المبسوط للسرخسي دار الفكر

ج / 25 ص -3-         كتاب المأذون الكبير
قال رحمه الله: قال الشيخ الإمام الأجل الزاهد شمس الأئمة فخر الإسلام أبو بكر محمد بن أبي سهل السرخسي رحمه الله: أعلم بأن الإذن في التجارة فك الحجر الثابت بالرق شرعا ورفع المانع من التصرف حكما وإثبات اليد للعبد في كسبه بمنزلة الكتابة إلا أن الكتابة لازمة لأنها بعوض والإذن لا يكون لازما فحلوه عن العوض بمنزلة الملك المستفاد بالهبة مع المستفاد بالبيع وهذا لأنه أهل للتصرف بعد حدوث الرق فيه كما كان قبله لأن ركن التصرف كلام معتبر شرعا وذلك يتحقق من الرقيق واعتبار الكلام بكونه صادرا عن مميز أو مخاطب ولا ينعدم ذلك بالرق ومحل التصرفات ذمة صالحة لالتزام الحقوق ولا ينعدم ذلك بالرق فإن صلاحية الذمة للالتزام من كرامات البشر وبالرق لا يخرج من أن يكون من البشر إلا أن الذمة تضعف بالرق فلا يجب المال فيها إلا شاغلا مالية الرقبة وذلك يسقط بوجود الرضا منه لتعلق الحق بمالية رقبته فكان الإذن فكا للحجر من هذا الوجه وهو نظير ملك الحل فإنه من كرامات البشر فلا ينعدم بالرق وإن كان ينتقص حتى أن الحل في حق الرقيق نصف ما هو في حق الحر بيناه في كتاب النكاح وإنما ينعدم بالرق الأهلية لمالكية المال لأنه يصير به مملوكا مالا وبين كونه مملوكا مالا وكونه مالكا للمال منافاة ولهذا لا ينعدم بالرق الأهلية للمالكية بالنكاح لأنه لا يصير به مملوكا نكاحا.
فإن قيل: ينبغي أن ينعدم بالرق الأهلية لملك التصرف لأنه صار مملوكا تصرفا فإن المولى يملك التصرفات عليه.
قلنا: إنما يصير مملوكا تصرفا بنفسه بيعا أو تزويجا فلا جرم تنعدم الأهلية لمالكية هذا التصرف ويكون نائبا فيه عن المولى متى باشر بأمره ولكنه ما صار مملوكا تصرفا في ذمته حتى أن المولى لا يملك الشراء بثمن يجب في ذمة عبده ابتداء فتبقى له الأهلية في ملك هذا التصرف كما أنه لم يصر مملوكا تصرفه عليه في الإقرار والحدود والقصاص بقي مالكا لهذا التصرف.
فإن قيل: انعدام الأهلية لخروجه بالرق من أن يكون أهلا لحكم التصرف وهو الملك المستفاد والتصرفات الشرعية لا تراد لعينها بل لحكمها وهو ليس بأهل لذلك.
قلنا: لا كذلك وحكم التصرف ملك اليد والرقيق أهل لذلك.

 

ج / 25 ص -4-         ألا ترى أن استحقاق ملك اليد يثبت للمكاتب مع قيام الرق فيه وهذا لأنه مع الرق أهل للحاجة فيكون أهلا لقضائها وأدنى طريق الحاجة ملك اليد فهو الحكم الأصلي للتصرف وملك العتق مشروع للتوصل إليه فما هو الحكم الأصلي يثبت للعبد وما وراء ذلك يخلفه المولى فيه وهو نظير من اشترى شيئا على أن البائع بالخيار ثم مات فمتى اختار البائع البيع ثبت ملك العين للوارث على سبيل الخلافة عن المورث بتصرف باشره المورث بنفسه ثم الدليل على جواز الإذن للعبد في التجارة شرعا الآثار التي بدأ بها الكتاب فمن ذلك حديث إبراهيم: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يركب الحمار ويجيب دعوة المملوك" وفيه دليل تواضع رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن ركوب الحمار من التواضع وقد كان يعتاده رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى روي أنه ركب الحمار معروريا وروي أنه ركب الحمار وأردف وذلك من التواضع قال عليه السلام "بريء من الكبر من ركب الحمار وسعى في مهنة أهله".
وفي لسان الناس: ركوب الفرس عز وركوب الجمال كمال وركوب البغل مكرمة وركوب الحمار ذل ولا ذل كالترجل وكذلك إجابة دعوة المملوك من التواضع وقد فعله غير مرة على ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنه أجاب دعوة عبد" وروى "أنه كان يجيب دعوة الرجل الدون" يعني المملوك والمملوك لا يتمكن من إيجاد الدعوة ما لم يكن له كسب وطريق الاكتساب التجارة وليس له أن يباشرها بدون إذن المولى فثبت بهذا الحديث جواز الإذن في التجارة وأن ما يكسبه العبد بعد الإذن حلال وأنه لا بأس للعبد المأذون بأن يتخذ الدعوة بعد أن لا يسرف في ذلك ولا بأس بإجابة دعوته اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه كان يجيب الدعوة وكان يقول "من لم يجب الدعوة فقد عصى أبا القاسم". وعن إبراهيم أنه كان يقول يجوز على العبد كل دين حتى يحجر عليه وكان يقول إذا حجر الرجل على عبده في أهل سوقه فليس عليه دين ومعناه يلزمه كل دين يكتسب سبب وجوبه مما هو من صنيع التجار كالإقرار والاستئجار والشراء لأنه منفك الحجر عنه في التجارة فهو من التزام الدين بسببه كالحر وإذا حجر المولى عليه في أهل سوقه فليس عليه دين أي لا يلزمه الدين بمباشرة هذه الأسباب بعد الحجر في حق المولى ليس المراد أنه يسقط عنه وإنما لا يثبت في حق المولى لانعدام الرضا منه باستحقاق مالية رقبته بالدين بعد الحجر ولا يجب الدين في ذمته إلا شاغلا لمالية الرقبة فإذا كان لا يستحق مالية رقبته به بعد الحجر فكأنه لا دين عليه وفيه دليل أن الحجر ينبغي أن يكون عاما منتشرا وأن الانتشار فيه بكونه في أهل سوقه فإنه رفع الإذن الذي هو عام منتشر وفي تصحيحه بدون الانتشار معنى الإضرار والغرور كما نبينه إن شاء الله تعالى.
وعن أبي صالح قال: رأيت للعباس بن عبد المطلب عشرين عبدا كلهم يتجر بعشرة آلاف درهم ففيه دليل جواز الإذن وأنه لا بأس باكتساب الغنى والاستكثار من المال بعد أن يكون من حله كما قال النبي عليه السلام
"نعم المال الصالح للرجل الصالح". وفي هذا

 

ج / 25 ص -5-         الحديث دليل ظاهر على غنى العباس فإن من كان له عشرون عبدا رأس مال كل عبد عشرة آلاف فلا بد أن يكون ذلك من أموال التجارة وغيرها وكان سبب ثروته أنه أخذ منه دنانير في الفداء حين أسر فلما أسلم وحسن إسلامه كان يتأسف على ذلك فأنزل الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ} [الأنفال: 70] وكان العباس رضي الله عنه يظهر السرور بغناه ويقول إن الله تعالى وعدني بشيئين الغنى في الدنيا والمغفرة في الآخرة وقد أنجز لي أحدهما وأنا أعلم أنه لا يحرمني من الآخر إنه لا يخلف الميعاد.
وعن الشعبي قال: إذا أخذ الرجل من عبده الضريبة فهي تجارة وبه نأخذ فإن المولى استأدى عبده الضريبة فذلك إذن منه له في التجارة لأنه لا يتمكن من الأداء إلا بتحصيل المال ولتحصله طريقان التكدي والتجارة والظاهر أن المولى لا يقصد تحصيله المال بالتكدي فالسؤال يدني المرء ويبخسه قال عليه السلام:
"السؤال آخر كسب العبد" أي يبقى في ذله إلى يوم القيامة وإنما مراده الاكتساب بطريق التجارة ورضاه بالتجارة يتضمن الرضا منه بتعلق الدين الواجب بالتجارة بمالية رقبته ففيه دليل أن الإذن في التجارة ثبت بالدلالة كما ثبتت نصا.
وعن شريح في عبد تاجر لحقه دين أنه يباع فيه وبه نأخذ فإن كل دين ظهر وجوبه على العبد في حق المولى يباع فيه كدين الاستهلاك فإنه يظهر في حق المولى لأن سببه محسوس لا ينعدم بالحجر بسبب الرق فكذلك دين التجارة بعد الإذن يظهر في حق المولى فيباع فيه وفي الحديث: "أن النبي صلى الله عليه وسلم باع رجلا في دينه يقال له سرف فحين كان بيع الحر جائزا باع الحر في دينه وبيع العبد جائز في الحال فيباع في كل دين يظهر وجوبه في حق المولى.
وعن بن سيرين: أن رجلا ادعى على عبد رجل دينا فقال الرجل عبدي محجور عليه وقال شريح شاهدا عدل أنه كان يشتري في السوق ويبيع بعلمه أو بأمره ففيه دليل أن المولى إذا أنكر الإذن كان القول قوله وعلى من يدعي عليه الإذن أن يثبته بالبينة لأنه يدعي عليه أنه أسقط حقه عن مالية الرقبة وفيه دليل أن الإذن يثبته بالدلالة وأن من رأى عبده يبيع ويشتري فلم ينهه فإنه يصير به مأذونا بمنزلة التصريح بالإذن له في التجارة وذلك استحسان عندنا لدفع الضرر والغرور عن الناس.
وعن أبي عون الثقفي: أن رجلا أذن لعبده أن يكون خياطا وأذن آخر لعبده أن يكون صباغا فأجاز شريح على الخياط ثمن الإبر والخيوط وأجاز على الصباغ ثمن الغلي والعصفر وما كان في عمله وفيه دليل أن مبنى الإذن على التعدي والانتشار وأن المولى وإن خص نوعا منه فإنه يتعدى إلى سائر الأنواع لاتصال بعض الأنواع بالبعض فيما يرجع إلى تحصيل مقصود المولى فإن الصباغ لا يتمكن من العمل إلا بشراء الصبغ والخياط لا يتمكن من العمل إلا

 

ج / 25 ص -6-         بشراء السلك والإبرة والخيوط ثم قد لا يجد ما يحتاج إليه يباع بالنقد ليشتريه وإنما يباع ذلك بالطعام فيحتاج أن يشتري طعاما ليعطيه في ثمن ذلك وربما يشتري ذلك بالدنانير فيحتاج إلى مصارفة الدراهم بالدنانير ليحصل الثمن فعرفنا أن مبناه على التعدي والانتشار فيتعدى الإذن في نوع إلى سائر الأنواع وابن أبي ليلى رحمه الله: كان يأخذ بظاهر هذا الحديث فيقول يجوز عليه ما كان من توابع عمله خاصة وعندنا يجوز عليه ما كان من توابع عمله وما استدار في غيره على ما نبينه.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: حدثني سلمان رضي الله عنه أنه أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عبد قبل أن يكاتب فقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم هديته فأكل وأكل أصحابه وأتاه بصدقة فقبلها وأمر أصحابه فأكلوا ولم يأكل.
قال الشيخ الإمام رضي الله عنه: واعلم أن سلمان كان من قوم يعبدون الخيل البلق فوقع عنده أنه ليس على شيء وجعل يتنقل من دين إلى دين يطلب الحق حتى قال له بعض أصحاب الصوامع لعلك تطلب الحنيفية وقد قرب أوانها وعليك بيثرب ومن علامته أنه يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة فتوجه نحو المدينة فاسترقه بعض العرب في الطريق وجاء به إلى المدينة فباعه من بعض اليهود وكان يعمل في نخيل مولاه بإذنه حتى هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فأتاه سلمان بطبق فوضعه بين يديه فقال "ما هذا يا سلمان" فقال صدقة فقال لأصحابه كلوا ولم يأكل فقال سلمان في نفسه هذه واحدة ثم أتاه من الغد بطبق فيه رطب فقال "ما هذا يا سلمان" قال هدية فجعل يأكل ويقول لأصحابه "كلوا" فقال سلمان هذه أخرى ثم تحول خلفه فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم مراده فألقى الرداء عن كتفيه حتى نظر سلمان رضي الله عنه إلى خاتم النبوة بين كتفيه فأسلم وفيه دليل أن للعبد المأذون أن يهدى فقد قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم  هديته ولأجل هذا أورد هذا الحديث.
وذكر عن أبي سعيد مولى أبي أسيد قال بنيت بأهلي وأنا عبد فدعوت رهطا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم أبو ذر فحضرت الصلاة فتقدم أبو ذر فقالوا له أتتقدم وأنت في بيته فقدموني وصليت بهم وفيه دليل أن للعبد المأذون أن يتخذ الدعوة في العرس كما يتخذ الدعوة للمجاهدين إذا أتوه بتجارة فإن الصحابة رضي الله عنهم أجابوا دعوته وأبو ذر مع زهده أجاب دعوته وهو عبد وفيه دليل أنه لا ينبغي للمرء أن يؤم غيره في بيته إلا بإذنه فإنهم أنكروا على أبي ذر التقدم عليه في بيته وبيانه في قوله صلى الله عليه وسلم:
"لا يؤم الرجل الرجل في سلطانه ولا يجلس على تكرمته إلا بإذنه" وفيه دليل جواز الاقتداء بالعبد وأنه متى كان فقيها ورعا فلا بأس بإمامته.
ألا ترى أن أبا ذر رضي الله عنه مع زهده قدمه واقتدى به لفقهه وورعه وإذا قال الرجل لعبده قد أذنت لك في التجارة فهو مأذون له في التجارات كلها لا طلاق الإذن من المولى فلا حاجة في تصحيح الإذن إلى التنصيص على أنواع التجارة لأنه فك للحجر كالكتابة ولأن

 

ج / 25 ص -7-         المقصود به المولى عادة أن يحصل العبد الربح بكسبه واعتبار إذنه شرعا ليتحقق به الرضا من المولى لتعلق الدين الواجب بالتجارة بمالية رقبته وهذا لا يختلف باختلاف أنواع التجارات واشتراط مالا يفيد لا يجوز بخلاف التوكيل فالمقصود هناك قيام الوكيل مقام الموكل في تحصيل مقصوده في العين التي يشتريها ولا يقدر الوكيل على تحصيل ذلك بمطلق التوكيل قبل التنصيص على جنس ما يشتريه له.
ثم للعبد أن يشتري ما بداله من أنواع التجارات لأنه صار منفك الحجر عنه وتم رضا المولى بتعلق الدين بمالية رقبته وهو في أصل الالتزام متصرف في ذمته هو حقه من تعامله وإنما نوجب الملك له في محل مملوك له فيكون صحيحا وله أن يستأجر الإجراء لأن الاستئجار من أنواع التجارات ولأن المأذون يحتاج إليه فإنه يعجز عن إقامة بعض الأعمال بنفسه وربما لا يجد من يعينه على ذلك حسبة فيحتاج إلى الاستئجار الإجراء لإقامة الأعمال التي بها يتم مقصوده وله أن يؤاجر نفسه فيما بداله من الأعمال عندنا.
وفي أحد قولي الشافعي رضي الله عنه: ليس له أن يؤاجر نفسه وله أن يؤاجر كسبه لأن عبده المأذون نائب عن المولى في التصرف وهو إنما جعله نائبا في التصرف في كسبه ومنافع بدنه ليس من كسبه وتصرفه فيه بعد الإذن كما قبله والدليل عليه أن رقبته ليست من كسبه بدليل أنه لا يملك بيعها ولا رهنها بدين عليه وما ليس من كسبه فهو لا يملك التصرف فيه بالإجازة كسائر مماليكه وأما عندنا فالإذن فك الحجر عن المأذون فكان كالكتابة ولا يقال الكتابة يتعلق بها اللزوم والإذن فيكون هذا بمنزلة الاستئجار والاستعارة وللمستأجر أن يؤاجر وليس للمستعير ذلك وهذا لأن محل التصرف لا يختلف لكونه لازما أو غير لازم كالبيع مع الهبة فإن محل التصرفين واحد وهو العين وإن كان أحدهما يلزم على وجه لا يملك الموجب الرجوع لكونه معاوضة والأجر لا يلزم ونحن إنما شبهنا الإذن بالكتابة من حيث إنه فك الحجر ثم انفكاك الحجر يثبت له اليد على منافعه فيملك الاعتياض عليها كما ملكه المكاتب.
ولما كان للمأذون أن يعين غيره لمنافعه فلا يكون له أن يؤاجر نفسه أولى لأن الإجارة أقرب إلى مقصود المولى من الإعانة وهو أليق بحال المأذون فإنه يملك المعاوضات دون التبرعات والمستعير إنما لا يؤاجر لما فيه من إلحاق الضرر بالغير من حيث استحقاق اليد عليه في العين وذلك لا يوجد ها هنا.
ثم إجارة النفس نوع تجارة لأن رؤوس التجارة وهم الباعة يؤاجرون أنفسهم للعمل والمولى حين أذن له في التجارة مع علمه أنه لا يتمكن منها إلا برأس مال فالظاهر أنه جعل رأس ماله منافعه وطريق تحصيل المال مما جعل له من رأس المال الإجارة وإنما لا يبيع نفسه لما في ذلك من تفويت مقصود المولى ولأن حكمه ضد حكم الإذن فإن بيع الرقبة إذا صح أوجب الحجر عليه كما لو باعه المولى فكذلك لا يرهن نفسه لأن موجب الرهن ضد موجب الإذن فإن الرهن يوجب يدا مستحقة عليه للمرتهن على وجه يمنع من التصرف لأن موجب الرهن ضد

 

ج / 25 ص -8-         موجب الإذن فإن الرهن يوجب الإذن فإن الرهن يوجب يدا مستحقة عليه للمرتهن على وجه يمنع من التصرف ولا يستفاد ما ليس من موجب ضده موجبه.
وأما إجارة النفس فلا توجب الحجر عليه ولا تمنعه من التصرف بدليل أنه لو أجره المولى لم يصر محجورا فلهذا لا يملك أن يؤاجر كسبه وله أن يتقبل الأرض ويأخذها مزارعة كما يأخذ الحر لأنه إن كان البذر من قبل صاحب الأرض فالمأذون مؤاجر نفسه للعمل ببعض الخارج وإن كان البذر من قبله فهو مستأجر الأرض ببعض الخارج وذلك أنفع من الاستئجار بالدراهم فإن هناك الأجر دين في ذمته سواء حصل الخارج أو لم يخرج وهنا لا شيء عليه إذا لم يحصل الخارج فإذا ملك استئجاره ببعض الدراهم فببعض الخارج أولى. وله أن يشتري طعاما ليزرعه في أرضه لأن الزراعة من التجارة قال عليه الصلاة والسلام:
"الزارع يتاجر ربه والتجار يفعلون ذلك عادة" قال: وليس له أن يدفع طعاما إلى رجل ليزرعه ذلك الرجل في أرضه بالنصف قال لأنه يصير قرضا وليس للمأذون أن يقرض لأن القرض تبرع.
قال بعض مشايخنا رحمهم الله: وهذا التعليل غلط إنما الصحيح من التعليل أن هذا دفع البذر مزارعة ودفع البذر مزارعة وحده لا يجوز لأن صاحب البذر مستأجر الأرض وشرط الإجارة التخلية بين المستأجر وبين ما استأجره وذلك ينعدم إذا كان العامل صاحب الأرض.
قال: ألا ترى أنه إذا دفع الطعام إلى رب الأرض مزارعة بالنصف فزرعة كان الخارج كله لرب الأرض وهو ضامن للعبد طعاما مثل طعامه هكذا ذكر في الكتاب.
وفي كتاب المزارعة قال: إذا دفع البذر مزارعة إلى صاحب الأرض فالخارج كله لصاحب البذر وللعامل أجر مثله وأجر مثل أرضه وقيل في المسألة روايتان أصحهما ما قال في المزارعة لأن الخارج نماء البذر.
ألا ترى أنه من جنس البذر يكون لصاحب البذر ووجه ما قال هنا أن صاحب البذر إنماء رضي بإلقاء البذر في الأرض بطريق المزارعة بالنصف فبدون ذلك الطريق لا يكون راضيا بل الزارع بمنزلة الغاصب لبذره ومن غصب من آخر بذرا وزرعه في أرضه كان الخارج للزارع وعليه مثل ما غصب وقيل إنما اختلف الجواب لاختلاف الوضع فهناك وضع المسألة في الحر وإذن الحر في استهلاك البذر صحيح معتبر والمزارعة وإن فسدت بقي إذنه معتبرا في استهلاك البذر بإلقائه في الأرض فكان الإلقاء بإذن صاحب البذر كإلقائه بنفسه فالخارج كله له وأما إذن العبد في استهلاك بذره لا على وجه المزارعة فغير معتبر فإنه لا يملك أن يأذن في إتلاف البذر ولا أن يقرض البذر فإذا لم يصح العقد وسقط اعتبار

 

ج / 25 ص -9-         إذنه فكان لزارع بمنزلة الغاصب المستهلك للبذر بإلقائه في الأرض والخارج كله له وعليه ضمان مثل ذلك البذر للعبد.
قال الشيخ الإمام رحمه الله: وقد وجدت في بعض النسخ زيادة في هذا المسألة أنه إذا دفع الطعام إلى رب الأرض ليزرعها لنفسه بالنصف فمع هذه الزيادة لا يبقى الإشكال ويصح التعليل لأن قوله ازرعها لنفسك يكون إقراضا للبذر ثم شرط عليه في بدل القرض نصف الخارج وذلك باطل والزارع في إلقاء البذر في الأرض عامل لنفسه فيكون الخارج كله له وليس على المولى أن يشهد الشهود حتى يأذن له في التجارة لأنه بمنزلة الكتابة والكتابة تصح من غير إشهاد إلا أن هناك يندب الإشهاد لما يتعلق بها من الحق اللازم كما يندب إلى الإشهاد على البيع بيانه في قوله تعالى:
{وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} [البقرة: 282] وذلك لا يوجد في الإذن لأنه في نفسه ليس بحق لازم.
ألا ترى أنه يحجر عليه متى شاء فلهذا لا يكون عليه الإشهاد في ذلك وإذا نظر الرجل إلى عبده يبيع ويشتري فلم ينهه عن ذلك فهو إذن منه له في التجارة بمنزلة قوله قد أذنت لك في التجارة وهذه مسألتان إحداهما إذا أذن له في نوع خاص من التجارة فإنه يكون مأذونا في التجارات كلها عندنا.
وقال الشافعي رحمه الله: لا يكون مأذونا إلا في ذلك النوع خاصة وهو رواية عن زفر رحمه الله: وعنه في رواية أخرى قال إن سكت عن النهي عن سائر الأنواع فإن قال اعمل في البر فهو مأذون في التجارات كلها وإن صرح بالنهي عن التصرف في سائر الأنواع فليس له أن يتصرف إلا في النوع الذي أذن له فيه خاصة فالحجة للشافعي أنه يتصرف للمولى بإذنه فلا يملك التصرف إلا فيما أذن له فيه كالوكيل والمضارب والمستبضع والشريك شركة العنان وبيان ذلك أن الرق موجب للحجر عليه عن التصرفات والرق بعد الإذن قائم كما كان قبله فيكون تصرفه بطريق النيابة عن المولى فيه.
ألا ترى أن ما هو المقصود بالتصرف وهو الملك يحصل للمولى وأن العبد بسبب الرق يخرج من أن يكون أهلا للملك الذي هو المقصود فيه يبين أنه ليس بأهل للتصرف بنفسه بخلاف المكاتب فإن بالكتابة عندي يثبت للمكاتب حق ويصير بمنزلة الحر يدا ولهذا لا يملك المولى إعتاقه عن كفارته ولا يملك الحجر وإنما يصير أهلا للتصرف باعتبار ما ثبت له من الحرية يدا.
ثم المأذون عندي يرجع بالعهدة على المولى إلا أنه عين لرجوعه محلا وهو كسبه فلا يملك الرجوع في محل آخر وهكذا مذهبي في الوكيل إذا وكله بأن يشتري ويبيع على أن الربح كله للموكل فإن رجوعه بالعهدة فيما يشتري على الموكل دون غيره ويكون هو نائبا عن الموكل في التصرف فكذلك المأذون والدليل عليه أنه لو أذن له في تزويج امرأة لا يملك أن يتزوج امرأتين ولو أذن له في نكاح امرأة بعينها لا يملك أن يتزوج غيرها فكذلك في التجارة

 

ج / 25 ص -10-       بل أولى لأن مقصود ذلك التصرف يحصل للعبد ومقصود هذا التصرف يحصل للمولى فكذلك إذا أذن له في التجارة لا يملك النكاح وإذا أذن له في النكاح لا يملك التجارة ولئن كان الإذن إطلاقا وتمليكا لليد منه كما هو مذهبكم فذلك لا يدل على أنه لا يقبل التخصيص كتقليد القضاء فإنه إطلاق وإثبات للولاية ثم يقبل التخصيص والإعارة والإجارة تمليك المنفعة وإثبات اليد على العين ثم يقبل التخصيص بالإذن كذلك وهذا لأن التخصيص مفيد فمقصود المولى تحصيل الربح وذلك يحصل بتجارته في نوع لكثرة هدايته فيه ثم يفوت ذلك بتجارته في نوع آخر لقلة هدايته في ذلك فكان التقييد مفيدا فيما هو المقصود وزفر رحمه الله: على الرواية الأخرى يقول إنما أثبتنا حكما عاما عند سكوته عن النهي لدلالة العرف وذلك يسقط عند التصريح بالنهي في سائر الأنواع.
ألا ترى أن مطلق الإذن يوجب التعميم في الوقت ثم إذا صرح بالحجر عليه بعد أن مضى شهر أو يوم يرتفع ذلك الإذن فهذا مثله.
وحجتنا في ذلك طرق ثلاثة: أحدها: ما بينا أن الإذن في نوع يستدعي الإذن في سائر الأنواع لاتصال بعض التجارات بالبعض والمتصرف في البر ربما يشتري ذلك البر بالطعام فلا بد من أن يشتري الطعام ليؤدي ما عليه وربما يحتاج إلى بيع البر بالعبيد والإماء إذا لم يجد من يشتري ذلك منه بالنقد وإذا كان الإذن في نوع يتعدى إلى سائر أنواع التجارة لاتصال بعض التجارات بالبعض ولأن الإذن في التجارة فك للحجر عنه والعبد بعد الإذن متصرف لنفسه لانفكاك الحجر عنه كالمكاتب.
وكما أن في الكتابة لا يعتبر التقييد بنوع خاص فكذلك في الإذن وبيان الوصف أن بمطلق الإذن يملك التصرف والإنابة لا تحصل بمطلق اللفظ من غير تنصيص على التصرف كما في حق الوكيل والدليل عليه أن المأذون لا يرجع بما يلحقه من العهدة على مولاه والمتصرف للغير يرجع عليه بما يلحقه من العهدة وأنه إذا قضى الدين من خالص ملكه بعد العتق لا يرجع به على المولى ولو كان هو بمنزلة الوكيل لكان يرجع على الموكل بما يؤدي من خالص ملكه كالوكيل وإنما يكون رجوع الوكيل فيما يحصل تصرفه إذا بقي ذلك فأما بعد الفوات فيكون رجوعه على الموكل وهنا وإن هلك كسبه لم يرجع على المولى بشيء ودل أنه متصرف لنفسه.
وقد بينا أن بالرق لم يخرج من أن يكون أهلا للتصرف ولا من أن يكون أهلا لثبوت اليد له على كسبه ولكنه ممنوع عن التصرف لحق المولى مع قيام الأهلية فالإذن لإزالة المنع كالكتابة ولا يجوز أن يدعي أن بالكتابة يثبت له حق العتق أو يجعل كالحر يدا لأن الكتابة تحتمل الفسخ والسبب الموجب لحق العتق متى ثبت لا يحتمل الفسخ كالاستيلاد فثبت أن الكتابة فك الحجر والإذن مثله ثم فك الحجر عنه بهذين السببين بمنزله الفك التام الذي يحصل بالعتق وذلك لا يختص بنوع دون نوع سواء أطلق أو صرح بالنهي عن سائر الأنواع،

 

ج / 25 ص -11-       لأن هذا التقييد منه تصرف في غير ملكه فكذلك ها هنا والثالث: أن تصرف العبد يلاقي محلا هو ملكه والمتصرف في ملكه لا يكون نائبا عن غيره وبيانه أن أول التصرفات بعد الإذن من العبد شراء لأنه ما لم يشتر لا يمكنه أن يبيع وهو بالشراء يلتزم الثمن في ذمته وقد بينا أن الذمة مملوكة بمنزلة ذمته فكما أنه يملك التصرف في ذمته بالإقرار على نفسه بالقود فكذلك يكون مالكا للتصرف في ذمته إلا أن الدين لا يجب في ذمته إلا شاغلا مالية رقبته فيحتاج إلى إذن المولى هنا لإسقاط حقه عن مالية الرقبة والرضي بصرفها إلى الدين وفي هذا لا يفترق الحال بين نوع من التجارة ونوع فتقييده بنوع غير مفيد في حقه فلا يعتبر كما إذا رضي المستأجر ببيع العين من زيد دون عمرو أو رضي الشفيع بيع المشتري من زيد دون عمرو ولو أسلم البائع المبيع إلى المشتري قبل نقد الثمن على أن يتصرف فيه نوعا من التصرف دون نوع لا يعتبر ذلك التقييد لأنه وجد من هؤلاء إسقاط حق المبيع فأهل التصرف يكون متصرفا لنفسه فتقييده بنوع دون نوع لا يكون مفيدا وهذا بخلاف النكاح فإن ذلك تصرف مملوك للمولى عليه لأن النكاح لا يجوز إلا بولي والرق يخرجه عن أن يكون أهلا للولاية فكان هو نائبا عن المولى في النكاح ولهذا قلنا: المولى يجبره على النكاح فأما هذا التصرف فغير مملوك للمولى عليه فكان الإذن من المولى إسقاطا لحقه لا إنابة العبد منابه في التصرف وقد بينا أنه مع الرق أهل للحكم الأصلي وهو ملك اليد وأن ما وراء ذلك من ملك العين يثبت للمولى على سبيل الخلافة عنه وهذا بخلاف تقليد القضاء فالقاضي لا يعمل لنفسه فيما يقضي بل هو نائب عن المسلمين ولهذا يرجع بما يلحقه من العهدة في مال المسلمين.
وكيف يكون عاملا لنفسه وهو فيما يعمل لنفسه لا يصلح أن يكون قاضيا وهذا بخلاف المستعير والمستأجر لأنه يتصرف في محل هو ملك الغير بإيجاب صاحب الملك له وإيجابه في ملك نفسه يقبل التخصيص فأما العبد فلا يتصرف بإيجاب المولى له فقد بينا أن التصرف غير مملوك للمولى في ذمته فكيف يوجب له مالا يملكه؟
والمسألة الثانية: إذا رآه يبيع ويشتري فسكت عن النهي فهذا إذن له في التجارة عندنا وعند الشافعي لا يكون إذنا قبل هذا بناء على المسألة الأولى فإن عنده لو أذن له نصا في نوع لا يملك التصرف في سائر الأنواع فكذلك إذا رآه يتصرف في نوع فسكوته عن النهي لا يكون إذنا له في التصرف في سائر الأنواع وعندنا لما كان إذنه في نوع يوجب الإذن في سائر الأنواع لدفع الغرور والضرر عن الناس فكذلك سكوته عن النهي عند رؤيته تصرفا منه يكون بمنزلة الإذن دفعا للضرر والغرور عن الناس وحجته في هذه المسألة أن سكوته عن النهي محتمل قد يكون للرضي بتصرفه وقد يكون لفرط وقلة الالتفات إلى تصرفه لعلمه أنه محجور عن ذلك شرعا والمحتمل لا يكون حجة فهو بمنزلة من رأى إنسانا يبيع ماله فسكت ولم ينهه لا ينفذ ذلك التصرف بسكوته ولأن الحاجة إلى الإذن من المولى والسكوت ليس بإذن،

 

ج / 25 ص -12-       فالإذن ما يقع في الإذن ولو أذن له ولم يسمع لم يكن ذلك إذنا فمجرد السكوت كيف يكون إذنا والدليل عليه أن هذا التصرف الذي يباشره لا ينفذ بسكوت المولى وأنه إذا رآه يبيع شيئا من ملكه فسكت لا ينفذ هذا التصرف فكيف يصير مأذونا له في التصرفات فالحاجة إلى رضى مسقط لحق المولى عن مالية رقبته وذلك لا يحصل بالسكوت كمن رأى إنسانا يتلف ماله فسكت فلا يسقط الضمان بسكوته وهذا بخلاف سكوت البكر إذا زوجها الولي فإن ذلك محتمل ولكن قام الدليل الموجب لترجيح الرضا فيه وهو أن لها عند تزويج الولي كلامين لا أو نعم والحياء يحول بينها وبين نعم لما فيه من إظهار الرغبة في الرجال وهي تستقبح منها لا يحول الحياء بينها وبين لا فسكوتها دليل على الجواب الذي يحول الحياء بينها وبين ذلك الجواب ولا يوجد مثل ذلك ها هنا فلا يترجح جانب الرضا وكذلك سكوت الشفيع عن الطلب لأنه لا حق للشفيع قبل الطلب وإنما له أن يثبت حقه بالطلب فإذا لم يطلب لم يثبت حقه وها هنا حق المولى في مالية الرقبة ثابت وإنما الحاجة إلى الرضا المسقط لحقه.
يوضحه: أن حق الشفعة قبل الطلب ضعيف وإنما يتأكد بالطلب فإعراضه عن الطلب المؤكد لحقه يجعل دليل الرضا لدفع الضرر عن المشتري فإنه إذا بقي حق الشفيع يتمكن به من نقض تصرف المشتري وفيه من الضرر عليه ما لا يخفى فأما هنا فحق المولى في مالية الرقبة متأكد وفي إسقاطه إلحاق الضرر به عند سكوته لدفع الضرر عمن يعمل العبد معه.
وحجتنا في ذلك قوله عليه السلام
"لا ضرر ولا ضرار في الإسلام" وقال: "ألا من غشنا فليس منا".
ولو لم تتعين جهة الرضا عند سكوت المولى عن النهي أدى إلى الضرر والغرور فالناس يعاملون العبد ولا يمتنعون من ذلك عند محضر المولى إذا كان ساكتا وإذا لحقته ديون ثم قال المولى كان عبدي محجورا عليه فتتأخر الديون إلى وقت عتقه ولا يدري متى يعتق وهل يعتق أو لا يعتق فيكون فيه إنواء حقهم ويلحقهم فيه من الضرر ما لا يخفى ويصير المولى غار الهم فلرفع الضرر والغرور جعلنا سكوته بمنزلة الإذن له في التجارة والسكوت محتمل كما قال ولكن دليل العرف يرجح جانب الرضا فالعادة أن من لا يرضى بتصرف عبده يظهر النهي إذا رآه يتصرف ويؤدبه على ذلك وإنما يستحق عليه ذلك شرعا لدفع الضرر والغرور.
فبهذا الدليل رجحنا جانب الرضى في سكوت البكر كما في سكوت الشفيع يرجح جانب الرضى لدفع الضرر عن المشتري والدليل عليه أنه بعد ما أذن له في أهل سوقه لو حجر عليه في بيته لم يصح حجة لدفع الضرر والغرور فلما سقط اعتبار حجره نصا لدفع الضرر فلأن يسقط اعتبار احتمال عدم الرضى من سكوته لدفع الضرر عن الناس كان أولى ولئن منع الشافعي هذا فالكلام في المسألة يبنى على الكلام في تلك المسألة فإن الكلام فيها أوضح على ما نبينه وهذا بخلاف الوكيل لأنه لا ضرر على من يعامل الوكيل إذا لم يجعل

 

ج / 25 ص -13-       سكوت الموكل رضي فإن تصرف الوكيل نافذ على نفسه ومن يعامله لا يطالب الموكل بشيء وإنما يطالب الوكيل سواء كان تصرفه لنفسه أو لغيره.
وقوله: هذا التصرف بسكوت المولى لا ينفذ قلنا: لأن في هذا التصرف إزالة ملك المولى عما يبيعه وفي إزالة ملكه ضرر متحقق للحال فلا يثبت بسكوته وليس في ثبوت الإذن ضرر على المولى متحقق في الحال فقد يلحقه الدين وقد لا يلحقه.
ولو لم يثبت الإذن به تضرر الناس الذين يعاملون العبد يوضحه: أن في ذلك التصرف العبد نائب عن المولى بدليل أنه إذا لحقه عهدة يرجع بها عليه فيكون بمنزلة الوكيل في ذلك وقد بينا أن الوكالة لا تثبت بالسكوت وأما في سائر التصرفات فهو متصرف لنفسه كما قررنا والحاجة إلى إذن المولى لأجل الرضا تصرف مالية رقبته إلى الدين فيثبت ذلك بمجرد سكوته لخلوه عن الضرر في الحال بخلاف ما إذا أتلف إنسان ماله وهو ساكت لأن الضرر هناك يتحقق في الحال وسكوته لا يكون دليل التزام الضرر حقيقة ولأنه لا حاجة إلى تعيين جانب الرضا هناك لدفع الضرر والغرور عن المتلف وهو ملتزم الضرر بإقدامه على إتلاف المال بخلاف ما نحن فيه على ما قررناه.
ولو قال لعبده: أد إلي الغلة كل شهر خمسة دراهم فهذا إذن منه له في التجارة لأنه استئذاء المال مع علمه أنه لا يتمكن من ذلك إلا بالاكتساب يكون أمرا له بالاكتساب ضرورة وقد علمنا أنه لم يطلب منه الاكتساب بالتكدي فعرفنا أن مراده الاكتساب بالتجارة ودليل الرضا في الحكم كصريح الرضا.
وكذلك لو قال: إذا أديت إلي ألفا فأنت حر لأنه حثه على أداء المال بما أوجب له بإزاء المال من العتق عند الأداء ولا يتمكن من الأداء إلا بالاكتساب وقد علمنا أنه لم يرد أداء الألف إليه من مال المولى لأن ذلك غير مفيد في حق المولى وإنما المفيد في حقه أداء الألف إليه من كسب يكتسبه بعد هذه المقالة.
وكذلك لو قال: أد إلي ألفا وأنت حر فإنه لا يعتق ما لم يؤد ولو قال: إن أديت ألفا فأنت حر عتق في الحال أدى أو لم يؤد ولو قال: إذا أديت إلي ألفا وأنت حر عتق في الحال أيضا بخلاف قوله فأنت حر فإنه لا يعتق فيه إلا بالأداء لأن جواب الشرط بالفاء دون الواو فإن الجزاء يتصل بالشرط على أن يتعقب نزوله بوجود الشرط وحرف الفاء للوصل والتعقيب فيتصل فيه الجزاء بالشرط فأما حرف الواو فللعطف لا للوصل وعطف الجزاء على الشرط لا يوجب تعليقه بالشرط فكان تنجيزا.
وأما جواب الأمر بحرف الواو على معنى أنه بمعنى الحال أي وأنت حر في حال أدائك وأما صفة الأمر يكون بمعنى التعليل يقول الرجل أبشر فقد أتاك الغوث يعني لأنه أتاك الغوث فإذا قال أد إلي ألفا فأنت حر معناه لأنك حر فلهذا يتنجز به العتق في الحال.
وعلى هذا ذكر في السير الكبير إذا قال افتحوا الباب وأنتم آمنون فما لم يفتحوا لا

 

ج / 25 ص -14-       يأمنوا ولو قال: فأنتم آمنون كانوا آمنين فتحوا أو لم يفتحوا ولو قال: إذا فتحتم الباب فأنتم آمنون لا يأمنون ما لم يفتحوا ولو قال: وأنتم آمنون كانوا آمنين في الحال.
ولو قال لعبده: اذهب فأجر نفسك من فلان لم يكن هذا إذنا منه له في التجارة بخلاف قوله أقعد قصارا وصباغا فإن هناك لما لم يعتق من يعامله فقد فوض الأمر إلى رأيه في ذلك النوع من التجارة وها هنا عين من يؤاجر العبد نفسه منه ولم يفوض الأمر إلى رأيه فيه ولكنه جعله رسولا قائما مقام نفسه في مباشرة العقد فلا يكون ذلك دليل الرضا بتجارته.
يوضحه: أنه أمره بأن يعقد على منافعه ها هنا ومنافعه مملوكة للمولى فلا يكون ذلك على وجه الرضا بتجارته لا على وجه الاستخدام له وفي الأول أمره بتقبل العمل في ذمته وذلك من نوع التجارة.
ألا ترى أن إجارة نفس العبد مملوكة للمولى فلا يكون ذلك على وجه الرضا بتجارته لا على وجه الاستخدام له وفي الأول أمره بتقبل العمل في ذمته وذلك من نوع التجارة.
ألا ترى أن إجارة نفس العبد مملوكة للمولى عليه وأن يقبل العمل في ذمة العبد غير مملوك للمولى عليه واستشهد بما لو أرسل عبدا له يؤاجر عبدا له آخر لم يكن هذا إذنا لواحد من العبدين في التجارة ولو قال: اعمل في النقالين أو في الحناطين أو قال أجر نفسك في النقالين أو الحناطين فهذا منه إذن في التجارة لأنه فوض ذلك النوع من التجارة إلى رأيه لأنه لم يعين له من يعامله بل جعل تعيينه موكولا إلى رأيه النقالون الذين ينقلون الخشب من الشطء إلى البيوت والحناطون ينقلون الحنطة من موضع السفينة إلى البيوت وإنما يعمل ذلك منهم العبيد والأقوياء.
ولو أرسل عبده يشتري له ثوبا أو لحما بدراهم لم يكن هذا إذنا له في التجارة استحسانا وفي القياس هو إذن له في التجارة لأنه جعل اختيار من يعامله مفوضا إلى رأيه وفي الاستحسان لا يكون إذنا له في التجارة فإنه في عادة الناس هذا استخدام ولو جعلناه إذنا في التجارة يتعذر على المولى استخدام المماليك فإن الاستخدام يكون في حوائج المولى وهذا النوع من العقد من حوائجه.
يوضحه: أن المولى لا يقصد التجارة بهذا الشراء إنما يقصد كفاية الوقت من الكسوة والطعام والتجارة ما يقصد به المال والاسترباح.
وكذلك لو أمره بأن يشتري ثوب كسوة للمولى أو لبعض أهله أو طعاما رزقا لأهله أو للمولى أو للعبد نفسه لا يكون شيء من ذلك إذنا له في التجارة أرأيت لو أمره أن يشتري نقلا بفلسين أكان يصير به مأذونا وكذلك لو قال: اشتر من فلان ثوبا فاقطعه قميصا أو اشتر من فلان طعاما فكله أو دفع إليه راوية وحمارا وأمره أن يستقي عليه الماء لمولاه ولعياله ولجيرانه بغير ثمن فشيء من هذا لا يكون إذنا له في التجارة لما قلنا.
ولو قال: استق على هذا الحمار الماء وبعه كان هذا إذنا له في التجارات كلها لأنه

 

ج / 25 ص -15-       فوض إلى رأيه نوعا من التجارة وقصد به تحصيل المال والربح ولو أن طحانا دفع إلى عبده حمارا لينقل عليه طعاما له فيأتيه به ليطحنه لم يكن هذا إذنا منه له في التجارة لأنه استخدمه في نقل الطعام إليه وما أمره بشيء من عقود التجارات ولا باكتساب المال.
ألا ترى أن المضاربة باعتبار هذا العمل لا تصح حتى لو أمره أن ينقل الطعام إليه ليبيعه صاحب الطعام بنفسه على أن الربح بينهما نصفان لا يجوز.
ولو أمره أن يتقبل الطعام من الناس بأجر وينقله على الحمار كان هذا إذنا له في التجارة لأنه فوض نوعا من التجارة إلى رأيه وأمره باكتساب المال له وأما إذا كان الرجل تاجرا وله غلمان يبيعون متاعه بأمره فهذا إذن منه لهم في التجارة لأن سكوته عن النهي عند رؤية تصرف العبد جعل إذنا فتمكينه إياهم من بيع أمتعته في حانوته أو أمره إياهم بذلك أولى أن يجعل إذنا ولذلك لو أمرهم أن يبيعوا لغيره متاعه فإنه فوض نوعا من التجارة إلى رأيهم ورضي بالتزامهم العهدة فيما يبيعونه لغيرهم.
ألا ترى أنه لو أمرهم أن يشتروا له متاعا أو يشتروا ذلك لغيره فاشتروه لزمهم الثمن وهم تجار في تلك التجارة وغيرها فكذلك إذا أمرهم بالبيع لأن في الموضعين جميعا قد صار راضيا باستحقاق مالية رقبته بما يلحقه من العهدة في ذلك التصرف ألا ترى أنهم إذا باعوا فوجد المشتري بالمبيع عيبا كان له أن يرده عليهم ويطالبهم بالثمن ولو رأى عبده يبيع في حانوته متاعه لغيره فلم ينهه كان مأذونا لسكوت المولى عن النهي بعد علمه بتصرفه ولكن لا يجوز ما باع من متاع المولى لأن جواز البيع في ذلك المتاع يعتمد التوكيل وذلك يحصل بالأمر في الابتداء والإجازة في الانتهاء والسكوت لا يكون أمرا ولا إجازة فلا يثبت به التوكيل.
ألا ترى أن فيما يبيع من متاع المولى بأمره إذا لحقه عهدة يرجع على المولى وأن الضرر يتحقق في حق المولى بزوال ملكه عن المتاع في الحال فلهذا لا يثبت ذلك بالسكوت بخلاف صيرورته مأذونا فإن ذلك يعتمد الرضى لا التوكيل حتى لا يرجع بما يلحقه من العهدة في سائر التصرفات على المولى ولا يتحقق الضرر في حق المولى بمجرد صيرورته مأذونا.
وكذلك عبد دفع إليه رجل متاعا ليبيعه فباعه بغير أمر المولى والمولى يراه يبيع ولا ينهاه فهو إذن من المولى له في التجارة والبيع في المتاع جائز بأمر صاحبه لا بسكوت المولى عن النهي حتى أن المولى وإن نهاه أو لم يره أصلا كان البيع جائزا لأنه وكيل صاحب المتاع في البيع إلا أن تأثر صيرورته مأذونا في هذا التصرف من حيث إن العهدة تكون على العبد ولو نهاه المولى أو لم يره كانت العهدة على صاحب المتاع لأن العبد المحجور لا يلزم العهدة في تصرفه لغيره وإذا تعذر إيجاب العهدة عليه تعلقت العهدة بأقرب الناس بعده من هذا التصرف وهو الأمر الذي انتفع بتصرف العبد له.

 

ج / 25 ص -16-       وإذا اغتصب العبد من رجل متاعا فباعه ومولاه ينظر إليه فلم ينهه عنه فهذا إذن له في التجارة لوجود دليل الرضى منه بتصرفه حين سكت عن النهي ولا ينفذ ذلك البيع سواء باعه بأمر المولى أو بغير أمره لأن في ذلك البيع إزالة الملك المغصوب منه فلا ينفذ إلا بإجازته فكذلك لو رأى عبده يبيع متاعا له بخمر أو أمره بالبيع والشراء بالخمر فإنه يكون مأذونا له في التجارة لوجود الرضا منه بتجارته صريحا أو دلالة وإن فسد ذلك العقد لكون البدل فيه خمرا وإنما أورد هذه الفصول لإزالة إشكال الخصم أنه لما لم ينفذ ذلك العقد بسكوته فكيف يصير به مأذونا فإن هذا العقد الفاسد لا ينعقد بأمره والعقد على المال المغصوب لا ينعقد بأمر المولى أيضا ومع ذلك كان العبد به مأذونا.
ولو أرسل عبده إلى أفق من الآفاق بمال عظيم يشتري له البز ونهاه عن بيعه فهذا إذن له في التجارة لأنه فوض نوعا من التجارة إلى رأيه وهو شراء البز ورضي بتعلق الدين الواجب بشراء البز بمالية رقبته ولو رأى عبده يشتري بماله فلم ينهه عن ذلك ومال المولى دراهم ودنانير فهذا إذن منه له في التجارة وما اشتراه العبد فهو لازم له وللمولى أن يأخذ من الذي أجازه لأن الدراهم والدنانير لا يعينان في العقود وإنما كان شرى العبد بثمن في ذمته وقد صار المولى بسكوته عن النهي راضيا بتعلق الدين بمالية رقبته ولكن لا يصير به راضيا بقضاء دينه من سائر أمواله كما لو صرح بالإذن له في التجارة وما نقد من دراهم المولى مال آخر له فيكون العبد في قضاء الدين منه كالمستقرض له من مولاه والإقراض بالسكوت لا يثبت فلهذا كان للمولى أن يأخذ ماله من الذي أخذه لأنه وجد عين ماله ويرجع ذلك الرجل على العبد لأن ثمن المقبوض لم يسلم له فينتقض قبضه ويبقى الثمن في ذمته على حاله.
ولو كان مال المولى ذلك شيئا بعينه من العروض والمكيل والموزون سوى الدراهم والدنانير كان كذلك إلا أن المولى إذا أخذه انتقض شراء العبد به لأن العبد تعلق بعين ما أضيف إليه فصار قبضه مستحقا بالعقد فإذا فات القبض المستحق فيه باستحقاق المولى بطل العقد بخلاف الأول وإذا دفع إلى غلامه مالا وأمره أن يخرج به إلى بلد كذا ويدفعه إلى فلان فيشتري به البز ثم يدفعه إليه حتى يأتي به مولاه ففعله لم يكن هذا إذنا له في التجارة لأنه استخدمه حين أمره بحمل المال إليه ولم يفوض شيئا من العقود إلى رأيه وإنما جعل الشراء به إلى فلان ثم العبد يأتيه بما يشتريه فلان له فيكون هذا استخداما وإرسالا لا إذنا له في التجارة.
ولو دفع إلى عبده أرضا له بيضاء فأمره أن يشتري طعاما فيزرعها ويتقبل الإجراء فيها فيكريون أنهارها ويسقون زروعها ويكربونها ويؤدي خراجها فهذا إذن منه في التجارة لأنه فوض نوعا من العقد إلى رأيه وقصد تحصيل الربح والمال بتصرفه ورضي بتعلق ثمن الطعام وأجرة الإجراء بمالية رقبته فيكون به مأذونا له في التجارة ولو أمره أن يبيع له ثوبا واحدا يريد بذلك الربح والتجارة فهو إذن له في التجارة لأنه فوض الأمر إلى رأيه باختيار من يعامله

 

ج / 25 ص -17-       في عقد هو تجارة وكان قصده من ذلك تحصيل الربح وصار راضيا بالتزام العهدة في مالية رقبته.
ولو قال: قد أذنت لك في التجارة يوما واحدا فإذا مضى رأيت رأيا فهو مأذون له في التجارة أبدا حتى يحجر عليه في أهل سوقه لأن فك الحجر لا يقبل التخصيص بالوقت كما لا يقبل التخصيص بالمكان ولو قال: أذنت لك في التجارة في هذا الحانوت كان مأذونا له في جميع المواضع وهذا لأن الفك أنواع ثلاثة نوع هو لازم تام كالإعتاق ونوع هو لازم غير تام كالكتابة ونوع هو غير لازم ولا تام كالإذن له في التجارة فكما أن النوعين الآخرين لا يقبلان التخصيص بالزمان والمكان فكذلك هذا النوع ثم تقييد هذا الإذن بوقت كتقييده بنوع وقد بينا أن الإذن في نوع خاص يكون إذنا في جميع التجارات وكذلك الإذن في يوم أو ساعة يكون إذنا في جميع الأيام ما لم يحجر عليه في أهل سوقه.
وكذلك لو قال: أذنت لك في التجارة في هذا الشهر فإذا مضى هذا الشهر فقد حجرت عليك فلا تبيعن ولا تشترين بعد ذلك فحجره هذا باطل لأنه أضاف الحجر إلى وقت منتظر وذلك غير صحيح كما لو قال لعبده المأذون قد حجرت عليك رأس الشهر فإنه يكون باطلا وهذا لأنه إنما يحتمل الإضافة إلى وقت ما يحتمل التعليق بالشرط والحجر لا يحتمل التعليق بالشرط فإنه لو قال إن كلمت فلانا فقد حجرت عليك كان هذا باطلا فكذلك لا يحتمل الإضافة إلى وقت وفرق بين هذا وبين الإذن لأنه لو قال لعبده المحجور إذا كان رأس الشهر فقد أذنت لك في التجارة فهو كما قال ولا يكون مأذونا حتى يجيء رأس الشهر لأن ذلك من باب الإطلاق والاطلاقات تحتمل الإضافة والتعليق بالشرط لأن في الإطلاق معنى إسقاط حقه عن مالية رقبته فيكون نظير الطلاق والعتاق فأما الحجر فمن باب التقييد لأنه رفع للإطلاق وهو في المعنى إحراز لمالية رقبته حتى لا يصير مستهلكا عليه بما يلحقه من الدين بعد ذلك فيكون في معنى التمليك لا يحتمل الإضافة إلى الوقت والتعليق بالشرط أو يجعل الحجر بمنزلة الرجعة بعد الطلاق وبمنزلة عزل الوكيل وعزل الوكيل لا يحتمل التعليق بالشرط في الإضافة إلى وقت بخلاف التوكيل.
وإذا أجر الرجل عبده من رجل فليس هذا بإذن منه له في التجارة لأنه إنما يؤاجره للاستخدام ولو استخدمه لنفسه لا يصير به مأذونا فكذلك إذا أجره من غيره للخدمة ولو أجره منه كل شهر بأجر معلوم على أن يبيع له البر ويشتريه جازت الإجارة لأن المعقود عليه منافعه في المدة وهي معلومة فصار العبد مأذونا له في التجارة لأنه رضي بتجارته والتزامه العهدة لسبب التجارة فما لزمه من دين فيما اشترى للمستأجر رجع به عليه لأنه في التصرف له نائب كالوكيل فيرجع عليه بما لحقه من العهدة وما لزمه من دين فيما اشتري لنفسه فهو في رقبته يباع فيه أو يفديه مولاه لأن في هذا يتصرف لنفسه لا للمستأجر إلا أن يقضي المولى عنه.

 

ج / 25 ص -18-       وللمكاتب أن يأذن لعبده في التجارة فكذلك المأذون له أن يأذن لعبده في التجارة سواء كان عليه دين أو لم يكن لأن كل واحد منهما متصرف لنفسه بفك الحجر عنه ثم الإذن في التجارة من صنيع التجار ومما يقصد به التجار تحصيل المال فيملك المأذون والمكاتب ذلك وكذلك الشريك شركة عنان له أن يأذن لعبد من شركتهما في التجارة وهو جائز على شريكه لأنه من عمل التجارة وكل واحد منهما نائب عن صاحبه فيما هو من عمل التجارة وكذلك المضارب له أن يأذن لعبد من المضاربة في التجارة لأنه فوض إلى المضارب ما هو من عمل التجارة في المال المدفوع إليه والإذن في التجارة من عمل التجارة.
واختلف مشايخنا رحمهم الله في فصل وهو أن المضارب في نوع خاص إذا أذن لعبد من المضاربة في التجارة أن العبد يصير مأذونا له في جميع التجارات أم في ذلك النوع خاصة فمنهم من يقول يصير مأذونا له في ذلك النوع خاصة لأنه إنما استفاد الإذن من المضارب والمضارب لا يملك التصرف إلا في ذلك النوع لأن المضاربة تقبل التخصيص فكذلك المأذون من جهته.
قال رضي الله عنه: والأصح عندي أن يكون مأذونا في التجارات كلها لأن السبب في حقه فك الحجر وهو لا يقبل التخصيص والعبد متصرف لنفسه فإن كان الآذن له مضاربا لا يرجع بالعهدة على المضارب ولا على رب المال لأن المضارب نائب يرجع بما يلحقه من العهدة على رب المال ورب المال لم يرض برجوعه عليه لعهدة نوع آخر من التصرف فأما هذا العبد فلا يرجع بالعهدة على رب المال فهو والمأذون من جهة مولاه سواء.
ألا ترى أن عبد المضاربة لو جنى جناية لا يكون للمضارب أن يدفعه بغير اختيار رب المال ولو أن عبدا لهذا العبد المأذون جنى جناية كان له أن يدفعه بجنايته بغير محضر من المضارب ولا من رب المال ويجعل فيه كالمأذون من جهة مولاه فهذا مثله.
وإذا أمر الرجل عبده بقبض غلة دار أو أمره يقبض كل دين له على الناس أو وكله بالخصومة منه في ذلك فليس هذا بإذن له في التجارة فكذلك إن أمره بالقيام على زرع له أو أرض أو على عمال في بناء داره أو أن يحاسب غرماءه أو أن يقاضي دينه عن الناس ويؤدي منه خراج أرضه أو يقضي عليه دينا لم يكن هو مأذونا له في التجارة بشيء من ذلك لأن ما أمره به من نوع الاستخدام لا من نوع التجارة فإنه ما فوض شيئا من عقود التجارة إلى رأيه ولا رضي منه باكتساب سبب موجب للدين في مالية رقبته فلا يصير به مأذونا.
فإن قيل: لا كذلك ففي القبض اكتساب سبب موجب للدين في مالية رقبته لو ظهر أن المقبوض مستحق.
قلنا: نعم ولكن تعلق الدين بمالية رقبته بهذا السبب لا يتوقف على إذن المولى به فإن العبد المحجور إذا قبض مالا من إنسان فهلك في يده ثم استحق كان ذلك المال دينا في ذمته ويتعلق بمالية رقبته وإنما الإذن أن يرضى المولى بتعلق الدين بمالية رقبته بسبب لولا إذنه لم

 

ج / 25 ص -19-       يتعلق ذلك الدين بمالية رقبته ولو أمره بقرية له عظيمة أن يؤاجر أرضها ويشتري الطعام ويزرع فيها ويبيع الثمار فيؤدي خراجها كان إذنا له في جميع التجارات لأنه فوض الأمر إلى رأيه في أنواع من التجارات ورضي بتعلق الديون التي تلزمه بتلك التجارات بمالية رقبته فيصير به مأذونا له في التجارات.
ولو قال لعبده:  اشتر لي البر أو الطعام أو قال اشتر لفلان البر أو الطعام فهذا إذن له في التجارة لأنه رضي بتجارته وتعلق الدين بمالية رقبته سواء أضاف ذلك إلى نفسه أو إلى غيره أو إلى العبد بأن يقول اشتر لنفسك وكذلك لو كان العبد صغيرا إلا أنه يعقل البيع والشراء في جميع ذلك وهذا عندنا وبيان هذه المسألة في الباب الذي يلي هذا في تصرفات الصبي حرا كان أو عبدا وكذلك إذن القاضي لعبده اليتيم في التجارة لأن للقاضي ولاية التجارة في مال اليتيم كما للأب ذلك وللوصي ثم إذنهما في التجارة لعبد الصبي صحيح فكذلك إذن القاضي.
وإن قال القاضي للعبد: اتجر في الطعام خاصة فاتجر في غيره فهو جائز بمنزلة إذن المولى وهذا لأنه ناب عن الصبي في ذلك ولو كان المولى بالغا فقال لعبده اتجر في البر خاصة كان له أن يتجر في جميع التجارات فكذلك إذا أذن له القاضي في ذلك وهذا لأن الإذن من القاضي ليس على وجه القضاء لأنه يملك رفعه بالحجر عليه فهو في ذلك كغيره وكذلك لو قال: له القاضي اتجر في البر خاصة ولا تتعد إلى غيره فإني قد حجرت عليك أن تعدوه إلى غيره فهو مأذون له في جميع التجارات وقول القاضي ذلك باطل لأن تقييد الإذن بنوع كان باطلا فقوله بعد ذلك فإني قد حجرت عليك أن تعدوه إلى غيره حجر خاص في إذن عام أو حجر معلق بشرط أن لا يعدوه إلى غيره وذلك باطل فإن دفع هذا العبد إلى القاضي وقد اتجر في غير ما أمر به فلحقه من ذلك دين فأبطله القاضي وقضى بذلك على الغرماء ثم رفع إلى قاض آخر أمضى قضاءه وأبطل دينهم لأنه أمضى فصلا مجتهدا فيه بقضائه وبين العلماء اختلاف ظاهر في أن الإذن في التجارة هل يقبل التخصيص وقضاء القاضي في المجتهدات نافذ وليس لأحد من القضاة أن يبطله بعد ذلك وهذا بخلاف أمره إياه في الابتداء أن لا يتصرف إلا في كذا لأن ذلك الأمر ليس بقضاء لأن القضاء يستدعي مقضيا له ومقضيا عليه ولم يوجد ذلك عند الأمر فأما قضاؤه بإبطال ديون الغرماء بعد ما لحقه فقضاء صحيح منه لوجود المقضي له والمقضي عليه فلا يكون لأحد من القضاة أن يبطله بعد ذلك وهو نظير ما لو حجر القاضي على سفيه فإن حجره لا يكون قضاء منه حتى أن لغيره من القضاة أن يبطل حجره ولو تصرف هذا السفيه بعد الحجر فرفع تصرفه إلى القاضي فأبطله كان هذا قضاء صحيحا منه حتى لا يكون له ولا لغيره من القضاة أن يصحح ذلك التصرف بعد ذلك والله أعلم بالصواب.

 

ج / 25 ص -20-       باب الإذن للصبي الحر والمعتوه
قال رحمه الله: وإذا أذن الرجل لابنه الصغير في التجارة أو في جنس منها وهو يعقل البيع والشراء فهو مأذون له في التجارات كلها مثل العبد المأذون عندنا وقال الشافعي رحمه الله: الإذن له في التجارة باطل إذا كان صغيرا أو معتوها حرا كان أو مملوكا وأصل المسألة أن عبارته صالحة للعقود الشرعية عندنا فيما يتردد بين المنفعة والمضرة وعنده هي غير صالحة حتى لو توكل بالتصرف عن الغير نفذ تصرفه عندنا ولم ينفذ عنده احتج بقوله تعالى:
{حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً} [النساء: 6] فقد شرط البلوغ وإيناس الرشد لجواز دفع المال إليه وتمكينه من التصرف فيه فدل أنه ليس بأهل للتصرف قبل ذلك قال تعالى: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً} [النساء: 5] والمراد الصبيان والمجانين أنه لا يدفع إليهم أموالهم بدليل قوله تعالى {وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ} [النساء: 5] فالإذن له في التجارة لا ينفك عن دفع المال إليه ليتجر فيه والمعنى فيه أنه غير مخاطب فلا يكون أهلا للتصرف كالذي لا يعقل وهذا لأن التصرف كلام وإنما تبني الأهلية على كونه أهلا لكلام ملزم شرعا وذلك ينبني على الخطاب.
ألا ترى أنه لعدم الخطاب بقي مولى عليه في هذه التصرفات ولو صار باعتبار عقله أهلا لمباشرتها لم يبق مولى عليه فيها لأن كونه مولى عليه لعجزه عن المباشرة لنفسه والأهلية للتصرف آية القدرة وهما متضادان فلا يجتمعان.
يوضحه: أن اعتبار عقله مع النقصان لأجل الضرورة وإنما تتحقق هذه الضرورة فيما لا يمكن تحصيله بوليه فجعل عقله في ذلك معتبرا ولهذا صحت منه الوصية بأعمال البر وخيرته بين الأبوين ولا تتحقق الضرورة فيما يمكن تحصيله بوليه فلا حاجة إلى اعتبار عقله فيه ولأن ما به كان محجورا عليه لم يزل بالإذن فإن الحجر عليه لأجل الصبا أو لنقصان عقله لا لحق الغير في ماله إذ لا حق لأحد في ماله وهذا المعنى بعد الإذن قائم والدليل عليه أن للمولى أن يحجر عليه فلو زال سبب الحجر بإذن الولي لم يكن له الحجر عليه بعد ذلك وهذا بخلاف العبد فإن الحجر هناك لحق المولى في كسبه ورقبته وبالإذن صار المولى راضيا بتصرفه في كسبه وبخلاف السفيه فالحجر عليه لمكابرة عقله وذلك ليس بوصف لازم ولا يجوز الإذن له إلا بعد زواله إلا أن إذن القاضي إياه دليل زواله.
وحجتنا في ذلك قوله تعالى:
{وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ} [النساء: 6] والابتلاء هو الامتحان بالإذن له في التجارة ليعرف رشده وصلاحه فلو تصرف بدون مباشرتهم لا يتم به معنى الابتلاء ثم علق الزام دفع المال إليه بالبلوغ وذلك عبارة عن زوال ولاية الولي عنه وبه نقول أن ذلك لا يثبت ما لم يبلغ وقال تعالى {وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ}[النساء: 2] واسم اليتيم حقيقة يتناول الصغير فعرفنا أن دفع المال إليه وتمكينه من التصرفات جائز إذا صار عاقلا،

 

ج / 25 ص -21-       والمراد بقوله: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} [النساء: 5] الذين لا يعقلون أو المراد النساء وهو أن الرجل يدفع المال لزوجته ويجعل التصرف فيه إليها وذلك منهي عنه عندنا.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر بن أبي سلمة:
"قم يا عمر فزوج أمك من رسول الله صلى الله عليه وسلم" وكان ابن سبع سنين ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن جعفر يبيع لعب الصبيان في صغره فقال: "بارك الله لك في صفقتك" فقد مكن الصبي من التصرف فدل أن عبارته صالحة لذلك والمعنى فيه أنه محجور إذن وليه له وعرفه فينفذ تصرفه كالعبد وهذا لأنه مع الصغر أهل للتصرف إذا كان عاقلا لأنه مميز والأهلية للتصرف بكونه متكلما عن تمييز وبيان لا عن تلقين وهذيان وقد صار مميزا إلا أن الحجر عليه لدفع الضرر عنه ولهذا سقط عنه الخطاب لأن في توجيه الخطاب عليه إضرارا به عاجلا.
ألا ترى أنه جعل أهلا للنوافل من الصلوات والصيام لأنه لا ضرر عليه في ذلك ولو توجه عليه الخطاب ربما لا يؤدي للحرج ويبقى في وباله وهذا لأن الصبي يقرب من المنافع ويبعد من المضار فإن الصبا سبب للمرحمة واعتبار كلامه في التصرف محض منفعة لأن الآدمي باين سائر الحيوانات بالبيان وهو من أعظم المنافع عند العقلاء وهذه منفعة لا يمكن تحصيلها له برأي المولى ولهذا صح منه من التصرفات ما يتمحض منفعة وهو قبول الهبة والصدقة فأما ما يتردد بين المنفعة والمضرة فيعتبر فيه انضمام رأي إلى رأيه لتوفير المنفعة عليه فلو نفذنا ذلك منه قبل الإذن ربما يتضرر به ويزول هذا المعنى بانضمام رأي الولي إلى رأيه ولهذا لو تصرف قبل إذن الولي فأجازه الولي جاز عندنا وهذا لأنه يتردد حاله بين أن يكون ناظرا في عاقبة أمره بما أصاب من العقل وبين أن لا يكون ناظرا في ذلك بنقصان عقله ولا يحل للولي أن يأذن له شرعا ما لم يعرف منه حسن النظر في عاقبة الأمر فكان إذن الولي له دليل كمال عقله أو حسن نظره في عاقبة أمره كإذن القاضي للسفيه بعد الحجر عليه أو فيه توفير المنفعة عليه حين لزم التصرف بانضمام رأي الولي إلى رأيه فإذا اعتبرنا عقله في هذا الوجه اتسع توفير طريق المنفعة عليه لأنه يحصل له منفعة التصرف بمباشرته وبمباشرة وليه وذلك أنفع له من أن يسد عليه أخذ الناس ويجعل لتحصيل هذه المنفعة طريقا واحدا إلا أن نظره في عاقبة الأمر ووفور عقله متردد قبل بلوغه فلاعتبار وجوده ظاهرا يجوز للولي أن يأذن له ولتوهم القصور فيه يبقي ولاية الولي عليه ويتمكن من الحجر عليه بعد ذلك وهو كالسفيه فإن القاضي بعد ما أطلق عنه الحجر إذا أراد أن يحجر عليه جاز ذلك لهذا المعنى.
إذا عرفنا هذا فنقول إقراره بعد إذن الولي له بعين أو دين لغيره صحيح لأنه صار منفك الحجر عنه بالإذن فهو كما لو صار منفك الحجر عنه بالبلوغ وهذا إشكال الخصم علينا فإنه يقول إقرار الولي عليه باطل فكيف يستفيد هو بإذن الولي ما لا يملك الولي مباشرته ولكنا نقول الولي إنما لا يملك مباشرته لأنه لا يتحقق ذلك منه فالإقرار قول من المرء على نفسه وما ثبت على الغير فهو شهادة وإقرار الولي على الصبي قول على الغير فيكون

 

ج / 25 ص -22-       شهادة وشهادة الفرد لا يكون حجة فأما قوله بعد الإذن إقرار منه على نفسه وهو من صنيع التجار ومما لا تتم التجارة إلا به لأن الناس إذا علموا أن إقراره لا يصح يتحرزون عن معاملته فمن يعامله لا يتمكن من أن يشهد عليه شاهدين في كل تصرف فلهذا جاز إقراره في ظاهر الرواية وكما يجوز إقراره فيما اكتسبه يجوز فيما ورثه عن أبيه وفي رواية الحسن عن أبي حنيفة لا يجوز إقراره فيما ورثه عن أبيه لأن صحة إقراره في كسبه لحاجته إلى ذلك في التجارات وهذه الحاجة تنعدم في الموروث من أبيه.
وجه ظاهر الرواية: أن انفكاك الحجر عنه بالإذن في حكم إقراره بمنزلة انفكاك الحجر عنه بالبلوغ بدليل صحة إقراره فيما اكتسبه فكذلك فيما ورثه لأن كل واحد من المالين ملكه وهو فارغ عن حق الغير وهذا لأنه إذا انضم رأي الولي إلى رأيه التحق بالبالغ ولهذا نفذ أبو حنيفة رحمه الله: تصرفه بعد الإذن في الغبن الفاحش على ما نبينه في موضعه فكذلك في حكم الإقرار يلتحق بالبالغ ثم صحة الإذن له من وليه ووليه أبوه ثم وصى الأب ثم الجد أب الأب ثم وصيه ثم القاضي أو وصي القاضي فأما الأم أو وصي الأم فلا يصح الإذن منهم له في التجارة لأنه غير ولي له في التصرفات مطلقا بل هو كالأجنبي إلا فيما يرجع إلى حفظه ولهذا لا يملك بيع عقاره والإذن في التجارة ليس من الحفظ فلهذا لا يملكه.
ولو أقر الصبي المأذون بغصب أو استهلاك في حال إذنه أو أضافه إلى ما قبل الإذن جاز إقراره بذلك لأن ضمان الغصب والاستهلاك من جنس ضمان التجارة ولهذا صح إقراره به من العبد المأذون وكان مؤاخذا به في الحال وانفكاك الحجر عنه بالإذن كانفكاك الحجر عنه بالبلوغ ولو أقر بعد البلوغ أنه فعل شيئا من ذلك في صغره كان مؤاخذا به في الحال فكذلك إذا أقر بعد الإذن ولو كاتب هذا الصبي مملوكه لم يجز لأنه منفك الحجر عنه في التجارة والكتابة ليست من عقود التجارة.
ألا ترى أن العبد المأذون لا يملكها ولا يقال فالأب والوصي يملك الكتابة في عبد الصبي وهذا لأن تصرفهما مقيد بشرط النظر ويتحقق في الكتابة النظر وأما تصرف الصبي بعد الإذن فمقيد بالتجارة والكتابة ليست بتجارة ولهذا لا يملك الصبي المأذون تزويج أمته في قول أبي حنيفة ومحمد وإن كان الأب والوصي يملكان ذلك.
وأما تزويج العبد فلا يملكه الصبي لأنه ليس بتجارة ولا يملك أبوه ووصيه لأنه ليس فيه نظر للصبي بل فيه تعييب العبد وإلزام المهر والنفقة عليه من غير منفعة للصبي فيه وكذلك لو كبر الصبي فأجازه لم يجز لأنه إنما يتوقف على الإجازة ماله مجيز حال وقوعه ولا مجيز لهذا التصرف حال وقوعه فتعين فيه جهة البطلان وكذلك العتق على مال لا يصح من الصبي لأنه ليس من التجارة ولا من الولي لأنه لا منفعة للصبي في ذلك بل فيه ضرر به من حيث إنه يزول ملكه في الحال ببدل في ذمة مفلسه.
ولو أجازه الصبي بعد الكبر لم يجز لأنه لا مجيز له عند وقوعه وكذلك لو فعله

 

ج / 25 ص -23-       أجنبي بخلاف ما لو زوج الأجنبي أمته أو كاتب عبده فأجازه الصبي بعد ما كبر فهو جائز لأن لهذا التصرف مجيزا حال وقوعه وهو وليه والولي في الإجازة ناظر له فإذا صار من أهل أن يستبد بالنظر لنفسه نفذ بإجازته وهذا هو الأصل فيه أن كل شيء لا يجوز للأب والوصي أن يفعلاه في مال الصبي فإذا فعله أجنبي فأجازه الصبي بعد ما كبر فهو جائز لأن الإجازة في الانتهاء كالإذن في الابتداء وهذه التصرفات تنفذ بالإذن في الابتداء ممن قام رأيه مقام رأي الصبي فينفذ بالإجازة في الانتهاء من ذلك الأذن أو من الصبي بعد ما كبر لأنه هو الأصل في هذا النظر.
ولو زوج هذا الصبي عبده أمته أو فعل ذلك أبوه أو وصيه لم يجز عندنا خلافا لزفر وقد بيناه في كتاب النكاح.
قال: ألا ترى أن الأمة لو بيعت فأعتقت لحق العبد نفقتها فدل على أنه لا ينفك عن معنى الضرر في حق الصبي ويستوي في ذلك إن كان على الصبي دين أو لم يكن لأن الدين في ذمته وولاية الولي عليه لا تتعين بلحوق الدين إياه بخلاف العبد.
ولو كان للصبي امرأة فخلعها أبوه أو أجنبي أو طلقها أو أعتق عبده ثم أجاز الصبي بعد ما كبر فهو باطل لأنه لا مجيز لهذا التصرف عند وقوعه فالطلاق والعتاق محض ضرر عاجل في حقه فلا يعتبر فيه عقله ولا ولاية الولي عليه لأن ثبوت الولاية عليه لتوفير المنفعة له لا للإضرار به وإذا قال حين كبر قد أوقعت عليها الطلاق الذي أوقع عليها فلان أو قد أوقعت على العبد ذلك العتق الذي أوقعه فلان وقع الطلاق والعتاق لأن هذا اللفظ إيقاع مستقبل.
ألا ترى أنه يملك الإيقاع ابتداء بهذا اللفظ فيكون إضافته إلى أوقع فلان لتعريف العدد والصفة لا أن يكون أصل الإيقاع من فلان لكنه من الموقع في الحال وهو من أهله بخلاف الإجازة منه فإن الإجازة تقيد للتصرف الذي باشره فلان.
ألا ترى أن إيقاع الطلاق والعتاق بلفظ الإجازة منه لا يصح ابتداء وقد تعينت جهة البطلان فيما باشره قبل بلوغه فإجازته لذلك بعد البلوغ تكون لغوا.
وإذا باع الصبي وهو يعقل البيع عبدا من رجل بألف درهم وقبض الثمن ودفع العبد ثم ضمن رجل للمشتري ما أدركه في العبد من درك فاستحق العبد من يد المشتري فإن كان الصبي مأذونا رجع المشتري بالثمن إن شاء على الصبي وإن شاء على الكفيل لأن الكفالة التزام المطالبة بما على الأصيل فالصبي المأذون مطالب بضمان الدرك عند الاستحقاق فيصح التزام الكفيل عنه ذلك ويتخير المشتري فإن رجع على الكفيل رجع الكفيل على الصبي إن كان كفل بأمره لأن هذه الكفالة تبرع على الصبي لا منه وهو في التبرع عليه كالبالغ وأمر الغير بالكفالة معتبر إذا كان مأذونا بمنزلة استقراضه وإن كان الصبي محجورا عليه فالضمان عنه باطل لأنه غير مطالب بضمان الاستحقاق فالكفيل عنه التزم مالا مطالبة عليه فيه فلهذا لا يجب على الكفيل شيء ولا على الصبي أيضا إن كان الثمن قد هلك في يده أو استهلكه،

 

ج / 25 ص -24-       لأن فعله كان بتسليط صحيح من المشتري حين سلم الثمن إليه وإن كان قائما بعينه في يده أخذه المشتري لأنه وجد عين ماله وإن كان الرجل ضمن للمشتري في أصل الشراء أو ضمنه قبل أن يدفع المشتري الثمن إلى الصبي ثم وقع الثمن على لسان الكفيل ثم استحق العبد من يده فالضمان جائز ويأخذ المشتري الكفيل بالثمن لأن المشتري إنما سلم الثمن إلى الصبي على أن الكفيل ضامن له فتسليمه على هذا الشرط صحيح لأن الكفيل ملتزم لهذا الضمان وهو من أهله بخلاف الأول فهناك الدفع حصل على أن الصبي ضامن له والصبي المحجور ليس من أهل التزام هذا الضمان ثم الكفيل بعد ذلك التزم مطالبة ليست على الأصيل فكان باطلا.
ألا ترى أن رجلا لو قال لرجل ادفع إلي هذا الصبي عشرة دراهم ينفقها على نفسه على أني ضامن لها حتى أردها عليك والصبي محجور عليه ففعل كان ضمانها على الكفيل ولو كان دفع الدراهم أولا إلى الصبي وأمره أن ينفقها على نفسه ثم ضمنها له رجل بعد الدفع كان ضمانه باطلا والفرق ما بينا.
وإذا اشترى الصبي المأذون عبدا فأذن له في التجارة فهو جائز لأن الإذن في التجارة من صنيع التجار ومما يقصد به تحصيل الربح ولهذا صح من العبد المأذون فكذلك من الصبي المأذون وكذلك لو أذن له أبوه أو وصيه في التجارة لأن تصرفهما في كسبه وأن مأذونا صحيح بمنزلة البيع والشراء سواء كان على الصبي دين أو لم يكن لأن دين الحر في ذمته لا تعلق له بماله بخلاف دين المأذون فإنه يتعلق بكسبه ويصير المولى من التصرف في كسبه كأجنبي آخر إذا كان الدين مستغرقا وإذن القاضي أو الوالي الذي استعمل القاضي لعبد الصبي في التجارة صحيح بمنزلة إذنه للصبي لأن ولاية التصرف عليه فيما يرجع إلى النظر له ثابت عند عدم الأب والوصي للقاضي أو الوالي وإذن أمير الشرط ومن لم يول القضاء له في ذلك باطل لأنه لا ولاية لهؤلاء عليه في التصرف في نفسه وماله والمعتوه الذي يعقل البيع والشراء بمنزلة الصبي في جميع ذلك لأنه مولى عليه كالصبي ولكنه يعقل التصرف وفي اعتبار عقله توفير المنفعة عليه كما قررنا في الصبي وهذا بخلاف التخيير بين الأبوين فإنه لا يعتبر عقل الصبي في ذلك عندنا لأن الظاهر أنه يختار ما يضره لأنه يميل إلى من لا ينفعه ولا يؤاخذه بالآداب فلم يكن في هذا التخيير توفير المنفعة عليه ولهذا لا يعتبر عقله في باب الوصية لأن الوصية ليست من التصرفات التي فيها المنفعة له باعتبار الوضع بل هو نظير الهبة في حياته.
وإن كان المعتوه لا يعقل البيع والشراء فأذن له أبوه أو وصيه في التجارة لا يصح لأنه بمنزلة الصبي الذي لا يعقل يتكلم عن هذيان لا عن بيان ولو أذن للمعتوه الذي يعقل البيع والشراء في التجارة ابنه كان باطلا لأنه لا ولاية للابن على الأب في التصرف في ماله وقد بينا أن الإذن في التجارة لا يصح ممن لا يثبت له ولاية التصرف مطلقا وعلى هذا لو أذن له أخوه أو عمه أو واحد من أقربائه سوى الأب والجد فإذنه باطل لما قلنا.

 

ج / 25 ص -25-       باب الحجر على الصبي والعبد والمعتوه
قال رحمه الله: وإذا باع العبد المأذون له في التجارة واشترى فلحقه دين أو لم يلحقه ثم أراد مولاه أن يحجر عليه فليس يكون الحجر عليه إلا في أهل سوقه عندنا وقال الشافعي صحيح وإن لم يعلم به أحد من أهل سوقه وهو بناء على مسألة الوكالة أن عزل الوكيل لا يصح إلا بعلمه عندنا وعنده يصح بغير علمه فكذلك الحجر على العبد عنده يصح بغير علم العبد وبغير علم أهل السوق له لأن الإذن عنده إنابة كالتوكيل وهذا لأن المولى يتصرف في خالص حقه فلا يتوقف تصرفه على علم الغير به ولأن الإذن لا يتعلق به اللزوم فلو لم يملك الحجر عليه إلا في أهل سوقه لثبت به اللزوم من وجه ثم الإذن صحيح وإن لم يعلم به أهل سوقه فكذلك الحر الذي يرفعه وعزل الوكيل صحيح بعلمه وإن لم يعلم به من يعامله فكذلك الحجر على العبد ولكنا نشترط علم أهل السوق لدفع الضرر والغرور عنهم فإن الإذن عم وانتشر فيهم فهم يعاملونه بناء على ذلك.
فلو صح الحجر بغير علمهم تضرروا به لأن العبد إن اكتسب ربحا أخذه المولى وإن لحقه دين أقام البينة إن كان قد حجر عليه فتتأخر حقوقهم إلى ما بعد العتق ولا ندري أيعتق أم لا ومتى يعتق والمولى بتعميم الإذن يصير كالفار لهم فلدفع الضرر قلنا: لا يثبت الحجر ما لم يعلم به أهل سوقه ثم هو بالحجر يلزمهم التحرز عن معاملته والخطاب الملزم للغير لا يثبت حكمه في حقه ما لم يعلم به كخطاب الشرع.
ألا ترى أن أهل قباء كانوا يصلون إلى بيت المقدس بعد الأمر باستقبال الكعبة وجوز لهم ذلك لأنهم لا يعلمون به وهذا لأنه لا يتمكن من الائتمار إلا بعد العلم به إلا أن في الوكالة شرطنا علم الوكيل لدفع الضرر عنه ولا يشترط علم أهل السوق لأنه لا ضرر عليهم في العزل فإن تصرفهم معه نافذ سواء كان وكيلا أو لم يكن ثم الحجر رفع الإذن وإنما يرفع الشيء ما هو مثله أو فوقه فإذا كان الإذن منتشرا لا يرفعه إلا حجر منتشر وكان ينبغي أن يشترط إعلام جميع الناس بذلك إلا أن ذلك ليس في وسع المولى والتكليف ثابت بقدر الوسع والذي في وسعه إشهار الحجر بأن يكون في أهل سوقه لأن أكثر معاملاته مع أهل سوقه وما ينتشر فيهم يصل خبره إلى غيرهم عن قريب فإن حجر عليه في بيته ثم باع العبد أو اشترى ممن قد علم بذلك فبيعه وشراؤه جائز لأن شرط صحة الحجر التشهير ولم يوجد فلا يثبت حكمه في حق من علم به كما لا يثبت في حق من لم يعلم به وهذا لأن الحجر لا يقبل التخصيص كالإذن ولم يمكن إثباته في حق من لم يعلم به فلو ثبت في حق من علم به كان حجرا خاصا وذلك لا يكون.
ألا ترى أنه لو أذن له في أن يشتري ويبيع من قوم بأعيانهم ونهاه عن آخرين فبايع الذين نهاه عنهم كان جائزا وهذا بخلاف خطاب الشرع فإن حكمه ثبت في حق من علم به لأن الخطاب مما يقبل التخصيص وكل واحد من المخاطبين الحكم في حقه كأنه ليس معه غيره.

 

ج / 25 ص -26-       وإذا أتى المولى بعبده إلى أهل سوقه فقال قد حجرت على هذا فلا تبايعوه كان هذا حجرا عليه لأن المولى أتى بما في وسعه وهو تشهير الحجر فيقام ذلك مقام علم جميع أهل السوق به بمنزلة الخطاب بالشرائع فإن الذمي إذا أسلم ولم يعلم بوجوب الصلاة عليه حتى مضى زمان يلزمه القضاء لإشهار حكم الخطاب في دار الإسلام والحربي إذا أسلم في دار الإسلام لا يلزمه القضاء ما لم يعلم لأن حكم الخطاب غير منتشر في دار الحرب ثم المولى قد أنذرهم بما أتى به من الحجر عليه في أهل سوقه وقد أعذر من أنذر فيخرج به من أن يكون غارا لهم أو مضرا بهم بعد ذلك ولكن هذا إذا كان بمحضر الأكثر من أهل سوقه. فإن كان إنما حضر ذلك من أهل سوقه رجل أو رجلان لم يكن ذلك حجرا حتى يحضر الأكثر من أهل سوقه لأن المقصود ليس عين السوق.
ألا ترى أنه لو أتى به إلى سوقه ليلا وجعل ينادي قد حجرت على هذا لم يكن ذلك معتبرا فعرفنا أن المقصود علم أهل السوق وليس في وسعه إعلام الكل فيقام الأكثر مقام الكل فإذا حضر ذلك الأكثر من أهل سوقه يجعل ذلك كحضور جماعتهم فثبت حكم الحجر في حق من علم به وفي حق من لم يعلم به وإن لم يحضر ذلك أكثر أهل السوق جعل كأنه لم يحضر أحد منهم.
ألا ترى أنه لو دعا برجل من أهل سوقه إلى بيته وحجر عليه بمحضر منه لم يكن حجرا ولو دعا إلى منزله جماعة من أهل سوقه فأشهدهم أنه قد حجر عليه كان حجرا وهذا لأن ما يكون بمحضر من الجماعة قل ما يخفى فأما ما يكون بمحضر الواحد والمثنى فقد يخفى على الجماعة وشرط صحة الحجر تشهيره فإذا كان عند جماعة من أهل سوقه فقد وجد شرطه.
ولو خرج العبد إلى بلد للتجارة فأتى المولى أهل سوقه فأشهدهم أنه قد حجر عليه والعبد لا يعلم بذلك لم يكن هذا حجرا عليه لأنه إنما خرج ليعامل غير أهل سوقه فبإعلام أهل السوق لا يتم معنى دفع الضرر والغرور ولأن علم العبد بالحجر شرط لثبوت حكم الحجر في حقه كعلم الوكيل بالغرور وهذا لأن العبد يتضرر لصحة الحجر عليه قبل علمه لأنه يتصرف على أن يقضي ديونه من كسبه ورقبته فإذا لحقه دين وأقام المولى البينة أنه قد كان حجر عليه تأخر ديونه إلى عتقه وبعد العتق يلزمه أداؤها من خالص ماله وفيه من الضرر عليه ما لا يخفى.
وكذلك لو كان العبد في المصر ولكنه لم يعلم بالحجر فليس هذا بحجر عليه بل ينفذ تصرفه مع أهل سوقه ومع غيرهم ما لم يعلم بالحجر فإذا علم العبد بذلك بعد يوم أو يومين فهو محجور عليه حين علم وما اشترى وباع قبل أن يعلم فهو جائز لأن شرط صحة الحجر علمه به فكل تصرف سبق ما هو شرط الحجر فهو كالتصرف الذي سبق الحجر وكل تصرف كان بعد علمه بالحجر فهو باطل لأن دفع الضرر والغرور قد حصل بعلمه بالحجر فإن كان المولى يراه يشتري ويبيع بعد ما حجر عليه قبل أن يعلم به العبد فلم ينهه ثم علم به العبد

 

ج / 25 ص -27-       فباع أو اشترى بعد علمه فالقياس في هذا أن يكون محجورا وأن لا تكون رؤيته إياه يبيع ويشتري إذنا مستقبلا لأنه كان مأذونا على حاله حين رآه يشتري ويبيع والسكوت عن النهي دليل الرضا فإنما يعتبر ذلك في حق من لا يكون مأذونا لرفع الحجر به فأما في حق من هو مأذون فسكوته عن النهي وجودا وعد ما بمنزلته ولكنه استحسن وجعل ذلك إذنا من المولى له في التجارة وإبطالا لما كان أشهد به من الحجر لأن الحجر كان موقوفا على علم العبد به والحجر الموقوف دون الحجر النافذ ثم رؤيته تصرف العبد وسكوته عن النهي لما كان رافعا للحجر النافذ الذي قد علمه العبد فلأن يكون رافعا للحجر الموقوف أولى وهذا لأن السكوت بمنزلة الإذن الصريح.
ولو قال بعد ذلك الحجر: قد أذنت لك في التجارة كان هذا إذنا مبطلا لذلك الحجر الموقوف فكذلك إذا سكت عن النهي فإن ذلك الحجر كان لكراهة تصرفه والسكوت عن النهي بعد الرؤية دليل الرضا بتصرفه والرضا بعد الكراهة كامل وإذا أذن له في التجارة ولم يعلم بذلك أحد سوى العبد حتى حجر عليه بعلم منه بغير محضر من أهل سوقه فهو محجور عليه لوصول الحجر إلى من وصل إليه الإذن وهو العبد فبه تبين أن الحجر مثل الإذن والشيء يرفعه ما هو مثله ثم اشتراط علم أهل السوق بالحجر كان لدفع الضرر والغرور عنهم وذلك المعنى لا يوجد هنا لأنهم لم يعلموا بالإذن ليعاملوه بناء على ما علموه
فإن علم بعد ذلك أهل سوقه بإذنه ولم يعلموا بالحجر عليه فالحجر صحيح لأنه لما كان الحجر قبل علمهم بالإذن فقد بطل به حكم ذلك الإذن وإنما علموا بعد ذلك بإذن باطل بخلاف ما لو علموا بالإذن قبل قول المولى حجرت عليه ولكنهم لم يعاملوه حتى كان الحجر من المولى عليه لأن الحجر ها هنا باطل ما لم يعلم به أهل سوقه لأن الإذن قد انتشر فيهم حين علموا به فلا يبطله إلا حجر منتشر فيهم.
ولو لم يعلم بالإذن غير العبد ثم حجر عليه والعبد لا يعلم به فاشترى وباع كان مأذونا والحجر باطل لأنه ما وصل الحجر إلى من وصل إليه الإذن وهو العبد وهو نظير عزل الوكيل فإنه إذا علم بالوكالة ولم يعلم بالعزل لا يصير معزولا سواء كان الوكيل عبدا له أو حرا فكذلك حكم الحجر.
وإذا أذن العبد في التجارة فاشترى وباع وهو لا يعلم بإذن المولى ولم يعلم به أحد فليس هو بمأذون ولا يجوز شيء من تصرفاته لأن حكم الخطاب لا يثبت في حق المخاطب ما لم يعلم به خصوصا إذا كان ملزما إياه وهذا خطاب ملزم لأنه لا يطالب بعهدة تصرفاته قبل الإذن في الحال ويطالب بذلك بعد الآن فكما لا يثبت حكم الحجر في حقه ما لم يعلم به لدفع الضرر عنه فكذلك حكم الإذن فإن علم بعد ذلك فباع واشترى جاز ما فعله بعد العلم بالإذن ولم يجز ما قبله لأنه حين علم فإنما تم شرط الإذن في حقه الآن وكأنه أذن له في الحال فلا يؤثر هذا الإذن فيما كان سابقا عليه من تصرفاته.

 

ج / 25 ص -28-       ولو أمر المولى قوما أن يبايعوه فبايعوه والعبد لا يعلم بأمر المولى كان شراؤه وبيعه معهم جائزا هكذا ذكر هنا وفي الزيادات قال إذا قال الأب لقوم بايعوا ابني والابن لا يعلم بذلك فإن أخبروه بمقالة الأب قبل أن يبايعوه نفذ تصرفهم معه وإن لم يخبروه لم ينفذ.
وفي الوكالة ذكر المسألة في الموضعين إذا قال اذهب فاشتر عبدي هذا من فلان قال في أحد الموضعين إن أعلمه بمقالة الموكل صح شراؤه منه وقال في الموضع الآخر وإن لم يعلمه ذلك ولكنه اشتراه منه جاز شراؤه فقيل في الفصول كلها روايتان في إحدى الروايتين الإذن في الابتداء كالإجازة في الانتهاء وإجازته كاملة في نفوذ التصرف سواء علم به من باشر التصرف أو لم يعلم وكذلك أمره بالتصرف في الابتداء وفي الرواية الأخرى قال هو ملزم في حق المتصرف والإلزام لا يثبت في حقه ما لم يعلم به وقيل إنما اختلف الجواب لاختلاف الموضوع ففي الزيادات وضع المسألة في الحر وليس للأب ولاية إلزام الدين في ذمة أبيه فما لم يعلم الابن بإذن الأب لا ينفذ التصرف في حقه وللولي ولاية شغل مالية عبده بدينه.
ألا ترى أنه يرهنه بالدين فيصح والحاجة إلى الإذن ها هنا لتعلق الدين بمالية الرقبة لا لثبوته في العبد فالدين بالمعاملة يجب في ذمته وإن كان محجورا عليه حتى يؤاخذ به بعد العتق ولهذا صح تصرف من أمره المولى بالمعاملة معه وإن لم يعلم العبد بمقالة المولي وقد قررنا تمام هذا في الزيادات فإن اشترى العبد بعد ذلك من غيرهم وباع فهو جائز لأن من ضرورة الحكم بنفوذ تصرفه مع الذين أمرهم المولى بمبايعته الحكم بأنه مأذون والإذن لا يقبل التخصيص فإذا ثبت في حق البعض ثبت في حق الكل.
ولو كان الذين أمرهم المولى أن يبايعوه لم يفعلوا وبايعه غيرهم وهم لا يعلمون بإذن المولى والعبد لا يعلم به أيضا كانت مبايعتهم إياه باطلة وهو محجور عليه على حاله لأن بمجرد مقالة المولى لا يصير العبد مأذونا قبل أن يعلم به ولكن ثبت حكم الإذن في حق الذين أمرهم بمبايعته ضمنا لتصرفهم معه للحاجة إلى دفع الضرر والغرور عنهم وما ثبت ضمنا لشيء لا يثبت قبله وثبوت حكم الإذن في حق سائر الناس كان لضرورة الحكم بنفوذ تصرفه مع الذين أمرهم المولى بمبايعته فلا يثبت ذلك قبل تصرفه معهم فإن بايعه بعد ذلك الذين أمرهم المولى ثم بايع العبد بعدهم قوما آخرين جازت مبايعته مع الذين أمرهم الذين أمرهم المولى بها ومع من بايعهم بعدهم ولم تصح المبايعة التي كانت قبل ذلك.
أما نفوذ مبايعته مع الدين أمرهم المولى بها فللحاجة إلى دفع الضرر والغرور عنهم ونفوذه من بعدهم فلأن الإذن لا يقبل التخصيص ولا يوجد ذلك في حق الذين كان عاملهم قبل ذلك وكان الإذن في
حق الذين أمرهم ثبت حكمه مقصودا وفي حق غيرهم تبع والتبع يتبع الأصل ولا يسبقه.

 

ج / 25 ص -29-       وإذا باع المولى العبد المأذون وعليه دين أو لا دين عليه وقبضه المشتري فهذا حجر عليه علم به أهل سوقه أو لم يعلموا لأن المشتري بالقبض قد ملكه فإن قيام الدين على العبد يمنع لزوم البيع بدون رضا الغرماء ولكن لا يمنع وقوع الملك للمشتري إذا قبضه لأن ذلك لا يزيل تمكن الغرماء من نقضه ولهذا لو أعتقه المشتري كان عتقه نافذا وانفكاك الحجر عنه كان في ملك المولى وملك المشتري ملك متجدد ثابت بسبب متجدد فلا يمكن إظهار حكم ذلك الإذن فيه فيثبت الحجر لفوات محل الإذن وذلك أمر حكمي فلا يتوقف على علم أهل السوق به كما لو أعتق العبد الذي كان وكل الوكيل ببيعه فإنه ينعزل الوكيل وإن لم يعلم به.
وكذلك لو وهبه لرجل وقبضه الموهوب له لأن الملك تجدد للموهوب له وكذلك لو مات المولى يصير العبد محجورا عليه علم بذلك أهل سوقه أو لم يعلموا لأن صحة الإذن باعتبار رأي المولى وقد انقطع رأيه بالموت وحكم الإذن هو الرضا من المولى بتعلق الدين بمالية رقبته وقد صار ملك المالية بموته حق ورثته وجدد لهم صفة المالية في مالية رقبته وإن كان الملك هو الذي كان للمولى ولكن رضا المولى غير معتبر في إبطال حق ورثته عن مالية الرقبة فلتحقق المنافي قلنا: لا يبقى حكم الإذن بعد موت المولى.
وإذا أشهد المولى أهل سوقه أنه قد حجر على عبده وأرسل إلى العبد به رسولا أو كتب به إليه كتابا فبلغه الكتاب أو أخبره الرسول فهو محجور عليه حين بلغه ذلك لأن عبارة الرسول كعبارة المرسل والكتاب أحد اللسانين وهو ممن يأتي كالخطاب ممن دنا.
ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مأمورا بالتبليغ إلى الناس كافة؟ ثم كتب إلى ملوك الآفاق وأرسل إليهم من يدعوهم إلى دين الحق وكان ذلك تبليغا تاما منه صلى الله عليه وسلم وإن أخبره بذلك رجل لم يرسله مولاه لم يكن حجرا في قياس قول أبي حنيفة رحمه الله: حتى يخبره به رجلان أو رجل عدل يعرفه العبد.
وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله من أخبره بذلك من رجل أو امرأة أو صبي صار محجورا عليه بعد أن يكون الخبر حقا وهذا الخلاف في فصول منها عزل الوكيل ومنها سكوت البكر إذا أخبرها الفضولي بالنكاح ومنها سكوت الشفيع عن الطلب إذا أخبره فضولي بالبيع ومنها اختيار الفداء إذا أعتق المولى عبده الجاني بعد ما أخبره فضولي بجنايته فطريقهما في الكل أن هذا من باب المعاملات وخبر الواحد في المعاملات مقبول وإن لم يكن عدلا كما لو أخبر بالوكالة وبالإذن للعبد وهذا لأن في اشتراط العدالة في هذا الخبر ضرب حرج فكل أحد لا يتمكن من إحضار عدل عند كل معاملة ولهذا سقط اشتراط العدد فيه بخلاف الشهادات فلذلك يسقط اعتبار العدالة فيه.
ومتى كان الخبر حقا فالمخبر به كأنه رسول المولى لأن المولى حين حجر عليه بين يديه فكأنه أمره أن يبلغه الحجر دلالة والدلالة في بعض الأحكام كالصريح خصوصا فيما بنى

 

ج / 25 ص -30-       على التوسع ولو أرسله لم يشترط فيه صفة العدالة فكذلك ها هنا وأبو حنيفة رحمه الله: استدل بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6] فقد أمر الله بالتوقف في خبر الفاسق وذلك منع من العمل بخبر الفاسق فلو أثبتنا الحجر والعزل بخبر الفاسق لكان ذلك حكما يخالف النص بخلاف الرسول فإنه ثابت عن المرسل فعبارة الرسول كعبارة المرسل فأما الفضولي فليس بنائب عن المولى لأنه ما أنابه مناب نفسه فيبقى حكم الخبر مقصورا عليه وهو فاسق فكان الواجب التوقف في خبره بالنص ثم هذا خبر ملزم لأنه يلزم العبد الكف عن التصرف والشفيع طلب المواثبة والبكر حكم النكاح والمولى حكم اختيار الفداء وخبر الفاسق لا يكون ملزما كخبره في الديانات بخلاف إخباره بالوكالة والإذن فإن ذلك غير ملزم لأنه بالخيار إن شاء تصرف وإن شاء لم يتصرف وتقرير هذه أن لهذا الخبر شبهين شبه رواية الإخبار من حيث إلزام العمل به وشبه الإخبار بالوكالة من حيث إنه معاملة وما تردد بين أصلين يوفر حظه عليهما فلاعتبار معنى الإلزام شرطنا فيه العدالة ولشبهه بالمعاملات لا يشترط فيه العدد.
واختلف مشايخنا رحمهم الله فيما إذا أخبره بذلك فاسقان فمنهم من يقول لا يصير محجورا عليه أيضا لأن خبر الفاسقين كخبر فاسق واحد في أنه لا يكون ملزما وأنه يجب التوقف فيه ومن اختار هذا الطريق قال معنى اللفظ المذكور في الكتاب حتى يخبره رجلان أو رجل عدل فإن قوله عدل يصلح نعتا للواحد والمثنى يقال رجل عدل ورجال عدل ومنهم من يقول إذا أخبره بذلك فاسقان صار محجورا عليه فظاهر هذا اللفظ يدل عليه فإنه أطلق الرجلين وإنما قيد بالعدالة الواحد وهذا لأنه يشترط في الشهادة العدد والعدالة لوجوب القضاء بها وتأثير العدد فوق تأثير العدالة.
ألا ترى أن قضاء القاضي بشهادة الواحد لا ينفذ وبشهادة الفاسقين ينفذ وإن كان مخالفا للسنة ثم إذا وجدت العدالة ها هنا بدون العدد يثبت الحجر بالخبر فكذلك إذا وجد العدد دون العدالة وهذا لأن طمأنينة القلب تزداد بالعدد كما تزداد بالعدالة ويختلفون على قول أبي حنيفة في الذمي أسلم في دار الحرب إذا أخبره فاسق بوجوب الصلاة عليه هل يلزمه القضاء باعتبار خبره فمنهم من يقول ينبغي أن لا يجب القضاء عندهم جميعا لأن هذا من إخبار الدين والعدالة شرط بالاتفاق وأكثرهم على أنه على الخلاف كما في الحجر والعزل.
قال رضي الله عنه: والأصح عندي أنه يلزمه القضاء ها هنا لأن من أخبره فهو رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتبليغ قال عليه السلام:
"نضر الله امرأ سمع منا مقالة فوعاها كما سمعها ثم أداها إلى من لم يسمعها" وقد بينا في خبر الرسول أنه بمنزلة خبر المرسل ولا يعتبر في الإلزام أن يكون المرسل عدلا فكذلك ها هنا ولا يدخل على هذا رواية الفاسق الإخبار لأن هناك لا يظهر رجحان جانب الصدق في خبره وبذلك يتبين كون المخبر به حقا وها هنا نحن نعلم أن ما أخبره به حق فيثبت حكمه في حق من أخبره الفاسق به حتى يلزم القضاء فيما يتركه بعد ذلك.

 

ج / 25 ص -31-       وإذا أبق العبد المأذون له في التجارة فإباقه حجر عليه وقال زفر رحمه الله: لا يصير محجورا عليه بالإباق لأن صحة الإذن باعتبار ملك المولى وقيام رأيه ولم يختل ذلك بإباقه والدليل عليه أن الإباق لا ينافي ابتداء الإذن فإن المحجور عليه إذا أبق فأذن له المولى في التجارة وعلم به العبد كان مأذونا وما لا يمنع ابتداء الإذن لا يمنع بقاءه بطريق الأولى ولكنا نقول لما جعل دلالة الإذن كالتصريح به فكذلك دلالة الحجر كالتصريح بالحجر وقد وجدت دلالة الحجر بعد إباقه لأن الظاهر أن المولى إنما يرضى بتصرفه ما بقي تحت طاعته ولا يرضى بتصرفه بعد تمرده وإباقه ولهذا صح ابتداء الإذن بعد الإباق لأنه يسقط اعتبار الدلالة عند التصريح بخلافه.
يوضحه: أن حكم الإذن رضا المولى بتعلق الدين بمالية رقبته وقد توت المالية فيه بالاتفاق ولهذا لا يجوز فيه شيء من التصرفات التي تنبني على ملك المالية فكان هذا وزوال ملك المولى عنه في المعنى سواء.
يوضحه: أن المولى لو تمكن منه أوجعه عقوبة جزاء على فعله وحجر عليه فإذا لم يتمكن منه جعله الشرع محجورا عليه كالمرتد اللاحق بدار الحرب لو تمكن منه القاضي موته حقيقة بالقتل ويقسم ماله بين ورثته فإذا لم يتمكن من ذلك جعله الشرع كالميت حتى يقسم القاضي ماله بين ورثته فإن بايعه رجل بعد الإباق ثم اختلفا فقال المولى كان آبقا وقال من بايعه لم يكن آبقا لم يصدق المولى على إباقه إلا ببينة لأن كونه مأذونا معلوم وسبب الحجر الطارئ عليه متنازع فيه فالقول قول من ينكره.
ألا ترى أن المولى لو ادعى أنه كان حجر عليه أو كان باعه من إنسان قبل مبايعة العبد مع هذا الرجل لا يصدق في ذلك إلا ببينة فكذلك إذا ادعى أنه كان آبقا فإن أقام البينة على ذلك فقد أثبت الحجر العارض بالحجة وإن أقام المولى البينة أنه أبق منه إلى موضع كذا وأقام الذي بايع العبد البينة أن المولى أرسله إلى ذلك الموضع يشتري فيه ويبيع فالبينة بينة الذي بايع العبد أيضا لأنه يثبت إرسال المولى إياه وإذنه في الذهاب إلى ذلك الموضع وبينة المولى تنفي ذلك وفيما هو المقصود وهو تعلق الدين بمالية رقبته من بائع العبد يثبت لذلك بالبينة والمولى ينفي فكان المثبت أولى.
فإن ارتد العبد المأذون ثم تصرف فإن قتل على ردته أو مات بطل جميع ما صنع في قول أبي حنيفة رحمه الله: وإن أسلم جاز جميع ذلك وفي قول أبي يوسف ومحمد جميع ذلك جائز إن أسلم أو قتل على ردته لأن انفكاك الحجر عنه بالإذن كانفكاك الحجر عنه بالعتق ومن أصل أبي حنيفة أن تصرف المرتد لنفسه يوقف إذا كان حرا فكذلك إذا كان عبدا وإن كانت أمة جاز جميع ما صنعت في ردتها إن أسلمت أو لم تسلم بمنزلة الحرة المرتدة وهذا لأن الرجل يقتل بالردة حرا كان أو عبدا فكما يوقف نفسه يوقف تصرفه في كسبه والمرأة لا تقتل فلا يوقف تصرفها في كسبها كما لا توقف نفسها ثم المرتد هالك حكما لاستحقاق

 

ج / 25 ص -32-       قتله بسبب الردة والموت حقيقة يوجب الحجر عليه فكذلك إذا توقف حكم نفسه بالردة بتوقف حكم الحجر عليه أبدا وبه فارق المكاتب فإن تصرفه في كسبه بعد ردته نافذ لأن انفكاك الحجر عنه من حكم الكتابة وموته حقيقة لا ينافي بقاء الكتابة فإن المكاتب إذا مات عن وفاء أو عن ولد يسعى في بقية الكتابة فكذلك استحقاق نفسه بالردة لا يمنع بقاء الكتابة فلهذا ينفذ تصرفه بخلاف العبد.
وإذا أسر العدو عبدا مأذونا له وأحرزوه في دارهم فقد صار محجورا عليه لزوال ملك المولى عنه وثبوت ملكهم فيه بالإحراز فإن انفلت منهم أو أخذه المسلمون فردوه على صاحبه لم يعد مأذونا إلا بإذن جديد لأن الإذن بطل لفوات محل حكمه والإذن بعد بطل لا يعود إلا بالتجديد وإن كان أهل الحرب لم يحرزوه في دارهم حتى انفلت منهم فأخذه المسلمون فردوه على صاحبه فهو على إذنه لأنه بمنزلة المغصوب في يدهم ما لم يحرزوه والغصب لا يزيل ملك المولى ولا يوجب الحجر على المأذون.
ألا ترى أن المولى لو أعتقه قبل أن يحرزوه نفذ عتقه بخلاف ما بعد الإحراز وإذا باع المولى عبده المأذون له بيعا فاسدا بخمر أو خنزير وسلمه إلى المشتري فباع واشترى في يده ثم رده إلى البائع فهو محجور عليه لأن المشتري قد ملكه بالقبض مع فساد البيع وذلك موجب للحجر عليه وكذلك لو قبضه المشتري بأمر البائع بحضرته أو بغير حضرته أو قبضه بحضرة البائع بغير أمره ولو قبضه بغير أمره بعد ما تفرقا لم يصر محجورا عليه لأن القبض في البيع الفاسد بمنزلة القبول في البيع الصحيح فكما أن إيجاب البيع يكون رضي بقبول المشتري في المجلس لا بعده فكذلك البيع الفاسد يكون رضي من البائع بقبضه في المجلس لا بعده فإذا قبضه بعد الافتراق لم يملكه لأنه قبضه بغير تسليط من البائع فلا يصير محجورا عليه وفي المجلس إنما يقبضه بتسليط البائع إياه على ذلك فيملكه ويصير محجورا عليه فأما إذا أمره بالقبض نصا فهذا أمر مطلق يتناول المجلس وما بعده فمتى قبضه كان قبضه بتسليط البائع فيملكه ويصير محجورا عليه.
ولو كان البيع بميتة أو دم لم يصر محجورا عليه في جميع هذه الوجوه فإن البيع بالميتة لا يكون منعقدا ولا يوجب الملك للمشتري وإن قبضه كان العبد على إذنه في يد المشتري ينفذ تصرفه وإن كان المشتري ضامنا له في إحدى الروايتين كما لو غصبه غاصب ولو كان باعه بيعا صحيحا كان محجورا عليه قبضه المشتري أو لم يقبضه لأن الملك يثبت للمشتري بنفس العقد ها هنا وكذلك إن كان المشتري منه بالخيار ثلاثة أيام أما عندهما فلأن المشتري ملكه مع ثبوت الخيار له وعند أبي حنيفة فلأن زواله عن ملك البائع قد تم ولذلك يفوت محل حكم الإذن وإن كان الخيار للبائع لم يكن ذلك حجرا إلا أن يتم البيع فيه لأن خيار البائع يمنع زوال ملكه وما بقي الملك للبائع فيه يبقى محل حكم الإذن.
ولو لم يبعه المولى ولكنه وهبه فالهبة الصحيحة في حكم الملك نظير البيع الفاسد من

 

ج / 25 ص -33-       حيث أن الملك يتأخر إلى وجود القبض لضعف السبب وقد بينا تفصيل حكم القبض في البيع الفاسد ففي الهبة الصحيحة الجواب كذلك.
وإذا غصب عبدا محجورا عليه وطلبه صاحبه فجحده الغاصب وحلف ولم يكن لصاحبه بينة ثم أذن له الغاصب في التجارة فباع واشترى والمغصوب منه يراه فلم ينهه ثم أقام رب العبد البينة أن العبد عبده فقضى له به فإن القاضي يبطل جميع ما باع واشتري لأنه تبين أن الآذن له كان غاصبا وإذن الغاصب لا يوجب انفكاك الحجر عنه ولا يسقط حق المولى عن مالية الرقبة.
وفي القياس: سكوت المولى عن النهي كالتصريح بالإذن ولو صرح بالإذن له في التجارة جاز ذلك لقيام ملكه وإن كان الغاصب جاحدا له ولكنه ترك هذا القياس فقال السكوت عن النهي مع التمكين من النهي دليل الرضا فأما بدون التمكن من النهي فلا يكون دليل الرضى.
ألا ترى أن سكوت الشفيع عند عدم التمكن من الطلب لا يكون مسقطا لحقه وسكوت البكر كذلك وهو لم يكن متمكنا من النهي ها هنا لأنه ما كان يلتفت إلى نهيه لو نهاه عن التصرف بل يستخف به فلصيانة نفسه سكت عن النهي.
ألا ترى أن العبد لو ادعي أنه حر فجعل القاضي القول قوله فاشترى وباع والمولى ينظر إليه ولا ينهاه ثم أقام البينة أنه عبده لم يجز شراؤه ولا بيعه لأن سكوته عن النهي كان لصيانة نفسه وإذا دبر عبده المأذون فهو على إذنه لأن التدبير لا يمنع صحة الإذن ابتداء فلا يمنع بقاءه بطريق الأولى وهذا لأن بالتدبير يثبت للمدبر حق العتق وحق العتق إن كان لا يزيد في انفكاك الحجر عنه فلا يؤثر في الحجر عليه.
ولو كانت أمة فاستولدها المولى لم يكن ذلك حجرا عليها في القياس وهذا قول زفر رحمه الله: لما بينا في التدبير ولكنه استحسن فقال استيلاد المولى حجر عليها لأن العادة الظاهرة أن الإنسان يحصن أم ولده ولا يرضى بخروجها واختلاطها بالناس في المعاملة والتجارة وهذا لأنها تصير فراشا له فلا يأمن من أن يلحق به نسبا ليس منه ودليل الحجر كصريح الحجر ولا توجد مثل هذه العادة في المدبر وهذا بخلاف ما إذا أذن لأم ولده في التجارة لأنه صرح هناك بخلاف المعتاد وإنما تعتبر العادة عند عدم التصريح بخلافها فأما مع التصريح بخلاف العادة فلا كتقديم المائدة بين يدي إنسان يجعل إذنا في التناول بطريق العرف فإن قال لا تأكل لم يكن ذلك إذنا وإذا أذن العبد التاجر لعبده في التجارة فباع واشترى فلحقه دين ثم أن المولى حجر على عبده الأول في أهل سوقه بحضرته والعبد الآخر يعلم بذلك أو لا يعلم فإن كان على الأول دين فحجره عليه حجر عليهما جميعا وإن لم يكن عليه دين لم يكن حجره عليه حجرا على الباقي لأنه إذا لم يكن على الأول دين فالعبد الثاني خالص ملك المولى وهو يملك الإذن له في التجارة ابتداء فجعل الثاني مأذونا من

 

ج / 25 ص -34-       جهة المولى لا باعتبار العبد كان نائبا عنه في الإذن ولكن باعتبار أن تخصيص المولى الأول بالحجر عليه دليل الرضى منه بتصرف الثاني وهذا الرضا يثبت الإذن من جهته ابتداء فكذلك يبقى.
وأما إذا كان على الأول دين فالمولى لا يملك الإذن للثاني لأنه تصرف منه في كسب عبده المستغرق بالدين فلا يمكن أن يجعل الثاني مأذونا من جهة المولى وإنما كان مأذونا من جهة الأول بالحجر عليه وقد انقطع رأيه فيه وإنما كان الثاني مأذونا من جهته دون المولى وإن لم يكن عليه دين فالثاني على إذنه لأنه مأذون من جهة المولى والمولى باق على حاله وإن مات المولى كان حجرا عليهما جميعا كان على الأول دين أو لم يكن لأنه إن لم يكن عليه دين فالثاني كان مأذونا من جهة الأول وقد صار الأول محجورا عليه بموت المولى فكذلك الثاني.
وإذا أذن المكاتب لعبده في التجارة ثم عجز وعليه دين أو ليس عليه دين فهو حجر على العبد لأن الإذن للعبد كان من قبل المكاتب فإن المولى من كسب المكاتب أبعد منه من كسب المأذون المديون وقد بينا هناك أن عبده يكون مأذونا من جهة المولى فهنا أولى وكذلك إن مات المكاتب عن وفاء أو عن غير وفاء أو عن ولد مولود في الكتابة لأنه إن مات عن غير وفاء فقد مات عاجزا وعجزه في حياته يكون حجرا على عبده فموته عاجزا أولى وإن مات عن وفاء فهو كالحر وموت الحر حجر على عبده بانقطاع رأيه فيه فإن أذن الولد للعبد بعد موت المكاتب في التجارة لم يجز إذنه لأن كسب المكاتب مشغول بدينه فلا يصير شيء منه ميراثا للولد مع قيام دينه وكما لا ينفذ منه سائر التصرفات فيه فكذلك الإذن وكذلك الحر إذا مات وعليه دين وله عبد فأذن له وارثه في التجارة فإذنه باطل لأن الوارث لا يملك التركة المستغرقة بالدين ولا ينفذ شيء من تصرفاته فيها ما لم يسقط الدين كما لا ينفذ تصرفه في حال حياة مورثه فإن قضى الوارث الدين من ماله لم ينفذ إذنه أيضا لأنه غير متبرع فيما قضى من الدين وإنما قصد به استخلاص التركة فيستوجب الرجوع بما أدى ويقوم دينه مقام دين الغريم فلا ينفذ إذنه لبقاء المانع فإن أبرأ أباه من المال الذي قضى عنه بعد إذنه للعبد نفذ إذنه وجاز ما اشترى قبل قضاء الدين وبعده لأن المانع زال حين سقط دينه بالإبراء وصار هو ملكا للتركة من وقت الموت.
ألا ترى أنه ينفذ سائر تصرفاته في العبد فكذلك إذنه له في التجارة ولو لم يكن على الميت دين وكان الدين على العبد فإن أذن الوارث له في التجارة جاز لأن دين العبد لا يملك ملك الوارث في التركة فإنه مع تعلقه في مالية رقبته ما كان يمنع ملك المولى في حياته فكذلك لا يمنع ملك وارثه بخلاف دين المولى فإنه في حياته كان في ذمته وإنما يتعلق بالتركة بموته وحق الغريم مقدم على حق الوارث.
وكذلك ابن المكاتب لو أذن للعبد الذي تركه أبوه في التجارة ثم استقرض مالا من إنسان

 

ج / 25 ص -35-       فقضى به الكتابة لم يكن إذنه له في التجارة صحيحا لأنه يستوجب الرجوع بما أدى ليقضي به ما عليه من الدين فقيام دينه بمنزلة قيام دين المولى في أنه يمنع ملكه فلهذا لا ينفذ إذنه.
ولو وهب رجل لابن المكاتب مالا فقضى به الكتابة جاز إذنه للعبد في التجارة لأن ما وهب له بمنزلة سائر إكسابه والمكاتب أحق بإكساب ولده المولود في الكتابة ليقضي به مال الكتابة فكان قضاء بدل الكتابة من هذا الكسب كقضائه من شيء آخر للمكاتب ولا يستوجب الولد الرجوع عليه بذلك فتبين به زوال المانع من صحة إذنه.
وإذا أذن الرجل لعبده في التجارة ثم جن المولى فإن كان جنونه مطبقا دائما فهو حجر على العبد لأن المولى صار مولى عليه في التصرف وانقطع رأيه بما أعرض فكان ذلك حجرا عليه وإن كان غير مطبق فالعبد على إذنه لأن المولى لم يصر مولى عليه بهذا القدر من الجنون فهو بمنزلة الإغماء والمرض فلا يوجب الحجر على العبد لبقاء ملك المولى وبقاء ولايته والفرق بين المطبق من الجنون وغير المطبق بيناه في الوكالة.
ولو ارتد المولى ثم باع العبد واشترى فإن قتل أو مات أو لحق بدار الحرب وقضى القاضي بلحاقه فجميع ما صنع العبد بعد ردة المولى باطل وإن أسلم قبل أن يلحق بها أو بعد ما لحق بها قبل قضاء القاضي ورجع فذلك كله جائز في قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد جميع ذلك جائز إلا ما صنع العبد بعد لحاق المولى بدار الحرب فإن ذلك يبطل إذا لم يرجع حتى يقضي القاضي بلحاقه وإن رجع قبل ذلك جاز وهذا لأن استدامة الإذن بعد الردة كإنشائه وتصرف المأذون معتبر بتصرف الآذن.
ومن أصل أبي حنيفة رحمه الله: أن تصرفات المرتد توقف لتوقف نفسه ويوقف ماله على حق ورثته فكذلك تصرف المأذون من جهته وعندهما تصرف المرتد قبل لحاقه بدار الحرب نافذ وبعد لحاقه يتوقف بين أن يبطل القضاء القاضي بلحاقه وكون المال لوارثه من حين لحقه بدار الحرب وبين أن ينفذ برجوعه مسلما فكذلك تصرف المأذون من جهته.
ولو كان المولى امرأة فارتدت ثم صنع العبد شيئا من ذلك فهو جائز لأن ابتداء الإذن منها صحيح بعد ردتها ولأن تصرف المأذون كتصرف الآذن وتصرفها بعد الردة نافذ كما كان قبله فإن نفسها لم تتوقف بالردة ولو لحقت بدار الحرب ثم باع العبد أو اشترى فإن رجعت قبل أن يقضي بلحاقها فذلك جائز وإن لم ترجع حتى قضى القاضي بلحاقها وقسم ميراثها وأبطل ما صنع العبد من ذلك ثم رجعت مسلمة لم يجز للعبد ما صنع بعد لحاقها بدار الحرب لأن نفسها باللحاق بدار الحرب توقفت على أن تسلم لها بالإسلام أو يفوت عليها بالاسترقاق فيتوقف تصرفها أيضا وكما يتوقف تصرفها يتوقف تصرف المأذون من جهتها ولأن القاضي إذا قضى بلحاقها جعل المال لوارثها من وقت لحاقها بدار الحرب كما في حق الرجل ولهذا يعتبر من يكون وارثا لها وقت اللحاق بدار الحرب فتبين أن ملكها زال من ذلك الوقت وذلك مبطل لتصرفات العبد وكما أن إذن أحد الشريكين في المفاوضة والعنان

 

ج / 25 ص -36-       للعبد المشترك في التجارة يجعل كإذنهما فكذلك حجر أحدهما عليه كحجرهما لأن كلاهما من التجارة وكل واحد منهما نائب عن صاحبه في التصرف في المال المشترك بطريق التجارة.
وإذا أذن المضارب لعبد من المضاربة في التجارة فهو جائز على رب المال وفي رواية هشام عن محمد رحمهما الله لا يجوز لأن الإذن أعم من المضاربة فإنه فك للحجر ولا يستفاد بالشيء ما هو فوقه وفي ظاهر الرواية قال المضارب مفوض إليه وجوه التجارة في مال المضاربة والإذن في التجارة من التجارة فإن حجر عليه رب المال فحجره باطل لأن المضارب أحق به حتى يبيعه فيوفي رأس المال.
ألا ترى أن رب المال لو نهى المضارب لم يعتبر نهيه ونفسه أقرب إلى رب المال من كسبه فإذا كان لا يعمل نهيه منه في منع المضارب عن التصرف في نفسه فلأن لا يعمل نهيه في منع المأذون من جهته عن التصرف في كسبه كان أولى.
وإذا اشترى العبد المأذون عبدا فأذن له في التجارة فحجر المولى على العبد الآخر فحجره باطل كان على الأول دين أو لم يكن لأن هذا حجر خاص في إذن عام وهو باطل.
ألا ترى أنه عند ابتداء الإذن لو قال لا تأذن لعبدك في التجارة لم يعتبر نهيه وكذلك بعد الإذن لو نهاه عن بيع هذا العبد لا يعمل نهيه وكذلك لو كان العبد الأول أمر رجلا ببيع عبده فنهاه المولى كان نهيه باطلا فكذلك إذا حجر عليه.
ولو كان المولى حجر على العبد الآخر وقبضه من الأول فإن كان على العبد الأول دين فهذا والأول سواء لأن قبض المولى إياه من الأول باطل ولا يخرج به الثاني من أن يكون كسبا للأول فإن حق غرماء الأول فيه مقدم على حق المولى فأما إذا لم يكن على الأول دين فقبض المولى العبد الآخر وحجر عليه جاز لأن كسب الأول خالص حق المولى فبقبضه منه يخرج من أن يكون كسبا للأول وصار الأول بحيث لا يملك التصرف فيه بعد ذلك حتى لو باع لم يجز بيعه فلهذا صار محجورا عليه بحجر المولى.
وإذا دفع المولى إلى عبده المأذون مالا وأمره أن يشتري به عبدا ويأذن له في التجارة ففعل ثم حجر المولى على المولى وعليه دين أو لا دين عليه فليس ذلك بحجر على الآخر لأن الأول في شراء الثاني والإذن له في التجارة نائب عن المولى حتى إذا لحقه عهدة يرجع به على المولى ولا يثبت فيه حق غرمائه فيكون الثاني مأذونا من جهة المولى فلا يصير الثاني محجورا عليه بحجر المولى على الأول وإن حجر المولى على الآخر كان حجره عليه جائزا على كل حال لأنه كان مأذونا من جهة المولى كالأول وحجر الأب أو وصيه على الصبي الحر المأذون له في التجارة مثل الحجر على العبد لأنه من جهة المولى كالأول وحجر الأب أو وصيه على الصبي الحر استفاد الإذن من جهته وولايته قائمة عليه بعد الإذن فكما ملك الإذن بولايته يملك الحجر وهذا لأنه قد يؤنس منه رشدا فيأذن له في التصرف ثم يتبين له أن الحجر عليه أنفع فيحجر عليه ولأن الابتداء بهذا يحصل أن يأذن له تارة ويحجر

 

ج / 25 ص -37-       عليه تارة حتى تتم هدايته في التصرفات وكذلك حجر القاضي عليه لأن الولاية ثابتة له حسب ما كان للأب أو للوصي وكذلك حجر هؤلاء على عبد الصبي بعد ما أذنوا له في التجارة لأنهم بالولاية على الصبي قاموا مقامه في التصرف في ماله فيما يرجع إلى النظر والحجر من باب النظر كالإذن فكما صح منهم الإذن لعبده في التجارة يصح الحجر وموت الأب أو الوصي حجر على الصبي وعلى عبده لأن تصرفهما كان باعتبار رأيه على ما بينا أن توفر النظر بانضمام رأي الأب والوصي إلى رأي الصبي وقد انقطع رأيهما بموتهما فيكون ذلك حجرا على الصبي.
وكذلك عبد الصبي إنما كان يتصرف برأي الأب والوصي وقيام ولايتهما عليه وقد انقطع ذلك بموتهما وكذلك جنونهما جنونا مطبقا فإنه كالموت في قطع ولايتهما عنه وفوات رأيهما في النظر له وكذلك عزل القاضي الوصي عن الوصية فإن ذلك يزيل ولايته ويقطع تدبيره في النظر له فيكون حجرا على من كان يتصرف باعتبار رأيه وهو الصبي أو عبده.
ولو كان القاضي أذن للصبي أو المعتوه في التجارة ثم عزل القاضي كان الصبي والمعتوه على إذنهما لأن إذن القاضي يكون قضاء منه فإنه ليس له ولاية غير ولاية القاضي وبعزل القاضي لا يبطل شيء من قضاياه ولأنه كالنائب عن المسلمين في النظر لهذا الصبي والتصرف في ماله بالإذن وغيره لعجز المسلمين عن الاجتماع على ذلك وبعد ما عزل القاضي لم يتبدل حال عامة المسلمين في الولاية ولهذا لم ينعزل وصيه وقيمه بعزله فكذلك مأذونه.
وإذا كان للصبي أو المعتوه أب أو وصي أو جد أبي الأب فرأي القاضي أن يأذن له في التجارة فأذن له وأبى ذلك أبوه أو وصيه فإذن القاضي له جائز لما بينا أن إذنه بمنزلة القضاء منه وولاية القضاء له في حال قيام الأب وبعد موته بصفة واحدة ولأنه متى كان النظر في الإذن فكذلك بما يحق على المولى أن يفعله فإذا امتنع منه كان للقاضي أن ينفذه كالولي إذا امتنع من تزويج المولى عليها من كفؤ زوجها القاضي إذا طلبت فإن حجر عليه أحد من هؤلاء فحجره باطل لأنه بهذا يريد أن يفسخ ما قضى القاضي عليه ولأن حجره عليه كآبائه في الابتداء وكما أن إباءه لا يمنع صحة إذن القاضي له فكذلك حجره عليه بعد الإذن.
وإن مات القاضي أو عزل ثم حجر عليه أحد من هؤلاء فحجره باطل لأن بعزل القاضي وبموته لا تزداد ولايتهم على الصبي فكما لا ينفذ حجرهم عليه قبل عزل القاضي فكذلك بعده وكذلك لو حجر عليه ذلك القاضي بعد عزله لأنه بالعزل التحق بسائر الرعايا فلم يبق له ولاية النظر في حقوق هذا الصبي وإنما الحجر عليه إلى القاضي الذي يستقضي بعد موت الأول أو عزله لأن ولايته عليه في النظر كولاية الأول ولا يقال الثاني بالحجر كيف ينقض قضاء الأول وهذا لأن الأول لو حجر عليه حال كونه قاضيا بعد حجره لا بطريق أنه نقض لقضائه بالإذن بل بطريق أنه أنشأ نظرا له على ما بينا أن النظر قد يكون بالإذن له في وقت،

 

ج / 25 ص -38-       والحجر عليه في وقت آخر والثاني كالأول فيما يرجع إلى إنشاء النظر للصبي كما في سائر التصرفات في ماله.
وإذا أذن الرجل لعبد ابنه الصغير في التجارة تم مات الابن ووارثه الأب فهذا حجر عليه لأن صحة إذنه كان باعتبار أنه نائب عن الابن وقد زال ملك الابن بموته ولا يقال الأب يخلفه في هذا الملك وهو راض بتصرفه لأنه إنما كان راضيا بتصرفه في ملك الصبي وذلك لا يكون رضا منه بتصرفه في ملك نفسه وكذلك لو اشتراه الأب من الابن فهو محجور عليه لأن الملك قد انتقل فيه من الابن إلى الأب ولو لم يكن ذلك ولكن أدرك الصبي أو كان معتوها فأفاق فالعبد على إذنه لأن تصرف الأب نفذ في حال قيام ولايته فلا يبطل بزوال ولايته كسائر التصرفات ثم فك الحجر عنه بالإذن كفك الحجر عنه بالكتابة.
ولو كاتبه ثم أدرك الصبي لم تبطل الكتابة وإن مات الأب بعد إدراك الصبي وإفاقة المعتوه كان العبد على إذنه لأن بعد إدراكه العبد مأذون من جهته فإن الأب كان نائبا عنه فهذا وما لو أذن له بعد البلوغ ابتداء سواء ثم هو بعد الإذن يتمكن من الحجر عليه فاستدامته الإذن مع تمكنه من الحجر كإنشائه ولا تتغير ولايته عليه بموت الأب وإذا ارتد الأب بعد ما أذن لابنه الصغير في التجارة ثم حجر عليه ثم أسلم فحجره جائز لأن حجره عليه تصرف كسائر تصرفاته فينفذ بإسلامه وإن قتل على ردته فذلك حجر أيضا بمنزلة ما لو مات وابنه صغير.
ولو أذن لابنه في التجارة بعد ردته فباع واشترى ولحقه دين ثم حجر عليه ثم أسلم فجميع ما صنع الابن من ذلك جائز وإن قتل ذلك على ردته أو مات كان جميع ما صنع الابن من ذلك باطلا وهذا عندهم جميعا لأن إذنه له في التجارة تصرف بحكم ولايته عليه وولايته عليه توقفت بالردة على أن يتقرر بالإسلام ويبطل بالقتل وكذلك تصرفه بحكم الولاية وهذا على مذهبهما بخلاف تصرفه بحكم ملكه فإن ملكه لم يزل عنه بردته فلا يمتنع نفوذ تصرفه باعتبار الملك والذمي في إذنه لابنه الصغير أو المعتوه في التجارة وهو على ذميته بمنزلة المسلم في جميع ما ذكرنا لثبوت ولايته عليه قال الله تعالى:
{وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال: 73].
ولو كان الولد مسلما بإسلام أمه أو بإسلام نفسه بأن عقل فأسلم كان إذن الأب الذمي له باطلا لأنه لا ولاية للذمي على المسلم فصحة إذنه باعتبار ولايته فإن أسلم الأب بعد ذلك لم يجز ذلك الإذن لأنه تصرف منه قبل ثبوت ولايته عليه ولا ينفذ بولايته التي تحدث من بعد كالأب إذا كان مملوكا فأذن لولده الحر ثم عتق لم ينفذ ذلك الإذن والله أعلم.

باب العبد بين رجلين يأذن له أحدهما
قال رحمه الله: وإذا كان العبد بين رجلين فأذن له أحدهما في التجارة فباع واشترى فلحقه دين فذلك كله جائز في نصيب الذي أذن له لأن الإذن فك للحجر وذلك لا يحتمل الوصف بالتجزي ولا يتصور انفكاك الحجر في نصف التصرف دون النصف ولا بد من تصحيح هذا الفك في نصيب الآذن لأنه تصرف منه في ملكه وإسقاط لحقه في المنع من

 

ج / 25 ص -39-       شغل مالية نصيبه بالدين والإسقاط يتم بالمسقط وقد بينا أن إذن المولى إنما يشترط لوجود الرضا منه بتعلق الدين بمالية الرقبة وهذا الرضى من الآذن الآن صحيح في نصيب نفسه دون نصيب صاحبه ويجوز استحقاق مالية الرقبة بالدين كما يجوز استحقاق جميعه فكان هذا محتملا للوصف بالتجزي فيثبت في نصيب الآذن خاصة وإن كان في يده مال أصابه من تجارته فقال الذي لم يأذن له أنا آخذ نصف هذا المال فليس له ذلك ولكن يعطي منه جميع دين الغرماء لأن حاجة العبد من كسبه مقدمة على حاجة المولى والذي وجب على هذا العبد ها هنا بسبب ظهر في حق المولى فيقدم من كسبه قضاء الدين على حق المولى فإن بقي بعد ذلك شيء أخذ كل واحد من الموليين نصفه لأنه كسب عبد مشترك بينهما
وإن زاد الدين على ما في يديه كانت تلك الزيادة في نصيب الذي أذن له خاصة من الرقبة لوجود الرضا منه باستحقاق مالية نصيبه بالدين وانعدام الرضا به من الآخر وفرق بين الكسب والرقبة من حيث إن نصيب الذي لم يأذن من الكسب مصروف إلى الدين دون نصيبه من الرقبة لأن الكسب يتملكه المولى من جهة العبد وسلامته له متعلقة بشرط الفراغ من حاجة العبد فما لم يفرغ من الدين لا يسلم له فأما الرقبة فلم تحصل للمولى من جهة العبد وإنما تستحق مالية الرقبة بالدين عند وجود الرضا من المولى يصرفه إلى ديونه ولم يوجد.
يوضحه: أن الدين إنما لحقه بسبب الذي حصل به الكسب والغنم مقابل بالغرم فكما يكون نصف الكسب للذي لم يأذن له فكذلك يستحق عليه صرف ذلك الكسب إلى قضاء الدين لتتحقق مقابلة الغنم بالغرم بخلاف الرقبة فإن حصول الرقبة للمولى ما كان بالسبب الذي به وجب الدين فلا تصرف مالية الرقبة إلى الدين ما لم يرض به المولى وكذلك ما أقر به العبد من غصب أو استهلاك مال أو غيره لأن الإقرار من التجارة فالدين الواجب به نظير الواجب بالمبايعة.
ولو استهلك مالا ببينة كان ذلك في جميع رقبته بمنزلة ما لو استهلكه قبل إذن أحدهما له وهذا لأن الحجر لحق المولى إنما يتحقق في الأقوال ولا يتحقق في الأفعال فإنها محسوسة تحققها بوجودها.
ألا ترى أن الحجر بسبب الصبي لا يؤثر في الأفعال فبسبب الرق أولى فإذا تحقق السبب ظهر الدين في حق المولى والدين لا يجب في ذمة العبد إلا شاغلا مالية رقبته.
فإن قيل: هذا في الفصل الأول موجود فالدين بالمبايعة ظهر وجوبه في حق الموليين جميعا ثم لا يستحق به نصيب الذي لم يأذن له.
قلنا: لا كذلك فإن فيما ثبت الحجر بسبب الرق لا يظهر وجوب الدين في حق المولى إلا بعد فك الحجر عنه وفك الحجر وجد من الآذن خاصة ولكن حكم نفوذ التصرف لا يحتمل التجزي فظهر في الكل لأجل الضرورة والثابت بالضرورة لا يعدو مواضعها وليس من ضرورة نفوذ تصرفه ظهور الدين في حق المولى في استحقاق مالية الرقبة كما لو توكل

 

ج / 25 ص -40-       العبد عن الغير بالبيع والشراء ولكن من ضرورة نفوذ تصرفه في سلامة الكسب للمولي ظهور الدين في حق ذلك الكسب فمن هذا الوجه يتحقق الفرق.
فإن اشترى العبد وباع ومولاه الذي لم يأذن له يراه فلم ينهه فهذا إذن منه له في التجارة لأن السكوت عن النهي بمنزلة التصريح بالإذن.
فإن قيل: هذا إذا كان متمكنا من نهيه عن التصرف وهو غير متمكن من النهي ها هنا لوجود الإذن من الآخر فلا يجعل سكوته دليل الرضا بتصرفه.
قلنا: هو متمكن من إظهار الكراهة وإزالة احتمال معنى الرضا من سكوته فإذا ترك ذلك مع الإمكان قام ذلك منه مقام الرضا بتصرفه حتى لو جاء به الآخر إلى أهل سوقه فقال إني لست آذنا له في التجارة فإن بايعتموه بشيء فذلك في نصيب صاحبي فباع بعد ذلك واشترى والشريك الذي لم يأذن له ينظر إليه فهذا لا يكون إذنا منه في نصيبه استحسانا لأنه أتى بما في وسعه من إظهار الكراهة لتصرفه وبقى الضرر والغرور وفي القياس هذا إذن أيضا لأنه مالك لنصيبه بعد هذه المقالة فيقاس بما لو كان مالكا لجميعه.
ولو أتى بعبده إلى السوق وقال لست آذن له في التجارة فلا تبايعوه ثم رآه بعد ذلك يتصرف كان إذنا منه له في التجارة فكذلك ها هنا والفرق بين الفصلين على طريقة الاستحسان أن العبد إذا كان كله له فهو قادر على منعه من التصرف حين رآه يتصرف فيجعل سكوته عن المنع دليل الرضا ولا ينعدم ذلك بما كان منه من إظهار الكراهة قبل هذا فقد يرضى المرء بتصرف عبده بعد ما كان يكرهه وفي هذا الفصل ليس في وسعه أن يمنعه من التصرف وإنما في وسعه إظهار الكراهة وقد أتى به فلا ينفسخ ذلك بسكوته عن النهي عند رؤيته يتصرف ولو كان الذي لم يأذن له بايعه بعد مقالته جعل هذا ناسخا لما كان قبله من إظهار الكراهة فإن مبايعته إياه كالتصريح بالرضا بتصرفه فهو وقوله أذنت لك في التجارة سواء.
وإذا قال أحد الموليين لصاحبه إئذن لنصيبك منه في التجارة ففعل فالعبد كله مأذون له في التجارة لوجود الرضا منه بتصرفه من الآذن بالإذن ومن الآخر بقوله إئذن لنصيبك فهذا اللفظ أدل على الرضا بتصرفه من سكوته عن النهي وإذا جعل سكوته عن النهي دليل الرضا فأمره بالتسليط أولى أن يجعل دليل الرضا.
ولو كان العبد بين رجلين فكاتب أحدهما نصيبه منه فهذا إذن منه لنصيبه في التجارة لأن انفكاك الحجر بالكتابة أقوى من انفكاك الحجر بالإذن والأقوى ينتظم الأضعف ثم هو رضي منه بتصرفه حين رغبه في تحصيل المال وأدائه ليعتق نصيبه وللآخر أن يبطل الكتابة لدفع الضرر عن نفسه بعتق نصيب المكاتب عند الأداء وبه فارق الإذن فإنه لا ضرر على الشريك في ثبوت حكم الإذن في نصيب الآذن في الحال ولا في ثاني الحال فإن لحقه دين ثم أبطل الآخر الكتابة كان ذلك الدين في نصيب الذي كاتب خاصة لوجود الرضا منه بتعلق الدين بنصيبه وإن لم تبطل الكتابة حتى رآه يشتري ويبيع فلم ينهه لم يكن ذلك منه إجازة

 

ج / 25 ص -41-       للكتابة وله أن يبطلها وكان هذا إذنا منه له في التجارة لأن الإذن في التجارة بمجرد الرضا بتصرف العبد يثبت والسكوت عن النهي دليل عليه فأما في تنفيذ الكتابة فالحاجة إلى التوكيل لتكون مباشرة الشريك بمنزلة مباشرته والتوكيل بالسكوت لا يثبت ولأن السكوت محتمل وإنما يترجح جانب الرضا فيه لضرورة الحاجة إلى دفع الضرر والغرور عن الناس وهذه الضرورة ترتفع إذا جعل السكوت إذنا وإن لم يجعل إجازة للكتابة والثابت بالضرورة يتقدر بقدرها فإن رد المكاتبة وقد لحق العبد دين بيع كله في الدين إلا أن يفديه مولاه لوجود الرضا منهما بتعلق الدين بمالية رقبته.
ولو كان العبد لواحد فكاتب نصفه كان هذا إذنا لجميعه في التجارة لوجود الرضا منه بتصرفه ثم عندهما يصير الكل مكاتبا وعند أبي حنيفة يصير نصفه مكاتبا وما اكتسب من مال فنصفه للمولى باعتبار النصف الذي لم يكاتب منه ونصفه للمكاتب باعتبار النصف الذي يكاتب منه وما لحقه من دين كان عليه أن يسعى فيه لأن مكاتبة النصف كمكاتبة الجميع في أنه لا يجوز بيعه فعليه السعاية فيما لحقه من الدين كما لو كان المأذون مدبرا.
ولو كان العبد بين رجلين فأذن أحدهما لصاحبه في أن يكاتب نصيبه فكاتبه فهذا إذن منهما للعبد في التجارة لما قلنا: ولكن الكتابة تقتصر على نصيب المكاتب في قول أبي حنيفة حتى أن نصف كسبه للمولى الذي لم يكاتب وكأنه أورد هذا الفصل لإيضاح ما سبق من أن سكوته عن النهي وأمره أن يكاتب نصيبه سواء فكما أن تسليطه إياه على ذلك يكون رضى منه بتصرفه ولا يكون أمرا بالكتابة في نصيب نفسه فكذلك سكوته عن النهي إلا أن تسليطه إياه على الكتابة يكون رضا منه بالكتابة في نصيب الشريك فلا يكون له أن يفسخها بعد ذلك وسكوته عن النهي لا يكون رضا منه بالكتابة في نصيب الشريك فكان له أن يبطلها وكذلك لو وكل أحدهما صاحبه أن يكاتب نصيبه لأن مباشرة الوكيل الكتابة في نصيب الموكل رضا منه بتصرف العبد وبنفوذ الكتابة في نصيب الموكل فلا يكون ذلك مباشرة منه للمكاتبة في نصيب نفسه فما اكتسب العبد بعد ذلك يكون نصفه للمكاتب ونصفه للوكيل لأن نصيبه لم يصر مكاتبا عنده.
ولو أذن أحدهما للعبد في التجارة فلحقه دين ثم اشترى نصيب صاحبه منه ثم اشترى بعد ذلك وباع والمولى لا يعلم به فلحقه دين فإن الدين الأول والآخر كله في النصف الأول لوجود الرضا منه بتعلق الدين بالنصف الأول ولم يوجد مثل ذلك الرضا فيما اشترى من نصيب صاحبه إذا لم يعلم منه تصرفا بعد الشراء ولو كان يعلم بيعه وشراءه بعد ما اشترى نصيب صاحبه كان هذا إذنا منه للنصف الذي اشتراه في التجارة لأن استدامته الإذن السابق وتقريره على التصرف مع علمه منه بمنزلة ابتداء الإذن ولم يعتبر الرؤية ها هنا إنما اعتبر العلم بتصرفه لأنه منفك الحجر في حقه واعتبار السكوت عن النهي عند الرؤية في المحجور عليه لدفع الضرر والغرور عن الناس وهذا في المأذون لا يتحقق فإنما يعتبر عامه بتصرفه ليكون

 

ج / 25 ص -42-       مقررا له على ذلك بالفك السابق ثم الدين الأول في النصف الأول خاصة لأنه حين اكتسب العبد بسببه لم يكن الآذن مالكا إلا لذلك النصف والدين الآخر في جميع العبد لأنه حين اكتسب بسببه كان جميعه مأذونا من جهة الآذن في ملكه.
ولو أذن له أحد الموليين في التجارة وأبى الآخر إلى أهل سوقه فنهاهم عن مبايعته ثم أن الذي لم يأذن له اشترى نصيب صاحبه منه فقد صار العبد محجورا عليه لأن حكم الإذن لم يكن ثابتا في نصيب المشتري وإنما كان في نصيب البائع وقد انتقل الملك في ذلك النصف إلى المشتري ولو كان الكل مأذونا فباعه مولاه صار محجورا عليه فالنصف يعتبر بالكل فإن رآه المشتري يبيع ويشتري فلم ينهه فهذا إذن منه له في التجارة لأنه بعد ما اشترى نصيب صاحبه يتمكن من نهيه عن التصرف فيجعل سكوته عن النهي دليل الرضا ولا معتبر بما سبق من النهي عن مبايعته كما لو كان العبد كله له عند ذلك.
وإذا اشترى الرجل العبد على أنه بالخيار ثلاثة أيام فأذن له في التجارة أو نظر إليه يشتري ويبيع فلم ينهه كان هذا رضا منه بالعبد ولزمه البيع والعبد مأذون له قبضه أو لم يقبضه لأن الإذن في التجارة تصرف منه فيه بحكم الملك فيكون دليل الرضا منه بتقرير ملكه وذلك إسقاط منه لخياره والسكوت عن النهي عند التمكن منه بمنزلة الإذن وهو متمكن من الإذن للنهي عن التصرف سواء قبضه أو لم يقبضه فكان سكوته كإذنه.
ولو كان الخيار للبائع فأذن البائع له في التجارة بغير محضر من المشتري أو رآه يبيع ويشتري فلم ينهه لم يسقط خياره لذلك ولم ينتقض البيع في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله وفي قول أبي يوسف الآخر هذا نقض منه للبيع وهذا لأن الإذن له في التجارة تصرف بحكم الملك فيكون مقررا به ملكه وذلك منه كالتصريح بالفسخ ومن أصل أبي يوسف أن من له الخيار ينفرد بالفسخ بغير محضر من صاحبه وفي قول أبي حنيفة ومحمد لا ينفرد بالفسخ إلا بمحضر من صاحبه بخلاف ما سبق فإذن المشتري له في التجارة بمنزلة الإجازة منه للبيع وإجازته بغير محضر من صاحبه صحيحة فإن لحقه دين بعد ما أذن له البائع فهذا نقض منه للبيع لأن الدين عيب في العبد وإنما تعيب بهذا العيب بسبب الإذن الموجود من البائع فالتعييب من البائع في مدة الخيار فسخ وإن لم يكن بمحضر من صاحبه لأنه فسخ من طريق الحكم وإن لم يلحقه دين حتى مضت الثلاث تم البيع وصار محجورا عليه لأنه كان مأذونا في ملك البائع وقد تحول الملك فيه إلى المشتري وما اكتسب العبد من شيء فهو للمشتري لا يملكه عند سقوط الخيار بسبب البيع فيستند ملكه في حكم الكسب إلى وقت البيع فإن كان المشتري قد قبضه قبل الاكتساب طاب له الكسب وإن كان اكتسبه قبل قبضه تصدق به لأنه ربح حصل لا على ضمانه وما اكتسبه بعد قبضه فهو ربح حصل على ضمانه فيطيب له.
وإذا كان العبد بين رجلين فأذن له أحدهما في التجارة فلحقه دين وفي يده مال فقال

 

ج / 25 ص -43-       العبد هذا من التجارة وهو للغرماء وصدقه الذي أذن له وقال الذي لم يأذن له هذا مال وهب لك ولي نصفه فالقياس أن يكون نصفه له ولكنا ندع القياس ونجعله كله للغرماء ولو علم أن المال وهبه رجل للعبد أو تصدق به أو كان من كسب اكتسبه قبل الدين أو من كسب كسبه بعد الدين من غير الذي لحقه من قبله الدين فنصف هذا المال للمولى الذي لم يأذن له ونصفه للغرماء أما إذا علم أنه صدقة أو هبة في يده فسلامة نصفه للذي لم يأذن له ما كان بالسبب الذي به وجب الدين على العبد ولا بسبب تمكن منه باعتبار إذن الآذن لأن قبول الهبة والصدقة صحيح منه وإن كان محجورا عليه فيكون نصيب الذي لم يأذن من الهبة والصدقة بمنزلة نصيبه من الرقبة فكما لا يصرف نصيبه من الرقبة إلى دينه فكذلك نصيبه من الهبة والصدقة وكذلك ما اكتسبه قبل لحوق الدين أو بعد لحوق الدين من غير السبب الذي لحقه من قبله الدين فنصف هذا الكسب كان سالما للذي لم يأذن له قبل أن يلحقه الدين فلا يتغير ذلك بلحوق الدين إياه أو كان يسلم له لولا ما تقدم من لحوق الدين والذي لم يأذن له ما رضي بلحوق الدين إياه فلا تمتنع سلامة نصيبه له بسبب ذلك الدين وإنما كان ذلك خاصا فيما اكتسبه بالسبب الذي به لحقه الدين فكان ذلك حكما ثابتا بطريق الضرورة لأنه لا يتمكن من أخذ نصيبه من ذلك الكسب إلا باعتبار الرضا باكتسابه ومن ضرورته تعلق الدين بذلك الكسب.
أرأيت لو استقرض العبد من رجل مالا ثم جاء من الغدو في يده ألف درهم فقال هذه الألف الذي استقرضت أكان للذي لم يأذن له أن يأخذ نصفه لا يكون له ذلك ويكون للمقرض أخذ ذلك المال من الذي لم يأذن له إذا عرفنا هذا فنقول إذا اختلفا فقال العبد هذا من التجارة وقال الذي لم يأذن له بل هو في يدك هبة أو صدقة ففي القياس القول قول الذي لم يأذن له لأن سبب سلامة نصف هذا المال له ظاهر وهو أنه كسب عبده والعبد يدعي ثبوت حق الغرماء فيه والمولى منكر فكان القول قوله لإنكاره كما لو اكتسب العبد مالا ولحقه دين ثم ادعي العبد أن المولى كان أذن له في التجارة وأنكر المولى ذلك فإنه يكون القول قول المولى ولكنه استحسن فجعل المال كله للغرماء لأن الظاهر شاهد للعبد من حيث إنه صار منفك الحجر عنه في اكتساب المال بطريق التجارة فالظاهر أن المال في يده بذلك الطريق حصل ولأن الدين ظهر عليه مع ظهور هذا الكسب في يده ولا يعلم لكل واحد منهما سبب فيجعل باعتبار الظاهر سببا واحدا ثم كسب العبد يسلم للمولى بشرط الفراغ من دينه أو بشرط أن وصوله إلى يده كان بسبب آخر غير السبب الذي به وجب الدين وهذا الشرط لا يثبت بمجرد قول المولى فإذا لم يثبت الاستحقاق الذي به وجب الدين للمولى بقي مشغولا لحق الغرماء فقلنا: يصرف جميع الكسب إلى ديونهم إلا ما علم أنه موهوب والله أعلم.

باب الدين يلحق العبد المأذون
قال رحمه الله: وإذا أذن المولى لعبده في التجارة فلحقه دين بسبب التجارة فإن كان في

 

ج / 25 ص -44-       كسبه وفاء بالدين أمر بقضاء الدين من كسبه عند طلب الغريم وإن لم يكن في يده كسب فيه وفاء بالدين تباع رقبته في ديونه إلا أن يفديه مولاه بقضاء الدين عندنا وقال الشافعي لاتباع رقبته في دين التجارة لقوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280].
والعبد الذي لا كسب في يده معسر فكان مستحقا للنظرة شرعا ولو أجله الطالب لم يجز بيع رقبته فيه فكذلك إذا أنظره الشرع والمعنى فيه أن رقبته ليست من كسبه ولا من تجارته ولا تباع في دينه كسائر أموال المولى وبيان الوصف أنها كانت مملوكة للمولي قبل الإذن له في التجارة وأنه لا يملك بيع رقبته ولا رهنها وتأثيره وهو أن استحقاق قضاء دين التجارة شبه الالتزام وإنما يجب على من التزمه من ماله لا من مال عبده والعبد هو الملتزم دون المولى إلا أن المولى بالإذن له يكون ملتزما عهدة تصرفاته في إكسابه لا في رقبته لأنه يقصد تحصيل الربح لنفسه لا إتلاف ملكه وهذا كإذن الأب والوصي لعبد الصغير في التجارة وهو صحيح وإنما يحصل مقصوده إذا كان رجوع العبد بالعهدة مقصورا على كسبه فصار في حق مالية الرقبة ما بعد الإذن كما قبله وكما لا تباع رقبته في ديون التجارة قبل الإذن فكذلك بعده بخلاف دين الاستهلاك فإن وجوبه يتقرر سببه من غير أن يحتاج فيه إلى اعتبار رضا المولى واستحقاق مالية الرقبة به لأن الجناية الموجودة من ملكه كالجناية الموجودة منه في استحقاق مالية الرقبة.
توضيح الفرق: أنه لم يوجد من المتلف عليه هناك دليل الرضا بتأخر حقه وفي التأخير إلى وقت عتقه إضرار به فلدفع الضرر تعلق الدين برقبة العبد وهنا صاحب الدين عامل العبد باختياره فيكون راضيا بتأخير حقه حين عامله مع علمه أنه ليس في يده كسب والمولى غير راض بإتلاف مالية رقبته فمراعاة جانب المولى أولى وأصحابنا استدلوا بما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم باع رجلا في دينه يقال له سرف فحين كان بيع الحر جائزا باعه في دينه.
ومن ضرورة بيع الحر في دينه بيع العبد في دينه وما ثبت بضرورة النص فهو كالمنصوص ثم انتسخ بيع الحر وبقي بيع العبد مشروعا فيباع في دينه وإذا كان بيعه في الدين مستحقا بهذا النص ظهر أنه موسر في قضاء الدين بمالية الرقبة والإنظار شرعا بعد تحقق العسرة فأما مع اليسار فلا والمعنى فيه أن هذا دين ظهر وجوبه في حق المولى فتباع رقبة العبد فيه كدين الاستهلاك وتأثيره بما ذكرنا أن الدين لا يجب في ذمة العبد إلا شاغلا مالية رقبته ودين التجارة من المحجور عليه إنما لا يكون شاغلا لمالية الرقبة لأنه لا يظهر وجوبه في حق المولى فإنه محجور عن مباشرة سببه لحق المولي فأما بعد الإذن دين التجارة كدين الاستهلاك من حيث إنه ظهر وجوبه في حق المولى فيكون شاغلا لمالية الرقبة وبهذا تبين أن تأثير الإذن في ظهور وجوب الدين في حق المولى لتعلقه بمالية الرقبة وأن المولى بالإذن يصير كالمتحمل لمقدار مالية الرقبة من ديونه فبهذا الطريق يتحقق رضى المولى بتعلق الدين بمالية الرقبة ولم يظهر من صاحب الدين ما يدل على الرضا بتأخير حقه والدليل عليه أن

 

ج / 25 ص -45-       العبد المأذون لو قتل فإنه يقضي بالقيمة الواجبة على القاتل ديته والقيمة بدل الرقبة فكما يستحق قضاء الدين من بدل رقبته بعد القتل وإن لم يكن ذلك من كسب العبد فكذلك يستحق قضاء الدين من ثمن الرقبة وهذا لأن الرقبة رأس مال تجارته إلا أنه لا يملك بيعها ولا رهنها لأن بين موجب الرهن والبيع وبين موجب الإذن تضادا فإن منع استحقاق قضاء الدين من قيمته فنقول الأصل أن بدل الرقبة يجعل بمنزلة الكسب في وجوب قضاء الدين منه كالدية في حق الحر فإنه يجعل بمنزلة كسبه في وجوب صرفه إلى غرمائه فكذلك في حق العبد بل أولى لأن حق غرماء الحر كان في ذمته في حياته والدية ليست ببدل عن الذمة وهنا القيمة بدل عن رقبته وقد كان حق غرمائه متعلقا بالرقبة إذا عرفنا هذا فنقول كل دين وجب على المأذون بسبب هو من جنس التجارة أو كان وجوبه باعتبار سبب التجارة فإنه تباع رقبته فيه حتى إذا لحقه الدين من غصب أو وديعة جحدها أو دابة عقرها فذلك من جنس دين التجارة لأن هذه الأسباب توجب الملك في المضمون بالضمان وهذا إذا كان ظهور هذه الأسباب بإقراره فأما إذا كان بالمعاينة فلا إشكال أنه تباع رقبته فيه لأن المحجور عليه يباع في هذا.
وكذلك أجر الأجير بمنزلة ثمن المبيع سواء ثبت بإقراره أو ببينته لأن الإقرار من التجارة وهو منفك الحجر عنه في التجارة.
ألا ترى أن أحد المتعاوضين إذا أقر بشيء من ذلك كان شريكه مطالبا به فكذلك المأذون إذا أقر به وكذلك مهر جارية اشتراها فوطئها فاستحقت لأن وجوب هذا الدين بسبب التجارة فإنه لولا الشراء لكان الواجب عليه الحد فيباع فيه سواء ثبت بإقراره أو بالبينة بخلاف مهر امرأة تزوجها فوطئها ثم استحقت لأن وجوب ذلك الدين بسبب النكاح والنكاح ليس من التجارة فيتأخر إلى ما بعد عتقه.
ولا يجوز بيع المولى العبد بأمر بعض الغرماء ولا بغير أمرهم لأن حقهم في العبد مقدم على حق المولى ولوصولهم إلى حقهم طريقان أحدهما آجل وفيه وفاء بحقوقهم وهو الاستكساب والثاني عاجل ولكن ربما لا يفي بحقوقهم وهو بيع الرقبة فربما لا يكون بالثمن وفاء بديونهم وفي بيع المولى إياه بدون رضاهم قطع خيارهم وإبطال أحد الطريقين عليهم فلا يملك ذلك وحق كل واحد منهم ثابت كأنه ليس معه غيره.
ألا ترى أنه لو أسقط الباقون حقهم كان المنع باقيا لحق هذا الواحد فكذلك إذا رضي بعضهم ولو رفعه بعض الغرماء إلى القاضي ومن بقي منهم غائب فباعه القاضي للحضور أو أمره مولاه ببيعه جاز بيعه لأن الحاضرين طلبوا من القاضي أن ينظر لهم وينصفهم بإيصال حقهم إليهم فعليه أن يجيبهم إلى ذلك وهذا لأن في بيع القاضي نظرا للحاضر والغائب جميعا وللقاضي ولاية النظر في حق الغائب وليس للمولى على الغائب ولاية النظر فلهذا جاز البيع من القاضي أو بأمره ولا يجوز بدونه.
ثم القاضي يدفع إلى الحاضرين حصتهم من الثمن ويمسك حصة الغائب لأن دينه ثابت

 

ج / 25 ص -46-       عند القاضي وبثبوت دينه ثبت مزاحمته مع الحاضرين في الثمن فلا يدفع إلى الحاضرين إلا مقدار حصتهم وهذا بخلاف ما إذا حفر العبد بئرا في الطريق فتلف فيه مال إنسان فباعه القاضي في ذلك فإنه يصرف جميع الثمن إلى صاحب المال وإن كان من الجائز أن يتلف في البئر مال لآخر فيكون شريكا مع الأول في الثمن لأن الثابت ها هنا حق الطالب خاصة وما سوى ذلك موهوم والموهوم لا يعارض المتحقق فلا ينقض شيء من حق الطالب لمكان هذا الموهوم وها هنا حق الغائب ثابت معلوم فهو بمنزلة التركة إذا حضر بعض الغرماء وغاب البعض فباع القاضي التركة في الدين فإنه لا يدفع إلى الحاضرين إلا حصتهم لهذا المعنى.
فإن قال العبد قبل أن يباع أن لفلان على من المال كذا فصدقه المولى بذلك أو كذبه وفلان غائب وكذبه الحضور من غرمائه فالعبد مصدق فيه ويوقف حصة المقر له من الثمن حتى يحضر لأن العبد ما لم يبع في الدين فهو على إذنه وإقرار المأذون بالدين صحيح في مزاحمة الغرماء في الثمن لأن الديون اجتمعت في حالة واحدة وهي حالة الإذن فكأنها حصلت جملة.
ولو أقر بذلك بعد ما باعه القاضي وصدقه مولاه لم يصدقا على الغرماء لأن العبد بالبيع صار محجورا عليه وحق الغرماء في ثمنه مقدم على حق المولى فلا يعتبر تصديق المولى ويدفع جميع الثمن إلى الغرماء المعروفين فإن قدم الغائب وأقام البينة على حقه اتبع الغرماء بحصته مما أخذوا من الثمن لأن البينة حجة في حقهم والثابت بالبينة من دينه كالثابت بمعاينة سببه أو بتصادقهم عليه فلا يكون له على العبد ولا على مولاه البائع ولا على المشتري سبيل لأن الثابت للمشتري ملك حادث وهو لم يرض بتعلق شيء من دينه بملكه والمولى البائع ما كان ملتزما لغرمائه إلا مقدار مالية الرقبة وقد صارت مصروفة إلى الغرماء بأمر القاضي والعبد محجور عليه في الحال فلا يكون مطالبا بشيء حتى يعتق ويتبعه تحول الاستحقاق من رقبته إلى الثمن فيما يرجع إلى مالية الرقبة والثمن في يد الغرماء المعروفين فلهذا شاركهم الغائب بحصة ما أثبت من الدين.
وإن أراد القاضي أن يستوثق من الغرماء بكفيل حتى يقدم الغائب فأبى الغرماء أن يفعلوا لا يجبرون على شيء من ذلك لأن إقرار العبد كما لا يكون حجة عليهم في إثبات المزاحمة للغائب معهم كذلك لا يكون حجة عليهم في إلزام إعطاء الكفيل.
أرأيت لو أبوا أن يعطوا كفيلا أو لم يجدوا كفيلا كان له أن يمنعهم حقهم بسبب إقرار العبد ولكن إن أعطوه ذلك وطابت به أنفسهم جاز وقيل هذا قول أبي حنيفة رحمه الله: فأما عندهما فالقاضي يأخذ منهم كفيلا على وجه النظر للغائب إذ لا ضرر عليهم في إعطاء كفيل وأصله ما بينا في كتاب الدعوى إذا قسم القاضي التركة بين الغرماء أو الورثة هل يأخذ منهم كفيلا لحق وارث أو غريم بتوهم حضوره فإذا كان عندهما هناك يحتاط بأخذ الكفيل فلأن يحتاط ها هنا بعد إقرار العبد أولى.

 

ج / 25 ص -47-       فإن قدم الغائب فأقام البينة على إقرار العبد بدينه قبل البيع فذلك جائز أيضا لأن الثابت مع إقراره بالبينة كان له أن يأخذ حصته إن شاء من الغرماء وإن شاء من الكفيل ثم يرجع به الكفيل على الغرماء وإذا أذن لعبده في التجارة فاكتسب مالا فأخذه المولى منه ثم لحقه دين بعد ذلك وقد استهلك المولى المال أو لم يستهلكه فإن كان على العبد دين يومئذ فإن المولى يؤخذ بذلك المال حتى يرده لأن المولى في هذا الأخذ غاصب فإنه لا سبيل له على كسب العبد ما لم يفرغ من دينه والدين وإن قل فكل جزء من الكسب مشغول به فلهذا لا يسلم المقبوض للمولى ولا يخرج بقبضه من أن يكون كسب العبد بل كونه في يد المولى وكونه في يد العبد سواء فيشترك فيه الغرماء بالحصة وإن كان قبضه ولا دين فاستهلكه أو لم يستهلكه حتى لحقه دين فليس لصاحب الدين على ما قبض المولى سبيل لأن كسبه الفارغ عن الدين خالص ملك المولى فهو محق في أخذه ويخرج المقبوض بقبضه من أن يكون كسب العبد ويلتحق بسائر أموال المولى فإذا لحقه الدين بعد ذلك يقضي مما بقي في يد العبد من الكسب ومما يكسبه بعد لحوق الدين لأن محل قضاء الدين كسبه وما اكتسبه قبل لحوق الدين ما دام في يده فهو كسبه مثل ما اكتسب بعد لحوق الدين فيصرف جميع ذلك إلى دينه.
ولو كان المولى أخذ منه ألف درهم فاستهلكه وعليه دين خمسمائة درهم يومئذ ثم لحقه بعد ذلك دين آخر يأتي على قيمته وعلى ما قبض المولى فإن المولى يغرم الألف كلها فيكون للغرماء ويباع العبد أيضا في دينه لأن المولى غاصب للمأخوذ باعتبار ما على العبد من الدين وإن كان الدين دون المأخوذ فهو وما لو كان في يد العبد سواء وهذا لأنا لو أوجبنا على المولى رد مقدار خمسمائة لم يسلم ذلك للغريم الأول بل يشاركه الغريم الثاني فيه لاستواء حقهما في كسب العبد ثم يستوجب الغريم الأول الرجوع على المولى بما بقي من حقه فإذا قبض ذلك شاركه فيه الغريم الثاني فلا يزال هكذا حتى يسترد من المولى جميع الألف فقلنا: في الابتداء يسترد منه الكل إذ لا فائدة في الترتيب والتكرار.
ولو لم يلحق العبد دين آخر لم يغرم المولى إلا نصفه لأنه إذا دفع للغريم خمسمائة فقد وصل إليه كمال حقه وزال المانع من سلامة الكسب للمولى فيسلم له ما بقي وإذا لحق المأذون دين يأتي على رقبته وعلى جميع ما في يده فأخذ منه مولاه الغلة بعد ذلك في كل شهر عشرة دراهم حتى أخذ منه مالا كثيرا ففي القياس عليه رد جميع ما أخذ لأنه أخذ ذلك من كسبه وحق الغرماء في كسبه مقدم على حق المولى والمولى وإن استأداه الضريبة فذلك لا يصير دينا له على عبده فيسترد المأخوذ لحق الغرماء ولكنه استحسن فقال المقبوض سالم للمولى لأن في أخذ المولى الغلة منه منفعة للغرماء فإنه يبقيه على الإذن بسبب ما اتصل إليه من الغلة فيكتسب ويقضي حق الغرماء من كسبه وإذا لم يسلم الغلة للمولى حجر عليه فينسد على الغرماء باب الوصول إلى حقهم من كسبه فعرفنا أن في هذا منفعة للغرماء،

 

ج / 25 ص -48-       والمولى يتمكن بسبب ملكه من تصرف ما لا يكون فيه ضرر على الغرماء وما دفع العبد من الغلة إلى المولى مثل ما ينفقه على نفسه في حال تصرفه.
وكما أن قدر نفقته مقدم على حق غرمائه فكذلك مقدار ما دفع إلى المولى من غلة مثله يكون مقدما على حق غرمائه ثم منافعه على ملك المولى وهو إنما يستوفي منه الغلة بدلا عن المنفعة ولو كان استوفى منفعته لم يكن للغرماء عليه سبيل في ذلك فكذلك إذا استوفى بدل المنفعة ولو كان قبض منه كل شهر مائة درهم كان باطلا وعليه أن يرد ما زاد على غلة مثله لأن في قبض الزيادة على غلة المثل ضررا على الغرماء والعبد غير محتاج إلى أداء تلك الزيادة إلى المولى فكان المولى غاصبا لتلك الزيادة فعليه ردها لحق الغرماء.
ولو أقر العبد المأذون بدين خمسمائة ثم استفاد عبدا يساوي ألفا فأخذه المولى ثم لحق المأذون بعد ذلك دين يأتي على قيمته وعلى قيمة ما قبضه المولى فإن المقبوض يؤخذ من المولى فيباع ويقسم ثمنه بين سائر الغرماء لما بينا أن المولى غاصب في أخذ العبد منه لمكان ما عليه من الدين فإن أدى المولى الدين الأول ليسلم العبد له لم يسلم وبيع للآخرين في دينهم لأن كونه في يد المولى ككونه في يد العبد فيتعلق به حق كل غريم ثم المولى أسقط حق الغريم الأول بإيفاء دينه ولو سقط حقه بإبرائه لم يسقط به حق الغريم الثاني عن العبد المأخوذ فكذلك إذا سقط بإيفاء المولى إياه.
وليس للمولى أن يخاصمهم بما أدى من الدين الأول لأنه لا يستوجب الرجوع بما أدى على العبد فإن المولى لا يستوجب على عبده دينا والمزاحمة في كسب العبد باعتبار الديون الواجبة عليه فإن لم يؤد المولى ولكن الغريم الأول أبرأ العبد من دينه بعد ما لحقه الدين الآخر بيع العبد وقبضه المولى في دين الآخرين لأن بإبرائه يسقط دينه ولا يتبين أنه لم يكن واجبا يومئذ وأن حق الآخرين لم يكن متعلقا بمالية العبد المأخوذ وإن كان أبرأه منه قبل أن يلحقه الدين الآخر سلم العبد الذي قبضه المولى له لأن المانع من سلامته له قد انعدم بسقوط دينه فصار كما لو أخذه المولى بعد ما سقط دينه قبل أن يلحقه الدين الآخر وبهذا الأخذ يخرج المأخوذ من أن يكون كسبا للمأذون فلا يتعلق به ما يلحقه من الدين بعد ذلك.
ولو لم يبرئه حتى لحقه الدين الآخر ثم أقر الغريم الأول أنه لم يكن له على المأذون دين فإن أقر العبد المأذون له بالدين كان باطلا وسلم العبد الذي قبضه المولى له ولا يتبعه صاحب الدين الآخر بشيء منه بخلاف ما إذا أبرأه الغريم الأول لأن بالإبراء يسقط دينه ويتبين أنه لم يكن واجبا فأما بإقراره فتبين أنه لم يكن له على المأذون دين وأن المقبوض كان سالما للمولى.
فإن قيل: حين لحقه الدين الآخر كان الدين واجبا ظاهرا فباعتباره يتعلق حق الغريم الآخر بمالية العبد ثم إقرار الأول بعد ذلك لا يكون حجة في إبطال حق الآخر فينبغي أن يجعل إقراره بمنزلة الإبراء المبتدأ.

 

ج / 25 ص -49-       قلنا: هذا أن لو كان في المحل الذي تناوله إقراره حق الغريم الآخر ولا حق للغريم الآخر فيما أقر به الأول أنه لم يكن واجبا له فيكون قراره فيه صحيحا على الإطلاق فيتبين به أن المقبوض كان سالما للمولى وأنه خرج بقبضه من أن يكون كسبا للعبد.
ولو كان المولى أقر بالدين للأول كما أقر به العبد ثم قال الغريم الأول لم يكن لي على العبد دين وإقراره لي كان باطلا فإن الغريم الآخر يأخذ العبد الذي قبضه المولى ليباع في دينه لأن المولى أقر أن الدين الأول كان واجبا وأنه غاصب في أخذ العبد وإقراره فيما في يده حجة عليه فيجعل ذلك كالثابت باتفاقهم.
توضيحه: أن المولى ها هنا أقر بأن الشركة وقعت بين الغريمين فيما قبضه هو ثم سقط حق أحدهما بسبب إقراره فبقي حق الآخر كما لو أبرأه غريم الأول وفي الأول لم يقر المولى بثبوت الشركة بين الغرماء في العبد الذي أخذه ولكن إنما كان يثبت فيه حق الغريم الثاني لوجوب الدين الأول فإذا ظهر بإقرار الأول أنه لم يكن له دين ثم قبض المولى العبد ولا شركة للغريم الآخر معه لأن دينه لحق المأذون بعد ما خرج العبد من أن يكون كسبا له.
وإذا أذن الرجل لأمته فلحقها دين ثم وهب لها هبة أو تصدق عليها بصدقة أو اكتسبت مالا من التجارة فغر ماؤها أحق بجميع ذلك من مولاها وقال زفر رحمه الله: لا حق لغرمائها إلا فيما اكتسبت بطريق التجارة لأن وجوب الدين عليها بسبب التجارة فما كان من كسب تجارتها يتعلق الدين به لاتحاد السبب وما لم يكن من كسب تجارتها فهو كسائر أملاك المولى فلا يتعلق حق غرمائها به.
ألا ترى أنها لو ولدت ثم لحقها دين بعد ذلك لم يتعلق حق غرمائها بولدها لهذا المعنى وهذا لأن وقوع الملك للمولى في الهبة والصدقة ما كان بسبب فك الحجر عنه.
فإن قيل: الإذن كان يثبت له الملك في الهبة والصدقة أيضا بخلاف كسب التجارة فحصوله كان بسبب الإذن له في التجارة.
فقلنا: بأنه لا يسلم للمولى ما لم يفرغ عن دين العبد.
وحجتنا في ذلك أن الهبة والصدقة كسب العبد فلا يسلم للمولى إلا بشرط الفراغ من دين العبد ككسب التجارة وهذا لأن الكسب يوجب الملك للمكتسب بأي طريق كان إلا أن المكتسب إذا لم يكن أهلا للملك يخلفه في ذلك مولاه خلافة الوارث المورث فكما أنه لا يسلم للوارث شيء من التركة إلا بشرط الفراغ من دين المورث فكذلك لا يسلم للمولى شيء من كسب العبد إلا بشرط الفراغ من دينه وهذا لأن العبد وإن لم يكن أهلا للملك فهو من أهل قضاء الدين بكسبه وحاجته في ذلك مقدمة على حق مولاه في كسبه فما لم يفضل عن حاجته لا يسلم للمولى شيء منه ويستوي إن كان الكسب قبل لحوق الدين أو بعد لحوق الدين لأن يدها في الكسب يد معتبرة حتى لو نازعها فيه إنسان كانت خصما له فباعتبار بقاء يدها تبقي حاجتها فيه مقدمة بخلاف ما إذا كان أخذ المولى منها قبل أن يلحقها الدين،

 

ج / 25 ص -50-       وهذا بخلاف ما لو ولدت بعد ما لحقها الدين لأن ولدها ليس من كسبها ولكنه جزء متولد من عينها فكما أن نفسها لا تكون من كسبها ولا يكون الملك للمولى في نفسها مستفادا من جهتها فكذلك في ولدها إلا أن نفسها تباع في الدين لالتزام المولى ذلك بالإذن لها في التجارة وذلك لا يوجد في حق الولد ولا يعلق به حق الغرماء إنما يكون بطريق السراية ولا سراية بعد الانفصال لأن الولد بعد الانفصال نفس على حدة وهذا بخلاف ما إذا كان الدين لحقها قبل أن تلد ثم ولدت لأن حق الغرماء تعلق بها في حال ما كان الولد جزءا متصلا بها فيسري إلى الولد بحكم الاتصال وينفصل على تلك الصفة.
ثم تعلق حق الغرماء بها لا يكون قبل سبب وجوب الدين فإذا كان السبب موجودا بعد انفصال الولد لا يمكن إثبات الحكم في الولد بطريق السراية وهذا بخلاف الدفع بالجناية فإن الجارية إذا ولدت فلا حق لأولياء الجناية في ولدها لأن حقهم هناك في بدل المتلف وهو أرش الجناية أو في نفسها جرى على الجناية ولكن ذاك ليس بحق متأكد بدليل تمكن المولى من التصرف فيها كيف شاء بالبيع وغيره فلهذا لا يسري إلى الولد وها هنا حق الغرماء متأكد في ذمتها متعلق بماليتها بصفة التأكيد بدليل أنه لا ينفذ تصرف المولى فيها بالبيع والهبة ما لم يصل إلى الغرماء حقهم فيسري هذا الحق المتأكد إلى الولد.
ولو ولدت ولدا وعليها دين ثم لحقها دين بعد ذلك اشترك الغرماء جميعا في ماليتها إذا بيعت فأما ولدها فلأصحاب الدين خاصة لأنه انفصل عنها وحقهم ثابت فيها فسرى إلى الولد وأصحاب الدين الآخر إنما يثبت حقهم فيها بعد انفصال الولد عنها فلهذا لا يثبت حق الغرماء في ولدها.
ولو ولدت ولدين أحدهما قبل الدين والآخر بعد الدين لحق الولد الدين الآخر دون الأول لأن الأول انفصل عنها قبل تعلق الدين برقبتها ويعتبر حال كل واحد من الولدين كأنه ليس معه الولد الآخر ولو جنى عليها جناية فاستوفى أرشها من الجاني أو كان الجاني عبدا فدفع بالجناية فحكمه حكم ولدها في حق الغرماء لأن الأرش مملوك للمولى لا من جهتها ولكن بدل جزء منها فيكون حكم الأرش حكم ولدها في حق الغرماء.
وفي الجارية الجانية إذا جنى عليها بدفع الأرش معها لأن الأرش بدل جزء من عينها وحق الدفع كان ثابتا في ذلك الجزء فيثبت في بدله اعتبارا لبدل طرفها ببدل نفسها فأما الولد فليس ببدل جزء فائت من عينها ولكنه زيادة انفصل عنها فلا يثبت فيه حق أولياء الجناية لوجوب دفعها إليهم بالجناية فكان الولد في هذا قياس العقد فإنها لو وطئت بالشبهة لا يتعلق حق أولياء الجناية بعقدها فكذلك بولدها.
وإذا أذن لعبده في التجارة فلحقه دين كثير ثم دبره مولاه فالغرماء بالخيار إن شاؤوا ضمنوا المولى القيمة وإن شاؤوا استسعوا العبد في جميع الدين لأن قبل التدبير كان لوصولهم إلى حقهم طريقان بيع الرقبة في الدين أو الاستسعاء والمولى بالتدبير فوت عليهم

 

ج / 25 ص -51-       أحد الطريقين وهو استيفاء الدين من المالية لأن التدبير لا يمكن بيعه في الدين وما يعرض للطريق الآخر وهو الكسب لأن الكسب بعد التدبير يكون على ملك المولى كما كان قبله فيبقى الخيار لهم إن شاءوا ضمنوا المولى لإتلافه مالية الرقبة عليهم وذلك يتقدر بقيمة العبد فإذا استوفوا ذلك منه فلا سبيل لهم على العبد حتى يعتق لأنه لو وصل ذلك إليهم ببيعه في الدين لم يبق لهم عليه سبيل حتى يعتق فكذلك إذا وصل إليهم بتضمين المولى فإذا عتق اتبعوه ببقية دينهم لأن بقية الدين كان ثابتا في ذمته فعليه قضاؤه من خالص ملكه وخالص ملكه ما اكتسب بعد العتق فأما ما كان اكتسبه قبل العتق فهو للمولى والمولى قد ضمن لهم مالية الرقبة فلا يبقى لهم سبيل على كسب هو ملك المولى.
فإن اختاروا استسعاء المدبر استسعوه في جميع الدين كما قبل التدبير كان لهم حق استيفاء جميع الدين من كسبه فكذلك بعد التدبير لأن الكسب على ملك المولى والمولى راض بقضاء ديونه من كسبه بخلاف الأول فهناك المولى ضمن مالية الرقبة فهو غير راض بصرف ما يكتسبه بعد إسلامه مالية الرقبة للغرماء إلى ديونهم فإذا اختاروا أحد الأمرين فليس لهم أن يرجعوا عنه بعد ذلك لأنهم اختاروا تضمين المولى فقد سلموا ما يكتسبه المدبر للمولى وإن اختاروا استسعاء المدبر فقد أبرءوا المولى فلا يكون لهم أن يرجعوا عنه كالغاصب مع غاصب الغاصب إذا اختار المغصوب منه تضمين أحدهما فإن ضمنوا المولى قيمته اقتسموها بينهم بالحصص والعبد على إذنه فإن اشترى وباع فلحقه دين كان لأصحاب هذا الدين أن يستسعوه ولا سبيل لهم على المولى لأن حقهم ما تعلق بمالية الرقبة فإنه ما كان محلا للبيع حين وجب دينهم فإنما يتعلق حقهم بالكسب خاصة ولا يشاركهم الأولون في سعايته لأنهم باختيار تضمين المولى أسقطوا حقهم عن كسب رقبته ولأن استدامة الإذن بعد التدبير كإنشائه  فإن فضل شيء من كسبه عن دين الآخرين كان للمولى دون الأولين.
وإذا قتل المدبر كانت قيمته للآخرين دون الأولين لأن القيمة بدل الرقبة فيكون كالكسب في وجوب صرفها إلى الدين ولأن الأولين قد وصل إليهم بدل مالية الرقبة حين ضمنوا المولى قيمته فلا سبيل لهم على القيمة التي تستوفي من القاتل ولم يسلم للآخرين شيء من ذلك.
وإذا لحق العبد المأذون دين ثلاثة آلاف درهم لثلاثة نفر وقيمته ألف درهم ثم دبره المولى فاختار بعض الغرماء اتباع المولى بالقيمة وبعضهم استسعاء العبد فذلك لهم لأن لكل واحد منهم فيما اختار غرضا صحيحا وقد كان لكل واحد منهم هذا الخيار في دينه قبل التدبير فكذلك بعده إلا أن قبل التدبير إذا اختار أحدهم البيع فبيع له لا يملك إيفاء حق الباقين في الكسب لأنه بالبيع قد انحجر عليه وها هنا بعد التدبير العبد على إذنه فيمكن إيفاء حق من اختار السعاية في كسبه فإن كان اختار ضمان المولى اثنان منهم كان لهما ثلثا القيمة وسلم للمولى ثلث القيمة لأن القيمة على المولى أثلاثا بينهم لو اختاروا تضمينه.

 

ج / 25 ص -52-       والذي اختار الاستسعاء ما أسقط حقه أصلا ولكن عين لحقه شيئا من ملك المولى وهو الكسب فيكون مزاحمته مع الأولين في حق المولى قائم حكما فلهذا يسلم حصته من القيمة للمولى ويغرم للآخرين ثلثي القيمة ثم الذي اختار السعاية إن أخذها من العبد قبل أن يأخذ الآخر إن شاء من القيمة لم يكن لهما حق المشاركة معه فيما قبض لأنهما أسقطا حقه عن السعاية باختيار التضمين فانقطعت المشاركة بينه وبينهما في السعاية.
وإذا أراد الذي اختار السعاية قبل أن يأخذ المولى نصيبه أو شارك صاحبه فيما يقبضان من القيمة لم يكن له ذلك وكذلك الآخر أن بعد اختيارهما ضمان المولى وإن أرادا أن يتبعا المدبر بدينهما ويدعا تضمين المولى لم يكن لهما ذلك وإن سلم ذلك لهما المولى لأن كسب العبد صار حقا للذي اختار السعاية ما لم يصل إليه كمال دينه وحقه فيه مقدم على حق المولى فلا يتبين رضى المولى في مزاحمة الآخرين معه في السعاية بعد ما أسقطا حقهما عنها باختيار تضمين المولى.
فإن اشترى المدبر بعد ذلك وباع فلحقه دين آخر كان جميع كسب المدبر بين صاحب الدين الذي اختار سعايته وبين أصحاب الدين الذي لحقه آخرا ليس لأحد منهم أن يأخذ منه شيئا دون صاحبه لأن العبد بقي على إذنه فهذه الديون جميعها حالة واحدة وهي حالة الإذن فيكون الكسب مشتركا بينهم بالحصة فأيهم أخذ منه شيئا شاركه أصحابه وقد بينا أن ما اكتسب من ذلك قبل أن يلحقه الدين الآخر أو بعده في ذلك سواء فإن كان الأول الذي اختار سعايته قبض شيئا من سعايته قبل أن يلحقه الدين الآخر سلم ذلك له لأنه حين قبضه ما كان لأحد سواه حق في الكسب وما قبضه خرج من أن يكون كسبا للعبد فلا يتعلق به حق الآخرين بعد ذلك كما لو كان المولى هو الذي قبضه.
ولو أقر المدبر لرجل بدين ألف درهم وذكر أنه كان عليه قبل التدبير فصدقه صاحبه أو قال كان بعد التدبير فذلك سواء ويسعى له المدبر مع غرمائه لأنه باق على إذنه فيما يلزمه بإقراره بمنزلة ما يلزمه بالتجارة فما سعى فيه من شيء اشتركوا فيه ولا يصدق المدبر على أن يدخل هذا في القيمة التي كانت وجبت للأولين على المولى لأنه في إسناد الإقرار إلى ما قبل التدبير متهم في حقهم فإنه لا يملك إثبات المزاحمة له معهم بطريق الإنشاء.
ولو صدقه المولى في ذلك وأقر أنه كان قبل التدبير واختار هذا الغريم إتباع المولى فإن كان المولى دفع إلى الغريمين اللذين اختارا ضمانه ثلثي القيمة بقضاء القاضي دفع إلى هذا المقر له سدس القيمة وهو نصف ما بقي عليه لأن تصديق المولى معتبر في حقه غير معتبر في حق الأولين وهو يزعم أن الأولين حقهما في نصف القيمة وأن عليهما رد الزيادة على ذلك ولكنه غير مصدق في استرداد شيء منهما إلا أن ما دفعه بقضاء القاضي لا يكون مضمونا فيجعل ذلك كالتاوي وما بقي بزعمه بين الآخرين نصفين إلا أن الذي اختار السعاية يسلم للمولى حصته من ذلك فيدفع إلى المقر له مقدار حقه من ذلك وهو مقدار نصف ما بقي

 

ج / 25 ص -53-       عليه بزعمه ثم اتبع هذا الغريم المدبر بثلث دينه فيسعى له فيه لأنه تمام حقه في ربع القيمة وإنما سلم له سدس القيمة وذلك ثلثا حقه ولو لم يسلم له شيء من القيمة كان له أن يستسعي العبد في جميع دينه فكذلك يستسعيه في ثلث دينه حين لم يسلم له ثلث نصيبه من القيمة اعتبارا للبعض بالكل ولا يبطل اختياره ضمان المولى حق استسعائه في هذا القدر لأن اختياره ضمان المولى معتبر فيما وصل إليه دون ما لا يصل إليه والواصل إليه ثلثا نصيبه من قيمته فلا يعتبر ذلك الاختيار في إبطال حقه في السعاية في الثلث الباقي وإن كان دفع الثلثين بغير قضاء قاض غرم للمقر له ربع جميع القيمة لأن المولى مقر أن حقه في ربع جميع القيمة وما دفع إلى الأولين زيادة على حقهما ها هنا محسوب عليه في حق المقر له لأنه دفعه باختياره فلهذا غرم له جميع نصيبه وهو ربع القيمة ثم لا يتبع المقر له المدبر بشيء من دينه حتى يعتق لأنه وصل إليه كمال حقه من بدل الرقبة.
قال: ألا ترى أن غرماءه الثلاثة الأولين لو اختاروا ضمان المولى فضمنوه القيمة فدفعها إليهم بقضاء ثم ادعى آخر على المدبر دينا ألف درهم قبل التدبير وصدقه المدبر والمولى في ذلك فلا سبيل لهذا الغريم على تلك القيمة ولا على المولى ولا يبطل اختياره ضمان المولى حقه في سعاية العبد بخلاف ما إذا كان دفع القيمة إلى الأولين بغير قضاء قاض فإنه يغرم للدافع كمال حصته وهو ربع القيمة.
ولو لم يكن المولى دبر عبده ولكنه أعتقه وهو موسر أو معسر فهو سواء والغرماء بالخيار إن شاءوا اتبعوا المولى بالقيمة لأنه أتلف حقهم في ماليته بالإعتاق وضمان الإتلاف لا يختلف باليسار والإعسار فإذا اتبعوه بالقيمة أخذا العبد بما بقي من دينهم لأن كسبه بعد العتق خالص حقه والباقي من الدين ثابت في ذمته فعليه قضاؤه من ملكه بخلاف التدبير فإن كسبه بعد التدبير مال المولى وقد ضمن المولى لهم بدل الرقبة فلا يبقى لهم سبيل على شيء من ملكه بعد ذلك حتى يعتق وإن شاءوا أخذوا جميع دينهم من العبد وأبرؤوا المولى لأن ضمان القيمة على المولى خالص حقهم وهو محتمل للإسقاط فيسقط بإسقاطهم ويبقى أصل ديونهم على العبد وقد عتق فيتبعوه بجميع ذلك.
وإن اختاروا إتباع العبد بدينهم ولم يبرئوا المولى من شيء لم يكن هذا براءة منهم للمولى لأن المولى في مقدار القيمة متحمل لهم عن العبد بمنزلة الكفيل ومطالبة الأصيل بالدين لا توجب براءة الكفيل بدون الإبراء.
وكذلك لو اختاروا ضمان المولى كان لهم أن يتبعوا العبد بجميع دينهم إذا لم يقبضوا من المولى شيئا لأن اختيارهم تضمين المولى بمنزلة مطالبة الكفيل بالدين وذلك غير مبرئ للأصيل بخلاف التدبير فهناك حقهم أحد شيئين إما القيمة على المولى أو استيفاء الدين من كسبه على ملك المولى فاختيارهم أحد الأمرين يوجب براءة الآخر وها هنا قد ثبت حقهم في

 

ج / 25 ص -54-       الأمرين جميعا لتقرر سببهما في مطالبة المعتق بجميع الدين لأنه في ذمته وفي مطالبة المولى بالقيمة لأنه متحمل لذلك القدر.
ألا ترى أنهم إذا أخذوا القيمة من المولى كان لهم أن يتبعوا العبد ببقية دينهم فلهذا لا يكون اختيارهم تضمين أحدهما إبراء للآخر.
ولو اختار بعض الغرماء إتباع المولى وأبرؤوا المولى من أن يكون يتبعه بشيء من القيمة لم يكن لهم بعد ذلك أن يتبعوه بشيء لصحة الإبراء منهم له عن ذلك في حقهم وتكون القيمة كلها لأصحاب الدين الذين اختاروا تضمين المولى لأن النقصان كان لمزاحمة الآخرين وقد زال ذلك بالإبراء فالتحق بما لو لم يكن إلا دينهم وهذا بخلاف التدبير فهناك مزاحمة الذين اختاروا استسعاء العبد لم ينعدم في حق المولى لأن سعايته ملك المولى فلهذا لا يدفع إلى الذين اختاروا ضمانه لأن حصتهم من القيمة وهنا مزاحمة الذين أبرؤوا المولى قد انعدمت في حقه من كل وجه لأنهم يأخذون دينهم من سعاية هي خالص ملك المعتق لا حق للمولى فيه فلهذا لزمه دفع جميع القيمة إلى الذين اختاروا تضمينه ولهم الخيار كما بينا فإن آخذوا المولى لم يرجع على العبد بشيء لأنه ضامن لإتلافه محل حقهم أو لأنه متحمل عن العبد ولم يستوجب بهذا التحمل شيئا على العبد وإن أخذوا العبد لم يرجع على المولى بشيء لأنه أصيل قضى دينه بملكه وما أخذ واحد منهم من القيمة التي على المولى اشترك فيها جميع من اختار ضمان المولى لأن وجوب القيمة لهم على المولى بسبب واحد ولأن القيمة كالثمن لو بيعت الرقبة في ديونهم وما أخذ واحد من الغرماء من العبد بعد عتقه فهو له خاصة لا يشاركه فيه الغرماء لأنه حر ودين الحر في ذمته لا تعلق له بكسبه وإنما وجب دين كل واحد منهم في ذمته بسبب على حدة بخلاف التدبير فإنه بعد التدبير مملوك والدين في ذمة المملوك يكون شاغلا لكسبه فلهذا إذا خص أحدهم بقضاء الدين دون أصحابه لم يسلم ذلك له ولو لحق العبد المأذون دين كبير فأعتقه المولى وأخذ ما في يده من المال فاستهلكه ثم اختار الغرماء اتباع العبد وأخذوا منه الدين رجع العبد على المولى في المال الذي أخذ منه بما أداه من الدين وضمنه ذلك لأن كسبه إنما كان يسلم للمولى بشرط براءته عن الدين ولم يوجد وهو غير متبرع فيما أدى من الدين من خالص ملكه بعد العتق بل هو مجبر على ذلك فيكون له أن يرجع على المولى فيما استهلكه من كسبه بذلك المقدار وإن كان قائما في يد المولى اتبعه العبد حتى يستوفي منه مقدار ما أدى وما فضل منه فهو للمولى وكذلك لو لم يوف العبد الدين ولكن الغرماء أبرءوه منه لم يرجع على المولى بشيء من ذلك المال لأنه كان اكتسبه في حال رقه وقد فرغ من دينه فيكون سالما للمولى.
وكذلك إن كانت أمة فاعتقها وأخذ منها مالها وولدها وأرش يدها وقد كان الدين لحقها قبل الولادة والجناية ثم حضر الغرماء فإن المولى يجبر على أن يدفع إليها مالها لتقضي دينها لأن كسبها لا يسلم للمولى مع قيام الدين عليها ولا يجبر على دفع الولد والأرش إن كان لم

 

ج / 25 ص -55-       يعتقها ولكن تباع فيقضي من ثمنها ومن أرش اليد الدين لأن الولد ليس من كسبها في شيء بل هو ملك المولى كرقبتها.
وليس للغرماء أن يعينوا على المولى قضاء الدين من مالية الولد ولكن الخيار في ذلك إلى المولى فإن أرادوا بيع الرقبة لهم في ديونهم وفي الرقبة وفاء بحقوقهم فقد وصل إليهم كمال حقهم وأرش اليد من جنس حقهم فإذا استوفوا حقهم منه لا يبقى لهم على الولد سبيل وإن كان المولى أعتقها فللغرماء أن يرجعوا عليه بقيمتها لأنه أتلف ماليتها عليهم ثم يباع ولدها في دينهم أيضا لأنه انفصل بعد تعلق حقهم بماليتها ويأخذون من المولى الأرش أيضا لأنه بدل ما كان تعلق حقهم به ثم يتبعون الأمة بما بقي من دينهم لأنها قد أعتقت وإن شاؤوا اتبعوها بجميع الدين وتركوا اتباع المولى فإن أتبعوها بدينهم فأخذوه منها سلم للمولى ولدا لأمة وما أخذ من أرش يدها لم يكن لها أن ترجع على المولى بالولد والأرش كما لا ترجع بقيمة نفسها اعتبارا للجزء بالكل والمعنى أن المولى يرجع بما يملكه من جهتها ولها أن ترجع على المولى بما أخذ من مالها لأنه كان يتملكه من جهتها فلا يسلم له ذلك إلا ببراءتها عن الدين فكذلك لو باعها للغرماء بدينهم وقبض الثمن ثم أعتق المشتري الجارية فإن شاء الغرماء أخذوا الثمن واتبعوا الجارية بما بقي من دينهم لأن ما بقي استقر في ذمتها فعليها قضاؤه من ملكها بعد العتق وإن شاؤوا اتبعوها بجميع دينهم فإن أخذوا ذلك منها سلم للمولى الثمن لأنها أصل في جميع الدين والمولى في مقدار الثمن كالكفيل. والأصيل إذا قضى الدين من ملكه لم يكن له أن يرجع على الكفيل بشيء فكذلك إذا كان المولى كاتبها بإذن الغرماء ما كان لهم أن يأخذوا جميع ما يقبض المولى من المكاتبة لأن ذلك كسبها وحقهم باق في كسبها وإن نفذت الكتابة فيها برضاهم فليس لهم أن يرجعوا فيها بشيء من دينهم ما دامت مكاتبة لأن المكاتبة التي استوفوا في معنى بدل الرقبة فإذا وصل إليهم بدل الرقبة لا يبقى لهم سبيل على كسبها ما لم تعتق.
ألا ترى أن كتابة المولى إياها بإذن الغرماء كبيعها ولو باعها برضاهم وأخذوا ثمنها لم يبق لهم على كسبها سبيل ما لم تعتق فكذلك ههنا.
فإن قبض المولى جميع المكاتبة وعتقت فالغرماء بالخيار إن شاؤوا أخذوا المكاتبة من السيد لأنه بدل ما تعلق به حقهم ثم اتبعوا الأمة بما بقي من دينهم لأنها قد عتقت وإن شاؤوا أخذوا الأمة بجميع دينهم فإن أخذوه منها سلمت المكاتبة للمولى بمنزلة الثمن الذي أخذه المولى ببيعها برضاهم وهذا لأن كل واحد منهما بدل الرقبة وحكم البدل حكم الأصل وملك الرقبة للمولى ما كان مستفادا من جهتها وهي فيما قضت من الدين أصل فلا ترجع على المولى بشيء بما كان متحملا عنها لغرمائها وإذا أذن للعبد في التجارة فلحقه دين كبير ثم أن المولى كاتبه فللغرماء أن يفسخوا الكتابة لأنهم يتضررون بما باشره المولى من حيث أنه يتعذر عليهم استيفاء الدين من مالية الرقبة بالبيع والكتابة تحتمل الفسخ فيفسخونها لدفع

 

ج / 25 ص -56-       الضرر عنهم كما يفسخون البيع وكما يفسخ الشريك الكتابة فإن لم يعلموا ذلك حتى أدى الكتابة إلى المولى فقد عتق بأدائها لوجود شرط العتق والمولى كان يملك تنجيز العتق فيه مع اشتغاله بحق الغرماء فيصح منه أيضا تعلق العتق بأداء المال ويعتق بالأداء ثم للغرماء أن يأخذوا الكتابة من المولى فيقتسمونها بينهم بالحصص لأن المؤدي كسب العبد وحق الغرماء في كسبه مقدم على حق المولى فلا ينتقض العتق باستيفائهم بدل الكتابة من المولى لأنه لا ناقض للعتق بعد الوقوع.
وللغرماء أن يضمنوا المولى قيمته لأنه أتلف عليهم مالية الرقبة بعد ما تعلق حقهم بها بخلاف المسألة الأولى فهناك إنما كاتبه برضاهم فكذلك يضمن لهم القيمة ثم يتبعوا العبد بما بقي من ديونهم لأنه حر فعليه قضاء دينه من خالص ملكه وإن شاؤوا اتبعوا العبد بجميع دينهم لتقرر الدين في ذمته بعد ما عتق وتسلم الكتابة للمولى وليس للعبد أن يرجع عليه بشيء مما أدى لأن الكتابة بدل ما سلم للعبد من جهة المولى وهو العتق فلا يكون له أن يرجع على المولى بشيء منه.
فإن قيل: فالغرماء إذا استوفوا الكتابة ينبغي أن لا يكون لهم أن يضمنوا المولى القيمة لأن بدل الرقبة سلم لهم وإن كانت الكتابة بمنزلة كسبه وليست ببدل عن رقبته فينبغي للمكاتب أن يرجع به على المولى كما إذا أخذ كسب عبده المأذون وأعتقه فقضى الدين من خالص ملكه كان له أن يرجع على المولى بما أخذ منه من كسبه.
قلنا: الموجود في حق الغرماء كسب العبد واستيفاء الكسب لا يبطل حقهم عن بدل الرقبة فأما فيما بين المولى والمكاتب فهو بدل عما أوجبه للمكاتب وقد سلم ذلك للمكاتب من جهته وهذا لأن المولى بعقد الكتابة يكون مسقطا حقه عن كسبه فيأخذون من المولى ما استوفى باعتبار أنه كسبه.
ولو كان العبد أدى بعض الكتابة ثم جاء الغرماء فلهم أن يطلبوا الكتابة ويباع العبد لهم في دينهم لأن احتمال الكتابة بالفسخ بعد قبض البدل كما كان قبله ويأخذون ما قبض المولى من الكتابة لأنه كسب العبد المأذون فإذا أجازوا المكاتبة جازت لأن الإجازة في الانتهاء كالإذن في الابتداء وما كان قبض المولى وما بقي منها فهو بين الغرماء كما لو كانت الكتابة بإذنهم لما بينا أن المقبوض كسب العبد فإن كان ما قبض المولى منها هلك قبل الإجازة لم يكن للغرماء إلا ما بقي من الكتابة لأن إجازتهم دليل الرضا منهم بقبض ما قبضه المولى فكان أمينا فيه غير ضامن بالهلاك في يده.
ولو أجاز المكاتبة بعض الغرماء دون البعض لم يجبر لأن لكل واحد منهم حق نقض الكتابة لأجل دينهم وبعضهم لا يملك إبطال حق النقض والذي أجاز قد أسقط حق نفسه فكأنه لم يكن في الابتداء إلا حق الذي لم يجز.
ولو أرادوا رد المكاتبة فأعطاهم المولى دينهم أو أعطاهم ذلك المكاتب فأبوا أن يقبلوا

 

ج / 25 ص -57-       وأرادوا رد المكاتبة لم يكن لهم ذلك لأن حقهم في ديونهم فإذا وصل إليهم كمال حقهم فقد زال المانع من نفوذ الكتابة وهم متعنتون في الإباء لأنهم يفسخون الكتابة ليبيعوه في ديونهم وقد وصلت إليهم ديونهم فلهذا لا يكون لهم أن يفسخوا الكتابة والله أعلم

باب العبد بين رجلين يلحقه دين
قال رحمه الله: وإذا كان العبد بين رجلين فأذنا له في التجارة ثم أدانه أحد الموليين مائة درهم وأدانه أجنبي مائة درهم ثم بيع العبد بمائة درهم أو قتل واستوفيت القيمة مائة درهم من قاتله أو مات وخلف مائة درهم من كسبه فعند أبي حنيفة رحمه الله: تقسم هذه المائة بين الأجنبي والمولى الدائن أثلاثا بطريق العول يضرب الأجنبي فيه بمائة والمولى الدائن بخمسين وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله يقسم بينهما على طريق المنازعة أرباعا ثلاثة أرباعها للأجنبي وربعها للمولى الدائن.
وجه قولهما أن نصف المائة نصيب المولى الدائن ودينه لا يثبت في نفسه فيسلم ذلك للأجنبي خاصة ونصفه نصيب الذي لم يدن وقد استوفى فيه حق الأجنبي وحق المولى الدائن من دين كل واحد منهما فيه مقدار خمسين فيقسم ذلك بينهما نصفين وأبو حنيفة رحمه الله: يقول محل الدين هو الذمة وإنما المال محل قضاء الدين لا محل وجوب الدين وجميع دين الأجنبي ثابت في ذمة العبد والثابت من دين المولى نصفه لأن نصف العبد ملكه ولا يستوجب المولى على عبده دينا فيضرب كل واحد منهما بجميع ما ثبت من دينه لأن قسمة كسب العبد بين غرمائه كقسمة التركة بين الغرماء.
وإذا اجتمع في التركة دين مائة لرجل ودين خمسون لآخر والتركة مائة فإنه يضرب كل واحد منهما فيها بجميع حقه وتكون التركة بينهما أثلاثا فهذا مثله وهذه المسألة بنظائرها وأضدادها قد تقدم بيانها في كتاب الدعوى فلهذا اقتصرنا على هذا الحرف لكل واحد منهما لأن مسائل الباب على هذا تدور ولو أدانه كل واحد من الموليين مائة درهم وأدانه أجنبي مائة درهم والمسألة بحالها فنصف المائة للأجنبي ونصفها للموليين أما عندهما فلأن نصيب الأكبر فارغ عن دينه وقد استوى فيه الأصغر مع الأجنبي لأن الثابت من دين كل واحد منهما فيه بقدر خمسين فيكون بينهما نصفين وكذلك نصيب الأصغر منهما فارغ عن دينه وقد استوى فيه حق الأكبر والأجنبي فيقسم بينهما نصفين فبالقسمتين يسلم للأجنبي نصف المائة ولكل واحد من الموليين ربع المائة فأما عند أبي حنيفة فلأن الثابت من دين كل واحد من الموليين خمسون ودين الأجنبي ثابت كله فيضرب الأجنبي بمائة وكل واحد من الموليين بخمسين فكان للأجنبي نصف المائة وللموليين نصفها بينهما نصفين.
وإذا كان رجلان شريكين شركة مفاوضة أو عنان وبينهما عبد ليس من شركتهما فأدانه أحدهما مائة درهم من شركتهما وأدانه أجنبي مائة ثم مات العبد وترك مائة أو بيع بمائة فللأجنبي ثلثاها وللشريكين ثلثها لأن إدانة أحد الشريكين في المال المشترك كإدانتهما جميعا،

 

ج / 25 ص -58-       فصار كل واحد منهما مدينا له بقدر الخمسين ثم نصيب الأكبر منهما فارغ عن حقه وقد اجتمع فيه من دين الأجنبي خمسون درهما ومن دين الأصغر خمسة وعشرون لأنه كان مدينا بجميعه خمسين على مقدار حقهما أثلاثا وكذلك نصيب الأصغر يقسم بين الأصغر والأجنبي أثلاثا بهذا الطريق فبالقسمة يحصل للأجنبي ثلثا المائة وللموليين ثلث المائة.
وعند أبي حنيفة دين الأجنبي وهو مائة كله ثابت والثابت من دين كل واحد من الموليين مقدار خمسة وعشرين فإذا جعلت كل خمسة وعشرين سهما صارت المالية التي للأجنبي أربعة أسهم ولكل واحد من الموليين سهم فتكون القسمة على ستة أربعة للأجنبي وذلك ثلثا المائة وسهمان للموليين وذلك ثلث المائة.
ولو كانت شركتهما شركة عنان والعبد من شركتهما فأداناه مائة درهم من غير شركتهما وأدانه أجنبي مائة درهم كان ثلثا المال للأجنبي وثلثه بين الموليين لما قلنا: أن كل واحد منهما صار مدينا له في مقدار خمسين نصف ذلك لا في نصيبه فلم يثبت ونصفه يثبت باعتبار شريكه فكان الثابت من دين كل واحد من الموليين خمسة وعشرين ودين الأجنبي ثابت كله فتكون القسمة بينهم على ستة أسهم على ما بينا.
ولو كان العبد من شركتهما فأداناه وأدانه أحدهما مائة من شركتهما وأدانه أجنبي مائة والمسألة بحالها فالمائة كلها للأجنبي ولا شيء لواحد من الشريكين ها هنا لأن العبد والمال كله من شركتهما فلا يثبت شيء من دين الموليين لاتحاد المستحق واتحاد حكم الواجب والمحل الذي يقضي منه وإنما الثابت دين الأجنبي خاصة وهو نظير ما لو كان العبد لواحد فأذانه مائة وأجنبي مائة ثم بيع بمائة فإن الثمن كله للأجنبي ولا يكون للمولى منه شيء.
وإذا أذن أحد الرجلين لعبد بينهما في التجارة ثم أدانه أحدهما مائة وأدانه أجنبي مائة ثم أن المولى الذي لم يأذن للعبد غاب وحضر الأجنبي فأراد بيع نصيب المولى الذي أذن العبد في دينه بيع له لأن دينه متعلق بنصيب كل واحد منهما والحاضر منهما خصم في نصيبه وليس بخصم في نصيب الغائب ولكن أحد النصفين ينفرد عن الآخر في البيع في الدين فلا يتأخر بيع نصيب الحاضر لغيبه الآخر فإن بيع بخمسين درهما أخذها الأجنبي كلها لأنه لا يثبت شيء من دين المولى الدائن في نصيبه فيسلم نصيبه للأجنبي فإن حضر المولى الآخر فإنه يباع نصيبه للأجنبي وللمولى الذي أدانه فيقتسمان ذلك نصفين لأن دين كل واحد منهما ثابت في نصيبه وقد استويا في ذلك فإن الباقي من دين الأجنبي فيه خمسون والثابت من دين المولى الدائن فيه خمسون فلهذا يقسم نصيبه بينهما نصفين وهذا شاهد لهما على أبي حنيفة ولكن أبو حنيفة رحمه الله: يقول قد تميز نصيب أحدهما عن نصيب الآخر ها هنا حين بيع نصيب كل واحد منهما بعقد على حدة فلا بد من اعتبار حال كل واحد من النصيبين على الانفراد.
ولو كان ثمن نصيب المولى الذي أدان العبد توى على المشتري وبيع نصيب الذي لم

 

ج / 25 ص -59-       يدن بخمسين درهما أو بأكثر أو بأقل فإن ذلك يقسم بينهما أثلاثا سهم للأجنبي وسهم للمولى الذي أدان لأنه لم يصل إلى الأجنبي شيء من حقه وجميع دينه ثابت في كل جزء من العبد فهو يضرب بمائة والمولى الدائن يضرب بما ثبت من دينه وذلك خمسون فلهذا قسم هذا النصف بينهما أثلاثا وهو دليل لأبي حنيفة في أنه يتميز في حكم الدين بعض العبد عن البعض فإن اقتسماه كذلك ثم خرجت الخمسون الأولى أخذها الأجنبي كلها لأنه قد بقي من دينه هذا القدر وزيادة ولا حق للمولى الدائن في ثمن نصيبه فيأخذها الأجنبي كلها وكذلك لو كانت أكثر من خمسين درهما حتى تزيد عن ثلثي المائة فتكون الزيادة للمولى الذي أدان لأنه قد وصل إلى الأجنبي كمال حقه والباقي ثمن نصيب المولى الدائن قد فرغ من الدين وسلم له ولا يرجع واحد من الموليين على صاحبه بشيء لأن نصيب المولى الذي لم يدن استحق بدين كان متعلقا بنصيبه برضاه فلا يرجع على صاحبه بشيء وكذلك بخروج ما توى لا يتبين فساد في سبب القسمة الأولى لأنه لا يتبين أن جميع دين الأجنبي لم يكن ثابتا يومئذ.
وإذا كان العبد بين رجلين فأذنا له في التجارة ثم أن كل واحد منهما أدانه مائة درهم من رجل آخر وأدانه أجنبي مائة ثم بيع بمائة درهم فالمائة بين الأجنبي والموليين أثلاثا لكل واحد منهما ثلثها لأن كل واحد من هذه الديون ثابت بكماله في الفصلين جميعا والمولى إنما لا يستوجب على عبده دينا لنفسه وكل واحد من الموليين في الإدانة ها هنا نائب عن صاحب المال فكان صاحب المال هو الذي أدانه بنفسه فلهذا كانت المائة أثلاثا بينهم.
ولو كان المال الذي أدانه الموليان كل واحد من المالين بين المولى الذي أدانه وبين أجنبي قد أمره بإدانته والمسألة بحالها فإن المائة تقسم على عشرة أسهم أربعة للأجنبي الذي أدان العبد وأربعة للأجنبيين اللذين شاركهما الموليان في المائتين لكل واحد منهما سهمان ولكل واحد من الموليين سهم لأن كل واحد من الموليين نائب عن شريكه في نصف ما أدانه فيثبت على العبد جميع نصيب كل واحد من الشريكين وفي النصف كل واحد منهما دائن لنفسه فيثبت نصف ذلك النصف باعتبار نصيب شريكه من العبد ولا يثبت نصفه باعتبار نصيبه من العبد فكان الثابت على العبد للأجنبي مائة درهم ولكل واحد من شريكي الموليين خمسون ولكل واحد من الموليين خمسة وعشرون فإذا جعلت كل خمسة وعشرين سهما كان الكل عشرة أسهم فلهذا كانت القسمة بينهم على ذلك.
وإذا كان العبد بين رجلين وقيمته مائتا درهم فأدانه أجنبي مائة فحضر الغريم وطلب دينه وغاب أحد الموليين فإن نصيب الغائب لا يقضى فيه بشيء حتى يحضر لما بينا أن كل واحد من الموليين خصم في نصيبه خاصة وأحدهما ليس بخصم عن صاحبه في نصيبه ولكن بيع نصيب الحاضر يتأتى منفردا عن نصيب الغائب فلهذا يباع نصيب الحاضر فإن بيع بمائة درهم أخذها الغريم كلها لأن جميع دينه كان ثابتا في كل جزء من العبد والذي بيع جزء من العبد ولا فضل في ثمنه على دينه فيأخذ جميع ذلك قضاء بدينه فإذا حضر الغائب

 

ج / 25 ص -60-       كان للذي بيع نصيبه أن يتبعه بخمسين في نصيبه حتى يباع فيه أو بعضه لأن نصف الدين كان قضاؤه مستحقا من نصيب هذا الذي حضر وقد استوفى من نصيب الآخر بغير اختياره أو باختياره ولكنه غير متبرع في ذلك بل كان محتاجا إليه لتخليص ملكه فيرجع على صاحبه في نصيبه بخمسين بمنزلة الوارثين لو اقتسما التركة وغاب أحدهما ثم حضر الغريم واستوفى جميع دينه من نصيب الحاضر كان له أن يرجع على شريكه بنصف ما أخذه الغريم منه فهذا كذلك.
وإذا رجع في نصيبه بخمسين فذلك دين في نصيبه يباع فيه أو يقضيه وكذلك لو كان العبد قتل فأخذ الحاضر نصف قيمته كان للغريم أن يأخذه كله ويرجع المأخوذ منه في نصيب شريكه إذا حضر وقبض لأن الواجب بالقتل بدل العبد كما أن الواجب بالبيع ثمن العبد فيعتبر حكم أحدهما بالآخر.
ولو كان العبد بين رجلين فأذنا له في التجارة فلحقه من الدين ألفا درهم لرجلين لكل واحد منهما ألف درهم وفي يده ألف درهم فأخذها أحد الموليين فاستهلكها ومات العبد فللغريمين أن يأخذا المستهلك بالألف فيقتسمانه نصفين لأن حقهما في كسب العبد مقدم على حق الموليين فالمستهلك بمنزلة الغاصب فإن رفعاه في ذلك إلى القاضي فقضى عليه بدفعها إليهما ولم يقبضا شيئا حتى أبرأ أحد الغريمين العبد والموليين من دينه فإن الغريم الآخر يأخذ المستهلك بجميع الألف لأن سبب استحقاق كل واحد منهما لجميع الألف معلوم وإنما كانت القسمة بينهما لأجل المزاحمة فإذا زالت المزاحمة بأن أبرأه أحدهما كان للآخر جميع الألف كالشفيعين إذا أسلم أحدهما الشفعة إلا أن هناك يفصل بين ما قبل القضاء لهما بالدار وما بعد القضاء لأن بالقضاء يتملك كل واحد منهما نصف الدار ومن ضرورته بطلان حق صاحبه عن ذلك النصف وها هنا بالقضاء لا يتملك كل واحد منهما شيئا لم يكن له قبل القضاء فبقي حق كل واحد منهما في جميع الألف بعد القضاء كما قبله وإنما هذا بمنزلة التركة فإن حرا لو مات وترك ألفا وعليه دين لرجلين لكل واحد منهما ألف فقضي القاضي بقسمتها بينهما فلم يقسماها ولم يقبضاها حتى أبرأ أحد الغريمين الميت من دينه كانت الألف كلها للغريم الباقي ولو اقتسماها وقبضاها ثم أبرأ أحدهما الميت من دينه سلم له ما أخذ ولم يكن لصاحبه من ذلك شيء لأن البراءة إسقاط لما بقي من حقه دون ما تم استيفاؤه فكذلك في غريمي العبد لو أخذ الألف من المولى المستهلك ثم أبرأ أحدهما العبد من دينه سلم لكل واحد منهما ما قبض فكذلك في هذه الفصول لو كان مولى العبد واحدا.
ولو كان العبد بين رجلين فأذن له أحدهما في التجارة وأقر العبد بألف في يديه أنها وديعة لرجل وأنكر الموليان فالقياس في هذا أن يأخذ المولى الذي لم يأذن له نصف الألف لأن ما في يد العبد كسبه ولكل واحد من الموليين نصفه بطريق الظاهر وإقرار العبد ليس بحجة في نصيب الذي لم يأذن له فيسلم له نصف الألف وهو حجة في نصيب الآذن لوجود الرضا منه

 

ج / 25 ص -61-       بذلك حين أذن له في التجارة فكان هذا النصف للمستودع ولكنا نستحسن فنجعل الألف كلها للمستودع لأن إذن أحدهما في نفوذ تصرف العبد كإذنهما والإقرار من التجارة فكما ينفذ جميع تجارة العبد بإذن أحدهما فكذلك ينفذ إقراره بإذن أحدهما ويتبين بإقراره أن المال للمودع وإنما يثبت حق الموليين في كسب العبد وإذا ثبت بإقراره أن هذا المال ليس من كسبه كان للمودع كله ولو لم يقر بالوديعة حتى قبض الموليان منه الألف ثم أقر بعد ذلك أنها وديعة لفلان وكذباه لم يصدق على الألف لأن بأخذ الموليين خرج المقبوض من أن يكون كسبا للعبد وصار بحيث لا ينفذ فيه سائر تصرفاته فكذلك لا ينفذ فيه إقراره لأن نفوذ الإقرار باعتبار نفوذ سائر التصرفات بخلاف الأول وهناك المال باق في يده فينفذ فيه تصرفه فينفذ إقراره ويكون الثابت بإقراره كالثابت بالبينة.
ولو شهد الشهود عليه بألف درهم وديعة لهذا الرجل ولكنهم لا يعرفونها بعينها فقال العبد هي هذه الألف كان مصدقا في ذلك فهذا مثله ثم لا شيء عليه في الوديعة إذا كان إقراره بعد أخذ الموليين لأنه لم يتلفظها وإنما أخذها الموليان بغير رضاه ولو أخذها أجنبي منه غصبا وجحدها لم يضمن العبد شيئا فكذلك إذا أخذها الموليان منه.
ولو أذن للعبد أحد الموليين في التجارة فأدانه أجنبي مائة وأدانه الذي أذن مائة درهم فإن نصيبه يباع في دين الأجنبي خاصة لأنه لا يستوجب الدين في نصيب نفسه ولا في نصيب شريكه فإن شريكه لم يضمن باستحقاق نصيبه بالدين فلهذا يباع نصيبه في دين الأجنبي خاصة ولو كان أدانه الذي لم يأذن له مائة درهم فإن كان إنما أدانه قبل إدانة الأجنبي فإدانته إذن له في التجارة لأنه معاملة منه مع العبد وقد بينا أن دليل الرضا بتصرفه فإذا أدانه الأجنبي بعد ذلك كان ثمن العبد إذا بيع بينهما أثلاثا في قول أبي حنيفة رحمه الله: وأرباعا في قولهما وهي مسألة أول الباب وإن كان أدانه بعد الأجنبي فإنه يباع من العبد نصفه وهو حصة المولى الذي كان أذن له فيضرب فيه الأجنبي بجميع دينه ويضرب فيه المولى الذي أدانه بخمسين فيقتسمان ذلك النصف أثلاثا ولا يلحق حصة الذي أدانه من دين الأجنبي شيء لأن ثبوت الإذن في نصيبه كان ضمنا لإدانته وقد حصل بعد إدانة الأجنبي والدين السابق على الإذن لا يتعلق بمالية العبد وإن وجد الإذن بعد ذلك كالعبد المحجور إذا لحقه دين بتجارته ثم أذن المولى له في التجارة لا يلحقه ذلك الدين ما لم يعتق فهذا كذلك ولما ثبت أن نصيب المدين فارغ عن دين الأجنبي بقي جميع دينه في نصيب الذي أذن له وقد ثبت فيه أيضا من دين المولى الدائن خمسون فلهذا قسم ثمن نصيبه بينهما أثلاثا والله أعلم.

باب العبد المأذون يدفع إليه مولاه ما لا يعمل به
قال رحمه الله: وإذا دفع الرجل إلى عبده مالا يعمل به بشهود وأذن له في التجارة فباع واشترى فلحقه دين ثم مات وفي يده مال ولا يعرف مال المولى بعينه فجميع ما في يد العبد بين غرمائه لا شيء للمولى منه لأن مال المولى كان أمانة في يده وقد مات مجهلا له،

 

ج / 25 ص -62-       والأمانة بالتجهيل تصير دينا والمولى لا يستوجب على عبده دينا وما في يده كسبه بطريق الظاهر فيكون مصروفا إلى غرمائه ولا شيء للمولى منه إلا أن يعرف شيء للمولى بعينه فيأخذه دون الغرماء لأنه عين ملكه وليس من كسب العبد في شيء وكذلك لو عرف شيء بعينه اشتراه بمال المولى أو باع به مال المولى لأنه بدل ملكه بعينه وحكم البدل حكم المبدل وهذا لأنه يجوز أن تكون عين ملك المولى في يد عبده على سبيل الأمانة كما يجوز أن تكون في يد حر.
ولو كان دفعه إلى آخر فمات كان هو أحق بما عرف من ماله بعينه أو ببدله فهذا مثله إلا أن هناك إذا لم يعرف بعينه صار دينا وهو يستوجب الدين على الحر وهنا يصير دينا أيضا ولكن هو لا يستوجب دينا على عبده فيبطل وإذا أقر العبد في حصته بعد ما لحقه الدين بأن هذا المال الذي في يده بعينه هو مال مولاه الذي دفعه إليه لم يصدق على ذلك لأنه تعلق بذلك المال حق غرمائه والمولى يخلف عبده في كسبه خلافة الوارث المورث ثم إقرار المورث لوارثه بعين بعد تعلق الحقوق بها لا يكون صحيحا فكذلك إقرار العبد لمولاه والأصح أن نقول العبد في حق مولاه متهم فيجعل هو في الإقرار له بالعتق بعد تعلق حق الغرماء بالمال بمنزلة المريض يقر لإنسان بعين وعليه ديون في الصحة وهناك لا يصح إقراره في حق غرماء الصحة فهذا كذلك إلا أن يعرفه الشهود بعينه فحينئذ قد ثبت ملكه بحجة لا تهمة فيها أو يقر به للغرماء فيكون الثابت في حقهم بتصديقهم كالثابت بالبينة وهو نظير إقرار المريض المديون بوديعة الأجنبي فإن أقام ذلك الرجل ببينة أنه أودعه عبدا وقبضه المريض إلا أن الشهود لا يعرفون العبد بعينه لم يصدق على الغرماء في استحقاق المقر له ملك العين ولكن إذا مات المريض بيع العبد فيقسم ثمنه بين الغرماء وبين المستودع يضرب فيه المستودع بقيمته لأنه يثبت بالبينة أنه أودعه العبد ولم يصح منه تعيين العبد فقد مات مجهلا له والوديعة بالتجهيل تصير دينا ووجوب هذا الدين بسبب لاتهمة فيه والقول في تلك القيمة إن اختلفوا قول الغرماء مع أيمانهم لإنكارهم الزيادة.
ولو أن العبد أقر بالوديعة بعينها لأجنبي كان إقراره جائزا والأجنبي أحق بها من الغرماء وإن لم يكن له بينة على أصل الوديعة لأنه غير متهم في حق الأجنبي وهذا لأنه مأذون أقر بعين بعد ما لحقه الدين وإقرار المأذون بالدفع بعد ما لحقه دين صحيح فكذا إذا أقر بالعين.
ألا ترى أنه لو أقر بدين استحق المقر له مزاحمة سائر الغرماء فكذلك إذا أقر له بعين استحق العين دونهم بخلاف المريض فإنه محجور لحق الغرماء حتى لو أقر بدين لم يصح إقراره في حق غرماء الصحة فكذلك إذا أقر بالدين.
ولو دفع المولى إلى عبده المأذون مالا وأمره أن يشتري الطعام خاصة فاشترى به رقيقا فشراؤه إياه جائز عليه في عتقه لأنه خالف أمر المولى وتنفيذ العقد عليه ممكن لكونه

 

ج / 25 ص -63-       مأذونا وليس للبائع أن يأخذ الثمن من المال الذي دفعه إليه المولى لأن الثمن فيما اشتراه لنفسه دين في ذمته وإنما يقضي ديونه من كسبه لا من أمانة للمولى في يده.
وكذلك لو لم يكن مأذونا له ولكنه دفع إليه المال وأمره أن يشتري به الطعام لأنه بهذا يصير مأذونا له فقد رضي المولى بنوع من تصرفه فإن نقد الثمن من مال مولاه كان للمولى أن يتبع البائع بذلك المال حتى يسترده منه بعينه أو مثله إن كان هالكا لأنه غاصب في قبضه مال المولى لنفسه على وجه التملك ثم يرجع البائع على العبد لأن قبضه انتقض من الأصل وكان الثمن دينا في ذمة العبد فبقي كما كان وللبائع أن يطالبه بقضاء الدين من كسبه.
ولو أن المولى اشترى متاعا من عبده المأذون بمثل ثمنه فهو جائز لأنه غير متهم في ذلك فإنه ليس في تصرفه إبطال حق الغرماء عن شيء مما تعلق حقهم به وهو كالمريض يبيع عينا من أجنبي بمثل قيمته وعليه ديون الصحة.
فإن قيل: لماذا لم يجعل هذا بمنزلة بيع المريض من وارثه بمثل قيمته حتى لا يجوز في قول أبي حنيفة رحمه الله: فإن المولى يخلفه في كسبه خلافة الوارث المورث.
قلنا: منع المريض من هذا التصرف مع الوارث عبده لحق سائر الورثة لأن حقهم متعلق بعين ماله وفي هذا التصرف إيثار بعض الورثة على البعض بالعين فأما ها هنا المنع لحق الغرماء وحق الغرماء في المالية دون العين.
ألا ترى أن للمولى أن يستخلص إكسابه لنفسه بقضاء الدين من موضع آخر وليس في البيع بمثل القيمة إبطال حقهم عن شيء من المالية فإذا أجاز البيع طالب العبد مولاه بالثمن لحق غرمائه سواء سلم إليه المبيع أو لم يسلم لأن المولى في هذه الحالة كالأجنبي من كسبه لحق غرمائه.
ولو حابا فيه بما يتغابن الناس فيه أو بما لا يتغابن الناس فيه فهو سواء ويقال للمولى أنت بالخيار إن شئت فانقض البيع وإن شئت فأد جميع قيمة ما اشتريت وخذ ما اشتريت لأن في المحاباة إبطال حق الغرماء عن شيء من المالية والعبد في ذلك متهم في حق المولى والمحاباة اليسيرة والفاحشة في ذلك سواء كما في حق المرتهن لأن تصرفه ما كان بتسليط من الغرماء وإنما يتخير المولى لأنه يلزمه زيادة في الثمن لم يرض بالتزامها.
فإن قيل: هذا قولهما فأما عند أبي حنيفة فالبيع فاسد بمنزلة بيع المريض من وارثه فإن هناك لما تمكنت تهمه الإيثار في تصرفه فسد العقد عنده فكذلك هنا بخلاف البيع بمثل القيمة والأصح أن هذا قولهم جميعا لأن العبد في تصرفه مع مولاه كالمريض المديون في تصرفه مع الأجنبي فإن كان المولى قبضه واستهلكه فعليه كمال القيمة لأن المحاباة لا تسلم له وقد تعذر الرد بالاستهلاك فعليه القيمة والقول قوله في فضل القيمة لأنه منكر للزيادة فالقول قوله مع يمينه إلا أن يقيم الغرماء البينة على أكثر من ذلك.
ولو كان المولى هو الذي باع متاعه من العبد بمثل قيمته أو أقل منها فبيعه جائز لأنه مفيد

 

ج / 25 ص -64-       فإنه يخرج به من كسب العبد إلى ملك المولى ما كان المولى ممنوعا منه قبل ذلك لحق الغرماء ويدخل به في كسب العبد ما لم يكن تعلق به حق الغرماء وهذا التكلف عندهما فأما عند أبي حنيفة فالمولى لا يملك كسب عبده المديون كما لا يملك كسب مكاتبه فيجوز البيع بينهما وللمولى أن يمنع البيع حتى يستوفي الثمن كما لو باعه من مكاتبه وهذا لأن البيع يزيل العتق عن ملك البائع ولا يزيل ملك اليد ما لم يصل إليه الثمن فيبقى ملك اليد للمولى على ما كان حتى يستوفي الثمن فإن دفع إليه الثمن وقبض ما اشترى فهو جائز ولا سبيل للغرماء على المولى فيما قبض من الثمن لأن المبيع خلف عن الثمن في تعلق حق الغرماء به.
ولو سلم المولى ما باعه إلى العبد قبل أن يقبض الثمن والثمن دين على العبد فقبض العبد لما اشترى جائز وهو للغرماء ولا شيء للمولى من الثمن وعند أبي يوسف قال هذا إذا استهلك العبد المقبوض فإن كان قائما في يده فللمولى أن يسترده حتى يستوفي الثمن من العبد وجه ظاهر الرواية أنه بتسلم المبيع أسقط حقه في الحبس وملك اليد الذي كان باقيا له فلو بقي الثمن بقي دينا في ذمة العبد والمولى لم يستوجب على عبده دينا.
وجه قول أبي يوسف: أنه إنما أسقط حقه في العين بشرط أن يسلم له الثمن ولم يسلم فيبقي حقه في العين على حاله ويتمكن من استرداده ما بقيت العين لأنه يجوز أن يكون له ملك العين فيما في يد عبده فكذلك يجوز أن يكون له ملك اليد فيه فأما بعد الاستهلاك فقد صار دينا.
ولو كان الثمن عروضا كان المولى أحق بذلك الثمن من الغرماء لأنه بالعقد ملك العرض بعينه ويجوز أن يكون عين ملكه في عبده وهو أحق به من الغرماء ولو كان المولى باع متاعه من عبده بأكثر من قيمته بقليل أو كثير فالزيادة لا تسلم للمولى لكونه متهما في المعاملة مع المولى بحق الغرماء ويكون المولى بالخيار إن شاء نقض البيع وإن شاء أخذ من العبد قدر قيمة ما باع وأبطل الفضل لأنه ما رضي بخروجه عن ملكه إلا بشرط سلامة جميع الثمن له ولم يسلم.
وإذا خرج العبد إلى مصر فأتجر فيه فلحقه دين ثم قال لم يأذن لي مولاي فلان في التجارة وقال الغرماء قد أذن لك فللغرماء بيع جميع ما في يده في دينهم استحسانا وفي القياس لا يباع شيء مما في يده حتى يحضر المولى فتقوم عليه البينة بالإذن لأن السبب الموجب للحجر عليه وهو الرق معلوم والغرماء يدعون عارض الإذن والعبد ليس بخصم في ذلك ما لم يحضر مولاه وأكثر ما فيه أن تكون معاملته معهم إقرارا منه بأنه مأذون له ولكن إقراره لا يكون حجة على المولى وما في يده من الكسب ملك المولى كرقبته فكما لا تباع رقبته في الدين حتى يحضر المولى فكذلك لا يباع كسبه.
وجه الاستحسان: أن الظاهر شاهد للغرماء لأن استبداد العبد بالتصرف معهم دليل ظاهر على كونه مأذونا ومن حيث العرف الإنسان لا يبعث عبده إلى مصر آخر ما لم يأذن له في

 

ج / 25 ص -65-       التجارة ولكن هذا الظاهر حجة في دفع الاستحقاق لا في إثبات الاستحقاق وفي حق الرقبة حاجتهم إلى استحقاق ماليتها على المولى والظاهر لا يكفي لذلك فما لم يحضر المولى لا تباع الرقبة فأما في حق الكسب فحاجتهم إلى دفع استحقاق المولى لأن المولى يستحق الكسب من جهة عبده بشرط الفراغ عن دينه.
يوضحه: أن الكسب حصل في يده بسبب معاملته وديونهم وجبت بذلك السبب أيضا فهم أحق بالكسب حتى يستوفوا ديونهم منهم بطريق إقامة البدل مقام المبدل وأما الرقبة فسلامتها للمولى لم يكن بالسبب الذي به وجبت الديون عليه فلهذا لا تباع حتى يحضر مولاه فإن أقام الغرماء البينة أن العبد مأذون له وهو يجحد والمولى غائب لم تقبل بينتهم لخلوها عن الفائدة فإن حقهم ثابت في الكسب من غير بينة والعبد ليس بخصم في حق الرقبة فلو لم تقم البينة على الإذن وأقر به العبد بيع ما في يده أيضا ولم تبع رقبته لأن الخصم في الرقبة المولى وإقرار العبد ليس بحجة على المولى فإن حضر مولاه بعد ما باع القاضي ما في يده فقضاه الغرماء فأنكر أن يكون أذن له في التجارة فإن القاضي يسأل الغرماء البينة على الإذن من المولى لأنهم يدعون عليه الإذن العارض فلا بد أن يقيم البينة عليه فإن أقاموها وإلا ردوا ما أخذوا.
فإن قيل: فأين ذهب قولكم أنهم يستحقون ما في يده باعتبار الظاهر؟
قلنا: نعم ولكن هذا الاستحقاق إنما يكون في حق من لم يثبت له حقيقة الاستحقاق بعد ذلك قبل أن يحضر المولى لأن الملك في رقبته للمولى لا يثبت حقيقة ما لم يحضر فيصدقه في ذلك.
ألا ترى أنه لو حضر وقال هو حر أو ملك فلان لغيره لم يكن له في كسبه سبب الاستحقاق حقيقة فأما بعد ما حضر وادعى رقبته فقد ظهر استحقاقه حقيقة لكسبه فيسقط اعتبار هذا الظاهر بعد هذا ويحتاج الغرماء إلى إثبات السبب الموجب للاستحقاق لهم في كسبه ورقبته على المولى وذلك الإذن فإذا لم يقيموا البينة على ذلك لزمهم رد ما أخذوا.
وإذا اشترى العبد من رجل متاعا فقال الرجل للعبد أنت محجور عليك فلا أدفع إليك ما اشتريت مني وقال العبد أنا مأذون لي فالقول في ذلك قول العبد لأن معاملة الرجل معه إقرار منه بصحة المعاملة وكونه مأذونا له في التجارة فإنه لا يحل للرجل أن يعامل عبد الغير إلا أن يكون مأذونا له فهو في قوله أنت محجور عليك مناقض في كلامه ساع في نقض ما تم به فلا يقبل قوله ولا يمين على العبد لأن اليمين تنبني على صحة الدعوى ودعوى الحجر باطلة للتناقض وكذلك لو أقام البينة على ذلك لم يقبل منه ويجبر على دفع ما باع وأخذ الثمن منه كما التزمه بالبيع.
وكذلك لو كان العبد هو البائع فقال المشتري أنت محجور عليك وقال العبد أنا مأذون لي فالقول قول العبد لما بينا ويجبر المشتري على أخذ ما اشترى ودفع الثمن ولا

 

ج / 25 ص -66-       يمين على العبد ولا تقبل بينة المشتري على أنه محجور عليه ولا على إقرار العبد به عند غير القاضي أنه محجور عليه لأنه مناقض في هذه الدعوى لأنه قد تقدم منه الإقرار بأنه مأذون له وإن أقر العبد بذلك عند القاضي رد البيع لأن المشترى وإن كان مناقضا فقد صدقه خصمه والمناقض إذا صدقه خصمه يقبل قوله.
يوضحه: أن تصادقهما على أنه محجور عليه إقرار منهما ببطلان البيع ولو تقايلا البيع عن تراض جاز فإن حضر المولى بعد ذلك فقال كنت أذنت له في التجارة جاز النقض الذي كان فيما بين البائع والمشتري ولم يلتفت إلى قول المولى لأن تصادقهما على بطلان البيع بمنزلة الإقالة منهما والإقالة من العبد المأذون صحيحة وكذلك إذا قال لم آذن له ولكن أجزت بيعه لم يبطل ذلك النقض لأن تصادقهما على بطلان البيع يوجب انتفاء البيع مأذونا كان أو غير مأذون والإجازة إنما تلحق البيع الموقوف دون المنتقض.
ولو لم يحكم القاضي بنقض البيع حتى حضر المولى فقال كنت أذنت له أو قال لم آذن له ولكني أجزت البيع جاز ذلك البيع لأنهما لو كانا متناقضين في كلامهما فبنفس التكلم لا ينتقض البيع منهما ما لم يتأكد ذلك بقضاء القاضي فإذا كان البيع قائما قبل أن يحكم القاضي بنقضه لحقه الإجازة من جهة المولى وينفذ بإقراره بأنه كان مأذونا وهذا لأنهما ينكران أصل جواز البيع وإنما يجعل ذلك عبارة عن نقض البيع بنوع اجتهاد فأما في الحقيقة فنقض الشيء تصرف فيه بعد صحته وإنكار الشيء من الأصل لا يكون تصرفا فيه بالنقض بعد صحته كما أن إنكار الزوج النكاح لا يكون إقرارا بالطلاق فإذا كان مجتهدا فيه لا يثبت حكمه إلا بقضاء القاضي.
ولو باع العبد متاعا لرجل ثم قال هذا الذي بعتك لمولاي لم يأذن لي في بيعه وأنا محجور علي وقال المشتري كذبت وأنت مأذون لك فالقول قول المشتري لأن إقدامهما على البيع إقرار منهما بصحته فلا يقبل قول من يدعي بطلانه بعد ذلك وكذلك لو كان العبد هو المشتري ثم قال أنا محجور علي لم يصدق ويجبر على دفع الثمن فإن حضر المولى وقال لم آذن له في شيء فالقول قوله ويرد البيع والشراء لأن الإذن مدعي على المولى وهو ينكر.
وكذلك لو أن عبدا ابتاع من عبد شيئا فقال أحدهما أنا محجور علي وقال الآخر أنا وأنت مأذون لنا فالقول قول الذي يدعي منهما الجواز للبيع والشراء لوجود الإقرار من صاحبه بذلك ولا يمين عليه ولا تقبل بينة الآخر بالحجر ولا على إقراره به عند غير القاضي لكونه مناقضا في دعواه ولو أقر بذلك عند القاضي أخذ بذلك وأبطل البيع بينهما لتصادقهما على بطلان البيع.
وإذا اشترى الرجل وباع ولا يدري أحر هو أو عبد فلحقه دين كثير ثم قال أنا عبد فلان وصدقه فلان وقال هو عبدي محجور عليه وقال الغرماء هو حر فالدين لازم للعبد يباع به

 

ج / 25 ص -67-       إلا أن يفديه مولاه لأن الظاهر من حال مجهول الحال الحرية وقد ثبت للغرماء حق مطالبته بديونهم في الحال فهو إذا أقر بالرق وصدقه المولى فقد زعما أن حق الغرماء متأخر إلى ما بعد عتقه وذلك غير مقبول منهما في حق الغرماء كما لو ادعى المديون أجلا في الدين ثم ليس من ضرورة ثبوت الرق بإقراره أن تتأخر ديونهم إلى ما بعد العتق بل يجوز أن يكون مطالبا بالدين في الحال وإن كان رقيقا كالعبد المأذون أو المحجور في دين الاستهلاك فهو نظير مجهولة الحال إذا أقرت بالرق لا يقبل إقرارها في إبطال النكاح لهذا المعنى وإذا بقي مطالبا في الحال بالدين وهو رقيق بيع فيه إلا أن يفديه مولاه لأنه ظهر وجوب هذا الدين في حق المولى والدين لا يجب على العبد إلا شاغلا مالية رقبته.
ولو جنى عبده جناية بإقرار أو ببينة ثم قال أنا عبد فلان فصدقه فلان بذلك وقال ولي الجناية بل هو حر فهو عبد لفلان ولا حق لأصحاب الجناية في رقبته لأنهم ينكرون تعلق الجناية برقبته ويزعمون أن حقهم على عاقلته ولا يعرف له عاقلة ثم بين ثبوت الرق بإقراره ووجوب أرش الجناية على عاقلته منافاة وبين حريته كما زعموا واستحقاق رقبته بالجناية منافاة والمتنافيان لا يجتمعان وإقرار صاحب الحق معتبر في حقه لا محالة فإذا أقر أنه حر لم يكن له على أخذ الرقبة سبيل بخلاف الأول فالدين هناك واجب عليه حرا كان أو عبدا إلا أنه إذا ثبت رقه يستوفي الدين من مالية رقبته أو من كسبه وقد ثبت رقه بإقراره.
وكذلك عبد مأذون عليه دين فقال غرماؤه لمولاه قد أعتقته وقال المولى لم أعتقه فإن العبد يباع للغرماء لأنهم يدعون العتق والضمان على المولى والمولى منكر فإذا لم يثبت عتقه بقي مستحق البيع في الدين كما كان ولو كان جنى جناية فقال أصحاب الجناية للمولى قد أعتقته وقال المولى لم أعتقه فالعبد عبد المولى على حاله لإنكاره العتق ولا شيء لأصحاب الجناية لأنهم يزعمون أنه لم يبق لهم حق قبل العبد وإنما حقهم قبل المولى وهو الفداء إذا كان عالما والقيمة بالاستهلاك إذا لم يكن عالما ولا يستحقون ذلك على المولى إلا بإقامة البينة على العتق وسقط حقهم عن العبد لإقرارهم بأنه لا حق لهم في رقبته بخلاف الدين فهناك ما أقروا بسقوط حقهم عن ذمة العبد بالعتق.
ألا ترى أن ما ادعوا من العتق لو كان ظاهرا بقي الدين بعده في ذمة العبد وللغرماء أن يطالبوه بجميع ذلك وفي الجناية لو كان العتق ظاهرا فرغ به العبد من الجناية فلا يكون للأولياء عليه سبيل بعد ذلك فكذلك إذا ثبت ذلك في حق الأولياء بإقرارهم والله أعلم.

باب إقرار العبد المأذون بالدين
قال رحمه الله: وإذا أقر المأذون بالدين من غصب أو غيره لزمه صدقه المولى أو لم يصدقه لأن الغصب يوجب الملك في المضمون عند أداء الضمان فالضمان الواجب به من جنس ضمان التجارة وإقرار المأذون بمثله صحيح ولهذا لو أقر به أحد المتفاوضين كان شريكه مطالبا وكذلك لو أقر أنه اشترى جارية فوطئها فوجوب العقر هنا باعتبار الشراء لولاه

 

ج / 25 ص -68-       لكان الواجب الحد وكذلك لو غصب جارية بكرا فافتضها رجل في يده ثم هرب كان لمولاه أن يأخذ العبد بعقرها لأن الفائت بالافتضاض جزء من ماليتها وهي مضمونة على العبد بجميع أجزائها فإذا فات جزء منها في ضمانه كان عليه بدل ذلك الجزء وهو مؤاخذ به في الحال إما لأنه ضمان غصب والعبد مؤاخذ بضمان الغصب في الحال مأذونا كان أو محجورا أو لأن هذا من جنس ضمان التجارة.
ولو أقر العبد أنه وطىء جارية هذا الرجل بنكاح بغير إذن مولاه فافتضها لم يصدق لأنه ليس من التجارة ولهذا لو أقر به أحد المتفاوضين لم يلزم شريكه فإن صدقه مولاه بذلك بدئ بدين الغرماء لأن تصديق المولى في حق الغرماء ليس بحجة فوجوده كعدمه فإن بقي شيء أخذه مولى الجارية من عقرها لأن الباقي حق مولى العبد وتصديق مولى العبد في حقه معتبر ولو كان هذا السبب معاينا كان لمولى الجارية أن يأخذ عقرها من كسبه في الحال فكذا إذا ثبت بتصادقهما عليه.
ولو تزوج العبد المأذون وعليه دين امرأة بإذن مولاه كانت المرأة أسوة الغرماء بمهرها وبما يجب لها من النفقة وهذا لأن النكاح بإذن المولى صحيح مع قيام الدين عليه فإن الدين لا يزيل ملكه عن رقبته وإنما تثبت ولاية التزويج باعتبار ملكه ثم في النكاح منفعة الغرماء لأنه يستعف به والمرأة تعينه على الاكتساب لقضاء الدين فظهر وجوب الدين بهذا السبب في حق الغرماء فلهذا كانت المرأة أسوة الغرماء بمهرها ونفقتها.
ولو كان العبد أقر أنه وطئها بنكاح وجحد المولى أن يكون أذن له في ذلك لم يؤخذ بالمهر حتى يعتق لأن انفكاك الحجر عنه في التجارة والنكاح ليس بتجارة فالمأذون فيه والمحجور سواء ولو أقر المحجور بذلك وكذبه المولى لم يؤاخذ بشيء حتى يعتق وكذلك لو أقر أنه وطىء أمة بنكاح فافتضها بإذن مولاه أو بغير إذن مولاه ومولاه يجحد ذلك فإقراره بهذا لا يكون حجة على المولى ولا يظهر الدين به في حق المولى لأنه لولا النكاح لكان الواجب عليه الحد سواء كانت الموطوءة حرة أو أمة فلهذا لا يطالب بشيء حتى يعتق.
وكذلك لو أقر أنه افتضها بأصبعه غاصبا كان إقراره باطلا في قياس قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله لأنه بمنزلة الجناية فإنه إقرار بإتلاف جزء من الآدمي فهو كإقراره بقطع يدها أو رجلها وفي قول أبي يوسف رحمه الله: إقراره جائز ويضرب مولاها بمهرها مع الغرماء لأنه إقرار بدين الاستهلاك والفائت بهذا الفعل جزء من المالية.
ألا ترى أن هذا السبب لو كان معاينا يباع ولا يدفع به وإقرار المأذون بدين الاستهلاك صحيح في مزاحمة الغرماء وفي حق المولى وقد بينا المسألة في كتاب الإقرار فإن كان أقر أنه غصبها ثم افتضها بأصبعه فإن اختار المقر له التضمين بالغصب كان الإقرار صحيحا لأن ضمان الغصب من جنس ضمان التجارة فالإقرار به صحيح ويجعل في الحكم كان غيره فعل بها ذلك في ضمان العبد وإن اختار التضمين بالافتضاض فهو على الخلاف عند أبي حنيفة

 

ج / 25 ص -69-       ومحمد رحمهما الله الإقرار باطل وعند أبي يوسف رحمه الله: هو صحيح كما بينا.
وإذا كان على المأذون دين كثير فأقر بدين لزمه ذلك وتخاصموا فيه لأنه مطلق التصرف ما دام مأذونا وإن لحقه الدين فإقراره يكون حجة بمنزلة البينة في إثبات المزاحمة للمقر له مع سائر الغرماء وهذا لأن الإقرارين متى جمعهما حالة واحدة يجعلان كأنهما كانا معا وكما وجب تصحيح إقرار المأذون في حق المولى لحاجته إلى ذلك في تجارته يجب تصحيحه في حق غرمائه لأن الناس إذا علموا أن إقراره لهم لا يصح بعد لحوق الدين تحرزوا عن معاملته.
ولو أقر بشيء بعينه في يديه أنه لفلان غصبه منه أو أودعه إياه وعليه دين كثير بدئ بالذي أقر بعينه لأن إقراره بالعين صحيح ما دام مأذونا ويكون الثابت بإقراره كالثابت بالمعاينة وبين أن المقر به ليس من كسبه فلا يتعلق به حق غرمائه وإن أتى ذلك على ما في يده.
ولو أقر بعبد في يده أنه ابن فلان أودعه إياه أو قال هو حر لم يملك فالقول قوله لأنه نفى ملكه عن هذا العين ولم يظهر له فيه سبب الملك فإن الظاهر كونه في يده واليد في الآدمي لا تكون دليل الملك.
ألا ترى أن من في يده لو ادعى ذلك وقال لست بملك له بل أنا حر كان القول قوله ولا سبيل للغرماء عليه فكذلك إذا أقر به المأذون.
ولو اشترى المأذون من رجل عبدا ونقده الثمن وعليه دين أو لا دين عليه ثم أقر أن البائع أعتق هذا العبد قبل أن يبيعه إياه وأنه حر الأصل وأنكر البائع ذلك فالعبد مملوك على حاله لأن سبب الملك للمأذون فيه قد ظهر وهو شراؤه وانقياد العبد له عند الشراء إقرار منه بأنه مملوك حتى لو ادعى بعد ذلك أنه حر الأصل وأن البائع أعتقه لم يقبل قوله فيه إلا بحجة فإقرار المأذون بذلك بعد ظهور سبب الملك له فيه مع إنكار البائع بمنزلة إعتقاقه إياه والمأذون لا يملك الإعتاق فلا يقبل قوله فيما يوجب العتاق له لأن كل واحد من الكلامين إبطال للملك بعد ظهوره في المحل بظهور سببه بخلاف الأول فالذي ظهر للمأذون هناك اليد في العبد وهو ليس بدليل الملك فيكون كلامه إنكارا لتملكه لا إبطالا للملك الثابت فيه.
وكذلك لو أقر بالتدبير من البائع أو كانت جارية فأقر بولادتها من البائع لأن التدبير والاستيلاد يوجب حق العتق للمملوك والعبد ليس من أهل إيجابه فلا يصح إقراره به لحقيقة العتق فإن صدقه البائع انتقض البيع بينهما ورجع بالثمن عليه لأنهما تصادقا أن البيع كان باطلا بينهما وهما يملكان نقض البيع باتفاقهما بالإقالة فيعمل بعد تصادقهما على بطلانه ويرجع العبد بالثمن عليه والحرية أو حق الحرية يثبت للمملوك بعد تصديق البائع من جهته والبائع أهل لإيجاب ذلك بأن يشتريه من العبد ثم يعتقه بخلاف الأول فهناك البائع منكر والبيع بينهما صحيح باعتبار الظاهر فلو ثبتت الحرية أو حقها للمملوك فإنما تثبت من جهة المأذون وهو ليس بأهل لذلك.

 

ج / 25 ص -70-       ولو أقر المأذون أن البائع كان باعه من فلان قبل أن يبيعه منه وقبضه فلان منه ونقده الثمن وجاء فلان يدعي ذلك فهو مصدق على ذلك ويدفع العبد إلى المقر له لأن كلامه إقرار بالملك في العبد للمقر له وهو من أهل أن نوجب الملك له فيه بطريق التجارة فيكون قوله مقبولا في الإقرار بالملك له وإنما يثبت الملك للمقر له ها هنا من جهة العبد بمنزلة ما لو أقر له بالملك مطلقا بخلاف الأول فكلامه هناك إبطال للملك والعبد ليس من أهله ثم لا يرجع على البائع بالثمن إلا ببينة يقيمها على ما ادعى أو يقر البائع به أو يأبى اليمين لأن إقراره ليس بحجة على البائع والبائع مستحق الثمن باعتبار صحة البيع ظاهرا فلا يبطل استحقاقه إلا بالبينة أو بإقراره أو بما يقوم مقام إقراره وهو النكول.
فإن قيل: كيف تقبل البينة من المأذون أو يحلف البائع على دعواه وهو مناقض في هذه الدعوى لأن إقدامه على الشراء إقرار منه بالملك لبائعه وبصحة البيع فقوله بعد ذلك بخلافه يكون تناقضا؟.
قلنا: لا كذلك بل هذا إقرار منه أن البائع بسبيل من بيعه لأنه وكيل المشتري أو بائع له بغير أمر المشتري على أن يجيزه المشتري فإذا أبى أن يجيزه كان له أن يرجع بالثمن عليه فلهذا قبلنا بينته على ذلك وحلفنا البائع لأنه ادعى عليه ما لو أقر به لزمه فإذا أنكر استحلفه عليه.
ولو باع العبد جارية من رجل وقبضها ذلك الرجل بمحضر من الجارية ولا يدري ما حالها فادعى رجل أنها ابنته وصدقه بذلك المشتري والعبد فالجارية ابنة الرجل وترد إليه ولا ينتقض البيع فيما بينهما لأنها مملوكة للمشتري بما جرى من البيع بينه وبين العبد وقد أقر أنها حرة بنت المدعي وإقراره بذلك صحيح في ملكه لأنه يملك إيجاب الحرية فيها من قبله فيصح الإقرار به أيضا ولا ينتقض البيع فيما بينهما لأن المأذون قد استحق الثمن عليه فلا يقبل قوله في إبطال ملكه عن الثمن من غير أن يعود إليه بمقابلته شيء وهذا لأن الجارية لما انقادت للبيع والتسليم فذلك إقرار منها أنها كانت مملوكة للعبد حتى لو ادعت الحرية بعد ذلك لا يقبل قولها إلا بحجة فإقرار العبد بعد ذلك أنها كانت حرة الأصل يكون إبطالا لملكه الثابت فيها ظاهرا وقوله في ذلك غير مقبول وليس من ضرورة ثبوت النسب والحرية لها بتصديق المشتري رجوعه على العبد بالثمن.
ولو كان اشتراها من رجل وقبضها منه فأقر البائع بذلك أيضا انتقضت البيوع كلها ويرجعوا بالثمن لأن بائعها من العبد أهل لإيجاب الحرية لها في ملكه فيصح إقراره بحريتها ويكون هذا تصادقا منه على بطلان البيع جميعا وهم متمكنون من ذلك بنقض البيعين بالإقالة فيعمل تصادقهم على إبطالها ويرجع بالثمن بعضهم على البعض بخلاف الأول فهناك لو عمل تصديق العبد كانت الحرية لها من جهته وكسب المأذون لا يحتمل ذلك.
ولو كان المأذون اشتراها من رجل بمحضر منها وقبضها وهي ساكتة لا تنكر ثم باعها من رجل وقبض الثمن ثم ادعى أجنبي أنها ابنته وصدقه في ذلك المأذون والجارية والمشتري،

 

ج / 25 ص -71-       وأنكر ذلك البائع من العبد فالجارية حرة بنت الذي ادعاها بإقرار المشتري ولا يبطل البيع الذي كان بين العبد وبين المشتري الآخر لما بينا أن المشتري من العبد يملك إيجاب الحرية فيها فيعمل تصديقه للأجنبي في ملكه والعبد لا يملك ذلك في كسبه فلا يعمل تصديقه في ذلك.
وكذلك لو ادعى المشتري الآخر أن الذي باعها من العبد كان أعتقها قبل أن يبيعها أو دبرها أو ولدت وصدقه العبد بذلك فإقرار المشتري من العبد بذلك صحيح لتمكنه من إيجاب الحرية أو حق الحرية لها وتصديق العبد إياه بذلك باطل فإن كان أقر بالحرية فهي حرة موقوفة الولاء لأن المشتري ينفي ولاءها عن نفسه ويزعم أن البائع الأول أعتقها وهو منكر لذلك فتكون موقوفة الولاء ولو كان أقر فيها بتدبير أو ولادة فهي موقوفة في ملك المشتري الآخر فإذا مات البائع الأول عتقت لأن المشتري الآخر مقر بأن عتقها تعلق بموت البائع الأول والبائع الأول مقر أن إقرار المشتري الآخر فيها نافذ لأنها مملوكة له ولا يرجع بالثمن على العبد حتى يعتق فيرجع به عليه حينئذ لأنه بالتصديق صار مقرا بوجوب رد الثمن عليه ولكن لم يصح إقراره بهذا مع قيام الرق لحق مولاه وغرمائه فإذا زال ذلك بالعتق كان مأخوذا به كما لو أقر بكفالة أو مهر.
وكذلك لو كان المأذون منكرا لجميع ذلك إلا أنه لا يرجع عليه بالثمن في هذا الفصل بعد العتق أيضا لأن المشتري يدعي وجوب رد الثمن عليه وهو منكر لذلك فما لم يثبت المشتري دعواه بالحجة لا يرجع عليه بخلاف الأول فهناك العبد مصدق له مقر بوجوب رد الثمن عليه بسبب لا يحتمل الفسخ فيجعل كالمجدد للإقرار به بعد العتق فيرجع عليه بالثمن.
ولو كان المشتري الآخر ادعى أن الذي باعها من العبد كان كاتبها قبل أن يبيعها وصدقه المأذون في ذلك أو كذبه وادعت الأمة ذلك لم تكن مكاتبة وهي أمة للمشتري يبيعها إن شاء لأن الكتابة تحتمل الفسخ وقد عجزت هي عن أداء بدل الكتابة بجهالة من يؤدي البدل إليه لأن المشتري الآخر يزعم أنها مكاتبة للبائع الأول وأنه لا ينفعها دفع البدل إليه والبائع الأول ينكر ذلك ويزعم أنها مكاتبة للمشتري الآخر بإقراره فصارت كما لو عجزت عن أداء البدل لعدم ما تؤدي البدل به في يدها وذلك موجب انفساخ الكتابة فإذا انفسخت كانت أمة فالمشتري يبيعها إن شاء.
وإن كان على المأذون دين فأقر بشيء في يده أنه وديعة لمولاه أو لابن مولاه أو لأبيه أو لعبد له تاجر عليه دين أو لا دين عليه أو لمكاتب مولاه أو لأم ولده فإقراره لمولاه ولمكاتبه وعبده وأم ولده باطل لأن حق غرمائه تعلق بكسبه والمولى يخلفه في كسبه خلافة الوارث المورث فكما أن إقرار المريض لوارثه أو لعبده أو لمكاتبه لا يصح لكونه متهما في ذلك فكذلك إقرار العبد لمولاه لأن سبب التهمة بينهما قائم وكذلك لعبد مولاه أو لأم ولده فإن كسبهما لمولاه وكذلك إقراره لمكاتب مولاه لأن للمولى في كسب المكاتب حق

 

ج / 25 ص -72-       الملك فأما إقراره لابن مولاه أو لابنه فجائز لأنه ليس للمولى في ملكهما ملك ولا حق ملك.
ألا ترى أن المريض إذا أقر لأبي وارثه أو لابن وارثه جاز إقراره لهذا المعنى وإذا صح الإقرار صار المقر به بعينة ملكا للمقر له فلا يتعلق به حق غرمائه كما لو أقر به لأجنبي ولو لم يكن على العبد دين كان إقراره جائزا في ذلك كله لأنه لاتهمة في إقراره فإنه لا حق لأحد في كسبه وإن لحقه دين بعد ذلك لا يبطل حكم ذلك الإقرار بمنزلة الصحيح إذا أقر بعين لوارثه ثم مرض ومات فإقراره يكون صحيحا.
وإن كان أقر بدين لأحد منهم ثم لحقه دين بعد ذلك لم يكن للمقر له شيء إن كان هو المولى أو أم ولده أو عبده الذي لا دين عليه لأن المولى لا يستوجب على عبده دينا فإقراره له ما كان ملزما إياه شيئا بخلاف إقراره له بالعين فقد يجوز أن يكون للمولى عين في يد عبده وأم ولده وعبده الذي لا دين عليه كسبهما للمولى فالإقرار لهما كالإقرار للمولى فإن كان عليه دين أو كان أقر لمكاتب مولاه أو لابنه ثم لحقه دين اشتركوا في ذلك لأن المقر له ها هنا ممن يستوجب الدين على العبد وقد صح إقراره له لانتفاء التهمة حين لم يتعلق حق أحدهما بماله فهو كما لو أقر لأجنبي ثم لحقه دين آخر فيشتركون في كسبه.
وإذا أقر المأذون لابنه وهو حر أو لابنه أو لزوجته وهي حرة أو لمكاتب ابنه أو لعبد ابنه وعليه دين أو لا دين عليه وعلى المأذون دين أو لا دين عليه فإقراره لهؤلاء باطل في قول أبي حنيفة  وفي قولهما إقراره لهؤلاء جائز ويشاركون الغرماء في كسبه وهذا لأن كسب المأذون فيه حق غرمائه أو حق مولاه وإقراره عند أبي حنيفة لمن لا تقبل شهادته في حق الغير باطل لو كان حرا فكذلك إذا كان عبدا وفي قولهما إقراره لهؤلاء جائز بمنزلة إقراره لأخيه وأصل المسألة في إقرار أحد المتفاوضين لأبيه أو لابنه بدين أو وديعة لأنه لا يجوز على شريكه في قول أبي حنيفة رحمه الله: وهو جائز في قولهما وقد بيناه في كتاب الإقرار والشركة أو هو بناء على بيع الوكيل ممن لا تقبل شهادته له بمثل القيمة أو بالمحاباة وقد بيناه في كتاب البيوع.
وإذا كان على العبد المأذون دين فأذن لجارية له في التجارة فلحقها دين ثم أقرت له بوديعة في يدها لم تصدق على ذلك لأن المأذون في حقها بمنزلة المولى في حق المأذون وقد بينا أن إقرار المأذون المديون لمولاه بعين في يده غير صحيح فكذلك إقرارها له ولأنها مملوكة للمولى إذا لم يكن على المأذون دين بالاتفاق فإقرارها له بالوديعة إقرار لعبد مولاها وإقرار المأذون لعبد مولاه باطل وإن أقر العبد لها بوديعة في يده صدق على ذلك بمنزلة إقرار المولى لعبده بعين في يده فإنه يكون صحيحا ويستوي إن كان على المأذون دين أو لم يكن فتكون هي أحق به من الغرماء.

 

ج / 25 ص -73-       فإن قيل: هي مملوكة للمولى المأذون فإقراره لها كإقراره لأمة مولاه فينبغي أن لا يصح إذا كان على المأذون دين.
قلنا: نعم ولكن إن صح لم يكن عليها دين فجميع ما أقر لها به قد يعود إليه ويكون مصروفا إلى غرمائه كسائر إكسابها فلا يكون في هذا الإقرار إبطال حق الغرماء عن شيء مما تعلق حقهم به ولا إبطال حق المولى بخلاف إقراره لأمة مولاه فليست من كسبه لأن فيه إبطال حق الغرماء عما أقر به لها.
وإن كان عليها دين فإقراره لها يكون إقرارا لغرمائها وإقرار المأذون لغرمائها صحيح لأنهم منه بمنزلة الأجانب فلهذا جاز إقراره لها بخلاف إقرارها لأنه إذا صح إقرارها له يخرج المقر به من أن يكون كسبا لها ويبطل حق غرمائها عنه فلهذا لا يحكم بصحته وكذلك إن أقر لها بدين إلا أن في الإقرار بالدين هي تشارك غرماء المأذون في كسبه وفي الإقرار بالعين هي أولى بالعين من غرماء المأذون فإن كان بعض غرمائها مكاتبا للمولى أو عبدا مأذونا له في التجارة وعليه دين فإن كان العبد المقر لا دين عليه فإقراره لها بالدين والوديعة صحيح بمنزلة إقراره بذلك لغرمائها وإن كان عليه دين فإقراره لها باطل لأنه لو جاز ذلك شارك المكاتب والعبد بدينهما سائر غرمائه فيه وإقراره لمكاتب مولاه أو لعبد مولاه باطل إذا كان عليه دين فكذلك إقراره بما يوجب الشركة لهما يكون باطلا.
ألا ترى أن رجلا لو مات وعليه دين لقوم شتى ثم حضر رجل آخر الموت فأقر للميت بوديعة ألف درهم في يده أو بدين ثم مات وبعض غرماء الميت الأول أحد ورثة الآخر كان إقراره باطلا لأنه لو صح إقراره ثبتت لوارثه الشركة في المقر به ولو كان بعض غرماء الجارية أبا للمولى أو ابنه فأقر لهما العبد بوديعة أو دين وعلى العبد دين فإقراره جائز لأن إقرار المأذون لأب مولاه أو ابنه بالدين والعين صحيح فكذلك إقراره بما تثبت فيه الشركة لهما.
ولو كان بعض غرمائها أب العبد أو ابنه وعلى العبد دين أو لا دين عليه فإقراره في قياس قول أبي حنيفة باطل وهو جائز في قولهما وهذا بناء على الأول في أنه لو أقر لأبيه أو لابنه بدين أو عين لم يجز عند أبي حنيفة فكذلك إقراره بما يوجب الشركة لهما في المقر به وكذلك لو كان بعض غرمائها مكاتبا لأبي العبد المأذون أو لابنه ولو كان بعض غرمائها أخا للعبد كان إقراره لها جائزا لأنه لا تهمة في إقراره لأخته فكذلك لا تهمة في إقراره لها وإن كان يثبت فيه الشركة لأخته.
وإذا أقر المأذون وعليه دين أو لا دين عليه بدين كان عليه وهو محجور عليه من قرض أو غصب أو وديعة استهلكها فصدقه رب المال بذلك أو كذبه وقال ذلك بعد ما أذن لك مولاك في التجارة فالقول قول المقر له والمال لازم للعبد إذا لم يصدقه المقر له أنه كان في حالة الحجر لأنه من أهل التزام المال بالإقرار في الحال وقد أضاف الإقرار إلى حالة لا تنافي

 

ج / 25 ص -74-       وجوب المال عليه فإن المال بهذه الأسباب يجب على المحجور عليه وإن تأخر إلى عتقه فلم يكن هو في هذه الإضافة منكرا وجوب المال عليه بل هو مدع أجلا فيه إلى وقت عتقه فإن صدقه المقر له بذلك لم يؤخذ بشيء منه حتى يعتق إلا بالغصب خاصة فضمان الغصب يلزمه في الحال وإن كذبه المقر له أخذ بالمال في الحال لأن ما ادعى من الأجل لم يثبت عند تكذيب المقر له فكأنه ادعى الأجل إلى شهر في دين أقر به مطلقا وقيل في القرض والوديعة التي استهلكها هذا الجواب على قول أبي حنيفة ومحمد فأما عند أبي يوسف فيؤاخذ به في الحال وإن صدقه كما في الغصب وقد بينا المسألة في الوديعة وكذلك الصبي والمعتوه الذي يعقل البيع والشراء وقد أذن له في التجارة فيقر بنحو ذلك لأن الإذن لهما في التجارة صحيح وإقرارهما بعد الإذن نافذ كإقرار العبد وكما ينفذ إقرارهما بعد البلوغ عن عقل إلا أنهما لا يؤاخذان بالقرض والوديعة المستهلكة إذا صدقهما المقر له في ذلك بعد الكبر والإفاقة لأن الثابت بإقرارهما كالثابت بالمعاينة وقد طعن عيسى رحمه الله: في مسألة الصبي فقال هذا في قياس قول أبي حنيفة وأبي يوسف صحيح وهو خطأ في قول محمد على قياس مسألة الإقرار إذا أسلم حربي ثم قال لرجل غصبتك ألف درهم في دار الحرب وأنا حربي فاستهلكتها وقال الرجل غصبتها في دار الإسلام فالقول قول الحربي في قول محمد.
وكذلك إذا قال المولى لمعتقه: أخذت منك ألف درهم في حال ما كنت عبدي فاستهلكتها وقال العبد بل أخذتها بعد العتق فالقول قول المولى عند محمد لأنه ينكر وجوب الضمان عليه أصلا بإضافته الإقرار إلى الحالة التي أضاف إليها فكذلك الصبي والمعتوه فإنهما ينكران وجوب المال عليهما أصلا بالإضافة إلى حالة الحجر فينبغي أن لا يجب المال عليهما عند محمد وإن كذبهما المقر له في الإضافة ولكنا نقول الأصح أن محمدا رحمه الله: يفرق بين هذه الفصول فإن في مسألة الحربي لا يجب عليه رد ما أخذه حال كونه حربيا وإن كان غاصبا ذلك.
وكذلك في مسألة المولى لا يلزمه رد ما أخذه من العبد في حال قيام رقه وإن كان غاصبا ذلك فإنما أقر بمال لو علم صدقه لم يجب عليه رده قبل تبدل الحال فلا يكون إقراره ملزما شيئا والصبي أقر بما كان يجب رده لو كان معلوما حال قيام عينه لأن ما استقرضه الصبي أو أخذه وديعة يجب رده ما دام قائما بعينه فلا يخرج إقراره بهذه الإضافة من أن يكون ملتزما في الأصل فلهذا يلزمه الضمان إذا كذبه المقر له في الإضافة كما في فصل العبد فإن أقاما البينة أنهما فعلا ذلك قبل أن يؤذن لهما في التجارة وأقام المقر له البينة أنهما فعلا ذلك بعد ما أذن لهما في التجارة فالبينة بينة المقر له لأن في بينته إلزام المال والبينات لذلك شرعت ولأنه أثبت بقاء العين في يدهما بعد ما أذن لهما في التجارة وذلك يدفع بينتهما على استهلاك العين قبل أن يؤذن لهما في التجارة فلهذا كان القول قوله والبينة بينته وإذا أذن لعبده في التجارة ثم حجر عليه ثم أذن له بعد ذلك ثم أقر أنه كان استقرض من هذا الرجل

 

ج / 25 ص -75-       ألف درهم في حال إذنه الأول وقبضها منه أو أنه كان استودعه في حال إذنه الأول ألف درهم فاستهلكها أو ما أشبه ذلك فصدقه رب المال أو كذبه فالمال لازم للعبد في الوجوه كلها ويحاص به غرماءه المعروفين لأنه أقر وهو من أهل التزام المال بالإقرار في الحال وأضاف الإقرار إلى حالة لا تنافي وجوب الضمان عليه بذلك السبب في الحال فهو بمنزلة إقراره بالدين مطلقا في المحاصة مع الغرماء فكذلك الصبي والمعتوه في نحو هذا بخلاف الأول فهناك أضاف الإقرار إلى حالة تنافي وجوب المال بذلك السبب على الصبي والمعتوه أصلا وعلى العبد ما لم يعتق فلهذا فرقنا بين تصديق المقر له في ذلك وتكذيبه هناك وسوينا بينهما ها هنا ولو أذن لعبده في التجارة ثم حجر عليه فأقر بعد الحجر بغصب اغتصبه في حال إذنه أو بقرض أو بوديعة أو مضاربة استهلكها في حال إذنه فكذبه المولى ولا مال في يد العبد لم يصدق حتى يعتق لأنه حين أقر فهو محجور عن الإقرار وإقراره ليس بحجة في حق المولى فلا يثبت به الدين في حق المولى إذا كذبه ولكن إقراره حجة في حق نفسه فإذا سقط حق المولى عنه بالعتق كان مؤاخذا به فإن لم يعتق حتى أذن له المولى مرة أخرى سأله القاضي عما كان أقر به فإن أقر به بعد الإذن الأخير أخذ به لأن إقراره الأول في حالة الحجر كالمعدوم في حق المولى فكأنه ما أقر به حتى الآن وهو منفك الحجر عنه حين أقر به الآن.
وإن أنكر ذلك أو قال لم يكن إقراري ذلك بحق وإن كنت أقررت به في تلك الحالة لم يؤخذ به لأنه لم يوجد بعد انفكاك الحجر منه إقرار ملزم في حق المولى وإقراره في حالة الحجر مما كان ملزما في حق المولى فأكثر ما فيه أنه ظهر ذلك بقوله الآن ولو كان ظاهرا عند القاضي بأن كان في مجلسه في حالة الحجر لم يؤاخذ به في الإذن الآخر ما لم يعتق فكذلك إذا ظهر بقوله الآن والصبي والمعتوه في ذلك كالعبد ولو لم يكن أقر في حال حجره ولكن أقر في حال إذنه الآخر أنه كان قد أقر وهو محجور عليه أنه غصب من هذا الرجل ألف درهم في حال إذنه الأول أو أنه أخذ منه ألف درهم وديعة أو مضاربة فاستهلكها وصدقه رب المال بذلك لم يلزمه حتى يعتق لأن بتصادقهما ظهر إقراره في حالة الحجر.
ولو كان إقراره في حالة الحجر معلوما للقاضي لم يقض عليه بشيء حتى يعتق فكذلك إذا ظهر ذلك بتصادقهما ولو قال: المقر له قد أقررت لي بذلك في حال إذنك الأول أو قال في حال إذنك الآخر فالقول قول المقر له لما بينا أن العبد أضاف الإقرار إلى حال لا ينافي التزام المال بالإقرار وإن كان يتأخر إلى العتق فكان مدعيا للأجل لا منكرا للمال فإذا كذبه المقر له فيما ادعى من الأجل أخذ بالمال في الحال وإن أقاما البينة على ذلك فالبينة بينة المقر له أيضا لأن في بينته إثبات الملك في الحال ولأنه لا منافاة بين البينتين فيجعل كأن الآمرين كانا وكأنه أقر بذلك قبل الحجر وأقر به بعد الحجر أو أقر به بعد الحجر وأقر به في الإذن الآخر أيضا.

 

ج / 25 ص -76-       ولو كان ذلك من الصبي والمعتوه لم يلزمهما ذلك بإقرارهما كما لزم العبد بإقراره من غير بينة لأنهما أضافا الإقرار إلى حالة معهودة تنافي صحة إقرارهما أصلا فكانا منكرين للمال بخلاف العبد فهو إضافة الإقرار إلى حالة الحجر وذلك لا ينافي صحة الإقرار في حقه فإن قامت البينة للمقر له على إقرارهما به في حالة الإذن الأول أو في حالة الإذن الآخر أخذا بذلك لأن الثابت بالبينة كالثابت بالمعاينة وإذا أذن لعبده في التجارة ثم حجر عليه ثم أذن له وفي يده ألف درهم يعلم أنها كانت في حال الإذن الأول في يده فأقر أنها وديعة لفلان فهو مصدق في قول أبي حنيفة وكذلك لو أقر بألف في يده أنه غصبها من فلان في حالة الإذن الأول فهو مصدق في قول أبي حنيفة وقالا لا يصدق العبد على الألف وهي للمولى ويتبع المقر له العبد بما أقر له به في رقبته فيبيعه فيه.
وكذلك لو أقر بها بعد ما لحقه الدين في الإذن الثاني فالألف للمقر له في قول أبي حنيفة رحمه الله: وعندهما هي للمولى وأصل هذه المسألة فيما إذا حجر المولى على عبده المأذون وفي يده مال فلم يأخذ المال من يده حتى أقر العبد بذلك المال بعينه لإنسان أو أقر بدين له على نفسه فإقراره جائز عند أبي حنيفة وعندهما إقراره باطل وما في يده للمولى لأن صحة إقراره في حق المولى باعتبار الإذن وقد ارتفع بالحجر فهو كما لو كان محجورا عليه في الأصل فأقر بعين في يده لإنسان أو بدين وهناك إقراره في حق المولى باطل.
يوضحه: أن إقراره معتبر كسائر تصرفاته ولو أنشأ تصرفا آخر فيما في يده بعد الحجر لم ينفذ ذلك منه فكذلك إذا أقر به.
يوضحه: أن الحجر عليه لما كان منعا له من التجارة فيما في يده كان قائما مقام أخذ المال منه ولو أخذ المال منه لم يصح إقراره فيه بعد ذلك فكذلك إذا حجر عليه لأن صحة إقراره لحاجته إليه في التجارة ولأبي حنيفة حر فان أحدهما أن إقراره في هذا المال كان صحيحا في حال إذنه وإنما كان يصح باعتبار يده على المال لا باعتبار كونه مأذونا.
ألا ترى أنه لو أخذ المال منه ولم يحجر عليه لم يصح إقراره فيه بعد ذلك لانعدام يده فعرفنا أن صحة إقراره فيه بعد ذلك باعتبار يده ويده باقية بعد الحجر عليه ما لم يأخذ المال منه فيصح إقراره فيه كما قبل الحجر بخلاف ما بعد أخذ المال منه.
والثاني: أن بقاء يده على المال أثر ذلك الإذن وبقاء أثر الشيء كبقاء أصله فيما يرجع إلى دفع الضرر كما أن بقاء العدة يجعل كبقاء أصل النكاح في المنع لدفع الضرر وصحة إقرار المأذون بالدين والعين لدفع الضرر عن الذين يعاملون معه والحاجة إلى دفع الضرر باقية بعد الحجر لأنه لو لم يجز إقراره حجر المولى عليه أيضا إذا صار الكسب في يده قبل أن يقر بما عليه ثم لا يصح إقراره فيتضرر به الغرماء فلدفع الضرر جعلنا بقاء أثر الإذن كبقاء أصله بخلاف ما بعد أخذ المال منه لأنه لم يبق هناك شيء من آثار ذلك الإذن وهذا على أصل أبي حنيفة مستمر فإنه جعل السكر في العصير بعد الشدة بمنزلة بقاء صفة الحلاوة في إباحة

 

ج / 25 ص -77-       شربه والدليل عليه أن العبد بعد الحجر عليه هو الخصم في حقوق تجاراته حتى لو كان وجد المشتري منه بالمشتري عيبا كان له أن يخاصمه فيه كما قبل الحجر.
وصحة إقراره من حقوق تجاراته إلا أنه لا يبقى ذلك بعد أخذ المال منه لأنه لو بقي كان كلامه استحقاقا للملك على المولى ابتداء وذلك لا يجوز بعد الحجر فأما ما بقي الكسب في يده فيكون إقراره في المعنى إنكارا لاستحقاق المولى إلا أن يكون استحقاقا عليه ابتداء وبخلاف إنشاء التجارة فإن ذلك إثبات سبب الاستحقاق ابتداء على المولى وهو غير محتاج إلى ذلك وإقامة أثر الإذن مقام الإذن باعتبار الحاجة فلا يعدو موضعها إذا عرفنا هذا فنقول لا أثر للإذن الثاني فيما في يده من المال مما علم أنه كان في الإذن الأول فيجعل وجوده كعدمه ولو لم يوجد كان الإقرار صحيحا عند أبي حنيفة في استحقاق المقر له العين وعندهما يكون إقراره باطلا فكذلك بعد الإذن الثاني إلا أن عندهما إقراره في الإذن الثاني إقرارا بوديعة مستهلكة فيكون إقرارا بالدين وهو لو أقر بدين اتبعه المقر له في رقبته فباعه فيه فكذلك هنا.
وإذا أذن لعبده في التجارة فأقر أنه كان أقر لهذا الرجل وهو محجور عليه بألف درهم وقال المقر له قد أقررت لي بعد الإذن فالقول قول المقر له لأنه أضاف الإقرار إلى حالة لا تنافي صحة إقراره فإن إقرار العبد المحجور بالمال ملزم إياه بعد العتق ولو كان العبد صغيرا أو كان صغيرا حرا أو معتوها فأقروا بعد الإذن أنهم قد أقروا له بذلك قبل الإذن كان القول قولهم لأنهم أضافوا الإقرار إلى حالة معهودة تنافي صحة إقرارهم أصلا فلم يكن كلامهم في الحال إقرارا بشيء إنما هو بمنزلة قول أحدهم أقررت لك بألف قبل أن أولد أو قبل أن أخلق فلا يلزمه شيء وإن كذبه المقر له في الإضافة لأنه منكر للمال في الحقيقة والله أعلم بالصواب.

باب إقرار المحجور عليه
قال رحمه الله: وهذا الباب بناء على الخلافية التي بيناها إذا أقر العبد بعد الحجر عليه بدين أو عين قائمة في يده مضمونة أو أمانة مستهلكة أو غير مستهلكة فإنه يصدق فيما في يده من المال عند أبي حنيفة ولا يصدق في استهلاك رقبته بالإنفاق حتى إذا لم يف ما في يده بما عليه لاتباع رقبته فيه لأن القياس أن لا يصح رق بعد الحجر في شيء مما في يده ولكنه استحسن أبو حنيفة رحمه الله: فأقام أثر الإذن مقام الإذن في تصحيح إقراره وهذا الأثر في المال الذي في يده لا رقبته لأنه لا يد له في رقبته بعد الحجر.
ولو ادعى إنسان رقبته لم يكن هو خصما له ولا كسبه مستفادا للمولى من جهته بشرط الفراغ من دينه ورقبته كانت للمولى قبل الإذن فعادت كما كانت وإن كان عليه دين في حال إذنه بإقراره أو ببينة كان ذلك الدين مقدما على ما أقر به بعد الحجر لأن ذلك الدين لزمه حال الإطلاق فيكون سببه أقوى مما أقر به بعد الحجر والضعيف لا يزاحم القوي كالدين المقر به

 

ج / 25 ص -78-       في المرض مع دين الصحة في حق الحر وهذا لأن ما في يديه من الكسب صار مستحقا للغرماء الذين وجبت ديونهم في حال الإذن وهو غير مصدق في إبطال استحقاقهم فكذلك في إثبات المزاحمة معهم وإن لم يكن عليه دين ولم يقر بشيء حتى أخذ مولاه المال منه أو باعه ثم أقر بشيء من ذلك لم يصدق العبد فيه على شيء من ذلك المال أما إذا أخذ المال منه فلأنه لم يبق أثر ذلك الإذن في المال المأخوذ منه وأما إذا باع فلأنه يحول إلى ملك المشتري وذلك مفوت محل الإذن لأن محله كان ملك الإذن وإقامة الأثر مقام الأصل في حال بقاء محل الأصل لا بعد فواته ولأن صحة إقراره قبل البيع باعتبار أنه هو الخصم في بقاء تجارته وقد انعدم ذلك بالبيع حتى لا يكون لأحد ممن عامله أن يخاصمه بعد ما باعه المولى في عيب ولا غيره فلا يصح إقراره بعد ذلك في حال رقه ولكنه يؤخذ به إذا عتق فيما هو دين عليه من ذلك لأنه مخاطب فإقراره صحيح في حكم الالتزام في ذمته ولكنه لم يطالب به لحق المولى فإذا سقط حقه بالعتق أخذ بجميع ذلك والعبد الصغير في جميع ذلك بمنزلة الكبير إلا أنه لا يؤخذ به بعد العتق لأنه غير مخاطب فلا يكون التزامه صحيحا في حق نفسه.
وإذا حجر على عبده وفي يده ألف درهم فأخذها المولى ثم أقر العبد أنها كانت وديعة في يده لفلان وكذبه المولى لم يصدق على ذلك لأنه لم يبق للعبد فيها يد حين أخذها المولى وكان صحة إقراره باعتبار يده فإن عتق لم يلحقه من ذلك شيء لأنه أقر بأن المال كان في يده أمانة وقد أخذها المولى من غير رضا العبد وتسليطه فلا يكون ذلك موجبا للضمان عليه كما لو غصب الوديعة أجنبي من المودع والبضاعة والمضاربة أمانة في يده كالوديعة ولو كان غصبا أخذ به إذا أعتق لأنه أقر بوجوب الضمان عليه بالغصب وقد عجز عن رد العين فعليه قيمتها.
ولو حجر عليه وفي يده ألف درهم وعليه ألف درهم فأقر أن هذه الألف وديعة عنده لفلان أو مضاربة أو قرض أو غصب فلم يصدقه على ذلك وأخذها صاحب الدين من حقه ثم عتق العبد كانت الألف دينا عليه يؤاخذ بها لأنه في حق نفسه يجعل كأنما أقر به حق وقد أقر أنه قضى بعين مال الغير دينا عليه وذلك موجب للضمان عليه كان المال في يده أمانة أو مضمونا.
ولو حجر عليه وفي يده ألف درهم فأقر بدين ألف درهم عليه ثم أقر أن هذه الألف وديعة عنده لفلان فالألف في قياس قول أبي حنيفة لصاحب الدين لأن صحة إقراره باعتبار ما في يده وكما لو أقر بالدين صار المقر به مستحقا للمقر له بالدين فإقراره بعد ذلك بالعين لغيره لإبطال استحقاق الأول باطل بمنزلة الوارث إذا أقر بدين على الميت مثل ما في يده من التركة ثم أقر بعين التركة لإنسان آخر فإذا صرف المال إلى المقر له بالدين ثم عتق اتبعه صاحب الوديعة لأنه قضى بالوديعة دينا عليه بزعمه واستفاد به براءة ذمته فيتبعه صاحب

 

ج / 25 ص -79-       الوديعة بمثلها بعد العتق بخلاف ما يأخذه المولى منه لأنه ما قضى به دينا في ذمته إنما أزال المولى يده عنه من غير رضاه فيجعل في حقه كالهالك فلا ضمان عليه فيه.
ولو كان أقر أولا بالوديعة كانت الألف لصاحب الوديعة ويتبعه صاحب الدين بدينه بعد العتق وفي قول أبي يوسف ومحمد إقراره بالوديعة باطل والألف يأخذه المولى ولا يتبعه صاحب الوديعة إذا عتق فأما المقر له بالدين فيبيعه بعد العتق بدينه لأن إقراره بالدين في ذمته صحيح.
ولو أقر إقرارا متصلا فقال لفلان علي ألف درهم وهذه الألف وديعة لفلان كانت الألف بينهما نصفين في قول أبي حنيفة لأنه عطف أحد الكلامين على الآخر وفي آخر كلامه ما يغاير موجب أوله فيتوقف أوله على آخره ولأن إقراره بالوديعة متصلا بالإقرار بالدين بمنزلة الإقرار بوديعة مستهلكة لأنه حين قدم الإقرار بالدين قد صار كالمستهلك للوديعة فكأنه أقر بدين ودين في كلامه موصول فيكون الألف بينهما نصفين وإذا عتق أخذاه بما بقي لهما ولو بدأ في هذا الإقرار المتصل بالوديعة كانت الألف لصاحب الوديعة لأنه يتملك العين بنفس الإقرار والدين بعد ذلك يثبت في ذمته ثم يستحق به كسبه وقد تبين أن ما في يده لم يكن كسبا له فلهذا لا يتعلق به حق المقر له بالدين.
ولو ادعيا جميعا فقال صدقتما كانت الألف بينهما نصفين لأنه ما ظهر الإقرار بالوديعة إلا والإقرار بالدين ظاهر وذلك يمنع تمام استحقاق العين للمقر له بالوديعة.
والحاصل: أن صحة إقراره ها هنا باعتبار ما في يده كما أن صحة إقرار الوارث باعتبار ما في يده من التركة وقد بينا هذه الفصول في الوارث في كتاب الإقرار فكذلك في حق العبد المأذون بعد الحجر والعبد الصغير والحر الصغير بعد الحجر عليهما في هذا بمنزلة الكبير إلا أنهما لا يؤاخذان بعد العتق والبلوغ بشيء مما يؤخذ به العبد الكبير بعد العتق لأن إقرارهما في حقهما لم يصح ولو حجر على عبده وفي يده ألف درهم فأقر لرجل بدين ألف درهم أو بوديعة ألف درهم بعينها ثم ضاع المال لم يلحق العبد من ذلك شيء حتى يعتق لأن صحة إقراره باعتبار ما في يده وقد انعدم ذلك بهلاك ما في يده فكأنه أقر ولا مال في يده فإذا عتق أخذ بالدين دون الوديعة لأن ما أقر به كالمعاين في حقه.
ولو كان ذلك معاينا معلوما لم يلحقه معه بعد هلاك الوديعة في يده وكان مؤاخذا بالدين فهذا مثله ولو حجر عليه وفي يده ألف درهم وعليه دين ألف درهم ثم أذن له فأقر بدين ألف درهم لرجل آخر أو وجبت عليه ببينة فالألف التي في يده لصاحب الدين الأول خاصة لأن الإذن الثاني غير مؤثر فيما في يده مما كان في الإذن الأول ووجوده كعدمه وقد بينا أنه كما أقر بالدين الأول صار ما في يده مستحقا للمقر له فلا يتغير ذلك بما لحقه من الدين في الإذن الثاني. وكذلك إن أقر العبد أن هذا الدين كان في حال الإذن الأول لأنه غير مصدق في الإسناد في حق المقر له الأول وكذلك إن أقر أنها وديعة عنده لرجل أودعها إياه

 

ج / 25 ص -80-       في حال الإذن الأول فالأول أحق بالألف ويتبع صاحب الوديعة العبد بها في رقبته لأنه قضى بالوديعة دينا عليه بزعمه وعندهما الألف لمولاه ويتبع بالدين في رقبته لأن الإذن الثاني غير مؤثر فيما في يده من الكسب فإن المولى بالحجر عليه يصير كالمخرج لما في يده من يده ولكن إقراره بالدين في الإذن الثاني صحيح في رقبته فيباع فيه إلا أن يقضي المولى دينه.
ولو حجر عليه وفي يده ألف درهم وعليه دين خمسمائة فأقر بعد الحجر بدين ألف درهم ثم أذن له فأقر أن تلك الألف التي كانت في يده وديعة أودعها إياه هذا الرجل فإنه لا يصدق على الوديعة والألف التي في يده لصاحب الدين الأول منها خمسمائة والخمسمائة الباقية للذي أقر له العبد بالألف وهو محجور عليه لأن ما وجب عليه في الإذن الأول مقدم فيما في يده فيأخذ صاحب الدين الأول كمال حقه ثم المقر له بالدين بعد الحجر مستحق لما بقي في يده فيأخذه وقد بقي عليه من الدين خمسمائة فيؤاخذ به بعد العتق ويتبع صاحب الوديعة العبد بوديعته كلها فيباع فيه إلا أن يقضيه المولى لأن إقراره بالوديعة حصل في حال الإذن الثاني وهو صحيح في حق المولى وقد قضى بالوديعة دينا عليه بزعمه فيؤاخذ ببدله في الحال.
وفي قول أبي يوسف ومحمد خمسمائة من الألف لصاحب الدين الأول وخمسمائة للمولى لأن إقراره بالدين بعد الحجر عندهما غير صحيح ويتبع صاحب الوديعة فيه العبد بخمسمائة درهم ويبطل من وديعته الخمسمائة التي أخذها المولى لأن إقراره بالوديعة حصل في حالة الإذن إلا أنه إنما يصير ضامنا لما قضى به دينا عليه دون ما أخذه المولى بغير اختياره وإنما قضي الدين الذي عليه بخمسمائة منها فيتبع بذلك خاصة والخمسمائة الأخرى أخذها المولى فهي في حقه وما لو أخذها غاصب آخر سواء فإن هلك من هذه الألف خمسمائة في يد العبد كانت الخمسمائة الباقية لصاحب الدين خاصة لأن حقه مقدم في كسبه على حق من أقر له بعد الحجر ويلزم رقبة العبد من الوديعة خمسمائة لأنه إنما يكون ضامنا باعتبار أنه قضي الدين بالوديعة وقد كان ذلك في مقدار الخمسمائة خاصة وما زاد على ذلك هالك في يده من غير صنعه فلا يلزمه ضمانه.
وإذا وهب لعبد محجور عليه ألف درهم وقبضها العبد فلم يأخذها منه المولى حتى استهلك لرجل ألف درهم ببينة ثم استهلك ألفا آخر ببينة فالألف الهبة للمولى لأنه ليس للمحجور عليه يد معتبرة شرعا فيما هو في يده صورة.
ألا ترى أنه لو باعه في ذلك إنسان لم يكن هو خصما له فهو وما لو أخذه المولى من يده سواء فما يلحقه من الدين بعد ذلك في ذلك إنسان لم يكن هو خصما له يتعلق برقبته دون مال آخر لمولاه ولو كان دينا قبل الهبة كانت الهبة لصاحب الدين لأن الموهوب بالقبض صار كسبا له وحق غرمائه في كسبه مقدم على حق مولاه لأن الكسب إنما يسلم للمولى بشرط الفراغ من دينه وبقيام الدين عليه عند الاكتساب يتعذر هذا الشرط فلهذا كانت الهبة

 

ج / 25 ص -81-       لصاحب الدين بخلاف الأول فإن هناك حين صارت الألف كسبا له ما كان لأحد عليه دين فتم شرط سلامة الكسب للمولى ثم لا يتغير ذلك بلحوق الدين إياه.
وإن استهلك بعد الهبة ألف درهم لرجل آخر ببينته كانت الهبة لصاحب الدين الأول وكان ينبغي أن يثبت فيه حق صاحب الدين الثاني لأن تعلق صاحب الدين الأول به يمنع استحقاق المولى وثبوت يده على المال حكما فيثبت فيه حق غريمي العبد باعتبار يده كما لو كان مأذونا ولكنه قال لو لم يكن عليه الدين الأول لم يثبت لصاحب الدين الثاني حق في ذلك الكسب فتأثير الدين الأول واستحقاق الغريم ذلك الكسب به في نفي ثبوت حق الغريم الثاني منه لا في إثبات ذلك.
يوضحه: أن حق الغريم الأول في هذا المال أقوى من حق المولى لأنه مقدم على المولى ثم استحقاق المولى إياه يمنع ثبوت حق الغريم الثاني فيه فكذلك استحقاق الغريم الأول إياه بخلاف المأذون لأن الإقرارين في حقه جميعهما حالة الإطلاق وقد بينا أن حال الإذن جعل بمنزلة زمان واحد فكان الدينين وجبا عليه معا فيستويان في استحقاق
الكسب بهما والله أعلم.

باب خصومة العبد المحجور عليه فيما يشتري ويبيع
قال رحمه الله: وإذا اشترى العبد المحجور عليه عبدا بغير إذن مولاه فشراؤه باطل لأن في تصحيحه شغل ماليته بالثمن والمولى غير راض به وفيه إدخال المشتري في ملك المولى بعقد المعاوضة من غير رضاه وليس للحر هذه الولاية على حر فلأن لا يكون للعبد على مولاه أولى ولا يقال إنه يدخل العين في ملكه بقبض الهبة والصدقة لأن المولى بملك رقبته ما قصد إلا تحصيل المنفعة لنفسه فيكون راضيا بما هو انتفاع محض محصل له بملك رقبته فإن أجازه المولى بعد الشراء جاز لأن الإجازة في الانتهاء كالإذن في الابتداء وهذا لأن العبد من أهل العقد فانعقد العقد فيه وامتنع نفوذه بمراعاة حق المولى وبإجازته يرتفع هذا المانع لوجود الرضا منه بتعلق الثمن بماليته.
وكذلك لو باع شيئا من مال مولاه أو مما وهب للعبد فبيعه باطل لأنه لاقى محلا مملوكا للمولى ومثله من الحر لا يصح إلا بإجازة المولى فكذلك من العبد فإن أجازه المولى جاز والعهدة على العبد كما لو أذن له في الابتداء وهذا لأن العبد من أهل التزام العهدة في حقه لأنه مخاطب وإنما امتنع ثبوته في حق المولى لانعدام رضاه به وقد تحقق الرضا بإجازته والإجارة والرهن والقرض في هذا كالبيع والشراء والصبي والحر والمعتوه الذي يعقل الشراء والبيع في ذلك كالعبد لأنه من أهل التزام العهدة عند انضمام رأي الولي إلى رأيه.
وإذا اشترى العبد المحجور عليه متاعا بغير إذن مولاه ثم أذن له في التجارة لم يجز شراؤه المتقدم لأنه بالإذن صار منفك الحجر عنه فيما استقبل من التصرفات وصار المولى

 

ج / 25 ص -82-       راضيا بشغل ماليته بما ينشئه من التصرفات بعد الإذن فلا يؤثر ذلك في تصرف سبق الإذن فإن أجازه العبد بعد ذلك جاز استحسانا لأن الإجازة إنشاء تصرف منه وهي فيما هو المقصود بمنزلة ابتداء الشراء أو لأن المولى صار راضيا بتصرفه فتكون إجازته ذلك العقد بعد رضا المولى كإجازة المولى.
ولو أجازه المولى جاز لأن بالإذن له في التجارة لم يزل ملك المولى وولايته عنه فإجازته بعد الإذن له كإجازته قبل أن يأذن له في التجارة.
ولو أعتقه المولى بطل الشراء المتقدم لأنه لا وجه لتنفيذه بعد العتق على الوجه الذي انعقد حالة الرق فإنه انعقد موجبا الملك للمولى على سبيل الخلافة عن العبد وبعد العقد لو نفذ كان موجبا الملك للعبد مقصودا عليه وبه فارق الإذن له في التجارة لأنه لو بقي العقد موقوفا بعد الإذن كان موجبا الملك للمولى على وجه الخلافة عنه إذا تم بإجازته وإجازة مولاه وها هنا بعد العتق لا يبقى كذلك ولا يجوز أن ينفذ العقد موجبا حكما غير الحكم الذي انعقد له ولهذا لا تعمل إجازة العبد بعد العتق فيه ولا إجازة المولى ولا إجازتهما جميعا لأن بالعتق تعين جهة البطلان فيه فلا ينقلب جائزا بعد ذلك إلا بالتجديد بخلاف النكاح فإن العبد لو تزوج بغير إذن المولى ثم أعتقه المولى نفذ النكاح لأن النكاح انعقد موجبا ملك الحل للعبد عند نفوذه وبعد العتق إذا نفذ ثبت ملك المحل للعقد كما أوجبه العقد وكان المانع من نفوذه حق المولى فإذا سقط حقه بالعتق نفذ فأما الشراء فانعقد موجبا الملك في المشتري للمولى على وجه الخلافة عن العبد ولا يمكن إنفاذه كذلك بعد العتق.
قال: ألا ترى أن عبدا محجورا عليه لو اشترى جارية بألف درهم ثم أن المولى باع عبده من رجل فأجاز المشتري شراء الجارية لم يجز لأنه لو نفذ بإجازته ثبت الملك في المشتري للمشتري على وجه الخلافة عن العبد وإنما انعقد موجبا الملك للبائع.
وكذلك لو أجازه البائع لم يجز لأنه لو نفذت إجازته كانت العهدة على العبد في ماليته ومالية ملك المشتري وهو غير راض بذلك وكذلك لو لم يبعه المولى ولكنه مات فورثه وارثه فأجاز البيع لم يجز لأنه لو جاز ثبت الملك للوارث على سبيل الخلافة عن العبد فإذا مات المولى فقد خرج من أن يكون أهلا للتملك بالعقد فتعين جهة البطلان في هذا الشراء.
وإذا اشترى المحجور عليه عبدا من رجل بألف درهم وقبض العبد ولم ينقد الثمن حتى مات العبد في يده فلا ضمان عليه في العبد حتى يعتق لأنه قبضه بتسليم المالك فلا يكون هو جانيا في القبض على حق المالك ولكن هذا القبض يوجب الضمان عليه بحكم العقد والعبد المحجور لا يؤاخذ بضمان العقود في حال قيام الرق ويؤاخذ به بعد العتق لأن التزامه بالعقد صحيح في حقه دون حق المولى فإذا عتق لزمه قيمة العبد الذي قبض بالغة ما بلغت،

 

ج / 25 ص -83-       لأن البيع كان فاسدا لانعدام شرط الجواز فيه وهو إذن المولى والمقبوض بحكم الشراء الفاسد مضمون بالقيمة بالغة ما بلغت.
ولو كان قتل العبد حين قبضه من البائع قيل لمولاه ادفعه أو افده بقيمة المقتول لأن البائع كان أحق باسترداده منه وملكه لم يزل بتسليمه إلى العبد لأن العبد ليس من أهل الملك ولا يمكن إثبات الملك للمولى لانعدام الرضا منه بذلك فكان العبد في قتله جانيا على ملك البائع فيخاطب مولاه بالدفع أو الفداء.
ولو كان مكان العبد ثياب أو عروض أو دواب فاستهلكها العبد حين قبضها لم يضمنها حتى يعتق فإن عتق ضمن قيمتها بالغة ما بلغت لأن ضمان الاستهلاك من جنس ضمان العقد فإذا ترتب على العقد كان حكمه حكم ذلك العقد ولا يؤاخذ العبد المحجور بضمان العقود حتى يعتق بخلاف ضمان القتل فإنه ليس من جنس ضمان العقد حتى لا يملك به المضمون والمستحق به الدفع دون البيع في الدين.
يوضح الفرق أن إيجاب البيع تسليط من البائع للمشتري على التصرفات المفضية إلى الاستهلاك كالأكل في الطعام واللبس في الثوب والركوب على الدواب فلا يكون هذا السبب موجبا الضمان عليه إلا باعتبار العقد كأصل القبض بخلاف القتل وقد قررنا هذا الفرق في الوديعة ولم يذكر خلاف أبي يوسف في كتاب المأذون والأصح أن عنده يؤخذ بضمان الاستهلاك في الحال كما في الوديعة عنده وقد تكلف بعضهم للفرق فقالوا البيع تمليك العين من المشتري فيثبت باعتبار التسليط على الاستهلاك فأما الإيداع فإنه استحفاظ فلا يثبت به التسليط على الاستهلاك ولكنه نص على الخلاف في استقراض العبد المحجور في كتاب الصرف والإقراض تمليك كالبيع.
قال: وكذلك إذا كان البائع لذلك العبد عبدا مأذونا أو صبيا مأذونا لأنهما في انفكاك الحجر عنهما كالحر الكبير فيصح منهما التسليط ضمنا لعقد التجارة وكذلك لو كان صبيا محجورا عليه أو معتوها فهو بمنزلة العبد المحجور عليه إلا أنهما إذا قتلا العبد المشتري كانت القيمة على عاقلتهما بمنزلة ما لو قتلاه قبل الشراء فلا يلحقهما ضمان ما استهلكا من هذا إذا كبر الصبي وعقل المعتوه لأن التزامهما الضمان بالعقد لا يصح في حقهما فإنهما غير مخاطبين شرعا بخلاف العبد فإن التزامه العقد صحيح في حق نفسه فيؤاخذ به بعد العتق.
ولو كان البائع أيضا عبدا محجورا أو صبيا محجورا أخذ المشتري بضمان ما في يده من ذلك إذا هلك في يده أو استهلكه لأن تسليط المحجور عليه إياه على القبض والاستهلاك غير معتبر في إسقاط الضمان الواجب به والقبض والاستهلاك فعل موجب للضمان إذا حصل من المحجور عليه بطريق الجبران فلا يسقط ذلك إلا باعتبار تسليط صحيح ولم يوجد ذلك فإن قتل المشتري العبد المشتري أو الجارية كان مولاهما بالخيار إن شاء باع العبد في رقبتهما وإن

 

ج / 25 ص -84-       شاء أخذه بالجناية عليهما فيدفعه المولى بذلك أو يفديه لأنه وجد سببان موجبان للضمان أحدهما القبض والآخر القتل فللمولى أن يضمنه بأي السببين شاء فإن اختار التضمين بالقبض صار العبد كالهالك في يده من غير صنع فيباع في قيمته إلا أن يقضي المولى عنه وإن اختار التضمين بالجناية أمر المولى بالدفع أو الفداء بمنزلة من غصب من آخر عبدا وقتله كان للمولى أن يضمن الغاصب قيمته من ماله حالا بالغصب وإن شاء رجع بقيمته على عاقلته موجبا في ثلاث سنين باعتبار قتله إياه خطأ.
وإن اشترى العبد المحجور عليه من رجل عبدا بألف درهم وقيمته ألف درهم وقبضه فباعه وربح فيه ثم اشترى بثمنه وباع حتى صار في يده ألفا درهم ثم حضر البائع فله أن يستوفي ثمنه مما في يده استحسانا وفي القياس ليس له ذلك لأن ما في يده من الكسب ملك مولاه ودين البائع غير ثابت في حق المولى.
ألا ترى أنه لا يستوفي من مالية رقبته فكذلك في الكسب الذي في يده ولكنه استحسن فقال إذا علم أن هذا المال في يده حصل بسبب ذلك المشتري فالبائع أحق به حتى يستوفي ثمنه منه لأن حكم البدل حكم المبدل.
ولو كان المشتري في يده قائما بعينه كان البائع أحق باسترداده فكذلك بدله وهذا لأنه إذا استوفى الثمن مما في يده فلا ضرر على المولى إذا علم أن ما في يده من ذلك المشتري بل يكون فية منفعة له لأن الفضل يسلم للمولى والعبد لا يلحقه الحجر عما يتمحض منفعة للمولى وهو نظير ما لو أجر المحجور نفسه وسلم من العمل فإن لم يعلم أن الذي في يده من ثمن عبده الذي باعه فذلك المال للمولى ولا شيء للبائع على العبد حتى يعتق لأن استحقاق البائع باعتبار أن ما في يده بدل عما كان هو أحق به ولا يعلم ذلك في هذا المال الذي في يده وللمولى فيه سبب استحقاق ظاهر وهو أنه كسب عبده المحجور وفي تقديم البائع عليه مع الاحتمال إضرار بالمولى وتصرف المحجور فيما يلحق الضرر بالمولى لا يكون نافذا وإن قال المولى هذا المال ذهب لعبدي أو أصابه من غير ثمن عبدك الذي بعت وقال البائع أصابه من ثمن عبدي وصدقه العبد بذلك فالقول قول المولى لأن البائع يدعي سبب استحقاقه لهذا المال والمولي منكر لذلك وتصديق العبد لا ينفع البائع لأنه محجور لا قول له في حق المولى وإن أقاما البينة فالبينة بينة البائع لأنه ثبت بسبب استحقاقه بالبينة ولأنه هو المحتاج إلى إقامة البينة.
وكذلك لو كان مكان شراء العبد قرض ألف درهم أو وديعة ألف درهم أو عروض فتصرف فيها العبد فهو بمنزلة ما تقدم وإن كان المال الذي في يد العبد في جميع ذلك أقل من قيمة ذلك الأصل أخذ صاحب الأصل ما وجده في يده بما هو بدل ملكه ولم يتبعه بما بقي حتى يعتق لأن ما بقي ثابت في حق العبد دون المولى بمنزلة جميع المال إذا لم يجد منه شيئا في يد العبد المحجور.

 

ج / 25 ص -85-       ولو دفع إليه رجل متاعا بضاعة فباعه العبد جاز بيعه لأنه من أهل البيع وبيعه لاقى ملك المبضع برضاه فينفذ وهذا لأن نفوذ البيع بالتكلم بالإيجاب والقبول ولا ضرر على المولى في ذلك وإذا جاز البيع كان الثمن للآمر والعهدة على الآمر حتى يعتق لأن في الزام العهدة العبد إضرارا بمولاه وذلك لا يجوز بغير رضاه فإذا تعذر إيجاب العهدة عليه تعلقت العهدة بأقرب الناس إليه وأقرب الناس إليه من هذا العقد بعد المباشرة هو المبضع فإذا عتق العبد لزمه العهدة لأنه من أهل التزام العهدة في حقه وإنما امتنع لزومها في حق المولى وقد سقط حقه بالعتق.
وإن وجد المشتري بالمباع عيبا فالخصم فيه الآمر ما لم يعتق العبد كما لو كان باشر العقد بنفسه إذ جعل العبد رسولا فيه إلا أن اليمين في حقه بالعلم لأنه يستحلفه على مباشرة غيره وفي استحلافه على البتات على فعل الغير إضرار به ولو أعتق العبد مولاه وأذن له في التجارة صارت الخصومة لحقه لأنه صار منفك الحجر عنه بالإذن كما يصير منفك الحجر عنه بالعتق وقد زال المانع من لحوق العهدة إياه وهو انعدام الرضا من المولى به فإن كان المشتري قد أقام البينة على العيب قبل أن يعتق العبد ثم عتق فهو الخصم في ذلك ولكن يقضي بتلك البينة فلا يحتاج المشتري إلى إعادتها لأنه أقام البينة على من هو خصم وهو الآمر فلا يحتاج إلى إعادتها وإن تحولت الخصومة إلى العبد كما لو كان البائع حرا فأقام البينة عليه ثم مات فورثه وارثه وكذلك لو أقام شاهدا واحدا قبل العتق لم يكلف إعادته على العبد ويحكم عليه إذا أقام شاهدا آخر به على العبد لأن الحجة قد تمت فإن قضى القاضي على العبد بالرد بالعيب ونقض البيع فإن كان الآمر هو الذي قبض الثمن من المشتري لزم الثمن الآمر وليس على العبد منه لا قليل ولا كثير لأن وجوب رد الثمن باعتبار القبض دون العقد والقابض كان هو الآمر دون العبد فعليه أن يرده وهكذا إذا كان الوكيل حرا وكان الموكل هو الذي قبض الثمن من المشتري فإن كان قبضه العبد فهلك عنده أخذ العبد به لأنه هو القابض للثمن بحكم العقد فعليه رده إذا انتقض العقد فيرجع بذلك على الآمر لأن قبضه كان صحيحا في حق الآمر ولهذا بريء المشتري به فكان هلاكه في يده كهلاكه في يد الآمر ولأنه في القبض كان عاملا له بأمره فيرجع عليه بما يلحقه من العهدة بسببه.
ولو كان مكان العبد صبي محجور أو معتوه كانت العهدة في جميع هذه الوجوه على الآمر والخصومة معه واليمين على العلم وهو الذي يرد الثمن ولا تنتقل العهدة عن الصبي والمعتوه بالإدراك والإفاقة لأن التزامهما العهدة غير صحيح في حقهما وإذا لم يكن العاقد من أهل التزام العهدة وجبت العهدة على من هو أقرب الناس من هذا العبد بعد العاقد وهو الآمر المنتفع به.
وإذا وجب للعبد المأذون على رجل دين من ثمن مبيع أو إجارة أو قرض أو استهلاك ثم حجر عليه مولاه فالخصم فيه العبد لأنه باشر سبب الالتزام في حال انفكاك الحجر عنه،

 

ج / 25 ص -86-       وتأثير الحجر عليه بعد ذلك في منع لزوم العهدة إياه بمباشرة السبب ابتداء لا في إسقاط ما كان لزمه فإن دفع الذي عليه الدين إلى العبد بريء كان عليه الدين أو لم يكن لأنه حين عامل العبد فقد استحق براءة ذمته بتسليم الدين إليه فلا يتغير ذلك بالحجر عليه بعد ذلك وإن دفعه إلى مولاه بريء أيضا إن لم يكن على العبد دين لأن كسبه خالص حق المولى وبقبض العبد يتعين الملك له فهو نظير الموكل إذا دفع الثمن المشتري إليه وإن كان عليه دين لا يبرأ بدفعه إلى المولى لأن كسبه الآن حق غرمائه والمولى من كسبه كأجنبي آخر ما لم يقض دين غرمائه فلا يبرأ المديون بالدفع إلى المولى صيانة لحق الغرماء إلا أن يقضي المولى الدين فإن قضاه بريء المطلوب من الديون لأن المانع قد زال وهو حق الغرماء في كسبه واستدامة القبض في المقبوض بعد سقوط الدين عن العبد كإنشائه ولأنه لا يشتغل بنقض شيء ليعاد مثله وبعد سقوط الدين عن العبد لو نقضنا قبض المولى احتجنا إلى إعادته لأن العبد يقبضه فيسلمه إليه بخلافه حال قيام دينه لأنه يقبضه ليقضي به دينه فإن مات العبد بعد حجره ولا دين عليه فالخصم في ذلك المولى لأن كسبه خالص حق المولى فيكون هو أحق الناس باستيفائه وإن لم يمت ولكن المولى أخرجه من ملكه فليس للعبد أن يقبض شيئا منه ولا يكون خصما فيه لأن منافعه صارت للمشتري فالمقبوض يسلم للبائع فلا يكون للعبد أن يصرف المنافع التي هي ملك المشتري إلى القبض والخصومة فيما ينتفع به البائع وإن قبض لم يبرأ الغريم بقبضه لأنه خرج من أن يكون خصما فيه حكما فكان قبضه كقبض أجنبي آخر والمقبوض للبائع ولا يبرأ المديون بتسليم ملك البائع إلى عبد غيره وقد انقطعت خصومة العبد عن ذلك إن كان عليه دين أو لم يكن لأنه لما انتقل الملك إلى المشتري صار العبد في تلك الخصومة كالمستهلك فإن تجدد سبب الملك فيه بمنزلة تبدل عينه ولكن الخصم في ذلك هو المولى لأنه كان خلفا عن العبد فإنما هو غنم تلك التصرفات فكذلك في الغرم والخصومة فيه يكون خلفا عنه فيقبضه فإن لم يكن عليه دين فهو سالم له لأنه كسب عبده.
وإن كان عليه دين فالمولى هو الخصم أيضا في الخصومة في جميع ماله على الناس وغيره إلا أنه إذا قضى بذلك لم يكن للمولى قبضه لأن حق الغريم في كسبه مقدم على حق المولى ولم يوجد الرضا من الغرماء بقبض المولى لذلك وهو ليس بمؤتمن على حق الغرماء فأما أن يقبض الغرماء دينهم من المقبوض فيكون ما بقي للمولى لأنه كسب عبده وقد فرغ من دينه.
ولو كان المولى أعتقه كان العبد هو الخصم في قبض جميع ذلك لأنه هو المباشر لسببه وقد خلصت له منافعه بعد العتق وكذلك لو باعه المولى فاعتقه المشتري فالعبد هو الخصم في جميع ذلك لخلوص منافعه له وقد كان المانع له من الخصومة قبل العتق كون منافعه للمشتري وقد زال ذلك بالعتق.

 

ج / 25 ص -87-      
وإذا باع العبد المأذون متاعا من رجل بألف وتقابضا ثم حجر عليه المولى فوجد المشتري بالمتاع عيبا فالخصم فيه العبد لأن ملك المولى في منافعه باق بعد الحجر وقد كان لزمه العهدة لمباشرته سببه بإذن المولى فإن قامت عليه بينة وحكم برده عليه فأبى المشتري أن يدفعه حتى يقبض الثمن فله ذلك لأن حال المشتري بعد الفسخ كحال البائع قبل التسليم وقد كان له أن يحبس المبيع ليستوفي الثمن فللمشتري بعد الفسخ أن لا يرده حتى يستوفي الثمن فإن لم يكن في يد العبد مال وعليه دين بدئ بالمتاع فبيع وأعطى المشتري ثمنه لأن حقه في المتاع مقدم على حق سائر الغرماء فإن دينه بدل هذا المتاع والمتاع محبوس به كالمرهون في يد المرتهن فلهذا يبدأ من ثمن المتاع بدينه فإن فضل من ثمن المتاع شيء فهو لغرماء العبد وإن نقص فالمشتري شريك غرماء العبد في رقبته بما بقي من دينه لأن دينه واجب بسبب ظاهر لا تهمة فيه وإن جهل المشتري فدفع إليه المتاع ثم جاء بعد ذلك يطلب الثمن فهو أسوة الغرماء في المتاع وفي رقبته لأن تقدمه عليهم في ثمن المتاع باعتبار يده وقد انعدم بإخراجه من يده فهو نظير البائع إذا سلم المبيع إلى المشتري ثم مات المشتري كان هو أسوة سائر الغرماء في ثمن المشتري وغيره من تركته.
ولو لم يقم بينة على العيب وطلب اليمين فالثمن على العبد دون مولاه لأن العبد هو الذي باشر هذا البيع وهو الخصم فيما يدعي من العيب فيه بعد الحجر كما قبله فيكون اليمين عليه فإن نكل عن اليمين رد المتاع عليه بالعيب وكان حاله بمنزلة ما إذا قامت البينة بالعيب كما لو كانت الخصومة في العيب قبل الحجر عليه ثم هذا على أصل أبي حنيفة رحمه الله: واضح لأنه يجعل أثر الإذن في بقايا تجارته بحاصل الإذن وكذلك عندهما لأن المشتري استحق رد المتاع عليه والرجوع بالثمن عند نكوله حالة العقد فلا يتغير ذلك الاستحقاق بالحجر عليه.
وكذلك لو أقر بالعيب عند القبض وهو عيب لا يحدث مثله لأنه لاتهمة في إقراره والقاضي يتيقن بدون إقراره أن العبد كان عنده وإن كان يحدث مثله لم يرده عليه القاضي بإقراره لأن إقراره بمنزلة إنشاء تصرف منه باختياره وهو غير صحيح منه في حق مولاه بعد الحجر إذا لم يكن في يده كسب بالاتفاق وها هنا لا كسب في يده فلا يكون إقراره ملزما مولاه شيئا ولا يكون هو خصما فيه بعد ذلك لأنه أقر به فلا يتمكن من الإنكار بعد ذلك ليقام عليه البينة كالوصي إذا أقر على اليتيم بدين لا يكون هو خصما فيه بعد ذلك ولكن المولى هو الخصم فيه لأنه خلف عنه في غنمه فكذلك في الخصومة فإن أقام المشتري البينة على العيب رده فإن لم يكن له بينة استحلف المولى على علمه لأنه استحلاف على فعل الغير فإن نكل عن اليمين وأقر بالعيب رده بالعيب.
فإن كان على العبد دين فكذب الغرماء العبد والسيد بما أقرا به من العيب فإقرارهما يكون حجة في حقهما دون الغرماء ويباع المتاع المردود في ثمنه فأعطى ثمنه المشتري فإن

 

ج / 25 ص -88-       فضل من ثمنه الآخر شيء على ثمنه الأول كان لغرماء العبد لأن الفاضل كسب العبد فيصرف إلى غرمائه وإن نقص عنه كان الفضل في رقبة العبد إلا أن يباع فيبدأ من ثمنه لغرمائه لأن وجوب هذا الفضل كان بإقرار المولى وهو غير صحيح في حق الغرماء فيبدأ من ثمنه بحق غرمائه وإن فضل من ثمنه شيء بعد قضاء دينهم كان للمشتري لأن الفاضل حق المولى وهو مقر بدين المشتري وإن لم يفضل شيء فلا شيء له وإن لم يكن على العبد دين كان ثمن المتاع في رقبته وفي المتاع يباعان فيه بإقرار المولى بذلك للمشتري والحق له في الرقبة والكسب.
وإن حلف المولى لم يرد إن كان على العبد دين أو لم يكن فإذا عتق رد عليه بإقراره لأن إقراره حجة في حقه وإنما كان المانع من العمل حق المولى فإذا عتق صار كالمجدد لذلك الإقرار بعد العتق فيرد عليه ويلزمه الثمن والمتاع له.
وإذا باع المأذون متاعا له بألف درهم وقبض الألف فضاعت من يده ثم حجر عليه مولاه وفي يده ألف درهم ثم طعن المشتري بعيب في المتاع فأقر به العبد ومثله يحدث فهو مصدق في قياس قول أبي حنيفة رحمه الله: لأنه أقر للمشتري بألف درهم عند رد المتاع عليه ولو أقر له بألف درهم مطلقا وفي يده ألف درهم صح إقراره في قول أبي حنيفة باعتبار ما في يده ولا يصح في قولهما وقد بينا هذا فإن كان المولى قبض من يده ذلك المال قبل إقراره بالعيب لم يصدق لأن إقراره صحيح باعتبار ما في يده ولم يبق في يده شيء حين قبض المولى منه وكذلك لو كان في يده مال وعليه دين مثله لأن ما في يده مستحق لغرمائه فلا يمكن تصحيح إقراره فيه وحاله كحال ما لو لم يكن في يده شيء سواه.
ولو باع المأذون متاعا له ثم حجر عليه المولى ثم باعه مولاه فوجد المشتري بالمتاع عيبا فليس العبد خصما فيه ولكن الخصم هو المولى إن كان على العبد دين حين باعه مولاه أو لم يكن لأن منافعه بالبيع صارت مملوكة للمشتري فلا يتمكن من صرفه إلى خصمائه بغير رضى المشتري فإن قامت البينة بالعيب رد المتاع وبيع في ثمنه وكان المشتري أحق به من الغرماء فإن لم يف بحقه حاص الغرماء فيما قبض من ثمن العبد لأن دينه ثبت بالبينة وهو حجة في حق الغرماء.
وإن لم يكن له بينة على العبد ولكن أقر به المولى أو نكل عن اليمين فكذلك إلا أن المشتري لا يحاص الغرماء بما بقي من حقه لأن إقرار المولى ونكوله لا يكون حجة في حق الغرماء ولا يضمن المولى له شيئا لأن الغرماء إنما قبضوا ثمن العبد منه بقضاء القاضي لهم به ولو حجر المولى على العبد ولم يبعه ثم طعن المشتري بعيب في المتاع فصدقه به العبد وناقضه البيع بغير قضاء قاض والعيب مما يحدث مثله أو لا يحدث مثله فمناقضته إياه باطلة لأن قبوله بالعيب بغير قضاء قاض بمنزلة الإقالة والإقالة كالبيع الجديد في حق غير المتعاقدين فيكون هذا في حق المولى كشراء العبد إياه ابتداء بعد الحجر فإن أذن له المولى

 

ج / 25 ص -89-       بعد ذلك لم تجز تلك الإقالة إلا أن يجيز أو يجدد الإقالة بعد الإذن بمنزلة الشراء المبتدأ في حال الحجر فإنه لا ينفذ بالإذن إلا أن يجيزه أو يجدده فإن كان العبد أقر بالعيب في حال الحجر وليس في يده مال ثم أذن له المولى في التجارة لم يؤخذ بذلك الإقرار لأن تأثير الإذن في تنفيذ ما ينشئه من التصرف بعد الإذن لا في تنفيذ ما كان سبق الإذن إلا أن يقر إقرارا جديدا بعد الإذن فحينئذ هو مؤاخذ به كإقراره بدين آخر عن نفسه.
فإن قال المشتري: أقررت بالعيب بعد الإذن وقال العبد أقررت به في حالة الحجر أخذ بإقراره لأنه أضاف الإقرار إلى حالة لا تنافي الإلزام بحكم الإقرار إلا أن يكون العبد صبيا فيكون القول قوله حينئذ لإضافة الإقرار إلى حالة معهودة تنافي الالتزام بحكم الإقرار أصلا إلا أن يقيم المشتري البينة أنه أقر به بعد الإذن الآخر أو في الإذن الأول فالثابت بالبينة يكون كالثابت معاينة.
ولو دفع أجنبي متاعا له إلى عبد مأذون يبيعه له بغير إذن مولاه فباع فهو جائز لأن التوكيل بالبيع من صنيع التجار والمأذون يحتاج إلى ذلك لأنه يستعين بالناس في مثله ومن لا يعين غيره لا يعينه غيره عند حاجته والعهدة على العبد إذا كان عليه دين أو لم يكن لأن هذا التصرف مما يتناوله الفك الثابت بالإذن.
وكذلك لو كان دفع مولاه إليه متاعا يبيعه له وعليه دين فإن المولى لا يكون دون أجنبي آخر في الاستعانة به في البيع فإن حجر المولى على العبد ثم طعن المشتري بعيب في المتاع فالعبد خصم في ذلك كما لو كان باع المتاع لنفسه وهذا لأن المشتري استحق الخصومة معه في العيب فلا يبطل حقه بحجر المولى فإن رد عليه ببينته أو بإباء يمين أو كان عيبا لا يحدث مثله بيع المتاع في الثمن فإن بقي منه شيء كان في عتق العبد لأنه في حكم العهدة بمنزلة ما لو باشر العقد لنفسه إلا أنه يرجع به على الأجنبي إن كان باعه له وعلى المولى إن باعه له لأن الحق في كسبه ورقبته لغرمائه والمولى كأجنبي آخر في هذه الحالة وإنما لحقته العهدة بسبب عقد باشره له فرجع به عليه فإن كان المولى والأجنبي معسرين حاص المشتري الغرماء في رقبة العبد ما بقي شيء من حقه لأن دينه ثابت بسبب ظاهر في حق الغرماء تم يرجع المشتري بما بقي بعد ذلك من حقه على الآمر ويرجع عليه الغرماء أيضا بما أخذه المشتري من ثمن العبد لأن ثمن العبد حقهم وقد أخذ المشتري بعض ذلك بسبب دين كان العبد في التزامه عاملا للآمر فيرجعون عليه بذلك فيقتسمونه بالحصة.
وإن كان العبد أقر بالعيب وهو يحدث مثله فإقراره باطل لأنه محجور عليه فلا يكون إقراره حجة في حق المولى والغرماء ولا يكون خصما فيه بعد ذلك ولكن رب المتاع هو الخصم فيه لأن المنفعة في هذا العقد كانت له فإن أبى اليمين أو قامت البينة على العيب أو أقر به رده عليه وأخذ منه الثمن إن كان قبضه من العبد أو هلك عند العبد لأن العبد كان وكيلا عنه فيده في الثمن كيد الموكل.

 

ج / 25 ص -90-       وإن حلف على العيب ثم عتق العبد ورده المشتري عليه بإقراره الذي كان في حال الحجر وأخذ منه الثمن فكان المتاع للعبد المعتق لأنه كالمجدد لذلك الإقرار بعد العتق ولأن إقراره ملزم إياه في حقه وقد خلص الحق له بالعتق.

باب إقرار المولى على عبده المأذون
قال رحمه الله: وإذا أذن الرجل لعبده في التجارة ثم أقر عليه بدين أكثر من قيمته وأنكره العبد فالدين كله لازم لأن إقراره في الصورة على العبد وفي الحكم على نفسه فالحكم الثابت في حالة الرق بيع الرقبة في الدين أو قضا الدين من كسبه وذلك استحقاق على المولى وإقراره على نفسه صحيح فيخير المقر له بين أن يطلب بيعه في الدين وبين أن يختار استسعاءه في جميع الدين وكذلك لو أقر عليه بكفالة بأمره فإن كفالة العبد بأمر المولى صحيحة ملزمة إياه بمنزلة التزام الدين بغيره من الأسباب فإن كانت قيمته ألف درهم فأقر المولى عليه بدين عشرة آلاف درهم ثم أعتقه فعلى المولى قيمته للغرماء لأنه بالإعتاق أتلف عليهم مالية الرقبة فيكون ضامنا لهم قيمته ويرجعون أيضا على العبد بقدر قيمته لأن المالية هي حقهم سلمت للعبد بالعتق والإقرار تصرف من المولى عليه باعتبار تلك المالية وهو بملك الرقبة يملك أن يلزمه السعاية في مقدار قيمته بعد العتق بتصرفه.
ألا ترى أنه لو رهنه ثم أعتقه وهو معسر يجب على العبد السعاية بقدر قيمته وكذلك لو أقر أنه مرهون عند فلان بدين له عليه ثم أعتقه وهو معسر كان على العبد السعاية في مقدار قيمته فكذلك إذا أقر عليه بالدين وهذا لأن محل الدين الذمة ولكن الدين في ذمة المملوك يكون شاغلا لمالية رقبته وهذه المالية ملك المولى والذمة مملوكة للعبد وفي مقدار مالية الرقبة إقرار المولى كإقرار العبد لمصادفته ملكه فيلزمه السعاية فيه بعد العتق وهذا المعنى ينعدم في الزيادة على قدر القيمة فلا يسعى العبد فيه بعد العتق لأن الكسب بعد العتق خالص ملكه فلا يلزمه أن يؤدي منه إلا مقدار ما هو ثابت في حقه فأما قبل العتق فالكسب ملك المولى والمولى مقر بأن حق المقر له في الكسب مقدم على حقه فلهذا يقضي جميع الدين من كسبه قبل العتق.
ثم وجوب قيمة المالية على المولى لا يمنع وجوب السعاية على العبد بقدر قيمته لأن السبب مختلف فإن السبب في حق المولى إتلاف مالية الرقبة وفي حق العبد وجوب الدين عليه في مقدار القيمة باعتبار نفوذ تصرف المولى عليه وعلى هذا لو أبرؤوا المولى من القيمة أو قومت عليه لم يرجعوا على العبد إلا بقدر قيمة العبد لأن الثابت في حقه يتصرف المولى عليه بعد العتق هذا القدر.
وكذلك لو سعى لهم العبد في خمسة آلاف ثم أعتقه المولى في صحته ثم مات ولم يدع شيئا فعلى العبد أن يسعى لهم في قيمته لأن ما استوفوا كان من ملك المولى وذلك لا يمنع وجوب السعاية على العبد بعد العتق في مقدار قيمته يتصرف المولى عليه إلا أن يكون ما بقي

 

ج / 25 ص -91-       من الدين أقل منها فحينئذ يلزمه السعاية في الأقل بمنزلة المرهون إذا أعتقه الراهن وهو معسر يلزمه السعاية في الأقل من قيمته ومن الدين وهذا لأنه إذا سعى في مقدار الدين وقد وصل إلى الغرماء كمال حقهم فلا معنى لإيجاب السعاية عليه في شيء بعد ذلك.
ولو كان العبد أقر بالدين أيضا لزمه الدين كله كما لو لم يوجد الإقرار من المولى به أصلا وهذا لأن الإقرار من العبد التزام في ذمته وهو خالص حقه وفي الذمة سعة فيثبت جميع الدين بإقراره في ذمته ويؤاخذ به بعد العتق فأما إقرار المولى عليه باعتبار ماليته فلا يثبت به في حق العبد إلا بعد ما يتسع له المحل.
ولو أقر عليه المولى بدين عشرة آلاف وأنكرها عليه العبد فبيع في الدين واقتسم الغرماء ثمنه فلا سبيل لهم على العبد عند المشتري لأن الدين الذي أقر به المولى عليه لا يكون أقوى من دين واجب عليه ظاهرا وهناك إذا بيع في الدين لم يكن للغرماء عليه سبيل عند المشتري وهذا لأن المشتري غير راض باستحقاق شيء عليه بالدين ولا يسلم الثمن للغرماء ما لم يسقط حقهم عن مطالبة في ذلك المشتري لأنهم إن تمكنوا من مطالبته رده المشتري بالعيب ورجع بالثمن فإن أعتقه المشتري رجع الغرماء على العبد بقيمته لأن مقدار القيمة بما أقر به المولى عليه ثبت لزومه في حق العبد بعد العتق بمنزلة جميع الدين الثابت بإقرار العبد أو بتصرفه فكما يطالب هناك بجميع الدين بعد العتق يطالب ها هنا بقيمته بعد العتق.
ولو لم يبع في الدين حتى دبره المولى فللغرماء الخيار بين تضمين المولى قيمته وبين استسعاء المدبر في جميع دينهم لأن المولى بالتدبير صار مفوتا عليهم مالية الرقبة بالبيع في الدين فينزل ذلك منزلة الإعتاق في إيجاب ضمان القيمة لهم على المولى إلا أن الفرق بين هذا وبين الإعتاق من وجهين:
أحدهما: أن هناك إذا ضمنوا المولى قيمته رجعوا على العبد بقدر قيمته أيضا وها هنا لا شيء لهم على العبد حتى يعتق لأن كسب المدبر للمولى وهم قد استحقوا على المولى مالية الرقبة حين ضمنوه فلا يبقى لهم سبيل على كسب هو ملك المولى وهناك كسب المعتق ملكه فتضمينهم المولى قيمته لا يمنعهم من الرجوع على المعتق بقيمته ليؤدي من كسبه.
والثاني: أن هناك لا يكون لهم استسعاء العبد إلا في مقدار قيمته وهنا لهم حق استسعاء المدبر في جميع دينهم لأن الكسب بعد التدبير ملك المولى والمولى مقر بجميع الدين وكون المقر له أحق بالكسب منه وهناك الكسب بعد العتق ملك العبد وهو منكر للدين فلا يلزمه أن يؤدي منه إلا مقدار ما يقدر فيه تصرف المولى عليه فإن أعتقه بعد التدبير ها هنا أخذوه بقيمته فقط لأن الكسب بعد العتق ملكه.
وإن أدى خمسة آلاف ثم أعتقه المولى أخذوا منه أيضا قيمته وبطل ما زاد على ذلك لأن المستوفي من ملك المولى فلا يمنع ذلك وجوب مقدار القيمة عليه بعد العتق لنفوذ تصرف المولى عليه في ذلك القدر ولو لم يدبره حتى مرض المولى فأعتقه ثم مات ولا مال له غيره

 

ج / 25 ص -92-       فعليه أن يسعى في قيمته فيأخذه الغرماء دون الورثة لأن المولى بالإعتاق صار ضامنا مقدار قيمته للغرماء والعتق في المرض وصية فيتأخر عن الدين فعلى العبد أن يسعى في قيمته لرد الوصية ويأخذه الغرماء باعتبار أنه تركة الميت وحق الغريم في تركته مقدم على حق الوارث ثم يأخذ الغرماء العبد بعد ذلك أيضا بقيمته لأنه قد لزمه بعد العتق مما أقر به المولى مقدار قيمته ولا شيء للورثة ولا لغرماء المولى من ذلك لأن ما سعى فيه العبد بدل ماليته ودينه في ماليته مقدم على دين غرماء المولى لأن حق غرماء المولى يتعلق بماليته بمرضه وحق غريم العبد كان ثابتا في ماليته قبل ذلك فلهذا لا يكون لغرماء المولى مزاحمة مع غرماء العبد في شيء مما سعى فيه العبد وإن كان إنما أقر على العبد بالدين في المرض والمسألة على حالها كانت القيمة الأولي لغرماء المولى خاصة لأن حقهم تعلق بماليته لمرض المولى فإقراره على العبد بالدين بعد ذلك بمنزلة إقراره على نفسه وكما لا مزاحمة للمقر له في المرض مع غريم الصحة في تركة المولى فكذلك لا مزاحمة للمقر له في المرض ها هنا والقيمة الأولى التي سعى العبد فيها تركة المولى فتكون لغرماء المولى خاصة ثم يسعى في قيمته لغرماء العبد خاصة لأن وجوب القيمة الثانية عليه باعتبار الدين الواجب عليه لإقرار المولى فيكون ذلك لغرمائه خاصة وهذا لأن حق غرماء المولى تعلق بمالية الرقبة وقد سلمت لهم تلك المالية.
ولو لم يقر عليه بالدين ولكن أقر عليه بجناية خطأ فإنه يدفعه بها أو يفديه لأن موجب جناية العبد على المولى فإن المستحق بالجناية نفس العبد على المولى فإقراره عليه بالجناية بمنزلة البينة والمعاينة فيدفع بها أو يفديه وكذلك لو أقر على أمة في يدي العبد أو عبد في يديه بدين أو جناية كان مثل إقراره على العبد بذلك لأن كسب العبد ملك المولى كرقبته فإن أعتقها بعد ذلك فهو بمنزلة ما ذكرنا من إعتاقه العبد بعد الإقرار عليه بالدين وإقرار الأب والوصي على الصبي المأذون له في التجارة أو على عبده باطل لأنه لا ملك له على الصبي ولا في ماله فإقراره عليه يكون شهادة وبشهادة الفرد لا يستحق شيء ثم ثبوت الولاية للأب والوصي على الصبي بشرط النظر وليس في إقرارهما عليه في معنى النظر له عاجلا.
ولو أذن الصبي التاجر لعبده في التجارة ثم أقر الصبي على عبده بدين أو جناية خطأ وجحده العبد كان إقرار الصبي عليه في جميع ذلك بمنزلة إقرار الكبير لأنه بالإذن له في التجارة صار منفك الحجر بمنزلة ما لو صار منفك الحجر عنه بالبلوغ وإقراره بعد البلوغ على عبده بذلك صحيح فكذلك بعد الإذن وكذلك المكاتب أو العبد المأذون يأذن لعبده في التجارة ثم يقر عليه ببعض ما ذكرنا فهو بمنزلة إقرار الحر على عبده لأن بالكتابة والإذن له في التجارة يصير منفك الحجر عنه في الإقرار بالدين والعين إذا أقر به على نفسه فكذلك فيما يقر به على عبده لأن صحة إقراره على العبد باعتبار أن المستحق به ملك المقر والمكاتب والمأذون في هذا أسوة الحر.

 

ج / 25 ص -93-       وإذا اشترى المكاتب ابنه أو أباه أو ولد له من المكاتبة ولد فهو مأذون له في التجارة وإن لم يأذن له المكاتب قال لأنه مكاتب معه فإن المكاتب بمنزلة الحر يدا وولده ووالده بينهما بعضية فكما يثبت باعتبار هذا السبب حقيقة الحرية له إذا ملكه الحر فكذلك يثبت له الحرية يدا إذا ملكه المكاتب لأن ملك المكاتب يحتمل هذا القدر.
ألا ترى أنه يكاتب عبده فيصح وبهذا يتبين أن من قال من أصحابنا لا يكاتب أحد على أحد فذلك وهم منه قاله من غير تأمل في الروايات المنصوصة وإذا ثبت أنه صار مكاتبا فمن ضرورته الإذن له في التجارة لأن انفكاك الحجر بالكتابة أقوى منه بالإذن له في التجارة فإن أقر عليه المكاتب بدين لم يصدق عليه لأن من يكاتب عليه صار ملكا للمولى داخلا في كتابته كنفس المكاتب وإقراره على مكاتب مولاه ليس بصحيح.
ألا ترى أنه لا يملك أن يشغله بالدين بطريق الرهن فكذلك لا يملك الإقرار عليه بالدين إلا أن المقر له أحق بما يكسبه وبما في يده من مال كان اكتسبه ولم يأخذه منه المكاتب لأن المكاتب كان أحق بكسبه وأخذه فيستعين به على أداء بدل الكتابة وقد أقر أن المقر له بالدين أحق بهذا الكسب وإقراره صحيح في حق نفسه فإن كان المكاتب قد أخذ منه قبل إقراره مالا فإن ذكر المكاتب أن الدين وجب عليه بعد قبضه المال منه فالقول قوله ولا حق للغريم فيما قبضه لأن بقبض المكاتب يخرج ذلك من أن يكون كسبا له والدين إنما يلزمه في كسبه وكسبه ما في يده عند وجوب الدين عليه أو ما يكتسبه بعد ذلك وإن ذكر أنه وجب عليه قبل قبضه فالغريم أحق به منه لإقراره بتعلق حق الغريم به قبل أن يقبضه منه المولى وإن اختلفا في ذلك فالقول قول المكاتب في ذلك مع يمينه على علمه لأن الغريم يدعي استحقاق ذلك المال عليه والمكاتب منكر لذلك.
ولو أقر عليه المكاتب بالدين ثم أدى فعتق عتق هذا معه لكونه داخلا في كتابته ولا شيء على واحد منهما في ذلك الدين أما على المكاتب فلأنه لم يتلف على الغرماء شيئا من محل حقهم إذ لا حق لهم في مالية رقبتهم ما دام مكاتبا وأما على المقر له فلأن إقرار المكاتب عليه باطل وإنما كان يأخذ كسبه باعتبار أن المكاتب أحق بذلك الكسب وبعد العتق الكسب خالص ملكه فلا يلزمه أداء شيء منه بإقرار المكاتب عليه.
ولو كان اشترى أخاه أو ذا رحم محرم فيه فالجواب كذلك في قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله لأن هؤلاء يتكاتبون عليه عندهما فأما عند أبي حنيفة رحمه الله: فهذا بمنزلة إقراره على عبده لأنهم لا يتكاتبون عليه فإذا أدى المكاتب عتق وعتقوا جميعا لأنه ملك ذا رحم محرم منه ويضمن المكاتب من الدين الذي أقر به قدر قيمة المقر عليه يوم عتق ثم يكون على المقر عليه الأقل من قيمته وما بقي من الدين بمنزلة الحر إذا أقر على عبده ثم أعتقه وهذا لأن حق المقر له تعلق بمالية رقبته حين كان يجوز له بيعه.
ولو كان حين اشترى ابنه أو أباه أقر عليه بجناية خطأ فإقراره عليه باطل لأن موجب

 

ج / 25 ص -94-       جناية المكاتب يكون عليه دون مولاه ومن يكاتب على المكاتب فهو مملوك للمولى فلهذا بطل إقرار المكاتب عليه بالجناية عليه فإن اكتسب مالا كان المكاتب أحق به من صاحب الجناية لأن جناية المكاتب لا تكون مالا إلا بقضاء القاضي ولهذا لو جنى المكاتب ثم عجز فرد في الرق يدفع به أو يفدى ولا يباع فيه فقبل قضاء القاضي لا تكون جنايته متعلقة بكسبه فلهذا كان كسبه للمكاتب دون صاحب الجناية فإن لم يأخذه المكاتب منه حتى مات المقر له عليه بالجناية أخذ صاحب الجناية من ذلك المال الأقل من قيمته ومن أرش الجناية لأن بموته تحقق اليأس عن دفعه فصارت جنايته مالا بمنزلة قضاء القاضي به فيتعلق بكسبه وما بقي من المال في يده فهو في كسبه فينفذ إقرار المكاتب فيه.
ولو كان المكاتب قبض منه كسبه قبل موته لم يكن لصاحب الجناية على ذلك سبيل لأنه إنما تصير جنايته مالا بعد موته وما أخذه قبل ذلك خرج عن أن يكون كسبا له فلا يثبت فيه حق ولي الجناية بمنزلة ما لو أخذ منه كسبه ثم أقر عليه بدين لزمه بعد ما أخذه ولو لم يمت ولم يأخذ منه المكاتب كسبه حتى أدى المكاتب فعتقا فالكسب كله للمكاتب ولا شيء لصاحب الجناية فيه ولا على واحد منهما لأن إقراره بالجناية عليه كان باطلا قبل العتق وقد ازداد بالعتق بعدا عنه فلا وجه للحكم بصحة إقراره عليه بعد العتق والجناية إنما تصير مالا بعد العتق وبعد العتق لا حجة له عليه بالجناية فلهذا لا يجب شيء للمقر له على واحد منهما.
ولو كان المكاتب أقر عليه بجناية خطأ ثم أقر عليه بدين ثم اكتسب المقر عليه مالا كان صاحب الدين أحق به لأن الجناية لا تصير مالا إلا بقضاء القاضي وما لم يصر مالا لا يتعلق صاحب الجناية بالكسب فيكون ما اكتسب لصاحب الدين خاصة إذ لا مزاحم له فيه فإذا لم يأخذه حتى مات تحاص فيه صاحب الجناية إلا قل من قيمته ومن أرش الجناية وصاحب الدين بدينه لأنه رفع الناس عن الدفع بموته فتصير الجناية مالا والكسب في يده على حاله فيتعلق حق صاحب الجناية به لأن الوجوب وإن تأخر فقد كان بسبب سابق على حق صاحب الدين فكان حق صاحب الدين أحق بدينه لأن لكل واحد من الخصمين نوع قوة من وجيه أما حق صاحب الجناية فلسبق السبب وأما حق صاحب الدين فلأنه تعلق بالكسب كما أقر به فلهذا الحق سبق من حيث التعلق بالكسب وللآخر سبق من حيث السبب فيستويان في القوة ويتحاصان في الكسب.
وكذلك إن كان المكاتب أخذ منه قبل موته كان أخذه غصبا باعتبار أن حق صاحب الدين فيه مقدم على حقه فكونه في يده وكونه في يد المقر عليه سواء ولو لم يمت ولكن المكاتب أدى الكتابة كان صاحب الدين أحق بذلك المال وبطلت الجناية لأن الجناية لو صارت مالا إنما تصير مالا بعد العتق ولا وجه لذلك لانعدام الحجة فإقرار المكاتب لا يكون حجة على المقر عليه بعد العتق باعتبار نفسه ولا باعتبار كسبه والجناية إنما تصير مالا على أن تكون دينا

 

ج / 25 ص -95-       في ذمته ثم يقضي من كسبه فإذا انعدم ذلك بعد العتق كان صاحب الدين أحق بذلك المال فإن فضل من حقه شيء كان للمكاتب.
ولو أقر عليه أولا بدين ثم بجناية ثم مات المقر عليه وفي يده مال بدئ منه بالدين لأن الدين أقوى من حق صاحب الجناية فإنه أسبق سببا وتعلقا بالكسب واعتبار إقرار المكاتب عليه لأجل الكسب وإنما يعتبر ذلك إذا فرغ الكسب عن صاحب الدين فأما ما بقي من الدين فحق الغريم مقدم على حق المكاتب فيه فلا يعتبر إقراره فيه بالجناية فإن بقي شيء بعد الذي كان لصاحب الجناية بموت المقر عليه صارت مالا وهذا الفاضل من الكسب حق المكاتب فأخذه المقر له بالجناية لحكم إقراره.
ولو كان أقر بالدين أولا ثم بجناية ثم بدين وهو يجحد ثم مات المقر عليه وفي يده مال فإنه يبدأ منه بالدين أولا لأن حق المقر له الأول أقوى من حق صاحب الجناية للسبق والتعلق بالكسب كما أقر به وهو أقوى من حق صاحب الدين الآخر لأنه أسبق تعلقا بالكسب فإن فضل من دينه شيء تحاص فيه صاحب الجناية والدين الآخر لأن الغريم الأول لما استوفى حقه صار كان لم يكن وكأنما يفي هو جميع الكسب وقد أقر عليه بالجناية ثم بالدين وفي هذا هما يتحاصان لقوة في كل واحد منهما من وجه ولو لم يمت ولكن المكاتب أدى فعتق بدئ بالدين الأول ثم بالدين الآخر فما فضل عن الدينين فهو للمكاتب لما بينا أنه لا وجه لإيجاب المال عليه بإقرار المكاتب بالجناية عليه بعد العتق فكأنه ما أقر عليه إلا بدين ثم بدين فيبدأ من كسبه بالدين الأول لأنه أقوى ولا مزاحمة للضعيف مع القوي ثم بالدين الآخر.
ولو أقر عليه بجناية ثم مات المقر عليه وفى يده مال فإنه يتحاص أصحاب الجناية الأولى وصاحب الدين في ذلك المال لاستوائهما في القوة من حيث إن كل واحد منهما له نوع قوة من وجه ثم يدخل صاحب الجناية الأخيرة مع صاحب الجناية الأولى فيشاركه فيما أصاب لأن صاحب الدين لما استوفى حقه خرج من الدين وحق صاحب الجناية الأولى والجناية الأخيرة سواء.
ألا ترى أنه لو لم يتخللهما الإقرار بالدين كانا مستويين في الكسب لأن حق كل واحد منهما إنما يصير مالا بعد موت المقر عليه ويتعلق بالكسب في وقت واحد والأسباب مطلوبة لإحكامها لا لأعيانها فإذا كان صيرورة الجنايتين مالا في وقت واحد كانا مستويين في الكسب كما لو أقر بهما معا فلهذا دخل صاحب الجناية الأخيرة مع صاحب الجناية الأولى ويشاركه فيما أصابه.
فإن قيل: هذا ليس بصحيح لأن ما يأخذه صاحب الجناية الأخيرة لا يسلم له وأن صاحب الدين ما استوفى كمال حقه فيكون له أن يأخذ من يد صاحب الجناية الأخيرة ما يصل إليه ويقول حقي مقدم على حقك في الكسب.

 

ج / 25 ص -96-       قلنا: القول بهذا يؤدي إلى دور لا ينقطع أبدا لأنه إذا أخذ ذلك منه لا يسلم له ولكن يأخذه منه صاحب الجناية الأولى لأنه يقول حقي في الكسب مثل حقك فليس لك أن تفضل علي بشيء من الكسب فإذا أخذ ذلك منه أتاه صاحب الجناية الأخيرة واسترد ذلك منه لأن حقه مثل حقه فلا يزال يدور هكذا فلقطع هذا الدور قال: لا يكون لصاحب الدين سبيل على ما يأخذه صاحب الجناية الأخيرة فإن استوفى صاحب الجناية الأولى وصاحب الدين حقهما وبقي شيء أضيف ذلك الباقي إلى ما أصاب صاحب الجناية الأولى فاقتسم جميع ذلك صاحبا الجنايتين نصفين حتى يستوفيا حقهما لأن حقهما في الكسب سواء والمانع لصاحب الجناية الأخيرة من المزاحمة حق صاحب الدين وقد انعدم ذلك بوصول كمال حقه إليه ولو لم يمت المقر عليه ولكن المكاتب أدى فعتق فصاحب الدين أحق بما في يد المقر عليه حتى يستوفي دينه فما فضل عنه كان للمكاتب ولا شيء لصاحب الجنايتين بعد عتق المقر عليه لما بينا.
ولو كان أقر عليه بجناية ثم بجناية في كلام متصل أو منقطع ثم مات المقر عليه تحاصا في تركته لأن كل واحدة من الجنايتين إنما تصير مالا بعد موته وتعلقهما بالكسب في وقت واحد وفي مثله المتقدم والمتأخر سواء كالمريض إذا أقر بدين ثم بدين ثم مات تحاصا في تركته سواء كان الإقرار بكلام متصل أو منقطع ولو كان أقر عليه بدينين لرجلين في كلام متصل تحاصا أيضا في تركته لأن في آخر كلامه ما يغير موجب أوله وأن موجب أول الكلام اختصاص المقر له بالكسب ويتغير ذلك بالإقرار للثاني فيصير موجبه المشاركة بينهما في الكسب ومتى كان في آخر كلامه ما يغير موجب أوله توقف أوله على آخره فكأنه أقر لهما جميعا.
وإن كان قطع كلامه بين الإقرارين بدئ بالأول فإن فضل عنه شيء كان للثاني سواء مات المقر عليه أو أدى المكاتب مكاتبته لأن صحة إقرار المكاتب عليه باعتبار الكسب وكما أقر للأول بالدين تعلق حق المقر له بالكسب فإقراره بعد ذلك غير مقبول في إثبات المزاحمة للثاني مع الأول وهو نظير الوارث إذا أقر على الميت بدين ثم بدين فإنه يبدأ بما في يده بالدين الأول لهذا المعنى.
وإذا أذن للعبد في التجارة وقيمته ألف درهم فأدان ألف درهم ثم أقر المولى عليه بدين ألف درهم وهو يجحد ذلك ثم أن المولى أعتقه فالغريم الذي أدان العبد بالخيار لأن حقه أقوي لأنه دين من كل وجه والضعيف لا يظهر مع القوى فكأنه ليس لأحد عليه شيء سواه فإن شاء ضمن المولى قيمة العبد بإتلافه المالية المستحقة له بالإعتاق وإن شاء أخذ دينه من العبد لأن دينه كان ثابتا في ذمة العبد قبل العتق فبالعتق ازداد قوة ووكادة فإن ضمنه المولى لم يكن للآخر على المولى ولا على العبد شيء أما على المولى فلأنه ما أتلف إلا مالية الرقبة وقد ضمن جميع بدلها مرة وأما على العبد فلأن صحة إقرار المولى عليه باعتبار مالية الرقبة.
ألا ترى أنه بعد العتق لا يسعى إلا في مقدار مالية الرقبة لو لم يكن عليه دين آخر وهنا

 

ج / 25 ص -97-       لا فضل في مالية الرقبة على دين العبد فيبطل إقرار المولى عليه لانعدام محله وإن اختار الغريم أخذ دينه من العبد فللمقر له أن يأخذ المولى بقيمة العبد لأن المولى صار متلفا مالية الرقبة بالعتق ولم يغرم لصاحب دين العبد شيئا حين اختار اتباع العبد فيجعل في حقه كأنه لم يكن على العبد دين سوى ما أقر به المولى عليه فيكون للمقر له أن يضمنه قيمه العبد لأن المولى مصدق على نفسه وإن لم يكن مصدقا على عبده.
ولو كان المولى أقر على العبد بدين ألفي درهم ولا دين عليه سواه وجحده العبد ثم صار على العبد ألف درهم بإقرار أو ببينة فإنه يباع فيضرب كل واحد منهما في ثمنه بجميع دينه لأن إقرار المولى عليه صادف محلا فارغا فإنه لم يكن عليه دين آخر حين أقر به المولى فيثبت جميع ما أقر به المولى في حال رقه وإن كان أكثر من قيمته.
ألا ترى أن للمقر له أن يستسعيه في جميع الدين وكذلك يثبت ما أقر به العبد على نفسه بعد ذلك لبقائه مأذونا بعد إقرار المولى عليه فإذا بيع ضرب كل واحد منهما في ثمنه بجميع دينه كما لو حصل الإقرار أن من العبد ولو كان إقرار العبد أولا بدئ به لأن حق غريمه تعلق بمالية رقبته فإقرار المولى بعد ذلك صادف مالية مشغولة وصحة إقراره باعتبار الفراغ فلا يظهر مع الشغل فلهذا بدئ من ثمنه بما أقر به العبد على نفسه بخلاف ما لو كان الإقرار أن من العبد لأن صحة إقراره باعتبار الإذن لا باعتبار الفراغ.
وكذلك إن بيع بألفي درهم فخرج منهما ألف وتويت ألف كان الخارج منها للذي أقر له العبد لأن التاوي غير معتبر وباعتبار الحاصل إقرار المولى لم يصادف الفراغ في شيء مما أقر به  فإن كان العبد أقر بألف ثم أقر عليه المولى بألف ثم أقر العبد بألف فإنه يباع ويتحاص في ثمنه اللذان أقر لهما العبد لاستواء حقهما في القوة فإن الإقرارين من العبد جميعهما حالة الإذن ولا مزاحمة معهما للذي أقر له المولى لأن حقه أضعف فإقرار المولى ما صادف فراغا في شيء من المالية فإن بقي من ثمنه شيء بعد قضاء دينهما كان للذي أقر له المولى لأن الفاضل للمولى وقد زعم هو أن المقر له أحق بذلك منه وزعمه في نفسه معتبر.
ولو لم يقر العبد على نفسه بشيء وأقر عليه المولى بدين ألف درهم ثم بدين ألف درهم في كلام منقطع فإنه يباع فيبدأ بالألف لأن حق الأول أقوى فإقرار المولى له صادف فراغا ولأن صحة إقرار المولى على عبده باعتبار المالية وقد صارت المالية مستحقة للمقر له الأول فلا يعتبر إقراره في إثبات المزاحمة للثاني معه ولكن يستوفي الأول دينه فإن بقي شيء كان للثاني وإن كان وصل كلامه فقال لفلان على عبدي هذا ألف درهم ولفلان ألف درهم تحاصا في ثمنه لأن في آخر كلامه ما يغير موجب أول كلامه فإن صدقه العبد في أحدهما والكلام متصل أو منقطع تحاصا في ثمنه لأن العبد بالتصديق صار مقرا بدين أحدهما فكأن المولى أقر عليه بدين ثم أقر العبد على نفسه بدين وفي هذا يتحاصان في ثمنه وإن صدقه في أولهما بدئ به لأن التصديق متى اتصل بالإقرار كان كالموجود عند الإقرار.

 

ج / 25 ص -98-       ألا ترى أن الصحيح إذا أقر بدين لغائب ثم حضر المقر له في مرضه وصدقه جعل ذلك دين الصحة فها هنا أيضا يصير العبد بالتصديق كالمقر بذلك الدين حين أقر المولى به فهو نظير ما لو أقر العبد على نفسه بدين ثم أقر المولى عليه بدين وهذا إذا كان إقرار المولى بهما منقطعا فإن كان متصلا تحاصا في ثمنه لأن باتصال الكلام يصير كان الإقرارين من المولى وجدا معا فتثبت المحاصة بينهما في ثمنه ثم التصديق من العبد بعد ما أوجب الدينين في رقبته لا يكون مغيرا للحكم.
ولو كانت قيمة العبد ألف درهم وخمسمائة فأقر العبد بدين ألف درهم ثم أقر المولى عليه بدين ألف درهم ثم أقر العبد بدين ألف ثم بيع العبد بألفي درهم فإنه يضرب كل واحد من غريمي العبد في ثمنه بجميع دينه ويضرب الذي أقر له المولى في ثمنه بخمسمائة فيكون الثمن بينهم أخماسا لأن الإقرارين من العبد جميعهما حالة الإذن فيثبت جميع دين كل واحد منهما فأما الإقرار من المولى فحين وجد كان الفارغ منه بقدر خمسمائة لأن قدر الألف من ماليته كان مشغولا بحق غريم العبد وصحة إقرار المولى عليه باعتبار الفراغ وإنما يصح من إقرار المولى في حق المزاحمة بقدر الفارغ منه وهو خمسمائة فإذا جعلت كل خمسمائة سهما كان الثابت على العبد خمسة أسهم فيجعل ثمنه على خمسة لكل واحد من غريمي العبد خمساه وللذي أقر له العبد خمسه ولو لم يبع وأعتقه المولى وقيمته ألف وخمسمائة كان ضامنا لهما قيمته بالإعتاق ثم هذه القيمة بدل مالية الرقبة كالثمن لو بيع العبد فيقسم بينهم أخماسا فيجعل لكل واحد من غريمي العبد خمسمائة ويرجع كل واحد منهما على العبد بما بقي من دينه وهو أربعمائة لأن جميع دين كل واحد منهما ثابت على العبد ويرجع الذي أقر له المولى على العبد بمائتين لأن الثابت من دينه على العبد خمسمائة وقد وصل إليه ثلاثمائة فبقي من هذا الثابت مائتان وإن شاء الغرماء تركوا المولى واتبعوا العبد بالثابت من ديونهم فإن اتبعوه أخذ منه الغريمان اللذان أقر لهما العبد جميع دينهما ألفي درهم وأخذ منه الذي أقر له المولى خمسمائة لأن هذا القدر هو الثابت على العبد بإقرار المولى عليه فلا يطالبه بعد العتق إلا به ثم يرجع على المولى بخمسمائة درهم أيضا لأن المولى مقر بأن ذلك الدين على عبده وأنه استهلك رقبته بالإعتاق وقد بريء من حق غريمي العبد بإبرائهما إياه فكان للذي أقر له المولى أن يرجع عليه بما بقي من دينه حتى يصل إليه كمال حقه.
ولو كانت قيمة العبد ألف درهم فأقر العبد بدين ألف درهم ثم أقر المولى عليه بدين ألف درهم ثم ازدادت قيمته حتى صارت ألفي درهم ثم أقر العبد بدين ألف درهم ثم بيع بألفي درهم فجميع الثمن للذين أقر لهما العبد خاصة لأن المولى أقر عليه وليس في ماليته شيء فارغ عن حق غريم العبد عند ذلك وصحة إقرار المولى عليه باعتبار الفراغ فلم يثبت شيء مما أقر به المولى في مزاحمة غريمي العبد وبالزيادة التي حدثت بعد ذلك لا يتغير حكم إقرار المولى إذ لا معتبر بالزيادة المتصلة وحين بيع فلا فضل في ثمنه على حق غريميه،

 

ج / 25 ص -99-       فلهذا كان الثمن كله لغريمي العبد ولو أعتقه المولى يضمن قيمته لأن القيمة بدل المالية كالثمن.
ولو اختار اللذان أقر لهما العبد اتباعه وأبرؤوا من القيمة المولى كان للذي أقر له المولى أن يأخذ المولى بجميع دينه لأن المولى استهلك مالية الرقبة وفي زعمه أن حق المقر له كان ثابتا في هذه المالية وزعمه معتبر في حقه ثم حقه ثابت في هذه المالية إذا فرغ من حق غريمي العبد بدليل أنهما لو أبرآه عن دينهما بيع للمقر له وحين اختار المقر اتباع العبد فقد فرغت هذه المالية من حقهما فلهذا كان للذي أقر له المولى أن يضمنه هذه المالية ويستوفيه بدينه.
ولو كانت قيمة العبد ألف وخمسمائة فأقر عليه المولى بدين ألف ثم بألف ثم بألف في كلام منقطع ثم بيع العبد بألفا فهو بين الأولين أثلاثا يضرب فيه الأول بألف والثاني بخمسمائة لأن جميع الدين الأول ثبت على العبد بإقرار المولى به فإنه صادف محلا فارغا وقد ثبت من دين الثاني نصفه بإقرار المولى لأن الفارغ من ماليته عند ذلك كان بقدر خمسمائة فيضرب كل واحد منهما في الثمن بما هو ثابت من دينه.
ولو أعتقه المولى وقيمته ألف درهم ضمن قيمته ألف درهم لأن وجوب الضمان عليه باستهلاك المالية بالإعتاق وإنما يعتبر قيمة المستهلك عند الاستهلاك ثم يقتسم الأولان هذه القيمة بينهما أثلاثا على قدر الثابت من دين كل واحد منهما لما بينا أن في ثبوت الدين يعتبر الفراغ وقت الإقرار ثم يرجعان على العبد بخمسمائة لأن الثابت من دينهما على العبد ألف وخمسمائة وقد استوفيا من المولى مقدار ألف فيرجعان على العبد بما بقي مما هو ثابت من دينهما وهو خمسمائة فيقتسمانها أثلاثا وإن طلبا أولا أخذ العبد أخذاه بألف درهم مقدار قيمته لأن العبد بعد العتق لا يلزمه من الدين الذي أقر عليه المولى به إلا مقدار قيمته فيرجعان عليه بألف مقدار قيمته ويقتسمان ذلك أثلاثا على قدر الثابت من دينهما ثم يرجعان على المولى بجميع قيمته أيضا لأنه استهلك مالية الرقبة فيكون ضامنا لهما جميع القيمة فإذا استوفيا ذلك منه وصل إليهما جميع دينهما بخلاف ما إذا ضمنا المولى في الابتداء فهناك لا يتبعان العبد إلا بالباقي مما هو ثابت من دينهما وهو خمسمائة لأن العبد كان منكرا لما أقر به المولى عليه فأما إذا أتبعا العبد أولا بمقدار قيمته والمولى مقر إن جميع دينهما ثابت فبحكم إقراره يكون لهما أن يأخذا المولى بجميع القيمة حتى يصل إلى كل واحد منهما كمال حقه.
وإذا أتبعا المولى فاستوفيا منه خمسمائة اقتسما ذلك أثلاثا أيضا ثم قد وصل إلى المقر له الأول كمال حقه فالخمسمائة الباقية على المولى يستوفيها المقر له الثاني ولو كان المولى أقر بهذه الديون إقرارا متصلا كانوا شركاء في ثمن العبد لأن باتصال الكلام يصير كأن الإقرار منه لهم حصل في كلام واحد معا وإن أعتقه المولى اتبعوا المولى بالقيمة ثم يرجعوا على العبد

 

ج / 25 ص -100-    بقدر قيمته مما بقي من دينهم وما زاد على ذلك فهو تاو لأن المولى لا يغرم إلا قيمة ما استهلك والعبد بعد العتق لا يغرم مما أقر به المولى عليه إلا مقدار قيمته حتى لو كانت قيمة العبد ألف درهم فأقر عليه المولى بدين ألف ثم أقر بعد ذلك بدين ألف ثم ازدادت قيمته حتى صارت ألفين ثم أقر عليه بدين ألف ثم بيع العبد بألفي درهم فهو بين الأول والآخر نصفان ولا شيء للأوسط لأنه حين أقر للأول ثبت جميع ما أقر به لفراغ ماليته عند ذلك وحين أقر للثاني لم يثبت شيء مما أقر به لأنه ليس في ماليته فضل على الدين الأول وحين أقر للثالث ثبت جميع ما أقر به له لأن في ماليته فضلا على حق الأول بقدر الألف وإقرار المولى عليه متى صادف محلا فارغا كان صحيحا فلهذا قسم الثمن بين الأول والآخر نصفين وإن بيع بألفين وخمسمائة استوفى الأول والآخر دينهما وكان الفضل للأوسط لأن الفاضل من حقهما للمولى والمولى مقر بوجوب الدين للثاني عليه وهو مصدق على نفسه.
ولو أعتقه المولى وقيمته ألفان أخذ الأول والآخر قيمته من المولى ولا شيء للأوسط لأن القيمة بدل المالية كالثمن فإن أعتقه وقيمته ألفان وخمسمائة أخذ الأول والآخر من المولى ألفين وكانت الخمسمائة الباقية للأوسط باعتبار زعم المولى ولا شيء له على العبد لأن شيئا من دينه غير ثابت في حق العبد فإن توى بعض القيمة على المولى كان التاوي من نصيب الأوسط خاصة لأن حقه في الفاضل ولا يظهر ذلك ما لم يستوف الأول والآخر كمال حقهما بمنزلة مال المضاربة إذا توى منه كان التاوي من الربح دون رأس المال.
ولو كانت قيمة العبد ألفا وخمسمائة فأقر المولى عليه بدين ألف ثم بألف ثم بألفين ثم بيع العبد بثلاثة آلاف فإن الأول يستوفي ألف درهم تمام دينه وكذلك الثاني ويبقى ألف درهم فهو للثالث فإن خرج من الثمن ألف درهم وتوى الباقي كان ثلثا الألف للأول وثلثها للثاني لأن جميع دين الأول ثابت على العبد والثابت من حق الثاني بقدر خمسمائة لأن الفارغ عن ماليته يومئذ كان هذا المقدار فيقتسمان ما يخرج من الثمن على قدر الثابت من دينهما فيكون الخارج تمام دينه لأن حقه أقوى من حق الثالث فالإقرار له من المولى كان سابقا على الإقرار للثالث فما يتوي يكون على الغريم الثالث وإن استوفى الثاني جميع دينه ثم خرج شيء بعد ذلك كان للثالث.
ولو كان الإقرار كله متصلا كان الخارج بينهم على قدر دينهم والتاوي بينهم جميعا بمنزلة ما لو حصل الإقرار لهم بكلام واحد ولو كان الإقرار منقطعا ثم أقر العبد بعد ذلك بدين ألف ثم بيع بثلاثة آلاف فإن الغريم الأول والذي أقر له العبد يأخذ كل واحد منهم جميع دينه وكذلك الثاني الذي أقر له المولى يأخذ جميع دينه مما بقي من الثمن ولا شيء للثالث لأن حقه دون حق الثاني وحق غريم العبد ثابت بعد إقرار المولى لبقاء الإذن فإن توى من الثمن ألف درهم وخرجت ألفان كانتا بين الأول والثاني والذي أقر له العبد أخماسا لأن جميع دين الأول ثابت وجميع دين الذي أقر له العبد على نفسه ثابت والثابت للمقر له الثاني مقدار

 

 

ج / 25 ص -101-    خمسمائة فإن الفارغ من مالية الرقبة يومئذ كان هذا القدر فيضرب كل واحد منهم في الخارج من الثمن بقدر الثابت من دينه فيكون مقسوما بينهما أخماسا سواء كان الخارج ألفين أو ألفا وخمسمائة للأول خمسماه وللذي أقر له العبد خمسماه وللثاني الذي أقر له المولى خمسه.
وإذا أذن لعبده في التجارة وقيمته ألف درهم فاشترى وباع حتى صار في يده ألف درهم ثم أقر العبد بدين ألف ثم أقر عليه المولى بألف فالألف الذي في يده بين الغريمين نصفان لأن دين العبد يقضي من كسبه كما يقضي من بدل رقبته وباعتبارهما جميعا إقرار المولى صادف محلا فارغا في جميع ما أقر به فهو كما لو حصل الإقراران من العبد فيقسم الكسب بينهما نصفان ولو كان المولى أقر عليه بألفين معا قسم ثمن العبد وما له بينهما نصفين لأن الثابت مما أقر به المولى عليه بقدر الفارغ من مالية رقبته وكسبه وذلك مقدار ألف فلهذا قسم الثمن والكسب بينهما نصفين.
ولو كان المال في يد العبد خمسمائة فأقر العبد بدين ألف ثم أقر عليه المولى بدين ألفين ثم أقر العبد بدين ألف لم يضرب الذي أقر له المولى في ثمن العبد وكسبه مع غريميه إلا بخمسمائة لأن الفاضل حين أقر له المولى مقدار خمسمائة فيثبت بما أقر به المولى وجميع دين كل واحد من غريمي العبد ثابت فيقسم الثمن والكسب بينهم أخماسا.
ولو كان أقر المولى قبل إقرار العبد بالدين الأول كان ثمن العبد وماله بينهم أرباعا سهمان من ذلك للذي أقر له المولى ولكل واحد من غريمي العبد سهم لأن المولى حين أقر عليه كان العبد فارغا عن كل دين فثبت جميع ما أقر به المولى في حال رقه وإن كان أكثر من قيمته فيضرب في الثمن والكسب الذي أقر له المولى في جميع دينه فلهذا كانت القسمة أرباعا بخلاف الأول فهناك إقرار المولى وجد بعد اشتغال العبد بالدين الذي أقر به على نفسه فلا يثبت مما أقر به المولى عليه إلا بقدر الفاضل من ماليته على دين العبد لأن مقدار الفاضل فارغ من دين العبد فيصح إقرار المولى عليه بقدر ذلك والله أعلم.

باب إقرار العبد لمولاه
قال رحمه الله: وإذا باع العبد المأذون المديون متاعا له من مولاه بقدر قيمته أو بأكثر فهو جائز لأنه ليس في تصرفه إسقاط حق الغرماء عن شيء مما تعلق حقهم به وقد بينا فرق أبي حنيفة بين هذا وبين بيع المريض من وارثه فإذا سلم المتاع إلى مولاه وأقر بقبض الثمن منه لم يصدق على ذلك حتى تشهد الشهود على معاينة القبض لأن في تصحيح إقراره إبطال حق الغرماء عما تعلق حقهم به من مالية الثمن والعبد فيما يقر به لمولاه متهم في حق غرمائه لأنه يؤثر مولاه على غرمائه وإقرار المتهم لا يصح في إبطال حق الغير بخلاف إقراره بقبض الثمن من أجنبي لأنه غير متهم في ذلك.
يوضحه: أن إقراره بالقبض في معنى الإقرار بالدين لأن الديون تقضي بأمثالها،

 

ج / 25 ص -102-    والمقبوض يصير مضمونا على القابض ثم يسقط الدين بطريق المقاصة وإقراره للأجنبي بالدين أو بالعين صحيح في حق الغرماء فكذلك إقراره بالقبض من الأجنبي فأما إقراره بالدين والعين لمولاه فلا يكون صحيحا في حق الغرماء فكذلك إقراره بالقبض والمولى بالخيار إن شاء أعطى الثمن مرة أخرى وإن شاء نقض البيع ورد المتاع لأنه لزمه زيادة في الثمن لم يرض بالتزامها وذلك مثبت له الخيار وإقرار العبد له صحيح في إثبات الخيار لأنه يملك الإقالة معه إذ ليس فيه إبطال حق الغرماء عن شيء مما تعلق حقهم به فكذلك إقراره يجعل معتبرا في إثبات حق الفسخ للمولى.
فإن كان المتاع قد هلك في يده فعليه أن يؤدي الثمن ولا خيار له لأن فسخ العقد في الهالك لا يتحقق وإثبات الخيار له للفسخ وكذلك إن كان حدث به عيب عنده لأن في إثبات خيار الفسخ له ها هنا إضرارا بالغرماء ولأنه يثبت له خيار الفسخ لدفع الضرر عن نفسه فلا يجوز إثباته على وجه يكون فيه إلحاق الضرر بغيره وكذلك كل دين وجب للعبد على مولاه فأقر بقبضه منه لم يصدق ولا يبرأ المولى منه حتى يعاين الشهود القبض لما بينا أن إقراره بالقبض في معنى الإقرار له بالدين أو العين وكذلك إقرار وكيل العبد بقبض الدين من المولى لأن الوكيل قائم مقام الموكل فإنه هو الذي سلطه على القبض فإقراره بالقبض كإقرار الموكل به صدقه العبد في ذلك أو كذبه.
وإذا أذن الرجل لابنه الصغير في التجارة أو أذن له وصي الأب فلحقه دين ثم باع عبدا من ابنه أو من وصى ابنه فبيعه جائز إذا باعه بالقيمة أو بأقل منها بما يتغابن الناس فيه لأن انفكاك الحجر عنه بالإذن بمنزلة انفكاك الحجر عنه بالبلوغ.
ألا ترى أنه في تجارته مع الأجنبي يجعل كذلك فكذلك في تجارته مع الأب والوصي وإن كان باعه بشيء لا يتغابن الناس فيه لم يجز بيعه في قياس قول أبي حنيفة ولا يجوز في قول أبي يوسف ومحمد أما عندهما فظاهر لأن الصبي المأذون والعبد عندهما لا يملكان البيع بالمحاباة الفاحشة من أجنبي لأن في ذلك معنى التبرع وهما ليسا من أهل التبرع فكذلك بيع الصبي من الأب والوصي بمحاباة فاحشة وعند أبي حنيفة رحمه الله: يملكان البيع من الأجنبي بالمحاباة الفاحشة على ما نبينه في موضعه.
فأما في بيع الصبي من وليه بالمحاباة فروايتان في إحدى الروايتين يملك لأن رأيه بعد الإذن إذا انضم إلى رأي وليه كان بمنزلة رأيه بعد البلوغ وفي هذا لا فرق بين أن تكون معاملته مع وليه أو مع أجنبي وهذا لأنه عامل لنفسه في خالص ملكه إلا أن يكون نائبا عن وليه وفي الرواية الأخرى لا يجوز هذا لأن الولي في هذا الرأي متهم في حق نفسه فباعتبار التهمة ينعدم انضمام رأي الولي إلى رأيه في هذا التصرف.
يوضحه: أن الصبي وإن كان متصرفا لنفسه فهو بمنزلة النائب عن وليه من وجه حتى ملك الحجر عليه فباعتبار معنى النيابة قلنا: لا يبيع من وليه بغبن فاحش كما لا يبيع من

 

ج / 25 ص -103-    نفسه وباعتبار أنه متصرف لنفسه قلنا: يبيع من وليه بمثل قيمته أو بغبن يسير مع أن في بيع اليتيم من الوصي الذي ذكره في السؤال ها هنا نظرا فقد ذكر مفسرا في موضع آخر أنه لا يجوز لأنه من وجه نائب والوصي لا يملك بيع مال اليتيم من نفسه بمثل قيمته ولا بغبن يسير فكذلك لا يملكه اليتيم بعد إذن الوصي له لأنه يتمكن فيه تهمة المواضعة وأن الوصي ما قصد بالإذن النظر للصبي وإنما قصد تحصيل مقصود نفسه بخلاف الأب فإنه يملك بيع مال ولده من نفسه بمثل قيمته وبغبن يسير ولا يتمكن تهمة ترك النظر له عند الإذن له في التجارة بهذا التصرف فإن أقر الصبي بقبض الثمن مع صحة البيع جاز بخلاف إقرار العبد بقبض الثمن من المولي لما بينا أن الإقرار بالقبض كالإقرار بالدين أو العين وإقرار الصبي المأذون لأبيه أو وصيه بدين أو عين صحيح فكذلك إقراره بقبض الدين منهما وهذا لأن المال خالص ملكه وحق الغرماء في ذمته لا في ماله وقد صار منفك الحجر عنه بالإذن فيصح إقراره في محل هو خالص حقه فأما دين العبد فمعلق بكسبه فإقراره للمولى بشيء منه يصادف محلا مشغولا بحق غرمائه فلهذا لا يصح.
وإذا وكل العبد التاجر المديون وكيلا يبيع متاعا له من مولاه فباعه جاز كما لو باع العبد بنفسه فإن أقر الوكيل أنه قبض الثمن من المولى ودفعه إلى العبد وصدقه العبد أو كذبه لم يصدق على ذلك إلا أن يعاين الشهود القبض لأن الوكيل قائم مقام الموكل وبقبضه يصير المقبوض للموكل ويكون مضمونا عليه فكان هذا في معنى إقراره للمولى بعين في يده وذلك لا يصح من العبد سواء كان الإقرار منه أو من وكيله إلا أن للمولى أن ينقض البيع أو يؤدي الثمن لما لزمه من الزيادة في الثمن بزعمه فأيهما فعل كان له أن يتبع الوكيل بالثمن الذي أقر بقبضه منه لأن إقرار الوكيل على نفسه صحيح في حقه وقد أقر بقبض الثمن فإذا فسخ المولى البيع كان عليه رد المقبوض باعتبار إقراره به.
وكذلك إن أدى الثمن مرة أخرى لأن الوكيل إنما قبض الثمن منه ليستفيد البراءة عن الثمن بقبضه ولم يستفد ذلك حين غرم الثمن مرة أخرى فكان له أن يرجع على الوكيل بما أقر بقبضه ولا يرجع به الوكيل على العبد لأن إقراره بالقبض غير صحيح في حق العبد لمراعاة حق الغرماء وإذا لم يظهر القبض بإقراره في حق القيمة لا يكون له أن يرجع عليه بشيء ولو ظهر القبض في حق العبد بإقراره لما غرم له المولى الثمن مرة أخرى.
ولو دفع العبد إلى مولاه ألف درهم وديعة أو بضاعة أو مضاربة ثم أقر بقبضها منه فالقول قوله لأن المال أمانة في يد المولى حتى لو قال دفعتها إليه وكذبه العبد كان القول قول المولى لإنكاره وجوب الضمان عليه فكذلك إذا أقر العبد بقبضها منه لأنه إنما لا يصح إقرار العبد إذا كانت المنفعة للمولى في إقرار العبد بالقبض لأنه يستفيد البراءة بقوله دفعتها وإن لم يقر به العبد بخلاف المال المضمون عليه.
فإن قيل: بل فيه منفعة وهو سقوط اليمين عن المولى.

 

ج / 25 ص -104-    قلنا: نعم ولكن ليس في يمينه حق الغرماء وإنما لا يقبل قول العبد إذا سقط عنه بإقراره شيء مما تعلق به حق غرمائه مع أن الغرماء إن ادعوا على المولى أنه استهلك ذلك المال كان عليه اليمين في ذلك.
ولو دفع العبد إلى المولى ألف درهم مضاربة بالنصف فربح فيه المولى ألف درهم ثم قال العبد قد أخذت من المولى رأس المال وحصتي من الربح وكذبه الغرماء أو ادعى ذلك المولى وكذبه العبد والغرماء فلا ضمان على المولى مع يمينه لأن المال كله أمانة في يد المولى فهو فيما يزعم أنه دفعه إلى العبد ينكر وجوب الضمان عليه وللعبد أن يأخذ من المولى ما أصابه من الربح فيكون له من رأس ماله لأن العبد والمولى لا يصدقان على أن يسلم للمولى حصته التي قبض من الربح بل يجعل ما ادعى المولى أنه دفعه إلى العبد كالتاوي فكأن المال كله ما بقي في يد المولى فيستوفيه العبد بحساب رأس ماله ولا يصدق العبد في حق غرمائه في أن ذلك حصة المولى من الربح لأن فيه إسقاط حق الغرماء عما تعلق حقهم به.
ولو شارك العبد مولاه شركة عنان بخمسمائة درهم مما في يديه وخمسمائة من مال مولاه على أن يبيعا ويشتريا فهو جائز لأن المولى من عبده المديون في حكم التصرف في كسبه كأجنبي آخر فيجوز بين العبد وبينه شركة العنان والمضاربة فإن اشتريا وباعا فلم يربحا شيئا ثم أقر العبد أنه قد قاسم مولاه المال واستوفى منه نصفه ودفع إلى المولى نصفه وصدقه المولى فإن العبد لا يصدق على القسمة وللغرماء أن يأخذوا من المولى نصف ما قبض لأن قول المولى مقبول في براءته عن ضمان ما زعم أنه دفعه إلى العبد فإنه أمين في ذلك وإقرار العبد بذلك لا يكون مقبولا لاختصاص المولى بما بقي لما فيه من إبطال حق الغرماء عن شيء مما تعلق به حقهم فيجعل ما تصادقا على دفعه إلى العبد كالتاوي وكان مال الشركة هو ما بقي في يدي المولى فللغرماء أن يأخذوا من المولى نصفه وكذلك كل شيء كان بينهما على الشركة فإن العبد لا يصدق على القسمة والقبض إلا أن تعاين الشهود ذلك لحق غرمائه.
وإذا وكل المأذون المديون رجلا يبيع له متاعا من مولاه فباعه ثم حجر المولى على عبده فأقر الوكيل بقبض الثمن لم يصدق على ذلك لأنه قائم مقام الموكل وبالحجر عليه لا يخرج العبد من أن يكون الحق له في المقبوض بقبضه ليصرفه إلى غرمائه فكما أن إقرار الوكيل به لا يصح قبل حجر المولى على عبده فكذلك إقراره بعد الحجر لأن الوكيل نائب عن العبد في الوجهين.
ولو كان القاضي باع العبد للغرماء في دينهم ثم أقر الوكيل أنه قد قبض الثمن من المولى فضاع في يده فهو مصدق مع يمينه لأن العبد لما خرج من ملك المولى فقد خرج الوكيل نائبا عنه في القبض ولكنه نائب عن غرمائه بقبض الثمن لهم فيقضي به دينه فيكون إقراره كإقرار الغرماء بقبضه وهذا ينبني على ما تقدم بيانه أن العبد لو كان باشر البيع بنفسه ثم باعه مولاه لم يكن له حق قبض الثمن وإنما ذلك لغرمائه فكذلك إذا كان البائع وكيله.

 

ج / 25 ص -105-    قلنا: ينفذ بيع المولى إياه والوكيل نائب عن الغرماء فيصح إقراره بالقبض.
وإذا كان على العبد المأذون دين فأخذ المولى جارية من رقيقه فباعها وقبضها المشتري وتوي الثمن على المشتري فأقر العبد أنه أمر مولاه بذلك فإقراره جائز لأنه يملك الإذن للمولى في بيعها فيصح إقراره بالإذن له أيضا لأن من أقر بما يملك إنشاءه لا يكون متهما في إقراره وقد طعن عيسى رحمه الله: في هذا الجواب وقال ينبغي أن لا يصدق العبد على ذلك لأن المولى صار ضامنا قيمتها حين سلمها إلى المشتري قبل أن يظهر أمر العبد إياه ببيعها ففي إقرار العبد براءة للمولى من شيء قد لزمه وبمجرد قول العبد لا يبرأ المولى عما لزمه لما فيه من إبطال حق غرمائه على قياس مسألة أول الباب ومسألة الإجازة ذكرها بعده أن الجارية لو هلكت في يد المشتري ثم أقر العبد أنه كان أجاز بيع المولى فإقراره باطل والمولى ضامن قيمة الجارية لهذا المعنى ولكن ما ذكره في الكتاب أصح فإن في مسألة أول الباب العبد أقر بقبض دين كان ثابتا على المولى وكان حق الغرماء متعلقا به فكان في إقراره إسقاط حق الغرماء وها هنا هو يقر بأن المولى لم يكن ضامنا لأن بيعه كان بأمره فلا يكون ذلك إسقاطا منه لحق الغرماء بل إنكار الثبوت حقهم في ذمة المولى وذلك صحيح من العبد.
ألا ترى أن المولى لو وهب شيئا من عبده في ذمة العبد كان صحيحا وإن كان لو قتله يتعلق به حق غرمائه بخلاف ما لو وهب العبد المديون شيئا من كسبه من المولى وفي مسألة الإجازة قد ثبت وجوب الضمان في ذمة المولى بهلاك الجارية في يد المشتري وتعلق به حق غرمائه فإقراره بالإجازة قبل هلاكها يكون إسقاطا لحق الغرماء ثم أقر بما لا يملك إنشاءه لأن أمره إياه ببيعها وهي قائمة في يد المشتري بعينها يكون صحيحا فكذلك إقراره بالأمر يكون صحيحا.
ولو أنكر العبد أن يكون أمر المولى ببيعها ضمن المولى قيمة عبده فكانت بين الغرماء وهذا اللفظ غلط بل إنما يضمن المولى قيمة الجارية لأنه كان غاصبا في بيعها وتسليمها بغير أمر العبد فهو في ذلك كأجنبي آخر فيضمن قيمتها لعبده وتكون القيمة بين غرمائه كسائر أكسابه.
ولو قال العبد: لم آمر المولى بذلك ولكن قد أجزت البيع فإن كانت الجارية قائمة بعينها أو لا يدري ما فعلت فالبيع جائز وقد بريء المولى من ضمان الجارية لأن البيع كان موقوفا على إجازته كما لو باشره أجنبي والإجازة في الانتهاء بمنزلة الإذن في الابتداء وكذلك إن كان لا يدري ما فعلت لأنا قد عرفنا قيامها وما عرف ثبوته فالأصل بقاؤه ما لم يظهر خلافه وكما يصح منه ابتداء الإجازة يصح منه الإقرار بالإجازة
فإن كانت قد ماتت لم يصح منه إنشاء الإجازة لأن إجازة العقد الموقوف إنما تجوز في حال يجوز ابتداء العقد فيه فكذلك إقراره بالإجازة بعد الهلاك باطل لأنه لا يملك إنشاء الإجازة ويكون المولى ضامنا قيمة الجارية كما بينا.

 

ج / 25 ص -106-    ولو لم يقر العبد بشيء من ذلك حتى حجر عليه مولاه ثم أقر أنه أمره بالبيع لم يصدق على ذلك لأنه أقر بالأمر في حال لا يملك إنشاءه فإنه بعد الحجر كما لا يملك إنشاء البيع لا يملك أمر المولى بالبيع فيكون هو متهما في إخراجه الكلام مخرج الإقرار وإذا لم يصدق على ذلك كان المولى ضامنا قيمتها لحق الغرماء ولو بيع المأذون في دين الغرماء ثم أقر أنه أمر المولى بذلك لم يصدق لأنه بالبيع في الدين صار محجورا عليه وهو أقوى مما لو حجر عليه قصدا فلا قول له بعد ذلك في الإقرار بالأمر بالبيع كما لا قول له في إنشائه.
وإذا كان على المأذون دين كثير فباع جارية له من ابن مولاه أو أبيه أو مكاتبه أو عبد تاجر عليه دين أو لا دين عليه بأكثر من قيمتها ودفعها إلى المشتري ثم أقر بقبض الثمن منه جاز إقراره بذلك إلا في العبد والمكاتب فإن كسب العبد لمولاه وللمولى في كسب المكاتب حق الملك فهما في حكم هذا الإقرار بمنزلة المولى.
ولو كان المولى هو المشتري فأقر العبد بقبض الثمن منه لم يجز فكذلك هنا.
ألا ترى: أن إقراره لعبد مولاه أو لمكاتب مولاه بدين أو عين بمنزلة إقراره لمولاه فأما في حق الأب والابن فليس للمولى في ملكهما ملك ولا حق ملك وإقرار العبد بالدين أو العين لأبي مولاه أو ابنه صحيح فكذلك إقراره بقبض الثمن منه ووكيل العبد في ذلك بمنزلة العبد لأنه نائب عنه.
ولو كان ابن العبد حرا فاستهلك مالا للعبد الذي هو أبوه أو امرأته أو مكاتب ابنه أو عبده وعليه دين أو لا دين عليه فأقر العبد المأذون أنه قد قبض ذلك من المستهلك لم يصدق على ذلك في قول أبي حنيفة رحمه الله: سواء كان على المأذون دين أو لم يكن وهو مصدق في قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله وهذا بناء على الأصل الذي بينا أن عند أبي حنيفة رحمه الله: الإنسان في حق من لا تجوز شهادته له متهم في حق الغرماء في إقراره كما أنه متهم في شهادته.
فإن كان على العبد دين فكسبه حق غرمائه وهو متهم في الإقرار بقبض الدين ممن لا تجوز شهادته له لحق الغرماء وإن لم يكن عليه دين فكسبه حق مولاه وهو متهم في حق المولى أيضا في إقراره بالقبض ممن لا تجوز شهادته له وعندهما لا يكون متهما في الوجهين جميعا. ولو كان المستهلك أخاه كان إقراره بالقبض منه جائزا لأنه في حق الأخ غير متهم في الشهادة له بل الأخ في ذلك كأجنبي آخر فكذلك في الإقرار بالدين له وفي الإقرار بالقبض منه ولا يمين على الأخ بعد إقرار العبد بالقبض منه لأن اليمين ينبني على دعوى صحيحة ولا دعوى لأحد عليه بعد ما حكمنا بصحة إقرار العبد بالقبض منه.
وإذا كان على العبد دين فدفع متاعا إلى مولاه وأمره أن يبيعه فباعه من رجل وسلمه إليه ثم أقر المولى أنه قد قبض الثمن من المشتري ودفعه إلى العبد فهو مصدق على ذلك مع

 

ج / 25 ص -107-    يمينه لأن المولى أمين في بيع المتاع وقبض الثمن فإذا ادعى أداء الأمانة كان القول قوله مع يمينه ولا يمين على المشتري لأن من عامله قد أقر بقبض الثمن ولا دعوى لأحد عليه سواه والاستحلاف ينبني على دعوى صحيحة.
وكذلك لو كان حجر على العبد قبل الإقرار بقبض الثمن أو باع عبده في الدين ثم أقر بقبض الثمن بعد بيعه فإقراره جائز والمشتري بريء من الثمن لأن المولى إنما يملك قبض الثمن بمباشرته سببه وهو البيع وذلك لا يتغير بحجره على العبد ولا ببيعه وهو أمين في الثمن الذي يقبضه بعد الحجر على عبده وبيعه كما هو أمين فيه قبل الحجر عليه فإذا ادعى أنه قد ضاع في يده صدق مع يمينه لأنه أمين ينكر وجوب الضمان عليه.
ولو كان العبد هو الذي باع فأقر بقبض الثمن وعليه دين صدق في ذلك لأن الإقرار منه بالدين للمشتري إذا كان أجنبيا صحيح فكذلك إقراره بقبض الثمن منه ولا يمين على المشتري فيه لأنه لا دعوى لا حد عليه بعد صحة إقرار من عامله بقبض الثمن منه وكذلك لو أقر بقبض الثمن بعد ما حجر عليه مولاه لأن حق القبض إليه بعد الحجر كما كان قبله فيكون إقراره بالقبض صحيحا أيضا وهو شاهد لأبي حنيفة رحمه الله: في صحة إقراره بالدين بعد ما حجر عليه المولى باعتبار ما في يده من كسبه.
فإن كان بيع في الدين ثم أقر بقبض الثمن أو عاينت الشهود دفع الثمن إليه بعد ما بيع فالثمن على المشتري على حاله لأنه بالبيع ثبت الحجر عليه حكما لتجدد الملك فيه للمشتري وصار هو في معنى شخص آخر فلا يبقى له حق قبض الثمن كما لا حق في قبض الثمن لغيره من الأجانب فلا يبرأ المشتري بإقراره ولا يدفع الثمن إليه بمعاينة الشهود بخلاف ما إذا حجر عليه ولم يبعه.
ولو كان المولى باع متاع العبد بأمره من أجنبي وضمن الثمن عن المشتري لعبده فالبيع جائز والضمان باطل لأن الوكيل بالبيع في حكم قبض الثمن بمنزلة العاقد لنفسه فإنه هو المختص بالمطالبة وبالقبض على وجه لا يملك أحد عزله عنه فلو صح ضمانه عن المشتري كان ضامنا لنفسه ولأن الوكيل أمين بالثمن فلو صح ضمانه عن المشتري لصار ضامنا مع بقاء السبب الموجب للأمانة وإن قال المولى قد قبض العبد الثمن من المشتري وادعاه المشتري وأنكره العبد والغرماء فالقول قول المولى مع يمينه لأن ضمان المولى لما بطل صار كان لم يوجد ثم قد أقر بقبض مبرئ فإن قبض الموكل الثمن من المشتري يوجب براءة المشتري عن الثمن وإقرار الوكيل بقبض مبرئ يكون صحيحا.
ألا ترى أنه لو قال قبضت الثمن وهلك في يدي كان القول قوله مع يمينه فكذلك إذا أقر بقبض الموكل الثمن فالمشتري بريء من الثمن ولا يمين عليه لأنه لا دعوى لأحد عليه بعد صحة إقرار من عامله ببراءته عن الثمن ولكن على المولى اليمين لأنه لو أقر أنه قبض

 

ج / 25 ص -108-    وهلك في يده استحلف على ذلك فكذلك إذا أقر أن العبد قبضه لأن العبد والغرماء يزعمون أنه صار مستهلكا الثمن بإقراره كاذبا وأنه ضامن الثمن لهم وهو منكر فعليه اليمين.
وكذلك لو أقر العبد أن المولى قبض الثمن وجحد المولى لأن العبد لو قبض الثمن بريء المشتري بالدفع إليه فإذا أقر أن وكيله قد قبض كان هذا إقرارا منه فهو مبرئ للمشتري فيصدق في ذلك ولا يمين على المشتري ولا ضمان وكذلك لا ضمان على المولى لأن بإقرار العبد لم يثبت وصول شيء إلى المولى في حقه.
ولو استهلك رجل ألف درهم للعبد فضمنها عنه المولى جاز ضمانه لأنه التزم المطالبة بدين مضمون على المستهلك وهو في هذا الضمان كأجنبي آخر فإن أقر العبد بقبض المال من المولى أو من المستهلك لم يصدق فيه لأن في إقراره هذا ما يوجب براءة المولى عما لزمه من الدين للعبد فإن قبض المال من الأصيل يوجب براءة الكفيل فكذلك قبضه من الكفيل يوجب براءته لا محالة.
وقد بينا أن إقرار العبد بالقبض الموجب براءة مولاه عن الدين الذي عليه باطل وكذلك لو كان الدين على المولى فاستهلكه والأجنبي كفيل عنه بأمره أو بغير أمره لأنه سواء أقر بقبضه من المولى أو من الكفيل فإقراره يوجب براءة المولى لأن براءة الكفيل بالإيفاء توجب براءة الأصيل.
ولو كان العبد أبرأ الكفيل بغير قبض لم يجز لأنه لم يتضمن براءة الأصيل فإن إبراء الكفيل لا يوجب براءة الأصيل لأن الإبراء تبرع والعبد ليس من أهله فإبراؤه باطل سواء أبرأ الأصيل أو الكفيل وكذلك لو كان الغريم مكاتبا للمولى والأجنبي كفيل به أو كان الغريم هو الأجنبي والكفيل مكاتب للمولى كفل بمال عليه للمكفول عنه فهذا بمنزلة المولى وكفيله لما للمولى من حق الملك في كسب مكاتبه ولأن إقرار العبد لمكاتب مولاه باطل كإقراره لمولاه فكذلك إقراره بقبض يوجب براءة مكاتب مولاه عن الدين يكون باطلا.
ولو كان الغريم أبرأ المولى أو كان الكفيل ابن المولى كان العبد مصدقا على الإقرار بالقبض سواء أقر بقبضه من الأصيل أو من الكفيل لأن إقراره بالدين والعين لأب المولى أو ابنه صحيح فكذلك إقراره بقبض يوجب براءة ابن المولى أو أبيه عن دين له عليه يكون صحيحا والله أعلم.

باب وكالة الأجنبي العبد بقبض الدين
قال رحمه الله: وإذا وكل الأجنبي عبدا تاجرا عليه دين أو لا دين عليه بقبض دين له على مولى العبد فالتوكيل جائز لأنه لا حق للعبد في الدين الذي على مولاه للأجنبي ولا في المحل الذي يستحق قضاء هذا الدين منه وهو مال المولى فيكون العبد فيه كأجنبي آخر
فإن أقر بقبضه وهلاكه في يده فالقول قوله مع يمينه لأنه أمين فيه كغيره ولا يمين على المولى لأن العبد مسلط على الإقرار بالقبض من جهة صاحب الدين، فإقراره به كإقرار صاحب الدين،

 

ج / 25 ص -109-    وبعد هذا الإقرار لا دعوى لأحد عليه حتى يحلفه فإن نكل العبد عن اليمين لزمه المال في عتقه يحاص به الموكل غرماء لأن الأجنبي يدعي على العبد أنه مستهلك لماله بإقراره كاذبا أو مانع منه بعد ما قبضه من غريمه ولو أقر العبد بذلك لزمه فإذا أنكر يستحلف ويقام نكوله مقام إقراره فيكون للمقر له المزاحمة به مع غرمائه.
وإن كان المولى هو الوكيل بقبض دين على عبده لم يكن وكيلا في ذلك ولم يجز قبضه بإقراره ولا بمعاينة الشهود إن كان على العبد دين أو لم يكن ولا يبرأ العبد من الدين بدفعه إلى مولاه لأن ما على العبد من الدين مستحق على المولى من وجه فإنه يقضي من ملك المولى وهو كسب العبد أو مالية رقبته وما يكون مستحقا على المرء من الدين لا يصلح هو أن يكون وكيلا في قبضه كما لو وكل المديون بقبض الدين من نفسه وهذا لأن بقبضه يسلم له مالية رقبته ومن ضرورة صحة التوكيل بالقبض صحة إقراره بالقبض منه وكونه أمينا في المقبوض وهو في هذا الإقرار متهم لماله من الحظ في ذلك بخلاف الدين الواجب على المولى فإنه غير مستحق على العبد ولا هو متهم في الإقرار بقبضه.
وذكر في كتاب الوكالة أنه لو وكل رجلا بقبض دين من أبيه أو ابنه أو مكاتبه أو عبده جاز التوكيل وكأنه في تلك الرواية اعتبر جانب من له الدين وهو أجنبي فيكون توكيله المولى وتوكيله أجنبيا آخر سواء وأصح الروايتين ما ذكر ههنا.
ولو كان لرجل عبدان تاجران فوكل أجنبي أحدهما بقبض دين له على العبد الآخر فأقر بقبضه وهلاكه في يده فالقول قوله مع يمينه لأن الدين المستحق على العبد لا يكون أقوى من المستحق على المولى وقد بينا أن العبد يصلح أن يكون وكيلا للأجنبي في قبض دينه من المولى وأن إقراره بالقبض بعد الوكالة صحيح فكذلك في دين واجب على عبد آخر للمولى إلا أن الأجنبي يدعي عليه استهلاك ماله بإقراره فيحلف على ذلك ويجعل نكوله كإقراره فيلزمه ذلك في عتقه وكذلك لو كان الوكيل مكاتبا للمولى أو ابنه لأن المكاتب منه أبعد من عبده.
وإذا أراد العبد المأذون أن يقضي دين بعض غرمائه أو يعطيه به رهنا فللآخرين أن يمنعوه لأن حق جميع الغرماء تعلق بكسبه وفي تخصيص بعضهم بقضاء الدين إيثاره والعبد لا يملك ذلك لما فيه من إبطال حق الباقين عن ذلك المال كالمريض إذا خص بعض غرمائه بقضاء الدين والمقصود بالرهن الاستيفاء لأن موجبه يد الاستيفاء فيكون معتبرا بحقيقة الاستيفاء فإن كان الغريم واحدا فرهنه بدينه رهنا ووضعاه على يد المولى فضاع من يده ضاع من مال العبد والدين عليه بحاله لأن يد المولى لا تصلح للنيابة عن الأجنبي في استيفاء الدين من العبد حقيقة فكذلك لا تصلح النيابة للقبض بحكم الرهن لأنه قبض للاستيفاء وهذا لأن الدين الذي على العبد من وجه مستحق على المولى فيكون هذا في معنى ما لو ارتهن بدين له على إنسان وجعل الراهن عدلا فيه فتركه على يده.

 

ج / 25 ص -110-    يوضحه: أن بهلاك الرهن يجب للراهن على المرتهن مثل ما كان للمرتهن عليه ثم يصير قصاصا.
ولو وضعاه على يد عبد له آخر أو مكاتب أو على يد ابنه فهلك في يد العبد ذهب بالدين لأن هؤلاء يصلحون للنيابة عن الأجنبي في استيفاء دينه من العبد فكذلك في يد الاستيفاء بحكم الرهن ثم هلاك الرهن في يد العدل كهلاكه في يد المرتهن وكذلك لو وضعاه على يد عبد للعبد المأذون المديون لأن ذلك العبد يصلح وكيلا للأجنبي في قبض دينه من العبد المأذون فإن العبد المأذون مع عبده بمنزلة المولى في حق العبد المأذون وقد بينا أن العبد يصلح أن يكون وكيلا في قبض الدين من مولاه.
ولو كان الدين على المولى والعبد هو العدل في الرهن فهلك ذهب بما فيه لأن العبد يصلح أن يكون وكيلا في قبض ما على مولاه فيصلح أن يكون عدلا في الرهن به أيضا وكذلك لو لم يعرف هلاكه إلا بقول العبد لأنه لما انتصب عدلا كان أمينا فيه والأمين مسلط على الإخبار من جهة من أئتمنه فإخباره بالهلاك بمنزلة إقرار المرتهن به فلهذا يصير مستوفيا به دينه.
وإذا أذن المأذون لعبده في التجارة فلحق كل واحد منهما دين فوكل بعض غرماء الأول العبد الآخر بقبض دينه فأقر بقبضه جاز إقراره لأن الأول في حق الآخر بمنزلة المولى في حق عبده والدين المستحق على المولى لا يكون مستحقا على عبده بحال فيصلح أن يكون وكيلا في قبضه.
ولو أن بعض غرماء الآخر وكل الأول أو مولاه بقبض دينه من الآخر لم يكن وكيلا في ذلك ولم يجز قبضه لأن الأول في معنى المولى للآخر فالدين الذي على الآخر من وجه كأنه مستحق على الأول فلا يصلح أن يكون وكيلا في قبضه فكذلك المولى فإنه يملك كسب العبد الأول كما يملك رقبته ويسلم له إذا فرغ من دينه كما يسلم له الأول فكما لا يكون وكيلا للأجنبي في قبض دينه من الأول فكذلك من مولاه.
ولو رهن كل واحد منهما رهنا بدينه ووضعه على يد الآخر فضاع الرهنان فرهن الأول يذهب بما فيه ورهن الثاني يذهب من مال الثاني لأن الثاني يصلح أن يكون عدلا في الرهن بالدين الذي على الأول كما يصلح أن يكون وكيلا بقبضه والأول لا يصلح أن يكون عدلا في الرهن بالدين الذي على الثاني ولا يصير صاحب الدين مستوفيا دينه بهلاكه ولو أن العبد المأذون المديون أحال أحد غرمائه بدينه على رجل فإن كان أحاله بما كان للعبد على المحال عليه فالحوالة باطلة لأن ما على المحال عليه للعبد كسبه وهو حق جميع غرمائه فهو بهذه الحوالة يخص المحال بذلك المال ويبطل حق سائر الغرماء عنه وذلك لا يكون صحيحا من العبد كما لو خص بعض الغرماء بقضاء دينه.
وبيان هذا أن الحوالة لو صحت لم يكن للعبد ولا لسائر الغرماء مطالبة للمحتال عليه

 

ج / 25 ص -111-    بعد ذلك بشيء مما كان عليه لأنه إنما التزم دين المحتال بالحوالة ليقضيه من ذلك المال وإن لم يكن للعبد مال على المحتال عليه فالحوالة جائزة لأن المحتال عليه تبرع على العبد بإقراض دينه منه لالتزام الدين فيها للمحتال والتبرع على العبد صحيح والعبد مالك للاستقراض وإنما لا يملك الإقراض وليس في هذه الحوالة إبطال حق سائر الغرماء عن شيء مما تعلق حقهم به فإن وكل الطالب بقبض الدين منه العبد أي كان عليه أصل الدين أو مولاه لم يجز قبضه لأن الثابت في ذمة المحتال عليه عين ما كان في ذمة العبد فإن الحوالة لتحويل الحق من ذمة إلى ذمة وحين كان في ذمة العبد ما كان لا يصلح هو ولا مولاه وكيلا في قبضه فكذلك بعد التحول إلى ذمة المحتال عليه ولأن العبد بهذه الحوالة لم يستفد البراءة الثانية.
ألا ترى أن المحتال عليه إذا مات مفلسا عاد الدين إلى ذمته فلو صح التوكيل لكان يثبت له البراءة بقبضه ومولاه لا يصلح أن يكون وكيلا في قبض يوجب براءة عبده عن الدين فإن قبض بحكم هذه الوكالة فعليه رد المقبوض على صاحبه لأنه قبضه بسبب باطل شرعا وإن ضاع في يده فلا ضمان عليه لأنه قبضه بتسليم صحيح من صاحب المال إليه فيكون أمينا في المقبوض.
وإن كان وكل بقبضه عبدا آخر للمولى أو مكاتبه أو ابنا للمولى أو عبدا للعبد المأذون الذي كان عليه الدين فأقر بقبضه من المحتال عليه جاز إقراره لأنه حين كان هذا الدين في ذمة المحيل كان هذا الوكيل صالحا للتوكيل في قبضه منه واستفاد البراءة بإقراره بالقبض منه فكذلك بعد ما تحول إلى ذمة المحتال عليه فإن كان الدين على المولى فأحال به على رجل ثم إن الغريم وكل عبدا للمولى يقبضه فأقر بقبضه من المحال عليه جاز لأنه لو وكله بالقبض من المولى حين كان الدين في ذمته جاز التوكيل فكذلك إذا وكله بقبضه من المحال عليه.
وكذلك لو وكل عبدا للمولى بقبضه فأقر بقبضه جاز لما بينا وإذا وكل الأجنبي بقبض دين له على عبد مأذون ابن العبد والابن حر أو وكل به مكاتب ابنه أو عبد لابنه مأذونا له في التجارة أو محجورا عليه فأقر بقبضه جاز في قولهم جميعا لأن ابن العبد أجنبي من الدين الذي على العبد وهو غير مستحق عليه في وجه من الوجوه فيجوز أن يكون وكيلا في قبضه منه ويصح إقراره بقبضه كأجنبي آخر  فإن قيل: هو بهذا الإقرار ينفع أباه ويبرئ ذمته عن الدين ومن أصل أبي حنيفة رحمه الله أن الابن غير مقبول الإقرار فيما يرجع إلى منفعة أبيه.
قلنا: هذا إذا لم يوجد التسليط من صاحب الحق له على ذلك بعينه وها هنا لما وكله بالقبض فقد سلطه فالإقرار بالقبض رضا فلهذا صح إقراره به.
وإذا غصب المأذون من رجل ألف درهم فقبضها منه رجل فهلكت عنده ثم حضر صاحبها فاختار ضمان الأجنبي بريء العبد منها لأنه كان مخيرا بين تضمين الغاصب الأول أو

 

ج / 25 ص -112-    الثاني والمخير بين شيئين إذا اختار أحدهما تعين ذلك باختياره وكأنه ما كان الواجب إلا ما اختاره وهذا لأن اختياره تضمين أحدهما تمليك للمضمون منه وبعد ما صح التمليك لا يمكنه أن يرجع فيطالب الآخر به بحال.
فإن وكل العبد أو مولاه بالقبض من الأجنبي جاز إقرار الوكيل بقبضه لأن العبد استفاد البراءة على الإطلاق بهذا الاختيار.
ألا ترى أنه لا يتصور عود ذلك الدين إليه بحال فيكون هو ومولاه كأجنبي آخر في التوكيل بالقبض بعد ذلك وكذلك إذا اختار ضمان العبد ثم وكل الأجنبي بقبضه منه جاز لأن الأجنبي استفاد البراءة بعد فالاختيار على الإطلاق.
ولو وكل الموكل بقبضه منه لم يجز توكيل المولى ولا إقراره بالقبض لأن بهذا الاختيار تعين الدين في ذمة العبد والمولى لا يصلح أن يكون وكيلا للأجنبي في قبض ما على عبده ولو دبر المولى عبده المديون فاختار الغرماء تضمينه القيمة ثم وكلوا المدبر بقبضها منه لم يجز توكيله ولا إقرار المدبر بالقبض لأن جميع الدين باق على المدبر حتى كان مطالبا به بعد العتق فهو بالقبض والإقرار به يبرئ نفسه عن الدين والإنسان لا يكون وكيلا في قبض دين على نفسه وكذلك إن اختاروا اتباع المدبر ووكلوا المولى بقبضه منه لم يجز لأن المدبر باق على ملكه وكسبه مملوك للمولى.
وقد بينا أن المولى لا يكون وكيلا في قبض ما على مملوكه لأن بالقبض يستخلص الكسب لنفسه فإن أعتقه بعد التدبير لم يلزمه ضمانه مستأنفا لأنه بهذا الإعتاق ما أتلف عليهم شيئا فإنه لم يبق لهم حق في مالية الرقبة بعد التدبير إذ المدبر لا يحتمل البيع في الدين وكسبه كان حق الغرماء وبالإعتاق لا يبطل حقهم عن الكسب بل يتقرر حقهم به فلهذا لا يجب عليه ضمان لهم فإن قبض شيئا من المدبر عن الوكالة الأولى لم يجز قبضه لأن تلك الوكالة كانت باطلة ولم ينتصب هو وكيلا بها فلا تنقلب وكالة صحيحة بإعتاقه إياه وإن وكلوه بعد العتق جاز لأن بعد العتق المولى أجنبي من الدين الذي عليه وقد استفاد البراءة باختيار الغرماء اتباع العبد ولا حق له في كسبه بعد العتق فيجوز أن يكون وكيلا في قبضه كأجنبي آخر.
ولو أعتق المولى عبده المديون فللغرماء أن يتبعوا العبد بدينهم كله ويتبعوا المولى بقيمة العبد لأنه أتلف مالية الرقبة عليهم بالإعتاق ولا يكون اتباع واحد منهم إبراء للآخر لأن المولى كان متحملا من ديون العبد بقدر مالية رقبته بمنزلة الكفيل ومطالبة الكفيل بالدين لا توجب براءة الأصيل وكذلك مطالبة الأصيل لا توجب براءة الكفيل فإن أبرءوا العبد عن دينهم بريء المولى من القيمة لأن العبد أصيل في هذا الدين وبراءة الأصيل بالإبراء توجب براءة الكفيل ولو أبرءوا المولى من القيمة كان لهم أن يتبعوا العبد بجميع دينهم لأن براءة الكفيل بالإبراء لا توجب براءة الأصيل فإن إبراء الكفيل فسخ للكفالة ولا ينعدم به سبب

 

ج / 25 ص -113-    وجوب الدين على الأصيل فيبقى جميع الدين على العبد ببقاء سببه كما لو كان المولى أعتقه برضاهم فإن وكلوا المولى بعد ما أبرؤه بقبض دينهم من العبد فأقر بقبضه جاز إقرارهم عليه لأن المولى استفاد البراءة على الإطلاق بإبرائهم إياه ولا حق له في كسب معتقه.
ولو كانوا وكلوه بذلك قبل الإبراء لم يجز توكيله لأنه في القبض والإقرار به يبرئ نفسه مما عليه فإن أبرأوه بعد الوكالة لم يكن وكيلا في قبضه أيضا لأن ذلك التوكيل كان باطلا فالإبراء لا ينقلب صحيحا إلا أن يوكلوه بعد البراءة فيصح إنشاء التوكيل الآن ولو كانوا أبرأوا العبدين من دينهم على أن يتبعوا المولى بقدر القيمة من دينهم وتراضوا على ذلك جميعا كان جائزا ويبرأ العبد من الديون ويتبعون المولى بالقيمة لأنهم بهذا الشرط حولوا ما كان واجبا على المولى بجهة الكفالة كالواجب بطريق الحوالة فكان المولى قبل الحوالة لهم في مقدار القيمة والحوالة توجب براءة الأصيل ولا توجب براءة المحال عليه.
فإن توت القيمة على المولى رجعوا على العبد من دينهم بقدر القيمة لأن ذلك كان على المولى بطريق الحوالة ومتى توى الدين على المحتال عليه بموته مفلسا أو بجحوده عاد الدين إلى ذمة المحيل فإن لم يتوما على المولى حتى وكلوا العبد بقبضه من المولى لم يجز توكيله ولا قبضه لأن العبد لم يستفد البراءة عن هذا القدر مطلقا حتى يعود إليه بالتوى فلا يصلح أن يكون وكيلا في قبضه وقد قررنا هذا المعنى في الحوالة.
وإذا مات الرجل وعليه دين أو لا دين عليه وله عبد مديون فوكل غرماء العبد الوارث بقبض دينهم من العبد لم يكن وكيلا في ذلك لأن الورثة قائمون مقام المورث في ملك رقبة العبد وكسبه وقد بينا أن المولى لا يكون وكيلا في قبض ما على عبده فكذلك وارثه بعده.
وكذلك لو وكلوا بعض غرماء المولى لأن حقهم في رقبته وكسبه مقدم على حق الوارث ولو لم يكن على المولى دين وقد ترك ثلاثمائة درهم سوى العبد وقد أوصى بنصفها أو ثلثها لرجل فوكل غرماء العبد الموصى له بقبض دينهم من العبد لم يكن وكيلا في ذلك لأن الموصى له شريك الوارث في تركة الميت والوارث لا يكون وكيلا في ذلك فكذلك الموصى له وهذا لأن العبد من مال الميت وفي فراغه عن الدين منفعة للموصي له.
ألا ترى أنه لو صح التوكيل وأقر بالقبض ثم لحق الميت دين كان يقضي ذلك الدين من مالية الرقبة ويسلم للموصى له جميع وصيته فلهذا لا يصلح وكيلا فيه.
ألا ترى أن الموصى له لو شهد على رجل آخر بدين للميت على إنسان لا تقبل شهادته لأنه شريك الوارث في مال الميت فكذلك في حكم الوكالة.
ولو أعتق الوارث العبد ولا دين على الميت جاز عتقه عندنا وعلى قول الحسن بن زياد لا يجوز عتقه قال لأن دين العبد أقوى من دين المولى.
ألا ترى أن دين العبد في القصاص من مالية الرقبة مقدم على دين المولى ثم استغراق رقبته بدين المولى يمنع ملك الوارث فاستغراقه بدين نفسه أولى أن يمنع ملك الوارث ولكنا

 

ج / 25 ص -114-    نقول الوارث يخلف ملك المورث بعد موته وقد كان المورث مالكا رقبة العبد مع كونه مستغرقا بدينه فكذلك وارثه بخلاف دين المولى فإن المولى كان مالكا رقبته في حياته باعتبار أن الدين في ذمته لا تعلق له بماله وبموته قد تعلق حق الغرماء بتركته ولهذا حل الأجل لأنه صار في حكم العين والعين لا تقبل الأجل وحق الغرماء مقدم على حق الورثة فمن هذا الوجه منع دين المولى ملك الوارث فأما دين العبد فعلى صفة واحدة في التعلق بمالية الرقبة بعد موت المولى كما كان قبله.
وإذا نفذ العتق من الوارث كان ضامنا قيمته للغرماء لأنه أتلف عليهم مالية الرقبة فإن اختار الغرماء اتباع العبد وأبرأوا الوارث من القيمة ثم وكلوا الموصى له بقبض دينهم من العبد فأقر بقبضه جاز إقراره لأن الموصى له في التركة شريك الوارث ولو وكلوا الوارث في هذه الحالة بالقبض جاز التوكيل لأن الوارث استفاد البراءة مطلقا ولا حق له في كسب المعتق فكذلك إذا وكلوا الموصى له بقبضه.
ولو وكلوا الموصى له بقبضه قبل إبراء الوارث من القيمة لم يجز التوكيل لأنهم لو وكلوا الوارث في هذه الحالة لم يجز التوكيل فكذلك إذا وكلوا الموصى له وكذلك لو وكلوه بقبض القيمة من الوارث لم يجز التوكيل لأن القيمة التي على الوارث مال الميت.
ألا ترى أنه لو أبرأ الغرماء العبد وظهر على المولى دين وجب قضاؤه من تلك القيمة؟ والموصى له شريك الوارث في مال الميت فلا يجوز أن يكون وكيلا في قبضه من الوارث. ولو باع المولى العبد المديون للغرماء برضاهم وقبض الثمن فاستهلكه فلا شيء للغرماء على العبد حتى يعتق لأن العبد صار خالصا للمشتري وحق الغرماء في المطالبة تحول من مالية العبد إلى بدله وهو الثمن فباستهلاك المولى الثمن يجب عليه ضمان مثله ولا يعود حق الغرماء في مالية الرقبة فلهذا لا يطالبونه بشيء حتى يعتق فإن وكل الغرماء العبد وهو مأذون له أو محجور عليه بقبض الثمن الذي استهلكه المولى منه لم يجز توكيله ولا قبضه لأن أصل الدين باق على العبد بدليل أنه إذا عتق كان مطالبا بجميعه خصوصا إذا توى الثمن على المستهلك فلهذا لا يكون وكيلا في قبضه.
ولو دفع العبد المديون ألف درهم مضاربة إلى رجل بالنصف فاشترى المضارب بالألف عبدا وقبضه ولم ينقد الثمن حتى وكل البائع المأذون أو مولاه أو بعض غرمائه بقبض ذلك الثمن لم يجز التوكيل ولا القبض لأن المضارب متصرف للعبد وما يستحق عليه من الدين بتصرفه مستحق على العبد حقيقة.
ألا ترى أن المضارب يرجع بما يلحقه من العهدة على رب المال فكان هذا في معنى الدين الواجب على العبد حتى لو وكل بعض هؤلاء بقبضه فأقر بقبضه جاز إقراره بمنزلة ما لو كان العبد هو المشتري بنفسه ثم وكل مولاه أو غريمه بقبض المشتري فهناك التوكيل صحيح لأنه لا تهمة في إقراره بالقبض.

 

ج / 25 ص -115-    ولو وجب للعبد المأذون ولرجل حر على رجل ألف درهم هما فيه شريكان ثم أن الشريك وكل العبد بقبض نصيبه فقبضه بمعاينة الشهود فهلك في يده فإنه يهلك من ماليهما جميعا لأن العبد لا يجوز أن يجعل قابضا لنصيب الأجنبي خاصة فإن ذلك لا يكون إلا بعد القسمة والإنسان لا يجوز أن يكون وكيلا في المقاسمة مع نفسه عن غيره وبدون القسمة المقبوض مشترك بينهما كما كان قبل القبض مشتركا والعبد في حصة الأجنبي أمين بحكم التوكيل فلهذا كان الهلاك من ماليهما جميعا والباقي بينهما نصفان وإن كان العبد قبض من الغريم شيئا لنفسه فهلك كان هالكا من ماله خاصة به لأن قبل التوكيل كان يملك قبض نصيبه فبقي مالكا له بعد التوكيل لأن بقبول الوكالة لا يتعذر عليه التصرف في نصيبه وإذا كان المقبوض من نصيبه فإن هلك كان من ماله خاصة وإن لم يهلك كان للأجنبي أن يأخذ منه نصفه كما لو قبضه قبل التوكيل وهذا لأن المقبوض جزء من الدين المشترك فلشريكه أن يشاركه فيه.
ولو كان الشريك وكل مولى العبد بقبض نصيبه من الدين فإن كان العبد لا دين عليه فهذا ووكالة العبد سواء لأن كسب العبد ملك المولى في هذه الحالة فلو جعلنا المقبوض من نصيب الأجنبي خاصة كان المولى وكيلا عن الأجنبي في المقاسمة مع نفسه وذلك لا يجوز فلهذا كان المقبوض من نصيبهما وإن كان على العبد دين كان قبض المولى على الأجنبي جائزا لأنه من كسب عبده المديون بمنزلة الأجنبي فتوكيل الأجنبي إياه بقبض نصيبه بمنزلة توكيل غيره به وإن توى المقبوض في يد المولى توى من مال الأجنبي لأن قبض وكيله له كقبضه بنفسه.
وكذلك لو أقر المولى بالقبض كان إقراره على الأجنبي جائزا لأنه بالتوكيل سلطه على الإقرار فيجعل إقراره بذلك كإقرار الأجنبي بنفسه وقد طعن عيسى رحمه الله في هذا المسألة فقال ينبغي أن لا يجوز إقرار المولى بالقبض ها هنا لأن فيه منفعة عبد فإن ما بقي في ذمة المديون يخلص للعبد إذا صح إقرار المولى على الأجنبي بالقبض وفي منفعة العبد منفعة المولى فلا يجوز إقراره.
واستشهد على ذلك بالمسألة المذكورة بعد هذا في باب خصومة المأذون إذا مات الغريم فادعى العبد أن شريكه قد قبض حصته فجحده الشريك ووكل الشريك مولى العبد في خصومة العبد فأقر المولى على الشريك بالاستيفاء لم يجز إقراره ولم يكن وكيلا له لما فيه من منفعة عبده وقد قيل في الفرق بينهما على جواب الكتاب أن المولى لا يخاصم عبده لنفسه فكذلك لا يخاصمه لغيره ولو جعلناه وكيلا هنا لكان يخاصم العبد لغيره وهو الموكل فأما فيما نحن فيه فهو يخاصم الأجنبي لغيره وهو يجوز أن يخاصم الأجنبي لنفسه فكذلك لغيره وإذا صح التوكيل جاز إقراره على الأجنبي لأنه سلطه على الإقرار عليه لما وكله به.
وإذا وكل رجل رجلا ببيع متاعه فباعه من عبد الوكيل وعليه دين أو لا دين عليه فبيعه

 

ج / 25 ص -116-    باطل لأن بيعه من عبده كبيعه من نفسه فإن كسب العبد ملكه وله حق استخلاصه لنفسه بقضاء دينه فيكون متهما في ذلك فإن كان الموكل أمره أن يبيعه من عبد الوكيل فباعه ولا دين عليه فالبيع باطل كما لو أمره بالبيع من نفسه وإن كان عليه دين فهو جائز لأنه من كسبه الآن كالأجنبي وإنما لا يجوز بيعه منه بمطلق التوكيل لتمكن تهمة الميل إليه باعتبار ماله من الحق في كسبه وقد انعدم ذلك بالتنصيص على البيع منه والعهدة على الآمر دون المولى لأن المولى لا يستوجب على عبده الثمن.
ألا ترى أنه لو باع ماله من عبده المديون لا يستوجب عليه الثمن فكذلك إذا باعه مال الغير منه لأن في حقوق العقد والعهدة البائع لغيره كالبائع لنفسه.
وإذا تعذر إيجاب حقوق العقد على المولى تعلق بمن انتفع به وهو الآمر فهو الذي يلي التسليم والتسلم والدليل عليه أنا لو جعلنا حق قبض الثمن إلى المولى لم يكن بد من صحة الإقرار بقبضه وقد بينا أن في الدين الواجب على العبد للأجنبي المولى لا يكون وكيلا بالقبض ولا مقبول الإقرار فيه.
وكذلك لو وكله أجنبي بشراء شيء منه فهو كالوكيل بالبيع في جميع ما ذكرنا وإن كان المأذون هو الوكيل للأجنبي ببيع شيء أو شرائه من مولاه جاز لأنه لا حق للعبد في مال مولاه وكانت العهدة عليه مديونا كان أو غير مديون وإن أقر بالقبض جاز إقراره لأنه يصلح وكيلا للأجنبي في قبض الدين من المولى ويصلح مطالبا للمولى بالثمن إذا باع منه شيئا من أكسابه وعليه دين لمراعاة حق غرمائه فكذلك لمراعاة حق الموكل.
وكذلك لو لم يدفع الآمر إلى العبد شيئا من الثمن ووكله بأن يشتري له من مولاه جاز شراؤه وأخذ الثمن من الآمر ودفعه إلى المولى لأنه في التوكيل بالمعاملة مع المولى كهو في التوكيل بالمعاملة مع أجنبي آخر.
ولو دفع العبد المأذون لرجل ألف درهم مضاربة بالنصف فربح فيه أو لم يربح حتى وكل العبد أو مولاه أو بعض غرمائه أجنبيا ببيع شيء فباعه من المضارب بمال المضاربة لم يجز لأن المضارب مشتر لرب المال ورب المال هو العبد فإذا كان هو الوكيل بالبيع فكأنه يبيعه من نفسه فكذلك مولاه أو غريمه يكون متهما في البيع من مضاربه لماله من الحق في كسبه.
وإن كان الموكل أمره ببيعه منه جاز لأن التهمة قد انتفت بقبض الموكل على البيع منه ولكن العهدة على الآمر لما بينا أن العبد لا يصلح وكيلا في قبض ما على مضاربه لأجنبي وكذلك مولاه وغريمه وأصله أن العاقد متى لم يكن أهلا لعهدة العقد فالعهدة تكون على الآمر وكذلك هذا في التوكيل بالشراء منه وكل من وصفنا في هذه المسائل أنه لا يكون وكيلا في القبض فإنه لا يكون عدلا ولا يجوز أن يوضع الرهن على يده وكل من جاز أن يكون وكيلا في قبضه جاز أن يكون وكيلا في وضع الرهن على يده لأن الرهن مقبوض للاستيفاء فيعتبر تحقيقه للاستيفاء.

 

ج / 25 ص -117-    باب بيع القاضي والمولى العبد المأذون
قال رحمه الله: وإذا دفع الغرماء المأذون إلى القاضي وأرادوا بيعه في ديونهم فإن القاضي يتأنى في ذلك وينظر هل له مال حاضر أو غائب يرجو وصوله لأن البداءة في قضاء دين العبد من كسبه وهو الحاصل بتجارته كما أن وجوب الدين بتجارته ومقصود المولى استدامة الملك في رقبته فلا يجوز تفويت هذا المقصود عليه بدون الحاجة والحاجة ها هنا إلى قضاء دين الغرماء والمال الحاضر أو الغائب الذي يرجى وصوله عاجلا.
ولو انتظر القاضي وصوله لم يكن فيه كثير ضرر على الغرماء فلهذا يتأنى القاضي كما يتأنى في القضاء بقيمة المغصوب بعد ما أبق من يد الغاصب فإن لم يكن شيء من ذلك باعه لأن المولى ضمن للغرماء قضاء الدين من مالية رقبته عند تعذر إيفائه من محل آخر وقد تعذر ذلك إذا لم يكن له كسب أو كان له دين مؤجل أو غائب لا يرجى وصوله لأن في انتظار ذلك تأخر حق الغرماء وضرر التأخير كضرر الإبطال من وجه ثم لا يبيعه إلا بمحضر من المولى لأن في بيعه قضاء على المولى باستحقاق مالية الرقبة وإزالة ملكه والعبد ليس بخصم عنه في ذلك ولأن للمولى حق استخلاص الرقبة لنفسه بقضاء الدين من موضع آخر فليس للقاضي أن يبطل عليه هذا الحق ببيعه بغير محضر منه فإذا باعه ضرب كل غريم في الثمن بجميع دينه سواء كان أكثر من الثمن أو أقل وإذا قسم الثمن بينهم على ذلك فلا سبيل لهم على العبد حتى يعتق لأنه لم يبق لقضاء حقهم محلا في حال رقه وكسبه بعد البيع ملك المشتري ولم يرض بصرفه إلى ديونه.
وكذلك إن اشتراه مولاه الذي باعه القاضي عليه بعد ذلك لم يتبع بشيء بما بقي من الدين لأنه تجدد له فيه ملك بتجدد سببه فهو في ذلك كغيره فإذا أذن له هذا المولى بعد ما اشتراه فلحقه دين فبيع لغرمائه لم يشارك الأولون بما بقي من دينهم الآخرين لأن الأولين قد استوفوا مالية الرقبة مرة فلا حق لهم في مالية الرقبة بعد ذلك فهو في هذا الملك المتجدد كعبد آخر فالمولى بالإذن إنما رضي بتعلق حق الآخرين بملكه فلهذا يباع لهم ولا سبيل للأولين على الثمن حتى يعتق فإذا عتق بيع بجميع ديونه لأن الديون كلها ثابتة في ذمته والذمة بالعتق تزداد قوة فيؤمر بقضائها من كسب هو خالص حقه.
وإذا باعه المولى بغير أمر القاضي والغرماء فبيعه باطل لأن حق الغرماء يتعلق بمالية الرقبة وهو مقدم على حق المولى فكان المولى في بيعه بغير رضاهم كأجنبي آخر بمنزلة الراهن يبيع المرهون وهذا لأن للغرماء حق استسعاء العبد في دينهم فربما يكون ذلك أنفع لهم فإنهم يتوصلون به إلى جميع دينهم فلا يكون للمولى أن يبطل عليهم هذا الحق بغير رضاهم.
فإن أجازوا البيع أو قضاهم المولى الدين أو كان في الثمن وفاء بدينهم فأعطاهم نفذ البيع لزوال المانع بوصول حق الغرماء إليهم كالراهن إذا قضى دين المرتهن بعد البيع وأجاز المرتهن البيع فإن لم يبق شيء من ذلك ولكن الغرماء وجدوا المشتري والعبد في يده ولم

 

ج / 25 ص -118-    يجدوا البائع لم يكن المشتري خصما لهم في نقض البيع في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله وقال أبو يوسف رحمه الله هو خصم لأن المشتري مالك الرقبة وهم يدعون استحقاق مالية الرقبة فكان هو خصما له كما لو ادعوا ملك العبد لأنفسهم وهما يقولان الغرماء لا يدعون على المشتري ولا في ملكه حقا لأنهم إنما يستحقون مالية الرقبة على البائع والمشتري ليس بخصم عن البائع في إثبات حقهم عليه ونقض البيع ينبني على ذلك.
يوضحه: أن البيع يحول حق الغرماء في مالية الرقبة إلى الثمن بدليل أنه لو باشره القاضي أو المولى فأجازه الغرماء كان حقهم في الثمن لا في مالية الرقبة وبعد ما صار ملكا للمشتري لا طريق لإثبات حقهم في مالية الرقبة سوى نقض البيع وإنما جرى البيع بين البائع والمشتري فلا يجوز نقضه بغير محضر من البائع وبدون نقض البيع لا حق لهم في مالية الرقبة بخلاف ما إذا ادعوا ملك العبد لأنفسهم فهناك إنما يدعون عين ما يزعم المشتري أنه ملكه وقد تقدم نظير هذه المسألة في الشفعة .
يوضحه: أن حق المشتري لا يسقط عن العبد ما لم يعد إليه الثمن وذلك لا يكون إلا بمحضر من البائع فينتظر حضوره ليأخذ الغرماء العبد ويرجع المشتري على البائع بالثمن.
ولو حضر البائع وغاب المشتري وقد قبض العبد فلا خصومة بين البائع والغرماء في رقبة العبد حتى يحضر المشتري لأن الملك واليد للمشتري وإبطال ذلك بدون حضوره لا يمكن فما لم يبطل ملك المشتري لا تكون الرقبة محلا لحق الغرماء إلا أن لهم أن يضمنوا البائع قيمته لأنه بالبيع والتسليم صار مفوتا محل حقهم فإذا ضمنوه القيمة جاز البيع فيه وكان الثمن للبائع لأن القيمة دين في ذمته وهو الخصم في ذلك وبتضمين القيمة يسقط حق الغرماء عن مالية الرقبة فينفذ بيعه فيه.
وإن أجازوا البيع وأخذوا الثمن واقتسموه لأن الإجازة في الانتهاء بمنزلة الإذن في الابتداء فإن هلك الثمن في يد البائع قبل أن يقبضه هلك من مال الغرماء على معنى أنه لا شيء لهم على المبيع حتى يعتق لفوات محل حقهم وهو الثمن فالمولى بإجازتهم يخرج من أن يكون جانيا ضامنا لهم ولا حق لهم في ملك المشتري فتتأخر ديونهم إلى ما بعد العتق وليس المراد من قوله هلك من مال الغرماء أنهم في حكم القابض له حتى يسقط شيء من دينهم به فكيف يكون كذلك والمولى في البيع عامل لنفسه لأنه متصرف في ملكه ولهذا إذا أعتق العبد اتبعه الغرماء بجميع دينهم.
وكذلك لو أجازوا البيع بعد ما هلك الثمن لأن الثمن معقود به ومحل العقد هو المعقود عليه فإذا كان باقيا بعد البيع بالإجازة ثم الإجازة في الانتهاء بمنزلة الإذن في الابتداء وكذلك لو أقر البائع أنه قد قبض الثمن فهلك في يده قبل إجازتهم البيع أو بعدها فكذبوه في القبض فقد أجازوا البيع قبل إقراره أو بعده فهو مصدق في ذلك مع يمينه لأن المولى بإجازتهم صار أمينا كما يصير أمينا في الثمن بإذنهم في البيع في الابتداء وحق قبض الثمن إليه لأنه باشر

 

ج / 25 ص -119-    سببه فيكون مقبول القول فيه مع يمينه ولا شيء للغرماء حتى يعتق العبد فإذا عتق اتبعوه بجميع دينهم.
ولو اختار بعض الغرماء القيمة واختار بعضهم الثمن كان للذين اختاروا ضمان القيمة حصتهم من القيمة وللذين اختاروا الثمن حصتهم من الثمن على قدر الدين لأن لكل واحد منهما في نصيبه رأيا واستحقاق القيمة والثمن كل واحد منهما على المولى وكل واحد منهما محل حق الغرماء ولكل واحد منهم حصة مما اختار وفيما بقي من الثمن للبائع مما ضمن من القيمة ولو أجاز بعض الغرماء البيع وأبطله بعضهم كان البيع باطلا لأن حق كل واحد منهما بانفراده سبب تام للمنع من نفوذ البيع.
ولو باع القاضي المأذون للغرماء في دينهم أو باعه أمينه فضاع الثمن في يد الأمين الذي باعه ثم وجد المشتري بالعبد عيبا فرده على الأمين فإن القاضي يأمر الأمين بأن يبيعه مرة أخرى ويبين عيبه أما لا خصومة بين الأمين وبين المشتري بحكم ذلك البيع لأن أمين القاضي بمنزلة القاضي فلا تلحقه العهدة ولكن القاضي يأمر ذلك الأمين أو غيره بأن يخاصم المشتري نظرا منه للمشتري فإذا رده بالعيب أمره ببيعه مع بيان عيبه ولأنه يحتاج إلى إيفاء حق المشتري في الثمن وطريقه بيع الرقبة وإنما يبين عيبه لكيلا يرد عليه مرة أخرى فإذا أخذ الثمن بدأ بالمشتري الأول فأوفاه الثمن لأن الثمن الثاني بدل مالية الرقبة والثمن المقبوض من المشتري الأول بدل مالية الرقبة أيضا فكان هو مقدما فيه على سائر الغرماء.
فإن كان الثمن الآخر أكثر من الثمن الأول فالفضل للغرماء وإن كان أقل غرم الغرماء للمشتري الأول تمام حقه ولا غرم على الأمين في ذلك لانتفاء العهدة ولكن بيعه كان بطلب الغرماء لمنفعتهم فما يلحق من العهدة يكون عليهم ولو فضل شيء كان الفضل لهم فكذلك النقصان يكون عليهم فإن كان المولى هو الذي باعه للغرماء بأمرهم وقبض الثمن فضاع في يده ثم وجد المشتري به عيبا فرده على البائع ببينة أو إباء يمين أو بعيب لا يحدث مثله فإن القاضي يبيعه ويوفي المشتري ثمنه لما قلنا: فإن نقص عن الثمن الأول غرم البائع نقصانه للمشتري لأنه بمنزلة الوكيل في البيع فالرجوع بالثمن عند الرد يكون عليه ولكنه باعه لمنفعة الغرماء فيكون قرار العهدة عليهم فلهذا رجع هو بما لحقه على الغرماء.
ولو كان رد عليه بإقراره بعيب يحدث مثله بيع العبد ودفع ثمنه إلى المشتري فإن نقص عنه ضمن البائع النقصان ولم يرجع به على الغرماء لأن إقراره لا يكون حجة عليهم إلا أن تقوم له بينة أن العيب كان بالعبد قبل أن يقبضه المشتري الأول فحينئذ يرجع على الغرماء بما غرم من الثمن لأن الثابت بالبينة كالثابت بتصديق الغرماء وإن لم يكن له بينة يستحلف الغرماء على علمهم لأنه يدعي عليهم ما لو أقروا به لزمهم وإن كان العبد حين رد على أمين القاضي أو المولى البائع بالعيب في جميع هذه الوجوه مات قبل أن يباع البيع الثاني رجع المشتري بالثمن على الغرماء إن كان أمين القاضي باعه لأنه لا ضمان على الأمين فيه ولا عهدة.

 

ج / 25 ص -120-    وإن كان المولى هو البائع ضمن الثمن للمشتري ورجع به على الغرماء لأنه باعه لمنفعتهم فيرجع عليهم بما يلحقه من العهدة إلا أن يكون القاضي رده عليه بإقراره بعيب يحدث مثله فلا يرجع حينئذ بالثمن على الغرماء إلا أن تقوم له بينة على العيب أو يأبى اليمين وصار جميع الثمن في هذا الفصل كالنقصان في الفصل الأول ولو أن أمين القاضي أو المولى البائع قبل العبد بعيب بغير قضاء القاضي فمات في يده غرم الثمن للمشتري ولم يرجع به على الغرماء إن كان العيب يحدث مثله أو لا يحدث لأن قبوله بغير قضاء القاضي بمنزلة شرائه ابتداء في حق الغرماء ولهذا لو لم يمت العبد فهو لازم للمردود عليه وإن أراد الغرماء بيعه وفيه فضل على الثمن الأول لم يكن لهم ذلك بمنزلة ما لو اشتراه.
ولو كان على المأذون دين فباعه المولى بألف درهم وقبض الثمن وسلمه إلى المشتري بعينه فالغرماء بالخيار إن شاؤوا ضمنوا المشتري قيمة العبد وإن شاؤوا البائع لأن كل واحد منهما جان في حق الغرماء البائع بالبيع والمشتري بالقبض فإن ضمنوا المشتري رجع بالثمن على البائع لأن استرداد القيمة منه كاسترداد العبد أن لو ظفروا به ولم يسلم العبد للمشتري بالثمن الذي أداه إلى البائع وإن ضمنوا البائع قيمته سلم المبيع فيما بين البائع والمشتري لزوال المانع وأيهما اختار الغرماء ضمانه بريء الآخر حتى لو توت القيمة على الذي اختاره لم يرجعوا على الآخر بشيء لأن حقهم قبل أحدهما وكان الخيار إليهم في التعيين والمخير بين الشيئين إذا اختار أحدهما تعين ذلك عليه.
فإن ظهر العبد بعد ما اختاروا ضمان أحدهما فلا سبيل لهم عليه لأن القاضي لما قضى لهم بقيمة العبد على الذي اختاروا ضمانه ببينة أو بإباء يمين تحول حقهم إلى القيمة بقضاء القاضي وإن كان قضى عليه بقوله وقد ادعى الغرماء أكثر منه فهم بالخيار إن شاؤوا رضوا بالقيمة وإن شاؤوا ردوها وأخذوا العبد فبيع لهم لأنه لم يصل إليهم كمال حقهم بزعمهم وهو نظير المغصوب في ذلك وقد بيناه في الغصب.
وإن اختاروا البائع فضمنوه قيمته فاقتسموها بينهم ثم ظهر العبد في يد المشتري ووجد به عيبا فرده على البائع بقضاء القاضي فالبائع بالخيار إن شاء كان العبد له وسلمت القيمة إلى الغرماء وإن شاء استرد من الغرماء ما أعطاهم وبيع العبد لهم لأن الرد بقضاء القاضي فسخ من الأصل فعاد إلى قديم ملك المولى والغرماء ضمنوه القيمة على صفة السلامة عن العيب فإذا ظهر العيب يخير المولى لما يلحقه من الضرر فإن شاء رضي به وإن شاء رده على الغرماء واسترد منهم ما أعطاهم بمنزلة المشتري الأول مع بائعه إذا رد عليه فإن رده عليهم عاد حقهم في العبد كما كان فيباع في دينهم.
وإن كان البائع قد علم بالعيب قبل أن يبيعه ثم رده على المشتري بذلك العيب فإن كان الغرماء ضمنوه قيمته صحيحا كان للبائع أن يأخذ منهم القيمة ويسلم لهم العبد فيباع في دينهم وإن شاء سلم لهم القيمة وأمسك العبد وإن ضمنوه قيمته وبه العيب سلم العبد للغرماء لأن

 

ج / 25 ص -121-    الضرر مندفع عن المولى وقد كان عالما بالعيب فاندفع به ضرر جهله وإنما ضمن لهم القيمة معيبا فلهذا لا يرجع عليهم بشيء.
ولو كانوا ضمنوا المشتري قيمته واقتسموها بينهم ورجع المشتري على البائع بالثمن ثم ظهر العبد فوجد المشتري به عيبا رده على الغرماء لأنه تملكه من جهتهم بضمان القيمة والبيع الذي كان بينه وبين المولى قد انفسخ وإنما ضمنه قيمته صحيحا فإذا ظهر أنه كان معيبا رده عليهم وأخذ القيمة منهم ثم يباع لهم.
وإن كانوا ضمنوا البائع القيمة ثم وجد به المشتري عيبا فرده القاضي على البائع بإقراره والعيب مما يحدث مثله فلا سبيل للبائع على الغرماء في القيمة لأن إقراره ليس بحجة عليهم إلا أن يقيم البينة على العيب أو يأبوا اليمين وإن رده بغير قضاء القاضي والعيب مما يحدث مثله أو لا يحدث فلا سبيل للبائع على الغرماء في القيمة لأن الرد بغير قضاء القاضي بمنزلة الشراء المستقبل في حق الغرماء.
وكذلك لو كان الشراء بالخيار ثلاثة أيام في العبد فرده بالخيار بعد ما ضمن الغرماء البائع القيمة لم يكن للبائع أن يرجع عليهم بالقيمة لأن المشتري إنما رده بتسليط البائع بشرط الخيار له وذلك غير عامل في حق الغرماء وكذلك المشتري لو كان المشتري أرسل رسولا فقبض العبد من البائع ولم يرده فضمن الغرماء البائع القيمة ثم رأى المشتري العيب فلم يرضه فرده على البائع لم يكن للبائع أن يرجع بالقيمة على الغرماء لأنه وإن عاد إليه بسبب هو فسخ من الأصل فلم يتبين به أن سبب القضاء بالقيمة للغرماء ما لم يكن موجودا يومئذ.
وكذلك لو كان البائع بالخيار وقد دفع العبد إلى المشتري فضمن الغرماء البائع القيمة ثم اختار البائع رد العيب واستوضح بالمغصوب.
قال: ألا ترى أن الغاصب لو باع المغصوب ودفعه إلى المشتري ثم أن رب العبد ضمن الغاصب قيمته بقضاء القاضي وقد كان للغاصب فيه خيار الشرط أو للمشتري أو كان له فيه خيار رؤية ففسخ البيع أو أجاز سلمت القيمة للمغصوب منه على كل حال. وكذلك ما سبق في فصل المأذون.
ولو باع المولى المأذون بغير أمر الغرماء فأعتقه المشتري قبل أن يقبضه فعتقه موقوف لأن المشتري بنفس العقد لا يتملك العبد ملكا تاما فإن السبب موقوف على إجازة الغرماء وبالسبب الموقوف إنما يثبت الملك الموقوف لأن الحكم بحسب السبب والسبب الضعيف لا يوجب حكما قويا والعتق منهي للملك
فإذا كان موقوفا فما ينهيه يوقف بتوقفه فإذا تم البيع بإجازته أو قضاء دين أو كان في الثمن وفاء فأخذوه بعد العتق وإن لم يتم البيع أبطله القاضي وباع العبد في دينهم نظرا منه للغرماء. وعلل فقال لأن البيع كان فاسدا لا يجوز إلا بالإجازة أو ما يقوم مقامها وفي هذا التعليل نظر فإن في البيع الفاسد إن أعتقه المشتري قبل القبض ثم نفذ البيع لا ينفذ ذلك العتق وها هنا ينفذ فعرفنا أن مراده أنه بمنزلة الفاسد في الضعف لأجل التوقف.

 

ج / 25 ص -122-    ولو كان أعتقه بعد القبض جاز عتقه لأن السبب الضعيف بالقبض يقوى كما في البيع الفاسد وهذا أقوى من الفاسد.
يوضحه: أن البيع تسليط على التصرف وتمام هذا التسليط بالتسليم فإن أعتقه بعد القبض فقد أعتقه بعد تمام هذا التسليط والمسلط لو أعتقه بنفسه نفذ عتقه وأما قبل القبض فالتسليط غير تام ولكن تمامه موقوف على القبض فيتوقف العتق أيضا وهو نظير الراهن يبيع المرهون ثم يعتقه المشتري. ولو لم يعتقه المشتري ولكنه باعه أو وهبه وسلمه فإن تم البيع الأول ببعض ما وصفنا جاز ما فعل المشتري فيه لأنه باع ملكه وحق الغرماء الذي كان مانعا من نفوذه قد زال وهو نظير المشتري من المكره إذا تصرف ثم أجاز المكره البيع ولو لم يبعه المولى ولكنه وهبه لرجل وسلمه ثم ضمنه الغرماء القيمة نفذت الهبة فإن رجع في الهبة بحكم أو غير حكم سلم العبد له ولم يكن له على القيمة ولا للغرماء على العبد سبيل لأن حقهم تحول إلى القيمة بقضاء القاضي فإن وجد به عيبا ينقص من القيمة التي غرمها كان له أن يرده ويأخذ القيمة لأنهم ضمنوه القيمة على صفة السلامة وبالرجوع عاد إلى قديم ملكه فإن كان أعتقه بعد الرجوع في الهبة قبل أن يعلم بالعيب أو دبره أو حدث به عيب رجع بما بين العيب والصحة من القيمة لأنه تعذر الرد على وجه لم يصر هو راضيا فيرجع بالتفاوت وللغرماء أن يردوا القيمة ويتبع العبد في الدين في غير العتق والتدبير لأن تعذر الرد لمراعاة حقهم بسبب العيب الحادث وإذا رضوا به فقد زال المانع إلا أن يشاء المولى أن لا يطالبهم بالنقصان ويرضى به معيبا وإن كان هذا في جارية قد وطئت بشبهة فوجب لها العقد لم يكن للغرماء عليها سبيل من أجل الزيادة المنفصلة لأنها تمنع الرد لحق الشرع وردوا نقصان العيب من القيمة لأنه تبين أنهم أخذوا ذلك زيادة على حقهم ولو كان المولى باعه وعيبه المشتري فضمن الغرماء المولى ثم وجد المشتري بالعبد عيبا لا يحدث مثله وحدث به عيب آخر فرجع بنقصان القيمة على البائع لم يكن للبائع أن يرجع على الغرماء بالقيمة ولكنه يرجع بحصة العيب من القيمة التي غرمها للغرماء لأنه ظهر أن ما بين قيمته معيبا إلى قيمته سليما أخذوه منه بغير حق فعليهم رد ذلك عليه

باب بيع المولى عبده المأذون فيجوز
قال رحمه الله: وإذا كان الدين على المأذون إلى أجل فباعه المولى بأكثر من قيمته أو بأقل فبيعه جائز لأنه باع ملكه وهو قادر على تسليمه وتحقيقه أن بسبب التأجيل يتأخر حق الغرماء في المطالبة بقضاء الدين إلى حلول الأجل وامتناع نفوذ تصرف المولى في كسبه ورقبته لكونه مشغولا بحق الغرماء وحقهم في المال استيفاء الدين منه وبسبب التأجيل سقط هذا الحق إلى حلول الأجل فلانعدام المانع من نفوذ تصرف المولى فيه ينفذ بيعه فإن قيل: حق الغرماء في العبد المديون كحق المرتهن في المرهون وذلك يمنع الراهن من البيع سواء كان الدين حالا أو مؤجلا كحق الغرماء في مال المرتهن وذلك يمنع  التصرف المبطل لحقهم سواء كان الدين حالا أو مؤجلا أو هو لحق الغرماء في مال المريض وذلك يمنع

 

ج / 25 ص -123-    التصرف المبطل لحقهم سواء كان الدين حالا أو مؤجلا فهذا مثله. قلنا: لا كذلك فللمرتهن في المرهون ملك اليد وذلك قائم مع التأجيل في الدين وبه يعجز الراهن عن التسليم وليس للغرماء ملك اليد في المأذون ولا في كسبه وإنما لهم حق المطالبة بقضاء الدين وذلك يتأخر إلى ما بعد حلول الأجل وتصرف المريض في ماله نافذ ما دام حيا وبعد موته لا يبقى الأجل ولهذا لا يتصرف الوارث في تركته ويؤمر بقضاء الدين في الحال فلما لم يبق الأجل بعد موته كان الدين الحال والمؤجل في الحكم سواء وإنما لم يبق الأجل لأن ذمته لم تبق محلا صالحا لوجوب الدين منه فأما ذمة العبد فمحل صالح لذلك فالدين ثابت في ذمته والأجل فيه صحيح فلا سبيل للغرماء على منع المولى من التصرف أو مطالبته بشيء حتى يحل دينهم
فإذا حل ضمنوه قيمته لأنه أتلف عليهم محل حقهم وهو المالية ولأن المولى كالمتحمل عن العبد لغرمائه مقدار مالية رقبته والدين إذا حل على الأصيل بمضي الأجل حل على الكفيل فكان لهم أن يضمنوه قيمته بعد حل المال ولا سبيل لهم على الثمن أجازوا البيع أو لم يجيزوا لأنه كان جائزا بدون إجازتهم وكان الثمن للمولى سالما كسائر أملاكه فلا يتغير ذلك بإجازتهم ولأن ضمان القيمة دين لهم في ذمة المولى ويعتبر محل قضاء الدين إلى المديون فلا سبيل للغرماء على الثمن كما لا سبيل لهم على سائر أملاك المولى بخلاف ما إذا كان البيع بعد حل المال فأجازوه لأن نفوذ البيع هناك يكون بإجازتهم فيتحول حقهم عن مالية العبد إلى بدله وها هنا نفوذ البيع كان بدون إجازتهم وكان الثمن سالما للمولى كسائر أملاكه قبل حلول المال فكذلك بعد حله.
وكذلك لو وهبه لرجل وسلمه فإن توى ما على المولى من القيمة لم يكن لهم على العبد ولا على الموهوب له سبيل لأن الملك تجدد للموهوب له في العبد بتجدد سببه ولا حق لهم في هذا الملك ولا سبيل لهم إلى نقض سببه لأن المولى حين باشره لم يكن لهم حق المنع فلا يثبت لهم حق الإبطال بعد ذلك ولكن دينهم على العبد يتأخر إلى عتقه بمنزلة مريض وهب عبدا لا مال له غيره وعليه دين كثير فباعه الموهوب له أو وهبه وسلمه ثم مات الواهب الأول فلا سبيل لغرمائه على العبد ولا على من في يده وإنما لهم القيمة على الموهوب له الأول لأنه صار متلفا محل حقهم بتصرفه فإن توت تلك القيمة عليه لم يكن لهم على العبد ولا على من هو في يده سبيل وللمولى أن يستخدم العبد المأذون إذا كان دينه إلى أجل لأنه مالك رقبته والمنفعة تملك بملك الرقبة ولا سبيل للغرماء عليه في مطالبته بشيء في الحال فيتعذر على المولى استخدامه مراعاة لحقهم ولو كان الدين حالا كان لهم أن يمنعوه من ذلك لأن لهم حق المطالبة بقضاء الدين والاستسعاء فيه وباستخدام المولى إياه يفوت عليهم ذلك أو يتمكن فيه نقصان فكان لهم أن يمنعوه من ذلك.
وكذلك لو أراد أن يسافر به لم يكن لهم أن يمنعوه إذا كان الدين مؤجلا لأنه لا سبيل لهم على العبد في مطالبته بشيء فكيف يثبت لهم السبيل على المولى في منعه من السفر به؟.

 

ج / 25 ص -124-    ولو كان الدين حالا كان لهم أن يمنعوه من ذلك لأنه يحول بينهم وبين حق ثابت لهم وهو المطالبة ببيع الرقبة وقضاء الدين من ثمنه. وكذلك له أن يؤاجره ويرهنه إذا كان الدين مؤجلا لما قلنا: فإن حل الدين قبل انقضاء مدة الإجارة كان هذا عذرا وللغرماء أن ينقضوا الإجارة لأن الإجارة وإن كانت من لوازم العقود فإنها تنتقض بالعذر والحاجة إلى دفع الضرر.
ألا ترى أنها تنتقض لدفع الضرر عن المباشر للعقد؟ فلأن تنقض لدفع الضرر عن غير المباشر أولى وتنقض للرد بسبب فساد البيع والرد بسبب العيب في البيع فينقض أيضا لحق الغرماء في المطالبة ببيع الرقبة بعد حل المال فأما الرهن فهو لازم من جهة الراهن ولا يثبت للغرماء بعد حل الأجل نقض الرهن كما لا يثبت لهم حق نقض البيع الذي نفذ من المولى ولكنهم يضمنون المولى قيمته لأنه حال بينهم وبين حقهم في المطالبة بإيفاء الدين من مالية الرقبة وبالبيع فيضمن لهم القيمة كما لو أتلف عليهم ذلك بإبطال المالية فيه بالإعتاق فإذا أرادوا تضمينه فافتكه من المرتهن ودفعه إليهم بريء من الضمان لأن الحيلولة قد ارتفعت وإن أفتكه بعد ما قضى عليه القاضي بضمان القيمة فالقيمة عليه والعبد له ولا سبيل للغرماء على العبد لأن حقهم تحول بقضاء القاضي إلى القيمة والسبب الموجب له كان قائما وقت القضاء فلا يعود حقهم بعد ذلك بانعدام الحيلولة بالفكاك كالمغصوب إذا عاد من إباقه بعد ما قضى القاضي على الغاصب بقيمته.
ولو أبى المولى أن يفتكه فقضى الغرماء الدين ليبيعوه في دينهم كان لهم ذلك لأن المانع حق المرتهن وحقه يسقط بوصول دينه إليه وإنما يقصدون بهذا تخليص محل حقهم فلا يكون للمرتهن أن يأبى ذلك عليهم
وإذا لم يكن على المأذون دين فأمره مولاه أن يكفل عن رجل بألف فقال العبد للمكفول له إن لم يعطك فلان مالك عليه وهو ألف فهو علي فالضمان جائز لأن العبد إنما كان محجورا عن الكفالة لحق المولى فإذا رضي المولى بكفالته كان هو والحر سواء.
وكذلك لو قال: إن مات فلان ولم يعطك هذا المال الذي لك عليه فهو جائز على ما قال وقد بينا في كتاب الكفالة معنى صحة تعليق الكفالة بهذه الأسباب فإن أخرجه المولى عن ملكه ببيع أو هبة ثم مات المكفول عنه قبل أن يعطي المكفول له حقه فإن المكفول له يضمن المولى الأقل من دينه ومن قيمته ولا يبطل بيع المولى في العبد ولا هبته لأن هذا في معنى الدين المؤجل على العبد حين تصرف المولى من حيث أنه لم يكن للموهوب له سبيل على مطالبته بشيء يومئذ وهو دونه لأن أصل الوجوب لم يكن ثابتا قبل وجود شرطه وإن وجد سببه وهو الكفالة ثم قد بينا أن هناك الغريم لا يبطل تصرف المولى فهاهنا أولى. وأما تضمين المكفول له المولى قيمته فلأنه فوت عليه محل حقه بتصرفه وقد كان سبب وجوب المال منعقدا وإن كانت المطالبة به متأخرة فيكون المولى ضامنا له قيمته بتفويت المال عليه وكذلك هذا في ضمان الدرك لو أمر عبده أن يضمن الدرك في دار باعها المولى ثم إن

 

ج / 25 ص -125-    المولى باعه ثم استحقت الدار فللمشتري أن يضمن المولى الأقل من قيمته ومن الثمن باعتبار أنه فوت عليه محل حقه فإن لم يخرجه المولى من ملكه حتى لحق العبد دين يحيط برقبته ثم استحقت الدار من يد المشتري فإن العبد يلزمه ما ضمن مع الدين الذي في عنقه لأن سبب وجوب الضمان للدرك كان صحيحا لكون العبد فارغا عن حق الغرماء عند ذلك وقد تعذر الوجوب بالاستحقاق فيكون هذا دينا لأن ما على العبد كسائر ديونه في جميع ذلك.
ولو حفر العبد التاجر بئرا في الطريق ثم أخرجه المولى من ملكه ثم وقع في البئر دابة تساوي ألف درهم فعطبت فلا سبيل لصاحبها على العبد ولا على الذي هو في يده لأنه حين أخرجه المولى من ملكه لم يكن العبد مطالبا بشيء ولم يوجد من العبد صنع هو جناية في الملك الذي تجدد للمشتري فلا سبيل له على المشتري ولكنه يضمن مولاه الأقل من قيمته ومن قيمة الدابة لأن عند وقوع الدابة في البئر يصير العبد متلفا له بالحفر السابق وذلك الحفر جناية منه في ملك المولى يستحق به صاحب الدابة مالية رقبته لو لم يخرجه المولى عن ملكه فبإخراجه يكون مفوتا عليه محل حقه فلهذا يضمن له المولى الأقل من قيمته ومن قيمة الدابة فإن تويت القيمة عليه لم يتبع عبده بشيء حتى يعتق فيؤخذ بقيمة الدابة حينئذ لأن الدين كان واجبا في ذمته باعتبار جنايته وكان لا يطالب به لحق مولاه الذي حدث له فإذا سقط حقه بالعتق كان مطالبا بقضاء دينه.
وإذا كان على العبد التاجر دين إلى أجل فباعه مولاه ثم اشتراه أو رجع إليه بإقالة أو عيب بعد القبض بغير حكم ثم حل الدين فلا سبيل للغرماء أما في الشراء فلا إشكال أن الملك متجدد له بتجدد السبب وكذلك في الإقالة والرد بالعيب بعد القبض بغير حكم فإنه في معنى بيع متجدد في حق غيرهما فكان وجود هذا العود إليه كعدمه وعود هذا العبد إليه كعود عبد آخر فإن اختلاف سبب الملك بمنزلة اختلاف العين فلهذا ضمنوا المولى قيمته.
ولو رجع العبد إليه بعيب بقضاء قاض أو خيار رؤية أو شرط في أصل البيع ثم حل الدين أخذوا العبد به ولا سبيل لهم على المولى لأنه عاد إليه بسبب هو فسخ من الأصل فإنما يعود إلى قديم ملكه الذي كان مشغولا بحق غرمائه وينعدم به السبب الموجب للضمان على المولى وهو تفويت محل حقهم وإن مات في يد المولى بعد ما رجع إليه على هذا الوجه قبل أن يحل دينهم ثم حل الدين فلا ضمان لهم على المولى لأن البيع حين انفسخ من الأصل صار كأن لم يكن ولو مات قبل البيع لم يكن لهم على المولى ضمان إذا حل دينهم.
وكذلك المولى لو وهبه وسلمه ثم رجع في الهبة بحكم أو بغير حكم فإن المولى يبرأ من القيمة لأن الرجوع في الهبة فسخ من الأصل وإعادة إلى قديم ملكه سواء كان بقضاء أو بغير قضاء عندنا وقد بيناه في الهبة فإذا عاد محل حقهم صارت الإزالة كأن لم تكن ولو باعه فمات قبل أن يقبضه المشتري بريء المولى من القيمة لأن بمجرد البيع لا يتقرر السبب الموجب للضمان على المولى وإنما يكون بالتسليم.

 

ج / 25 ص -126-    ولو تقرر السبب بالبيع فبالموت قبل التسليم ينتقض البيع من الأصل ويعود إلى ملك المولى مشغولا بحق الغرماء كما كان فهو كما لو انتقض البيع بالرد بخيار الشرط ثم مات وإن مات بعد ما قبضه المشتري قبل أن يحل الدين فقد حل عليه بموته لأن الأجل حق العبد وقد استغنى عنه بموته ووجوب الدين كان في ذمته وقد خرجت ذمته من أن تكون محلا صالحا لوجوب الدين فيه فهو وموت الحر سواء وعلى المولى قيمته إلى أجل الدين لأن الأجل كان ثابتا في حق المولى ولم يقع له فيه الاستغناء عنه وهو بمنزلة الكفيل فيما لزمه من القيمة والدين المؤجل إذا حل على الأصيل بموته يبقى الأجل في حق الكفيل.
وكذلك لو أعتقه المولى ثم مات العبد حل عليه ولم يوجد المولى القيمة إلا إلى الأجل في حق المولى لحاجته إلى ذلك وقيام ذمته محلا صالحا لوجوب الحق فيها.
ولو كان الدين على العبد ألفي درهم ألف حالة وألف إلى أجل فباعه المولى أو وهبه وسلمه فلصاحب الدين الحال أن ينقضه إلا أن يقضي المولى دينه لأن الدين المؤجل في حكم نقض تصرف المولى كالمعدوم وقيام صاحب الدين الحال كاف في نقض تصرف المولى فإن قضاه جاز ما صنع المولى من ذلك به لأنه وصل إليه جميع حقه ولا سبيل لصاحب الدين المؤجل على العبد في الحال فينفذ تصرفه فيه فإذا حل الدين الآخر لم يشارك الأقل فيما أخذ من المولى لأن أصل الدين لم يكن مشتركا بينهما والمقبوض من محل لا شركة بينهما فيه وهو ملك المولى ولكنه يتبع المولى بالأقل من دينه ومن جميع قيمته لأن حق الآخر سقط بوصول دينه إليه وكان المولى متطوعا فيما قضاه كأجنبي آخر وصار كأن لم يكن عليه إلا الدين المؤجل فباعه المولى.
ألا ترى أنه لو لم يبعه حتى حل الدين فإن العبد كله يباع للغريم الآخر في دينه إلا أن يفديه المولى فكذلك إذا باعه كان ضامنا بجميع قيمته إلا أن يكون الدين أقل منه.
ولو لم يقض المولى صاحب الدين الحال حقه فنقض البيع وطلب من القاضي ببيعه فإن القاضي يبيعه بمطالبته ثم يدفع إليه نصف الثمن لأن ببيع القاضي يتحول حق الغرماء إلى العبد من الثمن وأصل الاستحقاق لصاحب الدين المؤجل ثابت وإن كانت المطالبة متأخرة إلى حلول الأجل واستحقاق الثمن بثبوت حقه من الدين في ذمته فكان ذلك بائعا سلامة جميع الثمن لصاحب الدين الحال فيدفع إليه نصف الثمن ويدفع النصف إلى المولى لأنه حق صاحب الدين المؤجل ولكن مطالبته به تتأخر إلى حلول الدين.
ألا ترى أن قبل حلول المال لم يكن له سبيل على رقبته وكسبه فكذلك على بدل الرقبة وإذا لم يكن له سبيل كان المولى أحق به لأنه بدل ملكه وعلى قول زفر رحمه الله لا يتبع القاضي بحل الدين الآخر على العبد ويكون الثمن بينهما نصفين لأن الدين يتحول ببيع القاضي إلى الثمن والثمن عين لا يقبل الأجل فهو بمنزلة موت الحر ولكنا نقول الدين باق في ذمة العبد حتى إذا عتق كان للغريم أن يطالبه بجميع الدين إن شاء فيبقى الدين ببقاء الأجل

 

ج / 25 ص -127-    في ذمته فإذا حل الدين الآخر أعطاه المولى ما في يده وإن هلك ذلك في يد المولى فلا ضمان عليه لأن حكم البدل حكم المبدل.
ولو هلك العبد في يد المولى لم يكن على المولى فيه ضمان ويتبع صاحب الدين الغريم الأول فيأخذ منه نصف ما أخذه لأن ثمن العبد كان مشتركا بينهما فإنما يسلم له المقبوض بشرط سلامة الباقي للغريم الآخر ولم يسلم له ذلك فلهذا يأخذ منه نصف ما أخذ فإن لم يهلك ذلك ولكن هذا الغريم أبرأ من دينه أو وهبه فإن الأول يأخذ هذه الخمسمائة من المولى لتمام حقه لأنه كان مستحقا لجميع العين بدينه وإنما امتنع سلامة النصف له لمزاحمة الآخر وقد زالت مزاحمته بالإبراء ولأن نصف دين الأول باق على العبد فلا يجوز أن يسلم للمولى شيء من ثمن العبد مع قيام الدين عليه ولو لم يبرئه ولكن المولى نقد غريما له تلك الخمسمائة التي في يده فهو جائز لأنها مملوكة له وتصرفه فيها قبل حل الأجل كتصرفه في الرقبة فلا يمتنع نفوذه لحق صاحب الدين المؤجل ولكن إذا حل دينه ضمن المولى له تلك الخمسمائة لأنه فوت عليه محل حقه بتصرفه فإن تويت عليه رجع على الأول فيما قبض فيشاركه فيه ثم رجعا على الغريم الذي قضاه المولى بالخمسمائة التي اقتضاها لأنه حين رجع على الأول بنصف ما قبض ثبت للأول حق الرجوع في نصف ما بقي في يد المولى ونقض تصرف المولى فيه ثم يشارك فيه الغريم الآخر فلا يزال هكذا حتى يأتي على جميعه فلهذا كان لهما حق نقض تصرف المولى والرجوع على القابض بالخمسمائة التي قبضها من المولى.
ولو لم يبع القاضي العبد للغريم ولكن المولى باعه برضى صاحب الدين الحال فبيعه جائز لأن الراضي مسقط حقه في إبطال البيع ولا حق لصاحب الدين المؤجل في إبطال البيع ثم يعطي نصف الثمن صاحب الدين الحال ويسلم للمولى نصف الثمن فإذا حل الدين الآخر أخذ صاحبه من المولى نصف القيمة ولا سبيل له على الثمن لأن المولى مفوت عليه محل حقه وليس بمحول حقه إلى الثمن إذ ليس له ولاية تحويل حقه من محل إلى محل بخلاف الأول فهناك إنما باعه القاضي وللقاضي ولاية تحويل الحق من الرقبة إلى الثمن فلهذا كان المولى ضامنا نصف القيمة للثاني ها هنا وما قبض من نصف الثمن فهو مال سالم له فإن توى ما على المولى من نصف القيمة لم يرجع على الذي أخذ نصف الثمن بشيء لأن أصل الثمن ها هنا ما كان مشتركا بينهما ولا شركة بينهما في أصل الدين.
فإن قيل: لماذا لا يأخذ الأول جميع الثمن من المولى لما لم يكن للثاني شركة من الأول في الثمن.
قلنا: لأن المولى ضامن للثاني نصف القيمة ولا بد من أن يسلم ما هو عوض من ذلك النصف من الثمن للمولى فلهذا يعطي للأول نصف الثمن ولا يضمن للثاني إلا نصف القيمة لأن الأول استحق عليه نصف بدل المالية فمنع ذلك ثبوت حق الثاني في تضمين المولى جميع القيمة.

 

ج / 25 ص -128-    وإن كان على المأذون ديون إلى آجال مختلفة فباعه المولى قبل أن يحل شيء منها ثم حل الدين الأول فإن قيمة العبد تقسم على الدين ما حل منه وما لم يحل فما أصاب الذي حل منها من القيمة أخذه
وكذلك كل من حل دينه من غرمائه لما بينا أن المولى ضامن قيمته بتفويته محل حق الغرماء ولكل واحد منهم حصته من ذلك ولكن لا يطالبه به إلا بعد حل دينه فإن كان الدين ثلاثة آلاف فحل ألف منها فطلب صاحبها من القاضي بيع العبد فإنه يبيعه ويعطيه ثلث ثمنه ويضع الثلثين الذي هو حق الآخرين في يد المولى حتى يحل دينهما فإذا حل دين آخر أعطى صاحبه حصته من ذلك وذلك ثلث الثمن فإذا حل الثالث أعطاه الثلث الباقي فإن توى الثلث الباقي على المولى رجع الثالث على الأولين فيأخذ منهما ثلث ما في أيديهما لأن الثمن كان مشتركا بينهم أثلاثا حين كان البيع من القاضي وكان شرط سلامة الثلثين للأولين أن يسلم الثلث للثالث فإذا لم يسلم كان التاوي من حقوقهم والباقي مقسوم بينهم على قدر حقهم فرجع على الأولين بثلث ما في أيديهما ليسوي بينهما في ثمنه فإن لقي أحدهما أخذ منه نصف ما في يده لأن حقهما في الثمن سواء ثم يرجعان جميعا على الآخر بثلث ما في يده فيقتسمانه نصفين ليسلم لكل واحد منهما ثلث الثلثين ويستووا في الضرر الحاصل بالتوى فإن لقي أحدهما الآخر وحده أخذ منه ربع ما في يده لأن الباقي في يده نصف الثلث وفي يد من لقيه نصف الثلث وفي يد من لقيه الثلث فيضم ما في يده إلى ما في يد صاحبه ويقتسمان ذلك نصفين ليستويا وإذا فعل ذلك أخذا منه ربع ما في يده حتى يكون الباقي في يده ثلاثة أرباع الثلث وفي يد هذا الآخر ثلاثة أرباع الثلث أيضا فإن لقيهما بعد ذلك الآخر أخذ منهما تسع ما في أيديهما لأن المساواة بينهم بذلك تحصل.
وإذا أردت معرفة ذلك جعلت الثمن كله على اثني عشر فسهام الثلثين ثابتة بينهم أثلاثا لكل واحد منهم سهمان وثلثا سهم والذي في يد هذا الذي لقيهما نصف الثلث سهمان وفي يد الآخر ستة فيأخذ منهما ثلثي سهم وثلثا سهم من ستة يكون تسعها فيحصل له سهمان وثلثا سهم وبقي في يد كل واحد منهما سهمان وثلثا سهم.
وإذا قال المأذون بأمر مولاه ولا دين عليه لرجل إن مات فلان ولم يعطك ألفك التي عليه فأنا ضامن لها حتى أدفعها إليك ثم لحق العبد دين ألف درهم فباعه القاضي في دينهم بألف فإنه يدفعها كلها إلى الغريم لأنه لا مزاحم له في الثمن فإن المزاحمة باعتبار وجوب الدين على العبد ولم يجب للمكفول له شيء بعد وجود سببه قبل شرطه وبه فارق الدين المؤجل وتأثير الأجل في المنع في المطالبة لا في نفي أصل الوجوب والمتعلق بالشرط لا يكون موجودا قبل الشرط فإذا دفع الثمن إلى الغريم استوثق منه بكفيل لأن حق المكفول له بعرض اللزوم فإن سببه وهو الكفالة مقرر فلتقرر السبب يجب النظر له بالاستيثاق فإذا لزم العبد ضمان ما كفل به أخذ المكفول من الغريم نصف الثمن الذي أخذه لأن الوجوب إذا ثبت عند وجود شرطه فإنما يحال به على سببه وهو الكفالة ولهذا لو كانت الكفالة في الصحة كان

 

ج / 25 ص -129-    هذا من جملة ديون الصحة بقدره وهو أن حق المكفول له أخذ سببها من الدين الحادث بعد البيع باعتبار أن الوجوب يكون عند وجود الشرط ومن الدين المؤجل باعتبار أن السبب كان متقررا قبل وجود الشرط فيتوفر حظه عليهما فيقول لشبهه بالدين الحال يدفع الثمن كله إلى الغريم الأول قبل أن يجب دين الكفالة بالدين ولشبهه بالدين المؤجل قلنا: إذا تحقق لزوم دين الكفالة رجع المكفول له على الغريم بنصف الثمن الذي أخذه.
وإذا كان على المأذون دين حال فوهبه مولاه لرجل وسلمه إليه فالهبة باطلة إلا أن يجيزها الغرماء لأنهم أحق بمالية العبد من المولى وفي الهبة تفويت محل حقهم فلا ينفذ إلا بإجازتهم فإن أجازوها بطل دينهم لا على معنى أنه سقط عن ذمة العبد ولكن على معنى أنه لا شيء لهم على المولى ولا على العبد حتى يعتق لأنهم رضوا بصنع المولى والملك للموهوب له حادث بعد الدين فلا يستحق بذلك الدين ولكن يتأخر حقهم في المطالبة إلى ما بعد العتق لانعدام محل الاستيفاء فإذا عتق اتبعوه بجميع دينهم.
ولو كان الدين كله إلى أجل جازت الهبة لأنه لا حق للغرماء في المطالبة بشيء قبل حلول الأجل فينفذ تصرف المولى باعتبار ملكه وللغرماء على المولى قيمته إذا حل دينهم لأنه فوت عليهم محل حقهم بتصرفه
فإذا أخذوا القيمة منه أو قضى بها القاضي عليه ثم رجع في هبته فلا سبيل لهم على العبد لأن حقهم تحول إلى القيمة بقضاء القاضي وقد كان السبب قائما عند القضاء فلا يتحول إلى العبد بعد ذلك وإن عاد إليه قديم ملكه بالرجوع في الهبة فإن أذن له المولى بعد ذلك في التجارة فلحقه دين بيع في الدين الآخر خاصة لوجود الرضا من المولى بتعلق هذا الدين بمالية رقبته ولا سبيل للأولين على هذا الثمن لأن حقهم تحول إلى القيمة دينا في ذمة المولى فكما لا سبيل للآخرين على القيمة إذا أخذها الأولون فكذلك لا سبيل للأولين على الثمن.
وإن مات المولى قبل أن يباع ولا مال له غيره بيع فبدئ بدين الآخرين لأن حق الأولين أيضا في ذمة العبد حتى يتبعوه بعد العتق لانا بينا أن حقهم تحول إلى القيمة فلا يبقى على العبد في حال رقه فإن بقي من ثمنه شيء بعد قضاء دين الآخرين كان للأولين باعتبار أنه ملك المولى ودينه بعد موته يقضي من ملكه فإن كان على المولى دين سوى ذلك اقتسم هذا الباقي الأولون وأصحاب دين المولى تصرف فيه أصحاب دين المولى بديونهم الأولون بقيمة العبد لأن حقهم في ذمة المولى بقدر قيمة العبد.
وإذا كان على المأذون ألف درهم حالة وألف درهم إلى أجل فوهبه مولاه لرجل وسلمه فلصاحب الدين الحال أن يرد الهبة لأن توجه المطالبة له علة تامة تمنع نفوذ تصرف المولى فإن أجازها جازت لوجود الرضا منه ولا سبيل لصاحب الدين على العبد حتى يحل دينه.
ألا ترى أنه لو لم يكن سوى دينه على العبد كانت الهبة صحيحة فإن حل دين الآخر ضمن المولى قدر القيمة له حتى يستوفي دينه ولا شيء منه للغريم الأول لأن الأول بإجازة

 

ج / 25 ص -130-    الهبة أبطل حقه في حال رق العبد فهو بمنزلة ما لو أبرأه عن دينه وقد فوت المولى على الآخر محل حقه فيضمن له جميع القيمة.
ولو أن صاحب الدين الحال لم يجز الهبة ولم يقدر على العبد فله أن يضمن المولى نصف قيمته لأن الدين المؤجل ثابت عليه وإن كانت المطالبة به متأخرة والقيمة عند تعذر الوصول إلى العبد كالثمن عند بيع القاضي إياه وقد بينا هناك أنه لا يسلم لصاحب الدين الحال إلا حصته من الثمن فها هنا أيضا لا يسلم لصاحب الدين الحال إلا حصته من القيمة وذلك النصف فإن ضمنه ثم حضر العبد فالهبة جائزة لأن حقه سقط عن العبد بوصول حصته من الضمان إليه والدين الآخر مؤجل لا يمنع الهبة فإذا حل دين الآخر كان له أن يتبع المولى بنصف القيمة لأنه فوت محل حقه بتصرفه فإن شارك الأول فيما أخذ لأن القيمة وجبت لهما في ذمة المولى مشتركة بسبب واحد وإنما يسلم المقبوض للأول بشرط أن يسلم النصف الباقي للآخر فإذا لم يسلم كان له أن يشارك الأول فيما أخذ ثم يتبعان المولى بنصف القيمة لأن المقبوض لما صار مشتركا بينهما كان الباقي مشتركا أيضا.
ولو لم يحل الدين الثاني حتى رجع المولى في هبته ثم حل كان لصاحبه أن يتبع نصف العبد بدينه حتى يباع له لأن تحول حقه إلى نصف القيمة لا يتم إلا بالقبض أو بقضاء القاضي له بها ولم يوجد فقد عاد العبد بالرجوع إلى قديم ملك المولى فكان له أن يطالب ببيع حصته منه في الدين وذلك نصفه وإن شاء شارك الأول فيما أخذ لما بينا أن وجوب القيمة لهما بسبب واحد فهو بمنزلة العبد المشترك إذا غصبه غاصب فأبق ثم إن كان أحدهما خاصم الغاصب وضمنه نصف القيمة ثم رجع العبد كان للآخر الخيار إن شاء أخذ نصف العبد وإن شاء شارك الأول فيما أخذ من نصف القيمة فإن شاركه في ذلك يباع نصف العبد في دينهما لأن المقبوض لما صار مشتركا بينهما كان الباقي كذلك فيباع نصفه في دينهما لأن في هذا النصف الحق باق في العبد وإن كان العبد اعورا في يد الموهوب له قبل أن يرجع فيه الواهب ضمن المولى ربع قيمته وبيع نصفه في دينه لأن العين من الآدمي نصفه.
ولو عاد الكل إليه بالرجوع في الهبة كان يباع نصفه في الدين ولو هلك الكل في يد الموهوب له كان المولى ضامنا نصف قيمته فالجزء يعتبر بالكل ولفوات النصف ضمن المولى ربع قيمته وبعود النصف إلى قديم ملكه بالرجوع يباع نصفه في دينه ولو اعورا بعد ما رجع إلى المولى لم يضمن من عوره شيئا لأنه لو هلك العبد بعد الرجوع في الهبة لم يضمن شيئا فإنه بالرجوع عاد إلى قديم ملكه فعوره في هذه الحالة كهلاكه قبل الهبة فكذلك إذا اعور قلنا: لا يضمن المولى شيئا ولكن يباع نصفه أعور في دينه.
وإذا كفل المأذون عن رجل بألف درهم بأمر مولاه ولا دين عليهم باعه المولى للمكفول له أن ينقض البيع لأنه صار أحق بماليته من المولى.

 

ج / 25 ص -131-    ألا ترى أنه يطالبه بقضاء دين الكفالة ويباع له فيه كما يباع في سائر ديونه ولو كانت الكفالة بنفس رجل لم يكن للمكفول له أن ينقض البيع لأنه صار أحق بماليته بهذه الكفالة.
ألا ترى أنه لا يطالب ببيعه في هذه الكفالة فكانت المالية خالص حق المولى فلهذا نفذ بيعه وهذا لأن صاحب الدين إنما ينقض بيع المولى ليستسعيه في دينه ولا حق لصاحب الكفالة بالنفس في استسعائه في شيء ولكن يبيع العبد بكفالته حيث كان لأنه استحق عليه المطالبة بتسليم النفس فلا يسقط ذلك ببيع المولى إياه وهذا عيب فيه للمشتري أن يرده به إن شاء لأنه يحبس به ويؤمر بطلب المكفول بنفسه ليسلمه وفيه حيلولة بين المشتري وبين مقصوده من الخدمة فيثبت له حق الرد لأجله كما يثبت له حق رد الجارية بعيب النكاح إن شاء فإن كانت الكفالة على أنه كفيل بنفس المطلوب إن لم يعط المطلوب ما عليه إلى كذا وكذا لم يكن للمشتري أن يرده بعيب هذه الكفالة قبل وجود الشرط لأنه لا مطالبة بشيء على العبد في الحال فالتزام تسلم النفس منه كان معلقا بالشرط والمعلق بالشرط معدوم قبله فإذا وجب على العبد لوجود شرطه رده المشتري إن لم يكن علم بها حين اشتراه لأن الحيلولة وقعت بينه وبين الخدمة بسبب كان سابقا على بيعه فإن ثبوت الحكم عند وجود الشرط يكون محالا به على السبب وإن كان علم بها حين اشتراه فليس له أن يرده بهذا العيب أبدا لأن تمكنه من الرد بالعيب لدفع ضرر لم يرض بالتزامه.
قال: والحكم في بيع المولى شيئا من رقيق المأذون أو هبته وعليه دين حال أو مؤجل على ما وصفنا في المأذون بنفسه لأن مطالبة صاحب الدين بإيفاء الدين من الكسب والرقبة فكما أن في الرقبة إذا انعدمت المطالبة للتأجيل في الدين جعل في حق تصرف المولى كأنه لا دين عليه فكذلك في تصرفه في كسبه بالبيع والهبة في حكم النفوذ وحكم تضمين المولى عند حل الدين وفي الأصل إشارة إلى مخالف له في هذا الجواب.
واستشهد عليه بشواهد قال أرأيت لو أعتق رقيق العبد قبل أن يحل دين العبد لم يجز عتقه في قول أبي حنيفة رحمه الله ينبغي لمن زعم أن البيع لا يجوز أن لا يجوز عتقه في الرقيق بمنزلة ما لو كان الدين حالا وكان محيطا برقبته وما في يده.
أرأيت لو أن المولى لو حجر عليه والدين عليه مؤجل لم يكن له أن يبيع الرقيق فإذا لم يكن له أن يبيعهم فمن ذا الذي ينفق عليهم فبيع المولى في هذا كله جائز وهو ضامن للقيمة إذا حل الدين وقيل المخالف أبو يوسف رحمه الله فقد روي عنه أنه لا يجوز بيع المولى كسب العبد وإن كان الدين مؤجلا عليه لأن بالتأجيل لا ينعدم وجوب أصل الدين وحاجة المأذون إلى قضائه وحاجته في كسبه مقدمة على حق المولى
فكان المولى ممنوعا من إثبات يده عليه ولا يجوز بيعه ولا هبته فيه ويجوز العتق لأن تقرر العتق لا يستدعي اليد فأما إذا كان الدين حالا على العبد فإن لم يكن محيطا بكسبه ورقبته لا يمنع نفوذ عتق المولى في رقبته لأن المولى يخلف عبده في كسبه خلافة الوارث المورث والدين على المورث إذا لم

 

ج / 25 ص -132-    يكن محيطا بالتركة لا يمنع ملك الوارث في التركة ونفوذ عتقه في قول أبي حنيفة رحمه الله الأخير وفي قوله الأول يمنع ذلك وقد بينا هذا في أول الزيادات فكذلك الدين على العبد فأما إذا كان الدين محيطا بكسبه ورقبته فعلى قول أبي حنيفة رحمه الله المولى لا يملك شيئا من كسبه.
ولو أعتقه لا ينفذ عتقه في كسبه وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله المولى يملك كسبه حتى ينفذ عتقه في رقبته كما يملك عتقه لأن الكسب بمنزلة الرقبة من حيث أن حق الغريم فيه مقدم على حق المولى وأنه لا يسلم للمولى إلا بشرط الفراغ من دين العبد فكما أن قيام الدين عليه لا ينافي ملك المولى في رقبته فكذلك لا ينافي ملكه في كسبه وهذا لأن الكسب يملك بملك الرقبة وله ملك مطلق في رقبته فيملك كسبه وهذا بخلاف المكاتب فرقبته مملوكة للمولى من وجه دون وجه لأنه بعقد الكتابة صار بمنزلة الحريدا وقد ملك بدل الرقبة وهو دين الكتابة من وجه فكذلك يمنع بقاء ملكه في رقبته من هذا الوجه فلهذا لا يكون مالكا كسبه فأما رقبة العبد بعد لحوق الدين إياه فمملوكة للمولى من كل وجه.
ألا ترى أنه يملك استخلاصه لنفسه بقضاء الدين من موضع آخر ولا يملك إبطال حق المكاتب بفسخ الكتابة وهذا بخلاف الدين في التركة وذلك لأن الوارث إنما يملك الفاضل عن حاجة الميت.
ألا ترى أن المشغول بالجهاز والكفن لا يكون مملوكا للوارث فكذلك المشغول بالدين وها هنا ملك المولى كسب العبد لا يتعلق بفراغه من حاجة العبد وإن كانت سلامته له تتعلق بذلك.
ألا ترى أن حاجته إلى النفقة والكسوة لا يمنع ملك المولى في كسبه فكذلك حاجته إلى الدين ولأن الشرع جعل الميراث بعد الدين فحال قيام الدين كحال حياة المورث في أنه لا يكون أو أن الميراث والحكم لا يسبق أوانه فأما خلافة المولى عبده في ملك الكسب واعتبار الرق ينافي الأهلية لملك المال والكسب موجب الملك في المكسوب فإذا لم يكن المكتسب من أهله وقع الملك لمن يخلفه وهذا المعنى قائم حال قيام الدين عليه وأبو حنيفة رحمه الله يقول المولى يخلف عبده في ملك الكسب خلاف الوارث المورث على معنى أنه يملكه بإكسابه وسلامته له متعلقة بفراغه عن حاجة العبد فكما أن الدين المحيط بالتركة يمنع ملك الوارث في التركة فكذلك الدين المحيط بالكسب والرقبة يمنع ملك المولى وهذا لأن الخلافة في الموضعين جميعا باعتبار انعدام الأهلية للملك في المكتسب فالميت ليس بأهل للمالكية كالرقيق لأن المالكية عبارة عن القدرة والاستيلاء والموت ينافي ذلك كالرق بل أظهر فالرق ينافي مالكية المال دون النكاح والموت ينافيهما جميعا.
ثم لقيام حاجة الميت إلى قضاء ديونه يجعل كالمالك حكما حتى لا يملك الوارث كسبه فكذلك العبد لقيام حاجته يجعل كالمالك حكما وهذه الحاجة ليست كالحاجة إلى

 

ج / 25 ص -133-    الطعام والكسوة فإن الرقيق لا يحتاج إلى ذلك لأنه يستوجب النفقة على المولى إذا لم يكن له كسب وليس الكسب نظير الرقبة لأن المولى ليس يخلفه في ملك الرقبة بل كان مالكا للرقبة لا بالاكتساب من العبد فبقي ملكه في الرقبة بعد لحوق الدين وهو نظير المكاتب فالمولى مالك رقبته حتى ينفذ منه العتق في رقبته وتؤدي به كفارته وبه يتبين أن ملكه في الرقبة مطلق ومع ذلك لقيام حاجته لا يملك المولى كسبه فكذلك في العبد المديون لا يملك كسبه وإن كان يملك رقبته ولا عتق فيما لا يملك ابن آدم.
وإذا أقر العبد المحجور عليه باستهلاك ألف درهم لرجل لم يؤخذ به حتى يعتق فإذا عتق أخذ بذلك لأنه محجور عن الإقرار لحق المولى فبإقراره لا يظهر وجوب الدين في حق المولى ولكن يظهر في حق العبد لأنه مخاطب لا تهمة في إقراره في حقه فيؤاخذ به بعد العتق وإن ضمن عنه رجل هذا الدين قبل أن يعتق أخذ به الكفيل حالا لأن أصل الدين واجب على العبد وإنما تأخرت المطالبة في حقه لانعدام المحل فإذا ضمنه عنه رجل فقد ضمن دينا واجبا فيؤاخذ به في الحال بمنزلة الدين على مفلس إذا ضمنه عنه إنسان أخذ به في الحال لهذا المعنى فإذا اشتراه صاحب الدين فأعتقه أو أمسكه بطل دينه عن العبد لأن المولى لا يستوجب على عبده دينا ولكنه يأخذ الكفيل بالأقل من الثمن ومما ضمنه لأن الدين لو كان معروفا على العبد تحول بالبيع إلى الثمن سواء بيع من صاحب الدين أو من أجنبي وهذا الدين بمنزلة المعروف في حق الكفيل فيحول إلى الثمن لأنه إنما يتحول إلى الثمن بقدر ما يسع من الثمن لقضاء الدين منه فبقدر ذلك يكون الكفيل مطالبا وما زاد على ذلك سقط عن الكفيل بسقوطه عن الأصيل من كل وجه.
ولو لم يشتره ولكن صاحبه وهبه منه وسلمه إليه بطل دينه عن العبد وعن الكفيل لأن الدين ها هنا سقط عن الأصيل والمولى لا يستوجب على عبده دينا ولم يخلف العبد محلا آخر يمكن تحويل الدين إليه وبراءة الأصيل بأي سبب كان توجب براءة الكفيل فإن رجع في هبته لم يعد الدين أبدا وهذا قول محمد رحمه الله وعند أبي يوسف رحمه الله يعود الدين برجوعه في الهبة وأصل الخلاف في الدين المعروف على العبد ولم يذكر قول أبي يوسف ها هنا إنما ذكره في أول الزيادات وجه قول محمد رحمه الله أن الدين بالهبة سقط عن العبد لا إلى بدل فكان كالساقط عنه بالإبراء وبعد الإبراء لا يتصور عود الدين إذا تم السقوط بالقبول وهذا لأن الساقط يكون متلاشيا والعود يتصور في القائم دون المتلاشي بخلاف ما إذا اشترى بالدين شيئا أو صالح على عين فهلك قبل القبض لأن الدين هناك لم يسقط وإنما تحولت المطالبة إلى المشتري وإلى ما وقع عليه الصلح وكذلك الحوالة فإن الدين لا يسقط بها ولكن يتحول إلى ذمة المحتال عليه ثم يعود بالتوي إلى المحيل وأبو يوسف رحمه الله يقول بالرجوع في الهبة بفسخ العقد من الأصل وتعود العين إلى قديم ملكه وسقوط الدين كان بحكم الهبة فإذا انفسخ عاد الدين كما إذا سقط الدين بالشراء أو

 

ج / 25 ص -134-    الصلح بخلاف الإبراء فالسبب هناك غير محتمل للفسخ بعد تمامه والدليل عليه أن الدين لو كان لصبي فوهبه صاحب الدين منه وقبضه هو أو وصيه سقط الدين.
ثم إذا رجع الواهب لو قلنا: بأنه لا يعود الدين كان فيه إلحاق الضرر بالصبي وإسقاط دينه مجانا وذلك مملوك للصبي فلا بد من القول بعود الدين لدفع الضرر.
وقد روى ابن سماعة عن محمد والحسن عن أبي حنيفة رضي الله عنهم أنه ليس للواهب أن يرجع في الهبة بعد سقوط الدين لأن ذلك في معنى زيادة حادثة في ملك الموهوب له والزيادة المتصلة تمنع الواهب من الرجوع ولكن في ظاهر الرواية هذه زيادة لا تغير صفة العين فتكون كزيادة السعر فلا يمنع الواهب من الرجوع.
ألا ترى أن المشتري إذا أقر على العبد بالدين قبل القبض لم يصر قابضا وإن كان الدين عينا والمشتري بالتعيب يصير قابضا ولكن هذا التعييب لما لم يؤثر في العين لم يجعل به قابضا فهذا مثله وقد أملينا في أول شرح الزيادات هذه الفصول بفروعها.
ولو كان الدين على العبد لشريكين وبعضه حال وبعضه مؤجل فوهبه المولى لأحدهما وسلمه إليه فلشريكه أن ينقض الهبة لمكان حقه في المطالبة بالدين الحال كما لو وهبه لأجنبي آخر فإن نقضها بيع العبد فاستوفى الهبة حقه من الثمن وما بقي فهو للمولى ولا شيء للموهوب له على المولى ولا على العبد ولا على الشريك لأن الموهوب له حين قبض العبد بحكم الهبة فقد ملكه وإن كان النقض مستحقا لحق الآخر كالمريض إذا وهب عبده وسلمه صار ملكا للموهوب له وإذا ملكه سقط دينه ولا يعود بعد ذلك إذن فعلى قول أبي يوسف إذا نقض الآخر الهبة عاد الدين كله إلى العبد كما في الأول.
ولو باعه المولى من أحدهما بألف درهم وقيمته ألفا درهم فأبطل الآخر البيع بعد القبض أو قبله بيع لهما فاقتسما ثمنه ولم يبطل من دين المشتري شيء لأن بالبيع تحول حقه إلى الثمن كما لو باعه من أجنبي آخر لا يسقط به دينه ولكن يتحول إلى الثمن بخلاف الهبة فلهذا يباع العبد ها هنا في دينهما بعد نقض البيع
وإذا كان على المأذون دين مؤجل فباعه المولى من صاحب الدين بأقل من قيمته أو بأكثر فالثمن للمولى وهو أحق به حتى يحل الدين فيدفع الثمن إلى الغريم وفي قياس قول زفر رحمه الله يحل عليه الدين بالبيع فيكون الثمن للغريم وقد بينا هذا في البيع من أجنبي آخر إذا كان القاضي هو الذي باشره حتى يحول به الدين إلى الثمن وكذلك إذا باعه المولى من صاحب الدين لأنه في البيع من صاحب الدين لا يكون جانيا في حقه ضامنا له شيئا.
فإن توى الثمن في يد المولى لم يكن للغريم على المولى سبيل لأنه في البيع وقبض الثمن منه لم يكن جانيا في حق الغريم فهلاك الثمن في يده كهلاك العبد قبل البيع وإن كان على العبد دين لآخر مثل دين المشتري فحل ضمن نصف القيمة لصاحب الدين الذي لم يشتر العبد لأنه في حقه جان بتفويت محل حقه بالبيع فيضمن له نصف القيمة ثم يسلم له ذلك

 

ج / 25 ص -135-    ولا يشاركه المشتري فيه كان شريكا في الدين الذي على العبد أو لم يكن شريكا لأن وجوب ضمان القيمة على المولى باعتبار جنايته وهو غير جان في حق المشتري حين ساعده على الشراء منه فلا يثبت له حق في قيمته.
ولو شارك الآخر فيما قبض من القيمة لم يسلم له ولكن يأخذه المولى منه ثم يأتي الشريك الآخر فيأخذ ذلك من المولى فعرفنا أنه لا فائدة في إثبات المشاركة له في المقبوض.
ولو أمر المولى عبده المأذون فكفل لرجل بألف درهم عن رجل على أن الغريم إن مات ولم يدفع المال إلى رب المال فالعبد ضامن للمال فهو جائز لأن كفالته بإذن المولى إذا لم يكن عليه دين ككفالة الحر فإن باعه المولى من رب المال بألف أو بأقل فبيعه جائز ويقبض الثمن فيصنع به ما بدا له لأن وجوب دين الكفالة متعلق بالشرط فلا يكون ثابتا قبله فإن مات المكفول عنه قبل أن يؤدي المال كان للذي اشترى العبد من المولى أن يرجع بالثمن على المولى فيأخذه منه قضاء من دينه لأن عند وجود الشرط يثبت المال على العبد مضافا إلى سببه ويكون هذا في معنى الدين المؤجل فيتحول إلى الثمن ببيعه إياه من الطالب
وإن كان الثمن هلك من المولى لم يضمن المولى شيئا لأنه غير جان في حق المكفول له حين اشترى منه العبد فإقدامه على الشراء يكون رضا ببيعه لا محالة وإن هلك بعضه أخذ الباقي بدينه والهالك صار كأن لم يكن.
فإن هلك الثمن من المولى ثم وجد المشتري بالعبد عيبا رده إن شاء ولم يكن له من الثمن شيء على المولى لأن المولى كان عاملا له في بيعه وقبض ثمنه.
ألا ترى أن حقه تحول إلى الثمن وكان هو أحق به عند وجوب دينه على العبد بوجود شرطه فلو رجع على المولى بشيء كان للمولى أن يرجع عليه بذلك أيضا وهذا لا يكون مفسدا ولكن يباع له العبد المردود حتى يستوفي من ثمنه الثمن الذي نقد البائع فإن فضل شيء أخذ هذا الفضل من دينه الأول وإن نقص الآخر عن الثمن الأول لم يكن له على البائع شيء من النقصان لما بينا والله أعلم.

باب توكيل العبد المأذون في الخصومة وغيرها
قال رحمه الله: توكيل المأذون بالخصومة له وعنه جائز مثل الحر لأنه من صنيع التجار ومما لا يجد التاجر منه بدا وانفكاك الحجر فيه بالإذن كانفكاك الحجر عنه بالعتق فكل ما يصح منه من هذا الباب بعد العتق فهو صحيح بعد الإذن وكذلك إن كان الوكيل مولاه أو بعض غرمائه أو ابنه أو ابن المدعي أو مكاتبه أو عبدا مأذونا له لأنه صالح للنيابة عنه في تجاراته واستيفاء حقوقه فيصلح نائبا عنه في المطالبة بحقوقه والخصومة فيها وإقرار وكيله عليه عند القاضي جائز وإن أنكر مولاه أو غرماؤه لأن الوكيل فيما هو من جواب الخصم قائم مقام الموكل كما في الحر وقد بينا اختلاف العلماء فيه في كتاب الوكالة فإقرار وكيل

 

ج / 25 ص -136-    العبد ههنا في مجلس القاضي كإقرار العبد وإقرار العبد صحيح وإن كذبه مولاه وغرماؤه فكذلك إقرار وكيله.
وإن أقر عند غير القاضي فقدمه خصمه إلى القاضي وادعى إقراره عند غيره سأله عن ذلك فإن أقر له بذلك قبل أن يتقدم إليه ألزمه ذلك لأن كلامه هذا إقرار مستأنف منه في مجلس القاضي مع حكايته ما كان منه من الإقرار في غير مجلسه فإقراره المستأنف ملزم لموكله وما كان منه من الحكاية ساقط الاعتبار.
وإن قال: أقررت به قبل أن توكلني وقال الخصم أقر به في الوكالة ألزمه القاضي ذلك باعتبار أنه إقرار مستأنف منه وسواء كان إقراره السابق قبل التوكيل أو بعده فإنما يلزمه باعتبار إقراره المستأنف في مجلسه ثم يدعي هو تاريخا سابقا في إقراره حين أسنده إلى ما قبل التوكيل وخصمه ينكر هذا التاريخ وحقيقة المعنى فيه أنه ينكر صحة التوكيل لأنه حين كان مقرى قبل التوكيل لا يصلح نائبا في الخصومة في هذه الحالة وقبوله الوكالة إقرار منه بصحتها فإذا ادعى بعد ذلك أنها لم تكن صحيحة كان مناقضا وإن صدقه خصمه في أنه أقر قبل الوكالة أخرجه القاضي من الوكالة ولم يقض بذلك الإقرار على الموكل لأن المناقض إذا صدقه خصمه كان قوله مقبولا منه وقد تصادقا على أنه لم يصر وكيلا وإنشاء الإقرار في مجلس القاضي ممن هو وكيل يكون ملزما للموكل وإذا تصادقا أنه لم يصر وكيلا لا يقضي القاضي على الموكل بإقراره بشيء وإن كان كلامه إنشاء الإقرار.
ولو جحد الوكيل الإقرار لم يستحلف عليه لأن الخصم لا يدعي لنفسه بهذا الإقرار شيئا على الوكيل إنما يزعم أنه ليس بخصم له لأنه أقر في غير مجلسه وكيف يستحلفه وهو يزعم أنه ليس بخصم له فإن أقام الخصم البينة على إقراره قبل الوكالة أو بعد ما أخرجه القاضي عن الوكالة لم يجز إقراره على موكله لأنه يثبت إقرار من ليس بوكيل وهو بهذه البينة ثبت أنه ليس بخصم له وإن له المطالبة بإحضار الوكيل للخصومة معه فتقبل بينته عليه فيكون الثابت بالبينة كالثابت بالمعاينة وإنما لا يستحلف على ذلك لأنه لو استحلف كان في معنى النيابة عن الموكل والنيابة لا تجزي في الاستحلاف وتجزي في قبول البينة.
ولو كان المدعي على العبد وكل مولى العبد بخصومته وعلى العبد دين أو لا دين عليه كانت وكالته باطلة لأنها لو صحت نفذ إقراره على موكله في مجلس القاضي وفيه براءة لعبده وقول المولى في ذلك غير مقبول لما فيه من المنفعة أو لأن الوكيل بالخصومة يملك القبض فكان هذا بمنزلة التوكيل بالقبض وقد بينا أن الطالب إذا وكل مولى العبد بقبض دينه من العبد لم يجز التوكيل.
وكذلك لو وكل به غريما من غرمائه لأن المنفعة للغريم فيه أظهر ولو كان الوكيل ابن الغريم أو مكاتبه أو عبده كان جائزا وإقراره على موكله جائز بمنزلة ما لو أقر موكله بالقبض وهذا لأنه لا منفعة في هذا الإقرار للوكيل فهو كأجنبي آخر في حق الإقرار به بخلاف المولى

 

ج / 25 ص -137-    والغريم بنفسه. وإذا قبض المولى ما في يد المأذون ولا دين عليه ثم ادعى رجل فيه دعوى فوكل العبد بخصومته وكيلا لم يجز توكيله بذلك لأن المأخوذ خرج من أن يكون كسبا له وصار كسائر أملاك المولى فلا يكون العبد خصما فيه وتوكيله فيما ليس بخصم فيه باطل.
وكذلك لو أخذه بعد ما وكل العبد وكيلا بالخصومة قبل أن يقر الوكيل بما ادعى المدعي ثم أقر له فإقراره باطل لأن العبد خرج من أن يكون خصما فيه قبل إقرار الوكيل وأكثر ما في الباب أن يجعل إقرار الوكيل كإقرار الموكل وإقرار الموكل به بعد ما أخذه المولى منه باطل فكذلك إقرار الوكيل.
ولو كان على العبد دين كانت الوكالة صحيحة والإقرار جائزا لأن أخذ المولى بمنزلة الغصب لمكان حق الغرماء فلا يخرج المأخوذ به من أن يكون كسب العبد وكما يجوز إقرار العبد به في هذه الحالة فكذلك إقرار وكيله ولو كان المولى حجر عليه وقبض ما في يده ثم ادعى رجل بعض ما في يده فتوكيل العبد في ذلك باطل إذا لم يكن عليه دين لأنه خرج من الخصومة فيه بما فعله المولى وتوكيل المولى بالخصومة فيه صحيح وإقرار وكيله جائز لأن المولى هو الخصم في ذلك.
ولو ادعى العبد دينا على رجل فوكل بالخصومة بعد ما حجر عليه المولى جاز لأنه هو الخصم في بقاء تجاراته فإن أقر الوكيل عند القاضي أن العبد قد استوفى دينه كان إقراره به أيضا كإقرار العبد فينفذ في حق المولى والغرماء وإن أقر أنه لا حق للعبد قبل الخصم فإقراره به أيضا كإقرار العبد به يجوز عند أبي حنيفة رحمه الله فيما في يده من المال دون رقبته وعندهما لا يجوز في شيء وقد تقدم بيان هذا الفصل.
وإذا وجب للمأذون ولشريك له على رجل ألف درهم فجحدها فوكل العبد وشريكه بخصومته مولى العبد وعلى العبد دين أو لا دين عليه فأقر المولى عند القاضي باستيفائهما المال جاز إقراره عليهما لأنه لا منفعة له في هذا الإقرار بل فيه ضرر فهو كأجنبي آخر ينفذ إقراره عليهما وإن جحداه فإن ادعى الشريك على العبد أنه قبض نصيبه فإن كان العبد لا دين عليه فإن الشريك يرجع في رقبة العبد بنصف حصته فيباع في ذلك لأن بإقرار المولى ثبت وصول نصيب العبد إليه فكأنه ثبت ذلك بإقرار العبد فكان للشريك أن يرجع عليه بنصفه ولم يثبت بإقرار المولى نصيب الشريك إليه في حق العبد لأنه كان نائبا عن الشريك في الخصومة مع المطلوب لا مع العبد وصحة إقراره باعتبار أنه وكيل في الخصومة ولأن في ثبوت وصول نصيب الشريك إليه منفعة العبد من حيث أنه يسلم المقبوض أو يثبت للعبد حق الرجوع عليه أن لم يكن هو قبض شيئا وإقرار المولى لا يصح بذلك فلهذا كان للشريك أن يرجع في رقبة العبد بنصف حصته.
وإن كان على العبد دين فلا سبيل له عليه ولا على مولاه حتى يقضي دينه لأن إقرار المولى على العبد بوصول نصيبه إليه لا يكون صحيحا في حق غرمائه فإنه إنما ينفذ إقراره

 

ج / 25 ص -138-    عليه بكونه وكيلا في الخصومة وهو كان وكيلا في الخصومة مع المطلوب لا مع الأجنبي فإقراره على العبد الآن كإقراره على الأجنبي.
وإذا استوفى العبد دينه وفضل شيء رجع الأجنبي بحصته في ذلك لأن الفاضل خالص ملك المولى وقد أقر بوصول نصيب العبد إليه وللأجنبي أن يرجع في ذلك بنصفه بحكم إقراره كما لو لم يكن عليه دين ولو كان الشريك صدق المولى فيما أقر به عليهما وكذبه العبد وعليه دين أو لا دين عليه لم يرجع واحد منهما على صاحبه بشيء لأن بتصديق الشريك ثبت وصول نصيبه إليه وبإقرار المولى على عبده ثبت وصول نصيب العبد إليه أما إذا لم يكن عليه دين فغير مشكل وكذلك إن كان عليه دين فإنه يثبت وصول نصيبه إليه في حق المولى ويكون إقرار المولى عليه بذلك كإقرار العبد ثم بإقرار العبد ثبت وصول نصيبه إليه في حق غرمائه فكذلك بإقرار المولى فلهذا لا يرجع واحد منهما على صاحبه بشيء.
ولو كان الشريك هو الذي وكل العبد بالخصومة في دينه ولم يوكل المولى بذلك فأقر العبد عند القاضي أنه لا حق للشريك قبل الغريم أو أقر أنه استوفى من الغريم نصيبه وجحد ذلك الشريك بريء الغريم من حصة الشريك لأن إقرار وكيله في مجلس الحكم كإقراره فيما يرجع إلى براءة خصمه ويتبع العبد الغريم بنصف الدين لأنه لم يقر في نصيب نفسه بشيء فإذا أخذه شاركه الغريم فيه كان على العبد دين أو لم يكن لأن في إقرار العبد شيئين إبطال حق الشريك على الغريم وسلامة ما يقبضه له وقوله مقبول فيما يرجع إلى إبطال حق الشريك على الغريم لا بتوكيله بخصومته فيكون راضيا بإقراره بذلك ولكن إقراره غير صحيح في سلامة المقبوض له لأن ذلك دعوى منه فكان المقبوض مشتركا بينهما لأنه جزء من دين كان مشتركا بينهما وهو نظير المودع في مال مشترك إذا ادعى أنه رد على أحد الشريكين نصيبه يقبل قوله في براءته عن الضمان ولا يقبل قوله في سلامة الباقي للآخر بل يكون مشتركا بينهما.
ولو كان للعبد ولشريكه على رجل ألف درهم هو مقربها فغاب الغريم وادعى العبد أن شريكه قد قبض حقه وأراد أن يرجع عليه بنصفه فجحد الشريك ووكل مولى العبد بخصومة العبد في ذلك وعلى العبد دين أو لا دين عليه أو وكل الشريك بعض غرماء العبد فأقر الوكيل أن الشريك قد استوفى نصيبه من الغريم فإقراره باطل ولا يكون وكيلا في ذلك لأنه يجر به إلى نفسه مالا فإنه إذا صح إقراره على الشريك سلم للعبد ما قبضه من الغريم من نصيبه وفيه منفعة لمولاه ولغرمائه فلهذا لا يكون وكيلا فيه به وقد تقدم بيان الفرق بين هذه المسألة وبين مسألة الطعن.
ولو كان الشريك ادعى على العبد الاستيفاء فوكل العبد بالخصومة لمولاه أو بعض غرمائه فأقر الوكيل على العبد بالاستيفاء جاز إقراره عليه لأنه لا منفعة للمقر في هذا الإقرار بل عليه فيه ضرر وهو كأجنبي آخر فيه وإقرار الوكيل عند القاضي كإقرار الموكل ولو أقر العبد بذلك رجع عليه الشريك بنصف ما قبض فهذا كذلك أيضا.

 

ج / 25 ص -139-    وإذا حضر الغريم وادعى أن العبد قد قبض ما قال الوكيل لم يصدق على ذلك لأن العبد إنما كان وكيلا بالخصومة مع الشريك لا مع الغرماء فإقراره في حق الغريم لا يكون نافذا على الموكل لأن صحة إقرار الوكيل لضرورة أنه من جواب الخصم وذلك في حق خصمه دون غيره فلهذا كان للعبد أن يرجع على الغريم بجميع دينه إلا أن يكون العبد لا دين عليه والوكيل هو المولى فيصدق على عبده في ذلك لأن جواز إقراره عليه الآن ليس باعتبار أنه جواب الخصم ولكن باعتبار أنه ملكه وفي ذلك الغريم والخصم سواء.
ألا ترى أن قبل التوكيل لو أقر به عليه في هذه الحالة جاز إقراره فأما في غير هذه الحالة فصحة إقراره باعتبار التوكيل بالخصومة كما بينا ثم الغريم قد بريء من نصف حق الشريك لأنه قد قبضه من العبد فلا يكون له أن يرجع به على الغريم وذلك خمسمائة ويرجع الشريك بنصف حقه على الغريم وذلك مائتان وخمسون فما أخذ واحد منهما من شيء اقتسماه أثلاثا على قدر حقيهما على الغريم حتى يستوفا منه سبعمائة وخمسين.
وإذا كان لرجلين على المأذون دين ألف فادعى العبد على أحدهما أنه قد استوفى نصيبه وجحد المدعى عليه فوكل المدعى عليه مولى العبد بذلك فالتوكيل باطل وإقرار المولى به باطل سواء كان على العبد دين أو لم يكن لأن في إقراره منفعة المولى وهو براءة ذمة عبده عن نصيبه وسلامة ماليته للمولى بذلك القدر
وإذا حضر الغريم الآخر فادعى ما أقر به المولى على شريكه فأراد أن يأخذه بنصفه لم يكن له ذلك لأن إقرار المولى به كان باطلا لأن المولى لم يكن وكيلا بالخصومة في حق الشريك وكذلك لو كان الوكيل غريما للعبد لأن منفعة المولى في هذا الإقرار أظهر من منفعة المولى لأنه يخرج به موكله من مزاحمته في مالية العبد.
ولو كان أحد الشريكين وكل صاحبه بخصومة العبد في ذلك فادعى عند القاضي أن صاحبه قد استوفى من العبد حصته جاز ذلك عليه وعلى شريكة ويبطل من الدين خمسمائة لأنه لا منفعة له في هذا الإقرار ثم ما أخذ الشريك الوكيل من الخمسمائة الباقية أخذ صاحبه منه نصفه لأن صحة إقراره في براءة الغريم لا في سلامة الباقي له إذ هو متهم في ذلك ولو كان الوكيل غريما للعبد ليس بينه وبين الوكيل شركة في المال الذي على العبد لم يجز إقراره فيما فيه المنفعة له وهو دفع مزاحمة الموكل عن نفسه في مالية العبد.
وإذا وجب لرجلين على عبد ألف درهم فادعى أحدهما على صاحبه أنه قبض نصيبه من الدين فأنكر شريكه ووكل بذلك مولى العبد أو العبد أو غريما للعبد بخصومته فأقر الوكيل عند القاضي أن موكله قد قبض ما ادعاه شريكه لم يجز توكيله ولا إقراره لأن العبد إن كان هو الوكيل فهو بهذا الإقرار يبرئ نفسه والمولى يبرئ به عبده والغريم يزيل به مزاحمة الموكل معه في مالية العبد فلا يجوز إقرارهم بذلك.
ألا ترى أنه لو جاز إقرار المولى أو الغريم بذلك كان للمدعي أن يأخذ نصف ما قبض

 

ج / 25 ص -140-    المدعى عليه ويبرئ العبد من ذلك ولو كان المدعي هو الموكل فأقر وكيله أن المدعى عليه لم يأخذ من الدين شيئا جاز إقراره على المدعي وكان حقهما على العبد بحاله لأنه لا منفعة للوكيل في هذا الإقرار وهو فيه كأجنبي آخر والله أعلم.

باب شراء المأذون وبيعه
قال رحمه الله: شراء المأذون وبيعه بما يتغابن الناس فيه جائز حالا كان أو إلى أجل سواء كان بيعا بثمن أو مقابضة عرض بعرض أو سلما لأنه منفك الحجر عنه فيما هو تجارة وهذه كلها من عقود التجارات والتاجر يحتاج إليها يعني البيع والشراء بالحال والمؤجل والإسلام إلى الغير وقبول السلم من الغير والمحاباة بما يتغابن الناس فيه من صنيع التجار عادة وما لا يقدر التاجر على التحرز عنه في كل تجارة ويحتاج إليه لإظهار المسامحة من نفسه في المعاملة فأما تصرفه بما لا يتغابن الناس فيه فجائز في قول أبي حنيفة رحمه الله بيعا كان أو شراء سواء كان عليه دين أو لم يكن ولا يجوز في قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله. وكذلك الخلاف في المكاتب والصبي والمعتوه يأذن له أبوه في التجارة فيتصرف بما لا يتغابن الناس فيه وطريقهما أن المحاباة الفاحشة بمنزلة الهبة.
ألا ترى أن من لا يملك الهبة كالأب والوصي لا يملك التصرف بالمحاباة الفاحشة وأنه متى حصل ذلك من المريض كان معتبرا من ثلثه كالهبة ثم هؤلاء لا يملكون الهبة فكذلك لا يملكون التصرف بالمحاباة الفاحشة وهذا لأنه ضد لما هو المقصود بالتجارة فالمقصود بالتجارة الاسترباح دون إتلاف المال وإنما لم ينفذ هذا العقد من الأب والوصي لدفع الضرر عن الصبي فإذنهما له إنما يصح لتوفر المنفعة عليه لا للإضرار به فحاله فيما يلحق الضرر به من التصرفات بعد الإذن كما قبله وأبو حنيفة رحمه الله يقول انفكاك الحجر عنه بالإذن في وجوه التجارات كانفكاك الحجر عنه بالعتق والبلوغ عن عقل وبعد ذلك يملك التصرف بالغبن الفاحش واليسير فكذلك بعد الإذن وهذا لأن التصرف بالغبن الفاحش تجارة فإن التجارة مبادلة مال بمال وهذا التصرف في جميع المحل مبادلة مال بمال.
ألا ترى أنه تجب الشفعة للشفيع في الكل بخلاف الهبة فإنه ليس بتجارة وبخلاف الأب والوصي لأنه لم يثبت لها الولاية في التجارة في مال الصغير مطلقا بل مقيدا بشرط الأحسن والأصلح ولا يبعد أن لا يصح التصرف من الأب والوصي ثم يصح ذلك من الصبي بعد الإذن كالإقرار بالدين والعقد بالغبن الفاحش من صنيع التجار لأنهم لا يجدون من ذلك بدا وربما يقصدون ذلك لاستجلاب قلوب المجاهرين فيسامحون في التصرف لتحصيل مقصودهم من الربح في تصرف آخر بعد ذلك فكان هذا والغبن اليسير سواء وبأن كان يعتبر في حق المريض من الثلث لعدم الرضى به من غرمائه وورثته فذلك لا يدل على أنه لا ينفذ من المأذون كالغبن اليسير.

 

ج / 25 ص -141-    ثم أبو حنيفة في تصرف الوكيل فرق بين البيع والشراء في الغبن الفاحش وفي تصرف المأذون سوى بينهما لأن الوكيل يرجع على الآمر بما يلحقه من العهدة فكان الوكيل بالشراء متهما في أنه كان اشتراه لنفسه فلما ظهر الغبن أراد أن يلزمه الآمر وهذا لا يوجد في تصرف المأذون لأنه متصرف لنفسه لا يرجع بما يلحقه من العهدة على أحد فكان البيع والشراء في حقه سواء وإن كانت في يد المأذون جارية فباعها من رجل لغلام وسلم الجارية ولم يقبض الغلام حتى ذهبت عين الجارية أو شلت يدها ثم مات الغلام فالمأذون بالجارية إن شاء أخذ جاريته ولا يتبع المشتري بنقصانها وإن شاء ضمن المشتري قيمتها يوم قبضها لأن البيع قد انتقض بموت الغلام قبل التسليم لفوات القبض المستحق بالعقد فيثبت له حق الرجوع بملكه إلا أن المشتري للجارية عجز عن ردها كما قبضها لأنها تعيبت في يده فيثبت للعبد الخيار
فإن اختار أحدهما فليس له على المشتري نقصانها لأن المشتري قبضها بحكم عقد صحيح وذلك لا يوجب ضمان الأوصاف والفائت وصف من غير صنع أحد.
ألا ترى أنه لو فات وصف من أوصافها في يد البائع قبل التسليم يثبت الخيار للمشتري وإن اختار الأخذ لم يتبع البائع بشيء من النقصان ولا يسقط شيء من الثمن باعتبار ذلك النقصان فكذلك إذا حدث النقصان عند المشتري لأن ضمان الأصل بحكم العقد الصحيح في الموضعين.
وإذا أبى أن يأخذها فقد عجز المشتري عن ردها مع تقرر السبب الموجب للرد فيرد قيمتها لأن القيمة تقوم مقام العين عند تعذر رد العين وإنما يعتبر قيمتها حين دخلت في ضمانه وذلك وقت القبض فيعتبر قيمتها عند ذلك كما في المغصوبة.
ولو كان حدث لها ذلك بعد موت الغلام أخذ المأذون جاريته ونقصانها لأن بموت الغلام قبل التسليم بطل البيع فبقيت الجارية مقبوضة بحكم عقد فاسد والأوصاف تضمن في القبض بحكم العقد الفاسد كما لو كان العقد فاسدا من الأصل وهذا لأن الفاسد ضعيف في نفسه فإنما يثبت الضمان به باعتبار القبض والأوصاف تفرد بالقبض والتناول فتفرد بضمان القبض كما في المغصوبة بخلاف الأول فهناك العقد صحيح وضمان المقبوض بما يقابله إنما يكون بحكم العقد دون القبض والأوصاف لا تفرد بالعقد فلا تفرد بضمانه فإن كان حدث بها عيبان أحدهما قبل هلاك الغلام والآخر بعد هلاكه فإن شاء المأذون أخذها ونقصان عيبها الآخر وإن شاء أخذ قيمة الجارية يوم دفعها إليه لأنه يجعل في نقصان كل واحد من الثمنين كأنه لا عيب سواه ولو لم يحدث ذلك ولكن قطع رجل يدها أو فقأ عينها أو وطئها بشبهة أو ولدت ولدا من غير سيدها ثم هلك الغلام لم يكن للمأذون إلا قيمتها يوم دفعها لأنه حدث فيها زيادة منفصلة متولدة من عقر أو أرش أو ولد وذلك في العقد الصحيح بعد القبض فمنع فسخ العقد فيها لمعنى الربا حق للشرع وقد بيناه في البيوع فلا يتغير ذلك برضا الغير ويكون حقه في قيمتها لأنه تعذر رد عينها مع بقاء السبب الموجب له فيجب

 

ج / 25 ص -142-    قيمتها يوم دفعها وإن كان ذلك بعد موت الغلام أخذ المأذون جاريته مع هذه الزيادات لأن بموت الغلام بطل العقد وكانت كالمقبوضة بحكم عقد فاسد وهي بمنزلة المغصوبة في أنها ترد بزوائدها المنفصلة والمتصلة وفي أرش العين واليد يتخير العبد إن شاء أخذ به المشتري لفوات ذلك الجزء في ضمانه وإن شاء اتبع به الجاني وقد بينا في البيوع هذا التفريع في البيع إذا كان فاسدا من الأصل فهو أيضا فيما إذا فسد العقد قبل الجناية.
وإن كانت الجارية ولدت ثم هلك الغلام فلم يقض له بقيمة الجارية حتى هلك الولد فيقول الولد حين هلك من غير صنع أحد صار كأن لم يكن بقي نقصان الولادة في الجارية فيجعل كما لو انتقصت بعيب حادث فيها من غير صنع أحد قبل هلاك الغلام فيتخير المأذون إن شاء أخذ الجارية ولا شيء له غيرها وإن شاء ضمن المشتري قيمتها يوم دفعها.
ولو كان مكان الجارية دابة لم يكن له في ذلك خيار إذا هلك الولد وأخذ الأم لأن الولادة نقصان في بني آدم دون الدواب والولد إذا هلك صار كأن لم يكن وكان للغلام أن يأخذ الأم فقط لأن المشتري قادر على ردها كما قبض فإن كانت ولدت ولدا فأعتقه المشتري ثم مات الغلام فعلى المشتري قيمة الجارية ولا يرد الجارية لأن ملك المشتري قد تقرر في الولد والعتق منه للملك والنهي يكون متقررا ولهذا يكون
ولاؤه له ومع سلامة الولد له لا يكون متمكنا من رد الجارية.
وكذلك إن مات الولد بعد العتق قبل أن يقضي على المشتري بقيمة الجارية فأراد المأذون أخذ جاريته لم يكن له ذلك إن كان الولد ترك ولدا آخر وولاؤه للمشتري لأن الولد الثاني قائم مقام الأول فإن بقاء الأول بعد العتق باعتبار أن ولاءه للمشتري وهذا المعنى موجود عند بقاء ولد الولد وهذا لأن الولاء جزء من الملك لأنه أثر من آثار الملك وإن لم يكن ترك ولدا آخر ولاؤه للمشتري فللعبد أن يأخذ الجارية إن شاء ولا يأخذ نقصانا لأن الولد مات ولم يبق له أثر فصار كأن لم يكن فإن قيل: فأين ذهب قولكم إن العتق أنهى للملك قلنا: المنهى يكون متقررا إلى أن انتهى فلا يكون قائما بعد الانتهاء كعقد الإجارة فإنه ينتهي بمضي المدة ولا يكون باقيا بعده والمانع من رد الجارية بقاء شيء من الزيادة للمشتري بعد ردها وذلك يوجد عند بقاء الولاء على الولد ولا يوجد بعد موت الولد لا إلى خلف وإن كان موته بعد قضاء القاضي بالقيمة على المشتري فلا سبيل للعبد على الجارية لأن حقه تحول إلى قيمتها بالقضاء.
ولو كان المشتري حين قبضها قطع يدها أو وطئها وهي بكر أو ثيب أو ولدت ولدا فقتلها المشتري ثم مات العبد في يد البائع فإن شاء المأذون أخذ الجارية ولم يضمن المشتري شيئا من ذلك وإن شاء أخذ قيمة الجارية يوم دفعها إليه لأن المشتري لم يلزمه ضمان بهذه الأفعال فإنها حصلت في ملك صحيح تام فكان حدوث هذه المعاني بفعل المشتري كحدوثها بآفة سماوية وهناك يتخير المأذون وإن أراد أخذها لم يضمن المشتري شيئا فهذا كذلك.

 

ج / 25 ص -143-    وقد بينا في البيوع أن وطء الثيب بمنزلة استيفاء جزء من العين في حكم الرد حتى لا يردها بالعيب بعده إلا برضا البائع كما لو كانت بكرا فها هنا كذلك.
ولو كانت بهيمة فولدت فقتل المشتري ولدها ولم تنقصها الولادة شيئا فالمأذون بالخيار إن شاء أخذها ولم يرجع على المشتري بشيء من قيمة ولدها وإن شاء أخذ قيمتها يوم دفعها إليه وكان ينبغي أن لا يثبت له الخيار كما لو هلك الولد من غير صنع أحد ولكنه قال المشتري استفاد ها هنا بملك الولد البراءة عن الضمان فيعتبر ذلك في إثبات الخيار للمأذون بخلاف ما لو أعتق الولد فهلك فإن هناك بملكه ما استفاد البراءة عن الضمان لأن إعتاقه في غير الملك باطل غير موجب للضمان عليه وقتله في غير الملك موجب للضمان عليه ثم الولد في حكم جزء من عينها فإتلاف ولدها كإتلاف جزء من عينها وذلك معتبر في إثبات الخيار للمأذون باعتبار أنه حابس لذلك الجزء حكما بالقتل إلا أنه لا يمنع الرد إذا رضي المأذون به لأن المانع بقاء الزيادة في ملكه بعد ردها وذلك غير موجود ههنا.
ولو كان هذا كله من المشتري بعد هلاك الغلام فإن للعبد أن يأخذ الجارية وعقرها وأرشها وقيمة ولدها إذا قتل الولد لأنها بعد هلاك الغلام كالمقبوضة بحكم شراء فاسد وفي إيجاب العقر على المشتري الحر بوطء المشتراة شراء فاسدا اختلاف الروايات في العقر وقد بيناه في البيوع.
ولو كانت الجارية زادت في بدنها قبل هلاك الغلام أو بعده أخذها المأذون بزيادتها أما بعد هلاك الغلام فغير مشكل لأنها كالمقبوضة بحكم شراء فاسد وأما قبل هلاك الغلام فلأنه لا معتبر بالزيادة المتصلة في باب البيع في المنع من الرد والفسخ وقد بينا اختلاف الرواية في ذلك في البيوع حيث نص على قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله في أن الزيادة المتصلة في المنع من التخالف كالزيادة المنفصلة وأصح الروايتين ما ذكره هنا فالزيادة المتصلة تبع من كل وجه وحق المأذون في استردادها عند هلاك الغلام حق قوي فيثبت ذلك فيما هو تبع من كل وجه وكذلك في جميع هذه الوجوه لو لم يمت العبد ولكن المأذون وجد به عيبا قبل القبض أو بعده فرده بحكم الحاكم أو غير حكم أو رده بخيار رؤية فالرد في هذا والموت قبل القبض سواء لأن العقد ينفسخ في الغلام بالرد بهذه الأسباب كما ينفسخ بموته قبل التسليم.
ولو كان المأذون اشترط الخيار ثلاثة أيام في الغلام الذي اشتراه فقبضه ودفع الجارية فذهب عينها عند المشتري من فعله أو فعل غيره أو من غير فعل أحد أو وطئها هو أو غيره أو ولدت ولدا ثم أن المأذون رد الغلام بخياره فإنه يأخذ الجارية وولدها وعقرها ونصف قيمتها إن كانت عينها ذهبت عند المشتري من فعله أو من غير فعل أحد وإن ذهبت من فعل غير المشتري أخذها ونصف قيمتها إن شاء من الجاني وإن شاء من المشتري ورجع به المشتري على الجاني لأن اشتراطه الخيار فيما اشترى اشتراط فيما باع وخياره فيما باع خيار البائع

 

ج / 25 ص -144-    والمقبوض يتبع فيه خيار البائع ويكون مضمونا بالقيمة بمنزلة المغصوب والمشتري شراء فاسدا فلهذا كان الحكم فيها بهذه الصفة.
وكذلك لو قتلها غير المشتري وقد ازدادت قيمتها في يد المشتري فللمأذون أن يضمن المشتري قيمتها يوم قبضها حالة إن شاء ويرجع المشتري على القاتل بقيمتها يوم قتلها على عاقلته في ثلاث سنين وإن شاء المأذون رجع على عاقلة القاتل بقيمتها في ثلاث سنين وهي بمنزلة المغصوبة ها هنا دون المشتراة شراء فاسدا يملكها المشتري بالقبض ومع خيار الشرط للبائع لا يملكها بالقبض بل هي باقية على ملك بائعها مضمونة في يد البائع كالمغصوبة.
ثم إن اختار المأذون تضمين المشتري يملكها بالضمان فجناية القاتل حصلت على ملكه فكان له أن يرجع على عاقلته بقيمتها في ثلاث سنين ويتصدق بالفضل لأن هذا ربح حصل لا على ملكه فإنها ما كانت مملوكة له عند القتل وسواء في جميع ذلك إن كان ما وصفنا قبل أن يختار المأذون نقض البيع أو بعده لأنها مضمونة بنفسها مملوكة لبائعها في الوجهين جميعا.
ألا ترى أن المشتري لو أعتق الغلام الذي باع أو أعتق الجارية التي اشترى لم يجز عتقه ما دام خيار المأذون باقيا لأن خيار المأذون فيما باع خيار البائع فيمنع دخولها في ملك المشتري وخياره فيما اشترى خيار المشتري فيكون خارجا من ملك البائع ولو قبض لكون البيع مطلقا في جانبه فلهذا لا ينفذ عتقه في واحد منهما.
وإذا باع المأذون جارية لرجل بغلام فقبض الرجل الجارية ولم يدفع الغلام حتى هلك في يده ثم أعتق المشتري الجارية فعتقه جائز لأن بهلاك الجارية فسد العقد في الجارية ولو كان العقد فاسدا فيها في الابتداء ملكها المشتري بالقبض وينفذ عتقه فيها فكذلك إذا فسد العقد فيها بهلاك الغلام يبقى ملك المشتري لبقاء قبضه فينفذ عتقه ويضمن قيمتها يوم قبضها.
وكذلك لو قتلها المشتري أو قتلها أجنبي ضمن المشتري قيمتها يوم قبضها ولا سبيل للمأذون على القاتل الأجنبي لأن قتله صادف ملك المشتري لا ملك المأذون بخلاف المشتراة بشرط الخيار للبائع لم يرجع المشتري بالقيمة على عاقلة المشتري لأنه قبل ملكه ولو كان المشتري لم يقبض الجارية من المأذون حتى أعتقها فإن كان أعتقها قبل موت الغلام جاز عتقه لأنها مملوكة له بنفس العقد الصحيح وإن أعتقها بعد موته فعتقها باطل لفساد العقد فيها بموت الغلام والمشتراة شراء فاسدا لا تكون مملوكة قبل القبض للمشتري.
ولو قبض الجارية ولم يدفع الغلام حتى حدث به عيب فرده المأذون على المشتري بعيب بحكم أو بغير حكم ثم أعتق المشتري الجارية فعتقه باطل وكذلك لو رده بخيار الرؤية أو رده بالعيب بعد القبض بحكم أو رده بالإقالة لأن في هذه الوجوه كلها العقد انفسخ فيهما جميعا إما من الأصل أو في الجارية سواء كان بحكم أو بغير حكم فعادت هي إلى ملك المأذون وإن كانت في يد المشتري فلهذا لا ينفذ عتقه فيها بخلاف ما إذا هلك الغلام لأن هناك العقد في الجارية قد فسد ولم ينتقض بغير نقض.

 

ج / 25 ص -145-    ألا ترى أن في الابتداء لو اشتراها بقيمة العبد الهالك كان العقد فاسدا فيها ويملكها المشتري بالقبض حتى ينفذ عتقه فيها ما لم ينتقض البيع بينهما فكذلك إذا مات العبد بقيت هي مملوكة للمشتري مع فساد العقد فيها فتعتق بإعتاق المشتري إياها والله أعلم.

باب هبة المأذون ثمن ما باعه
قال رحمه الله: وإذا باع المأذون جارية ودفعها ثم وهب الثمن للمشتري أو بعضه قبل القبض أو بعده أو حط عنه فذلك باطل لأن الإسقاط بغير عوض تبرع كالتمليك بغير عوض وهو منفك الحجر في التجارات دون التبرعات فإن كان وهب بعض الثمن أو حطه قبل القبض أو بعده بعيب طعن به المشتري فهو جائز لأن الحط بسبب العيب من صنيع التجار ثم هو بمقابلة هذا الإسقاط عوض وهو إسقاط حق المشتري في الرد وهذا إسقاط بحصة الجزء الفائت من الثمن وعجزه عن تسليم ذلك الجزء يسقط حقه في عوضه فكان هذا اسقاطا بعوض.
ولو حطوا عنه جميع الثمن أو وهبه لم يجز لأنا نتيقن أن جميع الثمن لم يكن بمقابلة الجزء الفائت فكان إسقاطا بغير عوض ثم حط جميع الثمن لا يلتحق بأصل العقد ولكنه بر مبتدأ وحط بعض الثمن يلتحق بالعقد ويصير كأنه عقد بما بقي فيصح من المأذون إذا كان مفيدا ولو اشترى المأذون جارية وقبضها ثم وهب البائع الثمن للعبد فهو جائز لأنه تبرع على العبد والمتبرع من أهل التبرع والعبد من أهل التبرع عليه وكذلك لو وهبه للمولى وقبله كان بمنزلة هبته للعبد كان عليه دين أو لم يكن لأن المولى يخلف العبد في كسبه خلافة الوارث المورث وهبة صاحب الدين دينه للوارث بعد موت المورث بمنزلة هبته من المورث سواء كان على المورث دين أو لم يكن فكذلك المولى ههنا وإن لم يقبلها المولى في هذا الوجه ولم يقبلها العبد في الوجه الأول كانت الهبة باطلة والمال على العبد بحاله لأن رد الهبة امتناع عن التملك لإزالة الملك الثابت له وهذا الامتناع صحيح من المولى والعبد جميعا بخلاف هبة شيء من أكسابه ابتداء.
فإن وهب البائع الثمن للعبد أو لمولاه قبل أن يقبضه ثم وجد العبد بالجارية عيبا لم يكن له أن يردها لأنه لو ردها ردها بغير شيء والمقصود بالرد سلامة الثمن له وقد سلم له ذلك بطريق الهبة فلا يستوجب عند الرد شيئا آخر وهذا استحسان وفي القياس وهو قول زفر رحمه الله يرده بمثل ذلك الثمن وقد بينا نظير هذا في كتاب الرهن وإذا ثبت أنه يردها بغير شيء يتعذر الرد لأن إخراج العين عن ملكه لا يصح من العبد بغير عوض وكذلك هذا في كل ثمن كان بغير عينه وإن كان الثمن عرضا بعينه فوهب المأذون العرض للمشتري قبل أن يقبضه فقبضه المشتري فالهبة جائزة لأن هبة المعقود عليه قبل القبض فسخ للعقد لما فيه من يفويت القبض المستحق بالعقد والمأذون يملك الإقالة إذا ساعده صاحبه عليها بخلاف بيع المبيع
قبل القبض لأن البيع اسم خاص لمبادلة مال بمال والفسخ ليس بتمليك ولفظ الهبة فيه توسع

 

ج / 25 ص -146-    قد يكون بمعنى التمليك وقد يكون بمعنى الإسقاط فيمكن أن يجعل مجازا عن الفسخ إذا تعذر تصحيحه بطريق التمليك فإن لم يقبل المشتري الهبة فالهبة باطلة لأن أحد المتعاقدين لا يفرد بالفسخ بعد لزوم العقد.
وإن كان المشتري وهب الجارية قبل أن يقبضها العبد فقبلها العبد جاز سواء كان على العبد دين أو لم يكن وكان ذلك فسخا للعقد وإن وهبها للمولى فإن لم يكن على العبد دين فهذا نقض صحيح أيضا لأن كسب العبد خالص ملك المولى وهو يتمكن من التصرف فيه بطريق النقض كما يتمكن من التصرف فيه بطريق الإيجاب وإن كان على العبد دين فقبلها المولى وقبضها فهذا ليس بنقض للبيع لأن المولى لا يملك إنشاء التصرف في كسب عبده المديون فلا يملك نقض بيعه أيضا ولكن هذه هبة صحيحة من المولى وهو بناء على أصل محمد رحمه الله فأما عند أبي يوسف رحمه الله فلا يصح وقد بينا المسألة في البيوع أن التصرفات التي لا تتم إلا بالقبض عند أبي يوسف لا تصح في المبيع قبل القبض وعند محمد تصح باعتبار أنه تسليط على القبض والقابض نائب عن المشتري وهو إنما ينفذ تصرفه بعد قبضه.
ولو تقابضا ثم وهب العبد العرض من المشتري فقبله فالهبة باطلة لأن هبة المعقود عليه بعد القبض لا تكون فسخا فإن كونه فسخا باعتبار ما فيه من تفويت القبض المستحق بالعقد وذلك لا يوجد بعد القبض فكان هذا إبراء مبتدأ فلا يصح من المأذون.
ولو وهب المشتري الجارية للمأذون أو لمولاه جازت الهبة على سبيل البر المبتدأ فإن وجد المأذون بالعرض عيبا ولا دين عليه فليس له أن يرده بالعيب لأنه لو رده بالعيب رده بغير شيء فالجارية التي هي عوض العرض قد عادت بعينها إلى ما كانت سواء كانت الهبة من العبد أو من المولى لأن كسب العبد خالص حق المولى في هذه الحالة وإن كان عليه دين وقد وهب المشتري الجارية للعبد فكذلك لأن الجارية عادت كما كانت قبل العقد فلو رد العرض رده بغير شيء وإن كان قد وهبها لمولاه فله أن يرد العرض بالعيب ويضمنه قيمة الجارية يوم قبضها لأن المولى من كسب عبده المديون كالأجنبي ولو وهبها المشتري لأجنبي كان للعبد أن يرد العرض بالعيب وعند الرد يجب على بائع العرض رد الجارية وقد تعذر ردها عليه فيغرم قيمتها يوم قبضها.
ولو باع المأذون جارية بعرض بعينه وتقابضا فحدث في الجارية عيب عند المشتري من غير فعل أحد أو من فعل المشتري أو من فعل أجنبي أو ولدت ولدا أو وطئت وهي بكر أو ثيب ثم وهبها المشتري للعبد أو لمولاه وعليه دين أو لا دين عليه ثم وجد المأذون بالعرض عيبا رده وضمنه قيمتها في جميع ذلك لأن ما هو موجب الرد لم يسلم له ها هنا قبل الرد.
ألا ترى أنه لو لم يهب الجارية حتى رد العرض عليه بالعيب كان له أن يرجع بقيمة الجارية ولا يسترد الجارية إما للزيادة المنفصلة في يد مشتريها أو لحدوث العيب فيها فإذا

 

ج / 25 ص -147-    كان حقه ههنا في استرداد قيمة الجارية لا يبطل بعود الجارية بالهبة ولا يتعذر عليه رد العرض بالعيب.
ولو اشترى المأذون جارية من رجل بغلام قيمته ألف درهم وبألف درهم وتقابضا ثم وهب البائع بالألف والغلام الغلام للمأذون وسلمها إليه ثم وجد المأذون بالجارية عيبا ليس له أن يردها لأن نصفها بمقابلة الغلام وقد عاد إليه الغلام بعينه بالهبة فلو رد ذلك النصف يرده بغير شيء فإذا تعذر الرد في النصف الأول تعذر في النصف الثاني لما فيه من الضرر على البائع بتبعيض الملك عليه والمشتري لا يملك ذلك بالرد بالعيب وكذلك لو كانت الهبة للمولى ولا دين على العبد.
وإن كان عليه دين والهبة للمولى كان له أن يرد الجارية بالعيب ويأخذ من البائع ألف درهم وقيمة الغلام لأن الهبة من المولى في هذه الحالة كالهبة من أجنبي آخر فإن تصرف العبد كان لغرمائه دون مولاه فإن أخذ ذلك ثم أبرأه الغرماء من الدين أو وهبوه له أو للمولى أو ورثة المولى من الغريم لم يرد على البائع شيئا مما أخذ منه لأن بما اعترض من السبب لا يتبين أن الأخذ لم يكن بحق وأن قيمة الغلام مع الألف لم تكن واجبة له يومئذ والعارض من السبب لا يؤثر فيما انتهى حكمه بالاستيفاء، والله تعالى أعلم بالصواب.

باب الإقالة
قال رحمه الله: المأذون في إقالة البيع كالحر لأنه فسخ أو بيع مبتدأ في حق غيرهما والمأذون يملك كل واحد منهما فإن اشترى المأذون جارية فزادت في يده حتى صار الثمن أقل من قيمتها بما لا يتغابن الناس في مثله ثم أقاله البيع فيها فهو جائز في قول أبي حنيفة رحمه الله ولا يجوز في قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله وهو بناء على ما تقدم أن المأذون إذا باع شيئا من كسبه أو اشترى شيئا مما لا يتغابن الناس في مثله فعلى قول أبي حنيفة لما كان يملك ابتداء التصرف بهذه الصفة فكذلك الإقالة وعندهما لا يملك ابتداء التصرف بهذه الصفة لحق المولى أو للغرماء فكذلك لا يملك الإقالة لأن الإقالة في حق غير المتعاقدين بمنزلة البيع المبتدأ والإقالة من المأذون بعد حجر المولى عليه باطلة لأنه لا يملك ابتداء البيع والشراء بعد الحجر. وإذا باع المأذون شيئا أو اشترى ثم أن المولى أقال البيع فيه فإن كان المأذون لا دين عليه يومئذ فما صنع المولى من ذلك على عبده فهو جائز لأن الكسب خالص حقه والمأذون في حكم العقد كان متصرفا له فتصح الإقالة منه وإن كان عليه دين يومئذ فهو باطل لأن المولى في كسبه كأجنبي آخر وإنما يعتبر قيام الدين عليه عند الإقالة لا عند ابتداء التصرف لأن الإقالة بمنزلة البيع الجديد فإذا كان الدين عليه قائما عند الإقالة لا يصح من المولى هذا التصرف كما لا يصح ابتداء البيع.
وإذا لم يكن الدين قائما يومئذ صح منه لمصادفته محله فإن كان عليه دين عند الإقالة

 

ج / 25 ص -148-    فقضى المولى الدين أو أبرأ الغرماء العبد من دينهم قبل أن يفسخ القاضي الإقالة صحت الإقالة بمنزلة ما لو باع شيئا من كسبه ثم سقط دينه بهذا الطريق وإن فسخ القاضي الإقالة ثم أبرأه الغرماء من الدين فالفسخ ماض لأن السبب الموجب لفسخ الإقالة وهو حق الغرماء كان قائما حين قضى القاضي به فلا يبطل ذلك الفسخ بسقوط الدين بعده كما إذا زال العيب بعد ما قضى القاضي بالفسخ.
وإذا باع عرضا بثمن وتقابضا ثم تقايلا والعرض باق والثمن هالك قبل الإقالة أو بعدها فالإقالة ماضية وإن كان الثمن باقيا والعرض هالكا قبل الإقالة أو بعدها فالإقالة باطلة وهذه فصول قد بيناها في البيوع في بيع العرض بالثمن وفي بيع العرض بالعرض وفي السلم وفي بيع النقود بعضها ببعض وما فيها من الفروق وقد استقصينا في بيانها في البيوع فإذا باع المأذون جارية بألف وتقابضا ثم قطع المشتري يدها أو وطئها أو ذهبت عينها من غير فعل أحد ثم تقايلا البيع ولا يعلم العبد بذلك فهو بالخيار إن شاء أخذها وإن شاء ردها لأنه إنما رضي بالإقالة على أن تعود إليه كما خرجت من يده وقد خرجت من يده غير معيبة والآن تعود إليه معيبة فلا يتم رضاه بها فلهذا كان له الخيار وحال البائع عند الإقالة كحال المشتري عند العقد.
ولو حدث بالمبيع عيب بعد العقد وقبل القبض يخير المشتري فهذا مثله وإنما الإشكال إذا وطئها وهي ثيب فإن من اشترى جارية ثيبا ثم علم أن البائع كان وطئها قبل العقد لم يكن له أن يردها بذلك وها هنا قال للعبد أن يردها إذا علم أن المشتري كان وطئها قبل الإقالة وهذا لأن الوطء في المشتراة بمنزلة التعييب والمستوفي بالوطء في حكم جزء من العين ولهذا لو وجد المشتري بها عيبا بعد الوطء لم يكن له أن يردها إلا برضا البائع فكذلك وطء المشتري إياها في حكم الإقالة بمنزلة التعييب فلهذا يخير العبد وهذا لأنه لا يرضى بأن يطأها المشتري زمانا ثم يقبل العقد فيها بجميع الثمن بخلاف البيع المبتدأ فالمشتري هناك يرغب فيها بالثمن المسمى في العقد إن كان يعلم أن البائع وطئها قبل العقد.
ولو كان الواطئ أو القاطع أجنبيا فوجب عليه العقر أو الأرش ثم تقايلا البيع والعبد يعلم بذلك أو لا يعلم فالإقالة باطلة في قول أبي حنيفة رحمه الله صحيحة في قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله وهو بناء على ما بينا في كتاب الصلح أن الإقالة عند أبي حنيفة فسخ في حق المتعاقدين فإذا لم يمكن تصحيحه فسخا كان باطلا وفي رواية الحسن عن أبي حنيفة قبل القبض كذلك وبعد القبض بمنزلة البيع وفي قول أبي يوسف الإقالة بمنزلة البيع في المستقبل إلا إذا تعذر جعلها بيعا فحينئذ يجعل فسخا وذلك في المنقول قبل القبض وعند محمد الإقالة بالثمن الأول أو أقل منه تكون فسخا فأما بأكثر من الثمن الأول أو بجنس آخر غير الثمن الأول تكون بيعا مستقبلا والثمن الأول إنما يكون فسخا إذا كان المحل قابلا للفسخ فأما إذا لم يكن قابلا لذلك كان بيعا مبتدأ ووجوه هذه الأقاويل بيناها في كتاب

 

ج / 25 ص -149-    الصلح والآن نقول العقر والأرش زيادة منفصلة وهي تمنع الفسخ حقا للشرع فلا تصح الإقالة بعدها عند أبي حنيفة رحمه الله وعند أبي يوسف الإقالة بمنزلة البيع المستقبل وعند محمد كذلك عند تعذر الفسخ فجوز الإقالة ها هنا بطريق البيع المستقبل.
ولو اشترى المأذون جارية بألف درهم وقبضها ولم يدفع الثمن حتى وهب البائع الثمن للعبد ثم تقايلا فالإقالة باطلة في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله لأن عند أبي حنيفة الإقالة فسخ ولا يمكن تصحيحها ها هنا فسخا فإنه بالفسخ يردها بغير شيء وعند محمد كذلك لأن المحل قابل للفسخ.
ألا ترى أنه لو لم يهب الثمن منه كان الفسخ صحيحا وإن كان المشتري حرا كان الفسخ صحيحا فعرفنا أن المحل قابل للفسخ والإقالة بالثمن الأول فلو صحت كان فسخا بغير شيء والعبد ليس من أهل رد الجارية بغير شيء وعند أبي يوسف الإقالة بمنزلة البيع المستقبل فكأنه باعها ابتداء من البائع بألف وذلك صحيح فيأخذ العبد الألف من البائع ويدفع إليه الجارية.
ولو أقاله البيع بمائة دينار أو بجارية أخرى أو بألفي درهم كانت الإقالة باطلة في قياس قول أبي حنيفة ومحمد لأنها فسخ عنده وما سمى فيها من الثمن باطل فلو ردها ردها بغير شيء وعند أبي يوسف ومحمد هذا جائز أما عند أبي يوسف فهذا غير مشكل وعند محمد الإقالة بأكثر من الثمن الأول أو بجنس غير جنس الثمن الأول تكون بيعا مبتدأ فكأنه باعها ابتداء بما سمى من الثمن فيكون صحيحا.
ولو كان المأذون لم يقبض الجارية حتى وهب البائع ثمنها ثم تقايلا فالإقالة باطلة عندهم جميعا لأن قبل القبض لا يمكن تصحيحها بيعا فيكون فسخا فلو صححناها لكان مخرجا إياها من ملكه بغير عوض
وكذلك لو أقاله بثمن آخر في هذه الحالة فإن بيع المبيع قبل القبض لا يجوز بخلاف جنس الثمن الأول ولا بأكثر من الثمن الأول فكان الجواب في الفصول سواء ولو لم يتقايلا البيع ولكنه رأى بالجارية عيبا قبل أن يقبضها فلم يرض بها أو لم يكن رآها فلما رآها لم يرض بها فنقض البيع وقد كان البائع وهب له الثمن فقبضه بطل لأن الرد بخيار الرؤية فسخ من كل وجه وكذلك الرد بالعيب قبل القبض فيكون في الرد إخراجها من ملكه بغير عوض والمأذون لا يملك ذلك.
ولو كان حين اشتراها اشترط فيها الخيار ثلاثة أيام ثم وهب له البائع الثمن ثم ردها بالخيار فرده جائز في قول أبي حنيفة وفي قولهما ليس له أن يردها بناء على ما بينا في البيوع أن خيار المشتري عنده يمنع دخول المبيع في ملكه فهو بهذا الرد لا يخرج العين عن ملكه بغير عوض ولكنه يمتنع من تملكه وهو صحيح من العبد كالامتناع من قبول الهبة وعندهما السلعة دخلت في ملك المشتري فهذا الرد إخراج لها من ملكه بغير عوض والمكاتب في

 

ج / 25 ص -150-    جميع ما وصفنا كالمأذون لأنه ليس من أهل التبرع بكسبه كالمأذون بل أولى فإن المكاتب لا يتبرع بإذن المولى ومن المأذون يصح ذلك إن لم يكن عليه دين.
ولو باع المأذون جارية من رجل بألف درهم وتقابضا ثم تقايلا فلم يقبض العبد الجارية حتى قطع رجل يدها أو وطئها فنقصها الوطء كان العبد بالخيار للتغيير الحاصل فيها بعد الإقالة قبل الرد ولو اختار أخذها اتبع الواطئ أو الجاني بالعقر أو الأرش لأنها عادت إلى ملكه ففعل الواطئ أو الجاني حصل في ملكه فيكون العقر والأرش له أوان نقض الإقالة فالعقر والأرش للمشتري لأنها تعود إلى ملك المشتري على ما كانت قبل الإقالة وصار الحال بعد الإقالة قبل الرد ها هنا كالجاني بعد الشراء قبل القبض والمبيعة إذا وطئت بالشبهة ونقصها الوطء أو جنى عليها قبل القبض يخير المشتري إن شاء أخذها واتبع الجاني أو الواطئ بالعقر والأرش وإن شاء نقض البيع والعقر والأرش للبائع فكذلك بعد الإقالة.
ولو كان مكان الألف عرضا بعينه كان العبد بالخيار إن شاء أخذ الجارية من المشتري واتبع الجاني أو الواطئ بالأرش والعقر وإن شاء أخذ قيمة الجارية من المشتري يوم قبضها وسلم له الجارية وأرشها وعقرها للمشتري لأن الإقالة ها هنا لا تبطل وإن أبى أن يأخذ الجارية بمنزلة ما لو هلكت فإن في بيع المقايضة هلاك أحد العوضين كما لا يمنع بقاء الإقالة لا يمنع ابتداء الإقالة بخلاف ابتداء البيع.
وإذا بقيت الإقالة وقد تعذر على المشتري رد عين الجارية للتغيير الحاصل فيها في ضمانه فعليه قيمتها يوم قبضها وكذلك لو كان قبلها الجاني كان العبد بالخيار إن شاء اتبع عاقلة الجاني بقيمتها لأن جنايته حصلت على ملكه وإن شاء اتبع المشتري بقيمتها حالة لأن الإقالة لم تبطل وقد تعذر على المشتري ردها فيلزمه رد قيمتها وهذه القيمة ضمان العقد فتكون حالة في ماله ثم يرجع المشتري على عاقلة الجاني بقيمتها في ثلاث سنين لأنها عادت إلى أصل ملكه وكذلك لو ماتت الجارية بعد الإقالة كان للعبد أن يأخذ من المشتري قيمتها لما بينا أن هلاك الجارية لا يمنع بقاء الإقالة كما لا يمنع ابتداء الإقالة فعليه رد قيمتها ولو كان حدث بها عيب من فعل المشتري بعد الإقالة يخير العبد فإن شاء ضمنه قيمتها يوم قبضها منه لأنه تعذر عليه رد عينها كما قبضها وإن شاء أخذ الجارية ورجع على المشتري بنقصان العيب لأن الجارية بعد الإقالة مضمونة بنفسها حتى لو هلكت يجب ضمان قيمتها فتكون كالمغصوبة فيضمن المشتري نقصان العيب بخلاف المبيعة قبل القبض فإنها مضمونة بالثمن فلا يكون للمشتري أن يتبع البائع بنقصان العيب من القيمة إذا أراد أخذها ولكن يسقط حصة ذلك من الثمن لأن التعييب حصل بقول البائع والأوصاف بالتناول تصير مقصودة.
ولو كان العيب أحدثه فيها المشتري قبل الإقالة ثم تقايلا ثم علم العبد بالعيب تخير لمكان التغيير فإن شاء ضمن المشتري قيمتها يوم قبضها لأنه تعذر عليه ردها كما قبضها

 

ج / 25 ص -151-    وإن شاء أخذها معيبة ولا شيء له غير ذلك لأن فعل المشتري حصل في ملك صحيح له وذلك غير موجب للضمان عليه فهو وما لو تعيبت بغير فعله سواء بخلاف الأول ففعل المشتري هناك لا في ملك غيره لأنها بالإقالة عادت إلى العبد وهي مضمونة في يد المشتري بنفسها على ما قررنا.
ولو كان العيب أحدثه فيها رجل أجنبي قبل الإقالة ثم تقايلا فالإقالة جائزة ولا سبيل للعبد على الجارية ولكنه يأخذ من المشتري قيمتها يوم قبضها لأنه بحدوث الزيادة المنفصلة فيها تعذر الفسخ فكأنها ماتت وموتها قبل الإقالة لا يمنع صحة الإقالة ويكون حق العبد في قيمتها يوم قبضها لتعذر رد العين في قيام السبب الموجب للرد.
ولو باع العبد إبريق فضة فيه مائة درهم بعشرة دنانير وتقابضا ثم تقايلا وافترقا قبل القبض فالإقالة منتقضة لأن العبد في حكم الإقالة كالحر وقد بينا في الصرف أن الإقالة بمنزلة العقد الجديد في حكم استحقاق القبض في المجلس لأن ذلك من حقوق الشرع والرد بعد القبض بغير قضاء بمنزلة الإقالة في ذلك بخلاف الرد بالعيب فإن فسخ من الأصل فلا يبطل بترك التقابض في مجلس الرد.
ولو باع المأذون جارية من رجل بجارية قيمة كل واحدة منهما ألف وتقابضا ثم تقايلا ولم يتقابضا حتى ولدت كل واحدة منهما ولدا قيمته مثل قيمة أمه فلهما أن يتقابضا الجاريتين وولديهما لأن كل واحدة منهما عادت بالإقالة إلى ملك من خرجت من ملكه بالعقد ثم ولدت على ملكه فيكون له أن يأخذها مع ولدها كالمبيعة إذا ولدت قبل القبض فإن لم يتقابضا حتى ماتت الأمهات وأرادا أخذ الولدين فإن كل واحد منهما يأخذ الولد الذي في يد صاحبه مع نصف قيمة أمه لأن كل واحدة منهما حين ولدت فالأخرى تنقسم على قيمتها وقيمة ولدها وقيمتهما سواء فانقسمت نصفين وقد هلكت الأمتان فكان لكل واحد منهما أن يأخذ من صاحبه الولد الذي في يده مع نصف قيمة أمه اعتبارا للبعض بالكل وإن كانت قيمة كل واحد من الولدين خمسمائة والمسئلة بحالها كان لكل واحد منهما أن يأخذ الولد الذي في يد صاحبه ويرجع على صاحبه بثلث قيمة الأم التي هلكت في يده لأن انقسام كل واحد منهما على الأم وعلى الولد باعتبار القيمة فيكون أثلاثا فبعد هلاك الأمتين إنما تبقى الإقالة فيما هو حصة الولد من كل واحدة منهما وحصة ولد هذه من الأخرى الثلث فعرفنا أن بقاء الإقالة في ثلث الأخرى فيرجع بثلث قيمتها فأما في ثلثيها فقد بطلت الإقالة بهلاك العوضين جميعا بخلاف الأول فالانقسام هناك نصفان لاستواء القيمتين فبقي كل واحد من الولدين ببقاء الإقالة في نصف الأم الأخرى حصة هذا الولد فيها فلهذا كان الرجوع بنصف القيمة.
ولو هلك الولد وبقيت الأمتان أخذ كل واحد منهما الجارية التي في يد صاحبه ولم يتبعه بشيء من قيمة الولد لأن الولد حدث من غير صنع أحد ومات كذلك فصار كأن لم يكن ولو هلكت الأمتان وأخذا الولدين فإن الذي في يده الولد الحي يدفعه إلى صاحبه فيأخذ منه ثلث

 

ج / 25 ص -152-    قيمة الأم التي هلكت في يد الآخر لأن بقاء الإقالة باعتبار الولد الحي وإنما يبقى فيما يخصه من الجارية الأخرى وحصة ثلث الجارية الأخرى فلهذا رجع بثلث قيمتها وفيما سوى ذلك بطلت الإقالة كلها بهلاك العوضين قبل الرد والله أعلم.

باب تأخير العبد المأذون الدين
قال رحمه الله: وإذا وجب للعبد المأذون على رجل ألف درهم من ثمن مبيع أو غصب أو غير ذلك فأخره العبد عنه سنة فهو جائز لأن التأجيل من صنيع التجار وهو منفك الحجر عنه فيما هو من صنيع التجار وهذا لأن التأجيل لا يسقط الدين وإنما يؤخر المطالبة.
ولو ترك المطالبة زمانا من غير تأجيل لم يكن به متبرعا عليه بشيء من الدين فكذلك إذا أجله سنة ولو صالحه على أن أخر ثمن بعضه وحط عنه بعضه كان الحط باطلا والتأخير جائزا اعتبارا للبعض بالكل
ولو كان الدين الواجب له قرضا اقترضه فتأجيله غير لازم كما في الحر وقد بيناه في كتاب الصرف.
ولو وجب للمأذون ولرجل على رجل ألف درهم وهما فيه شريكان فأخر العبد نصيبه منه فالتأخير باطل في قول أبي حنيفة رحمه الله، وهو جائز في قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله وقد بينا المسألة في الحرين في كتاب الصلح فكذلك في العبد مع الحر وبينا أن على قولهما الذي لم يؤخر الدين يأخذ حصته فيكون له خاصة فإذا حل الأجل كان العبد بالخيار إن شاء أخذ من شريكه نصف ما أخذ لأن المقبوض كان دينا مشتركا بينهما وبالتأجيل لم تبطل الشركة فإن قسمة الدين قبل القبض لا تجوز إلا أن الأجل كان مانعا من مشاركة القابض فإذا ارتفع هذا المانع كان له أن يشاركه في المقبوض ثم يتبعان الغريم بالباقي وإن شاء سلم له المقبوض واختار اتباع الغريم بنصيبه في الدين.
ولو اقتضى العبد شيئا قبل حل الأجل كان لشريكه أن يأخذ منه نصفه لأن الأجل سقط فيما اقتضاه العبد فكأنه لم يكن ولأن المقبوض من دين مشترك ولا مانع للشريك من مشاركته في المقبوض لأن نصيبه من الدين حال وكذلك إن كان الدين كله مؤجلا فقبض أحدهما شيئا منه قبل حله كان للآخر أن يشاركه فيه لأن الأجل حق المطلوب فهو في مقدار ما أوفى قبل حله أسقط حقه من الأجل فسقط ذلك في حق الشريكين جميعا والحكم في هذا الحر بمنزلة ما لو كان الدين كله حالا فللذي لم يقبض أن يشارك القابض في المقبوض.
ولو كان الدين حالا فأجله العبد سنة ثم قبض الشريك حصته ثم أبطل الغريم الأجل الذي أجله العبد برضى منه قبل مضيه فقد بطل الأجل لأنه حق الغريم وقد أسقطه ولكن لا سبيل للعبد على ما قبض شريكه في قول أبي حنيفة ومحمد حتى يحل الأجل لأنه ثبت بالتأجيل حكمان أحدهما سقوط حقه عن مشاركة القابض في المقبوض قبل حل الأجل والآخر سقوط حقه عن مطالبة المديون قبل حل الأجل فإسقاط الغريم الأجل عامل في حقه وليس بعامل في حق القابض إذ لا ولاية له عليه فيجعل الأجل في حقه كالقائم وهو نظير

 

ج / 25 ص -153-    الدين المؤجل إذا كان به كفيل فأسقط الأصيل الأجل بقي الأجل في حق الكفيل فإذا حل الأجل شاركه في المقبوض إن شاء وإن لم ينقص الأجل ولكن الغريم مات فحل عليه شارك العبد شريكه فيما قبض لأن انتقاض الأجل بالموت ثابت حكما فيظهر في حق مطالبة الغريم وحق مشاركة القابض في المقبوض بخلاف الأول فإنه كان عن قصد من الغريم وهذا بخلاف مسألة الكفيل فإن الأصيل إذا مات بقي الأجل في حق الكفيل لأن هناك الأجل في حق كل واحد منهما ثابت مقصود والغريم بالموت قد استغنى عن الأجل والكفيل محتاج إليه فبقي الأجل في حقه فأما ها هنا فالأجل في حق الغريم خاصة فأما مشاركه القابض في المقبوض فلا أجل فيه مقصودا لأن ذلك عين والعين لا تقبل الأجل وإنما كان ذلك بناء على قيام المانع في حق الذي أجله ولم يبق المانع بعد موت الغريم حقيقة وحكما فأما بعد إسقاط الأجل من الغريم قصدا فالمانع كالقائم في حق الشريك حكما فمن هذا الوجه يقع الفرق ولو لم يمت ولكنهما تناقضا الأجل ثم قبض الشريك حقه كان للعبد أن يشاركه لأنهما حين تناقضا لم يكن في هذا الأجل حق سوى الغريم فصحت مناقضته مطلقا فصار الدين حالا فإذا قبض الآخر نصيبه بعد ذلك كان له أن يشاركه بخلاف الأول فهناك حين تناقضا كان حق الشريك ثابتا في ذلك الأجل من حيث تأخر رجوع الشريك عليه في المقبوض فلا يعمل انقضاضه في حقه.
يوضحه: أن هناك حين قبض مع قيام الأجل لم يثبت للشريك حق المشاركة في المقبوض إلا بعد حل الأجل فلو ثبت بعد ذلك إنما يثبت بتصرف الغريم وتصرفه في حق الغير لا يكون صحيحا وها هنا حين قبض بعد مناقضة الأجل حق الشريك ثابت في المشاركة ومناقضة الأجل لم يكن تصرفا منه في حق الغير فكان صحيحا.
ولو كان المال حالا فقبض الشريك حقه ثم إن العبد أخر الغريم حقه وهو يعلم بقبضه أو لا يعلم فتأخيره جائز عندهما ولا سبيل له على ما قبض شريكه حتى يحل الأجل لأن كون نصيبه مؤجلا مانع له من الرجوع على شريكه في المقبوض قبل حل الأجل.
ولو كان هذا المانع قائما عند القبض لم يكن له أن يشاركه فكذلك إذا ثبت هذا المانع بالتأجيل بعد قبضه ولأن نصيبه في حصة الغريم على حاله.
ألا ترى أنه لو سلم للقابض ما قبض واختار اتباع الغريم كان له ذلك فإذا صح تأجيله في نصيبه لم يكن له أن يشارك صاحبه في المقبوض حتى يحل الأجل فإذا حل أخذ منه نصف ما قبض إن شاء.
فإن قيل: لماذا لم يجعل تصرفه في نصيبه من حيث التأجيل مسقطا حقه في مشاركة القابض.
قلنا: لأنه لا منافاة بين تأجيله في نصيبه وبين ثبوت حقه في المشاركة في المقبوض بعد حل الأجل وهذا لأن حق المشاركة باعتبار الشركة في أصل الدين وبتأجيله لا ينعدم ذلك،

 

ج / 25 ص -154-    ولو كان مالهما إلى سنة فقبض الشريك عاجلا ثم أن العبد أخر حقه للغريم سنة أخرى وهو يعلم بقبضه أو لا يعلم فتأخيره جائز عندهما ولا سبيل له على ما قبض شريكه حتى يمضي السنتان جميعا لأن الزيادة في الأجل بعد قبض الشريك بمنزلة أصل التأجيل وقد بينا أن ذلك يمنعه من المشاركة قبل حل الأجل فلا يسقط حقه في المشاركة بعد حل الأجل فكذلك الزيادة في الأجل.
ولو كان المال حالا فأخذ الشريك حقه فسلمه له العبد كان تسليمه جائزا عندهم لأنه يسقط حقه في المشاركة بعوض وهو ما يستوفي من الغريم من نصيبه من الدين وذلك من صنيع التجار فيكون صحيحا من العبد ولا يرجع العبد على القابض بشيء حتى يتوي ما على الغريم فإذا توى ما عليه رجع على شريكه فيشاركه في المقبوض لأنه سلم له المقبوض بشرط أن يسلم له ما في ذمة الغريم فإذا لم يسلم عاد حقه كما كان كالمحتال عليه إذا مات مفلسا.
ولو كان المال إلى سنة فاشترى العبد من الغريم جارية بحصته فللشريك أن يأخذ العبد بنصف حقه من الدراهم لأنه صار مستوفيا نصيبه بطريق المقاصة كما هو الأصل في الشراء بالدين فكأنه استوفاه حقيقة وأحد الشريكين إذا استوفى نصيبه قبل حل الأجل كان للآخر أن يشاركه فيه فإن أخذ منه نصف نصيبه من الدراهم ثم وجد العبد بالجارية عيبا فردها على البائع بقضاء قاض عاد المال إلى أجله لأن الرد بقضاء القاضي فسخ من الأصل وسقوط الأجل كان من حكم البيع ووقوع المقاصة بالثمن وقد بطل ذلك بانفساخ العقد من الأصل فعاد المال إلى أجله واسترد العبد من شريكه ما أخذه منه لأنه أخذه باعتبار أنه استوفى نصيبه بالمقاصة وقد بطل ذلك من الأصل بانفساخ البيع فتبين أنه استوفى منه بغير حق فيلزمه رده
ولو كان ردها بغير قضاء أو بإقالة لم يرجع على الشريك بشيء مما أعطاه لأن هذا السبب بمنزلة العقد المبتدأ في حق الشريك فلا يتبين به بطلان المقاصة وحكم الاستيفاء من العبد لنصيبه في حق الشريك فلهذا لا يرجع عليه بشيء ويكون للعبد ولشريكه على الغريم الخمسمائة الباقية إلى أجلها وللعبد على الغريم خمسمائة حالة فكان ينبغي أن يكون هذا مؤجلا عليه لأن الإقالة والرد بغير قضاء القاضي فسخ في حقهما والأجل في هذا المال من حقهما ولكن هذا بناء على الأصل الذي بينا فيما أمليناه من شرح الزيادات أن الإقالة والرد بغير قضاء القاضي فسخ في حقهما فيما هو من حكم ذلك العقد خاصة فأما فيما ليس من حكم ذلك فالعقد يكون بمنزلة البيع المبتدأ وعود الأجل ليس من حكم ذلك العقد فيجعل في حقه كالبيع المبتدإ فكأنه اشتراها بخمسمائة مطلقة فتكون حالة.
وكذلك لو كان العبد المشتري الجارية من الغريم بجميع الألف إلا أن للشريك أن يأخذه بنصف الألف ها هنا لأنه صار مستوفيا جميع الدين بطريق المقاصة واحد الشركين أن استوفى الدين كان للآخر أن يرجع عليه بنصف ذلك الدين سواء كان الدين حالا أو مؤجلا فإن كان حين إقالة البيع أو رده بغير قضاء شرط عليه البائع أن الثمن إلى أجله كان إلى أجله لأن هذا

 

ج / 25 ص -155-    بمنزلة البيع المبتدأ لكن بثمن مؤجل شرطا وهو نظير المشتري بالنسبة إذا ولاه غيره مطلقا يكون الثمن في حق البائع حالا إلا أن يكون اشترط في التولية أن يكون المال إلى أجله فحينئذ يكون مؤجلا كما شرط. 

باب وكالة العبد المأذون بالبيع
قال رحمه الله: وللمأذون له أن يتوكل لغيره بالشراء بالنقد استحسانا وفي القياس لا يجوز ذلك لأنه يلتزم الثمن في ذمته بمقابلة ملك يحصل لغيره فيكون في معنى الكفالة بالمال عن الغير والمأذون ليس من أهله إلا أن يكون بإذن المولى إذا لم يكن عليه دين ولأنه يلتزم العهدة من غير منفعة له في ذلك فيكون تبرعا منه ولهذا لا يتوكل بالشراء لغيره بالنسيئة.
وجه الاستحسان: أن الثمن بالشراء كما يجب على المأذون يجب له على الموكل وتكون العين محبوسة في يده إلى أن يصل الثمن إليه فلا يلحقه ضرر في ذلك بل هو بمنزلة ما لو اشتراه لنفسه ثم باعه من غيره بمثل ذلك الثمن بخلاف الكفالة فإنه يلتزم المال في ذمته بالكفالة من غير أن تكون بمقابلته في يده عين محبوسة وبخلاف الشراء بالنسيئة فإنه لا يستوجب حبس العين بالثمن ها هنا كما أن البائع لا يستوجب الحبس عليه فيكون ذلك في معنى الكفالة ثم هذا التوكيل منفعة للمأذون لأنه يحتاج في بعض التصرفات إلى الاستعانة بغيره ومن لا يعين غيره لا يعان عند حاجته.
وإذا توكل بالشراء نسيئة صار مشتريا لنفسه لأنه لما تعذر تنفيذ شرائه على الموكل وهو يملك الشراء لنفسه بهذه الصفة نفذ العقد عليه كالحر إذا اشترى لغيره بغير أمره وأن يتوكل لغيره بالبيع بالنقد والنسيئة لأنه في الموضعين جميعا إنما يلتزم تسليم العين ولا يلتزم في ذمته شيئا من البدل وهو لا يستغنى عن ذلك في التصرفات ولأن التوكيل عن الغير بالشراء أو بالبيع من نوع التجارة فإن أعظم الناس تجارة وهم الباعة يتوكلون بالبيع والشراء للناس وللمأذون أن يوكل بالبيع والشراء غيره كما يفعله الحر لأن التوكيل من صنيع التجار ولأنه لا يستغنى عن ذلك في تجارته فإن التجارة نوعان حاضرة وغائبة وإذا اشتغل بأحدهما بنفسه يحتاج إلى أن يستعين في الآخر بغيره لكن لا يفوته مقصود النوعين وإذا باع المأذون جارية رجل بأمره ثم قتلها الآمر قبل التسليم بطل البيع لأن البيع من نائبه كبيعه من نفسه والمبيع مضمون على الموكل بالثمن لو هلك فلا يكون مضمونا عليه بالقيمة لما بينهما من المنافاة فإذا لم تجب القيمة بحقوق فوات القبض المستحق بالعقد حين تلف المعقود عليه ولم يخلف بدلا بطل البيع فإن قتلها المأذون قيل لمولاه ادفعه بالجناية أو افده كما لو قتلها قبل البيع وهذا لأن بالوكالة لا يثبت للمأذون فيها ملك ولا حق ملك فقتله إياها جناية على ملك الغير وجناية المملوك بهذه الصفة توجب على المولى الدفع أو الفداء فأيهما فعل كان المشتري بالخيار لتغير المعقود عليه قبل التسليم حين تحول البيع إلى البدل فإن شاء نقض البيع وإن شاء أخذ ما قام مقام الجارية وأدى الثمن كما لو كان القاتل عبدا آخر سوى الوكيل.

 

ج / 25 ص -156-    ولو كان مولى العبد هو الذي قتلها وعلى العبد دين أو لا دين عليه فعلى عاقلته قيمتها إلى ثلاث سنين لأنه ليس لمولى العبد فيها ملك ولا حق ملك ثم يتخير المشتري فإن شاء نقض البيع والقيمة للموكل وإن شاء أدى الثمن فاستوفى قيمتها من عاقلة القاتل في ثلاث سنين.
ولو كان المأذون باع جارية مما في يده من رجل بجارية ثم قتلها العبد قبل أن يسلمها بطل العقد لأن العبد في التصرف في كسبه كالحر في التصرف في ملكه فالمبيع في يده مضمون بما يقابله ويستوي إن كان على العبد دين أو لم يكن فيبطل البيع لفوات القبض المستحق بالعقد.
وكذلك إن قتلها المولى ولا دين على العبد لأن كسب العبد خالص ملك المولى والعبد بائع للمولى من وجه.
ألا ترى أنها لو هلكت بطل ملك المولى عما يقابلها فكذلك إذا قتلها المولى وإن كان على العبد دين فالمولى ضامن لقيمتها لأن كسبه في هذه الحالة لغرمائه.
ولو قتلها المولى قبل البيع كان ضامنا لقيمتها لغرمائه فبعد البيع أولى وهذه القيمة عليه في ماله لأن له حق الملك في كسبه على معنى أنه يسلم له إذا فرغ من دينه والعاقلة لا تتحمل عنه له فتكون القيمة في ماله سواء قتلها عمدا أو خطأ والمشتري بالخيار لتغيير المعقود عليه قبل التسليم فإن شاء نقض البيع وكانت القيمة لغرماء العبد وإن شاء أخذ القيمة وأدى الثمن وتصدق بالفضل إن كان في القيمة على الثمن فضل لأن ذلك ربح حصل لا على ضمانه.
ولو كان المولى دفع إلى عبده جارية له ليست من تجارة العبد وأمره ببيعها فباعها ولم يقبضها المشتري حتى قتلها مولى العبد فالبيع منتقض لأن العبد في هذا التصرف كان نائبا عن المولى كالحر وهي مضمونة على المولى بالثمن فينتقض البيع لتفويت القبض المستحق بالعقد فيها وإن كان العبد هو الذي قتلها فإن اختار المولى دفع العبد بالجناية فالمشتري بالخيار لأن الجارية صارت مملوكة للمشتري بالعقد والعبد إنما جنى على ملك المشتري وذلك يوجب الخيار للمولى بين الدفع والفداء فإن اختار الدفع فهناك لا يجب في ذمته شيء من قيمتها ولكن يلزمه تسليم العبد وإذا اختار الدفع قام العبد مقام الجارية ويخير المشتري للتغيير وإذا اختار الفداء انتقض البيع لأنه حين اختار الفداء فقد صار الضمان دينا في ذمته وإذا صار الضمان عليه بطل الشراء لأنه مضمون عليه بالثمن قبل التسليم فلا يكون مضمونا بالقيمة كما لو كان هو الذي قتلها بخلاف ما إذا اختار المشتري إمضاء العقد ووجوب تسليم العبد عليه كوجوب تسليم الجارية عليه قبل القتل.
وإذا كان بين المأذون وبين حر جارية فأمره الحر ببيعها فباعها العبد بألف درهم ثم أقر العبد أن شريكه قد قبض جميع الثمن أو نصفه من المشتري وصدقه المشتري وكذبه الشريك فإقرار العبد صحيح في براءة المشتري من نصف الثمن لأنه أقر في النصف بقبض مبرئ وهو

 

ج / 25 ص -157-    قبض الموكل فيكون بمنزلة ما لو أقر بأنه هو الذي قبضه وهذا لأن الإقرار بالقبض يملكه المأذون كإنشاء القبض فإن ذلك من صنيع التجار ثم يحلف العبد بدعوى الشريك لأنه يزعم أنه أتلف حقه في الثمن بإقراره بالقبض كاذبا.
ولو أقر العبد لزمه فإذا أنكره يحلف لرجاء نكوله فإن حلف أخذ من المشتري نصف الثمن فيكون بينهما نصفين لأن يمينه حجة له في براءته عن ضمان ذلك النصف الذي زعم أن الموكل قبضه وليست بحجة في وصول ذلك إلى الشريك حقيقة ولا في سلامة ما بقي له خالصا فهذا الذي يقبضه جزء من دين مشترك بينهما فيكون بينهما نصفان والنصف الآخر صار كالتاوي وإن نكل عن اليمين غرم نصف الثمن للشريك لإقراره أنه أتلف ذلك عليه ويأخذ من المشتري نصف الثمن فيسلم له لأنه وصل إلى الشريك جميع حقه ولا يمين على المشتري في شيء من ذلك لأنه لا دعوى لأحد عليه فالمشتري لم يعامله بشيء والعبد بالنكول صار مقرى بأنه لم يقبض شيئا فلا يسمع منه دعوى القبض لتخلفه.
ولو كان الشريك هو الذي أقر أن العبد قبض جميع الثمن وصدقه المشتري وكذبه العبد بريء المشتري من نصف الثمن أيضا لأن الموكل في نصيبه من الثمن كما يملك قبضا يوجب براءة المشتري يملك الإقرار بقبض مبرئ.
ألا ترى أنه لو أقر أنه قبضه بنفسه كان إقراره مبرئا للمشتري فكذلك إذا أقر أن البائع قبضه ولا يمين على المشتري في ذلك لأنه لا دعوى للعبد عليه في ذلك النصف بعد إقرار الموكل عليه بقبض مبرئ كما لا دعوى في ذلك للوكيل بعد إبراء الموكل إياه ويحلف الآمر العبد لأنه يدعي عليه أنه قبض الثمن وأنه يمتنع من دفع نصيبه إليه.
ولو أقر به لزمه فإذا أنكر يستحلف لرجاء نكوله فإن نكل لزمه نصف الثمن للآمر وإن حلف بريء من نصيب الآمر وأخذ العبد من المشتري نصف الثمن لا يشاركه فيه الآمر لأن الآمر صار متلفا نصيبه بإقراره أن العبد قبضه فهو بمنزلة ما لو أبرأ المشتري عن نصيبه من الثمن فلا يكون له مشاركة العبد فيما يقبض من نصيبه.
ولو أقر الآمر أن العبد قبض نصف الثمن بريء المشتري من ربع الثمن لأنه نصف ما أقر بعضه نصيب الآمر وهو في نصيبه يملك الإقرار بقبض مبرئ فإذا بريء من ربع الثمن بقي على المشتري سبعمائة وخمسون درهما فما قبض العبد منهما فللآمر ثلثه وللعبد ثلثاه على قدر ما بقي من حقهما في ذمة المشتري فإنه بقي حق العبد في خمسمائة وحق الآمر في مائتين وخمسين ولو أقر الآمر أن العبد أبرأ المشتري من جميع الثمن أو أنه وهبه له فإقراره باطل والثمن كله على المشتري لأن الثابت بإقراره كالثابت بالمعاينة.
ولو عاينا هبة العبد الثمن من المشتري كان باطلا في الكل لأنه تبرع والعبد ليس من أهله فيما باع لنفسه أو لغيره وكذلك لو أقر العبد بذلك على الآمر وأنكره الآمر لأن إقرار العبد إنما يصح بما يملك إنشاءه وهو لا يملك إنشاء الهبة والإبراء فكذلك لا يملك الإقرار

 

ج / 25 ص -158-    به على نفسه أو على غيره بخلاف الإقرار بالقبض فإنه يملك إنشاء القبض فيملك الإقرار به أيضا.
ولو كان شريك العبد هو الذي ولي البيع بأمر العبد ثم أقر على العبد بقبض الثمن أو بقبض حصته كان ذلك بمنزلة إقرار العبد عليه لو كان العبد هو الذي ولي البيع لأن المأذون والحر في الإقرار بالقبض يستويان كما في إنشاء القبض.
ولو أقر البائع على العبد بالإبراء والهبة كان باطلا كما لو عاينا الإبراء والهبة من العبد وكذلك لو أقر العبد على البائع بأنه وهب الثمن أو أبرأ المشتري منه لأن العبد لا يملك الإقرار بالهبة والإبراء على نفسه فلا يملكه على غيره بغير دعوى المشتري على البائع الإبراء عن الثمن فيحلف البائع على ذلك فإن حلف أخذ جميع الثمن من المشتري وإن نكل بريء المشتري من جميع الثمن وللعبد أن يضمن البائع نصف الثمن في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله وفي قول أبي يوسف رحمه الله يبرأ من حصة البائع من الثمن خاصة وهو بناء على أن الوكيل بالبيع إذا أبرأ المشتري عن الثمن.
وإذا كانت الجارية بين رجلين حرين فباع أحدهما بأمر صاحبه من العبد المأذون بألف درهم ثم أقر الآمر أن البائع أبرأ المشتري من الثمن أو وهبه له وادعاه العبد وجحده البائع فقد بريء من حصة الآمر من الثمن في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله لأنه أقر فيه بإبراء صحيح فإبراء الوكيل عندهما يصح في براءة المشتري ولا يمين على المشتري في شيء من ذلك لأن العبد لا دعوى له في ذلك بعد إقرار الآمر بما يبرئ المشتري ويأخذ البائع من المشتري نصف الثمن فيسلم له بعد ما يحلف على ما ادعاه الآمر لأن الآمر يدعي عليه أنه ضامن له نصيبه بالإبراء والهبة وهو منكر لذلك فيستحلف وإذا حلف صار الآمر هو المتلف لنصيبه من الثمن بإقراره والنصف الآخر يسلم للبائع وعند أبي يوسف رحمه الله إقرار الآمر باطل وجميع الثمن على المشتري بينهما نصفان لأن في نصيب البائع لا قول له وفي نصيبه إبراء البائع عنده باطل.
ولو كان البائع أقر أن شريكه أبرأ العبد من حصته أو أنه قبض حصته وجحده الشريك وادعاه العبد فإن العبد بريء من نصف الثمن لأن البائع أقر بما يوجب براءة المشتري من نصف الثمن وهو القبض أو الإبراء من الآمر ولا يمين عليه لأنه لا دعوى لأحد عليه بعد ذلك لكن يرجع الآمر على البائع بحصته من الثمن وهو نصفه فيضمنها إياه لأن البائع صار متلفا نصيبه من الثمن بإقراره ويكون للبائع على المشتري نصف الثمن في قول أبي حنيفة ومحمد فأما عند أبي يوسف فإقراره على الآمر بالإبراء بمنزلة إبرائه إياه عن نصيبه وذلك باطل عنده ولا يمين على البائع في ذلك ولكن العبد يستحلف الآمر على ما يدعي عليه من الإبراء والهبة فإن نكل لزمه ما قال البائع وإن حلف بقي الثمن كله على المشتري.
وإذا دفع المأذون إلى رجل جارية ببيعها فباعها من رجل له على المأذون دين ودفع

 

ج / 25 ص -159-    الجارية إليه فقد صار الثمن قصاصا بدين العبد لأن الثمن بالبيع وجب للمأذون حتى إذا قبضه الوكيل يؤمر بالتسليم إليه وللمشتري على المأذون مثل ذلك دينا فيصير قصاصا لأنه لا فائدة في القبض وإن كان الدين للمشتري على المأمور دون المأذون فكذلك الجواب في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله وفي قول أبي يوسف رحمه الله لا يكون قصاصا بدين الوكيل وهي فرع مسألة الوكيل إذا أبرأ المشتري عن الثمن وقد بيناها في البيوع.
ولو كان للمشتري على العبد ألف وعلى الوكيل ألف كان الثمن قصاصا بدين الموكل دون الوكيل أما عند أبي يوسف فلا إشكال وأما عندهما فلأنه لو جعل قصاصا بدين الموكل لم يجب ضمانه على أحد
ولو جعل قصاصا بدين الوكيل كان الوكيل ضامنا مثله للموكل فكانت المقاصة بدين الموكل أقرب إلى انقطاع المنازعة وإلى إظهار فائدة المقاصة ثم الثمن ملك الموكل والمطالبة حق الوكيل وعند المعارضة الملك يكون أقوى من الحق فلهذا يترجح جانب الموكل فيصير قصاصا بدينه.

باب البيع الفاسد من المأذون
قال رحمه الله: وإذا باع المأذون جارية بيعا فاسدا من رجل وسلمها إليه جاز للمشتري فيها من العتق وغير ذلك ما يجوز له في شرائه من الحر لأن البيع الفاسد من نوع التجارة والمأذون فيه كالحر والمشتري بالقبض صار مالكا المبيع في الوجهين فينفذ تصرفه لمصادفته ملكه وكذلك المأذون لو كان هو الذي اشتراه شراء فاسدا وقبضه فإنه ينفذ فيه من تصرفاته ما ينفذ في الشراء الصحيح فيكون ضامنا قيمته للبائع لتعذر رد العين لأن التزام ضمان القيمة من العبد بسبب صحيح كالتزام ضمان الثمن فإذا غلت في يد المشتري غلة ثم باعها المأذون من رجل فالغلة تسلم له سواء كان عليه دين أو لم يكن لأن الغلة حصلت على ملكه وقد تقرر ملكه حين باعها من غيره وإن لم يبعها ولكن ردها على البائع فالغلة مردودة على البائع لأن الرد بفساد العقد يفسخ البيع من الأصل والمشتراة شراء فاسدا كالمغصوبة في أنها ترد بزوائدها المنفصلة والمتصلة فترد الغلة أيضا ثم على البائع أن يتصدق بها لأن الغلة حصلت لا على ملكه ولا على ضمانه.
ولو كان العبد هو الذي باع الجارية أو الغلام بيعا فاسدا ثم أغل غلة عند المشتري ثم باعها المشتري فالغلة له لتقرير ملكه في الأصل وعليه أن يتصدق بها لأن الغلة حين حصلت كان ملكه فيها بسبب فاسد والمبيع كالمغصوب في يده تسترد بزوائدها المنفصلة والمتصلة فيؤمر بالتصدق بالغلة ولو ردهما مع الغلة على المأذون لم يتصدق المأذون بشيء من الغلة وكذلك في المسألة الأولى إذا كان المأذون هو المشتري فلا يتصدق بالغلة لأن كسبه لا يحتمل الصدقة والغلة صارت من إكسابه فلا يستحق عليه التصدق بها شرعا لكن إن كان على العبد دين أخذ الغرماء الغلة قضاء من دينهم ولم يتصدقوا بشيء منها لأنهم أخذوها بدلا

 

ج / 25 ص -160-    عن دينهم فإن لم يكن عليه دين فينبغي للمولى أن يتصدق بها لأن كسب العبد خالص حق المولى في هذه الحالة وإنما يملك على سبيل الخلافة عن المأذون.
ولو كان المأذون من أهل أن يتصدق كان عليه التصدق بهذه الغلة فكذلك من يخلفه وهو المولى من أهل التصدق فيستحب له أن يتصدق بها.
وإذا باع المأذون جارية من رجل بيعا فاسدا وسلمها فباعها المشتري من المأذون أو من وكيل مولاه بيعا صحيحا وسلمها إليه فإن لم يكن على المأذون دين فهو نقض للبيع الفاسد لأن بيع المأذون كسبه إذا لم يكن عليه دين يصادف ملك المولى فهو في حكم النائب عنه من وجه بمنزلة الوكيل فالرد لأجل الفساد مستحق في هذه العين على المولى كما هو مستحق على العبد ولو باعه من العبد كان ذلك نقضا للبيع الفاسد سواء كان على العبد دين أو لم يكن فإذا باعه من المولى ولا دين عليه يكون نقضا للبيع الفاسد أيضا وبيعه من وكيل المولى كبيعه من المولى وإن كان على المأذون دين فهو بيع جائز لأن المولى من كسبه في هذه الحالة كالأجنبي فيكون هذا بمنزلة بيع المشتري إياها من أجنبي آخر فيلزمه القيمة للعبد المأذون ويكون له الثمن على من باعها منه وإن باعها من عبد آخر للمولى بأجر وسلمها إليه فإن لم يكن على واحد منهما دين فهو نقض للبيع الفاسد لأن تصرف العبد الآخر للمولى من وجه لأن كسبه مملوك للمولى فهو نظير بيعها من وكيل المولى ولا يبرأ من ضمانها إلا بردها على المأذون أو على مولاه لأنها صارت مضمونة عليه بالقبض فبقي الضمان بعد انتقاض العقد لبقاء القبض وإن كان على أحدهما دين فهو بيع جائز.
أما إذا كان الدين على البائع فقد بينا أنه لو باعها في هذه الحالة من المولى كان بيعا جائزا فكذلك من عبده وإن كان الدين على المشتري فهو في هذا الشراء غير متصرف لمولاه بل لغرمائه فبيعها منه كبيعها من أجنبي آخر فيتقرر ضمان القيمة عليه للمأذون وله الثمن على المشتري منه.
وإذا باعها من مضارب المأذون البائع فهو جائز لأن للمضارب فيما يشتري حقا في الربح وهو بمنزلة المشتري لنفسه من وجه.
ألا ترى أن رب المال لا يملك نهيه عن بيعه؟ وأن رب المال لو باع شيئا من ماله من المضارب جاز فكذلك هذا المشتري شراء فاسدا إذا باعها من مضارب البائع جاز بمنزلة بيعها من أجنبي آخر وكذلك إن باعها من مضارب المولى وعلى العبد دين أو لا دين عليه.
ولو باعها من ابن المولى أو أبيه أو مكاتبه أو باعها من المولى لابن صغير له في عياله فهو كله سواء لأن التصرف الحاصل لهؤلاء في حق البائع دون تصرف مضارب البائع وإذا ثبت صحة الشراء الثاني هناك فها هنا أولى وكذلك لو أن أجنبيا وكل المولى بشرائها له فاشترى له أو وكل المأذون بشرائها له فاشتراها له كانت الجارية للآمر وكان الثمن على العبد المشتري ويرجع به العبد على الآمر وللعبد على الآمر قيمة الجارية فتكون القيمة قصاصا

 

ج / 25 ص -161-    بالثمن ويرجع العبد على الآمر بما أدى عنه من الثمن والحاصل أنه متى كان العقد الثاني موجبا حكما في الملك والضمان غير الحكم الذي كان قبل البيع الفاسد فإنه لا يكون ذلك نقضا للبيع الفاسد وإن كان لا يوجب حكما آخر سوى ما كان قبل البيع في حق الملك والضمان فهو نقض للبيع الفاسد.
ولو كان المأذون البائع هو الذي وكل إنسانا بشرائها من المشتري له ففعل وقبضها فهو نقض للبيع الفاسد فكأنه اشتراها بنفسه لأن هذا الشراء في حكم الملك والضمان لا يوجب إلا ما كان قبل العقد الفاسد فإن بشراء الوكيل يقع الملك للموكل وبقبض الوكيل يدخل في ضمان الموكل وإن كان المولى هو الذي أمر رجلا بشرائها له فهذا وشراء المولى بنفسه سواء في الفرق بينهما إذا كان على العبد دين أو لا دين عليه وإذا قتلها المأذون في يد المشتري فهو نقض للبيع لأنه بالإتلاف صار مستردا لها وزيادة.
ألا ترى أن المشتري بالإتلاف يصير قابضا للمبيع وكذلك لو كان حفر بئرا في الطريق قبل البيع أو بعده فوقعت الجارية فيها أو حدث بها عيب من ذلك ولم يمنعها المشتري منه حتى ماتت من حفره فهو فسخ للبيع لأن العبد بالحفر صار جانيا على الواقع في بئره عند الوقوع حكما فكأنه حفر بيده والبائع إذا أتلف المعقود عليه أو عيبه في البيع الفاسد صار مستردا له بمنزلة المشتري في البيع الصحيح لأن الاسترداد ها هنا مستحق كالقبض هناك إلا أن المشتري لو منعها منه بعد التعييب بطل حكم استرداده في حكم الضمان بمنع المشتري كما يبطل حكم قبض المشتري بمنع البائع بعد ما عيبها المشتري.
وإن كان المولى هو الذي فعل ذلك ولا دين على العبد فهو كذلك لأن المولى متمكن من استردادها لفساد البيع في هذه الحالة كالعبد وكما لو كان هو البائع بنفسه فإن كان عليه دين فالمولى غير متمكن من استردادها في هذه الحالة فيكون هو كأجنبي آخر فيما فعله فعلى عاقلته قيمتها في ثلاث سنين لأن جنايته حصلت على ملك المشتري فيجب ضمان القيمة على عاقلته إذا حدث الموت من فعله وإن كان حدث العيب من فعله والموت من غيره ضمن المشتري قيمتها بسبب القبض وتعذر الرد عليه ويرجع على المولى بنقصان العيب في ماله حالا لأن النقصان حصل بجناية المولى في ملك المشتري والجناية على المماليك فيما دون النفس حكمه حكم الأموال في أنه يكون في مال الجاني حالا وإن وقعت في بئر حفرها المأذون في دار من تجارته فمات أو في بئر حفرها المولى في ملكه لا يكون ذلك نقضا للبيع لأن الحافر في ملك نفسه لا يكون جانيا فإنه غير متعد في هذا التسبب وإنما يكون الإتلاف مضافا إليه إذا كان متعديا في التسبب فإذا لم يصر مضافا إليه لانعدام التعدي كان هذا وموتها في يد المشتري سواء يعطي المشتري ضمان قيمتها ولا شيء له على صاحب البئر من ذلك والله أعلم بالصواب.

 

ج / 25 ص -162-    باب قبض المأذون في البيوع
قال رحمه الله: وحكم المأذون في قبض ما اشتراه باليد أو بالجناية عليه كحكم الحر لأن القبض يصير مستحقا له بالشراء كما للحر وكذلك إن كانت جارية فوطئها فنقصها الوطء أو لم ينقصها ثم ماتت في يد المشتري من غير الوطء قبل أن يمنعها المشتري من العبد فعلى العبد جميع الثمن لأن المستوفي بالوطء في حكم جزء من العين كالمستوفي بالجناية ثم الوطء من الحر يجعل قبضا فكذلك من العبد لأن العبد لا يفارق الحر في ذلك إلا في حكم الحل والقبض ليس باعتبار صفة الحل بل باعتبار تمكنه من قبضها والتخلي بها حالة الوطء أو باعتبار أنه استيفاء جزء منها حكما وفي هذا الحر والعبد سواء.
وكذلك إن أقر بالوطء وكذبه المولى لأن الوطء منه لما كان قبضا فإقراره بالوطء كإقراره بالقبض وإقرار المأذون بقبض ما اشتراه صحيح صدقه المولى في ذلك أو كذبه.
وإذا اشترى المأذون من رجل كر حنطة يساوي مائة درهم بثمانين درهما فصب العبد فيه ماء قبل أن يقبضه فأفسده فصار يساوي ثمانين درهما ثم أن البائع بعد ذلك صب فيه ماء فأفسده فصار يساوي ستين درهما فالمأذون بالخيار للتغيير الحاصل فيه بفعل البائع فإنه بما صنع صار مستردا محدثا للعيب فيه ولم يوجد من العبد الرضا بذلك فكان له الخيار فإن اختار أخذ الكر أخذه بأربعة وستين درهما لأن البائع صار متلفا خمس المبيع فسقطت حصته من الثمن وذلك الخمس وخمس ثمانين ستة عشر فإذا سقط من المشتري ستة عشر درهما بقي عليه أربعة وستون  فإن قيل: أتلف البائع ربع الباقي لأن الثمن حين أفسده البائع كان ثمانين وقد تراجع إلى ستين قلنا: إنما يعتبر ما أتلف البائع من المبيع والمبيع قيمته مائة والجزء الذي أتلفه المشتري تقرر البيع فيه ولم ينتقض فلهذا سقط بفعل البائع خمس الثمن فإن تركه المشتري فلا ضمان عليه لما أفسد لأن الكر بعينه قد رجع إلى البائع فإنما بقي الفائت بفعل المشتري مجرد الجودة ولا قيمة للجودة في الأموال الربوية منفردة عن الأصل وقد صار البائع راضيا بذلك حين استرده بالإفساد بعد فعل المشتري.
ولو ضمن له المشتري النقصان عاد إليه الكر تاما مع زيادة دراهم وذلك ربا.
ألا ترى أن الغاصب لو أفسد الكر بصب الماء فيه ثم اختار المغصوب منه أخذه لم يكن له أن يضمن الغاصب النقصان فهذا مثله بخلاف ما إذا اختار الأخذ فإنا لو أسقطنا عن المشتري حصة ما أتلفه البائع من الثمن لا يؤدي إلى الربا بل يسلم الكر للمشتري بأربعة وستين درهما وذلك صحيح كما لو أبرأه البائع عن خمس الثمن.
ولو كان البائع هو الذي صب فيه الماء أولا ثم المشتري صب فيه الماء فإن المشتري يجبر على قبضه لأنه صار راضيا بالتعييب الحاصل بفعل البائع حين قبضه بالتعييب بعده ويؤدي أربعة وستين درهما لما قلنا: وكذلك هذا الحكم في كل مكيل أو موزون.
ولو كان المبيع عرضا أفسده المشتري أولا ثم أفسده البائع فإن شاء المشتري أخذه

 

ج / 25 ص -163-    وسقط عنه من الثمن بحساب ما نقصه البائع وإن شاء نقص المبيع وأدى من الثمن بحساب ما نقصه المشتري لأن المبيع ليس بمال الربا فيكون للوصف منه قيمة منفردا لأن الأوصاف بالتناول تصير مقصودة ويقابلها حصة من الثمن سواء تناولها البائع أو المشتري وقد بينا هذا في البيوع وإن كان المشتري أفسده بعد البائع لزمه ذلك وسقط عنه من الثمن بحساب ما نقصه البائع لوجود القبض والرضا من المشتري بعد التعييب الذي كان من البائع.
وإذا اشترى المأذون كر تمر جيد بعينه بكر تمر رديء بعينه فصب العبد في الكر الذي اشتراه ماء فأفسده ثم صب البائع فيه ماء فأفسده فهو بالخيار لأن البائع عيبه فصار مستردا له بعد تعييب المشتري ولم يوجد من المشتري الرضا بذلك فيتخير لهذا إن شاء أخذه ودفع الكر وإن شاء نقض البيع ولا يرجع واحد منهما على صاحبه بنقصان الكر في الوجهين جميعا أما إذا رده فظاهر وإن اختار أخذه فلأنه لو اعتبر جناية البائع ها هنا سقط عن المشتري حصته من العوض فيصير بأقل من كر وهو الربا بعينه بخلاف ما تقدم.
ولو كان المشتري صب فيه الماء بعد البائع لزمه الكر بجميع الثمن الذي اشتراه به لأنه صار راضيا به حين عيبه بعد البائع ولا يسقط بتعييب البائع شيء من العوض لأجل الربا وله أن يرده بعيب أن وجده قبل القبض أو بعده بالتعيب الحاصل من المشتري بما صب فيه من الماء وإذا اشترى المأذون من رجل عشرة أرطال زيت بدرهم وأمره أن يكيله في قارورة جاء بها فكال البائع الزيت في القارورة فلما كال فيها رطلين انكسرت والبائع والمشتري لا يعلمان فكالا بعد ذلك جميع ما باعه من الزيت فيها فسال ذلك لم يلزم العبد من الثمن إلا عن الرطل الأول لأن القارورة بالانكسار خرجت من أن تكون وعاء فتبين بهذا أنه حين أمره بالصب كانت القارورة صحيحة وعاء صالحا للزيت فيقيد أمره بحال بقائها وعاء لما عرف من مقصود المشتري إذ مقصوده كان هو الإحراز دون الإتلاف وقد صب الرطل الأول في القارورة وهي صحيحة فصار المشتري قابضا لذلك الرطل بملكه ثم انكسرت القارورة فسال ذلك الرطل بعد ما صار المشتري قابضا فيلزمه ثمنه ثم بالانكسار خرجت القارورة من أن تكون وعاء فبطل حكم أمر المشتري فصار البائع بصب ما بقي فيها متلفا المبيع بغير أمر المشتري فسقط عن المشتري ثمن ما بقي لانفساخ البيع فيه بإتلاف البائع.
وإن كان الرطل الأول لم يسل كله حين صب البائع الرطل الثاني فيه فالبائع ضامن لما بقي من الرطل الأول في القارورة لأن المبيع لما انفسخ فيما بقي من الوجه الذي قررنا تبين أن البائع خلط ما بقي من الرطل الأول في القارورة بمال نفسه ومن خلط زيت غيره بزيت نفسه يكون ضامنا لصاحبه فلهذا ضمن ما بقي سواء كان نصف الرطل أو ثلثه أو ربعه ولو كانت القارورة مكسورة حين دفعه إليه فأمره أن يكيل فيها ولا يعلمان بذلك فكال البائع فيها عشرة أرطال فسالت كلها فالثمن كله لازم على العبد لأنه حين أمره لم تكن القارورة وعاء صالحا لإحراز الدهن فيها فكان ذلك بمنزلة أمره إياه بالإتلاف.

 

ج / 25 ص -164-    ومن اشترى شيئا بعينه ثم أمر البائع أن يتلفه ففعل تقرر على المشتري جميع الثمن فكذلك هذا والحر والعبد في هذا سواء لأن إتلاف البائع بأمر المشتري كإتلاف المشتري بنفسه وقد بينا أن في حكم القبض والإتلاف الحر والعبد سواء ولا معتبر بعلم المشتري وجهله بذلك لأنا لو اعتبرنا جهله بذلك لدفع الضرر عنه كان فيه إضرارا بالبائع وكما يجب دفع ضرر المشتري يجب دفع ضرر البائع ولأنه صرح بالأمر بالصب فيه ومع التصريح لا معتبر بجهله كما لو قال لرجل أتلف هذا المال فأتلفه ثم تبين أنه كان للآمر ولم يكن عالما به لم يضمن المأمور شيئا وهذا بخلاف الأول فهناك إنما صرح بالأمر بالإحراز لكون القارورة صحيحة عند الأمر بالصب فيها فلا يكون هذا الأمر بالإتلاف صريحا فلهذا قيدناه بحال بقاء القارورة صحيحة.
وإذا اشترى المأذون جارية فقبضها بغير إذن البائع قبل نقد الثمن فماتت عنده أو قتلها مولاها ولا دين على العبد أو أعتقها لم يكن للبائع أن يضمن العبد ولا المولى قيمتها لأنها صارت مضمونة عليه بالثمن بهذا القبض وضمان القيمة مع ضمان الثمن لا يجتمعان ولكنه يطالب العبد بالثمن فيباع له فيه
فإن نقص ثمنه عن حقه كان على المولى تمام ذلك من قيمة الجارية التي استهلكها لأن الجارية صارت كسبا للعبد وقد أتلفها المولى بالقتل أو الإعتاق فلا يسلم له ذلك إلا بشرط الفراغ من دين العبد فإذا لم يف ثمن العبد بثمن الجارية كان المولى ضامنا الفضل من قيمة الجارية لما بينا.
ولو كان العبد وكل رجلا بقبضها فقبضها فماتت في يده ضمن الوكيل قيمتها للبائع لأنه جان في حق البائع حين قبضها بغير أمره قبل نقد الثمن فيضمن له قيمتها كالراهن إذا وكل وكيلا باسترداد المرهون فاسترده بغير رضا المرتهن ثم هذه القيمة تكون في يد البائع فإن أوفى العبد الثمن رجعت القيمة إلى الوكيل وإن هلكت القيمة من الوكيل سقط الثمن عن العبد لأن استرداد القيمة كاسترداد عينها ثم يرجع الوكيل بها على العبد لأنه غرم لحقه في عمل باشره له بأمره فيرجع به عليه سواء كان الثمن أكثر من ذلك أو أقل.
وكذلك لو كان المشتري حرا فوكل رجلا بقبضها أو أمره بقتلها فقتلها وهذا فصل قد بيناه في آخر البيوع وبينا الفرق بينه وبين ما إذا أمر غيره بأن يعتقها فأعتقها على قول أبي يوسف الآخر وهو قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله فالتسوية بينهما على قوله الأول وذلك كله في البيوع والله أعلم. 

باب الرد بالعيب على المأذون
قال رحمه الله: وإذا باع المأذون جارية وسلمها إلى المشتري ثم ردها عليه المشتري بعيب يحدث مثله أو لا يحدث مثله بغير قضاء قاض وقبلها العبد فهو جائز بمنزلة الحر في ذلك لأن الرد بغير قضاء قاض إقالة والمأذون يملك الإقالة فسخا كان أو بيعا مبتدأ وكذلك لو ردها عليه بقضاء قاض ببينة قامت أو بإباء يمين أو بإقرار منه بالعيب فهذا كله فسخ يملكه

 

ج / 25 ص -165-    المأذون فإن ردها وأخذ الثمن ثم وجد بها عيبا قد كان حدث عند المشتري ولم يعلم به فهو بالخيار إن شاء ردها على المشتري وأخذ منه الثمن وإن شاء أمسكها لأن حال البائع بعد الفسخ كحال المشتري عند العقد والمشتري إذا وجد بها عيبا كان عند البائع ثبت له الخيار فكذلك البائع إذا وجد بها عيبا كان حدث عند المشتري وهذا لأنه إنما رضي بالفسخ على أن تعود إليه كما خرجت من يده وكذلك القاضي إنما قضى بالفسخ لدفع الضرر عن المشتري فينفذ قضاؤه بدفع الضرر على وجه لا يلحق الضرر بالبائع فإذا ظهر أنه كان حدث بها عيب عند المشتري تضرر البائع بهذا فلهذا ثبت له الخيار فإن ردها على المشتري انفسخ ذلك الفسخ وصار كأن لم يكن فبقي حق المشتري في المطالبة بالجزء الفائت وقد تعذر ردها فيرجع بحصة العيب من الثمن وإن لم يردها العبد حتى حدث بها عيب عنده لم يكن له أن يردها لأنه يمكنه من ردها لدفع الضرر عن نفسه فلا يكون له أن يلحق الضرر بالمشتري وفي الرد عليه بعد ما حدث بها عيب عنده إضرار بالمشتري ولكنه يرجع بنقصان العيب الذي حدث عند المشتري من الثمن كما كان يفعله المشتري قبل الفسخ إذا وجد بها عيبا وقد تعيبت عنده.
فإن شاء المشتري أن يأخذها بعيبها الذي حدث عند العبد فله ذلك لأن تعذر الرد لمراعاة حق المشتري وربما يكون قبولها مع العيب أنفع له من الرجوع بحصة العيب من الثمن فإن أخذها ودفع الثمن إلى العبد رجع المشتري على العبد بنقصان العيب الأول من الثمن لأن ذلك الفسخ قد انفسخ بردها على المشتري فيكون حقه في الرجوع بنقصان العيب الأول من الثمن كما كان قبل الفسخ ولم يكن له أن يرجع بنقصان العيب الآخر لأنه قد رضي به حين قبلها مع علمه بذلك العيب ويمكنه من أن لا يقبلها وكذلك إن كان العيب الآخر جناية من العبد أو وطئها لأن جنايته على كسبه لا تلزمه أرشا والمستوفي بالوطء في حكم جزء من العين كالمستوفي بالجناية وإن كانت جناية من أجنبي أو وطئها فوجب العقر أو الأرش رجع العبد على المشتري بنقصان العيب الحادث عند المشتري من الثمن ولم يكن للمشتري أن يأخذ الجارية لحدوث الزيادة المنفصلة المتولدة في يد البائع بعد الفسخ وكما أن حدوث هذه الزيادة عند المشتري يمنع فسخ العقد حقا للشرع فكذلك حدوثها عند البائع بعد الفسخ وإذا تعذر ردها تعين حق البائع في الرجوع بحصة العيب.
ولو كان المشتري رد الجارية على العبد أولا بالعيب فقبضها العبد ثم وجد المشتري قد قطع يدها أو وطئها فلم يردها عليه بذلك حتى حدث بها عيب عند العبد فالمشتري بالخيار لأن المشتري لم يلزمه أرش ولا عقر بما فعله في ملك صحيح له فهو كحدوث العيب عنده بآفة سماوية وقد حدث بها عيب عند العبد فيخير المشتري إن شاء أخذها وأعطى العبد جميع الثمن ثم يرجع المشتري على العبد بنقصان العيب الأول من الثمن وإن شاء دفع إلى العبد نقصان العيب الذي حدث عنده من الثمن يعني في الجناية في الوطء إذا كانت بكرا حتى نقصها الوطء في ماليتها.

 

ج / 25 ص -166-    فإن كان المشتري وطئها وهي ثيب فلم ينقصها الوطء شيئا لم يرجع العبد على المشتري بشيء من الثمن ولم يرد العبد الجارية لأن المستوفي بالوطء وإن كان في حكم جزء فهو بمنزلة جزء هو ثمرة.
ألا ترى أن استيفاءه لم يوجب نقصانا في مالية العين والثمن إنما يقابل المالية فما لا يكون مالا لا يقابله شيء من الثمن فلا يتمكن العبد من الرجوع بنقصان العيب عند تعذر ردها عليه.
فإن قيل: أليس أنه لو علم بوطء المشتري إياها قبل الرد يكون له أن يقبلها ويجعل ذلك كالخيار فكذلك إذا علم به بعد الرد وقد تعذر ردها بالعيب الحادث عنده قلنا: امتناع الرد بسبب الوطء ليس لعين الوطء بل لدفع الضرر عن البائع ولأن الرد بالعيب بقضاء القاضي فسخ العقد من الأصل فتبين أن الوطء كان في غير الملك حتى لو رضي به البائع بالاسترداد ردها لأنه حينئذ لا يكون فسخا من الأصل وهذا المعنى لا يوجد في رجوع البائع على المشتري بنقصان العيب عند تعذر ردها عليه وكيف يرجع بنقصان العيب من الثمن ولا ثمن بمقابلة المستوفي بالوطء لأن ذلك ليس بمال.
ولهذا لو علم المشتري أن البائع كان وطئها بعد ما باعها منه وهي ثيب لم يكن له خيار في ذلك عند أبي حنيفة رحمه الله ولا يرجع عليه بشيء من الثمن وإن كان أجنبي قطع يدها عند المشتري أو وطئها فوجب العقر ثم ردها القاضي على العبد بالعيب الذي كان عنده ولم يعلم صنع الأجنبي ثم حدث بالجارية عيب عند العبد ثم اطلع على ما كان عند المشتري فإن الجارية ترد على المشتري لأنه تبين بطلان قضاء القاضي بالفسخ للزيادة المنفصلة من العين عند المشتري ويرد عليه معها نقصان العيب الذي حدث عند العبد من قيمتها لأنه ظهر أن العبد قبضها بحكم فسخ فاسد والمقبوض بفسخ فاسد كالمقبوض بعقد فاسد فيكون مضمونا بالقيمة بجميع أوصافه تلف بنفسه أو أتلفه البائع ثم يأخذ العبد الثمن من المشتري إن كان قد رده إليه ويرجع المشتري على العبد بنقصان العيب الأول لتعذر ردها بالعيب بسبب الزيادة المنفصلة.
وإن كان العيب الذي حدث بها عند العبد من فعل الأجنبي فالمشتري بالخيار إن شاء أخذ ذلك النقصان من العبد ورجع به العبد على الأجنبي وإن شاء أخذه من الأجنبي اعتبارا للمقبوض بفسخ فاسد بالمقبوض بعقد فاسد إذا جنى عليه أجنبي في يدي المشتري فإنها ترد على البائع ويتخير البائع في تضمين النقصان الجاني بالجناية أو المشتري بالقبض ثم يرجع المشتري به على الأجنبي فإن كان العبد البائع قتلها أو قتلها أجنبي في يد العبد فهو سواء ويأخذ المشتري من العبد قيمتها ولا سبيل له على الأجنبي لأن البائع ملكها بالقبض بفسخ فاسد وجناية الأجنبي إنما صادفت ملكه لا ملك المشتري ولا سبيل للمشتري على الأجنبي يأخذ قيمتها من البائع لتعذر رد عينها ثم يرجع العبد بالقيمة على الأجنبي لأنه أتلف ملكه

 

ج / 25 ص -167-    وهذا بخلاف الجناية فيما دون النفس لأن هناك استرداد الأصل لم يتعذر وقد بينا هذا الفرق في المقبوض بحكم شراء فاسد فكذلك المقبوض بحكم فسخ فاسد.
وإن كان العبد باعها بعد ما قبضهاالمشتري جاز بيعه لأنه ملكها بالقبض وإن كان الفسخ فاسدا فينفذ بيعه وعليه قيمتها يوم قبضها من المشتري وقيمتها كاسترداد عينها فيكون له أن يرجع على العبد بنقصان الأول من الثمن وكذلك لو كان المشتري ردها بهذا العيب على البائع بغير قضاء قاض أو كان ذلك بطريق الإقالة فهو فسخ في قول أبي حنيفة رحمه الله بمنزلة الرد بالعيب وهذا الحكم كذلك في البيع والشراء إذا كانا حرين والله أعلم.

باب الخيار في بيع المأذون
قال رحمه الله: والمأذون مثل الحر في حكم الخيار المشروط في البيع لأن اشتراط الخيار في البيع لدفع الغبن وحاجة العبد إليه كحاجة الحر وإذا باع المأذون متاعا أو اشتراه واشترط الخيار لنفسه ثلاثة أيام وعلى العبد دين أو لا دين عليه فنقض المولى البيع في الثلاثة بمحضر من الآخر لم يجر نقضه لأنه حجر خاص في إذن عام فإن هذا التصرف من العبد تناوله الإذن فالمولى يفسخ هذا التصرف عليه بحجر عليه من إمضائه بالإجازة والحجر الخاص مع قيام الإذن العام باطل كما أن استثناء تصرف من الإذن في التجارة عند ابتداء الإذن باطل وإن أجازه جاز إن لم يكن على العبد دين لأن الإجازة اتمام لتصرف العبد فإذا لم يكن على العبد دين فهو في حكم العقد متصرف للمولى لأن كسبه خالص ملك المولى فيعمل إجازة المولى كما يعمل إجازة الموكل لتفرق الوكيل مع خيار الشرط فإن كان عليه دين لم يجز إجازة المولى لأنه من كسبه كأجنبي آخر وهذا التصرف من العبد لنفسه فإن المقصود بتصرفه تصرفه لغرمائه والمولى في هذه الحالة منه كالأجنبي فلهذا لا تعمل إجازته فإن كان الخيار للمشتري مع العبد أو للبائع مع العبد فنقض صاحب الخيار البيع بحضرة المولى وعلى العبد دين أو لا دين عليه فنقضه باطل في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله أما إذا كان على العبد دين فلا إشكال فيه وإن لم يكن عليه دين فلان النقض تصرف في أصل العقد بالفسخ لا في حكم العقد والمولى في أصل السبب كأجنبي آخر وعند أبي حنيفة ومحمد فسخ من له الخيار بغير محضر من عاقده لا ينفذ وإن كان بمحضر من الأجنبي بخلاف الإجازة فالإجازة تصرف في الحكم بالإثبات أو التقرير والمولى في الحكم ليس كالأجنبي إذا لم يكن على العبد دين بل العبد بمنزلة النائب عنه.
ولو باع المأذون جارية على أنه بالخيار ثلاثة أيام فأخذ المولى الجارية فباعها أو وطئها أو قبلها بشهوة أو فقأ عينها بغير محضر من المشتري وذلك بعد ما أخذها فإن كان المأذون لا دين عليه فهذا نقض للبيع والجارية للمولى وقد خرجت من تجارة العبد لأنها بالبيع بشرط الخيار تخرج من أن تكون كسب العبد والمولى مالك لكسبه إذا لم يكن عليه دين فيتمكن من أخذها منه وأحداث هذه التصرفات منه يوجب تقرير ملكه ومن ضرورته فسخ ذلك البيع.

 

ج / 25 ص -168-    ولهذا لو كان البائع حرا مالكا فتصرف فيه هذه التصرفات بغير محضر من المشتري انفسخ العقد به حكما فكذلك المولى إذا فعله انفسخ العقد حكما ولا يكون هذا من المولى حجرا خاصا في إذن عام
وكذلك لو قبضها المولى ثم قال قد نقضت البيع بمحضر من المشتري فالبيع منتقض لأنه بالقبض أخرجها من أن تكون كسبا للعبد فنقضه البيع فيها لا يكون حجرا خاصا في إذن عام لأن الإذن العام له في التصرف في كسبه وقد أخرجه من أن يكون كسبا له ولو قبضها ولم ينقض البيع حتى مضت الأيام الثلاثة جاز البيع والثمن للعبد على المشتري لأن بمجرد أخذها لا يكون فسخا للبيع فالأخذ قد يكون للحفظ والنظر فيها هل تصلح له أم لا؟
وإذا لم يفسخ البيع بالأخذ تم البيع بمضي الأيام وتملكها المشتري من وقت العقد فيكون الثمن للعبد على المشتري وإن كان على العبد دين في جميع ما وصفنا فنقض المولى البيع وأخذه الجارية باطل والبيع والخيار فيها على حاله لأن المولى ممنوع من أخذها لمكان الدين على العبد فلا يخرج بأخذه إياها من أن تكون كسبا للعبد فيكون نقضه البيع فيها حجرا خاصا في إذن عام.
ولو اشترى المأذون جارية واشترط الخيار لمولاه ثلاثة أيام فإن نقض البيع المولى أو العبد فهو نقض لأن اشتراط الخيار لمولاه اشتراط منه لنفسه فإنه يجعل المولى نائبا عنه في التصرف بحكم الخيار وقد بيناه في البيوع فيما إذا اشترط الخيار لأجنبي فكذلك لمولاه وكذلك إن أجاز العقد أحدهما فهو جائز فإن نقض المولى البيع بمحضر من البائع وأجازه العبد فالسابق منهما أولى نقضا كان أو إجازة لأن بإجازة أحدهما أو لا يتم البيع فلا ينفرد الآخر بفسخه بعد ذلك وبنقض أحدهما أو لا ينفسخ البيع والمفسوخ لا تلحقه الإجازة وإن كان ذلك منهما معا فالنقض أولى من الإجازة لأن النقض يرد على الإجازة فالبيع التام يمكن نقضه والإجازة لا ترد على النقض فالبيع المنقوض لا تمكن إجازته وعند المعارضة الوارد يترجح على المورود عليه.
قال ألا ترى أن رجلا لو اشترى جارية بعبد على أنه بالخيار ثلاثة أيام في الجارية وتقابضا ثم أعتق المشتري الجارية عتقت وجاز البيع لأن خياره فيها خيار المشتري وذلك لا يمنعه من التصرف فيها لأنه لما كان يملك تنفيذ العتق في كل واحد منهما على الانفراد نفذ عتقه فيها وإن لم يعتقها ولكنه أعتق العبد عتق وهو فسخ منه للبيع لأن خياره فيه خيار البائع وذلك لا يمنع من التصرف فيما باع ومن ضرورة نفوذ تصرفه انفساخ البيع ولو أعتقها جاز عتقه فيها أيضا وينتقض البيع باعتبار نفوذ عتقه فيما باع وعليه قيمة الجارية لأنه تعذر ردها لما نفذ عتقه فيها وقد انتقض البيع فعليه رد قيمتها ومقصوده من هذا الاستشهاد بيان أن النقض أولى من الإجازة وقد بينا ما في هذه المسألة من الاختلاف في البيوع وكذلك لو باع المأذون جارية واشترط الخيار لمولاه ثلاثة أيام فنقضه العبد وأجازه المولى معا فالنقض أولى لما بينا.

 

ج / 25 ص -169-    ولو اشترى المأذون جارية وقد رآها مولاه ولم يرها العبد وعليه دين أو لا دين عليه فللعبد الخيار إذا رآها لأنه هو المشتري والشرع إنما أثبت خيار الرؤية للمشتري والعبد في أصل التسبب مباشر لنفسه كالحر وخيار الرؤية ينبني على السبب ثم رؤية المولى لا تكون دليل الرضا منه بها لأنه ما كان يعلم أن عبده يشتريها وإن كان العبد رآها قبل الشراء ولم يرها المولى لم يكن للمولى أن يردها كان على العبد دين أو لم يكن لأن العبد في الشراء متصرف لنفسه ورؤيته قبل العقد دليل الرضا منه بها والفسخ من المولى يكون حجرا خاصا في إذن عام ولو لم يرها واحد منهما قبل الشراء ثم رأياها فالخيار للعبد لأن خيار الرؤية يثبت باعتبار السبب والعبد في أصل السبب متصرف لنفسه فإن رضيها المولى جازت على العبد إن لم يكن عليه دين لأن الرضا تقرير بحكم السبب والعبد فيما يرجع إلى الحكم نائب عن المولى إذا لم يكن عليه دين وإن كان عليه دين فرضا المولى باطل لأنه في الحكم أجنبي ما بقي من الدين شيء على العبد وإن نقض المولى البيع بمحضر من البائع فنقضه باطل كان على العبد دين أو لم يكن لأن النقض منه حجر خاص في إذن عام ولو رضيها المولى وردها العبد معا كان رد العبد أولى لما بينا أن النقض يرد على الإجازة والإجازة لا ترد على النقض.
وكذلك لو وجد بها عيبا قبل أن يقبضها فالعبد بالخيار إن شاء أخذها وإن شاء تركها لأن خيار العيب قبل القبض بمنزلة خيار الرؤية.
ألا ترى أن الراد ينفرد به من غير قضاء ولا رضا وأنه لا يملك رد أحد العبدين به دون الآخر فإن رضيها المولى وعلى العبد دين فرضاه باطل وإن لم يكن عليه دين سوى ثمنها جاز رضا المولى عليه كما في خيار الرؤية وإن نقض المولى البيع فنقضه باطل كان عليه دين أو لم يكن لأنه خاص.
قال ألا ترى أن رجلا لو اشترى لرجل جارية بأمره فلم يقبضها الوكيل حتى وجد بها عيبا فرضيها الآمر جاز وإن نقض الآمر البيع لم يجز نقضه وهذا إشارة إلى الحرف الذي بينا أن الرضا تصرف في الحكم وحكم تصرف الوكيل للموكل والنقض تصرف في السبب والوكيل أصل في السبب بمنزلة العاقد لنفسه فلم يجز نقض الموكل فيه فكذلك في المأذون مع مولاه.
ولو اشترى المأذون جاريتين بألف درهم فلم يقبضهما حتى قتلت إحداهما صاحبتها فالعبد بالخيار إن شاء أخذ الباقية بجميع الثمن وإن شاء نقض البيع ولو ماتت إحداهما موتا أخذ الباقية بحصتها من الثمن بخلاف الدابتين فهناك سواء قتلت أختهما صاحبتها أو ماتت أخذ الباقية بحصتها من الثمن وقد بينا هذا الفرق في كتاب الرهن أن فعل البهيمة هدر شرعا فالتي هلكت فاتت ولم تخلف بدلا فسقطت حصتها من الثمن وفعل الآدمي معتبر شرعا فإذا اختار المشتري أخذ الباقية انفسخ البيع في التي هلكت وتبين أن ملكه جنى على ملك البائع

 

ج / 25 ص -170-    فوجب اعتباره ودفع القاتل بالمقتول فتبين أنه فات وأخلف بدلا فيبقي العبد ببقاء البدل فلهذا أخذ الباقية بجميع الثمن وثبوت الخيار له لتفرق الصفقة قبل التمام.
ولو اشترى المأذون جارية واشترط الخيار في الثمن فذلك اشتراط منه للخيار في الجارية سواء كان الثمن عينا أو دينا دفع الثمن أو لم يدفع لأن الخيار إنما يشترط لفسخ العقد أو لا لتنعدم صفة اللزوم به وهذا لا يختص بأحد العوضين فاشتراط الخيار في أحد العوضين يكون اشتراطا في الآخر ضرورة وتقرير كلامه كأنه قال إن رضيت أسلم لك الثمن فيما بيني وبين ثلاثة أيام سلمت وإن شئت أخذت الثمن ولم أسلمه لك ولو صرح بهذا كان ذلك منه شرطا للخيار في العوضين.
ولو اشترى ثوبين كل ثوب بعشرة على أن يأخذ أيهما شاء ويرد الآخر فهلك أحدهما عند البائع فالمشتري على خياره في الباقي لأن الخيار كان ثابتا للمشتري فيهما والذي هلك عند البائع انفسخ البيع فيه لفوات القبض المستحق بالعقد فيبقي هو على خياره في الباقي ولو هلك أحدهما عند المشتري لزمه البيع فيه لأنه لما أشرف على الهلاك فقد عجز عن رده حكما كما قبضه فيتعين البيع فيه ثم يهلك على ملكه ومن ضرورته تعين الرد في الآخر.
ولو حدث بأحدهما عيب عند المشتري لزمه الذي حدث به العيب لأنه عجز عن رده كما قبضه بخلاف ما إذا حدث بأحدهما عيب عند البائع أو بهما فالمشتري على خياره لما بينا ولو باع المأذون من رجل ثوبين على أن البائع بالخيار يلزمه أيهما شاء بعشرة ويرد الآخر فهذا وخيار المشتري سواء والقياس فيها أن البيع باطل وفي الاستحسان هو جائز على ما اشترطا وقد بينا ذلك في البيوع فإن قبضها المشتري فهلك أحدهما عنده فهو أمين فيما هلك والبائع بالخيار إن شاء لزمه الباقي بعشرة لأنه قبض أحدهما على جهة البيع والآخر لا على جهة البيع فكان أمينا فيما قبضه بإذن المالك لا على جهة البيع والبيع ها هنا في الهالك لم يتعين بل تعين في الباقي ضرورة.
ألا ترى أن البائع ليس له أن يلزمه الهالك لأن تعيين البيع فيه كإنشاء البيع وإنشاء البيع في الهالك لا يتحقق فكذلك تعين البيع فيه وإذا ثبت أن البيع متعين في الباقي فالبائع فيه بالخيار ثبت بعين الأمانة في الهالك ولو لم يهلك واحد منهما ولكن حدث بأحدهما عيب عند المشتري كان البائع على خياره لأنه لا تأثير للعيب الحادث عند المشتري في إسقاط خيار البائع فالمعيب محل ابتداء العقد كالتسليم بخلاف الهالك فلهذا كان البائع على خياره يلزمه أيهما شاء فإن نقض البيع فيهما أخذهما ونصف قيمة المعيب في القياس لأن المعيب كان متردد الحال بين أن يكون مضمونا باعتبار تعين العقد وبين أن يكون أمانة باعتبار تعين البيع في الآخر وبحدوث العيب فات جزء منه فيتنصف ضمان ذلك الجزء باعتبار التردد فيه.
ألا ترى أن البائع لو ألزم المشتري الصفقة فيه كان فوات ذلك الجزء على المشتري؟ فلو لزمه في الآخر كان فوات ذلك الجزء على البائع فإذا نقض البيع فيهما كان على المشتري

 

ج / 25 ص -171-    نصف قيمة المعيب ولكن في الاستحسان لا يأخذ من قيمة المعيب شيئا لأن فوات الجزء معتبر بفوات الكل.
ولو هلك أحدهما في يد المشتري لم يضمن من قيمته شيئا للبائع وإن فسخ البائع العقد في الآخر فكذلك إذا تعيب في يده ولو هلك أحد الثوبين عند البائع كان له أن يوجب البيع في الباقي وإن شاء نقضه لأن الهالك خرج من العقد فيبقي خيار البائع في الباقي كما كان ولو لم يهلك وحدث بأحدهما عيب عند البائع فهو على خياره فإن اختار إلزام المشتري الثوب المعيب كان المشتري بالخيار لأن البائع لما عين العقد فيه التحق بما لو كان البيع متعينا فيه في الابتداء وقد تعيب عند البائع فيتخير المشتري بين أن يأخذه أو يتركه وإذا رده فليس للبائع أن يلزمه الآخر لأن تعيينه العيب في المبيع يوجب انتفاء العقد عن الآخر ضرورة فكيف يلزمه العقد في الآخر بعد ما انتفى العقد عنه والله أعلم.
تم الجزء الخامس والعشرون، ويليه: الجزء السادس والعشرون
وأوله: باب البيع على أنه إن لم ينقد الثمن، الخ.