المبسوط للسرخسي دار الفكر

ج / 30 ص -3-         بسم الله الرحمن الرحيم
باب ميراث ذوي الأرحام
قال رضي الله عنه: اعلم أن محمدا رحمه الله ذكر هذا الباب قبل باب الولاء وزعم بعض الفرضيين إنه كان ينبغي له أن يقدم باب الولاء لأن مولى النعمة عصبة مقدم على ذوي الأرحام لكنا نقول أنه أراد أن يبين أحكام الميراث بالقرابة ثم يرتب عليه بيان الميراث بما أقيم مقام القرابة أو لما بين باب الرد وكان الرد بسبب الرحم أعقب ذلك بباب ميراث ذوي الأرحام لأن الاستحقاق هنا بالرحم كما أن هناك بالرحم والولاء نوعان ولاء عتاقة وولاء موالاة وولاء الموالاة يتأخر عن ذوي الأرحام فلهذا قدم هذا الباب ثم في توريث ذوي الأرحام اختلاف بين الصحابة والتابعين والفقهاء بعدهم فمن قال بتوريثهم من الصحابة رضوان الله عليهم علي وابن مسعود وابن عباس في أشهر الروايات عنه ومعاذ بن جبل وأبو الدرداء وأبو عبيدة بن الجراح ومن قال بأنهم لا يرثون زيد بن ثابت وابن عباس في رواية عنه ومنهم من روى ذلك عن أبي بكر وعمر وعثمان ولكن هذا غير صحيح فإنه حكي أن المعتضد سأل أبا حازم القاضي عن هذه المسألة فقال اجمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم غير زيد بن ثابت على توريث ذوي الأرحام ولا يعتد بقوله بمقابلة إجماعهم وقال المعتضد أليس أنه يروي ذلك عن أبي بكر وعمر وعثمان فقال كلا وقد كذب من روى ذلك عنهم وأمر المعتضد برد ما كان في بيت المال مما أخذ من تركة من كان ورثه من ذوي الأرحام وقد صدق أبو حازم فيما قال وقد روي عن أبي بكر أنه قال لا أتأسف على شيء كتأسفي على أني لم أسل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثلاث عن هذا الأمر أهو فينا فنتمسك به أم في غيرنا فنسلم إليه وعن الأنصار هل لهم من هذا الأمر شيء وعن توريث ذوي الأرحام فإني لم أسمع فيه من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا ولكني ورثتهم برأيي.
وأما الاختلاف بين التابعين فمن قال بتوريثهم: شريح والحسن وبن سيرين وعطاء ومجاهد وممن قال أنهم لا يرثون سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير رضي الله عنهم وأما الفقهاء فممن قال بتوريثهم أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وزفر وعيسى بن أبان وأهل التنزيل رحمهم الله وممن قال لا يرثون سفيان الثوري ومالك والشافعي أما من نفى توريثهم استدل بآيات المواريث فقد نص الله تعالى فيها على بيان سبب أصحاب الفرائض والعصبات ولم يذكر لذوي الأرحام شيئا
{وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً} [مريم: 64] وأدنى ما في الباب أن يكون توريث ذوي

 

ج / 30 ص -4-         الأرحام زيادة على كتاب الله وذلك لا يثبت بخبر الواحد والقياس وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ميراث العمة والخالة قال: "نزل جبريل عليه السلام وأخبرني أن لا ميراث للعمة والخالة" وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قباء يستخير الله تعالى في ميراث العمة والخالة فنزل عليه الوحي أن لا ميراث لهما ومن قال بتوريثهم استدل بقوله تعالى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} [الأنفال: 75] معناه بعضهم أولى من بعض وقد بينا أن هذا إثبات الاستحقاق بالوصف العام وأنه لا منافات بين الاستحقاق بالوصف العام والاستحقاق بالوصف الخاص ففي حق من ينعدم فيه الوصف الخاص يثبت الاستحقاق بالوصف العام فلا يكون ذلك زيادة على كتاب الله. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "الله ورسوله مولى من لا مولى له والخال وارث من لا وارث له" وفي حديث آخر قال عليه السلام: "الخال وارث من لا وارث له يرثه ويعقل عنه" ولما مات ثابت بن الدحداح رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقيس بن عاصم المنقري: "هل تعرفون له فيكم شيئا؟" فقال: إنه كان فينا ميتا فلا نعرف له فينا إلا بن أخت فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ميراثه لابن أخته أي لخاله ابن عبد الله المنذر وتأويل ما روي من نفي ميراث العمة والخالة في حال وجود صاحب فرض أو عصبة والكلام في هذه المسألة من حيث المعنى للفريقين مثل الكلام في مسألة الرد وقد بينا ثم ذوي الأرحام الأقارب الذين لا يستحقون شيئا بالفريضة والعصوبة من الذكور والإناث واختلفت الروايات فيمن يكون مقدما منهم فروى عيسى بن أبان عن محمد عن أبي حنيفة أن الجد أبا الأب مقدم على أولاد البنات وفي ظاهر الرواية ذكر أن أولاد البنات يقدمون علي الجد أب الأم في قول أبي حنيفة وهو قول أبي يوسف ومحمد وجه ظاهر الرواية أن استحقاق الميراث لذوي الأرحام بالرحم في معنى الاستحقاق بالعصوبة ولهذا يقدم الأقرب فالأقرب، ويستحق الأقرب جميع المال، وفي الحقيقة العصوبة بالبنوة مقدمة على الأبوة، وابن الابن أولى من الجد، فكذلك في معنى العصوبة يقدم أولاد البنات على الجد أب الأم.
وجه الرواية الأخرى عن أبي حنيفة: أن الجد أب الأب أقوى سببا من أولاد البنات.
ألا ترى أن الأنثى في درجته تكون صاحبة فرض وهي أم الأم؟ بخلاف الأنثى في درجة بن البنت ولأن من الناس من يجعل الأنثى التي تدلي بالجد أب الأم صاحبة فرض وهي أم أب الأم ولا يوجد مثل ذلك في حق أولاد البنات ثم الجد أب الأم مقدم على بنات الإخوة وأولاد الأخوات في قول أبي حنيفة وعند أبي يوسف ومحمد تقدم بنات الإخوة وأولاد الأخوات على الجد أب الأم وهذا لأن من أصل أبي حنيفة أن في حقيقة العصوبة الجد يقدم على الإخوة فكذلك في معنى العصوبة يقدم الجد على بنات الإخوة وأولاد الأخوات وعندهما يسوى في حقيقة العصوبة بين الجد والإخوة إلا أن هنا قدموا بنات الإخوة وأولاد الإخوات لأن هناك كل واحد منهما يدلي بالأب والجد أب الأم يدلي بالأم ففي حقيقة العصوبة يعتبر الإدلاء بالذكر دون الأنثى ففي معنى العصوبة يقدم الإدلاء بالأب على الإدلاء

 

ج / 30 ص -5-         بالأم، ثم الذين يورثون ذوي الأرحام أصناف ثلاثة صنف منهم يسمون أهل القرابة وهم أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وزفر وعيسى بن أبان وإنما سموا بذلك لأنهم يقدمون الأقرب فالأقرب.
وصنف منهم يسمون أهل التنزيل وهم: علقمة والشعبي ومسروق ونعيم بن حماد وأبو نعيم وأبو عبيدة القاسم بن سلام وشريك والحسن بن زياد رحمهم الله سموا بذلك لأنهم ينزلون المدلى منزلة المدلى به في الاستحقاق وبيان ذلك فيما إذا ترك ابنة ابنة وابنة أخت على قول أهل القرابة المال لابنة البنت لأنها أقرب وعلى قول أهل التنزيل المال بينهما نصفان بمنزلة ما لو ترك ابنة وأختا.
والصنف الثالث يسمون أهل الرحم منهم: حسن بن ميسر ونوح بن ذراح سموا بذلك لأنهم سووا بين الأقرب والأبعد في الاستحقاق وثبتوا الاستحقاق بأصل الرحم ثم كل فريق يزعم أن مذهبه موافق لما نقل في الباب عن الصحابة رضي الله عنهم والمنقول عن الصحابة في هذا الباب ثلاث مسائل:
إحداها: ما ذكره إبراهيم النخعي عن علي بن عبد الله فيمن مات وترك عمة وخالة أن المال بينهما أثلاثا الثلثان للعمة والثلث للخالة فزعم أهل التنزيل أن ذلك موافق لمذهبنا لأن العمة تدلي بالأب فأنزلها منزلة الأب والخالة تدلي بالأم فأنزلها منزلة الأم قال أهل القرابة بل هو موافق لمذهبنا من اعتبار القرب فإن العمة قرابتها قرابة الأب والأبوة تستحق بالفرضية وبالعصوبة جميعا، والخالة قرابتها قرابة الأم وبالأمومة تستحق الفرضية دون العصوبة فلهذا جعلنا المستحق بقرابة الأب ضعف المستحق بقرابة الأم ومن ذلك ما روى الشعبي عن ابن مسعود رضي الله عنه في ابنة ابنة وابنة أخت أن المال بينهما نصفان فذلك دليل على أن مذهبه مثل مذهب أهل التنزيل.
وروى الشعبي عن علي رضي الله عنه أن ابنة الابنة أولى من ابنة الأخت فهو دليل على أن مذهبه كمذهب أهل القرابة وجه قول أهل التنزيل أن سبب الاستحقاق لا يمكن اثباته بالرأي ولا نص هنا من الكتاب أو السنة أو الإجماع على أن سبب الاستحقاق لهم فلا طريق سوى إقامة المدلى مقام المدلى به في الاستحقاق ليثبت به الاستحقاق بالسبب الذي كان ثابتا للمدلى به.
ألا ترى أن من كان منهم ولد عصبة أو صاحب فرض فإنه يقدم على من ليس بعصبة ولا صاحب فرض وما كان ذلك إلا باعتبار المدلى به وأما أهل الرحم يقولان الاستحقاق لهم بالوصف العام ثابت بقوله تعالى:
{وَأُولُو الْأَرْحَامِ} [الأنفال: 75] وفي هذا الوصف وهو الرحم الأقرب والأبعد سواء.
وأما وجه قول أهل القرابة أن استحقاقهم باعتبار معنى العصوبة ولهذا يقدم الأقرب فالأقرب ويستحق الواحد جميع المال ثم في حقيقة العصوبة تارة تكون زيادة القرب نقصان

 

ج / 30 ص -6-         درجة، يعني أن يكون أقرب بدرجة وتارة بقوة السبب ولهذا قدمت البنوة في العصوبة على الأبوة فكذلك في معنى العصوبة يثبت التقديم كما يثبت بقرب الدرجة وولد الابنة أقوى سببا من ولد الأخت فلهذا كان مقدما عليه ثم القول بما قال به أهل التنزيل يؤدي إلى قول فاحش وهو حرمان المدلي يكون المدلى به رقيقا أو كافرا فإن الإنسان لا يجوز أن يكون محروما عن الميراث بمعنى غيره ولو كان رق المدلى به يوجب حرمانه لكان موت المدلى به موجبا حرمانه أيضا وإذا ثبت أن في الحجب والحرمان لا يعتبر المدلى به فكذلك في الزيادة والنقصان لا يعتبر المدلى به وإنما يكون استحقاقه باعتبار وصف فيه وهو القرابة ولكن يقدم الأقرب لاعتبار معنى العصوبة كما قال الله تعالى: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ} [النساء: 7] ثم لاخلاف أن الرد على أصحاب الفرائض مقدم على توريث بعض الأرحام إلا شيء يروى عن عمر بن عبد العزيز أنه قدم ذوي الأرحام على الرد لأنه لما اعتبر في حق أصحاب الفرائض الوصف الخاص سقط اعتبار الوصف العام في مقابلة من يستحق بالوصف وهم ذوو الأرحام ولكنا نقول الوصف العام قد استوى فيه الفريقان ويرجح أصحاب الفرائض باعتبار قوة السبب في حقهم بالوصف الخاص فيقدمون على ذوي الأرحام ثم ذوو الأرحام في الحاصل سبعة أصناف صنف منهم أولاد البنات والصنف الثاني بنات الأخوة وأولاد الأخوات والصنف الثالث الأجداد الفواسد والجدات الفاسدات والصنف الرابع العم لأم والعمة لأب وأم أو لأب أو لأم والخال والخالات والصنف الخامس أولاد هؤلاء والصنف السادس أعمام الأب لأم وعمات الأب وأخوال الأب وخالات الأب والصنف السابع أولاد هؤلاء وفي كل ذلك عند التساوي في الدرجة إذا كان أحدهما ولد صاحب فرض أو ولد عصبة والآخر ليس كذلك فولد صاحب الفرض والعصبة أولي بيان ذلك في ابنة ابنة بن مع ابنة ابنة ابنة فقد استويا في الدرجة ولكن ابنة ابنة الابن ولد صاحب فرض فهي أولى.
وكذلك لو ترك ابنة ابنة أخ وابنة بن أخ فابنة بن الأخ أولى لأنها ولد من هو عصبة دون الأخرى ولو كان أحدهما ولد صاحب فرض والآخر ولد عصبة فهما سواء كابنة الأخ مع ابنة الأخت فإن أحداهما لا تصير محجوبة بالأخرى وأما إذا كانت إحداهما أقرب فالأقرب أولى وإن كانت الأبعد ولد عصبة أو صاحبة فرض كابنة ابنة الابنة مع ابنة ابنة بن الابن فإن ابنة ابنة الابنة أقرب بدرجة فهي أولى اعتبارا بحقيقة العصوبة وكذلك ابنة ابنة الأخت تقدم على ابنة بن ابن الأخ لأنها أقرب بدرجة وفي حقيقة العصوبة عند المساواة في الدرجة يقدم من هو أقوى سببا كالأخ لأب وأم مع الأخ لأب وعند التفاوت في الدرجة يقدم الأقرب كابن الأخ لأب وأم مع الأخ لأب فكذلك في معنى العصوبة ثم اختلفوا بعد ذلك في كيفية قسمة الميراث بين ذوي الأرحام من أولاد الأولاد فكان أبو يوسف رحمه الله يقول أولا يعتبر في القسمة أول من يقع فيه الخلاف إذا اتفقت الآباء والأجداد واختلفت الأبدان فالقسمة على الأبدان للذكر مثل حظ الأنثيين وإن اتفقت الأجداد واختلفت الآباء فالقسمة على الآباء، ثم

 

ج / 30 ص -7-         ينقل نصيب كل ذكر من الآباء إلى ولده ذكرا كان أو أنثى ونصيب كل أنثى إلى ولدها ذكرا كان أو أنثى وإن اختلفت الأجداد يقسم أولا على الأجداد ثم يجمع ما خص الذكور منهم فيقسم على أولادهم للذكر مثل حظ الأنثيين وإن اختلفت صفاتهم في الذكورة والأنوثة يجمع ما خص الإناث فيقسم بين أولادهن كذلك وهكذا يفعل في الأباء مع الأبدان وهذا قول محمد وهو الظاهر من مذهب أبي حنيفة ثم رجع أبو يوسف فقال يعتبر في القسمة أبدانهم على كل حال وهو رواية شاذة عن أبي حنيفة والرواية الأولى أشهر فقد ذكرت في الفرائض في الكتاب وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد ثم رجع أبو يوسف عن ذلك وجه قول محمد أن الصحابة رضي الله عنهم اتفقوا في العمة والخالة على أن للعمة الثلثين وللخالة الثلث ولو كان المعتبر في القسمة الأبدان لكان المال بينهما نصفين وفي اتفاقهم على أن المال بينهما أثلاثا دليل على أن المعتبر في القسمة المدلى به وهو الأب والأم ولأنا أجمعنا على أنه لو كان أحدهما ولد عصبة أو صاحب فرض كان أولى من الآخر وإنما يرجح بمعنى في المدلى به فإذا كان في الحرمان يعتبر المدلى به ففي النقصان أولى فبهذا يتبين أن المعتبر أول من يقع به الخلاف لأن في هذه المسألة قد استويا في الأب وهو المنسوب إلى الميت وفي الأبدان وإنما وقع الاختلاف فيما بين ذلك.
ثم اعتبرنا من وقع به الخلاف في ترجيح أحدهما على الآخر وهذا بخلاف العدد فإن المعتبر فيه أبدانهم دون المدلى به فإنه واحد وهذا لأن علة الاستحقاق كاملة في حق كل واحد منهم وهو القرابة والعلة تحتمل العدد فيجعل الأصل كالمتعدد حكما بتعدد الفرع وكمال العلة بكل واحد منهم بمنزلة جماعة قتلوا رجلا عمدا يجعل كل واحد منهم قاتلا على الكمال والمقتول وإن كان واحدا يجعل متعددا حكما لتكامل العلة في حق كل واحد منهم بخلاف صفة الذكورة والأنوثة فالموجود من ذلك في الفرع لا يمكن أن يجعل كالموجود في الأصل مع تحقق ضده فيه لأنه لا احتمال لذلك فيعتبر ما في الأصول من الصفة لأن الاستحقاق للفروع بناء على ذلك وأبو يوسف يقول قد استويا في سبب الاستحقاق فإن الاستحقاق للمرء في الأصل إنما يكون بمعنى فيه لا بمعنى في غيره والاستحقاق عندنا باعتبار القرابة وذلك معنى في أبدانهم وقد اتحدت الجهة أيضا وهي الولاء فثبتت المساواة بينهم في الاستحقاق وأن اختلفت الصفة في المدلى به.
ألا ترى أنه لو كان في بعضهم صفة الرق أو الكفر لم يعتبر ذلك واعتبر حالة الأبدان في هذه الصفة فكذلك في صفة الذكورة والأنوثة فالدليل عليه العدد فإن اعتبار الذكورة والأنوثة في معنى اعتبار العدد لأن كل ذكر بمعنى اثنين فكل انثى بمعنى واحد فإذا كان في العدد يعتبر الأبدان فكذلك في صفة الذكورة والأنوثة وهذا بخلاف العمة والخالة فالجهة هناك قد اختلفت لأن الأبوة غير الأمومة والاستحقاق بالسبب فباختلاف الجهة يختلف السبب معنى فأما عند اتحاد الجهة يكون السبب واحدا فيعتبر في الصفة الأبدان.

 

ج / 30 ص -8-         خاصة وكذلك إذا كان بعضهم ولد صاحب فرض أو عصبة فالفرضية والعصوبة سبب الاستحقاق، وعند التفاوت بالسبب يعتبر المدلى به فلا تعتبر المساواة في أصل النسبة إلى الميت لأن في الأنساب إذا أمكن اعتبار الأبدان تعتبر الأبدان خاصة فيما بين الأولاد فإذا تعذر اعتبار ذلك يعتبر من هو أقرب إلى الأبدان إذا عرفنا هذا فنقول أما إذا اختلفت الأبدان واتفقت الآباء فصورته فيما إذا ترك ابنة بنت وبن بنت أخرى فالمال بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين بالاتفاق.
وذكر الطحاوي أن على قول محمد رحمه الله المال بينهما نصفان باعتبار المدلى به وهذا غلط وإنما هو قول أهل التنزيل على ما نبينه أما عند أصحابنا المعتبر الأبدان هنا لأن أول من وقع به الخلاف الأبدان فأما إذا اختلفت أبدانهم واختلفت آباؤهم واتفقت أجدادهم فصورته فيما إذا ترك ابنة ابنة ابنة وبن ابنة ابنة وابنة بن بنت وبن بن بنت ففي قول أبي يوسف الآخر المال بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين على ستة عشر لكل بن سهمان ولكل ابنة سهم وأما على قول محمد القسمة أولا على الآباء واثنان منهم ذكران يعني ابنة بن الابنة وبن بن الابنة واثنان منهم أنثيان فقسم بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين على ستة أربعة من ذلك للبنتين يدليان بالذكر ثم يقسم بينهما على الأبدان للذكر مثل حظ الأنثيين أثلاثا فانكسر بالاثلاث وسهمان للتين تدليان بالأنثى ثم يقسم بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين أثلاثا فقد وقع الكسر بالأثلاث في موضعين ولكن أحدهما يجزئ عن الآخر فتضرب ستة في ثلاثة فيكون ثمانية عشر كان للتين تدليان بذكر ثلثان اثنا عشر سهما ثمانية لابن بن البنت وأربعة لابنة بن البنت وكان للآخرين الثلث ستة بينهما أثلاثا أربعة لابن ابنة الابنة وسهمان لابنة ابنة البنت وبين هذه السهام موافقة بالنصف فاقتصر على النصف فيعود إلى تسعة فالتخريج كما بينا فأما إذا اختلفت أبدانهم وآباؤهم وأجدادهم فصورته فيما إذا ترك ابنة ابنة ابنة وابنة بن ابن ابنة وبن ابنة بن ابنة فعلى قول أبي يوسف الجواب ظاهر كما بينا وعند محمد يعتبر في القسمة الأجداد أولا واثنان منهم ذكران يعني أن ابنة بن ابن الابنة وبن ابنة بن ابنة والآخران انثيان فتكون القسمة للذكر مثل حظ الأنثيين على ستة الثلثان وهو أربعة لهذين والثلث للآخرين ثم ما أصاب الابنتين يقسم على آبائهما للذكر مثل حظ الأنثيين أثلاثا وأما نصيب الآخرين يقسم على الآباء للذكر مثل حظ الأنثيين أثلاثا فيقتصر على تسعة بعد الاقتصار كما بينا ثم يجمع ما أصاب من اتفقت آباؤهم واختلفت أبدانهم فيقسم ذلك بينهم على الأبدان للذكر مثل حظ الأنثيين فيتيسر التخريج بالقياس على الفصل المتقدم كما بينا، وإن اختلفت الآباء دون الأجداد والأجداد دون الأبدان فصورة ذلك فيما إذا ترك ابنة ابنة ابنة ابنة وابني ابن ابنة وابنة ابن ابن ابنة وابنة ابنة ابن بنت فعند أبي يوسف القسمة على الأبدان فيكون المال بينهم أرباعا بالسوية وعند محمد يعتبر أولاد الأجداد فإن أول من وقع به الخلاف الأجداد واثنان منهم أجدادهما ذكر يعني ابنة بن ابن ابنة وابنة ابنة بن بنت والآخريان أجدادهما أنثى فتكون القسمة

 

ج / 30 ص -9-         للذكر مثل حظ الأنثيين على ستة أربعة للبنين أجدادهما ذكر وسهمان للآخرين ثم ما أصاب اللتين أجدادهما ذكر يقسم بينهما على الآباء أثلاثا فنصيب ابنة بن ابن الابنة ثلثي الثلاثين والأخرى ثلث الثلاثين وذلك الثلث يقسم بين الآخرين على الآباء للذكر مثل حظ الأنثيين فنصيب ابنة ابنة ابنة الابنة ثلث الثلث والأخرى ثلثا الثلث ثم ما يصيب كل أب فهو منقول إلى ولده فإن بين الأبدان موافقة ولا حاجة إلى قسمة أخرى.
مسألة: من هذا الجنس هي ألطف مسائل الباب فاعتبرها وهي ثمانية نفر أربعة أجدادهم انثى وأربعة أجدادهم ذكر فالأربعة الأولى ابنة ابنة ابنة ابنة وابن ابنة ابنة ابنة وابنة ابن ابنة ابنة وابن ابن ابنة ابنة والأربعة الذين أجدادهم ذكر بن ابن بن ابنة وابنة بن ابن ابنة وابنة ابنة بن بنت وبن ابنة بن ابنة فعلى قول أبي يوسف الآخر المال بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين على اثنى عشر سهما باعتبار الأبدان.
وأما على قول محمد فالعبرة للأجداد أولا في القسمة فيكون المال على اثني عشر سهما ثمانية من ذلك نصيب الأربعة الذين أجدادهم ذكر وأربعة نصيب الأربعة الذين أجدادهم انثى ثم هذه الأربعة تقسم بينهم على الآباء واثنان من الآباء ذكر يعني ابنة بن الابنة وبن بن ابنة الابنة وبن بن ابنة الابنة واثنان انثى فيقسم هذا الثلث بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين ثلثاه وهو تسعا المال للذين أبوهما ذكر وتسع المال للآخرتين ثم هذا التسع يقسم بين ابنة ابنة ابنة ابنة الابنة وبن ابنة ابنة الابنة للذكر مثل حظ الأنثيين على أبدانهما فيكون للأولى ثلث التسع وللابن ثلثا التسع وأما التسعان فبين ابنة بن ابنة الابنة وبن بن ابنة الابنة للذكر مثل حظ الأنثيين على الأبدان للابن ثلثا التسعين وللابنة الثلث ثم تجيء إلى ثلثي المال فتقسم ذلك بين الأربعة الذين أجدادهم ذكر على الآباء واثنان منهم ذكران يعني بن ابن بن الابنة وابنة بن ابن الابنة والآخرين يدليان بأنثى يعني ابنة ابنة بن الابنة وبن الابنة فيقسم الثلثان للذكر مثل حظ الأنثيين على الأبدان ثلثا ذلك الثلثين للذين أجدادهما ذكر وثلث الثلثين للذين أجدادهما انثى ثم يقسم ثلث الثلثين على الأبدان للذكر مثل حظ الانثيين ثلثا ذلك الثلث لابن ابنة بن الابنة وثلثه لابنة ابنة ابن الابنة والثلثان يقسم كذلك أيضا فإذا ضرب بعض هذا في بعض بلغ الحساب مائة وثمانية وبين الانصباء موافقة بالربع فيقتصر على الربع وذلك سبعة وعشرون تسعة من ذلك للذين أجدادهم أنثى ثم ستة من هذه التسعة للذين أبوهما ذكر وثلاثة للذين أبوهما انثى ثم تقسم هذه الثلاثة بينهما على الأبدان أثلاثا للذكر سهمان وللأنثى سهم وكذلك الستة تقسم بين الآخرين على الأبدان للذكر أربعة وللأنثى سهمان وثمانية عشر للذين أجدادهم ذكر تقسم على الآباء أثلاثا ستة للذين يدليان بالأنثى ثم تقسم بينهما أثلاثا على الأبدان للأنثى سهمان وللذكر أربعة واثنا عشر حصة اللذين أبوهما ذكر تقسم بينهما أثلاثا على الأبدان للذكر منهما ثمانية وللأنثى أربعة فما يكون من هذا النحو تخريجه هذا فإن كان مع الثمانية ابنة ابنة ابن الابن فالمال كله لها لأنها ولد صاحبة فرض فإن ابنة ابن الابنة صاحبة فرض وعند المساواة

 

ج / 30 ص -10-       في الدرجة ولد صاحب الفرض أولى وإن كان معهن ابنة بن ابن الابن فلا شيء لها لأنها وإن كانت ولد صاحب فرض فهي أبعد بدرجة والبعدى محجوبة بالقربى وإن كانت ولد صاحبة فرض أو عصبة وإن كان مع الكل ابنة ابنة ابنة فهي أولى بجميع المال لأنها أقرب بدرجة من جميع من سمينا وإن كان معها ذكر يعني بن ابنة الإبنة فالمال بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين ولا شيء لمن سواهما وإن كان معهم من هو أقرب بدرجة وهو ابنة الابنة فالمال كله لها وإن كان معها ذكر في درجتها وهو بن الابنة فالمال بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين هذا كله بيان أهل القرابة فأما بيان قول أهل التنزيل نقول إذا ترك ابنة ابنة ابنة وابن ابنة ابنة فعلى قول أبي عبيد وإسحاق بن راهويه المال بينهما نصفان سواء كانا من أم واحدة أو من أمين مختلفين وعلى قول أبي نعيم وشريك والحسن بن زياد إن كانا من أمين كذلك وإن كانا من أم واحدة فالمال بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين أثلاثا لأن عند اختلاف الأصول كل فرع يقوم مقام أصله فكأنهما ابنتان للميت فالمال بينهما نصفان وأما إذا اتحد الأصل فلا يمكن القسمة باعتبار الأصل لأن الواحد لا يقاسم نفسه فلا بد من اعتبار الفرعين في القسمة فيكون المال بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين وجه قول عبيد أن كل فرع قائم مقام أصله فتتحقق المساواة بينهما سواء كان من أم واحدة أو من أمين فباعتبار تحقق المساواة تكون القسمة بينهما نصفان وهذا لأن سبب الاستحقاق في كل واحد منهما ما في المدلى به وهو التبنية وفي هذا لا فرق بين أن يكونا من أمين أو من أم واحدة، ولو ترك ابنة ابنة وابني ابنة أخرى فعلى قول أهل القرابة المال بينهن أثلاثا وعلى قول أهل التنزيل القسمة نصفان نصف لابنة الابنة ونصف لابني الابنة نصفين بمنزلة الابنتين للميت ثم ينتقل إلى فرع كل أصل نصيب ذلك الأصل وكذلك لو ترك ابنة ابنة وعشر بنات ابنة ابنة فعلى قول أهل القرابة المال بينهن على أحد عشر سهما وعلى قول أهل التنزيل على عشرين سهما لبنات الابنة عشرة لكل واحدة منهن سهما فإن ترك ابنة ابنة وبنتي ابنة أخرى وثلاث بنات ابنة أخرى فعندنا المال بينهن أسداسا بالسوية وعند أهل التنزيل المال بينهن أثلاثا ثلث لابنة الابنة وثلثان لابنتي الابنة نصفان وثلث بين ثلاث بنات الابنة أثلاثا بالسوية فإن ترك ثلاثة بني بن ابن ابنة وبن بن ابنة أخرى وبن بن أخرى لهذه الابنة فعلى قول أهل القرابة المال بينهم بالسوية أسداسا وعلى قول أهل التنزيل نصف المال لثلاثة بني بن البنت والنصف الآخر بين ابني بن الابنة الأخرى وبن ابنها نصفين بمنزلة ما لو كان للميت ابنان فيكون المال بينهما نصفين ثم ينتقل نصيب كل منهما إلى أولادهما فالنصف للثلاثة والنصف للفريقين الآخرين نصف ذلك لابني ابنها ونصفه لابن ابنها لأن كل واحد منهما يقوم مقام من يدلى به إليها في نصيبها من الميراث فإن ترك ابنة ابنة ابنة وابنة ابنة أخرى فعلى قول أهل القرابة المال كله لابنة الابنة وأما على قول أهل التنزيل فقد ذكر محمد بن سالم عن أبي نعيم أن المال بينهما نصفان لأن الأقرب إنما يترجح عند اختلاف الجهة فأما عند إتحاد الجهة الأقرب والأبعد عندهم سواء وقد اتحدت الجهة

 

ج / 30 ص -11-       هنا وهي الولاء، وهذا القول أقرب من قول أهل الرحم فإن ترك ابنة ابنة وابنة ابنة بن فعلى قول أهل القرابة المال كله لابنة الابنة وعلى قول أهل التنزيل وقد ذكره محمد بن سالم عن أبي نعيم أن المال بينهما أرباعا ثلاثة أرباعه لابنة الابنة والربع لابنة الأخرى على قياس قول علي في الرد وعلى قياس قول ابن مسعود في الرد المال كله بينهما أسداسا لأن كل واحدة منهما تنزل منزلة المدلي به من صاحب فريضة واحداهما ولد الابنة فتنزل منزلتها والأخرى ولد ابنة الابن فتنزل منزلتها ولو ترك ابنة وابنة بن كان المال بينهما أرباعا على قياس قول علي في الرد وأسداسا على قياس قول ابن مسعود ثم ينتقل إلى ولد كل واحدة منهما حصتها من ذلك أو يقام المدلى مقام المدلى به فإن ترك ابنة بن وبن ابنة أمهما واحدة وترك أيضا ابنة ابنة بن وبن ابنة بن أمهما واحدة فعلى قول أهل القرابة المال بين ابنة ابنة الابن وبن ابنة الابن للذكر مثل حظ الأنثيين أثلاثا لأنهما أقرب بدرجة، وعلى قول أهل التنزيل يكون المال بين هاتين وبين الآخرين أرباعا على قياس قول علي في الرد وأسداسا على قياس قول ابن مسعود في الرد كما بينا ثم ثلاثة أرباع المال الذي هو نصيب ولدي الابنة على قول أبي عبيد بينهما نصفان وعلى قول أبي نعيم بينهما أثلاثا على ما بينا أن الأم إذا كانت واحدة عند أبي نعيم يعتبر في القسمة الأبدان وعند أبي عبيد لا فرق بين أن يكونا لأم واحدة أولا يكونا في أن القسمة على المدلى به وكذلك الربع الذي أصاب الآخرين على قول أبي نعيم بينهما نصفان للذكر مثل حظ الأنثيين وعلى قول أبي عبيد بينهما نصفين فإن ترك ثلاثة بني بن بنت وبن بن ابنة وابني ابنة ابنة فنقول أما على قول أبي يوسف الآخر المال بينهما بالسوية أسداسا وأما على قول محمد يقسم على الآباء أولا لابني ابنة الابنة سهمان وللأربعة ثمانية أسهم فإن أبا كل واحد منهم ذكر ولكل ذكر سهمان ولكل أنثى سهم فيكون لابني ابنة الابنة في الحاصل خمس المال بينهما نصفين فتكون القسمة بين عشرة وأما على قول أهل التنزيل فالظاهر من مذهبهم أن المال بين الفرق أثلاثا ثلثه لبني بن الابنة بينهم أثلاثا وثلثه لابني ابنة الابنة وثلثه لابن بن الابنة اعتبار بالمدلى به وهو بمنزلة ما لو ترك ثلاث بنات وقد قال بعضهم المال بين الفريقين الأولين نصفين ولا شيء لابني ابنة الابنة لأن بني بن الابنة هم ورثة الجدة.
ألا ترى أنها لو كانت هي الميتة كانوا يرثونها بالعصبة فأما ابنتا ابنة الابنة فليستا بوارثتين للجدة حتى لا يرثا بأنها لعصوبة فكما أن الفريقين الآخرين يحجبان ابني ابنة الابنة عن ميراث الجدة فكذلك عن ميراث من يستحق ميراثه بالإدلاء بالجدة ثم يكون المال عندهم على ستة ثلاثة لابن بن الابنة وثلاثة لبني بن الابنة لكل واحد منهم سهم لأن كل فريق يقوم مقام المدلى به فكأنهما اثنان يقسم المال بينهما نصفان ثم ينتقل نصيب كل بن إلى ولده واحدا كان أو أكثر فإن ترك ابنة ابنة بن وبن بن ابنة فعلى قول أهل القرابة المال كله لابنة ابنة الابن لأنها ولد صاحب فريضة وعند المساواة في الدرجة ولد صاحب الفريضة أولى

 

ج / 30 ص -12-       وعلى قول بعض أهل التنزيل المال كله لابن بن الابنة فإنه وارث الجدة دون من سواها وقد بينا أن عندهم يقع الترجيح بهذا وعند بعضهم المال بين ابنة ابنة الابن وبن بن الابنة أرباعا على قياس قول علي في الرد وأسداسا على قياس قول ابن مسعود في الرد لأن ابنة ابنة الابنة وبن ابنة الابنة صارا محجوبين بابن بن الابنة على ما بينا أنه وارث الجدة دونهما بقى ابنة ابنة الابن وبن بن الابنة فكل واحد منهما يقوم مقام من يدلي به من صاحب فريضة وبن بن الابنة بمنزلة الابنة وابنة ابنة الابن بمنزلة ابنة الابن فيكون المال بينهما أرباعا على قياس قول علي في الرد وأسداسا على قياس قول ابن مسعود في الرد وهذا طريق التخريج في هذا الجنس من المسائل والله أعلم بالصواب.

باب ميراث أولاد الإخوة والأخوات من ذوي الأرحام
قال رضي الله عنه: اعلم بأن ذوي الأرحام من هذا الصنف فرق أربعة إما أن يكونوا كلهم لأب وأم أو لأب أو لأم أو مختلطين ثم لا يخلو ما أن يكون بعضهم أقرب من بعض أو يكونوا متساويين في الدرجة فإن كان بعضهم أقرب فهو بالميراث أحق وإن كانوا متساويين في الدرجة أن كان بعضهم ولد صاحب فريضة أو عصبة فهو أولى ممن ليس بولد عصبة ولا صاحب فريضة لأن ولد العصبة وصاحب الفرض أقرب حكما والترجيح بالقرب حقيقة إن وجد وإن لم يوجد فبالقرب حكما فأما إذا استووا في ذلك أيضا فإن انفردوا فكانوا لأب وأم أو لأب فعلى قول أبي يوسف الآخر القسمة بينهم على لأبدان وعلى قوله الأول وهو قول محمد على الآباء حتى إذا ترك بن أخت وابنة أخ وهما لأب وأم أو لأب فعند أبي يوسف الثلثان لابن الأخت والثلث لابنة الأخ وعند محمد على عكس هذا الثلثان لابنة الأخ والثلث لابن الأخت بمنزلة الأخ والأخت ثم ينتقل ميراث كل واحد منهما إلى ولده وإن كانا جميعا لأم ففي ظاهر الرواية المال بينهما في نصفان وقد روي في رواية شاذة عن أبي يوسف أن المال بينهما أثلاثا ووجهه بأن الأصل في المواريث تفضيل الذكر على الأنثى وإنما تركنا هذا الأصل في الإخوة والأخوات لأم لخصوص القياس بالنص وهو قوله تعالى: {فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء: 12] والمخصوص من القياس بالنص لا يلحق به ما ليس في معناه من كل وجه وأولاد الإخوة لأم ليس في معنى الآباء لأنهم لا يرثون بالفرضية شيئا فيعتبر فيهم الأصل ثم توريث ذوي الأرحام بمعنى العصوبة وفي حقيقة العصوبة يفضل الذكر على الأنثى وجه ظاهر الرواية أن قرابة كل واحد منهما قرابة الأم والاستحقاق بهذه القرابة إذ لا سبب بين الميت وبينهم سوى هذا وباعتبار قرابة الأم لا يفضل الذكر على الأنثى بحال وربما بفضل الأنثى فإن أم الأم صاحبة فرض دون أب الأم فإن لم تفضل هنا الأنثى فينبغي أن يسوي بينهما اعتبارا بالمدلى به وأما إذا كانا مختلطين بأن ترك ثلاث بنات إخوة متفرقين فعلى قول أبي يوسف المال كله لابنة الأخ لأب وأم وهو الظاهر من قول أبي حنيفة وعلى قول محمد لابنة الأخ لأم السدس والباقي لابنة الأخ لأب وأم، ولا شيء لابنة الأخ لأب رواية عن أبي

 

ج / 30 ص -13-       حنيفة لأن محمدا يعتبر المدلى به فكأنه ترك ثلاث إخوة متفرقين ثم نصيب كل أخ ينتقل إلى ولده وجه قول أبي يوسف أن الاستحقاق بمعنى العصوبة وفي حقيقة العصوبة يترجح من هو أقوى سببا فكذلك في معنى العصوبة والذي له إخوة من الجانبين يكون أقوى سببا من الذي تكون أخوته من جانب فلهذا يقدم ابنة الأخ لأب وأم على ابنة الأخ لأب.
يوضحه: أنه لو كان أحدهما أقرب بدرجة كان هو أولى وكذلك لو كان أحدهما ولد صاحب فرض أو عصبة كان هو أولى فكذلك إذا كان أحدهما أقوى سببا ولو ترك ثلاث بنات أخوات متفرقات فعلى قول أبي يوسف وهو الظاهر من قول أبي حنيفة المال كله لابنة الأخت لأب وأم وعلى قول محمد المال بينهم أخماسا على قياس قول علي في الرد وأسداسا على قياس قول ابن مسعود في الرد اعتبارا بالمدلى به فكأنه ترك ثلاث أخوات متفرقات ثم ينتقل ميراث كل أخت إلى ولدها فإن ترك ابنة أخت لأب وأم وبن أخت لأب وأم فعلى قول أهل القرابة المال بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين وعلى قول أهل التنزيل المال بينهما نصفان وعلى قول أبي عبيد ومن تابعه سواء كانا من أم واحدة أو من أمين وعلى قول أبي نعيم ومن تابعه أن كانا من أمين فكذلك وان كانا من أم واحدة فالمال بينهما أثلاثا وقد بينا نظيره في أولاد البنات فهو كذلك في أولاد الأخوات.
فإن ترك ابنة ابنة أخت وابنة ابنة بن أخ فالمال كله لابنة ابنة الأخت لأنها أقرب درجة وعلى قول أهل التنزيل المال بينهما نصفان لأنهم يعتبرون المدلى به ممن هو وارث في حق أحدهما هو الأخت وفي حق الآخر بن الأخ فكأنه ترك أختا وبن أخ فيكون المال بينهما نصفين ثم ينتقل إلى المدلي ميراث المدلى به فإن ترك ابنة أخت وابنة أخ وبن أخ لأب وأم أو لأب فالمال كله لابن الأخ لأنه عصبة ثم الأنثى في درجته لا تجعل به عصبة هنا بخلاف الأخوات والأولاد لأن الأنثى متى كانت صاحبة فريضة عند الانفراد تصير عصبة بذكر في درجتها لكن لا يؤدي إلى تفضيل الأنثى على الذكر أو المساواة بينهما وهذا موجود في البنات والأخوات فأما هنا الأنثى بانفرادها لا تكون صاحبة فرض وهي ابنة الأخ فلا تصير عصبة يذكر في درجتها أيضا ولكن المال كله للذكر باعتبار حقيقة العصوبة.
فإن ترك ثلاث بنات أخوة متفرقين وثلاث بنات أخوات متفرقات فعلى قول أبي يوسف المال كله بين ابنة الأخت لأب وأم وابنة الأخ لأب وأم نصفين باعتبار الأبدان وعلى قول محمد لابنة الأخت لأم مع ابنة الأخ لأم الثلث بينهما نصفين والباقي كله لابنة الأخت والأخ لأب وأم بينهما أثلاثا باعتبار الآباء ثلثاه لابنة الآخ وثلثة لابنة الأخت ولا شيء للذين هما لأب باعتبار المدلي به.
فصل في بيان من له قرابتان من البنات والأخوات
قال رضي الله عنه: اعلم أنه يجتمع للواحد قرابتان من أولاد البنات والأخوات فصورة ذلك في أولاد البنات أن يترك ابنة ابنة ابنة وهي أيضا ابنة ابن ابنة بأن كان لرجل ابنتان

 

ج / 30 ص -14-       لإحداهما ابنة وللأخرى ابن فتزوج الابن بالابنة فولد بينهما ابنة فهي ابنة ابنة ابنة الجد وهي أيضا ابنة بن ابنته فلا شك على قول محمد أنها ترثه بالقرابتين جميعا أما على قياس قول أبي حنيفة فالفرضيون من أهل العراق يقولون عند أبي يوسف لا ترث هذه إلا بجهة واحدة لأن الجهة اتحدت وهي الولاء فهي نظير الجدات على قوله وقد بينا من مذهبه في الجدات أن التي هي جدة من جانب واحد والتي هي جدة من الجانبين سواء فهذا كذلك فأما الفرضيون من أهل ما وراء النهر يقولون هذه ترث بالجهتين جميعا عنده وهذا هو الصحيح والفرق له بين هذا وبين الجدات أن الاستحقاق هناك بالفرضية وبتعدد الجدات لا تزداد فريضتهن فإذا كانت الواحدة منهن والعدد سواء فلا يعتبر اجتماع الجهتين لواحدة فأما هنا الاستحقاق بمعنى العصوبة فيعتبر الاستحقاق بحقيقة العصوبة وهو في حقيقة العصوبة يعتبر الجهتان جميعا للترجيح تارة وللاستحقاق أخرى فللترجيح كالإخوة لأب وأم مع الإخوة لأب وللاستحقاق كالأخ لأم إذا كان بن عم فإنه يعتبر السببان في جهة الاستحقاق وكذلك بن العم إذا كان زوجا يعتبر السببان في حقه للاستحقاق فهنا أيضا يعتبر السببان جميعا.
إذا عرفنا هذا فنقول: إذا اجتمع مع هذه ابنة ابنة ابنة أخرى قرابتهما من جهة واحدة فعلى قول أبي يوسف المال بينهما أثلاثا للتي لها قرابتان ثلثا المال لأنها في معنى شخصين فكأنه ترك ابنة ابنة ابنة وابنة ابنة ابنة أخرى وابنة بن ابنة وعند محمد القسمة على الآباء فيكون ثلاثة أرباع المال للتي لها قرابتان وربعه للتي لها قرابة واحدة بمنزلة ما لو ترك بن ابنة ابنة ابنة وابنة ابنة أخرى فيكون المال على أربعة ثم سهمان من هذه الأربعة للتي لها قرابتان باعتبار أنها ولد الإبنة وسهم باعتبار أنها ولد ابنة الابنة فإن كان مع التي لها قرابتان بن ابنة ابنة فعلى قول أبي يوسف المال بينهما نصفان لأنه يعتبر الأبدان والتي لها قرابتان بمنزلة اثنين، فيكون المال على أربعة للذكر سهمان ولكل انثى سهم.
وعلى قول محمد للتي لها قرابتان ثلاثة أرباع المال باعتبار المدلى به على ما بينا ثم ميراث كل واحد ممن هو مدل به يكون لولده فما نجده ذا قرابتين فباعتبار قرابة الأب وهو سهمان من أربعة يسلم له وما كان باعتبار قرابة الأم بضمه إلى ما أخذ الآخر فيقسم بينهما أثلاثا فتكون القسمة من اثني عشر نضرب ثلاثة في أربعة وبعد الاقتصار على النصف للموافقة تكون القسمة ممن ستة فإن كان معها ابنة بن ابنة أخرى فعلى قول أبي يوسف للتي لها قرابتان ثلثا المال على ما بينا وعند محمد تكون القسمة على خمسة باعتبار الآباء فإن هذا بمنزلة ابني ابنة وابنة ابنة فيكون المال بينهم أخماسا للذكر مثل حظ الأنثيين ثم خمسا المال للتي لها قرابتان باعتبار أنها ولد ابن الابنة وخمس المال باعتبار أنها ولد ابنة الابنة وللأخرى خمسا المال فإن كان معها بن ابن بنت فعند أبي يوسف المال بينهما نصفان باعتبار الأبدان وعند محمد المال بينهما في الابتداء أخماسا باعتبار الآباء ثم التي لها قرابتان تأخذ خمس المال باعتبار قرابة الأم ويضم خمسا المال للتي تأخذه باعتبار قرابة الأب إلى ما في يد

 

ج / 30 ص -15-       الآخر، فيكون بينهما أثلاثا لاستواء الآباء في هذا المقدار واختلاف الأبدان فانكسر بالأثلاث فإذا ضربت ثلاثة في خمسة تكون خمسة عشر للتي لها قرابتان بقرابة الأم ثلاثة وبجهة الأخرى أربعة فتكون لها سبعة ولابن بن الابنة ثمانية فإن كان معها ابنة ابنة ابنة وبن ابنة ابنة فيكون لها سبعة ولابن ابنة الابنة ثمانية فعند أبي يوسف القسمة على الأبدان ويكون المال بينهم أخماسا للتي لها قرابتان ثلاثة أخماس المال خمس باعتبار قرابة الأم وخمسان باعتبار قرابة الأب ثم ما أخذت باعتبار قرابة الأب سلم لها وما أخذت باعتبار قرابة الأم يضم إلى ما في يد الأخوين فيكون بينهما على الأبدان أرباعا لإستواء الآباء فيضرب خمسة في أربعة فيكون عشرين لها باعتبار قرابة الأب ثمانية وباعتبار قرابة الأم ربع الباقي وهو ثلاثة فيكون لها أحد عشر للابن سبعة وللابنة الأخرى الباقي فإن كان معها ابنة بن ابنة وبن بن ابنة فعند أبي يوسف هذا وما تقدم سواء.
وعند محمد رحمه الله القسمة في الإبتداء على الآباء، فتكون على سبعة للتي لها قرابتان ثلاثة أسهم باعتبار قرابة الأم يسلم لها وسهمان باعتبار قرابة الأب تضمه إلى ما في يد الآخرين فيقسم بينهم على الأبدان أرباعا لاستواء الآباء واختلاف الأبدان فيضرب أربعة في سبعة فتكون ثمانية وعشرين للتي لها قرابتان السبع أربعة باعتبار قرابة الأم ويكون لها مما بقي الربع باعتبار قرابة الأب فيكون لها عشرة ولابنة بن الابنة ستة ولابن ابن الابنة اثنا عشر فإن كان معها ابنة ابنة ابنة وبن ابنة ابنة وابنة بن ابنة وبن بن ابنة فعند أبي يوسف القسمة على الأبدان على ثمانية أسهم للتي لها قرابتان سهمان وعند محمد القسمة في الإبتداء على الآباء على تسعة للتي لها قرابتان ثلاثة أسهم باعتبار قرابة الأم سهم فيضم ذلك إلى ما في يد ابنة ابنة الابنة وبن ابنة الابنة فيكون مقسوما بينهم باعتبار الأبدان أرباعا لاستواء الآباء واختلاف الأبدان وما اتحد من جهتين باعتبار قرابة الأب تضمه إلى ما في يد ابنة بن الابنة وبن بن الابنة فيكون مقسوما بينهم أرباعا على الأبدان لاستواء الآباء فقد وقع الكسر بالأرباع في موضعين ولكن أحدهما يجزئ عن الآخر فتضرب تسعة في أربعة فتكون ستة وثلاثين منه تصح المسألة الثلث من ذلك اثنا عشر بين التي لها قرابتان وبين الأولين أرباعا لها ثلاثة وللابنة الأخرى ثلاثة وللابن ستة والثلثان بين التي لها قرابتان وبين ابنة بن الابنة أرباعا لابن بن الابنة اثنا عشر ولابنة بن الابنة ستة وللتي لها قرابتان ستة فيحصل لها بالجهتين تسعة هذا طريق التخريج في هذا الجنس والله أعلم.
فصل في بيان ذي القرابتين من بنات الإخوة وأولاد الأخوات
قال رحمه الله: فإن مات وترك ابنة أخت لأم وهي ابنة أخ لأب وصورته أن يكون لرجل أخت لأم وأخ لأب فيزوج أخاه لأبيه أخته لأمه فيكون صحيحا لأنه لا قرابة بين الزوجين فإذا ولدت ابنة كانت هذه له ابنة أخت لأم وهي ابنة أخ لأب فإن مات وترك مع هذه ابنة أخت لأب فعلى قول أبي يوسف الأول وهو قول محمد لذي القرابتين سهم من ستة

 

ج / 30 ص -16-       باعتبار قرابة الأم، والباقي بينهما أثلاثا باعتبار قرابة الأب فينكسر بالأثلاث فتكون القسمة من ثمانية عشر فإنه يعتبر المدلى به فكأنه ترك أختا لام وأختا وأخا لأب وعلى قول أبي يوسف الآخر المال كله لذي القرابتين لأن الاستحقاق باعتبار معنى العصوبة وقد اجتمع في جانبها قرابة الام وقرابة الاب فتترجح على الأخرى في جميع المال كما في حقيقة العصوبة وهذا لأنه على القول الآخر يعتبر الأبدان فإن كان معها ابنة أخ لأب فعلى قوله الآخر المال كله لذي القرابتين وفي قوله الأول وهو قول محمد السدس لذي القرابتين باعتبار قرابة الأم والباقي بينهما نصفان بمنزلة أخت لأم وأخوين لأب فإن كانت المسألة على عكس هذا فكانت التي لها قرابتان ابنة أخت لأب وهي ابنة أخ لأم ومعها بن أخ لأم فعلى قوله الآخر هذا وما سبق سواء، فكذلك إن كان معها ابنة أخت لأب ففي قوله الأول وهو قول محمد إن كان معها ابنة أخ لأم فلهما الثلث بينهما نصفان باعتبار قرابة الأم ولذى القرابتين النصف باعتبار الأب والباقي رد عليهما فيكون المال في الحاصل بينهما أخماسا بمنزلة ما لو ترك أختا لأب وأخوين لأم ولو كان معها ابنة أخت لأب فللتي لها قرابتان السدس باعتبار قرابة الأم ولها الثلثان باعتبار قرابة الأب بينهما نصفان والباقي رد عليهما بمنزلة أختين لأب وأخ لأم فتكون القسمة أخماسا للتي لها قرابتان ثلاثة وللأخرى سهمان فإن كان معها ابنة أخت لأب وأم فالمال بينهما نصفان لأنه وجد في حق كل واحد منهما قرابة الأب وقرابة الأم فاستويا عند أبي يوسف وكذلك عند محمد لأنه لا فائدة في تمييز إحدى القرابتين عن الأخرى هنا فإن ما يسلم لهما باعتبار كل قرابة بينهما نصفان وإنما الإشكال على قول محمد فيما إذا كان معها ابنة أخ لأب وأم فإن تمييز إحدى القرابتين عن الأخرى مقيد هنا فقد مال مشايخنا أيضا إلى التمييز فيكون الثلث بينهما نصفين باعتبار قرابة الأم والباقي بينهما أثلاثا باعتبار قرابة الأب بمنزلة ما لو ترك أخوين لأم وأخا وأختا لأب والأصح أنه لا يشتغل بهذا التمييز بل يكون المال بينهما نصفين لاستوائهما في الإدلاء بقرابة الأب والأم جميعا وثبوت الاستحقاق لها باعتبار معنى العصوبة والله أعلم بالصواب.

باب ميراث العمات والأخوال والخالات
قال رضي الله عنه: اعلم بأن العمة بمنزلة العم عندنا والخالة بمنزلة الأم وقال بشر المديني العمة بمنزلة الأم وقال أهل التنزيل العمة بمنزلة الأب والخالة بمنزلة الأم وقال أبو عبيد القاسم بن سلامة العمة مع بنات الإخوة بمنزلة الجدات لأب وهي مع الخالة بمنزلة الأب والخالة بمنزلة الأم وبها تتصل بالميت والخالة ولد الجدة لأم وبها تتصل بالميت فالأولى أن يجعل كل واحدة منهما قائمة مقام المدلي به وهي الواسطة التي تتصل للميت بها للميت فيكون المال كله للعمة ولا شيء للخالة بمنزلة أب الأب مع أب الأم وأما أهل التنزيل فإنهم قالوا اتفقت الصحابة رضي الله عنهم على أن للعمة الثلثين وللخالة الثلث إذا اجتمعا ولا وجه لذلك إلا بأن تجعل العمة كالأب باعتبار أن قرابتها قرابة الأب، والخالة

 

 

ج / 30 ص -17-       كالأم باعتبار أن قرابتها قرابة الأم وأما أبو عبيد فكان يقول العمة مع ابنة الأخ بمنزلة الجد لأن ابنة الأخ تتصل بالميت بقرابة الأب وتنزل منزلة ابنها وهو الأخ والعمة أيضا تتصل بقرابة الأب ولو نزلناها منزلة الأب كانت ابنة الأخ محجوبه بها لأن الأخ محجوب بالأب فجعلناها بمنزلة الأب لهذا المعنى فأما مع الخالة فقد جعلنا الخالة بمنزلة الأم الأدنى لأن قرابتها قرابة الأم فتجعل العمة معها بمنزلة الأب الأدنى لأن قرابتها قرابة الأب فأما أهل الحديث قالوا العمة ولد الجد وبه تتصل بالميت فتقوم مقام الجد أب الأب والخالة ولد الجد أب الأم والجدة أم الأم ولو جعلناها كالجد أب الأم لم ترث شيئا ولو جعلناها كالجدة أم الأم كانت وارثة مع العمة فبهذا الطريق جعلناها كالجدة أم الأم.
وجه قول علمائنا رحمهم الله: أن الأصل أن الأنثى متى أقيمت مقام ذكر فإنها تقوم مقام ذكر في درجتها ولا تقام مقام ذكر هو أبعد منها بدرجة أو أقرب والذكر الذي في درجة العمة العم وهو وارث فتجعل العمة بمنزلة العم لهذا فأما أب الأب فهو أبعد منها بدرجة فلا يمكن إقامتها مقام واحد منهم والخالة لو أقمناها مقام ذكر في درجتها وهو الخال لم ترث مع العمة فلهذه الضرورة أقمناها مقام واحد منهم والخالة لو أقمناها مقام ذكر في درجتها وهو الخال لم ترث الثلثين وللخالة الثلث بهذا الطريق بمنزلة ما لو ترك أما وعما يدل عليه أن العمة لو جعلت كالجد أب الأب لكان العم كذلك فإن قرابتهما سواء فينبغي أن يكون العم مزاحما للإخوة كالجد وإذا سقط اعتبار هذا المعنى في حقيقة العصوبة فكذلك في معنى العصوبة.
إذا عرفنا هذا فنقول: إذا ترك عما وعمة فإما أن يكونا لأب وأم أو لأب أو لأم فإذا كانا لأب وأم أو لأب فالمال كله للعم لأنه عصبة ولا ميراث لأحد من ذوي الأرحام مع العصبة وكذلك إن كان العم لأب والعمة لأب وأم أو لأب أو لأم فأما إذا كانا جميعا لأم فالمال بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين:
وروى محمد بن جماعة عن أبي يوسف أن المال بينهما نصفان لاستوائهما في القرابة فإن قرابتهما قرابة الأم وباعتبار قرابة الأم لا يفضل الذكر على الأنثى كالأخ والأخت لأم وجه ظاهر الرواية أن توريثهما باعتبار معنى العصوبة وفي العصوبة للذكر مثل ما للأنثى إذا تساويا في الدرجة وهذا بخلاف الأخ والأخت لأم لأن توريثهما بالفرضية وفي الاستحقاق بالفرضية لا يفضل الذكر على الأنثى قال الله تعالى:
{وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} [النساء: 11] مما ترك الآية.
وكذلك هذا في الأعمام والعمات إذا كثروا فإن اجتمع عمات بعضهن لأب وأم وبعضهن لأب وبعضهن لأم فالمال كله للعمة لأب وأم لقوة السبب في حقها باجتماع القرابتين وعلى هذا أولاد العمات إذا كان بعضهن أقرب فله المال كله وعند الاستواء في الدرجة يترجح ذو القرابتين على ذي قرابة واحدة وعلى هذا ميراث الأخوال والخالات حتى إذا ترك خالا وخالة فالمال بينهما أثلاثا وفي رواية أبي يوسف المال بينهما نصفان، وهذا لأن الذكر هنا ليس

 

ج / 30 ص -18-       بعصبة، وتوريثهما باعتبار قرابة الأم وقد استويا في ذلك وفي ظاهر الرواية الاستحقاق بمعنى العصوبة فيكون للذكر مثل ما للأنثى فإن كان بعضهم لأب وأم وبعضهم لأب وبعضهم لأم فذلك كله لذي القرابتين ذكرا كان أو أنثى لقوة السبب في جانبه باجتماع القرابتين وإن اختلط العمات بالخالات والأخوال فللعمات الثلثان وللأخوال والخالات الثلث اعتبارا للعمات بالعم والأخوال والخالات بالأم ويستوي في هذا إن استوت الأعداد أو اختلفت حتى إذا ترك عمة واحدة وعشرة من الأخوال والخالات فللعمة الثلثان والثلث بين الأخوال والخالات للذكر مثل حظ الأنثيين لأن استحقاقهم بقرابة الأم والأمومة لا تحتمل التعدد فهم بمنزلة أم واحدة وكذلك إن ترك خالة واحدة وعشرة من العمات فللخالة الثلث وللعمات الثلثان بينهن فإن ترك عمة لأب وأم وخالة أو خالا لأم فكذلك الجواب في ظاهر الرواية وعن أبي يوسف أن المال كله للتي لها قرابتان من أي جانب كانت بمنزلة ما لو اتحدت الجهة كالعمين أو الخالين فأما في ظاهر الرواية ذو القرابتين إنما يترجح على ذي قرابة واحدة إذا كانت من جهتهما فأما إذا كانت من جهة أخرى فلا لأن الخالة كالأم سواء كانت لأب وأم أو لأب أو لأم والعمة كالعم فلهذا كان المال بينهما أثلاثا.
فصل في ميراث أولاد العمات والأخوال والخالات
قال رضي الله عنه: اعلم بأن الأقرب من هؤلاء مقدم على الأبعد في الاستحقاق سواء اتحدت الجهة أو اختلفت والتفاوت بالقرب بالتفاوت في البطون فمن يكون منهم ذا بطن واحد فهو أقرب ممن يكون ذا بطنين وذو البطنين أقرب من ذي ثلاث بطون لأنه يتصل بالميت قبل أن يتصل الأبعد به فعرفنا أنه أقرب وميراث ذوي الأرحام يبنى على القرب وبيانه فيما إذا ترك ابنة خالة وابنة ابنة خالة أو ابنة بن خالة أو بن ابن خالة فالميراث لابنة الخالة لأنها أقرب بدرجة وكذلك إن ترك ابنة عمة وابنة ابنة خالة فابنة العمة أولى بالمال لأنها أقرب بدرجة وإن كانا من جهتين مختلفتين وإن ترك بنات العمة مع بن خالة واحدة فلبنات العمة الثلثان ولابنة الخالة الثلث وإن كان بعض هؤلاء ذا قرابتين وبعضهم ذا قرابة واحدة فعند اختلاف الجهة لا يقع الترجيح بهذا وعند اتحاد الجهة الذي لأب أولى من الذي لأم ذكرا كان أو أنثى بيانه فيما إذا ترك ثلاث بنات عمات متفرقات فالمال كله لابنة العمة لأب وأم وكذلك ثلاث بنات خالات متفرقات فإن ترك ابنة خالة لأب وأم وابنة عمة لأب وأم أو لأب فلابنة العمة الثلثان ولابنة الخالة الثلث وهذا لأن المساواة في الدرجة بينهما موجودة حقيقة يعني الاتصال إلى الميت ولكن ذو القرابتين أقوى سببا فعند اتحاد السبب يجعل الأقوى في معنى الأقرب وذلك ينعدم عند اختلاف السبب.
وكذلك توريث ذوي الأرحام باعتبار معنى العصوبة وقرابة الأب في ذلك مقدمة على قرابة الأم فجعل قوة السبب كزيادة القرب عند اتحاد الجهة فأما عند اختلاف الجهة يسقط اعتبار هذا المعنى وكذلك إن كان أحدهما ولد عصبة أو ولد صاحب فرض فعند اتحاد الجهة

 

ج / 30 ص -19-       يقدم ولد العصبة وصاحب الفرض وعند اختلاف الجهة لا يقع الترجيح بهذا بل يعتبر المساواة في الاتصال بالميت لأن في جانب ولد العصبة وصاحب الفرض قوة السبب باعتبار المدلى به وقد بينا أن قوة السبب إنما تعتبر عند اتحاد الجهة لا عند اختلاف الجهة بيانه فيما إذا ترك ابنة عم لأب وأم أو لأب وابنة عمة فالمال كله لابنة العم لأنها ولد عصبة ولو ترك ابنة عم وابنة خال أو خالة فلابنة العم الثلثان ولابنة الخال أو الخالة الثلث لأن الجهة مختلفة هنا فلا يترجح أحدهما بكونه ولد عصبة وهذا في رواية بن عمران عن أبي يوسف فأما في ظاهر المذهب ولد العصبة أولى سواء اختلفت الجهة أو اتحدت لأن ولد العصبة أقرب اتصالا بوارث الميت فكان أقرب اتصالا بالميت.
فإن قيل: فعلى هذا ينبغي أن العمة تكون أحق بجميع المال من الخالة لأن العمة ولد العصبة وهو أب الأب والخالة ليست بولد عصبة ولا ولد صاحب فرض لأنها ولد أب الأم.
قلنا: لا كذلك فإن الخالة ولد أم الأم وهي صاحبة فرض فمن هذا الوجه تتحقق المساواة بينهما في الاتصال بوارث الميت إلا أن اتصال الخالة بوارث هو أم فتستحق فريضة الأم واتصال العمة بوارث هو أب فتستحق نصيب الأب فلهذا كان المال بينهما أثلاثا فإن كان قوم من هؤلاء من قبل الأم من بنات الأخوال أو الخالات وقوم من قبل الأب من بنات الأعمام أو العمات لأم فالمال مقسوم بين الفريقين أثلاثا سواء كان من كل جانب ذو قرابتين أو من أحد الجانبين ذو قرابة واحدة ثم ما أصاب كل فريق فيما بينهم يترجح جهة ذي القرابتين على ذي قرابة واحدة وكذلك يترجح فيه من كان قرابته لأب على من كان قرابته لأم لأن في نصيب كل فريق الاستحقاق لهم بجهة واحدة وكل واحد منهم إذا انفرد إستحق جميع ذلك، فعند الاجتماع يراعى قوة السبب بينهم في ذلك المقدار فإن استووا في القرابة فالقسمة بينهم على الأبدان في قول أبي يوسف الآخر وعلى أول من يقع الخلاف فيه من الآباء في قول أبي يوسف الأول وهو قول محمد رحمهما الله بيانه فيما إذا ترك ابنة خالة وبن خالة فالمال بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين باعتبار الأبدان لأن الآباء قد اتفقت فإن ترك ابنة خال وبن خالة فعلى قول أبي يوسف الآخر لابن الخالة الثلثان ولابنة الخال الثلث وعلى قول محمد على عكس هذا لاختلاف الآباء فيكون لابن الخالة الثلث ولابنة الخال الثلثان.
ولو ترك ابن عمة وابنة عمة فالمال بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين على الإبدان ولو ترك بن عمة وابنة عم فإن كانت ابنة عم لأب وأم أو لأب فهي أولى لأنها ولد عصبة وبن العمة ليس بولد عصبة وإن كانت بنت عم لأم فعلي قول أبي يوسف الآخر المال بينهم أثلاثا على الإبدان لابن العمة الثلثان ولابنة العم الثلث وعند محمد على عكس ذلك باعتبار الآباء وهذا إذا كان بن العمة لأم فأما إذا كان بن عمة لأب وأم فهو أولى بجميع المال لأنه ذو قرابتين وكذلك إذا كان بن عمة لأب لأن الإدلاء بقرابة الأب وفي استحقاق بعض العصوبة يقدم قرابة الأب على قرابة الأم فإن ترك ثلاث بنات أخوال متفرقات أو ثلاث بنات خالات

 

ج / 30 ص -20-       متفرقات، وثلاث بنات عمات متفرقات فالثلثان لبنات العمات ثم يترجح في استحقاق ذلك ابنة العمة لأب وأم على الآخرين لما قلنا والثلث لبنات الخالات ثم يترجح في استحقاق ذلك بن الخالة لأب وأم وابنة الخال لأب وأم فتكون المقاسمة بينهما أثلاثا في قول أبي يوسف الآخر على الأبدان لابن الخالة الثلثان ولابنة الخال الثلث وعلى قول محمد على عكس ذلك فإن كان مع هؤلاء ثلاث بنات أعمام متفرقات فالمال كله لابنة العم لأب وأم لأنها ولد عصبة فإن لم تكن فلابنة العم لأب لأنها عصبة فإن لم تكن فحينئذ الثلثان لقوم الأب ويستحق ذلك ابنة العمة لأب وأم خاصة لأن ابنة العمة لأم وابنة العم لأم سواء في أن كل واحدة منهما ليست بولد عصبة ولا صاحبة فريضة فكما تترجح ابنة العمة لأب وأم على ابنة العمة لأم فكذلك على ابنة العم لأم ولا يتغير هذا الإستحقاق بكثرة العدد من أحد الجانبين وقلة العدد من الجانب الآخر لأن الإستحقاق بالمدلى به وهو الأب والأم وذلك لا يختلف بقلة العدد وكثرة العدد وهو سؤال أبي يوسف على محمد في أولاد البنات فإن هناك لو كان المدلى به هو المعتبر لما اختلفت القسمة بكثرة العدد وقلة العدد كما في هذا الموضع إلا أن الفرق بينهما لمحمد أن هناك تتعدد الفروع بتعدد المدلى به حكما وهنا لا يتعدد المدلى به حكما لأنه إنما يتعدد الشيء حكما إذا كان يتصور حقيقة والعدد في الأولاد من البنين والبنات يتحقق فيثبت التعدد فيهم حكما بتعدد الفروع فأما في الأب والأم لا يتصور التعدد حقيقة فلا يثبت التعدد حكما بتعدد القرابات والله أعلم.
فصل في ميراث أعمام الأم وعماتها وأخوال الأم وخالاتها
قال رحمه الله: فإن ترك الميت خالة لأم أو خالا لأم فالميراث له إن لم يكن معه غيره لأن الأم وارثة له فخالها وخالتها بمنزلة خاله وخالته في استحقاق الميراث وإن تركهما جميعا فالمال بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين أثلاثا باعتبار الأبدان لاستواء المدلى به فإن ترك خالة الأم وعمة الأم فقد ذكر أبو سليمان من أصحابنا أن المال بينهم أثلاثا ثلثاه للعمة والثلث للخالة وذكر عيسى بن أبان أن المال كله لعمة الأم وذكر يحيى بن آدم أن المال كله لخالة الأم فوجه رواية أبي سليمان أن في توريث هذا النوع المدلى به أقيم مقام الميت فعمة الأم بمنزلة عمة الميت وكذلك خالة الأم بمنزلة خالة الميت فيكون للعمة الثلثان وللخالة الثلث.
ووجه قول عيسى: أن عمة الأم قرابتها من الأم قرابة الأب وخالة الأم قرابتها من الأم قرابة الأم والتوريث هنا لمعنى العصوبة فترجح قرابة الأب على قرابة الأم وهكذا كان القياس في عمة الميت وخالته وإنما تركنا ذلك لاتفاق الصحابة رضي الله عنهم وهذا ليس في معنى هذا فإن هناك إحداهما ولد عصبة والأخرى ولد صاحب فريضة وذلك لا يوجد هنا فرجحنا قرابة الأب اعتبارا لحقيقة العصوبة.
ووجه ما قال يحيى بن آدم أن خالة الأم ولد صاحب فرض لأنها ولد أم الأم وهي صاحبة فرض وعمة الأم ليست بولد صاحب فريضة ولا عصبة لأنها ولد أب الأم فلهذا

 

ج / 30 ص -21-       كانت خالة الأم أولى من عمة الأم وعلى هذا لو ترك خال الأم وخالة الأم مع عمة الأم ثم على ظاهر الرواية يستوي أن يكون لهما قرابتان أو لاحداهما قرابتان وللأخرى قرابة واحدة لأن اختلاف الجهة بينهما في حق الأم كاختلاف الجهة في حق الميت فإن ترك عمة الأب وعم الأب فالمال كله لعمة الأب إن كان لأب وأم أو لأب لأنه عصبة وإن كان لأم فالمال بينهما أثلاثا على الأبدان في قول أبي يوسف الآخر وعلى المدلى به في قوله الأول وهو قول محمد وإن كان هناك عمة الأب وخالة الأب فعلى رواية أبي سليمان المال بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين وعلى قول عيسى ويحيى المال كله لعمة الأب لأنها ولد العصبة وهو أب أب الأب ولأنها تدلي بقرابة الأب وقرابة الأب في معنى العصوبة مقدمة على قرابة الأم فإن اجتمع الفريقان يعني عمة الأب وخالة الأب وعمة الأم وخالة الأم فلقوم الأباء الثلثان ولقوم الأم الثلث ثم قسمة كل فريق بين كل فريق في هذا الفصل كقسمة جميع المال فيما تقدم ولا يختلف الجواب فيكون أحدهما ذا قرابتين والآخر ذا قرابة واحدة في القسمة عند اختلاف الجهة ولكن في نصيب كل فريق يترجح ذو القرابتين على نحو ما بينا في الفصل المتقدم والكلام في أولاد هؤلاء بمنزلة الكلام في آبائهم وأنها تعم ولكن عند انعدام الأصول فأما عند وجود أحد من الأصول فلا شيء للأولاد كما لا شيء لأحد من أولاد العمات والخالات عند بقاء عمة أو خالة للميت ويتصور في هذا الجنس شخص له قرابتان بيانه في امرأة لها أخ لأم وأخت لأب فتزوج أخوها لأم أختها لأبيها فولد بينهما ولد ثم مات هذا الولد فهذه المرأة خالتها لأب وهي أيضا عمتها لأم ثم هذا الجواب في هذا الفصل على الاختلاف الذي بيناه ذو قرابتين من بنات الأخوة وأولاد الأخوات والله تعالى أعلم بالصواب.

باب الفاسد من الأجداد والجدات
قال رضي الله عنه: اعلم بأن الجد الفاسد من يتصل إلى الميت بأم والجدة الفاسدة من يدخل في نسبتها إلى الميت أب بين أمين والكلام في هذا الباب في فصلين:
أحدهما: في ترتيب التوريث بين هؤلاء والباقي في ترتيب التوريث بينهم وبين غيرهم من ذوي الأرحام فأما بيان الترتيب فيما بينهم فنقول: من يكون أقرب منهم فهو أولى بالميراث والقرب بالبطن فمن يتصل إلى الميت ببطن واحد فهو أقرب ممن يتصل ببطنين ومن يتصل ببطنين فهو أقرب ممن يتصل ببطون ثلاثة والجد الذي يتصل إلى الميت ببطن واحد لا يكون إلا واحدا وهو أب الأم والذي يتصل ببطنين ثلاثة وهو أب أم الأم وأب أب الأم وأب أم الأب ولهم من الجدات الفاسدات واحدة وهي أم أب الأم ثم لم يذكر محمد رحمه الله في الفرائض من هذا الجنس إلا مسألة واحدة وهي أب أم الأم وأب أم الأب وقال الميراث بينهما أثلاثا لأب أم الأب الثلثان ولأب أم الأم الثلث وتقدم مسألة أخرى فيها اختلاف وهي ما إذا ترك أب أم الأم وأب أب الأم فعلى قول أهل التنزيل على قياس قول علي وعبد الله المال كله لأب أم الأم لأنه أقرب أيضا لا لصاحب العصبة لأنك إذا أسقطت

 

ج / 30 ص -22-       من نسبه بطنا يبقي أم الأم وهي صاحبة فرض وإذا أسقطت من نسب الآخر بطنا يبقي أب الأم وهو جد فاسد فلهذا كان الميراث كله لأب أم الأم وعلى قول عيسى المال كله لأب أب الأم لأنه عصبة الأم وهي صاحبة فرض في حقه فإنها أم أمه وهو بن ابنها والآخر ليس بعصبة للأم بل هو بن ابنها والمعتبر هنا معنى العصوبة فإذا كان يترجح أحدهما بمعنى العصوبة في نسبته إلى أم الميت كان هو أولى باعتبار إقامة المدلى به مقام الميت وذكر أبو سليمان أن المال بينهما أثلاثا ثلثاه لأب أب الأم وثلثة لأب أم الأم لأنا نعتبر في القسمة أول من يقع به الخلاف ثم ينقل نصيب كل واحد منهما إلى من يدلى به فأما إذا ترك أب أم الأم وأب أم الأب فقد بينا أن في ظاهر الرواية المال بينهما أثلاثا اعتبارا بالمدلي به فإن أب أم الأب يدلي بالأب والأخرى تدلي بالأم فكأنه ترك أبا وأما وعلى قول أهل التنزيل المال بينهما نصفان لأنهما استويا في الاتصال بصاحب الفريضة فإنك إذا أسقطت بطنا من أب أم الأب تبقي أم الأب وإذا أسقطت بطنا من نسب الآخر تبقي أم الأم وبينهما مساواة في الفرضية وعلى قول عيسى المال كله لأب أم الأب لأن اتصاله بقرابة الأب واتصال الآخر بقرابة الأم والاستحقاق بطريق العصوبة والعصوبة إنما تثبت بقرابة الأب دون قرابة الأم وإن ترك أب أب الأم وأب أم الأب فعلي قياس قول محمد رحمه الله المال بينهما أثلاثا لأن أب أب الأم يدلي بالأم وأب أم الأب تدلي بالأب وعلى قول أهل التنزيل المال كله لأب أم الأب لأنه أقرب اتصالا بصاحب الفريضة فإنك إذا أسقطت من نسبه بطنا تبقى أم الأب وهي جدة صحيحة وفي حق الآخر يبقى أب الأم وهو جد فاسد.
واختلفت المشايخ على قول عيسى، فمنهم من يقول المال كله لأب أب الأم لأنه عصبة الأم وهي صاحبة فريضة في حقه ولا يوجد ذلك في حق الآخر والأصح أن عنده المال كله لأب أم الأب لأن اتصاله بالميت بقرابة الأب وفي استحقاق العصوبة لا مزاحمة بين قرابة الأم وبين قرابة الأب وإنما تعتبر الأم في العصوبة في النسبة إلى الميت لأنه يتعذر اعتبار معنى العصوبة في النسبة إلى الميت فأما هنا اختلفت الجهة فإنما تعتبر العصوبة في النسبة إلى الميت فكان من يدلي إليه بقرابة الأم أولى بالمال فإن ترك أب أم الأم وأب أب الأم فقد ذكر أبو سليمان أن المال يقسم بينهم أثلاثا الثلثان لأب أم الأب لأنه يدلي بالأب والآخران يدليان بالأم فقاما مقام الأم ثم الثلث الذي أصاب اللذين يدليان بالأم يقسم بينهما أثلاثا ثلث ذلك لأب أب الأم وثلث ذلك لأب أم الأم وهذا صحيح على أصل محمد في اعتبار أول من يقع به الخلاف في القسمة فأما على قول أهل التنزيل فأب أب الأم ساقط لأنه يسقط مع أحد الأبوين كما بينا فمعهما أولى ويكون المال بين أب أم الأب وأب أم الأم نصفين وعلى قول عيسى أب أم الأم ساقط لأنه سقط بأب أب الأم إذا انفرد فإذا كان معه غيره أولى فإذا سقط هو يبقى أب أب الأم وأب أم الأب وفيه اختلاف المشايخ كما بينا فإن ترك مع هؤلاء الثلاثة جدة فاسدة كجدتهم أم أب الأم فعلى قول أهل التنزيل وقول عيسى

 

ج / 30 ص -23-       هذا وما سبق سواء وهذه الجدة تسقط فأما على ما ذكره أبو سليمان عن محمد رحمه الله فلأب أم الأب الثلثان ومن الثلث الباقي ثلثة لأب أم الأم وثلثاه بين أب أب الأم وبين أب أم الأب أثلاثا لأن المدلى بهما في حقهما الأب وإنما اختلفت أبدانهما فتقسم تلك الحصة بينهما على الأبدان أثلاثا فإن ترك أب أم الأب وأب أم أب الأب فعلى قول أهل القرابة المال كله لأب أم الأب لأنه أقرب بدرجة وعلى قول أهل التنزيل على قياس قول علي رضي الله عنه الجواب كذلك فأما على قياس قول عبد الله المال بينهما نصفان لأن مذهبه أن البعدى من الجدات الصحيحات تستوي بالقربى إذا لم تكن البعدى أم القربى فكذلك في الفاسد من الأجداد والجدات فإذا أسقطت من نسب كل واحدة منهما بطنا يبقى صاحبه فرض وهي أم الأب وأم أب الأب بينهما في الفرضية مساواة عند عبد الله فكذلك هنا فإن ترك أم أب أم الأم وأم أم أب الأم فعلى قول أهل التنزيل المال كله لأم أب أم الأم لأنها أقرب اتصالا بصاحب الفريضة فإنك إذا أسقطت من نسبها بطنين يبقى أم الأم فإذا أسقطت من نسب الأخرى بطنين يبقى بطنان وهو جد فاسد وعلى قول عيسى المال كله لأم أم أب الأم إقامة للأم مقام الميت فيكون اتصال هذه بالأم باعتبار قرابة الأب واتصال الآخرى بالأم بقرابة الأم واستحقاق العصوبة بالأب فلهذا كان المال لها فإن ترك أب أم أب الأب وأب أب أم الأب فعلى قول أهل التنزيل المال كله لأب أم أب الأب لأنك إذا أسقطت من نسبه بطنا يبقى أم أب الأب وهي صاحبة فرض وإذا أسقطت من نسب الآخر بطنا يبقى أب أم الأب وهو جد فاسد وكذلك على قول عيسى لأنه يقيم الأب المدلى به مقام الميت ثم اتصال أب أم الأب بقرابة الأب واتصال الآخر به بقرابة الأم فيكون هو أحق بجميع المال.
وعلى قياس قول محمد: ينبغي أن يكون المال بينهما أثلاثا ثلثاه لأب أم أب الأب وثلثه لأب أب أم الأب اعتبارا لأول من يقع به الخلاف، وفي المسألة الأولى كذلك الثلثان لأم أم أب الأم والثلث لأم أب أم الأم، فأما بيان الترتيب بين هؤلاء وغيرهم من ذوي الأرحام فنقول إذا ترك أب الأم ومعه أولاد البنات فقد بينا اختلاف الروايات فيه وإن كان معه أولاد الأخوات وبنات الإخوة فقد بينا الاختلاف بين أبي حنيفة وصاحبيه رحمهم الله فإن كان معه الخال والخالة فالمال كله لأب الأم بالاتفاق بين أهل القرابة لأن أب الأم اتصاله بالأم بالأبوة واتصال الخالة بالأم بالأختية واتصال الخال بالإخوة والأبوة تقدم في الاستحقاق على الإخوة ولأن الخالة أو الخال يتصلان بالميت بأب الأم وقد بينا أن من يتصل إلى الميت بغيره لا يزاحمه في الاستحقاق بطريق العصوبة وكذلك إن كان مع أب الأم العم فهو أولى من العمة في درجة الخالة وقد بينا أن أب الأم مقدم على الخالة فكذلك على العمة ولأن الفاسد معتبر بالصحيح لأن الفاسد لا يمكن أن يجعل أصلا والجد أب الأب مقدم على العم في حقيقة العصوبة فكذلك الجد أب الأم يكون مقدما على العمة فإن ترك أب أب الأم ومعه عمة أو خالة فعندنا العمة والخالة أولى بالميراث لأنها أقرب وذكر أبو عبيد أن على قول أهل

 

ج / 30 ص -24-       التنزيل إذا كان مع أب أب الأم العمة فالعمة أولى وإن كان معه الخالة فعلى قياس قول أبي بكر أب أب الأم أولى بمنزلة الجد والأخت لأنهما يدليان بأب الأم وعلى قياس قول علي وعبد الله وزيد المال بينهما أثلاثا بمنزلة الجد مع الأخت وقال عيسى العمة أولى من أب أب الأم لأنها أقرب ولأن قرابتها قرابة الأب وفي العصوبة تقدم قرابة الأب فأما الخالة إن كانت مع أب أب الأم فأب أب الأم أولى لأنا نقيم الأم مقام الميت فإن اتصالهما جميعا بالميت بالأم ثم أب الأب في العصوبة مقدم على الأخت والاستحقاق بمعنى العصوبة فلهذا قدم أب أب الأم على الخالة والله أعلم بالصواب.

باب الحرقى والغرقى
قال رحمه الله:
اتفق أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وزيد بن ثابت رضي الله عنهم في الغرقى والحرقى إذا لم يعلم أيهم مات أولا أنه لا يرث بعضهم من بعض وإنما يجعل ميراث كل واحد منهم لورثته الأحياء به قضى زيد في قتلى اليمامة حين بعثه أبو بكر لقسمة ميراثهم وبه قضى زيد في الذين هلكوا في طاعون عمواس حين بعثه عمر رضي الله عنه لقسمة ميراثهم وبه قضي زيد في قتلى الحرة وهكذا نقل عن علي رضي الله عنه أنه قضى به في قتلى الجمل وصفين وهو قول عمر بن عبد العزيز وبه أخذ جمهور الفقهاء.
وقد روى عن علي وعبد الله بن مسعود رضي الله عنه في رواية أخرى أن بعضهم يرث من بعض إلا فيما ورث كل واحد منهم من صاحبه ولم يأخذ بهذه الرواية أحد من الفقهاء وجه هذه الرواية أن سبب استحقاق كل واحد منهم ميراث صاحبه معلوم وسبب الحرمان مشكوك فيه لأن سبب الاستحقاق حياته بعد موت صاحبه وقد عرفنا حياته بيقين فيجب التمسك به حتى يأتي بيقين آخر وسبب الحرمان موته قبل موته وذلك مشكوك فيه فلا يثبت الحرمان بالشك إلا فيما ورث كل واحد منهما من صاحبه لأجل الضرورة لأنا حين أعطينا أحدهما ميراث صاحبه فقد حكمنا بحياته فيما ورث من صاحبه ومن ضرورته الحكم بموت صاحبه قبله ولكن الثابت بالضرورة لا يعدو موضع الضرورة وإنما تحققت هذه الضرورة فيما ورث كل واحد منهما من صاحبه ففيما سوى ذلك يتمسك بالأصل فإن هذا أصل كثير في الفقه أن اليقين لا يزال بالشك كمن تيقن الطهارة وشك في الحدث أو عكس ذلك.
فأما وجه القول الآخر أن سبب استحقاق كل واحد منهما ميراث صاحبه غير معلوم يقينا والاستحقاق ينبني على السبب فما لم يتيقن السبب لا يثبت الاستحقاق لأن في الفقة أصل كثير أن الاستحقاق بالشك لا يثبت وبيانه أن سبب الاستحقاق بقاؤه حيا بعد موت مورثه ولا يعلم هذا يقينا وإنما نعرفه بطريق الظاهر واستصحاب الحال لأن ما عرف ثبوته فالظاهر بقاؤه ولكن هذا البقاء لانعدام دليل المزيل لا لوجود المبقي فإنما يعتبر في بقاء ما كان على ما كان لا في استحقاق ما لم يكن كحياة المفقود يجعل ثابتا في نفي التوريث عنه ولا يجعل ثابتا في استحقاق الميراث عن مورثه وبهذا الطريق لا يرث كل واحد منهما من

 

ج / 30 ص -25-       صاحبه ما يرثه عنه فكذلك سائر الأموال وهذا لأن الإرث يثبت بسبب لا يحتمل التحري فإذا تعذر إثباته في البعض يتعذر إثباته في الكل ولا وجه لاعتبار الأحوال هنا لأن ذلك إنما يكون عند التيقن بسبب الاستحقاق وسبب الحرمان والتردد فيما بين الأشخاص كطلاق المتهم في إحدى نسائه إذا لم يدخل بهن فإن سبب الإرث لبعضهن معلوم وهو النكاح وسبب الحرمان لبعضهن معلوم وهو عدم النكاح فتعتبر الأحوال للترد بينهن بعد التيقن بأصل السبب ولا تيقن هنا بسبب الاستحقاق فلا معنى لاعتبار الأحوال.
يوضحه: أن المقضي له والمقضي عليه هنا مجهول واعتبار الأحوال إنما يكون إذا كانت الجهالة في إحدى الجانبين أما في جانب المقضي له أو في جانب المقضي عليه فأما عند وقوع الجهالة فيهما لا يجوز القضاء أصلا ثم يجعل كأنهما ماتا جميعا لأن إسناد موت كل واحد منهما إلى الوقت الذي يمكن إضافة موت الآخر إليه ولا وجه لإثبات تاريخ بين المورثين من غير دليل وكذلك إذا علم أن أحدهما مات أولا ولا يدري أيهما لتحقق التعارض بينهما فيجعل كأنهما ماتا معا إذا عرفنا هذا فنقول أخوان لأب وأم أو لأب غرقا وترك كل واحد منهما ابنة فميراث كل واحد منهما لابنته بالفرض والرد فإن مات الأب والابن تحت هدم أو غرقا أو احترقا أو ترك الأب أبا وابنة وامرأة ولم يترك الابن أحدا غير هؤلاء فنقول أما ميراث الأب فلزوجته منه الثمن ولابنته النصف والباقي للأب وأما ميراث الابن فإن كانت امرأة الأب أم هذا الابن فإنما ترك الابن أما وجدا وأختا وهي مسألة الحرقى وقد بيناها في باب الجد وإن لم تكن المرأة أم الابن فإنما ترك الابن جدا وأختا فعلى قول الصديق ميراثه للجد وعند علي وعبد الله وزيد بين الجد والأخت بالمقاسمة أثلاثا فإن ترك الابن بنتا فنقول أما ميراث الأب فالأب إنما ترك في الحاصل امرأة وابنة وابنة ابن وأبا فللمرأة الثمن وللابنة النصف ولابنة الابن السدس والباقي للأب بالفرض والعصوبة وأما ميراث الابن فإن كانت امرأة الأب أم الابن فإنما ترك ابنة وأما وجدا وأختا فللأم السدس وللابنة النصف والباقي للجد في قول الصديق وفي قول علي للجد السدس والباقي للأخت وفي قول زيد الباقي بين الجد والأخت بالمقاسمة أثلاثا وفي قول عبد الله الباقي بين الجد والأخت نصفين فإن غرق رجل وابنته وترك الرجل أبا وأختا وامرأة وتركت الابنة زوجا فنقول أما ميراث الأب فلامرأته الثمن وللابنة النصف والباقي للأب وأما ميراث الابنة فإن كانت امرأة الأب أمها فإنما تركت زوجا وأما وجدا وأختا وهي مسألة الأكدرية وقد بيناها وإن لم تكن أمها فإنما تركت زوجا وأختا وجدا فللزوج النصف والباقي للجد في قول الصديق وفي قول علي وعبد الله وزيد الباقي بينهما بالمقاسمة أثلاثا وأما بيان الرواية الأخرى عن علي في مسألة الحرقى والغرقى فنقول أخوان غرقا وترك كل واحد منهما أما وابنة ومولى وترك كل واحد منهما تسعين دينارا فتركة الأكبر منهما للأم السدس منها خمسة عشر دينارا وللابنة خمسة وأربعون دينارا ولأخيه ما بقي وذلك ثلاثون.

 

ج / 30 ص -26-       وكذلك يقسم تركة الأصغر ثم بقي من تركة كل واحد منهما ثلاثون دينارا وهو ما ورث كل واحد منهما من صاحبه فلأمه من ذلك السدس خمسة دنانير ولابنته النصف خمسة عشر دينارا والباقي للمولى بالعصوبة لأن كل واحد منهما لا يرث من صاحبه مما ورث صاحبه منه وهذا بيان التخريج والله أعلم بالصواب.

باب مواريث أهل الكفر
قال رضي الله عنه: اعلم بأن الكفار يتوارثون فيما بينهم بالأسباب التي يتوارث بمثلها المسلمون فيما بينهم وقد يتحقق فيما بينهم جهات للإرث لا يرث بها المسلمون من نسب أو سبب أو نكاح ولا خلاف أنهم لا يتوارثون بالأنكحة التي لا تصح فيما بين المسلمين بحال نحو نكاح المحارم بنسب أو رضاع ونكاح المطلقة ثلاثا قبل زوج آخر ويختلفون في التوارث بحكم النكاح في العدة والنكاح بغير شهود فقال زفر لا يتوارثون بهما وقال أبو حنيفة رحمه الله يتوارثون بهما وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله يتوارثون بالنكاح بغير شهود ولا يتوارثون بالنكاح في العدة وهو بناء على اختلافهم في تقريرهم على هذه الأنكحة إذا أسلموا وقد بينا ذلك في كتاب النكاح ثم لا خلاف أن الكافر لا يرث المسلم بحال وكذلك لا يرث المسلم الكافر في قول أكثر الِصحابة وهو مذهب الفقهاء.
وروي عن معاذ ومعاوية رضي الله عنهما قالا يرث المسلم الكافر لقوله عليه الصلاة والسلام:
"الإسلام يعلو ولا يعلى" وفي الإرث نوع ولاية للوارث على المورث فلعلو حال الإسلام لا تثبت هذه الولاية للكافر على المسلم وتثبت للمسلم على الكافر ولأن الإرث يستحق بالسبب العام تارة وبالسبب الخاص أخرى ثم بالسبب العام يرث المسلم الكافر فإن الذمي الذي لا وارث له في دار الإسلام يرثه المسلمون ولا يرث المسلم الكافر بالسبب العام بحال فكذلك بالسبب الخاص والدليل عليه المرتد فإنه يرثه المسلم ولا يرث المرتد من المسلم بحال والمرتد كافر فيعتبر به غيره من الكفار وقال عليه السلام: "الإسلام يزيد ولا ينقص" يعني يزيد في حق من أسلم ولا ينقص شيئا من حقه وقد كان مستحقا للإرث من قريبه الكافر قبل أن يسلم فلو صار بعد إسلامه محروما من ذلك لنقص إسلامه من حقه وذلك لا يجوز وحجتنا في ذلك قوله عليه السلام: "لا يتوارث أهل ملتين بشيء لا يرث المسلم الكافر ولا يرث الكافر المسلم" والكلام من حيث الاستدلال أن الله تعالى قال: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال: 73] هذا بيان نفي الولاية من الكفار والمسلمين فإن كان المراد به الإرث فهو إشارة إلى أنه لا يرث المسلم الكافر وإن كان المراد به مطلق الولاية فقد بينا أن في الإرث معنى الولاية لأنه يخلف المورث في ماله ملكا ويدا وتصرفا ومع اختلاف الدين لا تثبت الولاية لأحدهما على الآخر ألا ترى أنه تبقى الولاية بين من هاجر وبين من لم يهاجر حتى كانت الهجرة فريضة فقال: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا} [الأنفال: 72] فدل ذلك على نفي الولاية بين الكفار والمسلمين بطريق الأولى، وهو الكلام من

 

ج / 30 ص -27-       حيث المعنى فإن الإرث نوع ولاية فالسبب الخاص كما لا يوجب الولاية للكافر على المسلم لا يثبت للمسلم على الكافر يعني ولاية التزويج بسبب القرابة وولاية التصرف في المال وبه فارق التوريث بالسبب العام فإن الأبوية بالسبب العام تثبت للمسلم على الكافر كولاية الشهادة والسلطنة ولا تثبت للكافر على المسلم بحال فكذلك التوريث وهذا بخلاف المرتد فالإرث للمسلم منه يستند إلى حال إسلامه ولهذا قال أبو حنيفة رضي الله عنه إنه يورث عنه كسب إسلامه ولا يورث عنه كسب الردة ولهذا لا يرث هو من المسلم لأنه لا يتحقق معنى الاستناد في جانبه أو لا يرث هو عقوبة له على ردته كما لا يرث القاتل بغير حق من المقتول شيئا ثم المرتد غير مقر على ما اعتقده بل هو مجبر على العود إلى الإسلام فيبقى حكم الإسلام في حقه فيرثه وارثه المسلم باعتبار هذا المعنى ولا يرث هو من أحد شيئا لأن حكم الإسلام إنما يعتبر في حقه فيما لا ينتفع هو به دون ما ينتفع به والمراد بقوله عليه السلام: "الإسلام يعلو ولا يعلى" العلو من حيث الحجة أو من حيث القهر والغلبة فيكون المراد أن النصرة في العاقبة للمؤمنين.
وأما الحديث الآخر قلنا عندنا نفي التوريث يكون محالا به على كفر الكافر لأنه خبيث ليس من أهل أن يجعل المسلم خلفا له فلا يكون هذا النقصان محالا به على إسلام المسلم كالزوج إذا أسلم وامرأته مجوسية يفرق بينهما لأنها خبيثة ليست من أهل أن يستفرشها المسلم إلا أن يكون إسلامه مبطلا ملكه ثم أهل الكفر يتوارثون فيما بينهم وإن اختلفت مللهم فاليهودي يرث من النصراني والنصراني من المجوسي والمجوسي منهما عندنا وهكذا ذكر المزني في المختصر عن الشافعي وروى بعض أصحاب الشافعي أنهم لا يتوارثون إلا عند اتفاق الاعتقاد وهكذا رواه ابن القاسم عن مالك.
وقال ابن أبي ليلى اليهود: والنصارى يتوارثون بينهم ولا يرثهما المجوسي ولا يرثان من المجوسي شيئا فمن قال لا يتوارثون استدل بقوله عليه السلام: "لا يتوارث أهل ملتين بشيء" وهم أهل ملل مختلفة بدليل قوله تعالى:
{وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى} [البقرة: 62] وإنما يعطف الشيء على غيره لا على بعضه فكما أن عطف اليهود على المسلمين دليل على أنهم أهل ملتين فكذلك عطف النصارى على اليهود قال الله تعالى: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة: 120] ومعلوم أن اليهود لا ترضى إلا بأن يتبع اليهودية معهم والنصارى كذلك فعرفنا أن لكل واحد من الفريقين ملة على حدة ولأن النصارى يقرون بنبوة عيسى عليه السلام والإنجيل، واليهود يجحدون ذلك فكان ملة كل واحد منهما غير ملة الآخر كالمسلمين مع النصارى فإن المسلمين يقرون برسالة محمد صلى الله عليه وسلم وبالقرآن، فكانت ملتهم غير ملة النصارى وبه فارقوا أهل الأهواء لأنهم يتفقون على الإقرار بالرسل والكتب وإنما الاختلاف بينهم في تأويل الكتاب والسنة فلا يوجب ذلك اختلافا في الملة فيما بينهم وقد يوجد مثل ذلك فيما بين النصاري كالنسطورية والملكانية واليعقوبية وفيما بين اليهود أيضا كالفرعية والسامرية وغير ذلك.

 

ج / 30 ص -28-       وأما ابن أبي ليلى فقال: إن اليهود والنصارى اتفقوا على دعوى التوحيد وإنما اختلفت نحلهم في ذلك واتفقوا على الإقرار بنبوة موسى عليه السلام والتوراة بخلاف المجوس فإنهم لا يدعون التوحيد وإنما يدعون الاثنين يزدان وأهرمن، ولا يقرون بنبوة موسى ولا بكتاب منزل ولا يوافقهم اليهود والنصارى على ذلك فكانوا أهل ملتين والدليل عليه حل الذبيحة والمناكحة فإن اليهود والنصارى في ذلك كشيء واحد بخلاف المجوس وحجتنا في ذلك أن الله تعالى جعل الدين دينين الحق والباطل فقال الله عز وجل {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الكافرون: 6] وجعل الناس فريقين فقال: {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ} [الشورى: 7] وهم المؤمنون {وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} [الشورى: 7] وهم الكفار بأجمعهم وجعل الخصم خصمين فقال جل جلاله: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} [الحج: 19] يعني الكفار أجمع مع المؤمنين والدليل عليه أنا نسلم أنهم فيما بينهم أهل ملل فيما يعتقدون ولكن عند مقابلتهم بالمسلمين أهل ملة واحدة لأن المسلمين يقرون برسالة محمد صلى الله عليه وسلم وبالقرآن وهم ينكرون ذلك باجمعهم وبه كفروا فكانوا في حق المسلمين أهل ملة واحدة في الشرك وإن اختلفت نحلهم فيما بينهم وكذلك من يعبد منهم صنما ومن يعبد صنما آخر ويكفر كل واحد منهم صاحبه فهم أهل ملة واحدة وإن اختلفت نحلهم فكذلك الكفار بأجمعهم وكانوا في هذا كأهل الأهواء من المسلمين وفي قوله عليه السلام: "لا يتوارث أهل ملتين" إشارة إلى ما بينا فإنه فسر الملتين بقوله لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم ففي تنصيصه على الوصف العام في موضع التفسير بيان أنهم في حكم التوريث أهل ملة واحدة وحل الذبيحة والمناكحة لا يقوى الاستدلال بها فإن المسلمين مع اليهود والنصارى استووا في حكم حل الذبيحة والمناكحة ثم لم يكن دليل على اتفاق الملة بينهم فكذلك اختلاف المجوس مع أهل الكتاب في حل الذبيحة والمناكحة لا يكون دليلا على اختلاف الملة فيما بينهم وكان المعنى فيه أن شرط حل الذبيحة تسمية الله تعالى على الخلوص والكتابي من أهل ذلك لأنهم يظهرون دعوى التوحيد وإن كانوا يضمرون في ذلك بعض الشرك فلتحقق وجود الشرط في حقهم حلت ذبائحهم بخلاف المجوس فإنهم لا يدعون التوحيد فلا تصح منهم تسمية الله تعالى على الخلوص وهو شرط الحل ثم ينقطع التوارث فيما بينهم بسبب اختلاف الدار حقيقة وحكما حتى أن الذمي إذا مات لا يرثه قرابته من أهل الحرب وكذلك لا يرث هو قريبه الحربي لأن الذمي من أهل دار الإسلام وبتباين الدار تنقطع العصمة.
ألا ترى أن عصمة النكاح تنقطع بتباين الدارين حقيقة وحكما فكذلك تنقطع الولاية فينقطع التوارث أيضا باعتبار أن من مات في دار الحرب يجعل في حق من هو من أهل دار الإسلام كالميت وكذلك المستأمن في دار الإسلام لا يجري التوارث بينه وبين الذمي لأنه وإن كان وارثا حقيقة فهو من أهل الحرب حكما حتى يتمكن من الرجوع إلى دار الحرب ولا يترك ليستديم المقام في دار الإسلام ولهذا لا تبين منه زوجته التي في دار الحرب، ويجري

 

ج / 30 ص -29-       التوارث بين هذا المستأمن وبين أقاربه من أهل دار الحرب لهذا المعنى حتى إذا مات يوقف ماله حتى يأتي دارنا فيأخذه لأنا أعطيناه الأمان في ماله ونفسه فبعد موته يبقى حكم الأمان في ماله لحقه لا لحق ورثته التي في دار الحرب لأن اتصال ماله إلى ورثته من حقه فيمنع ذلك صرف ماله إلى بيت المال بخلاف الذمي إذا مات ولا وارث له من أهل الذمة فإن أهل الحرب لا يرثونه شيئا ومال الميت الذي لا وارث له يصرف إلى بيت المال كالمسلم الذي لا وارث له إذا مات وأهل الحرب فيما بينهم لا يتوارثون إذا اختلفت منعتهم وملكهم بخلاف المسلمين فإن أهل العدل مع أهل العدل يتوارثون فيما بينهم لأن دار الإسلام دار أحكام فباختلاف المنعة والملك لا تتباين الدار فيما بين المسلمين لأن حكم الإسلام يجمعهم فأما دار الحرب ليست بدار أحكام ولكن دار قهر فباختلاف المنعة والملك تختلف الدار فيما بينهم وبتباين الدار ينقطع التوارث وكذلك إذا خرجوا إلينا بأمان لأنهم من أهل دار الحرب وأن كانوا مستأمنين فينا فيجعل كل واحد في الحكم كأنه في منعة ملكه الذي خرج منها بأمان بخلاف ما إذا صاروا ذمة فإنهم صاروا من أهل دار الإسلام فيتوارثون فيما بينهم بعد ذلك كما لو أسلموا فإنه يجوز التوارث بينهم وإن اختلفت منعتهم في حالة الكفر والله أعلم بالصواب
فصل في ميراث المجوس
قال عمر وعلي رضي الله عنهما: في المجوسي إذا كان له قرابتان فإنه يستحق الميراث بهما ويكون اجتماع القرابتين في شخص واحد كافتراقهما في شخصين وهو قول علمائنا رحمهم الله وكان بن مسعود رضي الله عنه يقول لا يرث الواحد بالقرابتين وإنما يرث بالأقرب منهما وهكذا يرويه بعض الرواة عن زيد فإن خارجة بن زيد يروي عن أبيه مثل هذا والفرضيون اتفقوا على أن هذه الرواية لا تصح عن زيد وقد حفظت الرواية عنه في ثلاثة أعمام أحدهم أخ لأم أن للأخ لأم السدس بالاخوة والباقي بينهم أثلاثا بالعمومة وإنما يتصور هذا في حق المجوسي بأن يكون للمجوسي ثلاثة بنين للابن الأكبر منهم امرأة فولد له منها ولد ثم مات الأكبر فتزوجها المجوسي فولد له منها ولد ثم مات المجوسي ثم مات الولد الأكبر فقد ترك ثلاثة أعمام أحدهم أخ لام وقد ورثه زيد رضي الله عنه بالسببين جميعا فعرفنا أن مذهبه كمذهب عمر وعلي رضي الله عنهم ومن العلماء من قال إنما يرث أوفر النصيبين ومنهم من قال إنما يرث بالسبب الذي يتحقق مثله فيما بين المسلمين دون السبب الذي لا يتحقق مثله فيما بين المسلمين.
وجه قول من اختار قول ابن مسعود أن توريثه بالسببين يؤدي إلى أن يستحق شخص واحد فرضين مختلفين وذلك لا يجوز.
ألا ترى أن الأخت لأب وأم مع الأخت لأب لا ترث فرضين بالأختية لأم وبالأختية لأب وكذلك الجدة لا ترث فرضين إن كانت جدة من جهتين على ما بينا من أصل أبي

 

ج / 30 ص -30-       يوسف، فإذا كان هذا لا يثبت فيما بين المسلمين مع تحقق السببين فكذلك فيما بينهم بخلاف بن العم الذي هو أخ لأم أو زوج لأن هناك إنما يجمع له بين الفرضية والعصوبة وذلك لا يستقيم كالأب مع الابنة يكون صاحب فرض وعصبة وإنما لا يجوز الجمع بين الفرضين لأن الله تعالى بين نصيب كل صاحب فريضة ففي الجمع بين الفرضين زيادة على ذلك بالسبب الذي ثبت به فريضته نصا وذلك لا يجوز ثم هذا يؤدي إلى أن يكون المرء حاجبا نفسه وذلك ممتنع فإنه إذا تزوج المجوسي ابنته فولد له ولد وللمجوسي ابنة أخرى ثم مات المجوسي ثم مات هذا الولد فقد مات عن أم هي أخته لأبيه وعن أخت أخرى لأب فلو اعتبرنا السببين في حق شخص واحد لكان للأم السدس بالفريضة فتكون حاجبة نفسها من الثلث إلى السدس وذلك لا يجوز.
إذا عرفنا هذا فنقول: لما تعذر توريثه بالسببين رجحنا الأقرب منهما لأن الإرث ينبني على القرب فيقدم الأقرب من الأسباب على أبعدها ومن قال يرث أوفر النصيبين قال الأقل يدخل في الأكثر ومن قال يرث بالسبب الذي يتحقق به التوارث بين المسلمين قال إن هذا السبب ثابت على الإطلاق في حقهم وفي حق المسلمين فلا يعارضه السبب الذي لا يكون ثابتا فيما بين أهل الإسلام.
ألا ترى أنهم لا يتوارثون بالأنكحة التي لا تتحقق فيما بين المسلمين كنكاح المحارم وإن كان لتلك الأنكحة فيما بينهم حكم الصحة حتى يتعلق بها استحقاق النفقة ولا يسقط الإحصان باعتبارها وحجتنا في ذلك قوله تعالى:
{وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} [النساء: 11] وقال عز وجل: {وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} [النسا: 12] والله تعالى جعل سبب الاستحقاق الوصف الذي نص عليه من البنتية والأختية وقد تحقق اجتماع هذين الوصفين في شخص واحد حقيقة وحكما فيثبت له الاستحقاق بهما بمنزلة ما لو تفرق ذلك في شخصين.
ألا ترى أن ابن العم إذا كان زوجا وأخا لأم فإنه يرث بالسببين جميعا ولا معنى للفرق الذي قالوا فإن الاستحقاق بالعصوبة يزيد في فريضة شخص هو صاحب فرض كما أن الاستحقاق بالفرضية يزيد في ذلك ثم لما جاز أن يستحق بالفرضية والعصوبة لاجتماع السببين في حقه فكذلك يجوز أن يستحق بالفرضية باعتبار السببين لما اجتمعا في حقه بخلاف الأخت لأب وأم مع الأخت لأب فهناك ما اجتمع سببان لأن السبب الأختية وبقرابة الأم يتقوى هذا السبب ولا يتعدد وكذلك الجدة فالاستحقاق بهذا الاسم وهو أنها جدة لا يزداد ذلك في حق من كانت جدة من جهتين فأما هنا الاستحقاق بالبنتية والأختية والأمية وهذه الأسباب مختلفة سواء اجتمعت في شخص واحد أو افترقت في أشخاص ولا أثر لكونه شخصا في الاستحقاق باتحاد الشخص لاختلاف الأشخاص في الاستحقاق بهذه الأسباب فأما الأنكحة فنقول إن تلك الأنكحة ليست بثابتة في حكم الإسلام على الإطلاق.

 

ج / 30 ص -31-       ألا ترى أنه لا بقاء لها بعد الإسلام بحال بخلاف الأنساب فإنها ثابتة بحكم الإسلام حتى أنها تبقى بعد الإسلام ولا تنقطع والدليل عليه أن استحقاق الإرث لا يكون بنفس النكاح بل بنكاح صحيح مطلقا ينتهي بالموت ونكاح ذوات المحارم فيما بينهم ليس بهذه الصفة فأما النسب يستحق بها الميراث سواء كان نسبه في الأصل حراما أو حلالا.
ألا ترى أن النسب إذا ثبت بنكاح فاسد أو وطء بشبهة يستحق به التوارث يوضحه: أن لتلك الأنكحة حكم الصحة باعتبار اعتقادهم واعتقادهم معتبر فيما يكون دافعا عنهم لا فيما يكون ملزما بغيرهم وفي الإرث الاستحقاق يثبت ابتداء بطريق الصلة فاعتقادهم لا يصلح حجة في ذلك بخلاف بقاء الإحصان والنفقة فكان ذلك في معنى الدفع عنهم وقد قررنا هذا الفرق في كتاب النكاح إذا عرفنا هذا جئنا إلى بيان المسائل فنقول: مجوسي مات عن أم وابنة هي أخته لأم وصورته فيما إذا تزوج المجوسي أمه فولدت له بنتا ثم مات المجوسي فقد مات عن أم هي زوجته وعن بنت هي أخته لأمه فلا ترث الأم بالزوجية شيئا ولا الإبنة بالأختية لأم لأن الأخت للأم لا ترث مع الإبنة ولكن للأم السدس باعتبار الأمومة، وللابنة النصف والباقي للعصبة فإن لم يكن له عصبة فالباقي رد عليهما أرباعا.
ولو أن مجوسيا تزوج أمه فولدت ابنا وابنة ثم فارقها فتزوجها ابنه فولدت له بنتا ثم مات المجوسي فقد مات عن أم وعن بن وابنة وابنة بن فيكون للأم السدس باعتبار الأمية والباقي بين الابن والابنة للذكر مثل حظ الأنثيين ولا شيء لابنة الابن فإن مات الابن فإنما مات الابن عن زوجة هي جدته أم ابنه وهي أمه وعن ابنة هي أخته لأمه وعن أخت لأب وأم فلا شيء للأم بالزوجية ولا بكونها جدة لأن الجدة لا ترث مع الأم ولكن لها السدس بالأمية وللابنة النصف بالبنتية ولا شيء لها بالأختية لأم وللأخت ما بقي بالعصوبة فإن لم يمت الابن ولكن ماتت الابنة الكبرى فقد ماتت عن أم هي جدتها أم أبيها وعن أخ لأب وأم وعن ابنة أخ هي أختها لأمها فللأم السدس بالأمية لأن معها أخ لأب وأم وأخت لأم وهما يردان الأم من الثلث إلى السدس ولابنة الأخ السدس بالأختية لأم والباقي للأخ لأب وأم بالعصوبة وإن كانت الابنة الصغرى هي التي ماتت فإنما ماتت عن أم هي جدتها أم أبيها وعن عمة هي أختها لأمها وعن أب هو أخوها لأمها فللأم السدس لأن معها أخ وأخت لأم والباقي للأب لأن الأخوة والأخوات لا يرثون شيئا مع الأب ولا شيء للابن بالزوجية ولكن المال بين الابن والبنتين للذكر مثل حظ الأنثيين ولا شيء للذكر باعتبار أنه بن الابن ولا للأنثى باعتبار أنها ابنة الابن.
مجوسي تزوج أمه فولدت له ابنتين فتزوج إحدى ابنتيه فولدت له ابنة ثم مات المجوسي فقد مات عن أم هي زوجته وعن ثلاثة بنات إحداهن زوجته وابنتان هما أختاه لأمه وإحداهن ابنة ابنته فلا شيء للأم بالزوجية ولها السدس بالأمية وللبنات الثلثان بالبنتية ولا شيء للزوجة منهن بالزوجية ولا للأختين بالأختية ولا للثالثة بكونها ابنة ابنته ولكن الباقي للعصبة، فإن

 

ج / 30 ص -32-       لم تكن فهو رد على الأم والبنات على مقدار حقهن فإن ماتت الأم بعد ذلك فقد ماتت عن ابنتى صلب وابنة بن فيكون المال للابنتين بالفرض والرد فإن ماتت بعدها الابنة التي هي زوجته فقد ماتت عن ابنة وأخت لأب وأم فللابنة النصف والباقي للأخت بالعصوبة وإن لم تمت هذه ولكن ماتت الابنة السفلى فإنها ماتت عن أم هي أختها لأبيها، وعن أخت لأب أيضا فيكون للأم السدس بالأمية وللأختين الثلثان بالأختية والباقي للعصبة.
مجوسي تزوج ابنته فولدت له ابنتين فمات المجوسي ثم ماتت إحدى الابنتين فإنما ماتت عن أم هي أخت لأب وعن أخت لأب وأم أيضا فذكر في بعض النسخ أن للأم السدس بالأمية وللأخت لأب وأم النصف وللأم السدس بالأختية لأنا لما اعتبرنا الأختية لأب التي وجدت في الأم لاستحقاق السدس بها صار ذلك كالموجود في شخص آخر فإنما تركت أختين وهما يحجبان الأم من الثلث إلى السدس وفي بعض النسخ قال للأم الثلث بالأختية وللأخت لأب وأم النصف وللأم السدس بالأختية لأب لأن صفة الأختية لأب موجودة في الأم وهي لا تكون حاجبة نفسها فإنما تعتبر القرابة التي فيها للاستحقاق لا للحجب وإذا لم يعتبر ذلك فإنما بقي أخت لأب وأم والأخت الواحدة لا تحجب الأم من الثلث إلى السدس والأول أصح لما بينا أن صفة الأختية الموجودة فيها لما اعتبرت للاستحقاق كانت معتبرة للحجب أيضا بمنزلة الموجود في شخص آخر وما كان من هذا الجنس فطريق تخريجه ما بينا.
فصل في ميراث المرتد
المرتد إذا قتل أو مات أو لحق بدار الحرب فما اكتسبه في حال إسلامه فهو ميراث لورثته المسلمين ترث زوجته من ذلك إذا كانت مسلمة ومات المرتد وهي في العدة فأما إذا انقضت عدتها قبل موت المرتد أو لم يكن دخل بها فلا ميراث لها منه بمنزلة امرأة الفار إنما ترث إذا مات الزوج وهي في العدة وإن كانت قد ارتدت معه لم يكن لها منه ميراث كما لا يرثه أقاربه من المرتدين لما بينا أن المرتد ليس من أهل الولاية فلا يرث أحدا ولأنه جان بالردة وهذه صلة شرعية فالجاني على حق الشرع يحرم هذه الصلة عقوبة عليه كالقاتل بغير حق فإن ارتد الزوجان معا ثم ولدت منه ثم مات المرتد فلا ميراث لها منه وإن بقي النكاح بينهما وأما الولد فإنه إن ولدته لأقل من ستة أشهر منذ يوم ارتد فله الميراث لأنا تيقنا أنه كان موجودا في البطن حين كانا مسلمين فكان محكوما له بالإسلام ثم لا يصير مرتدا بردة الأبوين ما بقي في دار الإسلام فإن حكم الإسلام يثبت ابتداء بطريق تبعيته الدار فلأن يبقى أولى وإذا بقي الولد مسلما كان من جملة الورثة فأما إذا ولدته لأكثر من ستة أشهر منذ يوم ارتد فلا ميراث ولأن النكاح قائم بينهما وإنما يستند العلوق إلى أقرب الأوقات وأقرب الأوقات ما بعد ردتهما.
وإذا علق الولد من ماء المرتد ابتداء يكون مرتدا معهما لأنه إنما يعتبر تبعية الدار في بقاء حكم الإسلام فأما في الابتداء في الدار لا يعارض الأبوين.

 

ج / 30 ص -33-       ألا ترى أن الحربي إذا سبي ومعه الولد الصغير فإنه لا يحكم بالإسلام ابتداء ولا يكون الدار معارضا للأب في الابتداء حكم الإسلام للولد فكذلك هنا.
وإذا كان هذا الولد مرتدا لم يكن من ورثته ثم على قول أبي حنيفة إنما يورث منه ما اكتسبه في حال الإسلام فأما ما اكتسبه في حالة الردة يكون فيئا يوضع في بيت المال وعند أبي يوسف ومحمد كسب الردة يورث عنه ككسب الإسلام وعند الشافعي نصيب كل واحد من الكسبين لبيت المال في أحد القولين بطريق أنه فيء وفي القول الآخر بطريق أنه مال ضائع وقد بينا مسألته في السير الكبير والله أعلم بالصواب.

باب الولاء
قال رضي الله عنه: اعلم بأن الولاء نوعان: ولاء عتاقة وولاء موالاة فصورة ولاء العتاقة أن يعتق الرجل عبدا أو أمة فيصير المعتق منسوبا إلى المعتق بالولاء ويسمى هذا ولاء النعمة وولاء العتاقة وبهذا الولاء يرث الأعلى من الأسفل ولا يرث الأسفل من الأعلى شيئا ويستوي إن كان أعتقه لوجه الله تعالى أو لوجه السلطان أو أعتقه سائبة أو بشرط أن لا ولاء عليه ويستوي إن أعتقه بجعل أو بغير جعل أو بطريق الكتابة.
وقال مالك: أن أعتقه لا لوجه الله تعالى أو بشرط أن لا ولاء له عليه فلا لأن هذه صلة شرعية يعني ميراث المعتق من المعتق فإنما يستحق هذه الصلة من يعتق لوجه الله تعالى فأما المعتق لوجه السلطان جان في قصده فيحرم هذه الصلة والذي يصرح بنفي الولاية يكون مراده لهذه الصلة فلا يكون مستحقا لها ونظيره الرجعة عقيب الطلاق لما كان ثبوته شرعا بطريق النظر لم يثبت عنده التصريح بالحرمة والبينونة فهذا مثله وحجتنا في ذلك أن السبب متحقق مع قصده وشرطه وهذا الإعتاق والحكم يتبع السبب والدليل على أن السبب الإعتاق قوله عليه السلام:
"الولاء لمن أعتق" ومر رسول الله صلى الله عليه وسلم بعبد فساومه ولم يشتره ثم مر بآخر فساومه فاشتراه وأعتقه فقال عليه السلام: "هو أخوك ومولاك"، ولم يستفسره إنه أعتقه لوجه الله تعالى أو أعتقه سائبة ولأن المعنى الذي لأجله يثبت الولاء يختلف بهذه الأسباب وهو أن المعتق مسبب لإحياء المعتق لأن الحرية حياة والرق تلف فإن الحرية تثبت صفة المالكية التي بها امتاز الآدمى من سائر الحيوانات فكان المعتق سببا لإحياء المعتق كما أن الأب سبب لإيجاد الولد فكما أن الولد يصير منسوبا إلى أبيه بالنسب فالمعتق يصير منسوبا إلى معتقه بالولاء وهذا معنى قوله عليه السلام: "الولاء لحمة كلحمة النسب" وإليه أشار الله تعالى في قوله: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ} [الأحزاب: 37] الآية أي أنعم الله عليه بالإسلام وأنعمت عليه بالإعتاق فإن الكافر في معنى الميت قال الله تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ} [الأنعام: 122] فبالإسلام يحيا حكما والرقيق في حكم الهالك فبالعتق يحيا حكما فالمسبب لإحيائه يكون منعما عليه وإذا ثبت أن المعنى الذي لأجله ثبت الولاء لا يختلف باعتبار هذه المعاني قلنا لا يختلف الحكم أيضا ثم الولاء بمنزلة النسب لا يورث عنه ولكن

 

ج / 30 ص -34-       يورث به عندنا وكان إبراهيم النخعي يقول الولاء جزء من الملك يورث عنه كسائر أجزاء الملك قال لأنه ليس للمولى على مملوكه شيء سوى الملك والإعتاق إبطال للملك فلا يجوز أن يكون مثبتا شيئا آخر سواه ولكن يجوز أن يكون مبطلا بعض الملك غير مبطل للبعض فما يبقى يكون جزءا من الملك ولكنا نستدل بقوله عليه السلام: "الولاء لحمة كلحمة النسب" والنسب لا يورث عنه وإنما يورث به ثم الإعتاق إبطال للملك ومع إبطال الملك لا يجوز أن يبقى شيء من الملك ولكنه إحداث القوة المالكية وذلك بمنزلة إحيائه حكما فيعقب ذلك المعنى الولاء بمنزلة النسب.
ثم المروى عن عمر وعلي وابن مسعود وزيد أنهم قالوا الولاء للكبر وزعم بعض العلماء بظاهر هذا اللفظ أن الولاء لا كبر بني المعتق بعده وقال الأكبر قائم مقام الأب في الذب عن العشيرة ورسول الله صلى الله عليه وسلم قدم الأكبر بقوله:
"الكبر" فيقدم أكبر البنين في استحقاق الولاء لهذا والمذهب عندنا أن المراد بالأكبر الأقرب يعني أن أقرب البنين أولى باستحقاق الميراث بالولاء حتى إذا مات المعتق عن بن وبن بن فالولاء للابن خاصة دون ابنه في قول وكذلك إن مات عن بن ابن وبن بن ابن فالميراث بالولاء لابن الابن خاصة لأنه أقرب فإن مات المعتق عن أب وبن فميراثه لابن المعتق خاصة دون أبيه في قول زيد وسعيد بن المسيب وهو قول أبي حنيفة ومحمد وأبي يوسف الأول وفي قول إبراهيم للأب السدس والباقي للابن وهو قول أبي يوسف الآخر لأن استحقاق الولاء بالعصوبة والأب في حكم العصوبة كالابن فإنه ذكر يتصل بالميت بغير واسطة كالابن إلا أن الابن مقدم عليه شرعا في ميراثه لأن الأب لا يصير محروما عن ميراثه لو قدمنا الابن بالعصوبة فإنه يستحق بالفرضية فأولى الوجوه أن يجعل ميراث المعتق كميراث المعتق ويجعل كان المعتق الذي استحق ذلك ثم يخلفه في ذلك أبوه وابنه فيكون مقسوما بينهما أسداسا، وجه قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله أن البنوة في العصوبة مقدمة على الأبوة فما كان الأب مع الابن في حكم العصوبة إلا نظير الأخ مع الأب فإن الأخوة لما كانت دون الأبوة في العصبة لم يكن للأخ من الميراث بالولاء شيء مع الأب وكذلك الأخوة لأب وأم لما كانت مقدمة في العصوبة على الأخ لأب لم يكن للأخ لأب شيء من الميراث بالولاء مع الأخ لأب وأم فأما ميراث المعتق فإنما استحق الأب السدس منه بالفرضية وبالفرضية يستحق الميراث بالولاء.
ألا ترى أن المعتق إذا مات عن بن وابنه لا يكون للابنة من ميراث المعتق شيء لأنها صاحبة فرض وإنما تصير عصبة تبعا للابن ولا تثبت المزاحمة للتبع مع الأصل فيما يستحق بغلبة الأصل فإن أعتقت المرأة عبدا فهي في استحقاق ميراثه بالولاء كالرجل لأن السبب وهو الإعتاق قد تحقق منها وبعد تحقق السبب الرجل والمرأة في الاستحقاق سواء فإن أعتق معتقها عبدا أو أمة فهي تستحق من معتق معتقها ما يستحق الرجل لأن الثاني صار منسوبا إليها بالولاء كالأول على معنى أن الثاني منسوب بالولاء إلى الأول والأول منسوب بالولاء إليها،

 

ج / 30 ص -35-       فلاتحاد سبب الإضافة جعل الثاني كالأول بخلاف ما إذا أعتق أبوها عبدا لأن المعتق منسوب إلى أبيها بالولاء وهي تنسب إلى الأب بالعصوبة لا بالولاء فلما اختلف السبب لم يكن مولى الأب مضافا إليها فلا تكون عصبة له والأصل فيه ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يرث بالولاء من النساء إلا ما أعتقن أو أعتق من أعتقن أو كاتبن أو كاتب من كاتبن أو جر ولاء معتق معتقهن". إذا عرفنا هذا جئنا إلى بيان المسائل فنقول امرأة عتقت عبدا ثم ماتت وتركت ابنا هو من غير قومها وبن عم لها ثم مات المعتق فإن ميراثه لابنها لأنه أقرب عصبة لها ولو جنى جناية كان عقل جنايته على بن العم دون الابن به قضى عمر رضي الله عنه فإن صفية بنت عبد الملك أعتقت عبدا ثم ماتت فاختصم في ولاء معتقها علي والزبير إلى عمر فقال علي أنا أعقل جنايته على ميراثه وقال الزبير مولى أمي فلي ميراثه فقضى عمر بالميراث للزبير وجعل عقل الجناية على علي رضي الله عنهم وكان المعنى فيه أن استحقاق الميراث بالعصوبة والابن مقدم في ذلك على بن العم فأما عقل الجناية فبالتناصر.
ألا ترى أن أهل الديوان يتعاقلون بالتناصر ولا ميراث بينهم ولا عصوبة والتناصر إنما يكون لها ولمولاها بقوم أبيها لا بأبيها فلهذا كان عقل الجناية عليهم.
ولو أن امرأة اشترت عبدا فاعتقته ثم مات المعتق عن ابنه فلها النصف والباقي للمعتقة بالعصوبة لما روي أن ابنة حمزة رضي الله عنها أعتقت عبدا ثم مات المعتق عن ابنة فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ميراثه نصفين: نصفا لابنته ونصفا لابنة حمزة وفيه دليل على أن مولى العتاقة عصبة مقدم على الرد وعلى ذوي الأرحام وقد بينا خلاف ابن مسعود في هذا فإن اشترت المرأة أباها فعتق عليها استحقت ولاءه لأنها صارت معتقة له بالشراء فإن شراء القريب إعتاق فإن مات الأب بعد ذلك كان لها المال نصفه بالفرضية ونصفه بالعصوبة بالولاء وإنما يتبين هذا فيما إذا كان معها ابنة أخرى فإنه يكون لهما الثلثان والباقي للمشترية بالعصوبة خاصة ولو جن الأب جنونا مطبقا كان للمشترية أن تزوجه بولاية الولاء وهذه من أعجب المسائل أن يثبت للابنة على ابنها ولاية التزويج.
ولو أن مملوكا له ابنتان اشتريا الأب فعتق عليهما ثم أن أحديهما مع الأب اشتريا ابنا للأب فعتق عليهما ثم مات الأب فإنما مات عن بن وابنتين فالميراث بينهم للذكر مثل حظ الانثيين ولا شيء للولاء فإن مات الابن بعد ذلك فإنما مات عن اختين وعن ولاء ثابت عليه لشخصين أحدهما ميت وهو الأب والآخر حي فللأختين الثلثان والثلث الباقي يكون نصفين نصفه للمشترية مع الأب ونصفه للأب بالولاء فيكون بين الابنتين نصفان للولاء الثابت لهما على الأب فإن المرأة ترث معتق معتقها بالولاء كما ترث معتقها فيكون أصل الفريضة من ثلاثة ثم يكسر بالإنصاف مرتين فإذا أضعف ثلاثة مرتين يكون اثني عشر فمنه تصح المسألة لهما ثمانية بالأختية وللابنة المشترية سهمان بولاء نفسها وسهمان بولاء الأب بينهما نصفان فإن كن ثلاث بنات اشترى بنتان منهما أباهما ثم إن الأب مع الثالثة التي لم تشتر الأب اشتريا

 

ج / 30 ص -36-       ابنا له ثم مات الأب فقد مات عن بن وثلاث بنات فيكون المال بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين فإن مات الأخ بعد ذلك فإنما مات عن ثلاث أخوات وعن ولاء ثابت عليه لشخصين أحدهما ميت وهو الأب والآخر حي فيكون لهن الثلثان بينهن أثلاثا لا يستقيم والباقي وهو سهم بين الولاء نصفين لا يستقيم ثم نصيب الأب بين الابنتين بالولاء لا يستقيم فتضرب ثلاثة في ثلاثة فتكون تسعة ثم تضعف تسعة مرتين فتكون ستة وثلاثين منه تصح المسألة للبنات الثلثان أربعة وعشرون لكل ابنة ثمانية وللمشترية نصف الباقي بولاء نفسها وذلك ستة وللتين اشتريا الأب النصف الباقي وهو ستة بينهما نصفان فحصل لكل واحدة منهما أحد عشر وللأخرى أربعة عشر فاستقام فإن اشترى الأب مع إحدى الابنتين المشتريتين له ومع الابنة الثالثة الأخ فعتق عليهم جميعا ثم مات الأب ثم مات الأخ بعده فإنما مات عن ثلاث أخوات وعن ولاء ثابت عليه لأشخاص ثلاثة اثنان منهم حيان والثالث وهو الأب ميت فيكون لهن الثلثان بالأختية والثلث الباقي يقسم أثلاثا لكل واحدة من اللتين اشتريا الأخ ثلث هذا الباقي بولاء نفسها وثلث هذا الثلث بين المشتريتين للأب نصفين بولاء الأب فتصح القسمة من ستة وثلاثين أيضا لهن الثلثان والباقي وهو اثنا عشر بينهن أثلاثا فقلت الذي هو نصيب الأب بين المشتريتين له لكل واحدة سهمان فإن اشترى الابنتان أباهما ثم أب الأب مع أحديهما والأخرى التي لم تشتر الأب اشتروا أخا لهما ثم أربعتهن جميعا مع الأب والأخ اشتروا أمهم وهي امرأة الأب ثم مات الابن فإنما مات عن بن وثلاث بنات فيكون الميراث بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين.
فإن قيل: فقد مات عن امرأة أيضا؟ قلت لا كذلك فالنكاح قد فسد حين ملك الأب جزء أمها فإن مات الأخ بعد ذلك فإنما مات عن أم وثلاث أخوات وولاء ثابت عليه لثلاثة نفر اثنان منهم حيان وواحد ميت فيكون للأم السدس وللأخوات الثلثان والباقي وهو السدس يكون بالولاء أثلاثا لكل ابنة ثلثا ذلك بين المشتريتين للأخ والثلث الآخر حصة ولاء الأب من المشتريتين وتستقيم المسألة من ستة وثلاثين أيضا لأن الباقي يقسم أثلاثا وثلثه ينقسم نصفين فيستقيم التخريج منه فإن ماتت الأم بعد ذلك فإنما ماتت عن ثلاث بنات وعن ولاء ثابت عليها لخمسة نفر ثلاثة منهم أحياء واثنان ميتان الأب والابن فيكون للبنات الثلثان وما بقي ينقسم بالولاء أخماسا فانكسر بالأثلاث والأخماس فالسبيل أن تضرب خمسة في ثلاثة فتكون خمسة عشر ثم خمس الثلث الذي هو نصيب الابن ينكسر أثلاثا بالولاء الذي عليه فتضرب خمسة عشر في ثلاثة فتكون خمسة وأربعين منه تصح المسألة للبنات الثلثان ثلاثون وما بقي وهو خمسة عشر ينقسم بالولاء أخماسا لكل بنت ثلاثة باعتبار ولاء نفسهما وثلاثة باعتبار ولاء الابن فيكون مقسوما أثلاثا للمشتريتين للابن مع الأب لكل واحدة سهم وسهم للأب بولاء الابن وثلاثة أسهم له بولاء الأم ثم هذه الأربعة بين المشتريتين للأب نصفين بولائهما عليه لكل واحدة سهمان فحصل لكل واحدة من هاتين مرة عشرة ومرة ثلاثة، ومرة سهمان

 

ج / 30 ص -37-       فذلك خمسة عشر وللتي اشترت الابن مع هذا سهم آخر فذلك ستة عشر وللتي لم تشتر الأب عشرة بالنسب وثلاثة بولاء نفسها وسهم بولاء الابن فذلك أربعة عشر فإذا جمعت بين هذه السهام كانت خمسة وأربعين فاستقام التخرج والله أعلم.
فصل في ولاء الموالاة
قال رضي الله عنه: اعلم أن عقد الموالاة جائز يستحق به الميراث إذا لم يكن هناك أحد من القرابات ولا مولى العتاقة عندنا وهو مذهب عمر وعلي وابن مسعود وابن عباس وابن عمر رضوان لله عليهم أجمعين وعلى قول الشافعي هو باطل لا يستحق به الميراث وهو مذهب زيد وزعم بعضهم أنه قول علي رضي لله عنه أيضا فإن رجلا أتاه يسأله أن يعاقدة عقد الموالاة فاؤه الرجل ابن عباس ووالاه ولكن ايتاء لا يدل على أنه لا يرى جواز هذا العقد وإنما تنبني هذه المسألة على مسألتين إحداهما الوصية بجميع المال ممن لا وارث له صحيح عندنا خلافا له ووجه البناء أن من لا وارث له فإنما يصرف ماله إلى بيت مال المسلمين والموصى له ساواهم في الإسلام وترجح بإيجاب الموصى له فكان هو أولى عندنا فكذلك الذي عاقده عقد الموالاة وعند الشافعي وارث من لا وارث له جماعة المسلمين فكما لا يملك إبطال حق الورثة بالوصية بجميع المال لا يملك إبطال حق جماعة المسلمين.
والثاني: أن أهل الديوان يتعاقلون بينهم عندنا خلافا له فلما كان إثبات الاسم في الديوان سببا لتحمل العقل فكذلك عقد الموالاة يكون سببا لتحمل العقل وإذا كان يتحمل به العقل يورث به أيضا لأن الغرم مقابل بالغنم وعلى سبيل الابتداء الشافعي احتج فقال إن الملك بطريق الوراثة ليس يثبت ابتداء وإنما يثبت على سبيل الخلافة فيبقى للوارث ما كان ثابتا للمورث ولهذا يرد الوارث بالعيب ويصير مغرورا فيما اشتراه مورثه وبالعقد يثبت الملك ابتداء بسبب مقصود إلا أن يبقى ما كان من الملك الأول فلا يمكن إثبات ملكه بطريق الخلافة هنا بعقد الموالاة لأنه عقد باشراه ابتداء ولا يمكن إثبات الملك ابتداء لأن ذلك لا يكون وراثة وهذا بخلاف الوصية فإن ملك الموصى له لا يكون خلفا عن ملك الموصى بل هو ملك ثبت ابتداء ولهذا لا يرد بالعيب ولا يصير مغرورا فيما اشتراه الموصى ولأن أسباب الإرث معلومة شرعا وعقد الموالاة ليس من تلك الأسباب وحجتنا في ذلك قوله تعالى:
{وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} [النساء: 33] يعني نصيبهم من الميراث والمراد عقد الموالاة بدليل ما سبق من قوله عز وجل: {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ} [النساء: 33] فكما أن المراد من ذلك بيان النصيب على سبيل الاستحقاق إرثا على سبيل البر والمعونة ابتداء فكذلك المراد بما جعله معطوفا عليه لأن حكم المعطوف حكم المعطوف عليه وليس المراد بقوله تعالى: {عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 33] القسم بل المراد الصفقة باليمين، فإن العادة أن المتعاقدين يأخذ كل واحد منهما يمين صاحبه إذا عاقده،

 

ج / 30 ص -38-       ويسمى العقد صفقة لهذا وفي حديث تميم الداري رضي الله عنه أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن الرجل ليأتيني فيسلم على يدي ويواليني فقال عليه السلام: "هو أخوك ومولاك فأنت أحق به محياه ومماته" يعني محياه في تحمل عقل الجناية عنه ومماته في الإرث عنه والمعنى في المسألة أن خلافة الوارث الموروث في ملكه إنما كانت على سبيل النظر للمالك فإن الظاهر أن الإنسان يؤثر قرابته على الأجانب في هذه الخلافة ولهذا قدمنا الأقرب على الأبعد لأنه يؤثر الأقرب على الأبعد عادة فما دام هناك أحد من قرابته فقد وجد النظر من الشرع له فوقع الاستغناء عن نظره لنفسه وإذا لم يكن هناك أحد من القرابة فقد وقعت الحاجة إلى نظره لنفسه فإذا فعل ذلك وعقد عقد الموالاة مع إنسان كان ذلك منه تصرفا في خالص حقه على سبيل النظر منه لنفسه فيكون صحيحا بمنزلة الوصية بثلث ماله.
ألا ترى أن مثل هذا النظر منه لنفسه في حال حياته صحيح بتمليك المال من غيره بعوض وبغير عوض فكذلك في إثبات الخلافة لغيره بعد موته والحاصل أن كلام الخصم يرجع كله إلى عدم الدليل فإن إثبات هذه الخلافة بطريق العقد قصدا مشروع بالإتفاق وهو عقد النكاح فكأنه يقول لم يقم الدليل علي أن بعقد الموالاة تثبت الوراثة ونحن نقول بجعل هذا العقد قائما مقام ما ورد به الشرع من الأسباب لإثبات الخلافة بالدليل الذي قلنا ثم بمجرد الإسلام على يدي غيره لا يصير مولى له ما لم يعاقده عقد الموالاة عندنا وقال بعضهم يصير مولى له وإن لم يعاقدة لقوله عليه السلام:
"من أسلم على يد غيره فهو أخوه ومولاه" وفي رواية: "فهو أحق به في حياته ومماته" ولأن في الإسلام معنى الحياة حكما كما في العتق فكما أن المعتق يثبت له الولاء على المعتق باكتساب سبب إحيائه فكذلك الذي دعاه إلى الإسلام تثبت له الولاية عليه باكتساب سبب إحيائه ولكنا نقول في الحديث المروي زيادة فإنه قال عليه السلام: "من أسلم على يد غيره ووالاه" فهذه الزيادة تبين أن بمجرد الإسلام على يده لا يصير مولى له والدليل عليه حديث تميم الداري فإنه قال أن الرجل ليأتيني فيسلم على يدي ويواليني فدل أنه كان معروفا بينهم أن بمجرد الإسلام على يده لا تثبت الولاية عليه وهذا بخلاف ولاء العتق فإن سببه الإعتاق وإنما وجد ذلك من المعتق وهنا سبب حياته الإسلام وهو الذي أسلم بنفسه فلم يكن هذا الذي عرض عليه الإسلام هو المكسب سبب الحياة له فلا يثبت له عليه الولاء ما لم يعاقده إذا عرفنا هذا فنقول: ولاء الموالاة يخالف ولاء العتق في فصول أحدها أن في ولاء العتاقة يرث الأعلى من الأسفل ولا يرث الأسفل من الأعلى وولاء الموالاة إنما يكون على ما يتفقان عليه حتى إذا اتفقا على توريث كل واحد منهما من صاحبه يثبت الحكم من الجانبين والفرق أن ولاء العتاقة سبب الإحياء وذلك إنما يوجد من الأعلى في حق الأسفل ولم يوجد من الأسفل في حق الأعلى وهنا السبب العقد والشرط فعلى الوجه الذي وجد الشرط يثبت الحكم والثاني أن ولاء العتق لا يحتمل النقض والفسخ وولاء الموالاة يحتمل ذلك لأن السبب هناك الإعتاق والإعتاق لا يحتمل النقض

 

ج / 30 ص -39-       بعد ثبوته وثبوت الحكم على وفق السبب وهنا السبب الإيجاب بطريق التبرع وهو محتمل للنقض إلا أنه ينفرد بالفسخ ما لم يعقل عنه وبعد ما عقل عنه الجناية لا تنفرد بالفسخ لأنه ما لم يعقل جنايته فالعقد تبرع والمتبرع يملك الفسخ قبل حصول المقصود بغير رضاء الآخر فأما إذا تحمل عنه جنايته صار العقد معاوضة وأحد المتعاوضين لا ينفرد يفسخ المعاوضة من غير رضا الآخر وكما يملك أن يفسخ العقد يملك أن يتحول بولاية إلى غيره بأن يعاقد غيره عقد الولاء فيفسخ العقد بينه وبين الأول وبعد ما عقل جنايتة لا يملك ذلك.
وكذلك الذي لم يوال أحدا إذا جنى جناية وعقل بيت المال جنايته فإنه لا يملك عقد الموالاة مع أحد بعد ذلك لأنه صار ولاؤه لبيت المال وتأكد ذلك بعقل الجناية فلا يملك إبطاله بخلاف ما قبل أن يعقل بيت المال جنايته.
ومن وجه آخر: الفرق بين هذا وبين ولاء العتاقة أن مولى العتاقة آخر العصبات مقدم على ذوي الأرحام ومولى الموالاة مؤخر عن ذوي الأرحام لأن الشرع أثبت العصوبة لمولى العتاقة بقوله عليه السلام:
"كنت أنت عصبته" والعصبة مقدمة على ذوي الأرحام وهنا الموت هو الذي أوجب هذه الصلة له بعقده فيكون بمنزلة الوصية بجميع ماله وذلك يمتنع لحق ذوي الأرحام كما يمتنع لحق العصبات فكذلك الميراث بهذا الولاء فقلنا ما دام هناك أحد من ذوي الأرحام فلا شيء لمولى الموالاة.
ولو أنه والى رجلا وعاقدة ثم أقر بأخ أو بن عم ثم مات فميراثه لمولى الموالاة لأن إقراره بالأخوة والعمومة باطل فإنه يحمل به النسب على غيره وإقراره ليس بحجة على غيره وأما عقد الموالاة تصرف منه في حق نفسه وهو من أهل التصرف في حق نفسه ابتداء والسبب الباطل لا يزاحم السبب الصحيح وحكم الولد بين رجلين في ميراثه من كل واحد منهما حكم ولد كامل له خاصة يعني أن الجارية بين رجلين إذا جاءت بولد فادعياه حتى ثبت النسب منهما فإنه يرث من كل واحد منهما ميراث بن كامل ويزاحم سائر أولاد كل واحد منهما لأنه بن كامل له لقول عمر وعلي رضي الله عنهما هو ابنهما يرثهما ويرثانه ولأن البنوة لا تحتمل التجزي فإما أن يمتنع ثبوته عند المعارضة أو يتكامل ولم يمتنع ثبوته هنا فعرفنا أنه تكامل في حق كل واحد منهما.
ولو مات هذا الولد فلهما منه جميعا ميراث أب واحد عندنا بينهما نصفان. وقال زفر: لكل واحد منهما ميراث أب كامل لأن الأبوة لا تحتمل التجزي كالبنوة ومن ضرورة كونه ابنا كاملا لكل واحد منهما أن يكون كل واحد منهما أبا كاملا ولكنا نستدل بقوله تعالى:
{وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} [النساء: 11] والمراد ها هنا الأب والأم فهذا تنصيص على أنه يستحق السدس بالأبوة مع الإبن فالقول باستحقاق السدس بالأبوة مع الابن يكون بخلاف هذا النص ولأن الأب في الحقيقة أحدهما وهو المخلوق من مائة منهما فإنا نتيقن أنه غير مخلوق من الماءين، ولكن لأجل المعارضة والمساواة جعلناه منسوبا إليهما، وإذا علمنا أن الأب

 

ج / 30 ص -40-       حدهما قلنا لا يستحق من ماله بالأبوة إلا ميراث أب واحد وهذا بخلاف الابن لأن المعارضة في جانبه لا تتحقق وإنما تتحقق في جانبهما حتى إذا انعدمت المعارضة في جانبهما بأن مات أحدهما ثم مات الابن كان الباقي منه ميراث أب كامل وهو معنى قول عمر وعلي رضي الله عنهما وهو للباقي منهما وهذا لأن المزاحمة لم تبق بعد موت أحدهما فيرثه الآخر ميراث ابن كامل.
رجل وعم له ادعيا ابنة جارية بينهما ثم مات العم وترك أباه فللابنة النصف والباقي للأب بالفرض والعصوبة وإن مات الابن وترك هذه الابنة فلها النصف والباقي للجد في قول أبي حنيفة وإن مات الجد وترك هذه المدعاة وعصبته فلها النصف والباقي للعصبة لأنها ابنة ابنة من وجه وابنة بن ابنة من وجه ولكن الثابت أحد الأمرين لا كلاهما فإما أن نقول بنت الأقرب أو نقول هي لا تستحق إلا النصف سواء كان الثابت أقرب الجهتين أو أبعدهما وإنما أوردنا هذا لبيان أنها ليست تثبت لكل واحد منهما بكماله فإنها لو كانت كذلك لاستحقت الثلثين النصف بكونها ابنة بن والسدس بكونها ابنة بن ابنة فقد بينا فيما سبق أن عند اجتماع السببين في شخص يستحق الميراث بكل واحد منهما وهنا لا يكون لها إلا النصف فعرفنا أن الثابت في الحقيقة أحد السببين وأن الأب أحدهما والله أعلم بالصواب.

باب ميراث القاتل
قال رضي الله عنه: اعلم بأن القاتل بغير حق لا يرث من المقتول شيئا عندنا سواء قتله عمدا أو خطأ. وقال مالك إن قتله خطأ فله الميراث لا من الدية وأما في العمد لا ميراث له لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بأن لا ميراث للقاتل وعن عمر رضي الله عنه قال لا ميراث لقاتل وعن عبيدة السلماني رضي الله عنه لا ميراث لقاتل بعد صاحب البقرة يعني بقرة بني إسرائيل وهو الإشارة إلى المعنى فذلك القاتل قصد استعجال الميراث فصار أصلا أن كل قاتل قصد استعجال الميراث ولو توهم في القتل العمد ذلك منه فإنه يحرم الميراث عقوبة له أورد القصده عليه فهذا المعنى موجود في القتل العمد فأما في الخطأ قال مالك لم يوجد منه القصد إلى قتل مورثه واستعجال الميراث ينبني على ذلك ثم الخاطىء معذور فلا يستحق العقوبة والخطأ موضوع رحمة من الشرع فلا يثبت به حرمان الميراث إلا أنه لا يرث من الدية لأن عاقلته يتحملون عنه الدية فلو ورث من ذلك لتحملوا عنه وذلك لا يجوز وحجتنا في ذلك أن الحرمان جزاء القتل المحظور شرعا والقتل من الخاطىء محظور لأن ضد المحظور المباح والمحل غير قابل للقتل المباح إلا جزاء على جريمة وكما لا يتصور الفعل في غير محل لا يتصور المباح في غير محل الإباحة فقلنا إن هذا القتل محظور ولهذا تتعلق به الكفارة وهي ساترة للذنب ومع كونه موضوعا شرعا لما جاز أن يؤاخذ بالكفارة فكذلك جاز أن يؤاخذ بحرمان الميراث وهذا لأن تهمة القصد إلى الاستعجال قائمة فمن الجائز أنه كان قاصدا إلى ذلك وأظهر الخطأ من نفسه فيجعل هذا التوهم كالمتحقق في حرمان الميراث،

 

ج / 30 ص -41-       وكذلك كل قاتل هو في معنى الخاطىء كالنائم إذا انقلب على مورثه لتوهم أنه كان يتناوم وقصد استعجال الميراث.
وكذلك إن سقط من سطح على مورثه فقتله أو وطىء بدابته مورثه وهو راكبها لأنه مباشر للقتل فإنما مات المقتول بفعله وبتوهم قصده إلى الاستعجال فكان القاضي الجليل رحمه الله يقول الدابة في يد راكبها يسيرها كيف يشاء فهي بمنزلة حجر في يده وخرجه على مورثه فقتله فأما القاتل بسبب كحافر البئر وواضع الحجر في الطريق ومن أخرج ظلة أو جناحا فسقط على مورثه فقتله فإنه لا يحرم من الميراث عندنا وعلى قول الشافعي يحرم الميراث لأنه قاتل بغير حق ودليل كونه قاتلا وجوب الدية على عاقلته بمنزلة الخاطىء ولكنا نقول ليس هنا يوهم القصد إلى الاستعجال لأنه بما أحدث من السبب لم يقصد قتل مورثه ولا يدري أن مورثه يمر في ذلك الموضع ويقع في البئر أو يسقط عليه الجناح ثم حرمان الميراث جزاء مباشرة القتل المحظور وهذا المسبب ليس بقاتل.
ألا ترى أنه لو فعل هذا في ملكه لم يكن مؤاخذا بشيء والقاتل مؤاخذ بفعله سواء كان في ملكه أو في غير ملكه كالرامى ولأن القتل لا يتم إلا بمقتول وقد انعدم المقتول عند الحفر فلا يصير هو بالحفر قاتلا ولا يجوز أن يصير قاتلا عند الوقوع لأن الحافر قد يكون ميتا عند وقوع الواقع في البئر فكيف يكون الميت قاتلا وإذا ثبت أنه ليس بقاتل لم يكن عليه جزاء القتل من حرمان الميراث والكفارة ووجوب الدية عليه لصيانة دم المقتول عن الهدر وذلك لا يدل على أنه قاتل كما أن الدية تجب على العاقلة ولا تدل على أن العاقلة قاتلون.
وأما الصبي والمجنون إذا قتل مورثه لم يحرم الميراث عندنا وعند الشافعي يحرم الميراث لوجود القتل بغير حق وأكثر ما في الباب أن يكون فعلهما كفعل الخاطىء والخاطىء يحرم الميراث فكذلك الصبي والمجنون ولكنا نقول هذا جزاء القتل المحظور وفعلهما لا يوصف بالحظر شرعا لأن الفعل المحظور ما يجب الامتناع عنه بخطاب الشرع وذلك لا يثبت في حقهما ثم حرمان الميراث باعتبار توهم القصد إلى الاستعجال ولا يعتبر بقصد الصبي والمجنون شرعا إذ حرمان الميراث إنما يكون باعتبار تقصير منه في التحرز وذلك يتحقق من الخاطىء لأنه من أهل أن ينسب إلى التقصير ولا يتحقق من الصبي والمجنون فإنهما لا ينسبان إلى التقصير شرعا فأما الأب إذا ختن ولده أو حجمه أو بط قرحة به فمات من ذلك لم يحرم الميراث لأن هذا فعل مباح له شرعا وحرمان الميراث جزاء القتل المحظور فهو وما لو قتل مورثه بحق سواء.
ولو أدب ولده بالضرب فمات من ذلك فعلى قول أبي حنيفة يضمن ديته ويحرم الميراث وعلى قول أبي يوسف ومحمد لا يضمن شيئا ولا يحرم عن الميراث ولو أن المعلم هو الذي ضربه بإذن الأب فمات لم يضمن شيئا بالاتفاق قال رحمه الله وهذا عند أبي حنيفة ترك لقوله قبل هذا من دعوى المناقضة على قول أبي حنيفة وقيل بل هو استدلال على

 

ج / 30 ص -42-       رجوعه عن جوابه في الفصل الأول وهذا هو الأصح فإن المعلم لو أدبه بغير إذن أبيه فمات كان ضامنا فإذا أدبه بإذنه لم يضمن فلما كان لأمره تأثير في إسقاط الضمان عن المعلم عرفنا أنه لا يجب عليه الضمان إذا ضربه بنفسه وهذا لأن التأديب يباح له شرعا كالختان والحجامة ومن حمل المسألة على الاختلاف فوجه قولهما هذا ووجه قول أبي حنيفة لأن الأب إنما يؤدب ولده لمنفعة نفسه وما يباح للمرء شرعا لمنفعة نفسه يتقيد بشرط السلامة كتعزير الزوج زوجته والرمي إلى الصيد والمشي في الطريق وبيان الوصف أن الأب لا يعزر بسوء أدب ولده وإنما يزجره عن ذلك لدفع العار واللوم عن نفسه وبه فارق المعلم فإنه لا يؤدب الصبي لمنفعة نفسه، فإذا صار مباحا له شرعا لم يتقيد عليه بشرط السلامة وبه فارق الختان والحجام لأن ذلك لمنفعة الولد فإن الطهرة به تحصل للولد لا للأب فلهذا لا يتقيد بشرط السلامة بل يجعل فعل الآمر به كفعله بنفسه يوضحه أن الأب يغيظه سوء أدب ولده وربما يحمله الغيظ على المبالغة في تأديبه وترك الاحتياط فلهذا يتقيد بشرط السلامة وهذا المعنى لا يوجد في الختان والحجامة ولا في المعلم إذا أدبه بإذن الأب ثم دية المقتول تكون ميراثا عنه لجميع ورثته كسائر أمواله عندنا ومن الناس من قال ليس للزوج والزوجة من الدية نصيب لأن وجوب الدية بعد الموت والزوجية ترتفع بالموت بخلاف القرابة ولكنا نستدل بحديث الضحاك أن شيبان الكلابي رضي الله عنه قال أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أورث امرأة اشيم الضبابي من عقل زوجها اشيم ولأن الدية مال الميت حتى تقضى بها ديونه وتنفذ منها وصاياه فيرثها عنه من يرث سائر أمواله وإنما استحقاق الميراث باعتبار زوجية قائمة إلى وقت الموت منتهية بالموت لا باعتبار زوجية قائمة في الحال وفي هذا المعنى الدية بمنزلة سائر الأموال إذا عرفنا هذا فنقول ثلاثة إخوة قتل أحدهم أباه عمدا فللباقيين أن يقتلاه لأن السبب الموجب للقود وهو العمد قد تحقق منه ولا نصيب له في ذلك لأن القاتل محروم عن الميراث فإن مات أحد الأخوين الباقيين لم يكن للباقي أن يقتله لأن نصيب الميت من القصاص صار ميراثا بموته بين إخوته والقاتل يرث أخاه لأنه ليس بقاتل له فلا يحرم الميراث عنه وإذا ورث جزأ من القصاص الواجب عليه سقط ذلك وانقلب نصيب الآخر مالا فعليه ثلاثة أرباع الدية في ماله للأخ الباقي في ثلاث سنين.
ألا ترى أنه لو عفا أحدهما انقلب نصيب الآخر مالا فكذلك إذا سقط جزء من القصاص عن القاتل باعتبار أنه ملكه بالميراث.
ولو أن أخوين وأختا لأب وأم قتل أحد الأخوين الأم عمدا والزوج وارث معهم وهو أبوهم فللأخ الباقي والأخت والزوج أن يقتلوا القاتل لأن القاتل محروم عن ميراث أمه بالقتل وإن لم يقتلوه حتى مات الأخ الباقي فللأخت والزوج أن يقتلا القاتل لأن الأخ الباقي مات عن أخت وأخ وأب فيكون نصيبه للأب والأخت ولا شيء للأخ من نصيبه فلا يرث القاتل شيئا من القصاص بموت أخيه فإن مات الأب بعد ذلك لم يكن للأخت أن تقتله، لأن

 

ج / 30 ص -43-       نصيب الأب من القصاص صار ميراثا بين القاتل وأخته فلا يكون محروما عن ميراثه ويكون لها عليه نصف الدية لأن الأب كان ورث من امرأته الربع وهو ثلاثة من اثني عشر وما بقي وهو تسعة بين الأخ والأخت أثلاثا للأخ ثلثاه ستة وللأخت ثلاثة فلما مات الأخ صار نصيبه للأب فإنما مات الأب عن تسعة فيكون ذلك بين الابن والابنة أثلاثا للابن ستة وللابنة ثلاثة فعرفنا أنه اجتمع للأخت ستة من اثني عشر وذلك النصف فلهذا كان لها عليه نصف الدية ولو أن أخوين وأختا قتل أحد الأخوين أباهم وقتل الآخر أمهم فإن قاتل الأم يقتل قاتل الأب مع الأخت ولا يقتله قاتل الأب لأنه كان مستوجبا للقصاص وللأم من ذلك نصيب فلما قتل الآخر الأم صار بعض ذلك ميراثا منها لقاتل الأب لأنه ليس بقاتل للأم فلهذا سقط عنه القصاص وقاتل الأم قد لزمه القصاص ولم يسقط عنه شيء من ذلك بملكه فيقتل قصاصا ويغرم قاتل الأب للأخت ثمانية وثلاثين سهما من اثنين وسبعين سهما من الدية لأن الأب خلف امرأة وابنا وابنة فتكون القسمة من أربعة وعشرين للمرأة ثلاثة وللابن أربعة عشر وللابنة تسعة فحين قتل الآخر الأم فنصيبها ميراث بين قاتل الأب والابنة أثلاثا فحصل للابنة ثمانية ثم لما قتل قاتل الأم قصاصا صار نصيبه وهو أربعة عشر ميراثا بين الأخ والأخت أثلاثا وهو لا يستقيم فتضرب أربعة وعشرين في ثلاثة فتكون اثنين وسبعين وكان للابنة ثمانية مضروبة في ثلاثة فذلك أربعة وعشرون وكان الذي لا يستقيم بينها وبين الابن أربعة عشر مضروبة في ثلاثة فتكون اثنين وأربعين لها من ذلك الثلث أربعة عشر فإذا ضممت أربعة عشر إلى أربعة وعشرين تكون ثمانية وثلاثين فلهذا قال يغرم لها ثمانية وثلاثين سهما من اثنين وسبعين سهما من الدية ويبطل عنه ما سوى ذلك ستة بالميراث عن أمه وثمانية وعشرون بالميراث عن أخيه والله أعلم بالصواب.

باب ميراث الحمل
قال رضي الله عنه: اعلم بأن الحمل من جملة الورثة إذا علم بأنه كان موجودا في البطن عند موت المورث وانفصل حيا وإنما يعلم وجوده في البطن إذا جاءت به لأقل من ستة أشهر منذ مات المورث لأن أدنى مدة الحمل ستة أشهر وإن جاءت به لأكثر من ستة أشهر فلا ميراث له إذا كان النكاح قائما بين الزوجين وإن كانت معتدة فحينئذ إذا جاءت به لأقل من سنتين منذ وقعت الفرقة بموت أو طلاق فهو من جملة الورثة وإن جاءت به لأكثر من ستة أشهر منذ مات المورث فإنما يرث إذا انفصل حيا وطريق معرفة ذلك أن يستهل صارخا أو يسمع منه عطاس أو يتحرك بعض أعضائه بعد الانفصال فإن خرج بعضه فتحرك قلنا إن خرج أكثره فتحرك عضو من أعضائه دليل على أنه حي وإن خرج أقله فكذلك لا يكون دليل كونه حيا وإنما شرطنا وجوده في البطن عند موت المورث لأن الوراثة خلافة والمعدوم لا يتصور أن يكون خلفا عن أحد فأدنى درجات الخلافة الوجود.
فإن قيل: الخلافة لا تتحقق الا باعتبار صفة الخلافة لان الميت لا يكون خلفا عن الميت

 

ج / 30 ص -44-       وأنتم لا تعتبرون ذلك بل تقولون وإن كان نطفة في الرحم عند موت المورث فإنه يكون من جملة الورثة ولا حياة في النطفة.
قلنا: نعم تلك النطفة في الرحم ما لم تفسد فهي معدة للحياة ولأن يكون منها شخص حي فيعطي لها حكم الحياة باعتبار المآل كما يعطى للبيض حكم الصيد في وجوب الجزاء على المحرم إذا كسره وإن لم يكن فيه معنى الصيدية ولهذا قلنا بأن اعتاق ما في البطن صحيح والوصية له صحيحة وإن كانت نطفة في الرحم باعتبار الحال ولكن يعتبر المآل فكذلك هنا يعتبر المآل فكذلك يكون من جملة الورثة ولما جعلنا الجنين في البطن كالمنفصل في منفعة المالكية بالإرث اعتبارا لمآله فكذلك النطفة تجعل كالنفس الحية باعتبار المآل ثم الأصل أن العلوق يستند إلى أقرب الأوقات إلا في موضع الضرورة لأن المتيقن به ذلك وفي حال قيام النكاح لا ضرورة فاستندنا إلى أقرب الأوقات وذلك ستة أشهر فأما بعد ارتفاع النكاح بنا حاجة إلى إسناد العلوق إلى أقرب الأوقات لإثبات النسب وإذا أسندنا إلى ذلك الوقت فقد حكمنا بأنه كان موجودا في البطن عند موت المورث وعلى هذا الأصل لو قال لأمة لها زوج أنت حرة فجاءت بولد لستة أشهر أو أقل فإن ولاء الولد لمولى الأم لأنه كان موجودا عند اعتاق الأم فصار مقصودا بالعتق وإن جاءت به لأكثر من ستة أشهر فولاؤه لموالي الأب لأنه لو لم يكن موجودا عند اعتاق الأم بتيقن فيكون هو في حكم الولاء تبعا ولو كان الزوج طلقها تطليقتين ثم أعتقها مولاها فجاءت بولد لأقل من سنتين من وقت الطلاق فإن الولد يكون مولى لموالي الأم لأنا حكمنا بكونه وقت الإعتاق حين أثبتنا نسبه من الزوج فيصير الولد مقصودا بالعتق وإنما شرطنا في التوريث انفصال الولد حيا لأن حاله عند موت المورث لا يمكن معرفته حقيقة ولكن إذا انفصل حيا كان ذلك دليلا للحياة يومئذ وتحركه في البطن غير معتبر لكون تحرك البطن محتملا قد يكون من الريح وقد يكون من الولد أما إذا انفصل واستهل فهو دليل حياته وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"إذا استهل الصبي ورث وصلي عليه" وكذلك روي عن علي رضي الله عنه والعطاس دليل حياته بمنزلة الاستهلال وتحرك بعض الأعضاء كذلك، وإذا كان الخارج بعضه فنقول إن كان الخارج هو الأكثر فحكم الأكثر حكم الكل وكأنه خرج كله ثم خرج بعض أعضائه وإن كان الخارج أقله فكأنه لم يخرج منه شيء بعد إذ الأقل تبع للأكثر بدليل حكم النفاس ثم اختلفت الروايات في مقدار ما يوقف للحمل من الميراث فروى بن المبارك عن أبي حنيفة انه يوقف للحمل نصيب أربع بنين وروى هشام عن أبي يوسف أنه يوقف للحمل ميراث ابنين وهو قول محمد وذكر الخصاف عن أبي يوسف أنه يوقف له ميراث بن واحد وهذا هو الأصح وعليه الفتوى وفي رواية بن المبارك لا اعتبار بما يتوهم لأن قسمة الميراث لا تكون إلا باعتبار المتيقن ولم ينقل عن المتقدمين أن امرأة ولدت أكثر من أربع بنين وفي رواية هشام قال ولادة المرأة أربع بنين في بطن واحد اندر ما يكون فلا ينبني الحكم عليه وإنما ينبني على ما يكون في العادة وهو ولادة اثنين في بطن

 

ج / 30 ص -45-       واحد. وفي رواية الخصاف: فإن النادر لا يعارض الظاهر والعام الغالب أن المرأة لا تلد في بطن واحد إلا ولدا واحدا فعلى ذلك ينبني الحكم ما لم يعلم خلافه إذا عرفنا هذا فنقول رجل مات وترك ابنا وأم ولد حامل فعلى رواية بن المبارك إنما يدفع إلى الابن خمس المال ويجعل كان الحمل أربع بنين وعلى رواية هشام يدفع إلى الابن ثلث المال ويجعل كأن الحمل اثنان وعلى رواية الخصاف يدفع إلى الابن نصف المال ويجعل كان الحمل بن واحد ثم سائر الورثة مع الحمل لا يخلو حالهم أما أن يكون الوارث مع الحمل ممن لا تتغير فريضته بالحمل أو ممن تتغير فريضته بالحمل ولا يخلو إما أن يكون ممن يسقط في بعض الأحوال أو ممن لا يسقط فإن كان ممن لا تتغير فريضته بالحمل فإنه يعطى فريضته حتى إذا ترك امرأة حاملا وجدة فللجدة السدس لأنها لا تتغير فريضتها بهذا الحمل وكذلك إذا ترك امرأة حاملا فإنه تعطى المرأة الثمن لأنها لا تتغير فريضتها بهذا الحمل.
ولو ترك امرأة حاملا وأخا أو عما لا يعطي الأخ والعم شيئا لأن من الجائز أن يكون الحمل ابنا فيسقط معه الأخ والعم ولا يعطي من يرث مع الحمل إلا القدر المتيقن به لأن التوريث في موضع الشك لا يجوز فإذا كان ممن تتغير فريضته بالحمل فالمتيقن له أقل النصيبين فلا يعطى إلا ذلك وإذا كان ممن يسقط بحال فاصل الاستحقاق له مشكوك فلهذا لا يعطي شيئا ثم إن كان الأقل كنصيب سائر الورثة أن يجعل الحمل ذكرا يجعل ذكرا وإن كان الأقل كنصيب سائر الورثة أن يجعل الحمل اثني يجعل اثني فإنما يوقف للحمل أوفر النصيبين ولا يعطي سائر الورثة إلا الأقل احتياطا.
بيان ذلك في امرأة ماتت وتركت زوجا وأما وهي حامل من أبيها فإن الحمل يجعل انثى على الروايات كلها لأنا لو جعلنا الحمل ذكرا كان للزوج النصف كاملا ثلاثة من ستة وللأم الثلث سهمان والباقي وهو سهم للأخ وإذا جعلنا الحمل انثى فعلى رواية بن المبارك الحمل بمنزلة أربع أخوات وعلى رواية هشام الحمل بمنزلة أختين فيكون لهما الثلثان وتعول المسألة بسهمين للزوج ثلاثة وللأم السدس وللأختين أربعة ولا شك أن ثلاثة من ثمانية دون ثلاثة من ستة وكذلك على رواية الخصاف لأنا إذا جعلنا الحمل انثى فالقسمة من ثمانية للزوج ثلاثة وللأم سهمان فإن الأخت الواحدة لا تحجب الأم من الثلث إلى السدس وللأخت ثلاثة فتكون القسمة من ثمانية فلهذا جعلنا الحمل انثى ويوقف لها ثلاثة من ثمانية فإن ولدت ابنة فالموقوف يكون لها وتبين صحة القسمة وإن ولدت ابنا فقد بطلت القسمة الأولى وإن ولدت ابنتين انتقصت القسمة ويسترد من الأم أحد السهمين فيكون للأختين وإنما يقسم المال من ستة للزوج النصف ثلاثة وللأم الثلث سهمان والباقي وهو سهم للأخ بالعصوبة.
فإن ترك ابنا وامرأة حاملا فولدت الحامل ولدين أحدهما ذكر والآخر أنثى واستهل أحدهما ولم يستهل الآخر أو لا يدري أيهما استهل بأن كان ليلا أو لكثرة الزحمة لم يعلم من

 

ج / 30 ص -46-       استهل منهما والتخريج في هذه المسألة أن نقول هنا حالتان فإن كان الذي استهل منهما الابن فإنما ترك الرجل ابنين وامرأة فتكون القسمة من ستة عشر للمرأة سهمان ولكل بن سبعة ثم مات أحد الإخوة الاثنين عن أخ وأم فللأم الثلث والباقي للأخ وقسمة سبعة أثلاثا لا يستقيم فتضرب ستة عشر في ثلاثة فيكون ثمانية وأربعين للأم ستة بالميراث من الزوج ولكل بن أحد وعشرون ثم لها سبعة من ابنها فيكون لها ثلاثة عشر وللابن خمسة وثلاثون وإن كان الذي استهل الابنة فإنما مات الرجل عن بن وابنة وامرأة فتكون القسمة من أربعة وعشرين للمرأة ثلاثة وللابنة سبعة ثم ماتت الابنة عن أم وأخ وقسمة سبعة بينهما أثلاثا لا تستقيم فنضرب أربعة وعشرين في ثلاثة فتكون اثنين وسبعين للمرأة تسعة وللابنة أحد وعشرون وللابن اثنان وأربعون ثم قد ورثت الأم من الابنة سبعة فيكون لها في الحاصل ستة عشر وللابن ستة وخمسون إلا أن بين ستة عشر وستة وخمسين موافقة بالنصف فيقتصر على الثمن من كل واحد منهما وثمن ستة عشر اثنان وثمن ستة وخمسين سبعة فذلك تسعة فتكون القسمة بينهما في هذه الحالة على تسعة وفي الحالة الأولى للأم ثلاثة عشر وللابن خمسة وثلاثون ولا موافقة بينهما في شيء إلا أن بين تسعة وبين ثمانية وأربعين وهو جملة السهام في الحالة الأولى موافقة بالثلث فيقتصر على الثلث من أحدهما ويضرب في جميع الآخر وذلك أما ستة عشر في تسعة أو ثلاثة في ثمانية وأربعين فيكون ذلك مائة وأربعة وأربعين ثم ضعف ذلك لأن الحالة حالتان فيكون مائتين وثمانية وثمانين منه تصح القسمة كان للأم سهمان من تسعة ضربناها في ستة عشر فيكون اثنين وثلاثين ثم أضعفنا فيكون أربعة وستين فهو نصيب الأم وكان للابن سبعة ضربنا ذلك في ستة عشر فتكون مائة واثنا عشر ثم أضعفنا ذلك فيكون أربعة وعشرين فهو نصيب الابن فاستقام التخريج ومتى انفصل الحمل ميتا لا يرث إذا انفصل بنفسه فأما إذا انفصل بسبب فهو من جملة الورثة وبيانه إذا ضرب إنسان بطنها فألقت جنينا ميتا فهذا الجنين من جملة الورثة لأن الشرع أوجب على الضارب الغرم ووجوب الضمان بالجناية على الحي دون الميت فإذا حكمنا بحياته كان له الميراث وبعد عنه نصيبه كما يورث عنه بدل نفسه وهو الغرة والله أعلم بالصواب.
فصل في ميراث المفقود
قال رضي الله عنه
: وإنما ألحقنا هذا الفصل بما سبق لاستواء حالهما فالمفقود متردد الحال بين الحياة والموت كالجنين في البطن ثم الأصل فيه أن المفقود يجعل حيا في ماله ميتا في مال غيره حتى لا يورث عنه ماله ولا يقسم بين ورثته ما لم يعلم موته ولا يعطى له ميراث أحد من قرابته إذا مات قبل أن يتبين حاله ولكن يوقف نصيب المفقود كما يوقف نصيب الحمل لأن حياته كانت معلومة وما علم ثبوته فالأصل بقاؤه إلا أن الحكم بحياته باعتبار استصحاب الحال فهو حجة في إبقاء ما كان على ما كان وليس بحجة في إثبات ما لم يكن ثابتا لأن ثبوته لانعدام الدليل المزيل لا لوجود الدليل المنفي فنقول في مال نفسه يجعل

 

ج / 30 ص -47-       حيا لإبقاء ما كان على ما كان وفي مال غيره لا تثبت حياته لأن الحاجة إلى استحقاق الميراث لدفع استصحاب الحال لا يكفي لذلك ثم اختلفت الروايات أنه متى يحكم بموته فعلى ظاهر الرواية قال إذا لم يبق أحد من أقرانه وفي رواية الحسن عن أبي حنيفة إذا مضى من مولده مائة وعشرون سنة وفي رواية أخرى مائة سنة وقد بينا هذا في كتاب المفقود.
ثم إذا وقف نصيبه من ميراث غيره فإن ظهر حيا أخذ ذلك وإن لم يظهر حاله حتى حكم بموته لم يستحق شيئا مما وقف له بمنزلة الحمل إذا انفصل حيا استحق الميراث وإن انفصل ميتا لم يستحق شيئا فإذا مضت مدة يعلم أنه لا يعيش إلى تلك المدة فإنه يحكم بموته ويقسم ميراثه بين ورثته وإنما يعتبر من ورثته من يكون باقيا في هذه الحالة ولا يرثه أحد ممن مات قبل هذا شيئا لأنه إنما يحكم بموته في هذه الحالة وشرط التوريث بقاء الوارث حيا بعد موت المورث فلهذا لا يرثه إلا من كان باقيا من ورثته حين حكم بموته والله أعلم بالصواب.

باب المناسخة
قال رحمه الله: وإذا مات الرجل ولم تقسم تركته بين ورثته حتى مات بعض ورثته فالحال لا يخلو أما أن يكون ورثة الميت الثاني ورثة الميت الأول فقط أو يكون في ورثة الميت الثاني من لم يكن وارثا للميت الأول ثم لا يخلو أما أن تكون قسمة التركة الثانية وقسمة التركة الأولى سواء أو تكون قسمة التركة الثانية غير الوجه الذي هو قسمة التركة الأولى ثم لا يخلو إما أن تستقيم قسمة نصيب الميت الثاني من تركة الميت الأول بين ورثته من غير كسر أو بكسر فإن كانت ورثة الميت الثاني هم ورثة الميت الأول ولا تغيير في القسمة فإنه يقسم قسمة واحدة لأنه لا فائدة في تكرار القسمة بيانه إذا مات وترك بنين وبنات ثم مات أحد البنين أو إحدى البنات ولا وارث له سوى الإخوة والأخوات فإن قسمة التركة بين الباقين على صفة واحدة للذكر مثل حظ الأنثيين فيكتفى بقسمة واحدة بينهم وأما إذا كان في ورثه الميت الثاني من لم يكن وارثا للميت فإنه تقسم تركة الميت الأول أولا ليتبين نصيب الثاني ثم تقسم تركة الميت الثاني بين ورثته فإن كان يستقيم قسم نصيبه بين ورثته من غير كسر فلا حاجة إلى الضرب وبيانه فيما إذا ترك ابنا وابنة فلم تقسم التركة بينهما حتى مات الابن وخلف ابنة وأختا فإن تركة الميت الأول تقسم أثلاثا ثم مات الابن عن سهمين وترك ابنة وأختا فللابنة النصف والباقي للأخت بالعصوبة مستقيم ولا ينكسر وإن كان لا يستقيم قسمة نصيب الثاني بين ورثته فإما أن يكون بين سهام فريضته موافقة بجزء أو لا يكون بينهما موافقة فإن كان بينهما موافقة بجزء فإنه يقتصر على الجزء الموافق من سهام فريضته ثم يضرب سهام فريضة الأول في ذلك الجزء فتصح المسألة من المبلغ ومعرفة نصيب كل واحد من ورثة الميت الأول أن تضرب نصيبه في الجزء الموافق من فريضة الميت الثاني ومعرفة نصيب كل واحد من ورثة الميت الثاني أن تضرب نصيبه في الجزء الموافق من نصيب الميت

باب من متشابه النسب
قال رضي الله عنه: ولو أن رجلين ليست بينهما قرابة تزوج كل واحد منهما أم الآخر فولدت كل واحدة منهما غلاما فقرابة ما بين الغلامين أن كل واحد منهما عم الآخر، لأمه ولا يرث واحد منهما من صاحبه شيئا أن مات وله عصبة وإن تزوج كل واحد منهما ابنة الآخر والمسألة بحالها فقرابة ما بين الغلامين أن كل واحد منهما بن خال الآخر فلا يرث مع أحد من العصبات فإن تزوج أحدهما أم الآخر وتزوج الآخر ابنته فولد لكل واحد منهما غلام فقرابة ما بينهما أن بن المتزوج بالأم خال بن الذي تزوج الابنة وعمه وبن الذي تزوج الابنة بن أخت الذي تزوج الأم وبن أخيه لأمه فلا يرث واحد منهما من صاحبه شيئا لأن العم لأم وبن الأخ لأم من جملة ذوي الأرحام فلا يرثون مع أحد من العصبات.
ولو أن رجلا تزوج امرأة وزوج ابنتها من ابنه فولد لكل واحد منهما غلام فقرابة ما بين الغلامين أن أب الذي تزوج الأم عم بن الابن الذي تزوج الابنة وخاله وابن الابن بن أخ الأب وبن أخته فأيهما مات ورث صاحبه هنا من قبل العم من الأب عصبته وكذلك ابن الأخ لأب عصبة فإذا كان كل واحد منهما عصبة صاحبه من أحد الوجهين كان وارثا له فإن تزوج الأب الابنة وتزوج الابن الأم فولدت كل واحدة منهما غلاما فقرابة ما بين الولدين أن ابن الأب عم ابن الابن وابن أخته وابن الابن خال ابن الأب وابن أخته فأيهما مات ورثه صاحبه بالعصوبة.

 

ج / 30 ص -48-       الثاني من تركة الميت الأول فما بلغ فهو نصيبه وإن لم يكن بينهما موافقة بشيء فالسبيل أن تضرب سهام فريضة الميت الأول في سهام فريضة الميت الثاني فتصح المسألة من المبلغ ومعرفة نصيب كل واحد من ورثة الميت الأول أن تضرب نصيبه في فريضة الميت الثاني فما بلغ فهو نصيبه.
ومعرفة نصيب كل واحد من ورثة الميت الثاني أن تضرب نصيبه في نصيب الميت الثاني من تركة الميت الأول فما بلغ فهو نصيبه وبيانه عند الموافقة أن يخلف الرجل ابنا وابنة ولم يقسم تركته حتى مات الابن عن ابنة وامرأة وثلاثة بني بن ففريضة الميت الأول من ثلاثة ثم مات الابن عن سهمين وخلف امرأة وابنة وثلاثة بني بن فتكون فريضته من ثمانية للمرأة الثمن سهم وللابنة النصف أربعة والباقي وهو ثلاثة بين بني الابن إلا أن قسمة سهمين على ثمانية لا تستقيم ولكن بين سهمين وثمانية موافقة بالنصف فيقتصر في فريضة الميت الثاني على النصف وهو أربعة ثم تضرب فريضة الميت الأول وهو ثلاثة في فريضة الميت الثاني وهو أربعة فيكون اثني عشر منه تصح المسألة ومعرفة نصيب الابن من فريضة الميت الأول أن تضرب نصيبه وذلك سهمان في الجزء الموافق من فريضة الميت الثاني وهو أربعة فتكون ثمانية ومعرفة نصيب الابنة من فريضة الميت الثاني أن تضرب نصيبها وهو أربعة في الجزء الموافق من نصيب الميت الثاني من تركة الميت الأول وهوسهم فيكون أربعة ومعرفة نصيب المرأة أن تضرب نصيبها وهو سهم في هذا الجزء الموافق أيضا وهو سهم فيكون لها سهما واحدا والباقي وهو ثلاثة بين بني الابن لكل واحد منهم سهم.
وبيان المسألة عند عدم الموافقة أن نقول رجل مات عن ابن وابنة ولم تقسم تركته حتى مات الابن عن بن وابنة ففريضة الميت الأول ثلاثة ثم مات الابن عن سهمين وفريضته أيضا ثلاثة وقسمة سهمين على ثلاثة لا تستقيم ولا موافقة في شيء فتضرب الفريضة الأولى في الفريضة الثانية وذلك ثلاثة في ثلاثة فتكون تسعة ومعرفة نصيب الابن أنه كان نصيبه من تركة الأول سهمين تضربهما في الفريضة الثانية وهو ثلاثة فيكون ستة ومعرفة نصيب بن الميت الثاني أن تضرب نصيبه وذلك سهمان في نصيب الميت الثاني من تركة الميت الأول وذلك سهمان أيضا فتكون أربعة ومعرفة نصيب ابنة الميت الثاني أن تضرب نصيبها وذلك سهم في نصيب الميت الثاني من تركة الميت الأول وذلك سهمان فيكون لها سهمين وللابن أربعة فكذلك إن مات بعض ورثة الميت الثاني قبل قسمة التركة على ورثته فهو على التقسيمات التي بينا وإن كان في ورثة الميت الثالث من لم يكن وارثا للأولين، فالسبيل أن تجعل فريضة الأولين كفريضة واحدة بالطريق الذي قلنا ثم تنظر إلى نصيب الميت الثالث من تركة الأولين فإن كان يستقيم قسمته بين ورثته من غير كسر قسمته بينهم وإن كان لا يستقيم نظرت فإن كان بين نصيبه من التركتين وبين فريضته موافقة بجزء فتقتصر على الجزء الموافق من فريضته ثم تضرب فريضته الأولى والثانية في ذلك الجزء فتصح المسألة من المبلغ، ومعرفة نصيب الميت

 

ج / 30 ص -49-       الثاني من تركة الأولين أن تضرب نصيبه في الجزء الموافق من سهام فريضته فما بلغ فهو نصيبه ومعرفة نصيب كل واحد من ورثة الميت الثالث أن تضرب نصيبه في الجزء الموافق من نصيب الميت الثالث من تركة الأولين فما بلغ فهو نصيبه وإن لم يكن بينهما موافقة بشيء ضربت مبلغ الفريضتين في سهام الفريضة الثالثة فتصح المسألة من المبلغ ومعرفة نصيب الميت الثالث أن تضرب نصيبه في نصيب فريضته فما بلغ فهو نصيبه من التركتين ومعرفة نصيب كل واحد من ورثته أن تضرب نصيبه في نصيب الميت الثالث من التركتين فما بلغ فهو نصيبه وبيان هذا أن تقول رجل مات وترك ابنين فلم تقسم تركته حتى مات أحدهما عن ابنة وعن تركة الميت الأول وهو أخ ثم ماتت الابنة عن زوج وأم وعن تركة الميت الأول وهو عمها ففريضة الميت الأول من سهمين فإنما مات أحد الابنين عن سهمين وفريضته من سهمين أيضا للابنة النصف والباقي للأخ وقسمة سهم على سهمين لا تستقيم فتضرب اثنين في اثنين فتكون أربعة ثم ماتت الابنة عن زوج وأم وعم فتكون فريضتها من ستة للزوج النصف وللأم الثلث سهمان والباقي للعم وقسمة سهم على ستة لا تستقيم ولا موافقة في شيء فتضرب أربعة في ستة فتكون أربعة وعشرين منه تصح المسألة نصيب الابن من الميت الأول اثنا عشر ومن الميت الثاني ستة فيكون ثمانية عشر ونصيب الابنة ستة يضرب نصيبها وهو سهم في فريضتها وهو ستة ومعرفة نصيب الزوج أن يضرب نصيبه وهو ثلاثة في نصيب الميت الثالث من الفريضة الأولى وذلك سهم فيكون ثلاثة أسهم فللأم سهمان وما بقي وهو سهم فهو للعم وأما عند وجود الموافقة فصورته فيما إذا ترك امرأة وأما وثلاث أخوات متفرقات فماتت الأم وتركت زوجا وعما ومن تركه الميت الأول وهما الابنتان فاخت الأول لأب وأم وأخته لأم ابنا الميت الثاني وأخته لأبيه أجنبية عنها ثم لم تقسم التركة حتى ماتت الأخت لأب وأم وتركت زوجا وابنة ومن تركه الميت الأول والثاني وهما الأخت لأب وأم والأخت لأم فالسبيل أن تصحح فريضة الميت الأول فيكون أصله من اثني عشر للمرأة الربع ثلاثة وللأم السدس سهمان وللأخت لأب وأم النصف ستة وللأخت لأب السدس سهمان وللأخت لأم السدس سهمان فتعول بثلاثة فتكون القسمة من خمسة عشر ثم ماتت الأم عن سهمين وتركت زوجا وعما وابنتين ففريضتها من اثني عشر للزوج الربع ثلاثة وللبنتين الثلثان ثمانية والباقي للعم وهو سهم واحد وقسمة سهمين على اثني عشر لا تستقيم ولكن بينهما موافقة بالنصف فيقتصر على الجزء الموافق وذلك ستة ثم تضرب الفريضة الأولى وهي خمسة عشر في ستة فتكون تسعين ومعرفة نصيب الأم أنه كان نصيبها سهمين يضرب ذلك في ستة فيكون اثني عشر بين ورثتها مستقيم ثم ماتت الأخت لأب وأم وتركت زوجا وابنة وأختا لأم وأختا لأب ففريضتها من أربعة للزوج الربع سهم وللابنة النصف سهمان وللأخت لأب الباقي سهم فتكون القسمة من أربعة ثم ننظر إلى نصيبها من التركتين فنقول كان لها من التركة الأولى ستة ضربناها في ستة فتكون ستة وثلاثين وكان لها من التركة الثانية أربعة ضربناها في الجزء الموافق من نصيب

 

ج / 30 ص -50-       الأم من تركة الأولى وهو سهم فكان أربعة فيكون نصيبها من التركتين أربعين وقسمة أربعة على أربعين تستقيم.
ولو مات وترك ابنين وأبوين فمات أحد الابنين عن ابنة ومن تركه الميت الأول وهو أخ وجد وجدة فنقول فريضة الميت الأول من ستة للأبوين السدسان والباقي وهو أربعة بين الابنين ثم مات أحد الابنين عن سهمين وخلف ابنا وجدا وجدة وأخا فالفريضة من ستة للابنة النصف ثلاثة وللجدة السدس سهم والباقي وهو سهمان بين الجد والأخ فالمقاسمة نصفان في قول زيد وقسمة السهمين على ستة لا تستقيم ولكن بينهما موافقة بالنصف فيقتصر على النصف وهو ثلاثة ثم تضرب الفريضة الأولى وذلك ستة في ثلاثة فتكون ثمانية عشر منه تصح المسألة ومعرفة نصيب الميت الثاني أن تأخذ نصيبه من تركه الأول وذلك سهم تضربه في الجزء الموافق من فريضته وذلك ستة فتكون ستة ومعرفة نصيب ابنته أن تضرب نصيبها وهو ثلاثة في الجزء الموافق من نصيب الميت الثاني وذلك سهم فيكون ذلك ثلاثة فهو لها وللجدة سهم والباقي بين الأخ والجد نصفان بالمقاسمة.
رجل مات وترك امرأة وابنتين له منها وأبوين فماتت إحدى الابنتين عن زوج ومن تركه الميت الأول وهو جدها أب أبيها وجدتها أم أبيها وأختها لأب وأم ففريضة الميت الأول أصلها من أربعة وعشرين وقسمتها من سبعة وعشرين وهي المنبرية ثم ماتت إحدى الابنتين عن ثمانية أسهم وإنما تقسم فريضتها من ستة في الأصل للزوج النصف ثلاثة وللأم الثلث سهمان وللجد السدس سهم وللأخت النصف ثلاثة تعول بثلاثة فتكون من تسعة ثم ما أصاب الجد والأخت يقسم بينهما أثلاثا فتضرب تسعة في ثلاثة فتكون سبعة وعشرين منه تصح المسألة ولا موافقة بين سبعة وعشرين وبين ثمانية في شيء فالسبيل أن تضرب الفريضة الأولى في الفريضة الثانية فتصح المسألة من المبلغ والطريق في التخريج ما بينا.
رجل مات وترك امرأة وأبوين وثلاث أخوات متفرقات فلم تقسم تركته حتى ماتت الأم وخلفت من خلف الميت الأول فلم تقسم التركة حتى مات الأب وخلف امرأة ومن خلف الميت الأول فلم تقسم التركة حتى ماتت الأخت لأب وأم وخلفت زوجا ومن خلفه الأولون فلم تقسم التركة حتى ماتت الأخت لأب وخلفت زوجا وابنتين ومن خلفه الأولون فلم تقسم التركة حتى ماتت الأخت لأم وخلفت زوجا وثلاث بنات وأبوين فنقول قوله خلفت الأخت لأم زوجا وثلاث بنات وأبوين غلط وقع من الكاتب لأنه ذكر في وضع المسألة أن الأم ماتت أولا فكيف يستقيم قوله بعد ذلك خلفت أبوين وإنما الصحيح خلفت أبا وزوجا وثلاث بنات ثم وجه التخريج أن فريضة الميت الأول من اثني عشر سهما للمرأة الربع ثلاثة وللأم السدس سهمان والباقي وهو سبعة أسهم للأب ولا شيء للأخوات ثم أن الأم ماتت عن زوج وابنتين فإن الأخت لأب وأم والأخت لأم ابنتاها فلهما الثلثان والربع للزوج وأصله من اثني عشر إلا أن بين نصيبها وهو سهمان وبين سهام فريضتها موافقة بالنصف فيقتصر على النصف وهو

 

ج / 30 ص -51-       ستة، ثم تضرب اثني عشر في ستة فيكون اثنين وسبعين وكان لهما سهمان ضربناه في ستة فيكون اثني عشر للزوج ثلاثة وكان له من الفريضة الأولى سبعة ضربناها في ستة فيكون اثنين وأربعين فحصل له من التركتين خمسة وأربعون ثم مات الأب عن امرأة وابنتين وهما الأخت لأب وأم والأخت لأب فتكون فريضته من أربعة وعشرين لا يستقيم ولكن بينهما موافقة بالثلث فيقتصر على الثلث وهو ثمانية ثم تضرب اثنين وسبعين في ثمانية فيكون خمسمائة وستة وسبعين وهكذا تعبيره في تركة كل ميت فيعتبر الاقتصاد والضرب إلى أن ينتهي الحساب إلى تسعة وثلاثين ألفا وثلاثمائة واثني عشر فمن ذلك تصح المسألة والله أعلم بالصواب.

باب طلاق المريض
قال رضي الله عنه: وإنما تنبني مسائل هذا الباب على من طلق امرأته ثلاثا في مرضه ثم مات وهي في العدة فإنها ترث بحكم الفرار وقد تقدم بيان هذه المسائل في كتاب الطلاق والذي زاد هنا أن الفرقة متى وقعت بسبب باشره بن المريض بأن قبلها بشهوة أو جامعها وهي مكرهة ثم مات المريض وهي في العدة فإنها ترثه لأنه إذا وقعت الفرقة بايقاع الطلاق جعلنا النكاح كالقائم بينهما في حكم الميراث باعتبار أن الزوج قصد ابطال حقها عن ميراثه فرد عليه قصده ويكون لها الميراث إذا مات الزوج قبل انقضاء العدة فإن مات بعد انقضاء العدة أو كان ذلك قبل الدخول فلا ميراث لها بمنزلة ما لو كان الزوج هو الذي طلقها.
ولو كان للأب امرأة أخرى والمسألة بحالها لم ترث هذه المبانة شيئا لأنه لا يتحقق هنا قصد من جهة الابن فإن ميراث النساء يستوي في استحقاقه المرأة الواحدة والثنتان فيبقى جميع ذلك مستحقا عليه للمرأة الأخرى وإن اكتسب سبب الفرقة بين الأب وبين هذه فإذا انتفت التهمة لم تجعل العدة قائمة مقام النكاح في بقاء ميراثها كما لو كان فعل ذلك في صحة الأب وإن كان من المرأتين جميعا عن شهوة معا بغير رضاهما فلهما الميراث إذا مات الأب قبل انقضاء عدتها لأن تهمة القصد هنا موجودة.
ولو وطىء إحداهما ثم الأخرى مكرهتين فلا ميراث للأولى وللثانية الميراث لأن القصد منه إلى إبطال ميراث النساء غير موجود حين وطىء الأولى وهو موجود وحين وطىء الثانية ولو وطئها بن ابنه وهي مكرهة حين وقعت الفرقة بينهما فإن كان ابنه حيا فلا ميراث للمرأة لأن بن الابن ليس بوارث الجد في هذه الحالة فلا تتحقق منه تهمة القصد وإن كان أبوه ميتا وكان بن الابن وارثا فحينئذ لها الميراث لوجود تهمة القصد وكذلك لو كان الابن فعل ذلك وهو غير وارث بأن كان كافرا أو رقيقا لم يكن لها الميراث لأن تهمة القصد هنا لم تتحقق فإن كان وطئها وهو غير وارث ثم صار وارثا بالسبب الذي كان قائما وقت الوطء بأن كان رقيقا فعتق أو كافرا فاسلم أو فعله بن الابن والابن حي ثم مات الابن فإنها ترثه لأن تهمة القصد باعتبار كون المكتسب لسبب الفرقة وارثا والميراث إنما يثبت عند الموت فيعتبر حالة الموت وإن كان الابن فعل ذلك وهو مجنون أو صبي لم يكن لها الميراث، لأن حكم الفرار باعتبار

 

ج / 30 ص -52-       تهمة القصد، وذلك ينبني على قصد معتبر شرعا وليس للصبي والمجنون قصدا معتبرا شرعا فلا يثبت حكم الفرار بفعلهما كما لا يثبت حكم حرمان الميراث بقتل باشره الصبي والمجنون والله أعلم بالصواب.

باب ما يسأل عنه من المتشابه في غير ولاء مجوسي
قال رضي الله عنه: ولو أن رجلا سئل عن رجل مات وترك خال بن عمته وعمة بن خاله فالسبيل لك أن تقول له خال بن عمة أخرى وعمة بن خال آخر غير هذا الأول فإن قال لم يكن له عمة ولا خال غير هذا فقل الميراث بينهما أثلاثا فإن خال بن عمته أبوه وعمة بن خاله أمه لأن خال بن عمته هو أخو عمته وأخو عمته أبوه وعمة بن خاله هي أخت أخي أمه فهي أمه إذا لم يكن سواهما فلهذا كان للأب الثلثان وللأم الثلث فإن سئل عن خال وعم فورث الخال دون العم فقل ورث الخال لأنه خال أم بسبب آخر فإن قال لأنه خال فهذا لا يتصور إلا أن يكون في العم ما يحرمه من رق أو كفر وإن قال لا أبين فقل إن الخال هو بن أخ الميت وكانت صورة هذه المسألة في أخوين لأب تزوج أحدهما أم أم أخته والنكاح صحيح لأنه لا قرابة بين هذين فإن ولدت له ابنا فهذا الابن بن أخ الآخر وخاله لأنه أخ أمه فإنه بن جدته ولكنه بن أخي الميت وبن الأخ في الميراث بالعصوبة مقدم على العم فإن سئلت عن رجل ورثه سبعة إخوة وأخت المال بالسوية فهذا رجل تزوج امرأة وتزوج أمها ابنه فولدت منه سبع بنين فصار بنوه إخوة امرأة أبيه ثم مات الرجل وبقي أبوه حيا ثم مات الأب فإنما مات عن امرأة وسبع بني بن فللمرأة الثمن والباقي بين بني الابن بالسوية وهم إخوتها لأمها فقد ورث لكل واحد منهم ثمن المال بهذا الطريق فإن سئلت عن أخوين لأب وأم ورث أحدهما المال من رجل دون الآخر فقل لعل في الآخر مانعا من رق أو كفر فإن قال لا مانع فقل إن الميت بن أحدهما أو زوجة أحدهما فهو الذي يرثه دون أخيه فإن سئلت عن أخوين لأب وأم ورث أحدهما ثلاثة أرباع المال والآخر الربع فقل هذه امرأة لها ابنا عم تزوجها أحدهما ثم ماتت فللزوج النصف والباقي بينهما نصفين فحصل للزوج منها ثلاثة أرباع المال وللآخر الربع فإن قال ورث أحدهما الثلثين والآخر الثلث فقل هذه امرأة لها ابنا عم أحدهما أخوها لأمها والآخر زوجها فللأخ لأم السدس وللزوج النصف والباقي بينهما نصفان فتكون القسمة من ستة للزوج النصف ثلاثة وللأخ لأم السدس سهم والباقي وهو سهمان بينهما نصفان فحصل لأحدهما ثلث المال وللآخر الثلثان فإن قالوا كانوا ثلاث إخوة فورث أحدهم الثلثين وورث اثنان منهم سدسا فقل هذه امرأة لها ثلاث بني عم وهم إخوة فتزوجها أحدهم ثم ماتت فصار للزوج النصف وما بقي فبينه وبين الإخوة أثلاثا فصار له الثلثان ولكل واحد منهما السدس.
فإن سئلت عن رجل وأخوين ورثوا المال للرجل الثلث ولأحد الأخوين النصف والآخر السدس فقل هذه امرأة لها ابنا عم أحدهما أخوها لأمها والآخر الذي ليس أخاها لأمها له أخ

 

ج / 30 ص -53-       لأم وليس بابن عم لها وهو زوجها فماتت فصار لزوجها النصف ولابن العم الذي هو أخوها لأمها السدس وما بقي فبين ابني عميها اللذين أحدهما أخوها لأمها نصفين فحصل لأختها لأمها الثلث ولابن عمها الآخر السدس وهو أخ هذه الابنة ولزوجها النصف وهو أخ هذا أيضا لأمه فإن سئلت عن رجل وأخته ورثا المال فصار للرجل سبعة أثمان المال ولأخته الثمن فقل هذا رجل تزوج أم امرأة أبيه فولدت منه غلاما ثم مات الرجل ثم مات أبوه فصار لامرأته الثمن وما بقي فللغلام لأنه بن ابنه وهو أخ المرأة لأمها.
فإن سئلت عن رجل وابنة ورثا المال نصفين فقل هذه امرأة تزوجها بن عمها وعمها حي ثم ماتت فصار لزوجها النصف وما بقي لأب الزوج وهو العم.
فإن سئلت عن رجل وابنته ورثا المال نصفين فقل هذه امرأة تزوجت بن عمها فولدت منه ابنة ثم ماتت المرأة فصار لابنتها النصف ولزوجها الربع وما بقي فللزوج أيضا لأنه عصبتها.
فإن سئلت عن رجل وأمه ورثا المال نصفين فهذا رجل زوج ابنته من بن أخيه فهو عصبته.
فإن سئلت عن رجل وامرأتيه ورثوا المال أثلاثا فقل هذا رجل زوج ابنتي ابنيه بن أخيه ثم مات ولا وارث له غيرهم فصار لابنتي الابنين الثلثان وما بقى فلابن أخيه وهو زوجهما.
فإن سئلت عن رجل ورثه ثلاث نسوة المال أثلاثا إحداهن أم الأخرى فقل هذا رجل زوج بن ابنه ابنة بن ابن آخر له فولدت له بنتا ثم مات بن ابنه فهاتان الابنتان إحداهما أم الأخرى ثم مات الرجل وله أخت فصار لهما الثلثان والباقي للأخت بالعصوبة.
فإن سئلت عن امرأة وابنها وبن ابنها ورثوا المال ثلاثا فقل هذا رجل زوج ابنة ابنه بن ابن له آخر فولدت له ابنتان ثم مات بن الابن فهاتان الابنتان إحداهما أم الأخرى ثم تزوج بن أخ له ابنة بن ابن الميت فولدت له ابنا ثم مات بن أخيه ثم مات الرجل وترك ابنتي ابنيه فلهما الثلثان وإحداهما أم الأخرى وما بقي فلابن الابنة لأنه ابن ابن أخيه وهو عصبته.
فإن سئلت عن رجل ورثه سبعة عشر امرأة ماله بالسوية فقل هذا رجل مات وترك ثمان أخوات لأب وأم وأربع أخوات لأم وثلاث نسوة وجدتان فللأخوات لأب وأم الثلثان ثمانية من اثني عشر وللأخوات لأم الثلث وهو أربعة وللنسوة الربع وهو ثلاثة وللجدتين السدس سهمان فتعول بخمسة فتكون القسمة من سبعة عشر لكل واحدة منهن سهم.
فإن سئلت عن رجل ترك عشرين دينارا فورثه امرأة من ذلك دينارا واحدا فقل هذا رجل ترك أختين لأب وأم وأختين لأم وأربع نسوة فللأختين لأب وأم الثلثان ثمانية من اثني عشر وللأختين لأم الثلث أربعة وللنسوة الربع ثلاثة فتكون القسمة من خمسة عشر للنسوة من ذلك ثلاثة فلا يستقيم بين أربعة فاضرب خمسة عشر في أربعة فتكون ستين للنسوة من ذلك اثنا عشر لكل واحدة منهن ثلاثة واثنا عشر من ستين فهو الخمس في الحاصل وخمس عشرين دينارا أربعة دنانير بينهن لكل واحدة منهن دينار.
فإن سئلت عن امرأة ورثت أربعة أزواج لها واحدا بعد آخر صار لها نصف أموالهم

 

ج / 30 ص -54-       جميعا وصار للعصبة النصف فقل هذه امرأة تزوجها أربع إخوة واحدا بعد واحد وبعضهم ورثة بعض معها وكان جميع مالهم ثمانية عشر دينارا لزوجها الأول ثمانية دنانير وللثاني ستة دنانير وللثالث ثلاثة وللرابع دينار فإنما مات زوجها الأول عن ثمانية دنانير فلها الربع وذلك ديناران وما بقي من إخوته وهم ثلاثة لكل واحد دينار فصار لصاحب الستة ثمانية ولصاحب الثلاثة خمسة ولصاحب الدينار ثلاثة ثم تزوجها الثاني فمات عنها فيكون لها الربع ثلاثة وعن أخوين فيكون لها الربع من تركته وذلك ديناران وما بقى وهو ستة بين أخويه لكل واحد ثلاثة فصار للذي كان له خمسة ثمانية وللذي كان له ثلاثة ستة ثم تزوجها الثالث فمات عنها وعن أخ فورثته الربع وهو ديناران وصار ما بقي لأخته وهو ستة فحصل للأخ اثنا عشر دينارا ثم تزوجها الرابع فمات عنها فيكون لها الربع ثلاثة والباقي وهو تسعة للعصبة فقد ورثت هي من الثلاثة ستة دنانير من كل واحد دينارين ومن الرابع ثلاثة فصار لها تسعة وهو نصف ما لهم وللعصبة النصف.
ولو أن رجلا جاء إلى قوم وهم يقتسمون ميراثا فقال لهم لا تعجلوا بقسمة هذا الميراث فإن لي امرأة غائبة فإن كانت حية ورثت ولم أرث وإن كانت ميتة ورثت ولم ترث فهذه امرأة ماتت وتركت أختين لأب وأم وأما وأخا لأب وهو متزوج بأخت لها لأمها فصار للأختين الثلثان وللأم السدس فإن كانت الأخت من الأم حية فلها السدس الباقي ولا شيء للأخ لأب لأنه عصبة ولم يبق من أصحاب الفرائض شيء وإن كانت ميتة فالسدس الباقي للأخ لأب لأنه عصبة وهذا الذي جاء إليهم فقال ما قال فإن قال إن كانت امرأتي حية ورثت ولم ترث وإن كانت ميته لم أرث أنا ولا هي فهذه امرأة ماتت وتركت جدها أب أبيها وزوجها وأمها وأخا لها لأمها وهو متزوج أختها لأمها فصار للزوج النصف فإن كانت الأخت من الأم حية كان للأم السدس والثلث الباقي بين الجد والأخ نصفين بالمقاسمة فيرث في هذه الحالة وإن كانت الأخت من الأم ميتة كان للزوج النصف وللأم الثلث وللجد السدس وسقط الأخ فلا يرث في هذه الحالة شيئا لأنه لا ينقص الجد عن السدس.
فإن جاءت امرأة وقالت: لا تعجلوا بقسمة هذا الميراث فإني حبلى فإن ولدت ولدا حيا ورث معكم غلاما كان أو جارية فإن هذا رجل مات أبوه قبله ولأبيه سرية فمات الرجل بعد ابنه وله امرأة وابنة وعم فقالت سريته لا تعجلوا فإني إن ولدت غلاما كان أخا للميت وكان عصبته فكان الباقي له دون العم وكذلك أن ولدت جارية لأنها أخت الميت لأب والأخت مع الابنة عصبة فكان الباقي لها دون العم فإن قالت إن ولدت غلاما ورث وإن ولدت جارية لم ترث فهذا رجل مات أخوه وله سرية حبلى ثم مات هو وترك ابنتين وعما فقالت سريته لهم ذلك فهي إن ولدت غلاما كان ابن أخ الميت فهو أولى بالعصوبة من العم وأن ولدت جارية كانت ابنة أخ الميت فلا ترث شيئا والباقي للعم بالعصوبة فإن قالت أن ولدت غلاما لم يرث وإن ولدت جارية ورثت فهذه امرأة ماتت عن زوج وأم وأختين لأم وسرية ابنها حبلى وهي التي

 

ج / 30 ص -55-       قالت له ذلك فإن ولدت جارية كانت أختا لأب فيكون لها النصف وإن ولدت غلاما لم يرث شيئا لأنه عصبة ولم يبق من أصحاب الفرائض شيء فلا شيء له فإن قالت أن ولدت غلاما لم يرث وإن ولدت جارية لم ترث وإن ولدتهما جميعا ورثا فهذا رجل مات أبوه وله سرية حبلى ثم مات الرجل وترك أمه وأختا لأب وأم وجد فسرية أبيه أن ولدت غلاما كان أخا للابن فكان للأم السدس وما بقي بين الجد والأخ والأخت للذكر مثل حظ الانثيين ثم يرد الأخ من الأب على الأخت من الأب والأم ما في يديه حتى يستكمل النصف ولا يبقي له شيء فإن الفريضة من ستة للأم السدس سهم وللجد اثنان وللأخ من الأب اثنان وللأخت من الأب والأم واحد ثم يرد الأخ ما في يده على الأخت حتى يسلم لها النصف ثلاثة ويخرج بغير شيء وأن ولدت جارية كان للأم السدس وما بقي بين الجد والأخت من الأب والأم والأخ من الأب للذكر مثل حظ الانثيين ثم ردت الأخت من الأب على الأخت من الأب والأم ما في يدها ولم ترث شيئا وأن كانت هي ولدت غلاما وجارية كانت الفريضة من ثمانية عشر سهما للأم السدس ثلاثة وللجد ثلث ما بقي خمسة فإن ذلك خير له من المقاسمة وبقي عشرة للأخت لأب وأم منها كمال النصف تسعة والباقي وهو سهم بين الأخ والأخت من الأب للذكر مثل حظ الأنثيين أثلاثا فيرثان جميعا في هذه الحالة وهذا قول زيد رضي الله عنه فإن قالت الحبلى أن ولدت غلاما ورث وورثت وأن ولدت جارية لم أرث ولم ترث فهذا رجل زوج بن ابنة ابنه ابنة بن ابن له آخر ثم مات بن ابنة ابنه وابنة بن ابنه حبلى من بن ابنه ابنه ثم مات الرجل وترك ابنه وعصبته فجاءت ابنة بن ابنه هذه فقالت ما قالت فهي أن ولدت جارية لم يكن لها ولا للجارية شيء لأن ابنتى الميت قد أحررتا الثلثين فريضة البنات فلا شيء لمن دونهما من البنات ولكن الباقي للعصبة وإن ولدت غلاما ورثت هي وهو لأنها ابنة بن ابن الميت وابنها بن ابن بن الميت فتصير هي عصبة به وكان الباقي بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين وأن قالت هذه الحبلى أن ولدت جارية ورثت أنا وهي وأن ولدت غلاما لم أرث أنا ولا هو فهذه امرأة تزوج بن ابنها ابنة بن ابنها ثم مات بن ابنها وابنة بن ابنها حبلى ثم ماتت المرأة وتركت زوجها وابنتها وأبويها فجاءت الحبلى وقالت ما قالت فهي إن ولدت غلاما لم يرث هو ولا هي لأن لابنة الميت النصف ولأبويها السدس وللزوج الربع فقد عالت الفريضة ولم يبق لهما شيء فإنها صارت عصبة بالذكر في درجتها فإن لم يبق من أصحاب الفرائض شيء فلا شيء للعصبة وإن ولدت جارية كان لابنة الميت النصف ولهذه مع ابنتها السدس تكملة الثلثين لأنهما ابنتا بن ابن وللأبوين السدسان وللزوج الربع فكانت الفريضة من خمسة عشر سهما فإن قالت لا تعجلوا فإني حبلى فإن ولدت غلاما حيا وجارية ميتة ورثت أنا والغلام وإن ولدت جارية حية وغلاما ميتا لم يرث واحد منا فهذا رجل له ابنتان وابنة بن ابن قد تزوجها بن ابن له آخر ثم مات بن ابنه ثم مات الرجل وترك ابنتيه وابنة ابنه وهي حبلى من بن ابنه فهي إن ولدت غلاما حيا وجارية ميتة صارت هي عصبة بالغلام فورث الغلام وهي ما بقي للذكر مثل حظ الأنثيين،

 

ج / 30 ص -56-       وإن ولدت جارية حية وغلاما ميتا لم يرث واحد منهما شيئا لأن الابنتين قد أحرزتا فريضة البنات وكان الباقي للعصبة والله أعلم بالصواب.

باب السؤال في بنات الابن والإخوة
قال رضي الله عنه: قد بينا أكثر مسائل هذا الباب في العويص في ميراث الأولاد والإخوة والجدات فلا نعيد ها هنا شيئا مما ذكرنا وإنما نذكر ما لم نذكره ثمة فنقول رجل ترك ثلاثة بنات بن بعضهن أسفل من بعض مع كل واحدة منهن عمة أو عمة عمها قال رضي الله عنه اعلم بأن أهل الكوفة يجيبون في هذه المسائل بأكثر مما يكون من العدد وأقرب ما يكون من النسب وأهل المدينة يجيبون فيها بأقل مما يكون من العدد وأقرب ما يكون من النسب وما ذهب إليه أهل الكوفة رحمهم الله أولى لأن فيه تصحيح كلام السائل بأصله ووصفه وفيما ذهب إليه أهل المدينة ألغى بعض كلام السائل لأن ذلك يؤدي إلى العبارة عن شخص واحد بعبارات وذلك تكرار محض لا فائدة فيه وفيما ذهب إليه أهل الكوفة ألغى صفة كلامه وهو صفة الوراثة لبعضهم فإنه إذا حمل على أبعد ما يكون من النسب لم يكن وارثا فلهذا اخترنا طريق أهل الكوفة في ذلك فنقول عمة العليا ابنة الميت وعمة عمتها أخت الميت وعمة الوسطى درجة العليا وعمة عمتها ابنة الميت أيضا فإنما ترك الميت ابنتين وأختا فللابنتين الثلثان والباقي للأخت بالعصوبة وعلى ما ذهب إليه أهل المدينة عمة الوسطى هي العليا وعمة عمتها هي عمه العليا فإنما ترك الميت ابنة وابنة بن وأخت فللابنة النصف ولابنة الابن السدس والباقي للأخت فإن كان مع كل واحدة منهن عمها فعم العليا بن الميت فيكون المال كله له وأن كان مع كل واحدة منهن عمتها وعمة عمتها وأختها وابنة أختها وجدتها وأمها فلعمة العليا وعمة الوسطى الثلثان لأنهما ابنتا الميت ولجدة العليا الثمن لأنها امرأة الميت وما بقي فللعليا ولأختها ولابن أختها ولابنة أختها وللوسطى وللأختها ولعمتها ولعمة السفلى وعمة عمتها بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين لاختلاط الذكور بالإناث في درجة الذكور أو فوقهم فيكونون عصبة فيما بقي.
ولو أن رجلا مات وترك ابن ابنته وابنة ابنه مع كل واحدة منهما خال وعم فخال ابن الابنة هو ابن الميت وكذلك عم ابنة الابن هو ابن الميت فيكون المال بينهما نصفان فإن كان مع كل واحد منهما خالته وعمته فخالة ابن الابنة ابنة الميت وعمة ابنة الابن كذلك ابنة الميت فلهما الثلثان والباقي للعصبة فإن ترك ثلاث أخوات متفرقات مع كل واحدة منهن ثلاثة عمومة متفرقين فللأخوات فرضهن للأخت لأب وأم النصف وللأخت لأب السدس تكملة الثلثين، وللأخت لأم السدس والباقي لعم الأخت من الأب والأم لأب وأم ولعم الأخت من الأب لأب وأم فإنهما عمتا الميت لأبيه وأمه إذا حمل ذلك على أقرب ما يكون من النسب كما هو اختيار أهل الكوفة فإن كان مع كل واحدة أبوها وأخوها فإنه يحصل في هذا السؤال ان في هذا السؤال إن أبا الميت حي فهو يحرز الميراث دون الإخوة والأخوات فإن كان مع كل واحدة منهن جدها فإنه يحصل في

 

ج / 30 ص -57-       هذا السؤال أن أب أب الميت حي وقد سبق الكلام في توريث الإخوة والأخوات مع الجد فإن ترك ثلاث عمات متفرقات مع كل واحدة منهن ثلاثة بني إخوة متفرقين وثلاثة عمومة متفرقين فالمال لابن أخي العمة لأب وأم لابنها وأمها لأنه بن عم الميت لأبيه وأمه فهو أقرب العصبات فإن ترك أخوين لأب أحدهما لأم فالذي لأم أخ لأب وأم فيكون الميراث له دون الآخر فإن ترك أخوين لأم أحدهما لأب فالذي لأب أخ لأب فالميراث كله له ولو أن امرأة ماتت وتركت ابنى عمها أحدهما أخوها لأمها وتركت أخوين لأم أحدهما بن عمها فثلاثة منهم إخوة لأم فالثلث بينهم أثلاثا والباقي بين اللذين هما ابنا عم من هؤلاء الثلاثة وبين الرابع الذي ليس هو أخ لأم أثلاثا في قول علي وزيد رضي الله عنهما وقد بينا خلاف بن مسعود في هذه المسألة فإن تركت ابنى عمتها أحداهما أختها لأمها وأختين لأم أحداهما ابنة عم فإنما تركت ثلاث أخوات لأم فلهن الثلث والباقي للعصبة ولا شيء لبنات العم فإن ترك ابنتي عمه إحداهما امرأته والأخرى أخته لأبيه وثلاثة إخوة لأم أحدهم بن عم فإنما ترك الميت في الحاصل أختا وثلاثة أخوة لأم فلهم الثلث بينهم بالسوية وترك امرأته فلها الربع وترك ابنة عم وهو أخوه لأمه فله ما بقي فإن ترك بن أخ لأم وهو بن أخت لأب وخالة وبن عم فالمال لابن الأخ من الأم الذي هو بن الأخت لأب في قول يعقوب ومحمد قاساه على قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه يريد به في توريث ذوي الأرحام باعتبار القرابة وتقديم الأقرب وقد بينا هذا في باب ذوي الأرحام وما ذكره بعده من الجدتين من جهتين أو الجدة قد بيناه في باب الجدات والله أعلم بالصواب.

وفيه حكاية عبد الملك بن مروان رحمه الله فإنه جلس يوما للمظالم فقام رجل فقال إني تزوجت امرأة وزوجت أمها ابني فمر بعطائي فقال لو كان على عكس هذا كان أولى وأني أسألك عن مسألة فإن أحسنت جوابها امرت بعطائك وإن لم تحسن جوابها لا أعطيك شيئا فقال هات فقال أن ولد لك غلام ولابنك غلام فأي قرابة تكون بين الغلامين فلم يحسن الرجل الجواب وقال سل القاضي الذي وليته ما وراء مجلسك فإن أحسن الجواب فاصرف عطائي إليه وإلا فاعذرني فلم يحسن القاضي ولا أحد من القوم إلا رجل في أخريات الناس فقام فقال أن أجبت فأحسنت هل تقضي حاجتي قال نعم فأجاب كما ذكرنا فاستحسن جوابه وقال لله در هذا العالم ما حاجتك فقال أن عاملك أسقط حرفا من كلام الله تعالى قال وما ذاك قال أن الله تعالى يقول: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103] فهو يسقط حرف من فيأخذ أموالنا قال هذا أحسن من الأول وعزل ذلك العامل والله أعلم بالصواب.
فصل فيما يسأل عنه من المحال الذي لا يكون
قال رضي الله عنه: ولو أن رجلا سأل عن رجل مات وترك والديه وما ولدا فهذا لا يكون لأن ما ولدا هو الميت فكيف يترك الميت نفسه إلا أن يقول وما ولدا سواه فإن سئل عن أم وأبوين فهو محال لأن الأم أحد الأبوين فإن سئل عن امرأة وأبوين وزوج فهذا محال لأن الميت أما رجل له امرأة أو امرأة لها زوج ولا يتصور ميت ترك زوجا وامرأة فإن سئل عن ابنى عم أحدهما أخ لأب فهذا لا يكون لأن بن عم الرجل لا يكون أخاه لأبيه فإن سئل عن ابنى عم أحدهما بن أخ لأب أو لأب وأم فهذا لا يكون أيضا لأن ابن العم لا يكون ابن الأخ بحال فإن سئل عمن ترك ابنته وأبوي ابنته فهذا محال لان الميت أحد أبوي البنت فإن سئل عن عم لأب هو أخ لأب فهذا لا يكون لأن العم هو جد الميت فليس له أن يتزوج امرأة بن أبيه فإن سئل عمن مات وترك عم بن أخيه ولم يكن لابن أخيه عم فهذا لا يكون لأن الميت هو بن أخ عمه وما ذكرناه يهديك إلى ما يكون من هذا الجنس والله أعلم بالصواب.

 

ج / 30 ص -58-       باب إقرار الرجل بالنسب
قال رضي الله عنه: وإذا كان الرجل ذا قرابة أو وارث معروف لم يجز إقراره إلا بأربعة نفر الولد والوالد والمرأة ومولى العتاقة ولا يجوز إقرار المرأة إلا بثلاث الزوج والوالد والمولى لأن إقرار المرأة على نفسها حجة وعلى غيرها ليس بحجة فالرجل بالإقرار بالأب يلزم نفسه بالانتساب إليه لأنه يجب على الولد أن ينسب إلى أبيه شرعا قال عليه السلام: "من انتسب إلى غير أبيه أو انتمى إلى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا" وكذلك أن أقر بمولى العتافة فإنما يقر على نفسه بوجوب الانتساب إلى المولى وكذلك إذا أقر بالمرأة فإنه يقر لها على نفسه بحقوق النكاح وكذلك إذا أقر بابن فإنما يقر على نفسه لأن الأب يحمل نسب الولد على نفسه وكذلك إذا أقر بمولى العتاقة

 

ج / 30 ص -59-       الأسفل لأن الولاء بمنزلة النسب فإذا كان يحمله على نفسه كان مقبول القول في ذلك إذا صدقه صاحبه في جميع هذه الفصول إلا في الولد إذا كان صغيرا في يده أو كان مملوكا لا يحتاج إلى التصديق والمرأة في الإقرار بالأب والزوج ومولى العتاقة إنما تقر على نفسها أيضا والأبوية لا تمنع صحة إقرارها فإذا أقرت بابن فإنما أقرت به على غيرها لأن نسب الولد يثبت باعتبار الفراش فإنما يثبت من صاحب الفراش أو لا وهو الزوج وإقرارها ليس بحجة على الزوج يوضحه أنه مع قيام النكاح بينها وبين هذا الزوج لا يتحقق بسبب صحيح بينها وبين غيره يثبت به نسب ولدها من ذلك الغير دون هذا الزوج وفي جانب الرجل يتحقق بسبب صحيح للنسب بينه وبين امرأة أخرى سوى المعروفة بالنكاح أو الملك يوضحه أن النسب يثبت من الرجل باعتبار الاعلاق حقيقة وذلك لا يقف عليه غيره فلا بد من قوله في ذلك وأما النسب من المرأة إنما يثبت باعتبار الولادة وهو ظاهر يقف عليه غيرها وهي القابلة فلا يجعل مجرد قولها في ذلك حجة وسواء كان هذا الإقرار في صحة أو مرض لأن حالة المرض إنما تخالف حالة الصحة باعتبار تعلق حق الغرماء والورثة بالتركة فما لا يتعلق به حق الغرماء والورثة كان الإقرار به في الصحة والمرض سواء والنسب والنكاح والولاء لا يتعلق به حق الغرماء والورثة فإن كان للمقر أب معروف أو مولى عتاقة معروف لم يجز إقراره بأب آخر ولا بمولى آخر لثبوت حق الأول ولأنه مكذب في هذا الإقرار شرعا فلا يكون ذلك دون تكذيب المقر له وكذلك لا يجوز إقرار المرأة بزوج ولها زوج معروف لأن المقر له حق الغير وأنها مكذبة في هذا الإقرار شرعا بخلاف الرجل يقر بامرأة وله امرأة معروفة فإنه غير مكذب في هذا الإقرار شرعا ولأنه لا حق له فيما أقر به.
ألا ترى إنها لا تملك ذلك بطريق الإنشاء ولا يجوز إقرار واحد منهما بمن سوى هؤلاء من بن ابن أو جد أو أخ لأنه يقر على الغير فإن نسب النافلة لا يثبت منه إلا بواسطة الأب فكان هذا إقرارا منه على أبيه وكذلك أحد الأخوين لا ينسب إلى صاحبه إلا بواسطة الأب فكان إقرارا منه على ابنه وكذلك الجد فإن جمع في الإقرار بين من يجوز إقراره به ومن لا يجوز إقراره به كان المال لمن جاز إقراره به إن كان ممن يرث جميع المال في حال انفراده نحو ما إذا أقر بابن وابنة بن فالمال كله للابن بالفرض والفرد لأن إقراره بنسبه صحيح فيكون ثبوت نسبه بإقراره كثبوته بالبينة وان كان ممن لا يرث جميعه مثل الزوج والزوجة كان له حظه كاملا والباقي بين الأخوين اللذين لا يثبت نسبهما بإقراره على حسابهما لو كانا معروفين ولم يترك لهما إلا باقي المال.
بيانه فيما إذا أقر بامرأة وابنة بن وأخت فللمرأة الربع كاملا والباقي بين ابنة الابن والأخت على سبعة لابنة الابن أربعة وللأخت ثلاثة لأن إقرار فريضتهما من ثمانية إلا أنه لم يصدق في إدخال النقصان على المرأة فأخذت الربع كاملا وهو مصدق في حق الآخرين فتضرب ابنة الابن بنصيبها أربعة والأخت بثلاثة.

 

ج / 30 ص -60-       ولو أقر بابنتى بن والمسألة بحالها فالباقي بين ابنتي الابن والأخت على أحد وعشرين سهما لأن في زعمه أن الفريضة على أربعة وعشرين لابنتي الابن الثلثان ستة عشر وللمرأة الثمن ثلاثة وللأخت ما بقي وهو خمسة فلم يصدق في حق المرأة وأخذت الربع كاملا فتضرب ابنتا الابن في الباقي بستة عشر سهما والأخت وإن تصادق بعضهم فيما بينهم يجمع نصيب المتصادقين فاقتسموها على حساب ما تصادقوا عليه لأن الثابت فيما بينهم بتصادقهم كالثابت بالبينة أو أقوى منه فإذا مات الرجل وأقر بعض ورثته بوارث وأنكره الآخرون دخل معه في نصيبه فاقتسماه على سهامهما نحو ما إذا ترك ابنا فأقر بأخ له فإنه لا يثبت نسبه ولكنه يأخذ نصف ما في يد المقر إلا في رواية عن أبي يوسف أنه يثبت نسبه وقد بينا المسألة في العين والدين فلو ترك ابنين فأقر أحدهما بأخ له فإنه يعطيه نصف ما في يده لإقراره أن حقهما في التركة سواء وإن لم يقر بأخ ولكنه أقر بابنة لأبيه فإنه يعطيها ثلث ما في يده لإقراره أن حقها مثل نصف حقه فإن لم يقر بذلك ولكنه أقر بامرأة لأبيه فإنه يقاسمها ما في يديه على تسعة لها سهمان وله سبعة لأنه يزعم أن الفريضة من ستة عشر سهما للمرأة سهمان وله سبعة ولأخيه سبعة.
وكذا لو أقر مقر منهم بوارث آخر فإنه يجمع جميع ما في أيدي المقرين فيقسم بينهم وبين المقرين له على مقدار حقهم وذلك بأن تصحح الفريضة لو كان المقر به ثابتا في الأصل، ثم يضرب كل واحد منهم بنصيبه بيانه فيما اذا ترك ابنين وابنتين فأقر أحد الابنين بأخ فإنهما يقاسمانه جميعا ما في أيديهما على خمسة للأخ المقر سهمان وللأخت المقرة سهم وللأخ المقر به سهمان لأنهما زعما أن الفريضة من ثمانية لكل أخ سهمان ولكل أخت سهم فما وصل إليهما يقسم بينهما وبين المقر به باعتبار زعمهم وفي المسائل التي تخرج على الأصول التي بيناها كثرة ولكن بالقدر الذي بينا يتيسر تخريج الكل عند التأمل والله أعلم بالصواب.

باب إقرار الورثة بوارث بعد وارث
قال رضي الله عنه:
وإذا أقر بوارث معه وأعطاه نصيبه بقضاء قاض ثم أقر بوارث آخر ولم يصدق الأول قاسمه ما بقى في يديه على حساب نصيبهما إلا أن يصدقه الأول لأن الأول قد استحق نصيبه بالإقرار السابق منه فكما لا يملك إبطال حقه بالرجوع عن الإقرار فكذلك لا يملك إثبات الشركة للغير معه فيما صار مستحقا له ويجعل ثبوت الاستحقاق للأول بإقراره في حقه كثبوته بالبينة أو يكون نسبه معروفا ولا يكون إقراره للغير بعد ذلك حجة عليه إلا باعتبار تصديق يكون منه ولا ضمان عليه في شيء مما دفعه إلى الأول لأنه بمجرد الإقرار للأول ما أتلف على الثاني شيئا والدفع كان بقضاء القاضي فلا يكون موجبا للضمان عليه ولكن يجعل ذلك القدر في حكم التاوي فكان جميع المال مقدار ما بقي في يده فيقاسمه المقر له الآخر على حساب نصيبهما وبيانه لو أن رجلا مات وترك ابنين ثم أقر أحدهما بأخ فإنه يعطيه نصف ما بقي في يديه أيضا بخلاف ما لو أقر أحد الابنين بأخوين معا أو بواحد بعد واحد

 

ج / 30 ص -61-       بكلام متصل فإنهما يأخذان ثلثي ما في يده لأنه إذا أقربهما فقد زعم أن حق كل واحد منهما مثل حقه وكذلك أن أقر أحدهما بعد الآخر في كلام موصول لأن في آخر كلامه ما يغير حكم أوله فيتوقف أوله على آخره فأما إذا فصل بين الكلامين فقد استحق الأول نصف ما في يده بتقدم الإقرار له فلا يكون إقراره بعد ذلك حجة على الأول في إدخال شيء من النقصان عليه فإن أقر بهما معا فأعطاهما ثلثي ما في يديه بقضاء ثم أقر بأخ أعطاه نصف ما بقي في يديه لأن ما أخذه الأولان في حكم التاوى كما بينا ولو ترك ابنين وأقر أحدهما بأخ وأعطاه نصف ما في يديه بقضاء قاض ثم أقر بامرأة أعطاها عشر ما بقي في يده لأنه بزعم أن الميت ترك امرأة وثلاثة بنين فتكون القسمة من أربعة وعشرين للمرأة ثلاثة ولكل بن سبعة والأصل في جميع هذه المسائل أن المقر به أولا يجعل معتبرا في المقاسمة مع المقر به آخرا أو المقر به آخرا لا يعتبر في المقاسمة مع المقر به أولا لأنه حين أقر بالثاني فحق المقر به الأول ثابت بتقديم الإقرار له فيكون ذلك كالثابت بالبينة وحين أقر بالأول لم يكن حق المقر به الثاني ثابتا فلا يكون هو معتبرا في المقاسمة مع الأول.
ولو ترك ابنة وعصبة فأقرت الابنة بامرأة فإنها تعطيها خمس ما في يدها لأنها زعمت أن الفريضة من ثمانية لها سهم وللابنة أربعة فكل واحد منهما يضرب فيما في يد الابنة بحقها فلهذا أخذت خمس ما في يدها فإن أعطتها ذلك بقضاء قاض ثم أقرت بامرأة أخرى أعطتها سهما من تسعة أسهم مما بقى في يدها لأنها زعمت أن للميت امرأتين وإن القسمة من ستة عشر للمرأتين سهمان لكل واحدة سهم ولها ثمانية فتعطيها سهما من تسعة فإن أعطت ذلك بقضاء قاض ثم أقرت بامرأة أخرى أعطتها سهما من ثلاثة عشر سهما مما بقي في يدها لأنها زعمت أن للميت ثلاث نسوة وإن القسمة من أربعة وعشرين للنسوة ثلاثة لكل واحدة سهم ولها اثنا عشر فتعطيها سهما من ثلاثة عشر بهذا الطريق فإن أعطتها ذلك بقضاء قاض ثم أقرت بامرأة أخرى أعطتها سهما من سبعة عشر سهما مما بقى في يدها لأنها زعمت أن للميت أربع نسوة وأن القسمة من اثنين وثلاثين للنسوة الثمن أربعة لكل واحدة سهم ولها النصف ستة عشر فهي تضرب فيما بقي في يدها بستة عشر والمرأة بسهم فلهذا أعطتها سهما من سبعة عشر.
ولو ترك أخا فأقر الأخ بابنة للميت أعطاها نصف ما في يده لأنه زعم أن الميت خلف ابنة وأخا فيكون المال بينهما نصفين فإن أعطاها ذلك بقضاء ثم أقر بابنة أخرى أعطاها نصف ما في يده أيضا لأنه يزعم أن الميت خلف ابنتين وأخا فيكون للابنتين الثلثان وللأخ ما بقي فحق الثانية بزعمه مثل حقه فلهذا يعطيها نصف ما في يده فإن أعطاها مثل ذلك ثم أقر بابنة أخرى أعطاها خمسي ما في يده لأن للميت بزعمه ثلاث بنات وأخا فتكون القسمة من تسعة للبنات الثلثان ستة بينهن لكل واحدة سهمان والباقي وهو ثلاثة للأخ فيضرب الأخ فيما بقي في يده بثلاثة وهي بسهمين فلهذا يعطيها خمسي ما في يده فإن أعطى ذلك بقضاء ثم أقر بابنة

 

ج / 30 ص -62-       أخرى أعطاها ثلث ما في يده لأن للميت بزعمه أربع بنات وأخا فللبنات الثلثان أربعة من ستة لكل واحدة سهم والباقي للأخ فهو يضرب في الباقي بسهم والأخ بسهمين فلهذا يعطيها ثلث ما في يده.
ولو أقر الأخ أولا بابنة وأعطاها نصف ما في يده بقضاء ثم أقر بابنة بن فإنه يعطيها ثلث ما في يده لأن للميت بزعمه ابنة وابنة بن وأخا فللابنة النصف ثلاثة ولابنة الابن سهم والباقي وهو سهمان للأخ فبهذا الطريق بعطيها ثلث ما بقي فإن أعطاها ذلك بقضاء ثم أقر بابنة بن أسفل منها فلا شيء لها لأنه ما أقر لها بشيء من المال فإن مع الابنة وبن الابن لا ترث ابنة بن الابن شيئا والثابت بإقراره لا يكون أقوى من الثابت بالبينة.
ولو أقر الأخ أولا بابنة بن ابن فأعطاها نصف ما في يده بقضاء ثم أقر بابنة بن أعطاها ثلاثة أخماس ما بقي في يده لأنه يزعم أن الميت ترك ابنة ابن وابنة ابن ابن وأخا فلابنة الابن النصف ثلاثة ولابنة بن الابن السدس والباقي وهو سهمان للأخ فتضرب هي في فيما بقي يدها بثلاثة وهو بسهمين فلهذا يعطيها ثلاثة أخماس ما بقي في يده فإن أعطاها ذلك بقضاء ثم أقر بابنة للميت أعطاها أيضا ثلاثة أخماس ما بقي في يده لأنه زعم أن لها النصف ثلاثة ولابنة الابن السدس والباقي للأخ فبهذا الطريق يعطيها ثلاثة أخماس ما بقي في يده ولو لم يقر من ذلك بشيء ولكنه أقر بابن ابن فإنه يعطيه جميع ما في يده لأن الميت بزعمه ترك بن ابن وأخا فالمال كله لابن الابن وزعمه معتبر فيما في يده فإن أعطاها ذلك بقضاء القاضي ثم أقر بابن للميت فلا ضمان على الأخ لأنه دفعه بقضاء القاضي ولا يدخل الابن مع ابن الابن فيما في يده لأن إقرار الأخ ليس حجة عليه ولو أقر الأخ بامرأة للميت فدفع إليها ربع ما في يده بقضاء ثم أقر بامرأة أخرى أخذت سبع ما في يده لأن الميت بزعمه خلف امرأتين وأخا فتكون القسمة من ثمانية لكل امرأة سهم وللأخ ستة فلهذا يعطيها سبع ما في يده فإن أعطاها ذلك بقضاء ثم أقر بامرأة أخرى أعطاها عشر ما في يده لأن للميت بزعمه ثلاث نسوة والقسمة من اثنى عشر لكل واحدة سهم وللأخ تسعة فإن أعطاها العشر بقضاء ثم أقر بامرأة أخرى فإنها تأخذ منه سهما من ثلاثة عشر مما بقى في يده لأن للميت بزعمه أربع نسوة والقسمة من ستة عشر للنسوة الربع أربعة لكل واحدة سهم والباقي وهو اثنا عشر للأخ.
ولو ترك ابنين فأقر أحدهما بامرأة للميت وأعطاها تسعى ما في يده بقضاء ثم أقر بامرأة أخرى فإنه يعطيها ثمن ما بقى في يده لأن للميت بزعمه ابنين وامرأتين فتكون القسمة من ستة عشر لكل امرأة سهم ولكل بن سبعة فإن أعطاها ذلك بقضاء ثم أقر بامرأة أخرى أعطاها سهمين من ثلاثة وعشرين سهما مما بقى في يده لأنه يزعم أن للميت ابنين وثلاث نسوة فيكون أصل الفريضة من ثمانية للنسوة سهم بينهن أثلاثا لا يستقيم والباقي وهو سبعة بين الابنين لا يستقيم فيضرب ثلاثة في اثنين فيكون ستة ثم يضرب ثمانية في ستة فيكون ثمانية وأربعين للنسوة ستة بينهن لكل واحدة سهمان ولكل بن أحد وعشرون فبهذا الطريق يعطيها

 

ج / 30 ص -63-       مما بقي في يده سهمين من ثلاثة وعشرين فإن أعطاها ذلك بقضاء ثم أقر بامرأة أخرى أعطاها جزأ من خمسة عشر جزأ مما في يده لأن للميت بزعمه أربع نسوة والثمن بينهن أرباعا لا يستقيم والباقي وهو تسعة بين الابنين لا يستقيم إلا أن أربعة تجزي عن سهمين فيضرب ثمانية في أربعة فيكون اثنين وثلاثين للنسوة الثمن أربعة لكل واحدة سهم ولكل بن أربعة عشر فبهذا الطريق يعطيها مما بقى في يده جزأ من خمسة عشر جزأ وإذا دفع إلى المقر به الأول بغير قضاء قاض ثم أقر بوارث آخر ضمن له جميع نصيبه من الأصل من حصته دون حصة الباقين من الورثة لأن فيما أخذه سائر الورثة لم يوجد منه صنع يوجب الضمان وفيما دفعه إلى المقر به بغير قضاء القاضي قد وجد منه الصنع الموجب للضمان وهو الدفع باختياره وهو بإقراره الثاني زعم أنه استهلك ذلك بالدفع إلى الأول باختياره فيجعل محسوبا عليه في حق الثاني ويكون بمنزلة القائم في يده وبيانه لو ترك ابنا فاقر بابن آخر فأعطاه نصف ما في يديه بغير قضاء ثم أقر بآخر فإنه يعطيه ثلثي ما بقي في يده لأنه زعم أن حق الثاني في ثلث جميع التركة والباقي في يده نصف التركة فيعطيه ثلثي ذلك النصف وهو جميع نصيبه بزعمه فإن أعطاه بغير قضاء ثم أقر بابن آخر فإنه يعطيه ربع جميع المال لأن في زعمه أن للميت أربع بنين والباقي في يده سدس المال فيعطيه ذلك ويغرم له نصف السدس من مال نفسه فإن دفع إليه بغير قضاء ثم أقر بآخر فإنه يغرم له خمس جميع المال من مال نفسه باعتبار زعمه.
ولو ترك ابنين فأقر أحدهما باخ وأعطاه نصف ما في يده بغير قضاء ثم أقر بآخر أعطاه ثلث جميع ما كان في يده لأنه غير ضامن شيئا مما أخذه الابن المعروف لأنه أخذه بنسب له معروف وهو ضامن في حق الثاني ما دفعه إلى الأول زيادة على حقه بزعمه لأنه دفعه بغير قضاء فيجعل ذلك كالقائم في يده فيغرم للآخر جميع نصيبه مما كان في يده بزعمه وهو ثلث ما في يده فإن أعطاه ذلك بغير قضاء ثم أقر باخ آخر فإنه يعطيه ربع جميع ما كان في يده وهو ثمن جميع المال لما بينا أن ما دفع إلى الأول والثاني بغير قضاء زيادة على حقهما يجعل كالقائم في يده.
ولو ترك أخا فأقر باخ آخر وأعطاه نصف ما في يده بغير قضاء ثم أقر بابن للميت فإنه يعطيه جميع ما بقي في يده ويغرم له أيضا جميع ما أعطى الأخ لأنه زعم أن جميع المال للابن وأنه مستهلك بعض المال بدفعه إلى الأخ باختياره.
ولو ترك عما فأقر العم بأخ للميت وأعطاه المال بغير قضاء ثم أقر بابن للميت غرم له مثل جميع المال لأنه زعم أنه أعطى للأول ما ليس له فإن أعطاه ذلك بغير قضاء ثم أقر بابن بن لم يغرم له شيئا لأنه بعد الإقرار بالابن لا يكون هو مقرى بشيء من المال لابن الابن بمنزلة ما لو كانا معروفين ولو ترك أخا فاقر الأخ بابن بن وأعطاه جميع ما في يده بغير قضاء ثم أقر بابن وغرم له مثل جميع المال ودفع ذلك بغير قضاء ثم أقر بابن آخر فإنه يغرم للابن الثاني مثل نصف جميع المال فإنه مستهلك عليه نصف المال بالدفع إلى الابن الأول باختياره، فإن دفع

 

ج / 30 ص -64-       ذلك بغير قضاء ثم أقر بامرأة للميت فإنه يغرم مثل ثمن جميع المال باعتبار زعمه في حقه فإن أعطاها بغير قضاء ثم أقر بأم للميت فإنه يعطيها مثل سدس جميع المال باعتبار إقراره أن ذلك حقها وإنه دفعه إلى غيرها باختياره.
ولو ترك أخا فأقر الأخ بأخ آخر وأعطاه نصف ما في يده بغير قضاء ثم أقر بأخ آخر وأعطاه ثلث جميع المال بقضاء ثم أقر بأخ آخر فإنه يعطيه سدس المال وثلث سدس المال لأن ما دفع إلى الثاني بقضاء القاضي وهو ثلث المال لا يكون ذلك مضمونا عليه فيجعل ذلك كالتاوى يبقى ثلثا المال وفي زعمه أن ذلك بينه وبين الأول والثاني أثلاثا وأنه دفع إلى الأول زيادة على حقه بغير قضاء فيجعل ذلك كالقائم في يده فيعطي الثالث كمال حقه وذلك سدس وثلث سدس وفي يده سدس فيعطيه ذلك ويغرم له ثلث سدس ذلك من ماله فإن أعطاه ذلك بقضاء ثم أقر بابن للميت فإنه يغرم له نصف المال الذي دفع إلى الأول بغير قضاء قاض لأنه دفع ذلك باختياره وزعم أنه دفع إلى من ليس له ولا يغرم النصف الآخر لأنه دفعه إلى الثاني والثالث بقضاء القاضي.
وإذا أقر بعض الورثة بوارثين فصدقه واحد من الورثة في أحدهما فإن أبا يوسف رحمه الله قال ينظر في نصيب الذي اجتمعا عليه من حصة المقر بهما لو كان أقربهما فيعطى ذلك مما في يد المقر بهما فيضمه إلى ما في يد الذي صدق به ويقتسمانه على قدر نصيبهما في الأصل ويقسم الباقي في يد المقر بهما بينه وبين الآخر على حساب نصيبهما في الأصل لو كانا معروفين وزعم أن هذا الأصل هو قياس قول أبي حنيفة رحمه الله باعتبار أن حق المقر بهما يجعل كان الآخر صدقه فيهما وفي حق المجحود يجعل كأن الآخر كذبه فيهما.
وبيان هذا الأصل من المسائل أن رجلا مات وترك فأقر أحدهما بأخوين معا وصدقه الآخر في أحدهما فإن المتفق عليه يأخذ من المقر بهما ربع ما في يدهما لأن الآخر لو صدقه فيهما لكان يأخذ منه ربع ما في يده فإن زعم أن حق كل واحد منهما في ربع التركة وفي يده جزء من التركة فإذا أخذ منه ذلك ضمه إلى ما في يد المصدق فيقتسمانه نصفين وما بقى في يد المقر بهما بينه وبين المجحود نصفين باعتبار زعمهما وأما عند محمد فالمتفق عليه يأخذ من المقر بهما خمس ما في يدهما لأنه يقول أنا قد أقررت بأن حقك في سهم وحقي في سهم وحق المجحود في سهم إلا أن أخي حين صدق بك فقد يحمل عني نصف مؤونته فإنما بقى حقك فيما في يدي في نصف سهم وحق المجحود في سهم فيضعفه للكسر بالانصاف فلهذا يأخذ منه خمس ما في يده ثم التخريج بعد ذلك كما قاله أبو يوسف وقد قدم هذه المسألة في كتاب الإقرار وأعادها ليبني عليها أخواتها فقال لو ترك ابنين فأقر أحدهما بأخ وأخت معا وصدقه الآخر في الأخت وكذبه في الأخ فإن الأخت تأخذ من المقر بهما سبع ما في يده في قول أبي يوسف لأنه يزعم أن الميت خلف ثلاث بنين وابنة وأن القسمة من سبعة للأخت السبع من التركة فيعطيها سبع ما في يده فيضمه إلى ما في يد المصدق بها ويقاسمه

 

ج / 30 ص -65-       ذلك بغير قضاء ثم أقر بامرأة للميت فإنه يغرم مثل ثمن جميع المال باعتبار زعمه في حقه فإن أعطاها بغير قضاء ثم أقر بأم للميت فإنه يعطيها مثل سدس جميع المال باعتبار إقراره أن ذلك حقها وإنه دفعه إلى غيرها باختياره.
ولو ترك أخا فأقر الأخ بأخ آخر وأعطاه نصف ما في يده بغير قضاء ثم أقر بأخ آخر وأعطاه ثلث جميع المال بقضاء ثم أقر بأخ آخر فإنه يعطيه سدس المال وثلث سدس المال لأن ما دفع إلى الثاني بقضاء القاضي وهو ثلث المال لا يكون ذلك مضمونا عليه فيجعل ذلك كالتاوى يبقى ثلثا المال وفي زعمه أن ذلك بينه وبين الأول والثاني أثلاثا وأنه دفع إلى الأول زيادة على حقه بغير قضاء فيجعل ذلك كالقائم في يده فيعطي الثالث كمال حقه وذلك سدس وثلث سدس وفي يده سدس فيعطيه ذلك ويغرم له ثلث سدس ذلك من ماله فإن أعطاه ذلك بقضاء ثم أقر بابن للميت فإنه يغرم له نصف المال الذي دفع إلى الأول بغير قضاء قاض لأنه دفع ذلك باختياره وزعم أنه دفع إلى من ليس له ولا يغرم النصف الآخر لأنه دفعه إلى الثاني والثالث بقضاء القاضي.
وإذا أقر بعض الورثة بوارثين فصدقه واحد من الورثة في أحدهما فإن أبا يوسف رحمه الله قال ينظر في نصيب الذي اجتمعا عليه من حصة المقر بهما لو كان أقربهما فيعطى ذلك مما في يد المقر بهما فيضمه إلى ما في يد الذي صدق به ويقتسمانه على قدر نصيبهما في الأصل ويقسم الباقي في يد المقر بهما بينه وبين الآخر على حساب نصيبهما في الأصل لو كانا معروفين وزعم أن هذا الأصل هو قياس قول أبي حنيفة رحمه الله باعتبار أن حق المقر بهما يجعل كان الآخر صدقه فيهما وفي حق المجحود يجعل كأن الآخر كذبه فيهما.
وبيان هذا الأصل من المسائل أن رجلا مات وترك فأقر أحدهما بأخوين معا وصدقه الآخر في أحدهما فإن المتفق عليه يأخذ من المقر بهما ربع ما في يدهما لأن الآخر لو صدقه فيهما لكان يأخذ منه ربع ما في يده فإن زعم أن حق كل واحد منهما في ربع التركة وفي يده جزء من التركة فإذا أخذ منه ذلك ضمه إلى ما في يد المصدق فيقتسمانه نصفين وما بقى في يد المقر بهما بينه وبين المجحود نصفين باعتبار زعمهما وأما عند محمد فالمتفق عليه يأخذ من المقر بهما خمس ما في يدهما لأنه يقول أنا قد أقررت بأن حقك في سهم وحقي في سهم وحق المجحود في سهم إلا أن أخي حين صدق بك فقد يحمل عني نصف مؤونته فإنما بقى حقك فيما في يدي في نصف سهم وحق المجحود في سهم فيضعفه للكسر بالانصاف فلهذا يأخذ منه خمس ما في يده ثم التخريج بعد ذلك كما قاله أبو يوسف وقد قدم هذه المسألة في كتاب الإقرار وأعادها ليبني عليها أخواتها فقال لو ترك ابنين فأقر أحدهما بأخ وأخت معا وصدقه الآخر في الأخت وكذبه في الأخ فإن الأخت تأخذ من المقر بهما سبع ما في يده في قول أبي يوسف لأنه يزعم أن الميت خلف ثلاث بنين وابنة وأن القسمة من سبعة للأخت السبع من التركة فيعطيها سبع ما في يده فيضمه إلى ما في يد المصدق بها ويقاسمه

 

ج / 30 ص -66-       معا وصدقه أخوه في أحديهما فإن المتفق عليها تأخذ من المقر بهن جزأ من عشرين جزأ وخمس جزء وثلاثة أخماس جزء مما بقي في يده لأن الفريضة بزعمه من ثمانية وأربعين فإنه يزعم أن الميت خلف ابنين وثلاث نسوة فللنسوة الثمن بينهن أثلاثا لا يستقيم والباقي وهو سبعة بين الابنين لا يستقيم فيضرب اثنان في ثلاثة فتكون ستة ثم ثمانيه في ستة فتكون ثمانية وأربعين للنسوة الثمن من ذلك ستة لكل واحدة سهمان ولكل بن أحد وعشرون إلا أنه دفع إلى الأولى تسعي ما في يده والذي في يده كان أربعة وعشرين وتسعاه خمسة وثلث سهمان من ذلك حقها بزعمه وثلاثه وثلث أعطاها زيادة على حقها وما أعطاها زيادة من حق الآخرتين لا يكون مضمونا عليه لأنه دفع ذلك بقضاء القاضي ولكنه ما أعطاها من حقه يكون محسوبا من نصبيه فإذا تأملت ذلك كان ما أعطى من نصيبه سهما وثلاثة أخماس سهم وخمسي خمس سهم وقد كان نصيبه أحدا وعشرين إذا انتقص منه هذا القدر من حقه بقي تسعة عشر سهما وخمس وثلاثة أخماس خمس وحق المتفق عليها سهمان ولكن أحدهما في يد الابن الآخر وهو مصدق بها فإنما تضرب هي بسهم فيما بقي في يد المقر وهو مقدار حقه فتكون الجملة عشرين سهما وخمس سهم وثلاثة أخماس خمس سهم فلهذا أخذت سهما من ذلك قال الحاكم رحمه الله وهذا الجواب غير سديد على الأصل المذكور في هذا الباب لأنه حذف في هذه القسمة نصيب امرأتين وكان صوابه أن يحذف نصيب المرأة التي أخذت نصيبها بقضاء القاضي ويقسم ما بقي في يده على نصيبه ونصيب المرأتين الباقيتين فيعطى المجمع عليها سهما من اثنين وعشرين سهما وأربعة أخماس خمس سهم وقد فحصت في أصل التخريج والأصل جميعا ولم يتضح لي ذلك بالتأمل وعسى يتضح إذا تيسر وصولي إلى كتبي أو أصب وقت فراغ خاطري فإذا أخذت ذلك من المقر بهن فضممته إلى ما في يد الذي صدقه بها فاقتسماه على تسعة أسهم لأن بزعمه أن الميت خلف ابنين وامرأة وأن القسمة من ستة عشر للمرأة سهم ولكل بن سبعة فيقسم ما في أيديهما بينهما على تسعة باعتبار زعمهما ويقاسم المقر بهن المرأة المجحودة ما بقي في يده على ثلاثة وعشرين سهما لأن باعتبار زعمهما أن القسمة من ثمانية وأربعين وأن لها سهمان وله أحد وعشرون سهما فيقسم ما بقي في يده على اعتبار زعمهما على ثلاثة وعشرين لها سهمان وله أحد وعشرون سهما وفي هذا أيضا بعض شبهة باعتبار ما ذكرنا أن ما دفع إلى الأول من نصيبه محسوب عليه حتى ينتقص ذلك القدر من نصيبه ولم يعتبر ذلك بالقسمة مع المجحودة ولو ترك أخوين فأقر أحدهما بابنتين للميت وصدقه أخوه في أحديهما فإن المتفق عليها منهما تأخذ من المقر بها ثلث ما في يده لأن بزعمه أن الميت خلف ابنتين وأخوين فللابنتين الثلثان والباقي بين الأخوين نصفين فإما أن يقول هو قد أقر لهذه بثلث التركة وفي يده جزء من التركة فيعطيها نصف ذلك أو يقول قد أقر أن حقه مثل نصف حقها لأنه يقول حقها ثلث التركة ويبقى نصف الثلث فلهذا أخذت ثلث ما في يده ثم ضم ذلك إلى ما في يد الآخر واقتسماه أثلاثا لأن الآخر يزعم أن الميت خلف بنتا

 

ج / 30 ص -67-       وأخوين فلها النصف والباقي بين الأخوين نصفين لكل واحد منهما الربع فحقه مثل نصف حقها فلهذا اقتسما ما وصل إليهما أثلاثا لها سهمان وله سهم وتقاسم الأخرى المقر بهما ما بقي في يده أثلاثا لأنه زعم أن لها الثلث وله السدس فيقسم ما بقي بينهما على هذا لها سهمان وله سهم ولو كان أقر بثلاث بنات وصدقه أخوه في واحدة منهن فإن المتفق عليها تأخذ من المقر بهن تسعي ما في يده لأن بزعمه أن الميت خلف ثلاث بنات وأخوين فيكون للبنات الثلثان بينهن أثلاثا والباقي بين الأخوين نصفين فيحتاج إلى حساب ينقسم ثلثاه أثلاثا وثلثه نصفين وأقل ذلك ثمانية عشر للبنات اثنا عشر لكل واحدة منهن أربعة فهو إنما أقر للمتفق عليها بأربعة من ثمانية عشر وذلك تسعا التركة وفي يده جزء من التركة فيعطيها تسعي ما في يده لهذا فيضمه إلى ما في يد المصدق بها ويقاسمه أثلاثا لأن بزعمه أن لها نصف التركه وله الربع ثم يقاسم المقر بهن الباقيتين ما بقى في يده على أحد عشر سهما لها ثمانية وله ثلاثة لأن بزعمه القسمة من ثمانية عشر ولكل واحدة منهما أربعة وله ثلاثة فيقسم ما في يده بينهم على أحد عشر سهما لهذا قال في الأصل وهذا كله إذا كان قد دفع إلى الأول شيئا أو لم يدفع حتى اختصموا ثم دفع بقضاء وكان ذلك إقرارا من الورثة ولم تكن شهادة لأنه إذا شهد شاهدان من الورثة لآخر أنه وارث ثبت نسبه وصار وارثا ودخل على القوم جميعا إذا لم يكونوا دفعوا شيئا حتى شهدوا لأنه لا تهمة في شهادتهم بل عليهم ضرر في ذلك وإن كانا قد دفعا من حصتهما نصيب الوارث ثم جاءا بشاهدين لا تقبل شهادتهما لتمكن الشبهة فيهما فأما في حق الواحد الإقرار والشهادة سواء لأن الحجة لا تتم بشهادة الواحد.
ولو ترك ابنين وامرأة فأقر أحد الابنين بامرأة أخرى وكذبه الأخ فيها والمرأة المعروفة فإنه يقاسمها ما في يده على ثمانية لأن القسمة بزعمه من ستة عشر لكل امرأة سهم ولكل بن سبعة فإن دفع ثمن ما في يده إليها بقضاء أو بغير قضاء ثم أقر بامرأة أخرى فصدقته المرأة المعروفة بذلك فإن المقر بها أخيرا تأخذ نصف ما في يد المرأة المعروفة ولا تدخل في نصيب الابن لأن ميراث النساء في يد المعروفة والابن إنما أقر أن حصتها في يد المعروفة وهي قد صدقته في ذلك فلهذا لا تأخذ مما بقي في يد الابن شيئا بخلاف الأولى فإن المعروفة هناك كذبت بها فلا يصل إليها نصيبها مما في يد المعروفة فلا بد أن تدخل مع المقر فيما في يده لأن ما في يده جزء من التركة وكان حقها في التركة.
وعلى هذا لو ترك ابنا وامرأة ثم أقر الابن بامرأة وصدقته المعروفة فإنها تأخذ نصف ما في يد المعروفة ولا سبيل لها على ما في يد الابن.
ولو ترك ابنين وامرأة فأقر أحد الابنين بامرأتين معا وصدقته المعروفة في إحديهما وكذبته في الأخرى فإن المعروفة تقاسم التي أقرت بها ما في يدها نصفين لأن ميراث النساء في يدها وقد صدقت بهذه وزعمت أن حقهما سواء ويقاسم الابن المرأة الباقية ما في يده على ثلاثة وعشرين سهما لأن القسمة بزعمه من ثمانية وأربعين لكل امرأة سهمان ولكل بن أحد وعشرون

 

ج / 30 ص -68-       فهو يضرب في الباقي بأحد وعشرين وهي بسهمين فيكون بينهما على ثلاثة وعشرين سهما لها من ذلك سهمان وله أحد وعشرون.
ولو ترك ابنا وامرأة فأقرت المرأة بابن وصدقها الابن المعروف في ذلك فإن المقر به يقاسم المعروف ما في يده نصفين لأن ميراث البنين في يده والذي في يد المرأة ميراث النساء ولاحظ للبنين في ذلك وإن أقرت بابنين وصدقها المعروف في أحدهما فإن المتفق عليه لا يدخل في نصيب المرأة لما بينا والابن الآخر يقاسم المرأة ما في يدها على عشرة لأن القسمة بزعمها من أربعة وعشرين لها ثلاثة لكل ابن سبعة.
ولو ترك ابنا وامرأة فأقر الابن بثلاث نسوة وصدقته المعروفة في امرأتين منهن كأن المعروفة تقاسم هاتين ما في يدها أثلاثا لأن ميراث النساء في يدها وقد أقرت بهاتين بالزوجية فإن حقهما مثل حقها ويقاسم الابن المرأة الباقية ما في يده على تسعة وعشرين سهما لأن القسمة بزعمه من اثنين وثلاثين للنسوة الثمن أربعة ولكل واحدة منهن سهم وللابن ثمانية وعشرون فهي تدخل معه فيما في يده فتضرب بسهم وهو بثمانية وعشرين فإن تصادق النسوة كلهن فيما بينهن فإنهن يدخلن مع المعروفة فيما في يدها فيقسم ذلك بينهن أرباعا لأن ميراث النساء في يدها وقد أقرت لهن بالزوجية ولو كانت المرأة هي التي أقرت بثلاثة بنين فصدقها الابن في أحدهم فالذي صدق الابن به يقاسمه ما في يده نصفين ويقسم ما في يد المرأة على ثمانية عشر لها أربعة ولكل ابن سبعة لأن القسمة بزعمها من اثنين وثلاثين فإن الميت خلف أربعة بنين وامرأة فيكون للمرأة الثمن أربعة ولكل بن سبعة فما في يدها يقسم بينها وبين الابنين المجحودين على مقدار حقهم ولو صدقها الابن فيهم جميعا دخلوا معه في نصيبه فيقتسمون ذلك أرباعا ولم يأخذوا من المرأة شيئا لأن نصيب الأولاد في يد الابن المعروف وقد صدقهم فهم بمنزلة أولاد معروفين للميت وأن أقر أحد الورثة بوارث ثم أنكره ثم أقر بآخر لم يصدق على الذي أقر به أولا في إبطال حقه لأن رجوعه عن إقراره بعد صحة الإقرار لا يصح فإن المقر لا يملك الرجوع بعد الإقرار ويكون الآخر على حقه فيما في يده على ما وصفنا أن لو لم يكن أنكر الأول وبيان هذا الأصل رجل مات وترك ابنين فأقر أحدهما بأخ ثم أنكره ثم أقر بأخ فإن الأول يأخذ نصف ما في يده لأن بالكلام الأول أقر بأن حقهما في التركة على السواء فيضم ما في يده فيقتسمانه بينهما نصفين ثم يأخذ الآخر نصف ما في يده لأنه بالكلام الآخر أقر أن حقهما في التركة سواء فما بقي في يده يقسم بينهما نصفان.
فإن قيل: لماذا لم يجعل إنكاره حجة عليه حتى يكون هو مستهلكا نصف ما في يده كما لو لم يكن أنكر حقه بعد الإقرار ويأخذ الآخر نصف ما في يده عند الإقرار للأول وهو جميع ما بقي في يده لأن ذلك يكون محسوبا عليه من نصيبه؟.
قلنا: لأنه بالإقرار ما صار مستهلكا شيئا وإنما يكون الاستهلاك بالدفع وهو يجبر على ذلك بالحكم فلا يكون ذلك محسوبا.

 

ج / 30 ص -69-       ولو ترك الميت أخاه فأقر بأن للميت ابنا ثم أنكره ثم قال لا بل فلان ابنه فإن الأول يأخذ جميع ما في يده ولا شيء للآخر لأنه صار مقرا للأول بجميع ما في يده ثم إنكاره رجوع فيكون باطلا ولا شيء للآخر لأنه دفع إلى الأول جميع ما في يده بقضاء القاضي فلا يصير ضامنا للآخر شيئا ولو كان الإقرار منه بعد الدفع بغير قضاء قاض كان ضامنا للثاني جميع ما دفع إلى الأول لأنه دفعه باختياره وحين أنكره فقد زعم أنه لم يكن له في التركة حق وإنما كانت التركة للباقي وقد استهلكها عليه بالدفع إلى غير المستحق باختياره.
رجل مات وترك دارا وابنا ثم مات الابن وترك ابنين فأقر أحدهما بابن للميت الأول أعطاه ثلثي ما في يده لأنه زعم أن الميت الأول خلف ابنين وإن نصف تركته للمقر به والنصف الآخر بينه وبين أخيه نصفين بالميراث من أبيهما فحقه مثل نصف حق المقر به بزعمه فلهذا يعطيه ثلثي ما في يده وإن كان الابن حين مات ترك ابنتين فأقرت إحداهما بابن للميت الأول أعطته أربعة أخماس ما في يدها لأنها زعمت أن للمقر به النصف بالميراث من أبيه وإن النصف الباقي قد صار أثلاثا بموت أبيها للابنتين الثلثان وللأخ ما بقي فإذا بزعمها لها سدس الدار وللمقر به أربعة أسداس فيقسم ما في يدها بينهما على ذلك أخماسا.
ولو ترك ابنين من أم ولد له وترك دارا ثم مات أحدهما وترك ابنا وترك عبدا سوى نصيبه من الدار ثم أن عم الجارية أقر بأخ لأب فإنه يعطيه نصف ما وصل إليه من الدار ولا يعطيه مما ورث من العبد شيئا أما لا يعطيه من العبد شيئا لأن حصته من العبد ميراث من أخيه وبزعمه أن أخاه مات عن ابنه وأخ لأب وأم وأخ لأب ولا شيء للأخ لأب مع الأخ لأب وأم وأما الدار فهي ميراث من ابنه وهو يزعم أن المقر به مساو له فيما ورث من أبيه فلهذا يعطيه نصف ما وصل إليه من الدار قالوا وهذا غير صحيح لأن الواصل إليه في الحاصل ثلاثة أرباع الدار نصفه بالميراث من أبيه والربع بالميراث من أخيه وحق المقر به بزعمه في ثلث الدار فلا معنى لقوله يعطيه نصف ما وصل إليه من الدار إلا أن يكون مراده نصف ما وصل إليه بالميراث من أبيه وهو محتمل أيضا لأن بعض ما وصل إليه بالميراث من أخيه وذلك سدس الدار فهو يزعم أن رد ذلك كان مستحقا على أخيه وأنه أخذه بذلك الطريق فيثبت حق المقر به في ذلك الجزء فلا وجه سوى أن يقال موضوع المسألة فيما إذا خلف أحد الابنين ابنتين فحينئذ العائد إلى الأخ ثلث النصف فيجتمع في يده ثلث الدار فيؤمر بتسليم نصف ذلك إلى المقر به لإقراره أن ثلث الدار له إرث عن أبيه.
ولو أقر بأخ لأب وأم قاسمه ما وصل إليه من الدار والعبد نصفين لأن بزعمه أن المقر به مساو له في التركتين جميعا فما وصل إليه من التركتين يكون بينهما نصفين.
ولو مات وترك ابنين ثم مات أحدهما وترك ابنة فأقر الثاني بإمرأة للميت وأنها أمهما وأنكرت الابنة ذلك فإنه يعطيها مما في يده تسعة عشر سهما من خمسة وسبعين لأن فريضة الأول بزعمه من ستة عشر للمرأة سهمان ولكل بن سبعة ثم مات أحد الابنين وترك أما وابنة

 

ج / 30 ص -70-       وأخا فتكون هذه الفريضة من ستة ونصيبه من التركة الأولى سبعة وقسمة سبعة على ستة لا يستقيم فبضرب ستة عشر في ستة فيكون ستة وتسعين كان للأم من التركة الأولى سهمان ضربتهما في ستة فذلك اثنى عشر ولكل بن اثنان وأربعون ثم للأم من التركة الثانية السدس وهو سبعة فإذا ضممت سبعة إلى انثي عشر تكون تسعة عشر وللمقر من التركة الأولى اثنان وأربعون ومن التركة الثانية أربعة عشر فيكون ذلك ستة وخمسين فإذا جمعت بينهما كان خمسة وسبعين فلهذا يعطيها مما في يدها تسعة عشر سهما من خمسة وسبعين.
رجل مات وترك ابنين وألفي درهم فأخذ كل واحد منهما ألفا ثم مات أحدهما وترك مائة درهم والأخ وارثه وهما اخوان لأب وأم ثم أن الثاني أقر بأخ لأب فإنه يقاسمه هذه الألف ومائة درهم نصفين لأنه زعم أن حق الميت الثاني كان في ثلثي الألف وأن ما أخذه زيادة على حقه كان مستحق الرد عليه وإنما استوفى ذلك من تركته قضاء مما كان مستحقا عليه فيكون ذلك كله تركه للميت الأول وقد زعم أن هذا المقر به مساو له في تركته فلهذا قاسمه ما في يده نصفين.
وكذلك لو كان ترك أكثر من مائة درهم إلى ثلاثة آلاف فإن كان ترك أكثر من ثلاثة آلاف أخذ من ذلك ثلث الألف وأخذ من المقر ثلث الألف الذي كان في يده ولا حق له فيما بقي لأن المقر زعم أن حق المقربه في ثلث كل ألف وأن ذلك دين له على الميت الثاني فيأخذ ذلك القدر من تركته ثم ما بقي من ميراث الميت الثاني وقد ترك أخا لأب وأم وأخا لأب فيكون الميراث كله للأخ لأب وأم.
ولو أن رجلا في يده ألف درهم ورثها عن أبيه وهو مجهول النسب فأقر بأخ له من أبيه فقال المقر به أقررت ان هذا الالف تركها أبى وانك تزعم انك ابنه ولست ابنه فادفعها إلى فالقول قول الذي في يده الالف وللمقر به نصفها لأنه كان مستحقا لما بيده وإنما أقر للمقر به بنصفها ولا يأخذ أكثر من ذلك إلا أن يقيم البينة على نسبه فحينئذ يأخذ الجميع لأنه أثبت سبب استحقاقه بالبينة وليس للآخر سبب مثله فلا يزاحمه وفي الأول سبب استحقاقه بإقرار ذي اليد وهو ما أقر له إلا بالنصف وصحة إقرار ذي اليد باعتبار كونه وارثا للميت.
قال: وكذلك كل وارث ما خلا الزوج والمرأة إذا أقر أحدهما بوارث من جهة القرابة وأنكره المقر له أخذ جميع ما في يده إلا أن يقيم البينة على الزوجية وقد بينا هذا الفرق وما في المسألة من اختلاف الروايات في كتاب العين والدين.
رجل مات وترك أخاه لأبيه وأخاه لأمه فاقتسما المال ثم ادعى رجل أنه أخو الميت لأبيه وأمه فقال الأخ من الأب أنت أخي لأبي وأمي وقال الأخ من الأم أنت أخي لأبي وأمي فإن المقر به يقاسم الأخ من الأب بما في يده نصفين لأنه أقر أنه أخو الميت لأب مساو له في التركة والمقر له صدقه في ذلك وادعى زيادة عليه فيقاسمه ما في يده نصفين وفي يده خمسة أسداس التركة فقد وصل إلى المقربه سدسان ونصف سدس ولا يدخل في نصيب الأخ من

 

ج / 30 ص -71-       الأم لأن الأخ من الأم يزعم أنه مثله أخ لأم وإن نصيبه من التركة السدس وقد وصل إليه أكثر من ذلك فلهذا لا يزاحمه بشيء مما في يده.
ولو قال الأخ من الأم أنت أخي لأبي وأمي وأنكره الأخ من الأب فإنه يقاسم الأخ من الأم ما في يده نصفين لإقراره أنه مساو له في تركة الميت ولم يصل إليه شيء من التركة فيعطيه المقر نصف ما في يده.
ولو قال الأخ من الأم: أنت أخو الميت لأبيه وأمه كما قلت وقال الأخ لأب أنت أخي لأبي وأمي فإن المقر به يقاسم الأخ لأب ما في يده نصفين لما قلنا ثم يضم ذلك النصف إلى ما في يد الأخ من الأم فيقتسمان ذلك على ستة للأخ من الأم سهم وللمقر به خمسة لأن في زعم الأخ من الأم أن الميت خلف ثلاثة إخوة متفرقين فيكون للأخ لأم السدس والباقي للأخ لأب وأم ولا شيء للأخ لأب فإنما أخذ هو ما أخذ ظلما فيجعل ذلك كالتاوى وإنما حاصل التركة ما في أيديهما فيقسم بينهما أسداسا باعتبار زعمهما ولو كان صدقه الأخ من الأب فإنه يأخذ جميع ما في يد الأخ لأب لأن المستحق بالعصوبة ما في يده وقد أقر أنه مقدم عليه في الاستحقاق بالعصوبة ولا يدخل في نصيب الأخ من الأم سواء أقر له بذلك أو أنكره لأن ما أدعى من الإخوة لو كان ظاهرا كان السدس سالما بالفرضية للأخ لأم وليس في يده أكثر من ذلك.
ولو قال الأخ لأم: أنت أخو الميت لأبيه وكذبه الأخ لأب فإنه يقسم ما في يد الأخ لأم على سبعة لأن بزعمه أن الميت خلف أخا لأم وأخوين لأب فتكون القسمة من اثني عشر للأخ لأم سهمان وللأخ من الأب خمسة فيضرب المقر به فيما في يده بخمسة والمقر بسهمين فيكون ذلك بينهما أسباعا.
ولو ادعى رجلان أنهما أخو الميت لأبيه وأمه فقال الأخ لأب لأحدهما أنت أخي لأبي وأمي وكذب الآخر وقال الأخ لأم للآخر أنت أخي لأبي وأمي وكذب المقر بهما فيما بينهما فالذي أقر به الأخ لأب يأخذ منه نصف ما في يده لإقراره أنه مساو له في التركة والذي أقر به الأخ لأم يأخذ أيضا منه نصف ما في يده لإقراره أنه مساويه في التركة ولا يرجع أحدهما على الآخر بشيء لأن كل واحد منهما مكذب لصاحبه إلى أن يتصادق المقر بهما فحينئذ يقتسمان ما أخذ بينهما نصفين باعتبار تصادقهما.
ولو قال الآخ لأب لأحدهما: أنت أخ الميت لابنه وأمه كما قلت وكذب الآخر وقال الأخ لأم للآخر أنت أخ الميت لأبيه كما قلت وكذب بالذي أقر به الأخ لأب وكذب المقر بهما فيما بينهما فإن الذي أقر به الأخ من الأب يأخذ منه جميع ما في يده لإقراره أنه مقدم عليه فيما هو مستحق بالعصوبة ويقاسم الذي أقر به الأخ من الأم ما في يد الأخ من الأم على ستة لإقراره أن له خمسة أسداس التركة وللمقر السدس وفي يده جزء من التركة فيقاسمه ما في يده أسداسا وأن تصادق المقر بهما بعضهما ببعض أخذ الذي أقر به الأخ لأب منه جميع ما في

 

ج / 30 ص -72-       يده وقاسم ذلك الآخر نصفين ولا يرجع في نصيب الأخ لأم بشيء لأنه قد استوفى جميع حصته من الميراث بزعمه.
ألا ترى أنها لو قامت بينة بذلك أخذا جميعا ما في يد الأخ لأب ولو لم يكن لهما سبيل على ما في يد الأخ لأم ولو قال الأخ لأب لأحدهما أنت أخي لأبي وأمي وقال الآخر أنت أخي لأم وخرج الكلام منهما معا وصدقه الأخ لأم في الذي أقر أنه أخ لأم فالذي أقر به الأخ من الأم يأخذ من الأخ لأب السدس من جميع المال لأنه يزعم أن الميت خلف أخوين لأم وأخوين لأب فيكون للأخوين لأم الثلث لكل واحد منهما السدس وقد أخذ المعروف منهما السدس فيأخذ هذا المقر به سدسا آخر ولا يدخل في نصيب الأخ من الأم بشيء ثم ما بقي في يد الأخ لأب يقسم بينه وبين الآخر الذي أقر له بالإخوة لأب نصفين.
ولو كان الأخ لأب أقر بأخ من أبيه فدفع إليه نصف ما في يده بقضاء أو بغير قضاء ثم أقر بأخ لأم وصدقه فيه الأخ لأم فإن كان دفع النصف إلى الأول بقضاء قاض فإن المقر به الآخر يأخذ ثلث ما بقي في يده لأنه يزعم أن لهذا المقر به سدس التركة وأن له ثلث التركة وللمقر به الأول الثلث وقد دفع إلى الأول زيادة على حقه بقضاء القاضي فلا يكون ضامنا لذلك ولكن يقسم ما بقي في يده بينه وبين المقر به على مقدار حقهما فإذا أخذ ثلث ما في يده ضمه إلى ما في يد الأخ لأم فيقتسمان ذلك نصفين لأن تصادقهما أن حقهما في التركة سواء وإن كان دفع إلى الأول بغير قضاء أخذ منه خمس ما في يده وهو سدس جميع المال ولا يدخل في نصيب الأخ لأم لأن الأخ لأب قد أقر له بسدس كامل وما دفعه إلى الأول بغير قضاء محسوب عليه من نصيبه فيجعل ذلك كالقائم في يده فلهذا يعطيه كمال نصيبه بزعمه.
وأن ترك الرجل أخا لأم وأختا لأب وعما فاقتسموا التركة وأخذت الأخت لأب النصف والأخت لأم السدس والعم ما بقي فادعت امرأة أنها أخت الميت لأب وأم فقالت الأخت من الأم أنت أختي لأبي وأمي وقالت الأخت لأب أنت أختي لأبي وأمي وكذبهما العم فالمقر بها تأخذ نصف ما في يد الأخت لأب ولا يدخل في نصيب الأخت لأم لأن الأخت لأب أقرت أنها تساويها في تركة الميت فتأخذ نصف ما في يدها والأخت لأم زعمت أن نصيبها سدس التركة وقد وصل إليها الربع فكيف يدخل في نصيبها سدس التركة ولو كذبتها الأخت من الأب مع العم قسم ما في يد الأخت من الأم بينهما نصفان لإقرارها أنها تساويها في سبب الاستحقاق ولم يصل إليها شيء من التركة.
ولو قالت الأخت من الأم أنت أخت الميت لأبيه وأمه وكذبت الآخرتان بها قسم ما في يد الأخت لأم على أربعة لأنها تزعم أن لها النصف من التركة ثلاثة من ستة فتضرب هي فيما في يد الأخت لأب بثلاثة والأخت لأم بسهم فإن صدقت الأخت من الأب بما قالت الأخت من الأم قسم ما في يد الأخت من الأب وما في يد الأخت من الأم على خمسة ثلاثة أسهم للمقر بها وسهم للأخت من الأب وسهم للأخت من الأم لأنهم تصادقوا فيما بينهم على أن.

 

ج / 30 ص -73-       نصيب كل واحدة منهن من التركة هذا المقدار ولو لم يقر بها واحدة منهما ولكن العم أقر بأخت للميت لأب وأم قسم ما في يد العم على أربعة لأن العم يزعم أن حقها في نصف التركة ثلاثة وحقه في سهم فإنما تضرب هي بثلاثة والعم بسهم.
ولو ترك أباه وأمه فأقرت الأم بأخوين للميت وكذبها الأب في ذلك فالفريضة من ستة للأم السدس وللأب الثلثان ويوقف السدس الباقي في يد الأم لأنها أقرت أن هذا السدس للأب دونها فإن الأخوين يحجبانها من الثلث إلى السدس والأب كذبها في هذا الإقرار وزعم أن الثلث لها فيبقى موقوفا في يدها إلى أن يصدقها الأب ولا شيء للأخوين لأنهما لو كانا معروفين ما استحقا شيئا مع الأب وكذلك أن صدقها الأب في أحدهما لم تأخذ السدس حتى يصدقها فيهما لأن الأخ الواحد لا يحجب الأم من الثلث إلى السدس فإذا صدقها فيهما أخذ سدس الباقي لأنها أقرت له بذلك بسبب لا يحتمل الفسخ فلا يبطل بتكذيبه وتصديقه إياها في الانتهاء كتصديقه إياها في الابتداء.
ولو ترك ابنته وأخاه لأبيه وأمه وامرأته فأقرت الابنة بامرأة للميت فإن صدقتها المعروفة في ذلك فالمقر بها تقاسم المعروفة ما في يدها نصفين ولا تدخل في نصيب الابنة لأن ميراث النساء في يد المعروفة وقد أقرت بها وأن كذبتها المعروفة قسم ما في يد الابنة على سبعة وعشرين سهما لأن بزعم الابنة أن الفريضة من ثمانية للمرأتين الثمن بينهما نصفين لا يستقيم فتكون القسمة من ستة عشر للابنة من ذلك ثمانية ولكل امرأة سهم فالابنة تضرب فيما في يدها بثمانية والمقر بها بسهم فتكون القسمة على تسعة وفي الكتاب خرجه من ثلاثة أمثاله فأعطى المقر بها ثلاثة من سبعة وعشرين ولا فرق بين سهم من تسعة وبين ثلاثة من سبعة وعشرين ولو كانت المرأة المعروفة هي التي أقرت بابنة للميت فصدقتها الابنة المعروفة جمع ما في يد الابنة وما في يد المرأة المعروفة فاقتسموا ذلك على تسعة عشر سهما لأنهما اتفقا على أن القسمة من أربعة وعشرين للابنتين الثلثان ستة عشر وللمرأة الثمن ثلاثة فيقسم ما في أيديهما على ما اتفقا عليه ولا يقال عند تصديق الابنة ينبغي أن لا تدخل المقر بها في نصيب المرأة كما في المسألة الأولى وهذا لأن جميع ميراث النساء هناك كان في يد المعروفة وهنا لم يحصل في يد الابنة المعروفة ميراث الابنتين لأن في يدها النصف وميراث الابنتين الثلثان ولو كذبتها الابنة المعروفة قسم ما في يد المرأة على أحد عشر سهما لأنها تضرب بثلاثة والمقر بها بثمانية كما أقرت لها به وأن صدقها الأخ جمع ما في يد الأخ وما في يد المرأة فيقتسمون ذلك على ستة عشر سهما لأن بزعمهما أن للمرأة ثلاثة وللمقر بهما ثمانية وللأخ خمسة فيقسم ما في يديهما على هذا باعتبار زعمهما فلو لم تقر المرأة بها ولكن الأخ أقر بها فإنه يقسم ما في يد الأخ على ثلاثة عشر سهما لأن بزعم الأخ لها ثمانية وله خمسة ولو ترك ابنا فأقر بأخ ودفع إليه نصف ما في يده ثم أن المقر به أقر بأخ وكذبه الابن المعروف في ذلك فإن المقر به يأخذ نصف ما في يد المقر به الأول لأنه صار أحق بما وصل إليه بإقرار

 

ج / 30 ص -74-       الابن المعروف وقد زعم أن المقر به الثاني مساو له في ذلك فإن دفع إليه بقضاء أو بغير قضاء ثم أقر باخ له آخر وصدقه فيه الابن المعروف وكذب المقر بهما بعضهما بعضا فإن كان الأخ المقر دفع نصف ما في يده إلى الأول بقضاء أخذ المقر به الآخر منه خمس ما بقي في يده لأنه لا ضمان عليه في شيء مما دفعه إلى الأول بقضاء القاضي يبقى ما في يده وهو يزعم أن حقه في سهم من أربعة ونصف ذلك في يده ونصفه في يد أخيه وهو مقر له بذلك والباقي وهو ثلاثة بين المقر بهما الأولين نصفين لكل واحد منهما سهم ونصف فانكسر بالانصاف فأضعفه فيكون خمسة فلهذا يأخذ ثلثي ما بقي فإنما يضرب هو فيما في يده بسهم من أربعة والمقر بسهم ونصف فانكسر بالإنصاف فاضعفه فيكون خمسة فلهذا يأخذ خمسى ما بقي في يده فيضمه إلى ما في يد الابن المعروف فيقتسمان ذلك نصفين لتصادقهما على أن حقهما في التركة سواء وأن كان دفع بغير قضاء أخذ منه المقر به الآخر ربع ما كان في يده لأنه أقر أن له الربع من كل جزء من التركة فإن الميت بزعمه خلف أربعة بنين وما دفعه بغير قضاء محسوب عليه فيجعل كالقائم في يده فيدفع إلى المقر به الآخر جميع حقه وهو ربع ما كان في يده فيضمه إلى ما في يد الابن المعروف فيقتسمان ذلك نصفين فإن تصادق المقر بهما فيما بينهما أخذ المقر به الآخر ثلث ما بقي في يد الابن المعروف لأنه يزعم أن الميت خلف ثلاثة بنين وأن حق هذا المقر به الآخر في ثلث التركة وفي يده جزء من التركة فيدفع ثلث ذلك فيضمه إلى ما في يد المقر به الأول فيقتسمونه أثلاثا لتصادقهم على أن حقهم في التركة سواء والله أعلم.

باب الإقرار بعد قسم الميراث
قال رضي الله عنه: وإذا مات الرجل وترك ابنين وترك عبدين أو عبدا ودارا وأخذ كل واحد منهما أحدهما ثم أقر أحدهما بآخر وكذبه الآخر فإنه يعطيه ثلث ما في يده وربع قيمة ما صار لصاحبه لأن المقر يزعم أن الميت خلف ثلاثة بنين وأن حق المقر به في ثلث التركة وفي يده جزء من التركة فيعطيه ثلث ذلك وما أخذه أخوه كان في يدهما في الأصل نصفه في يد الآخر فلا يضمن المقر شيئا من ذلك للمقر به ونصفه كان في يده سلمه لأخيه فيغرم للمقر به حصته من ذلك وحصته نصف ذلك النصف ليستوي به في التركة بزعمه فلهذا يغرم له ربع قيمة ما صار لأخيه.
ولو أقر أحدهما بأخت وكذبه الآخر أعطاها خمس ما في يده وخمس قيمة ما صار لصاحبه لأن للميت بزعمه ابنين وابنة فحقها في خمس التركة فيعطيها خمس ما في يده لأن النصف الذي دفعه إلى أخيه لو كان في يده كان حقها في ثلث ذلك لأن حق المقر ضعف حق المقر به وإنما يغرم لها ثلث النصف وذلك سدس الكل.
ولو أقر بأخ وأخت وكذبه الآخر فيهما وتكاذب فيما بينهما فإنه يعطي الأخت سبع ما بقى يده وعشر قيمة ما صار لصاحبه لأن للميت بزعمه ثلاثة بنين وابنة فيكون نصيب الابنة

 

ج / 30 ص -75-       سهما من سبعة فيعطيها سبع ما في يده وعشر قيمة ما صار لصاحبه لأن النصف الذي دفعه لصاحبه من ذلك لو كان في يده كان يعطيها خمس ذلك النصف فإن ذلك النصف يقسم بين المقر والأخ المقر به والأخت للذكر مثل حظ الأنثيين فيكون حقها في خمس ذلك وخمس النصف عشر الجميع ويعطي الأخ مثل ذلك لأن نصيب الأخ بزعمه سهمين من سبعة فيعطيه سبعي ما في يده وخمس قيمة ما صار لأخيه لأن حقه بزعمه في خمس نصف ذلك ولو كان أقر بأختين معا فإنه يعطي كل واحدة منهما سدس ما في يده لأن للميت بزعمه ابنين وابنتين فنصيب كل واحدة من الابنتين سدس التركة فيعطي لكل واحدة منهما سدس ما في يده وثمن قيمة ما صار لصاحبه لأن النصف الذي سلمه إلى صاحبه لو كان في يده كان يعطي كل واحدة منهما ربع ذلك فإن ذلك النصف بين المقر والمقر بهما للذكر مثل حظ الأنثيين فإنما يغرم لكل واحدة منهما ربع ما في يده، في الحكم وذلك النصف وربع النصف ثمن الكل.
ولو أقر بأخوين معا فإنه يعطي لكل واحد منهما ربع ما في يده لأن النصف الذي كان في يده من ذلك لو لم يدفعه إلى صاحبه لكان يقسم ذلك بينهم أثلاثا لاستواء حقهم في التركة فإنما يغرم لكل واحد منهما ثلث النصف وهو سدس الجميع ولو ترك ابنين وابنة وعبدين ودارا فاقتسموا فأخذت الابنة عبدا وأخذ أحد الابنين عبدا والآخر الدار فاقرت الابنة بأخ أعطته سبعى ما في يدها وقيمة جزء من خمسة عشر جزأ مما صار لكل واحد من الأخوين لأن للميت بزعمها ثلاثة بنين وابنة فتكون القسمة بينهم على سبعة لكل بن سهمان فلهذا أعطته سبعى ما في يدها وقد كان في يدها مما وصل إلى كل واحد من الأخوين الخمس باعتبار نصيبهم في التركة فذلك الخمس لو كان في يدها لكان بينها وبين المقر به أثلاثا وظهر ان حق المقر به في ثلثى خمس ما صار لكل واحد منهما وذلك جزآن من خمسة عشر جزأ فإن خمس خمسة عشر جزأ ثلاثة وثلثاه جزآن فلهذا تغرم للمقر به جزئين من خمسة عشر مما صار في يد كل واحد من الأخوين.
ولو كانت أقرت بأخت أعطتها سدس ما في يدها وعشر قيمة ما صار لكل واحد من الأخوين لأن للميت بزعمها ابنين وابنتين فتكون القسمة من ستة لكل بن سهمان ولكل ابنة سهم فلهذا أعطتها ثلث ما في يدها وكان في يدها مما وصل إلى كل واحد من الأخوين الخمس وكان ذلك بينها وبين الأخت المقر بها نصفين وخمس النصف عشر الجميع فلهذا تغرم لها عشر ما صار لكل واحد منهما.
ولو أقرت بأخ وأخت فإنها تعطي الأخ ربع ما في يدها وعشر قيمة ما صار لكل واحد من الأخوين لأنه كان في يدها خمس ما صار لكل واحد من الأخوين فكان مقسوما بينها وبين المقر بهما أرباعا نصف ذلك للأخ والربع لكل أخت ونصف الخمس عشر الجميع فلهذا تغرم عشر قيمة ما صار للأخوين وتعطي الأخت مثل نصف ذلك لأن حقها مثل نصف الأخ ولو أقرت بأخوين معا أعطت كل واحد منهما تسعى ما في يدها لأن للميت بزعمها أربعة بنين وابنة

 

ج / 30 ص -76-       فتكون القسمة من تسعة لكل بن سهمان فلهذا تعطي كل واحد منهما تسعى ما في يدها وقيمة جزئين من خمسة وعشرين جزأ مما صار للأخوين لأنه كان في يدها خمس ما صار لكل واحد منهما ولو بقي ذلك في يدها لكان مقسوما بينها وبين المقر بهما أخماسا فإنما تغرم لكل واحد منهما خمس الخمس فاحتجنا إلى حساب له خمس ولخمسه خمس وأقل ذلك خمسة وعشرون خمسه خمسة وخمسا خمسة سهمان فلهذا غرمت لكل واحد منهما جزئين من خمسة وعشرين جزأ مما صار للأخوين.
ولو كانت أقرت بأختين أعطت كل واحدة منهما سبع ما في يدها لأن للميت بزعمها ثلاث بنات وابنين فتكون القسمة من سبعة فلهذا أعطت كل واحدة سبع ما في يدها وقيمة جزء من خمسة عشر جزأ مما صار للأخوين لأن ما كان في يدها وهو الخمس مما صار للأخوين لو لم تدفعه إلى الأخوين لكان مقسوما بينها وبين المقر بهما أثلاثا فحق كل واحدة منهما في ثلث ذلك الخمس وهو جزء من خمسة عشر من الكل ولو كان أحد الابنين أقر بأخ وأخت وكذبه الآخران فيهما فإنه يعطي للأخت ثمن ما في يده لأن للميت بزعمه ثلاثة بنين وبنتين فتكون القسمة من ثمانية فلهذا أعطى الأخت ثمن ما في يده وقيمة جزء من خمسة وعشرين جزأ مما صار للأخوين فإنه كان في يده باعتبار الأصل خمسا ما صار لكل واحد من الأخوين فلو كان ذلك في يده لكان يقسم بينه وبين المقر بهما أخماسا للأخت خمسا ذلك وخمسا خمسة وعشرين عشرة فخمس ذلك سهمان فلهذا يغرم للأخت قيمة جزئين من خمسة وعشرين جزأ مما صار للأخوين ويعطي الأخ مثل ذلك لأن حقه في التركة سواء ضعف حق الأخت ولو كان أقر بأخوين معا فإنه يعطي كل واحد منهما تسعى ما في يده لأن للميت بزعمه أربعة بنين وابنة فتكون القسمة من تسعة ونصيب كل بن سهمان فيعطي كل واحد منهما تسعى ما في يده لهذا ويغرم لكل واحد منهما جزئين من خمسة عشر جزأ مما صار للأخوين لأنه كان في يده باعتبار الأصل خمسا ما في يد كل واحد من الأخوين ولو بقي ذلك في يده لكان مقسوما بينه وبين المقر بهما أثلاثا فإنما يغرم لكل واحد منهما ثلثي الخمس لأن ثلثي الخمس جزآن من خمسة عشر جزأ.
ولو ترك ابنا وابنتين وعبدين وأمة فاقتسموا فأخذ الابن الأمة وكل ابنة عبدا ثم أقرت إحدى الابنتين بأختين أعطت كل واحدة منهما سدس ما في يدها لأن للميت بزعمها بن وأربع بنات فتكون القسمة من ستة لكل ابنة سهم فهذا تعطي كل واحدة منهما سدس ما في يدها وقيمة جزء من اثنى عشر جزأ مما صار للأختين لأنه كان في يدها باعتبار الأصل ربع ما في يد كل واحدة منهما ولو بقي ذلك في يدها لكان مقسوما بينها وبين المقر بهما أثلاثا بالسوية فإنما تغرم لكل واحدة منهما ثلث الربع وهو جزء من اثنى عشر لأن ربع اثنى عشر ثلاثة.
ولو كانت أقرت بأخوين وأخت معا أعطت الأخت تسع ما في يدها لأن للميت بزعمها ثلاثة بنين وثلاث بنات فتكون القسمة من تسعة ونصيب الأخت سهم فتعطيها تسع ما في يدها

 

ج / 30 ص -77-       وقيمة جزء من أربعة وعشرين جزأ مما صار للأخوين، لأنه كان في يدها ربع ما صار لكل واحد منهما ولو بقي ذلك في يدها لكان مقسوما بينها وبين المقر بهما أسداسا للأخت سدس ذلك وسدس الربع جزء من أربعة وعشرين لأن ربع أربعة وعشرين ستة وسدسه جزء واحد وتعطي للأخ مثلي ذلك لأن نصيبه ضعف نصيبها.
ولو كان الابن أقر بثلاث أخوات متفرقات معا وكذبته الأختان في ذلك أعطي كل واحدة منهن سبع ما في يده لأن للميت بزعمه ابنا وخمس بنات فتكون القسمة من سبعة لكل ابنة سهم ويغرم لكل واحدة منهن قيمة جزئين من عشرين جزأ مما صار للأختين لأنه كان في يده باعتبار الأصل نصف ما صار لكل واحدة منهما فلو بقى ذلك في يده يكون مقسوما بينه وبين المقر بهن أخماسا فإنما يغرم لكل واحدة منهن خمس النصف وخمس النصف عشر الجميع فكان ينبغي أن يقول جزأ من عشرة أجزاء ولكنه بني هذا على ما تقدم من القسمة بالأرباع حين كانت المقرة بالابنة فجعل في يد الابن جزئين من أربعة فذكر أنه يغرم لكل واحدة منهن جزأين من عشرين لهذا.
ولو كان أقر بأخوين وأختين معا فأعطى كل أخ خمس ما في يده لأن للميت بزعمه ثلاث بنين وأربع بنات فتكون القسمة من عشرة لكل بن سهمان وسهمان من عشرة الخمس فلهذا يعطي الأخ خمس ما في يده وثمن ما صار للأختين معا لأن ما في يده باعتبار الأصل نصف ذلك ولو بقي ذلك في يده لكان مقسوما بينه وبين المقر بهم على ثمانية لكل أخ سهمان ولكل أخت سهم فإنما يغرم للأخ ربع النصف مما صار لكل أخت وربع النصف ثمن الجميع فلهذا قال يغرم للأخ ثمن ما صار للأختين ثم يعطي كل أخت مثل نصف ذلك لأن نصيب الأخ مثل نصيب الأختين فيكون نصيب كل أخت مثل نصف نصيب الأخ وعلى هذا جميع هذا الوجه وقياسه والله أعلم بالصواب.