المبسوط للسرخسي دار الفكر

ج / 29 ص -118-    كتاب الفرائض
قال الشيخ الإمام الأجل الزاهد شمس الأئمة وفخر الإسلام أبو بكر محمد بن أبي سهل السرخسي رحمه الله إملاء:
اعلم بأن الفرائض من أهم العلوم بعد معرفة أركان الدين حث رسول الله صلى الله عليه وسلم على تعليمها وتعلمها كما رواه ابن مسعود رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"تعلموا القرآن وعلموه الناس وتعلموا الفرائض وعلموها الناس فإني أمرؤ مقبوض وسيقبض هذا العلم من بعدي حتى يتنازع الرجلان في فريضة فلا يجدان من يفصل بينهما" وكان ابن مسعود رضي الله عنه يقول لأصحابه عند رواية هذا الحديث تعلموا الفرائض ولا يكونن أحدكم كرجل لقيه أعرابي فقال أمها جر أنت قال فإن إنسانا من أهلي مات فكيف يقسم ميراثه قال لا أدري قال فما فضلكم علينا تقرؤون القرآن ولا تعلمون الفرائض.
وفي حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"تعلموا العلم وعلموه الناس وتعلموا الفرائض فإنها نصف العلم وهي أول ما ينزع من بين أمتي" وقد كان أكثر مذاكرة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم إذا اجتمعوا في علم الفرائض ومدحوا على ذلك حتى قال عليه السلام: "أقرؤكم لكتاب الله أبي بن كعب وأقضاكم علي وأفرضكم زيد وأعلمكم بالحلال والحرام معاذ بن جبل رضي الله عنهم أجمعين" فقد نوه بذكر زيد في علم الفرائض، ثم طرق الفرضيين قد اختلفت في شرح هذا الكتاب فمن بين مطول أمل ومن بين موجز أخل فالسبيل أن نجري القصد وندع التطويل بذكر ما لا يحتاج إليه والإخلال بترك نص ما يحتاج إليه فإن خير الأمور أوسطها فنقول إذا مات بن آدم يبدأ من تركته بالأقوى فالأقوى من الحقوق عرف ذلك بقضية العقول وشواهد الأصول فأول ما يبدأ به تجهيزه وتكفينه ودفنه بالمعروف كما روي أن ابن عمر رضي الله عنه لما استشهد يوم أحد لم يوجد له إلا نمرة فكان إذا كان غطى بها رأسه بدى رجلاه وإذا غطى بها رجلاه بدى رأسه فأمر صلى الله عليه وسلم أن يغطي بها رأسه ويجعل على رجليه من الازخر، وقد نقل ذلك في حال حمزة رضي الله عنه أيضا ولم يسأل عن الدين عليهما فلو كان الدين مقدما على الكفن لسأل عن ذلك كما سأل عن الدين حتى كان لا يصلي على من مات وعليه دين فقال: "هل على صاحبكم دين؟" ثم الكفن لباسه بعد وفاته فيعتبر بلباسه في حياته ولباسه في حياته مقدم على دينه حتى لا يباع على المديون ما عليه من ثيابه فكذلك لباسه بعد موته، ومن مات ولا شيء له يجب على المسلمين تكفينه فيكفن من مال بيت المال وماله يكون أقرب إليه من مال بيت المال وبهذا يتبين أن الكفن أقوى من الدين فإنه لا يجب على المسلمين قضاء دينه من بيت

 

ج / 29 ص -119-    المال، ثم بعد الكفن يقدم الدين على الوصية والميراث لحديث علي رضي الله عنه قال إنكم تقرون الوصية قبل الدين وقد شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم بدأ بالدين قبل الوصية. وقيل لابن عباس رضي الله عنه إنك تأمر بالعمرة قبل الحج وقد بدأ الله تعالى بالحج فقال: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] فقال كيف تقرؤون آية الدين فقالوا: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 11] فقال بماذا يبدأ فقالوا بالدين قال هو ذلك.
ولأن قضاء الدين من أصول حوائجه فإنه يفك به رهانه وتنفيذ الوصية ليس من أصول حوائجه، ثم قضاء الدين مستحق عليه والوصية لم تكن مستحقة عليه وصاحب الدين ليس يتملك ما يأخذ عليه ابتداء ولكنه في الحكم يأخذ ما كان له ولهذا ينفرد به إذا ظفر بجنس حقه والموصى له يتملك ابتداء بطريق التبرع، وأيد هذا كله ما روي أن رجلا أعتق عبدا في مرضه وعليه دين فاستسعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم في قيمته وإنما فعل ذلك لأنه قدم الدين على الوصية، وعلى هذا قال علماؤنا رحمهم الله الدين إذا كان محيطا بالتركة يمنع ملك الوارث في التركة وإن لم يكن محيطا فكذلك في قول أبي حنيفة رحمه الله الأول، وفي قوله الآخر: لا يمنع ملك الوارث بحال لأنه يخلف المورث في المال والمال كان مملوكا للميت في حال حياته مع اشتغاله بالدين كالمرهون فكذلك يكون ملكا للوارث، وحجتنا في ذلك قوله تعالى:
{مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 11] فقد جعل الله تعالى أوان الميراث ما بعد قضاء الدين والحكم لا يسبق أوانه فيكون حال الدين كحال حياة المورث في المعنى ثم الوارث يخلفه فيما يفضل من حاجته فأما المشغول بحاجته لا يخلفه وارثه فيه وإذا كان الدين محيطا بتركته فالمال مشغول بحاجته وقيام الأصل يمنع ظهور حكم الخلف ولا يقول يبقى مملوكا بغير مالك ولكن تبقى مالكية المديون في ماله حكما لبقاء حاجته.
وأصل هذه المسألة فيما بيناه في النكاح أن المكاتب لا يعتبر ميراثا للوارث بموت المولى عندنا لبقاء حاجته إلى ولاية، وعند الشافعي رحمه الله يصير ميراثا، ثم بعد قضاء الدين تقدم الوصية في محلها على الميراث ومحل الوصية الثلث قال عليه السلام:
"إن الله تعالى تصدق عليكم بثلث أموالكم" ففي مقدار الثلث تقدم الوصية على الميراث لأن الله تعالى جعل الميراث بعد الوصية ولأن تنفيذ الوصية من حوائج الميت أيضا فأما ما زاد عن الثلث لا يظهر فيه تقديم الوصية لأن حق الوارث فيه يمنع الوصية إلا أن يجيز الوارث وبعد تنفيذ الوصية يقسم الميراث. فنقول: الأسباب التي بها يتوارث ثلاثة الرحم والنكاح والولاء والولاء نوعان ولاء نعمة وولاء موالاة وكل واحد منهما سبب الإرث عندنا على ترتيب بينهما وبينه، والأسباب التي بها يحرم الميراث ثلاثة الرق واختلاف الدين ومباشرة القتل بغير حق في حق من يتحقق منه التقصير شرعا.
والوارثون أصناف ثلاثة: أصحاب الفرائض والعصبات وذووا الأرحام وأصحاب الفرائض هم الذين لهم سهام مقدرة ثابتة بالكتاب والسنة أو الإجماع والعصبات: أصناف

 

ج / 29 ص -120-    ثلاثة: عصبة بنفسه وعصبة بغيره وعصبة مع غيره فالعصبة بنفسه الذكر الذي لا يفارقه الذكور في نسبته إلى الميت والعصبة بغيره الأنثى التي تصير عصبة بمن في درجتها من الذكر كالبنات بالبنين والأخوات بالأخوة والعصبة مع غيره كالأخوات يصرن عصبة مع البنات، وفرق فيما بين العصبة بغيره والعصبة مع غيره أنه لا يكون عصبة بغيره إلا وأن يكون ذلك الغير عصبة والعصبة مع غيره أن لا يكون ذلك الغير عصبة في نفسه كالأخوات مع البنات فالبنت ليست عصبة بنفسها والأخت تصير عصبة معها، وذووا الأرحام ما عدا هذين الصنفين من القرابة ثم أقوى أسباب الإرث العصوبة فإنه يستحق بها جميع المال ولا يستحق بالفريضة جميع المال والعصوبة في كونها سببا للإرث مجمع عليها بخلاف الرحم فكانت العصوبة أقوى الأسباب.
ثم إن محمدا رحمه الله بدأ الكتاب ببيان ميراث الآباء وقد استحسن مشايخنا رحمهم الله البداءة ببيان ميراث الأولاد اقتداء بكتاب الله فقد قال الله عز وجل:
{يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} [النساء: 11] ولأن الابن مقدم في العصوبة على الأب وقد بينا أن أقوى الأسباب العصوبة فقدمنا بيان ميراث الأولاد لهذا والله أعلم بالصواب.

 باب الأولاد
قال رحمه الله: إعلم أن الابن الواحد يحرز جميع المال، ثبت ذلك بإشارة النص فإن الله تعالى قال: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] ثم جعل للبنت الواحدة النصف بقوله تعالى: {وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} [النساء: 11] وثبت أن للذكر ضعف هذا وضعف النصف الجميع.
وثبت ذلك استدلالا بآية الأخوة فإن الله تعالى قال:
{وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ} [النساء: 176] أي يرثها جميع المال وإذا ثبت بالنص أن للأخ جميع المال ثبت للابن بدلالة النص لأن الأخ ولد أبيها وولدها أقرب إليها من ولد أبيها والميراث ينبني على الأقرب. قال الله تعالى: {مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ} [النساء: 7] وزيادة القرب تدل على قوة الاستحقاق إلا أن الله تعالى لم ينص على جميع المال للبنين لأن ذلك كان معروفا فيما بين العرب فقد كانوا في الجاهلية لا يورثون إلا البنين ومنهم من كان لا يورث إلا الكبار من البنين الذين يحملون السلاح ويورثون العشيرة فإنما بين ما لم يكن معلوما لهم فإن اجتمع البنون فالمال بينهم بالسوية لاستوائهم في سبب الاستحقاق وللبنت الواحدة إذا انفردت النصف ثبت ذلك بالنص وهو قوله تعالى: {وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} [النساء: 11] واستدلالا أيضا بميراث الأخت فقد قال الله تعالى: {وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} [النساء: 176] والبنت أقرب إليه من الأخت، فإن كن ثلاثا فصاعدا فلهن الثلثان بالنص وهو قوله تعالى: {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ} [النساء: 11] فهذا تنصيص على أنه لا يزاد للبنات على الثلثين عند الانفراد وإن كثرن، فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان في قول عامة الصحابة رضوان الله عليهم وهو قول جمهور

 

ج / 29 ص -121-    الفقهاء، وكان ابن عباس يقول: للبنين النصف ويستدل بظاهر الآية فإن الله تعالى شرط في استحقاق البنات الثلثين أن يكن فوق اثنتين والمعلق بالشرط معدوم قبل الشرط وقد تجاذب البنين حالتان إما أن تعتبرهما بالثلاث أو بالواحدة واعتبارهما بالواحدة أولى لأن في اعتبارهما بالثلاث إبطال شرط منصوص والقياس لإبطال النص باطل وفي أول الآية ما يدل على أن للابنتين النصف لأن الله تعالى قال: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] ومن ترك ابنا وابنتين فللابن النصف وهذا إشارة إلى أن حظ الأنثيين النصف وفي قوله تعالى: {فَلَهُنَّ} [النساء: 11] دليل أيضا على ذلك لأن هذا لفظ الجمع والجمع المتفق عليه ثلاثة فأهل اللغة جعلوا الكلام على ثلاثة أوجه الفرد والتثنية والجمع فكان اتفاقا منهم على أن التثنية غير الجمع وللواحد عندهم أبنية مختلفة وكذلك للجمع وليس للتثنية إلا بناء واحدا، ومن حيث المعقول في المعنى يعارض الفردين فلا يظهر ترجيح أحد الجانبين وفي الثلاث تتعارض البنات مع الفرد فيترجح جانب الجمع على جانب الفرد وإذا ثبت أن اسم الجمع لا يتناول ما دون الثلاث فقد ظهر الحاق البنتين بالواحدة هذا بيان أصل ابن عباس رضي الله عنه في هذا وفي الأخوة في حكم الحجب، وحجتنا في ذلك قوله تعالى: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] فقد جعل للذكر حالة الاختلاط مثل نصيب الابنتين وأدنى الاختلاط أن يجمع بن وبنت وللابن هنا الثلثان بالاتفاق فعرفنا أن حظ الأنثيين الثلثان ولما صار نصيب البنين معلوما بهذه الإشارة لم يذكر الله تعالى نصيب البنتين أيضا وذكر نصيب ما فوق البنتين بقوله عز وجل: {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ} [النساء: 11] والدليل على صحة ما قلنا سبب نزول الآية فإن سعد بن الربيع رضي الله عنه لما استشهد يوم بدر وكان خلف بنتين وامرأة فاستولى الأخ على ماله فجاءت امرأته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت: إن سعدا قتل معك وخلف ابنتين وقد غلب عمهما على مالهما ولا يرغب في النساء إلا بمال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لم ينزل الله في ذلك شيئا" ثم ظهر أثر الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما سرى عنه قال النبي عليه السلام: "قفوا مال سعد فقد أنزل الله تعالى في ذلك ما إن بينه لي ببينته لكم" وتلا عليهم قوله تعالى: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ} [النساء: 7] الآية، ثم نزل قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أخا سعد وأمره أن يعطي البنتين الثلثين وللمرأة الثمن وله ما بقي.
وفي الحديث المعروف أن أبا موسى الأشعري رضي الله عنه سئل عن فريضة فيها بنت وابنة ابن وأخ فجعل للابنة النصف وللأخ ما بقي فبلغ ذلك ابن مسعود رضي الله عنه فقال لقد ضللت إذا وما أنا من المهتدين سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"للابنة النصف ولابنة الابن السدس تكملة الثلثين والباقي للأخ" فهذا دليل على استحقاق البنتين الثلثين بطريق الأولى لأن حال البنتين أقوى من حالة الابنة وابنة الابن والدليل عليه أن حالة التثنية فى معنى حالة الجمع لوجود الاجتماع وانضمام أحد الفردين إلى الآخر ولا معنى في الجمع سوى هذا، ومن حيث

 

ج / 29 ص -122-    الحكم الإمام يتقدم على المثنى كما يتقدم على الجماعة وإليه إشارة النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "الاثنان فما فوقهما جماعة".
وقيل في تأويل قوله تعالى:
{فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ} [النساء: 11] أي اثنتين فما فوقهما وكلمة فوق صلة فيه كما في قوله تعالى: {فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ} [الأنفال: 12] يعنى مع الأعناق مع أنا قد سلمنا أن في هذا اللفظ بيان نصيب الثالث والتعليق بالشرط عندنا لا يوجب نفي الحكم عند عدم الشرط بل يجوز أن يثبت الحكم بدليل آخر وقد أثبتنا بإشارة النص أن للبنتين الثلثين كما قررنا، فإن اختلط الذكور بالإناث من الأولاد فالمال بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين بالنص واستدلالا بميراث الأخوة فقد قال الله تعالى: {وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالاً وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 176] والأولاد أقرب من الإخوة وأولاد الابن يقومون مقام أولاد الصلب عند عدم أولاد الصلب في جميع ما ذكرنا لقوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} [النساء: 11] واسم الأولاد يتناول أولاد الابن مجازا قال الله تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ} [الأعراف: 26] وعند نزول الآية لم يكن بقي أحد من صلب آدم عليه السلام.
وقال ابن عباس رضي الله عنه لرجل: أي أب لك أكبر؟ فتحير الرجل ولم يفهم ما قال له فتلا ابن عباس قوله عز وجل: {يَا بَنِي آدَمَ} [الأعراف: 26] وجعل يقول من كنت ابنه فهو أبوك، فإن اجتمع أولاد الصلب وأولاد الابن فإن كان في أولاد الصلب ذكر فلا شيء لأولاد الابن ذكورا كانوا أو إناثا أو مختلطين لأن الذكر من أولاد الصلب مستحق لجميع المال باعتبار حقيقة الاسم وعند العمل بالحقيقة يسقط اعتبار المجاز فإن الجمع بين الحقيقة والمجاز في لفظ واحد في حالة واحدة متعذر، والدليل على أن الاسم يتناول أولاد الابن مجازا أنه يستقيم نفيه عنه بإثبات غيره فيقال ليسوا بنيه ولكنهم بنوا ابنه وهذا حد المجاز مع الحقيقة لأنه لا يمكن نفي الحقيقة ويمكن نفي المجاز بإثبات غيره، والدليل عليه أن أولاد الابن يدلون بالابن ويرثون بمثل نسبه فيحجبون به كالأجداد بالأب والجدات بالأم بخلاف الإخوة لأم فإنهم يرثون مع الأم وإن كانوا يدلون بها لأنهم لا يرثون بمثل نسبها فإنها ترث بالأمومة وهم بالأخوة وأيد ما ذكرنا قوله عليه السلام: "ما أبقت الفرائض" فلأولى رجل ذكر وأولى رجل ذكر الابن دون أولاد الابن فإن لم يكن في أولاد الصلب ذكر ولا في أولاد الابن ذكر، فإن كانت ابنة الصلب واحدة فلها النصف ولبنات الابن السدس تكملة الثلثين واحدة كانت أو أكثر من ذلك لحديث بن مسعود رضي الله عنه: وإن كانت ابنة الصلب بنتين فلهما الثلثان ولا شيء لبنات الابن لأن حظ البنات الثلثان وقد استحق البنتان جميع ذلك فلم يبق من حق البنات شيء لبنات الابن وإن لم يكن في أولاد الصلب ذكر وكان في أولاد الابن ذكر، فإن انفرد الذكور من أولاد الابن فالباقي بعد نصيب البنات لهم نصفا كان أو ثلثا لقوله عليه السلام: "الحقوا الفرائض بأهلها فما أبقت" فلأولى رجل ذكر ولا يقال بأن هذا جمع بين الحقيقة والمجاز لأن الاسم يتناول أولاد الصلب حقيقة وأولاد الابن مجازا، وهذا لأن ما

 

ج / 29 ص -123-    يعتبر فيه الحقيقة لا يعتبر فيه المجاز وهو ما استحقه بنات الصلب فأما ما زاد على ذلك فالحقيقة غير معمول بها في استحقاق ذلك وإنما يعمل بالمجاز في استحقاق ما لم يثبت فيه الاستحقاق باعتبار الحقيقة فلا يكون جمعا بين الحقيقة والمجاز، فإن اختلط الذكور بالإناث من أولاد الابن. فنقول: إن كان بنات الصلب بنتين فصاعدا فلهن الثلثان والباقي بين أولاد الابن للذكر مثل حظ الأنثيين عند علي وزيد رضي الله عنهما وهو قول جمهور العلماء. وكان ابن مسعود يقول: الباقي لبني الابن خاصة ولا شيء لبنات الابن، فإن كانت ابنة الصلب واحدة فلها النصف والباقي بين أولاد الابن للذكر مثل حظ الأنثيين عند علي وزيد، وعند عبد الله بن مسعود ينظر إلى المقاسمة والسدس لبنات الابن فأي ذلك كان شرا لهن فلهن ذلك والباقي لبني الابن ويسمى هذا الجنس مسائل الإضرار على قول ابن مسعود، واحتج في ذلك بالآية فإن الله تعالى اعتبر في ميراث الأولاد أحد الحكمين أما الثلثان للبنات بقوله تعالى: {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ} [النسا: 11] وأما القسمة فللذكر مثل حظ الأنثيين بقوله عز وجل: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] وقد وجد أحد الحكمين هنا وهو إعطاء البنات الثلثين فلا يجوز اعتبار الحكم الآخر في هذه الحادثة لأن الجمع بينهما متعذر بالإجماع فلا يبقى لأولاد الابن استحقاق بحكم هذه الآية بعد ما أخذت البنات الثلثين فإنما يثبت الاستحقاق للذكور منهم بقوله عليه السلام: "فلأولى رجل ذكر" وإن كانت ابنة الصلب واحدة قد بقى السدس مما يستحقه البنات ولكن ذلك لهن عند الأنفراد لا عند الاختلاط فلا يعطين إلا الأقل لأنه المتيقن به فلهذا ينظر إلى المقاسمة وإلى السدس فيما يعطى بنات الابن ولأن بنات الابن لو انفردن مع الابنتين لم يكن لهن شيء ومع الواحدة من البنات لا يكون لهن إلا السدس ومعلوم أن حالة الانفراد في حكم الاستحقاق أقوى من حالة الاجتماع وإنما تصير الأنثى عصبة بالذكر إذا كانت صاحبة فرض عند الانفراد كالبنات والأخوات، فأما إذا لم تكن مستحقة شيئا عند الانفراد لم تصر عصبة بالذكر كبنات الأخوة مع بني الأخوة وبنات العم مع بني العم وحجتنا في ذلك أن الذكر مع أولاد الابن يعصب الإناث في درجته في استحقاق جميع المال بالاتفاق وهو ما إذا لم يكن هناك ولد للميت لصلبه فكل ذكر يعصب الأنثى في استحقاق جميع المال بالاتفاق يعصبها في استحقاق ما بقي كالأخ مع الأخوات في درجة واحدة والبنات مع البنين وهذا لأن بنات الصلب لما أخذن نصيبهن خرجن من البنين وصار فيما بقى كأنه ليس هناك ابنة ويكون الحكم فيما بقي هو الحكم في الجميع إذا لم يكن هناك بنات الصلب وبهذا يتبين أنا لا نجمع بين الحكمين في محل واحد وإنما نثبت في كل محل أحد الحكمين ففي الثلثين عملنا بقوله تعالى: {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ} [النساء: 11] وفيما وراء ذلك عملنا بقوله تعالى: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] يوضحه: أن الذكر من أولاد الابن يعصب الأنثى في درجته في حكم الحرمان، وبيانه: إذا اجتمع مع الزوج والأبوين ابنة وابنة ابن فإن للبنت النصف ولابنة الابن السدس تكملة الثلثين، فإن كان مع ابنة الابن ابن الابن في هذة

 

ج / 29 ص -124-    الصورة لم يكن لها شيء لأنها تصير عصبة به ولم يبق من أصحاب الفرائض شيء فلما كان يعصبها في حكم الحرمان فلأن يعصبها في حكم الاستحقاق كان أولى لأن التعصيب في الأصل للاستحقاق لا للحرمان، فإن كان الذكر من أولاد الابن دون الأنثى بدرجة فإن اجتمع مع ابنتي الصلب بنت بن وبن بن ابن فظاهر المذهب عندنا أن الباقي بينهما {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النسا: 11].
وقال بعض المتأخرين: إن الباقي للذكر خاصة هنا لأن الأنثى إنما تصير عصبة بذكر في درجتها لا بذكر هو دونها في الدرجة.
ألا ترى أن البنت لا تصير عصبة بابن الابن في ابنة واحدة صلبية وابنة بن وبن بن ابن فإنه لا تصير ابنة الابن عصبة بابن الابن فكذلك مع البنتين لمعنى وهو أن الذكر إذا كان أبعد بدرجة فلو جعل للأنثى التي هي أقرب منه بدرجة عصبة كان الذكر محروما في نفسه لأن في ميراث العصبات الأقرب يقدم على الأبعد ذكرا كان أو أنثى.
ألا ترى أن الأخت لما صارت عصبة مع البنت كان الباقي لها دون بن الأخ والعم وإذا صار محروما لا يعصب أحدا؟ وجه قولنا: أن هذه الأنثى لو كانت في درجة الذكر كانت عصبة به مستحقة معه فإذا كانت أقرب منه بدرجة كان أولى لأن تأثير القرب في قوة سبب الاستحقاق لا في الحرمان وفي هذا بيان أن التعصيب كان لمعنى النظر للأنثى ولا يتحقق ذلك في ابنة مع بن الابن لأن بالتعصيب هناك ينتقص حقها لأنه يصير المال بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين فنصيب البنت الثلث فلذا جعلناها عصبة بابن الابن وحقها بدون التعصيب النصف. وكذلك في حق ابنة الابن مع ابنة واحدة للصلب فإن بالتعصيب هناك بابن بن الابن لا يزداد نصيبها بحال وقد يؤدي إلى حرمانها في بعض الأحوال لأنه إذا كانت البنت الصلبية واحدة فحق ابنة الابن معها السدس دون التعصيب.
ولو عصبنا بنت الابن بابن بن الابن لا يزداد نصيبها على السدس فإن الباقي من النصف وهو النصف يقسم بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين سهم لبنت الابن وسهمان لابن بن الابن كما في غير حالة التعصيب فأما في التعصيب هنا توفير المنفعة على ابنة الابن باعتبار زيادة القرب.
يوضحه: أن من كانت في درجة الذكر هنا تستحق شيئا فالقول بأن الأبعد من البنات يستحق والأقرب يصير محروما بنسبة المحال فلا يصار إليه.
فصل
ثم جملة من يرث مع الأولاد ستة نفر: الأب، والجد لأب وإن علا والأم والجدة أم الأم أو أم الأب والزوجة ولا يرث غير هؤلاء مع الابن بالفريضة لا بالعصوبة ولا يكون غير هؤلاء صاحب فرض مع الابنة وإن كان قد يرث بالعصوبة، فأما الأب فله في الميراث

 

ج / 29 ص -125-    ثلاثة أحوال: فرض وعصوبة وكلاهما فالفرض مع وجود الابن وبن الابن وإن سفل والعصوبة عند عدم الولد وولد الابن ذكرا كان أو أنثى وكلاهما مع البنت وبنت الابن وفريضته السدس لا ينقص من ذلك إلا عند العول ولا يزاد عليه بالفريضة بحال وذلك منصوص عليه في كتاب الله تعالى قال الله تعالى: {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ} [النسا: 11] فهو تنصيص على أنه صاحب فرض مع الولد وأن فريضته السدس. قال الله عز وجل: {فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النساء: 11] معناه وللأب ما بقى كما هو الأصل أن المال متى أضيف إلى اثنين وبين نصيب أحدهما منه كان للآخر ما بقى فذلك تنصيص على أنه عصبة حال عدم الولد، وأما مع البنت فهو صاحب فرض يأخذ السدس بالفرضية والبنت تأخذ النصف ثم للأب ما بقي بالسنة وهو قوله عليه السلام: "ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر" وهو أولى رجل ذكر فيكون عصبة فيما بقي والجد أب الأب عند عدم الأب يقوم مقامه باعتبار أنه يدلى به وأنه يتناوله اسم الأب مجازا إلا في فصل وهو في زوج وأبوين وامرأة وأبوين فإن للأم ثلث ما بقى والباقي للأب فإن كان مكان الأب جد فللأم ثلث جميع المال والباقي للجد على ما نبينه، فأما الأم فإنها صاحبة فرض ولها في الميراث حالان إما السدس وإما الثلث لا تنقص من السدس إلا عند العول ولا تزاد على الثلث إلا عند الرد أما السدس لها مع الولد ثبت ذلك بقوله تعالى: {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ} [النساء: 11] والثلث بقوله تعالى: {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النساء: 11] والسدس لها مع وجود الإخوة بقوله تعالى: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء: 11] ولا خلاف أن فرضيتها السدس مع الولد ذكرا كان أو أنثى لأن اسم الولد حقيقة لهما فأما مع الإخوة فقد اختلفوا في فصول بعد ما اتفقوا أن الذكور والإناث في هذا الحكم سواء عند الاختلاط وعند الانفراد حتى أن فرضها السدس مع الأخوات المفردات كما في الذكور المفردين وكما مع الذكور مع الإناث عند الاختلاط، وإنما الاختلاط في المثنى من الأخوة والأخوات فعلى قول أكثر الصحابة رضي الله عنهم وهو قول جمهور العلماء الفقهاء فريضتها السدس معهما. وعلى قول ابن عباس: فريضتها الثلث معهما إلا أن يكونوا أثلاثا لظاهر قوله تعالى: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ} [النساء: 11] وذلك اسم جمع وأدنى الجمع المتفق عليه ثلاثة والحجب لا يثبت إلا بعد التيقن بشرطه، ولكنا نقول قد ثبت بالنص أن المثنى من الأخوات كالثلاث في الاستحقاق قال الله تعالى: {فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ} [النساء: 176] فكذلك المثنى كالثلاث في الحجب وقد بينا في البنات أن المثنى حكم الجمع في الحجب والاستحقاق جميعا وهذا وإن كان نوعا من المجاز فقد حملنا اللفظ عليه بدليل النص وذلك مستقيم على قول جمهور العلماء الأخوة لأم كغيرهما من الإخوة في حجب الأم من الثلث، وعلى قول الزيدية: الحجب إنما يثبت بالإخوة لأب وأم أو لأب ولا يثبت بالأخوة لأم، قالوا: لأن هذا الحجب بمعنى معقول وهو أن عند وجود الاخوة لأب وأم أو

 

ج / 29 ص -126-    لأب يكثر عيال الأب فيحتاج إلى زيادة مال للإنفاق عليهم والأم لا تحتاج إلى ذلك إذ ليس عليها شيء من النفقة وهذا المعنى لا يوجد في الأخوة لأم لأن نفقتهم ليست على الأب وإنما ذلك على الأم فهي التي تحتاج إلى زيادة مال لأجلهم فلا تحجب من الثلث إلى السدس باعتبارهم، وحجتنا ظاهر الآية فإن اسم الأخوة حقيقة للأصناف الثلاثة لأن الأخ من جاور غيره في صلب أو رحم وهذا حكم ثابت بالنص، وقولهم غير معقول المعنى فإن الأخوة يحجبون الأم إلى السدس بعد موت الأب ولا نفقة هنا على الأب ويحجبون إذا كانوا كبارا وليس على الأب من نفقتهم شيء، ثم السدس الذي يحجب عنه الأخوة لأم يكون للأب في قول عامة الصحابة وهو مذهبنا.
وعن ابن عباس رضي الله عنه في رواية شاذة إن ذلك للأخوة بيانه، فمن مات وترك أبوين وأخوة عندنا للأم السدس والباقي للأب وعنده للأم السدس والسدس للأخوة والباقي للأب واستدل بحديث رواه طاووس أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى الأخوة السدس مع الأبوين ولأن من لا يرث لا يحجب.
ألا ترى أن الأخوة لو كانوا كفارا أو أرقاء لا يحجبون فلما حجبوا الأم مع وجود الأب عرفنا أنهم ورثة مع الأب ولا يرثون شيئا من نصيب الأب لأنهم يدلون به ولأن الأب أقرب منهم فإنه يتصل بالميت من غير واسطة فلم يبق لهم من الميراث إلا مقدار ما نقصوا من نصيب الأم وذلك سدس، وحجتنا في ذلك قوله تعالى:
{فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء: 11] معناه وللأب ما بقى لأنه معطوف على قوله عز وجل: {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النساء: 11] ثم هناك المراد وللأب ما بقي وحكم المعطوف حكم المعطوف عليه.
يوضحه: أنه بين في أول الآية حالا يكون الوارث فيه الأبوان فقط بقوله تعالى:
{وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ} [النساء: 11] فبين نصيب الأم ثم عطف عليه بغير نصيبها بوجود الغير فيبقي ما سوى ذلك على ما كان وهو أن الوارث هم الأبوان فقط.
وأما الحديث فقد روى عن طاووس: لقيت بن رجل من الأخوة الذين أعطاهم رسول الله السدس مع الأبوين فسألته عن ذلك فقال كان ذلك وصية فعلى هذا يصير الحديث دليلا لنا لأن الوارث لا يستحق الوصية فلما أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم الأخوة بالوصية مع الأبوين عرفنا أنهم لا يرثون، والمعنى الذي قال هو كما قال أن من لا يرث لا يحجب غير أن الشرط أن يكون وارثا في حق من يحجبه والأخ وارث في حق الأم وإنما يحجب الأم بخلاف الرقيق والكافر ثم هو محجوب بالأب لأن حال الأخوة مع وجود الأم لا يكون أقوى من حالة عند عدم الأم وهم لا يرثون مع الأب شيئا عند عدم الأم لأن الله تعالى شرط في توريث الأخوة أن يكون الميت كلالة وللكلالة من ليس له ولد ولا والد وهذا لا يتغير بوجود الأم فلهذا لا يرث الأخ شيئا مع الأب، والأصح أن هذه الرواية عن ابن عباس لا تثبت فإن مذهبه في الجد مع الأخوة كمذهب الصديق رضي الله عنه أنهم لا يرثون شيئا فكيف يرثون مع الأب

 

ج / 29 ص -127-    ويختلفون أيضا في زوج وأبوين فعلى قول عمر وعلي وابن مسعود وزيد رضي الله عنهم للزوج النصف وللأم ثلث ما بقي والباقي للأب وهو قول جمهور الفقهاء. وعلى قول ابن عباس للأم ثلث جميع المال والباقي للأب وكذلك في امرأة وأبوين للأم ثلث ما بقي عند من سمينا وعند ابن عباس ثلث جميع المال.
وحكى أن ابن عباس لقي زيدا رضي الله عنهما فقال نشدتك الله هل تجد في كتاب الله ثلث ما بقى فقال لا ولكنني قلت ذلك برأيي فقال كتاب الله أحق أن يؤخذ به من رأيك، وحجته ظاهر الآية فإن الله تعالى قال:
{فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النساء: 11] يعنى ثلث التركة لأنه معطوف على قوله تعالى: {فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ} [النساء: 11] وعلى قوله تعالى: {وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} [النساء: 11] يعنى نصف ما ترك فكذلك قوله عز وجل: {فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النساء: 11] ثم لا يجوز أن ينتقص نصيب الأم بالزوج لأن سبب وراثه الأم أقوى من سبب الزوج فإن سبب وراثتها لا يحتمل النقص والدفع فهو قائم عند الوراثة وقد ترث جميع المال في بعض الأحوال بخلاف الزوج ولو جاز أن ينقص نصيب أحدهما لمكان الزوج لكان الأولى به الأب.
وقد ينتقص نصيب الأب لوجود الزوج فإن المرأة إذا تركت أباها وحده كان له جميع المال وإن كان مع الأب زوجها فله نصف المال.
ولا ينتقص نصيب الأم لمكان الزوج بحال فإدخال ضرر النقصان على الأب أولى منه على الأم وهذا المعنى فقهي وهو أن الأب عصبة في هذه الحالة ولا مزاحمة بين العصبات وأصحاب الفرائض ولكن أصحاب الفرائض مقدمون فيعطون فريضتهم ثم ما بقي للعصبة قل أو أكثر واعتبار الثلث والثلثين بين الأب والأم عند وجود المزاحمة ويقاس بما لو كان مكان الأب جدا في هذين الفصلين وحجتنا في ذلك قوله تعالى:
{فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النساء: 11] معناه: فلأمه ثلث ما ورثه أبواه إذ لو لم يحمل على هذا صار قوله: {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ}[النساء: 11] فصلا خاليا عن الفائدة وقد كان يحصل البيان بقوله: {فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النساء: 11] كما قال تعالى: {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} [النساء: 11] فلما قال هنا: وورثه أبواه عرفنا أنه إنما جعل لها ميراث الأبوين وميراث الأبوين ما بقي بعد نصيب الزوج والزوجة، يوضحه أنه علق إيجاب الثلث لها بشرطين أحدهما عدم الولد والآخر أن يكون الوارث أبوين فقط لأن قوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ} [النساء: 11] شرط، وقوله تعالى: {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ} [النساء: 11] عطف على شرط والمعطوف على الشرط شرط والمتعلق بشرطين كما ينعدم بانعدامهما ينعدم بانعدام أحدهما فبهذا يتبين أن ثلث جميع التركة لها غير منصوص في هذه الحالة فوجب المصير إلى هذا المعنى المعقول وهو أن الأبوين في الأصول كالابن والبنت في الفروع لأن سبب وراثة الذكر والأنثى واحد، وكل واحد منهما متصل بالميت بغير واسطة،

 

ج / 29 ص -128-    ثم لا يجوز تفضيل البنت على الابن ولا التسوية بينهما في الفروع بل يكون للأنثى مثل نصف نصيب الذكر فكذلك في الأصول ويقاس ما بقى بعد نصيب الزوج والزوجة بجميع المال عند عدم الزوج والزوجة، فأما إذا كان مكان الأب جد فيقول تفضيل الأنثى على الذكر أو التسوية إنما تجوز عند المساواة في القرب ولا مساواة فالأم متصلة بالميت من غير واسطة والجد لا يتصل به إلا بواسطة.
ألا ترى أن الجد قد يحرم الميراث بمن هو أقرب منه وهو الأب والأم لا تحرم بمن هو أقرب منها بحال بمنزلة الأب فلهذا أعطيناها مع الجد ثلث جميع المال ومع الأب ثلث ما بقي، وكان يقول أبو بكر الأصم لها ثلث ما بقي مع الزوج وثلث جميع المال مع الزوجة ويروى ذلك عن معاذ رضي الله عنه لأن مع الزوج لو أعطيناها ثلث جميع المال لم يكن للأب إلا السدس فيكون فيه تفضيل الأنثى على الذكر ولا إلى التسوية بينهما، فأما الجدة فهي صاحبة فرض فريضتها السدس لحديث أبي سعيد الخدري أعطى الجدة السدس ويستوى في ذلك أم الأم وأم الأب فإن اجتمعتا فالسدس بينهما ثبت ذلك باتفاق الصحابة رضي الله عنهم على ما روى أن أم الأم جاءت إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه وقالت أعطني ميراث ولد ابنتي فقال لا أجد لك في كتاب الله تعالى نصيبا ولم أسمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيك شيئا ولكني أشاور أصحابي فجمعهم وسألهم عن ذلك فشهد محمد بن سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى الجدة السدس ثم جاءت أم الأب بعد ذلك إلى أبي بكر فقالت: أعطني ميراث ولد ابني فقال لا أجد لك في كتاب الله نصيبا ولم أسمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيك شيئا ولكني أرى أن ذلك السدس بينكما إذا اجتمعتا وهو لمن انفرد منكما، ثم لا يزداد نصيب الجدات على السدس وإن كثرن إلا عند الرد ولا ينقص إلا عند العول، فأما الزوج فهو صاحب فرض وله حالان النصف عند عدم الولد وولد الابن ذكرا كان أو أنثى والربع عند وجوده ثبت ذلك بقوله تعالى:
{وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ} [النساء: 12]، الآية ولا يزداد الزوج على النصف بذلك بحال ولا ينقص عن الربع إلا عند العول وأما الزوجة فهي صاحبة فرض ولها حالان الربع عند عدم الولد وولد الابن ذكرا كان أو أنثى والثمن عند وجوده ثبت ذلك بقوله تعالى: {وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ} [النساء: 12] الآية ونصيب الزوجات بينهن بالسوية اثنتين أو ثلاثا أو أربعا لا يزاد لهن على الربع بحال ولا ينقص عن الثمن إلا عند العول ولا يحجب الزوج والزوجة عن الميراث بأحد ولا سبب إلا بقتل أو كفر أو رق.
والحاصل أن الحجب نوعان: حجب حرمان وحجب نقصان، فحجب الحرمان نحو حجب الأجداد بالأب والجدات بالأم وحجب النقصان نحو حجب الزوج والزوجة ولا خلاف في أن حجب الحرمان لا يثبت بمن هو غير وارث بسبب القتل أو الرق أو اختلاف الدين وكذلك حجب النقصان في أكثر قول الصحابة رضي الله عنهم وهو مذهبنا. وقال ابن مسعود رضي الله عنه: ثبت حجب النقصان بمن لا يكون وارثا، واستدل في ذلك فقال: هذا

 

ج / 29 ص -129-    الحجب بالنص ثابت بالولد وبالأخوة وبسبب الرق والقتل والكفر لا بقيد هذا الاسم فالتقييد بكون الأخ والولد وارثا يكون زيادة على النص وهذا بخلاف حجب الحرمان لأن حجب الحرمان باعتبار تقديم الأقرب على الأبعد وإنما يتحقق ذلك إذا كان الأقرب مستحقا فأما حجب النقصان باعتبار أن السبب مع وجود الولد والأخوة لا يوجب له إلا أقل النصيبين وفي هذا المعنى لا فرق بين أن يكون الولد والأخ وارثا أو لا يكون وارثا، وحجتنا في ذلك أن من ليس بوارث جعل في استحقاق الميراث كالميت فكذلك في الحجب هو كالميت وكما أنه مع الرق لا يخرج من أن يكون ولدا فبالموت لا يخرج من أن يكون ولدا ثم شرطنا كونه ولدا حيا للحجب بالاتفاق فكذلك يشترط كونه وارثا حرا للحجب ونفس حجب النقصان على حجب الحرمان في المعنى لا فرق بينهما لأن في حجب الحرمان تقديم الأقرب في الكل وفي حجب النقصان تقديم الحاجب على المحجوب في البعض فإذا شرط هناك صفة الوراثة في الحاجب فكذلك يشترط هنا والله أعلم بالصواب. 

باب التشبيه في ميراث الأولاد
قال رضي الله عنه: ويسمى هذا باب التفويض وباب ترتيب الأنساب واعلم بأن الصحابة رضي الله عنهم لم يتكلموا في جنس مسائل هذا الباب وإنما ذكر المتأخرون رحمهم الله في ذلك لتسجيد الخواطر فنقول إنك تسأل عن ثلاثة بنات بن بعضهن أسفل من بعض، فالأصل في تخريج الجواب ما قدمنا أن ابنة الابن تقوم مقام ابنة الصلب عند عدمها وابنة بن الابن تقوم مقام ابنة الابن عند عدمها، ثم صورة هذه المسألة أن العليا منهن ابنة الابن والوسطى ابنة بن الابن والسفلى ابنة بن ابن الابن فيكون للعليا النصف لأنها قائمة مقام ابنة الصلب والوسطى السدس تكملة الثلثين ولا شيء للسفلى، فإن كان مع واحدة منهن غلام قلت إن كان الغلام مع العليا فالمال بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين، وإن كان مع الوسطى فللعليا النصف والباقي بين الغلام والوسطى للذكر مثل حظ الأنثيين ولا شيء للسفلى لأن الذكر لا يعصب من دونه بدرجة وإن كان الغلام مع السفلى فللعليا النصف وللوسطى السدس تكملة الثلثين والباقي بين السفلى والغلام للذكر مثل حظ الأنثيين، فإن كان مع العليا جدها أب أبيها فقل هذا الميت ذكر أم أنثى، فإن كان الميت ذكرا فالسؤال محال لأن أب الأب أب أب العليا وهو الميت نفسه، وإن كان الميت امرأة فالسؤال صحيح وهذه امرأة ماتت وتركت زوجها وثلاث بنات بن فيكون للزوج الربع وللعليا النصف وللوسطى السدس.
فإن قيل: لم يذكر في السؤال قيام الزوجية بينهما عند الموت فكيف يورثه؟
قلنا: قد ذكر ذلك إشارة بذكره إياه في جملة الورثة مع أنا عرفنا أن الزوجية بينهما وما عرف ثبوته فالأصل بقاؤه حتى يقوم دليل الزوال، فإن كان مع العليا جدتها أم أبيها قلنا: إن كان الميت امرأة فالسؤال محال لأن أم أب العليا هي الميتة نفسها، وإن كان الميت ذكرا فالسؤال مستقيم وأم أب العليا زوجة الميت فيكون لها الثمن، ولابنة الابن النصف، ولابنة ابن

 

ج / 29 ص -130-    الابن السدس تكملة الثلثين، وإن كان مع العليا عمها فنقول عم العليا بن الميت فالمال كله له، وإن كان مع العليا عمتها فعمة العليا ابنة الميت فلها النصف وللعليا السدس، وإن كان مع العليا عم ابنها فعم أبنها أخ الميت فيكون للعليا النصف وللوسطى السدس والباقي للأخ، وإن كان مع العليا عمة ابنها فعمة ابنها أخت الميت فللعليا النصف وللوسطى السدس والباقي للأخت فإن الأخوات مع البنات عصبة فإن كان مع العليا ثلاثة أعمام متفرقين فنقول إن كان الميت ذكرا فالمال بين عم العليا لأب وأم وعمها لأب نصفان ولا شيء لعمها لأمها لأن عمها لأم ابن امرأة الميت، وإن كان الميت امرأة فالمال بين عم العليا لأب وأم وعمها لأم نصفان لأنهما ابنا الميت ولا شيء لعمهما لأب لأنه بن زوج الميت وإن كان مع العليا ثلاث عمات متفرقات فهو كذلك إن كان الميت رجلا فعمة العليا لأب وأم وعمتها لأم ابنتا الميت فلهما الثلثان وإن كان مع العليا ثلاث أخوة متفرقين فالمال بينها وبين أختها لأب وأم وأختها لأب للذكر مثل حظ الأنثيين ولا شيء لأختها لأم لأنها ابنة امرأة بن الميت وإن كان مع العليا ثلاث أخوات متفرقات فأخوتها لأبيها وأمها وأختها لأبيها في درجتها فيكون لهم الثلثان ولا شيء لأختها لأمها لأنها ابنة بن امرأة بن الميت ويستوي في هذا الفصل إن كان الميت ذكرا أو أنثى، فإن كان ترك ثلاث بنات بن بعضهن أسفل من بعض وثلاث بنات بن ابن بعضهن أسفل من بعض فنقول العليا من الفريق الثاني في درجة الوسطى من الفريق الأول والوسطى من الفريق الثاني في درجة السفلى من الفريق الأول فيكون للعليا من الفريق الأول النصف وللوسطى من الفريق الأول والعليا من الفريق الثاني السدس تكملة الثلثين ولا شيء لمن سواهن، فإن كان مع الوسطى من الفريق الثاني غلام فالباقي بين السفلى من الفريق الأول والوسطى من الفريق الثاني والغلام للذكر مثل حظ الأنثيين ولا شيء للسفلى من الفريق الثاني، وإن كان الغلام مع السفلى من الفريق الثاني فالباقي بين الغلام وبين من بقي منهن للذكر مثل حظ الأنثيين لما بينا أن الغلام كما يعصب من في درجته يعصب من هو فوقه بدرجة إذا لم يستحق شيئا بالفريضة وإن كان الغلام مع العليا من الفريق الثاني فللعليا من الفريق الأول النصف والباقي بين الوسطى من الفريق الأول والعليا من الفريق الثاني والغلام للذكر مثل حظ الأنثيين فإن كان الغلام مع العليا من الفريق الأول فالمال بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين.
وإن ترك ثلاث بنات بن بعضهن أسفل من بعض ومع العليا ثلاث بني أعمام متفرقين فالمال بين العليا وبين بن عمها لأب وأم وبين بن عمها لأب للذكر مثل حظ الأنثيين لأن بن عمها في درجة بن ابن الميت رجلا كان أو امرأة، فإن كان مع العليا ثلاث بنات أعمام متفرقين فللعليا وما يكون من هذا الجنس فطريق تخريجه ما بينا.
ويتصل بهذا الباب مسائل المعاياة ومتشابه الأنساب. ولكن أورد محمد رحمه الله لذلك بابا في آخر الكتاب. فيؤخر البيان إلى ذلك الموضع ليكون أسهل والله أعلم بالصواب.

 

ج / 29 ص -131-    باب الأخوة والأخوات
قال رحمه الله: الأصل في توريثهم آيتان من كتاب الله تعالى إحداهما قوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ} [النساء: 12] معناه أخ أو أخت لأم هكذا في قراءة سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وتسمى هذه الآية آية النساء لأنها في النساء نزلت والثانية قوله تعالى: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ} [النساء: 176] إلى آخر السورة والمراد الأخوة والأخوات لأب وأم أو لأب هكذا قاله الصديق رضي الله عنه على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتسمى هذه الآية آية الصيف لأن نزولها كان في الصيف ثم اختلفت الصحابة رضي الله تعالى عنهم ومن بعدهم في معنى اللفظ المذكور في الآيتين وهو الكلالة أنه عبارة عما خلا عن الولد والوالد وفي آية النساء الكلام مبهم جدا وفي آية الصيف زيادة بيان بقوله عز وجل: {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ} [النساء: 176] وكان عمر رضي الله عنه أحرص الناس على السؤال عن الكلالة حتى أنه روى لما ألح على رسول الله صلى الله عليه وسلم في السؤال عنه وضع في صدره فقال: "أما يكفيك آية الصيف؟" وإنما أحاله على الآية ليجتهد في طلب معناها فينال ثواب المجتهدين.
وروى أن ابن عمر رضي الله عنه قال لحفصة رضي الله عنها: متى وجدت من رسول الله صلى الله عليه وسلم طيبة نفس فسليه عن الكلالة فلبس رسول الله صلى الله عليه وسلم ثيابه يوما ليخرج فقالت حفصة أخبرني عن الكلالة يا رسول الله فقال عليه السلام:
"أبوك أمرك بذلك؟ ما أراه يعرف الكلالة" فكان عمر رضي الله عنه يقول ما أراني أعرف الكلالة بعد ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال وكان عمر رضي الله عنه يقول قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يبين لنا ثلاثا، ولو علمتها لكان أحب إلي من الدنيا وما فيها الكلالة والخلابة والربا. وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه إني رأيت في الكلالة رأيا فإن يك صوابا فمن الله ورسوله وإن يك خطأ فمني ومن الشيطان أرى الكلالة ما خلى عن الولد والوالد فاتبعه عمر رضي الله عنه على رأيه وقال لا أرضى من نفسي أني أنسب إلى مخالفة أبي بكر رضي الله عنه وأثبت ذلك في كتف فلما طعن وأيس من نفسه دعا بالكتف ومحاه وقال اشهدوا أني ألقى الله تعالى ولا قول لي في الكلالة، ثم اتفق أكثر الصحابة أبو بكر وعلي وزيد وابن مسعود رضي الله عنهم أن الكلالة ما عدى الولد والوالد وهو قول جمهور العلماء وقد روى ذلك عن ابن عباس رضي الله عنه وقد صح عنه في زوج وأبوين أن للأم ثلث جميع المال ولا يظن به أنه يسقط الأب بالأخ ولا أنه ينقص نصيبه من السدس بسبب الأخ ولم يبق السدس يعنى أن الله تعالى أثبت للأخ لأم السدس إذا كانت المرأة كلالة.
وأما إذا ماتت المرأة عن زوج وأبوين وأخ لأم فعلى قول ابن عباس للزوج النصف وللأم ثلث جميع المال ولم يبق إلا السدس فلو كانت المسألة كلالة مع قيام الأب عنده لصار ذلك السدس للأخ لأم فيصير الأب محجوبا بسبب الأخ لأم ولا يظن به هذا، فعرفنا أن الصحيح

 

ج / 29 ص -132-    من مذهبه أن الكلالة ما خلا الولد والوالد وأظهر الروايتين عنه أن الكلالة ما خلا الولد فإن كان هناك والد فقلت أنهم يقولون ما عدا الوالد والولد فغضب فقال أنتم أعلم أم الله قال الله تعالى: {قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ} [النساء: 176] يعنى الكلالة هالك ليس له ولد، وعامة الصحابة والعلماء استدلوا بحديث رواه أبو سلمة بن عبد الرحمن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الكلالة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من ليس له ولد ولا والد" وأما الآية فقد قيل المراد بقوله: {لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ} [النساء: 176] وهو يشمل الولد والوالد جميعا فإن اسم الولد مشتق من الولادة ويطلق ذلك على الوالد لتولد الولد منه وعلى الولد لتولده من الوالد كاسم الذرية يتناول الأولاد والآباء قال الله تعالى: {وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ} [يس: 41] يعنى آباءهم فسمى الأب بهذا الاسم لأن الولد ذري منه وسمى به الولد لأنه ذري من الأب والمراد بقوله عز وجل: {لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ} [النساء: 176] الولد ومن يقوم مقام الولد.
ألا ترى أن من له ولد بن لا يكون كلالة لوجود من يقوم مقام الولد فكذلك من له أب لا يكون كلالة لوجود من يقوم مقام الولد، ومن حيث معنى اللغة والاشتقاق الحجة فيه لعامة العلماء رحمهم الله أن السبب نوعان سرد وكلالة فالسرد لا يتبع فردا فردا قال الله تعالى
: {وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ} [سبأ: 11] ومنه قول القائل:
نسب توارث كابر عن كابر
كالرمح أنبوبا على أنبوب
وهذا المعنى في الآباء والأولاد لأنه يتبع فردا فردا، فعرفنا أن الكلالة ما سوى ذلك ومن حيث الاشتقاق لأهل اللغة ولأن أحدهما أن اشتقاق الكلالة من قولهم تكلله النسب أي أحاط به ومنه يقال تكلل الغمام السماء أي أحاط به من كل جانب ومنه الإكليل فإنه يحيط بجوانب الرأس ومنه الكل والمراد به الجمع والإحاطة وذلك لا يتحقق في الآباء والأولاد لأن اتصال كل واحد منهما بصاحبه من جانب واحد وإنما يتحقق هذا فيما سوى الآباء والأولاد فإن الاتصال يحيط من الجانبين ومن ذلك قول الفرزدق:
ورثتم قناة المجد لا عن كلالة
عن ابني مناف عبد شمس وهاشم
وقيل: اشتقاق الكلالة من قولهم حمل فلان على فلان ثم كل عنه أي بعد ومنه الكل وهو اسم لما تباعد عن المقصود ومعنى التباعد إنما يتحقق فيما عدا الوالد والولد لكون الاتصال بواسطة أو واسطتين أو واسطات والدليل عليه قول القائل:
وإن أب المرء حمالة
ومولى الكلالة لا يعصب
فقد أخرج الأب من الكلالة ثم اختلفوا في أن الكلالة اسم للميت أو للورثة فقال أبو عبيدة معمر بن المثنى هو اسم لميت ليس له ولد ولا والد وهو اختيار أهل البصرة. وقال أهل الكوفة وأهل المدينة هو اسم لورثه ليس فيهم ولد ولا والد، وحجة القول الأول قوله تعالى:
{وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً} [النساء: 12] أي يورث في حال ما يكون كلالة فهو

 

ج / 29 ص -133-    نصب على الحال. كما يقال ضرب زيدا قائما وإنما يورث الميت فعرفنا أن الكلالة صفة له وحجة القول الثاني قوله تعالى: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ} [النساء: 176] أي يستفتونك عن الكلالة وإنما يستقيم الاستفتاء عن ورثة ليس فيهم ولد ولا والد فأما إذا سئل عن ميت ليس له ولد ولا والد لا يفهم بهذا السؤال شيء والآية قرئت بالنصب بيورث وبالكسر بورثة والقراءة بالكسر دليل على أن الكلالة اسم للورثة وتأويل القراءة بالنصب ما أشرنا إليه أن اسم الكلالة يتناول الورثة ويتناول الميت كاسم الأخ بتناول كل واحد منهما ثم قد ثبت بالسنة أن المراد بالكلالة الورثة قال عليه السلام: ومن ترك كلا وعيالا فعلي نفقته يعنى كلالة، إذا عرفنا هذا فنقول الأخوة والأخوات أصناف ثلاثة بنو الأعيان وهم الأخوة والأخوات لأب وأم سموا بذلك لأن عين الشيء أتم ما يكون منه وتمام الاتصال من الجانبين في حقهم وبنو العلات وهم الأخوة والأخوات لأب قال القائل:
ويوسف إذ دلاه أولاد علة
فأصبح في قعر الركية ثاويا
وبنو الأحياف وهم الأخوة والأخوات لأم سموا بذلك من قولهم فرس أحيف إذا كانت إحدى عينيه زرقا والأخرى كحلا فنسب بإحدى عينيه إلى شيء وبأخرى إلى شيء آخر فحال الأخوة والأخوات لأم كذلك.
ثم نبدأ ببيان ميراث بني الأحياف اقتداء بكتاب الله تعالى فقد ذكر الله تعالى في أول السورة ميراثهم بقوله تعالى:
{وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ} [النساء: 12] أي لأم، وهكذا في قراءة سعد رضي الله عنه وهم أصحاب الفريضة للواحد منهم السدس ذكرا كان أو أنثى وللمثنى فصاعدا منهم الثلث بين الذكر والأنثى بالسوية لا يزاد لهم على الثلث وإن كثروا إلا عند الرد فلا ينتقص الفرد منهم عن السدس إلا عند العول وهذا حكم ثابت بالنص قال الله تعالى: {فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء: 12].
ولفظ الشركة يقتضي التسوية فهو دليل على أنه سوى بين ذكورهم وإناثهم والمعنى يدل عليه فإنهم يدلون بالأم فيعتبر ميراثهم بميراث المدلى به وللأم في الميراث حالان فالفرد منهم يعتبر حاله بأسوإ حالى الأم فله السدس والجماعة منهم يعتبرون بأخس حالى الأم لتقوى حالهم بالعدد وفي معنى الإدلاء بالأم الذكور والإناث سواء ويفضل الذكر على الأنثى باعتبار العصوبة ولا حظ له في العصوبة ثم هم لا يرثون مع أربعة نفر بالاتفاق مع الولد وولد الابن ذكرا كان أو أنثى ومع الأب والجد فإن الله تعالى شرط في توريثهم الكلالة وقد بينا أن الكلالة ما خلا الوالد والولد، واتفقوا أنهم لا يسقطون ببنى الأعيان ولا ببني العلات ولا ينقص نصيبهم ببني العلات وإنما يختلفون في أنه هل ينقص نصيبهم ببني الأعيان أم لا وبيان هذا الاختلاف في امرأة ماتت وتركت زوجا وأما وأخوين لأم أو أختين أو أخا وأختا وأخوين لأب وأم فالمذهب عند علي وأبي موسى الأشعري وأبي بن كعب رضي الله عنهم أن

 

ج / 29 ص -134-    للزوج النصف وللأم السدس وللأخوة لأم الثلث ولا شيء للأخوة لأب وأم وبه أخذ علماؤنا رحمهم الله.
وقال عثمان وزيد رضي الله عنهما: الثلث مقسوم بين الأخوة لأم وبين الأخوة لأب وأم بالسوية وهو مذهب شريح والثوري ومالك والشافعي، وهذه المسألة المشركة وكان عمر رضي الله عنه ينفي التشريك ثم رجع إلى التشريك. وعن ابن عباس رضي الله عنه روايتان: أظهرهما التشريك. وعن ابن مسعود رضي الله عنه روايتان أظهرهما نفي التشريك وتسمى هذه المسألة مسألة التشريك والحمارية وذلك لأنه روى أن الأخوة لأب وأم سألوا عمر رضي الله عنه عن هذه المسألة فأفتى بنفي التشريك كما كان يقوله أولا فقالوا: هب أن أبانا كان حمارا ألسنا من أم واحدة فقال عمر رضي الله عنه صدقتم ورجع إلى القول بالتشريك وهو المعنى الفقهي فإن استحقاق الميراث باعتبار القرب والإدلاء وقد استوفوا في الإدلاء إلى الميت بالأم ويرجح الأخوة لأب وأم بالإدلاء إليه بالأب فإن كانوا لا يتقدمون بهذه الزيادة فلا أقل من يستووا بهم. وإنما لم يتقدموا لأن الإدلاء بالأب بسبب العصوبة واستحقاق العصبات متأخر عن استحقاق أصحاب الفرائض فلا يبقى هنا شيء من أصحاب الفرائض فيسقط اعتبار الإدلاء بقرابة الأب في حقهم وإنما يبقي الإدلاء بقرابة الأم وهم في ذلك سواء، واحتجاجنا على القوم الذين قالوا هب أن أبانا كان حمارا إنا إذا جعلنا أباكم حمارا فإنا نجعل أمكم أتانا فلا يستحق بالإدلاء بها شيء ومعنى هذا الكلام وهو أن الإدلاء بقرابة الأب سبب لاستحقاق العصوبة وبعد ما وجد هذا السبب لا تكون قرابة الأم علة الاستحقاق بل تكون علة للترجيح فلهذا يرجح الأخ لأب وأم على الأخ لأب.
وما يكون علة للاستحقاق بانفراده لا يقع به الترجيح وإنما يقع الترجيح بما لا يكون علة للاستحقاق فلهذا يتبين أن قرابة الأم في حقهم ليست بسبب للاستحقاق ثم العصوبة أقوى أسباب الإرث والضعيف لا يظهر مع وجود القوي فلا يظهر الاستحقاق بالفرضية في حق الأخوة والأخوات لأب وأم وإذا لم يظهر ذلك وجب إلحاق الفرائض بأهلها فإن بقي سهم فهو للعصبة وإن لم يبق فلا شيء لهم، وإذا اعتبر التسوية بينهم في قرابة الأم لترجح قرابة الأب فينبغي أن يكون الثلث كله لهم كما يرجح الأخوة لأب وأم على الأخوة لأب بقرابة الأم والدليل عليه لو كان هناك أخ واحد لأم وعشرة لأب وأم فللأخ لأم السدس والباقي بين الأخوة لأب وأم ولا أحد يقول بالتسوية بينهم هنا فلو كان معنى الاستواء في قرابة الأم معتبرا لوجب أن يعتبر ذلك وبقي تفضيل الأخ لأم على الأخ لأب وأم إذ عرفنا هذا فنقول لو كان مكان الأخوين لأب وأم اختين لأب وأم لا تكون المسألة مشركة لأن للاختين لأب وأم الثلثين بالفريضة وتكون المسألة عولية وكذلك لو كان مكانهما أخوين لأب لا تكون المسألة مشركة لأن من يقول بالتشريك إنما يقول به لوجود المساواة في الإدلاء بالأم وذلك لا يوجد في الأخوة لأب وكذلك إذا كان الأخ لأم واحدا لا تكون مشتركة لأنه يبقى بعد نصيب أصحاب الفرائض.

 

ج / 29 ص -135-    فأما بيان ميراث بني الأعيان فنقول: إنهم يقومون مقام أولاد الصلب عند عدمهم في التوريث ذكورهم مقام ذكورهم وإناثهم مقام إناثهم حتى أن الأنثى منهم إذا كانت واحدة فلها النصف وللمثنى فصاعدا الثلثان وذلك يتلى في القرآن قال الله تعالى: {وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} [النساء: 176] ثم قال عز وجل: {فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ} [النساء: 176] كما في ميراث البنات إذا كن فوق اثنتين ولم يذكر ذلك هنا ونص على ميراث البنتين هنا ولم ينص عليه ثمة ليستدل بأحدهما على الآخر، وللفرد منهم إذا كان ذكرا جميع المال ثبت بقوله تعالى: {وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ} [النساء: 176] أي يرثها جميع المال وإن كثروا فالمال بينهم بالسوية اعتبارا بالأبناء، وعند اختلاط الذكور بالإناث يكون المال بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين ثبت بقوله تعالى: {وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالاً وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 176] كما هو في ميراث الأولاد وشيء من المعقول يدل عليه فالإرث خلافة مشروعة لمن يقوم مقام الميت عند استحقاقه عما يخلفه من المال بعد موته والخلافة إما بالمناسبة أو بالمواصلة أو بالقرابة، وميراث بنى العلات كميراث أولاد الابن على معنى أنهم عند عدم بني الأعيان يقوم ذكورهم مقام ذكورهم وإناثهم مقام إناثهم كأولاد الابن عند عدم أولاد الصلب فإنهم لا يرثون مع الذكر من بني الأعيان شيئا كما لا يرث أولاد الابن مع الابن حتى أن الأخت لأب لا ترث مع الأخ لأب وأم ولا تصير عصبة مع البنت إذا كان معها أخ لأب وأم بل يكون النصف للبنت والباقي للأخ لأب وأم ولا شيء للأخت لأب وإن كان بنو الأعيان إناثا مفردات فإن كانت واحدة فلها النصف ولبني العلات إذا كن إناثا مفردات السدس تكملة الثلثين. وإن كانوا مختلطين فالباقي بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين.
وعلى قول ابن مسعود رضي الله عنه ينظر للإناث منهم إلى المقاسمة وإلى السدس فلهن شرهما وإن كان بنو الأعيان بنتين من الإناث فصاعدا فلهما الثلثان ولا شيء للأخوات إلا أن يكون معهن ذكر فيعصبهن فيما بقي، وعلى قول ابن مسعود الباقي للذكر خاصة وهو نظير ما ذكرنا من مسائل الإضرار على قول ابن مسعود رضي الله عنه في أولاد الابن مع بنات الصلب ولا خلاف أنهم لا يرثون مع الأب شيئا إلا في رواية شاذة عن ابن عباس، وقد بينا في توريثهم مع الجد اختلافا ظاهرا نبينه في موضعه ولا خلاف أنهم لا يرثون مع الابن شيئا لأن شرط توريثهم أن يكون الميت هالكا قال الله تعالى:
{إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ} [النساء: 176] ومن له بن فليس بهالك وإنما يختلفون في توريثهم مع البنات وهذا الاختلاف في الإناث المفردات منهم دون الذكور حتى أن من مات وترك ابنة أو ابنتين وأخا لأب وأم أو لأب فللأخ ما بقي نصفا كان أو ثلثا وذلك ثابت بالسنة فقد قال عليه السلام: "ألحقوا الفرائض بأهلها فما أبقت فلأولى رجل ذكر" وأقرب رجل ذكر هو الأخ، فأما إذا كان مع الابنة أو الابنتين أخت لأب وأم أو لأب فعلى قول عمر وعلي وزيد وابن مسعود ما بقي للأخت نصفا كان أو ثلثا.
وعلى قول ابن عباس: لا شيء للأخت في هذه الحالة وأصله: أن الأخوات يصرن

 

ج / 29 ص -136-    عصبة مع البنات عند أكثر الصحابة وهو قول جمهور الفقهاء. وعند ابن عباس رضي الله عنه لا يصرن عصبة، واختلفت الرواية عنه فيما إذا اختلط الذكور بالإناث من الأخوة فروى عنه أن الباقي بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين وهو الأصح من مذهبه وروى عنه أن الباقي كله للذكر، فالأخت تصير عصبة مع البنت سواء كانت لأب وأم أو لأب إلا أنه إذا كان مع الأخت لأب أخ لأب وأم بأن ترك بنتا وأخا لأب وأم وأختا لأب فللبنت النصف والباقي للأخ لأب وأم ولا شيء للأخت لأب وكذلك إن كان هناك ابنة وأخت لأب وأم وأخ وأخت لأب فقد روى عنه أن الباقي كله للذكر والأظهر من مذهبه أن الباقي بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين وعندنا الباقي كله للأخت لأب وأم، وحجته ما روى معمر عن الزهري عن أبي مسلمة بن عبد الرحمن رضي الله عنه قال سألت ابن عباس رضي الله عنه عن فريضة فيها ابنة وأخت فقال للابنة النصف ولا شيء للأخت فقلت قد كان عمر رضي الله عنه يقول للابنة النصف وللأخت ما بقي فغضب وقال أنتم أعلم أم الله قال الله تعالى:{إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ} [النساء: 176] قال الزهري: فلم أفهم مراد ابن عباس حتى سألت عنه عطاء فقال مراده أن الله تعالى إنما جعل للأخت النصف بشرط عدم الولد ولم يجعل لها النصف مع الولد فإن اسم الولد حقيقة للذكر والأنثى جميعا.
ألا ترى أن الله تعالى لما حجب الأم من الثلث إلى السدس بالولد استوى فيه الذكر والأنثى ولما حجب الزوج عن النصف إلى الربع والمرأة إلى الثمن من الربع بالولد استوى فيه الذكر والأنثى فكذلك هنا شرط عدم الولد لتوريث الأخت فيستوي فيه الذكر والأنثى والدليل عليه أن الباقي بعد نصيب صاحب الفريضة يستحقه العصبة بالنسبة والأخ عصبة فأما الأخت فليست بعصبة لأنها عند الانفراد لا تكون عصبة فعرفنا أنها ليست بعصبة في نفسها وإنما تعتبر عصبة بغيرها إذا كان ذلك الغير عصبة والابنة ليست بعصبة فلا يجوز أن يجعل عصبة معها ولو صار عصبة معها لشاركها في الميراث وبالإجماع لا يشاركها في نصيبها فعرفنا أنها ليست بعصبة أصلا إلا أن يخالطها ذكر فحينئذ تصير عصبة بالذكر.
وحجتنا في ذلك قوله تعالى:
{إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ} [النساء: 176] ومعناه بن بدليل ما عطف عليه بقوله تعالى: {وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ} [النساء: 176] فإن معناه بالاتفاق إن لم يكن لها بن حتى أن الأخ يرث مع الابنة، فإن قيل: هما شرطان ذكر كل واحد منهما في حادثة على حدة فإن قام الدليل على أن المراد بأحدهما الذكر لا يتبين أن المراد بالثاني الذكر. قلنا: لا كذلك بل الكل شرط واحد لأنه ذكرا ولا إذا كان الأخ هو الميت يجعل للميت النصف ثم قلت المسألة بجعل الأخت هي الميت والأخ هو الوارث وجعل له جميع المال فبهذا يتبين أن الشرط واحد وهو عدم الولد ثم المراد في أحد الموضعين الذكر دون الأنثى فكذلك المراد في الموضع الآخر والسنة تدل على ذلك فقد روى أن أبا موسى الأشعري سئل عن ابنة وابنة بن وأخت فقال للابنة النصف وللأخت ما بقي، فسئل عن ذلك

 

ج / 29 ص -137-    ابن مسعود رضي الله عنه فقال قد ضللت إذا وما أنا من المهتدين سمعت رسول الله يقول: "للبنت النصف ولابنة الابن السدس تكملة الثلثين والباقي للأخت" ففي هذا تنصيص على أن الأخت عصبة مع البنت والمعنى فيه أن حالة الانفراد حال الأخت أقوى من حال الاختلاط بالأخوة لأن حالة الاختلاط حال مزاحمة وحال الانفراد حال عدم المزاحمة، فإذا كانت هي لا تحجب عن الميراث في حالة الاختلاط بالأخوة فلأن لا تحجب في حالة الانفراد كان أولى وبهذا يتبين أن وجود عين الولد ليس بموجب حرمان الأخوة والأخوات وإنما يحجبون بفريضة الابنة.
ألا ترى أن للأخوات المفردات لأبوين السدس مع الابنة الواحدة ولو لم يكن حجب الأخوات بفريضة البنات لكانت تثبت المزاحمة بينهن وبين الابنة الواحدة في فريضة البنات كبنات الابن فإنهن يزاحمن الابنة الواحدة في فريضة البنات فيكون لهن السدس وإذا ثبت أن حجب الأخوات بفريضة البنات فيما وراء فريضة الابنة انعدم الحجب فيثبت الاستحقاق لهن بخلاف بنات الابن مع الابنتين لأن حجبهن بوجود البنات لا بفريضة البنات يدل عليه أن استحقاق البنات الميراث ينبني على القرب وذلك يكون بالولادة فولد الرجل أقرب إليه من ولد ابنه وولد ابنه أقرب من ولد جده كما أن الأب أقرب إليه من الجد والأخوات ولد الأب والعصوبة تستحق بالولادة لا بالأب في الجملة فعند الحاجة يثبت حكم العصوبة لولد الأب ذكرا كان أو أنثى وقد تحققت الحاجة إلى ذلك في حق الأخوات مع البنات لأنهن صرن محجوبات عن فريضة البنات فإذا كان هناك ذكر معهن فجعلهن عصبة بالذكر أولى وإذا لم يكن يجعلهن عصبة في استحقاق ما وراء فريضة البنات بخلاف فريضة بنات الابن فالحاجة لا تتحقق إلى ذلك في حقهن فإنهن لا يحجبهن عن فريضة البنات بخلاف الأخوات لأم لأنهن يدلين بالأم ولا تأثير لقرابتها في العصوبة.
ألا ترى أن الذكر هو الذي يدلي بقرابتها؟ يوضحه: أن الله تعالى شرط كلالة مبهمة لتوريث أولاد الابن ومن له ابنة فليس بكلالة مطلقا وشرط توريث أولاد الأب كلالة مقيدة بقوله تعالى:
{إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ} [النساء: 176] أي ولد ذكر بدليل آخر الآية وهو قوله تعالى: {وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالاً وَنِسَاءً} [النساء: 146] فالشرط هناك عدم ولد ذكر بالاتفاق ولم يذكر الشرط هناك نصا بل هو معطوف على ما في أول الآية والدليل عليه أن من له ابنة فهو كلالة معنى وليس بكلالة صورة فإن الكلالة من يكون منقطع النسب ولا نسب لأحدهم فإن الأخوة لا ينسبون إلى أخيهم وأولاد البنت لا ينسبون إلى أب أمهم وإنما ينسبون إلى أب أبيهم فلكونه كلالة معنى قلنا يرثه الأخوات لأب وأم أو لأب ولكونه غير كلالة صورة قلنا لا يرثه الأخوات لأم، إذا عرفنا هذا فنقول الأخوة والأخوات وإن كانوا ينزلون منزلة الأولاد في الإرث فلا ينزلون منزلتهم في الحجب حتى أنهم لا يحجبون الزوج والزوجة والواحد منهم لا يحجب الأم من الثلث إلى السدس بخلاف الأولاد لأن الحجب ثابت بالنص

 

ج / 29 ص -138-    من غير أن يعقل فيه المعنى فإنما يثبت في مورد النص وإنما ورد النص به في الأولاد خاصة بخلاف الإرث فإنه معقول المعنى وهو القرب على ما قررنا.
فصل في ميراث الأخوة والأخوات
فإن سئلت عن ثلاث أخوة متفرقين مع كل واحد منهم ثلاث أخوة متفرقون فقل هذا ميت ترك أخوين لأب وأم وأربع أخوات لأب وأربع أخوة لأم لأن أخ أخيه لأب وأم مثله أخ للميت لأب وأم وأخوة لأب للميت كذلك وأخوة لأم للميت كذلك فأما أخ الأخ لأب وأم وأخوة هما أخوا الميت لأب وأخوه لأم أجنبي عن الميت فحصل للميت أخوان لأب وأم وأربع أخوة لأب وأربع أخوة لأم فللأخوة لأم الثلث والباقي للأخوين لأب وأم ولا شيء للأخوة لأب، فإن قال ترك ثلاث أخوات متفرقات مع كل واحدة منهن ثلاث أخوات متفرقات فهو في الحاصل ترك أختين لأب وأم وأربع أخوات لأب وأربع أخوات لأم على التفصيل الذي قلنا فللأخوات لأم الثلث وللأختين لأب وأم الثلثان.
فإن قال: ترك ثلاث أخوة متفرقين وثلاث أخوات متفرقات مع كل أخ ثلاث أخوة متفرقين ومع كل أخت ثلاث أخوات متفرقات فهذا في الحاصل ترك أخوين وأختين لأب وأم وأربع أخوات لأم وأربع أخوة وأربع أخوات لأب على التفسير الذي قلنا فيكون للأخوة والأخوات لأم الثلث بينهم بالسوية والباقي بين الأخوة والأخوات لأب وأم للذكر مثل حظ الأنثيين.
وعن ابن عباس رضي الله عنه في رواية شاذة أن الثلث الذي هو نصيب الأخوة والأخوات لأم بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين قال لأنهم يدلون بالأم فيكون قسمة هذا الميراث بينهم على نحو قسمة ميراث الأم بينهم وميراث الأم يقسم بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين فكذلك ميراث الذي يستحقونه بقرابة الأم، ولكنا نستدل بقوله تعالى: {
فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النسا: 12] والشركة تقتضي التسوية ثم يفضل الذكر على الأنثى في حالة الاختلاط من حكم العصوبة ولا تأثير لقرابة الأم في استحقاق العصوبة بها وإنما يستحقون الميراث بالإدلاء بالأم والأنثى قد استوت بالذكر في ذلك فيستويان في الاستحقاق كما لو أعتق رجل وامرأة عبدا بينهما ثم مات العبد استويا في الميراث عنه لاستوائهما في السبب، فإن قال: ترك بن أخ لأب معه ثلاثة أعمام متفرقين فنقول أما عمه لأب وأم فهو أخ الميت لأب لأنه مثل أبيه وأبوه أخ للميت لأب وأما عمه لأم فهو أجنبي عن الميت وأما عمه لأب فإن كانت أمه أم الميت فهو أخ الميت لأب وأم وإن كانت أمه امرأة أخرى غير أم الميت فهو أخ الميت لأب ففي حال ترك الأخوين لأب وبن أخ فالمال كله للأخوين وفي حال ترك أخ لأب وأم وأخت لأب فالمال كله للأخ لأب وأم، فإن قال: ترك بن الأخ لأب معه ثلاث بني أعمام متفرقين قلنا: ابن عمه لأبيه وأمه مثله ابن أخ الميت لأب وابن عمه لأمه أجنبي عن الميت وابن عمه لأبيه يجوز أن يكون ابن الميت لأن الميت عمه لأمه، فإن قال السائل: وليس للميت

 

ج / 29 ص -139-    فقل حينئذ ابن عمه لأبيه إن كان أبوه من أم الميت فهو بن أخ الميت لأب وأم فيكون أولى بالميراث، فإن كان من امرأة أخرى غير أم الميت فإنما ترك ثلاث بني أخ لأب فالميراث بينهم بالسوية وما كان من هذا الجنس فعلى هذا القياس يخرج والله أعلم بالصواب.

باب العول
قال رضي الله عنه: إعلم أن الفرائض ثلاثة: فريضة عادلة وفريضة قاصرة وفريضة عائلة فالفريضة العادلة هي أن تستوي سهام أصحاب الفرائض بسهام المال بأن ترك أختين لأب وأم وأختين لأم فللأختين لأم الثلث وللأختين لأب وأم الثلثان وكذلك إن كان سهام أصحاب الفرائض دون سهام المال وهناك عصبة فإن الباقي من أصحاب الفرائض يكون للعصبة فهو فريضة عادلة، وأما الفريضة القاصرة أن يكون سهام أصحاب الفرائض دون سهام المال وليس هناك عصبة بأن ترك أختين لأب وأم وأما فللأختين لأب وأم الثلثان وللأم السدس ولا عصبة في الورثة ليأخذ ما بقي فالحكم فيه الرد على ما نبينه في بابه، والفريضة العائلة أن يكون سهام أصحاب الفرائض أكثر من سهام المال بأن كان هناك ثلثين ونصفا كالزوج مع الأختين لأب وأم أو نصفين وثلثا كالزوج مع الأخت الواحدة لأب وأم ومع الأم فالحكم في هذا العول في قول أكثر الصحابة عمر وعثمان وعلي وابن مسعود رضي الله عنهم وهو مذهب الفقهاء. وكان ابن عباس رضي الله عنه ينكر العول في الفرائض أصلا وأخذ بقوله محمد بن الحنفية وعلي بن الحسين وزين العابدين، وأول من قال بالعول العباس بن المطلب فإنه قال لعمر رضي الله عنه حين وقعت هذه الحادثة أعيلوا الفرائض وقيل لابن عباس رضي الله عنه من أول من أعال الفرائض فقال ذلك عمر بن الخطاب ثم أتى بفريضة فيها ثلثان ونصف أو نصفان وثلث فقال لا أدري من قدمه الله فأقدمه ولا من أخره الله فأؤخره وأعال الفريضة وأيم الله لو قدم من قدمه الله تعالى وأخر من أخره الله تعالى ما عالت فريضة قط فقيل ومن الذي قدمه الله يا ابن عباس؟ فقال: من نقله الله من فرض مقدر إلى فرض مقدر فهو الذي قدمه الله تعالى ومن نقله الله تعالى من فرض مقدر إلى غير فرض مقدر فهو الذي أخره الله تعالى.
وعن عطاء رحمه الله أن رجلا سأل ابن عباس رضي الله عنه فقال كيف يصنع في الفريضة العائلة فقال أدخل الضرر على من هو أسوأ حالا فقيل ومن الذي هو أسوأ حالا فقال البنات والأخوات فقال عطاء رحمه الله ولا يغني رأيك شيئا ولو مت لقسم ميراثك بين ورثتك على غير رأيك فغضب فقال قل لهؤلاء الذين يقولون بالعول حتى نجمع ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين أن الذي أحصى رمل عالج عددا لم يجعل في مال نصفين وثلثا فإذا ذهب هذا بالنصف وهذا بالنصف فأين موضع الثلث فقال لم لم تقل هذا في زمن عمر رضي الله عنه فقال كان رجلا مهيبا فهبت حتى قال الزهري رحمه الله لولا أنه يقدم في العول قضاء إمام عادل ورع لما اختلف اثنان على ابن عباس رضي الله عنه في قوله في مسألة المباهلة يعني مسألة العول.

 

 

ج / 29 ص -140-    ثم اشتبه مذهب ابن عباس رضي الله عنه في فصول فمنها إذا تركت زوجا وأما وابنة وابنة بن فعلى قول عامة الصحابة للزوج الربع ثلاثة من اثني عشر وللأم السدس سهمان وللابنة النصف ستة ولابنة الابن السدس تكملة الثلثين فتعول بسهم فتكون القسمة من ثلاثة عشر، واختلفوا على قول ابن عباس رضي الله عنه فيمن يدخل عليه ضرر النقصان منهم فقال سفيان وهو مذهب أهل الكوفة على مذهبه إنما يدخل الضرر على ابنة الابن خاصة فتأخذ الابنة فريضتها ستة وللأم السدس سهم والباقي وهو ثلاثة ونصف مقسومة بين الابنة وابنة الابن أرباعا ثلاثة أرباعه للابنة وربعه لابنة الابن لأن كل واحد منهما ينتقل من فرض مقدر إلى غير فرض مقدر فضرر النقصان يدخل عليهما فإن صح هذا عن ابن عباس رضي الله عنه فهو قول بالعول لأن العول ليس إلا هذا فإن ثلاثة ونصفا لا يسع لأربعة فتضرب كل واحدة منهما فيها بجميع حصتها فيقسم بينهما أرباعا وهذا هو العول.
ومن هذه الفصول: إذا تركت زوجا وأما وأختين لأب وأم وأختين لأم فعلى قول عامة الصحابة للزوج النصف ثلاثة من ستة وللأم السدس سهم وللأختين لأم الثلث سهمان وللأختين لأب وأم الثلثان أربعة فتعول بأربعة والقسمة من عشرة، واختلفوا على قول ابن عباس فقال سفيان رحمه الله على قوله للزوج النصف وللأم السدس وللأختين لأم الثلث ولا شيء للأختين لأم وأب لأنه يتغير ضرر الحرمان بضرر النقصان فكما أن ضرر النقصان على قوله على الأختين لأب وأم دون الأختين لأم فكذلك ضرر الحرمان.
وقال طاوس: على قول ابن عباس رضي الله عنه الثلث الباقي بين الأختين لأم والأختين لأب وأم بالسوية ليدخل الضرر عليهما جميعا وهذا يرجع إلى القول بالتشريك ثم حجة ابن عباس الكلام الذي ذكرناه عنه فإنه لا يدخل في وهم أحد من العقلاء يوهم نصفين وثلثا أو ثلثين ونصفا في مال واحد فكان تقرير ذلك من المحال وإنما يحتاج هو إلى بيان من يكون أولى بإدخال الضرر عليه فقال أصحاب الفرائض يقدمون على العصبات كما قال عليه السلام:
"ألحقوا الفرائض بأهلها" الحديث فهو ينتقل من فرض مقدر إلى غير فرض مقدر فهو صاحب فرض من وجه عصبة من وجه فيكون إدخال ضرر النقصان عليه أولى وعلى الحرف الآخر قال يدخل الضرر على من يكون أسوأ حالا وهم الأخوات والبنات أما الأخوات فلا يشكل لأنهن يسقطن بالأب والجد على الاختلاف وبالابن ويصرن عصبة إذا خالطهن ذكر والزوج والزوجة والأم لا يسقطون بحال وكذلك البنات فإنهن يصرن عصبة إذا خالطهن ذكر والعصبة مؤخر عن صاحب الفريضة فإذا كن أسوأ حالا كان إدخال الضرر والنقصان عليهن أولى.
وحجتنا في ذلك أنهم استووا في سبب الاستحقاق في ذلك وذلك يوجب المساواة في الاستحقاق فيأخذ كل واحد منهم جميع حقه إن اتسع المحل ويضرب كل واحد منهم بجميع حقه عند ضيق المحل كالغرماء في التركة.

 

ج / 29 ص -141-    وبيان المساواة أن كل واحد منهم يستحق فريضة ثابتة له بالنص. يوضحه: إن إيجاب الله تعالى يكون أقوى من إيجاب العبد ومن أوصى لإنسان بالثلث ولآخر بالربع ولآخر بالسدس ضرب كل واحد منهم في الثلث بجميع حقه ومراد الموصى أن يأخذ كل واحد منهم ما سمي له عند سعة المحل بإجازة الورثة ويضرب كل واحد منهم بما سمى له عند ضيق المحل لعدم الإجازة فكذلك لما أوجب الله تعالى في الفريضة نصفين وثلثا عرفنا أن المراد أخذ كل واحد منهم ما سمي له عند سمة المحل والضرب به عند ضيق المحل وفيما قلناه عمل بالنصوص كلها بحسب الإمكان وفيما قاله عمل ببعض النصوص وإبطال للبعض وهذا لا وجه له إلا أن من يذب عنه يقول فيما قاله ابن عباس رضي الله عنه التعيين في بعض النصوص دون البعض والتعيين فيما قلتم في جميع النصوص فنقول الطريق الذي ذهب إليه ابن عباس في إدخال النقصان على بعض المستحقين بما اعتمده من المعنى غير صحيح فإنه يعتبر التفاوت بينهم في حالة أخرى سوى حالة الاستحقاق وهذا غير معتبر.
ألا ترى أن رجلا لو أثبت دينه في التركة بشهادة رجلين وأثبت آخر دينه بشهادة رجل واحد وامرأتين استويا في الاستحقاق وإن كان في غير هذه الحالة شهادة الرجل أقوى من شهادة النساء مع الرجال ثم العصوبة أقوى أسباب الإرث فكيف يثبت الحرمان والنقصان لاعتبار معنى العصوبة في بعض الأحوال ولو جاز إدخال النقصان على بعضهم لكان الأولى به الزوج والزوجة لأن سبب توريثهما ليس بقائم عند التوريث وهو يحتمل الرفع فيكون أضعف مما لا يحتمل الرفع والعجب أنه يدخل على الأخوات لأب وأم دون الأخوات لأم وهن أسوأ حالا.
ألا ترى أنهن يسقطن بالبنات وبالجد بالاتفاق بخلاف الأخوات لأب وأم فعرفنا أن الطريق ما أخذ به جمهور الفقهاء رحمهم الله. ثم بيان الفريضة العائلة أن نقول أصل ما يخرج به منه هذه الفريضة ستة ثم تعول مرة بنصف سهم ومرة بثلاثة أرباع سهم ومرة بسهم ومرة بسهم ونصف. ومرة بسهمين ومرة بسهمين ونصف ومرة بثلاثة ومرة بأربعة فالتي تعول بنصف سهم صورتها امرأة ماتت وتركت زوجا وابنة وأبوين فللأبوين السدسان سهمان وللابنة النصف ثلاثة وللزوج الربع سهم ونصف فتعول بنصف سهم والتي تعول بثلاثة أرباع سهم صورتها رجل مات وترك امرأة وابنتين وأبوين فللأبوين السدسان سهمان وللابنتين الثلثان أربعة وللمرأة الثمن ثلاثة أرباع سهم فتعول بثلاثة أرباع وإذا أردت تصحيحها ضربت ستة وثلاثة أرباع في أربعة فيكون سبعة وعشرين وهذه هي المنبرية فإن عليا رضي الله عنه سئل عنها على المنبر فأجاب على البديهة وقال انقلب ثمنها تسعا يعني أن لها ثلاثة من سبعة وعشرين وهو تسع المال والتي تعول بسهم صورتها إذا ترك أختين لأب وأم وأختين لأم وأما فللأختين لأب وأم الثلثان أربعة وللأختين لأم الثلث سهمان وللأم السدس سهم فتعول بسهم والتي تعول بسهم ونصف بأن ترك الرجل أختين لأب وأم وامرأة وأختين لأم فللمرأة الربع سهم ونصف وللأختين

 

ج / 29 ص -142-    لأب وأم الثلثان أربعة وللأختين لأم الثلث سهمان فتعول بسهم ونصف والتي تعول بسهمين صورتها فيما إذا تركت زوجا وأختا لأب وأم وأختين لأم فللزوج النصف ثلاثة وللأخت لأب وأم النصف ثلاثة وللأختين لأم الثلث سهمان فتعول بسهمين والتي تعول بسهمين ونصف بأن ترك أختين لأب وأم وأختين لأم وأما وامرأة فللمرأة الربع سهم ونصف وللأم السدس سهم وللأختين لأب وأم الثلثان أربعة وللأختين لأم الثلث سهمان فتعول بسهمين ونصف والتي تعول بثلاثة بأن تركت زوجا وأختين لأب وأم وأختين لأم فللزوج النصف ثلاثة وبها تعول والتي تعول بأربعة صورتها فيما قدمنا إذا تركت أختين لأب وأم وأختين لأم وأما وزوجا فإنها تعول بنصيب الأم وبنصيب الزوج ثلاثة فعرفنا أنها تعول بأربعة ولا تعول الفرائض بأكثر من هذا وتسمى هذه المسألة أم الفراخ لكثرة العول فيها وتسمى الشريحية لأنها رفعت إلى شريح رحمه الله فقضى بهذا فجعل الزوج يسأل الفقهاء بالعراق فيقول امرأة ماتت وتركت زوجا ولم تترك ولدا فماذا يكون للزوج فقالوا النصف فقال والله ما أعطيت نصفا ولا ثلثا فبلغ مقالته إلى شريح فدعاه وقال للرسول قل له قد بقي لك عندنا شيء فلما أتاه عزره وقال أنت تشنع على القاضي وتنسب القاضي بالحق إلى الفاحشة فقال الرجل هذا الذي كان بقي لي عندك.
وحق الله إن الظلم لؤم
فما زال المسيء هو الظلوم
إلى ديان يوم الدين نمضي
وعند الله يجتمع الخصوم
فقال شريح: ما أخوفني من هذا القضاء لولا أنه سبقني به إمام عادل ورع يعني عمر بن الخطاب رضي الله عنه ثم المسائل على ما ذكرنا من الأصل بكثرة تعدادها ولكنا بينا لكل فريضة صورة فذلك يكفي لمن له فهم يقيس عليه ما يشاء من ذلك والذي بقي في الباب مسألة الالتزام وهي امرأة تركت زوجا وأما وأختين لأم فمذهبنا فيه ظاهر للزوج النصف وللأم السدس وللأختين الثلث وهي فريضة عادلة ويتعذر على بن عباس رضي الله عنه تخريج هذه المسألة على أصله فإن من مذهبه أن الأختين لا ينقلان الأم من الثلث إلى السدس فإن قال للزوج النصف والأم الثلث والأختين الثلث لزمه القول بالعول وإن قال للزوج النصف وللأم السدس كان تاركا مذهبه في أن الأختين لا يحجبان الأم من الثلث إلى السدس ولا يمكنه إدخال النقصان هنا على واحد منهن لأن الأم صاحبة فرض محض والأخوات لأم كذلك فإنهن لا يصرن عصبة بحال، فإن قال الأخوات لأم أسوأ حالا من الأم فقد يسقطن بمن لا تسقط الأم به قلنا هذا اعتبار التفاوت في غير حالة الاستحقاق وقد بينا أن التفاوت إنما يعتبر في حالة الاستحقاق وقد أدخل هو الضرر على البنات والأخوات لأب وأم دون الأخوات لأم وفي غير حالة الاستحقاق الأخوات لأم أسوأ حالا فهذا يتبين أن قول ابن عباس رضي الله عنه لا يتمشى في الفصول وأن الصحيح ما قالت به عامة الصحابة رضي الله عنهم والفقهاء والله أعلم بالصواب.

 

ج / 29 ص -143-    باب الجدات
قال رضي الله عنه: اعلم بأن الجدة صاحبة فرض وفريضتها وإن كان لا تتلى في القرآن فهي ثابتة بالسنة المشهورة وإجماع الصحابة والسلف والخلف وكفى بإجماعهم حجة.
ثم الكلام في فصول أربعة:
أحدها: في بيان من يرث من الجدات.
والثاني: في مقدار نصيب الجدات.
والثالث: في ترتيب بعض الجدات على البعض في الميراث.
والرابع: في حجب الجدات. فأما في الفصل الأول فالمذهب عند علي وزيد بن ثابت رضي الله عنهما أن كل جدة تدلى بعصبة أو صاحبة فريضة فهي وارثة وكل جدة تدلى بمن ليس بعصبة ولا صاحبة فريضة فهي غير وارثة وبه أخذ علماؤنا وهو معنى قول الفقهاء كل جدة دخل في نسبها إلى الميت أب بين أمين فإنها لا ترث لأن أب الأم ليس بعصبة ولا صاحب فرض هكذا روى عن عمر رضي الله عنه فقد ذكر الشعبي رحمه الله أن عمر رضي الله عنه سئل عن أربع جدات متحاذيات أم أم الأم وأم أم الأب وأم أب الأب وأم أب الأم فورثهن إلا هذه الواحدة لأن في نسبها إلى الميت أب بين أمين. وعن ابن مسعود رضي الله عنه روايتان إحداهما هكذا والثانية أن الجدات وارثات كلهن والقربى والبعدى منهن سواء على تفصيل نبينه. وعن ابن عباس رضي الله عنه ثلاث روايات اثنتان كما روينا عن ابن مسعود والثالثة أنها لا ترث من الجدات إلا واحدة وهي أم الأم وتقوم هي مقام الأم عند عدم الأم في فريضة الأم إما السدس أو الثلث وبه أخذ بن سيرين، وأما سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه فالمروي عنه أنه لا يرث إلا جدتان حتى روى أن ابن مسعود رضي الله عنه لما عابه في الوتر بركعة قال سعد يعيبني أن أوتر بركعة وهو يورث ثلاث جدات إلا أن أبان ذكر أن مراد سعد من هذا الأخذ عليه في توريث البعدى مع القربى لا في توريث ثلاث جدات في الأصل.
ألا ترى أنه روى في بعض الروايات أن سعدا لما بلغه قول ابن مسعود رضي الله عنه قال هلا يورث حواء، وأما مالك وأبو ثور حملا قول سعد على ظاهره وأخذا به فقالا لا يرث من الجدات إلا اثنتان قال أبو ثور وهو قول الشافعي: فأما إبراهيم النخعي والأوزاعي رحمهما الله فقد روى عنهما توريث ثلاث جدات حتى ذكر سفيان عن منصور عن إبراهيم أن النبي صلى الله عليه وسلم ورث ثلاث جدات قال سفيان فقلت لإبراهيم وما هن فقال أم الأم وأم الأب وأم أم الأب، ولكن ذكر جرير عن منصور عن إبراهيم هذا الحديث وذكر فيه عن إبراهيم فقال هي أم أم الأم وأم أم الأب وأم أب الأب فيكون موافقا لمذهبنا، والرواية الأخرى لا تكاد تصح لما فيها من توريث البعدى مع القربى والمشهور عن العلماء رحمهم الله بخلاف ذلك، وحجتنا في ذلك أن الجدات كما يرثن في الأصول بالولاء فيعتبر حالهن بحال من يرث

 

ج / 29 ص -144-    من الفروع بالولاء وهم ذووا الأرحام من أولاد البنين والبنات وهناك عند التساوى في الدرجة الميراث لمن هو ولد عصبة أو ولد صاحب فرض فكذلك هنا الميراث لمن هي والدة عصبة أو صاحب فرض يوضحه أن أم أب الأم تدلى بأب الأب وأب الأم ليس بوارث مع أحد من أصحاب الفرائض والعصبات كان تدلى به أولى أن لا يرث معهم ولأن المدلى لا يكون أقل حالا من المدلى به والدليل عليه أنه إذا اجتمع أم أب الأم وأم أم الأم مع أب الأم فإما أن يقال الميراث لأب الأم دونهما وهذا بعيد لأن أب الأم إذا انفرد عن أمه لا يستحق شيئا فكيف يستحق مع أمه ولا جائز أن يكون الميراث للجد دون أب الأب لأن أم الأب تدلى بأب الأم وهو لا يستحق مع أم أم الأم شيئا فأمه التي هي أبعد كيف تستحق فلم يبق إلا أن يكون الميراث لأم أم الأم وإذا ثبت هذا في حال حياة أب الأم فكذلك بعد موته، فأما ابن مسعود رضي الله عنه قد كان يقول توريث الجدات ليس باعتبار الإدلاء لأن أم الأم تدلى بالأم كما أن أب الأم يدلى بالأم والإدلاء بالأنثى إذ كان لا يوجب استحقاق الميراث للذكر لا يوجب استحقاق الميراث للأنثى كالإدلاء بالابنة فإن بنت البنت كابن البنت في حكم الفريضة والعصوبة وكذلك بنت الأخت كابن الاخت فعرفنا أن استحقاق الجدات إنما ثبت شرعا بمجرد الاسم وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم أطعم الجدة السدس فهذه طعمة أطعم رسول الله الجدات بهذا الاسم والقربى والبعدى ومن يدخل في نسبتها أب بين ابنين ومن لا يدخل في ذلك سواء.
ولكنا نقول: مجرد الاسم يثبت بالرضاع كما يثبت بالنسب ولا يتعلق به استحقاق الميراث. فعرفنا أنه لا بد من اعتبار معنى القرب والإدلاء ومن يدلى منهن بعصبة أو صاحبة فرض يكون سببه أقوى ممن يدلى بمن ليس بعصبة ولا صاحبة فرض وبهذا الإدلاء تثبت الفريضة وفي حق الأم إنما تثبت العصوبة دون الفريضة وبالإدلاء بالأنثى لا تثبت العصوبة فأما ابن عباس رضي الله عنه يقول أم الأم تدلى بالأم وترث بمثل سببها وهي الأمومة فتقوم مقامها عند عدمها كالجد أب الأب فإنه يقوم مقام الأب عند عدمه وبن الابن يقوم مقام الابن عند عدمه وإذا كانت الأم ترث في بعض الأحوال الثلث وفي بعضها السدس فكذلك أم الأم بخلاف الأخ لأم فإنه وإن كان يدلى بالأم فلا يرث بمثل سببها ثم كما لا يزاحم أحد من الجدات الأم فكذلك لا يزاحم أم الأم شيء من الجدات في فريضة الأم، يوضحه أن حال المدلى مع المدلى به كحال المدلى به مع الميت والمدلى أم المدلى به وصاحبة فرض كما أن المدلى به أم للميت وصاحبه فرض فكما أن ميراث المدلى من الميت الثلث فكذلك ميراث المدلى به
ولكنا نستدل بحديث قبيصة بن ذؤيب أن النبي صلى الله عليه وسلم أطعم الجدة السدس وهكذا روى عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى الجدة السدس، وقد روينا في حديث أبي بكر رضي الله عنه أن محمد بن مسلمة رضي الله عنه شهد عنده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أطعم الجدة السدس فأعطاها أبو بكر رضي الله عنه ذلك، وروى في بعض الروايات أنها كانت أم الأم ثم جاءت أم الأب إلى عمر رضي الله عنه في خلافته وقالت: ما لي

 

ج / 29 ص -145-    من ميراث بن ابنتي فقال عمر رضي الله عنه لا أجد لك في كتاب الله تعالى شيئا ولم أسمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيك شيئا وأراك غير الجدة التي أعطاها أبو بكر ولست برائيك في كتاب الله ولكني أرى أن ذلك السدس بينكما وأنه لمن انفرد منكما فتبين بهذه الآثار أنه لا يزاد في فريضة الجدات على السدس فالجدتان في استحقاق السدس سواء وهذا لأن الإدلاء بالأنثى لا يكون سببا لاستحقاق فريضة المدلى به بحال، كبنات الأخوات وبنات البنات إلا أنا تركنا هذا القياس في حق الجدات بالسنة فإنا نعتبر ما ورد به السنة وليس في شيء من الآثار زيادة على السدس لواحدة من الجدات فلهذا كان لهن السدس هذا بيان الفصل الثاني.
والفصل الثالث في الترتيب: فالمذهب عند علي أن القربى من الجدات أولى بالسدس من البعدى سواء كانت من جانب الأم أو من جانب الأب وهكذا يرويه العراقيون عن زيد بن ثابت وبه أخذ علماؤنا رحمهم الله، فأما أهل المدينة يروون عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أن القربى إن كانت من قبل الأم والبعدى من قبل الأب فكذلك الجواب وإن كانت البعدى من قبل الأم والقربى من قبل الأب فهما سواء وهو قول الشافعي، فأما ابن مسعود رضي الله عنه فله روايتان إحداهما أن القربى والبعدى سواء إلا أن تكون البعدى أم القربى أو جدة القربى فحينئذ لا ترث معها، والأخرى القربى والبعدى سواء إلا أن يكونا من جانب واحد فحينئذ القربى أولى وإن لم تكن القربى أم القربى ولا جدتها، أما هو أمر على أصله أن الاستحقاق باسم الجدودة شرعا والقربى والبعدى في هذا الاسم سواء إلا أن البعدى إذا كانت أم القربى أو جدتها فإنما تدلى بها وترث بمثل نسبها فتكون محجوبة بها كالجد مع الأب.
وفي الرواية الأخرى قال: إذا كانت الجهة واحدة فسواء كانت تدلى بها أو لا تدلى بها كانت محجوبة بها لمعنى إيجاد السبب كأولاد الابن مع الابن فإنهم لا يرثون شيئا لإيجاد السبب وإن كانوا لا يدلون بهذا الابن وإنما يدلون بابن آخر فهذا مثله.
وجه قول زيد رضي الله عنه: أن الجدة إنما تستحق الميراث بالأمومة ومعنى الأمومة في التي من قبل الأم أظهر لأنها أم في نفسها تدلي بالأم والأخرى أم تدلي بالأب فإذا كانت القربى من قبل الأم فقد ظهر الترجيح في جانبها من وجهين زيادة القرب وزيادة ظهور صفة الأمومة في جانبها فهي أولى وإن كانت القربى من قبل الأب فلها ترجيح من وجه وهو زيادة القرب وللتي من قبل الأم ترجيح من وجه وهو زيادة ظهور صفة الأمومة فاستويا فيكون الميراث بينهما كما هو مذهب زيد في الجد مع الأخ أن للأخ زيادة قرب وللجد زيادة قوة من حيث الأبوة فيستويان في الميراث، ولكنا نأخذ بقول علي فنقول الجدة ترث باعتبار الأمومة والأمومة هي الأصل ومعنى الأصلية في القربى أظهر منه في البعدى من أي جانب كانت القربى لأنها أصل الميت والأخرى أصل أصل أصل الميت فإذا كان معنى الأصلية في القربى أظهر تقدمت على البعدى كما لو كانت القربى من قبل الأم.

 

ج / 29 ص -146-    ألا ترى أن أم الأم وأم الأب إذا اجتمعتا كان الميراث بينهما ولو كان كما قاله زيد من زيادة قوة الأمومة لوجب أن يكون الميراث لأم الأم دون أم الأب.
وأما الفصل الرابع وهو الكلام في الحجب فنقول: الأم تحجب الجدات أجمع بالاتفاق سواء كانت من قبلها أو من قبل الأب لما روي أن النبي عليه السلام أطعم الجدة السدس حين لم يكن هناك أم ففي هذا إشارة إلى أنها لا ترث مع الأم وفي رواية بلال بن الحارث رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاها السدس حين لم يكن هناك أم دونها فهذا يفيد ما أفاده الأول وزيادة وهو أن البعدي لا ترث مع القربى فإن قوله أم دونها إشارة إلى ذلك والمعنى فيه أن الجدة ترث بالأمومة وفرض الأمهات معلوم بالنص وقد استحقت الأم ذلك فلا يبقى لأحد من الجدات شيء من فرض الأمهات ولا تثبت المزاحمة بين شيء من الجدات وبين الأم لأن الجدة التي من قبلها تدلى بها وترث بمثل سببها فلا تزاحمهما كما لا يزاحم الجد الأب والتي من قبل الأب وإن كانت لا تدلي بها فهي لا تزاحمها في فريضتها لكونها أقرب إلى الميت منها وهي بمنزلة ابنة الابن مع الابنتين فإن فرض البنات لما صار مستحقا للابنتين لم يكن لابنة الابن معهما مزاحمة ولا شيء من الميراث بالفريضة وإن كانت لا تدلي بهما إنما تدلى بالابن.
واختلفوا في حجب الجدة بالأب بعد ما اتفقوا أن الجدة من قبل الأم لا تصير محجوبة بالأب لأنها تدلى به ولا ترث بمثل نسبه فهي ترث بالأمومة وهو بالأبوة والعصوبة، واختلفوا في الجدة التي من قبله فقال علي وزيد وأبي بن كعب وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهم لا ترث أم الأب مع الأب شيئا وهو اختيار الشعبي وطاووس وهو مذهب علمائنا رحمهم الله. وقال عمرو بن مسعود وأبو موسى الأشعري وعمران بن الحصين ترث أم الأب مع الأب وهو اختيار شريح وابن سيرين، وبه أخذ مالك والشافعي، واحتجوا بحديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى الجدة السدس وابنها حي. وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى أم حسكة رضي الله عنها السدس من أبي حسكة وحسكة حي، والمعنى فيه ما بينا أن إرث الجدات ليس باعتبار الإدلاء فالإدلاء بالأنثى لا يؤثر في استحقاق شيء من فريضتها ولا في القيام مقامها في التوريث بمثل سببها كالبنات والأخوات ولكن الاستحقاق باسم الجدة في هذا الاسم أم الأم وأم الأب سواء فإذا كان الأب لا يحجب أم الأم فكذلك لا يحجب أم الأب إذ لا فرق بينهما إلا في معنى الإدلاء والاستحقاق ليس بالإدلاء ولو كان الأب ممن يحجب شيئا من الجدات لاستوى في ذلك من يكون في جانبه ومن لا يكون في جانبه كالأم.
وجه قولنا: أن استحقاق الميراث لا بد فيه من اعتبار الإدلاء ما بينا أن مجرد الاسم بدون القرابة لا يوجب الاستحقاق والقرابة لا تثبت بدون اعتبار الإدلاء، فهنا معينان: أحدهما: إيجاد السبب. والآخر: الإدلاء ولكل واحد منهما تأثير في الحجب ثم إيجاد السبب وإن انفرد عن الإدلاء تعلق به حكم الحجب كما في حق بنات الابن مع الابنتين فإنهن يحجبن بإيجاد

 

ج / 29 ص -147-    السبب ولا يدلين إلى الميت بالبنات فكذلك الإدلاء وإن انفرد عن إيجاد السبب يتعلق به حكم الحجب إذا تقرر هذا قلنا الجدة التي من قبل الأب تدلى بالأب ولا ترث معه لوجود الإدلاء وإن انعدم معنى إيجاد السبب والجدة التي من قبل الأم ترث مع الأب لانعدام الإدلاء وإيجاد السبب جميعا فأما الأم تحجب الجدة التي من قبلها لوجود الإدلاء وإيجاد السبب وتحجب الجدة التي من قبل الأب لإيجاد السبب وإن انعدم الإدلاء وبه فارق الأخ لأم فكان وارثا معها. يوضحه أن معنى الإدلاء الموجود في جانب الأب يحجب الذكر هنا فإن أب الأب يحجبه الأب لأنه يدلى به فإذا كان الأب يحجب من يدلى به إذا كان ذكرا فكذلك يحجب من يدلى به إذا كان أنثى.
ألا ترى أن الأب كما يحجب الأخوة يحجب الأخوات وبه فارق الأم مع الأخوة لأم لأن هناك الذكر من الأخوة لا يصير محجوبا بها وإن كان يدلى بها فكذلك الأنثى، فأما تأويل الحديث يحتمل أن ابنها كان رقيقا أو كافرا على أنه قال ورث جدة وابنها حي ولم يتبين أن ابنها أب الميت فيحتمل أن ابنها الحي غير أب الميت والحديث حكاية حال وحديث حسكة لا يثبت مرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما هو عن عمر رضي الله عنه وقد بينا مذهب عمر.
واختلف الفرضيون على قول علي رضي الله عنه في فصل وهو أنه إذا اجتمع أم الأب مع الأب وأم أم الأم فقال الحسن بن زياد على قياس قول علي رضي الله عنه أن ميراث الجدة لأم أم الأم وإن كانت أبعد من أم الأب لأن على قول علي القربي إنما تحجب البعدي إذا كانت وارثه وهنا القربي ليست بوارثة مع ابنها فهي بمنزلة الكافرة والرقيقة فيكون فرض الجدات للبعدي وأكثرهم على أن المال كله للأب هنا لأن القربي هنا وارثة في حق البعدي ولكنها محجوبة بالأب حتى إذا لم يكن هناك أب كان الميراث للقربى فصارت البعدي محجوبة بالقربى ثم صارت القربى محجوبة بابنها فيكون المال كله للأب ونظيره ما تقدم في الأخوين مع الأب لأنهما يحجبان الأم من الثلث إلى السدس وإن كانا لا يرثان شيئا مع الأب.
فصل
فإن اجتمع جدة لها قرابتان أو ثلاث قرابات مع جدة لها قرابة واحدة وصورة المسألة امرأة لها بنت ولابنتها بنت ولها بن ولابنها بن فتزوج بن ابنها بنت بنتها فولد بينهما ولد فهذه الجدة أم أم أم هذا الولد وأم أب أب هذا الولد فإذا مات هذا الولد وله مع هذه الجدة جدة أخرى وهي أم أم أب هذا الولد فعلى قول زفر ومحمد والحسن بن زياد ميراث الجدتين بينهما أثلاثا ثلثان للتي لها قرابتان وثلث للتي لها قرابة واحدة وعند سفيان وأبي يوسف الميراث بينهما نصفان ولا رواية فيه عن أبي حنيفة وكذلك امرأة لها ابنتان لإحدى ابنتيها ابنة وللأخرى بن فتزوج بن ابنتها ابنة ابنها وولد منها ولدا فهي لهذا الولد أم أم الأب فإن مات هذا الولد وله معها جدة أخرى وهي أم أب الأب فهي على الخلاف الذي بينا وصورة ما إذا كان لها ثلاث

 

ج / 29 ص -148-    قرابات أن يكون لهذه المرأة ابنة بن ابنة أخرى وهذا الولد ذكر فتزوج الابنة السفلى فولد بينهما ولد فلهذه الجدة من هذا الولد ثلاث قرابات لأنها أم أم أم أمه وأم أم أم الأب وأم أم أب الأب فإن اجتمع معها لهذا الولد جدة أخرى محاذية لها وهي أم أب أب ابنة فعلى قول محمد ميراث الجدة بينهما أرباعا ثلاثة أرباعه للتي لها ثلاث قرابات وربعه للتي لها قرابة واحدة، وعند أبي يوسف الميراث بينهما نصفان ثم على قول محمد رحمه الله في حق التي لها جهات إذا فسد بعض تلك الجهات بأن دخل في تلك النسبة أب بين أمين لا تعتبر تلك الجهة، وإن كان بعض الجهات أقرب من بعض فإنما يعتبر في حقها أقرب الجهات خاصة ثم ينظر إلى الأخرى فإن كانت تساويها في أقرب الجهات فالميراث بينهما نصفان وإن كانت أبعد منها في هذه الجهة فالميراث كله لها بناء على أن القربى تحجب البعدي. وجه قول محمد رحمه الله أن الاستحقاق باعتبار الأسباب لا باعتبار الأشخاص.
ألا ترى أن الرقيق والكافر لا يخرج من أن يكون شخصا ولكن لما انعدم في حقه سبب الاستحقاق وهو الفريضة أو العصوبة جعل كالمعدوم فدل أن الاستحقاق باعتبار السبب فمن اجتمع في حقه سببان فهو في الصورة شخص واحد ولكنه في الحكم باعتبار تعدد السبب متعدد فيثبت له الاستحقاق باعتبار كل سبب بمنزلة ما لو وجد كل سبب في شخص على حدة وهو نظير ما لو ترك ابني عم أحدهما أخ لأم فإن لابن العم الذي هو أخ لأم السدس بالفريضة والباقي بينهما نصفان، وكذلك المجوسي إذا ترك أمه وهي أخته لأبيه فإنها ترث بالسببين لهذا المعنى وهذا بخلاف الأخ لأب وأم فإنه يرث بالسببين لأن السبب هناك واحد وهو الأخوة ثم الأخوة لأم اعتبرناها في الترجيح ويقوى السبب بها حتى ينعدم الأخ لأب فلم يكن معتبرا في حق الاستحقاق بها بخلاف ما نحن فيه.
وجه قول أبي يوسف: أن استحقاق الميراث للجدات ليس باعتبار الإدلاء لما قررنا أن الإدلاء بالإناث لا يؤثر في استحقاق الفرضية بمثل سبب المدلى به ولكن الاستحقاق باسم الجدة وبتعدد الجهة لا بتعدد الاسم في التي لها قرابة واحدة والمساواة في سبب الاستحقاق يوجب المساواة في الاستحقاق وكل واحدة من هذه الجهات علة تامة للاستحقاق وبتعدد العلة لا يزداد الاستحقاق كما لو أقام رجل شاهدين على ملك عين وأقام الآخر عشرة من الشهود فإنه يسوي بينهما.
ومن جرح رجلا جراحة واحدة وجرحه آخر عشر جراحات فمات من ذلك فالدية بينهما نصفان ولا معنى لقول من يقول فقد اعتبرنا الإدلاء في حكم الحجب كما قررنا في الفصل الرابع وهذا لأن حكم الحجب غير حكم الاستحقاق والاستدلال بحكم على حكم إنما يجوز إذا عرفت المساواة بينهما فبان أن اعتبار الإدلاء في حكم الحجب يدل على أنه يعتبر في الاستحقاق وهذا بخلاف ما استشهد به فكل واحد من السببين هناك معتبر في الاستحقاق يعني الأخوة لأم مع العصوبة بالأمومة والزوجية مع العصوبة والأختية مع الأمومة في حق

 

ج / 29 ص -149-    المجوسي، فإذا كان كل واحد من السببين هناك معتبرا في الاستحقاق جعلنا الاستحقاق مبنيا على السبب بخلاف ما نحن فيه على ما قررنا.
فصل التثبيت في الجدات
قال رضي الله عنه: الجدات في الأصل ستة جدتاك وجدتا أبيك وجدتا أمك وهي الأصول في الجدات إذ لم يتفرع بعضهن من بعض وما سواهن من الجدات في المعنى كالفروع لهذه الجدات لتفرع بعضهن من بعض فإن سئلت عن عدد من الجدات متحاذيات هن وارثات كيف صورتهن فالطريق في ذلك عند أهل البصرة أنهم يذكرون بعددهن أمهات ثم في المرة الثانية بعددهن أمهات إلا الآخرة وفي الثالثة إلا الآخرة والتي تليها هكذا إلا أن تبقى أم واحدة وأهل المدينة يذكرون بعددهن أبناء إلا الأولى وفي المرة الثانية إلا الأولى والتي تليها وهكذا في كل مرة وأهل الكوفة يذكرون الجدات بقراباتهن وبيانه إذا قيل خمس جدات متحاذيات وارثات كيف صورتهن فعلى قول أهل البصرة نقول إحداهن أم أم أم أم الأم والثانية أم أم أم أم الأب والثالثة أم أم أم أب الأب والرابعة أم أم أب أب الأب والخامسة أم أب أب أب الأب، وعلى طريق أهل المدينة على عكس ذلك.
وعلى طريق أهل الكوفة نقول إحداهن: أم جدة جدات الميت والثانية أم جدة أم أب الميت والثالثة جدة جدة أب الميت والرابعة جدة جدات الميت والخامسة أم جد جد الميت فإن سئلت عن قول ابن مسعود عن جدتين متحاذيتين على أدنى ما يكون وثلاث جدات متحاذيات على أدنى ما يكون وأربع جدات متحاذيات على أدنى ما يكون وخمس جدات متحاذيات على أدنى ما يكون كم الوارثات منهن فقل خمسة الجدتان المتحاذيتان إحداهما أم الأم والأخرى أم الأب فهما وارثتان ومن الثلاث الواحدة وارثة لأن الثلاث منهن على أدنى ما يكون أم أم الأم وأم أم الأب وهما غير وارثين هنا لأنهما يدليان باللتين هما وارثتان والثالثة أم أب الأب فهي الوارثة من الفريق الثاني وكذلك من الفريق الثالث الوارثة واحدة وهي أم أب أب الأب فأما الثلاث غير وارثات لأن من يدلين بها وارثات، وكذلك من الفريق الرابع الوارثة واحدة فعلى هذه الصورة إذا تأملت تجد الوارثات منهن الخمسة عند ابن مسعود رضي الله عنه على مذهبه في توريث القربى مع البعدى إذا لم تكن البعدي أم القربى أو جدتها فإن سئلت عن عدد من الجدات متحاذيات وارثات كم الساقطات بإزائهن فالسبيل في معرفة ذلك أن تحفظ العدد المذكور بيمينك ثم تطرح اثنتين من ذلك وتحفظهما بيسارك ثم تضعف ما بيسارك بعدد ما بقي بيمينك فما بلغ فهو مبلغ جملة العدد والوارثات من ذلك عدد معلوم إذا رفعت ذلك من الجملة فما بقي عدد الساقطات بيانه إذا قيل ثلاث جدات متحاذيات وارثات كم الساقطات بإزائهن فالسبيل أن تحفظ الثلاث بيمينك ثم تطرح من ذلك اثنتين فتحفظهما ثم تضعف ما بيسارك بعدد ما بقي في يمينك وهو الواحدة فإذا أضعفت الاثنتين

 

ج / 29 ص -150-    مرة تكون أربعة فكان عدد الجملة أربعا ثلاث منهن وارثات والساقطة واحدة فالوارثات أم أم الأم وأم أم الأب وأم أب الأب والساقطة أم أب الأم، فإن قيل: أربع جدات وارثات متحاذيات كم بإزائهن من الساقطات فالسبيل أن تأخذ الأربع بيمينك ثم تطرح من ذلك اثنتين وتأخذهما بيسارك ثم تضعف ما بيسارك بعدد ما في يمينك فإذا ضعفت الاثنتين مرتين يكون ثمانية فإذا كان الوارثات منهن أربعا عرفت أن الساقط بإذائهن أربعا، فإن قال خمس جدات وارثات متحاذيات كم بإزائهن من الساقطات فهو على نحو ذلك فإنك تضعف الاثنتين ثلاث مرات فيكون خمس منهن وارثات والبواقي ساقطات.
فإن قال: ست جدات متحاذيات وارثات فهو على هذا القياس أيضا تضعف الاثنتين أربع مرات فيكون ذلك اثنين وثلاثين فهو عدد الجملة ستة عشر منهن من قبل الأم وستة عشر من قبل الأب.
وليس في اللاتي من قبل الأم الوارثات إلا واحدة وهي أم أم الأم إلى أن تذكر ستة عشر مرة وفي اللاتي من قبل الأب الوارثات خمسة وهن من لا يدخل في نسبهن إلى الميت أب بين أمين ومن سواهن ساقطات وما كان من هذا النحو فطريق تخريجه ما بينا والله أعلم بالصواب.

باب أصحاب المواريث
قال رضي الله عنه: أصحاب المواريث بالاتفاق صنفان أصحاب الفرائض والعصبات فأصحاب الفرائض اثنا عشر نفرا أربعة من الرجال وثمانية من النساء فالرجال الأب والجد والزوج والأخ لأم. والنساء الأم والجدة والبنت وبنت الابن والأخت لأب وأم والأخت لأب والأخت لأم والزوجة فستة من هؤلاء صاحب فرض في عموم الأحوال وهم الزوج والأخ لأم والأم والجدة والأخت لأم والزوجة وستة يتردد حالهم بين الفريضة والعصوبة وهم الأب والجد والبنت وبنت الابن والأخت لأب وأم والأخت لأب وأما العصبات لا يحصون عددا ولكن يحصون جنسا وهم أصناف ثلاثة عصبة بنفسه وعصبة بغيره وعصبة مع غيره فأما العصبة بغيره والعصبة مع غيره فقد تقدم بيانهما، وهذا الباب لبيان من هو عصبة بنفسه وهو الذكر الذي لا يفارقه الذكور في نسبة إلى الميت فأقرب العصبات الابن ثم بن الابن وإن سفل ثم الأب ثم الجد أب الأب وإن علا ثم الأخ لأب وأم ثم الأخ لأب ثم بن الأخ لأب وأم ثم بن الأخ لأب ثم العم لأب وأم ثم العم لأب ثم بن العم لأب وأم ثم بن العم لأب ثم عم الأب لأم ثم عم الأب لأب ثم بن عم الأب لأب وأم ثم بن عم الأب لأب ثم عم الجد هكذا والأصل فيه قوله عليه الصلاة والسلام: "ما أبقت الفرائض فلأولى رجل" ذكر معناه فلا قرب رجل ذكر والابن أقرب إلى الميت من الأب لأن الابن تفرع من الميت فالميت أصله والأب تفرع منه الميت فهو أصل له واتصال الفرع بالأصل أظهر من اتصال الأصل بالفرع.
ألا ترى أن الفرع يتبع الأصل فيصير مذكورا بذكر الأصل، والأصل لا يصير مذكورا

 

ج / 29 ص -151-    بذكر الفرع فإن البناء والأشجار يدخل في البيع باعتبار الاتصال بالأصل فإذا تبين أن اتصال الفرع بالأصل أظهر عرفنا أن الفرع إلى الأصل أقرب وأيد هذا المعنى قوله تعالى: {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ} [النساء: 11] معناه: وللولد ما بقي فعرفنا أن الابن أقرب في العصوبة من الأب ثم بن الأب لأن سببه البنوة وقد بينا أن الاعتبار بالسبب دون الشخص ثم بعده الأب فهو أقرب في العصوبة من الجد والأخوة لأنه يتصل إلى الميت بغير واسطة ثم بعده الجد أب الأب لأن سببه الأبوة وفيه خلاف معروف نبينه في بابه ثم بعده الأخ فإنه أقرب إليه من العم لأن الأخ ولد ابنه والعم ولد جده.
فإذا أردت معرفة القرب في الفروع فاعتبر كل فرع بأصله فاتصال الأخ بأخيه بواسطة واحدة واتصال العم به بواسطتين فعرفنا أن الأخ أقرب ثم الأخ لأب وأم أقرب من الأخ لأب وهو مقدم في العصوبة لما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم:
"قضى بالدين قبل الوصية وبالميراث لبنى الأعيان دون بني العلات" ولأن الأخوة عبارة عن المجاورة في صلب أو رحم والقرب بينهما باعتبار ذلك والأخ لأب وأم جاوره في الصلب والرحم جميعا والأخ لأب جاوره في الصلب خاصة فما يحصل به القرب في جانب الأخ لأب وأم أظهر فهو أقرب حكما ثم الأخ لأب مقدم على بن الأخ لأب وأم لأنه أمس قربا فإنه يتصل بالميت بواسطة واحدة وبن الأخ يتصل به بواسطتين فصار الحاصل في هذا أنهما إذا استويا في الدرجة فمن يكون أظهرهما قربا يكون أولى وإذا تفاوتا في الدرجة فمن يكون أمسهما قربا أولى ثم من بعدهم العم ثم عم الأب على هذا القياس وإنما يختلفون في مولى العتاقة فقال علي وزيد رضي الله عنهما مولى العتاقة آخر العصبات مقدم على ذوي الأرحام وهو قول علمائنا رحمهم الله، وقال ابن مسعود: ومولى العتاقة مؤخر عن ذوي الأرحام، وكذلك الخلاف فيما إذا كان هناك صاحب فرض مع مولى العتاقة فعندنا وهو قول علي وزيد مولى العتاقة مقدم على الرد، وعند ابن مسعود رضي الله عنه مؤخر عن ذلك، بيانه فيما إذا ترك ابنة ومولى العتاقة فعندنا للابنة النصف والباقي لمولى العتاقة وعن ابن مسعود الباقي رد عليها ولا شيء لمولى العتاقة واستدل في ذلك بقوله تعالى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} [الأنفال: 75] أي بعضهم أقرب إلى بعض ممن ليس له رحم والميراث يبنى على القرب وروينا في أول العتاق أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بعبد فساومه الحديث إلى أن قال وإن مات ولم يدع وارثا كنت أنت عصبته فقد شرط في توريث مولى العتاقة أن لا يدع المعتق وارثا وذووا الأرحام من جملة الورثة، والمعنى فيه: هو أن هذا نوع ولا يستحق به الميراث فيعتبر بولاء الموالاة وبحقيقته هو أن الأصل في التوريث القرابة وبإدلاء لا تثبت القرابة ولكن الولاء شبيه بالقرابة شرعا قال عليه السلام: "الولاء لحمة كلحمة النسب" وما تشبه بالشيء لا يكون معارضا لحقيقته فكيف يترجح على حقيقته بل إنما يعتبر ما يشبه الشيء في الحكم عند انعدام حقيقة ذلك الشيء والدليل على أن الولاء أضعف أنه يحتمل الرفع في الجملة.

 

ج / 29 ص -152-    ألا ترى أنه إذا كان الولد مولى لمولى الأم فظهر له ولاء في جانب الأب انعدم به الولاء الذي كان لعموم الأم والقرابة لا تحتمل الرفع بحال وكذلك يستحق الإرث بالقرابة من الجانبين وبالولاء لا يستحق من الجانبين فالمعتق لا يرث من المعتق شيئا وعليه يخرج الزوجية فإنها وإن كانت تحتمل الرفع فالإرث بها من الجانبين وهذا لأن الزوجية أصل فإن القرابات تتفرع منها فحكم الفرع يثبت للأصل وإن انعدم فيه معناه كما يعطى لبيض الصيد حكم الصيد في حق المحرم وإن انعدم فيه معنى الصيد ثم إذا ادعينا هذا فيما ينبني على القرب وهو العصوبة فالزوجية لا تستحق العصوبة فتخرج على ما ذكر.
وحجتنا في ذلك ما روى أن ابنة حمزة أعتقت عبدا ثم مات العبد وترك ابنة فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم نصف ماله لابنته والباقي لابنة حمزة فهو نص في أن مولى العتاقة مقدم على الرد ودليل على أنه مقدم على ذوي الأرحام فمن ضرورة كون المعتق مقدما على الرد أن يكون مقدما على ذوي الأرحام وبهذا يتبين أن معنى قوله عليه الصلاة والسلام:
"وإن مات ولم يدع وارثا هو عصبة" وقد أشار إلى ذلك بقوله: "كنت أنت عصبته" ولم يقل كنت وارثه، وفي هذا التنصيص على أن مولى العتاقة عصبة والعصبة مقدم على ذوي الأرحام فأما قوله تعالى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} [الأنفال: 75] فسبب نزوله ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة آخا بين الأنصار والمهاجرين فكانوا يتوارثون بذلك فنسخ الله تعالى ذلك الحكم بهذه الآية وبين أن الرحم مقدم على المؤاخاة والولاء وبه نقول وهذا لأن مولى الموالاة بمنزلة الموصى له بجميع المال فالاستحقاق لا يثبت له بعقد يحتمل الرفع والفسخ فيكون ضعيفا جدا والمعنى في المسألة أن ولاء العتاقة بمنزلة الأبوة صورة ومعنى أما من حيث الصورة فلأن المعتق ينسب إلى معتقه بالولاء كما ينسب الابن إلى أبيه بالولادة وأما من حيث المعنى فلأن الوالد كان سبب إيجاد ولده والمعتق سبب إحياء المعتق من حيث أن الرق تلف والحرية حياة الإنسان بصورته ومعناه فالمعتق سبب لإيجاد معنى الإنسانية في المعتق وهو صفة المالكية وبه باين الإنسان سائر الحيوانات فعرفنا أنه في المعنى بمنزلة الوالد.
ألا ترى هذا المعنى يوجد من الأعلى خاصة دون الأسفل بخلاف الولادة فحقيقة العصبة هناك تشمل الجانبين فلهذا يثبت هناك الأرث من الجانبين وهنا يثبت من الجانب الأعلى ثم أقوى ما يستحق بالولاء العصوبة فإذا انعدمت يقام الولاء مقامها في استحقاق العصوبة به، وإذا تبين بهذا المعنى أن المستحق بالولاء العصوبة قلنا تقديم العصوبة على ذوي الأرحام ثابت بالنص والإجماع، واختلفوا في ابني عم أحدهما لأخ لأم فنبين صورة المسألة أولا ثم نذكر حكمه فنقول أخوان للأكبر منهما امرأة ولد بينهما بن ثم مات الأكبر فتزوجها الأصغر وولد بينهما بن ثم مات الأصغر وله بن من امرأة أخرى ثم مات بن الأكبر فقد ترك ابني عم وهما ابنا الأصغر أحدهما أخوه لأمه، فأما بيان الحكم فنقول على قول علي وزيد للأخ لأم السدس والباقي بينهما نصفان بالعصوبة وهو قول علمائنا. وقال ابن مسعود: المال

 

ج / 29 ص -153-    كله لابن العم الذي هو أخ لأم. وعن عمر فيه روايتان أظهرهما كما هو قول ابن مسعود رضي الله عنه.
وجه قوله: أن بن العم الذي هو أخ لأم أظهرهما قربا فيكون هو أحق بجميع المال كما لو ترك أخوين أحدهما لأب وأم والآخر لأب وبيان هذا لوصف القرب باعتبار الاتصال فابن العم الذي هو أخوه لأمه يتصل به من الجانبين من جانب الأب ومن جانب الأم واتصال الآخر به من جانب واحد فعرفنا أنه أظهرهما قربا، والدليل عليه أن العمومة والأخوة في المعنى سواء.
ألا ترى أن في كل واحد منهما يترجح الذي لأب وأم على الذي لأب فإذا استويا كان لابن العم الذي هو أخ لأم سببان للميراث الفريضة بالأخوة لأم والعصوبة بالعمومة ويرث بكل واحد من السببين ويجعل اجتماع السببين في شخص واحد كوجودهما في شخصين فيستحق السدس بالفريضة ثم يزاحم الآخر فيما بقي بالعصوبة وهذا لأن الترجيح مما لا يصلح علة للاستحقاق بانفراده فأما ما يصلح علة للاستحقاق بانفراده لا يقع به الترجيح وقد بينا ذلك في الجراحات والشهادات ولذلك يترجح أحد الجانبين على الآخر بزيادة وصف وهو معنى القوة في التأثير ولا يترجح قياسان على قياس واحد إذا عرفنا هذا فنقول كل واحد من السببين هنا معتبر في الاستحقاق بانفراده فلا يقع الترجيح بأحدهما بخلاف الأخوة والسبب هناك واحد وهو الأخوة والأخوة لأم في معنى زيادة الوصف في الأخوة لأب فيجوز أن يحصل به الترجيح فأما هنا الأخوة لأم لا يمكن أن تجعل زيادة في وصف العمومة فلا بد من أن تجعل سببا للاستحقاق بانفراده فلا يقع به الترجيح وبيان ذلك أن العمومة باعتبار المجاورة في صلب الجد وباعتبار المجاورة في رحم الجدة لا تستحق الفريضة فلا يمكن أن تجعل المجاورة في رحم الأم موجبا زيادة وصف في معنى المجاورة في صلب الجد فأما الأخوة مجاورة في صلب الأب فيمكن أن تجعل المجاورة في رحم الأم موجبا لتلك المجاورة زائدا في وصفها فلهذا يرجح الأخ لأب وأم على الأخ لأب.
ولو ترك أخوين لأم وأخا لأب فإن للأخوين لأم الثلث بينهما نصفان والباقي كله للأخ لأب ولا يرجح الأخ لأب هنا على الآخرين بخلاف ما سبق لأن بالأخوة لأم تستحق الفرضية واستحقاق الفرضية ليس ينبنى على القرب ولا مزاحمة بين العصبة وصاحب فرض بل صاحب الفرض مقدم على العصبة كما قال عليه السلام:
"ألحقوا الفرائض بأهلها فما أبقت فلأولى رجل ذكر" فلهذا لا يجعل الأخ لأب وأم مرجحا على الأخ لأم بل يعطي الأخ لأم فرضه وهو السدس فأما الأخوة لأب يستحق بها العصوبة وفي العصبات الأقرب يترجح فجعلنا الأخوة لأم في معنى زيادة وصف ورجحنا به الأخ لأب وأم على الأخ لأب، ولو ترك أخوين لأم أحدهما بن عم وصورته ما ذكرنا إلا أن لتلك المرأة ولد آخر من غير الأخوين، فإذا مات ولد الأصغر فقد ترك أخوين لأم أحدهما بن عمه فللأخوين لأم الثلث بينهما نصفان، 

 

ج / 29 ص -154-    وما بقي كله للذي هو ابن عم أما على قول علي وزيد فظاهر وعلى قول ابن مسعود رضي الله عنه فلأنه يجعل العمومة كالأخوة وقد بينا أن الأخوين لأم إذا كان أحدهما أخا لأب لا يستحق الترجيح لجميع المال فكذلك لأخوان لأم إذا كان أحدهما ابن عم، ولو ترك ابني عم أحدهما أخ لأم وأخوين لأم أحدهما بن عم وصورته فيما ذكرنا فعلى قول علي وزيد رضي الله عنهم الثلث بين الأخوين لأم نصفين والباقي بين ابني العم بالسوية نصفين فتكون القسمة من ستة. وعلى قول ابن مسعود: للأخ لأم الذي ليس بابن عم السدس والباقي كله لابن العم الذي هو أخ لأم ولا شيء لابن العم الآخر، ولو ترك ثلاثة بني عم أحدهم أخ لأم وثلاثة أخوة لأم أحدهما بن عم وصورته فيما ذكرنا فعلى قول علي وزيد رضي الله عنهما للأخوة للأم الثلث بينهم بالسوية، والباقي بين بني الأعمام أثلاثا بالسوية فتكون القسمة من تسعة، وعلى قول ابن مسعود رضي الله عنه الثلث للأخوين للأم اللذين ليسا بابن عم بينهما نصفان والباقي كله لابن العم الذي هو أخ لأم ولا شيء للآخرين.
واختلف الفرضيون رحمهم الله على قول ابن مسعود رضي الله عنه في فصلين أحدهما إذا ترك بن عم لأب وأم وبن عم لأب هو أخ لأم فقال يحيى بن آدم على قياس قول ابن مسعود رضي الله عنه المال كله لابن العم الذي هو أخ لأم لأنه يجعل العمومة كالأخوة وبن العم الذي هو أخ لأم عنده في معنى الأخ لأب وأم فيكون مقدما في العصوبة على بن العم لأب وأم. وقال الحسن بن زياد على قياس قول ابن مسعود رضي الله عنه للأخ للأم السدس هنا والباقي كله لابن العم لأب وأم كما هو مذهب علي وزيد رضي الله عنهما لأنه إنما يترجح العمومة بالأخوة لأم عند الاستواء في معنى العمومة وما استويا هنا فإن العم لأب وأم في العصوبة مقدم على بن العم لأب وعنده العمومة قياس الأخوة وفي الأخوة بقرابة الأم إنما يقع الترجيح عند المساواة في الأخوة من جانب الأب لا عند التفاوت فكذلك في العمومة.
الفصل الثاني: إذا ترك ابنة وابني عم أحدهما أخ لأم فعلى قول علي وزيد رضي الله عنهما للابنة النصف والباقي بين ابنى العم نصفين لأن الأخوة لأم لا يستحق بها شيء مع الابنة فوجودها كعدمها فأما على قول ابن مسعود رضي الله عنه فقد قال بعضهم الجواب هكذا لأن الترجيح بالأخوة لأم عنده إنما يقع في موضع يستحق بالأخوة لأم عند الانفراد ومع البنت لا يستحق الأخوة لأم شيئا فلا يصح بها الترجيح.
وقال محمد بن نصر المروزي على قياس قول ابن مسعود للابنة النصف والباقي كله لابن العم الذي هو أخ لأم لأن الابنة لما أخذت فريضتها فقد خرجت من الوسط فيجعل الباقي في حق الأخوين بمنزلة جميع التركة لو لم يكن هناك ابنة وعنده في جميع التركة بن العم الذي هو الأخ لأم مقدم على الآخر فكذلك في الباقي هنا.
وروى عن سعيد بن جبير رضي الله عنه أنه قال في هذه المسألة على قول ابن مسعود للابنة النصف ولا شيء للأخ لأم بل الباقي كله للأخ الذي هو ابن عم قال عطاء رضي الله

 

ج / 29 ص -155-    عنه: وهذا غلط لا وجه له لأن أكبر ما في الباب أن يسقط أخوته لأم باعتبار الابنة فبقي مساويا للآخر في أنه ابن عم، ولو تركت المرأة ابني عم أحدهما زوجها فللزوج النصف والباقي بينهما نصفان بالعصوبة أما على قول زيد فلا يشكل وكذلك عند ابن مسعود، لأن الزوجية لا تصلح مرجحة للقرابة إذ لا مجانسة بينهما صورة ولا معنى.
ولو تركت المرأة ثلاثة بنى عم أحدهم زوجها والآخر أخوها لأمها فعلى قول علي وزيد للزوج النصف وللأخ لأم السدس والباقي بينهم أثلاثا بالسوية. وعلى قول عبد الله للزوج النصف والباقي كله لابن العم الذي هو أخ لأم لأنه بمنزلة الأخ لأب وأم عنده فيرجح بالعصوبة على الأخوين والله أعلم بالصواب.

باب فرائض الجد
قال رحمه الله: قال أبو بكر الصديق وعائشة وعبد الله بن عباس وأبي بن كعب وأبو موسى الأشعري وعمران بن الحصين وأبو الدرداء وعبد الله بن الزبير، ومعاذ بن جبل رضوان الله عليهم أجمعين الجد عند عدم الأب يقوم مقام الأب في الإرث والحجب حتى يحجب الأخوة والأخوات من أي جانب كانوا وهو قول شريح وعطاء وعبد الله بن عتبة وبه أخذ أبو حنيفة رحمه الله إلا في فصلين زوج وأم وجد وامرأة وأم وجد فللأم فيهما ثلث جميع المال.
ولو كان مكان الجد أبا كان لها ثلث ما بقي، وذكر أصحاب الإملاء عن أبي يوسف أن على قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه للأم في هذين الموضعين ثلث ما بقي أيضا وهكذا روى أهل الكوفة رضي الله عنهم عن ابن مسعود رضي الله عنه للأم في زوج وأم وجد أن للأم ثلث ما بقي أو سدس جميع المال.
وروى أهل البصرة عن عبد الله بن عباس أن للزوج النصف والباقي بين الجد والأم نصفان وهي إحدى مربعات عبد الله وروى عن زيد بن هارون عن عبد الله في امرأة وأم وجد أن للمرأة الربع والباقي بين الأم والجد نصفين والرواة كلهم غلطوا زيدا في هذه الرواية فقالوا إنما قال عبد الله هذا في زوج وأم وجد وكيلا يكون في ذلك تفضيلا للأم على الجد وهذا لا يوجد في جانب المرأة فإن الأم وإن أخذت ثلث المال كاملا يبقى للجد خمسة من اثنى عشر فلا يؤدي إلى تفضيل الأنثى على الذكر ولا إلى التسوية بينهما.
وقال علي بن أبي طالب وزيد بن ثابت وعبد الله بن مسعود الجد يقوم مقام الأب في الإرث مع الأولاد ويقوم مقام الأب في حجب الأخوة والأخوات لأم فأما في حجب الأخوة والأخوات لأب وأم فلا ولكن يقاسمهم ويجعل هو كأحد الذكور منهم وبه أخذ سفيان الثوري وأبو يوسف ومحمد ومالك والشافعي رحمهم الله، إلا أن زيدا كان يقول يقاسمهم ما دامت المقاسمة خيرا له من ثلث جميع المال فإذا كان الثلث خيرا له أخذ الثلث وكان ما بقي بين الأخوة والأخوات. وقال علي رضي الله عنه: يقاسمهم ما دامت المقاسمة خيرا له من سدس المال وإذا كان السدس خيرا له أخذ السدس.

 

ج / 29 ص -156-    وعن ابن مسعود روايتان: أشهرهما كقول زيد وروى عنه أيضا كقول علي، وعن عمر بن الخطاب كقول أبي بكر الصديق في الجد وعنه كقول زيد إلا في الأكدرية خاصة، وعن عثمان بن عفان كقول علي رضي الله عنه وعنه كقول زيد إلا في مسألة الخرقاء على ما نبينها، والصحيح أن مذهب عمر رضي الله عنه لم يستقر على شيء في الجد، وروى عن عبيدة السلماني اجتمعوا في الجد على قول فسقطت حية من سقف البيت فتفرقوا فقال عمر رضي الله عنه أبي الله تعالى أن يجتمعوا في الجد على شيء. ولما طعن عمر رضي الله عنه وأيس من نفسه قال اشهدوا أنه لا قول لي في الجد ولا في الكلالة، وإني لم استخلف أحدا وقال علي من أراد أن ينفحم في جراثيم جهنم فليقض في الجد.
وكان الشعبي إذا أراد أحد أن يسأله عن شيء من الفرائض قال هات إن لم يكن أحدا لا حياه الله ولا بياه ليعلم أنهم كانوا يتحرزون عن الكلام في الجد لكثرة الاختلاف فيه، أما حجة من ورث الأخوة مع الجد ما روى عن علي أنه شبه الأخوين بشجرة أنبتت غصنين والجد مع النافلة بشجرة نبت منها غصن فالقرب بين غصني الشجرة أظهر من القرب بين أصل الشجرة والغصن النابت من غصنها لأن بين الغصنين مجاورة بغير واسطة وبين الغصن الثاني وأصل الشجرة مجاورة بواسطة الغصن الأول فعلى هذا ينبغي أن يقدم الأخ على الجد لأن العصوبة تنبني على القرب إلا أن في جانب الجد معنى آخر وهو أولاد يتأيد بذلك المعنى اتصاله بالنافلة وبالولاد يستحق الفرضية من له اسم الأبوة وبهذه الفرضية إنما يستحق السدس قال الله تعالى: {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} [النساء: 11] فلا ينقص نصيب الجد عن السدس باعتبار الولاد بحال وتأيد بهذا الولاد قرابته من الميت فيكون مزاحما للأخوة ويقاسمهم إذا كانت المقاسمة خيرا له من السدس.
يوضحه: أن الولد في حكم الحجب أقوى من الأخوة بدليل حجب الزوج والزوجة بالولد دون الأخوة وحجب الأم إلى السدس بالولد الواحد دون الأخ ثم الولد لا ينقص نصيب الجد عن السدس بحال كان أولى والمروي عن زيد بن ثابت أنه شبه الأخوين بواد تشعب منه نهران والجد مع النافلة بواد تشعب منه نهر ثم تشعب من النهر جدول فالقرب بين النهرين يكون أظهر منه بين الجدول وأصل الوادي وهذا يوجب تقديم الأخوة على الجد إلا أن في جانب الجد معنى الولاد وبه يسمى أبا ولكنه أبعد من الأب الأول بدرجة فيجعل هو فيما يستحق في الولاد بمنزلة الأم من حيث أنه يقام البعد بدرجة مقام نقصان الأنوثة في الأم والأم عند عدم الولد تستحق ثلث جميع المال فكذلك الجد بالولاد يستحق ثلث جميع المال إذ الجد مع الجدة بمنزلة الأب مع الأم فكما أن نصيب الأم عند عدم الولد ضعف نصيب الأم وذلك الثلثان فكذلك نصيب الجد عند عدم الولد ضعف نصيب الجدة ونصيب الجدة السدس لا ينقص عن ذلك فنصيب الجد الثلث لا ينقص عن ذلك، وحجتهم من حيث المعنى أن الجد والأخ استويا في الإدلاء فكل واحد منهم يدلى للميت بواسطة الأب ثم

 

ج / 29 ص -157-    للأخ زيادة ترجيح من وجه وهو أنه يدلى بواسطة الأب بالبنوة والجدودية تدلي إلى الميت بواسطة الأب بالأبوة والبنوة في العصوبة مقدم على الأبوة.
ألا ترى أن من ترك أبا وابنا كانت العصوبة للابن دون الأب ولكن في جانب الأب ترجيح من وجه آخر وهو الولاد مقدم في الاستحقاق حتى يستحق به الفريضة وصاحب الفريضة يتقدم على العصبة فقلنا في الفرض المستحق بالولاد يجعل الجد مقدما وإذا آل الأمر إلى العصوبة يعتبر الإدلاء وهما مستويان في ذلك ولكل واحد منهما ترجيح من وجه فيقع التعارض ويكون المال بينهما بالمقاسمة بمنزلة الأخوين لأب وأم أو لأب ولهذا لا تثبت المزاحمة لأولاد الأم مع الجد لأن إدلاءهم بالأم ولا تأثير لقرابة الأم في استحقاق العصوبة بها والمساواة باعتبار التساوي في الإدلاء. قال الشافعي: ولهذا قلت إذا مات المعتق وترك أخا المعتق لأبيه وأمه وجده فالمال بينهما نصفان لأنه معتبر بالفرضية في الميراث بالولاء وقد استويا في معنى العصوبة فيستويان في الاستحقاق على كل حال قل الباقي لهما أو كثر، فأما أبو حنيفة احتج بما نقل عن ابن عباس أنه كان يقول ألا يتق الله زيد بن ثابت يجعل بن الابن ابنا ولا يجعل أب الأب أبا؟ ومعنى هذا الكلام أن الاتصال بالقرب من الجانبين يكون بصفة واحدة لا يتصور التفاوت بينهما بمنزلة المماثلة بين مثلين والأخوة بين الأخوين فإذا كان في الموضع الذي كان الجد ميتا يجعل بن الابن قائما مقام الابن في حجب الأخوة من أي جانب كانوا وكان معنى القربى والاتصال في جانبه مرجحا فكذلك إذا كان بن بن الميت ميتا يكون الجد قائما مقام الأب في حجب جميع الأخوة ويكون اتصاله وقربه إلى الميت بالميت مرجحا لأن الاتصال واحد لا يعقل التفاوت بين الجانبين بوجه، والدليل عليه أن الجد عند عدم الأب يستحق اسم الأبوة قال الله تعالى:
{يَا بَنِي آدَمَ} [الأعراف: 26] ومن كنت ابنه فهو أبوك وقال جل جلاله: {قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ} [البقرة: 133] وكان إبراهيم جدا وقال عز وجل: {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ} [يوسف: 38] وكانا جدين له وكذلك أيضا في الحكم فالجد له من الولاية عند عدم الأب ما للأب حتى أن ولايته تعم المال والنفس جميعا بخلاف الأخوة والخلافة في الإرث نوع ولاية وكذلك الجد في استحقاق النفقة مع اختلاف الدين بمنزلة الأب بخلاف الأخوة والنفقة صلة كالميراث وكذلك الجد في حكم حرمة وضع الزكاة وحرمة قبول الشهادة وحرمة حليلته كالنافلة والمنع من وجوب القصاص عليه بقتل النافلة وثبوت حق التملك له بالاستيلاد قائم مقام الأب بخلاف الأخوة فإذا جعل هو في جميع الأحكام بمنزلة الأب فكذلك في حجب الأخوة، وبعد ما تقرر هذا المعنى فلا معتبر بالقرب لأن استحقاق المال بالعصوبة وهي لا تبني على القرب فابنة الابنة أقرب من ابن العم ومن مولى العتاقة ثم الميراث بالعصوبة لابن العم ومولى العتاقة دون ابنة الابنة فكذلك هنا، إذا عرفنا هذا رجعنا إلى بيان مذهب الذين قالوا بتوريث الأخوة والأخوات مع الجد فقد فرغنا من بيان قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه ومن قال بقوله فنقول: أما

 

ج / 29 ص -158-    على مذهب زيد الجد يقاسم الأخوة والأخوات ما دامت المقاسمة خيرا له من ثلث جميع المال أو كانا سواء فإن كان الثلث خيرا له فإنه يعطي الثلث ثم الباقي بين الأخوة والأخوات.
ومن مذهبه أن يعتد بالأخوة والأخوات لأب مع الأخوة والأخوات لأب وأم في مقاسمة الجد فإذا أخذ الجد نصيبه رد الأخوة والأخوات لأب على الأخوة والأخوات لأب وأم جميع ما أصابوا إن كان أولاد الأب والأم ذكورا أو مختلطين فإن كانوا إناثا فإنهم يردون على البنتين إلى تمام الثلثين وعلى الواحدة إلى تمام النصف وينبنى على هذا مسألة العشرية وصورتها أخت لأب وأم وأخ لأب وأم وأخ لأب وجد فعلى قول زيد بن ثابت المال بينهم بالمقاسمة لأن بالمقاسمة نصيب الجد خمسا المال وهو خير له من الثلث فيكون أصل الفريضة من خمسة للجد سهمان وللأخ سهمان وللأخت سهم ثم الأخ لأب يرد على الأخت لأب وأم إلى تمام النصف وذلك سهم ونصف ما أصابه فانكسر بالأنصاف فاضعفه فيكون عشرة للجد أربعة وللأخت لأب وأم بعد الرد خمسة والباقي للأخ لأب سهم واحد وهذا السهم الواحد هو عشر المال فلهذا سميت المسألة عشرية زيد ومن مذهبه أنه إذا اجتمع مع الجد والأخوة أصحاب الفرائض يوفر على أصحاب الفرائض فرائضهم ثم ينظر للجد إلى المقاسمة وإلى ثلث ما بقي وإلى سدس جميع المال فأي ذلك خيرا للجد أعطي ذلك والباقي للأخوة والأخوات ومن مذهبه أن الأخوات المفردات لا يكن من أصحاب الفرائض مع الجد ولكن يصرن عصبة بالجد ويكون الحكم المقاسمة بينهن وبين الجد إلا في مسألة الأكدرية خاصة فإن جعل الأخت فيها صاحبة فرض لأجل الضرورة وصورتها امرأة ماتت وتركت زوجا وأما وأختا لأب وأم وجدا فللزوج النصف ثلاثة من ستة وللأم الثلث سهمان وللجد السدس سهم وللأخت النصف ثلاثة تعول بثلاثة وإنما جعل الأخت هنا صاحبة فرض لأجل الضرورة فإنه لم يبق بعد نصيب أصحاب الفرائض إلا السدس فإن جعل ذلك للجد صارت الأخت محجوبة بالجد وهذا خلاف أصله وإن جعل ذلك بينهما بالمقاسمة انتقص نصيب الجد عن السدس، ومن مذهبه أنه لا ينقص نصيبه عن السدس باعتبار الولاء بحال وإسقاط الأخت بالجد متعذر أيضا لأنها صاحبة فرض عند عدم الولد بالنص وفريضتها النصف فلهذه الفريضة جعلها صاحبة فرض هنا ثم ينضم نصيب الأخت مع نصيب الجد وهو أربعة من تسعة فيكون مقسوما بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين فانكسر بالأثلاث فاضربه تسعة في ثلاثة فيكون سبعة وعشرين كان للزوج ثلاثة مضروبة في ثلاثة فتكون تسعة وكان للأم سهمان مضروبان في ثلاثة فيكون ستة وكان نصيب الأخت والجد أربعة مضروبة في ثلاثة فيكون اثني عشر للجد ثمانية وللأخت أربعة وإنما جعله كذلك لأن أصحاب الفرائض لما خرجوا من الوسط صار الباقي في حقهما بمنزلة جميع التركة فإنا إنما جعلنا الأخت صاحبة فرض لأجل الضرورة والثابت بالضرورة يتعذر بقدر الضرورة وقد انعدمت الضرورة فيما أصابهما فيبقى المعتبر المقاسمة فيما بينهما. ولو كان مكان الأخت أخا لم تكن المسألة أكدرية بل سدس الباقي كله للجد ولا شيء للأخ

 

ج / 29 ص -159-    لأن استحقاق الأخ بالعصوبة فقط وللعصبة ما يبقى من أصحاب الفرائض فإذا لم يبق شيء كان الأخ محروما لانعدام محل حقه بخلاف الأخت، وكذلك إن كان مكان الأخت الواحدة أختين أو أخا وأختا لم تكن المسألة أكدرية لأنهما يحجبان الأم من الثلث إلى السدس فيكون الباقي الثلث، فإن كان مع الجد أختان فالمقاسمة والسدس للجد سواء وإن كان أخا وأختا فالسدس خير له فيأخذ السدس والباقي بين الأخ والأخت للذكر مثل حظ الأنثيين وإنما لقبت هذه المسألة بالأكدرية لأنه تكدر فيها مذهب زيد فاضطر إلى ترك أصله وقيل إن عبد الملك بن مروان ألقاها على فقيه كان يلقب بالأكدر فأخطأ فيها على قول زيد وقيل لأن الميت الذي وقعت هذه الحادثة في تركته كان يلقب بالأكدر.
ومن مذهب زيد: أن البنات مع الجد كغيرهن من أصحاب الفرائض والجد يكون عصبة معهن ومن مذهبه أن يجوز تفضيل الأم على الجد، وبهذا كله أخذ سفيان الثوري وأبو يوسف ومحمد ومالك والشافعي وعليه الفتوى إلا أن بعض المتأخرين من مشايخنا رحمهم الله استحسنوا في مسائل الجد الفتوى بالصلح في مواضع الخلاف وقالوا إذا كنا نفتي بالصلح في تضمين الأخير المشترك لاختلاف الصحابة فالاختلاف هنا أظهر فالفتوي بالصلح فيه أولى، فأما بيان مذهب علي رضي الله عنه فنقول إنه يقاسم الأخوة والأخوات ما دامت المقاسمة خيرا له من السدس أو كانا سواء فإذا كان السدس خيرا له أخذ السدس ثم الباقي بين الأخوة والأخوات ومن مذهبه أنه لا يعتد بالأخوة والأخوات لأب مع الأخوة والأخوات لأب وأم في مقاسمة الجد، ولكن يعتد بهم إذا انفردوا عن الأخوة والأخوات لأب وأم ويجعل الجد كأحد الذكور منهم في حكم المقاسمة، ومن مذهبه أنه إذا اجتمع مع الجد والأخوة أصحاب الفرائض سوى البنات فإنه يوفر عليهم فرائضهم ثم ينظر إلى ما بقي فإن كان السدس يعطى للجد وإن كان أقل يكمل له السدس وإن كان أكثر من السدس ينظر للجد إلى المقاسمة وإلى سدس جميع المال فأيما كان خيرا له ذلك والباقي للأخوة، ومن مذهبه أن الأخوات المفردات أصحاب الفرائض مع الجد وفريضة الواحدة منهن النصف وفريضة المثنى فصاعدا الثلثان ومن مذهبه أن مع الابنة الجد صاحب فرض له السدس ولا يكون عصبة بحال، ومن مذهبه أنه يجوز تفضيل الأم على الجد وبهذا كله أخذ بن أبي ليلى وسوى هذا روايتان عن علي رضي الله عنه، أحدهما كقول الصديق رضي الله عنه والأخرى أن المال بين الجد والأخوة بالمقاسمة وإن كان نصيب الجد دون السدس فقد روى أن ابن عباس كتب إليه يسأله عن جد وست أخوة فكتب في جوابه أجعل المال بينهم على سبعة ومزق كتابي هذا إن وصل إليك فكأنه لم يستقر على هذا الفتوى حين أمره أن يمزقه.
فأما بيان مذهب عبد الله بن مسعود فمن مذهبه أن الجد يقاسم الأخوة ما دامت القسمة خيرا له من الثلث وافق في هذا زيدا ومن مذهبه أنه لا يعتد بأولاد الأب مع الأولاد لأب وأم في مقاسمة الجد فوافق فيه عليا وقال يعتد بهم إذا انفردوا عن أولاد الأب والأم كما هو

 

ج / 29 ص -160-    مذهب علي رضي الله عنه فإن اجتمع مع الجد والأخوة أصحاب الفرائض فأهل الحجاز يروون عن عبد الله أنه يعطى أصحاب الفرائض فرائضهم ثم ينظر للجد إلى ثلاثة أشياء كما هو مذهب زيد فأهل العراق يروون عنه أنه ينظر للجد إلى المقاسمة وإلى السدس كما هو مذهب علي، ومن مذهبه أن الأخوات المفردات أصحاب الفرائض مع الجد وافق فيه عليا ومما تفرد به ابن مسعود ابنة وجد وأخت للابنة النصف والباقي بين الجد والأخت نصفان فهذه من مربعات عبد الله ومما تفرد به زوج وأم وجد للزوج النصف والباقي بين الجد والأم نصفان فكان لا يفضل أما على جد فهذه من مربعاته أيضا ومما تفرد به أن الأخوات لأب وأم إذا كانوا أصحاب الفرائض مع الجد فلا شيء للأخوة والأخوات لأب سواء كانوا ذكورا أو إناثا أو مختلطين ولا يعتد بهم في هذه الحالة، وبهذا كله أخذ فقهاء الكوفة علقمة والأسود وإبراهيم النخعي فصار الاختلاف بينهم في الحاصل في ثمان فصول، فالسبيل أن نذكر كل فصل على الانفراد.
أما الفصل الأول: أن على قول زيد وعبد الله تعتبر المقاسمة ما دامت خيرا له من ثلث المال، وعند علي تعتبر المقاسمة ما دامت خيرا له من سدس المال وجه قوله أن الجد إنما امتاز من الأخوه بمعنى الولاء واسم الأبوة وبهذا الاسم والمعنى يختص باستحقاق الفريضة وفريضة الأب بالنص السدس قال الله تعالى:
{وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} [النساء: 11] ثم الجد مع الأخوة بمنزلة الأب مع الأولاد لأن الأخ ولد من يدلى به الجد وهو الأب ثم فريضة الأب مع الولد السدس لا ينقص عنه فكذلك فريضة الجد مع الأخوة السدس لا ينقص عن ذلك بحال واعتبار العصوبة لتوفر المنفعة عليه فإذا كانت الفريضة أنفع له قلنا بأنه يعطى فريضته وذلك السدس.
وجه قول عبد الله وزيد حديث عمران بن الحصين: أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن ابن ابني مات فما لي من ميراثه فقال عليه السلام:
"لك السدس" فلما أدبر الرجل دعاه فقال: "لك سدس آخر" وإنما يحمل هذا على أنه كان وقع عنده في الابتداء أن للميت ولدا فجعل له السدس ثم علم أنه لا ولد للميت فجعل له الثلث.
وروى أن عمر بن الخطاب جمع الصحابة وقال هل سمع منكم أحد من النبي عليه السلام في الجد شيئا فقام رجل وقال شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم قضي للجد بالثلث، فقال مع من كان فقال لا أدري فقال لا دريت فقام رجل آخر وقال: شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى للجد بالثلث، فقال مع من كان فقال لا أدري شيئا فقال لا دريت وإنما يحمل هذا على أنه جعل له السدس مع الولد والثلث عند عدم الولد، والمعنى فيه أن الجد مع الجدة بمنزلة الأب مع الأم ثم عند عدم الولد للأم الثلث وكان للجدة نصف نصيب الأم وهو السدس وللأب الثلثان فينبغي أن يكون للجد نصف نصيب الأب وهو الثلث بالولاء كما هو الأصل في جعل حظ الذكر ضعف حظ الأنثى، والدليل عليه أن

 

ج / 29 ص -161-    الجد يحجب أخوين لأم عن فرضهما وفرضهما الثلث عند عدم الولد وكل وارث يحجب آخر عن فرضه فإنه يستحق ذلك لا محالة فإن معنى حجته في أنه يكون مقدما عليه في فرضه كالولد في حق الزوج والزوجة بخلاف الأخوين مع الأب فإنهما يحجبان الأم من الثلث إلى السدس ولا حظ لهما في ذلك لأنهما غير وارثين مع الأب وكلامنا فيمن يحجب غيره وهو وارث.
والفصل الثاني: أن على قول زيد بن ثابت رضي الله عنه لا يعتد بهم. وجه قول زيد أنه يعتد بهم في مقاسمة الجد عند الانفراد بالاتفاق وإنما يعتد بهم لأنهم يدلون بالأب كما يدلى الجد وهذا المعنى قائم عند وجود الأخوة والأخوات لأب وأم فإن بوجودهم لا يزداد معنى الإدلاء في الجد ولا ينتقص في جانب الأخوة لأب، وتحقيق هذا الكلام أن قرابة الأم في حق الأخوة والأخوات لأب وأم معتبر للترجيح لا للاستحقاق والترجيح عند اتحاد الجهة لا عند اختلاف الجهة ففي حق الجد مع الأخوة الجهة مختلفة لأن الأبوة غير الأخوة فلا معتبر بقرابة الأم في الترجيح مع الجد ولكن يجعلا في المقاسمة كأنهما جميعا أخوة لأب حتى يأخذ الجد نصيبه فيخرج من الوسط ثم صارت الجهة واحدة فيما بين الأخوة لأب وأم والأخوة لأب فيظهر الترجيح عند ذلك بقرابة الأم فيرد الأخوة لأب على الأخوة لأب وأم ما أخذوا لهذا المعنى بمنزلة الأبوين مع الأخوين فالأخوان يحجبان الأم من الثلث إلى السدس ثم الأب يستحق عليهما ذلك، وأما وجه قول علي وعبد الله أن الجد مع الأخوة لأب وأم يجعل بمنزلة الأخ لأب وأم لا بمنزلة الأخ لأب لأنه لو جعل كالأخ لأب لكان الأخ لأب وأم مقدما عليه وإذا جعل هو كالأخ لأب وأم والأخ لأب وأم يحجب الأخوة لأب فالأخوان لأب وأم لأن يحجبان الأخوة لأب كان أولى وهذا بخلاف ما إذا انفرد الأخوة لأب مع الجد لأن هناك الجد يجعل بمنزلة الأخ لأب بمعنى وهو أن الولاء الذي اختص به الجد معتبر عند الحاجة ولا يعتبر عند عدم الحاجة.
ألا ترى أن نصيبه إذا كان بالمقاسمة دون الثلث يعتبر الولاء لكن لا ينتقص حقه عن السدس؟ وإذا كانت المقاسمة خيرا له لا يعتبر الولاء ولكن يعتبر الإدلاء بالأب فهنا مع الأخوة لأب لا حاجة إلى اعتبار الولاء في جانب الجد فلا يعتبر وجود الأخوة لأب وأم ولما قضت الحاجة إلى ذلك ليقوم معنى الولاء في جانبه مقام قرابة الأم في جانب الأخ لأب وأم فكان معتبرا وجعل الجد كالأخ لأب وأم، يوضحه: أن لو قلنا بأنه يعتد بهم في مقاسمة الجد ثم يردون ما أصابهم على الأخ لأب وأم يؤدي إلى تفضيل الأخ لأب وأم على الجد وهذا ساقط بالإجماع فإن الجد لا ينتقص نصيبه عن السدس بحال وقد ينقص نصيب الأخ عن السدس فكيف يجوز تفضيل الأخ على الجد في الميراث؟.
والفصل الثالث: أن الأخوات المفردات أصحاب الفرائض مع الجد عند علي وعبد الله

 

ج / 29 ص -162-    وعند زيد رضي الله عنه عصبات إلا في الأكدرية. وجه قولهما أن الأنثى إنما تصير عصبة للذكر عند اتحاد السبب فأما عند اختلاف السبب فلا فالسبب في حق الجد غير السبب في حق الأخت فلا تصيرن عصبة به بخلاف الأخ فالسبب واحد في حق الأخ والأخت فتصير الأخت عصبة بالأخ، يوضحه أن الجد لا يعصب من في درجته من الإناث كالجدة فكذلك لا يعصب غيرها بمنزلة بن العم ولأن الأخت مع الجد بمنزلة الابنة من الأب ثم الابنة لا تصير عصبة بالأب فكذلك الأخت لا تصير عصبة بالجد وجه قول زيد أن الجد كأحد الذكور من الأخوة ومعلوم أن الأخت تصير عصبة بالأخ لا باسم الأخوة فذلك موجود في الأخ لأم ولا يجعلها عصبة ولكن إنما تصير بالأخ لكون الأخ عصبة والجد في العصوبة مساو للأخ فتصير الأخت عصبة إلا في الأكدرية فإنها تجعل صاحب فرض لأجل الضرورة كما بينا مع أن الجد في تلك المسألة صاحب فرض فإن له السدس فيكون في تلك المسألة هو بمنزلة الأخ لأم والأخت لا تصير عصبة بالأخ لأم.
والفصل الرابع: بين علي وعبد الله أنه إذا كان هناك أخت لأب وأم وأخ وأخت لأب وجد عند علي للأخت لأب وأم النصف والباقي بين الجد والأخ والأخت لأب بالمقاسمة، وعند عبد الله الباقي كله للجد ولا شيء للأخ والأخت لأب لأن استحقاق الباقي باعتبار العصوبة فيقدم الأقرب والجد هو أقوى سببا من أولاد الأب لأن جانبه زائد بالولاء وقد اعتبر الولاء هنا لمكان الأخت لأب وأم فإن قرابة الأم اعتبرناها في جانبها حين جعلناها صاحبة فرض إذ لو لم يعتبر قرابة الأم لكانت هي عصبة بالأخ لأب وإذا اعتبر قرابة الأم في جانبها يعتبر الولاء في جانب الجد فيكون سببه في العصوبة أقوى ويحجب به أولاد الأب بمنزلة الأخ لأب وأم بخلاف ما إذا انفرد أولاد الأب مع الجد لأن هناك يعتبر الولاء في جانب الجد فيكون سببه مثل سبب أولاد الأب.
وجه قول علي: أن الأخوة والأخوات لأب يقاسمون الجد في جميع المال فيقاسمونه فيما بقي بعد صاحب الفريضة كالأخ والأخت لأب وأم وهذا لأن الولاء في الجد غير معتبر هنا لأنه لا حاجة إلى اعتباره في إثبات العصوبة للجد مع أولاد الأب فهو وما انفردوا معه سواء.
والفصل الخامس: أنه إذا اجتمع أصحاب الفرائض مع الأخوة والجد فعلى قول زيد يوفر على أصحاب الفرائض فرائضهم ثم ينظر للجد إلى ثلث ما بقي وإلى المقاسمة وإلى سدس المال وهو بناء على أصله فإنه يعتبر للجد ثلث جميع المال إذا لم يكن هناك صاحب فرض فما بقي هنا كجميع المال هناك فاعتبر المقاسمة وثلث ما بقي إلا أن يكون السدس خيرا له فحينئذ لا ينقص الجد عن السدس لأنه يثبت استحقاق السدس باسم الأبوة بالنص وذلك يتناول الجد، وأما عند علي ينظر إلى المقاسمة وإلى سدس جميع المال بناء على أصله إذا لم يكن هناك صاحب فرض فإنه يعتبر للجد المقاسمة والسدس ولا يعتبر ثلث جميع المال،

 

ج / 29 ص -163-    فكذلك هنا، وأهل الحجاز يروون عن عبد الله مثل قول زيد أنه يعتبر ثلث ما بقي كما هو أصله إذا لم يكن هناك صاحب فرض فإنه يعتبر للجد ثلث جميع المال وأهل العراق يروون عن عبد الله السدس والمقاسمة هنا كما هو قول علي رضي الله عنه فهو يحتاج إلى الفرق بين هذا وبين ما إذا لم يكن هناك صاحب فرض ووجه الفرق أن هناك إنما جعلنا للجد الثلث باعتبار أنه نصف نصيب الأب مع الأم وضعف نصيب الجدة وقد تغير ذلك بوجود أصحاب الفرائض ومتى وقع التغير في فريضة فالأصل فيها المناصفة كما في فريضة الزوج والزوجة وفريضة الأم بالأخوة فلهذا اعتبرنا له السدس والمقاسمة.
يوضحه: أن ثلث ما بقي غير منصوص عليه في الفرائض وإثبات مقدار الفريضة لا يكون بالرأى بخلاف زوج وأبوين وامرأة فإنا إذا جعلنا للأم ثلث ما بقي في زوج وأبوين كان ذلك سدس جميع المال وفي فريضة السدس نص وإذا جعلنا لها ثلث ما بقي بامرأة وأبوين كان ذلك ربع جميع المال وفي فريضة الربع نص فأما لو جعلنا للجد ثلث ما بقي بعد أصحاب الفرائض لا يكون ذلك موافقا لفرض منصوص على كل حال فيكون إثبات فريضة بالرأي.
والفصل السادس: في الابنة مع الجد والأخوة والأخوات فإن على قول علي الجد صاحب فريضة هنا وفريضته السدس، وعند عبد الله بن مسعود وزيد رضي الله عنهما يكون هو عصبة يقاسم الأخوة والأخوات ما بقي بعد نصيب الأبنة فهما يقولان الابنة صاحبة فرض فتكون كغيرها من أصحاب الفرائض والجد عصبة مع سائر أصحاب الفرائض ويقاسم الأخوة والأخوات ما بقي فكذلك مع الابنة.
وجه قول علي: أن الجد أب والأب صاحب فرض مع الولد بالنص قال الله تعالى:
{وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} [النساء: 11] إلا أنا جعلنا الأب الأدنى مع الابنة عصبة فيما بقي بعد ما جعلناه صاحب فرض فلو أعطينا للجد حكم العصوبة كنا قد سويناه بالأب فحجب الأخوة ولا يزاحمهم وذلك لا يستقيم فلا نجعل له حظا من العصوبة هنا.
والفصل السابع: بين زيد وعبد الله فيما إذا ترك ابنة وجدا وأختا فعلى قول زيد للابنة النصف والباقي بين الجد والأخت للذكر مثل حظ الأنثيين، وعلى قول عبد الله الباقي بينهما نصفان لأن كل واحد منهما لو انفرد مع الابنة استحق ما بقي بطريق العصوبة فالأخت مع الابنة عصبة وكذلك الجد فعند الاجتماع الأخت لا تصير عصبة بالجد وإنما يفضل الذكر على الأنثى في العصبة إذا صارت المرأة عصبة بالذكر فأما بدون ذلك فلا وصار هذا كما لو أعتق رجل وامرأة عبدا كان ميراثه بالولاء بينهما نصفين وهذا بخلاف الأخ والأخت لأن الأخت عند وجود الأخ إنما تصير عصبة بالأخ.
ألا ترى أنه لو لم يكن ابنة كانت عصبة بالأخ فكذلك مع وجود الابنة وهنا لو لم توجد الابنة ما كانت الأخت عصبة بالجد فكذلك مع الابنة.

 

ج / 29 ص -164-    والفصل الثامن: إذا تركت زوجا وأما وجدا فعلى قول زيد وعلي للأم ثلث جميع المال لأن ثلث المال للأم عند عدم الولد ثابت بالنص قال الله تعالى: {فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النساء: 11] والنقصان عما هو منصوص عليه بالرأي لا يجوز، ثم الأم أقرب من الجد بدرجة والأقرب وإن كان أنثى يجوز تفضيله على الأبعد في الاستحقاق، يوضحه أن النقصان دون الحرمان ويجوز حرمان الجد في موضع ترث الأم فيه الثلث وهو حال حياة الأب فلأن يجوز نقصان نصيب الجد عن نصيب الأم كان أولى. وأما عبد الله ففي إحدى الروايتين عنه للأم ثلث ما بقي وهو سدس جميع المال لأن اسم الأب ثابت للجد ولا يجوز تفضيل الأم على الأب ولا التسوية بينهما في الميراث. وفي الرواية الأخرى قال النصف الباقي بين الأم والجد نصفان لأن الممتنع تفضيل الأنثى على الذكر بسبب الولاء فأما بعد التسوية بينهما غير ممتنع كما في حق الأبوين مع الابن يوضحه أن في جانب الجد فضيلة الأبوة والبعد بدرجة وفي جانب الأم فضيلة القرب بدرجة ونقصان الأبوة فاستويا فيكون الباقي بينهما نصفان.
ثم اعلم أن حاصل الكلام في مسائل الجد يدور على ستة مسائل فمن أحكم أقاويل الصحابة فيها يتيسر عليه تخريج ما سواها، والمسائل الست ذكرها محمد رحمه الله في كتاب الفرائض ورواها عن السدي عن إسماعيل عن الشعبي إحداها مسألة الخرقاء وصورتها أخت لأب وأم أو لأب وجد وأم فالصحابة رضي الله عنهم اختلفوا فيها على ست أقاويل على قول أبي بكر الصديق للأم الثلث والباقي للجد ولا شيء للأخت، وعلى قول علي للأم الثلث وللأخت النصف بالفرضية وللجد السدس، وعلى قول زيد: للأم الثلث والباقي بين الجد والأخت للذكر مثل حظ الأنثيين، وعلى قول عبد الله: للأخت النصف وللأم السدس في رواية والباقي للجد لأنه يجعل نصيب الجد ضعف نصيب الأم كما هو مذهبه في زوج وأم وجد، وفي الرواية الأخرى للزوج النصف والباقي بين الجد والأم نصفان لأنه لا يرى تفضيل الأم على الجد ويرى التسوية بينهما. والسادس: قول عثمان رضي الله عنه أن المال بين ثلاثتهم أثلاثا. وجواب هذه المسألة بهذه الصفة محفوظ عن عثمان ووجهه أن الأم تستحق الثلث بالنص ولو لم يكن هناك أم لكان للأخت النصف بالفريضة والنصف الآخر للجد، فإذا استحقت الأم الثلث عليهما كان ذلك من نصيبها جميعهما ويبقى حقهما في الباقي سواء فكان المال بين ثلاثتهم أثلاثا وتسمى هذه المسألة الخرقاء لكثرة اختلاف العصبة فيها وتسمى عثمانية لأن قديما جوابها محفوظ عن عثمان وتسمى مثلثة لجعل عثمان المال بينهم أثلاثا وتسمى حجاجية لأن الحجاج ألقاها على الشعبي على ما حكى أن الحجاج لما قدم العراق أتى بالشعبي موثقا بحديد فنظر إليه بشبه المغضب وقال أنت ممن خرج علينا يا شعبي فقال أصلح الله الأمير لقد أجدب الجناب وضاق المسلك واكتحلنا السهر واستجلسنا الحرر، ووقعنا في فتنة لم يكن فيها تروية أتينا ولا فجرية أقويا قال صدق خذوا عنه ما يقول في أم وأخت وجد فقال قد قال فيها خمسة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

 

ج / 29 ص -165-    ومن هم؟ قال عثمان وعلي وزيد وابن مسعود وابن عباس فقال ما قال فيها الحبر يعنى عبد الله بن عباس قال جعل الجد أبا ولم يعط الأخت شيئا قال وما قال فيها ابن مسعود قال جعل للأخت النصف والباقي بين الأم والجد نصفان قال وما قال فيها زيد قال جعل للأم الثلث والباقي بين الجد والأخت للذكر مثل حظ الأنثيين فقال وما قال فيها أمير المؤمنين يعنى عثمان قال جعل المال بينهم أثلاثا فقال لله در هذا العلم فرده بجميل.
والمسألة الثانية: ملقبة بالأكدرية وصورتها أم وجد وزوج وأخت لأب وأم أو لأب وفيها خمسة أقاويل قول زيد كما بينا وقول الصديق أن للزوج النصف وللأم الثلث على ما رواه محمد بن الحسن والباقي للجد على ما رواه أبو يوسف وأبو ثور للأم ثلث ما بقى والباقي للجد والقول الرابع قول عبد الله أن للزوج النصف وللأخت النصف وللجد السدس وللأم السدس كيلا يؤدي إلى تفضيل الأم على الجد فتعول بسهمين والقسمة من ثمانية وعلى قول علي رضي الله عنه للزوج النصف وللأخت النصف وللأم الثلث وللجد السدس فتعول بثلاثة فتكون القسمة من تسعة وهذا قريب من قول زيد إلا أن على مذهب زيد أن ما يصيب الجد والأخت يجعل بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين فتكون القسمة من سبعة وعشرين وعند علي لا يجعل كذلك بل لكل واحد منهما ما أصابه.
والمسألة الثالثة: امرأة وأخت وأم وجد وفيها أربعة أقاويل: قولان للصديق رضي الله عنه أحدهما أن للمرأة الربع وللأم ثلث ما بقي والباقي للجد، والآخر: أن للمرأة الربع وللأم ثلث جميع المال والباقي للجد. والثالث: قول علي وزيد أن للمرأة الربع وللأم الثلث والباقي بين الجد والأخت بالمقاسمة. والرابع: قول عبد الله أن للمرأة الربع وللأخت النصف والباقي بين الجد والأم نصفان.
والمسألة الرابعة: امرأة تركت زوجا وأما وجدا وأخا لأب وأم أو لأب وفيها ثلاثة أقاويل قولان للصديق رضي الله عنه أحدهما للأم ثلث جميع المال، وفي الآخر لها ثلث ما بقي والباقي للجد، والثالث: قول علي وعبد الله وزيد أن للزوج النصف وللأم ثلث جميع المال والباقي للجد ولا شيء للأخ فيكون هذا موافقا لأحد قولى أبي بكر، والقول الآخر فيه لعبد الله أن للزوج النصف والباقي بين الأم والجد نصفان ولا شيء للأخ.
والمسألة الخامسة: امرأة وأم وجد وأخ لأب وأم أو لأب وفيها خمسة أقاويل قولان للصديق كما ذكرنا والثالث قول علي وزيد أن للمرأة الربع وللأم ثلث جميع المال والباقي بين الجد والأخ نصفان لأن المقاسمة خير له من السدس فالمقاسمة له سهمان ونصف من اثنى عشر والسدس سهمان والقول الرابع لعبد الله أن للمرأة الربع وللأم ثلث ما بقي والباقي بين الجد والأخ نصفان والخامس قول عبد الله أيضا أن للمرأة الربع والباقي بين الجد والأم والأخ أثلاثا كيلا يؤدي إلى تفضيل الأم على الجد فتكون هذه من مربعاته على هذه الرواية.

 

ج / 29 ص -166-    والمسألة السادسة: ابنة وأخت وجد وفيها خمسة أقاويل قول الصديق أن للابنة النصف والباقي للجد بالفرض والعصوبة، وقول زيد أن للابنة النصف والباقي بين الجد والأخت للذكر مثل حظ الأنثيين وعلى قول علي رضي الله عنه للابنة النصف وللجد السدس والباقي للأخت، وقولان لعبد الله أحدهما أن للابنة النصف والباقي بين الأخت والجد نصفان، والقول الآخر أن للابنة النصف وللجد ثلث ما بقي وهو والسدس في المعنى سواء والباقي للأخت فهذا بيان المسائل الستة وما سواها من مسائل الجد يتيسر تخريجها على قياس هذه المسائل والله أعلم بالصواب.

باب الرد
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: إذا فضل المال عن حقوق أصحاب الفرائض وليس هناك عصبة من جهة النسب ولا من جهة السبب فإنه يرد ما بقي عليهم على قدر انصبائهم إلا الزوج والزوجة وبه أخذ علماؤنا رحمهم الله، وقال عثمان بن عفان رضي الله عنه يرد على الزوج والزوجة أيضا كما يرد على غيرهم من أصحاب الفرائض وهو قول جابر بن يزيد. وقال عبد الله بن مسعود: الرد على أصحاب الفرائض إلا على ستة نفر الزوج والزوجة وابنة الابن مع ابنة الصلب والأخت لأب مع الأخت لأب وأم وأولاد الأم مع الأم والجدة مع ذي سهم أيا كان وهو قول أحمد بن حنبل. وقال زيد بن ثابت: لا يرد على أحد من أصحاب الفرائض شيء بعد ما أخذوا فرائضهم ولكن نصيب الباقي لبيت المال وهو رواية عن ابن عباس وبه أخذ الشافعي. وعن ابن عباس في رواية قال يرد على أصحاب الفرائض لا على ثلاثة نفر الزوج والزوجة والجدة، ثم الرد على قول علي وهو مذهبنا يكون بطريقين أحدهما بأن يعطون فرائضهم أولا ثم يرد الباقي عليهم بقدر فرائضهم فتكون القسمة مرتين والأخرى أنه ينظر إلى مقدار فرائضهم فيقسم جميع المال بينهم على ذلك قسمة واحدة وهذا هو الأصح لأنه أبعد عن التطويل، وبيانه فيما إذا ترك أختا لأب وأم وأما فعلى الطريق الأول القسمة الأولى من ستة على مقدار فريضتهما فتكون على خمسة وستة على خمسة لا يستقيم فيضرب ستة في خمسة فتكون ثلاثين منه تصح وعلى الآخر يقسم المال كله بينهما على خمسة ثلاثة أخماسه للأخت وخمساه للأم وهذا إذا لم يخالطهم من لا يرد عليه، فإن خالطهم من لا يرد عليه فحينئذ لا بد من اعتبار القسمتين وبيانه إذا تركت امرأة زوجا وأما وابنة فللزوج الربع وللابنة النصف وللأم السدس بقي سهم من اثنى عشر وهو نصف سدس فيرد على الابنة والأم دون الزوج وإنما يرد عليهما أرباعا فيحتاج إلى أن تضرب اثنى عشر في أربعة فيكون ثمانية وأربعين للزوج الربع وذلك اثنا عشر ثم الباقي وهو ستة وثلاثون بين الأم والابنة للابنة ثلاثة أرباعها وذلك سبعة وعشرون وللأم ربعها وذلك تسعة.
وعلى الطريق الآخر يطلب حساب له ربع ولثلاثة أرباعه ربع وأقل ذلك ستة عشر فيعطى الزوج الربع وذلك أربعة يبقى اثنا عشر للابنة ثلاثة أرباعها تسعة وللأم ربعها ثلاثة، فمن

 

ج / 29 ص -167-    أصحابنا، رحمهم الله من جعل هذه المسألة بناء على مسألة ذوي الأرحام فإن الرد يكون باعتبار الرحم ولهذا لا يرد على من لا رحم له وهو الزوج والزوجة ومن أصلنا أن الميراث يستحق بالرحم وأن ذوي الأرحام يقدمون على بيت المال فكذلك أصحاب الفرائض فيما بقي يقدمون على بيت المال بالرحم. وعلى قول الشافعي ذووا الأرحام لا يستحقون شيئا ولكن يصرف المال لبيت المال إذا لم يكن هناك صاحب فرض ولا عصبة فكذلك إذا فضل عن حقوق أصحاب الفرائض وليس هناك عصبة قلنا بأنه يجعل ما بقى في بيت المال فالحجة لمن أبى الرد آية المواريث فإن الله تعالى بين نصيب كل واحد من أصحاب الفرائض والتقدير الثابت بالنص يمنع الزيادة عليه لأن في الزيادة مجاوزة الحد الشرعي وقد قال الله تعالى بعد آية المواريث: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ} [النساء: 14] الآية، فقد ألحق الوعيد بمن جاوز الحد المشروع وفي الرد عليهم زيادة على ما قدر لكل واحد منهم ثم الرد إنما يكون باعتبار الفريضة أو العصوبة أو الرحم لا يجوز أن يكون باعتبار الفريضة لأنه وصل إلى كل واحد منهم مقدار ما فرض له ولأنه لا يرد على الزوج والزوجة والفريضة لهما ثابتة بالنص ولا يجوز أن يكون باعتبار العصوبة لأن باعتبار العصوبة يقدم الأقرب فالأقرب وفي الرد لا يقدم الأقرب وكذلك الاستحقاق بالرحم في معنى الاستحقاق بالعصوبة يقدم فيه الأقرب فإذا بطلت الوجوه صح أن القول بالرد باطل وأن ما زاد على حق أصحاب الفرائض لا يستحق له من الورثة فيصرف إلى بيت المال، ولا يقال: إن المسلمين يستحقون ذلك بالإسلام فأصحاب الفرائض ساووا المسلمين في الإسلام ويرجحوا بالقرابة لأن وصلة الإسلام بانفراد بناء على الاستحقاق كوصلة القرابة والترجيح لا يصلح بكثرة العلة.
وأما ابن مسعود قال: الرد باعتبار الرحم والاستحقاق بالرحم إنما يكون بمعنى العصوبة فيعتبر ذلك بالاستحقاق الثابت بحقيقة العصوبة فلا يثبت ذلك للزوج والزوجة لأن العصوبة باعتبار القرابة أو ما يشبه القرابة في كونه باقيا عند استحقاق الميراث كالولاء والزوجية ليست بهذه الصفة لأنها ترتفع بموت أحدهما إلا أن استحقاق الفرضية بها كان بالنص ففيما وراء المنصوص لا يثبت الاستحقاق لانعدام السبب عند الاستحقاق وكذلك لا يرد على ابنة الابنة مع الابنة لأنهما في الرد بمنزلة الابن وبن الابن فيكون الأقرب مقدما. وكذلك لا يرد على الأخت لأب مع الأخت لأب وأم لأنهما بمنزلة الأخ لأب مع الأخ لأب وأم، وكذلك لا يرد على أولاد الأم مع الأم كما لا تثبت العصوبة لأولاد الأب مع الأب ولا يرد على الجدة مع ذي سهم لأنها تدلى بالأنثى والإدلاء بالأنثى ليس بسبب لاستحقاق العصوبة بحال وقد بينا أن سبب الاستحقاق في حق الجدة ضعيف فلا تثبت المزاحمة بينها وبين من كان سببه قويا في المستحق بالرد، فأما علماؤنا رحمهم الله احتجوا بقوله تعالى:
{وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} [الأحزاب: 6] معناه: بعضهم أولى بميراث بعض بسبب الرحم فهذه الآية توجب استحقاق جميع الميراث لكل واحد منهم يوصله الرحم، والآية التي فيها ذكر

 

ج / 29 ص -168-    الفريضة توجب استحقاق جزء معلوم من المال لكل واحد منهما بالوصف المذكور فيعمل بالآيتين ويجعل لكل واحد منهم فريضة بإحدى الآيتين ثم يجعل ما بقي مستحقا لهم بسبب الرحم بالآية الأخرى ولهذا لا يرد على الزوج والزوجة لانعدام الرحم في حقهما فلا يكون هذا مجاوزة ولئن كان فهو زيادة على النص وذلك جائز ثم كما لا تجوز الزيادة على الحد المحدود شرعا لا يجوز النقصان عنه وبالإجماع ينتقص حق كل واحد منهم عما سمى له عند العول وكان ذلك جائزا لأن فيه عملا بالنصوص بحسب الإمكان وكذلك الرد ولما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على سعد بن أبي وقاص يعوده قال أما إنه لا يرثني إلا ابنة لي فأوصى بجميع مالي الحديث إلى أن قال عليه السلام: "الثلث والثلث كثير" فقد اعتقد سعد أن الابنة تكون وارثة في جميع المال ولم ينكر ذلك عليه رسول الله ثم منعه عن الوصية بما زاد على الثلث مع أنه لا وارث له إلا ابنة واحدة فلو كانت لا تستحق الزيادة على النصف بالرد لجوز له الوصية بنصف المال.
وفي حديث عمرو بن شعيب عن جده: أن النبي صلى الله عليه وسلم ورث الملاعنة من أمها أي ورثها جميع المال ولا يكون ذلك إلا بطريق الرد وفي حديث وائلة بن الأسقع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"تحوز المرأة ميراث لقيطها وعتيقها والابن الذي لوعنت به" والمعنى فيه: أن استحقاق الميراث بطريق الولاية لأن الولاية خلافة والوارث يخلف المورث ملكا وتصرفا حتى أن ما يقطع الولاية كالرق واختلاف الدين يمنع التوارث ولهذا يرث المسلم الكافر بالسبب العام دون السبب الخاص لأن الولاية تثبت للمسلم على الكافر بالسبب العام دون السبب الخاص ولا يرث الكافر المسلم بحال لأن الولاية لا تثبت للكافر على المسلم بحال ولا يدخل عليه استحقاق الصبي والمجنون الإرث وإن لم يكونا من أهل الولاية لأنه إنما انعدم في حق الصبي والمجنون الأهلية للمباشرة والتصرف وما انعدمت الأهلية للملك والوراثة خلافة في الملك ثم وليهما يقوم مقامهما في التصرف فلا يتمكن بسبب الصغر والجنون خلل فيما به تثبت ولاية الإرث إذا ثبت أن الاستحقاق بطريق الولاية قلنا الأقارب ساووا المسلمين في الإسلام وترجحوا بالقرابة لأن استحقاقهم باعتبار معنى العصوبة ومجرد القرابة في حق أصحاب الفرائض لا تكون علة للعصوبة فثبت بها الترجيح بمنزلة قرابة الأم في حق الأخ لأب وأم فإن الترجيح يحصل به لأنه لا يستحق به العصوبة بانفراده، وإذا ترجحوا بقوة السبب في حقهم كانوا أولى بما بقي من سائر المسلمين إلا أن هذا الترجيح بالسبب الذي هو به استحقوا الفريضة فيكون سببا على تلك الفريضة فكما أن أصل الفريضة يسقط باعتبار الأقرب فالأقرب من السبب فكذلك في الاستحقاق بالرد فيسقط اعتبار ذلك فيرد على أهل القرابة جميعا على قدر أنصبائهم، ثم الحاصل أن الرد به على سبعة نفر الابنة وابنة الابن والأم والجدة والأخت لأب وأم والأخت لأب وولد الأم ذكرا كان أو أنثى وقد يكون الرد على واحد منهم وقد يكون على اثنين وقد يكون على ثلاثة وقد يكون على أربعة إلا أن في

 

ج / 29 ص -169-    الأربعة واحد ممالا يرد عليه لا محالة أما الرد على الواحد فصورته فيما إذا مات وترك ابنة ولا عصبة له فالنصف لها بالفرضية والباقي رد عليها.
وكذلك إذا ترك أما فالثلث لها بالفرضية والباقي رد عليها وصورة الرد على اثنين أن يترك أما وابنة فللأم السدس وللابنة النصف والباقي رد عليها فعلى إحدى الطريقين المال بينهما أرباعا وعلى الطريق الآخر تأخذ الأم سهما من ستة والابنة ثلاثة والباقي وهو سهمان رد عليهما أرباعا فانكسر بالأرباع ولكن بين الاثنين والأربعة موافقة بالنصف فاقتصر على النصف من أحدهما وهو أربعة وذلك اثنان ثم أضرب أصل الفريضة ستة في اثنين فيكون اثنى عشر للابنة النصف ستة وللأم السدس سهمان والباقي وهو أربعة عليهما أرباعا ثلاثة أرباعه للابنة وربعه للأم.
ولو ترك ابنة وعشر بنات بن فللابنة النصف ولبنات الابن السدس والباقي رد عليهن فعلى الطريق الأول ثلاثة أرباع المال للابنة والربع لبنات الابن بينهن على عشرة ولا يستقيم فيضرب أربعة في عشرة فيكون أربعين منه تصح المسألة. وعلى الطريق الثاني للابنة النصف ثلاثة من ستة ولبنات الابن سهم بينهن على عشرة لا يستقيم وما بقي رد عليهن أرباعا لا يستقيم فقد انكسر بالأعشار والأرباع ولكن بينهما موافقة بالنصف فتقتصر على النصف من أحدهما ثم نضربه في جميع الآخر وذلك خمسة في أربعة أو اثنان في عشرة فيكون عشرين ثم أضرب أصل الفريضة وهو ستة في عشرين فيكون مائة وعشرين وإن شئت اقتصرت على النصف من أحدهما لوجود الموافقة بالأنصاف فتضرب عشرة في ستة فيكون ستين منه تصح المسألة ولكن هذا يقع فيه الكسر بالأنصاف، وإذا خرجته من مائة وعشرين لا يقع الكسر فإن الابنة تأخذ النصف ستين وبنات الابن السدس عشرين ثم الباقي رد عليهن أرباعا فيحصل لبنات الابن ثلاثون لكل واحد منهن ثلاثة، وعلى قول ابن مسعود الباقي رد على الابنة خاصة فيكون من ستة لبنات الابن السدس سهم بينهن على عشرة لا يستقيم فتضرب ستة في عشرة فيكون ستين منه تصح القسمة، ولو تركت ثلاث جدات وعشر أخوات لأب وأم فللجدات السدس وللأخوات الثلثان والباقي رد عليهن فعلى الطريق الأول خمس المال للجدات أثلاثا لا يستقيم وأربعة أخماسه للأخوات بينهن على عشرة لا يستقيم فتضرب ثلاثة في عشرة فيكون ثلاثين ثم تضرب أصل الفريضة وهو خمسة في ثلاثين فيكون مائة وخمسين منه تصح المسألة.
وعلى الطريق الثاني أن تجعل أصل المسألة على ستة للجدات السدس بينهن أثلاثا وللأخوات الثلثان بينهن على عشرة لا يستقيم والباقي رد عليهن أخماسا لا يستقيم ولا موافقة في شيء فتضرب ثلاثة في عشرة فيكون ثلاثين ثم ثلاثين في خمسة فتكون مائة وخمسين ثم تضرب أصل الفريضة وذلك ستة في مائة وخمسين إلا أن للاقتصار هنا وجها فإن بينهما موافقة بالسدس فيقتصر على السدس من مبلغ الرؤوس فذلك خمسة وعشرون، ثم

 

ج / 29 ص -170-    تضرب ستة في خمسة وعشرين فيكون مائة وخمسين كان للجدات السدس خمسة وعشرون وللأخوات الثلثان مائة والباقي وهو خمسة وعشرون رد عليهن أخماسا فيحصل للجدات ثلاثون بينهن أثلاثا والباقي وهو خمسة بين الأخوات على عشرة لا يستقيم فتضرب ثلاثة في عشرة وللأخوات مائة وعشرون بينهن لكل واحدة منهن اثنا عشر، وعلى قول ابن مسعود الباقي رد على الأخوات دون الجدات فيكون للجدات السدس بينهن أثلاثا والباقي وهو خمسة بين الأخوات على عشرة لا يستقيم فتضرب ثلاثة في عشرة فيكون ثلاثين ثم ستة في ثلاثين فيكون مائة وثمانين للجدات السدس وذلك ثلاثون بينهن لكل واحدة عشرة والباقي وهو مائة وخمسون بين الأخوات لكل واحدة خمسة عشر، وصورة الرد على ثلاثة فيما إذا ترك ثلاث أخوات متفرقات فللأخت لأب وأم النصف وللأخت لأب السدس وللأخت لأم السدس والباقي رد عليهن فعلى الطريق الأول المال مقسوم بينهن أخماسا، وعلى الطريق الثاني أصل المسألة من ستة والسهم الباقي مردود عليهن أخماسا فالسبيل أن تضرب خمسة في ستة فيكون ثلاثين منه تصح المسألة، وعلى قول ابن مسعود الباقي رد على الأخت لأب وأم والأخت لأم أرباعا فالسبيل أن تضرب ستة في أربعة فيكون أربعة وعشرين منه تصح المسألة وصورة الرد في فريضة فيها أربعة نفر أن يترك امرأة وأما وابنة وابنة بن للمرأة الثمن وللابنة النصف ولابنة الابن السدس أصله من أربعة وعشرين للمرأة الثمن ثلاثة وللابنة النصف اثنا عشر ولابنة الابن السدس أربعة وللأم السدس أربعة والباقي وهو سهم واحد رد عليهن إلا على المرأة. فعلى الطريق الأول تأخذ المرأة ثلاثة من أربعة وعشرين ثم ما بقي يكون مقسوما بينهن على عشرين للأم أربعة وللابنة اثنا عشر ولابنة الابن أربعة. وعلى الطريق الآخر: الباقي وهو سهم واحد رد على الثلاثة على مقدار حقهم أخماسا فالسبيل أن تضرب أربعة وعشرين في خمسة فيكون مائة وعشرين منه تصح المسألة، وعلى قول ابن مسعود الباقي رد على الابنة والأم أرباعا فإنما تضرب أربعة وعشرين في أربعة فيكون ستة وتسعين منه تصح المسألة وما يكون من هذا النحو فهذا الطريق لتخريجه والله أعلم بالصواب.

باب ولد الملاعنة
قال رضي الله عنه: كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه وزيد بن ثابت يقولان ولد الملاعنة بمنزلة من لا قرابة له من قبل أبيه وله قرابة من قبل أمه وهو قول الزهري وسليمان بن يسار وبه أخذ علماؤنا والشافعي، وكان ابن مسعود وابن عمر يقولان: عصبة ولد الملاعنة عصبة ولد أمه وبه أخذ عطاء ومجاهد والشعبي والنخعي حتى قال النخعي إذا أردت أن تعرف عصبة ولد الملاعنة فأمت أمه وانظر من يكون عصبتها فهو عصبة ولد الملاعنة. وعن ابن مسعود في رواية أخرى: عصبة أمه وهي له بمنزلة الأب والأم وهو قول الحكم بن عيينة، واحتج لذلك بما روينا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تحرز المرأة ميراث لقيطها وعتيقها والولد الذي لو عنت به ثم هي عصبة لعتيقها" فكذلك لولدها الذي لو عنت به.

 

ج / 29 ص -171-    وفي حديث ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أم ولد الملاعنة أبوه أمه لأنها ترث جميع ماله إذا لم يكن غيره واستحقاق جميع المال يكون بالعصوبة" فعرفنا أنها عصبته. والحجة لقول إبراهيم ما روى عن داود بن أبي هند قال كتبت إلى صديق لي بالمدينة أن سل من بقي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ولد الملاعنة من عصبته فكتب في جوابه أنهم ذكروا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عصبته عصبة أمه ولأن الولد مخلوق من المائين وماء الفحل يصير مستهلكا بحضنتها في الرحم ولهذا يتبعها الولد في الملك والرق والحرية وكان ينبغي أن تقدم هي في العصوبة لأن كون الولد مخلوقا من مائها أظهر إلا أن الشرع بنى العصوبة على النسبة والنسبة إلى الآباء دون الأمهات إلا إذا انعدمت النسبة في جانب الأب فحينئذ تكون النسبة إلى الأم.
ألا ترى أن الله تعالى نسب عيسى عليه السلام إلى أمه لما لم يكن له أب فكذلك حكم العصوبة المبنى على النسب يثبت لقوم الأم إذا انعدم في جانب الأب وهو نظير ولاء العتق فالأصل فيه قوم الأب فإذا لم يكن له ولا من قبل أبيه صار منسوبا إلى قوم أمه فهذا كذلك وجه قولنا أن في إثبات العصوبة لقوم الأم إبطال الحكم الثابت بالنص وذلك أن الله تعالى شرط لتوريث الأخ لأم أن يكون الميت كلالة مطلقة فعلى ما قالوا إذا مات ولد الملاعنة وترك ابنة وأخا لأم يكون النصف للابنة والباقي للأخ لأم بالعصوبة وتوريث الأخ لأم بدون أن يكون الميت كلالة خلاف النص ولأن العصوبة أقوى أسباب الإرث والإدلاء بالإناث أقوى أسباب الإدلاء فلا يجوز أن يستحق به أقوى أسباب الإرث وهو العصوبة وهذا بخلاف الولاء فإن استحقاق الولاء باعتبار الإعتاق والأنثى والذكر فيه سواء ثم الولاء بمنزلة النسب والذين قالوا إن قوم الأم في العصوبة ينزلون منزلة قوم الأب عند عدمهم هذا باطل فإنه إذا لم يكن له أحد من قوم أبيه لا تجعل عصبته قوم أمه بالاتفاق وما ذكروا موجود هنا فأما الجدات فنحن نقول به وهو أنها تحرز ميراثه ولكن بالفرضية والرد وليس في الحديث بيان أنها تحرز ميراثه بالعصوبة والمراد بالحديث الآخر أنها في وجوب الإكرام والبر والإكرام في حقه بمنزلة الأب والأم على ما قيل أنه ينبغي للمرء أن يجعل ثلاثة أرباع الإكرام والبر لأمه والربع لأبيه وفي ولد الملاعنة يجعل البر والإكرام كله لأمه وحديث داود بن أبي هند قلنا المراد أن عصبته قوم أبيه في استحقاق الميراث بمعنى العصوبة وهو الرحم لا في إثبات حقيقة العصوبة لهم فكيف ثبت لهم حقيقة العصوبة وإنما يدلون بمن ليس بعصبة ثم لا خلاف في الولد من الزنى إذا كانا توأما أنهما بمنزلة الأخوين لأم في الميراث بمنزلة ما لو كانا غير توأم، واختلفوا في ولد الملاعنة إذا كانا توأما قال علماؤنا والشافعي رحمهم الله كالأخوين لأم، وقال مالك: كالأخوين لأب وأم لأن نسبهما كان ثابتا باعتبار الفراش وإنما خلقا من ماء واحد ثم انقطع نسبهما باللعان لحاجة الولد إلى أن يدفع عن نفسه نسبا ليس منه والثابت بالضرورة يتقدر بقدر الضرورة وهذه الضرورة في قطع النسبة عنه فأما فيما وراء ذلك بقي

 

ج / 29 ص -172-    الأمر على ما كان وهو إنما خلقا من ماء فحل واحد فكانا أخوين لأب وأم ولأنه إنما يقطع بقضاء القاضي فيما كان محتملا للقطع وهو النسبة إلى الأب فأما ما لا يكون محتملا لذلك وهو كونهما مخلوقين من ماء واحد فالحكم فيه بعد القضاء كما كان قبله وهذا بخلاف ولد الزنى لأن النسب هناك لم يكن ثابتا لانعدام الفراش ولهذا لا يثبت من الزانى وإن ادعاه بخلاف ولد الملاعنة ولأنهما يتصادقان على أن نسبهما ثابت من الأب وانتفى باللعان وأنه في اللعان ونفي النسب ظالم لهما ولأمهما فتصادقهما حجة في حقهما فكانا في الميراث بمنزلة الأخوين لأب وأم، وحجتنا في ذلك أن الأخوة لأب لا تثبت إلا بواسطة الأب ولا أب لهما فكيف تثبت بينهما الأخوة لأب وهو نظير ولد الزنى فإن هناك يتيقن أنهما خلقا من ماء واحد، إذا كانا توأما وسقط اعتبار ذلك لانعدام ثبوت النسب من الأب قوله بأن القاضي هنا قطع النسب فلا كذلك لأن النسب بعد موته لا يحتمل القطع فتبين بقضائه أن النسب لم يكن ثابتا من الملاعن لا أن يقال كان ثابتا فقطع وقوله بأن قضاء القاضي إنما يؤثر في نفي النسبة عن الأب، قلنا: يؤثر في هذا وفيما هو من ضرورته وهو نفي الأخوة بينهما لأن الأخوة لأب لا تتصور بدون الأب كما أن الأخوة لأم لا تتصور بدون الأم، وقوله: إنهما تصادقا على الأخوة لأب وأم قلنا: نعم ولكنهما صارا مكذبين في ذلك بحكم الحاكم والمقر بالشيء إذا صار مكذبا فيه بقضاء القاضي سقط اعتبار إقراره، إذا عرفنا هذا فنقول إذا مات بن الملاعنة وخلف ابنة وأما فللابنة النصف وللأم السدس والباقي رد عليهما أرباعا عند علي رضي الله عنه وهو مذهبنا، وعند زيد الباقي لبيت المال، وفي إحدى الروايتين عن ابن مسعود الباقي للأم بالعصوبة، وفي الرواية الأخرى وهو قول إبراهيم الباقي لأقرب عصبته لأمه، ولو خلف ابنة وأما وأخا توأما فعندنا هذا والأول سواء لأن التوأم أخوه لأمه فلا يرث مع الابنة شيئا. وعلى قول مالك الباقي للتوأم بالعصوبة لأنه بمنزلة أخيه لأبيه، وعلى قول إبراهيم الباقي لأخيه توأما كان أو غير توأم لأنه أقرب عصبة لأمه فإنه ابنها وأقرب عصبة الأم عنده يكون عصبة لولد الملاعنة.
ولو مات بن ابن الملاعنة وخلف ابنة وأما وعما فعندنا هذا والأول سواء الباقي يكون ردا على الأم والابنة أرباعا لأن عمه يكون عما لأم والعم لأم لا يكون عصبة، وعلى قول إبراهيم الباقي يكون للعم لأنه أقرب عصبة للأم، وعلى قول مالك إن كان العم توأما مع ابنة فالباقي له لأنه بمنزلة العم لأب وأم وما كان من هذا النحو فهذا طريق تخريجه والله أعلم بالصواب.

باب أصول المقاسمة
اعلم بأن الفرائض المذكورة في القرآن ستة الثلثان والثلث والسدس والنصف والربع والثمن فبعض الفرضيين جعلوا ذلك جنسين الثلثان ونصفه وهو الثلث ونصف نصفه وهو السدس والنصف ونصفه وهو الربع ونصف نصفه وهو الثمن، وبعضهم جعلوا الكل جنسا واحدا وقالوا نسبة الثمن من السدس كنسبة الربع من الثلث لأن الثمن ثلاثة أرباع السدس والربع ثلاثة أرباع الثلث والنصف ثلاثة أرباع الثلثين فكان الكل جنسا واحدا بهذا الطريق، ومن

 

ج / 29 ص -173-    جعلها جنسين قال الثلثان والثلث والسدس لا يكون فريضة إلا في فريضة الأقارب، والربع والثمن لا يكون إلا في فريضة الأزواج والنصف يكون فيهما جميعا فأما الثلثان فقد ذكرهما الله تعالى في موضعين في فريضة الأختين بقوله: {فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ} [النساء: 176] وفي فريضة البنات إذا كن فوق اثنتين {فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ} [النساء: 11] وأما الثلث ذكره الله تعالى في موضعين في فريضة الأم عند عدم الولد والأخوة بقوله تعالى: {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النساء: 11] وفي فريضة أولاد الأم بقوله: {فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء: 12] وأما السدس فقد ذكره الله تعالى في ثلاثة مواضع في فريضة الأبوين مع الولد بقوله تعالى: {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} [النساء: 11] وفي فريضة الأم مع الأخوة بقوله تعالى: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء: 11] وفي فريضة الفرد من أولاد الأم بقوله جل جلاله: {وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} [النساء: 12] وهو في النسبة في أربعة مواضع في فريضة ابنة الابن مع الابنة وفي فريضة الأخت لأب مع الأخت لأب وأم وفي فريضة الجدة وفي فريضة الجد مع الولد.
وأما النصف فقد ذكره الله تعالى في ثلاثة مواضع في فريضة الابنة الواحدة بقوله تعالى:
{وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} [النساء: 11] وفي فريضة الأخت الواحدة بقوله عز وجل: {وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} [النساء: 176] وفي فريضة الزوج عند عدم الولد بقوله تعالى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ} [النساء: 12].
وأما الربع فقد ذكره الله تعالى في موضعين في فريضة الزوج مع الولد بقوله:
{فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ} [النساء: 12] وفي فريضة المرأة عند عدم الولد بقوله: {وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ} [النساء: 12].
والثمن ذكره الله تعالى في موضع واحد وهو في فريضة المرأة مع الولد بقوله تعالى:
{فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ} [النساء: 12].
ثم أصل ما تخرج عليه المسائل الصحاح دون الكسور من الحساب لمعنى التيسير متى كان يخرج مستقيما من أقل الأعداد فتخريجه من الزيادة على ذلك يعد خطأ لما فيه من الاشتغال بما لا فائدة فيه.
ثم جملة ما تخرج منه هذه الفرائض أصول سبعة فإن هذه الفرائض نوعان مفردات ومركبات فالمفردات تخرج من أصول خمسة اثنين وثلاثة وأربعة وستة وثمانية ويزاد للمركبات أصلان اثنا عشر وأربعة وعشرون وهذا لأن أقل عدد تخرج منه المقاسمة مستقيما اثنان وأقل عدد يخرج منه الثلث مستقيما ثلاثة فنقول كل فريضة فيها نصف وما بقي أو نصفان فهي تخرج من اثنين وكل فريضة فيها ثلث وما بقي أو ثلثان وما بقى أو ثلث وثلثان فهي تخرج من ثلاثة وكل فريضة فيها ربع وما بقي أو ربع ونصف أو ربع وثلث وما بقي فهي تخرج من أربعة وكل فريضة فيها سدس وما بقي أو سدسان وما بقي أو سدس ونصف أو سدسان

 

ج / 29 ص -174-    ونصف أو سدس وثلث أو سدس ونصف وسدسان أو نصف وثلث وما بقي فهي تخرج من ستة، وكل فريضة فيها ثمن أو ثمن ونصف فهي تخرج من ثمانية ولو تصور اجتماع الثمن مع الربع لكانت تخرج من ثمانية أيضا ولكن لا يتصور ذلك فالربع فريضة الزوج مع الولد، والثمن فريضة المرأة مع الولد ولا يتصور اجتماع المرأة والزوج في الميراث من واحد وكل فريضة فيها ربع وسدس أو ربع وسدسان أو ربع وثلث ونصف أو ربع وثلثان ونصف فهي تخرج من اثنى عشر، وكل فريضة فيها ثمن وسدس أو ثمن وسدسان أو ثمن ونصف وسدس أو ثمن وثلثان وسدسان فهي تخرج من أربعة وعشرين.
وقع في بعض نسخ كتاب الفرائض أو ثمن وثلث فطعنوا في هذه وقالوا لا يجتمع في الفريضة الثمن والثلث فالثلث فريضة الأم عند عدم الولد وفريضة أولاد الأم عند عدم الولد والثمن فريضة المرأة مع الولد فكيف يتصور اجتماعهما؟ وقيل: يتصور هذا على أصل ابن مسعود فإن عنده من لا يرث لكفر أو رق يحجب حجب النقصان ولا يحجب حجب الحرمان، فإذا ترك امرأة وأخوين لأم وابنا رقيقا فهذا الابن يحجب المرأة من الربع إلى الثمن ولا يحجب الأخوين لأم فيجتمع الثمن والثلث في هذه الفريضة، ثم أربعة من هذه الأصول لا تعول وهي اثنان وثلاثة وأربعة وثمانية وثلاثة منها تعول وهي ستة واثنا عشر وأربعة وعشرون، فأما الستة تعول بسدسها وثلثها ونصفها وثلثيها ولا تعول أكثر من ذلك وإنما تعول بثلثيها في مسألة أم الفروخ وهذا معنى قول الفرضيين أنها تعول وترا وشفعا وأما اثنا عشر فإنها تعول بنصف سدسها وبربعها وربعها وسدسها وهو معنى قولهم تعول وترا لا شفعا فتعول بواحدة وبثلاثة وخمسة ولا تعول أكثر من ذلك.
فبيان العول بواحدة منها إذا ترك امرأة وأختين لأب وأم وأما فللمرأة الربع ثلاثة وللأختين الثلثان ثمانية وللأم السدس سهمان وبيان العول بثلاثة في امرأة وأختين لأب وأم وأختين لأم فإنها تعول بثلاثة للمرأة الربع ثلاثة وللأختين لأب وأم الثلثان ثمانية وللأختين لأم الثلث أربعة وبيان العول بخمسة في امرأة وأختين لأب وأم وأختين لأم وأما فإنها تعول إلى سبعة عشر إذا اجتمعت السهام فأما أربعة وعشرون فإنها تعول عولة واحدة بثلاثة فتكون من سبعة وعشرين وهي مسألة المنبرية ترك امرأة وابنتين وأبوين لا تعول أكثر من ذلك إلا في قول ابن مسعود رضي الله عنه فإنه يقول إنها تعول إلى أحد وثلاثين في امرأة وأختين لأب وأم وأختين لأم وأم وبن رقيق فإن الابن عنده يحجب المرأة من الربع إلى الثمن ولا يحجب الأخوة فللأختين لأب وأم الثلثان ستة عشر، وللأختين لأم الثلث ثمانية وللمرأة الثمن ثلاثة وللأم السدس أربعة فتكون القسمة من إحدى وثلاثين وبعض الفرضيين زاد أصلين على قول زيد ثمانية عشر وستة وثلاثين لأن على أصله قد يجتمع في الفريضة السدس وثلث ما بقي بأن ترك جدة وجدا وأخوة وأخوات فيكون للجدة السدس وللجد ثلث ما بقي إذا كان ذلك خيرا له من المقاسمة والثلث وسدس ما بقي إنما يخرج مستقيما من ثمانية عشر وقد يجتمع على أصله السدس

 

ج / 29 ص -175-    والربع وثلث ما بقي بيانه في امرأة وجد وأم وأخوة وأخوات للمرأة الربع وللأم السدس وللجد ثلث ما بقي إذا كان ذلك خيرا له من المقاسمة لكثرة الأخوة وأقل حساب يخرج منه هذه الفرائض مستقيما ستة وثلاثون سدسها ستة وربعها تسعة يبقى أحد وعشرون فثلث ما بقي يكون سبعة فردوا هذين الأصلين على مذهبه لهذا.
ثم بيان هذه الأصول أن نقول أما اثنان فعدد فرض غير مركب لأنك لا تجد عددا إذا ضربته في مثله يكون اثنين ليكون مركبا من ذلك العدد فعرفت أنه فرد فيكون أصلا لما ينسب إليه وهو النصف لأن الواحد إذا ضعفته يكون ثلاثة فلهذا كان أصلا لفريضة فيها ثلث وثلثان، وأما أربعة فهو عدد مركب بجهة واحدة لأنك متى ضربت اثنين في اثنين يكون أربعة فعرفنا أنه مركب منه وهو فرد أيضا فكان أصلا لما ينسب إليه وهو الربع ولما ينسب إلى العدد الذي ركب منه وهو النصف، فلهذا قلنا: كل فريضة فيها ربع أو ربع ونصف فإنها تخرج من أربعة، وأما ستة فإنه عدد مركب بجهة واحدة فإنك إذا ضربت اثنين في ثلاثة يكون ستة وهو فرد أيضا فيكون أصلا لما ينسب إليه وهو السدس ولما ينسب أجزاء العددين اللذين ركب منهما ستة وهو الثلث والنصف، وأما ثمانية فهو عدد مركب من عددين بجهة واحدة لأنك متى ضربت اثنين في أربعة كان ثمانية وهو فرد أيضا فكان أصلا لما ينسب إليه وهو الثمن ولما ينسب إلى أجزاء العددين اللذين ركب منهما ثمانية وهو النصف والربع لو تصور ذلك، وأما اثنا عشر فهو ليس بعدد فرد ولكنه مركب من أعداد أربعة بجهتين فإنك متى ضربت اثنين في ستة يكون اثني عشر ومتى ضربت ثلاثة في أربعة تكون اثنى عشر فلهذا كان أصلا لما ينسب إلى أجزاء الأعداد التي يتركب منها اثنا عشر وذلك الربع والثلث والنصف والسدس، وأما أربعة وعشرون فليس بعدد فرد ولكنه مركب من ستة أعداد بثلاث جهات فإنك متى ضربت اثنين في اثني عشر أو ثلاثة في ثمانية أو أربعة في ستة يكون أربعة وعشرين فلهذا كان أصلا لما ينسب إلى أجزاء هذه الأعداد، ولهذا قيل: لو تصور اجتماع جميع الفرائض في حادثة واحدة لكانت تخرج من أربعة وعشرين فإن منها الثلثان والثلث والسدس والنصف والربع وكل الفرائض هذه.
ثم اعلم بأن الأعداد أربعة متساوية ومتداخلة ومتفقة ومتباينة، فأما المتساوية نحو ثلاثة وثلاثة وأربعة وأربعة فأحد العددين يجزئ عن الآخر ويكتفي بالواحد منهما، وأما المتداخلة فهي أن يكون أحد العددين أكثر من الآخر والأقل جزءا من الأكثر نحو ثلاثة وتسعة وأربعة واثنا عشر.
ومعرفة كون الأقل جزءا من الأكثر بإحدى ثلاث علامات أنك إذا نقصت عن الأكثر أمثال الأقل يفني به الأكثر وإذا زدت على الأقل أمثاله يبلغ عدد الأكثر وإذا قسمت الأكثر على الأقل يكون مستقيما لا كسر فيه وأما المتفقة فهي أن يكون أحد العددين أكثر من الآخر ولكن الأقل ليس بجزء من الأكثر إلا أن بينهما موافقة بجزء واحد أو بأجزاء فبيان الموافقة بجزء واحد كستة مع خمسة عشر فإن الأقل ليس بجزء من الأكثر ولكن بينهما موافقة بالثلث فكانا متفقين من هذا

 

ج / 29 ص -176-    الوجه، وبيان الموافقة في أجزاء كستة مع اثني عشر فإنهما غير متداخلين فإنك إذا زدت على الأقل أمثاله يزيد على الأكثر ولكن بينهما موافقة بالسدس والثلث والنصف ففي المتداخلة يجزء في الأكثر من الأقل وفي المتفقتين يقتصر من أحدهما على الجزء الموافق ويضرب في مبلغ الآخر، وإن كانت الموافقة في أجزاء يقتصر من أحدهما على الأدنى من ذلك ثم يضرب في مبلغ الآخر لأنه يخرج مستقيما إذا اقتصرت على أدنى الأجزاء، ومتى كانت المسألة تخرج من حساب قليل فتخريجها من الزيادة على ذلك يكون خطأ، وأما المتباينة فهي أن يكون أحد العددين أقل من الآخر ولا يتفقان في شيء كسبعة مع سبعة عشر فحينئذ يضرب أحد العددين في الآخر فما بلغ فمنه يستقيم الحساب ثم الأعداد نوعان مطلقة ومقيدة إلا أن الفرائض كلها أجزاء الأعداد المطلقة يعني الثلث والسدس والنصف والربع والثمن فعرفنا أنه ليس في الفرائض أجزاء الأعداد المقيدة كاثني عشر وإنما يقع ذلك في عدد السهام والأنصباء.
فصل في بيان تصحيح الحساب
اعلم بأن الورثة إما أن يكونوا كلهم أصحاب فرائض أو كلهم عصبات أو اختلط أحد الفريقين بالآخر فإن كان كلهم أصحاب فرائض فقسمة المال بينهم على الأنصباء، وإن كانوا عصبات فقسمة المال بينهم على عدد الرؤوس وإن كانوا ذكورا كلهم وإن اختلط الفريقان في حق أصحاب الفرائض على الأنصباء وفي حق العصبات على عدد الرؤوس فإما أن يكونوا ذكورا كلهم أو إناثا أو مختلطين وعند الاختلاط نحسب كل ذكر رأسين وكل أنثى رأسا واحدا فتكون القسمة على هذا فإما أن يستقيم على هذا الاعتبار من غير كسر أو بكسر وصورة المستقيم من غير كسر امرأة وثلاث بنين وابنة فللمرأة الثمن والباقي بين الأولاد بالعصوبة فنحسب لكل ذكر رأسين وللأنثى رأسا فتكون سبعة فتخرج المسألة مستقيمة من غير كسر من ثمانية للمرأة سهم ولكل بن سهمان وللابنة سهم فأما إذا انكسر فقد يكون الكسر من جنس واحد يعني في موضع واحد وقد يكون من جنسين وقد يكون من ثلاثة أجناس وقد يكون من أربعة أجناس فإن كان الكسر من جنس واحد فالسبيل في ذلك أن تطلب الموافقة أولا بين أصل الفريضة وبين عدد من انكسر عليه فإن كان بينهما موافقة بجزء فتضرب على ذلك الجزء من عدد رؤوس من انكسر عليهم وتضرب أصل الفريضة إن لم تكن عائلة ومع عولها إن كانت عائلة في ذلك الجزء الموافق فما بلغ فمنه يستقيم التخريج، وإن لم يكن بينهما موافقة بجزء ضربت أصل الفريضة مع عولها إن كانت عائلة في عدد رؤوس من انكسر عليهم فما بلغ فمنه تصح المسألة، وإن كان الكسر من جنسين نظرت فإن كانا متساويين يجزئ أحدهما عن الآخر فالسبيل أن تضرب أصل الفريضة في أحدهما وإن كانا متداخلين فالأكثر يجزئ عن الأقل فتضرب أصل الفريضة في مبلغ الأكثر وإن كانا متفقين فتضرب على الجزء الموافق من أحدهما ثم ضربت في مبلغ الآخر، فما بلغ ضربت فيه أصل الفريضة

 

ج / 29 ص -177-    إن لم تكن عائلة ومع عولها إن كانت عائلة فما بلغ فمنه تصح المسألة وإن لم يكونا متفقين فالسبيل أن تضرب أعداد الرؤوس بعضها في بعض ثم تضرب أصل الفريضة في مبلغ ذلك فما بلغ فمنه تصح المسألة، وإن كان الكسر من ثلاثة أجناس أو أربعة أجناس فإن كان بين الأعداد موافقة بجزء فالسبيل أن تقتصر على أجزاء الموافقة من أعداد الرؤوس إلا واحدة منها ثم تضرب الأجزاء بعضها في بعض فما بلغ يضرب ذلك في جميع العدد الذي لم يقتصر منه على شيء فما بلغ يضرب منه أصل الفريضة فما بلغ تصح منه المسألة وإن لم يكن بين الأجزاء موافقة بشيء فالسبيل أن تضرب أعداد الرؤوس بعضها في بعض فإن كان الكسر بين ثلاثة أجناس فالموافقة بين عددين منها فتقتصر من أحدهما على الجزء وتضربه في مبلغ الآخر فما بلغ ضربته في العدد الذي لا موافقة له فما بلغ ضربت فيه أصل الفريضة، وإن كان الكسر بين أربعة أجناس والموافقة بين اثنين منها فالسبيل أن تضرب الجزء الموافق من أحدهما في الجزء الموافق من الآخر ثم تضرب أحد العددين اللذين لا موافقة لهما في جميع الآخر ثم تضرب مبلغ أحد العددين في مبلغ الآخر فما بلغ تضرب فيه أصل الفريضة إن لم تكن عائلة ومع عولها إن كانت عائلة فما بلغ منه تصح المسألة.
واختلف أهل البصرة وأهل الكوفة رحمهم الله فيما إذا كان بين أعداد الرؤوس موافقة بجزء ولا موافقة بينهما وبين الأنصباء فقال أهل البصرة: توقف أحد الأعداد ثم تضرب الأجزاء الموافقة من الأعداد الأخر بعضها في بعض ثم تضرب مبلغه في العدد الموقوف فما بلغ فهو مبلغ عدد الرؤوس تضرب فيه أصل الفريضة. وقال أهل الكوفة: يوقف أحد الأعداد ويضرب الأجزاء الموافقة من الأعداد الأخر بعضها في بعض فما بلغ يطلب الموافقة بينه وبين العدد الموقوف إذ لا بد أن يتفقا بجزء فيقسم على الجزء الموافق منه ثم يضرب في عدد الموقوف. وأما إذا كانت الموافقة بين أعداد الرؤوس والأنصباء فإن كان الكسر من جنسين يقتصر على الجزء الموافق بين أعداد الرؤوس والأنصباء فإن كان الكسر من جنسين يقتصر على الجزء الموافق من كل جنس ثم يضرب أحدهما في الآخر فما بلغ يضرب فيه أصل الفريضة وإن كانت الموافقة لأحد الجنسين بين النصيب وعدد الرؤوس يقتصر على الجزء الموافق من النصيب في المبلغ فمنه تصح المسألة، وإن كان الكسر من ثلاثة أجناس أو أربعة ومن الأنصباء وأعداد الرءوس موافقة فإنه يقتصر على الجزء الموافق من كل عدد ثم يضرب بعضها في بعض فما بلغ يضرب فيه أصل الفريضة وإن كانت الموافقة لأحد الأجناس بين عدد الرؤوس والأنصباء يقتصر على الجزء الموافق منه ثم يضرب في العددين الآخرين بعد ضرب أحدهما في الآخر ثم يضرب المبلغ في أصل الفريضة فمنه تصح المسألة وبيان طلب الموافقة بين الأقل والأكثر من الأعداد أن يطرح عن الأكثر أمثال الأقل فإن كان فني به عرفت أن بينهما موافقة بآحاد الأقل وإن بقي واحد عرفت أنه لا موافقة بينهما في شيء وإن بقي اثنان يطرح عن الأقل أمثال ما بقي من الأكثر فإن فني فيه عرفت أن بينهما موافقة باتحاد ما بقي من الأكثر وإن بقي واحد عرفت أن لا موافقة بينهما في شيء.

 

ج / 29 ص -178-    وبيان هذا أنك إذا أردت معرفة الموافقة بين ثمانية واثنين وثلاثين فالسبيل أن يطرح من الأكثر أمثال الأقل فيفنى به، فبه عرفت أن بينهما موافقة باتحاد الأقل وهو الثمن، وإن طلبت الموافقة بين ثمانية وثلاثة وثلاثين فإذا طرحت عن الأكثر أمثال الأقل فيبقى اثنان فيطرح عن الأقل أمثال ما بقي من الأكثر فيفنى به عرفت أن بينهما موافقة بآحاد ما بقي من الأكثر وهو النصف وهذا الأصل يتمشى في عددين مطلقين أو أحدهما مطلق والآخر مقيد، فأما إذا كانا مقيدين لا يتمشى فيه هذا الأصل وبيانه: إذا أردت معرفة الموافقة بين اثنين وعشرين وثلاثة وسبعين فتطرح عن الأكثر أمثال الأقل يبقي سبعة ثم تطرح عن الأقل أمثال ما بقي من الأكثر فبقي واحد فذلك يدل على أنه لا موافقة بينهما في شيء فإذا أردت معرفة الموافقة بين ثلاثة وعشرين وبين ثلاثة وسبعين تطرح عن الأكثر أمثال الأقل فبقى أربعة ثم تطرح عن الأقل أمثال ما بقي من الأكثر فيبقي ثلاثة وهو لا يدل على أن بين ثلاثة وسبعين وثلاثة وعشرين موافقة بالربع والثلث فعرفت أن هذا الأصل لا يتمشى في الأعداد المقيدة ولكن مبنى أصول الفرائض على الأعداد المطلقة والمقيدة من جانب أو المطلقة من جانب، وأما بيان معرفة نصيب كل فريق أن تأخذ نصيب ذلك الفريق وتضربه فيما ضربت فيه أصل الفريضة سواء كان الكسر من جنسين أو ثلاثة أو أربعة فأما بيان معرفة نصيب كل واحد من اتحاد الفريقين فإن كان الكسر من جنس واحد ولا موافقة بين عدد الرؤوس والنصيب في شيء فنصيب كل واحد منهم مثل ما لم يكن مستقيما بينهم وإن كان بينهما موافقة بجزء فنصيب كل واحد منهم مثل الجزء الموافق من نصيبهم وإن كان الكسر من جنسين، فإن لم يكن هناك موافقة فنصيب كل واحد منهم مثل ما لم يكن مستقيما بينهم بعد ما ضربت ذلك في عدد رؤوس الفريق الآخر وإن كان هناك موافقة بجزء فنصيب كل واحد منهم هو الجزء الموافق من نصيبهم بعد ما ضربت في جزء موافق عدد رؤوس الفريق الآخر ثم يضرب هذا الجزء فيها فما بلغ فهو نصيب كل واحد منهم، وإن كانت الموافقة لأحد الجنسين بين عدد الرؤوس والنصيب فمعرفة نصيب كل واحد من أحاد الفريق الذين لهم الموافقة أن يضرب الجزء الموافق من نصيبهم في جميع عدد رؤوس الفريق الآخر ومعرفة نصيب كل واحد من الفريق الذي لا موافقة لهم أن يضرب جميع نصيبهم في الجزء الموافق من عدد رؤوس الفريق الآخر فما بلغ فهو نصيب كل واحد منهم، وإن كان الكسر من ثلاثة أجناس فعند عدم الموافقة معرفة نصيب كل واحد منهم أن يضرب نصيبهم في مبلغ رؤوس الفريق الآخر بعد ضرب أحدهما في الآخر وإن كان للكل موافقة بين عدد الرؤوس والنصيب يضرب الجزء الموافق من نصيبهم في الجزء الموافق من نصيب الفريقين الآخرين بعد ضرب أحدهما في الأخر فما بلغ فهو نصيب كل واحد منهم، وإن كانت الموافقة لأحدهم فطريق معرفة نصيب كل واحد منهم من الفريق الذي لا موافقة لهم أن يضرب الجزء الموافق من نصيبهم في مبلغ عدد رؤوس الآخرين بعد ضرب أحدهما في الآخر ومعرفة نصيب كل واحد من آحاد الفريقين الآخرين أن يضرب جميع نصيبهم في مبلغ

 

ج / 29 ص -179-    رؤوس الفريقين الآخرين بعد ما ضربت جميع أحدهما في الجزء الموافق من الآخر وعلى هذا النحو إذا كان الكسر من أربعة أجناس، فأما إذا لم تكن الموافقة بين أعداد الرؤوس والأنصباء وإنما كانت الموافقة بين أعداد الرءوس فإن كانت متساوية فالواحدة منها تجرى على الكل ومعرفة نصيب كل فريق أن تضرب نصيبه في العدد الذي ضربت فيه أصل الفريضة ومعرفة نصيب كل واحد منهم تظهر من غير ضرب لأنك لا تجد شيئا تضرب فيه فإنك لم تضرب أعداد الرؤوس بعضها في بعض ولكن اكتفيت بالواحد منها فعرفنا أن نصيب كل واحد منهم مثل ذلك العدد من غير ضرب.
إذا عرفنا هذه الأصول جئنا إلى تخريج المسائل عليها فنقول أما إذا كان الكسر من جنس واحد ولا موافقة بين عدد الرؤوس والنصيب فصورته من ترك امرأة وسبع بنات وخمس بنين فأصل الفريضة من ثمانية للمرأة الثمن سهم والباقي بين الأولاد للذكر مثل حظ الأنثيين يحسب لكل ذكر رأسان ولكل أنثى رأس فيكون سبعة عشر وقسمة سبعة على سبعة عشر لا تستقيم ولا موافقة في شيء فالسبيل أن تضرب ثمانية في سبعة عشر فيكون ذلك مائة وستة وثلاثين كان للمرأة سهم ضربته في سبعة عشر فهو لها ومعرفة نصيب الأولاد أن تضرب نصيبهم في سبعة عشر فيكون ذلك مائة وتسعة عشر ومعرفة نصيب كل واحد منهم أن نصيب كل واحد مثل ما لم يكن يستقيم بينهم وذلك سبعة فظهر أن لكل بن أربعة عشر فللبنين الخمسة سبعون ولكل ابنة سبعة فيكون ذلك تسعة وأربعين فاستقام التخريج.
وأما إذا كان بين عدد الرؤوس والنصيب موافقة بجزء فصورته فيما إذا كان ترك امرأة وعشر بنات وابنين فللمرأة الثمن والباقي سبعة بين عشر بنات وابنين على أربعة عشر لا يستقيم ولكن بين عدد الرؤوس والنصيب موافقة بالسبع فيقتصر على السبع من عدد الرؤوس وذلك اثنان ثم تضرب أصل الفريضة وهو ثمانية في اثنين فيكون ستة عشر للمرأة الثمن سهمان ومعرفة نصيب كل واحد من آحاد الأولاد أن نصيب كل واحد هو الجزء الموافق من نصيبهم والجزء الموافق من نصيبهم سهم واحد فعرفنا أن لكل بنت سهما ولكل بن سهمين فإن الكسر من جنسين ولا موافقة بين النصيب وعدد الرؤوس فصورته فيما إذا ترك خمس بنات وبن بن وتبين أن أصل الفريضة من ثلاثة للبنات الثلثان بينهن أخماسا لا يستقيم والباقي وهو سهم بين أولاد الابن أرباعا لا يستقيم ولا موافقة بين خمسة واثنين وخمسة وأربعة فالسبيل أن تضرب خمسة في أربعة فيكون ذلك عشرين ثم تضرب أصل الفريضة وهو ثلاثة في عشرين فتكون ستين منه تصح المسألة، ومعرفة نصيب البنات أن تضرب نصيبهن وذلك اثنان فيما ضربت فيه أصل الفريضة وذلك عشرون فذلك أربعون ومعرفة نصيب كل واحد منهم أن تضرب نصيبهن في عدد رؤوس الفريق الآخر وذلك اثنان في أربعة فيكون ثمانية وإذا قسمت أربعين على خمسة كان كل نصيب ثمانية، ومعرفة نصيب أولاد الابن أن تأخذ مالهم وهو سهم فتضرب ذلك فيما ضربت فيه أصل الفريضة وهو عشرون فيكون

 

ج / 29 ص -180-    عشرين، ومعرفة نصيب كل واحد منهم أن تضرب نصيبهم في عدد رؤوس الفريق الآخر وهو واحد في خمسة فيكون خمسة فتبين أن للذكر عشرة ولكل ابنة خمسة، فأما إذا كان بين عدد الرؤوس والنصيب موافقة بجزء والكسر من جنسين فصورته فيما إذا ترك ثمان بنات وبن بن وابنتي بن فللبنات الثلثان بينهن على ثمانية لا يستقيم ولكن بين ثمانية وبين سهمين موافقة بالنصف فيقتصر من عدد رؤوسهم على النصف وهو أربعة وسهم واحد لأولاد الابن على أربعة لا يستقيم ولكن استوى العددان وقد بينا أن عند التساوي يجزئ أحد العددين عن الآخر فالسبيل أن تضرب ثلاثة في أربعة فيكون اثني عشر منه تصح المسألة ومعرفة نصيب البنات أن تضرب نصيبين وذلك اثنان فيما ضربت فيه أصل الفريضة وذلك أربعة فيكون ثمانية ومعرفة نصيب كل واحدة منهن أن نصيب كل واحدة من البنات مثل الجزء الموافق من نصيبهم وهو الواحد من غير ضرب، ومعرفة نصيب أولاد الابن أن تضرب نصيبهم وهو واحد فيما ضربت فيه أصل الفريضة وهو أربعة فيكون أربعة ونصيب كل واحد منهم مثل ما لم يكن فيستقيم بينهم من غير ضرب وهو واحد فيكون للابن سهمان ولكل ابنة سهم، فأما إذا كان الكسر من ثلاثة أجناس ولا موافقة في شيء فصورته فيما إذا ترك ثلاث جدات وخمس بنات وبن بن وابنتي بن فأصل الفريضة من ستة للجدات سهم بينهم أثلاثا لا يستقيم وللبنات الثلثان أربعة بينهن أخماسا لا يستقيم وأولاد الابن سهم بينهم أرباعا لا يستقيم ولا موافقة في شيء، فالسبيل أن تضرب ثلاثة في خمسة فيكون خمسة عشر ثم خمسة عشر في أربعة فيكون ستين ثم تضرب أصل الفريضة وهو ستة في ستين فيكون ثلاثمائة وستين، ومعرفة نصيب الجدات أنه كان لهن سهم مضروب في ستين فذلك ستون، ومعرفة نصيب كل واحدة منهن أن تضرب عدد رؤوس الفريقين الآخرين أحدهما في الآخر وذلك خمسة في أربعة فيكون عشرين ثم تضرب نصيبهن وذلك واحد في عشرين فيكون عشرين فهو نصيب كل واحدة منهن ومعرفة نصيب البنات أن تضرب مالهن وهو أربعة في ستين فيكون مائتين وأربعين ومعرفة نصيب كل واحدة منهن أن تضرب عدد رؤوس الفريقين الآخرين أحدهما في الآخر وذلك أربعة في ثلاثة فيكون اثني عشر ثم تضرب نصيبهن وهو أربعة في اثني عشر فيكون ثمانية وأربعين فهو نصيب كل واحدة منهن، ومعرفة نصيب أولاد الابن أن تضرب مالهم وهو واحد في ستين ومعرفة نصيب كل واحد منهم أن تضرب عدد رؤوس الفريقين الآخرين أحدهما في الآخر وذلك خمسة في ثلاثة فيكون خمسة عشر ثم تضرب نصيبهن وهو واحد في خمسة عشر فهو نصيب كل أنثى ونصيب الذكر ضعف ذلك وهو ثلاثون، فإن كان الكسر من ثلاثة أجناس وبين عدد الرؤوس والنصيب موافقة فصورته فيما إذا ترك ثلاث جدات واثني عشر بنتا وبن بن وابنتي بن فأصل الفريضة من ستة للجدات سهم بينهن أثلاثا لا يستقيم وللبنات أربعة بينهن على أثني عشر لا يستقيم ولكن بين عدد الرؤوس والنصيب موافقة بالربع فيقتصر على الجزء الموافق من عدد رؤوسهن وهو ثلاثة فيستوي برؤوس الجدات، وعند تساوي

 

ج / 29 ص -181-    العددين يجزئ أحدهما عن الآخر ولأولاد الابن سهم بينهم أرباعا لا يستقيم، فالسبيل أن تضرب أربعة في ثلاثة فيكون اثني عشر ثم تضرب أصل الفريضة وذلك ستة في اثني عشر فيكون اثنين وسبعين ومعرفة نصيب الجدات أن تضرب مالهن وهو سهم في اثني عشر فيكون اثني عشر، ومعرفة نصيب كل واحدة منهن أن تضرب ما كان لهن وهو واحد في أربعة عدد رؤوس أولاد الابن لوجود المساواة بين الجزء الموافق بين عدد رؤوس البنات وبين عدد رؤوس الجدات وقد بينا أن عند المساواة لا فرق وإنما يضرب نصيبهن في أربعة فيكون أربعة فهو نصيب كل واحدة منهن، ومعرفة نصيب البنات أن تضرب مالهن وهو أربعة في اثني عشر فيكون ثمانية وأربعين ومعرفة نصيب كل واحدة منهن أن تأخذ الجزء الموافق من نصيبهن وهو واحد فتضرب ذلك في عدد رؤوس أولاد الابن وهو أربعة فيكون أربعة ومعرفة نصيب أولاد الابن أن تضرب نصيبهم وهو واحد فيما ضربت فيه أصل الفريضة وهو اثني عشر فيكون اثني عشر، ومعرفة نصيب كل واحد منهم أن تضرب نصيبهم وهو واحد في ثلاثة فيكون لكل أنثى ثلاثة وللذكر ستة.
وأما إذا كان الكثير من أجناس أربعة ولا موافقة بين عدد الرؤوس والأنصباء فصورة ذلك في امرأتين وثلاث جدات وخمس أخوات لأم وأخوين وثلاث أخوات لأب وأم فأصل الفريضة من اثني عشر للمرأتين الربع ثلاثة بينهما نصفان لا يستقيم وللجدات السدس سهمان بينهن أثلاثا لا يستقيم وللأخوات لأم الثلث بينهن أخماسا لا يستقيم والباقي وهو ثلاثة بين الأخوات لأب وأم أسباعا لا يستقيم ولا موافقة في شيء، فالسبيل أن تضرب أعداد الرؤوس بعضها في بعض اثنين في ثلاثة فتكون ستة في خمسة فيكون ثلاثين ثم في سبعة فيكون مائتين وعشرة ثم تضرب أصل الفريضة اثني عشر في مائتين وعشرة فيكون ألفين وخمسمائة وعشرين ومعرفة نصيب المرأتين أن تضرب مالهن وذلك ثلاثة في مائتين وعشرة فيكون ستمائة وثلاثين، ومعرفة نصيب كل واحدة منهما أن تضرب نصيبها في عدد رؤوس الفريق الآخر بعد ضرب بعضها في بعض فثلاثة في خمسة خمسة عشر وخمسة عشر في سبعة تكون مائة وخمسة فإذا ضربت ثلاثة في مائة وخمسة تكون ثلاثمائة وخمسة عشر فهذا نصيب كل واحدة منهن، ومعرفة نصيب الجدات أن تضرب مالهن وذلك سهمان في مائتين وعشرة فيكون أربعمائة وعشرين، ومعرفة نصيب كل واحدة منهن أن تضرب مالهن في عدد رؤوس الفريق الآخر بعد ضرب بعضها في بعض وخمسة في اثنين تكون عشرة ثم عشرة في سبعة تكون سبعين وسبعين في اثنين تكون مائة وأربعين فتبين أن نصيب كل واحدة مائة وأربعون ومعرفة نصيب الأخوات لأم أن تضرب مالهن وهو أربعة في مائتين وعشرة فتكون ثمانمائة وأربعين ومعرفة نصيب كل واحدة منهن أن تضرب مالهن في عدد رؤوس الفريق الآخر بعد ضرب بعضها في بعض وثلاثة في اثنين تكون ستة ثم ستة في سبعة فتكون اثنين وأربعين، فإذا ضربت أربعة في اثنين وأربعين يكون مائة وثمانية وستين فهو نصيب كل واحدة منهن ومعرفة نصيب الأخوة

 

ج / 29 ص -182-    والأخوات لأب وأم أن تضرب مالهم ذلك ثلاثة في مائتين وعشرة فتكون ستمائة وثلاثين، ومعرفة نصيب كل واحد منهم أن تضرب مالهم في عدد رؤوس الفريق الآخر بعد ضرب بعضها في بعض وذلك اثنان في ثلاثة فتكون ستة ثم في خمسة فتكون ثلاثين فإذا ضربت ثلاثة في ثلاثين يكون تسعين هذا نصيب كل أخت ونصيب كل أخ ضعف ذلك فاستقام فإن كان الكسر من أربعة أجناس وبين عدد رؤوس الأنصباء موافقة فصورة ذلك في أربعة أربع نسوة وثمان جدات وستة عشر أختا وأربعة أخوة وأربع أخوات لأب وأم، فأصل المسألة من اثني عشر للنسوة الربع ثلاثة بينهن أرباعا لا يستقيم وللجدات السدس سهمان بينهن على ثمانية لا يستقيم ولكن بين عدد رؤوس الجدات ونصيبهن موافقة بالنصف فاقتصر على النصف من عدد رؤوسهن وهو أربعة فاستوى عدد رؤوس النسوة والأخوات لأم أربعة بينهن على ستة عشر لا يستقيم لكن بين عدد رؤوسهن ونصيبهن موافقة بالربع فاقتصر على الربع من عدد رؤوسهن وهو أربعة فاستوى بعدد رؤوس الفريقين الآخرين والباقي وهو ثلاثة بين الأخوة والأخوات لأب وأم على اثني عشر لا يستقيم ولكن بين عدد رؤوسهم ونصيبهم موافقة بالثلث فاقتصر من عدد رؤوسهم على الثلث وهو أربعة فاستوى بعدد رؤوس الفريق الآخر، وقد بينا أن عند تساوي العدد الواحد يجزئ عن الكل فتضرب اثني عشر في أربعة فيكون ثمانية وأربعين منه تصح المسألة، ومعرفة نصيب النسوة أن تضرب مالهن وهو ثلاثة في أربعة فيكون اثني عشر، ومعرفة نصيب كل واحدة منهن أن تقول: نصيب كل واحدة منهن مثل ما لم يكن يستقيم بينهن وهو ثلاثة لأن عند تساوي العدد لا تجد شيئا تضرب فيه أصل الفريضة لتعرف به نصيب كل واحدة منهن، ومعرفة نصيب الجدات أن تضرب مالهن وذلك اثنان في أربعة فتكون ثمانية ونصيب كل واحدة منهن مثل الجزء الموافق من نصيبهن وذلك واحد، ومعرفة نصيب الأخوات لأم أن تضرب مالهن وهو أربعة في أربعة فتكون ستة عشر ونصيب كل واحدة منهن مثل الجزء الموافق من نصيبهن وذلك واحد، ومعرفة الأخوة والأخوات لأب وأم أن تضرب مالهن وهو ثلاثة في أربعة فتكون اثني عشر، ومعرفة نصيب كل واحد منهم أنه يقدر الجزء الموافق من نصيبهم وذلك واحد فلكل أنثى سهم ولكل ذكر سهمان، وإذا عرفت لكل فصل صورة كما بينا يتيسر عليك تخريج نظائرها على الأصول التي ذكرناها والتخريج على هذا الأصل من المسائل ما يكثر تعدادها وفيما ذكرنا كفاية لمن يفهم الأصول التي قد بيناها والله تعالى أعلم بالصواب.
تم الجزء التاسع والعشرون من كتاب المبسوط
ويليه الجزء الثلاثون. وأوله: باب ميراث ذوي الأرحام