المبسوط
للسرخسي دار الفكر ج / 28 ص -3-
باب الوصية بغلة الأرض والبستان
قال رحمه الله: وإذا أوصى
لرجل بغلة بستانه ولآخر برقبته وهو ثلث ماله
فالرقبة لصاحب الرقبة والغلة لصاحب الغلة ما
بقي لأن الوصية بالغلة في البستان كالوصية
بالخدمة في العبد والسكنى في الدار وقد بينا
هناك أن يقدم حق صاحب الخدمة والسكنى على حق
صاحب الرقبة وإن لكل واحد منهما ما أوصي له به
فهذا مثله وكذلك إن قال ثمرته لفلان ثم مات
ولا ثمرة فيه فالحاصل أن الوصية بالبغلة تنصرف
إلى الموجود وإلى ما يحدث سواء قال أبدا أو لم
يقل لأن اسم الغلة حقيقة للموجود والحادث
جميعا فأما الثمرة اسم للموجود حقيقة ولا
يتناول الحادث إلا مجازا فإذا أوصى له بثمرة
بستانه ولم يقل أبدا فإن كان في البستان ثمرة
حين يموت الموصى فإنما يستحق الموصي له تلك
الثمرة ولا حق له فيما يحدث بعد ذلك لأن اللفظ
إذا صار مستعملا في حقيقته ينتفي المجاز عنه
وإذا لم يكن في البستان ثمرة عند موت الموصى
فلم يستعمل اللفظ في حقيقته فيجب استعماله في
المجاز ويكون له ما يحدث من الثمار ما عاش
بمنزلة الغلة فإن كان قال أبدا فله الموجود
والحادث أبدا جميعا في الفصلين لأنه في
التنصيص على التأبيد عم الإيجاب الحادث
والموجود والسقي والخراج وما يصلحه وعلاج ما
يصلحه على صاحب الغلة لأنه هو المنتفع
بالبستان.
ولو أوصى له بصوف غنمه أو بألبانها أو بسمنها
أو بأولادها أبدا لم يجز إلا ما على ظهورها من
الصوف وما في ضروعها من اللبن ومن السمن الذي
في اللبن الذي في الضرع ومن الولد الذي في
البطن يوم يموت الموصى وما حدث بعد ذلك فلا
وصية له فيه"وهذا والغلة والثمرة في القياس
سواء ولكني ادعى القياس فيه واستحسن ذلك"قيل
مراده أن القياس في الثمرة والغلة أن لا يستحق
إلا الموجود فيه عند موته كما في الأولاد لأنه
إنما يملك بالوصية ما هو مملوك للموصي والعين
الحادث بعد موته لا تكون مملوكة له فلا
يستحقها الموصي له ولكنه استحسن فقال الثمار
التي تحدث يجوز أن تستحق بإيجابه بعقد من
العقود كالمعاوضة على قول من يجيزها فكذلك
يجوز استحقاقها بالوصية عند التنصيص على
التأبيد لأن الوصية أوسع العقود جوازا بخلاف
ما في البطن فإن ما يحدث مما ليس بموجود في
الحال لا يجوز استحقاقه بشيء من العقود
والوصية نوع من العقود وقيل بل مراده أن
القياس في مسألة الصوف واللبن والولد أن يستحق
الموجود والحادث عند التنصيص على
ج / 28 ص -4-
التأبيد لأن المحل الذي يحدث منه هذه الزوائد
يجعل مبقى على ملك الميت حكما لاشتغاله بوصيته
والوصية فيما يحدث منها تصير كالمضاف إلى حالة
الحدوث فيصح ذلك كما في الثمار ولكنه استحسن
فقال ما في بطون الحيوان ليس في وسع البشر
إيجاد ما ليس بموجود منه فلا يصح إيجابه للغير
بشيء من العقود بخلاف الثمار فإن لصنع العباد
تأثيرا في إيجاده ولهذا جاز عقد المعاوضة وهو
شركة في الخارج فيصح إيجاب الوصية فيما يحدث
منه عند التنصيص على التأبيد والدليل على
الفرق أنه لو أوصى بيد عبده لإنسان أو لرجل
حياته لا تصح الوصية.
و لو أوصى بقوائم الخلاف أو سعف النخل صحت
الوصية فكان الفرق هذا أن سعف النخل وإن كان
وصفا للنخل فإنه يحتمل التمليك ببعض العقود
بخلاف أطراف الحيوان فإذا ظهر هذا الفرق فيما
هو موجود منهما فكذلك فيما يحدث وكذلك لو أوصى
له بولد جاريته أبدا فإنه لا يستحق إلا
الموجود في البطن عند موته حتى إذا ولدت لأقل
من ستة أشهر بعد موته فهو له من الثلث وإذا
ولدته لأكثر من ستة أشهر لم يكن للموصى له فيه
حق ولا فيما تلد بعده لأنه لا يتيقن بوجوده
عند الموت وفي الوصية بالثمرة إذا استحق
الحادث ثم مات الموصى له فإن مات قبل أن تحدث
الثمرة بطلت وصيته لأن الثابت له حق الاستحقاق
وذلك لا يورث عنه وإن كان موته بعد ما أثمر
البستان فتلك الثمرة لورثته لأن تلك العين
صارت مملوكة له فيخلفه وارثه فيها.
ألا ترى: أنه لو كان باعه في
حياته وأخذ ثمنه جاز بيعه وكان الثمن لورثته
بعد موته وإذا أوصى بغلة نخله أبدا لرجل ولآخر
برقبتها ولم يدرك ولم تحمل فالنفقة في سقيها
والقيام عليها على صاحب الرقبة لأن بهذه
النفقة ينمو ملكه ولا ينتفع صاحب الغلة بذلك
فليس عليه شيء من هذه النفقة فإذا أثمرت
فالنفقة على صاحب الغلة لأن منفعة ذلك ترجع
إليه فإن الثمرة به تحصل فإن حملت عاما ثم
أحالت فلم تحمل شيئا فالنفقة على صاحب الغلة
لأن منفعة ذلك لصاحب الغلة فالأشجار التي من
عادتها أن تحمل في سنة ولا تحمل في سنة يكون
ثمارها في السنة التي تحمل فيها وجود وأكثر
منها إذا كانت تحمل في كل عام وهو نظير نفقة
الموصى بخدمته فإنه على الموصى له بالخدمة
بالليل والنهار جميعا وإن كان هو ينام بالليل
ولا يخدم لأنه إذا استراح بالنوم بالليل كان
أقوى على الخدمة بالنهار فإن لم يفعل وأنفق
صاحب الرقبة عليها حتى تحمل فإنه يستوفى نفقته
من ذلك لأنه كان محتاجا إلى الإنفاق لكيلا
يتلف ملكه فلا يكون متبرعا فيه ولكنه يستوفي
النفقة من الثمار وما يبقى من ذلك فهو لصاحب
الغلة.
و لو أوصى لرجل بثلث غلة بستانه أبدا ولا مال
له غيره فقاسمهم البستان فأغل أحد النصيبين
ولم يغل الآخر فإنهم يشتركون فيما خرج من
الغلة لأن القسمة في ذلك باطلة فإن الموصى له
بالغلة لا يملك شيئا من رقبة البستان والقسمة
لتمييز ملك أحدهما من ملك الآخر
ج / 28 ص -5-
و ذلك
لا يتحقق ها هنا فتبطل القسمة وما حصل من
الغلة يكون مشتركا بينهم بالحصة وللورثة أن
يبيعوا ثلثي البستان لأنه لا حق للموصى له
بثلث الغلة في ثلثي البستان فإذا نفذ بيعهم
قام المشتري مقامهم فيكون شريك صاحب الغلة.
ولو أوصى بغلة بستانه الذي فيه لرجل وأوصى
بغلته أبدا له أيضا ثم مات الموصي ولا مال له
غيره وفي البستان غلة تساوي مائة والبستان
يساوي ثلاثمائة فللموصي له ثلث الغلة التي فيه
وثلث ما يخرج من الغلة فيما يستقبل أبدا لأن
الوصية تنفذ من الثلث وطريق تنفيذها من الثلث
هو أن يعطي ثلث الغلة الموجودة وثلثاها للورثة
ثم يصير كأنه أوصي له بغلته وليس فيه غلة
فيكون له ثلث ما يحدث من الغلة أبدا.
ولو أوصى بعشرين درهما من غلته كل سنة لرجل
فأغل سنة قليلا وسنة كثيرا فله ثلث الغلة كل
سنة يحبس وينفق عليه كل سنة من ذلك عشرون
درهما ما عاش هكذا أوجبه الموصى وربما لا تحصل
الغلة في بعض السنين فلهذا يحبس ثلث الغلة على
حقه.
و كذا لو أوصى بأن ينفق عليه خمسة دراهم كل
شهر من ماله فإنه يحبس جميع الثلث لينفق عليه
منه كل شهر خمسة كما أوجبه الموصي وعن أبي
يوسف أنه قال يحبس مقدار ما ينفق عليه في مدة
يتوهم أن يعيش إليها في العادة فأما ما زاد
على ذلك فلا يشتغل بحبسه لأن الظاهر أنه يموت
قبل ذلك وشرط استحقاقه بقاؤه حيا فإنما يثبت
هذا الشرط بطريق الظاهر لما تعذر الوقوف على
حقيقته
فأما في ظاهر الرواية قال يتوهم أن تطول حياته
إلى أن ينفق عليه جميع الثلث أو يهلك بعض
الثلث قبل أن ينفق فيحتاج إلى ما بقى منه
للإنفاق عليه فلهذا يحبس جميع الثلث و يستوى
إن أمر بأن ينفق عليه في كل شهر منه درهما أو
عشرة دراهم.
و لو أوصى أن ينفق عليه كل شهر أربعة من ماله
وعلى آخر كل شهر خمسة من غلة البستان ولا مال
له غير البستان فثلث البستان بينهما نصفان
لاستواء حقهما فيه.
ألا ترى: أن كل واحد منهما لو
انفرد استحق جميع الثلث بوصيته ثم يباع سدس
غلة البستان لكل واحد منهما فيوقف ثمنه على يد
الموصي أو على يد ثقة إن لم يكن له وصى وينفق
على كل واحد منهما من نصيبه ما سمى له في كل
شهر فإن ماتا جميعا وقد بقي من ذلك شيء رد على
ورثة الموصي لبطلان وصيته بالموت وكذلك لو قال
ينفق على فلان أربعة وعلى فلان وفلان خمسة حبس
السدس على المنفرد والسدس الآخر على المجموعين
في النفقة لأنهما كشخص واحد فيما أوجب لهما.
و لو أوصى بغلة بستانه لرجل وبنصف غلته لآخر
وهو جميع ماله قسم ثلث الغلة بينهما نصفان عند
أبي حنيفة في كل سنة لأن وصية كل واحد منهما
فيما زاد على الثلث تبطل ضربا واستحقاقا فإن
كان البستان يخرج من ثلثه كان لصاحب الجميع
ثلاثة أرباع غلته كل سنة وللآخر ربعها القسمة
على طريق المنازعة كما هو مذهبه وعندهما
القسمة على طريق العول
ج / 28 ص -6-
فإن لم
يكن له مال سواه فثلثه بينهما أثلاثا وإن كان
يخرج من ثلثه فالكل بينهما أثلاثا على أن يضرب
صاحب الجميع بالجميع والآخر بالنصف.
ولو أوصى لرجل بغلة بستانه وقيمته ألف ولآخر
بغلة عبده وقيمته خمسمائة وله سوى ذلك
ثلاثمائة فالثلث بينهما على أحد عشر سهما في
قول أبي حنيفة لأن جميع ماله ألف وثمانمائة
فثلثه ستمائة والموصي له بغلة البستان تبطل
وصيته فيما زاد علي الثلث ضربا واستحقاقا
فإنما يضرب هو بستمائة والآخر بخمسمائة وقيمة
العبد فإذا جعلت كل مائة سهما كان الثلث على
أحد عشر سهما بينهما لصاحب العبد خمسة أسهم
فالعبد ولصاحب البستان ستة في غلته.
ولو أوصى لرجل بغلة أرضه وليس فيها نخل ولا
شجر ولا مال له غيرها فإنه تؤاجر فيكون له ثلث
الغلة وإن كان فيه شجر أعطى ثلث ما يخرج منها
لأنه يستحق بمطلق التسمية في كل موضع ما
يتناوله الاسم عرفا وإذا أوصى أن تؤاجر أرضه
من رجل سنين مسماة كل سنة بكذا ولا مال له
غيرها فإن كان سمى أجرة مثلها جاز له وإن كان
أقل منه حسب ذلك من الثلث لأن المحاباة في
الأجرة بمنزلة المحاباة في الثمن فيكون من
ثلثه وهذا لأن المنفعة تأخذ حكم المالية
بالعقد بدليل أنه لو أجر أرضه ولم يسم الأجر
كان له أجر مثل ما استوفى المستأجر من المنفعة
كما في البيع إذا لم يذكر الثمن.
ولو أوصى لرجل بغلة أرضه ولآخر برقبتها وهي
تخرج من الثلث فباعها صاحب الرقبة وسلم صاحب
الغلة البيع جاز وبطلت وصيته ولا حق له في
الثمن لأن الملك لصاحب الرقبة وحق صاحب الغلة
في المنفعة فإجازته البيع تكون إبطالا لحقه في
المنفعة ويسلم الثمن لصاحب الرقبة كما لو باع
الآخر العين المستأجرة ورضي به المستأجر ولو
أوصى له بغلة بستانه فأغل البستان سنين قبل
موت الموصي ثم مات الموصي لم يكن للموصى له من
تلك الغلة شيء إلا ما يكون في البستان حين
يموت أو ما يحدث بعد ذلك لأن وجوب الوصية
بالموت وإنما يضاف إلى البستان من الغلة عند
الموت ما يكون موجودا فيه أو ما يحدث بعد ذلك
فإن اشترى الموصى له البستان من الورثة بعد
موته جاز الشراء وبطلت وصيته كما لو باعوه من
غيره برضاه.
و كذلك لو أعطوه شيئا على أن للقن من الغلة
فكذلك جائز لأنه أسقط حقه بما استوفى منهم من
العوض ولو أسقط حقه بغير عوض جاز فذلك بالعوض
وكذلك في سكني الدار وخدمة العبد إذا صالحوه
منه على شيء معلوم فهو جائز لأنه أسقط حقه
بعوض وإسقاط الحق عن المنفعة يجوز بالعوض وغير
العوض وإن كان لا يحتمل التمليك بعوض إذا ملكه
أو بغير عوض على ما سبق بيانه والله أعلم.
باب الوصية في العتق
قال رحمه
الله: "وإذا أوصى بعتق عبده بعد موته أو قال أعتقوه أو قال هو حر بعد
ج / 28 ص -7-
موتي
بيوم وأوصى لإنسان بألف درهم تحاصا في الثلث
وليس هذا من العتق الذي يبدأ به وإنما يبدأ به
إذا قال هو حر بعد موتي عنهما أو أعتقه في
مرضه ألبتة أو قال إن حدث لي حدث من مرضى هذا
فهو حر فهذا يبدأ به قبل الوصية وكذلك كل عتق
يقع بعد الموت بغير وقت فإنه يبدأ به قبل
الوصية"بلغنا عن بن عمر وإبراهيم قالا إذا كان
وصية وعتق فإنه يبدأ بالعتق وكان المعنى فيه
أن العتق الذي يقع بنفس الموت سببه يلزم في
حالة الحياة على وجه لا يحتمل الرجوع عنه
بخلاف الوصية بالعتق فإنه يحتمل الرجوع عنه
ولكن هذا لا يستقيم في قوله إن حدث لي حدث من
مرضى هذا فإن هذا يحتمل الفسخ ببيع الرقبة.
و لو قال: هو حر بعد موتي
بيوم فإن سببه لا يحتمل الفسخ بالرجوع عنه ومع
ذلك لا يكون مقدما على سائر الوصايا ولكن
الحرف الصحيح أن يقول ما يكون منفذا عقيب
الموت من غير حاجة إلى التنفيذ فهو في المعنى
أسبق مما يحتاج إلى تنفيذه بعد الموت لأن هذا
بنفس الموت يتم والآخر لا يتم إلا بتنفيذ من
الموصى بعد موت الموصي والترجيح يقع بالسبق.
يوضحه: أن العتق المنفذ بعد
الموت مستحق استحقاق الديون فإن صاحب الحق
ينفرد باستيفاء دينه إذا ظفر بحبس حقه وها هنا
يصير مستوفيا حقه بنفس الموت والدين مقدم على
الوصية فالعتق الذي هو في معنى الدين يقدم
أيضا فأما ما يحتاج إلى تنفيذه بعد الموت فهو
ليس في معنى الدين فيكون بمنزلة سائر الوصايا.
ولو أعتق أمته في مرضه فولدت بعد العتق قبل أن
يموت الرجل أو بعد ما مات لم يدخل ولدها في
الوصية لأنها ولدت وهي حرة وهذا التعليل
مستقيم على أصلهما لأن المستسعاة عندهما حرة
عليها دين والعتق في المرض نافذ عندهما كسائر
التصرفات وكذلك عند أبي حنيفة إن كانت تخرج من
ثلثه
وإن كان الثلث أكثر من قيمتها فعليها السعاية
فيما زاد على الثلث وتكون بمنزلة المكاتبة ما
دامت تسعى وحق الغرماء والورثة لا يثبت في ولد
المكاتبة لأن الثلث والثلثين لا يعتبر من
رقبتها إنما يعتبر من بدل الكتابة فلا يثبت حق
المولى في ولدها حتى يعتبر خروج الولد من
الثلث فإن ماتت قبل أن تؤدي ما عليها من
السعاية كان على ولدها أن يسعى فيما على أمه
في قياس قول أبي حنيفة بمنزلة ولد المكاتبة
وعندهما لا شيء على الولد لأنه حر فلا يلزمه
السعاية في دين أمه بعد موتها.
ولو دبر عبدا له وقال إن حدث لي حدث من مرضى
هذا فأنت حر ثم مات من مرضه تحاصا في الثلث
لأنهما استويا في معنى الاستحقاق بعد الموت
على معنى أن كل واحد منهما في مرض موته
فيتحاصان في الثلث ولو أوصى لعبده بدراهم
مسماة أو بشيء من ماله مسمى لم تجز كما لو وهب
له في حال حياته وهذا لأن الكسب يملك الرقبة
ففي حياته الملك له في الموصى به والموصى له
بعد موته الملك لورثته في جميع ذلك فهذه
الوصية لا تفيد شيئا والعقود الشرعية لا تنعقد
خالية عن فائدة.
قال: "ولو أوصى له ببعض رقبته
عتق ذلك المقدار وسعى في الباقي في قول أبي
حنيفة
ج / 28 ص -8-
بمنزلة
ما لو وهب له بعض رقبته في حياته"لأن العتق
عند أبي حنيفة يتجزأ ولو أوصى له برقبته كلها
عتق من الثلث وكذلك لو وهب له رقبته أو تصدق
بها عليه في مرضه عتق من الثلث.
ولو أوصى له بثلث ما له جاز لأن هذه الوصية
تتناول ثلث رقبته فإن رقبته من ماله فيعتق ذلك
القدر منه بالموت ويصير عندهما حرا وعند أبي
حنيفة بمنزلة المكاتب فتصح الوصية له بالمال
فإذا بقى له من الثلث شيء أكمل له ذلك من
رقبته وأعطى ما فضل على ذلك إن كان في المال
وإن كان في قيمته فضل على الثلث سعى فيه
للورثة بعد موته.
و لو أوصى بعبده لرجل ثم أوصى بذلك العبد أن
يعتق أو يدبر فهذا رجوع عن الوصية الأولى لأن
بين الوصيتين في محل واحد منافاة يعنى التمليك
والعتق بعد موته فالإقدام على الثانية منه
دليل الرجوع عن الأولى ولأنه صرفه بالوصية
الثانية إلى حاجته واستثنى ولاء لنفسه ولو
صرفه إلى حاجته في حياته كان به راجعا عن
الوصية الأولى أرأيت لو لم يكن راجعا فأعتق
الوصي نصفه عن الميت كان يضمن للموصى له النصف
الباقي من تركة الميت أو يستسعى الغلام فيه أو
يكون شريكا في الغلام هذا كله مستبعد.
قال: "ولو أوصى بعبده لرجل ثم
أوصى أن يباع من آخر بثمن سمى حط عنه الثلث
ولا مال له غيره فللموصى له بالبيع أن يشتري
خمسة أسداس العبد بثلثي قيمته إن شاء أو
يدع"لأن الوصية بالمحاباة بمنزلة سائر الوصايا
وقد استوت الوصيتان من حيث استغراق كل واحد
منهما الثلث بينهما نصفان لصاحب البيع نصفه
وهو السدس وللآخر نصف الثلث وهو سدس الرقبة
ولا يقال ينبغي أن يباع جميع العبد من الموصى
له بالبيع بخمسة أسداس قيمته لأن الوصية
بالرقبة وصية بالعين فلا يمكن تنفيذها من محل
آخر بسوى العين وإن أبى الموصى له بالبيع أن
يشتريها كان للموصى له بالعين ثلث الرقبة لأن
الوصية بالمحاباة كانت في ضمن البيع وقد بطلت
الوصية بالبيع حين ردها الموصي له فيسلم الثلث
للموصى من ذلك له بالرقبة.
و لو أوصى بعتقه ثم أوصي له أن يباع وعلى عكس
هذا قال آخر بالآخر لأن هاتين الوصيتين لا
يجتمعان في محل واحد والثانية منهما دليل
الرجوع عن الأولى فهو كالتصريح بالرجوع وإذا
أوصى بعبده أن يباع ولم يزد على ذلك أو أوصي
بأن يباع بقيمته فهو باطل لأنه ليس في هذه
الوصية معنى القربة فيجب تنفيذها بحق الموصي
ولا حق فيها للعبد أيضا لأن صفة المملوكية فيه
لا تختلف بالبيع إنما يتغير النسبة من حيث أنه
ينسب إلى المشترى بالملك بعد ما كان منسوبا
إلى البائع ولا يمكن تنفيذها لحق الموصى له
وهو المشترى لأنه مجهول جهالة نسبة.
ولو أوصي أن يباع نسيئة صحت الوصية بنسبة
البيع للعتق بأن يحسن العبد خدمة مولاه فيرغب
في إعتاقه ولا يتمكن من ذلك لغلة ماله فيبيعه
نسيئة ويحط من ثمنه ممن يعتقه.
ج / 28 ص -9-
ليحصل
به ما هو مقصود وهو تخليص العبد عن ذل الرق
وهو معنى قوله عليه السلام لبعض أصحابه:
"فك الرقبة وأعتق النسمة" الحديث في تنفيذ هذه الوصية حق الموصي وحق العبد فيجب تنفيذها لذلك
ثم يباع كما أوصى ويحط من ثمنه مقدار الثلث إن
لم يجد من يزيدهم علي ذلك ولأن معدن الوصية
الثلث وفي تنفيذ هذه الوصية حق الموصى فيجب
تنفيذها من معدن هو خالص حقه وهو الثلث.
ولو أوصى أن يباع من رجل بعينه ولم يسم ثمنا
فإنه يباع منه بقيمته لا ينقص منه شيء لأن
تنفيذ هذه الوصية لحق المشتري وهو معلوم وإنما
أوصى له بالعين بعوض يعد له فكان تنفيذ هذه
الوصية ببيعه منه بمثل القيمة فإن شاء أخذ وإن
شاء ترك ولو أوصى بأن يعتق عبده وأبى العبد أن
يقبل ذلك فإنه يعتق من الثلث لأن تنفيذ هذه
الوصية لحق الموصى فإنه استثنى ولاءه لنفسه
ولو أوجب العتق له لم يرتد برده مراعاة لحق
المولى في الولاء فكذلك إذا أوصي بعتقه.
ولو أوصى بعتق عبده وأوصي بأن يباع عبدا آخر
من فلان بكذا وحط من قيمته مقدار الثلث فالثلث
بينهما نصفان لأنهما استويا في القوة من حيث
إن كل واحد منهما يحتمل الرجوع عنه ويحتال إلى
تنفيذه بعد الموت فإن كان أعتق العبد بنفسه
فأبى عتقه ثم باع العبد الآخر وحط عنه الثلث
من جميع المال قيل للمشترى يحط عنك نصف الثلث
وأد ما بقي إن شئت ويسعى المعتق في نصف قيمته
وإن بدأ بالبيع ثم أعتق سلمت المحاباة للمشتري
وعلى العبد السعاية في قيمته وهذا قول أبي
حنيفة رحمه الله فإنه يقول إذا بدأ بالمحاباة
ثم بالعتق تقدم المحاباة وإذا بدأ بالعتق
تحاصا وإن كانتا محاباتين أو عتقين تحاصا وفي
قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله يبدأ بالعتق
في الوجوه كلها ولا يحط شيء من القيمة عن
المشتري إلا أن يفضل شيء من الثلث وفي قول زفر
رحمه الله إن ما بدأ به منهما يبدأ به لأن لكل
واحد منهما نوع قوة وقوة المحاباة من حيث إن
سببه تجارة وهو غير محجور عن التجارة بسبب
المرض وقوة العتق من حيث إنه لا يحتمل الفسخ
بعد وقوعه فلما استويا في القوة يبدأ بما بدأ
به منهما بمنزلة واجبين أو تطوعين وأبو يوسف
ومحمد قالا المحاباة بمنزلة الهبة حتى لا تصح
ممن لا تصح منه الهبة كالأب والوصى والعتق
مقدم على الهبة وإن أجره فكذلك المحاباة وهذا
لأن المحاباة إما أن تكون تمليك العين بغير
عوض أو إسقاطا للعوض فإن كان إسقاطا فهو
كالإبراء عن الدين وإن كان تمليكا فهو كالهبة
والعتق مقدم على كل واحد منهما لأن المعنى
الذي لأجله قدمنا العتق على الهبة أن
الاستحقاق به يثبت بنفسه وأنه لا يحتمل الفسخ
بعد وقوعه بخلاف الهبة وهذا المعنى موجود في
المحاباة لأنه يحتمل الفسخ كالهبة يوضحه: أن
الوصية بالمحاباة ثابتة بطريق البيع ولهذا لو
فسخ البيع لا تبقى الوصية بالمحاباة وما يكون
مقصودا بنفسه فهو أقوى مما يكون ثابتا تبعا
وأبو حنيفة يقول المحاباة أقوى سببا من العتق
لأن بسبب المحاباة التجارة فإن البيع
ج / 28 ص -10-
بالمحاباة عقد تجارة حتى يجب للشفيع الشفعة في
الكل والشفعة تختص بالمعاوضات دون التبرعات
ولهذا قلت إن البيع بالمحاباة يصح من العبد
المأذون والصبي المأذون وبالمرض لا يلحقه
الحجر عن التجارة فأما العتق تبرع محض وبالمرض
يصير محجورا عن التبرعات فمن هذا الوجه
المحاباة أقوى ومن حيث الحكم العتق أقوى لأنه
لا يحتمل الفسخ غير أن السبب يسبق الحكم لأن
الحكم يثبت بالسبب فلهذا بدأ بالمحاباة قلنا
يبدأ بها لبداية الموصى ولقوة السبب فإذا بدأ
بالعتق فالعتق يقدم سببه على المحاباة حسا
وسبب المحاباة أقوى حكما فيقع التعارض بينهما
في قوة السبب فقلنا بأنهما يتحاصان وإنما يبدأ
بما بدأ به الموصي إذا كانا لمستحق واحد فأما
إذا كانا لمستحقين فلا كما لو أوصى بثلثه
لإنسان ثم أوصي بثلثه لآخر ولا يستدل عليهم
إلا بما قالوا أن الوصية بالمحاباة بيع فإن ما
يثبت ضمنا للشيء يعتبر حكمه بذلك الشيء كالبيع
الذي يثبت ضمنا للعتق يجعل بمنزلة العتق حتى
لا يتوقف على القبول وهذا لما ثبت ضمنا
للتجارة يجعل بمنزلة التجارة وإنما لا يحتمل
العتق الفسخ لفوات المحل فإن المسقط يكون مثلا
شيئا وتعذر الفسخ عند فوات المحل ثابت في
البيع والهبة أيضا يوضح ما قلنا أن المحاباة
تستحق استحقاق الديون لأن استحقاقها بعقد ضمان
فمن هذا الوجه هي كالديون ومن حيث إنه لا
يقابله بدل مقصود كان بمنزلة التبرع فيوفر حظه
عليهما فلشبهه بالتبرع يعتبر من الثلث ولشبهه
بالديون يكون مقدما على ما هو تبرع محض إذا
حصلت البداية بها فإن بدأ بالبيع وحابى بالثلث
ثم أعتق عبدا وهو الثلث ثم باع وحابى بالثلث
فللبائع الأول نصف الثلث ونصف الثلث بين
المعتق والمشتري الآخر لأنه لا مزاحمة للعتق
مع المحاباة الأولى فيجعل في حقها كالمعدوم
ويقسم الثلث بين المحاباتين نصفين ثم النصف
الذي يصيب المشترى الآخر يزاحمه فيه المعتق
لأن المعتق مقدم عليه وإنما كان المعتق محجورا
لحق صاحب المحاباة الأولى وقد خرج الوسط حين
استوفى حقه ففيما بقي يعتبر حق صاحب العتق
وصاحب المحاباة الأخرى فلهذا كان الباقي
بينهما نصفين.
قال: "وإذا اشترى الرجل ابنه
في مرضه بألف درهم وذلك قيمته وله ألف درهم
سوى ذلك فإنه ابنه يعتق ولا سعاية عليه ويرثه
في قول أبي حنيفة"وقال أبو يوسف ومحمد يسعى في
جميع قيمته ويقاص بها من ميراثه لأن العتق في
المرض وصية ولا وصية لوارث والابن وارث ها هنا
بالاتفاق فيلزمه رد رقبته لبطلان الوصية له
وقد تعذر رده فيلزمه السعاية في قيمته وهو
بناء على أصلهما أن المستسعى حر عليه دين
فبوجوب السعاية عليه لا يخرج من أن يكون وارثا
وأبو حنيفة يقول لو أوجبنا عليه السعاية في
قيمته كان مكاتبا لأن المستسعى في بدل رقبته
عنده مكاتب والمكاتب لا يرث فيجب تنفيذ الوصية
له وإذا أنفذنا الوصية له وأسقطنا عنه السعاية
صار وارثا لا يزال يدور هكذا وقطع الدور واجب
فيجمع له بين الميراث والوصية لضرورة الدور
لأن ثبوت الوصية للوارث أسهل من إبطال ميراثه.
ألا ترى أن الميراث لا يرتد
برد أحد فإنه واجب بإيجاب الله تعالى والوصية
للوارث
ج / 28 ص -11-
تصح
عند إجازة الورثة فلهذه الضرورة جمعنا له بين
الوصية والميراث وهو نظير جواز تنفيذ الوصية
فيما زاد على الثلث لضرورة الدور وقد بينا ذلك
في كتاب الهبة أنه قد تنفذ الهبة في ثلث المال
لضرورة الدور والوصية للوارث بمنزلة الوصية
للأجنبي بما زاد على الثلث.
ولو اشترى ابنه بألف درهم وقيمته خمسمائة
وأعتق عبدا له آخر يساوي خمسمائة ولا مال له
غيرهما ففي قول أبي حنيفة المحاباة تقدم لأنه
بدأ بها وقد استغرقت الثلث فيجب على كل واحد
من العبدين السعاية في قيمته ولا يرث الابن
شيئا لما عليه من السعاية وعندهما العتق مقدم
إلا أن الابن وارث فلا وصية له ولكن يعتق
العبد الآخر محاباة ويسعى الابن في قيمته
ويطالب البائع بالرد فبما زاد على قيمته من
الثمن فيكون ميراثا بينهم على فرائض الله
تعالى ولو كان قيمة الابن ألفا فاشتراه بألف
وأعتق عبدا آخر يساوي ألفا على قول أبي حنيفة
يتحاصان في الثلث ويسعى الابن فيما زاد على
حصته ولا ميراث له لأنه مستسعى في بعض قيمته
فلا يكون وارثا وعند أبي يوسف ومحمد الابن
وارث فعليه أن يسعى في جميع قيمته ويقاص بها
من ميراثه.
قال: "وإذا أعتق الرجل أمته
ثم تزوجها وهو مريض ثم دخل بها وقيمتها ألف
درهم ومهر مثلها مائة فإن كانت قيمتها ومهر
مثلها لا يخرج من الثلث جعلت لها الميراث
والمهر وأجزت النكاح وإن كانت قيمتها ومهر
مثلها لا يخرج من الثلث دفع لها مهر مثلها
والثلث مما بقى بعد المهر ثم سعت فيما بقى من
قيمتها ولا ميراث لها وهذا قول أبي حنيفة"وقد
طعن عيسى رحمه الله في اشتراطه خروج القيمة
ومهر المثل من الثلث.
قال: كيف يستقيم هذا والمهر
دين يعتبر من جميع المال والقيمة وصية تعتبر
من الثلث ولكن يقول مراده من ذلك خروج القيمة
من الثلث بعد دفع مهر المثل من المال لأن مهر
المثل دين فيعتبر فيبدأ به ثم إذا كانت القيمة
تخرج من ثلث ما بقي فقد عرفنا نفوذ العتق وصحة
النكاح وثبوت الميراث لها ولكن يجمع على أصله
لها بين الميراث والوصية لضرورة الدور وإن
كانت قيمتها ومهر مثلها لا يخرج من الثلث فقد
علمنا بوجوب السعاية عليها في بعض قيمتها
وإنها كالمكاتبة والمولى إذا تزوج مكاتبته لا
يصح النكاح ولكنه لما دخل بها يلزمه مهر مثلها
للشبهة فيأخذ مهر مثلها أولا ثم لها الثلث مما
بقى بطريق الوصية ويسعى فيما بقي من قيمتها
وفي قول أبي يوسف ومحمد النكاح جائز على كل
حال لأن المستسعاة عندهما حرة عليها دين فيكون
لها مهر مثلها والميراث وعليها السعاية في
قيمتها لأنها حين ورثت لم يكن لها وصية فيحاسب
بالقيمة التي عليها من مهرها وميراثها لأنه لا
فائدة في قبض ذلك منها حين وجب ردها عليها فإن
بقي شيء أداه إلى الورثة وإن كان زادها شيئا
على مهر مثلها بطلت الزيادة لأنها وارثة له.
و لو أعتق أمته وقيمتها ألف ثم استدان منها
مائة درهم ثم تزوجها ثم مات ولم يدخل بها وترك
ألفين سوى ذلك عندهما هذا والأول سواء والنكاح
جائز وترث ولها مهرها لانتهاء
ج / 28 ص -12-
النكاح
بالموت ولها دينها الذي استدان منها لكون
ببينة معاينة وعليها السعاية في قيمتها لأنها
لا وصية لها وعند أبي حنيفة النكاح باطل لأنها
تستوفى دينها من المال ثم لها ثلث ما بقي
بطريق الوصية وقيمتها ومهر مثلها يزيد على
الثلث فلذلك بطل النكاح.
ولو أعتقها وليس له مال غيرها ثم تزوجها
فاستدان منها مائتي درهم فأنفقها على نفسه
وذلك في مرضه ثم مات فالنكاح باطل في قول أبي
حنيفة ولا ميراث لها ولا مهر إذا لم يكن دخل
بها وعليها السعاية في ثلث ما بقي بعد الدين
ولو أعتقها في مرضه ثم تزوجها وليس له مال
غيرها ثم اكتسب مالا تخرج هي ومهرها من ثلثه
فإن النكاح جائز ولها المهر والميراث ولا
سعاية عليها لأن المعتبر عند الموت فإن وجوبه
الوصية يكون عند موته وعند ذلك رقبتها تخرج من
الثلث بعد المهر فلا تسعى في شيء وتبين أن
النكاح كان صحيحا بينهما بالموت فلها المهر
والميراث ويجمع لها بين الميراث والوصية
لضرورة الدور.
وإذا أشهد الرجل على وصيته في كتاب شهودا ولم
يقرأها عليهم ولم يكتبها بين أيديهم فإن ذلك
لا يجوز لأنهم لم يعرفوا ما في الكتاب
والشهادة على ما قال في الكتاب لا على الكتاب
وبدون علم الشاهد المشهود به لا يصح الإشهاد
وإن قرأها عليهم فقالوا نشهد عليك بذلك فحرك
رأسه بنعم ولم ينطق فهذا باطل لأنهم لم يسمعوا
إقراره وتحريك الرأس من الناطق لا يكون إقرارا
إذ هو محتمل في نفسه يجوز أن يكون لاستبعاد
الشيء ويجوز أن يكون للرضي به وإن كتبها بين
أيديهم وقال اشهدوا أنها وصية أو قرأها عليهم
فقال اشهدوا أن هذا وصية فهو جائز لأنهم سمعوا
إقراره وعلموا بما كتبه بين أيديهم أو قرأه
عليهم.
وكذلك لو قالوا: نشهد أن هذه
وصيتك قال نعم فهو جائز لأنه أخرج كلامه مخرج
الجواب فيصير ما تقدم كالمعاد فيه قال تعالى:
{فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ
حَقّاً قَالُوا نَعَمْ}[الأعراف: من الآية44] وإذا شهد الشاهدان أنه أعتق أحد عبديه في
وصيته وقالا سماه لنا فنسيناه لم تجز شهادتهم
لأنهم لم أثبتوا الشهادة وقد أقروا على أنفسهم
بالغفلة وبأنهم ضيعوا الشهادة وإن شهدوا أنه
أعتق أحد عبيده الأربعة بغير عينه فهذا والأول
سواء في القياس ولكني استحسن هذا وأجيزه فيعتق
من كل واحد منهم ربعه إن كانت قيمتهم سواء
ويسعى كل واحد في ثلاثة أرباع قيمته وقد تقدم
بيان هذا في العتاق فإن كانت قيمتهم مختلفة
أخذ أقلهم قيمة وأكثرهم قيمة فجمعنا قيمتهما
ثم أخذنا نصف ذلك وقسمناه بينهم على قدر
قيمتهم حتى إذا كان قيمة أحدهم ألفا وقيمة
الثاني ألفين وقيمة الثالث ثلاثة آلاف وقيمة
الرابع أربعة آلاف فإنه يجمع بين أقلهم قيمة
وأكثرهم قيمة وذلك خمسة آلاف ثم يؤخذ نصف ذلك
وهو ألفان وخمسمائة فيضرب أحدهم فيه بألف
والآخر بألفين والآخر بثلاثة آلاف والآخر
بأربعة آلاف فإذا جعلت كل ألف سهما بلغت
السهام عشرة فللأول عشر ألفين وخمسمائة وذلك
مائتان وخمسون ربع قيمته وللثاني عشران وذلك
خمسمائة ربع قيمته وللثالث ثلاثة أعشار وذلك
سبعمائة وخمسون ربع قيمته فإن قيمته ثلاثة
آلاف وللآخر أربعة أعشار وهو ألف درهم ربع
ج / 28 ص -13-
قيمته
فإن كان له عبدان فشهد الشاهدان انه قال هذا
حر وهذا فإنه يعتق من كل واحد منهما ثلثه إن
لم يكن له مال غيرهما فإن كان له مال غيرهما
يخرج من ثلثه عتق من كل واحد منهما نصفه وليس
للورثة أن يعتقوا أحدهما ويمسكوا الآخر لان
العتق بالموت يشيع فيهما وإنما ينفذ من ثلث
ماله.
ولو شهدوا أنه قال: لفلان
عبدي هذا أو عبدي هذا للآخر وصية وهما يخرجان
من الثلث كان للورثة أن يعطوه أيهما شاؤوا لان
المستحق واحد وهو الموصى له والاقل متيقن به
فللورثة أن لا يعطوه الزيادة على ذلك بخلاف
العتق وهناك العتق شاع فيهما بالموت لان
المستحق مختلف وليس أحدهما بالتقديم بأولى من
الآخر.
ولو شهدوا أنه أعتق عبده هذا وهو يخرج من
الثلث ثم شهد آخران من الورثة أنه أعتق عبدا
آخر سواه فشهادتهما جائزة ويتحاصان في الثلث
لانه لا تهمة في شهادة الورثة فان فيه ابطال
ملكهم عن العبد وتأخير حقهم إلى خروج السعاية
فكانوا في هذه الشهادة كالأجانب وقد ثبت حق كل
واحد منهما بمثل ما ثبت به حق الآخر فيتحاصان
في الثلث.
ولو شهد الأجنبيان أنه أوصى لفلان بالثلث
واجازه القاضي ثم شهد الوارثان انه أعتق عبده
هذا في مرضه وهو الثلث جاز اعتاقه من الثلث
وبطلت الوصية بالثلث لان ثبوتهما بالبينة
كثبوتهما بالمعاينة والعتق المنفذ في الثلث
مقدم على سائر الوصايا وذكر في الزيادات ان
شهادة الوارثين لا تقبل ها هنا لان الموصى له
بالثلث استحق الثلث عليهما بقضاء القاضي فهما
بهذه الشهادة يبطلان استحقاقه وما قضى به
القاضي عليهما بهذه الشهادة فلا يقبل ولكن
يعتق العبد لاقرارهما بفساد رقه وعليه السعاية
في قيمته لان العتق في المرض نفذ من الثلث وقد
بينا ان الثلث كله مستحق للموصى له بقضاء
القاضي.
ولو شهد الاجنبيان أنه أوصى ان بعتق عبده سالم
وهو الثلث وشهدا وارثان انه رجع عن ذلك وأوصى
بعتق عبده زياد وهو الثلث جازت شهادتهما لانه
لا منفعة في هذه الشهادة للورثة اذ لا فرق في
حقهم بين أن يكون الاول هو المستحق للثلث
عليهم أو الآخر ولانهما يشهدان للآخر على
الاول فهو بمنزلة مالو أوصي لرجل بالثلث فشهد
وارثان انه قد رجع عنه وجعله عنه وجعله لهذا
الآخر أو انه اشركه معه فيه ولو كانت قيمة
العبد الثاني أقل من الثلث أجزت شهادتهما
للآخر فأعتقه ولا أصدقهما على الفصل الذي في
الاول لانهما بشهادتهما على الرجوع عن وصيته
يجران إلى أنفسهما منفعة ولا تقبل شهادتهما
على ذلك ولكن يثبت عتق الآخر بشهادتهما لان
أحد الحكمين ينفصل عن الآخر ولا تهمة في هذا
فينفذ العتق للعبدين من الثلث بالحصص.
ولو شهد شاهدان انه أعتق عبديه هذين في مرضه
وقيمة أحدهما ألف وقيمة الاخر خمسمائة ولا مال
له غيرهما فالثلث بينهما اثلاثا لان الوصية
لكل واحد منهما بالبراءه عن السعاية فيضرب
بجميع ما أوصى له به في الثلث وان كان أكثر من
الثلث ولو كان أوصي
ج / 28 ص -14-
بأحدهما لرجل وبالآخر لآخر فكذلك عند أبي يوسف
ومحمد الجواب وعند أبي حنيفة الثلث بينهما
نصفان لان الموصي له بالعين تبطل وصيته فيما
زاد على الثلث عند عدم الاجازة ضربا
واستحقاقا.
وإذا قال الرجل في مرضه لعبد له ومدبر أحد كما
حر ثم مات ولا مال له غيرهما وقيمتهما سواء
فللمدبر ثلثا الثلث وللآخر ثلثه لان قوله
أحدكما حر يتخيرا العتق وهو معتبر في حق
المدبر لحاجته إلى ذلك فيجب له حرية رقبته
ويشيع فيهما بالموت قبل البيان فكان ألقن موصى
له بنصف رقبته والمدبر موصى له بجميع رقبته لا
يزاد على ذلك شيء بما أصابه من العتق في المرض
لان العتق في المرض وصية كالتدبير فيضرب
المدبر في الثلث بجميع رقبته والقن بنصف رقبته
فكان الثلث بينهما اثلاثا ولو كان قال في
الصحة سعى المدبر في سدس قيمته والآخر في نصف
قيمته لان العتق في الصحة من جمع المال فإذا
فات البيان بالموت عتق من كل واحد منهما نصفه
من جميع المال وانما مال الميت رقبة واحدة
والمدبر موصي له بالنصف الباقي من رقبته فتنفذ
وصيته من الثلث فيسلم له بالعتق البات نصف
الرقبة وبالتدبير ثلث الرقبة ويسعى في سدس
القيمة وانما يسلم للقن نصف رقبته بالعتق
البات فيسعى في قيمته.
ولو شهد شاهدان انه دبر عبده فلانا ان قتل
وانه قد قتل وشهد شاهدان انه مات موتا فأنى
أجيز العتق من الثلث لان في احدى الشهادتين
اثبات العتق والقتل وفي الاخرى نفيهما والمثبت
من التينتين أولى وكذلك لو شهدا انه أعتقه ان
حدث به حدث في مرضه أو سفره هذا وانه قد مات
في ذلك السفر أو المرض وشهد آخران انه رجع من
ذلك السفر ومات في أهله فأنى أجيز شهادة شهود
العتق لان في شهادتهما اثبات العتق واثبات
تاريخ سابق في موته وان شهد هذان الآخران انه
قال ان رجعت من سفري هذا فمت في أهلي ففلان حر
وانه قد رجع فمات في أهله وجاءوا جميعا إلى
القاضي فانى لا أجيز شهادة اللذين شهدا على
الرجوع وأجيز شهادة اللذين شهدا انه مات في
أهله ذلك لانهما أثبتا موته بتاريخ سابق ولا
بد من القضاء بموته في ذلك الوقت لانعدام
المعارض ثم الموت لا يتكرر عادة فيبطل شهادة
الاخرين جميعا ضرورة.
ألا ترى ان الرجل لو قال ان
مت في جمادى الآخر ففلان حر وان مت في رجب
ففلان حر لعبد آخر فشهد شاهدان انه مات في
جمادى الآخر وشهد آخران انه مات في رجب أخذنا
بقول الشاهدين على الموت الاول لهذا المعنى.
ولو شهدا انه قال: ان مت من مرضى هذا ففلان حر
وقالا لا ندرى مات أم لا فقال الغلام مات منه
وقالالوارث صح منه ثم مات فالقول قول الوارث
مع يمينه لان الغلام يدعى شرط العتق والوارث
منكر لذلك فالظاهر وان كان يشهد للغلام ولكن
ثبوت الشرط ظاهر الا يكفي لثبوت الحرية لان
الظاهر يدفع به الاستحقاق ولا يثبت به
الاستحقاق وان أقاما جميعا البينة فالبينة
بينة العبد لانه هو المثبت للشرط والعتق.
ج / 28 ص -15-
وان قال: ان مت من مرضي هذا ففلان حر وان برأت منه ففلان آخر حر فقال العبد
قد مات منه وقال الوارث قد برأ فالقول قول
الوارث لما بينا فإن أقام الآخر البينة على ما
يدعى اعتقته أيضا لانه يثبت العتق ببينة لنفسه
وان قامت البينتان لهما أخذت ببينة الذين
شهدوا على الوقت الاول انه مات من مرضه وأبطلت
الاخرى لانه لا يموت مرتين واذا أمته في الاول
بطل الآخر ضرورة لان الميت لا يموت والله
أعلم.
باب عتق النسمة عن الميت
قال رحمه
الله: واذا اشترى الوصى نسمة ليعتقها عن الميت كتب هذا ما اشترى فلان بن
فلان وصي فلان بن فلان بن فلان اشترى مملوكا
يقال له فلان الفلاني وهو رجل قد اجتمع بكذا
درهمانسمة كان فلان بن فلان أوصي أن يشتريه
بها له فيعتقها عنه ثم يكتب التقابض وما بعده
على الرسم والحاصل ان الصك حكاية ما جرى
والمقصود التوثيق فينبغي أن يكتب على أحوط
الوجوه فالنسمة هي الرقبة التي تشرى للعتق
وينبغي للوصي اذا لم يعين الموصي رقبة أن
يشتري رجلا مجتمعا لان معنى التقرب انما يتم
باعتاق مثله فإن الصغير والمجنون عاجزان عن
الكسب والانثى كذلك فيصير بعد العتق عيالا على
غيره.
واذا كان رجلا قد اجتمع يتخلص من ذلك الرق
ويتفرغ للعبادة والتكسب للانفاق على نفسه
فإنما يتم معنى الرقبة في أعتاق مثله وقصد
الموصى التقرب وصفة الاطلاق تقتضي الكمال.
واذا أوصى أن يعتق عنه نسمة بمائة درهم فلم
يبلغ ثلث ماله مائة درهم لم يعتق عنه في قول
أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد يعتق عنه
بالثلث رقبة ما بلغت لان وجوب تنفيذ هذه
الوصية لحق الموصى وهو قصده التقرب ولهذا صحت
وصيته من غير تعيين النسمة فيجب تنفيذ وصيته
من محلها ويحصل مقصوده بقدر الامكان كما لو
أوصي أن يحج عنه بمائة درهم فلم يبلغ الثلث
الا خمسين درهما يحج عنه من حيث يبلغ بالثلث.
وكذلك لو أوصى أن يصدق له من ماله بمائة وأبو
حنيفة يقول تنفيذ الوصية لغير من أوجبها له
الموصى لا يجوز وهو إنما أوجب الوصية بنسمة
قيمتها مائة درهم والتي قيمتها خمسون غير التي
قيمتها مائة فلو قلنا بأنه يشتري بثلث ما يوجد
كان هذا تنفيذ الوصية لغير من أوجب له الموصى
ثم للموصى في تقدير الثمن غرض صحيح وهو التحرز
عن اعتاق الحديث والتقرب بإعتاق أفضل الرقاب
على ماروى أن النبي عليه الصلاة والسلام سئل
عن أفضل الرقاب فقال أعلاها ثمنا وأنفسها عند
أهلها والانسان قد يرغب في ولاء عبد كثير
القيمة ويتحرز عن ولاء قليل القيمة ففي تنفيذ
هذه الوصية من الثلث ابطال مقصود الموصى
والزام ولألم يرض بالتزامه وبهذين الحرفين
يتضح الفرق بين هذا وبين الصدقة والحج وانما
نظير هذا من مسألة الحج لو أن صحيحا أمر رجلا
أن يحج عنه رجلا بمائة درهم فأحج عنه رجلا
بخمسين درهما وهناك يصير مخالفا ضامنا فكذلك
ها هنا وعلى هذا الخلاف لو أوصى أن
ج / 28 ص -16-
يعتق
نسمة بجميع ماله فلم يجز الورثة ذلك فالوصية
تبطل في قول أبي حنيفة وفي قولهما يشترى له
بالثلث نسمة فتعتق عنه واستكثر من الشواهد
لهما في الاصل.
قال: أرأيت لو أوصي أن يعتق
عنه نسمة بمائتي درهم مائة من ماله ومائة من
مال فلان لرجل أجنبي أكنت أبطل وصيته من أجل
انه سمى مال الاجنبي أرأيت لو أوصى أن يشترى
له نسمة بمائة درهم أو بخمر أو خنزير أو
بانسان حر أو يزاد مع هذه المائة شيء لا يصلح
من ماله أكنت أبطل الوصية لا أبطلها وهي جائزة
من ثلثه.
أرأيت لو أوصى أن يعتق عنه نسمة بمائة درهم
بعينها فإذا فيها درهم ستوقة أو أكثر لا ينفق
أما كنت آمره أن يشترى بما بقي أرأيت لو تجوز
بهذا البائع أما كنت آمره أن يشترى بها أرأيت
لو استحق منها درهم أو هلك منها درهم أكنا
نبطل الوصية قيل هذا كله على الخلاف ومن عادة
محمد رحمه الله الاستشهاد بالمختلف على
المختلف لا يضاح الكلام وقيل بل أبو حنيفة
رحمه الله يفرق بين هذه الفصول فيقول إذا أوصى
أن يشترى نسمة بجميع ماله فلو أجازت الورثة
لكان المشترى كله والعتق يكون من جهته وولاؤه
له واذا لم يجيزوا لو قلنا يشترى بثلثه كنا
نلزمه ولو لم يرض بالتزامه.
وأما في مسألة ماله ومال غيره لو أجاز الغير
هناك لا يكون المشترى كله له ولا ينفذ العتق
في جميعه من جهته فليس في تنفيذ وصيته في ماله
الزام شيء لم يرض بالتزامه واذا أوصى أن يعتق
عنه نسمة وأوصي لآخر بالثلث فثلث ماله يقسم
على الثلث وعلى أدنى ما يكون من قيمة النسمة
لان بمطلق التسمية لا يثبت الا الادنى فإنه هو
المتيقن به وإنما يجب قسمة الثلث على مقدار ما
يثبت من كل وصيته فما أصاب قيمة النسمة يعتق
به النسمة وما أصاب الثلث فهو للموصى له
بالثلث.
ولو أوصى أن يشترى عبد فلان فيعتق عنه فإنه
يشترى من ثلثه لان تنفيذ الوصية محلها الثلث
واذا امتنع صاحبه من البيع بالثلث أوقف الثلث
حتى يبيعه صاحبه لانه مشغول بالوصية فما دام
فيه رجاء التنفيذ يجب أن يوقف الثلث عليه فإن
مات العبد فقد انقطع رجاء تنفيذ هذه الوصية
لفوات محلها فيرجع إلى الوارث ذلك ان كان سمى
ما يشترى به من الثلث.
ولو أوصى إلى رجل أن يشترى له نسمة بهذه
المائة بعينها فيعتقها من الثلث عنه فإن اشترى
بها نسمة فأعتقها عنه ثم استحق رجل تلك المائة
أو بعضها أو لحقه دين والمائة أكثر من ثلثه
فالوصي ضامن لتلك المائة لانه هو المشترى
فالثمن مضمون في ذمته حتى يسلمها للمشترى ثم
بما ظهر تبين ان الوصي مخالف لانه اشترى باكثر
من ثلث مال الميت ولا يمكن تنفيذ وصيته في
أكثر من ثلثه فصار مخالفا مشتريا لنفسه فالثمن
دين عليه وانما قضى بمال الميت دينا عليه
فيضمن مثلها ويكون العتق عن نفسه لانه أعتق
ملك نفسه فان خرج للميت مال لم يعلم به من دين
أو عين يكون ثمن النسمة الثلث من ذلك بريء
الوصى من الضمان
ج / 28 ص -17-
لان
بما ظهر من المال تبين ان الوصى غير مخالف
وانه نفذ الوصية في محلها فلا يلحقه عهد ولا
ضمان.
وإذا أوصى أن يباع عبده ويشترى بثمنه نسمة
فتعتق عنه فباع الوصي العبد واشترى بثمنه نسمة
فأعتقها وهو الثلث ثم رد العبد من عيب بعد ذلك
ضمن الوصي الثمن لانه هو المشترى فتتعلق حقوق
العقد به وذلك رد الثمن عند رد المبيع عليه
بالعيب ثم يقال بع العبد فان بلغ ذلك الثمن
فالعتق جائز عن الميت كما كان لانه تبين انه
غير مخالف في شراء النسمة والعتق عن الميت بل
هو منفذ الوصية في محلها وان نقص عنه أو زاد
عليه فالعتق عن الوصى لانه مخالف في الوجهين
أما اذا نقص ثمن العبد عما اشترى به النسمة
فظاهر وكذلك اذا زاد عليه لانه انما امره أن
يعتق عنه نسمة يشتريها بثمن العبد وهذه نسمة
اشتراها ببعض الثمن فكان غير ما تتناوله
الوصية فلهذا كان مشتريا لنفسه في الوجهين
والعتق عنه ويشترى بالثمن نسمة أخرى فيعتقها
عن الميت ولو لم يرد العبد بالعيب ولكن استحق
رجع المشتري على الوصى بالثمن لانه هو الذي
قبض منه بحكم البيع الثمن فكان العتق عن الوصى
نفسه لانه تبين بطلان الوصية.
وان اشترى الوصى النسمة لا يمكن تنفيذها عن
الميت فكان مشتريا لنفسه على ما هو الاصل انه
متى تعذر تنفيذ الشراء على ما اشترى له ينفذ
على العاقد وكان العتق عن الوصى نفسه ولا يرجع
على الورثة في نصيبهم بشيء من المال لان الميت
لم يوص في ذلك المال بشيء فكيف يرجع الوصى به؟
أرأيت لو اشترى شيأ لليتيم من ميراثه أو باع
له فلحقه غرم وليس لليتيم مال أكان يرجع في
حصة غيره من الورثة؟
ولو أوصى بأن يشترى من ثلثى ماله نسمة تعتق
عنه وماله ثلاثمائة فاشترى الوصى بمائة نسمة
فأعتقها وأعطى الورثة مائتين فاستحقت النسمة
وردت في الرق وقبض الوصى المائة ليشترى بها
نسمة أخرى فتلفت منه مائة يرجع على الورثة
بثلث ما أخذوا ليشترى به في قول أبي حنيفة وما
تقدم من المقاسمة باطل ما لم يحصل مقصود
الموصى وفي قولهما مقاسمة الوصى الورثة جائزة
ولا يرجع فيما أصاب الورثة بشيء وقد بطلت
الوصية وهذا نظير ما تقدم بيانه في الحج.
ولو أوصى أن يشترى له نسمة بعينها فتعتق عنه
فاشتراها الوصى ثم ماتت فقد بطلت الوصية لانها
وقعت لشخص بعينه فلا يمكن تنفيذها لشخص آخر
وقد فات محل الوصية فتبطل الوصية وكذلك لو جنت
جناية قبل أن تعتق فدفعت بها بطلت الوصية
لفوات محلها وهو ملك الموصى ولو فداها الورثة
كانوا متطوعين في الفداء وتعتق عن الميت لانها
طهرت عن الجناية وبقيت على ملكه محلا لوصيته
والورثة ما كانوا مجبورين على الفداء فكانوا
متبرعين فيه لان النسمة باقية على ملك الموصى
حكما فكأنهم فدوها من الجناية في حياة الموصي.
ج / 28 ص -18-
ولو
أوصي بعتق أمة له تخرج من ثلثه كان حالها كذلك
فإن ولدت النسمة أو الامة قبل أن تعتق فالولد
رقيق للورثة لان الوصية بالعتق لا تسرى إلى
الولد فإن فيه الزام الميت الولاء وانما التزم
الميت ولاء الامة لا ولاء ولدها والامة قبل أن
تعتق مبقاة على حكم ملك الميت فيفصل منها
الولد لذلك الا أن الورثة لا يملكونها لكونها
مشغولة بوصية الميت وذلك غير موجود في الولد
فكان الولد للورثة وان كانت النسمة والام ذات
رحم محرم من الورثة لم تعتق بذلك حتى تعتق عن
الميت لان اشتغالها بالوصية يمنع انتقالها إلى
الوارث بل هي مبقاة على حكم ملك الميت ولهذا
كان ولاؤها له اذا عتقت عنه.
ولو أعتقها بعض الورثة عن نفسه كان العتق عن
الميت لان العتق في هذه العين مستحق عن الميت
وما يكون مستحقا على المرء في عين بجهة فعلى
أى وجه أتى به يقع عن الوجه المستحق وتصريحه
بخلافه باطل وكذلك لو قال أنت حرة ان دخلت
الدار أو قال بعد موتى لم تكن مدبرة ولكنها
تعتق عن الميت ان دخلت الدار ومات القائل لان
الوارث في حكم المالك لها بدليل أنه يملك
بدلها وزوائدها وكسبها ألا أنه لا يجعل مالكا
فيما فيه ابطال وصية الموصى فأما فيما فيه
تنفيذ وصيته فيجعل الوارث كالمالك فيصح منه
تعليق عتقها بموته أو بشرط آخر وعند وجود
الشرط يجعل كالمنجز لعتقها فيعتق عن الميت وبه
فارق الوصى فإنه إذا علق عتقها بالشرط لم يصح
التعليق لان الوصي غير مالك لها وإنما يتصرف
بحكم التفويض والمفوض إليه ينجز العتق
والمأمور بالتنجيز اذا علق العتق بالشرط كان
ذلك منه باطلا.
ولو قال لها الوارث: أنت حرة علي ألف درهم ان
قبلت فقبلت فهي حرة بغير شيء لأنها لا تعتق
لوجود الشرط وإنما تعتق بجهة الوصية عن الميت
وكان ذلك بغير جعل ولو أوصى أن تعتق نسمة عن
شيء واجب عليه من ظهار أو غيره فإنها تعتق من
ثلثه لانه لا يجب الاعتاق عنه بعد موته بغير
وصية فإذا أوصى كان معتبرا من ثلثه كالتطوعات
وكذلك الزكاة وحجة الاسلام وقد بينا هذا فيما
سبق.
ولو أوصى بعتق نسمة فاشتريت له أو بعتق أمة له
تخرج من الثلث فجنى عليها جناية فالارش للورثة
لان الأرش بمنزلة الولد في كونه فارغا عن
الوصية فالوارث بمنزلة المالك لها فيما هو
فارغ عن وصية الميت فكان كسبها للورثة لهذا
المعنى.
ولو زوجوها لم يجز لان ولاية التزويج تثبت
لملك الرقبة وهم لا يملكون رقبتها لكونها
مشغولة بالوصية فان دخل بها الزوج سقط الحد
للشبهة ووجب المهر وكان ذلك بمنزلة ولد ولدته
فيكون للورثة.
ولو أوصي إلى رجل ببيع عبده هذا ويتصدق بثمنه
على المساكين فباعه الوصى وقبض الثمن فهلك
عنده ثم استحق العبد كان أبو حنيفة مرة يقول
يضمن الوصى ولا يرجع على أحد بشيء لان الوصية
قد بطلت باستحقاق العبد والوصى هو الذي قبض
الثمن فيضمن مثله.
ج / 28 ص -19-
للمشتري ولا يرجع على الورثة بشيء لان الميت
ما أوصى بشيء مما وصل إلى الورثة ثم رجع وقال
يرجع الوصى بما يضمن من الثمن في مال الميت
وهو قولهما لان الوصي في هذا البيع كان عاملا
للميت فما يلحقه من العهدة بسبب عمله يرجع به
على الميت ويكون ذلك بمنزلة الدين له يستوفيه
من جميع ماله.
وروى بن سماعة عن محمد رحمهما الله انه يرجع
بقدر ثلث ماله مما يغرم لانه انما لحقه هذا
الغرم باعتبار وصية الميت ومحل الوصية الثلث
فلهذا يقتصر رجوعه على ثلث مال الميت والله
أعلم.
باب الوصي والوصية
قال رحمه الله: ويكتب في كتاب
وصيته تركته لان الكتاب للتوثق والرجوع إليه
عند المنازعة وأكثر ما تقع فيه المنازعة
التركة التي تصير في يد الموصى فينبغي أن
يذكرها في الكتاب ان كتب فيه انه يعمل كذا ان
مات من مرضه هذا أو في سفره هذا فرجع من ذلك
السفر وبرأ من ذلك المرض بطلت تلك الوصية لانه
علقها بشرط وقد فات والوصية إلى الغير اثبات
الخلافة أو الاطلاق وهو يحتمل التعليق بالشرط
كالوكالة أو هي اثبات الولاية بمنزلة تقليد
القضاء فيحتمل التعليق بالشرط.
وإذا أوصى إلى رجلين فمات أحدهما جعل القاضي
مكانه وصيا آخر والكلام ها هنا في فصول ثلاثة.
أحدها: أن أحد الوصيين لا
ينفرد بالتصرف في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما
الله الا في أشياء معدوده استحسانا وفي قول
أبي يوسف ينفرد كل واحد منهما بالتصرف وجه
قوله ان الوصايا تثبت الولاية للوصى في التصرف
وكل واحد من الوليين يتصرف بانفراده كانه ليس
معه غيره كالاخوين في النكاح والابوين وهذا
لان الولاية لا تحتمل التجزى ء وبتكامل السبب
في حق كل واحد منهما بانفراده يثبت الحكم
بخلاف الوكيلين فإن الوكالة إنابة وإنما
جعلهما نائبين عنه في التصرف فلا تثبت الإنابة
لكل واحد منهما بانفراده وبيان أن ثبوت حق
التصرف الفرق للموصي لا يكون إلا بعد زوال
ولاية الموصى والإنابة تستدعى قيام ولاية
المنوب عنه وتبطل سقوط ولايته كالوكالة.
و أما الولاية بطريق الخلافة فتستدعى سقوط
ولاية من هو أصل ليصير الخلف قائما مقامه
كالجد مع الأب وأبو حنيفة ومحمد رحمهما الله
قالا سبب هذه الولاية التفويض فلا بد من
مراعاة سبب التفويض وإنما فوض إليهما حق
التصرف وكل واحد منهما في هذا السبب بمنزلة
شطر العلة وشطر العلة لا يثبت شيئا من الحكم
بخلاف الأخوين فالسبب هناك الأخوة وهي متكاملة
في حق كل واحد منهما.
يوضحه: أن ولاية التصرف للوصي
بعد موت الموصي باعتبار اختيار الموصي ورضاه
به وهو إنما رضي برأي المثني فرأى الواحد لا
يكون كرأى المثنى ومقصوده توفير المنفعة
ج / 28 ص -20-
عليه
وعلى ورثته وذلك عند اجتماع رأييهما أظهر
فأشبهت من هذا الوجه الوكالة فأما الأشياء
المعدودة فهو تجهيز الميت وشراء ما لا بد منه
للصغير وقضاء الدين ورد الوديعة وتنفيذ الوصية
في العين وقبول الهبة والخصومة والقياس في هذة
الأشياء أن لا ينفرد أحدهما به لما قلنا ولكنا
استحسنا لأن التجهيز لا يمكن تأخيره وربما
يكون أحدهما غائبا ففي اشتراط اجتماعهما إلحاق
الضرر لا توفير المنفعة عليه وكذلك شراء ما لا
بد للصبي منه فإن ذلك لحاجته فلا يحتمل
التأخير والظاهر أن الموصي رضي برأى كل واحد
منهما على الانفراد فيه عند تحقق الحاجة وأما
قضاء الدين فلأن صاحب الدين يستبد باستيفائه
من غير حاجة فيه إلى فعل أو رأى من الوصي فرد
الوديعة كذلك والوصية بالعين إذا كانت تخرج من
الثلث كذلك فالوصي له أن يأخذه فكذلك لأحدهما
أن يعينه على ذلك بالتسليم والخصومة مما لا
يتحقق اجتماعهما عليه.
ألا ترى: أنهما وإن حضرا لم
يتكلم إلا أحدهما لأنهما لو تكلما جميعا لم
يفهم القاضي كلام كل واحد منهما ولهذا ملك أحد
الوكيلين الخصومة والتفرد بها أما قبول الهبة
والصدقة فإنه لا يستدعى الولاية.
ألا ترى: أن الصبي يقبل بنفسه
ومن يعوله وإن كان أجنبيا له أن يقبل الهبة له
فأحد الوصيين بذلك أولى فأما اقتضاء الدين
واسترداد الوديعة فهو على الخلاف لأن هذا يقبل
التأخير ويتحقق اجتماعهما عليه وفيه توفير
المنفعة لأن حفظ الواحد لا يكون كحفظ المثنى
وإنما رضى الموصى بحفظهما ولم يذكر في الكتاب
فأما إذا أوصي إلى كل واحد منهما على الانفراد
وقد قال كثير من مشايخنا أن ها هنا ينفرد كل
واحد منهما بالتصرف بمنزلة الوكيلين إذا وكل
واحد منهما على الانفراد ولكن الأصح أن الخلاف
في الفصلين لأن وجوب الوصية يكون عند الموت
وعند الموت إنما نثبت الوصية لهما معا بخلاف
الوكالة وهذا لأن بالإيصاء إلى الثاني يقصد
إشراكه مع الأول وهو يملك الرجوع عن الوصية
إلى الأول فيملك إشراك الثاني معه وقد يوصي
الإنسان إلى غيره على ظن أنه يتمكن من إتمام
مقصوده وحده ثم يتبين له عجزه عن ذاك فيضم له
غيره فكان بمنزلة الوصية إليهما معا بخلاف
الوكيلين فإن رأى الموكل قائم هناك وإذا عجز
الوكيل يمكن الموكل من المباشرة بنفسه فلم يكن
قصده ضم الثاني إلى الأول وإنما كان قصده
إنابة كل واحد منهما منابه بانفراده فإن مات
أحدهما جعل القاضي مكانه وصيا آخر أما عند أبي
حنيفة ومحمد فلان الآخر عاجز عن التفرد
بالتصرف والقاضي قائم مقام الميت في النظر
فيعجزه بنفسه عن النظر فيضم إليه وصيا آخر
وعند أبي يوسف الحي منهما وان كان يقدر على
التصرف فإنما كان الموصى قصد أن يخلف متصرفين
في حقوقه وتحصيل مقصوده بنصب وصى آخر ها هنا
لان رأى الميت منهما باق حكما برأى من نصبه.
وروى الحسن عن أبي يوسف ان الحي لا ينفرد
بالتصرف ها هنا لان الموصى ما رضى
ج / 28 ص -21-
برأيه
وحده ولا يكون للوصى أن يرضى بما يعلم ان
الموصى لم يرض به بخلاف ما إذا أوصي إلى غيره.
واذا مات وأوصى إلى آخر فهو وصية في تركته
وتركة الميت الاول عندنا وقال الشافعي لا يكون
وصيا في تركة الميت الاول بحال وقال بن أبي
ليلى لا يكون وصيا في تركة الميت الاول الا أن
يوصي إليه بوصية الاول وجه قول الشافعي ان
الوصي بمنزلة الوكيل لانه مفوض إليه بوصية
الاول التصرف بعد الموت بعقد فهو كالمفوض إليه
التصرف في حالة الحياة بالعقد وهو الوكيل ثم
الوكالة تنقطع بموت الموكل ولا يملك الوكيل أن
يوكل به غيره فكذلك الوصي اذا مات ولا معنى
للفرق لان حق التصرف للوصي انما يثبت بعد سقوط
ولاية وصي لان حق التصرف انما يثبت له في
الوقت الذي فوض إليه التصرف في الوجهين جميعا
وانما تصح الوصية باعتبار قيام ولاية الموصى
حكما كما تصح الوصية له بالمال بعد موته
باعتبار قيام ملكه فيه حكما وفقه ما بينا أن
الموصى رضى برأية والناس في الرأي يتفاوتون
فلا يكون ذلك منه رضا برأي غيره ولهذا لا يوكل
الوصي أيضا عندي وحجتنا في ذلك الوصى يتصرف
بولاية منتقلة إليه فيملك الايصاء إلى الغير
كالجد وتقريره ان الولاية التي كانت ثابتة
للموصى تنتقل في المال إلى الوصى في النفس
والى الجد في النفس ثم الجد فيما ينتقل إليه
قائم مقام الاب فكذلك الوصي فيما انتقل إليه
لانه خلف عن الاول وباعتبار هذه الخلافة يجعل
الاول قائما حكما والخلف يعمل عمل الاصل عند
عدم الاصل ومن شرط ثبوت الخلافة اعدام الاصل.
يوضحه: ان مقصود الموصى ان
يتدارك برأيه ما فرط فيه بنفسه ولما استعان به
في ذلك مع علمه انه قد تخترمه المنية قبل
تتميم مقصوده فقد صار راضيا بإيصائه إلى الغير
في ذلك لما فيه من تحصيل مقصوده وبه فارق
الوكيل لان الموكل هناك قائم يمكنه أن يحصل
مقصوده بنفسه فلا يضمن لوكيله الرضا بوكيل
غيره أو الايصاء إلى غيره عند موته فأما بن
أبي ليلى فيقول هو بمطلق الايصاء يجعل الوصى
خلفا عنه فيما هو من حوائجه وحقوقه التي فرط
فيها وهذا مقصور على تركته فاما التصرف في
تركة الموصى فليس من حوائجه في شيء فلا يملك
الوصى ذلك الا بالتنصيص عليه ولكنا نقول بعد
قبوله الوصية وموت الموصى صار التصرف في تركة
الاول وأولاده الصغار من حوائجه فيما هو مستحق
عليه بمنزلة التصرف في تركة نفسه.
يوضحه: أنه جعل الثاني خلفا
عنه قائما مقامه في كل مكان يملكه بنفسه مما
يقبل النقل إلى الغير بعد موته وقد كان ملك
التصرف في التركتين جميعا في حال حياته فيخلفه
الوصى الثاني فيهما جميعا بمطلق الايصاء.
وعن أبي يوسف رحمه الله كذلك إلى أن يخص تركته
عند الايصاء إلى الثاني فحينئذ
ج / 28 ص -22-
يعمل
تخصيصه لانه نظر لنفسه في في هذا التخصيص وهو
انه لا يتحمل وبال التصرف في ملك الغير حيا
وميتا.
واذا قبل الوصي الوصية في حياة الموصي ثم أراد
الخروج منها بعد موته فليس له ذلك والوصية له
لازمة لان المقصود توفير المنفعة على الموصي
ودفع الضرر عنه وبعد ما قبل الوصي لو جاز له
الرد بعد الموت تضرر به الموصى لانه ترك النظر
والايصاء إلى الغير اعتمادا على قبوله ويصير
هذا الوصي بالقبول كالغار له والغرور حرام
والضرر مدفوع بخلاف الوصية بالمال فان هناك
وان قبله في حياته فله أن يرده بعد موته لان
المقصود هناك توفير المنفعة على الموصي له
وليس في رده معنى الضرر والغرور حق الموصى
لانه اذا رده لا يضيع المال بل يصير إلى وارثه
وذلك خير للموصي شرعا فأما اذا لم يقبل الوصي
حتى مات الموصي فهو بالخيار ان شاء قبله وان
شاء رده لانه متبرع بالتصرف في حق الغير فلا
يلزمه ذلك بدون قبوله كالوكالة وليس في رده
هنا غرور من جهته وانما الموصى هو الذي اغتر
حين لم يعرف عن حاله أنه يقبل الوصية أم لا
فإن رده في وجه الموصى فقال الموصي ما كان ظني
بك هذا فمن يقبل وصيتي اذا أمكث حتى مات
الموصى ثم قبل لم تكن وصية لان برده في وجهه
بطلت الوصاية فلا يمكن قبولها بعد ذلك.
ولو أنه ردها في غير وجه الموصي ثم قبلها بأن
سمع كلام الناس في ذلك فإنه لا يكون وصيا
عندنا وقال زفر رحمه الله يكون وصيا لان رده
في غير وجه الموصي انما يتم اذا بلغ الموصى
فإذا لم يبلغه حتى قبل صار كأن الرد لم يوجد
ولكنا نقول قبل القبول هو ينفرد بالرد في وجه
الموصى وفي حال غيبته فيبطل العقد برده ولا
يعتبر القبول بعد ذلك ولو قبلها بعد موته ولم
يكن ردها في حياته فقد لزمته الوصية بمنزلة ما
لو قبلها في وجهه بل أولى لأن أوان ولايته بعد
الموت فالقبول في هذه الحالة يكون ألزم منه
قبل أوانه ثم دليل القبول كصريح القبول حتى لو
باع بعض تركة الميت أو اشترى للورثة بعض ما
يحتاجون إليه أو اقتضى مالا أو قضاه لزمته
الوصية لوجود دليل القبول والرضى به كالمشروط
له الخيار إذا وجد منه ما يدل على الإجازة أو
الفسخ كان ذلك بمنزلة التصريح بذلك والأصل في
ذلك قوله عليه الصلاة والسلام لبريرة:
"إن وطئك الزوج فلا خيار لك".
وإذا اشتكى الورثة أو بعضهم الوصي إلى القاضي
فإنه لا ينبغي له أن يعزله حتى تبدو له منه
خيانة لأن الموصي اختاره ورضي به والشاكي قد
يكون ظالما في شكواه فما لم يتبين خيانته لا
يحتاج القاضي إلى النيابة عن الميت في النظر
له والاستبدال به فإن علم منه خيانة عزله عن
الوصية لأن الموصي اعتمد في اختياره أمانته
والظاهر أنه لو علم بخيانته عزله والقاضي بعد
موته قائم مقامه نظرا منه للميت وإن كان الوصي
هو الذي شكا إلى القاضي عجزه عن التصرف فعلى
القاضي أن ينظر في ذلك فإن علم عدالته وعجزه
عن الاستبداد ضم إليه غيره لأنه لو لم يفعل
ذلك فإما أن يتصرف الوصي بالعجز عن التصرف في
حقوق
ج / 28 ص -23-
نفسه
أو يترك التصرف في حوائج الموصي فيتمكن الخلل
في مقصوده ويرتفع هذا الخلل بضم غيره إليه وإن
ظهر عنده عجزه عن القيام بالوصية استبدل به
لأنه مأمور بالنظر من الجانبين.
ولو ظهر عند الموصي في حياته عجزه استبدل به
فكذلك من قام مقامه في النظر وهو القاضي وإذا
أوصى إلى عبد غيره فالوصية باطلة وإن أجاز
مولاه لأن الوصية ولاية والرق ينفي ولايته على
نفسه فيمنع ولايته على غيره ولأنه عاجز عن
تحصيل مقصود الموصي لأن منافعه لمولاه فالظاهر
أنه يمنعه من التبرع به على غيره وكذلك بعد
إجازته على غيره لأن هذا بمنزلة الإعارة منه
للعبد فلا يتعلق به اللزوم فإذا رجع عنه كان
عاجزا عن التصرف.
وكذلك إن أوصى إلى عبده والورثة كبار أو فيهم
كبير فللكبير أن يمنعه من التصرف وله أن يبيع
نصيبه منه فيمنعه المشتري من التصرف فإن كانت
الورثة صغارا كلهم فالوصية إليه جائزة في قول
أبي حنيفة ولا يجوز في قول أبي يوسف ومحمد وهو
القياس لأن الرق الذي ينفي الولاية قائم في
عبده كما هو في عبد غيره ولأنه صار مملوكا
للورثة وإثبات الولاية للمملوك على المالك من
أبعد ما يكون كما لو كان فيهم كبير وأبو حنيفة
يقول أوصى إلى مخاطب مطلع فيجوز كما لو أوصى
إلى مكاتبه أو مكاتب غيره ومعنى قولنا مطلع أي
مستند بالتصرف في حوائج الموصي على وجه لا
يملك أحد منعه عن ذلك ولا اكتساب سبب يمنعه.
ولو كان الرق يمنع الإيصاء إليه لم تجز الوصية
إلى المكاتب لقيام الرق فيه إلا أنهما يقولان
المكاتب لا يصير مملوكا للوارث فلا يؤدي إلى
إثبات الولاية للمملوك على المالك
وأبو حنيفة يقول الصغار من الورثة وإن كانوا
يملكون رقبة العبد فلا يملكون التصرف عليه
فيحوز إثبات ولاية التصرف له في حقوقهم بخلاف
ما إذا كان فيهم كبير وإنما استحسن أبو حنيفة
هذا لما رأى فيه من توفر المنفعة على الميت
وعلى ورثته فإن من ربى عبده وأحسن إليه
فالظاهر أن شفقته على الصغار من أولاده بعد
موته أكثر من شفقة الأجنبي ولهذا اختاره
للوصية فلتوفير المنفعة عليه جوز الوصاية إليه
استحسانا كالوصية إلى مكاتبه فإن عجز المكاتب
عن المكاتبة عاد قنا فيكون الجواب فيه كالجواب
في العبد.
وإذا أوصى المسلم إلى ذمي أو إلى حربي مستأمن
أو غير مستأمن فهو باطل لأن في الوصية إثبات
الولاية للوصى على سبيل الخلافة عنه ولا ولاية
للذمى ولا للحربي على المسلم ثم الوصى يخلف
الموصي في التصرف كما أن الوارث يخلف المورث
في الملك بالتصرف ثم الكافر لا يرث المسلم
فكذلك لا يكون وصيا للمسلم وكذلك إن أوصى
الذمي إلى الحربي لم تجز لهذا المعنى.
و لو أوصى الذمي إلى الذمي فهو جائز لأنه يثبت
لبعضهم على البعض ولاية بالقرابة فكذلك
بالتفويض وأحدهما يرث صاحبه فيجوز أن يكون
وصيا له أيضا.
ج / 28 ص -24-
ولو
أوصى إلى رجل مسلم أو إلى امرأة أو أعمى أو
محدود في قذف فهو جائز لأن هؤلاء من أهل
الولاية والخلافة إرثا وتصرفا ولو أوصى إلى
فاسق منهم متخوف على ماله فالوصية باطلة لأن
الإيصاء إلى الغير إنما يجوز شرعا ليتم به نظر
الموصى لنفسه ولأولاده وبالإيصاء إلى الفاسق
لا يتم معنى النظر ولم يرد بقوله الوصية إليه
باطلة أنه لا يصير وصيا بل يصير وصيا لكون
الفاسق من أهل الولاية والخلافة إرثا وتصرفا
حتى لو تصرف نفذ تصرفه ولكن القاضي يخرجه من
الوصية ويجعل مكانه وصيا آخر لأنه لم يحصل نظر
الموصي لنفسه وكان عليه أن يتدارك ذلك وإذا لم
يفعل حتى عجز عن النظر لنفسه بالموت أناب
القاضي منابه في نصب وصي آخر له بمنزلة ما لو
أوصى مكانه وصيا آخر لهذا.
وإذا أوصى إلى رجل بماله فهو وصي في ماله
وولده وسائر أسبابه عندنا وقال الشافعي لا
يكون وصيا إلا فيما جعله وصيا فيه لأنه تفويض
التصرف إلى الغير فيختص بما خصه به المفوض
كالتوكيل ولئن سلمنا أن الوصي تثبت له الولاية
فيثبت هذه الولاية إيجاب الموصي وقيل يقبل
التخصيص كولاية القضاء لما كان سبب التقليد
كان قابلا للتخصيص وهذا لأن الإيصاء إلى الغير
مشروع بحاجة الموصي وهو أعلم بحاجته فربما
يكون التفريط منه في نوع دون نوع فنجعله وصيا
فيما فرط فيه وربما يؤتمن هذا الوصي على نوع
دون نوع أو يعرف هدايته في نوع من التصرف دون
نوع وربما يعرف شفقة الأم على الأولاد ولا
يأتمنها على ما لهم فيجعل الغير وصيا على
المال دون الأولاد للحاجة إلى ذلك فكان هذا
تخصيصا مقيدا فيجب اعتباره ووجه قولنا أنه
ينصرف بولاية منتقلة إليه فيكون كالجد وكما أن
تصرف الجد لا يختص بنوع دون نوع لأنه قائم
مقام الأب عند عدمه فكذلك تصرف الوصي فيما
يقبل النقل إليه.
ودليل صحة هذه القاعدة أن الإيصاء يتم بقوله
أوصيت إليك مطلقا ولو كان طريقه طريق الإنابة
لم يصح إلا بالتنصيص على ما هو المقصود
كالتوكيل فإنه لو قال وكلتك بمالي لا يملك
التصرف
وكذلك لو قال جعلتك حاكما لايملك تنفيذ القضاء
ما لم يتبين له ذلك وها هنا لما صح الإيصاء
إليه مطلقا عرفنا أنه إثبات للولاية بطريق
الخلافة
والدليل عليه أن ولايته بعد زوال ولاية الموصي
بخلاف التوكيل والتقليد في الحكومة ولئن سلمنا
أن الإيصاء تفويض ولكن لما كان هذا التفويض
إنما يعمل بعد زوال ولاية الموصي وعجزه عن
النظر كان جوازه لحاجته والحاجة تتجدد في كل
وقت فهو عند الإيصاء لا يعرف حقيقة ما يحتاجون
فيه إلى النائب بعده فلو لم يثبت للوصي حق
التصرف في جميع الأنواع تضرر به الموصي
والظاهر أنه بهذا التخصيص لم يقصد تنفيذ
ولايته بما سمى وإنما سمى نوعا لأن ذلك كان
أهم عنده والإنسان في مثل هذا يذكر الأهم وهذا
بخلاف الوكالة لأن رأى الموكل قائم عند تصرف
الوكيل فإذا تجددت الحاجة أمكنه أن ينظر فيه
بنفسه أو بتفويضه إليه.
ج / 28 ص -25-
أو إلى
غيره وكذلك في التقليد فإن رأى المقلد قائم
فيمكنه أن يفصل بنفسه أو يفوض ذلك إليه أو إلى
غيره عند الحاجة.
ولو أوصى بماله المعين إلى رجل وبتقاضي الدين
إلى آخر فهما وصيان في العين والدين جميعا في
قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله وقال
محمد رحمه الله كل واحد منهما وصي فيما سمى له
خاصة وهو رواية عن أبي يوسف أيضا وجه قوله أن
الموصي أحسن النظر لنفسه ها هنا حين اختار
التصرف في العين بمن يكون أمينا قادرا على
التصرف فيه واختار لتقاضي الدين من يكون
مهتديا إلى ذلك وفي الفصل الأول إنما قلنا
تتعدى الوصاية من نوع إلى نوع لأن به تمام
النظر للميت وتمام النظر ها هنا في أن يختص كل
واحد منهما بما سمى له فإنما يختار ليتقاضي
إلى الناس وللتصرف في العين أمين الناس.
يوضحه: أن هناك التصرف في بعض
الأنواع للوصي منصوص عليه وفي البعض مسكوت عنه
فيلحق بالمنصوص عليه وها هنا التصرف لكل واحد
منهما فيما سمى له منصوص عليه فلا يلحق غير
المنصوص بالمنصوص وفي إثبات الشركة بينهما قصر
ولاية كل واحد منهما عما سمى له لأنه لا ينفرد
بالتصرف عند أبي حنيفة إذا ثبتت الشركة بينهما
وأبو حنيفة يقول الإيصاء إلى الغير مملوك
للموصي شرعا والتقييد بنوع دون نوع غير مملوك
له بدليل أنه لو قيد تصرفه بنوع ونهاه عن
التصرف في سائر الأنواع ولكن لم يوص إلى غيره
في ذلك كان له أن يتصرف في الكل عرفنا أن
التقييد غير مملوك له فإنما يعتبر من كلامه ما
يكون مملوكا له وذلك الإيصاء إليهما.
يوضحه: أن في حق كل واحد
منهما أحد النوعين منصوص عليه والآخر مسكوت
عنه وقد بينا في الواحد إذا نص له على نوع
تتعدى ولايته إلى سائر الأنواع فكذلك ها هنا
والدليل عليه أنه لو ذكر لكل واحد منهما نوعا
خاصا ولم يتعرض لسائر الأنواع يثبت لهما ولاية
التصرف في سائر الأنواع على سبيل الشركة فكذلك
في النوع الذي سمي لكل واحد منهما لأن الولاية
بطريق الوصية لا تقبل التمييز في الأنواع على
أن يكون نائبه في بعضها على وجه الاختصاص وفي
بعضها على وجه الشركة.
ولو قال: فلان وصيي حتى يقدم
فلان ثم الوصية إلى فلان فهو كما قال لأنه قد
يحتاج إلى هذا لكون من يختاره لوصيته غائبا
فيحتاج إلى نصب غيره لكيلا يضيع ماله إلى أني
يقدم الغائب ثم إذا قدم فهو المختار للوصية
وهذا لأن الوصية الخاصة إلى الوصي الأول قد
انتهت بقدوم الثاني فهو كالمنتهي ببلوغ الولد
وقد جعل الوصية للثاني معلقة بقدومه والوصية
تقبل التعليق ثم بهذا الفصل يستدل محمد رحمه
الله فيقول التقييد تارة يكون من حيث الزمان
وتارة يكون من حيث النوع ثم لما صح النوع له
أن يقيد بصرف كل واحد منهما بزمان فكذلك يصح
تقييده بالنوع بخلاف ما إذا سمى نوعا ولم يذكر
سائر الأنواع لأنه لو سمى جزءا من الزمان
كالوصية إليه شهرا أو سنة كان وصيا بعد ذلك
الوقت إلى أن
ج / 28 ص -26-
يدرك
الولد ثم إذا نص لكل واحد منهما على جزء من
الزمان كان الأمر على ما نص عليه
ولكن قد روي عن أبي حنيفة رحمه الله أنه قال
إذا قدم فلان فهما وصيان فعلى هذا يندفع
السؤال لأن الوصية في حق الثاني تنضاف إلى ما
بعد قدومه وفي حق الآخر مطلقة فيتصرف الأول
إلى أن يقدم فلان لأن المضاف إلى وقت أو
المعلق بالشرط لا يكون موجودا قبله فإذا وجد
الشرط صارالثاني وصيا والأول وصي فيشتركان في
التصرف ولو سلمناه فالفرق ما ذكرنا من حيث إن
ها هنا لا تثبت الشركة بينهما بحال فإن العقد
في حق أحدهما مطلق وفي الآخر معلق فأما ها هنا
فتثبت الشركة بينهما فيما سوى النوعين اللذين
نص عليهما والعقد في كل واحد منهما مطلق ولأن
ثبوت الخلافة لهما واحد وهو عند موت الموصي
فلهذا تثبت الوصية لكل واحد منهما في النوعين
جميعا.
وكذلك لو أوصى ببعض ولده وميراثهم إلى رجل
وببقية ولده وميراثهم إلى آخر فهما وصيان في
جميع المال والولد استحسانا في قول أبي حنيفة
وأبي يوسف لأن ولاية الموصي كانت ثابتة في
الكل وهي مما تقبل النقل إلى الغير بالإيصاء
فيقومان مقامه بعد موته في جميع ذلك.
و إذا اختلف الوصيان في المال عند من يكون
فإنه يكون عند كل واحد منهما نصفه وإن اختلفا
استودعاه رجلا وإن أحبا كان عندهما لأن حفظ
المال إليهما ويتعذر اجتماعهما على حفظه آناء
الليل والنهار لأنهما ينقطعان بذلك عن
أشغالهما فيكون لكل واحد منهما أن يحفظ نصفه
كالمودعين فيما يحتمل القسمة وإن أحبا
استودعاه رجلا لأن الوصي لو كان واحدا كان له
أن يودع المال من غيره لأنه قائم مقام الموصي
فيما له من ولاية التصرف في المال والإيداع
يدخل في هذا وقد يعجز الوصي عن الحفظ بنفسه
لكثرة أشغاله فإذا جاز للوصي الواحد أن يودع
المال جاز للوصيين ذلك وإن أحبا أن يكون
عندهما جاز لأنهما لما جاز لهما أن يودعاه
غيرهما فلأن يجوز لهما أن يودعاه أحدهما وهو
أقرب إلى موافقة رأي الموصي كان أولى.
قال: "وللوصي أن يتجر بنفسه
بمال اليتيم ويدفعه مضاربة ويشارك به لهم وعلى
قول بن أبي ليلى رحمه الله ليس له أن يفعل
شيئا من ذلك سوى التجارة في ماله بنفسه"لأن
الموصى جعله قائما مقامه في التصرف في المال
ليكون المال محفوظا عنده وإنما يحصل هذا
المقصود إذا كان هو الذي يتصرف بنفسه فلا يملك
دفعه إلى غيره للتصرف كالوكيل ولكنا نقول هو
قائم مقام الموصي في ولايته في مال الولد وقد
كان للموصي أن يفعل هذا كله في ماله فكذلك
الوصي وهذا لأن المأمور به ما يكون أصلح
لليتيم وأحسن قال الله تعالى:
{وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا
بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الأنعام 152] وقال تعالى:
{وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ} [البقرة: من الآية220] وقد يكون الأحسن في تفويض التصرف في ماله
إلى غيره ببعض هذه الأسباب لعجزه عن مباشرة
ذلك بنفسه إما لكثرة أشغاله أو لقلة هدايته.
ج / 28 ص -27-
و قال محمد: إذا لم يشهد الوصي على نفسه أنه يعمل بالمال مضاربة كان ما اشترى
للورثة وهذا قولهم جميعا لأن الوصي في التصرف
في مالهم قائم مقامهم ولو تصرفوا بأنفسهم كان
الربح لهم لأنه نماء ملكهم فكذلك الوصي إذا
تصرف ثم هو كتب أعمل فيه مضاربة يريد أن يتملك
عليهم بعض الربح الحاصل وهو ليس بأمين في ذلك
إلا أن يشهد قبل العمل أنه يعمل بالمال مضاربة
لأنه بهذا الإشهاد لا يملك شيئا من مالهم
عليهم بل يبقي بعض ما يحصل بعمله على ملكه
ويجعل بعض ذلك لهم باعتبار مالهم فلا تتمكن
التهمة في تصرفه فلهذا يجوز.
ولو أوصي بالثلث والورثة صغار فقاسم الوصي أهل
الوصية فأعطاهم الثلث وأمسك الثلثين للورثة
فهو جائز لأنه قائم مقام الورثة فإن الموصي
أثبت له هذه الخلافة لحاجة ورثته إلى ذلك
وليكون قائما مقامه في النظر لهم إلى أن
يتمكنوا من النظر لأنفسهم فجازت مقاسمته مع
أصحاب الوصية كما تجوز مقاسمة الورثة معهم أن
لو كانوا بالغين فإن هلكت حصة الورثة في يد
الوصي لم يرجعوا على أهل الوصية بشيء لأن
الهلاك بعد تمام القسمة يكون على من وقع
الهلاك في قسمه فإن كان الوارث كبيرا وصاحب
الوصية صغيرا فأعطى الوصي الوارث الثلثين
وأمسك الثلث لصاحب الوصية لم تصح هذه القسمة
على الموصى له حتى إذا هلك الثلث في يد الوصي
كان لصاحب الوصية أن يرجع على الوارث بثلث ما
بقي في يده وهذا لأن الوصي لا ولاية له على
الموصى له فلا يقوم مقامه في المقاسمة مع
الورثة ثم الموصى له يتملك المال ابتداء
بالعقد إلا أن يبقي له ما كان من الملك للميت
في المقاسمة ولا ولاية للوصي في تميز الملك
الثابت له بقبوله بعقد جديد فأما الوارث فيخلف
الموروث في ملكه ويبقى له ما كان ثابتا
للموروث ولهذا يرد بالعيب فيقوم الوصي مقامه
في تمييز ذلك الملك باعتبار أنه خلف عن الميت
وإذا ثبت أن القسمة لم تصح ها هنا فما هلك من
المال يهلك على الشركة وما يبقي يبقى على
الشركة.
ولو كانت الورثة صغارا فقال الوصي أنفقت عليهم
كذا درهما فإن كان ذلك نفقة مثلهم في تلك
المدة أو زيادة شيء قليل فهو مصدق فيه وعليه
اليمين إن اتهموه لأنه أمين فالقول قوله في
المحتمل مع اليمين ثم هو مسلط على الإنفاق
عليهم بالمعروف وبالقليل من الزيادة لا يخرج
إنفاقه من أن يكون بالمعروف لأن التحرز عن ذلك
القدر غير ممكن والمسلط على الشيء إذا أخبر
فيما سلط عليه بما لا يكذبه الظاهر فيه يجب
قبول قوله كالمودع يدعى رد الوديعة وإن اتهموه
فعليه اليمين لدفع التهمة.
وإذا كان في الورثة صغير وكبير فقاسم الوصي
الكبير وأعطاه حصته وأمسك حصة الصغير فهو جائز
لأنه قائم مقام الصغير في التصرف في ماله
والمقاسمة مع الكبير من التصرف في ماله لأنه
تميز به ملكه عن ملك غيره فيكون فعله كفعل
الصغير بعد بلوغه وإذا كانت الورثة صغارا فقال
الوصي أنفقت على هذا كذا وعلى هذا كذا وكانت
نفقة أحدهما
ج / 28 ص -28-
أكثر
فهو مصدق فيما يعرف من ذلك لأن النفقة للحاجة
وربما تكون حاجة أحدهما أكثر لأن كان أكبر سنا
أو لأن الناس يتفاوتون في الأكل فباختياره مع
التفاوت لا يزول احتمال الصدق في كلامه ولا
يخرج الظاهر من أن يكون شاهدا له فيقبل قوله
في ذلك.
وإذا قال الوصي للوارثين وهما كبيران قد
أعطيتكما ألف درهم وهو الميراث فقال أحدهما
صدقت وقال الآخر كذبت فإن الذي صدقه ضامن
لمائتين وخمسين درهما يؤديها إلى شريكه بعد ما
يحلف شريكه ما قبض الخمسمائة ولا ضمان على
الوصي في ذلك لأنه أمين أخبر بأداء الأمانة
وقد أقر الذي صدقه بقبض خمسمائة وأنكر الآخر
أن يكون قبض وقول الوصي غير مقبول عليه في
وصول الخمسمائة إليه وإن كان مقبولا في براءته
عن الضمان وإنما بقي من التركة الخمسمائة التي
أقر المصدق بقبضها فيلزمه أن يدفع نصفها إلى
شريكه بعد أن يحلف شريكه ما قبض شيئا لأن
المصدق يدعى الاختصاص بهذه الخمسمائة والوصي
يشهد له بذلك ولا يثبت الاختصاص بقولهما وما
زاد على هذه الخمسمائة من التركة كالبادي.
وإذا قسم الوصي التركة بين الورثة وهم صغار
وعزل لكل إنسان نصيبه أو كانوا صغارا وكبارا
وذلك منه بغير محضر من الكبار لم يجز وما هلك
يهلك منهم جميعا لأن القسمة لتمييز الأنصباء
والواحد لا ينفرد بذلك ثم الوصي لا ينفرد
بالتصرف في مال اليتامي مع نفسه إلا لمنفعة
ظاهرة تكون لهم وبالقسمة لا يحصل ذلك لكل واحد
منهم فكانت قسمته باطلة وما هلك يهلك على
الشركة وما بقى يبقى على الشركة.
وإذا قضي الوصي دينا على الميت بشهود فلا ضمان
عليه وإن كان قضى ذلك بغير أمر القاضي لأنه
قائم مقام الموصي في حوائجه وتفريغ الذمة
بقضاء الدين من حوائجه وقد كان لصاحب الدين أن
يأخذ دينه إذا ظفر بجنس حقه من التركة فللوصي
أن يعطيه ذلك أيضا وإن لم يأمره به القاضي
وإن لحق الميت دين بعد ذلك فهو ضامن لحصة
الغريم الآخر لأنه خص بعض الغرماء بقضاء دينه
وليس للوصي ذلك فإن حق الغرماء تعلق بالتركة
وفي التخصيص إبطال حق بعضهم ولا ولاية للوصي
على واحد منهم في إبطال حقه فيكون دفعه جناية
في حق الغريم الآخر وإن كان أعطى الأول بأمر
القاضي فلا ضمان عليه لأن دفعه بأمر القاضي
كدفع القاضي ولكن الغريم يتبع القابض والقاضي
بهذا لا يصير ضامنا شيئا فالمأمور من جهته
بالدفع كذلك ولكن الغريم يتبع القابض بحصته
لأنه ظهر أن المقبوض كان مشغولا بحقيهما ثم
ليس في الدفع بأمر القاضي إبطال حق الآخر عن
المدفوع لأنه إذا كان ذلك معلوما للقاضي
فالقابض لا يتمكن من الجحود.
وأما إذا دفع بغير أمر القاضي فذلك منه إبطال
لحق الآخر أو بغير نص كذلك لأن القابض ربما
يجحد القبض فيكون القول قوله في ذلك فلا يتمكن
الغريم الآخر من إتباعه.
قال: "ولو كان أوصى إلى رجلين
فدفعا إلى رجل دينا وشهدا أنه له على الميت ثم
لحق
ج / 28 ص -29-
الميت
دين بعد ذلك بشهادة غيرهما فهما ضامنان لجميع
ما دفعا"لأن شهادتهما بالدين على الميت غير
مقبولة في هذه الحالة لتمكن التهمة فيها فقد
صارا ضامنين لما دفعا إلى الطالب من غير حجة
وإنما قصدا بشهادتهما إسقاط الضمان عن أنفسهما
فإذا بطلت شهادتهما بذلك بقي دفعهما المال
المدعي جناية في حق من أثبت دينه بشهادة
غيرهما فكانا ضامنين لجميع ما دفعا ولو لم
يكونا دفعا حتى شهدا عند القاضي فقضي القاضي
بالدين الأول فهما في ذلك كغيرهما من الأجانب
وإنما دفعا بعد ثبوت الدين بشهادتهما وأمرهما
بالدفع ثم قامت بينة على دين بعد ذلك لم يكن
عليهما ضمان لأنه لا تهمة في شهادتهما بالدين
الأول فهما في ذلك كغيرهما من الأجانب وإنما
دفعا بعد ثبوت الدين بأمر القاضي فلا ضمان
عليهما ولكن الغريم يتبع المقضي حتى يأخذ منه
حصته لأنه تبين أن المقبوض كان مشغولا بحقهما.
قال: "ولو شهد وارثان بدين
على الميت جازت شهادتهما وهي كشهادة
غيرهما"لأنه لا منفعة لهما في هذه الشهادة بل
عليهما فيها ضرر والوصي مصدق في كفن الميت
فيما يكفن به مثله لأنه مسلط على ذلك أمين
منصوب له.
ولو اشترى الوصي الكفن من ماله ونقد له الثمن
كان له أن يرجع في مال الميت لأنه كفن ومعنى
هذا أن الكفن لا يمكن تأخيره وقد لا يكون مال
الميت حاضرا يتيسر الأداء منه في الحال فيحتاج
الوصي إلى أن يؤدي ذلك من مال نفسه ليرجع به
من مال الميت وكذلك الوارث قد يحتاج إلى ذلك
فلا يكون متبرعا فيما أداه من مال نفسه.
وكذلك لو قضى الوصي أو الوارث من ماله دينا
كان على الميت بشهود فله أن يرجع به في مال
الميت لأنه هو المأخوذ وهو الذي يخاصم في دين
الميت معناه قد ثبت عليه الدين في حال لا
يتيسر عليه أداؤه من مال الميت فيحتاج إلى
الأداء من مال نفسه ليرجع به في مال الميت.
ولا فرق في حق الميت بين أدائه من ماله وبين
أدائه من مال نفسه ليرجع به في ماله وكذلك
الوصي يشتري لليتيم الطعام والكسوة من ماله
بشهادة الشهود أو يؤدي من مال نفسه خراجهم
بشهود فله أن يرجع بذلك في مال الميت لأن شراء
ما يحتاج إليه الصبي لا يقبل التأخير وفي
الخراج بعد ما طولب بالأداء لا يتمكن من
التأخير فيؤدي من مال نفسه لعدم تيسر الأداء
من مال الميت في ذلك الوقت فلا يصدق على أداء
الخراج ولا شراء شيء من ماله إلا بشهادة شهود
على ذلك لأنه يدعي لنفسه دينا في مال الميت
وهو لم يجعل أمينا في ذلك وإن كان للميت عنده
مال فقال أديت منه وأنفقت منه عليه فهو مصدق
على ذلك بالمعروف لأنه أمين فيما في يده من
المال فهو ينفي الضمان عن نفسه بما يخبر به
مما هو محتمل فيقبل قوله في ذلك وهو نظير
المودع إذا أمره المودع بقضاء دينه من الوديعة
فزعم أنه قد قضى صاحب الدين دينه كان القول
قوله مع اليمين في براءة نفسه عن الضمان بخلاف
ما إذا أمره بقضاء دينه من مال نفسه فقال قد
قضيت لا يقبل قوله في إثبات حق الرجوع له عليه
إلا ببينة.
ج / 28 ص -30-
وإذا
قبض الوصي دينا كان للميت على إنسان كتب له
البراءة بما قبض ولم يكتب البراءة من كل قليل
أو كثير لأنه لا يدري لعل للميت مالا سوى ذلك
فيكون بما يكتب عليه البراءة من كل قليل وكثير
مبطلا لحق الميت ولأنه أمين فيما يقبضه فإنما
يكتب له البراءة عما هو أمين فيه وهو ما وصلت
إليه يده.
ولو أقر الوصي أن هذا جميع ماله عليه لم يصدق
على الورثة لأنه مجازف في هذا الإقرار لا طريق
له إلى معرفة كون المقبوض جميع ماله للميت
عليه بخلاف ما إذا أقر الموصي بذلك لأنه عالم
بما أقر به ولأنه مسقط لما وراء ذلك من جهته
وهو يملك الإسقاط فأما الوصي فلا يملك إسقاط
شيء من حق الورثة وإنما يملك الاستيفاء ثم هذا
من الوصي إقرار على الغير ومن الموصي إقرار
على نفسه وكذلك إبراء الوصي الغريم لا يجوز
إلا أن يقول برئت الآن من المال الذي كان عليك
فحينئذ هو إقرار بالقبض لأنه ببراءته بفعل من
المطلوب متصل بالطالب وذلك إيفاء المال.
وفي قوله: برئت كذلك الجواب
عند أبي يوسف وعند محمد هو لفظ إبراء كما
بيناه في الكفالة
وإذا أخذ الصبي مال الورثة إلى رجل لم يجز
عليهم وإن كانوا صغارا.
وكذلك إن حط شيئا عن الغريم لأن هذا إسقاط في
الدين الواجب لا بعقد هو ثابت في الاستيفاء
فيكون في الإسقاط كأجنبي آخر والتأخير إسقاط
المطالبة إلى مدة فهو بمنزلة الإبراء فإذا
احتال به على إنسان أملأ من الغريم فهو جائز
لأنه ليس فيه إسقاط حقهم بل فيه تصرف على وجه
النظر لهم لأن الدين في ذمة المليء يكون أقوى
منه في ذمة المفلس فهو بمنزلة ما لو اشترى لهم
عينا وإن كان الذي احتال عليه مفلسا والغريم
مليأ فالحوالة باطلة والمال على الأول على
حاله لأنه لا منفعة لهم في هذا التصرف بل فيه
ضرر عليهم وهو مأمور بقربان مالهم على الأصلح
والأحسن.
وكذلك إذا صالح على حق اليتيم فإن كان الصلح
خيرا له يوم صالح فهو جائز وإن كان شرا له لم
يجز معناه إذا كان الدين لليتيم ولا حجة له
على ذلك فصالح الوصي على مال يستوفيه لليتيم
خير له من يمين المدعى عليه وإن كان لليتيم
بينة فالصلح شر له لما فيه من إسقاط بعض حقه
مع تمكنه من إثباته فإن مبنى الصلح على الحط
والتجوز بدون الحق وكذلك إن ابتاع لنفسه من
متاعهم شيئا فإن كان ذلك خيرا لهم فإن ابتاع
بأكثر من ثمن مثله جاز وإن كان ثمن المثل أو
دون ذلك لم يجز في قول أبي حنيفة وأبي يوسف
الآخر وفي قوله الأول وهو قول محمد وزفر رحمه
الله لا يجوز بحال.
وكذلك الخلاف فيما إذا باع مال نفسه من مال
اليتيم فإن كان بمثل قيمته أو أكثر لم يجز
وإن كان أقل من قيمته فهو على الخلاف فأما
الأب إذا فعل هذا مع نفسه يجوز في قول علمائنا
الثلاثة رحمهم الله بمثل قيمته أو بغبن يسير
وفي قول زفر لا يجوز لأن الواحد لا يتولى طرفي
العقد من الجانبين في البيع والشراء كالوكيل
وهذا لأنه يؤدي إلى تضاد الأحكام
ج / 28 ص -31-
لأنه
يكون مستزيدا مستنقصا مسلما متسلما طالبا
مطالبا ثم في حق نفسه هو متهم وليس للأب
والوصي أن يتصرف في مال اليتيم على وجه يؤدي
إلى التهمة.
ألا ترى: أنه لا يعامل
الأجنبي بغبن فاحش لأجل التهمة فكذلك لا يعامل
نفسه في ذلك وجه الاستحسان أن الأب غير متهم
في حق ولده لأن له من الشفقة عليه ما يؤثره
على نفسه ويكون تصرفه مع نفسه وتصرفه مع أجنبي
آخر سواء في انتفاء التهمة ثم في هذا التصرف
يكون نائبا محضا في جانب الصغير ولهذا لو بلغ
الصغير كانت العهدة عليه لأن الأب يمكنه
التزام سبب إلزام العهدة إياه بأن يأذن له في
التجارة فإذا صار نائبا في جانبه لا يؤدي إلى
تضاد الأحكام بخلاف الوكيل وأما وجه قول محمد
في الوصيين إنما تركنا القياس في الأب لمعنى
وفور شفقته وذلك لا يوجد في حق الوصي فيؤخذ
فيه بالقياس.
ألا ترى: أنه لا يملك التصرف
مع نفسه بمثل قيمته لهذا ولو كان هو مالكا
للتصرف مع نفسه لملك مثل قيمته كما يملك ذلك
مع الأجنبي وأبو حنيفة وأبو يوسف استحسنا إذا
كان للصبي في تصرفه منفعة ظاهرة لأنه قد ظهر
منه ما يدل على وفور الشفقة وإيثاره الصبي على
نفسه فيما هو المقصود بالتصرف لأنه لا مقصود
فيه سوى المالية فباعتبار هذا المعنى يلتحق
بمن هو وافر الشفقة وهذا لأنه يمكن أن يجعل
نائبا في جانب الصبي لأنه يملك أن يلزمه
العهدة بالإذن له في التجارة كالأب بخلاف ما
إذا كان تصرفه بمثل القيمة لأنه لم يظهر منه
ما ينفي التهمة عنه ولا ما يكون جائزا لنقصان
تفويت المقصود بالعين على الصبي.
وإذا نفذ الوصي أمور الميت وسلم الباقي إلى
الوارث وأراد أن يكتب على الوارث كتاب براءة
للوصي من كل قليل أو كثير فللوارث أن يمتنع من
ذلك لأنه لا يدري أن ما سلم إليه جميع حقه
فلعله أخفى بعض ذلك أو أتلفه فإن الخيانة من
الأوصياء ظاهرة وأداء الأمانة منهم نادر فلا
يجب على الوارث أن يكتب له البراءة إلا بما
أخذ منه بعينه فهذا هو العدل بينهما لأن علي
طريقة القياس من استوفى حق نفسه لا يلزمه أن
يكتب البراءة لغيره ولكن لأجل النظر للوصي
يأمره أن يكتب له البراءة وإنما يكتب علي وجه
لا يتصور هو به وذلك في أن يكتب البراءة مما
أخذ منه بعينه.
قال: "وإذا أعطى الوصي أحد
الورثة وهو كبير نصيبه مما وصل إليه من
الميراث وهو ألف درهم ثم جحد وقال لم يكن عندي
غير هذا فهو ضامن لألف أخرى حصة الصغير"لأنه
قد تقدم منه الإقرار بوصول الألفين إليه لأن
من ضرورة دفعه ألفا إلى أحدهما إقراره أن
المدفوع نصيبه إقرار بأن عنده مثل ذلك للصغير
فالثابت بضرورة النص كالثابت بالنص فكان في
الجحود بعد ذلك مناقضا فلا يقبل قوله ويضمن
للصغير ألفا أخرى وإذا كان في الورثة صغير كان
للوصي أن يبيع العقار وسائر الميراث.
ج / 28 ص -32-
وكذلك
لو كان على الميت دين أو أوصى بوصية وهذا قول
أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد ليس له أن يبيع
حصة الكبار من العقار وإنما يبيع حصة الصغار
خاصة وكذلك لا يبيع إلا بقدر الدين من العقار
وهو قول بن أبي ليلى والقياس هذا لأن ولايته
على نصيب الصغير دون نصيب الكبير اعتبارا
لحالة الاختلاط بحالة الانفراد وكذلك ولايته
باعتبار الدين فيتقدر بقدر الدين وفيما زاد
على ذلك يجعل كأنه لا دين على الميت ولا صغير
في ولايته فلا يكون له أن يبيع العقار وأبو
حنيفة استحسن فقال لما ثبتت له الولاية في بيع
البعض ثبتت في الكل لأن الولاية بسبب الوصاية
لا تحتمل التجزئ وهذا لأن في بيع البعض إضرارا
بالصغير والكبير جميعا لأنه يثبت به نصيب
الكبير والأشقاص لا يشتري بما يشتري به الجل
فكان في بيع الكل توفر المنفعة عليهم وللوصى
ولاية في نصيب الكبير فيما يرجع إلى توفير
المنفعة عليه.
ألا ترى: أنه يملك الحفظ وبيع
المنقولات حال غيبته لما فيه من المنفعة له؟
قال:"وإذا أوصى بالثلث في أشياء يشتري به
ويتصدق بها والورثة كلهم كبار فللوصي أن يبيع
العقار كله في قول أبي حنيفة لما فيه من توفير
المنفعة على الورثة وعندهما ليس له أن يبيع من
العقار غير الثلث"لأن ثبوت الولاية له بسبب
الوصية فيقتصر على معدن الوصية وهو الثلث فإن
كانت الورثة كبارا كلهم وليس عليه دين ولم يوص
بشيء فإن كانت الكبار غيبا أو بعضهم كان للوصي
أن يبيع الحيوان والعروض لأنه يملك حفظ التركة
إلى أن يحضروا فيقتسموا وبيع الحيوان والعروض
من الحفظ لأنه يخشي عليها التلف وحفظ الثمن
أيسر وليس له ولاية بيع العقار لأنها مختصة
بنفسها فبيعها ليس من الحفظ وإن كانوا حضورا
لم يكن له أن يبيع شيئا من ذلك ولكن يسلم الكل
إليهم لينظروا فيه لأنفسهم بالبيع أو القسمة
بينهم لأنهم يتمكنون من النظر لأنفسهم إذا
كانوا حضورا فلا حاجة إلى نظر الوصي لهم وإن
كانوا غيبا فأجر الوصي عبدا أو دابة فهو جائز
لأن هذا من باب النظر والحفظ فإن المنفعة أقرب
إلى الهلاك من العين لأنها لا تبقي وقتين ففي
استبدال ذلك بما يبقى لهم وهي الأجرة توفر
المنفعة عليهم وما اشترى الوصى للرقيق من
الكسوة فلا ضمان على الوصي فيه لأنه أمين حافظ
لهم بحق فهلاكه في يده كهلاكه في أيديهم.
وإذا قسم الوصي المال بينهم وهم كبار فأعطى
نصيب الحضور منهم وأمسك نصيب الغائب فهو جائز
لأنه في العروض يملك البيع في نصيب الغائب
فيملك القسمة أيضا وهذا لأن في قسمته معنى
الحفظ في حق الغائب لأنه يتميز بالقسمة ملكه
من ملك غيره.
وإذا قسم الوصيان مال الورثة وأخذ كل واحد
منهما طائفة فقال أحدهما الذي عندي لفلان خاصة
والذي عندك لفلان فقسمتهما باطلة لأن الوصيين
في التصرف كوصي واحد والوصي الواحد لو قاسم
نفسه لم تجز القسمة فكذلك الوصيان وهذا عند
أبي حنيفة ومحمد ظاهر لأن كل واحد منهما لا
يستبد بالتصرف عندهما وأما عند أبي يوسف
فيستبد كل واحد
ج / 28 ص -33-
منهما
بالتصرف مع الأجنبي فإذا اجتمعا في تصرف كانا
في ذلك كشخص واحد وقد اجتمعا في هذه القسمة
فهما فيه كوصي واحد.
ولو غاب أحد الوصيين فقاسم الآخر الورثة وأعطى
الكبار حصتهم وأمسك حصة الصغير فإن ذلك لا
يجوز في قول أبي حنيفة ومحمد حتى إذا ضاعت حصة
الصغير كان له أن يرجع فيما قبض الكبار بحصته
وفي قول أبي يوسف تجوز هذه القسمة وهذا بناء
على ما سبق من بيع أحد الوصيين وشرائه لليتيم
بدون رضا صاحبه وإذا كان للميت وديعة عند رجل
فأمره الوصي أن يقرضها أو يهبها أو يسلفها
فأمره باطل لأنه لا يملك مباشرة هذه التصرفات
بنفسه فلا يعتبر أمره به ويكون الضمان على
الذي فعل ذلك لأنه هو المستهلك للمال بدفعه
إلى الغير على وجه التمليك منه وإن أمره أن
يدفعها إلى رجل فدفعها إليه جاز وبرئ منها لأن
الوصي بهذا يصير موكلا للقابض بالقبض وهو يملك
القبض بنفسه فيملك أن يوكل غيره.
يوضحه: أنه لو قبض بنفسه
ودفعه إلى هذا الرجل وديعة كان ذلك صحيحا منه
فكذلك إذا أمر من في يده بأن يدفعه إليه ولو
أمره الوصي بأن يعمل بالمال مضاربة أو يشتري
به متاعا كان ذلك جائزا لأن هذا تصرف يملك
الوصي مباشرته بنفسه فيعتبر أمره فيه ويكون
بمنزلة شراء الصبي بعد بلوغه والله أعلم.
باب إقرار الوارث
قال رحمه الله:"وإذا أقر
الوارث أن أباه أوصى بالثلث لفلان وشهدت
الشهود أن أباه أوصى بالثلث لآخر فإنه يؤخذ
بشهادة الشهود ولا شيء للذي أقر له الوارث"لأن
الشهادة حجة في حق الكل والإقرار حجة في حق
المقر خاصة فوصية المشهود له ثابتة في حق
المقر له ووصية المقر له ليست بثابتة في حق
المشهود له ومحل الوصية الثلث وإذا صار الثلث
مستحقا للمشهود له بقضاء القاضي لم يبق للمقر
له شيء لأن الوارث إنما أقر له بالثلث وصية
والاستحقاق بالوصية لا يكون إلا في محلها.
قال:"ولو أقر الوارث أن أباه
أوصى بالثلث لفلان ثم قال بعد ذلك بل أوصى به
لفلان أو قال أوصى به لفلان لا بل لفلان فهو
للأول في الوجهين جميعا ولا شيء للآخر"لأن
الأول استحق الثلث بإقرار الوارث له على وجه
لا يملك الوارث إبطال استحقاقه بالرجوع عنه
وقوله لا بل لاستدراك الغلط بالرجوع عن الأول
وإقامة الثاني مقامه ولم يصح رجوعه وما بقي
الثلث مستحقا للأول لا يملك المقر إيجابه
لغيره فإقراره للثاني صادف محلا هو مستحق
لغيره فكان الأول أحق به.
قال:"ولو أقر إقرارا متصلا
فقال أوصى بالثلث لفلان وأوصي به لفلان جعلت
الثلث بينهما نصفين"لأنه أشرك الثاني مع الأول
في الثلث والعطف للاشتراك وهو صحيح منه لأن
الكلام المتصل بعضه ببعض إذا كان في آخره ما
يغير موجب أوله يتوقف أوله على آخره
ج / 28 ص -34-
ويصير
هذا بمنزلة ما لو أقر لهما معا بخلاف ما إذا
لم يكن كلامه متصلا لأن البيان المغير له
بمنزلة الاستثناء يصح موصولا لا مفصولا وقد
بيناه في الإقرار.
قال:"وإذا أقر أنه أوصى به
لفلان ودفعه إليه ثم قال لا بل لفلان فهو ضامن
له حتى يدفع مثله إلى الثاني ولا يصدق على
الأول"لأنه بالكلام الثاني أقر أن الثلث كان
مستحقا للثاني دون الأول وقد دفعه إلى الأول
باختياره فصار مستهلكا للمدفوع ويجعل ذلك
كالقائم في حقه فيلزمه دفع مثله إلى الثاني
ولا يقبل قوله في الرجوع عن الاستحقاق الذي
أقر به للأول ولو كان دفعه إلى الأول بقضاء
القاضي لم يضمن للثاني شيئا لأنه ما استهلك
شيئا من المال فإن الدفع كان بقضاء القاضي
ومحل الوصية تعين فيما قضى به القاضي للأول
فيكون هو شاهدا للثاني على الأول والشاهد إذا
ردت شهادته لم يغرم شيئا بخلاف الأول فهناك هو
الذي دفع بنفسه فكان مستهلكا وتعيينه في حق
الثاني غير صحيح فيجعل في حق الثاني كأن محل
الوصية في يده على حاله.
ولو أقر لرجل بوصية ألف بعينها وهو الثلث ثم
أقر لآخر بعد ذلك بالثلث ثم رفع إلى القاضي
فإنه ينقد الألف للأول لأنه أقر له والمال
فارغ عن حق الغير وبقضاء القاضي يتعين المدفوع
إلى الأول محلا للوصية ولا يكون للثاني على
الوارث شيء لأنه لم يبق شيء من محل الوصية في
يده ويتبين أن الوارث في الكلام الثاني كان
شاهدا للثاني على الأول لا مقرى له على نفسه
وشهادة الورثة على الوصية جائزة كما تجوز
شهادة غير الوارث لأنه لا منفعة له في هذه
الشهادة بل عليه فيها ضرر.
قال: "وإذا شهد وارثان أن
الميت أوصى لفلان بالثلث فدفعا ذلك إليه ثم
شهدا إنما كان أوصى به لآخر وقالا أخطأنا
فإنهما لا يصدقان على الأول"لأنهما رجعا عن
شهادتهما بعد تمام الاستحقاق للأول فلا يعمل
رجوعهما في حقه وهما ضامنان للثلث يدفعانه إلى
الآخر لأن إقرارهما على أنفسهما صحيح وقد أقرا
أنهما استهلكا محل حق الثاني بالدفع إلى الأول
فكانا ضامنين له ولو لم يكونا دفعا شيئا أجزت
شهادتهما للآخر وأبطلت وصية الأول لأنهما
يشهدان للأول على الآخر فإن محل الوصية ما ثبت
مستحقا للأول وقد شهدا أن استحقاق ذلك المحل
للثاني دون الأول فوجب قبول شهادتهما لانتفاء
التهمة عنهما خلاف الأول فقد صارا ضامنين هناك
لأنهما متهمان في حق الأول من حيث أنهما قصدا
بشهادتهما للثاني إسقاط الضمان عن أنفسهما.
قال: وإذا كانت الورثة ثلاثة
والمال ثلاثة آلاف فأخذ كل إنسان ألفا ثم أقر
أحدهم أن أباه أوصى بالثلث لفلان وجحد الآخران
ذلك فإنه يعطيه ثلث ما في يده استحسانا وفي
القياس يعطيه في الفصل الثاني نصف ما في يده
وفي الفصل الأول ثلاثة أخماس ما في يده وجه
القياس أن المقر في حق نفسه كان ما أقر به حق
ولا يصدق في حق غيره فإذا كانا اثنين فالمقر
يزعم أن حقه في التركة وحق المقر له سواء لأنه
يقول له الثلث وصية والثلثان بيني وبين
ج / 28 ص -35-
آخر
نصفان وإذا كان يزعم أن حقهما سواء يقسم ما في
يده بينهما نصفين كما لو أقرا بأخ آخر وهذا
لأنهما يزعمان أن حق الجاحد في ثلث المال وقد
أخذ نصف المال فما أخذه زيادة على حقه كالتاوي
فلا يكون ضرر ذلك على أحدهما دون الآخر.
وكذلك في الفصل الأول المقر يزعم أن للمقر له
الثلث والثلثان بيننا أثلاثا وحقه في ثلاثة من
تسعة وحقي في سهمين فيجعل ما في يده بينهما
أخماسا باعتبار زعمه وجه الاستحسان أن الجاحد
مع ما أخذ يجعل كالمعدوم وكأن جميع التركة ما
في يد المقر وهو الوارث فإنما يلزمه أن يدفع
الثلث إلى المقر له بطريق الوصية.
يوضحه: أنا لو أخذنا بالقياس
فأمرناه أن يدفع إليه نصف ما في يده ثم أقر
الابن الآخر بالوصية بالثلث الآخر فإنه يدفع
إليه نصف ما في يده أيضا فيؤدي إلى تنفيذ
الوصية في نصف المال والوصية لا تنفذ في أكثر
من ثلث المال فلهذا أخذنا بالقياس.
ولو كان المال ألفا عينا وألفا دينا على
أحدهما فأقر الذي ليس عليه دين أن أباهما أوصي
لهذا بالثلث أخذ من هذه الألف ثلثها وكان
للمقر ثلثاها لأن في زعم المقر أن حق المقر له
في ثلث كل ألف وكان منعه الابن المديون حقه في
الدين لا يلزمه أن يدفع إليه من العين زيادة
على حقه فلهذا يعطيه ثلث العين الذي في يده
وفي القياس يعطيه نصف ذلك لإقراره أن حقهما في
التركة سواء.
ولو كان المال كله عينا فأخذ كل واحد منهما
ألفا ثم أقر كل واحد منهما على حياله الرجل
غير الذي أقر له صاحبه أن الميت أوصى له
بالثلث فإن كل واحد منهما يأخذ ثلث ما في يد
الذي أقر به وهذا يدلك على أن ترك القياس أحسن
من القياس وأن القياس في هذا فاحش قبيح يعنى
أن القول به يؤدي إلى تنفيذ الوصية في نصف
المال.
ألا ترى: أن الميت لو ترك
امرأة وابنا فأخذت المرأة الثمن ثم أقرت أن
الميت أوصى لهذا بالثلث فإن المقر له يأخذ ثلث
ما في يدها ولو أخذنا بالقياس لكان يأخذ أربعة
أخماس ما في يدها لأنها تزعم أن حق الموصي له
في أربعة من اثنى عشر وحقها في واحد وهو ثمن
ما بقي فبهذا ونحوه تبين أن الأخذ بالقياس ها
هنا قبيح.
قال: "ولو ترك اثنين وعشرين
درهما فاقتسماها نصفين ثم غاب أحدهما فأقام
رجل البينة على الحاضر بوصية بالثلث أخذ منه
نصف ما في يده"لأنه أثبت بالبينة أن حقهما في
التركة على السواء فأخذنا بالقياس ها هنا
بخلاف مسألة الإقرار لأن ها هنا وصية المشهود
له ثبتت في حق الحاضر والغائب حتى إذا رجع
الغائب كان لهما أن يرجعا عليه بما أخذاه
زيادة على حقه فلا يجعل هو مع ما في يده
كالمعدوم بخلاف مسألة الإقرار.
يوضحه: أن ها هنا لو أقام آخر
البينة على الوصية بالثلث أيضا على الغائب ثم
اجتمعا لم يكن لهما إلا الثلث بينهما نصفين
فلا يؤدي هذا إلى تنفيذ الوصية في أكثر من
الثلث بخلاف الإقرار على ما بينا.
ج / 28 ص -36-
وإذا
أقر الوارث بوصية لرجل تخرج من الثلث أو بعتق
ثم أقر بدين بعد ذلك لم يصدق على إبطال الوصية
والعتق وكان الدين عليه في نصيبه لأن محل
الدين جميع التركة وقد بقي في يده جزء من
التركة فيؤمر بقضاء الدين منه بإقراره وأصل
هذا الفرق فيما إذا أقر أحد الابنين بدين على
الميت فإنه يؤمر بقضاء جميع الدين من نصيبه
بخلاف الوصية وقد أوضحنا هذا في كتاب الإقرار
فإن أقر الوارث بدين ثم أقر بدين يبدأ بالأول
لأن صحة إقراره على الميت بالدين باعتبار ما
في يده من التركة وقد صار ذلك مستحقا للأول
وهو فارغ حين الإقرار له وإنما أقر للثاني
والمحل مشغول بحق غيره فلا يصح إقراره ما لم
يفرغ المحل من حق الأول كالراهن إذا أقر
بالمرهون لإنسان فإن أقر لهما في كلام متصل
استويا لأن في آخر كلامه ما يغير موجب أوله.
وإذا قال الوارث لفلان كذا من الدين ولفلان
كذا من الوديعة والوديعة بعينها وهو جميع ما
ترك الميت فإنهما يتحاصان فيها لأنه حين أقر
بالوديعة فقد أقر هناك بدين شاغل لما في يده
من التركة فيكون هذا بمعنى إقراره بوديعة
مستهلكة فكأنه استهلكها بتقديم الإقرار بالدين
عليها والإقرار بوديعة مستهلكة إقرار بالدين
وكأنه أقر بدينين في كلام موصول وإن بدأ
بالوديعة ثم بالدين بدئ الوديعة لأنه أقر بها
ولا دين هناك فصارت عينها مستحقة للمقر له ثم
الإقرار بالدين إنما يصح في تركة الميت لا
فيما تبين أنه ليس من تركته.
إذا أقر بوديعة بعينها ثم بوديعة أخرى بكلام
متصل بدئ بالأول لأن الأول استحق ذلك العين
بنفسه بنفس الإقرار والإقرار الثاني لا يصح في
المحل الذي استحقه الأول وهذا بخلاف الدينين
لأن موجب ثبوت الدينين الشركة بينهما في
التركة فكان في آخر كلامه ما يغير موجب أوله
وها هنا ليس موجب ثبوت الوديعة بأعيانهما
الشركة بين المقر لهما في شيء بل كل واحد
منهما يستحق ما أقر له به بعينه فليس في آخر
كلامه ما يغير موجب أوله فلهذا كان المتصل
والمنقطع في هذا سواء حتى أنه إذا أقر
بوديعتين بغير أعيانهما فهو والإقرار بدينين
سواء.
قال: "وإذا أقر أحد الورثة
بدين وأنكر ذلك بقيتهم لزمه في نصيبه جميع
الدين عندنا بخلاف الوصية"وفي الحقيقة لا فرق
فإنا نجعل في موضعين الجاحد مع ما في يده
كالمعدوم وكان الوارث هو المقر والتركة ما في
يده ولو كان كذلك لكان يؤمر بقضاء جميع الدين
مما في يده إذا كان يفي بذلك ولا يؤمر بأن
يدفع إليه بالوصية إلا الثلث وهذا لأن الموصى
له شريك الوارث والدين مقدم على الميراث من
حيث إنه لا ميراث له إلا بعد قضاء جميع الدين.
ولو كان الوارث واحدا فقال هذه الوديعة لفلان
لا بل لفلان أو قال هي لفلان ثم قال بعد ما
سكت ولفلان معه فإنها للأول دون الثاني لأن
الأول استحقها على وجه لا يملك الوارث الرجوع
عنه ولا الإشراك لغيره فيه ولو قال هي وديعة
لفلان ودفعها إليه ثم أقر أنها
ج / 28 ص -37-
كانت
لهذا الآخر وأنه قد أخطأ فهو ضامن للثاني
مثلها لأنه قد استهلكها بالدفع إلى الأول
بزعمه وإذا لم يدفع فهو غير مستهلك شيئا وإنما
هو شاهد للثاني على الأول وعلى الميت وقد ردت
شهادته فلا يكون ضامنا شيئا.
قال: "ولو قال أوصي إلى هذا
بالثلث ولهذا على أبي دين ألف درهم في كلام
متصل والدين يستغرق جميع المال أجزت الدين
وأبطلت الوصية"لأن الدين مقدم على الوصية وفي
آخر كلامه ما يغير موجب أوله لأن موجب أول
كلامه استحقاق المقر له ثلث التركة في الوصية
مطلقا وموجب آخر كلامه أن يكون استحقاق الوصية
مؤخرا عن الدين والبيان معتبر صحيح إذا كان
موصولا.
ألا ترى: أنه لو قال أوصي إلى
فلان بالثلث وأعتق هذا العبد وهو الثلث صدقته
في العتق وأبطلت الوصية لأنها بيان معتبر
فالعتق المنفذ مقدم في الثلث على سائر الوصايا
وإن فصل من الإقرارين أجزت الثلث الأول لأن
البيان بمنزلة الاستثناء لا يصح مفصولا فيبقي
محل الوصية مستحقا للأول وقد فسد رق العبد
بإقراره فعليه أن يسعى في جميع قيمته لأن سقوط
السعاية عنه باعتبار الوصية ولم يبق شيء من
محل الوصية فعليه السعاية في قيمته.
ولو أقر الوارث أن أباه أوصى لفلان بأكثر من
الثلث وأنه قد أجازه بعد موت أبيه ثم مات
الوارث قبل أن يقضيه الموصى له وعليه دين فإن
الوصية يبدأ بها من مال أبيه قبل دين الوارث
لأن ما أقر به الوارث من الوصية والإجازة
كالمعاينة فإنه غير متهم في ذلك حين أقر في
صحته واستحقاق الموصى له عند إجازة الوارث
يكون بطريق الوصية من جهة المورث فتم استحقاقه
بنفس الإقرار به ثم إقراره بالدين إنما يشغل
تركته لا ما كان مستحقا بعينه لغيره فإن كان
الوارث قد استهلك مال أبيه فهو دين فيما ترك
الوارث يحاص صاحبه صاحب دين الوارث لأن إقراره
بذلك بعد ما استهلكه إقرار بالدين على نفسه
ومن أقر بدين ثم بدين ثم مات تحاص الغرماء في
تركته.
قال: "وإذا شهد وارثان على
الوصية جازت وشهادتهما على جميع الورثة"لأنه
لا تهمة في شهادتهما فإن كانا غير عدلين أو
أقرا ولم يشهدا بالحصة فشهادتهما في نصيبهما
لأن إقرارهما ليس بحجة على غيرهما وكذلك
شهادتهما بدون صفة العدالة لا تكون حجة على
غيرهما وإنما هي حجة عليهما ولا يقال إذا شهدا
في الابتداء وهما عدلان فهما متهمان في إخراج
الكلام مخرج الشهادة لأنهما لو لم يذكرا لفظة
الشهادة لزمهما في نصيبهما خاصة وهذا لأن في
الوصية لا يتأتى هذا الإشكال فإنهما لو شهدا
أو أقرا لم يلزمهما إلا مقدار حصتهما وإنما
هذا الإشكال في الدين ومع هذا تقبل شهادتهما
لأنه لم يلزمهما قبل الشهادة قضاء شيء من
نصيبه لتمكن التهمة في إخراجهما الكلام مخرج
الشهادة.
ولو شهدا وهما عدلان على الوصية وعلى بقية
الورثة أنهم أجازوها بعد الموت جازت شهادتهما
لأنهما لم يجران بهذه الشهادة إلى أنفسهما
شيئا.
ج / 28 ص -38-
لو شهد
شاهدان أنه أوصى بالثلث لهذا الرجل وشهد
وارثان أنه رجع عن الوصية بالثلث لهذا وجعله
لهذا الآخر جازت شهادتهما لأنهما يشهدان
للثاني على الأول ولا يجران إلى أنفسهما
شيئا.ولو لم يشهدا على الرجوع ولكن شهدا
بالثلث للآخر تحاصا في الثلث لأنه لا تهمة في
شهادتهما فإنه لا فرق في حقهما بين أن يكون
المستحق للثلث عليهما واحدا أو مثنى.
ولو شهد شاهدان أنه أوصى لهذا الأجنبي وشهد
وارثان أنه أوصى بالثلث لهذا الوارث وأجازت
الورثة فالثلث للأجنبي لأن استحقاق الأجنبي
الثلث سببه أقوى من حيث أنه غير محتاج إلى
اجازة الورثة ولأنه لما ثبت استحقاق الثلث
للأجنبي ثبت أنه لا حق للوارث فيه فشهادتهما
على إجازة الورثة ليست بشيء وبدون الإجازة لا
مزاحمة للوارث مع الأجنبي في محل الوصية.
قال: "ولو شهد وارثان أنه رجع
عن وصيته للأجنبي وجعلها لهذا الوارث وأنهما
مع جميع الورثة قد سلموا له ذلك بعد الموت كان
ذلك جائزا في قول أبي يوسف رحمه الله
الأول"وفي قوله الآخر لا تقبل شهادة الوارثين
على ذلك وهو قول محمد رحمه الله وجه قوله
الأول أن الورثة بالإجازة قد أخرجوا الثلث من
حق أنفسهم فهذه شهادة بالاستحقاق للثاني على
الأول فلا يتمكن فيه التهمة كما لو شهدا بذلك
للأجنبي وجه قوله الآخر أن الأجنبي استحق
الثلث عليهما فهما يبطلان ذلك الاستحقاق
بشهادتهما على الرجوع فيتهمان في ذلك وهذا
لأنهما يوجبان للثاني مع ذلك الاستحقاق حتى
يكون تحويلا من الأول إلى الثاني لأن
الاستحقاق للأول ثابت من غير إجازتهم
والاستحقاق للثاني لا يثبت إلا بإجازتهم ولأن
الاستحقاق للثاني مع إجازتهم مختلف فيه فمن
العلماء من يقول لا وصية للوارث وإن أجازت
الورثة ولو قضى القاضي بذلك معتمدا على ظاهر
الخبر ينفذ قضاؤه فمن هذا الوجه يجران إلى
أنفسهما شيئا بخلاف ما إذا شهدا بها لأجنبي
آخر.
باب إقرار الوارث بالعتق
قال رحمه الله: "وإذا مات رجل
وترك وارثا واحدا وثلاثة أعبد قيمتهم سواء لا
مال له غيرهم فقال ذلك الوارث أعتق أبي هذا في
مرضه ثم قال بعد ذلك لا بل هذا ثم قال لا بل
هذا فإنهم يعتقون جميعا"لأنه حين أقر للأول
عتق كله إذ ليس في قيمته فضل على الثلث ثم
بالكلام الثاني رجع عن الإقرار الأول وأقر
للثاني ورجوعه باطل ولكنه زعم أنه استهلك
الأول بإقراره فيجعل ذلك كالقائم في حقه فيعتق
الثاني كله بإقراره وكذلك الثالث وإنما هذا
بمنزلة إقراره بالثلث لفلان وصية ودفعه إليه
ثم أقر به للأجنبي لأن العتق لا يحتاج فيه إلى
التسليم فنفس الإقرار به بمنزلة التسليم في
المال.
لو قال في كلام متصل: أعتق
أبي هذا وهذا وهذا سعى كل واحد منهم في ثلثي
قيمته لأن في آخر كلامه ما يغير موجب أوله
فيتوقف أوله على آخر ويصير كأنه أقر لهم في
كلام واحد فقال أعتقهم الميت فيعتق ثلث كل
واحد منهم ويسعى في ثلثي قيمته.
ج / 28 ص -39-
ولو قال: أعتق أبي هذا ثم سكت ثم قال وهذا ثم سكت ثم قال وهذا عتق الأول
كله ونصف الثاني وثلث الثالث لأنه أقر بالثلث
للأول في الكلام الأول فيعتق كله ثم في الكلام
الثاني أقر أن الثلث بينه وبين الأول نصفان
فيكون إقراره للثاني بنصف الثلث صحيحا فيعتق
نصفه وإبطاله استحقاق الأول في النصف غير صحيح
بل يجعل هو في حق الثاني كالمستهلك لذلك النصف
ثم أقر في الكلام للثالث أن الثلث بينهم أثلاث
فيصح إيجاب الثلث للثالث ولا يصح رجوعه عن شيء
عما أوجبه للأولين بل يجعل هو كالمستهلك لما
زاد على مقدار حق الأولين في حق الثالث.
ولو أقر أن أباه أعتق هذا في مرضه وهو الثلث
وشهد الشهود أنه أعتق هذا الآخر وهو الثلث
فالذي أقام البينة حر ويسعى الذي أقر له
الوارث في قيمته لأن الوارث إنما أقر له بطريق
الوصية وقد صار محل الوصية كله للذي أقام
البينة ولو أقر الوارث أن أباه دبر هذا العبد
في مرضه ثم سكت ثم قال وأعتق هذا الآخر في
مرضه فإن المدبر يعتق كله من الثلث ويعتق من
الآخر نصف الثلث لأن إقراره بالتدبير له
وإقراره بالعتق في مرضه سواء فإنه يعتق من
الثلث بعد موته في الوجهين وقد بينا في كتاب
العتق أن الأول يعتق كله وأنه يعتق من الثاني
نصفه وكذلك لو شهد الشهود على إقرار الوارث في
حياة أبيه أو بعد موته أن أباه أعتق عبده هذا
وهو ينكر أخذ بذلك لأن الثابت من إقراره
بالبينة كالثابت بالمعاينة.
ولو عاينا إقراره بذلك كان مؤاخذا به سواء أقر
بذلك قبل موت أبيه أو بعده وكذلك لو شهد أحد
الشاهدين أنه أقر بذلك قبل موت أبيه وشهد
الآخر أنه أقر له بعد موت أبيه فالشهادة جائزة
لأنه إقرار كله يعنى أن الإقرار قول والقول
فيما يعاد ويكرر وحكم الإقرار قبل الموت وبعد
الموت واحد في حقه فهو بمنزلة شاهدي الإقرار
إذا اختلفا في المكان أو الزمان وذلك لا يمنع
قبول الشهادة فهذا قياسه.
باب الوصية بالعتق على مال أو خدمة
قال رحمه الله: "وإذا أوصى
الرجل لعبده بأن يؤدي كذا وكذا ويعتق فهو جائز
على ما قال إن كان الذي شرط عليه أداؤه أكثر
من قيمتها أو مثلها أو دونها بمقدار ثلث ماله
فإن كان النقصان عن القيمة أكثر من ثلث ماله
حط عنه ثلث المال ويسعى فيما بقي اعتبارا لما
أوصى به بمال نقده في مرضه"وهذا لأن هذا في
معنى الوصية ببيعه من غيره.ولو أوصى ببيعه من
معلوم بثمن مسمى وجب تنفيذ وصيته فإن حط شيئا
من الثمن في قيمته يجعل ذلك من ثلث ماله وكذلك
إذا أوصى بأن يباع من نفسه بل أولى لأن في هذه
الوصية منفعة الموصى أيضا من حيث الولاء وإنما
جعلنا هذا في معنى البيع لأنه شرط عليه أداء
ما يقوم مقام مالية رقبة في توفر المنفعة على
الورثة ودفع الضرر عنهم فإن حقهم في المالية
وذلك يسلم لهم بهذا الطريق فإن أعتق مع هذا
عبدا على غير جعل بدئ بالعتق من
ج / 28 ص -40-
غير
جعل ثم أعتقنا هذا الآخر بما بقي من الثلث على
ما بينا لأن ما نفذ من العتق في حال حياته
مقدم على ما أوصى به بعد موته عتقا كان أو
غيره فإن ما بعده صار بحيث لا يحتمل الفسخ ولا
يحتاج فيه إلى التنفيذ وما أوصى به ليس بهذه
الصفة فلهذا قدمنا العتق المنفذ في ثلثه.
وإذا أوصى أن يخدم عبده بعد موته ورثته سنة ثم
يعتق لم يجز إلا أن يجيزه الورثة لأن الوصية
بخدمة العبد لبعض ورثته بمنزلة الوصية بالرقبة
وذلك باطل إلا أن يجيزه الورثة ثم الوصية
بالعتق للعبد مرتبة على الوصية بالخدمة متأخرة
عنها فإذا بطلت الأولى لعدم إجازة الورثة تبطل
الثانية لفوات شرطها فإذا صحت الأولى بإجازة
الورثة بعد الموت وهم كبار يجب تنفيذ الأخرى
جزما على خدمة العبد سنة كما أوصى به.
ولو أوصى بأن يخدم جميع الورثة سنة ثم هو حر
فهذا جائز لأنه ليس في هذه الوصية إيثار بعض
الورثة ولكنه إيفاء ما كان من استخدام الورثة
إياه سنة بعد موته ثم أوصى بعتقه بعد ذلك فيجب
تنفيذ وصيته من الثلث فإن كره ذلك بعضهم أجبر
عليه لأن سلامة خدمته لهم بطريق الإرث لا
بطريق الوصية والإرث لا يرد لكراهة الورثة فإن
قيل الخدمة لا تورث قلنا نعم مقصودا ولكنها
تورث تبعا لملك الرقبة ولما لم يجب تنفيذ
الوصية بالعتق في الحال صارت الرقبة مع الخدمة
مملوكة لهم إرثا على أن يعاد إلى الميت حكما
عند الإعتاق وهو بعد مضى السنة لتسليم الولاء
له ثم مقصود من كره منهم إبطال الوصية بالعتق
والوارث لا يملك ذلك في محل الوصية وهو الثلث
فإن أوصى أن يخدم فلانا سنة ثم هو حر وفلان
غير وارث فهو جائز من الثلث لأنه جمع بين
وصيتين تصح كل واحدة منهما منفردة فيصح ترتب
إحداهما على الأخرى أيضا فإن أبى أن يقبل
الخدمة لم يجبر على ذلك لأن الخدمة ها هنا
تسلم للموصى له بالوصية وللموصى له حق الرد في
الموصى به على ما نبينه في الوصية بالرقبة بعد
هذا.
وإذا بطلت الوصية الأولى برده بطلت الثانية
حكما لأنه أوجبها مرتبة على الأولى وقد فات
شرطها حين رد الوصية بالخدمة وكذلك لو قتل ثم
مات قبل سنة لأن الوصية بالخدمة تبطل بموت
الموصى له فإن الإرث لا يجري في مجرد المنفعة
فوارث الموصى له لا يخلفه في ذلك وكذلك لو قال
إذا خدم فلانا سنة أو إن خدم سنة فهو حر فإن
الشرط يفوت بموت فلان قبل مضي السنة فتبطل
الوصية بالعتق لفوات الشرط فإن كان فلان غائبا
فقدم بعد موته بسنة فالخدمة تكون له من يوم
قدم لأن الموصي ذكر سنة منكرة ولا حاجة إلى
تعيين السنة التي تعقب موته لأن الجهالة في
الموصى به لا تمنع صحة الوصية.
ولو قال: يخدم فلانا هذه
السنة ثم هو حر فلم يقدم حتى مضت السنة بطلت
الوصية بالخدمة لفوات محلها فإنه عين الوصية
للمنافع التي تحدث في السنة التي عينها وذلك
يفوت بمضيها ويبطل العتق أيضا لفوات شرطه ولو
قال يخدم فلانا سنة ثم هو حر ولا مال
ج / 28 ص -41-
له
غيره فإنه يخدم فلانا يوما والورثة يومين فإذا
مضت ثلاث سنين عتق لأن الوصية تنفذ من الثلث
وفي تسليم العبد إلى الموصى له ليخدمه في جميع
السنة قصر يد الوارث عن جميع التركة لمكان
الوصية وذلك لا يجوز وحق الورثة ضعف حق الموصى
له فقلنا يخدم الموصى له يوما والورثة يومين
حتى يمضى ثلاث سنين فيصير مستوفيا كمال حقه في
الوصية بالخدمة ويتم به شرط الوصية بالعتق
فيعتق ثلثه وعليه السعاية في ثلثي قيمته
للورثة.
ولو أوصى أن يخدم ورثته سنة ثم هو حر فصالحوه
من الخدمة على دراهم وعجلوا عتقه جاز لأن
الخدمة مستحقة لهم بالميراث فيجوز الاعتياض
عنه بالمال ويجعل وصول البدل إليهم كوصول
المبدل بأن يخدمهم سنة فيعتق منه ثلثه ثم هم
أسقطوا حقهم عن الخدمة بعوض ولو أسقطوه بغير
عوض وعجلوا العتق جاز لأن الميت صار راضيا
بالتزام ولائه فكذلك إذا أسقطوه بعوض.
لو أوصى أن يعتق عنه هذه الجارية بعد موته
بسنة فولدت ولدا وأغلت عليه قبل السنة أو
بعدها فذلك للورثة وتعتق هي من الثلث وقد بينا
فيما سبق أن الوصية بالعتق لا تسرى إلى الولد
ولا إلى الكسب والغلة والورثة بمنزلة الملك
لهما فيما هو فارغ عن الوصية لأن سبب الملك
لهم فيها قد تقرر والباقي لملك الميت كذلك إلا
أنا نجعلها كالباقية على ملك الميت حكما
لضرورة الحاجة إلى تنفيذ وصيتها وفيما وراء
ذلك هي مملوكة للورثة وإن جنت جناية فذلك إلى
الوارث إن شاء دفعها بالجناية وأبطل العتق وإن
شاء فداها بالأرش وأعتقها عن الميت لأنه
بمنزلة المالك لها في حكم الجناية فإن اختار
دفعها دفع به محل الوصية بالعتق وهو ملك الميت
وإن اختار الفداء فقد طهرت عن الجناية وبقيت
محلا للعتق عن الميت كما كانت والوارث متبرع
في الفداء لأنه غير مجبور على ذلك.
وإذا أعتقها أحد الورثة عن نفسه قبل مضي السنة
فهو حر عن الميت لأن الوارث بمنزلة المالك فلا
بد من تنفيذ عتقه ثم عتقها مستحق عن الميت وما
استحق في عين بجهة فعلى أي وجه أتى به يقع عن
المستحق عليه وعليه حصة من بقي من الورثة من
قيمة الخدمة لاحتباس ذلك عنده حتى نفذ العتق
فيه من بعض الورثة وذلك متقوم فيما هو بينه
وبين الورثة على ما بينا.
وإذا كان أعتقه بعد مضي السنة فلا شيء على أحد
إذا كان يخرج قيمتها من الثلث لأن هذا تنفيد
للوصية وأحد الورثة بمنزلة جماعتهم في تنفيذ
جميع وصية الموصى في العتق بعد موته وإن دبرها
وارث عن نفسه ثم مات فهي حرة عن الميت بمنزلة
ما لو علق عتقها بشرط آخر وقد يوجد الشرط وإن
لم يمت فتدبيره باطل لأنه لا يملك إعتاقها عن
نفسه فلا يملك تدبيرها عن نفسه أيضا وليس في
التدبير تنفيذ وصية الميت.
كذلك لو قال الوصي لإنسان بعد مضي السنة
أعتقها عن الميت فأعتقها أو احتضر الوصي فأوصى
إلى آخر أن يعتقها عن الميت جاز ذلك بخلاف
المأمور بالعتق في حالة الحياة
ج / 28 ص -42-
إذا
أمر غيره به لأن المأمور نائب محض والآمر ما
أنابه مناب نفسه في الوصية إلى الغير وللوصي
ولاية تحصيل المقصود بنفسه وفي أمره غيره بذلك
وإيصائه إليه بعد موته تحصيل مقصود الموصي
فيصح ذلك من الوصي.
وإذا أوصى بعتق ما في بطن جاريته بعد موته
بشهر فهو جائز لأن ما في البطن كالمنفصل في
حكم مقصود المعتق فيه فإن أعتق الأم بعض
الورثة فهي حرة عنه وما في بطنها حر عن الميت
لأن الجنين تابع للأم في العتق الذي أوجبه
المعتق فيها ولو أعتق الجنين أحدهما عتق عن
الميت فكذلك إذا أعتق الأم أحدهم وقد صارت
الأم مشتركة بينهم بالميراث لأنها فارغة عن
الوصية فإذا أعتقها أحدهم يخير شركاؤه كما هو
قول أبي حنيفة في عتق أحد الشركاء المملوك
المشترك وإن دبرها قبل أن تلد فتدبيره جائز
لأنه يملك نصيبه منها ومن ضرورة نفوذ التدبير
منه في نصيبه منها نفوذه في نصيبه من الولد
لأن الجنين لا ينفصل عنها في حكم التدبير كما
لا ينفصل في حكم العتق فإنه بمنزلة جزء منها
وتبطل وصية الميت في الجنين لفوات محله وهو أن
يكون المملوك باقيا على ملك الموصي حكما ليعتق
عنه فيكون ولاؤه له وينفذ التدبير من الذي دبر
في بعض الجنين عن نفسه بتقرر ملكه ويستحق
ولاءه ضرورة فيفوت به محل الوصية.
ولو أوصى أن يعتق عنه جاريته فلانة بعد موته
بسنة وهي الثلث فباعها الورثة فبيعهم باطل
لأنها باقية على ملك الميت حكما مشغولة بحاجته
فبيعهم إياها في هذه الحالة كبيعهم إياها قبل
موت الموصي أو كبيع الورثة التركة المستغرقة
بالدين وذلك باطل فهذا أيضا كذلك بل أولى لأن
في البيع إبطال الوصية بالعتق أصلا فإن ولدت
من المشتري فالولد ولده والمشتري مغرور من جهة
الورثة حيث لم يعلم بالوصية حين اشتراها وولد
المغرور حر بالقيمة إلا أن ها هنا لا قيمة لها
لأنها لو وجبت وجبت للورثة وللمشتري أن يرجع
بها عليهم لأجل الغرور فلا فائدة في إيجابها
وعليه العقر لهم لأنه وطئها بشبهة وإيجاب
العقر مقيد فإن المشتري لا يرجع بما يغرم من
العقر على البائع بسبب الغرور ويردون عليه
لبطلان البيع وتؤخذ الجارية وتعتق عن الميت
بعد سنة كما أوصى.
ولو أوصى بعتق جاريته وقيمتها ألف وله ألفان
فهلكت الألفان قبل أن يعتقها الوصي فإن
الجارية يعتق ثلثها وتسعى في ثلثي قيمتها لأن
ما هلك من المال قبل استيفاء الورثة صار كأن
لم يكن وهو والهالك قبل موت الموصي سواء فلم
يبق إلا الجارية فلا تنفذ الوصية في أكثر من
الثلث فيعتق ثلثها وتسعى في ثلثي قيمتها والله
أعلم.
باب الوصية إذا لم يقبلها الموصى له
قال رحمه
الله: "قد بينا أنه لا حكم لقبول الموصى له ورده في حياة الموصي"لأن
أوان وجوب الوصية ما بعد موته ولا معتبر
بالقبول والرد قبل أوانه فإذا مات الموصي فإن
قبل الموصى له الوصية فالملك له في الموصى به
قبضه أو لم يقبضه لأن بمجرد القبول يلزم
ج / 28 ص -43-
العقد
على وجه لا يملك أحد إبطاله فيثبت حكمه وهو
الملك بخلاف الهبة بعد القبول قبل القبض
وإن رد الموصى له الوصية بطلت برده عندنا وفي
قول الشافعي لا تبطل وهو إحدى الروايتين عن
زفر لأن الملك بالوصية بمنزلة الملك بالإرث
على معنى أنه عقب الموت ثم الإرث لا يرتد برد
الوارث فكذلك الوصية وهذا لأن الملك ها هنا
يثبت بطريق الخلافة وهو أن الموصى له صار خلفا
عن الموصي في ملك الوصي به كالوارث في التركة
وجه قول علمائنا رحمهم الله أن هذا تمليك
المال بالعقد فلا يثبت إلا بالقبول أو مما
يقوم مقامه كالتمليك لسائر العقود وهذا لأن
الملك يثبت للموصى له ابتداء ولهذا لا يرد
بالعيب ولا يصير مغرورا فيما اشتراه الموصي
والملك المتجدد يستدعى شيئا مبتدأ وأحد لا
يملك تتميم سبب الملك لغيره بغير رضاه بخلاف
الميراث فإنه يبقى للوارث الملك الذي كان
ثابتا للمورث حتى يرده بالعيب ولا يصير مغرورا
فيما اشتراه المورث والبقاء لا يستدعى سببا
مبتدأ أو لأن أحدا لا يثبت له على غيره ولأنه
إدخال الشيء في ملكه قصدا من غير اختياره وفي
الميراث الملك ثبت من غير اختيار من المورث.
ألا ترى: أنه لو أراد أن
يمنعه لا يتمكن من ذلك وللشرع هذه الولاية
فأما ما هنا فإن الملك يثبت بإيجاب الموصي
بدليل أنه له أن يمنعه من ذلك بالرجوع عن
الوصية قبل موته ولا يثبت إلا بالقبول من
الموصى له لأنعدام ولاية الموصي عليه ولأن
تنفيذ الوصية لمنفعة الموصي له ولو أثبتنا
الملك له قبل قبوله تضرر به فإنه لو أوصى به
بعبد أعمى تجب عليه نفقته إذا أثبت الملك له.
لو أوصى بدنان مسكرة أو بزبل اجتمعت في داره
ولو ثبت الملك له بغير قبوله وجب عليه نقلها
شاء أو أبى وفي هذه من الضرر عليه ما لا يخفي
وكذلك لو أوصى له بآنية أو بمملوك له ذي رحم
محرم منه أو مملوك قد حلف بعتقه إن ملكه لو
دخل في ملكه من غير قبوله لكان يعتق عليه
ويلزمه ولاؤه وليس لأحد أن يلزمه الولاء من
غير اختياره ولو أوصى له بزوجته أو ملكها بدون
قبوله نفذ نكاحه وليس للموصي ولاية إفساد
نكاحه فلهذا قلنا بأنه لا يثبت له الملك ما لم
يقبل وكذلك إن أوصى بأم ولده فما لم يقبلها لا
تصير أم ولد له فإن لم يعلم الموصى له بالوصية
بعد موت الموصي حتى مات ففي القياس ورثته
بمنزلته لا يجبرون على القبول وهو إحدى
الراويتين عن زفر رحمه الله لأن الورثة إنما
يخلفونه بالقيام في الملك الذي كان ثابتا له
في حياته وها هنا الملك ما كان ثابتا له في
حياته قبل قبول الوصية وإنما كان الثابت له حق
القبول وهو حق متأكد لا يملك غيره ابطاله
فيقوم وارثه فيه مقامه فلا يثبت الملك ما لم
يقبل الوارث وهذا لأن موت الموصى له مناف
للوصية لا متمم لها.
ألا ترى: أنه لو مات في حياة
الموصي بطلت الوصية وها هنا الوصية ما كانت
تامة قبل موته ويستحيل أن يكون الموت الذي هو
المنافي متمما للوصية ولكنا ندع القياس في هذا
ج / 28 ص -44-
ونجعلها من مال الموصى له استحسانا حتى إذا
كانت أم ولده تعتق وإذا كانت غير أم ولده تصير
مملوكة لورثته لأن سبب الملك قديم من جهة
الموصي على وجه لا يتمكن هو ولا من يقوم مقامه
من إبطاله وإنما بقي حق الرد للموصى له وذلك
يبطل بموته كالمشتري إذا شرط الخيار لنفسه ثم
مات في مدة الخيار تم الملك لأن الثابت له حق
الرد ولم يبق بعد موته فيتم الملك فهذا مثله
وهذا لأن حق الرد إنما كان ثابتا له لحاجته
إلى دفع الضرر عن نفسه وقد انتهت حاجته بموته.
ولو كان الموصى له حيا لم يعلم بالوصية وكان
يطؤها بالنكاح حتى ولدت له أولادا ثم علم
بالوصية فهو بالخيار لأن إقدامه على وطئها قبل
العلم بالوصية لا يكون دليل القبول والرضا منه
بالوصية والنكاح كان قائما بينهما قبل القبول
وحل الوطء ثابت له بحكم النكاح فلهذا نفى
خياره في القبول إذا علم بالوصية فإن قبلها
كانت أم ولد له لأنه ملكها وله منها ولد ثابت
النسب وأولاده أحرار إن كانوا يخرجون من الثلث
لأنهم حدثوا بعد تمام الوصية من جهة الموصي
وبعد تمام السبب الموجب للملك قبل ثبوت الملك
فكانوا بمنزلة الولد الحادث في مدة الخيار إذا
تم الملك للمشتري وإن رد الوصية فهي وأولادها
للورثة والنكاح بينه وبينها قائم ونسب الأولاد
منه ثابت.
ولو أوصى رجل لرجلين بثلثه فرد أحدهما الوصية
بعد موته كان للآخر حصته من الوصية إذا قبل
لأن في حق الرد منهما بطلت الوصية برده ولو
بطلت بسبب آخر بأن كان وارثا جاز في حصة الآخر
فكذلك إذا بطلت برده وهذا لأن الشيوع لا يمنع
صحة الوصية بخلاف الهبة إن القسمة مشروطة في
الهبة ليتم القبض والقبض ليس بشرط لوقوع الملك
في الوصية.
وإذا أوصى رجل بوصية فقبلها بعد موته ثم ردها
على الورثة فرده جائز إذا قبلوا ذلك لأن الرد
عليهم فسخ للوصية وهم قائمون مقام الميت ولو
تصور منه الرد على الميت كان ذلك صحيحا إذا
قبله فكذلك إذا ردها على الورثة الذين يقومون
مقامه وهذا لأن فسخ العقد معتبر بالعقد فإذا
كان أصل هذا العقد يتم بالإيجاب والقبول كذلك
يجوز فسخه بالتراضي وبهذا فارق الصدقة والهبة
فإن ذلك ابتداء التمليك والشيوع فيما يحتمل
القسمة مع صحته وهذا فسخ الوصية والشيوع لا
يؤثر في فسخ الوصية كما لا يؤثر في أصل الوصية
وإن ردها على بعض الورثة دون البعض ففي القياس
هذا باطل لأن هذا تمليك منه لمن ردها عليه
فيكون التملك بلفظ الهبة والإعطاء ولكنا
نستحسن فنجعل ذلك كالرد على جماعتهم وكان
بينهم على فرائض الله تعالى لأن أصل العقد كان
بينه وبين الموصي والرد فسخ لذلك العقد فيجوز
بينه وبين الموصي أيضا وأحد الورثة يقوم مقام
الورثة في حقوقهم كجماعتهم فكان الرد على
أحدهم بمنزلة الرد عليهم أو هذا فسخ لقبوله
وهو ينفرد بفسخ القبول في حق نفسه وإنما كان
لا يثبت في حق الورثة إذا أبوا ذلك دفعا للضرر
عنهم عن مورثهم فإذا
ج / 28 ص -45-
رضوا
بذلك أو رضي به أحدهم وهو قائم مقامهم في فسخ
القبول منهم وصار كأنه رده قبل أن يقبل فيكون
ميراثا للورثة.
كذلك لو كان على الميت دين فوهبه الطالب
للورثة أو لبعضهم فهو هبة لهم كلهم كأنه وهبه
للميت لأن أصل المنفعة بهذه الهبة للميت وإنه
يبرى ء ذمته لها وأحد الورثة يقوم مقامه فيما
هو من حقه.
لو أوصى له بخادم ثم مات الموصي فوهب إنسان
للخادم ألف درهم والخادم هي الثلث ثم قبل
الموصى له الوصية فله الخادم وثلث الألف لأن
السبب من جهة الموصي قديم لكن لم يثبت الملك
للموصى له لانعدام القبول منه والكسب الحادث
بعد تمام السبب يثبت فيه حكم السبب فإذا قبل
فله الخادم وثلث الألف لأنه لو خرج جميع الألف
من الثلث سلمت له فكذلك يسلم له ثلثها وكذلك
لو ولدت ولدا فإن هلك بعض المال فله الخادم من
الثلث فإن بقي شيء من الثلث فله ذلك من الولد
والهبة في قول أبي حنيفة رحمه الله وقال أبو
يوسف ومحمد الثلث من الخادم وولدها وما وهب
لها بالحصة لا يقدم شيء من ذلك على شيء لأن
حدوث ذلك بعد تمام السبب وقبل تمام الملك
بمنزلة المقترن بأصل السبب.
ألا ترى: أن المبيعة قبل
القبض إذا ولدت جعل الولد كالموجود عند العقد
في اقتسام الثمن عند القبض؟ كذلك ها هنا ولو
كان جميع ذلك موجودا عند العقد وأوصى بالكل
كان يسلم للموصى له بالثلث من الكل بالحصة
والدليل عليه أن التركة بعد الموت قبل القسمة
مبقاة على حكم الميت وكذلك الموصى به بعد موته
عتقا كان أو غيره فإن ما بعده صار بحيث لا
يحتمل الفسخ ولا يحتاج فيه إلى التنفيذ وما
أوصى به ليس بهذه الصفة فلهذا قدمنا العتق
المنفذ في ثلثه وإذا أوصى أن يخدم عبده بعد
موته ورثته سنة ثم يعتق لم يجز إلا أن يجيزه
الورثة لأن الوصية بخدمة العبد لبعض ورثته
بمنزلة الوصية بالرقبة وذلك باطل إلا أن يجيزه
الورثة ثم الوصية بالعتق للعبد مرتبة على
الوصية بالخدمة متأخرة عنها فإذا بطلت الأولى
لعدم إجازة الورثة تبطل الثانية لفوات شرطها
فإذا صحت الأولى بإجازة الورثة بعد الموت وقبل
القبول ثبوت حكم الوصية في الولد والكسب ليس
بطريق التبعية لأن حكم التبعية لا يبقي بعد
الانفصال ولا تعتبر السراية لأن السراية إلى
غير متولد من الأصل لا تكون والكسب غير متولد
من الأصل فعرفنا أن ثبوت الحكم في الولد
والكسب باعتبار أنه يجعل كالموجود ويصير كأن
الوصية تناولته قصدا وأبو حنيفة يقول الجارية
هي المقصودة بالوصية والكسب والولد تبع فإنما
يبدأ من محل الوصية ما هو المقصود بالوصية لأن
استقرار الحكم يكون في محله فيكون هو فيما هو
المقصود
وبيان ذلك أن وجوب الوصية بالموت وعند الموت
الموجود أم فقط والموجب إنما أوجب الوصية فيها
ثم يثبت حكم الوصية فيما يحدث من الكسب والولد
بعد ذلك بطريق التبعية والانفصال لا ينافي
التبعية.
ألا ترى: أن ولد المبيعة قبل
القبض يكون مملوكا تبعا ولهذا لا يمنع رد
الأصل بالعيب والدليل عليه أن حكم الوصية لا
يثبت في الكسب والولد الحادث قبل موته لأن
ثبوت الحكم بطريق التبعية لا يكون إلا بعد
ثبوته في الأصل فإذا ثبت هذا فنقول الوصية
فيمنا زاد على الثلث أضعف من الوصية بالثلث
وما يثبت حكم الوصية فيه تبعا يكون أضعف مما
يثبت حكم الوصية فيه مقصودا فيتعين للقوى محل
أقوى وللضعيف محل يليق به.
يوضحه: أنا لو أخذنا بما قال
أبو يوسف ومحمد أدى إلى أن تبطل الوصية في
الأصل
ج / 28 ص -46-
لمكان
البيع فإنه إذا كان الثلث بقدر قيمتها قبل أن
تلد يجب تنفيذ الوصية في جميعها ثم إذا ولدت
ولدا قيمته مثل قيمتها تنفذ الوصية في نصف
الأم ونصف الولد أو في ثلثي الأم وثلثي الولد
فيؤدي إلى أن تبطل الوصية في بعض الأصل لأجل
تنفيذ الوصية في التبع ولا يجوز أن يكون التبع
مبطلا للحكم الثابت في الأصل بحال والله أعلم.
باب الوصية بمثل نصيب أحدهم
قال رحمه الله: "وإذا كان
للرجل خمس بنين فأوصى لرجل بمثل نصيب أحدهم
وثلث ما بقي من الثلث فالفريضة من أحد وخمسين
سهما لصاحب النصيب ثمانية أسهم ولصاحب ثلث ما
بقي ثلاثة ولكل بن ثمانية"فتخريج المسألة على
طريق الكتاب أن نقول السبيل أن يأخذ كل واحد
من الخمسة البنين ثمانية وتزيد على ذلك سهما
بثمانية لأنه أوصى له بمثل نصيب أحدهم ومثل
الشيء غيره ثم يضرب بعد ذلك في ثلاثة لأجل
وصيته له بثلث ما بقي من الثلث فيكون ثمانية
عشر ثم تطرح السهم الذي زدته بقي سبعة عشر فهو
الثلث والثلثان ضعف ذلك فيكون جميع المال أحدا
وخمسين وإنما طرحنا هذا السهم الزائد لتبيين
مقدار الثلث والثلثين ولا وصية في الثلثين فلا
يمكن اعتبار السهم الزائد فيه فلهذا طرحناه
فإذا عرفت أن ثلث المال سبعة عشر فطريق معرفة
النصيب من ذلك أن تأخذ النصيب وهو واحد وتضربه
في ثلاثة ثم في ثلاثة فيكون تسعة ثم تطرح من
ذلك سهما كما طرحت في الابتداء يبقى ثمانية
فهو النصيب فإذا رفعت ذلك من سبعة عشر يبقي
تسعة فللموصى له ثلث ما يبقى وثلث ذلك ثلاثة
يبقي ستة نضيفها إلى ثلثي المال وذلك أربعة
وثلاثون فيكون أربعين بين خمسة بنين لكل بن
ثمانية مثل النصيب فاستقام والعامة يسمون هذا
طريق الحشو على معنى أن محمدا رحمه الله حشا
به كتبه والحساب يسمونه طريق اليتم واليتم هو
الأصل ولكن كل ما يعتمدونه في كتب الحساب
لكثرة ما يقع فيه من الاختلاف ويحتاج إلى
تغيير بعض الشرط في كل نوع فزعموا أن الطريق
الذي أحكم فيه شرط واحد يخرج عليه أنواع
المسائل أولى بالتأمل وأرادوا بذلك الطريق
الجبر
فأما المتقدمون من أصحابنا فاختاروا هذا
الطريق لأنه أليق بكلام الفقهاء وطريق الدينار
والدرهم يعتمده أهل الحساب وهو في المعنى مثل
طريق الجبر ولكنه أقرب إلى فهم من يكون مبتدئا
في علم الحساب وبيان تخريج المسألة عليه أن
يجعل ثلث المال دينارا أو ثلاثة دراهم لحاجتك
إلى الحساب إذا رفعت منه النصيب يكون لما بقى
ثلث صحيح فيعطي بالوصية بالنصيب دينار
وبالوصية بثلث ما يبقى درهما يبقى من الثلاثة
درهمان يضم ذلك إلى ثلثي المال وهو دينار أو
ستة دراهم فحصل في يدك ديناران وثلاثة دراهم
وحاجتك إلى خمسة دنانير لأنك جعلت النصيب
دينارا فينبغي أن يكون لكل بن دينار فتجعل
الدنانير مثلهما قصاصا يبقى في يدك ثمانية
دراهم تعدل بعدل ثلاثة دنانير فاقلب الفضة
فاجعل آخر الدراهم آخر الدنانير وآخر الدنانير
آخر الدراهم فصار كل دينار بمعنى ثمانية وكل
درهم بمعنى ثلاثة ثم عد إلى الأصل وقل قد جعلت
الثلث دينارا وذلك ثمانية وثلاثة
ج / 28 ص -47-
دراهم
فجملته سبعة عشر أعطينا بالنصيب دينارا وهو
ثمانية وثلث فثلث يبقي درهم وهو ثلاثة وحصل في
يد الورثة ديناران كل دينار ثمانية فذلك ستة
عشر وثمانية دراهم كل درهم بثلاثة فذلك أربعة
وعشرون إذا جمعت بينهما يكون الكل أربعين بين
خمسة بنين لكل بن ثمانية مثل النصيب.
وأما طريق الجبر والمقابلة وهو الذي يعتمده
الحساب فهي أن تأخذ ثلث مال مجهول فتعطي
بالوصية بالنصيب شيئا يبقى معك ثلث مال إلا
شيء فتعطي بالوصية بثلث ما يبقى ثلث ذلك وذلك
تسع مال إلا ثلث شيء يبقى من الثلث في يدك
تسعا مال إلا ثلثا شيء يضم ذلك إلى ثلثي المال
فيصير ثمانية أتساع مال إلا ثلثي شيء وذلك
يعدل خمسة أشياء لأنا جعلنا النصيب شيئا
فينبغي أن يكون لكل بن شيء فأجبر ثمانية أتساع
مال بثلثي شيء وزد على ما يقابله وهو خمسة
أشياء ثلثي شيء فصار معنا ثمانية أتساع مال
يعدل خمسة أشياء وثلث شيء غير أن المال ناقص
تسعة وهو ثمن ما معنا فزيد عليه مثل ثمنه
ويزيد على خمسة أشياء وثلثي شيء مثل ثمنه أيضا
وليس لذلك ثمن صحيح فانكسر بالأثمان فاضرب
خمسة أشياء وثلثي شيء في ثمانية فيكون خمسة
وأربعين وثلثا لأن خمسة في ثمانية بأربعين
وثلثين في ثمانية بخمسة وثلث زد على ذلك مثل
ثمنه وذلك خمسة وثلثان فيكون أحدا وخمسين فظهر
أن المال الكامل أحد وخمسون فالثلث من ذلك
سبعة عشر ومعرفة النصيب أنا جعلنا النصيب شيئا
وضربنا كل شيء في ثمانية فتبين أن النصيب
ثمانية إذا رفعتها من سبعة عشر بقي تسعة
للموصى له بثلث ما يبقي ثلاثة بقي ستة تضمها
إلى ثلثي المال أربعة وثلاثين فيكون أربعين
بين خمسة بنين لكل بن ثمانية مثل النصيب.
فأما بيان طريق الخطائين وتسمى طريق التقدير
أيضا أن يجعل الثلث أربعة اسم ويعطي بالوصية
بالنصيب سهما وبالوصية بثلث ما يبقي سهما يبقي
سهمان يضمهما إلى ثلثي المال ثمانية يكون عشرة
وحاجة البنين إلى خمسة لأنا جعلنا النصيب سهما
فظهر الخطأ بالزيادة خمسا فعد إلى الأصل واجعل
الثلث خمسة أسهم ثم أعط بالنصيب سهمين وبثلث
ما يبقي سهما يبقي من الثلث سهمان ضمهما إلى
ثلثي المال عشرة كان اثنى عشر وحاجتنا إلى
عشرة إلا أنا جعلنا النصيب سهمين فظهر الخطأ
الثاني بزيادة سهمين وكان الخطأ الأول
بالزيادة خمسا فلما زدنا سهما أذهب الخطأ
بثلثه وبقي من الخطأ سهمان وقد علمنا أن كل
سهم يؤثر في ثلثه فالسبيل أن يزيد ما يذهب
الخطأ سهمين وذلك ثلثا سهم فيجعل الثلث خمسة
وثلاثين يعطي بالنصيب سهمين وثلثين وثلث ما
يبقي سهم ويضم السهمين الباقيين إلى ثلثي
المال وهو أحد عشر وثلث فيصير ثلاثة عشر وثلث
بين خمسة بنين لكل بن سهمان وثلثان مثل النصيب
فإن أردت تصحيح الحساب قلت قد انكسر بالأثلاث
والسبيل أن يضرب خمسة وثلاثين في ثلثه فيصير
سبعة عشر فهو الثلث وقد كان النصيب سهمين
وثلثين ضربت ذلك في ثلثه فهوثمانية وكان
المقسوم بين البنين الخمسة ثلاثة عشر وثلثا
ضربت ذلك في ثلاثة فيكون
ج / 28 ص -48-
أربعة
بين خمسة بنين لكل بن ثمانية مثل النصيب وطريق
الجامع الأصغر وهو من فروع الخطأين وهو أنه
لما ظهر أن الخطأ الأول كان بزيادة خمسة
والخطأ الثاني كان بزيادة سهمين فاضرب المال
الأول وهو أربعة في الخطأ الثاني وهو سهمان
فذلك ثمانية وأضرب المال الثاني وذلك خمسة في
الخطأ الأول وهو خمسة فيكون خمسة وعشرين ثم
أطرح الأقل من الأكثر فإذا طرحت ثمانية من
خمسة وعشرين بقي سبعة عشر فهو ثلث المال.
ومعرفة النصيب أن يأخذ النصيب الأول وهو واحد
ويضربه في الخطأ الثاني فيكون اثنين ويأخذ
النصيب الثاني وذلك اثنان يضربهما في الخطأ
الأول وهو خمسة يكون عشرة ثم أطرح الأقل من
الأكثر يبقي ثمانية وهو النصيب والتخريج إلخ
كما بينا.
وطريق الجامع الأكبر وهو من فروع الخطأين أيضا
أنه لما ظهر أن الخطأ الأول كان بزيادة خمسة
فالسبيل أن تضعف المال سوى النصيب فيكون الثلث
سبعة أعط بالنصيب سهما يبقي ستة للموصى له
بثلث ما يبقى ثلث ذلك سهمان يبقى أربعة يضم
ذلك إلى ثلثي المال أربعة عشر فيكون ثمانية
عشر وحاجتنا إلى خمسة لأنا جعلنا النصيب سهما
فظهر الخطأ الثاني بزيادة ثلاثة عشر فيضرب
المال الأول وهو الأربعة في الخطأ الثاني وهو
ثلاثة عشر فيكون اثنين وخمسين فيضرب المال
الثاني وهو سبعة في الخطأ الأول وخمسة فيكون
خمسة وثلاثين ثم اطرح الأقل من الأكثر فإذا
طرحت خمسة وثلاثين من اثنين وخمسين يبقي سبعة
عشر فهو ثلث المال.
ومعرفة النصيب أن يطرح أقل الخطأين من أكثرهما
بلا ضرب وأقل الخطأين خمسة وأكثرهما ثلاثة عشر
فإذا طرحت خمسة من ثلاثة عشر بقي ثمانية فهو
النصيب والتخريج إلى آخره كما ذكرنا.
وطريق السطوح وهو برهان الجبر بعمل المهندسين
أن تأخذ مربعا مستوى الأضلاع والزوايا فتخط في
طوله خطين فيصير ثلاثة سطوح ثم في عرضه ثلاثة
خطوط فيصير في كل سطح أربعة ثم تبدأ بالسطح
الذي على يمينك وتدفع البيت الأول من النصيب
وتتم ذلك وتدفع البيت الثاني منه بثلث ما يبقي
وسم ذلك قطعة بقي من هذا السطح بيتان هما
قطعتان وتجمعهما إلى السطحين الآخرين فيكون
ذلك نصيبين وثمان قطاع وحاجتنا إلى خمسة
أنصباء فيعطي نصيبين إلى اثنين ويبقي ثمان
قطاع بين ثلاثة بنين لكل بن قطعتان وثلثا قطعة
فظهر أن النصيب بمعنى قطعتين وثلثي قطعة وإنا
حين أعطينا الموصي له النصيب بيتا كان ذلك
بمعنى قطعتين وثلثي قطعة وإن الذي حصل في يد
الورثة نصيبان كل نصيب قطعتان وثلثا قطعة فذلك
خمسة قطاع مع ثمان قطاع فيكون ثلاثة عشر قطعة
وثلث قطعة بين خمسة بنين لكل بن قطعتان وثلثا
قطعة مثل ما أعطينا بالنصيب فاستقام وهذا
صورته.
ج / 28 ص -49-
ثم الحاصل بعد هذا أن تخرجها على طريق الكتاب وعلى طريق الجبر وهو
الأصل عند أهل الحساب وتدع ما سوى ذلك للتحرز
عن التطول والاشتغال بما ليس فيه كبير فائدة.
نصيب
نصيب
نصيب
قطعة
قطعة
قطعة
قطعة
قطعة
قطعة
قطعة
قطعة
قطعة
ولو كان أوصى بمثل نصيب أحدهم وبربع ما يبقي
من الثلث الآخر فالفريضة من تسعة وستين لصاحب
النصيب أحد عشر ولصاحب ربع ما بقي ثلاثة ولكل
بن أحد عشر وبيانه على طريق الكتاب أن تأخذ
عدد البنين وهم خمسة فتزيد عليه سهما بالوصية
بالنصيب ثم تضرب ذلك في أربعة لمكان الوصية
بربع ما يبقى فيصير أربعة وعشرين ثم تطرح منه
سهما يبقى ثلاثة وعشرون فهو الثلث والثلثان
ضعف ذلك فتكون الجملة تسعة وستين فهو المال
والثلث ثلاثة وعشرون.
ومعرفة
النصيب أن تأخذ النصيب وهو واحد وتضربه في
أربعة ثم في ثلاثة فيصير اثنى عشر ثم تطرح منه
واحدا يبقى أحد عشر فهو النصيب فإذا رفعت من
ثلاثة وعشرين أحد عشر بقي اثنا عشر للموصى له
بربع ما يبقي ثلاثة يبقي تسعة تضم ذلك إلى
ثلثي المال ستة عشر وأربعين فيكون خمسة وخمسين
بين خمسة بنين لكل بن أحد عشر مثل النصيب.
وطريق الجبر في ذلك أن تأخذ ثلث مال مجهول
وتعطي بالوصية بالنصيب شيئا وبالوصية بربع ما
يبقى ربع ما بقي وهو ربع الثلث إلا ربع شيء
بقي معك ثلاثة أرباع الثلث إلا ثلاثة أرباع
شيء فتضم ذلك إلى ثلثي المال فيصير أحد عشر
جزءا من اثنى عشر جزءا من مال إلا ثلاثة أرباع
شيء وذلك يعدل خمسة أشياء فاجبر بثلاثة أرباع
شيء وزد على ما يقابله ثلاثة أرباع شيء فيصير
أحد عشر جزءا من اثنى عشر جزءا من مال يعدل
خمسة أشياء وثلاثة أرباع شيء فالمال ناقص
فأكمله بأن تزيد عليه جزءا من أحد عشر وزد على
ما يقابله مثل ذلك وليس لخمسة أشياء وثلاثة
أرباع جزء من أحد عشر جزء صحيح فاضرب خمسة
وثلاثة أرباع في أحد عشر فيكون ثلاثة وستين
وربع فإن خمسة في أحد عشر خمسة وخمسون وثلاثة
أرباع في أحد عشر ثمانية وربع ثم زد عليه مثل
جزء من أحد عشر جزءا منه وذلك خمسة وثلاثة
أرباع فيكون
تسعة وستين وهو المال الكامل.
ومعرفة النصيب أنا جعلنا النصيب شيئا وضربناه
في أحد عشر فتبين أن النصيب أحد عشر والتخريج
إلى آخره كما بينا.
ولو كان
أوصى له بمثل نصيب أحدهم والآخر بخمس ما يبقى
من الثلث فالفريضة من سبعة وثمانين لصاحب
النصيب أربعة عشر وللآخر ثلاثة ولكل بن أربعة
عشر فأما تخريجه على طريق الكتاب فأن تزيد على
عدد البنين واحدا للوصية بالنصيب فيكون ستة ثم
تضرب ذلك في خمسة لوصيته بخمس ما بقي فيكون
ثلثين ثم تطرح ما زدت وهو واحد يبقي تسعة
ج / 28 ص -50-
وعشرون
والثلثان ثمانية وخمسون فيكون جملة المال سبعة
وثمانين ومعرفة النصيب أن تأخذ النصيب وذلك
واحد وتضربه في خمسة ثم في ثلاثة فيكون خمسة
عشر ثم تطرح منها واحدا يبقي أربعة عشر فهو
النصيب فإذا رفعت ذلك من الثلث تسعة وعشرين
يبقي خمسة عشر للموصى له بخمس ما بقي خمس ذلك
ثلاثة يبقى اثنا عشر تضمه إلى ثلثي المال
ثمانية وخمسين فيصير سبعين بين خمسة بنين لكل
بن أربعة عشر مثل النصيب وطريق الجبر في ذلك
أن يأخذ ثلث مال مجهول وتعطي بالوصية بالنصيب
شيئا يبقي ثلث مال إلا شيء ويعطي بالوصية
الأخرى خمس ذلك وهو خمس الثلث إلا خمس شيء بقي
أربعة أخماس الثلث إلا أربعة أخماس شيء ويضم
ذلك إلى ثلثي المال فتصير الجملة أربعة عشر
جزءا من خمسة عشر جزءا من المال إلا أربعة
أخماس شيء وذلك يعدل خمسة أشياء فاجبره بأربعة
أخماس شيء وزد على ما يعدله مثله فيصير أربعة
عشر جزءا من خمسة عشر جزءا ثم زد على ما يعدله
مثل ذلك وليس لخمسة وأربعة أخماس جزء من أربعة
جزء صحيح فتضرب خمسة وأربعة أخماس في أربعة
عشر فيكون ذلك أحد وثمانين وخمسا لأن خمسة في
أربعة عشر سبعون وأربعة أخماس في أربعة عشر
أحد عشر وخمس ثم زد عليه جزءا من أربعة عشر
جزء منه وذلك خمسة وأربعة أخماس فيكون سبعة
وثمانين فهو المال الكامل الثلث منه تسعة
وعشرون.
ومعرفة النصيب أنا جعلنا النصيب شيئا وضربنا
في كل شيء أربعة عشر فتبين أن النصيب أربعة
عشر ثم التخريج إلى آخره كما بينا.
ولو أوصي بمثل نصيب أحدهم إلا ثلث ما يبقى من
الثلث بعد النصيب فالفريضة من سبعة وخمسين
النصيب عشرة والاستثناء ثلاثة ولكل بن عشرة.
وتخريجه على طريق الكتاب أن تأخذ عدد البنين
خمسة فتزيد عليها سهما بالوصية بالنصيب ثم
تضرب ذلك في ثلاثة فيكون ثمانية عشر ثم تزيد
عليها سهما مثل ما زدت أولا فيكون تسعة عشر
فهو ثلث المال وثلثان ثمانية وثلاثون فالجملة
سبعة وخمسون ومعرفة النصيب أن تأخذ النصيب وهو
واحد وتضربه في ثلاثة فيكون تسعة ثم تزيد عليه
سهما كما فعلته في أصل المال فيكون عشرة وهو
النصيب الكامل إذا رفعته من تسعة عشر بقي تسعة
استرجع بالاستثناء من النصيب مثل ثلث ما بقي
وهو ثلاثة وضم ذلك إلى تسعة فيكون اثنى عشر ثم
تضم ذلك إلى ثلثي المال ثمانية وثلاثين فيكون
خمسين بين خمسة بنين لكل بن عشرة مثل كامل.
وطريق الجبر فيه أن تأخذ مثل ثلث مال مجهول
فتعطي بالوصية بالنصيب شيئا ثم تسترجع
بالاستثناء مثل ثلث ما بقي وذلك ثلث الثلث إلا
ثلث شيء فيصير معك أربعة أتساع مال الأشياء
وثلث شيء تضمه إلى ثلثي المال فيكون الجملة
مالا وتسع مال إلا شيئا وثلث شيء وذلك يعدل
خمسة أشياء فأجبره بشيء وثلث شيء وزد على ما
يعدله مثله فصار مالا وتسع مال يعدل ستة أشياء
وثلث شيء والمال زائد بعشرة فاطرح منه عشرا
واطرح مما يعد له
ج / 28 ص -51-
العشر
أيضا وليس لستة وثلث عشر صحيح فاضرب ستة وثلثا
في عشرة فيكون ثلاثة وستين وثلث اطرح منه عشرة
وهو ستة وثلث بقي سبعة وخمسون فظهر أن المال
الكامل سبعة وخمسون ومعرفة النصيب أنا جعلنا
النصيب شيئا وضربنا كل شيء في عشرة فتبين أن
النصيب الكامل عشرة والتخريج كما بينا ولو قال
إلا ربع ما يبقى من الثلث بعد النصيب كانت
الفريضة من خمسة وسبعين النصيب منها ثلاثة عشر
والاستثناء بثلاثة.
وتخريجه على طريق الكتاب أن تزيد على عدد
البنين سهما للموصي له بالنصيب ثم تضرب ذلك في
أربعة الوصية بربع ما يبقى فيكون أربعة وعشرين
ثم تزيد عليه سهما فذلك خمسة وعشرون وهو ثلث
المال والثلثان خمسون فالمال كله خمسة وسبعون.
ومعرفة النصيب أن تضرب النصيب وهو سهم من
أربعة في ثلاثة فيكون اثنى عشر ثم تزيد عليه
سهما فالنصيب الكامل ثلاثة عشر إذا رفعتها من
خمسة وعشرين مع اثنى عشر فتسترجع بالاستثناء
مثل ربع ما بقي وهو ثلاثة فتضم ذلك إلى اثنى
عشر فيكون خمسة عشر ثم تضم ذلك ثلثي المال وهو
خمسون فيكون خمسة وستين بين خمسة بنين لكل بن
ثلاثة عشر مثل نصيب كامل وطريق الجبر فيه أن
تأخذ ثلث المال وتعطي بالوصية بالنصيب شيئا ثم
تسترجع بالاستثناء مثل ربع ما بقي فيصير معك
خمسة أجزاء من اثني عشر جزءا من مال الأشياء
وربع شيء تضمه إلى ثلثي المال فتكون الجملة
مالا واثنى عشر جزءا من مال الأشياء وربع شيء
وذلك يعدل خمسة أشياء فاجبره بشيء وربع شيء
وزد على ما يعد له مثله فصار مالا وجزءا من
اثنى عشر يعدل ستة أشياء وربع المال زائد
فاطرح من الجملة جزءا من ثلاثة عشر لتبيين
المال الكامل واطرح مما يعدله مثل ذلك وليس
لستة وربع جزء من ثلاثة عشر صحيح فاضرب ستة
وربعا في ثلاثة عشر فيكون ذلك أحدا وثمانين
وربعا ثم اطرح منه جزءا من ثلاثة عشر وهو ستة
وربع يبقى خمسة وسبعون فهو المال ومعرفة
النصيب أنا جعلنا النصيب شيئا فضربنا كل شيء
في ثلاثة عشر فتبين أن النصيب الكامل ثلاثة
عشر والتخريج كما بينا.
وإذا مات الرجل وترك ابنتين وأما وامرأة وعصبة
وأوصى بمثل نصيب إحدى ابنتيه وثلث ما بقي من
الثلث فالفريضة من ستة وستين والنصيب ستة عشر
وثلث ما بقي اثنان والسبيل في تخريج المسألة
أن نصحح الفريضة الأولى بدون الوصية فنقول أصل
الفريضة من ستة للابنتين الثلثان أربعة وللأم
السدس سهم وللمرأة ثمن ثلاثة أرباع سهم
والباقي للعصبة فتكون القسمة من أربعة وعشرين
لمكان الكسر باعتبار نصيب المرأة إلا أن في
معرفة حكم نصيب المرأة لا حاجة لنا في ذلك
فيجعل أصل الفريضة من ستة ثم يزيد عليها مثل
نصيب إحدى الابنتين وذلك سهمان لوصيته بالنصيب
فيكون ثمانية ثم تضرب ذلك في ثلاثة فيكون
أربعة وعشرين ثم تطرح ما زدت وذلك سهم بقي
اثنان وعشرون فهو الثلث والثلثان أربعة
وأربعون والمال ستة وستون ومعرفة النصيب أن
تأخذ سهمين وتضرب ذلك في ثلاثة يكون ستة ثم في
ثلاثة فيكون ثمانية عشر ثم تطرح منها سهمين
يبقي ستة عشر فهو النصيب إذا رفعت ذلك من
الثلث اثنين
ج / 28 ص -52-
وعشرين
يبقي ستة للموصى له بثلث ما بقي ثلث ذلك اثنان
بقي أربعة تضمها إلى ثلثي المال أربعة وأربعين
فيكون ثمانية وأربعين للابنتين الثلثان اثنان
وثلاثون لكل واحدة منهما ستة عشر مثل النصيب
وللأم السدس ثمانية وللمرأة الثمن ستة والباقي
وهو سهمان للعصبة.
وعلى طريق الجبر فالسبيل أن تأخذ ثلث مال
وتعطي بالوصية بالنصيب شيئا وبالوصية بثلث ما
يبقي ثلث المال الباقي يبقى معك تسعا مال إلا
ثلثي شيء تضمه إلى ثلثي المال فيكون ثمانية
أتساع مال إلا ثلثي شيء الباقي وذلك يعدل
ثلاثة أشياء لأنا جعلنا النصيب شيئا ونصيب
إحدى الابنتين ثلث المال فيظهر أن حاجتنا إلى
ثلاثة أشياء فأجبر ثمانية أتساع مال بثلث شيء
وزد على ما يعدله ثلاثة مثل ذلك وليس لثلاثة
وثلاثة أشياء جزء صحيح والمال ناقص فزد عليه
مثل ثمنه وزد عليه ما يعدله مثل ذلك وليس
لثلاثة وثلاثين ثمن صحيح فاضرب ثلاثة أشياء
وثلثي شيء في ثمانية فيصير تسعة وعشرين وثلثا
ثم زد عليه مثل ثمنه وهو ثلاثة وثلثان فيكون
ثلاثة وثلاثين فهو المال الكامل الثلث من ذلك
أحد عشر.
ومعرفة النصيب أنا جعلنا النصيب شيئا وضربنا
كل شيء في ثمانية فتبين أن النصيب ثمانية إذا
رفعته من أحد عشر يبقي ثلاثة للموصى له بثلث
ما بقي سهم ثم يضم ما بقي وهو سهمان إلى ثلثي
المال وهو اثنان وعشرون فيكون أربعة وعشرين
بين الورثة للابنتين الثلثان ستة عشر لكل
واحدة منهما ثمانية مثل النصيب وللأم السدس
أربعة وللمرأة الثمن ثلاثة والباقي للعصبة
فخرج على هذا الطريق مستقيما على النصف مما
أخرجه محمد رحمه الله.
لو أوصى بمثل نصيب إحدى الابنتين إلا ثلث ما
يبقى من الثلث بعد النصيب فالفريضة من ستمائة
وأربعة وعشرين والنصيب مائة وستون وثلث الباقي
ستة عشر فقد طول محمد رحمه الله الحساب في هذه
المسألة ليخرج ميراث المرأة مستقيما ولا حاجة
بنا إلى ذلك في معرفة الوصية والمسئلة تخرج من
دون هذا الأصل الذي ذكرنا أن الفريضة من ستة
ثم تزيد للموصى له بالنصيب مثل نصيب إحدى
الابنتين سهمين فيكون ثمانية ثم تضرب ذلك في
ثلاثة فيكون أربعة وعشرين ثم تزيد عليه سهمين
كما هو الأصل في مسائل الاستثناء فيكون ستة
وعشرين فهو ثلث المال والثلثان ضعف ذلك اثنين
وخمسين فيكون جملة المال ثمانية وسبعين ومعرفة
النصيب أن تأخذ النصيب سهمين وتضرب ذلك في
ثلاثة فيكون ستة ثم في ثلاثة فيكون ثمانية عشر
ثم تزيد عليه سهمين فيكون عشرين فهو النصيب
الكامل إذا رفعته من الثلث يبقي ستة فتسترجع
بالاستثناء مثل ثلث ما يبقى وذلك سهمان فيصير
معك من الثلث ثمانية تضمها إلى ثلثي المال
اثنين وخمسين فيكون ذلك ستين بين الورثة
للابنتين الثلثان أربعون لكل واحدة منهما
عشرون مثل النصيب الكامل وللأم السدس عشرة
وللمرأة الثمن إلا أنه ليس للستين ثمن صحيح
فلهذا ضرب محمد رحمه الله أصل الحساب ثمانية
وسبعين في ثمانية فيكون ستمائة وأربعة وعشرين
وخرج المسألة من ذلك لأجلها.
وطريق الجبر فيه أن تأخذ ثلث مال فتعطي
بالنصيب شيئا وتسترجع بالاستثناء مثل ثلث
ج / 28 ص -53-
ما
يبقي من ذلك ثلث الثلث إلا ثلث شيء فيكون معك
أربعة أتساع مال الأشياء وثلث شيء تضمه إلى
ثلثي المال فتصير الجملة مالا وتسع مال
الأشياء وثلث شيء وذلك ثلاثة أشياء لأنا جعلنا
النصيب شيئا ونصيب إحدى الابنتين ثلث المال
وجبره بشيء وثلث شيء وزد على ما يعد له مثله
فكان مالا وتسع مال يعدل أربعة أشياء وثلث شيء
والمال زائد فاطرح الزيادة وهو عشر الجملة
واطرح ما يعد له مثل ذلك أيضا وليس لأربعة
وثلاثة عشر صحيح فاضرب أربعة أشياء وثلثا في
عشرة فيكون ذلك ثلاثة وأربعين وثلثا ثم اطرح
منه عشرة وذلك أربعة وثلث يبقى تسعة وثلاثون
فهو المال الكامل الثلث منه ثلاثة عشر.
ومعرفة النصيب أنا جعلنا النصيب شيئا فضربنا
كل شيء في عشرة فتبين أن النصيب الكامل عشرة
إذا رفعتها من ثلاثة عشر يبقى ثلاثة فتسترجع
بالاستثناء مثل ثلث ما بقي سهما فيصير معك من
الثلث أربعة تضمها إلى ثلثي المال ستة وعشرين
فيصير ذلك ثلاثين مقسومة بين الورثة للابنتين
الثلثان عشرون لكل واحدة عشرة مثل النصيب
الكامل وللأم السدس خمسة وللمرأة الثمن وذلك
ثلاثة وثلاثة أرباع للعصبة فاستقام التخريج من
نصف ما أخرجنا على طريق الكتاب.
لو كان أوصى بمثل نصيب المرأة وثلث ما بقي من
الثلث فالفريضة من مائتين وأربعة وثلاثين
والنصيب أربعة وعشرون وثلث الباقي ثمانية عشر
والتخريج على طريق الكتاب أن تصحيح الفريضة ها
هنا من أربعة وعشرين لأنه أوصى بمثل نصيب
المرأة فلا بد من معرفة نصيب المرأة مستقيما
فتجعل الفريضة من أربعة وعشرين للابنتين
الثلثان ستة عشر وللأم السدس أربعة وللمرأة
الثمن ثلاثة والباقي وهو سهم للعصبة ثم تزيد
على ذلك مثل نصيب المرأة ثلاثة لوصيته بمثل
نصيبها فيكون سبعة وعشرين تضرب ذلك في ثلاثة
لوصيته بثلث ما بقي فيكون إحدى وثمانين ثم
تطرح ما زدنا وهو ثلاثة بقي ثمانية وسبعون فهو
ثلث المال والثلثان ضعف ذلك مائة وستة وخمسون
فيكون جملة المال مائتين وأربعة وثلاثين
ومعرفة النصيب أن تأخذ النصيب وهو ثلاثة
وتضربها في ثلاثة فيكون تسعة ثم في ثلاثة
فيكون سبعة وعشرين ثم تطرح ثلاثة يبقى أربعة
وعشرون فهو النصيب إذا رفعت ذلك من الثلث
ثمانية وسبعين يبقي أربعة وخمسون للموصى له
بثلث ما بقي ثلث ذلك وذلك ثمانية عشر يبقى ستة
وثلاثون تضمها إلى ثلثي المال مائة وستة
وخمسون فيكون جملته مائة واثنين وتسعين للمرأة
ثمن ذلك وذلك أربعة وعشرون مثل ما أعطينا
الموصى له بنصيبهما وقسمة الباقي بين الورثة
معلومة كما بينا.
وطريق الجبر فيه أن تأخذ ثلث مال وتعطي
بالوصية بالنصيب شيئا وبالوصية الأخرى ثلث ما
بقي يبقى معك تسعا مال إلا ثلثي شيء تضمه إلى
ثلثي المال فيكون ثمانية أتساع مال إلا ثلث
شيء وذلك يعدل ثمانية أشياء لأنا جعلنا النصيب
شيئا ونصيب المرأة الثمن فعرفنا أن حاجة
الورثة إلى ثمانية أشياء فاجبر ثمانية أتساع
مال بثلثي شيء وزد على ما يعدله مثله فيصير
ج / 28 ص -54-
ثمانية
أتساع مال يعدل ثمانية أشياء وثلثي شيء والمال
ناقص فزد عليه مثل ثمنه وزد على ما يعدله مثله
وليس لثمانية وثلاثين ثمن صحيح فاضرب ثمانية
أشياء وثلثي شيء في ثمانية فيكون سبعة وستين
وثلثا ثم زد عليه مثل ثمنه وذلك ثمانية
وثلاثون فيصير المال ثمانية وسبعين فهو المال
الكامل الثلث من ذلك ستة وعشرون ومعرفة النصيب
أنا جعلنا النصيب شيئا وضربنا كل شيء في
ثمانية فعرفنا أن النصيب ثمانية إذا رفعتها من
ستة وعشرين بقيت ثمانية عشر للموصى له بثلث ما
بقي ذلك بقي اثنا عشر يضم ذلك إلى ثلثي المال
اثنين وخمسين للمرأة الثمن ثمانية مثل النصيب
والتخريج في الميراث كما بينا.
لو كان لرجل خمس بنين فأوصى لأحدهم بكمال
الربع بنصيبه وبثلث ما بقي من الثلث لآخر
فأجازوا فالفريضة من اثنى عشر النصيب اثنان
ويكمله الربع واحد وثلث ما بقي من الثلث واحد.
وتخريج المسألة على طريق الكتاب أن نقول المال
لولا الوصية بين البنين الخمسة على خمسة لكل
واحد منهم سهم فإذا أوصى لأحدهم بكمال الربع
بنصيبه فهذه وصية منه للوارث ولا يصح ذلك إلا
بإجازة الورثة فإذا أجازوا فالسبيل أن يطرح
نصيب الابن الموصى له وهو سهم يبقي أربعة ثم
يضرب ذلك في ثلاثة لوصيته بثلث ما يبقى من
الثلث فيكون اثنى عشر فهو المال الثلث من ذلك
أربعة والربع ثلاثة.
ومعرفة النصيب أن تأخذ النصيب وهو واحد فتضربه
في ثلاثة فيكون ثلاثة ثم تطرح منه واحدا يبقي
اثنان فهو النصيب فإذا دفعت إلى الابن الموصى
له كمال الربع وهو ثلاثة واسترجعت منه مقدار
النصف وذلك اثنان بقي واحد فعرفنا أن وصيته
بتكملة الربع واحد فإذا رفعت ذلك السهم من ثلث
المال أربعة بقي ثلاثة للموصى له بثلث ما يبقى
ثلث ذلك وهو سهم يبقي سهمان يضمهما إلى ثلثي
المال ثمانية فيكون عشرة بين خمسة بنين لكل بن
سهمان مثل النصيب فإذا ضم الابن الموصى له
هذين السهمين إلى السهم الذي أخذه بالوصية حصل
له ثلاثة وذلك كمال ربع المال بنصيبه
وطريق الجبر في ذلك أن تأخذ ثلث مال فتعطي
الابن الموصى له ثلاثة أرباعه لأنه أوصى له
بكمال الربع بنصيبه ونحن نعلم أن الربع ثلاثة
أرباع الثلث فلهذا تعطيه ثلاثة أرباع الثلث ثم
تسترجع منه بالنصيب شيئا فتضمه إلى ما يبقى من
الثلث وتعطي الموصى له الآخر ثلث ما يبقى وهو
ثلث شيء وثلثي ربع الثلث بقي معنا ثلثا ربع
الثلث وثلثا شيء فتضم ذلك إلى ثلثي المال
فيصير ثمانية أجزاء وثلث جزء من اثنى عشر جزءا
من مال وثلثي شيء وذلك يعدل خمسة أشياء لأنا
جعلنا النصف شيئا فقلنا شيء قصاص بمثله يبقي
ثمانية معنا أجزاء وثلثا جزء من اثنى عشر جزءا
من مال يعدل ذلك أربعة أشياء وثلثا وأربعة
وثلث مثل نصف ثمانية وثلاثين فيتبين أن كل جزء
بمعنى شيء واحد وإنا في الابتداء أعطينا الابن
ثلاثة أجزاء ثم استرجعنا منه بالنصيب شيئا
وذلك بمعنى جزء يبقي له بالوصية بالتكملة جزء
واحد فكان الباقي من الثلث ثلاثة أجزاء أعطينا
الموصى له بثلث ما يبقى جزءا
ج / 28 ص -55-
واحدا
يبقي جزء وإن ضممنا ذلك إلى ثلثي المال ثمانية
أجزاء فيكون عشرة بين خمسة بنين لكل بن جزآن
مثل النصيب الذي جعلناه مستثنى وهو الشيء
والله أعلم.
باب العين بالدين
قال رحمه الله: "وإذا مات
الرجل وترك ابنين له على أحدهما دين عشرة
دراهم وترك عشرة عينا ولا مال له غير ذلك ولا
وارث له غيرهما وأوصى بالثلث فإن الفريضة من
ثلاثة الثلث واحد ولكل واحد من الابنين واحد
فاطرح نصيب الذي عليه الدين واقسم العين على
سهمين للموصى له خمسة وللابن خمسة"وفي تخريج
المسألة طريقان أحدهما أن حق الموصى له بالثلث
في سهم من ثلاثة وحق كل بن في سهم والابن
المديون مستوف حقه مما عليه وزيادة فهو لا
يزاحم الآخرين في قسمة العين ولكن العشرة
العين بين الموصى له وبين الابن الذي لا دين
عليه نصفان لاستواء حقيهما في التركة فإذا أخذ
الابن الذي لا دين عليه خمسة تبين أن الابن
المديون صار مستوفيا مثل ذلك مما عليه خمسة
وأن المتعين من التركة خمسة عشر أعطينا الموصى
له بالثلث ثلث ذلك خمسة فاستقام إلى أن يتيسر
خروج ما بقي من الدين فإذا تيسر ذلك أمسك
الابن المديون تمام نصيبه مما عليه وذلك ستة
وثلثان وأدى ثلاثة وثلثا فكان ذلك بين الابن
الذي لا دين عليه وبين الموصى له نصفين كما
كانت العشرة العين فأخذ الموصى له مرة خمسة
ومرة درهما وثلثين وذلك ستة وثلثان ثلث
العشرين وسلم لكل بن ستة وثلثان.
وطريق آخر: أن الدين في حكم
التاوي ما لم يخرج فلا يعتبر في القسمة ولكن
العشرة العين تقسم أثلاثا فيأخذ الموصى له
ثلثها ثلاثة وثلثا والابن الذي لا دين عليه
مثل ذلك ويبقي ثلاثة وثلث نصيب الابن المديون
إلا أنه لا يعطي له ذلك فإن لهما عليه هذا
المقدار وزيادة وصاحب الدين متى ظفر بجنس حقه
من مال المديون يكون له أن يأخذه فهما يأخذان
ذلك بهذا الطريق فيقتسمانه نصفين لاستواء
حقيهما في ذمته فحصل لكل واحد منهما خمسة إلا
أن يتيسر خروج ما بقي من الدين ثم القسمة كما
بينا.
وطريق الجبر فيه أن جزءا من الدين قد تعين
باعتبار أنه نصيب الابن المديون وحاجتنا إلى
معرفة مقدار ذلك فالسبيل أن تجعل الخارج من
الدين شيئا وتضمه إلى العشرة العين فتقسم ذلك
أثلاثا للموصى له الثلث وذلك ثلاثة دراهم وثلث
ثلث شيء ولكل واحد من الاثنين مثل ذلك وحاجتنا
إلى شيئين لأنا جعلنا الخارج من الدين شيئا
وهو نصيب أحد الاثنين فكان حاجتنا إلى ستين
وثلثي شيء قصاص بمثله يبقي في يد الاثنين ستة
وثلثان وذلك يعدل شيئا وثلث شيء وإذا كانت ستة
وثلثين يعدل شيئا وثلث شيء عرفنا أن الذي يعدل
الشيء من الدراهم خمسة وإنا حين جعلنا الخارج
من الدين شيئا كان ذلك بمعنى خمسة دراهم ثم
أعطينا الموصى له ثلث العشرة وثلث شيء وذلك
خمسة دراهم ثم التخريج إلى آخره كما بينا.
وكذلك لو كانت الوصية بثلث العين والدين لأن
المتعين من الدين قدر الثلث وزيادة
ج / 28 ص -56-
فيجب
تنفيذ وصية الموصى له باعتبار ما تعين من
الدين فكان هذا والوصية بثلث المال سواء
ولو لم يوص له بالثلث ولكنه أوصى له بربع ماله
فالعين بين الموصى له وبين الابن الذي لا دين
عليه على خمسة لأن أصل الفريضة من ثمانية
لحاجتنا إلى الحساب إذا رفعنا منه الربع يقسم
ما بقي نصفين وذلك ثمانية للموصى له سهمان
ولكل بن ثلاثة ثم على أحد الطريقين تطرح سهام
الابن المديون وتقسم العين بين الموصى له
والابن الآخر على مقدار حقهما فيضرب الابن
فيها بثلاثة والموصي له بسهمين فكانت القسمة
على خمسة للموصى له خمسا العشرة وهو أربعة
دراهم وللابن ثلاثة أخماسها ستة وظهر أن
المتعين من الدين ستة باعتبار نصيب الابن
المديون فيكون المتعين في الحاصل ستة عشر وقد
نفذنا الوصية في ربعها أربعة إلى أن يتيسر
خروج ما بقي فيمسك الابن المديون تمام نصيبه
مما عليه وذلك سبعة ونصف ويؤدي درهمين ونصفا
فيقسم ذلك بين الموصى له والابن الآخر على
خمسة خمسها وهو درهم للموصى له فقد أخذ أربعة
مرة ومرة درهما وذلك خمسة كمال ربع العشرين
وحصل للابن الآخر مرة ستة ومرة درهم ونصف ذلك
سبعة ونصف وسلم للابن المديون مما عليه مثل
ذلك فاستقام.
وعلى الطريق الآخر: لا يعتبر
الدين في القسمة وتقسم العين بينهم على ثمانية
للموصى له ربعها وذلك درهمان ونصف وللابن الذي
لا دين عليه ثلاثة أثمانها وثلاثة أرباعها
وللابن المديون مثل ذلك إلا أنه لا يعطي له
ذلك لأن عليه لهما فوق ذلك فيستوفيان ذلك من
حقهما ويقتسمانه أخماسا على مقدار حقهما في
ذمته خمسا ذلك وهو درهم ونصف للموصى له فحصل
له أربعة وثلاثة أخماسه درهمان ونصف وربع
للابن الذي لا دين عليه يحصل له ستة إلى أن
يتيسر خروج بقية الدين ثم القسمة كما بينا.
وعلى طريق الجبر: يجعل الخارج
من الدين شيئا ويضم العشرة إلى العين فيقسم
بينهم للموصى له ربعها درهمان ونصف وربع شيء
وللابنين ما بقي وحاجة الابنين إلى شيئين لأنا
جعلنا الخارج من الدين شيئا وفي يدهما ثلاثة
أرباع شيء فيجعل ذلك قصاصا بمثله يبقى في
يدهما سبعة دراهم ونصف يعدل شيئا وربع شيء
فظهر أن الدين يعدل من الدراهم ستة وأنا حين
جعلنا الخارج من الدين شيئا كل ذلك بمعنى ستة
دراهم ثم التخريج كما بينا.
ولو كان أوصى له بالخمس كان له ثلث العين
وللابن ثلثاه لأن أصل الفريضة من خمسة لحاجتنا
إلى حساب له خمس صحيح وأقل ذلك خمسة للموصى له
سهم والباقي وهو أربعة بين الاثنين نصفين
فعلى إحدى الطريقين يطرح نصيب الابن المديون
ويقسم العين بين الموصى له والابن الآخر فيضرب
الابن فيها بسهمين والموصى له بسهم فله ثلث
العشرة العين وللابن ثلثاها فظهر أن المتعين
من الدين ثلثاها أيضا ستة وثلثان وأن جملة
العين ستة عشر وثلثان أخذ الموصى له خمس ذلك
ثلاثة وثلثا إلى أن يتيسر خروج بقية الدين
فيمسك الابن المديون حصته مما عليه وذلك
ثمانية دراهم ويؤدي درهمين فيكون بين الآخرين
على ثلاثة للموصى له الثلث وهو ثلثا درهم فقد
أخذ مرة ثلاثة وثلثا ومرة ثلثي درهم فذلك
أربعة خمس العشرين
ج / 28 ص -57-
والباقي وهو ستة عشر بين الاثنين نصفان لكل
واحد منهما ثمانية وقد أخذ الابن مرة ستة
وثلثين ومرة درهما وثلثا وذلك ثمانية كمال حقه
وعلى الطريق الآخر الدين تاو فتقسم العين
بينهما أخماسا يأخذ الموصى له خمسها درهمين
والابن خمسها أربعة دراهم وذلك مثل نصيب الابن
المديون إلا أنه لا يعطي ذلك ولكنهما يأخذ
أنها قصاصا مما لهما عليه فيقتسمان ذلك أثلاثا
على مقدار حقيهما فله ثلث ذلك وهو درهم وثلث
للموصى له فقد أخذ مرة درهمين ومرة درهما وثلث
وذلك ثلاثة وثلث وأخذ الابن مرة أربعة ومرة
درهمين وثلثين وذلك ستة وثلثان ثم التخريج كما
بينا.
وعلى طريق الجبر: يجعل الخارج
من الدين شيئا فتضمه إلى العشرة العين وتعطي
الموصى له خمس ذلك درهمين وخمس يبقى في يد
الاثنين ثمانية دراهم وأربعة أخماس وحاجتنا
إلى شيئين وأربعة أخماس شيء فيجعل أربعة أخماس
شيء قصاصا بمثلها يبقى في يدهما ثمانية دراهم
يعدل شيئا وخمس شيء فظهر أن الدين بعدل الشيء
ستة وثلثان وإنا حين جعلنا للمتعين من الدين
شيئا كان ذلك ستة وثلثين ثم التخريج كما
ذكرنا.
ولو كان أوصى له بدرهم أو بأكثر إلى خمسة
دراهم أخذ وصيته كلها من العين لأن الوصية
بالدراهم المرسلة تنفذ من الثلث مقدما على حق
الوارث وقد بينا أن ثلث ما تعين من المال خمسة
لأن جميع المتعين خمسة عشر وإذا كانت الوصية
بخمسة دراهم أو أقل أمكن تنفيذها في الحال من
ثلث العين فكذلك وجب تنفيذها بخلاف الأول
فالموصى له بالثلث شريك الوارث في التركة.
ألا ترى: أن هناك يزداد حقه
بزيادة التركة وينتقص بنقصانها فلهذا كانت
القسمة كما بينا ولو أوصى بالثلث وبالربع كان
للابن نصف العين ونصف العين بين صاحبي الوصية
على سبعة لصاحب الثلث أربعة ولصاحب الربع
ثلاثة لأن الوصيين حازا الثلث ولكن الوصية لا
تنفذ في أكثر من الثلث المتعين من المال وقد
بينا أن الثلث المتعين خمسة دراهم نصف العين
فيعزل ذلك لتنفيذ الوصيتين ثم يضرب كل واحد
منهما بجميع حقه فيحتاج إلى حساب له ثلث وربع
وذلك اثنا عشر فثلثها أربعة وربعها ثلاثة فإذا
ضرب كل واحد منهما بحقه كانت القسمة بينهما
على سبعة أسهم لصاحب الثلث أربعة ولصاحب الربع
ثلاثة.
ولو أوصى لرجل بثلث العين ولآخر بربع العين
والدين كان نصف العين بين صاحبي الوصية يضرب
فيها صاحب العين بثلاثة وثلث وصاحب ربع العين
والدين بخمسة لأنه قد تعين من الدين مقدار
خمسة فالموصى له بربع العين والدين يضرب في
محل الوصية بجميع حقه وذلك خمسة دراهم والموصى
له بثلث العين يضرب بجميع وصيته وذلك ثلاثة
دراهم وثلث فيقسم محل الوصية وهو نصف العين
بينهما على ثمانية وثلث ثم يحتسب الابن
المديون نصيبه مما عليه ستة وثلثان ويؤدي ما
بقي فيأخذ الابن نصفه وصاحب الوصية نصفه
فيقتسمان ذلك بينهما على ثمانية وثلث كما
فعلاه في القسمة الأولى.
ج / 28 ص -58-
ولو
أوصى بربع العين لرجل وثلث العين والدين لآخر
فإن لأهل الوصية نصف الدين يضرب فيها صاحب ربع
العين بجميع وصيته درهمين ونصف وصاحب ثلث
العين والدين بجميع وصيته ستة وثلاثين لأن
المتعين من الدين فوق ثلثها فيكون محل الوصية
بينهما على تسعة وسدس إلى أن يتيسر خروج ما
بقي من الدين ثم التخريج كما بينا ولو لم يوص
بهذا ولكنه أوصى بنصف المال كله الدين والعين
وأجاز الابن المديون ولم يجز الآخر فإن العين
بين الابن وصاحب الوصية نصفان لأنه لا معتبر
بإجازة الابن المديون في قسمة العين والابن
الآخر لم يجز الوصية فكان الموصى له بالنصف في
المقاسمة معه كالموصى له بالثلث فلهذا يقتسمان
العين نصفين إلى أن يتيسر خروج الدين فحينئذ
يحتسب للابن المديون نصيبه مما عليه خمسة لأنه
مجيز للوصية فيجعل في حقه كأنهما أجازا ولو
أجازا كان للموصى له نصف المال عشرة وكل بن
خمسة فلهذا يحتسب للابن المديون خمسة ويؤدي
مما بقي وهو خمسة فيأخذ الابن منها درهما
وثلثين لأنه لم يجز الوصية فيجعل في حقه
كأنهما لم يجيزا وتمام حقه ستة وثلثان وقد وصل
إليه خمسة فيأخذ الأب درهما وثلثين كمال حقه
ويأخذ صاحب الوصية ثلاثة وثلثا فحصل للموصى له
ثمانية وثلث سبعة وثلثان بلا منة أحد لأنه ثلث
جميع المال ودرهم وثلثان حصة المجيز فضل ما
بين الثلث والنصف لأن ذلك الفضل ثلاثة وثلث
فحصة المجيز نصفها درهم وثلثان.
ولو ترك ابنا وامرأة وعشرة دراهم عينا وعشرة
على امرأته دينا وأوصى لرجل بدرهمين ولآخر بما
بقي من الثلث ولآخر بالربع فأبوا أن يجيزوا
فإن الفريضة من اثنى عشر الثلث أربعة وللمرأة
الثمن بعد الثلث وذلك سهم فاطرح نصيبها لأن
عليها فوقها واقسم العين على أحد عشر سهما
سبعة للابن والأربعة لأهل الوصية فإذا تبين
محل الوصية بهذه القسمة يضرب فيها صاحب الدين
بدرهمين وصاحب الربع بما أصاب ثلاثة ولم يرد
بقوله بضرب صاحب الربع ثم ما أصاب ثلاثة دراهم
وإنما أراد به ثلاثة أسهم من سهام الفريضة فقد
سمي له الربع وذلك ثلاثة أسهم من اثنى عشر وقد
فسره في كتاب العين والدين كذلك إلى أن يتيسر
خروج الدين فحينئذ المرأة يحسب نصيبها مما
عليها وذلك درهم وخمسة أثمان وثلث لأن الوصايا
قد استغرقت الثلث فإن ميراثها ثمن الثلثين
وثلثا المال ثلاثة عشر وثلث وثمن ذلك درهم
وخمسة أثمان وثلث ثمن أو ثمن ثلث درهم فهما
سواء ويؤدي ما بقي فيكون بين الابن وصاحب
الوصية بالربع وصاحب الوصية بالدرهمين مقسوما
على نحو ما بينا في العشرة العين ولا شيء
لصاحب الوصية مما بقي لأنه لم يبق من الثلث
بعد الوصيتين شيء فثلث المال ستة وثلثان وإحدى
الوصيتين درهمان والأخرى الربع خمسة فذلك سبعة
فعرفنا أن الوصيتين جاوزتا الثلث فلا يكون
لصاحب ما بقي شيء.
ولو ترك ابنين وعشرة عينا وعشرة على أحد ابنيه
دينا وأوصى لرجل بثلث العين ولآخر بربع الدين
فإن العين تقسم أثلاثا فيأخذ صاحب ثلث العين
ثلثها والابن الذي لا دين عليه ثلثها
ج / 28 ص -59-
ويبقي
ثلثها نصيب الابن المديون فلا يعطى ذلك بل
يضرب فيها الابن بمابقي له وصاحب الوصية
بالدين بربع الدين لأنه قد تعين من الدين
ربعها وزيادة فيضرب هو بجميع وصيته ويقسم نصيب
الابن المديون وذلك ثلاثة وثلث بينهما على هذا
ولا شيء للموصى له بثلث العين من هذا لأنه قد
استوفى كمال حقه فإذا تيسر خروج الدين أمسك
الابن المديون نصيبه مما عليه وذلك سبعة
وقيراط لأنه أوصى بثلث العين وهو ثلاثة وثلث
وربع الدين وذلك درهمان ونصف فيكون خمسة وخمسة
أسداس وذلك دون جميع المال فيعطي كل واحد
منهما كمال حقه يبقى أربعة عشر درهما وسدس بين
الابنين نصفين لكل واحد منهما سبعة وقيراط
والقيراط نصف السدس فلهذا قال يمسك للابن
المديون نصيبه مما عليه سبعة وقيراط ويؤدي ما
بقي فيقتسمه صاحب ربع الدين والابن الذي لا
دين عليه على ما بقي لكل واحد منهما كما كانا
اقتسما ثلث العين بينهما على مقدار حق كل واحد
منهما فقد خرج جواب هذه المسائل في كتاب العين
والدين بخلاف هذا وما ذكرنا هناك أدق نبين ذلك
إذا انتهينا إليه إن شاء الله.
ولو ترك ابنين له على أحدهما عشرة دراهم دينا
وترك عشرة عينا وترك رجلين غريمين على كل واحد
منهما عشرة دراهم فأوصى لكل واحد من الغريمين
بما على صاحبه وأوصى لآخر بثلث العين فجاء أحد
الغريمين بما عليه فأداه والآخر لا شيء له فإن
هذه العشرة العين والعشرة التي على الابن عين
كلها تقسم على ستين سهما فيأخذ أهل الوصية ما
أصاب ثلاثة عشر وثلثا ويأخذ الابنان ما أصابا
ستة وأربعين وثلثين لكل بن ثلاثة وعشرون وثلث.
والوجه في تخريج المسألة أن نقول:
وصيته لكل واحد من الغريمين بما على صاحبه
ووصيته لكل واحد منهما بما عليه سواء لأنه لا
فائدة في أن يأخذ كل واحد منهما من صاحبه مثل
ما يعطيه فلأن حق كل واحد منهما دين في ذمة
صاحبه وقد ظفر كل واحد منهما بجنس حقه مما هو
لصاحبه وهو ما في ذمته ولو كان في يده كان له
أن يأخذه قضاء من حقه فإذا كان في ذمته يتملكه
أيضا قضاء لحقه إذا عرفنا هذا فنقول حين أدى
أحدهما ما عليه فقد صار المال العين عشرين
فتبين أن جميع الدين الذي على الابن الآخر قد
تعين لأن الوصية لا تنفذ في أكثر من الثلث
وإذا ضممنا ما على الابن إلى العين كان ثلث
الجملة عشرة ونحن نتيقن أن مقدار الثلث يسلم
للابن المديون فلهذا تعين جميع ما عليه ثم حق
الموصى له بثلث العين في ثلاثة وثلث حق كل
واحد من الغريمين في عشرة وذلك ثلاثة وعشرون
وثلث وإذا صار الثلث بين أصحاب الوصايا على
ثلاثة وعشرين وثلث فالثلثان ستة وأربعون
وثلثان فالجملة سبعون إلا أنه يطرح نصيب
الغريم المفلس لأن عليه فوق حقه وزيادة فلهذا
جعلت القسمة فيما بقي وهو ستة وأربعون وثلثان
بين الابنين نصفين لكل واحد منهما ثلاثة
وعشرون وثلث فيحسب للابن المديون مما عليه
ويستوفي الفضل من العين ويحسب للغريم المقدم
نصيبه مما عليه فيحصل تنفيذ الوصية في ثلاثة
وعشرين وثلث
وللاختصار وجه بأن يجعل كل ثلاثة وثلث سهما
فيكون حق أصحاب الوصايا سبعة أسهم والجملة على
أحد وعشرين وثلثين ثم
ج / 28 ص -60-
يطرح
نصيب المقدم ثلاثة ويقسم الثلثان على ثمانية
عشر سهما فيكون كل سهم من ذلك درهما وثلثين
فيحصل للموصى له ثلث العين درهم وثلثان
وللموصى له المؤدي خمسة دراهم ولكل واحد من
الابنين أحد عشر فيستوفي الابن الذي لا دين
عليه أحد عشر وثلثين فيستوفي المديون درهما
وثلثين فيسلم له ما عليه وهو عشرة ويحسب
للموصى له المقدم كما عليه خمسة أيضا فيحصل
تنفيذ الوصية في أحد عشر وثلثين ويسلم للابنين
ضعف ذلك إلى أن يتيسر خروج ما بقي من الدين
فحينئذ يقسم الكل على أحد وعشرين سهما فيمسك
الغريم المديون نصيبه مما عليه ويؤدي ما بقي
فيقتسمه أهل الوصية والورثة على ما اقتسموا
عليه قبل ذلك.
ولو ترك ابنين وعشرة دينا على أحدهما وعشرة
عينا وأوصى لرجل بثلثي الدين فنصيب العين
للابن الذي لا دين عليه والنصف الآخر هو نصيب
الذي عليه الدين فكأنه خرج عليه مما عليه
فيبدأ بصاحب الوصية ويأخذ الخمسة كلها لأن
الوصية في محل غير مقدم في التنفيذ على حق
الورثة إذا كان يخرج من الثلث وها هنا مقدار
الخمسة يخرج من الثلث فباعتبار ما تعين من
الدين وهو نصيب الابن المديون فيأخذ الموصى له
ذلك إذ لا فائدة في أن يدفع ذلك إلى المديون
ثم يسترده باعتبار دينه قبله فإذا تيسر خروج
ما على المديون يحسب الذي عليه الدين نصيبه
مما عليه ستة وثلاثين فيؤدي الفضل ثلاثة وثلثا
ويقتسمانه نصفين كما اقتسما العشرة العين
فيحصل للموصى له ستة وثلثان مقدار ثلثي الدين
وهو ثلث جميع المال ويسلم لكل بن ستة
وثلثان"ولو أوصى مع هذا بثلث العين لآخر فإن
نصف العين بين صاحبي الوصية"لأن الوصية إنما
تنفذ من الثلث وباعتبار ما تعين من الدين ثلث
المال نصف العين ثم يضرب فيه صاحب ثلث العين
بثلاثة وثلث وصاحب ثلثي المال بثلاثة وثلث
فيقتسمانه نصفين ويجب للذي عليه الدين نصيبه
مما عليه ستة وثلثان ويؤدي ثلاثة وثلثا فيأخذ
الابن نصفها وصاحب الوصية نصفها بينهما نصفان
قال الحاكم الجليل رحمه الله"وهذا الجواب على
هذا السؤال غلط لأنه أوصى لأحدهما بثلثي الدين
فإما أن يضرب بجميع وصيته ستة وثلاثين أو بما
تعين من الدين خمسة فإما أن يضرب بثلاثة وثلث
كما يضرب به صاحب ثلث العين فهذا لا معنى
له"وقد أجاب بمثله في كتاب العين والدين وإذا
كانت الوصية بثلث الدين وهو صواب لأن ثلث
الدين وثلث العين سواء لكن مشايخنا رحمهم الله
على تصويب الحاكم فيما ذكر.
قال رحمه الله:"ولما ذكره في
الكتاب وجه صحيح أيضا فإن نصف الدين صار في
حكم المتعين ولو تعين جميعه لكان الموصى له
بثلثي الدين يضرب في محل الوصية بستة وثلاثين
فإذا تعين نصفه فإنما يضرب بثلاثة وثلثين".
يوضحه: أن المتعين من الدين
في حق وصية صاحب الدين لا يزيد على ستة وثلث
لأن وصية الموصى له بثلث العين في ثلث العين
مقدم وإنما يبقي للابنين ثلثا العين بينهما
نصفين
ج / 28 ص -61-
لكل
واحد منهما ثلاثة وثلث والمتعين من الدين في
حق الموصى له بالدين قدر نصيب الابن المديون
من العين وذلك ثلاثة وثلث فلهذا قال يضرب
بثلاثة وثلث في محل الوصية كما يضرب الموصى له
بثلث العين ولكن هذا مستقيم قبل أن يخرج ما
بقي من الدين فبعد خروج الدين لا وجه للقسمة
بينهما مناصفة إلا أن تكون المسألة على ما
ذكره في كتاب العين والدين.
أوصى لأحدهما بثلث الدين ولآخر بثلث العين ولو
ترك مع هذا ثوبا قيمته خمسة دراهم فأوصى لرجل
بثلث ماله وأوصى لآخر بالثوب فإن نصيب الثوب
من الثوب أربعة غير ربع ونصيب صاحب الثلث
أربعة غير ربع ويكون ثلث ذلك في الثوب وثلثاه
في العشرة ويأخذ الابن الذي لا دين عليه سبعة
ونصفا ويأخذ ما بقي من الثوب وتمام سبعة ونصف
مما بقي من العشرة ويحسب للذي عليه الدين
نصيبه ثمانية وثلثا إلى آخره.
ووجه تخريج المسألة أن نقول:
اجتمع في الثوب وصيتان وصية بجميعه وثلثه
فتكون القسمة على طريق المنازعة عند أبي حنيفة
رحمه الله ويكون الثوب بينهما على ستة خمسة
للموصى له بالثوب وسهم للموصى له بالثلث ثم كل
خمسة من العشرة العين تكون على ستة وذلك اثنا
عشر للموصى له بالثلث من ذلك أربعة تبلغ سهام
الوصايا عشرة وحق الورثة في ضعف ذلك عشرين إلا
أنه يطرح سهام الابن المديون في الحال ويقسم
العين وهو خمسة عشر درهما في الحاصل سبعة ونصف
للابن الذي لا دين عليه والثوب مع درهمين ونصف
بين الموصى لهما نصفان نصف ذلك وهو ثلاثة وثلث
وثلاثة أرباع للموصى له بالثوب كله في الثوب
ونصفه وهو ثلاثة وثلث وثلاثة أرباع للموصى له
بثلث المال ثلث ذلك في الثوب وثلثاه في العشرة
على حساب أصل حقه في الثوب والعشرة فيسلم له
من العشرة درهمان ونصف ومن الثوب قدر درهم
وربع إلى أن يتيسر خروج الدين هذا كله مستقيم
إلا حرفا وقع فيه الغلط من جهة الكتاب وهو أنه
قال يأخذ الابن الذي لا دين عليه ما بقي من
الثوب وتمام سبعة ونصف مما بقي من العشرة ولم
يبق من الثوب شيء لأن ثلاثة أرباع الثوب أخذه
الموصى له بالثوب وربعه أخذه الموصى له بثلث
المال على ما بينا من تخريج قول أبي حنيفة
وكذلك عندهما لو قسمنا الثوب على طريق العول
يكون الثوب بينهما هكذا فأي شيء بقي من الثوب
حتى يأخذه الابن فعرفنا أن الصحيح أنه يأخذ
سبعة ونصفا من العشرة العين فإذا تيسر خروج
الدين فنقول جملة المال خمسة وعشرون وإنما
تنفذ الوصية في ثلثها وذلك ثمانية وثلث ويكون
نصيب كل بن ثمانية وثلثا أيضا فيحسب للابن
المديون نصيبه مما عليه ويؤدي درهما وثلثين ثم
يستقبل القسمة في الثلث وهو ثمانية وثلث بين
صاحبي الوصية ويضرب معه فيها صاحب الثوب بخمسة
أسداس الثوب وذلك أربعة دراهم وثلث ويضرب معه
الآخر بسبعة ونصف وذلك ثلث العشرين ستة وثلثان
وسدس الثوب خمسة أسداس الثوب فيكون سبعة ونصفا
فما أصاب صاحب الثوب كان في الثوب وما أصاب
الآخر كان في الثوب له من ذلك خمس ما بقي منه
والباقي من نصيبه في الدراهم لأن حقه في الأصل
كان في الثوب في
ج / 28 ص -62-
ثلاثة
مقدار ذلك درهم وثلثان وفي المال ستة وثلثان
فإذا جعلت كل درهم وثلثين سهما يكون ذلك أربعة
فعرفنا أن أصل حقه في المحلين أربعة أخماس خمس
نصيبه في الثوب وأربعة أخماسه في الدراهم
وإن شئت قلت يأخذ من الثوب مثل ثلث ما أصاب
صاحب الثوب ويأخذ ما بقي من الدراهم وهذا
والأول في المعنى سواء إذا تأملت وإن مثل ثلث
ما أخذه صاحب الثوب خمس حق صاحب ثلث المال
وإذا ترك ابنين ومائتي درهم عينا وثلاثمائة
درهم على أحد ابنيه دينا وسيفا قيمته مائة
فأوصي لرجل بالسيف ولآخر بثلث العين فلأهل
الوصية نصف العين يضرب فيه صاحب السيف بخمسة
أسداس السيف وصاحب الثلث بسدس السيف وثلث
المائتين إلى آخره لأن قسمة السيف بينهما على
طريق المنازعة عند أبي حنيفة وقيمة السيف على
ستة خمسة أسداسه لصاحب السيف وسدسه لصاحب ثلث
العين ثم صار كل مائة من العين على ستة أيضا
فذلك اثنا عشر للموصى له بالثلث ثلث ذلك أربعة
فتكون سهام الوصيتين عشرة وإذا صار الثلث عشرة
فالثلثان عشرون ثم يطرح سهام الابن المديون
لأن عليه فوق حقه وتقسم العين بين الابن الذي
لا دين عليه وبين الموصى لهما نصفين للموصى
لهما بالسيف وقدر الخمسين من المائتين وللابن
الذي لا دين عليه قدر مائة وخمسين من العين
ويحسب للمديون مثله مما عليه فيستقيم الثلث
والثلثان ثم المعزول لتنفيذ الوصية بين الموصى
لهما نصفان لاستواء حقهما نصف ذلك وذلك خمسة
وسبعون للموصى لهما بالسيف كله في السيف وذلك
ثلاثة أرباع السيف ونصف ذلك للموصى له بثلث
العين ثلث ذلك في السيف وذلك خمسة وعشرون
وثلثاه في المائتين وذلك خمسون على مقدار أصل
حقه في المحلين إلى أن يتيسر خروج الدين
فحينئذ يحسب للابن المديون نصيبه مما عليه
مائتا درهم لأن جملة المال خمسمائة والسيف
وقيمته مائة وذلك ستمائة تنفذ الوصية في ثلثها
ويسلم لكل بن ثلثها وذلك مائتا درهم ويؤدي
مائة فإذا أداها اقتسموا الثلث بينهم فيضرب
فيه صاحب السيف بخمسة أسداس السيف وصاحب الثلث
بسدس السيف وثلث خمسمائة فما أصاب صاحب السيف
كان في السيف وما أصاب صاحب الثلث كان في
السيف أو نقول الابن الآخر يأخذ من هذه المائة
ما بقي من حقه وذلك خمسون درهما لأنه وصل إليه
مائة وخمسون وحقه في مائتين لم يستقبل قسمة
الثلث بين صاحبي الوصية على نحو ما ذكره.
قال الحاكم الجليل رحمه الله:"قوله
يضرب بثلث خمسمائة خطأ بين لأنه إنما أوصى له
بثلث العين فكيف يضرب بثلث العين والدين وقوله
يضرب بسدس السيف أيضا غير سديد لأن الوصية
بثلث العين لا تقع على العروض وإنما تقع على
النقد خاصة"وقد ذكر نحو هذه المسألة في كتاب
العين والدين فقال لو أوصى له بثلث العين
وبثلث كذا وسمى تلك العروض وإذا حمل على ذلك
وجب تنفيذ وصيتهما إذا خرج من الدين ثلاثة
وثلاثون وثلث لأن وصيتهما تخرج الآن من ثلث ما
يعين من المال أما طعنه في اللفظ الأول فهو
على ما قاله وأما طعنه في اللفظ الثاني ففيه
نظر لأن اسم العين فيما هو متعين بمنزلة اسم
المال فيما
ج / 28 ص -63-
هو
متمول واسم المال في الوصية يقع على كل ما
يتمول مال الزكاة وغيره فيه سواء وإن كان في
بعض المواضع يختص بمال الزكاة فكذلك اسم العين
في الوصية يقع على كل متعين النقد والنسيئة
فيه سواء وكأنه بالغ في البيان في كتاب العين
والدين فسمى ذلك العروض لإزالة هذا الإبهام.
وأما قوله: إذا خرج من الدين
ثلاثة وثلاثون وثلث فقد وجب تنفيذ وصيتهما فهو
مستقيم وبيانه أن جملة العين من المال
ثلاثمائة درهم وثلاثة وثلاثون وثلث وإنما يعزل
ذلك لتنفيذ الوصيتين اللتين كانتا بالسيف
وقيمته مائة وبثلث المائتين وذلك ستة وستون
وثلثان فعرفنا أن بخروج ثلاثة وثلاثين وثلث من
الدين يجب تنفيذ الوصيتين وأنه يتعين مما بقي
من الدين مثل نصف العين بسبب الابن المديون.
ولو ترك ابنين وامرأة وعلى امرأته عشرة دينا
وعلى أحد ابنيه دين عشرة وترك ثوبا يساوي خمسة
وأوصى بالثوب لرجل فإن الثوب يقسم بين الموصى
له والابن الذي لا دين عليه على خمسة عشر سهما
لصاحب الوصية ثمانية وللابن سبعة لأن الفريضة
إنما تستقيم من أربعة وعشرين للموصى له ثمانية
وللمرأة ثمن ما بقي سهمان ولكل بن سبعة ثم
تطرح سهام الابن وسهام المرأة لأن عليها فوق
ذلك يبقى الثوب فيضرب فيه الابن الذي لا دين
عليه بمقدار حقه وهو سبعة والموصى له بثمانية
فيكون بينهما على خمسة عشر سهما ويحسب للابن
المديون نصيبه مما عليه وكذلك للمرأة نصيبها
مما عليها فتستقيم القسمة إلى تيسر خروج
الدينين فحينئذ يسلم لصاحب الثوب جميع الثوب
لأنه موصى له بالعين وقيمته دون الثلث فيكون
حقه فيه مقدما على حق الوارث ويبقى المال
عشرين درهما للمرأة الثمن درهمان ونصف يمسك
ذلك مما عليها ويؤدي سبعة ونصفا ولكل بن
ثمانية وثلاثة أرباع فيمسك الابن المديون مما
عليه نصيبه ويؤدي درهما وربعا فيحصل في يد
الابن الذي لا دين عليه ثمانية وثلاثة أرباع
مثل ما حبسه المديون فاستقام.
ولو مات وترك ابنين وامرأتين على إحداهما مائة
درهم وعلى أحد ابنيه مائة درهم وترك خادما
تساوي مائة درهم فأعتقها عند الموت فإن الخادم
تسعى في نصف قيمتها لأن العتق في مرض الموت
وصية فتنفذ من الثلث وثلث ماله نصف العين وهو
نصف رقبتها فيسلم لها ذلك وتسعى في نصف قيمتها
للمرأة من ذلك ثمنه وللابن سبعة أثمانه فتصير
المرأة المديونة مستوفية مما عليها مثل ما وصل
إلى المرأة الأخرى والابن المديون مستوف مما
عليه مثل ما وصل إلى الابن الآخر فيستقيم
الثلث والثلثان إلى أن يتيسر خروج الدينين
فحينئذ يرد على الخادم ما أخذ منها من السعاية
لأنه تبين أن جميع المال ثلاثمائة وقيمتها
مائة فهي خارجة من الثلث فيرد عليها ما أخذ
منها والمال المقسوم بين الورثة مائتا درهم
ثمن ذلك للمرأتين وذلك خمسة وعشرون لكل واحدة
منهما اثنا عشر ونصف فتمسك المديونة مما عليها
مقدار حقها وتؤدي سبعة وثمانين ونصفا إلى
الابن الذي لا دين عليه ويمسك الابن المديون
نصيبه مما عليه سبعة
ج / 28 ص -64-
وثمانين ونصفا ويؤدي ما بقي اثنا عشر ونصف إلى
المرأة التي لا دين عليها فقد وصل إلى كل واحد
منهما كمال حقه.
قال: "وإذا ترك ابنين على كل
واحد عشرة وترك رجلين على كل واحد منهما عشرة
وأوصى لكل واحد من الرجلين بما على صاحبه
وأوصى لآخر بالثلث ثم أدى أحد الرجلين فإن هذه
العشرة والعشرين التي على الابنين يجمع كله
فيقسم بين الورثة وبين صاحب الثلث والذي أدى
العشرة على ثلاثة وأربعين سهما"لأن وصيته لكل
واحد منهما بما على صاحبه ووصيته بما عليه
سواء وبأداء أحدهما صار ما على الابنين في حكم
المتعين أما من حيث الظاهر فلأن الوصية تنفذ
من الثلث والثلثان يسلم لهما وذلك مقدار ما
عليهما فمن حيث الحقيقة نصيب كل واحد منهما
بالقسمة أكثر مما عليه
وبيان ذلك أن العشرة التي أدى أحد الغريمين
صارت بين الموصى له بالثلث وبين المؤدي أسداسا
فباعتبار القسمة على طريق المنازعة عند أبي
حنيفة له السدس وللمؤدي خمسة وللآخر مما عليه
مثل ذلك خمسة للموصى له بالثلث سهم وكذلك ما
كان على كل بن يصير ستة فذلك اثنا عشر للموصى
له بالسدس أربعة فجملة ما للموصى له بالثلث
ستة ولكل واحد من الأخوين خمسة فذلك ستة عشر
هذا مبلغ سهام الثلث والثلثان ضعف ذلك اثنان
وثلاثون إلا أن نصيب الغريم الذي لم يؤد يطرح
وذلك خمسة يبقى للأخوين أحد عشر سهما وللورثة
اثنان وثلاثون وذلك ثلاثة وأربعون سهما أحد
عشر من ذلك لأصحاب الوصيتين لصاحب الوصية
بالثلث ستة ولصاحب العشرة خمسة وللورثة اثنان
وثلاثون ونحن نعلم أن اثنين وثلاثين من ثلاثة
وأربعين أكثر من ثلاثة فتبين أن نصيب كل واحد
منهما فوق ما عليه فلهذا جعل ما عليهما
كالمتعين في القسمة فإذا قدر الآخر على الأداء
يحسب له نصيبه مما عليه وذلك أن يقسم المال
أربعين درهما على ثمانية وأربعين سهما فيمسك
نصيبه مما عليه خمسة ويؤدي ما بقي فيقسم بينهم
على ثلاثة وأربعين سهما كما بينا في القسمة
الأولى.
ولو مات وترك ابنين وامرأة وخادما يساوي مائة
درهم وترك على رجل مائة درهم وأوصى للرجل بما
عليه وأوصى أن يعتق الخادم فإن الخادم يعتق
منها خمسها وتسعى في أربعة أخماسها للورثة لأن
الوصية بالعتق تقدم بالتنفيذ على سائر الوصايا
فوصية الخادم مثل وصية الرجل الآخر لأن قيمتها
مثل ما أوصى به للآخر فكان الثلث بينهما على
سهمين والثلثان أربعة إلا أنه يطرح سهم
المديون لأن عليه فوق نصيبه ويبقي الخادم
فتضرب هي بسهم فيها والورثة بأربعة فلهذا يعتق
خمسها وتسعى للورثة وتسعى في أربعة أخماس
قيمتها فإذا أدى المديون ما عليه يحسب له
نصيبه مما عليه وذلك في الحاصل ثلث ما عليه
نصف ثلث جميع المال ويؤدي ما عليه ويدفع من
ذلك إلى الخادم تمام الثلث من قيمتها ويأخذ
الورثة الفضل فحصل للورثة من جهة كل واحد
منهما ستة وثلاثون وثلثان ونفذ بالوصية لهما
في ستة وستين وثلثين لكل واحد منهما وثلاثة
وثلاثون وثلث هذا قول أبي يوسف ومحمد رحمهما
الله فأما قول
ج / 28 ص -65-
أبي
حنيفة رحمه الله فبخلاف هذا ذكره في كتاب
العين والدين فقال إن الخادم يسعى في عشرة
أجزاء من ثلاثة عشر جزءا من قيمتها لأن من
أصله أن الموصى له بما زاد على الثلث عند عدم
إجازة الورثة لا يضرب بما زاد على الثلث من
وصيته والموصى له بالعتق يضرب بجميع وصيته في
الثلث وها هنا أوصى لكل واحد منهما بنصف المال
والمديون إنما يضرب في الثلث بمقدار ثلث المال
وذلك ستة وستون وثلثان والخادم تضرب بجميع
قيمتها وهو مائة فإذا جعلت كل ثلاثة وثلاثين
وثلث سهما صار ذلك خمسة أسهم للخادم ثلاثة
وللمديون سهمان والثلثان عشرة ثم يطرح نصيب
المديون ويضرب الورثة في الخادم بعشرة والخادم
بثلاثة فلهذا قال تسعى في عشرة أجزاء من ثلاثة
عشر جزءا من قيمتها إلى أن يتيسر خروج الدين
فحينئذ تكون القسمة بينهم على خمسة عشر فإذا
قسمت الديون يصيبه مما عليه ستة وعشرون وثلثان
لأن له سهمين من خمسة عشر فإذا قسمت المائتين
على خمسة عشر كان كل سهم من ذلك ثلاثة عشر
وثلثا فلهذا يمسك ستة وعشرين وثلثين ويؤدي ما
بقي فإذا أداه رد على الخادم إلى تمام أربعين
درهما لأن حقه في خمس المال في الحاصل وذلك
ثلاثة من خمسة عشر وخمس المائتين أربعون فقد
نفذنا الوصية لهما في ستة وستين وثلثين وأخذ
الورثة من الخادم ستين درهما ومن المديون
ثلاثة وسبعين وثلثا فذلك مائة وثلاثة عشر وثلث
ضعف ما نفذنا فيه الوصية فاستقام.
ولو ترك ابنين وألفين عينا وألفا دينا على رجل
وأوصى لصاحب الدين بما عليه وأوصى لآخر بألف
من العين فإنه يأخذ الموصى له بالعين أربعمائة
لأن الثلث بينه وبين الموصى له المديون على
سهمين فتكون الفريضة من ستة يطرح سهم المديون
وتقسم العين بين الاثنين والموصى له بالعين
على خمسة للموصي له بالعين خمسها وخمس العين
أربعمائة فإذا خرج الدين فالموصى له المديون
يحبس مما عليه مقدار حقه وذلك خمسمائة درهم
نصف الثلث ويؤدي ما بقي فيقسم بينه وبين
الورثة على خمسة له الخمس منه حتى يصير
مستوفيا الخمسمائة كمال حقه ويحصل تنفيذ
الوصية لهما في ألف ويسلم للورثة ألفان ولو
كان أحد الألفين دينا على أحد الابنين كان
لصاحب الوصية من الألف العين ثلثها لأن الابن
المديون مستوف حقه مما عليه فيطرح نصيبه وذلك
سهمان يبقى للابن الآخر سهمان وللموصى له بثلث
العين سهم فكانت القسمة في الألف العين بينهما
على ثلاثة ثلثها إلى أن يتيسر خروج الدينين
فحينئذ يحسب للابن المديون نصيبه مما عليه وهو
ثمانمائة درهم ويؤدي ما يبقى فيكون بينهما على
ثلاثة فيأخذ الموصى له نصيبه من ذلك والموصى
له الآخر يمسك نصيبه مما عليه خمسمائة ويؤدي
ما بقي فيكون بينهم على خمسة للابنين أربعة
وللموصى له بثلث العين واحد فيسلم في الحاصل
لكل واحد من الابنين ألف درهم وقد نفذنا
الوصية لهما في ألف لكل واحد منهما خمسمائة
وإنما جعل نصيب الابن المديون مما عليه
ثمانمائة قبل أداء الموصى له المديون لأن ما
عليه يضم إلى الألف العين ثم يقسم بين الموصى
له بالثلث وبين الابنين على خمسة
ج / 28 ص -66-
فللابن
المديون خمسا ذلك وذلك ثمانمائة فلهذا قال
يحسب له ثمانمائة ويؤدي مائتين والله أعلم
بالصواب.
باب الدعوى من بعض الورثة للوارث
قال رحمه
الله: "وإذا مات الرجل وترك ابنين فادعى أحدهما أختا يعنى بنتا للميت
وكذبه الآخر فإن الأخت تأخذ من المقر بها ثلث
ما في يده عندنا"وقال بن أبي ليلى خمس ما في
يده لأنها إنما تأخذ منه الفاضل على نصيبه
بزعمه بما في يده وأصل التركة بزعمه على خمسة
لكل بن سهمان وللأخت سهم وفي يده نصف المال
سهمان ونصف فالفاضل على نصيبه بزعمه نصف سهم
من سهمين ونصف وذلك خمس ما في يده يوضحه أنه
أقر لها بسهم من جميع التركة نصف ذلك السهم في
يده ونصفه في يد أخيه والأخ يظلمها بالجحود
فليس لها أن تأخذ شيئا مما لها في يد الجاحد
وإنما تأخذ من المقر مقدار مالها من الحق في
يده وذلك نصف سهم خمس ما في يده.
وجه قولنا: أن الذي في يد
المقر جزء من التركة وفي زعمها أن حقها في
التركة في سهم وحق المقر في سهمين وزعمه معتبر
في حقه فيضرب كل واحد منهما فيما في يده بحصته
فيكون بينهما أثلاثا وهذا لأن الجاحد استوفى
زيادة على حقه فيجعل ذلك في حقه بمنزلة ما لو
غصبه غاصب فلا يكون ضررة على بعض الورثة دون
البعض والحاصل أنه يجعل الجاحد مع ما في يده
في حق المقر كالمعدوم فكأن جميع التركة ما في
يد المقر وهو الوارث خاصة فيقسم ذلك بينه وبين
أخته أثلاثا ولو لم يقر بأخت وأقر بزوجة لأبيه
أعطاها سبعي ما في يده لأنه زعم أن الميت ترك
ابنين وامرأة فتكون الفريضة من ستة عشر للمرأة
سهمان ولكل بن سبعة فتضرب هي فيما في يده
بسهمين وهو بسبعة فيعطيها سبعي ما في يده وعند
بن أبي ليلى ما فضل نصيبه مما في يده وذلك نصف
الثمن ولو كانت له امرأة معروفة سواها فإن
المقر يعطي هذه التي أقر بها مما في يده لأن
بزعمه الفريضة من ستة عشر لكل امرأة سهم ولكل
بن سبعة فهو يضرب فيما هو في يده بسبعة والمقر
لها بسهم فيعطيها ثمن ما في يده ولو ترك ابنا
وبنتا وزوجة فادعت الابنة أختا لها أعطتها نصف
ما في يدها لأنها تزعم أن حقهما في التركة
سواء فإن كانت أقرت بأخ لها أعطت ثلثي ما في
يدها لأنها تزعم أن حقه في التركة ضعف حقها
ولو تركت زوجا وأما وأختا فادعت الأخت أخا
وأقر بذلك الزوج وجحدت الأم فالفريضة من عشرين
لأن الفريضة بزعم الأم تستقيم على ثمانية
وأصلها من ستة للزوج النصف ثلاثة وللأم الثلث
سهمان وللأخت النصف ثلاثة فتكون القسمة من
ثمانية لها سهمان وهو الربع وعلى زعم الزوج
والأخت الفريضة من ستة للزوج النصف ثلاثة
وللأم السدس سهم والباقي بين الأخ والأخت
أثلاثا لا يستقيم فانكسرت بالأثلاث فاضرب ستة
في ثلاثة فتكون ثمانية عشر للأم ثلاثة وللزوج
تسعة وللأخ أربعة وللأخت سهمان فإقرار الأخ
والأخت لا يكون معتبرا في حق الأم وجحودهما لا
يكون معتبرا في حقها فتجعل في حق المقرين
ج / 28 ص -67-
القسمة
على الفريضة الثانية فحقها خمسة عشر وفي حق
الأم تجعل القسمة على الفريضة الأولى وحقها
ربع المال فالسبيل أن يضم إلى خمسة عشر مثل
ثلاثة حتى لا يكون المضموم ربع المبلغ وهو
نصيب الأم ومثل ثلاثة خمسة فإذا ضممت خمسة إلى
خمسة عشر كان عشرين للأم خمسة فإذا أخذت
نصيبها قسم ما بقي وهو خمسة عشر على ما اتفقوا
عليه للزوج سبعة وللأخ أربعة وللأخت سهمان.
ولو تركت زوجا وأختا فأقر الزوج أن لها أخا
وجحدت الأخت فإن الزوج يعطيه خمسي ما في يده
لأن بزعمه الفريضة من ستة له ثلاثة وللأخ
سهمان فيقسم ما في يده بينهما باعتبار زعمه
فلهذا يأخذ خمسي ما في يده وكذلك لو أقر بأخت
مثل الأخت المعروفة لأب وأم أو لأب فالفريضة
من ستة للزوج ثلاثة وللأختين الثلثان أربعة
يعول بسهم وهو يزعم أن حقها في سهمين وحقه في
ثلاثة فيعطيها خمس ما في يده.
ولو تركت زوجا وأختا لأب وأم فأقر الزوج بأخت
لأب أعطاها ربع ما في يده لأنها خلفت بزعمه
زوجا وأختا لأب وأم وأختا لأب فللزوج النصف
ثلاثة وللأخت لأب وأم ثلاثة وللأخت لأب السدس
تكملة الثلثين سهم فهي تضرب فيما في يده بسهم
وهو بثلاثة فلهذا يعطيها ربع ما في يده.
وكذلك لو أقر بأخ أو أخت لأم لأن نصيب المقر
له سهم بزعمه وهو السدس وإن أقر بهما لأم
أعطاها خمسي ما في يده لأنه يقول تركت زوجا
وأختا لأب وأم وأخا وأختا لأم فيكون لهما
الثلث سهمان من ستة ويعول بسهمين فحقهما بزعمه
في سهمين وحقه في ثلاثة فلهذا يعطيهما خمسي ما
في يده ولو تركت زوجا وأختا لأب فأقر الزوج
بأم فإنه يعطيها خمسي ما في يده لأن حقهما
بزعمه الثلث سهمان من ستة وحقه في ثلاثة.
ولو تركت زوجا وأختا لأب فأقر الزوج بأخت لأب
وأم أعطاها نصف ما في يده لأنه يزعم أن حقها
في التركة سواء لكل واحد منهما ثلاثة من سبعة.
ولو ترك ابنين وامرأة فأقر أحد الابنين
بامرأتين أعطاهما أربعة من خمسة وعشرين سهما
مما في يده لأنه يزعم أنه خلف ثلاث نسوة
وابنين فللنسوة الثمن بينهن أثلاثا لا يستقيم
وللابن سبعة بينهما نصفان لا يستقيم فيضرب
ثلاثة في اثنين فيكون ستة ثم يضرب ثمانية في
ستة فيكون ثمانية وأربعين منه تصح القسمة لكل
امرأة سهمان ولكل بن أحد وعشرون فهو يزعم أن
حقها في أربعة أسهم يضربان بذلك فيما في يده
وهو واحد وعشرون فلهذا أعطاهما أربعة من خمسة
وعشرين مما في يده.
ولو ترك ابنين وأبوين فأقرت إحدى الابنتين
بامرأة أعطتها ثلاثة من أحد عشر مما في يدها
لأن الفريضة بزعمها من أربعة وعشرين للابنتين
الثلثان ستة عشر وللأبوين السدسان ثمانية
وللمرأة الثمن ثلاثة فتعول إلى سبعة وعشرين
وهي المنبرية التي أجاب فيها علي رضي
ج / 28 ص -68-
الله
عنه على المنبر على البديهة فقال انقلب ثمنها
تسعا فإذا هي تزعم أن حق المرأة ثلاثة وحقها
في ثمانية فيقسم ما في يدها بينهما على ذلك.
ولو ترك امرأة وابنة وأبوين فأقرت المرأة
بامرأة أخرى أعطتها نصف ما في يدها لأن نصيب
النساء من التركة في يدها وقد زعمت أن حقها في
التركة في ذلك سواء فإن أقرت لها إحدى
الابنتين أيضا فإنها تأخذ نصف ما في يد المرأة
ولا تأخذ من الابنة شيئا لأن ميراث النساء
الثمن واحدة كانت أو اثنتين وذلك الثمن في يد
المرأة وهي مقرة للأخرى بنصيبها من ذلك فلا
تأخذ من الابنة شيئا لذلك.
ولو ترك ابنتين وأبوين فأقرت إحدى الابنتين
بامرأة وصدقتها الأم فالفريضة من تسعين سهما
للابنتين ستون وللأبوين ثلاثون فخذ نصيب الأم
خمسة عشر ونصيب الابنة ثلاثين وذلك نصف المال
من الحاصل وأعط المرأة من ذلك تسعة وللابنة
أربعة وعشرين وللأم اثنى عشر وقد طول هذه
المسألة وهي تخرج من خمسة عشر لأنهما يزعمان
أن المرأة لها ثلاثة وللابنة ثمانية وللأم
أربعة مما في أيديهما وهو نصف المال يقسم
بينهما على ذلك تضرب فيه المرأة بثلاثة والأم
بأربعة والابنة بثمانية فتستقيم من خمسة عشر.
ولو جحدت الأم ولم تقر قسمت ما في يد الابنة
على ثلاثة وثلاثين وهو تطويل غير محتاج إليه
أيضا فقد بينا أن القسمة تستقيم من أحد عشر
ولو لم تقر الابنة بالمرأة وأقرت الأم قسمنا
ما في يدها على أحد وعشرين للأم اثنا عشر
وللمرأة تسعة وهذا أيضا تطويل فإن القسمة
تستقيم من سبعة لأنها تضرب فيما في يدها فحقها
أربعة والمرأة ثلاثة فيكون بينهما على سبعة.
ولو تركت زوجا وأخا فادعى الزوج ابنة كبيرة
لها من غيره قاسمها ما في يده على أربعة ونصف
للزوج سهم ونصف وللابنة ثلاثة لأنه يزعم أن
حقه الربع سهم ونصف من ستة فيقسم ما في يده
على اثني عشر وفي الحاصل تعطيه ثلثي ما في
يدها لأنه يزعم أن حقه في ثمانية وحقها في
أربعة فيعطيها ثلثي ما في يدها وإذا كان
الورثة اثنين فأقر أحدهما على ابنة للابن
بشركة أو بوديعة بعينها أو مجهولة وكذبه الآخر
فإنه يستوفيه كله من نصيب المقر عندنا وقال بن
أبي ليلى يأخذ منه بقدر حصته وهو قول الشافعي
ومذهبنا مذهب علي رضي الله عنه وقد تقدم بيان
المسألة في الإقرار.
قال: "ولو أقر بشركة كانت
بينه وبين ابنه فإن كان أقر بشركة النصف أخذ
من حصته الثلثين"لأنه يزعم أن المال على أربعة
أسهم للمقر له سهمان ولكل بن سهم فهو يضرب
فيما في يده بسهم والمقر له بسهمين فيعطي ثلثي
ما في يده وإن كان أقر بالثلث أخذ منه النصف
لأنه يزعم أن المال على ثلاثة أسهم للمقر له
سهم ولكل بن سهم فحقه فيما في يده مثل حق
المقر له بزعمه فلهذا أخذ منه نصف ما في يده.
قال: "وإذا كان للميت ابنان
وعبدان لا مال له غيرهما قيمة كل واحد منهما
ثلاثمائة فأقر
ج / 28 ص -69-
أحد
الابنين أن أباهما أعتق هذا بعينه في مرضه
وأقر الآخر أنه أعتق أحدهما لا يدري أيهما هو
فإ ن الذي أقر له بعينه يعتق منه ثلثا نصيبه
ويسعى له في الثلث الآخر في نصف قيمته ويعتق
من نصيب الآخر الثلث منهما جميعا ويسعيان له
في ثلثي نصيبه"لأن كل واحد من العبدين صار
مشتركا بينهما نصفين والعتق في المرض وصية
فالذي أقر بالعتق لأحدهما بعينه فقد أقر أنه
عتق منه بقدر الثلث من مال الميت وذلك ثلثا
رقبته وإقراره نافذ في نصيبه غير نافذ في نصيب
شريكه فيعتق ثلثا نصيب ويسعى له في ثلث نصيبه
والنصف من الآخر مملوك له وقد تعذر عليه
استدامة الرق بإقرار شريكه فيسعى له الآخر في
نصف قيمته وقد أقر الآخر بالثلث مبهما لأن
العتق المبهم بالموت يشيع فيهما فينفد إقراره
في نصيبه مبهما فيعتق ثلث نصيبه من كل واحد
منهما ويسعى كل واحد منهما له في ثلثي نصيبه
وإن أقر أحدهما أنه أعتق هذا بعينه وأقر الآخر
أنه أعتق هذا بعينه سعى كل واحد منهما للذي
أقر له في ثلث نصيبه منه وللذي أنكر عتقه في
جميع نصيبه منه لأن إقراره حجة عليه دون صاحبه
وقد تعذر استدامة الرق في نصيبه من الآخر
بإقرار صاحبه.
ولو قال أحدهما أعتق أحدهما في مرضه ولا يدري
أيهما هو وأنكر الآخر عتق من نصيب المقر من كل
واحد منهما ثلث نصيبه لإقراره والثلث لهما
ويسعى كل واحد منهما للآخر في نصيبه كاملا
لإنكاره عتقهما جميعا.
ولو شهدا أنه أعتق هذا بعينه وقال أحدهما أعتق
هذا الآخر أيضا عتق ثلثا الذي شهدا له ويسعى
الآخر في جميع قيمته لهما لأن الذي شهدا له
أولى بالثلث من الآخر فإن شهادتهما له حجة
بمنزلة شهادة غيرهما.
ولو شهد أجنبيان بالعتق لأحدهما كان هو أولى
بالثلث من الذي أقر له الوارث لأن رق الآخر
يفسد بإقرار أحدهما بعتقه ولم يبق من الثلث
شيء فتلزمه السعاية في جميع قيمته لهما ولو
شهد أحدهما أنه أعتق هذا بعينه في صحته وشهد
الآخر أنه أعتق هذا الآخر في مرضه عتق نصيب
الشاهد من الذي شهد له في الصحة لأن العتق في
الصحة من جميع المال فهو مقر بحريته وإقراره
حجة عليه في نصيبه ويسعى للآخر في نصف قيمته
لأنكاره عتقه ويعتق ثلثا نصيب الذي شهد له في
المرض من الذي شهد له ويسعى له في ثلث نصيبه
ولأخيه في جميع نصيبه لأنه أقر بالثلث لهذا
الآخر وإقراره في نصيبه صحيح وفي زعمه أن
شريكه صار متلفا لنصيبه من الآخر فيكون ذلك
محسوبا عليه وإن مال الميت رقبتان فالثلث منه
ثلثا رقبة فلهذا يعتق ثلثا نصيبه والله أعلم
بالصواب.
باب إقرار المريض وأفعاله
قال رحمه الله: "وإذا كان على
المريض دين في الصحة فغصب في مرضه من إنسان
شيئا ثم قضاه فهو جائز"لأنه لو رد عين المغصوب
لم يكن لغرماء الصحة عليه سبيل فكذلك إذا رد
عليه مثله أو قيمته لأن ذلك يحكي عينه وهذا
بدل مال وصل إلى المريض فهو بمنزلة ما
ج / 28 ص -70-
لو
اشترى شيئا بمثل قيمته ونقد ثمنه فلا يكون
لغرماء الصحة على البائع سبيل لأن المريض ما
أتلف عليهم شيئا حين وصل إليه ما تكون ماليته
مثل مالية ما أدى وكذلك ما أخذه فأنفقه على
نفسه في كسوته وطعامه ودوائه ثم قضاه فإنه قد
وصل إليه ما تكون ماليته مثل مالية ما أدى ثم
حاجته في ماله تقدم على حق غرمائه.
ولو استأجر أجيرا أو تزوج امرأة وأعطاهما ذلك
لم يجز وكانا أسوة غرماء الصحة فيه لأنه لم
يصل إليه مثل ما يكون ما أدى في صفة المالية
فكان هذا إبطالا منه لحق غرماء الصحة عن ذلك
المال وتخصيص بعض غرمائه بقضاء الدين والمريض
ممنوع عن ذلك إلا أن الدين وجب لهما بسبب لا
تهمة فيه فكان أسوة غرماء الصحة في ماله.
ولو أقر المريض أن دينه الذي على هذا الرجل
لفلان فإن ذلك لا يجوز حتى يستوفي غرماء الصحة
دينهم لأن إقراره في المرض بدين له على الغير
كإقراره بعين له في يده أو في يد غيره وذلك
غير صحيح منه في حق غرماء الصحة وهذا بخلاف ما
إذا أقر باستيفاء الدين من غريمه وهو غير وارث
وقد كان الدين في الصحة لأنه مسلط على
الاستيفاء وقد ثبت للغريم حق براءة ذمته عند
إقراره بالاستيفاء منه فلا يتغير ذلك بمرضه
وهو غير مسلط على الإقرار بالدين الواجب له أو
لغيره بل هو ممنوع من ذلك لحق غرماء الصحة كما
هو ممنوع من تمليكه منه بالهبة وقد ذكرنا في
كتاب الشفعة بيع المريض من الأجنبي بالمحاباة
وغير المحاباة وما يجب فيه من الشفعة للوارث
وغير الوارث وما ذلك من اختلاف الروايات وأن
بيعه من وارثه غير صحيح أصلا عند أبي حنيفة
وعندهما وبن أبي ليلى إذا باع بالقيمة أو
بأكثر جاز.
قال: "ولو أوصى رجل إلى رجل
بثلثه يضعه حيث أحب أو يجعله حيث أحب فهما
سواء وله أن يجعله لنفسه ولمن أحب من
ولده"لأنه قائم مقام الموصى في الوضع والجعل
والموصى له وضعه فيه أو في ولده أو جعله له
جاز ذلك فكذلك الوصي إذا فعل ذلك لأن الوضع
والجعل يتحقق منه في نفسه كما يتحقق في غيره
وليس له أن يجعله لأحد من ورثة الميت لأنه
قائم مقام الموصي فإن جعله لبعض ورثته فهو
باطل ويرد على جميع الورثة وليس له أن يعطيه
بعد ذلك أحدا لأنه ممتثل أمر الموصي فينتهى به
ما فوض إليه ويصير فعله كفعل الموصي ولو فعله
الموصي لبعض ورثته كان ذلك باطلا وكان مردودا
على جميع الورثة فهذا مثله.
ولو أوصى بثلثه إليه أن يعطيه من شاء فليس له
أن يعطيه نفسه لأنه مأمور بالإعطاء من جهة
الموصى وهو لا يكون معطيا نفسه كما يكون جاعلا
لها واضعا عندها ألا ترى أن من عليه الزكاة
أوصدقة الفطر ليس له أن يضعه في نفسه لأنه
مأمور بالإيتاء والأداء ولا يحصل ذلك بالصرف
إلى نفسه ومن وجد ركازا له أن يضع الخمس في
نفسه إذا كان مصرفا له لأن الواجب جعل الخمس
لمصارف الخمس ووضعها فيهم وقد جعل ذلك.
ج / 28 ص -71-
ولو
أوصى إلى رجل فقال قد جعلت ثلثي لرجل سميته
فصدقوه فقال الوصي هو هذا وخالفه الورثة لم
يصدق الوصي على ذلك لأنه أوصى بما هو خلاف حكم
الشرع وهو إثبات الاستحقاق بشهادة شاهد واحد
لأن الوصي ها هنا بمنزلة الشاهد وشهادة الواحد
لا تكون حجة بخلاف الأول فإن هناك أوصى إليه
بالوضع والواضع يكون متسببا بالتصرف على وجه
النيابة لا شاهدا فلم يكن ذلك وصية بما يخالف
الشرع وعلى هذا لو قال للوصي أعتق أي عبيدي
شئت كان له أن يعتق أيهم شاء.
ولو قال: قد أعتقت عبدي
فسميته للوصي فصدقوه في ذلك لم يصدق ولو أوصى
إلى رجلين أن يضعا ثلثه حيث شاء أو يعطياه من
شاء أو اختلفا فقال أحدهما أعطيه فلانا وقال
الآخر لا بل فلانا لم يكن لواحد من الرجلين
شيء لأن الوصيين لم يجمعا على واحد منهما
وإنما فوض الموصي الرأى في الوضع إليهما وهذا
شيء يحتاج فيه إلى الرأى لاختيار المصرف ورأى
الواحد لا يكون كرأي المثنى.
ولو قال: قد أوصيت بثلثي
لفلان وقد سميته للوصيين فصدقوهما فقال هو هذا
وشهدا له بذلك جازت شهادتهما لخلوها عن التهمة
وشهادة المثنى حجة تامة وإن اختلفا في ذلك
أبطلت قولهما لأن كل واحد منهما يشهد بغير ما
شهد به صاحبه.
ولو أوصى بعبده أن يعتق ثم أوصى له أن يباع أو
على عكس ذلك فهذا رجوع عن الوصية الأولى
للمنافاة بين التصرفين في محل واحد وكذلك لو
أوصى بأن يعتق نصفه بعد ما أوصى ببيعه من رجل
أو على عكس ذلك كانت الثانية رجوعا عن الأولى
في جميع العبد وإن أضاف الثانية إلى نصفه لأن
بين التصرفين في العقد الواحد منافاة وإن أوصى
به لرجل ثم أوصى به أن يباع لرجل آخر تحاصا
فيه
وكذلك إن بدأ بالبيع ثم بالوصية لأن كل واحد
منهما تمليك أحدهما بعوض والآخر بغير عوض
والجمع بينهما في عبد واحد صحيح فلا يكون
إقدامه على الثانية دليل الرجوع عن الأولى.
وإذا شهد شاهد ان بعد موته أنه قال في حياته
لعبديه أحدكما حر جازت الشهادة أما عندهما
فلأن الدعوى ليست بشرط في عتق العبد وعند أبي
حنيفة العتق المبهم يشيع فيهما بالموت فتتحقق
الدعوى منهما ويجعل الثابت من إقراره
بشهادتهما كالثابت بالمعاينة ولو سمعا ذلك منه
ثم مات عتق من كل واحد منهما نصفه فهذا مثله
والله أعلم بالصواب.
باب الشهادة في الوصية وغيرها
قال رحمه الله: "وإذا شهد
الوصيان أنه أوصى إلى هذا معهما فإن كذبهما
ذلك الرجل فشهادتهما باطلة"لأنهما متهمان فيها
وأنهما يثبتان بشهادتهما من يعينهما على
التصرف وإن ادعاها الرجل جازت شهادتهما
استحسانا وفي القياس لا تجوز لأجل التهمة
ولكنه استحسن فقال لو سألا من القاضي أن يجعل
هذا الرجل وصيا معهما والرجل راغب في ذلك كان
على القياس للقاضي أن يجيبهما إلى ذلك فلا
يتهمان في إخراج الكلام مخرج الشهادة
ج / 28 ص -72-
في هذه
الحالة فأما إذا كان الرجل مكذبا لهما فهما
متهمان في إخراج الكلام مخرج الشهادة لأنهما
لو سألا ذلك من القاضي لم يجبهما إذا لم يكن
الرجل راغبا فيه ثم إذا كذبهما الرجل أدخلت
معهما آخر لأن في ضمن شهادتهما إقرارا منهما
بوصي آخر معهما للميت وإقرارهما حجة عليهما
فلا يتمكنان من التصرف بعد ذلك بمنزلة ما لو
مات أحد الأوصياء الثلاثة وكذلك لو صدقهما
وقال لا أقبل الوصية كان له ذلك لأنه لم يسبق
منه القبول ولكن يتعذر على الوصيين التصرف
بدون رأى الثالث فيدخل القاضي معهما وصيا
ثالثا وهذا القياس والاستحسان في فصول أربعة.
أحدها: ما بينا.
والثاني: إذا شهد ابنا الميت
أن أباهما أوصى إلى هذا ففي القياس لا تقبل
شهادتهما لأنهما ينصبان نائبا عن أبيهما ومن
يتصرف لهما ولو شهدا أن أباهما وكل هذا الرجل
في حياته والأب غائب لم تقبل الشهادة فكذلك
إذا شهدا بالوصية وفي الاستحسان إذا كان الرجل
مدعيا للوصية تقبل شهادتهما لخلوها عن التهمة
فإنهما لو سألا من القاضي أن يجعل هذا الرجل
وصيا والرجل راغب فيه أجابهما القاضي إلى ذلك
بخلاف ما إذا لم يكن الرجل مدعيا للوصية
وبخلاف الوكالة فإنهما لو سألاه أن يوكل هذا
الرجل عن أبيهما لم يفعل ذلك وهذا لأنه ليس
للقاضي ولاية في مال أبيهما.
الثالث: الموصى لهما إذا شهدا
أن الموصي أوصى إلى هذا فهو القياس والاستحسان
لأن الموصى له بالثلث شريك الوارث فهو في هذه
الشهادة كالوارث.
والرابع: غريمان لهما على
الميت دين لو شهدا أنه أوصى إلى هذا الرجل في
القياس لا تقبل الشهادة بمنزلة ما لو شهدا في
حياته أنه وكل هذا الرجل بقضاء ديونه وهذا لأن
في هذه الشهادة منفعة لهما فإنهما يطالبانه
بقضاء دينهما وفي الاستحسان إذا كان الرجل
مدعيا للوصية قبلت الشهادة لأن للقاضي أن ينصب
وصيا بالتماسهما من غير شهادة فلا يتهمان في
إخراج الكلام مخرج الشهادة.
ولو أن غريمين للميت عليهما دين شهدا أن الميت
أوصى إلى هذا جازت شهادتهما قياسا واستحسانا
لخلوها عن التهمة فإنهما ينصبان بشهادتهما من
يطالبا بقضاء الدين فتقبل الشهادة لخلوها عن
التهمة ولو شهد ابنا الميت الموصي أو أبوه
ورجل آخر أن الميت أوصى إليه أبطلته لأنه يشهد
للوصي بثبوت ولاية التصرف له والولادة تمنع
قبول شهادة أحدهما للآخر.
وكذلك لو شهد ابنا أحد الوصيين أن الميت أوصى
إلى أبيهما وإلى هذا الآخر فشهادتهما باطلة
لأنهما يشهدان لأبيهما والمشهود به كلام واحد
فإذا بطل في حق أبيهما بطل في حق الآخر وشهادة
ابني الوصيين على أن الموصي عزله وأوصى إلى
رجل آخر جائزة لأنهما يشهدان على أبيهما
بالعزل ويشهدان للأجنبي بولاية التصرف.
ج / 28 ص -73-
وكذلك
شهادة ابني الغريمين أو غريميه على أنه عزل
هذا وأوصى بولاية التصرف إلى الآخر جائزة
لأنهما يشهدان بثبوت الولاية للثاني وبنقل
ولاية التصرف من الأول إلى الثاني فلا تتمكن
التهمة فيهما واختلاف الشاهدين على أنه أوصى
إليه في الوقت والمكان لا تفسد الشهادة لأن
الإيصاء إلى العين قول تكرر فلا يختلف المشهود
به باختلافهما في المكان والزمان ولو شهد أنه
قال هو وكيلي فيما تركت بعد موتي جعله وصيا له
لأن النائب بعد الموت وصي سواء شهد بلفظة
الوصاية أو بلفظة الوكالة.
قال: "ولا تجوز شهادة الوصي
للموصى للميت"لأنه متهم في شهادته بإثبات حق
القبض لنفسه وكذلك لو شهد الوصي للميت شهادة
بعد أن يدرك ورثته ويقبضوا مالهم لم أجز
شهادته لأنه لو قبض ذلك جاز قبضه عليهم فكان
هو الخصم في ذلك فلا شهادة له فيما كان خصما
فيه.
ولو شهد الوصي لوارث كبير أو صغير على الميت
بدين لم تجز شهادته له في قول أبي حنيفة رحمه
الله
وفي قولهما وبن أبي ليلى رحمهم الله تجوز
شهادته للكبير ولا تجوز شهادته للصغير لأنه
إذا شهد للصغير فهو الذي يقبض وإذا شهد للكبير
فليس له حق القبض فيما للكبير الحاضر فلا
تتمكن التهمة في شهادته وأبو حنيفة يقول كان
هو الخصم فيما شهد به حين كان هذا الكبير
صغيرا فلا يكون شاهدا فيه.
وقد بينا المسألة في الشهادات وأما فيما ليس
من الميراث فإن شهادة الوصي للصغير لا تقبل
على الصغير لأنه هو القابض وتجوز للكبير لأنه
أجنبي في ذلك فإنه إنما صار خصما بقبوله
الوصاية فيما هو من جملة ميراث الميت فأما
فيما للوارث الكبير على الأجنبي لا بطريق
الإرث فهو أجنبي.
وإذا شهد شاهدان لرجل على الميت بدين وشهد
رجلان للشاهدين على الميت بدين فهو جائز في
قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله. وقال أبو
يوسف تبطل شهادتهم وهذه ثلاثة فصول.
أحدها: لا تقبل الشهادة
بالاتفاق وهو أن يشهد رجلان لرجلين بوصية
الميت لهما بالثلث ويشهد المشهود لهما
للشاهدين بالوصية بالثلث وهذا لأن الثلث مشترك
بين الموصي لهم فشهادة كل فريق لاقت محلا
مشتركا بين الشاهد والمشهود له.
وفي الوجه الثاني: الشهادة
مقبولة بالاتفاق وهو أن يشهد الرجلان أن الميت
أوصى لهما بهذا العبد ويشهد الآخر أن الميت
أوصى للشاهدين بهذه الجارية فالشهادة تقبل لأن
كل واحد من الفريقين يثبت الحق للمشهود عليهما
في محل لا شركة لهما في ذلك المحل.
والفصل الثالث: على الخلاف
وهو فصل الدين فأبو يوسف يقول حق الغرماء بعد
الموت يتعلق بالتركة ولهذا لا يثبت الملك
للوارث ولا ينفذ تصرفه فيه إذا كان الدين
محيطا بها فشهادة كل فريق تلاقي محلا مشتركا
فهو نظير مسألة الوصية بالثلث وهذا لأن
ج / 28 ص -74-
المقصود من إثبات الدين بعد الموت الاستيفاء
من التركة وباعتبار المقصود تتحقق الشركة
بينهم فيه
وأبو حنيفة ومحمد قالا كل فريق إنما يشهد
للفريق الآخر بالدين في ذمة الميت ولو شهدا
بذلك في حياته كانت الشهادة مقبولة فكذلك إذا
شهدوا به بعد موته وهذا لأن الدين بالموت لا
يتحول من الذمة إلى التركة.
ألا ترى: أن التركة لو هلكت
لا يسقط شيء من الدين وأن للوارث أن يستخلص
التركة لنفسه بقضاء الدين من محل آخر فلا
تتمكن الشركة بينهم ها هنا بخلاف الوصية
بالثلث فإن حق الموصى له ثبت في عين التركة
حتى لا يبقى بعد هلاك التركة.
ولو أراد الوارث أن يستخلص التركة لنفسه ويقضي
حق الموصى له من محل آخر لم يكن له ذلك فكانت
الشركة بينهم ثابتة في التركة باعتبار
شهادتهما وكذلك لو شهد بذلك ابنا هذين لهذين
وابنا هذين لهذين فهذا والأول في الفصول
الثلاثة سواء لأن الشركة كما تمنع قبول شهادة
الشريك لنفسه تمنع قبول شهادة ابنه له.
ولو شهد الميت أو غيرهما بدين لرجلين على
الميت ثم شهد هذان الرجلان بدين لآخر على
الميت فهو جائز لأنهما يضران أنفسهما فإن
دينهما قد ثبت فيها وبشهادتهما يثبتان من
يزاحمهما في التركة وهذا بخلاف الأول على قول
أبي يوسف لأن هناك تتمكن تهمة المواضعة بين
الفريقين لنفع كل واحد منهما صاحبه بشهادته
ولا يتمكن مثل ذلك ههنا.
وإذا شهد الوصيان بدين على الميت أو بوصية
فشهادتهما جائزة لخلوها عن التهمة فإن دفعا
ذلك قبل أن يشهدا به ثم شهد فشهادتهما باطلة
لأنهما صارا ضامنين لما دفعا بغير حجة فهما
بشهادتهما يدفعان الضمان عن أنفسهما وكذلك
شهادة ابنيهما أو أبويهما لا تقبل بعد الدفع
لأنهما يدفعان الضمان بشهادتهما عن أبيهما أو
ابنيهما والله أعلم.
باب الاستثناء
قال رحمه
الله: "وإذا أوصى رجل لرجل بدينار إلا درهما أو بمائة درهم إلا دينارا
فهو كما قال يعطي ممن ثلثه دينار إلا
درهما"وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف فأما عند
محمد يعطى ما سمى له أولا والاستثناء باطل وقد
بينا المسألة في الإقرار أن الاستثناء بخلاف
الجنس لغو عند محمد رحمه الله لأن الاستثناء
لإخراج ما وراءه ولولاه لكان الكلام متناولا
له ولا يتحقق ذلك مع اختلاف الجنس فلا يكون
هذا استثناء على الحقيقة بل يكون استثناء
منقطعا بمعنى لكن فمعناه أوصيت له بالدينار
ولكن لم أوص له بدرهم فلا يكون رجوعا على شيء
وهما يقولان المجانسة في المقدار ثابتة معنى
من حيث إنها ثبتت في الذمة ثبوتا صحيحا وإنما
كان الاستثناء عبارة عما وراء المستثنى بطريق
المعنى دون الصورة فكان اعتبار المعنى فيه
مرجحا فلهذا صح استثناء المقدر من المقدر وإن
لم يكن من جنسه صورة فعلى هذا لو قال كر حنطة
إلا درهما أو كر شعير إلا مختوم حنطة نقص من
الشعير قيمة ذلك
وكذلك لو قال له داري هذه أو عبدي هذا إلا
مائة درهم فعندهما يبطل من ذلك
ج / 28 ص -75-
قيمة
مائة درهم ويجوز له ما بقي من الثلث وهذا مشكل
فإن الدار والعبد ليسا بمقدورين ولكنهما
يشترطان أن يكون المستثنى مقدرا والمستثنى هنا
مقدر وكأنهما يعتبران الاستثناء فاعتبار
المالية في المقدرات يعرف بالتسمية فيصح
استثناء القدر من خلاف جنسه مقدرا كان أو غير
مقدر أو يقول هذا في معنى وصية ببيع الدار
والعبد منه بمائة فكأنه يقول جعلت ملك هذه
الدار وماليتها محاباة إلا بقدر مائة درهم
فإني لا أخلفها له بعوض.
ولو كانت الدار قيمتها ألفا فأوصى ببيعها منه
بمائة جازت المحاباة من الثلث فها هنا كذلك
إلا أن هناك التمليك مضاف إلى جميع الدار وها
هنا إلى ما وراء المستثنى معنى وقيمة مائة
درهم من الدار يكون للورثة والباقي للموصى له.
ولو قال: أوصيت له بما بين العشرة والعشرين أو
من العشرة إلى العشرين أو ما بين العشرة إلى
العشرين فهو سواء وله تسعة عشر درهما في قول
أبي حنيفة وعندهما له تمام العشرين استحسانا
وروى زفر عن أبي حنيفة أن له ثمانية عشر وهو
قول زفر وكذلك لو قال بما بين المائة إلى
المائتين فعند أبي يوسف ومحمد يدخل الغايتان
استحسانا فله المائتان وفي رواية زفر لا يدخل
الغايتان فله تسعة وتسعون وفي قول أبي حنيفة
تدخل الغاية الأولى للضرورة ولا تدخل الغاية
الثانية فله مائة وتسعة وتسعون وقد بينا
المسألة في الإقرار.
ولو أوصى له بعشرة دراهم في عشرة فله عشرة
وعلى قول زفر عشرون باعتبار أن حرف في بمعنى
حرف الواو أو بمعنى حرف مع وعند الحسن بن زياد
له مائة بطريق الحساب فإنك إذا سألت واحدا من
الحساب كم عشرة في عشرة يقول مائة ولكنا نقول
له عشرة لأن حرف في للظرف والعشرة لا تصلح
ظرفا للعشرة فيلغو آخر كلامه ويجعل بمعنى
الواو ومع مجازا وبالمجاز لا يثبت تمليك المال
كما لا يثبت بالسك والضرب من حيث الحساب تكثر
السهام لا أصل المال فعشرة دراهم وإن ضربتها
في عشرة أو في مائة تكثر السهام فيها ولا
يزداد وزنها.
ولو قال: بعشرة أذرع في عشرة
أذرع من داره أو أرضه جعلت له مائة ذراع مكسرة
لأن لذوي المساحات طولا وعرضا فقوله فيها عشرة
في عشرة لبيان الطول والعرض وذلك لا يتناول
إلا مائة ذراع مكسرة بخلاف الدراهم فليس فيها
لا طول ولا عرض وإنما يعرف مقدارها بالوزن
وبأول كلامه صار مقدار الوزن معلوما فيكون آخر
كلامه خاليا عن الفائدة.
ولو أوصى له بثوب سبع في أربع جعلت له ذلك كما
قال لأن للثوب طولا وعرضا فإنما مراده بهذا
اللفظ فيه بيان الطول والعرض على أن يكون
الأكثر لبيان طوله والأقل لبيان العرض وهذا
لأن اسم الثوب لا يتغير بزيادة الطول والعرض
ونقصانهما وإنما يتغير الوصف فكان قوله سبعا
في أربع بيانا لصفة ما أوصى له به من الثوب
بخلاف الدراهم فبزيادة المقدار يتبدل الاسم
لأنه لا يقال للمائة عشرة دراهم بحال وكذلك لا
يقال لها عشر مرات عشرة في العادة فلم يبق إلا
الغاء آخر الكلام فيه.
ج / 28 ص -76-
ولو
أوصى له بحنطة في جوالق أعطيته الحنطة دون
الجوالق لأنه أوجب له مظروفا في ظرف فإنما
يستحق المظروف خاصة وذكر الجوالق لتعيين محل
الجوالق وهذا لأن حرف في للظرف وإنما يقال
أوصى له بكذا ولا يقال أوصى له في كذا فإنما
يتناول الوصية بهذا اللفظ ما اتصل به حرف
الباء وهو الحنطة دون ما اتصل به حرف في وهو
الجوالق.
ولو أوصى له بهذا الجراب الهروي أعطيته الجراب
وما فيه لأنه أوصل حرف الباء بالجراب والجراب
الهروي اسم للجراب المملوء بيانا دون الجراب
فارغا ولو أوصى له بهذا الدن الخل أعطيته الدن
وما فيه كأنه قال بهذا الدن والخل فيكون حرف
الباء متصلا بهما جميعا معنى ولأنه وصل هذا
الحرف بالدن وسمي الدن الخل وإنما يسمى به
حقيقة إذا كان مملوءا خلا.
وكذلك لو أوصى له بقوصرة تمر ولو أوصى له بسيف
أعطيته السيف بجفنه وحمائله لأن اسم السيف عند
الإطلاق يتناول الكل ولو أوصى له بسرج أعطيته
السرج وما حمل من متاعه ولو أوصى له بقبة
أعطيته عيدان القبة من غير كسوة لأن الاسم
للعيدان.
ألا ترى أن في العادة لا يكون مع القبة كسوة
ولكن كل مالك يتخذ كسوة القبة لنفسه على حسب
ما يريده بخلاف السرج والسيف ولو أوصى بقبة
تركية أعطيته القبة بالكنود لأن الاسم يطلق
على الكل عادة.
ألا ترى: أنه لا يتخذ كل مالك للعيدان إلا
كنودا آخر عادة وإن أوصى له بحجلة فله الكسوة
دون العود لأن اسم الحجلة يتناول الكسوة بدون
العيدان والعيدان بدون الكسوة لها اسم آخر وهي
القبة فلهذا لا يستحق باسم القبة الكسوة ولا
باسم الحجلة العيدان.
ولو أوصى له بسلة زعفران أعطيته الزعفران دون
السلة وكان ينبغي على قياس ما تقدم أن يستحق
السلة لأنه وصل حرف الباء بالسلة ولكنه ترك
القياس لعرف الناس فإنهم إذا قالوا سلة زعفران
فإنما يريدون به بيان مقدار الزعفران لا حقيقة
السلة كما يقال كيل حنطة وكيل شعير.
وكذلك لو أوصى له بهذا العسل وهو في زق أعطيته
العسل دون الزق وكذلك لو قال بهذا السمن أو
الزيت وما أشبه ذلك لأنه سمى في وصيته له
المظروف وبتسمية المظروف لا يستحق الظرف فلهذا
لم يكن له من الوعاء شيء والله أعلم بالصواب.
باب الوصية بما في البطن
قال رحمه الله: "وإذا أوصى
رجل لرجل بما في بطن هذه الجارية ثم ولدت بعد
موته لستة أشهر أو أكثر فلا وصية له"لأنه أوصى
بالمعدوم ولم يعلم وجوده عند موت الموصي حقيقة
ولا حكما ووجوب الوصية بالموت فما لم تكن
العين معلومة الوجود عند وجوب الوصية لا تكون
الوصية به صحيحة وبيان ذلك أن أدنى مدة الحبل
ستة أشهر فيحتمل أن يكون هذا الولد من علوق
حادث بعد موته وقد بينا أن الوصية بما في بطن
الحيوان لا تصح قبل
ج / 28 ص -77-
الوجود
وإسناد العلوق إلى وقت سابق يكون لضرورة
الحاجة إلى إثبات نسبه وذلك لا يوجد ها هنا
وإن جاءت به لأقل من ستة أشهر وجبت الوصية به
من الثلث لأنا تيقنا بوجوده عند وجوب الوصية
وهو حالة الموت.
ولو قال: إن كان في بطن فلانة
جارية فلها وصية ألف وإن كان في بطنها غلام
فله وصية ألفين فولدت جارية لستة أشهر إلا
يوما ثم ولدت غلاما بعد ذلك بيومين فلها جميعا
الوصية لأنا حكمنا بوجود الذي انفصل قبل تمام
ستة أشهر عند موت الموصي وهما توأمان خلقا من
ماء واحد فمن ضرورة الحكم بوجود أحدهما في وقت
الحكم بوجود الآخر فيه والوصية أخت الميراث
وفي الميراث الجنين في البطن والمولود في
الحكم سواء إذا انفصل حيا فكذلك في الوصية ثم
شرط الوصية بالألف وجود الجارية في بطنها وقد
وجد الشرطان وإن ولدت غلامين أو جاريتين لأقل
من ستة أشهر فذلك إلى الورثة يعطون أي
الغلامين شاؤوا أو أي الجاريتين شاؤوا لأنه
أوجب الوصية لأحدهما ومثل هذه الجهالة اليسيرة
المستدركة لا تمنع صحة الوصية كما لو أوصى
بثلاثة لفلان أو فلان والبيان إلى الورثة
لأنهم قائمون مقام مورثهم.
ولو قال: إن كان الذي في بطنك
غلام فله ألفان وإن كانت جارية فلها ألف فولدت
غلاما وجارية فليس لواحد منهما شيء لأن اللفظ
المذكور يتناول جميع ما في بطنها بمنزلة قوله
إن كان ما في بطنك أو جميع ما في بطنك ولم يكن
جميع ما في بطنها على إحدى الوصيتين اللذين
بهما علق استحقاق الوصية.
وكذلك لو قال: إن كان حملك
فهو اسم جميع المذكور لجميع المجهول قال الله
تعالى:
{وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [لطلاق: من الآية4] ثم العدة لا تنقضي إلا بوضع جميع ما في البطن
وإذا ترك امرأة حبلى فأوصى رجل لما في بطنها
وصية ثم وضعت الولد لأقل من ستة وجبت له
الوصية لأنا نسند العلوق إلى حال حياته لضرورة
الحاجة إلى إثبات نسب الولد منه وإذا أسندنا
فقد حكمنا بكون الولد موجودا في البطن حين
أوجب له الوصية فكان ذلك بمنزلة علمنا حقيقة
وإن ولدت ميتا فلا وصية له لأنه لا يستحق
الوصية إلا باعتبار صفة الحياة فيه بعد موت
الموصي ولا يعلم ذلك حين انفصل ميتا بخلاف ما
إذا انفصل حيا ثم مات.
ألا ترى: أن في حكم الميراث
الذي انفصل ميتا لا يجعل ولدا في حكم
الاستحقاق فكذلك في الوصية وإن ولدت ولدين
أحدهما حي والآخر ميت فالوصية للحي منهما
بخلاف ما إذا ولدتهما حيين لأنه تم استحقاق
الوصية لهما فبموت أحدهما بعد ذلك يصير نصيبه
لورثته وأما إذا انفصل أحدهما ميتا فلم تعلم
حياته بعد موت الموصي فلا يصح ضمه إلى الحي
فكانت الوصية كلها للحي بمنزلة ما لو أوصى لحي
وميت وهما منفصلان والله أعلم بالصواب.
ج / 28 ص -78-
باب الوصية بالجزء والسهم
قال رحمه الله: "وإذا أوصى
لرجل بسهم من ماله فله أحسن سهام ورثته سهام
يزاد ذلك على الفريضة إلا أن يكون أحسن السهام
أكثر من السدس فلا يزاد عليه في قول أبي حنيفة
رحمه الله"وفي موضع آخر قال"له السدس فيتناوله
فيما إذا لم يكن في سهام ورثته أقل من
ذلك"وعلى قول أبي يوسف ومحمد رحمهم الله يزاد
على الفريضة للموصى له بسهم كسهم أحدهم قل ذلك
أو كثر إلا أنه إذا زاد على الثلث رد إلى
الثلث إن لم يجز الورثة لا لأن السهم لا
يتناول ذلك بل لأن الوصية لا تنفذ فيما زاد
على الثلث بدون الإجازة.
وجه قولهما أن التركة بموته تصير سهاما بين
ورثته لكل واحد منهم سهم فتسميه السهم للموصي
له في هذه الحالة إنما تتناول أحد تلك السهام
ولا يثبت إلا أقلها لأن في كون الأقل مرادا
تيقن وفيما زاد على ذلك شك وأبو حنيفة اعتبر
السدس لحديث بن مسعود رضي الله عنه حين سئل
عمن أوصى لرجل بسهم من ماله فقال له السدس
وهكذا نقل عن إياس بن معاوية وجماعة من أهل
اللغة قالوا السهم السدس والدليل عليه أن لفظة
السهم إنما تتناول سهم من يكون من جملة ورثته
باعتبار الأصل لا باعتبار سبب عارض وذلك
القرابة دون الزوجية فما يكون عارضا في مزاحمة
ما هو أصلى كالمعدوم وسهام من يستحق بالقرابة
السدس أو الثلث أو النصف فأما الربع والثمن
إنما يستحق بالزوجية فيتناول اللفظ أدنى ما
يستحق من السهام بالقرابة وهو السدس حتى لا
يزاد على ذلك ولكن ينقص عنه إذا كان في سهم
ورثته أقل من ذلك لأنه إنما يوجب له مثل سهم
أحد ورثته فلا يستحق إلا المتيقن به وهو الأقل
وهذا لأنه لما ذكر السهم دون الثلث عرفنا أنه
مالك أداء الثلث لا النصف لأنه ليس له أن يوصي
بالنصف فيتعين السدس مرادا له.
يوضحه: أن أعدل الأعداد في
خروج سهام الفرائض منه الستة فإنها تشتمل على
ما يستحق من السهام بالقرابة الأصلية كالسدس
والنصف والثلث والثلثين.
ألا ترى: أن الدراهم تجرى على
الأسداس فيجعل للسدس سبيلا على حدة ولا يجعل
ذلك للثمن ولا للربع فعرفنا أن السدس عدل في
هذا الباب فيستحق ذلك بالتسمية إلا أن يكون
أحسن سهام ورثته دون ذلك ثم يزاد ذلك القدر
على سهام الفريضة لأنه يجعل الموصي له شريك
ورثته بسهم وقد علمنا أنه لم يرد تحويل سهم
أحد ورثته إليه لأنه لا سبيل إلى ذلك فعرفنا
أن المراد إيجاب مثل أحد السهام له ومثل الشيء
غيره.
ولو أوصى له بجزء من ماله أو بنصيب من ماله أو
بطائفة من ماله أو ببعض ماله أو بشقص من ماله
أعطاه الورثة ما شاؤوا لأنه سمى له شيئا
مجهولا وليس لنا عبارة من جنس ما سمي ليصرف
مقدار المسمى بالرجوع إلى عبارة وجهالة الموصى
به لا تمنع صحة الوصية والوارث في البيان يقام
مقام المورث بخلاف السهم فقد وجدنا هناك عيارا
من جنس ما سمى عند وجوب الوصية يمكن أن يعلم
به مقدار الوصية وذلك سهام ورثته بعد موته.
ولو أوصى له
ج / 28 ص -79-
بالثلث
إلا شيئا أو إلا قليلا أو إلا يسيرا أو بزهاء
ألف أو بعامة هذه الألف أو جل هذه الألف أو
بعظم هذه الألف وذلك يخرج من الثلث فله النصف
من ذلك وما زاد على النصف فهو إلى الورثة
يعطون منه ما شاؤوا لأنه ليس فيه أكثر من
مستثنى مجهول وأن جهالته توجب جهالة المستثنى
منه ولكن الوصية في المجهول صحيحة ثم في
العادة المستثني بهذه الألفاظ يكون دون
المستثنى منه والكلام المقيد بالاستثناء يكون
عبارة عما وراء ذلك المستثني فيجعل كأنه أوصى
بنصف الألف وزيادة فيكون القول في مقدار بيان
الزيادة إلى الورثة ثم عاد إلى بيان قول أبي
حنيفة"قال""إذا أوصى بسهم من ماله وله ابنتان
وامرأة وأبوان فله ثلاثة من ثلاثين سهما عندهم
جميعا"لأن هذه الفريضة من سبعة وعشرين بعد
العول وأخس السهام نصيب المرأة فيزاد للموصى
له مثل نصيبها فيكون له ثلاثة من ثلاثين وكان
له عشرة بنين وعشرة بنات فله سهم من أحد
وثلاثين لأن المال بين أولاده على ثلاثين سهما
وأخس السهام سهم بنت فيزاد ذلك على سهام
الفريضة للموصى له.
ولو كانت امرأة لها أبوان وابنتان وزوج
فللموصى له سهم من ثمانية أسهم ونصف لأن أصل
هذه الفريضة من بعد العول من سبعة ونصف
للابنتين الثلثان أربعة وللزوج الربع سهم ونصف
وللأبوين السدسان فزدنا على ذلك مثل أخس
السهام وذلك سهم.
ولو تركت المرأة أختين لأب وأم وأختين لأم
وأما وزوجا جعلت له سهما من أحد عشر سهما لأن
هذه الفريضة بعد العول من عشرة للأختين لأب
وأم أربعة وللأختين لأم سهمان وللأم سهم
وللزوج ثلاثة فيزاد على ذلك سهم للموصى له ولو
تركت زوجا وأخوين وأوصت بسهم من مالها ففي قول
أبي حنيفة له السدس لأن سهم أحد الورثة زائد
على السدس فله السدس ولأنه ليس للأخوين فريضة
معلومة وإنما الفريضة من ستة باعتبار أنها
أعدل الأعداد كما بينا وفي قولهما له الخمس
لأن أخس الأنصباء الربع وهو نصيب أحد الأخوين
فيزاد على أربعة للموصى له سهم وهو الخمس.
ولو ترك الرجل امرأة وأما وأختين لأب وأم
وأختين لأم فأوصى بسهم من ماله جعلت لصاحب
الوصية سهما من تسعة أسهم ونصف لأن أصل
الفريضة من ثمانية ونصف بعد العول للأختين لأب
وأم أربعة وللأختين لأم سهمان وللأم سهم
وللمرأة سهم ونصف فذلك ثمانية ونصف ثم يزاد
للموصى له مثل أخس السهام سهما فلهذا كان له
سهم من تسعة ونصف والله أعلم بالصواب.
باب الوصية على الشرط
قال رحمه
الله: "وإذا أوصى الرجل لأمته أن تعتق على أن لا تتزوج ثم مات فقالت لا
أتزوج فإنها تعتق من ثلثه"لأن الشرط قبولها
الامتناع من التزوج وقد قبلت.
ألا ترى: أنه لو أعتقها على
مال عتقت بنفس القبول فكذلك إذا أوصى بعتقها
على أن لا تتزوج تجب الوصية لها بنفس القبول
فتعتق من ثلثه.
ج / 28 ص -80-
يوضحه: أنه لم يقصد المولى بهذا اللفظ انعدام التزوج منها أبدا فإن ذلك
لا يتم إلا بموتها وبعد موتها لا يتصور عتقها
فعرفنا أن مراده انعدام التزوج عقيب موته وقد
وجد ذلك حين قبلت أن لا تتزوج فتعتق ثم
الامتناع من التزوج لا يصير دينا في الذمة
لأحد على أحد فإن تزوجت بعد ذلك جاز نكاحها
ولم تبطل وصيتها لأنها قد عتقت والعتق بعد ما
نفذ لا يمكن رده ولم يكن للمولى في هذا الشرط
منفعة ظاهرة ولا لورثته ففواته لا يوجب عليها
السعاية كما لو كان شرط عليها أن تصوم أو تصلى
تطوعا
يوضحه: أن القدر المشروط
امتناعها من الزواج عقيب موته ولم يعقب ذلك
وإن تزوجت بعد ذلك.
وكذلك لو قال هي حرة إن ثبتت على الإسلام أو
على أن لا ترجع عن الإسلام فإن أقامت على
الإسلام ساعة بعد موته فهي حرة من ثلثه لأنه
لم يكن الشرط ثباتها على الإسلام إلى وقت
موتها فإن الجزاء وهو العتق لا يترك فيها بعد
ذلك واللفظ إذا تعذر فيه اعتبار الأقصى يعتبر
الأدنى وذلك في أن تثبت على الإسلام ساعة بعد
موته ثم ظاهر ما قال يدل على أن العتق يتنجز
فيها من غير تنجيز وتأويله أنه لم يضف ذلك إلى
ما بعد الموت فأما إذا أضافه إلى ما بعد الموت
فإنها لا تعتق حتى تعتق لأن العتق إذا لم
يتنجز بنفس الموت فلا بد من التنفيذ بعد ذلك
وقد بينا ما في هذا من الكلام في كتاب العتاق
في قوله أنت حر بعد موتي بيوم.
ولو أوصى لأم ولده بألف درهم على أن لا تتزوج
أو قال إن لم تتزوج أو على أن تثبت مع ولدي
فقبلت وفعلت ما شرط عليها بعد موته يوما أو
أقل أو أكثر فلها الوصية لأن المعتبر وجود
أدنى ما يتناوله اللفظ لعلمنا أنه لم يرد به
الأقصى فيتم استحقاقها بقبولها لوجود ذلك
الأدنى منها ثم لو تزوجت بعد ذلك لم تبطل
وصيتها.
ولو أوصى لخادمة أن تقيم مع أبيه أو مع ابنيه
حتى يستغنيا ثم هي حرة ولا وارث له غيرهما وهي
تخرج من ثلثه فإن كانا كبيرين خدمتهما حتى
تتزوج الجارية ويصيب الغلام خادما أو ما لا
يبلغ خادما يستغني به عن خدمتها وإن كانا
صغيرين تخدمهما حتى يدركا فإذا أدركا عتقت لأن
مطلق اللفظ محمول على ما يتفاهم الناس في
مخاطباتهم وهو شرط عليها الخدمة إلى غاية وهو
استغناؤهما عن خدمتها فلا بد من اعتبار تلك
الغاية وهي استغناء الكبير عن خدمتها فإذا كان
صغيرين فاستغناؤهما يكون بالإدراك لأنهما عند
ذلك يتمكنان من القيام بخدمتهما فإذا وجدت تلك
الغاية فقد وجد ما شرط عليها فيجب إعتاقها من
ثلثه حتى إذا لم يكن له مال غيرها أعتقت وسعت
في ثلثي قيمتها للورثة فإن مات أحدهما أو ماتا
قبل أن يستغنيا بطلت وصيته بالعتق لفوات
الشرط.
وإذا أوصى النصراني بخادم له بالعتق إن ثبتت
على النصرانية بعد موته أو على الإسلام فثبتت
على ذلك بعد موته ساعة أو أكثر فإنها تعتق من
ثلثه فإن تغيرت بعد ذلك لم تبطل وصيتها وعتقها
ماض وإن أسلمت عقيب موته بلا فصل ولم تثبت على
النصرانية فإنها لا تعتق
ج / 28 ص -81-
لأن
المعتبر أدنى ما يتناوله اللفظ وشرط ثبوت
الوصية ثباتها على ما شرط عليها وهو أن تثبت
عليه بعد موته فإن ثبتت على ذلك ساعة فقد تم
الشرط وإن لم تثبت فقد بطلت الوصية لفوات
الشرط.
ولو أوصى لأم ولده بألف درهم إن لم تتزوج أبدا
أو وقت لذلك وقتا فهو كما قال لأنه لا وجه
لحمل اللفظ على أدنى ما يتناوله بعد تصريحه
بالتأبيد أو بعد التوقيت نصا بل ما نص عليه
أولى بالاعتبار فإن تزوجت قبل ذلك الوقت
فوصيتها باطلة لفوات الشرط.
و كذلك لو قال لأمته أعتقوها إن لم تخرج من
عند ولدي إلى شهر أو قال هي حرة إن لم تتزوج
شهرا فإذا تزوجت قبل الشهر أو خرجت من عند
ولده بطلت وصيته لها لفوات الشرط
ولو أوصى لها بالعتق على أن لا تتزوج فلانا
بعينه فقبلت ذاك عتقت من ثلثه فإن تزوجت بعد
ذلك لم يضرها ذلك لأنه ذكر الشرط مطلقا
فيتناول الأدنى ويتم بوجود ذلك منها بعد موته
ساعة فيجب إعتاقها وبعد ما عتقت لا يمكن ردها
إلى الرق.
ولو أوصى لها بالعتق على أن لا تتزوج فلانا
بعينه أبدا فقبلت ذلك فإنها تعتق من ثلثه فإن
تزوجته بعد ذلك أو لم تتزوج فلا شيء عليها
لأنا علمنا أن المولى لم يقصد تأخير عتقها
امتناعها عن التزوج أبدا إذ لا يتصور العتق
بعد ذلك بأنه شرط وإنما شرط قبولها ذلك
وامتناعها من التزوج بعد موته ساعة وقد وجد
ذلك ثم لا منفعة للمولى في هذا الشرط ففواته
لا يوجب عليها السعاية في شيء بعد ما عتقت وإن
كان فلان ذلك وارثه لا وارث له غيره وقد
أعتقها على أن تتزوجه فأبت أن تزوجه نفسها
فإنها تسعى في قيمتها لأن في التزوج به منفعة
الوارث واشتراط منفعة لوارثه عليها كاشتراطه
منفعة لنفسه
ولو أعتقها في حياته على أن تتزوج به فأبت
كانت عليها السعاية في قيمتها لأن الشرط الذي
فيه منفعة موجبه المطالبة به والامتناع منها
يلزمها رد ما بمقابلته والعتق بعد ما نفذ لا
يمكن رده فكان الرد بإيجاب السعاية عليها.
ولو أوصى بعتق عبد له على أن لا يفارق ولده
أبدا وعليه دين يحيط بماله بطلت وصيته ويباع
في الدين لأن الدين مقدم على الوصية والميراث
فإن أعتقه الورثة لم يجز عتقهم لكون الدين
محيطا بالتركة فكذلك بعد وصية الأب فإن كان
فيه فضل على الدين جاز عتق الورثة لأن الدين
الذي هو عين محيط لا يمنع ملك الوارث في جميع
التركة في قول أبي حنيفة رحمه الله الآخر وإذا
نفذ العتق منهم ضمنوا الدين للغرماء لأن حقهم
تعلق بمالية رقبته وقد أتلفوا ذلك عليهم
بالإعتاق والله أعلم بالصواب.
باب وصية الصبي والوارث
قال رحمه الله: "وإذا أوصى
الصبي بوصية فوصيته باطلة سواء مات قبل
الإدراك أو بعده عندنا"وقال الشافعي وصيته بما
يرجع إلى الخير ويكون مستحسنا عند أهل الصلاح
صحيحة يجب تنفيذها وكذلك الخلاف في المجنون
واستدل في ذلك بحديث عمر رضي الله عنه أنه
ج / 28 ص -82-
أجاز
وصية غلام يفاع أو قال يافع وهو الذي قارب
البلوغ ولم يبلغ بعد وهذا لأن أوان وجوب
الوصية ما بعد الموت وبالموت يستغنى هو عن
المال وإنما لا يصح تصرفه في حياته لمعنى
النظر له حتى يبقى له المال فيصرفه إلى حوائجه
بعد البلوغ ومعنى النظر له في تنفيذ وصيته إذا
مات في ذلك لأنه يكتسب الزلفى والدرجة بعد ما
استغنى عن المال بنفسه والدليل عليه أن الوصية
أحب الميراث والصبي في الإرث عنه بعد الموت
مساو للبالغ فكذلك في الوصية.
قال: "ولا يلزمني على قولى
هذا أن إسلامه لا يصح بنفسه وأن قبول الهبة
والصدقة لا يصح"لأن ما فيه منفعة للصبي إذا
أمكن تحصيله له بوليه لا يعتبر فيه عقله ورشده
وإذا لم يمكن تحصيله بوليه يعتبر فيه عقله
ورشده توفيرا للمنفعة عليه والإسلام يحصل له
بغيره وكذلك قبول الهبة والصدقة فأما اكتساب
الأجر بالوصية فلا يمكن تحصيله له بغيره فلا
بد من اعتبار عقله فيه وأصحابنا رحمهم الله
يقولون هذا تمليك المال بطريق التبرع ولا يصح
من الصبي والمجنون كالهبة والصدقة وهذا لأن
اعتبار عقله فيما ينفعه دون ما يضره.
ألا ترى: أنه لم يعتبر عقله
في حق الطلاق والعتاق لأن ذلك يضره باعتبار
أصل الوضع فكذلك تمليك المال بطريق التبرع فيه
ضرر باعتبار أصل الوضع وإن تصور في الوصية
منفعة فذلك باعتبار الحال وفي التصرفات يعتبر
أصل الوضع لا الأحوال.
ألا ترى: أن الطلاق قد ينفعه
في بعض الأحوال بأن يطلق امرأته الفقيرة
ويتزوج بأختها الموسرة ولم يعتبر هذا فهذا
مثله وكما أن منفعة الوصية لا يمكن تحصيلها له
بوليه فمنفعة الهبة والصدقة من حيث الأجر وصلة
الرحم لا يمكن تحصيلها بوليه وهذا لا يدل على
أنه كان يملك ذلك بنفسه وتأويل حديث عمر رضي
الله عنه أنه كان الغلام بالغا ولكنه كان قريب
العهد بالبلوغ ومثله يسمى يافعا بطريق المجاز.
ألا ترى: أنه لم يستفسر وصيته
كانت بعمل القربة أو بغيره وكذلك لو قال الصبي
إذا أدركت ثم مت فثلثي لفلان فهو باطل لأن قول
الصبي هدر في التبرعات كما هو هدر في الطلاق
والعتاق ثم لا يصح منه إضافة الطلاق والعتاق
إلى ما بعد البلوغ كما لا يصح منه غيرهما
فكذلك إضافة التبرع وهذا بخلاف المكاتب إذا
قال إذا أعتقت فثلث مالي وصية لفلان لأن
المكاتب مخاطب له قول ملزم في حق نفسه فيصح
إضافة التبرع إلى حالة حقيقة ملكه فأما الصبي
فغير مخاطب وليس له قول ملزم في التبرعات أصلا
فأما المكاتب إذا أوصى بثلث ماله ثم أدى فعتق
ثم مات فعند أبي حنيفة الوصية باطلة وعند أبي
يوسف هي صحيحة وهذا نظير ما سبق في كتاب
العتاق إذا قال المكاتب كل مملوك أملكه فيما
استقبل فهو حر ثم عتق فملك مملوكا.
وإذا أوصى الحربي المستأمن بماله لمسلم أو ذمي
فهو جائز من قبل أن حكمنا لا يجري على ورثته
ومعنى هذا أن امتناع نفوذ الوصية فيما زاد على
الثلث لحق الورثة بدليل أنهم إذا
ج / 28 ص -83-
أجازوا
كان نافذا وليس لورثته حق مرعى عندنا لأن من
في دار الحرب في حق من هو في دار الإسلام
كالميت ولأن ثبوت الحرمة في هذا بسبب الأمان
والأمان كان لحقه لا لحق ورثته ومن حقه تنفيذ
وصيته لا إبطالها.
وإن أوصى بأقل من ذلك القدر أجزت وصيته ورددت
الباقي على ورثته لأن ذلك مراعاة لحق المستأمن
أيضا لا لحق ورثته ومن حقه تسليم ماله إلى
ورثته إذا فرغ عن حاجته وتصرفه والزيادة على
مقدار ما أوصى به فارغ عن ذلك.
وكذلك لو أعتق عبدا له عند الموت أو دبر عبدا
له في دار الإسلام فذلك صحيح منه من غير
اعتبار الثلث وإن شهد على وصيته أهل الذمة
أجزت ذلك وإن كانوا على غير ملته لأن الكفر
كله ملة واحدة وشهادة أهل الذمة على المستأمن
مقبولة.
ولو أوصى له مسلم أو ذمي بوصية جاز ذلك لأنه
ما دام في دارنا فهو في المعاملات بمنزلة
الذمي بدليل عقود التمليكات في حالة الحياة
وذكر في الأمالي أن على قول أبي حنيفة وأبي
يوسف لا تصح الوصية من المسلم والذمي للمستأمن
لأنه وإن كان في دارنا صورة فهو من أهل دار
الحرب حكما حتى يتمكن من الرجوع إلى دار الحرب
ولا يتمكن من إطالة المقام في دار الإسلام
ووصية من هو من أهل دار الإسلام لمن هو من أهل
دار الحرب باطلة لأن لتباين الدارين تأثيرا في
قطع العصمة والموالاة ومحمد قال الوصية تبرع
بالتمليك ابتداء بعد الموت فتعتبر بالتبرع في
حالة الحياة كالهبة والصدقة وذلك صحيح من
المسلم للمستأمن فكذلك هذا.
وإن أوصى الحربي في دار الحرب بوصية ثم أسلم
أهل الدار وصاروا ذمة ثم اختصموا في تلك
الوصية فإن كانت قائمة بعينها أجزتها وإن كانت
قد استهلكت قبل الإسلام أبطلتها من قبل أني لا
آخذ أهل الحرب بما اغتصب بعضهم من بعض
فالمستهلك قبل الإسلام بمنزلة المغصوب
والمستهلك لا ضمان فيه على المستهلك وما كان
قائما بعينه فالإسلام الموجود منه بعد العقد
قبل حصول المقصود بمنزلة المقترن بالعقد فيجب
تنفيذها ولا تجوز وصية الذمي بأكثر من الثلث
لأن أهل الذمة التزموا أحكام الإسلام فيما
يرجع
إلى المعاملات، فكما أن الوصية فيما زاد على
الوصية والوصية لبعض الورثة لا تجوز من المسلم
مراعاة لحق ورثته، فكذلك لا تجوز من الذمي.
وإن أوصى لغير أهل ملته فهو جائز لأنهم أهل
ملة واحدة في حكم الارث، فكذلك في حكم الوصية.
وإن أوصى لحربي في دار الحرب لم تجز لتباين
الدارين بينهما حقيقة وحكما ولهذا لا يجري
التواث بينهما. وإن أوصى الذمي للبيعة أو
للكنيسة أن ينفق عليها في إصلاحها أو أوصى أن
يبني بماله بيعة أو كنيسة أو بيت نار أوصى بأن
يذبح لعيدهم أوللبيعة أو لبيت نارهم ذبيحة جاز
في قول أبي حنيفة ولم يجز شيء منه في قول أبي
يوسف ومحمد.
ووصايا أهل الذمة على ثلاثة أوجه: منها أن
يوصي بما هو قربة عندنا وعندهم كالوصية
ج / 28 ص -84-
بالصدقة والعتق والإسراج في البيت المقدس فهذا
يجب تنفيذه من ثلثه بالاتفاق كما يجب تنفيذه
إذا كان الموصي مسلما فإنهم يتقربون إلى الله
تعالى بذلك بزعمهم وإن كانوا لا يثابون على
ذلك.
ووجه منها أن يوصي بما هو قربة عندنا معصية
عندهم كالوصية بالحج والغزو إلى الروم إذا كان
الموصي منهم فهذه الوصية تبطل لأنه لا يعتقد
القربة فيه، وإنما أمرنا أن نبني الأحكام على
ما يعتقدون إلا أن يوصي بشيء من ماله لأقوام
معينين يصرفون إلى هذه الجهة، فحينئذ تنفذ
الوصية لأعيانهم لا لمعنى القربة، وهو نظير
المسم يوصى بشيء من ماله للمغنيات أو
للنائحات، فإن كانوا أقواما بعينهم يحصون جازت
الوصية لهم وإلا بطلت.
ووجه منها أن يوصي بما هو قربة عندهم معصية
عندنا، وهذا عند أبي حنيفة، رحمه الله، بمنزلة
الوجه الأول يجب تنفيذها وعندهما بمنزلة الوجه
الثاني لأنه ليس في هذه الوصية معنى القربة
حتى يقال إنها وقعت لله تعالى، فإذا لم يكن
لقوم معينين كان الموصى له مجهولاً جهالة
مستبهمة فلا تصح الوصية وإن كان لأقوام معينين
فهذه وصية منه لهم فيجب تنفيذها كما في الوجه
الثاني، وأبو حنيفة يقول: الموصي في هذه
الوصية قصد التقرب إلى ربه فيجب تنفيذ وصيته,
عن كان لا يثاب عليه أو كان معصية في الحقيقة
كما في الوجه الأول،فإن إصراره على الكفر
واشتغاله بالوصية معصية منه وهو غير مثاب على
ما يوصي به من الصدقة، ومع ذلك يجب تنفيذ
وصيته، وهذا لأنا أمرنا بأن نبني أحكامهم على
ما يعتقدون.
ألا ترى: أنا نجوز التصرف
منهم في الخمر والخنزير بناء على اعتقادهم؟
وإنما نعتبر ما يظهرون من غير أن نعتبر حقيقة
ما يضمرون في ذلك، ولهذا يحلفون بالله في
الخصومات، والدليل عليه أن فيما تبطل الوصية
بغير اعتقادهم لا اعتقاد المسلمين،فكذلك فيما
تصح الوصية وإن بنى في حياته بيعة أو كنيسة أو
بيت نار ثم مات كان ميراثا أما عندهما فلأن
هذه معصية وعند أبي حنيفة هذا بمنزلة الوقف
والوقف عنده لا يلزم في حالة الحياة ولا يمنع
الإرث بخلاف ما إذا كان مضافا إلى ما بعد
الموت وهذا بخلاف بناء المسجد من المسلم فإن
ذلك تقرب بتحرير تلك البقعة وجعلها لله تعالى
خالصا.
ألا ترى: أنه يعدها لعباد
الله تعالى فأما بقعة البيع فإنما يعدها
للتبرك وعبادة الشياطين فلا تتحرر به عن ملكه
فلهذا تصير ميراثا لورثته ووصية الذمي بالخمر
والخنزير جائزة لأنها مال متقوم في حقهم
بمنزلة الشاة والعصير في حقنا.
ولو أوصى الذمي إلى المسلم فذلك جائز عندنا
والشافعي لا يجوز ذلك لأن الوصي يخلف الموصي
وكما أن اختلاف الدين يمنع الخلافة بسبب الإرث
في الملك والتصرف فكذلك يمنع الخلافة في
التصرف بجهة الإيصاء إليه ولكنا نقول تفويض
التصرف بجهة الإيصاء إليه بعد موته بالوصية
كتفويض التصرف إليه في الوكالة في حياته إلا
أنه إذا كان في
ج / 28 ص -85-
التركة
خمر أو خنزير فينبغي للمسلم أن يوكل ببيع ذلك
من يثق بأمانته من أهل الذمة ولا يباشره بنفسه
لأنه ممنوع من التصرف في الخمر والخنزير شرعا
ومنهى عنه.
وإذا شهد قوم من أهل الذمة بدين على الذمي
والوصي مسلم فالشهادة جائزة لأن الدين بهذه
الشهادة لا يثبت في ذمة الوصي إنما يثبت في
ذمة الميت فيكون القضاء به على الميت وعلى
ورثته وهي حجة عليهم.
ألا ترى: أن ذميا لو وكل
بخصومته مسلما فشهد عليه شهود من أهل الذمة
جازت الشهادة"قال""ولا تجوز شهادتهم بما تولاه
الوصي من عقوده"لأن مباشرته العقد لغيره
بمنزلة مباشرته لنفسه وإنما يجب الدين في ذمته
فلا يثبت إلا بشهادة هي حجة في حقه.
ولو أوصى الذمي للمسلم أو المسلم للذمي بوصية
جاز ذلك عندنا اعتبارا للتبرع بالتمليك بعد
الوفاة بالتبرع حالة الحياة ولو أوصى المسلم
ببيت له يبني مسجدا فهو جائز من ثلثه لأنه
تقرب بتلك البقعة إلى الله تعالى حين جعلها
معدة لإقامة الطاعة فيها ولو فعل ذلك في حياته
جاز فكذلك إذا أوصى بعد موته.
ولو أوصى بأن يرم مسجد مبني أو يلقي فيه حصى
أو يجصص أو يعلق عليه أبواب فهو جائز من ثلثه
لوجود معنى القربة فيما أوصى به ولم يذكر في
الكتاب إذا أوصى بشيء من ماله للمسجد وذكر في
نوادر هشام أن ذلك لا يجوز عند أبي يوسف إلا
أن يبين فيقول لمرمة المسجد أو لعمارته أو
لمصالحه فإن مطلق قوله للمسجد يوجب التمليك من
المسجد كقوله لفلان والمسجد ليس من أهل الملك
وعلى قول محمد هذه الوصية جائزة من ثلثه لأن
العرف يقيد مطلق لفظه وفي العرف إنما يفهم من
هذا اللفظ مرمة المسجد أو عمارته وإن جعل
السفل مسجدا والعلو مسكنا أو على عكس ذلك فهو
ميراث يباع لأن الأصل في المساجد الكعبة وتلك
البقعة جعلت لله تعالى وتحررت عن حقوق العباد
فكل ما يكون في معنى ذلك فهو نافذ وما لم يكن
في معناه فليس بمسجد وعلى قول الحسن إن جعل
السفل مسجدا دون العلو جاز وإن جعل العلو
مسجدا دون السفل لا يجوز لأن المسجد ماله قرار
وتأبيد وعن أبي يوسف أنه جوز ذلك كله حين قدم
بغداد ورأى ضيق المنازل بأهلها وقد بينا هذا
الحبس في كتاب الوقف.
وإذا أوصى المسلم ببيعة أو كنيسة فوصيته باطلة
لأن المسلم لا يتقرب إلى الله تعالى بمثل هذه
الوصية وهو لم يقع لإنسان بعينه ولو أوصى
المسلم بغلة جارية تكون في نفقة المسجد ومرمته
فانهدم المسجد وقد اجتمع من غلتها شيء أنفق
عليه ذلك في بنائه لأن وصيته بهذا اللفظ تقع
لمصالح المسجد ومن المصالح بناء المسجد بعد
الانهدام ولو انهدم المسجد وليس بيده غلة
مجتمعة فإني أبني المسجد ثانيا وأنفق عليه من
غلتها يعنى بطريق الاستقراض فيقضى ذلك من
غلتها في المستقبل وإن شاء أجمعوا على بناء
المسجد من غير ذلك لأن التدبير فيه إلى أهل
المسجد والله أعلم بالصواب.
ج / 28 ص -86-
باب الوصية بسدس داره
قال رحمه
الله: "وإذا قال الرجل في مرضه ثلثي لفلان أو سدسي لفلان ثم مات قبل أن
يقبض فهو في القياس باطل"لأنه مجهول غير معروف
وحكمهما مختلف وهذا التعليل لأنه لم يبين أن
مراده الهبة في حياته أو الوصية بعد موته
وحكمهما مختلف وقيل معناه أن مطلق هذا اللفظ
يتناول الهبة والموهوب مجهول غير مقبوض وذلك
دون هبة المشاع فيما يحتمل القسمة وقيل معناه
أن حقيقة هذا اللفظ يتناول اللفظ نفسه لأنه
قال ثلثي وسدسي ونفسه لا تحتمل الإيجاب للغير
ولا يمكن حمله على ماله لأنه مجهول فإنه لا
يدري أله مال أم لا وأي مقدار ماله ومن أي جنس
ماله ولكنه استحسن فجعل ذلك وصية من جميع
تركته كما سمي لأن حقيقته تسقط اعتباره بدليل
العرف كمن حلف لا يشتري بنفسجا ينصرف إلى
الدين دون الورق بدليل العرف والعرف الظاهر
أنهم لا يريدون بإطلاق هذا اللفظ في المرض
إيجاب الوصية في ثلث المال فكأنه أوصى له بثلث
ماله ومعنى قوله بثلثي أي بالثلث الذي جعل لي
الشرع حق التصرف فيه بالوصية بعد موتي على ما
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"أن الله تعالى تصدق عليكم"الحديث.
وإذا قال في وصيته: سدس داري
لفلان فإن ذلك جائز وليس هذا بإقرار لأنه أضاف
ما جعله لفلان إلى نفسه أولا فيه تبين أن
المراد إيجابه له لا الإخبار أنه كان له وبذكر
هذا اللفظ في حالة الوصية يستدل على أن مراده
الوصية دون الهبة والشيوع لا يمنع صحة الهبة
لأن القسمة تتمة القبض وأصل القبض ليس بشرط في
معنى الوصية فكذلك القسمة بخلاف الهبة.
ولو قال له: السدس في داري
فهذا إقرار لأن اللام لثبات الملك فقد أخبر
بملكه في سدس منكر وجعل داره ظرفا لذلك السدس
فلا يصير هو بإضافة الظرف إلى نفسه بمضيف ملك
السدس إلى نفسه حتى يكون ذلك تمليكا منه
ابتداء فهو بمنزلة قوله ذرة في كفي لفلان أو
نواة في كمي لفلان.
ولو قال له: ألف درهم من مالي
لم يكن هذا إقرارا وهو وصية إذا كان ذكر في
وصيته بخلاف قوله له ألف درهم في مالي لأن حرف
في للظرف وحرف من للتبعيض فإذا جعل الألف بعضا
من ماله كان مضيفا الألف إلى نفسه ثم موجبا
لفلان.
وإن قال: عبدي هذا لفلان أو
داري هذه لفلان فهذا مثل قوله سدس داري لفلان
في القياس إن لم يقبضها في حياته فهو باطل
بخلاف قوله سدس داري لفلان لأن حقيقة هذا
اللفظ للتمليك في الحال ففي العبد والدار يمكن
تحصيل مقصوده مع اعتبار حقيقة اللفظ لأن اللفظ
فيها يصح وفي قوله سدس داري لا يمكن تحصيل
مقصوده مع مراعاة حقيقة اللفظ فلهذا حملنا ذلك
على الوصية.
ولو قال: درهم من دراهمي
لفلان فليس هذا بإقرار لأن من للتبعيض فقد جعل
ما
ج / 28 ص -87-
أوجبه
لفلان من بعض ملكه وكذلك لو قال بيت من داري
لفلان فليس هذا بإقرار بخلاف قوله بيت في
داري.
ولو قال: سدس داري لفلان ولم
يقل بعد موتي ولم يقل ذلك في حالة الوصية فهذه
هبة لأنه لا يمكن حمل لفظه على الوصية من غير
دليل وليس في لفظه ما يدل ولا في حاله ما يدل
على ذلك فتكون هذه هبة غير مقسومة ولا مقبوضة.
ولو قال: أوصيت بأن يوهب
لفلان سدس داري بعد موتي وصية أو يتصدق به
عليه وصية أجزت ذلك
وكذلك لو قال سدس داري لفلان بعد موتي هبة أو
صدقة جاز ذلك لأنه لما قال بعد موتي فقد صرح
بالوصية فإنه أضاف التصرف إلى ما بعد الموت
والتصرف المضاف إلى ما بعد الموت يكون وصية
فيجب تنفيذها من الثلث والله أعلم بالصواب.
باب الوصية بالكمال
قال رحمه الله: "رجل ترك خمس
بنين وبنتا فأوصى لأحد بنيه بكمال الربع
بنصيبه فأجازوا فالقسمة من ستة وثلاثين الربع
من ذلك تسعة ونصيبه من ذلك ستة وكمال الربع
ثلاثة والباقي بين الآخرين لكل بن ستة وللابنة
ثلاثة"فتخريجه على طريق الكتاب أن تقول أصل
الفريضة لو لم يكن فيها وصية من أحد عشر لكل
بن سهمان وللابنة سهم فاطرح نصيب الموصى له
وذلك سهمان واضرب ما بقي وهو تسعة في أربعة
لأجل الوصية بكمال الربع فيكون ستة وثلاثين
سهما فهو المال.
ومعرفة النصيب أن تأخذ ما طرحت وذلك سهمان
فتضربهما في أربعة فيكون ثمانية ثم اطرح من
ذلك اثنين يبقى ستة فإذا ظهر المال والنصيب
يأخذ الموصى له ربع المال تسعة ستة من ذلك
ميراثه بلا منة الإجازة وثلاثة الوصية فإذا
تبين أن وصيته ثلاثة أسهم يرفع ذلك من رأس
المال قبل قسمة الميراث فإذا رفعت ثلاثة من
ستة وثلاثين يبقى ثلاثة وثلاثون بين خمسة بنين
وبنت لكل بن ستة مثل النصيب وللابنة ثلاثة.
وطريق الدينار والدرهم في ذلك أن يجعل المال
أربعة دراهم وأربعة دنانير لحاجتك إلى حساب له
ربع صحيح ثم يدفع إلى الموصى له الربع وذلك
دينار ودرهم ويسترد منه بالنصيب دينار فيصير
في يد الورثة أربعة دنانير وثلاثة دراهم
وحاجتهم إلى خمسة دنانير ونصف لأنا جعلنا نصيب
الابن دينارا فأربعة دنانير التي في أيديهم
قصاص بمثلها يبقى له ثلاثة دراهم يعدل دينارا
ونصفا فانكسر فإذا ضوعف يكون ستة دراهم تعدل
ثلاثة دنانير ثم اقلب القضية فيصير كل دينار
بمعنى ستة فذلك أربعة وعشرون وأربعة دراهم كل
درهم بمعنى ثلاثة فتكون الجملة ستة وثلاثين ثم
أعطينا الموصى له دينارا ودرهما وذلك تسعة
واسترجعنا منه بالنصيب دينارا وذلك ستة فظهر
التخريج كما بينا.
وطريق الجبر فيه أن يأخذ مالا فيعطي الموصى له
ربعه ثم يسترد بالنصيب شيئا فيكون في بدل
ثلاثة أرباع مال وشيء وحاجة الورثة إلى خمسة
أشياء ونصف شيء لأنا جعلنا
ج / 28 ص -88-
النصيب
شيئا فاجعل الشيء بالشيء قصاصا يبقى في يدك
ثلاثة أرباع مال يعدل أربعة أشياء ونصف شيء
فزد على ما يعدله مثل ذلك وذلك شيء ونصف شيء
فإذا زدت على أربعة أشياء ونصف شيئا ونصف شيء
يصير ستة أشياء فظهر أن المال الكامل يعدل ستة
أشياء فإذا أردت تصحيحه على وجه لا ينكسر
فاضرب ستة في ستة فيكون ستة وثلاثين فهو المال
الربع منه تسعة.
ومعرفة النصيب: أنا جعلنا
النصيب شيئا وضربنا كل شيء في ستة فتبين أن
النصيب ستة وطريق الخطأين فيه أن يجعل ثلث
المال أربعة ويعطي الموصي له ثلاثة كمال الربع
ويسترد منه بالنصيب سهما فيضم ذلك إلى ما في
يد الورثة فيصير عشرة وحاجتهم إلى خمسة ونصف
لأنا جعلنا نصيب الموصى له سهما فظهر الخطأ
بزيادة أربعة ونصف فعد إلى الأصل وزد في
النصيب نصف سهم فتبين أن النصيب سهم ونصف
وحاجتهم إلى ثمانية وربع لأنا جعلنا نصيب
الابن سهما ونصفا فيكون لخمسة بنين سبعة ونصف
وللابنة ثلاثة أرباع فذلك ثمانية وربع فظهر
الخطأ الثاني بزيادة سهمين وربع وكان الخطأ
الأول بزيادة أربعة ونصف فلما زدنا في النصيب
نصف سهم أذهب نصف الخطأ فالسبيل أن تزيد سهما
كاملا ليذهب جميع الخطأ فيسترد بالنصيب من
الموصى له سهمين يضمه إلى ما بقي من الثلث
فيكون ثلاثة ثم يضم ذلك إلى ما في يد الورثة
وهو ثمانية فتصير أحد عشر مقسوما بين خمسة
بنين والابنة لكل بن سهمان وللابنة سهم
فاستقام التخريج فإذا عرفت طريق الخطأ فطريق
الجابرين تخرج عليه مستقيما أيضا.
ولو ترك ثلاثة بنين وابنة وأوصى للابنة بالربع
بنصيبها وأوصى بثلثي ما بقي من الثلث فأجازوا
فالفريضة من ثمانية وأربعين نصيب الابنة من
ذلك خمسة وتمام الربع سبعة وثلثا ما بقي من
الثلث ستة ولكل بن عشرة.
أما على طريق الكتاب فنقول:
أصل الفريضة بدون الوصية على سبعة لكل بن
سهمان وللابنة سهم فاطرح نصيب الموصى لهما
وذلك واحد ثم اضرب ما بقي وهو ستة في ثلاثة
لوصيته بثلثي ما بقي من الثلث فيكون ثمانية
عشر ثم زد على ذلك سهمين لأنه لو كان أوصى
بثلث ما بقي من الثلث كنا نزيد سهما واحدا
وإذا أوصى بثلثي ما بقي من الثلث تزيد سهمين
فيكون ذلك عشرين ثم يضرب ذلك في أربعة لمكان
وصيته بكمال الربع فيكون ثمانين فهو ثلث المال
وجملة المال مائتان وأربعون الربع من ذلك
ستون.
ومعرفة النصيب أن تأخذ ما طرحت وهو واحد فتضرب
ذلك في أربعة ثم تطرح واحدا ثم تضرب ذلك في
ثلاثة فيصير تسعة ثم في ثلاثة فيكون سبعة
وعشرين ثم تطرح من ذلك سهمين لما بينا أنه لو
كان أوصى له بثلث ما بقي من الثلث كنا نطرح من
مبلغ عدد النصيب سهما فإذا أوصى بثلثي ما بقي
من الثلث نطرح لأجل ذلك سهمين يبقى خمسة
وعشرون وهو النصيب فإذا أخذت الابنة ربع المال
ستين واسترد منها بالنصيب فإذا أخذت
ج / 28 ص -89-
خمسة
وعشرين يبقى لها خمسة وعشرون مقدار وصيتها ثم
يرفع ذلك من ثلث المال وهو ثمانون يبقى خمسة
وأربعون للموصى له بثلثي ما بقي ثلثا ذلك وذلك
ثلاثون يبقى خمسة عشر يضم ذلك إلى ثلثي المال
مائة وستين فيكون مائة وخمسة وسبعين بين ثلاثة
بنين وابنة لكل بن خمسون وللابنة خمسة وعشرون
مثل نصيبها فاستقام التخريج.
وطريق الجبر في ذلك أن يأخذ ثلث مال مجهول
فيعطي الموصى له بالربع ثلاثة أرباع ذلك لأن
ثلاثة أرباع الثلث ربع الجميع ثم يسترد منها
بالنصيب شيئا فيكون الباقي من الثلث سهما من
أربعة وشيء فللموصى له بثلث ما يبقى سهم وثلثا
شيء يضم ذلك إلى ثلثي المال وذلك ثمانية أسهم
وثلث سهم وثلث شيء وذلك يعدل سبعة أشياء لأنا
جعلنا نصيب الابنة شيئا فيجعل ذلك ثلث شيء
قصاصا يبقي ثمانية أسهم وثلث يعدل ذلك ستة
أشياء وثلث شيء فزد عليه بقدر ثلاثة أسهم
وثلثي سهم ليتم المال وزد على ما يعدله وهو
ستة أشياء وثلثا شيء مثل ذلك ولا طريق لمعرفة
ذلك إلا بأن تضرب ستة في ثمانية يكون ثمانية
وأربعين وثلثين في ثمانية يكون خمسة وثلثا
وستة في ثلث اثنان وثلثان في ثلث تسعان فذلك
خمسة وخمسة أتساع ثم تزيد عليه ثلاث مرات ستة
وثلثين فذلك عشرون وثلثا ستة وثلاثين وذلك
أربعة وأربعة أتساع فيكون أربعة وعشرين وأربعة
أتساع إذا زدت ذلك على خمسة وخمسين وخمسة
أتساع كان ذلك ثمانين فتبين أن المال الكامل
ثمانون وليس له ثلث صحيح فيضرب ذلك في ثلاثة
فيصير مائتين وأربعين فهو جميع المال الثلث
ثمانون والربع ستون ومعرفة النصيب أنا جعلنا
النصيب شيئا وقد ضربنا كل شيء في ثمانية وثلث
ثم يضرب ذلك في ثلاثة كما ضربنا أصل المال
فيكون ذلك خمسة وعشرين فظهر أن النصيب خمسة
وعشرون ثم التخريج كما بينا في الطريق الأول.
قال: "ثم بين هذه الأجزاء
موافقة بالخمس فيختصر على الخمس من كل واحد
وخمس مائتين وأربعين ثمانية وأربعون وخمس خمسة
وعشرين خمسة فهو النصيب وخمس خمسة وثلاثين
سبعة وخمس خمسين الذي هو نصيب كل بن
عشرة"فاستقام.
قال رحمه الله: "رجل أوصى
بداره تباع لرجل بألف درهم وأوصى لرجل بقرض
ألف درهم سنة فاستهلك الوارث المال بعد موت
أبيه وقد كان أبوه ترك ألفي درهم ودارا قيمتها
ألف درهم فإنه تباع الدار من الذي أوصى له
ببيع الدار بألف درهم ويستوفي منه الألف فيدفع
ذلك إلى الموصى له بالقرض سنة ثم يؤخذ منه ذلك
فهو للوارث"لأنه ليس في البيع محاباة وإنما
تنفذ الوصية للموصى له بالفرض في جميع الثلث
والثلث ثمن الدار فيقرض ذلك منه سنة ولا يقال
الأجل لا يلزم في القرض لأن هذا في حالة
الحياة فأما بعد الموت فالأجل يلزم في القرض
لأن القرض بمنزلة العارية ولو أوصى بأن تعار
داره من فلان سنة كان يجب الوفاء بذلك فكذلك
إذا أوصى بأن يقرض الألف منه سنة فإذا مضت
السنة فقد فرغ الألف من الوصية فيرد على
الوارث.
ج / 28 ص -90-
"رجل مات وترك أربعة بنين وأوصى لأحدهم بالثلث
بنصيبه وبربع ما يبقى من الثلث الآخر
فأجازوا"قال"هي من تسعة وثلاثين سهما النصيب
ثمانية وتكملة الثلث خمسة وربع ما بقي من
الثلث سهمان"
وتخريجه على طريق الكتاب أن نقول أصل الفريضة
من أربعة لكل بن سهم فيطرح نصيب الموصى له
يبقي ثلاثة ثم تضرب ذلك في أربعة لوصيته بربع
ما يبقى فيكون اثنى عشر ثم تزيد عليه سهما
فيكون ثلاثة عشر ثم تضرب ذلك في ثلاثة لوصيته
بتكملة الثلث فيكون تسعة وثلاثين سهما فهو
المال الثلث منه ثلاثة عشر.
ومعرفة النصيب أن تأخذ واحدا وتضربه في ثلاثة
فيكون ثلاثة ثم تطرح منه سهما لمكان وصيته
بربع ما يبقى ثلاثة عشر واسترجعت منه بالنصيب
ثمانية بقي خمسة فهو مقدار الوصية له فإذا
رفعت ذلك من الثلث بقي ثمانية للموصى له بربع
ما يبقى ربع ذلك سهمان بقي ستة فتضم ذلك إلى
ثلثي المال ستة وعشرين فيكون ذلك اثنين
وثلاثين بين أربعة بنين لكل بن ثمانية.
وطريق الجبر فيه: أن تأخذ ثلث
مال مجهول فتعطيه الموصى له بتكملة الثلث ثم
تسترد منه بالنصيب شيئا فتعطي الموصى له بربع
ما يبقي ربع ذلك الشيء يبقي من الثلث ثلاثة
أرباع شيء تعدل أربعة أشياء لأنا جعلنا النصيب
شيئا فثلاثة أرباع شيء قصاص بمثله يبقي ثلثا
المال يعدل ثلاثة أشياء وربع شيء فيكمل المال
بأن يزيد عليه بمثل نصفه ثم يزيد على ما يعدله
مثل نصفه وذلك شيء وستة أثمان شيء وقد انكسر
بالأثمان فيضرب ثلاثة وربع في ثمانية فيكون
ذلك ستة وعشرين يزيد عليه مثل نصفه وذلك ثلاثة
عشر فيكون تسعة وثلاثين فظهر أن المال الكامل
يعدل تسعة وثلاثين ومعرفة النصيب أنا جعلنا
النصيب شيئا وضربنا كل شيء في ثمانية فإذا ظهر
أن النصيب ثمانية والثلث ثلاثة عشر استقام
التخريج كما بينا فإن ترك أبويه وامرأته وثلاث
بنات فأوصى لإحداهن بالثلث من جميع المال
بنصيبها والأخرى بالخمس بنصيبها فأجازوا ذلك
قال هي من مائة سهم وخمسة أسهم والوصية من ذلك
أربعة وعشرون بقي واحد وثمانون للمرأة منها
تسعة وللأبوين أربعة وعشرون ولكل واحد من
البنات ستة عشر فأعط صاحبة الثلث مع نصيبها
تسعة عشر وصاحبة الخمس مع نصيبها خمسة
والتخريج على طريق الكتاب أن تصحح الفريضة
فيكون أصلها من أربعة وعشرين لحاجتنا إلى ثمن
وسدس وثلثين ويعول بثلاثة فيكون من سبعة
وعشرين حظ البنات ستة عشر بينهن أثلاثا لا
يستقيم فتضرب سبعة وعشرين في ثلاثة فيكون أحدا
وثمانين يستقيم منها للمرأة تسعة ولكل واحد من
الأبوين اثنا عشر ولكل ابنة ستة عشر ثم يحتاج
لمعرفة الوصية إلى حساب له ثلث وخمس وذلك بأن
يضرب ثلاثة في خمسة فيكون خمسة عشر ثم يطرح
نصيب الابنتين الموصى لهما من أحد وثمانين
وذلك اثنان وثلاثون يبقى تسعة وأربعون فاضرب
تسعة وأربعين في خمسة عشر فيكون ذلك سبعمائة
وخمسة وثلاثين فهو مبلغ المال.
و معرفة النصيب: أن نأخذ نصيب
واحدة منهما وذلك ستة عشر فيضرب ذلك في خمسة
ج / 28 ص -91-
عشر
بعد ما يطرح منه الثلث والخمس والثلث خمسة
والخمس ثلاثة فإذا طرحتهما بقي سبعة فاضرب ستة
عشر في سبعة فيكون ذلك مائة واثنى عشر هذا
نصيب كل واحدة منهما ثم بين المال وبين النصيب
موافقة بالسبع فيختصر على السبع من واحدة
منهما وسبع سبعمائة وخمسة وثلاثين مائة وخمسة
وسبع مائة واثنى عشر ستة عشر فعند الاختصار
المال مائة وخمسة والنصيب ستة عشر وثلث جميع
المال خمسة وثلاثون فيعطي الموصى لهما بالثلث
خمسة وثلاثون ويسترد منهما بالنصيب ستة عشر
يبقى وصيتهما تسعة عشر وخمس جميع المال أحد
وعشرون فيعطى ذلك الموصي لهما بالخمس نصيبها
من ذلك ستة عشر ووصيتهما خمسة فإذا ظهر مقدار
وصيتهما وذلك أربعة وعشرون يرفع ذلك من أصل
المال ويبقى واحد وثمانون مقسوما بينهم
بالميراث للمرأة تسعة وللأبوين الأربعة وعشرون
وللبنات ثمانية وأربعون بينهن لكل واحدة منهن
ستة عشر مثل نصيبها وطريق الجبر فيه أن تأخذ
مالا مجهولا فتعطي ثلثه إحداهما وخمسا للأخرى
وقد انكسر المال بالأثلاث والأخماس فظهر فيه
عدد السهام خمسة عشر بطريق الضرورة فلصاحبة
الثلث خمسة ولصاحبة الخمس ثلاثة ثم تسترجع
بالنصيب من كل واحدة منهما شيئا فتضم ذلك إلى
ما في يدك فيصير معك سبعة أجزاء من خمسة عشر
جزءا من مائة وستين وحاجتك إلى خمسة أشياء
ونصف ثمن شيء لأنا جعلنا نصيب كل ابنة شيئا
فلهن ثلاثة أشياء وذلك ستة عشر بقى وراء ذلك
أحد عشر نصيب الأبوين والأم وإذا كان ستة عشر
ثلاثة أشياء فأحد عشر يكون شيئين وثلث سهم نصف
ثمن شيء فإذا عرفت هذا قلت الشيئان بمثلهما
قصاص يبقي سبعة أجزاء من خمسة عشر جزءا من مال
يعدل ثلاثة أشياء ونصف ثمن والمال ناقص فيزيد
عليه مثله ومثل سبعة وهو ثمانية أجزاء حتى يتم
المال ثم يزيد على ما يعد له مثل ذلك وليس
لثلاثة أشياء ونصف ثمن سبع صحيح فالسبيل أن
يضرب ثلاثة أشياء ونصف ثمن في مخرج نصف الثمن
وهو ستة عشر فيكون ذلك تسعة وأربعين يضم إليه
مثله فيكون ثمانية وتسعين ومثل سبعه وهو سبعة
فيكون مائة وخمسة فتبين أن المال الكامل يعدل
مائة وخمسة ومعرفة النصيب أنا جعلنا النصيب
شيئا وضربنا كل شيء في تسعة عشر فظهر أن
النصيب ستة عشر ثم التخريج إلى آخره كما بينا.
"وإن ترك ثلاثة بنين وامرأة فأوصي لأحد بنيه
بثلاثة أرباع الثلث بنصيبه ولرجل أجنبي بربع
الثلث"قال"هي من مائتين وثمانية وثمانين
للأجنبي من ذلك أربعة وعشرون والباقي بينهم
بالميراث وليس للابن وصية ها هنا"لأن ميراثه
أكثر من ثلاثة أرباع الثلث وإنما يتبين لك هذا
إذا صححت الفريضة فتقول للمرأة الثمن سهم من
ثمانية والباقي وهو سبعة بين البنين الثلاثة
ثلاثا لا يستقيم فتضرب ثمانية في ثلاثة فتكون
أربعة وعشرين للمرأة ثلاثة ولكل بن سبعة
فعرفنا أنه ما أوصى للابن بشيء وطلب منه أن
يتجوز بدون حقه فيسقط اعتبار وصيته للابن
وتبقي وصيته للأجنبي بربع الثلث فالسبيل أن
نضرب أصل الفريضة في حساب له ثلث وربع وأقل
ذلك له اثنا عشر فإذا ضربت أربعة وعشرين في
اثنى عشر يكون ذلك مائتين وثمانية
ج / 28 ص -92-
وثمانين الثلث من ذلك ستة وتسعون وإنما أوصي
للأجنبي بربع الثلث وربع ستة وتسعين أربعة
وعشرون فيأخذ الموصى له ذلك المقدار وإذا رفعت
من مائتين وثمانية وثمانين أربعة وعشرين يبقي
مائتان وأربعة وستون للمرأة ثمن ذلك وذلك
ثلاثة وثلاثون يبقى مائتان وإحدى وثلاثون بين
البنين الثلاثة لكل بن سبعة وسبعون فاستقام
التخريج فإذا ترك امرأة وثلاث أخوات وجدا
فأوصى لأحد أخواته بالثلث بنصيبها وللأخرى
خمسة أسداس الوصية فأجازوا قال هي من مائتين
وإحدى وستين سهما الوصية من ذلك مائة وأحد
وعشرون لأحدى الأختين وصيتها ستة وستون
وللأخرى خمسة أسداس الوصية خمسة وخمسون بقي
بعد ذلك مائة وأربعون بين الورثة للمرأة الربع
والباقي بين الأخوات والجد في قول زيد للجد
اثنان وأربعون ولكل واحد عشرون فأما التخريج
على طريق الكتاب فأن تصحح أصل الفريضة وهي من
أربعة للمرأة الربع والباقي بين الأخوات والجد
بالمقاسمة لأن ذلك خير للجد من السدس ومن ثلث
ما بقي وعلى أصل زيد ينظر في الجد إلى
المقاسمة وإلى السدس وإلى ثلث ما بقي فأي ذلك
كان خيرا له أعطي ذلك والمقاسمة ها هنا خير ثم
قسمة ثلاثة على خمسة لا تستقيم فتضرب أربعة في
خمسة فيكون عشرين للمرأة خمسة وللجد ستة ولكل
أخت ثلاثة ثم يحتاج في معرفة الوصية إلى حساب
له ثلث ولثلثه خمسة أسداس وأقل ذلك ثمانية عشر
بأن تضرب ثلاثة في ستة ثم تطرح من أصل الفريضة
نصيب إحدى الأختين وهو ثلاثة وخمسة أسداس نصيب
الأخرى وهو سهمان ونصف يبقى أربعة عشر ونصف في
ثمانية عشر فيكون المبلغ مائتي سهم وإحدى
وستين سهما.
ومعرفة النصيب: أن نأخذ نصيب
إحدى الأخوات وذلك ثلاثة فنضرب ذلك في ثمانية
عشر وهو أن نطرح منها الثلث وخمسة أسداس الثلث
وذلك أحد عشر يبقى سبعة وثلاثة في سبعة يكون
أحدا وعشرون فهو النصيب الكامل وثلث المال
سبعة وثمانون فتعطي الموصى لها بالثلث سبعة
وثمانين وتسترد منها بالنصيب أحدا وعشرين يبقى
ستة وستون فإذا تبينت وصيتها تبينت وصية
الأخرى وهو خمسة أسداس هذا المقدار خمسة
وخمسون فيكون جملة الوصية لهما مائة وأحدا
وعشرين إذا رفعت ذلك من مائتين وإحدى وستين
يبقى مائة وأربعون للمرأة الربع من ذلك وذلك
خمسة وثلاثون يبقى مائة وخمسة بين الجد
والأخوة بالمقاسمة للجد اثنان وأربعون ولكل
أخت واحد وعشرون مثلا النصيب فاستقام التخريج
وطريق الجبر فيه أن نأخذ مالا مجهولا فنعطي
الثلث إحدى الأخوات وخمسة أسداس الثلث للأخرى
فيظهر في المال عدد ثمانية عشر سهما من السهام
بطريق الضرورة وأعطينا إحداهما ستة والأخرى
خمسة ثم استرجعنا من إحداهما شيئا ومن الأخرى
خمسة أسداس شيء فيصير معنا سبعة أسهم من
ثمانية عشر جزءا من مال وشيء وخمسة أسداس وشيء
وحاجتنا إلى ستة أشياء وثلثي شيء فقد جعلنا
نصيب الأخت وهو ثلاثة من عشرين شيئا كما بينا
فعرفنا أن حاجتنا إلى ستة أشياء وثلثي شيء
فشيء وخمسة أسداس شيء بمثله قصاص يبقى أربعة
أشياء وخمسة أسداس
ج / 28 ص -93-
بعد
ذلك سبعة أجزاء من ثمانية عشر جزءا من مال
والمال ناقص فإكماله بأن تزيد عليه مثله ومثل
أربعة أسباعه وإذا زدت على المال هذا فزد على
ما يعدله وهو أربعة أشياء وخمسة أسداس شيء
مثله ومثل أربعة أسباعه وليس ذلك بصحيح
فالسبيل أن تضرب ثلاثة في سبعة فيكون أحدا
وعشرين وإنما فعلنا ذلك لأنا ضممنا إلى أربعة
وخمسة أسداس مثله فيكون الكسر على الأثلاث ثم
تضرب أربعة وخمسة أسداس في أحد وعشرين فيكون
ذلك مائة سهم وسهمين ونصفا يضم إليه مثله فذلك
مائتان وثلاثة أسهم ومثل أربعة أسباعه فلكل
سبعة من مائة واحد ونصف يكون أربعة عشر ونصفا
فأربعة أسباعه يكون ثمانية وخمسين إذا ضممت
ذلك إلى مائتين وثلاثة يكون مائة وإحدى وستين
وتبين أن المال الكامل مائتان وأحد وستون.
ومعرفة النصيب: أنا جعلنا
النصيب شيئا وضربنا كل شيء في أحد وعشرين
فتبين أن النصيب أحد وعشرون ثم التخريج كما
بينا أما قول أبي حنيفة وهو مذهب أبي بكر رضي
الله عنه الأخوات كالأجانب لا يرثن مع الجد
فجازت الوصية كأنه أوصى لصاحبة الثلث بكمال
الثلث بنصيبها إن كانت وارثة وإن لم تكن وارثة
فبالثلث وللأخرى خمسة أسداس الثلث فاحتجنا إلى
حساب له ثلث وخمسة أسداس وأقله ثمانية عشر
فاضربه في أصل الفريضة وذلك أربعة فيصير اثنين
وسبعين فثلثه أربعة وعشرون وخمسة أسداس الثلث
عشرون فكانت وصية إحداهما أربعة وعشرين ووصية
الأخرى عشرين ومبلغهما أربعة وأربعون يبقى
ثمانية وعشرون للمرأة ربعه سبعة والباقي وهو
أحد وعشرون للجد هذا إذا أجزن وإن لم يجزن
جعلت الثلث على سهام الوصايا ووصية إحداهما
الثلث ستة من ثمانية عشر ووصية الأخرى بخمسة
أسداس الثلث خمسة فمبلغهما أحد عشر والثلثان
ضعفه اثنان وعشرون والجميع ثلاثة وثلاثون
والثلث لأصحاب الوصايا بينهما على قدر حقهما
يبقى اثنان وعشرون ربعه للمرأة خمسة ونصف
والباقي للجد.
فإن ترك ابنين وخمس بنات فأوصى لابنه بخمسة
أسداس الثلث بنصيبه وأوصى لإحدى البنات بالخمس
من جميع المال بنصيبها فأجازوا فهي من
ثلاثمائة وستين سهما الوصية منها أحد وثلاثون
سهما للابن من ذلك ستة أسهم وللابنة خمسة
وعشرون والباقي ميراث بينهم.
وتخريجه على طريق الكتاب: أن
تصحح الفريضة فيكون ذلك من سبعة للابن سهمان
ولكل ابنة سهم ثم يحتاج في معرفة الوصية إلى
حساب له خمس وسدس وثلث ذلك بأن يضرب المخارج
بعضها في بعض خمسة وستة وثلاثة وثلاثون في
ثلاثة يكون تسعين ثم تطرح من أصل الفريضة نصيب
الموصى لهما وذلك ثلاثة يبقى أربعة فتضرب
أربعة في تسعين يكون ذلك ثلاثمائة وستين فهو
مبلغ المال ومعرفة النصيب أن تأخذ نصيب الابن
وذلك سهمان فتضرب ذلك في تسعين بعد ما تطرح
منها الخمس وخمسة أسداس الثلث خمسة وعشرون
والخمس ثمانية عشر وذلك ثلاثة وأربعون إذا
طرحت من تسعين ثلاثة وأربعين يبقى سبعة
وأربعون فإذا ضربت نصيب الابن وذلك سهمان في
سبعة وأربعين يكون ذلك أربعة وتسعين
ج / 28 ص -94-
وإذا
تبين نصيب الابن تبين نصيب الابنة لأن نصيبها
نصف نصيبه وذلك سبعة وأربعون ثم ثلث المال
مائة وعشرون فخمسة أسداس الثلث مائة ونصيب
الابن أربعة وتسعون فتبين أن نصيب الوصية له
كانت بستة أسهم تمام خمسة أسداس الثلث وخمس
ثلاثمائة وستين اثنان وسبعون نصيب الابنة من
ذلك سبعة وأربعون فظهر أن الوصية لهما خمسة
وعشرون وإذا رفعت مقدار وصيتهما وذلك أحد
وثلاثون من أصل المال ثلاثمائة وستين يبقى
ثلاثمائة وتسعة وعشرون بين الابن والبنات
للذكر مثل حظ الأنثيين فللابن أربعة وتسعون
مثل نصيبه ولكل ابنة سبعة وأربعون مثل نصيب
الابنة فاستقام.
وطريق الجبر يتيسر تخريجه في هذه المسألة
بالقياس على ما سبق إذا تأملت في ذلك فلا يكون
في الاشتغال به إلا مجرد التطويل من غير
فائدة"فإن ترك امرأتيه وأبويه وثلاث بنات
فأوصى لإحدى امرأتيه بنصيبها بالخمس وللأخرى
بالسدس بنصيبها وبربع ما بقي من الثلث
فأجازوا"قال"هي من خمسمائة وأربعين سهما
الوصية منها مائة واثنان وستون بينهما لصاحبة
الخمس من ذلك سبعة وثمانون وميراثها أحد
وعشرون فذلك مائة وثمانية خمس جميع المال
ولصاحبة الثلث تسعة وستون وميراثها أحد وعشرون
فذلك تسعون سدس جميع المال ولصاحبة ربع ما بقي
ستة أسهم".
وأما تخريجه على طريق الكتاب فأن نقول:
أصل الفريضة من ستة للأبوين السدسان وللبنات
الثلثان وللمرأتين ثلاثة أرباع سهم فتعول
بثلاثة أرباع فتكون القسمة من ستة وثلاثين
فإذا أردت معرفة الوصية احتجت إلى حساب له خمس
وسدس وثلث فتضرب خمسة في ستة فتكون ثلاثين ثم
تطرح المرأتين وذلك ثلاثة أرباع من أصل
الفريضة يبقى ستة فتضرب ذلك في تسعين فيكون
خمسمائة وأربعين سهما الخمس من ذلك مائة
وثمانية والسدس من ذلك تسعون ومعرفة نصيب
المرأتين أن تأخذ نصيبهما وذلك ثلاثة أرباع
فيضرب في تسعين بعد ما يطرح من ذلك الخمس
والسدس وخمس تسعين ثمانية عشر والسدس خمسة عشر
فإذا طرحتهما من تسعين يبقى سبعة وخمسون فإذا
ضربت ثلاثة أرباع في سبعة وخمسين يكون ذلك
اثنين وأربعين وثلاثة أرباع فاطرح منه ثلاثة
أرباع مقدار ما أخذت في الابتداء يبقى اثنان
وأربعون لكل واحدة منهما أحد وعشرون فإذا
أعطينا إحداهما مائة وثمانية واسترجعنا منها
بالنصيب أحدا وعشرين يبقى سبعة وثمانون فهذه
وصيتها وأعطينا الأخرى تسعين فاسترجعنا منها
أحدا وعشرين يبقى تسعة وستون فهذه وصيتها فإذا
ضممت تسعة وستين إلى سبعة وثمانين يكون ذلك
مائة وستة وخمسين يبقى أربعة وعشرون للموصى له
بربع ما يبقى من الثلث ربع ذلك ستة ويضم ما
بقي وهو ثمانية عشر إلى ثلثي المال ثلاثمائة
وستين فيكون ثلاثمائة وثمانية وسبعين مقسوما
بينهم بالميراث للمرأتين من ذلك اثنان وأربعون
قسمتها بينهم مع العول لكل واحدة أحد وعشرون
مثل نصيبها وللأبوين مائة واثنا عشر سهما لكل
واحد ستة وخمسون وللبنات مائة وأربعة وعشرون
لكل ابنة أربع وعشرون وثلثان فاستقام التخريج
فإن ترك خمس
ج / 28 ص -95-
بنات
وأبوين وأوصى لإحدى بناته بالثلث بنصيبها
وبثلاثة أرباع الوصية لآخر فأقر الأب بابن
وأنكر البنات وأجازوا كلهم الوصية فالفريضة من
ثمانمائة وثمانية وعشرين الوصية منها ثلاثمائة
وثمانية وسبعون لصاحب الثلث من ذلك مائتان
وستة عشر وميراثها ستون فذلك تمام الثلث
وللأخرى مائة واثنان وستون فذلك ثلاثة أرباع
وصية الأول ويدخل الابن مع الأب في نصيبه وهو
خمسة وسبعون فيأخذ منها أربعين أولا نقول
إقرار أحد الورثة بوارث آخر صحيح في حقه على
أن يشارك المقر له في نصيبه لأن المقر يعامل
في إقراره كأن ما أقر به حق ثم تصحيح الفريضة
بدون هذا الإقرار فنقول أصلها من ستة للأبوين
السدسان وللبنات أربعة وعلى ما أقر به الأب
للأبوين السدسان والباقي بين الأولاد للذكر
مثل حظ الأنثيين أسباعا فنضرب ستة في سبعة
فيكون اثنين وأربعين للأب من ذلك سبعة وهو
السدس وللأم كذلك يبقى ثمانية وعشرون بين
الابن والبنات للابن ثمانية ولكل ابنة أربعة
فتبين أن نصيب الابن بزعم الأب ثمانية ونصيب
الأب سبعة فالسدس الذي هو نصيب الأب يضرب كل
واحد منهما فيه بجميع حقه فيصير على خمسة عشر
وإذا صار السدس على خمسة عشر كان جميع المال
تسعين هذا وجه تصحيح سهام الفريضة.
وإذا أردت معرفة الوصية احتجت إلى حساب له ثلث
وربع وذلك اثنا عشر ثم تطرح من أصل الفريضة
نصيب إحدى البنات وثلاثة أرباع نصيب الأخرى
على حسب وصيته لهما ونصيب إحدى البنات اثنا
عشر وثلاثة أرباع نصيب الأخرى تسعة فذلك أحد
وعشرون إذا طرحت ذلك من تسعين يبقى تسعة وستون
فإذا ضربت تسعة وستين في اثنى عشر يكون ذلك
تمام مائة وثمانية وعشرين فهو مبلغ المال
الثلث من ذلك مائتان وستة وسبعون فتأخذ إحدى
المرأتين ذلك وتسترد منها نصيبها وطريق معرفة
ذلك أن تأخذ نصيبها اثنى عشر وتضرب ذلك في
اثني عشر بعد ما تطرح منها ثلثها وثلاثة أرباع
الثلث ثلثها أربعة وثلاثة أرباع الثلث ثلاثة
فذلك سبعة إذا طرحت سبعة من اثنى عشر تبقى
خمسة تضرب اثنى عشر في خمسة فيكون ستين فهو
نصيبها إذا رفعت ذلك من مائتين وستة وسبعين
يبقى مائتان وستة عشر فهو وصيتها ووصية الأخرى
ثلاثة أرباع ذلك مائة واثنان وستون فإذا ضممت
ذلك إلى مائتين وستة عشر يكون ثلاثمائة
وثمانية وسبعين إذا رفعت ذلك من أصل المال
يبقى هناك أربعمائة وخمسون مقسومة بينهم
للأبوين السدسان مائة وخمسون لكل واحد منهما
خمسة وسبعون وللبنات ثلاثمائة بينهن أخماسا
لكل واحدة منهن ستون مثل النصيب ثم ما أخذ
الأب يقسم بينه وبين المقر له على خمسة عشر
فيكون كل جزء من ذلك خمسة فثمانية أجزاء من
ذلك للابن وذلك أربعون سهما وسبعة للأب وذلك
خمسة وثلاثون سهما فاستقام التخريج.
ولو ترك ابنين وعشرة دراهم عينا وعشرة دينا
على أحدهما وأوصى بخمس ماله إلا إلا درهما
فإنك ترفع من العين درهمين للموصى له وذلك خمس
المال ثم تسترجع منه بالاستثناء درهما فترد
ذلك على الابنين فتصير العين في أيديهما تسعة
نصف ذلك للابن الذي لا دين عليه
ج / 28 ص -96-
ونصفه
نصيب الابن المديون فلا يعطي ذلك لأن عليه فوق
حقه ولكن يقسم ذلك بين الابن الذي لا دين عليه
والموصى له أثلاثا لأن حق الموصى له في خمس
الدين الذي على المديون وحق الابن الذي لا دين
عليه في خمس ذلك فما تعين لهما من ذلك يقسم
بينهما أثلاثا ثلثه وهو درهم ونصف للموصى له
وثلثاه وهو ثلاثة للابن فقد وصل إلى الابن مرة
أربعة ونصف ومرة ثلاثة وذلك سبعة ونصف وقد
تعين من الدين مثل ذلك للابن المديون فكان
جملة المال العين سبعة عشر درهما ونصفا خمس
ذلك ثلاثة ونصف وقد نفذنا الوصية في الدفعتين
في ذلك فاسترجعنا درهما بالاستثناء فبقي له
درهمان ونصف والمقسوم بين الابنين خمسة عشر
لكل واحد منهما سبعة ونصف.
ولو كان أوصى بالخمس إلا درهمين فالسبيل أن
يعطي للموصى له خمس العشرة وذلك درهمان ثم
استرجعهما بالاستثناء فيصير في يدك عشرة دراهم
بين الابنين نصفين فيأخذ الابن الذي لا دين
عليه خمسة والخمسة التي هي نصيب الابن المديون
تقسم بين الموصى له والابن الذي لا دين عليه
أثلاثا كما بينا في الفصل الأول فيسلم للموصى
له درهم وثلثا درهم وللابن في المرتين ثمانية
وثلث فظهر أن المتعين من الدين ثمانية وثلث
وأن جملة المال ثمانية عشر وثلث خمس ذلك ثلاثة
وثلثان وقد نفذنا الوصية في هذا المقدار في
الدفعتين واسترجعنا بالاستثناء درهمين بقى له
درهم وثلثا درهم.
ولو أوصى بخمس ماله لرجل إلا درهما منه لآخر
فإنك تأخذ ثلث العشرة العين فتعطي صاحب الدرهم
درهما ويبقى في يد الموصى له بالخمس إلا درهما
درهمان وثلث لأن الموصى له بالمستثنى حقه في
الثلث مقدم فإن الموصى له بالخمس شريك الوارث
في التركة والموصى له بالثلث بشيء مسمى حقه
مقدم على حق الوارث فلهذا يعطي صاحب الدرهم من
الثلث درهما ويبقى للآخر من الثلث درهمان وثلث
ويسلم للابن الذي لا دين عليه ستة وثلثان إلى
أن يتيسر خروج ما بقي من الدين فحينئذ القسمة
واضحة على ما تقدم في بابه.
ولو ترك ثلاثة بنين وأوصى بمثل نصيب أحدهم
لرجل وبثلث ماله لآخر فأجازوا فالفريضة من ستة
لصاحب الثلث اثنان وللموصى له بمثل نصيب أحدهم
واحد ولكل واحد من الاثنين سهم لأن الموصى له
بمثل النصيب عند الإجازة كابن آخر فكأنه ترك
أربع بنين وأوصى بثلث ماله فالفريضة من ستة
للموصى له بالثلث سهمان ولكل واحد من الابنين
سهم فيأخذ الموصى له بمثل النصيب سهما من
أربعة من الثلثين وإن لم يجيزوا فالفريضة من
تسعة فالثلث من ذلك بين الموصى له بالثلث وبين
صاحب النصيب سهمان من ذلك لصاحب الثلث وسهم
للموصى له بالنصيب على اعتبار أحوالهما عند
الإجازة فإنهم لو أجازوا كان حق الموصى له
بالثلث ضعف حق الموصى له بالنصيب فكذلك عند
عدم الإجازة يقسم الثلث بينهما على مقدار
حقهما أثلاثا وهذا قول أبي يوسف رحمه الله
بناء على أصله أن
ج / 28 ص -97-
الوصية
الواقعة في حق الورثة تبطل عند عدم الاستحقاق
ولا تبطل في حق الضرر بها في الثلث فأما على
قول محمد رحمه الله فالثلث بينهما على خمسة
للموصى له بالثلث ثلاثة وللموصى له بالنصيب
سهمان لأن أصل الفريضة من تسعة لحاجتنا إلى
حساب ينقسم ثلثاه أثلاثا للموصى له بالثلث
ثلاثة ولكل بن ثلث الثلثين وذلك سهمان وفي حال
عدم الإجازة الموصى له بمثل النصيب لا يستحق
من الثلثين شيئا وإنما جعل الموصى نصيب أحد
ورثته عيارا لما أوجبه له بالوصية ونصيب أحد
البنين سهمان فعرفنا أنه أوجب للموصي له بمثل
النصيب سهمين وللموصى له بالثلث ثلاثة فيقسم
ذلك الثلث بينهما على مقدار حقهما فتكون
الوصية على خمسة للموصى له بالثلث ثلاثة
ولصاحب النصيب سهمان.
مسألة: قالها محمد رحمه الله
في وصي الأم فيما تركت من الميراث ووصي الأخ
والعم وبن العم وجميع من يورث من الصغار
والكبار والغائب من الورثة بمنزلة وصي الأب
ووصي الجد أب الأب إذا لم يكن له أب ولا وصي
أب في الكبير الغائب فكل شيء جائز لوصي الأب
على الوارث الكبير الغائب فهو جائز لوصي من
ذكرناه وما لا فلا ومعنى هذا الكلام أن لوصي
من سميناه حق الحفظ ومنع ما يخشى عليه التلف
لأن ذلك من الحفظ وحفظ الدين أيسر من حفظ
العين كما إذا أوصى الأب في حق الكبير الغائب
ولأنه الحفظ وهذا لوجهين
أحدهما: أن الحفظ من حق الميت
ربما يظهر عليه دين يحتاج إلى قضائه من تركته
والوصي قائم مقامه فيما هو من حقه
والثاني: أن وصي الأم بمنزلة
الأم وللأم ولاية الحفظ على ولدها الصغير في
ماله كما أن لها ولاية حفظ نفسه فكذلك لوصي
الأم ذلك.
ولو أن وصي الأب باع رقيقا أو شيئا من الميراث
على الكبير الغائب جاز بيعه فيما سوى العقار
ولا يجوز في العقار فكذلك وصي الأم في حق
الصغير ومن ذكرنا من الصغير والكبير الغائب
ولا يتجر وصي الأب على الكبير الغائب لأن
التجارة تصرف دون الحفظ وليس له سوى الحفظ في
حق الكبير الغائب فكذلك وصي الأم في حق الصغير
وكل شيء ورثه الكبير الغائب من غير ابنه فليس
لوصي أبيه عليه سبيل لأن ثبوت حق الحفظ له في
الموروث عن الأب لحق الأب وذلك لا يوجد فيما
ورثه الكبير من غير الأب فكذلك وصي الأم وأما
وصي الأب على الولد الصغير فأمره عليه جائز
فيما باع واشترى في جميع ذلك لأنه قائم مقام
الأب وللأب ولاية مطلقة في التصرف في مال ولده
الصغير فيثبت تلك الولاية لوصية الذي هو قائم
مقامه بعد موته والله أعلم بالصواب. |