأول النصف
الآخر وباعه من الآخر بألف ولا فضل فيه على
رأس مال المضاربة في العقد الأول فإنما يبيع
هذا النصف مرابحة على الثمن الأول وهو خمسمائة
ولو كان الأول اشتراها بألف من عنده وخمسمائة
من المضاربة والمسألة بحالها باعه الآخر
مرابحة على ألف وثمانمائة وثلاثة وثلاثين وثلث
لأن الأول اشترى ثلثيه لنفسه وباع ذلك من
الآخر بثلث الألفين وذلك ألف وثلاثمائة
وثلاثون وثلث فيعتبر ذلك كله وأما الثلث الذي
اشتراه للمضاربة وباعه من الآخر للمضاربة بما
لا فضل فيه على رأس مال المضاربة الأولى فإنما
يبيع هذا الثلث مرابحة على الثمن الأول وهو
خمسمائة وإذا ضممت الخمسمائة إلى الألف
وثلاثمائة وثلاثة وثلاثين وثلث كانت جملته
ألفا وثمانمائة وثلاثة وثلاثين وثلثا ولو كان
الأول اشتراه بألف المضاربة وبخمسمائة من ماله
فإن الآخر يبيعه أيضا مرابحة على ألف
وثمانمائة وثلاثة وثلاثين وثلث لأن الأول
اشترى لنفسه ثلثه وباعه بثلث الألفين فيعتبر
ذلك واشترى ثلثه للمضاربة وباعه بثلثي الألفين
فيعتبر من ذلك مقدار رأس المال وهو ألف درهم
وحصة المضارب من الربح وذلك مائة وستة وستون
وثلثان ويطرح حصة رب المال من الربح خاصة وإذا
طرحت من الألفين مائة وستة وستين وثلثين كان
الباقي ألفا وثمانمائة وثلاثة وثلاثين وثلثا.
ج / 22 ص -140-
ولو دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة وإلى آخر
ألفي درهم مضاربة فاشترى الأول بألف عبدا من
ماله وبخمسمائة من المضاربة ثم باعه من الآخر
بثلاثة من ماله وألفي المضاربة فإن الآخر
يبيعه مرابحة على ألفين وستمائة وستة وستين
درهما وثلثي درهم لأن الأول اشترى ثلثي العبد
لنفسه وباعه من الآخر بألفي درهم فيعتبر جميع
ذلك واشترى ثلثه للمضاربة ثم إن الآخر اشترى
منه ثلث هذا الثلث لنفسه بثلثمائة وثلاثة
وثلاثين وثلث لا ينتقص من ذلك شيء واشترى ثلثي
هذا الثلث منه للمضاربة فيعتبر فيه حصة من
الثمن الأول وذلك ثلث الألف ثلاثمائة وثلاثة
وثلاثون وثلث هذا هو المعتبر فيه ويطرح ما زاد
على ذلك فإن جمعت ذلك كله كان ألفي درهم
وستمائة وستة وستين وثلثين فيبيعه مرابحة على
ذلك وحاصل ما طرح ثلاثمائة وثلاثة وثلاثون
وثلث وذلك ربح ثلثي هذا الثلث لأنه مشغول برأس
المال كله ولم يخرج من ملك رب المال بالعقد
الثاني ولو كان الأول اشترى العبد وقيمته خمسة
آلاف درهم بألف المضاربة وبخمسمائة من ماله و
المسألة بحالها باعه الثاني مرابحة على ألفين
وخمسمائة لأن الأول اشترى ثلث العبد لنفسه
وباعه من الثاني بألف فيبيعه مرابحة على ذلك
فاشترى الثلثين للمضاربة ثم إن المضارب الآخر
اشترى منه ثلث الثلثين لنفسه بستمائة وستة
وستين وثلثين فلا ينقص منه شيء واشترى منه ثلث
الثلثين للمضاربة بألف وثلاثمائة وثلاثة
وثلاثين وثلث فالمعتبر من ذلك رأس المال في
العقد الأول وذلك ستمائة وستة وستون وثلثان
وحصة المضارب الأول من الربح وهو مائة وستة
وستون وثلثان فإذا جمعت ذلك كله كان ألفين
وخمسمائة والمطروح من ذلك حصة رب المال من
الربح وهو مائة وستة وستون وثلثان وما يكمل به
رأس المال في المضاربة الأولى وذلك ثلاثمائة
وثلاثة وثلاثون وثلث.
وإذا دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة بالنصف ودفع
إلى آخر ألفي درهم مضاربة بالنصف فاشترى الأول
جارية بألف من ماله وخمسمائة من المضاربة
وباعها من الآخر بثلاثة آلاف درهم ألف من
المضاربة وألفين من ماله فإنه يبيعها مرابحة
على ألفين وثمانمائة وثلاثة وثلاثين وثلث لأن
الأول اشترى ثلثيها لنفسه وباع ذلك من الثاني
بألفي درهم فيعتبر ذلك كله واشترى ثلثها
للمضاربة ثم باع ثلثي هذا الثلث من الثاني
واشترى الثاني لنفسه بستمائة وستة وستين
وثلثين فيعتبر ذلك أيضا واشترى ثلث هذا الثلث
للمضاربة فإنما يعتبر حصة هذا الجزء من الثمن
الأول وذلك مائة وستة وستون وثلثان فإذا جمعت
هذا كله كان ألفين وثمانمائة وثلاثة وثلاثين
وثلثا فإذا قبض الثمن أخذ لنفسه من الثمن حصته
ألف درهم وكان ما بقي من المضاربة لأن الثمن
في بيع المرابحة مقسوم على الثمن الأول وثلث
الثمن الأول كان من مال المضارب الآخر فإن كان
الثمن الذي باعها به أربعة آلاف درهم كان له
خاصة من ذلك اثنا عشر جزءا والباقي يكون من
المضاربة لأن مقدار الألفين من ماله وثمانمائة
وثلاثة وثلاثون وثلث مال المضاربة فالسبيل أن
يجعل كل مائة وستة وستين وثلثين وسهم فصار
الألفان اثني عشر وثمانمائة وثلاثة وثلاثين
وثلثا خمسمائة فتكون الجملة سبعة عشر
ج / 22 ص -141-
سهما للمضاربة من ذلك خمسة وللمضارب الآخر
اثنا عشر فعلى ذلك يقسم الأربعة آلاف.
ولو دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة بالنصف ودفع
إلى آخر ألفي درهم مضاربة بالنصف فاشترى الأول
جارية بألف المضاربة وبخمسمائة من ماله وباعها
من الآخر بألف المضاربة وبألفين من ماله فإنه
يبيعها مرابحة على ألفين وثمانمائة وثلاثة
وثلاثين وثلث لأن الثاني اشترى ثلث الثلث
الباقي لنفسه وباع ذلك بثلث الألف فيعتبر ذلك
كله في بيع المرابحة والأول كان اشترى ثلث
الثلث الباقي لنفسه وباع ذلك بثلث الألف
فيعتبر ذلك كله أيضا وكان اشترى ثلثي الثلث
للمضاربة وباعها للمضارب بثلثي الألف وإنما
يعتبر من ذلك رأس مال هذا الجزء وفي العقد
الأول وذلك ثلاثمائة وثلاثة وثلاثون وثلث وحصة
المضارب من الربح وذلك مائة وستة وستون وثلثان
ويطرح حصة رب المال من الربح وذلك مائة وستة
وستون وثلثان فيبيعه مرابحة على ألفين
وثمانمائة وثلاثة وثلاثين وثلث بهذا فإذا قسم
الثمن على سبعة عشر سهما بينه وبين المضارب
كما بينا في الفصل الأول قال عيسى رحمه الله
هذا الجواب خطأ فإنما يبيعها مرابحة على ألفين
وستمائة وستة وستين وثلث لأن ثلث الثلثين باعه
الأول من المضاربة واشتراه منه الثاني
للمضاربة أيضا فلا يعتد بربح رب المال فيه
وذلك إذا تأملت مائة وستة وستون وثلثان فتبين
أن المطروح من ثلاثة آلاف مائة وستة وستون
وثلثان مرتين فيكون الباقي ألفين وستمائة وستة
وستين وثلثين وقيل إنما يصح ما ذهب إليه عيسى
رحمه الله إن لو كان مقدار ذلك الثلث من
الثلثين مقررا في مملوك أو في مبيع على حدة
فأما إذا كان في جملة مملوك قد بيع بيعا واحدا
وسائر رأس المال فيه مجمل فلا يصح ذلك ولكن
يجب اعتبار جميع ثمن الثلثين لأن المضارب
الآخر اشترى الثلثين لنفسه بألفين من ماله فلا
بد من اعتبار جميع ذلك في بيع المرابحة والله
أعلم.
باب دعوى المضارب ورب المال
قال رحمه
الله: وإذا دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة بالنصف وأمره أن يعمل فيها
برأيه أو لم يأمره فاشترى بالألف بن رب المال
فهو مشتر لنفسه لأن رب المال إنما أمره بأن
يشتري بالمال ما يمكنه بيعه فإن المقصود
الاسترباح ولهذا أوجب له الشركة في الربح وذلك
لا يحصل إلا بالبيع بعد الشراء فعرفنا أنه
مأمور بشراء ما يمكنه بيعه وقريب رب المال لو
جاز شراؤه منه على المضاربة عتق ولا يمكنه
بيعه فلم يكن هذا من جملة ما تناوله الأمر كما
لو قال اشتر لي جارية أطؤها فاشترى أخت الموكل
من الرضاع أو جارية مجوسية لم تلزم الآمر لهذا
وإذا لم ينفذ شراؤه على رب المال صار مشتريا
لنفسه وقد نقد ثمنها من مال المضاربة فيخير رب
المال بين أن يسترد المقبوض من البائع ويرجع
المضارب على البائع بمثله وبين أن يضمن
المضارب مثل ذلك لأنه قضى بالمضاربة دينا
عليه.
ولو كان اشترى دين نفسه وقيمته ألف درهم أو
أقل جاز على المضاربة وهو عبد لأنه لا يملك
المضارب شيئا منه ولا ربح فيه فهو متمكن من
بيعه فإذا زادت قيمته على ألف عتق
ج / 22 ص -142-
ويسعى في رأس المال وحصة رب المال من الربح
لأنه لما ظهر في قيمته فضل على رأس المال ملك
المضارب نصيبه من الفضل فيعتق ذلك الجزء عليه
لأنه ملك جزءا من قريبه ولا ضمان على المضارب
فيه لرب المال لأنه لا صنع للمضارب في هذه
الزيادة بل عتق حكما وعليه السعاية في رأس
المال وحصة رب المال من الربح لتتميم العتق
لأنه احتبس ذلك القدر عنده من ملك رب المال
فعليه أن يسعى له في ذلك ولو كانت قيمته يوم
اشتراه أكثر من ألف درهم كان مشتريا لنفسه
لأنه اشترى للمضاربة ما لا يمكنه بيعه فإنه
يعتق منه بقدر نصيبه من الربح كما ينفذ شراؤه
على المضاربة فلهذا كان مشتريا لنفسه فيعتق
عليه ولرب المال الخيار في تضمين مال المضاربة
أيهما شاء كما بينا.
ولو كان اشترى بالألف عبدا يساوي ألفي درهم لا
يعرف له نسب فقال المضارب لرب المال هذا ابنك
وقال رب المال كذبت فإن الغلام يعتق لأن
المضارب مالك مقدار ربع منه بحصته من الربح
وقد أقر بفساد الرق فيه حين زعم أنه بن رب
المال فيعتق لذلك ويسعى الغلام في جميع قيمته
بينهما أرباعا ثلاثة أرباعها لرب المال وربعها
للمضارب فإن قيل كان ينبغي أن لا يعتق لأن رب
المال يزعم أن المضارب كاذب وأن العبد مملوك
لهما على المضاربة والمضارب يزعم أنه مملوك له
اشتراه لنفسه لأنه بن رب المال قلنا نعم ولكن
العبد في الظاهر مشترى على المضاربة وباعتبار
هذا الظاهر يكون المضارب مقراً بفساد الرق فيه
ورب المال مقر بصحة إقرار المضارب فيه باعتبار
نصيبه فيكون هذا بمنزلة عبد مشترك بين اثنين
أحدهما مقر على صاحبه بالعتق في نصيبه.
ولو قال المضارب لرب المال: هذا ابنك وقال رب
المال: بل هذا ابنك وقال صدقت فهو مملوك
للمضارب أما إذا قال صدقت فقد تصادقا على أن
المضارب اشتراه لنفسه لأنه بن رب المال بمنزلة
ما لو اشترى ابنه المعروف وأما إذا قال: بل هو
ابنك فقد تصادقا على أنه اشتراه لنفسه لأنه
إذا كان في قيمته فضل فالمضارب يصير مشتريا
لنفسه سواء كان ابنه أو بن رب المال ثم كان رب
المال شاهدا على المضارب للعبد بالعتق والنسب
وبشهادة الفرد لا تتم الحجة فلهذا كان مملوكا
للمضارب وعلى المضارب أن يرد رأس المال على رب
المال بخلاف الأول فهناك المضارب يدعي أنه
اشتراه لنفسه وقد كذبه رب المال في ذلك وكان
العبد مشتركا بينهما باعتبار الظاهر فلهذا
يفسد الرق فيه بإقرار المضارب.
ولو دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة بالنصف
فاشترى عبدا يساوي ألفا فقال المضارب لرب
المال هو ابنك وكذبه رب المال فالعبد على حاله
في المضاربة لأن المضارب لا يملك شيئا منه حين
لم يكن في قيمته فضل على رأس المال فلا يفسد
الرق فيه بإقراره ويبقي على حاله في المضاربة
فإن لم يبعه حتى زاد فصار يساوي ألفي درهم عتق
لإقرار المضارب أنه بن رب المال وأنه أقر بما
لا يحتمل الفسخ فيصير كالمجدد لإقراره بعد ما
ظهر الفضل في
ج / 22 ص -143-
قيمته فيفسد الرق فيه لذلك ويسعى في قيمته
بينهما أرباعا لأنه في معنى الشاهد على رب
المال بالعتق أو فساد الرق فيه كان حكما عند
ظهور الفضل فيه فلا يوجب الضمان على المضارب
ولا يسقط به حقه عن شيء من نصيبه من السعاية
فلهذا يسعى في قيمته بينهما أرباعا.
ولو قال رب المال: صدقت ولا
فضل فيه على رأس المال فالغلام للمضارب ويضمن
رأس المال لرب المال لتصادقهما على أن المضارب
اشتراه لنفسه ولو قال رب المال كذبت ولكنه
ابنك فهو على المضاربة لأن المضارب يدعي أنه
اشتراه لنفسه ورب المال ينكر ويزعم أنه اشتراه
على المضاربة إذ لا فضل فيه على رأس المال
والمضارب يشتري بن نفسه على المضاربة إذا لم
يكن فيه فضل على رأس المال والظاهر شاهد لرب
المال فيما يقول أنه اشتراه على المضاربة فإن
لم يبعه حتى زادت قيمته فصار يساوي ألفي درهم
استسعى في قيمته بينهما أرباعا لأن كل واحد
منهما في معنى الشاهد على صاحبه بالعتق
والمضارب يزعم إنه بن رب المال وأن نصيبه منه
قد عتق ورب المال يزعم أنه بن المضارب وأن
نصيبه منه قد عتق وهذه الشهادة منهما تفسد
الرق فلا تسقط شيئا من السعاية عن العبد حقيقة
فيسعى في جميع قيمته بينهما أرباعا ثلاثة
أرباعها لرب المال وربعها للمضارب.
ولو كان اشترى بألف عبدا يساوي ألفين فقال رب
المال للمضارب هذا ابنك وقال المضارب كذبت
فإنه يعتق ويسعى في حصة المضارب من الربح
خمسمائة ولا سعاية عليه لرب المال لأن رب
المال يتبرأ من السعاية ويزعم أن المضارب
اشتراه لنفسه وأنه عتق كله عليه وأنه ضامن له
بمثل رأس المال إلا أنه لا يصدق فيما يدعي من
الضمان على المضارب فلا يسعى العبد له في شيء
لأنه لا يدعي عليه السعاية وإنما سعى للمضارب
في خمسمائة لأنه يدعي سعايته ويقول قد فسد
الرق فيه بشهادة رب المال علي كاذبا ولم يجب
لي ضمان عليه وإنما حقي في استسعاء العبد في
نصيبي فلهذا يستسعى له في خمسمائة.
ولو كان المضارب صدقه في ذلك ثبت نسبه منه
لتصادقهما عليه ويكون حرا على المضارب لأنه
صار مشتريا إياه لنفسه باعتبار الفضل على رأس
المال في قيمته ويكون ضامنا لرب المال رأس
ماله ولو قال رب المال للمضارب: هو ابنك وقال
المضارب بل هو ابنك فهو مملوك للمضارب وضمن له
رأس ماله لأنهما تصادقا أن المضارب اشتراه
لنفسه فإنه إن كان بن رب المال كما ادعاه
المضارب فقد اشتراه المضارب لنفسه ولو كان بن
المضارب كما زعم رب المال فقد اشتراه لنفسه
باعتبار الفضل فيه فلهذا ضمن لرب المال رأس
ماله فيه وهو مملوك للمضارب لأنه أقر بحريته
بإقراره بنسبه لرب المال.
ألا ترى أن رب المال لو صدقه في ذلك يثبت نسبه
منه ولم يعتق فرب المال شهد عليه بالعتق في
ملكه وبشهادته لا تتم الحجة.
ج / 22 ص -144-
ولو كان اشترى بها عبدا يساوي ألفا فقال رب
المال للمضارب هو ابنك وقال المضارب كذبت
فالعبد على المضاربة بحاله لأنه وإن كان هو بن
المضارب فقد صار مشتريا له على المضاربة إذ لا
فضل فيه على رأس المال وإنما بقي إقرار رب
المال بنسبه للمضارب وقد كذبه في ذلك فلم يثبت
النسب منه فإن زادت قيمته حتى صارت ألفي درهم
عتق ويسعى في قيمته بينهما أرباعا لأن رب
المال أقر بما لا يحتمل الفسخ فيصير كالمجدد
لإقراره بعد ما زادت قيمته وقد صار الربع منه
مملوكا للمضارب ففي زعم رب المال أن الرق فيه
قد فسد بملك المضارب جزءا منه فلهذا عتق ويسعى
في قيمته بينهما أرباعا وإن كان المضارب صدقه
ولا فضل في الغلام فهو ابنه مملوك له في
المضاربة بمنزلة ما لو اشترى ابنه المعروف ولا
فضل فيه على رأس المال فإن لم يبعه حتى بلغت
قيمته ألفي درهم عتق وسعى في ثلاثة أرباع
قيمته لرب المال لأن الربع منه صار مملوكا
للمضارب فيعتق عليه لثبوت نسبه منه ولكن هذا
العتق حصل منه حكما لظهور الزيادة من غير صنع
للمضارب فيه فلا يكون ضامنا لرب المال شيئا
ولكن العبد يسعى في حصة رب المال باعتبار رأس
المال وحصته من الربح وذلك ثلاثة أرباعه.
ولو كان اشترى عبدا يساوي ألفين فقال المضارب
هو ابني وقال رب المال كذبت ثبت نسبه من
المضارب لأنه مالك له بعد مقدار حصته من الربح
وذلك يكفي لصحة دعواه النسب فيه ثم هذه دعوى
تحرير لأن أصل العلوق به ما كان في ملكه فيكون
بمنزلة الإعتاق ولو أعتقه المضارب عتق نصيبه
ورب المال في نصيبه بالخيار إن كان المضارب
موسرا بين الإعتاق والاستسعاء والتضمين وإن
كان معسرا فله الخيار بين الإعتاق والاستسعاء
والولاء بينهما أرباعا لأن ثلاثة أرباعه عتقت
على رب المال حين أعتقه أو استسعاه وربعه عتق
من جهة المضارب ولو كان رب المال صدقه في ذلك
عتق على المضارب ويضمن المضارب رأس المال
لأنهما تصادقا على أن المضارب اشتراه لنفسه
وإن لم يصدقه ولكنه ادعى ثبوته بعد ذلك فهو
ابن المضارب يعتق عليه ويضمن رأس المال لأنهما
تصادقا على أن المضارب اشتراه لنفسه فإنه إن
كان ابن رب المال كما زعم فقد اشتراه المضارب
لنفسه وإن كان ابن المضارب فكذلك وإذا كان
مشتريا لنفسه ترجحت دعواه بالسبق وبالملك
فيعتق عليه ويضمن رأس المال.
ولو كان اشترى عبدا يساوي ألفا فقال المضارب
هو ابني وكذبه رب المال لم يثبت نسبه وهو على
حاله في المضاربة لأنه مشتر له على المضاربة
بمنزلة ابنه المعروف ولا ملك له فيه لتصح
دعواه باعتباره مع تكذيب رب المال فلهذا لم
يثبت نسبه منه فإن صارت قيمته ألفين عتق ربعه
وثبت نسبه من المضارب لأن بظهور الفضل صار هو
مالكا لربعه وهو كالمجدد لدعوى النسب لأن
النسب لا يحتمل الفسخ بعد ثبوته فيثبت نسبه
منه ويسعى في ثلاثة أرباع قيمته لرب المال ولا
ضمان على المضارب فيه لأن العتق حصل حكما
بظهور
ج / 22 ص -145-
الفضل في قيمته من غير صنع للمضارب فيه ولو
كان صدقه رب المال وقيمته ألف ثبت نسبه منه
وهو على المضاربة لأنه مملوك لرب المال وقد
أقر بنسبه للمضارب فيثبت نسبه منه وهو على
المضاربة بمنزلة ابنه المعروف فإن صارت قيمته
ألفين عتق ربعه لأن المضارب صار مالكا ربعه
وهو ثابت النسب منه ويسعى في ثلاثة أرباع
قيمته لرب المال ولو زادت قيمته حتى صارت
ألفين قبل دعوى المضارب ثم ادعي أنه ابنه
وكذبه رب المال ثبت نسبه منه لأنه مالك لربعه
حين ادعى نسبه ويكون هذا بمنزلة إعتاق ربعه
فيخير رب المال بين أن يضمن المضارب ثلاثة
أرباع قيمته وبين الاستسعاء والإعتاق إن كان
موسرا وإذا ضمن المضارب لم يرجع المضارب بها
على الغلام لأنه ملك بالضمان ثلاثة أرباعه
فعتق عليه لثبوت نسبه منه وإذا اختار
الاستسعاء أو الإعتاق فلرب المال ثلاثة أرباع
ولائه لأن ثلاثة أرباعه عتقت من قبله.
ولو كان رب المال صدقه فلا ضمان له على
المضارب وله أن يستسعى الغلام أو يعتقه لأنهما
تصادقا على أنه عتق على المضارب ربعه حكما عند
ظهور الفضل فيه فهو بمنزلة بن معروف له ولو لم
تزد قيمته على ألف فقال المضارب هو ابني وقال
رب المال كذبت ولكنه ابني فهو بن رب المال حر
من ماله لأنه في الظاهر مشتري على المضاربة
وهو مملوك لرب المال كله فتصح دعواه لمصادفته
ملكه ويعتق من ماله ولا ضمان على المضارب فيه
لأن رب المال يدعي عليه أنه ضامن رأس ماله
مشتري الابن لنفسه ولا يصدق في ذلك إلا بحجة
وإن لم يدعه واحد منهما حتى صارت قيمته ألفين
فقال المضارب هو ابني وقال رب المال كذبت
ولكنه ابني فهو بن المضارب لأنه حين ادعى نسبه
كان مالكا لربعه فثبت نسبه منه ثم رب المال
ادعى نسبه منه بعد ذلك وهو ثابت النسب فلا
يثبت نسبه منه وقد عتق منهما جميعا والولاء
بينهما أرباعا ولا ضمان على واحد منهما لصاحبه
لأن رب المال يدعي أنه لا سعاية له على العبد
وأنه حر كله بإقرار المضارب وأن حقه في تضمين
المضارب رأس ماله وهو غير مصدق في التضمين إلا
بحجة ولكن كل واحد منهما يصير كالمعتق بحصته
منه أما المضارب فلا إشكال فيه ورب المال
بدعواه النسب يصير كالمعتق لنصيبه لأن من ادعى
نسب مملوكه وهو معروف النسب من الغير يكون ذلك
بمنزلة الإعتاق منه فلهذا كان الولاء بينهما
أرباعا.
ولو كان العبد يساوي ألفين يوم اشتراه ونقد
ثمنه فقال رب المال هو ابني وكذبه المضارب ثبت
نسبه من رب المال وعتق ثلاثة أرباع العبد
بدعواه إياه والمضارب بالخيار في الربع كما
وصفنا في رب المال لأن رب المال صار بمنزلة
المعتق له فإن دعوى التحرير كالإعتاق ولو لم
يكذبه المضارب ولكن صدقه فالغلام بن لرب المال
وعبد للمضارب
ويضمن المضارب رأس مال
رب المال لأنهما تصادقا على أن المضارب اشتراه
لنفسه فيكون عبدا له ولكن نقد ثمنه من مال
المضاربة فيصير ضامنا لرب المال ولو لم يصدقه
المضارب ولكنه قال كذبت بل هو ابني فهو بن
المضارب حر من ماله لأنهما تصادقا أن المضارب
ج / 22 ص -146-
اشتراه لنفسه وقد ادعى نسبه فهو حر من ماله
ويضمن رأس المال لرب المال ولو كان يساوي ألفا
فقال رب المال هو ابني وكذبه المضارب فهو ابنه
حر من ماله لأنه مالك لجميعه في الظاهر وقد
أقر بنسبه ولو صدقه المضارب كان بن رب المال
وهو عبد للمضارب لأنهما تصادقا أن المضارب
اشتراه لنفسه وقد أقر بنسبه لرب المال فثبت
نسبه منه ويكون عبدا للمضارب وهو ضامن رأس
المال لرب المال ولو لم يصدقه المضارب ولكنه
قال كذبت ولكنه ابني فهو بن رب المال حر من
قبله لأنه هو المالك له في الظاهر وقد ادعى
نسبه فيثبت نسبه منه ويعتق عليه ولا ضمان على
واحد لصاحبه لأن المضارب ما كان يملك منه شيئا
فلا يضمن رب المال له شيئا من قيمته.
ولو لم يقولا ذلك حتى صارت قيمته ألفي درهم
فقال رب المال هو ابني وقال المضارب كذبت ثبت
نسبه منه وعتق ثلاثة أرباعه لإقراره بنسبه
والمضارب بالخيار في الربع لأنه مالك حصته من
الربح ورب المال صار كالمعتق فيتخير المضارب
في نصيبه كما بينا ولو صدقه المضارب بما قال
فهو بن رب المال وهو عبد للمضارب لتصادقهما
على أن المضارب اشتراه لنفسه ويكون ضامنا لرب
المال رأس ماله ولو لم يصدقه رب المال ولكنه
قال كذبت بل هو ابني فالغلام بن رب المال لأنه
سبق بالدعوى فيثبت نسبه منه وعتق ثلاثة أرباعه
من قبله ثم المضارب ادعى نسبه وهو ثابت النسب
من رب المال فلا يثبت نسبه منه ولكنه صار
كالمعتق لنصيبه فلا ضمان لواحد منهما على
صاحبه وكان ولاؤه بينهما أرباعا.
باب ضياع مال المضاربة قبل الشراء أو بعده
قال رحمه
الله: وإذا دفع الرجل إلى الرجل ألف درهم مضاربة بالنصف فاشترى بها شيئا
ثم ضاعت الألف قبل أن ينقدها المضارب البائع
فإن المضارب يرجع بمثلها على رب المال لأن رأس
المال كان أمانة في يده بعد الشراء كما قبله
فهلك من مال رب المال ولم يبطل الشراء بهلاك
الألف والمضارب عامل لرب المال في هذا الشراء
فيرجع عليه بما لحقه من العهدة فلهذا يرجع
بألف أخرى على رب المال فيدفعها إلى البائع
فإن قبضها من رب المال فلم يدفعها إلى البائع
حتى ضاع رجع بمثلها أيضا وكذلك كل ما ضاع مما
يقبضه قبل أن ينقده البائع كان ما يقبضه من رب
المال يكون أمانة في يد المضارب.
ألا ترى أن عند حصول الربح يحصل جميع رأس
المال وهو ما قبضه في المرات كلها ورأس المال
يكون أمانة في يد المضارب فلهذا يرجع مرة بعد
أخرى حتى يصل الثمن إلى البائع بخلاف الوكيل
فإنه إذا رجع بالثمن على الموكل مرة بعد البيع
لم يرجع مرة أخرى لأن بالشراء يجب الثمن
للبائع على الوكيل وللوكيل على الموكل فيصير
الوكيل بالقبض من الموكل مقتضيا دين نفسه
فيكون المقبوض مضمونا عليه وهنا قبض المضارب
لا يكون اقتضاء لدين وجب له كيف يكون كذلك
والمقبوض رأس مال المضاربة وهو في قبض رأس مال
المضاربة عامل لرب المال.
ج / 22 ص -147-
ولو دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة بالنصف
فاشترى بها عبدا يساوي ألفين فقبضه وباعه
بألفين ثم اشترى بالألفين جارية ولم ينقد
الألفين حتى ضاعا فإن المضارب يرجع على رب
المال بألف وخمسمائة ويغرم من ماله خمسمائة
لأن المضارب في شراء ربع الجارية عامل لنفسه
باعتبار حصته من الربح فلا يرجع بما يلحقه من
العهدة في ذلك الربع على رب المال وفي شراء
ثلاثة أرباعها كان عاملا لرب المال فيرجع عليه
بالعهدة في ذلك القدر فإذا دفع الألفين إلى
البائع وقبض الجارية فباعها بخمسة آلاف درهم
فله ربع ثمنها وهو حصة ما اشترى لنفسه ونقد
الثمن من ماله وثلاثة أرباع ثمنها من مال
المضاربة فيأخذ منها رب المال رأس ماله ألفين
وخمسمائة لأنه غرم ذلك مرتين وقد بينا أن جميع
ما يأخذ المضارب من المال يكون رأس ماله
والربح لا يظهر إلا بعد وصول رأس المال إلى رب
المال فإذا أخذ جميع رأس ماله كان الباقي ربحا
على الشرط.
ولو دفع إليه ألف درهم مضاربة بالنصف فضاعت
قبل أن يشتري بها شيئا فقد بطلت المضاربة
لفوات محلها بخلاف ما إذا ضاعت بعد الشراء بها
لأن حكم المضاربة بالشراء تحول إلى المشتري
فهلاك الألف بعد ذلك لا يفوت محل المضاربة وإن
اشترى بالألف جارية فضاعت الألف فقال رب المال
ضاعت قبل أن يشتري بها وقال المضارب بعد ما
اشتريت بها فالقول قول رب المال لأن المضارب
يدعي لنفسه حق الرجوع على رب المال بألف في
ذمته ورب المال ينكر ذلك فإن قيل: هلاك ذلك
المال عارض ورب المال يدعي فيه سبق تاريخ
والمضارب ينكره قلنا: هذا متعارض فالمضارب
يدعي سبق التاريخ في شراء الجارية على هلاك
المال ورب المال ينكره فعند التعارض كان
الترجيح فيما قلنا لأن كون هلاك المال محالا
به على أقرب الأوقات نوع من الظاهر وبالظاهر
يرفع الاستحقاق ولا يثبت الاستحقاق وحاجة
المضارب إلى استحقاق الرجوع على رب المال فإن
أقام رب المال البينة أنها ضاعت قبل أن يشتري
بها وأقام المضارب البينة أنه اشترى بها قبل
أن يضيع فالبينة بينة المضارب لأنه يثبت
الاستحقاق لنفسه ببينة ورب المال ينفي ذلك ولو
لم يهلك الألف ولم ينقدها في ثمن الجارية
ولكنه اشترى بها جارية أخرى على المضاربة وقال
أبيعها فأنقد الثمن الأول فإنما اشترى الجارية
الأخيرة لنفسه ولا تكون من المضاربة لأن ما في
يده من المال مستحق في ثمن الجارية الأولى فقد
اشترى الأخرى وليس في يده من مال المضاربة شيء
من ثمنها فلو نفذ شراؤه على المضاربة كان هذا
استدانة منه على المضاربة والمضارب بمطلق
المضاربة لا يملك الاستدانة.
ولو اشترى بالجارية التي قبض جارية أخرى جاز
وكانت على المضاربة لما بينا أن حكم المضاربة
تحول بالشراء من الألف إلى الجارية فإنما أضاف
العقد الثاني إلى مال المضاربة والمضارب كما
يملك البيع والشراء بالنقد يملك ذلك بالعرض
فلهذا كانت الأخرى على المضاربة.
ج / 22 ص -148-
ألا ترى أن ثمنها لا يصير دينا على المضارب في
هذا الفصل؟ وفي الفصل الأول ثمن الجارية
الأخرى دين على المضاربة فلو نفذ شراؤه على
المضاربة لصار عليه دين ألفا درهم في ثمن
المشتري للمضاربة ورأس مال المضاربة ألف درهم
فكأنه اشترى جارية أو جاريتين بالألفين
ابتداء.
ولو دفع إليه ألف درهم مضاربة فاشترى جارية
بألف درهم ولم يقل بهذه الألف وقال أردت بذلك
المضاربة فالقول قوله لأن المأخوذ عليه الشراء
للمضاربة لا إضافة العقد إلى ألف المضاربة فإن
النقود لا تتعين في العقود بالتعيين وإذا لم
يتعين الألف لم يبق في التعيين فائدة فيكتفي
ببينته للمضاربة كما في حق الوكيل وما في
ضميره لا يعرف إلا من جهته فيقبل قوله فيه ولو
اشتراها بألف درهم نسيئة سنة يريد بها
المضاربة جاز على المضاربة أيضا لأن في يده من
المال مثل ما اشترى به والشراء بالنسيئة
وبالنقد من صنيع التجار فيملك المضارب النوعين
جميعا بمطلق العقد فإن قبضها فاشترى بها شيئا
فهو على المضاربة لأن حكم المضاربة تحول إلى
الجارية المشتراة فإنما أضاف الشراء الثاني
إلى مال المضاربة.
ولو لم يشتر بالجارية ولكنه اشترى بالألف التي
في يده كان مشتريا لنفسه لأن حكم المضاربة
تحول إلى الجارية المشتراة فلما أضاف الشراء
الثاني إلى ألف المضاربة فقد أضافه إلى غير
محل المضاربة فكان مشتريا لنفسه ولأن الألف
صارت مستحقة عليه في ثمن الجارية الأولى عند
حل الأجل فلو صار مشتريا الأخرى على المضاربة
لكان ذلك منه استدانة وإذا اشترى بألف
المضاربة حنطة أو غيرها ثم اشترى بما في يديه
عبدا بألف درهم وهو يريد أن يبيع بعض ما في
يده وينقد الألف وفي يده وفاء بالألف وفضل فهو
مشتر لنفسه لأن الذي في يده غير ما اشترى به
يعني أن حكم المضاربة تحول إلى الحنطة وهي
تتعين في العقد بالتعيين فإذا اشترى بالدراهم
فقد اشترى بغير مال المضاربة فكان مشتريا
لنفسه إذ لو جاز شراؤه بالدراهم على المضاربة
كان في معنى الاستدانة منه.
ولو اشترى بالألف حنطة ثم اشترى جارية بكر
حنطة وسط نسيئة شهر وهو يريد أن يكون على
المضاربة وفي يده حنطة مثل ما اشترى به أو
أكثر فهذا جائز على المضاربة لأنه اشترى بجنس
ما في يده من مال المضاربة وله في ترك الإضافة
إلى العين غرض صحيح وهو ثبوت الأجل في ثمن
المشتري لأن العين لا تقبل الأجل ولا فرق في
حق رب المال بين أن يشتري بتلك الحنطة بعينها
وبين أن يشتري بمثلها من حنطة وسط.
ألا ترى أنه عند حلول الأجل يملك إيفاء الثمن
بغير ما في يده من مال المضاربة فلهذا نفذ
شراؤه على المضاربة.
وإذا كانت المضاربة ألف درهم فاشترى عليها
جارية بخمسين دينارا وقبضها وصرف الدراهم
فنقدها البائع فالقياس فيه أن يكون مشتريا
لنفسه وهو قول زفر رحمه الله ولكن استحسن
علماؤنا الثلاثة رحمهم الله وقالوا هو مشتر
للمضاربة وكذلك لو كانت المضاربة دنانير
فاشترى عليها
ج / 22 ص -149-
بدراهم فصرفها ونقد الدراهم وجه القياس في
الفصلين أنه اشتري بجنس آخر غير ما في يده من
مال المضاربة لأن الدراهم والدنانير جنسان
حقيقة وحكما ولهذا لا يحرم التفاضل بينهما
فكان هذا بمنزلة ما لو اشترى بالحنطة والمال
في يده دراهم أو دنانير.
ألا ترى أنه لا يملك إيفاء الثمن من مال
المضاربة إلا بالمبادلة أو رضا البائع به كما
في المكيل والموزون ووجه الاستحسان أن الدراهم
والدنانير جنسان صورة ولكنهما جنس واحد معنى
ومقصودا لأن المعنى المطلوب بهما الثمنية
والمقصود هو الرواج والنفاق وهما في ذلك كشيء
واحد وكذلك في حكم المضاربة هما كشيء واحد تصح
المضاربة بهما بخلاف سائر الأموال فإن الشراء
بها يكون شراء محضا بثمن في ذمة المشتري ويسير
عليه إذ ما يلزمه من أحد النوعين في ذمته
بالآخر الذي في يده لأن الإنسان في مصارفة
أحدهما بالآخر لا يحتاج إلى مؤنة كثيرة فهي
بمنزلة ما لو كانت المضاربة دراهم بخية لها
فضل في الصرف فاشترى المضارب بألف درهم غلة
البلد جارية وصرف الدراهم بالدنانير ثم صرفها
بدراهم غلة البلد وأعطاها البائع فذلك جائز
استحسانا وزفر رحمه الله يخالف في هذا الفصل
أيضا ولكن من عادة محمد رحمه الله الاستشهاد
بالمختلف على المختلف لإيضاح الكلام.
وكذلك لو دفع إلى رجل ألف دينار مضاربة فاشترى
بخمسين دينارا منها جارية وقبضها ثم اشترى بها
وبدراهم أو فلوس طعاما يأكله فإن ذلك من
المضاربة ولا فرق بين أن يشتري طعاما
بالدنانير أو بالدراهم أو بالفلوس يصح وهو
كالنقود في الصلاحية لرأس مال المضاربة ولو
كان الذي في يده من المضاربة سوى هذه الثلاثة
الأصناف ثم اشترى عليها بدراهم أو دنانير أو
فلوس أو صنف آخر غير ما في يده كان مشتريا
لنفسه لأنه لا مجانسة بين ما في يده من مال
المضاربة وبين ما اشترى به في الصورة والمعنى
المقصود فلهذا كان مشتريا لنفسه.
وإذا دفع الرجل إلى الرجل ألف درهم مضاربة
بالنصف فاشترى بها جارية تساوي ألفين فقبضها
ولم ينقد الدراهم حتى باع الجارية بألفي درهم
وقبض الألفين ثم هلكت الدراهم قبل أن ينقد
الثمن وهلكت الجارية مع ما في يده معا فعلى رب
المال أن يؤدي ألفا أخرى مكان الألف الأولى
التي اشترى بها الجارية فيدفعها المضارب إلى
الذي باعه الجارية ويغرم رب المال أيضا ألفا
وخمسمائة فيدفعها إلى المضارب فيؤديها المضارب
مع خمسمائة من ماله إلى مشتري الجارية لأن
الألف الأولى كانت أمانة في يد المضارب قد
هلكت وكان المضارب في شراء الجارية عاملا لرب
المال فيرجع عليه بألف أخرى ليؤدي منها ثمنها
به حين باع الجارية وقبض ثمنها كان هو في
ثلاثة أرباعها عاملا لرب المال وكان في الربع
عاملا لنفسه وهو مقدار حصته من الربح وبهلاك
الجارية قبل التسليم انفسخ البيع فيجب عليه رد
المقبوض من الثمن وقد هلكت في يده فيرجع على
رب المال بمقدار ما كان عمله فيه لرب المال
وذلك ألف وخمسمائة ويغرم من مال نفسه مقدار ما
كان عمله فيه لنفسه وذلك
ج / 22 ص -150-
خمسمائة فإن هلكت الدراهم الأولى أولا ثم هلكت
الدراهم المقبوضة والجارية بعد ذلك فالثلاثة
الآلاف كلها على رب المال لأن الدراهم الأولى
حين هلكت استوجب المضارب الرجوع بمثلها على رب
المال وكان ذلك دينا لحق المضارب ويصير رأس
مال رب المال به ألفي درهم.
ألا ترى أنه إن استوفى من رب المال ألفا أخرى
ثم تصرف في ثمن الجارية وربح يحصل رأس ماله
ألفا درهم أولا فيتبين أنه لا ربح فيما في يده
وإنه في بيع جميع الجارية وقبض الثمن عامل لرب
المال فيرجع عليه بالعهدة في جميعه.
يوضحه: أن ألفا من الألفين
المقبوضة وجب دفعها إلى بائع الجارية والألف
الأخرى مشغولة برأس المال فظهر أنه لا ربح
فيها والمضارب إنما يغرم من ماله شيئا باعتبار
حصته من الربح.
ولو هلكت الجارية أولا ثم هلك المال الأول
والآخر معا فعلى رب المال ألفان وخمسمائة وعلى
المضارب خمسمائة وهذا وهلاك المال كله معا
سواء لأن بهلاك الجارية لا يزداد رأس مال
المضاربة ولا يلحق المضارب دين فلا يخرج
المضارب من أن يكون عاملا لنفسه في قبض ربع
ثمن الجارية وكذلك إن هلكت الجارية أولا ثم
هلك المال الآخر ثم هلك المال الأول فهذا وما
لو هلك المالان بعد هلاك الجارية معا سواء
لاستواء الفصلين في المعنى وإذا كانت المضاربة
ألف درهم فاشترى عليها جارية بخمسمائة وكر
حنطة وسط فقبض الجارية وهلكت الدراهم عند
المضارب فالمضارب مشتر للجارية لنفسه وعليه
ثمنها لأنه ليس في يده جنس ما اشترى من مال
المضاربة صورة ولا معنى فيكون شراؤه للمضاربة
استدانة عليها وهو لا يملك ذلك ولا ضمان عليه
في المضاربة لأنه اشترى الجارية لنفسه بثمن في
ذمته وهذا التصرف منه لا يمس مال المضاربة وهو
إنما يصير مخالفا ضامنا إذا تصرف في مال
المضاربة على خلاف ما أمر به فإذا لم يمس
تصرفه مال المضاربة لا يكون ضامنا.
ولو كان اشتراها بخمسين دينارا فقبضها ولم
ينقد الثمن حتى ضاعت الدراهم رجع على رب المال
بخمسين دينارا استحسانا لما بينا أن المجالسة
بين ما اشترى به وبين ما في يده من مال
المضاربة موجود معنى فصار مشتريا للمضاربة وقد
هلكت الدراهم في يده بصفة الأمانة فيرجع على
رب المال بما اشترى به الجارية وذلك خمسون
دينارا فيعطيها بائع الجارية فإذا باعها بعد
ذلك بثلاثة آلاف أو أقل أو أكثر استوفى رب
المال رأس ماله ألف درهم وخمسين دينارا
والباقي ربح بينهما وكذلك لو كان رأس المال
نقدا ثبت المال فاشترى الجارية بألف غلة ولو
دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة بالنصف فاشترى
بها جارية تساوي ألفا فقبض الجارية ولم ينقد
الدراهم حتى باعها بألفين فقبضهما ولم يدفع
الجارية حتى اشترى بالألفين جارية تساوي ألفين
فقبضها ولم يدفع الدراهم فهلكت الدراهم كلها
والجاريتان جميعا فعلى المضارب أن يؤدي إليهم
خمسة آلاف إلى بائع الجارية الأولى ثمنها ألف
درهم
ج / 22 ص -151-
ويرد على مشتري الجارية الأولى ما قبض منه من
ثمنها وذلك ألفا درهم بانفساخ البيع فيها
بالهلاك قبل التسليم وإلى بائع الجارية
الثانية ألفي درهم ثمنها لأنه حين قبضها دخلت
في ضمانة وتقرر عليه جميع الثمن بقبضها ثم
يرجع على رب المال من هذه الجملة بأربعة آلاف
درهم ألف ثمن الجارية الأولى وألف وخمسمائة
مما قبض من ثمن الجارية الأولى بعد بيعها لأنه
في قبض الألفين كان عاملا لرب المال في ثلاثة
أرباعها وذلك ألف وخمسمائة وفي الربع كان
عاملا لنفسه باعتبار حصته من الربح وكذلك في
شراء الجارية الثانية وقبضها كان عاملا لرب
المال في ثلاثة أرباعها وذلك ألف وخمسمائة وفي
الربع كان عاملا لنفسه باعتبار حصته من الربح
فلهذا يغرم ألفا من ماله ويرجع على رب المال
بأربعة آلاف ولو هلكت الألف الأولى ثم هلك ما
بقي معا يرجع بجميع الخمسة آلاف على رب المال
لأن هلاك الألف الأولى لحق المضاربة دين بقدر
ألف وصار رأس مال المضاربة ألفي درهم للطريقين
اللذين بيناهما فتبين إنه في بيع جميع الجارية
وقبض ثمنها كان عاملا لرب المال وكذلك في شراء
الجارية الثانية فلهذا يرجع بالكل على رب
المال.
ولو هلكت الجارية الأخيرة أولا ثم هلك ما بقي
معا رجع على رب المال بأربعة آلاف درهم لأن
بهلاك الجارية الأخيرة لا يلحق مال المضاربة
دين فلا يخرج المضارب من أن يكون عاملا لنفسه
في الربع وكذلك لو هلكت الجارية الأولى أولا
أو هلكت الألفان أولا ثم هلك ما بقي فهذا وما
لو هلك الكل معا في المعنى سواء ولو دفع إليه
الألف مضاربة بالنصف فاشترى بها جارية تساوي
ألفا وقبضها ولم ينقد الثمن ثم اشترى بالجارية
عبدا يساوي ألفين وقبضه ولم يدفع الجارية ثم
اشترى بالعبد جراب هروي يساوي ثلاثة آلاف درهم
وقبضه ولم يدفع العبد فهلكت هذه الأشياء كلها
ورأس مال الأول معا فعلى المضارب ستة آلاف
درهم ألف ثمن الجارية الأولى وألفان قيمة
العبد لأنه اشتراه بالجارية وقد انفسخ البيع
بهلاك الجارية قبل التسليم وتعذر عليه رد
العبد بهلاكه في يده فعليه رد قيمته والثلاثة
آلاف قيمة الجراب لأنه اشترى الجراب بالعبد
وقد انفسخ العقد بهلاك العبد قبل التسليم
وتعذر عليه رد الجراب بهلاكه في يده فيغرم
قيمته ثلاثة آلاف درهم ويرجع على رب المال من
ذلك بأربعة آلاف وخمسمائة لأنه في شراء العبد
كان عاملا لرب المال في ثلاثة أرباعه وذلك ألف
وخمسمائة وفي الربع كان عاملا لنفسه باعتبار
حصته من الربح فيرجع عليه بألف وخمسمائة من
قيمة العبد الأول وفي شراء الجراب كان عاملا
لنفسه في الثلث لأن الثلث مشغول منه برأس
المال والثلثان ربح بينهما نصفين فكان عاملا
لنفسه في شراء الجراب في الثلث فحاصل ما استقر
على المضارب ربع قيمة العبد وثلث قيمة الجراب
وذلك ألف وخمسمائة فيرجع على رب المال بما سوى
ذلك.
ولو هلك رأس المال أولا ثم هلك ما سواه معا
رجع المضارب على رب المال بخمسة آلاف وخمسمائة
لأنه حين هلك رأس المال أولا فقد لحق مال
المضاربة دين ألف درهم
ج / 22 ص -152-
وصار رأس المال ألفين فهو في شراء جميع العبد
عامل لرب المال وأما في شراء الجراب فهو عامل
لنفسه في السدس باعتبار حصته من الربح وفيما
سوى ذلك عامل لرب المال فيغرم من ماله قيمة
سدس الجراب وهو خمسمائة ويرجع بما سوى ذلك على
رب المال ولو هلك الجراب أولا ثم هلك ما بقي
معا رجع على رب المال بأربعة آلاف وخمسمائة
لأنه لهلاك الجراب لا يلحق مال المضاربة دين
يوجب زيادة في رأس المال وكذلك لو هلك العبد
أولا ثم هلك ما بقي رجع على رب المال بأربعة
آلاف وسبعمائة وخمسين لأن الجارية لو هلكت
أولا انفسخ البيع في العبد ووجب على المضارب
قيمة العبد لأنه أتلف العبد حين باعه بالجراب
وقيمة العبد ألفا درهم فلما وجبت عليه قيمته
كان في القيمة فضل ألف درهم على رأس المال
فذلك ربح بينهما فعليه غرم حصته من ذلك وهو
خمسمائة وذلك ربعه فقد استوجب الرجوع على رب
المال بألف وخمسمائة من قيمة العبد وبالألف
الأولى ثم كان مشتريا ربع الجراب لنفسه فعليه
قيمة ذلك عند انفساخ البيع فيه وذلك سبعمائة
وخمسون فحاصل ما عليه من الغرم في ماله ألف
ومائتان وخمسون وعلى رب المال ثلاثة أرباع
قيمة الجراب لأن رأس ماله في الجراب ألفان
وخمسمائة وقيمته ثلاثة أرباع الجراب دون رأس
ماله فظهر أنه لا ربح فيها فلهذا رجع عليه
بثلاثة أرباع قيمة الجراب وذلك ألفان ومائتان
وخمسون مع الألفين والخمسمائة فيكون جملة ذلك
أربعة آلاف وسبعمائة وخمسين.
ألا ترى أنه لو لم يملك غير الجارية وغرما
قيمة العبد أرباعا ثم باع الجراب بثلاثة آلاف
درهم أخذ المضارب ربعها لنفسه واحتاج رب المال
إلى الألفين وخمسمائة من بقية ثمن الجارية ولا
وفاءفيه فيأخذ ما بقي فقط وبهذا تبين أنه لا
ربح له في الجراب.
ولو اشترى بالألف جارية تساوي ألفا فقبضها ثم
اشترى بالجارية جاريتين تساوي كل واحدة منهما
ألفا فقبضهما ثم هلكت الجواري ورأس المال
الأول معا فعلى المضارب ثمن الجارية الأولى
ألف درهم وألفان قيمة الجاريتين لأن البيع قد
انفسخ فيهما بهلاك الجارية قبل التسليم وقد
تعذر عليه ردها فيرد قيمتها ويرجع بجميع ذلك
على رب المال لأن كل واحدة من الجاريتين كانت
مشغولة برأس المال إذ لا فضل في قيمة كل واحدة
منهما على رأس المال وقد بينا أنه تعتبر كل
واحدة منهما على حدة ولهذا لو أعتق المضارب
واحدة منهما لم ينفذ عتقه فكان هو عاملا لرب
المال في جميع كل واحدة منهما بخلاف ما لو كان
اشترى بالجارية الأولى جارية تساوي ألفين
وقبضها فهلكت الجاريتان ورأس المال معا فإن
على المضارب ثلاثة آلاف درهم ألف ثمن الجارية
الأولى وألفان قيمة الجارية الثانية ويرجع على
رب المال بألفين وخمسمائة لأن في قيمة الجارية
الثانية فضلا على رأس المال بقدر الألف فكان
المضارب في ربعها عاملا لنفسه فيغرم ربع
قيمتها من ماله.
وكذلك لو هلكت إحدى الجاريتين أولا ثم هلك ما
بقي معا لأن الجارية الأولى إن هلكت أولا
فبهلاكها ينتقض البيع ولم يلحق رأس المال دين
لأن الواجب رد الجارية الأولى
ج / 22 ص -153-
وإن هلكت الأخرى أولا لم ينتقض البيع بهلاكها
لأن المضارب قابض لها ولو هلكت الألف الأولى
أولا ثم هلك ما بقي معا رجع بالثلاثة آلاف
كلها على رب المال لأن بهلاك الألف الأول لحق
رأس المال دين ألف درهم فظهر أنه في شراء
الجارية الثانية عامل لرب المال في جميعها إذ
لا فضل في قيمتها على رأس المال.
ولو دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة بالنصف
فاشترى بها جارية تساوي ألفا وقبضها ثم باعها
بألفي درهم وقبض الثمن ولم يدفع الجارية ثم
اشترى بالألفين وبالألف الأولى وهي في يديه
جارية تساوي أربعة آلاف وقبضها ثم دفع رأس
المال الأول إلى صاحب الجارية الأولى ودفع
الألفين إلى الذي اشترى منه الجارية الأخيرة
فإن عليه غرام ألف درهم من ماله للذي اشترى
منه الجارية الأخيرة لأنه اشتراها منه بثلاثة
آلاف درهم ألفان منها في المضاربة وهما
الألفان الأخريان وألف منها على نفسه لأن
الألف الأولى مستحقة عليه في ثمن الجارية
الأولى فشراؤه بها مرة أخرى يكون استدانة على
المضاربة وهو لا يملك ذلك فصار مشتريا ثلث
الجارية الأخيرة لنفسه فعليه ثمنها وثلثاها
على المضاربة فإن لم ينقده الألف الأولى حتى
هلك وباع الجارية الأخيرة بستة آلاف درهم كان
له من ثمنها ألفا درهم حصة ثلثها الذي كان
اشتري لنفسه ويكون أربعة آلاف درهم على
المضاربة يؤدي منها ألف درهم إلى الذي اشترى
الأول منه ثم يأخذ رب المال رأس ماله ألف درهم
من الباقي وما بقي وهو ألفا درهم ربح بينهما
على الشرط فإن كان المضارب لم ينقد الألفين
اللتين اشترى بهما الجارية الأخيرة حتى ضاعت و
المسألة بحالها فإنه يؤدي ذلك أيضا من ثلثي
الجارية الأخيرة ولا يبقي فيه ربح لأن ثلثي
ثمنها أربعة آلاف وقد دفع ألفا من ذلك إلى
بائع الجارية الأولى وألفين إلى بائع الجارية
الأخيرة وألف يأخذه رب المال بحساب رأس ماله.
ولو اشترى وباع بالألف المضاربة حتى صار في
يده ألفا درهم فاشترى بها جارية وقبضها ثم
باعها بأربعة آلاف درهم نسيئة منه وقيمتها يوم
باعها ألف درهم أو أكثر أو أقل فدفعها إلى
المشتري ثم هلكت الألفان الأوليان قبل أن ينقد
الثمن بائع الجارية الأولى فإنه يرجع بألف
وخمسمائة على رب المال فيؤديها مع خمسمائة من
ماله إلى بائع الجارية لأنه في شراء ربع
الجارية كان عاملا لنفسه باعتبار حصته من
الربح في مال المضاربة فإذا خرجت الأربعة آلاف
كان للمضارب ربعها من غير المضاربة لأنه لما
استقر عليه ربع ثمنها فقد ظهر أنه كان مشتريا
ربعها لنفسه من غير المضاربة ويأخذ رب المال
من الثلاثة الأرباع رأس ماله ألفين وخمسمائة
لأنه غرم هذا المقدار في دفعتين والباقي ربح
بينهما.
ولو اشترى بألف المضاربة جارية قيمتها أكثر من
ألف درهم ونقد الدراهم ثم باعها بجارية تساوي
ألفا فقبضها ثم هلكت الجاريتان جميعا فعلى
المضارب قيمة الجارية الأخيرة لانفساخ البيع
فيها بهلاك ما يقابلها قبل التسليم ويرجع بها
على رب المال لأنه لا فضل في قيمتها على رأس
المال فكان هو في شرائها عاملا لرب المال في
الكل ولا ينظر إلى الفضل فيما اشترى به
ج / 22 ص -154-
في هذه الجارية لأن الواجب عليه قيمة الجارية
ولا فضل فيها ولو عمل بالمضاربة حتى صارت ألفي
درهم ثم اشترى بها جارية قيمتها أقل من ألفين
وقبضها فهلك ذلك كله عنده معا فعلى المضارب
ألفا درهم ثمن الجارية لأنه تقرر عليه بقبضها
وهلاكها في يده ويرجع على رب المال بثلاثة
أرباعها لأن الربع من ذلك حصته من الربح فيكون
عاملا لنفسه في ذلك ولا ينظر إلى قيمة الجارية
هنا لأن الثمن هو الواجب دون قيمتها بخلاف
الأول.
ولو عمل بالمضاربة حتى صارت أربعة آلاف ألفان
منها دين وألفان عين في يده فاشترى بهاتين
الألفين جارية فلم يقبضها حتى هلكت الألفان
فإنه يرجع بثلاثة أرباعها على رب المال لأن
رأس المال في هاتين الألفين ألف درهم فإن
الدين والعين في معنى جنسين وقد بينا أنه
يعتبر جميع رأس المال في كل جنس كأنه ليس معه
غيره.
ألا ترى أن الدين لو توى كان رأس المال كله في
الألفين فعرفنا أن ربحه في الألفين بقدر الربع
فكان هو عاملا لنفسه في الشراء بربعها ولرب
المال في الشراء بثلاثة أرباعها ويرجع على رب
المال بألف وخمسمائة وإذا أخذ الجارية كان له
ربعها من غير المضاربة لأنه أدى ربع ثمنها من
مال نفسه فإن هلكت الجارية في يده ثم خرج
الدين بعد ذلك كان كله لرب المال لأنه دون رأس
المال فرأس ماله ألفان وخمسمائة ولا يرجع
المضارب في هاتين الألفين بشيء لأنه صار له
ربع الجارية باعتبار ما نقد وقد هلكت الجارية
في يده فقدر الربع منها هلك في ضمانه.
ألا ترى إنها لو لم تهلك وباعها بعشرة آلاف
كان له ربع ثمنها من غير المضاربة فلهذا لا
يرجع بشيء مما نقد من مال نفسه في الدين الذي
خرج.
باب المضارب يأمره رب المال بالاستدانة على
المضاربة
قال رحمه
الله: وإذا دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة بالنصف وأمره أن يستدين على
المال فهو جائز لأن الاستدانة شراء بالنسيئة
قال الله تعالى:{إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ}[البقرة: 282] فقد وكله بالشراء بالنسيئة على أن يكون المشتري
بينهما نصفين ولو وكله بالشراء بالنسيئة على
أن يكون المشتري كله للموكل جاز فكذلك النصف
فإن اشترى بالمضاربة غلاما ثم اشترى على
المضاربة جارية بألف درهم دينا وقبضها ثم
باعها بألفي درهم فقبض المال ثم هلك ما قبض
ولم يدفع ما باع وما كان عنده فإن المضارب
يلحقه نصف ثمن الجارية ويكون على رب المال نصف
ثمنها لأنه فيما استدان كان مشتريا نصفه لنفسه
ونصفه لرب المال على المضاربة فإن الشرط
بينهما في المضاربة المناصفة ولا تكون
المناصفة في الربح في المشتري بالنسيئة إلا
بعد أن يكون المشتري بينهما نصفين وقد قررنا
هذا في كتاب الشركة في شركة الوجوه فإذا ثبت
إنه اشترى نصفها لنفسه كان عليه نصف ثمنها
ونصف ثمنها كان على رب المال لأنه اشترى نصفها
له بأمره ولو لم تهلك الجارية كانت بينهما
نصفين يؤديان من ثمنها ما عليه من الثمن
والباقي عليهما نصفان فإن لم يبع المضارب
الجارية ولكنه
ج / 22 ص -155-
أعتقها ولا فضل فيها على رأس المال فعتقه جائز
في نصفها لأنه ملك نصفها بالشراء لنفسه فهي
بمنزلة جارية بين رجلين أعتقها أحدهما وهذا
بخلاف العبد المشترك بالمضاربة فإنه مملوك لرب
المال إذا لم يكن فيه فضل على رأس المال فلا
ينفذ عتق المضارب فيه.
ولو دفع إليه ألف درهم مضاربة وأمره أن يستدين
على المال على إن ما رزق الله تعالى في ذلك من
شيء فهو بينهما للمضارب ثلثاه ولرب المال ثلثه
فاشترى المضارب بالألف جارية تساوي ألفين ثم
اشترى على المضاربة غلاما بألف درهم يساوي
ألفين فباعهما جميعا بأربعة آلاف فإن ثمن
الجارية يستوفي منه رب المال رأس ماله وما بقي
فهو ربح بينهما على ما اشترطا ثلثاه للمضارب
وثلثه لرب المال وأما ثمن الغلام فيؤدي منه
ثمنه والباقي بينهما نصفان لأن الأمر
بالاستدانة كان مطلقا فالمشتري بالدين يكون
مشتركا بينهما نصفين ومع المناصفة بينهما في
المشتري لا يصح شرط التفاوت في الربح.
ألا ترى أن رجلين لو اشتركا بغير مال على أن
يشتريا بالدين ويبيعا فما رزق الله تعالى في
ذلك من شيء فهو بينهما أثلاثا فاشتريا وباعا
وربحا كان الربح بينهما نصفين فاشتراطهما
الثلثين والثلث في الربح يكون لغوا لأنه لو صح
ذلك استحق أحدهما جزءا من ربح ما ضمنه صاحبه
وذلك لا يجوز فكذلك المضارب إذا أمره رب المال
أن يستدين على المضاربة وشرط الثلث والثلثين
في الربح لا في أصل الاستدانة فإن كان أمره أن
يستدين على المال على إن ما اشترى بالدين من
شيء فلرب المال ثلثه وللمضارب ثلثاه على إن ما
رزق الله تعالى في ذلك من شيء فهو بينهما
نصفان فاشترى المضارب بالمضاربة جارية تساوي
ألفين واشترى على المضاربة جارية بألف دينا
تساوي ألفين فباعهما بأربعة آلاف درهم فحصة
جارية المضاربة يأخذ منه رب المال رأس ماله
ألف درهم والباقي بينهما نصفان على ما اشترطا
وثمن الجارية المشتراة بالدين بينهما أثلاثا
على قدر ملكيهما لأنه إنما وكله بالاستدانة
على أن يكون ثلث ما يستدين لرب المال وثلثاه
للمضارب فيكون الثمن بينهما على قدر ذلك
واشتراط المناصفة في الربح في هذا يكون باطلا
لأن أحدهما يشترط لنفسه ربح ما قد ضمنه صاحبه
وذلك باطل.
ولو دفع إليه الألف مضاربة على أن ما رزق الله
تعالى في ذلك من شيء فهو بينهما كذلك أيضا
فاشترى بالمضاربة جارية تساوي ألفين ثم اشترى
على المضاربة جارية بألف دينار تساوي ألفين
فباعهما بأربعة آلاف فأما حصة المضاربة فتكون
بينهما على شرطهما بعد ما يستوفي رب المال رأس
ماله وحصة الجارية المشتراة بالدين بينهما لأن
ضمانها عليهما نصفين لإطلاق الأمر بالاستدانة
فاشتراط كون الربح بينهما أثلاثا بعد المساواة
في الضمان يكون باطلا وكذلك لو كان أمره أن
يستدين على رب المال لأن قوله استدن على
المضاربة وقوله استدن على سواء في المعنى وما
استدان سواء كان بقدر مال المضاربة أو أقل أو
أكثر فهو بينهما نصفان فربحه ووضيعته بينهما
نصفان حتى لو هلكت المشتراة بالدين كان ضمان
ثمنها عليهما نصفين ولو كان أمره أن يستدين
على نفسه كان ما اشتراه المضارب
ج / 22 ص -156-
بالدين له خاصة دون رب المال لأنه في
الاستدانة على نفسه يستغني عن أمر رب المال
فكان وجود أمره فيه وعدمه سواء بخلاف ما إذا
أمره أن يستدين على المال أو على رب المال
لأنه في الاستدانة على رب المال أو على المال
لا يستغني عن أمر رب المال فلا بد من اعتبار
أمره في ذلك وأمره بالاستدانة على المال كأمره
بالاستدانة على رب المال لأن ملك المال لرب
المال والمال محل لقضاء الواجب لا للوجوب فيه
فالواجب يكون على رب المال ثم أمره بالاستدانة
عليه مطلقا يقتضي الشركة بينهما فيما يستدين
ولا تكون هذه الشركة بطريق المضاربة لأن
المضاربة لا تصح إلا برأس مال عين فكانت هذه
الشركة في معنى شركة الوجوه فيكون المشتري
مشتركا بينهما نصفين فلا يصح منهما شرط
التفاوت في الربح مع مساواتهما في الملك في
المشتري.
ولو كان أمره أن يستدين على المال أو على رب
المال فاشترى بالمضاربة جارية ثم استقرض
المضارب ألف درهم على المضاربة واشترى بها
جارية فهو مشتر لنفسه خاصة والقرض عليه خاصة
منهم من يقول إن الاستدانة هو الشراء بالنسيئة
والاستقراض غيره فلا يدخل في مطلق الأمر
بالاستدانة والأصح أن يقول الأمر بالاستقراض
باطل.
ألا ترى إنه لو أمر رجلا أن يستقرض له ألفا من
فلان فاستقرضها كما أمره كان الألف للمستقرض
دون الآمر وهذا لأن القرض مضمون بالمثل في ذمة
المستقرض.
وإذا كان البدل في ذمته كان المستقرض مملوكا
له وهو غير محتاج في ذلك إلى أمر الآمر وما
كان الأمر بالاستقراض إلا نظير الأمر بالتكدي
وهو باطل وما يحصل للمتكدي يكون له دون الآمر
إذا ثبت هذا فنقول ما استقرضه المضارب يكون
مملوكا له فإذا اشترى به جارية فقد أضاف العقد
إلى ملك نفسه فكان مشتريا الجارية لنفسه ولو
دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة بالثلث وأمره أن
يعمل في ذلك برأيه وأمره أن يستدين على المال
فاشتري بألف ثيابا فأسلمها إلى صباغ يصبغها
صفرا بمائة درهم ووصف له شيئا معروفا فصبغها
ثم إن المضارب باع الثياب مرابحة بألفي درهم
فإن رب المال يأخذ رأس ماله ألف درهم ويؤدي
المضارب أجر الصباغ مائة درهم وما بقي من
الربح قسم على أحد عشر سهما عشرة أسهم من ذلك
حصة المضاربة بينهما أثلاثا على الشرط وسهم
حصة المائة التي بينهما نصفان لأنه لما أمره
أن يعمل برأيه فقد ملك به خلط مال المضاربة
بمال آخر والصبغ عين مال قائم في الثوب وهو في
الصبغ مستدين بأمره فلا يصير مخالفا بخلط ما
استدان بمال المضاربة ثم الثمن في بيع
المرابحة يكون مقسوما على الثمن الأول وقد كان
ثمن ثياب المضاربة ألف درهم وثمن الصبغ مائة
درهم فيحصل من ثمن الباقي رأس مال المضاربة
لرب المال ويعطي المائة ثمن الصبغ والباقي ربح
فيكون مقسوما على أحد عشر سهما عشرة من ذلك
حصة ربح مال المضاربة فيكون بينهما أثلاثا على
الشرط وسهم من ذلك ربح ما استدان فيكون بينهما
نصفين لاستواء ملكيهما فيما استدان.
ج / 22 ص -157-
ولو كان باع الثياب مساومة قسم الثمن على قيمة
الثياب وعلى ما زاد الصبغ فيها لأن في بيع
المساومة الثمن بمقابلة الملك والملك الذي
تناوله البيع أصل الثياب والصبغ القائم فيها
فيقسم الثمن جملة على قيمة الثياب غير مصبوغة
وعلى ما زاد الصبغ فيها فما يخص قيمة الثياب
فهو مال المضاربة يعطي منه رب المال رأس ماله
ويقسم الباقي بينهما أثلاثا على الشرط وما
أصاب قيمة الصبغ يعطي منه أجر الصباغ مائة
درهم والباقي بينهما نصفان لأنه ربح حصة
الاستدانة.
ولو اشترى المضارب بألف المضاربة ثيابا
واستقرض على المال مائة درهم فاشترى بها
زعفرانا فصبغ به الثياب ثم باعها مرابحة على
مال المضاربة وعلى ما استقرض بألفي درهم فإنها
تقسم على أحد عشر سهما عشرة أسهم منها مال
المضاربة على شرطهما وسهم للمضارب خاصة لأن ما
استقرض كان على نفسه خاصة وما اشترى به من
الزعفران مملوك له إلا أنه لا يصير مخالفا إذا
صبغ الثياب بها لأنه أمره أن يعمل في المال
برأيه والثمن في بيع المرابحة مقسوم على الثمن
الأول فيكون على أحد عشر سهما عشرة أسهم حصة
مال المضاربة وسهم حصة الصبغ وهو للمضارب خاصة
فيكون بدله له ولو باعها مساومة قسم الثمن على
قيمة الثياب وعلى ما زاد الصبغ في الثياب فما
أصاب قيمة الثياب كان على المضاربة وما أصاب
قيمة الصبغ كان للمضارب وكان عليه أداء القرض
لأن في بيع المساومة الثمن بمقابلة الملك
فإنما يقسم على قدر الملك.
ولو كان اشترى الزعفران بمائة درهم نسيئة فصبغ
الثياب به كان هذا والذي كان استأجر الصباغ
بمائة ليصبغها سواء في جميع ما ذكرنا لأن شراء
الزعفران بالنسيئة استدانة فينفذ على رب المال
وعلى المستدين ويكون الصبغ مشتركا بينهما
نصفين فهو ومسألة استئجار الصباغ لنصفها سواء
ولو خرج المضارب بالمال إلى مصر فاشترى بها
كلها ثيابا ثم استكرى عليها بغالا بمائة درهم
فحمله إلى مصره فله أن يبيعها مرابحة على ألف
ومائة لأن الكراء مما جرى الرسم به بين التجار
بإلحاقه برأس المال وقد بينا في البيوع إن ما
جرى العرف به بين التجار في إلحاقه برأس المال
فله أن يلحقه به في بيع المرابحة وعلى هذا أجر
السمسار فإن باعه مرابحة بألفي درهم كانت حصة
المضارب من ذلك من كل أحد عشر سهما عشرة أسهم
بينهما على شرطهما وحصة الكراء سهم واحد
بينهما نصفان لأن الثمن في بيع المرابحة مقسوم
على رأس المال الأول وذلك ألف درهم التي غرمها
في شراء الثياب والمائة التي غرمها في الكراء
فإذا جعلت كل مائة سهما كان على أحد عشر سهما
سهم من ذلك حصة الكراء وهو استدانة فيكون
بينهما نصفين.
ولو باعها مساومة كان جميع الثمن في المضاربة
على الشرط بينهما لأن الثمن في بيع
المساومة بمقابلة الملك والملك الذي تناوله
البيع الثياب دون منفعة الحمل من مصر إلى مصر
وقد كان جميع الثياب على المضاربة فيكون الثمن
كله في المضاربة على الشرط بينهما بخلاف ما
تقدم من مسألة الصبغ لأن الصبغ عين مال قائم
في الثوب يتناوله البيع ثم غرم الكراء على
المضارب ورب المال نصفان لأن المضارب كان
مستدينا فيها بأمر رب
ج / 22 ص -158-
المال ففعله كفعلهما جميعا فلهذا كان غرم الكل
عليهما نصفين ولو لم يكن استكرى به ولكنه
استقرض مائة درهم فاستكرى بها بأعيانها دواب
يحمل على كل دابة كذا وكذا ثوبا فله أن يبيعها
مرابحة على ألف ومائة وهذا قول أبي حنيفة رحمه
الله وإن لم ينص عليه في الكتاب وفي قول أبي
يوسف ومحمد رحمهما الله ببيع الثياب مرابحة
على ألف درهم ولا يدخل في ذلك حصة الكراء وأصل
المسألة فيما إذا اكترى دواب للثياب بمائة من
مال نفسه لأن ما استقرض له خاصة ثم وجه قولهما
إنه متطوع فيما أدى من مال نفسه في الكراء ولو
تطوع إنسان آخر بحمل الثياب على دوابه لم يكن
للمضارب أن يلحق ذلك برأس المال فكذلك إذا
تطوع المضارب به وأبو حنيفة رحمه الله يقول
المضارب في حمل الثياب كالمالك لأنه محتاج إلى
ذلك لتحصيل حصة الربح والمالك لو استكري دواب
للثياب المشتراة بماله كان له أن يلحق ذلك
برأس المال في بيع المرابحة فكذلك للمضارب أن
يلحق الكراء برأس المال فيبيعها مرابحة على
ألف ومائة فإن باعها بألفين كانت عشرة أسهم من
أحد عشر سهما من ذلك حصة المضاربة على شرطهما
وسهم واحد للمضارب خاصة وإن باعها مساومة كان
الثمن كله مضاربة لأن الثمن بمقابلة الثياب
هنا والثياب كلها مال المضاربة وضمان الكراء
في مال المضاربة خاصة لأنه هو المستقرض فعليه
ضمان ما استقرضه.
فإن قال المضارب لرب المال: إنما استكريت
الدواب لك تحمل ثيابك وقال رب المال إنما
استكريت بمالك لنفسك ثم حملت ثيابي عليها
فالقول قول رب المال لأنه استكرى بالمائة التي
استقرض بعينها وملك المائة للمضارب فإضافته
العقد إلى مال نفسه دليل على إنه استكراها
لنفسه ولو لم يأمره أن يعمل في المضاربة برأيه
فاشترى بها كلها ثيابا تساوي ألف درهم ثم
اشترى من عنده عصفرا بمائة درهم فصبغها فهو
ضامن للثياب لأن ما اشترى من الصبغ له وقد خلط
مال المضاربة به حين صبغ الثياب والمضارب
بمطلق العقد لا يملك الخلط فيصير به غاصبا
ضامنا وصاحب المال بالخيار إن شاء أخذ ثيابه
وأعطاه ما زاد العصفر في ثيابه وإن شاء ضمنه
ثيابه غير مصبوغة ألف درهم فأخذها منه فكانت
الثياب للمضارب بمنزلة ما لو غصب ثوبا فصبغه
فإن لم يختر شيئا من ذلك حتى باع المضارب
المتاع بألفي درهم جاز بيعه لأن عقد المضاربة
باق بينهما ببقاء المال وإن صار مخالفا ونفوذ
بيع المضارب باعتبار الوكالة ووجوب الضمان
عليه لا ينفي جواز بيعه بحكم الوكالة فيقسم
الثمن على قيمة الثياب وما زاد الصبغ فيها فما
أصاب زيادة الصبغ فهو للمضارب لأنه بدل ملكه
وما أصاب الثياب فهو بينهما على شرطهما لأنه
بدل مال المضاربة فإن هلك الثمن من المضارب
بعد ما قبضه فلا ضمان عليه فيه لأنه ببيع
الثياب خرج من أن يكون مخالفا والاختلاط الذي
في الثمن حكمي وبه لا يكون المضارب مخالفا
ضامنا.
فإن كانت الثياب حين اشتراها المضارب تساوي
ألفي درهم فصبغها بعصفر من عنده فإن شاء رب
المال ضمنه ثلاثة أرباع قيمة الثياب وسلم
الثياب للمضارب وإن شاء أخذ ثلاثة
ج / 22 ص -159-
أرباع الثياب وأعطى المضارب ما زاد الصبغ في
ثلاثة أرباعها لأنه في مقدار الربع عامل لنفسه
بالصبغ فإن مقدار حصته من الربح مملوك له في
الثياب وفي ثلاثة أرباعها هو مخالف لعمله في
مال رب المال بالخلط من غير أمره فتكون ثلاثة
أرباع الثياب في هذا الفصل نظير جميع الثياب
في الفصل الأول في حكم الضمان والخيار فإن لم
يختر شيئا حتى باعها المضارب جاز بيعه لبقاء
عقد المضاربة بينهما بعد الصبغ وكان للمضارب
حصة الصبغ من الثمن والباقي مضاربة بينهما على
شرطهما.
ولو أن المضارب لم يصبغ الثياب ولكن قصرها
بمائة درهم من عنده وذلك يزيد فيها أو ينقص
منها فلا ضمان عليه في ذلك إن زادت أو نقصت
لأنه لم يخلط بها شيئا من ماله وهو إنما يصير
ضامنا بالخلط لا بعمل القصارة.
ألا ترى أنه لو كان في يده فضل من مال
المضاربة كان له أن يقصر الثياب به ولا يكون
مضمونا عليه إن زادت أو نقصت فكذلك إذا قصرها
بمال نفسه بخلاف الصبغ فإنه عين مال قائم في
الثوب فيصير بخلط مال المضاربة بماله ضامنا
هناك فإن باعها بربح أو وضيعة فهو على
المضاربة لأنه متبرع فيما غرم من مال نفسه في
قصارتها قيل هذا على قولهما فأما عند أبي
حنيفة فينبغي أن يكون الجواب في هذا كالجواب
في مسألة الكراء لأن مؤنة القصارة جرى الرسم
بإلحاقها برأس المال بمنزلة الكراء.
وكذلك لو اشترى بها ثيابا تساوي ألفا فصبغها
أسود فهذا والقصارة سواء لأن السواد نقصان
وليس بزيادة ولا ضمان على المضارب في ذلك لأنه
لم يخلط مالا من عنده بالمضاربة ألا ترى أنه
لا قيمة للسواد في الثياب ولا يضمن النقصان
الذي دخل في الثياب لأنه بمطلق عقد المضاربة
يملك أن يصبغ الثياب بالسواد.
ألا ترى أنه لو كان فضل في يده من مال
المضاربة فصبغ الثياب بها سوادا لم يضمن وقيل
هذا قول أبي حنيفة رحمه الله فأما على قولهما
فالسواد كالصفرة والحمرة وقد بينا ذلك في كتاب
الغصب والأصح إن هذا في ثياب ينقص السواد من
قيمتها فأما في ثياب يزيد السواد في قيمتها
فهو بمنزلة ما لو صبغها أصفر أو أحمر.
ولو كان أمره أن يعمل في المضاربة برأيه
فاشترى بها ثيابا ثم صبغها بعصفر من عنده فهو
شريك في الثياب بما زاد العصفر فيها لأنه يملك
الخلط عند تفويض الأمر في المضاربة إلى رأيه
على العموم فلا ضمان عليه في ذلك وأصل الثياب
على المضاربة والصبغ فيه ملك للمضارب خاصة.
وإذا دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة بالثلث
وأمره أن يستدين على المال فاشترى بها وبثلاثة
آلاف درهم جارية تساوي خمسة آلاف درهم فقبضها
وباعها بخمسة آلاف درهم وقبض الدراهم فهلكت
المضاربة الأولى والجارية وثمنها في يد
المضارب فعلى المضارب تسعة آلاف أربعة آلاف
لبائع الجارية لأنه قبضها وهلكت في يده وخمسة
آلاف لمشتري الجارية
ج / 22 ص -160-
لأن بهلاكها قبل التسليم انفسخ البيع فيها
فعليه رد المقبوض من الثمن ثم يرجع على رب
المال بخمسة آلاف وخمسمائة وواحد وأربعين
درهما وثلثي درهم وعلى المضارب في ماله بثلاثة
آلاف وأربعمائة وثمانية وخمسين وثلث لأنه حين
اشتراها اشتراها بأربعة آلاف فأنف منها مال
المضاربة وثلاثة آلاف كانت دينا عليهما نصفين
نصف ذلك على المضارب وهو ألف وخمسمائة ثم باع
الجارية بخمسة آلاف درهم فيكون هو في قبض
الثمن عاملا لنفسه في مقدار ألف وخمسمائة
وحصتها من الربح وذلك في الحاصل ثلاثة أثمان
خمسة آلاف مقداره ألف وثمانمائة وخمسة وسبعون
وخمسة أثمان هذه الخمسة الآلاف كانت على
المضاربة مقدار ذلك ثلاثة آلاف ومائة وخمسة
وعشرون حصة ألف المضاربة من ذلك ألف ومائتان
وخمسون فتبين أن الربح في مال المضاربة مائتان
وخمسون للمضارب ثلث ذلك وثلثه ثلاثة وثمانون
وثلث فإذا ضممت ذلك إلى ألف وثمانمائة وخمسة
وسبعين يكون جملة ذلك ألفا وتسعمائة وثمانية
وخمسين وثلثا فإذا ضممت إليه أيضا ألفا
وخمسمائة يكون ذلك ثلاثة آلاف وأربعمائة
وثمانية وخمسين وثلثا هذا حاصل ما على المضارب
وما زاد على ذلك إلى تمام تسعة آلاف كله على
رب المال وذلك خمسة آلاف وخمسمائة وواحد
وأربعون وثلثا درهم وإذا جمعت حاصل ما وجب
عليه متفرقا بلغ هذا المقدار.
فإن هلكت الألف المضاربة أولا ثم هلكت الجارية
والخمسة آلاف بعد ذلك معا و المسألة على حالها
فإنه يؤدي تسعة آلاف درهم كما بينا ويرجع على
رب المال بخمسة آلاف وستمائة وخمسة وعشرين
درهما لأن الألف الأولى حين هلكت فقد لحق رب
المال في المضاربة ألف درهم دين وصارت
المضاربة لا ربح فيها فلم يبق على المضارب إلا
حصته من الدين وربحها فأما حصة المضارب من
الربح وذلك ثلاثة وثمانون وثلث كما بيناه في
المسألة الأولى فيتحول غرم ذلك إلى رب المال
مع ما عليه من خمسة آلاف وخمسمائة وواحد
وأربعين وثلثين فيكون جميع ما عليه خمسة آلاف
وستمائة وخمسة وعشرين درهما والله أعلم .
باب الشهادة في المضاربة
قال رحمه
الله: وإذا أقر رب المال للمضارب بسدس الربح وقال المضارب لي نصف الربح
وأقام شاهدين فشهد أحدهما أنه شرط له ثلث
الربح وشهد الآخر أنه شرط له نصف الربح
فالشهادة باطلة في قياس قول أبي حنيفة لأنه
يشترط الموافقة بين الشهادتين لفظا ولم يوجد
والثلث غير النصف وإذا بطلت الشهادة كان
للمضارب ما أقر به رب المال وهو السدس وفي قول
أبي يوسف ومحمد الشهادة جائزة على ثلث الربح
للمضارب لأنهما يعتبران الموافقة بين
الشهادتين معنى وقد اتفقا على مقدار الثلث
فالشاهد بالنصف شاهد بالثلث وزيادة فيقضي
القاضي له بثلث الربح ويبطل ما زاد على ذلك
إلى تمام النصف لأن الشاهد به واحد.
ولو كان ادعى المضارب نصف الربح فشهد له شاهد
على نصف الربح وشهد له شاهد آخر إن رب المال
شرط له ثلثي الربح فالشهادة باطلة عند أبي
حنيفة وعندهما لأن المضارب
ج / 22 ص -161-
يكذب أحد شاهديه وهو الذي شهد له بأكثر مما
ادعاه بخلاف الأول فهناك المضارب يدعي الأكثر
فلا يكون مكذبا أحد شاهديه ولو قال رب المال
دفعته إليك بضاعة وادعي المضارب إنه شرط له
مائتي درهم من الربح فالقول قول رب المال مع
يمينه لأن المضارب يدعي عليه أجر المثل في
ذمته ورب المال ينكر ذلك فالقول قوله مع
يمينه.
وإن أقام المضارب شاهدين فشهد أحدهما إنه شرط
له مائتي درهم وشهد الآخر أنه شرط له مائة
درهم ففي قول أبي حنيفة الربح كله لرب المال
ولا شيء للمضارب على رب المال من أجر ولا غيره
لأن الشاهدين اختلفا في المشهود به لفظا فتبطل
الشهادة أصلا وعندهما له أجر مثله فيما عمل
لأنهما اتفقا على شرط المائة معنى فيوجب قبول
شهادتهما على ذلك فكان للمضارب أجر مثله لفساد
عقد المضاربة ولو ادعي المضارب أنه شرط مائتين
وخمسين وشهد له شاهد بها وشاهد بمائة فله أجر
مثله عندهم جميعا لاتفاق الشاهدين على المائة
لفظا ومعنى وإن كان المضارب يدعي المائة لم
تقبل الشهادة لأنه مكذب أحد شاهديه فيما يشهد
به من الزيادة على المائة.
ولو دفع إلى رجلين ألف درهم مضاربة فعملا بها
وربحا ربحا فادعى أحدهما إنه شرط لهما نصف
الربح وادعى الآخر أنه شرط لهما الثلث وادعي
رب المال أنه شرط لهما مائة درهم من الربح
فالقول قول رب المال لأن المضارب يستحق الربح
على رب المال بالشرط فهما يدعيان عليه استحقاق
جزء من الربح ورب المال ينكر ذلك فالقول قوله
مع يمينه فإن أقاما شاهدين فشهد أحدهما بنصف
الربح والآخر بثلث الربح ففي قياس قول أبي
حنيفة لا تقبل هذه الشهادة لاختلاف الشاهدين
في المشهود به لفظا ويكون للمضاربين أجر
مثلهما فيما عملا لأن رب المال أقر لهما بذلك
فيأخذان ذلك منه من الوجه الذي يدعيانه
وعندهما الشهادة جائزة للمضارب الذي ادعى نصف
الربح ويكون له من الربح سدسه لأنه مدع للأكثر
فلا يكون مكذبا أحد شاهديه ولكن الشهادة تقبل
له في مقدار ما اتفق الشاهدان عليه معنى وهو
سدس الربح وللآخر أجر مثله لأنه صار مكذبا أحد
شاهديه وهو الذي شهد له بأكثر مما ادعاه فإذا
بطلت شهادتهما له كان له أجر مثله كما أقر به
رب المال.
ومن كتاب المضاربة الصغيرة قال: وإذا اشترى
المضارب بالمال وهو ألف درهم خادما ثم هلكت
الألف فيرجع بمثلها على رب المال ونقدها ثم
باع الخادم بثلاثة آلاف درهم فاشترى بها متاعا
فهلكت قبل أن ينقدها فإنه يرجع على رب المال
بألفين وخمسمائة ويؤدي من عنده خمسمائة لأنه
حين رجع بمثل الألف التي هلكت على رب المال
فقد لحق رب المال في المضاربة دين ألف درهم
وصار رأس ماله ألفين فلما باع الغلام بثلاثة
آلاف فألفان من ذلك مشغولان برأس المال وألف
ربح بينهما نصفان فحين اشترى بها متاعا كان هو
في الشراء بحصته من الربح عاملا لنفسه وذلك
خمسمائة فيغرم ذلك من ماله وفي مقدار رأس
المال وحصة رب المال من الربح عامل له فيرجع
عليه بذلك وهو ألفان وخمسمائة فإن باع
ج / 22 ص -162-
المتاع بعد ذلك بعشرة آلاف كان للمضارب سدس
الثمن لأن سدس المتاع كان مملوكا فقد نقد ثمنه
من مال نفسه فيكون سدس الثمن له من غير
المضاربة وخمسة أسداس الثمن على المضاربة
يستوفي منها رب المال ما غرم في المرات وذلك
أربعة آلاف وخمسمائة والباقي ربح بينهما وقال
أبو يوسف إذا عمل الوصي بمال اليتيم فوضع أو
ربح فقال عملت به مضاربة فهو مصدق في حال
الوضيعة لأنه ليس مسلطا على التصرف فيما في
يده من مال اليتيم وهو بمقابلته ينكر وجوب
الضمان عليه فالقول قوله في ذلك ولا يصدق في
حال الربح حتى يشهد قبل العمل إنه يعمل به
مضاربة لأن الربح نماء المال فيكون مملوكا
لليتيم بملك المال والوصي يدعي استحقاق بعض
الربح لنفسه والقول قول الأمين في براءته عن
الضمان لا في استحقاق الأمانة لنفسه إلا أن
يشهد قبل العمل فحينئذ يكون هذا إقرارا بما
منه يملك استئنافه على ما بينا أن للوصي أن
يأخذ مال اليتيم مضاربة فيعمل به.
ولو قال: استقرضته لم يصدق وإن كان فيه ربح
حتى يشهد قبل العمل لأن ما حصل من الربح مستحق
لليتيم بملكه أصل المال في الظاهر فالوصي يدعي
استحقاق ذلك عليه لنفسه فلا يقبل قوله في ذلك
وإن أشهد قبل العمل فقد علمنا أنه في التصرف
عامل لنفسه ضامن لمال الصبي لأنه ليس له أن
يستقرض مال اليتيم لنفسه ولكن الفاسد من القرض
معتبر بالصحيح فيكون الربح الحاصل بعمل له وإن
كانت فيه وضيعة فهو ضامن لها وإن لم يشهد قبل
العمل لأنه في قوله استقرضه أقر لليتيم على
نفسه بالضمان وفي مقدار الوضيعة وإقراره على
نفسه حجة وكذلك لو دفعه إلى رجل فعمل به ثم
قال دفعته قرضا ليعمل به وصدقه ذلك الرجل فهو
يقر له باستحقاق الربح وإقراره في مال اليتيم
ليس بحجة.
وإن قال: مضاربة لليتيم أو بضاعة له وصدقه
الرجل وفيه وضيعة فلا ضمان عليهما لأن في
تصادقهما انتفاء الضمان عن العامل لا إثبات
الاستحقاق له في شيء من مال اليتيم وللوصي هذه
الولاية فإنه يودع مال اليتيم ويبضعه وإن كان
فيه ربح فهو لليتيم كله إلا أن يشهد على ما
صنع من ذلك قبل أن يعمل به لأن الصبي صار
مستحقا لجميع الربح بملكه أصل المال فإقرار
الوصي بجزء منه للعامل يكون إقرارا في مال
اليتيم لغيره وذلك غير مقبول عن الوصي وكل هذا
يسعه فيما بينه وبين الذي يعمل على ما قال إن
كان صادقا لأن الله تعالى مطلع على ضميرهما
عالم بما كان منهما إلا أن القاضي لا يقبل
قوله إلا ببينة لأن القاضي مأمور باتباع
الظاهر وأصله في الوصي إذا عرف وجوب الدين على
الميت فإنه يسعه فيما بينه وبين ربه أن يقضي
دينه من التركة ولكن إن علم به القاضي ضمنه
إذا لم يكن لصاحب الدين بينة على حقه فهذا
قياسه والله أعلم بالصواب.
تم الجزء الثاني والعشرون |