المحيط البرهاني في الفقه النعماني

الفصل الثالث والعشرون: في مسائل الظهار وكفارته
يجب أن تعلم بأنّ ركن الظهار تشبيه منكوحته بظهر أمّه، بأن يقول لامرأته: أنتِ عليّ كظهر أمّي، فإنه لا يصح الظاهر؛ لأنّ حكم الظاهر ثبت بالنصّ والنصّ خاص في حقّ المنكوحات، قال الله تعالى: {الَّذِينَ يُظَهِرُونَ مِنكُمْ مّن نّسَآئِهِمْ مَّا هُنَّ أُمَّهَتِهِمْ إِنْ أُمَّهَتُهُمْ إِلاَّ اللاَّئِى وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَراً مّنَ الْقَوْلِ وَزُوراً وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ} (المجادلة: 2) وأن تكون المشبه بها محرّمة حرمة مؤبدة، حتّى لو شبّهها بالمحرمة حرمة مؤقتة كالمطلقة ثلاثاً لا يصحّ الظهار؛ لأنّ الأصل في هذا الباب التشبيه بالأم، وحرمة الأمّ ثابتة على سبيل التأبيد، وإذا شبّهها بذوات محارمة كالعمّة والخالة والأخت أو أشبّاههن ممن حرمت عليه برضاع أو صهرية، كأم المرأة وامرأة الأب كان مظاهراً لأن حرمة هؤلاء مؤبّدة.
ولو شبّهها بأخت امرأته أو بامرأةٍ لها زوج أو مجوسيّة أو مرتدة لم يكن مظاهراً؛ لأن حرمة هؤلاء غير مؤبدة. ولو شبهها بامرأةٍ زنى بها أبوه أو ابنه فهو مظاهر في قول أبي يوسف رحمه الله، وقال محمد: لا يكون مظاهراً، وهذا بناءً على أنّ حاكماً لو حكم بجواز نكاحها لم ينفذ في قول أبي يوسف، وقال محمّد رحمه الله: ينفذ.
وجه البيان: أنّ عند أبي يوسف لمّا لم ينفذ حكم الحاكم علم أنَّ الحرمة مؤبدة نظير حرمة الأم، وعند محمّد لمّا نفذ حكم الحاكم علم أنّ الحرمة مؤقتة، فلا يكون نظير حرمة الأمّ قول أبي يوسف: أنّ الحكم بجواز نكاح هذه حكم بخلاف النصّ، قال الله تعالى {وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ ءابَاؤُكُمْ مّنَ النّسَآء إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَحِشَةً وَمَقْتاً وَسَآء سَبِيلاً} (النساء: 22) والنكاح عبارة عن الوطء. وجه قول محمّد رحمه الله: أنّ

(3/428)


العلماء اختلفوا في حرمة هذه المرأة فكان الحكم بجواز نكاحها حكماً في محلّ مجتهد فيه، والنكاح كما يذكر ويراد به الوطء يذكر ويراد به العقد بل إرادة العقد فيه أغلب في العرف، فلم يكن هذا حكماً بخلاف النصّ.
ولو قبّل أجنبيّة بشهوة أو نظر إلى فرجها بشهوة ثمَّ شبّه زوجته بابنتها لم يكن هذا مظاهراً في قول أبي حنيفة رحمه الله، ولا يشبه هذا الوطء وقال أبو يوسف رحمه الله: يكون مظاهراً (281أ1) ، وأبو حنيفة رحمه الله يقول: الحرمة بالوطء ثابتة بالنصّ كما قال أبو يوسف رحمه الله في المسألة المتقدّمة، وبالتقبيل والنظر يثبت باعتبار الإلحاق بالمنصوص عليه لكون هذه الأشياء وسيلة إلى الوطء، فكانت هذه الحرمة أضعف من تلك الحرمة بالنّظر إلى الفرج منصوص عليه قال عليه السلام: «ملعون من نظر إلى الفرج.... امرأة، وابنتها» ، فكانت هذه الحرمة نظير الحرمة الثانية بالوطء، وعلى هذا الاختلاف رجل مسّ جاريته ثمَّ قال أبوه لامرأته: أنتِ عليّ كظهر هذه الجارية.

وإن كان الرجل قد جامعها وباقي المسألة بحالها فهو مظاهر بلا خلاف، وحكم الظهار حرمة مؤقتة إلى غاية الكفارة مع بقاء أصل الملك، عرف ذلك بقوله تعالى: {الَّذِينَ يُظَهِرُونَ مِنكُمْ مّن نّسَآئِهِمْ مَّا هُنَّ أُمَّهَتِهِمْ إِنْ أُمَّهَتُهُمْ إِلاَّ اللاَّئِى وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَراً مّنَ الْقَوْلِ وَزُوراً وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ} (المجادلة: 2) وبقوله عليه السلام لسلمة بن محمد حين ظاهر من امرأته، ثمَّ واقعها قبل الكفارة «استغفر الله ولا تعد حتّى تكفّر» .
وأهل الظهار من كان من أهل التحريم والكفارة حتّى لا يصحّ ظهار الصبي والمجنون (لأنهما) ليسا من أهل التحريم كما في الطلاق، وكذلك ليسا من أهل وجوب الكفارة عليهما.
والذمي ليس من أهل وجوب الكفارة عليه إن كان من أهل التحريم؛ لأنّ الكفارة عبادة بدليل أنّها تُفادى بالصوم عبادة، والذمي ليس من أهل العبادة.
ولا تكون المرأة مظاهرة من زوجها؛ لأنّ موجب الظهار التحريم كالطلاق، والطلاق يختص بالزوج وكذا الظهار، وعن أبي يوسف رحمه الله: أنّه يلزمها الظهار كفارة؛ لأنّ المعنى في جانب الرجل تشبيه المحلّلة بالمحرّمة، وهذا المعنى موجود في جانب المرأة؛ لأنّ الحل مشترك بينهما، وقال الحسن: تلزمها كفارة اليمين؛ لأنّ هذا من المرأة بمنزلة تحريم الزوج على نفسها، وتحريم الحلال يمين، وذكر في بعض المواضع الخلاف بين أبي يوسف والحسن رحمهما الله على عكس هذا.
وإذا قال لها: أنتِ عليّ كظهر أمّي لم يكن إلا ظهاراً ونوى الطلاق، أو لم ينوِ

(3/429)


شيئاً، وأمّا إذا لم ينوِ شيئاً أو نوى الظهار فكأنّه صرح في الظهار، وأمّا إذا نوى الطلاق فلأنّ حكم الطلاق منسوخ في هذا الباب، ونيّة المنسوخ باطلة.A

ولو قال لها: أنتِ عليّ كظهر أمّي فهو مظاهر، ولو قال: كظهر ابنتك فلانة يريد به ابنتها من غيره، وإن كان دخل بامرأته فهو مظاهر، وهذا بناءً على ما عرف في كتاب النكاح أن الأمّ تحرم بمجرّد عقد البنت و (البنت) لا تحرم بمجرّد عقد الأم.
ولو قال: أنتِ عليّ كأمّي أو قال: أنتِ عليّ مثل أمّي، فإن نوى ظهاراً أو طلاقاً فهو على ما نوى؛ لأنّه ليس بصريح في الظهار ولا في الطلاق، ولكن يحتمل الظهار بأن قصد تشبيهها بالأمّ في الحرمة كذباً، ويحتمل الطلاق بأن قصد إيجاب الحرمة دون الكذب، فأيّ ذلك نوى حجب بيّنته، فإن أراد به اليد والكرامة لا تلزمه؛ لأنّ ما نواه محتمل، ومعناه: أنتِ عندي في استحقاق البرو الكرامة كأمّي، وإن لم يكن له نيّة فعلى قول أبي حنيفة رحمه الله هو ليس بشيء؛ لأنّ هذا الكلام يحتمل معنى البرّ والكرامة، وهو أولى فيحمل عليه أخذاً...... وقال محمّد رحمه الله هو ظهار؛ لأنّ في التشبيه بجميع الأم تشبيه بظهارها وزيادة، ثمَّ ذاك ظهار بلا نيّة، فهذا كذلك.
وعن أبي يوسف رحمه الله أنّه قال: إذا كان في غضب فهو يمين، إن تركها أربعة أشهر ولم يقربها بانت منه بتطليقة؛ لأنّ في حمل كلامه على الطلاق حمله على الصدق، وفي حمله على الظهار حمله على الكذب، فكان الأوّل أولى، وعنه رواية أخرى: أنّه إذا كان في غضب فهو على الظهار.
وعن محمّد رحمه الله إذا قال: أنت مثل أمّي يريد به التحريم، فهو ظهار وإن لم يكن له نيّة فهو باطل، وفرق بين هذا وبينما إذا قال لها: أنتِ عليّ مثل أمّي.

وعنه أيضاً: إذا قال لها أنتِ أمّي يريد الطلاق فهو باطل؛ لأنّه كذب، وكذلك إذا قال لها: إن فعلت كذا فأنتِ أمّي يريد به التحريم ثمَّ يفعل ذلك وهو باطل، ولو قال لها: أنتِ عليّ حرام كأمّي، فإن نوى الطلاق كان طلاقاً، وإن نوى الظهار أو نوى التحريم لا غير أو لم تكن نيّة فهو ظهار؛ لأنّ معنى البرّ انتفى بقران التحريم بحرف التشبيه، فبقي احتمال الظهار والطلاق، فأيُّ ذلك ينوي صحت نيّته، وعند عدم النيّة يحمل على الظهار؛ لأنّه أدنى.
ولو قال لها: أنتِ عليّ حرام كظهر أمّي فعلى قول أبي حنيفة رحمه الله: ظهار على كلّ حال، وقال أبو يوسف ومحمّد رحمهما الله: إذا نوى الطلاق أو نوى الإيلاء فهو على ما نوى؛ لأنّ لفظة التحريم يشترك فيه الإيلاء والطلاق، فأيّهما نوى صح وصار قوله: كظهر أمّي مؤكداً لما نوى، ولأبي حنيفة رحمه الله: أنّ التشبيه بظهر الأم محكم في الظهار، وقوله: أنتِ عليّ حرام يحتمل في نفسه، والجملة واحد وردّ المحتمل إلى المحكم في الكلام الواحد أولى من ردّ المحكم إلى المحتمل.

(3/430)


وعن أبي يوسف رحمه الله إذا قال لها: أنتِ عليّ حرام كظهر أمّي، فأراد بالحرام الطلاق أَلْزَمْتُهُ الطلاق ولا أصدّقه في إبطال الظهار؛ لأنّ هذا الكلام صريح في الظهار فهو بنيته يريد حرف الكلام عن ظاهره، وليس له هذه الولاية فيلزم به، وكذلك إذا أراد بالحرام اليمين ألزمه اليمين ولا أصدّقه في إبطال الظهار، فيكون مولياً ومظاهراً.

ولو قال لامرأته: أنتِ عليّ كفرج أمّي ولا نيّة له فهو ظهار. وهكذا ذكر في «الجامع الصغير» ، لأنّ هذا التشبيه فوق التشبيه بظهر الأم يلزمه لفرجها على ظهرها في الحرمة، وهذا دليل على أنّ حكم الظهار لا يختص بالتشبيه بظهر الأم، وهكذا ذكر القدوري، والمذكور في «القدوري» : إذا شبّه امرأته بعضو في أمّه إن كان لا يجوز النظر إليه كالبطن والفخذ والفرج فهو ظاهر، وفي موضع آخر قال: ويشترط أن يكون ذلك العضو يعبّر به عن جميع البدن؛ لأن الأصل في الظهار التشبيه كظهر الأم، وظهر الأم عضو لا يجوز النظر إليه، ويعبّر به عن جميع البدن بكلّ عضو لا يجوز النظر إليه، ويعبّر عن جميع البدن كان ملحقاً بالظّهر في حقّ هذا الحكم وما لا فلا.
ولو شبّه عضواً في امرأته بظهر أمّه فإن شبّه عضواً يعبّر به عن جميع البدن بظهر أمّه، أو شبّه جزءاً شائعاً من امرأته بظهر امرأته فهو مظاهر، وإن شبّه عضواً من امرأته لا (281ب1) يعبّر به عن جميع البدن كاليد والرجل لا يصير مظاهراً عندنا، والكلام فيه نظير الكلام في الطلاق.
وفي القدوري: إذا قال لها: أنا منك مظاهر أو ظاهرت منك وعنى الإيجاب، فهو مظاهر، وروى بشر عن أبي يوسف رحمهما الله: لو قال لها: أنتِ منّي مظاهر، فهو باطل. ولو قال لها: أنتِ منّي كظهر أمّي أو عندي أو معي فهو مظاهر؛ لأنّ هذه الحروف يُقام بعضها مقام البعض.
ولو ظاهر مدّة معلومة يوماً أو شهراً عن مضي الوقت سقط الظهار عندنا، فالأصل عندنا: أنّ الظهار كما يصحّ مطلقاً يصح مؤقتاً؛ لأنّ حكم الظهار حرمة مؤقتة إلى غاية الكفارة شرعاً، وكذلك دليل على قبول التأقيت من قبل الزوج وبه فارق الطلاق.
وفي «المنتقى» : إذا قال لها: أنتِ عليّ كظهر أمّي غداً، أو بعد غدٍ فهو ظاهر واحدة، ولو قال: أنتِ عليّ كظهر أمّي غداً ولها إذا جاء بعد غد فهما ظهاران، إن كفّر اليوم لم يجز عن الظهار الذي يقع بعد الغد.

وفيه أيضاً: إذا قال لها أنتِ عليّ كظهر أمّي رمضان كلّه ورجب كلّه، فكفّر في رجب سقط عنه ظهار رجب وظهار رمضان استحساناً والظهار واحد، وإن كفّر في شعبان لم يجزه؛ لأنّه كفّر وهو غير مظاهر. قال أرأيت لو قال لها: أنتِ عليّ كظهر أمّي أبداً إلا يوم الجمعة ثمَّ كفّر، إن كفّر عن يوم الاستثناء لم يجزه، وإن كفّر في اليوم الذي هو مظاهر فيه أجزأه عن الكل، وروى الحسن بن زياد عن أبي يوسف رحمهما الله: إذا قال لها أنتِ عليّ كظهر أمّي إلى شهر، قال: لا يكون مظاهراً قبل مضيّ الشهر وإذا مضى صار مظاهراً.

(3/431)


ومما يُحرِّم الوطء على المظاهر إلى غاية الكفارة، فكذا تحرم الدواعي نحو المسّ، والتقبيل وما أشبه ذلك، وروى ابن رستم عن محمّد رحمهما الله: إذ قال: يقبّل المظاهر امرأته بغير شهوة إذا قدم من السفر كما يقبّل أمّه، ويصحّ تعليق الظهار بالشرط؛ لأنّ الظهار يسبّب الحرمة فكان نظير الطلاق، فيصحّ تعليقه بالشرط كما يصح تعليق الطلاق بالشرط.
وروى بشر عن أبي يوسف رحمه الله: إذا قال لها: أنتِ عليّ كظهر أمّي رأس الشهر، ولو علّق الطلاق بشرط ثمَّ أبانها ثمَّ وجد الشرط لا يثبت الظهار؛ لأنَّ المعلّق بالشرط عند وجود الشرط كالمرسل.
ولو أرسل الظهار بعد البينونة لا يصحّ؛ لأنّ حكم الظهار حرمة مؤقتة، وسببه تشبيه المحلّلة بالمحرّمة، وكل ذلك لا يتصوّر بعد ثبوت الحرمة بالبينونة، وهذا بخلاف ما لو علّق البينونة بالشرط ثمَّ أبانها، ثمَّ وجد الشرط حيث يقع الطلاق؛ لأنّ البينونة إذا صحّ تعليقها بالشرط صار تقديره: كأنّه علّق الطلاق الثاني بالشرط فينزل الشرط طلاق بائن، وإيقاع الطلاق على المبانة صحيح، وإذا قال لها: إن ... فأنتِ عليّ كظهر أمّي، فبان ذلك في محلته لها لزمها الظهار، وهذا والطلاق سواء، ذكر في «الأصل» .

وفيه أيضاً: إذا ظاهر هو من امرأته، ثمَّ قال لامرأة أخرى له: أنتِ عليّ مثل هذه ينوي الظهار فهو مظاهر، وكذلك إذا ظاهر الرّجل من امرأته: ثمَّ قال رجل لامرأته أنتِ عليّ مثل امرأة فلان فهو مظاهر منها، وكذلك إذا ظاهر من امرأته ثمَّ قال لامرأة أخرى: أشركتك في ظهارها كان مظاهراً منها، وإذا ظاهر من أربع نسوة فعليه لكلّ واحدة كفّارة؛ لأنّ حكم الظهار حرمة مؤقتة إلى غاية الكفّارة، فإذا أضاف الظهار إلى محال مختلفة يثبت في كلّ محلّ حرمة على حدة فيحتاج إلى الغاية، وهي الكفّارة في كلّ محلّ على حدة.
وإذا ظاهر من امرأته مراراً في مجالس مختلفة، أو مجلس واحد فعليه لكلّ ظهار كفّارة، هكذا روي عن علي رضي الله عنه؛ ولأنّ الظهار سبب الحرمة، فاجتماع أسباب الحرمة في محلّ واحد جائز، ألا ترى أنَّ صيد الحرم حرام على المحرم لإحرامه، ولكون الصيد في الحرم، وألا ترى أنَّ الخمر على الصائم حرام لعينه، ولصومه، وليمينه إذا حلف لا يشربها، فلهذا وجب بكلّ ظهار كفّارة، قال إلا أن يكون عنى بالثانية والثالثة الأولى، فحينئذٍ لا يلزمه أكثر من كفارة واحدة؛ لأنّ صفة الإخبار والإنشاء في الظهار واحد والكلام يحتمل الإعادة والتكرار، فلا يلزمه إلا ما لزمه بالأوّل.
بشر عن أبي يوسف رحمهما الله: إذا قال لها: أنتِ عليّ كظهر أمّي مائة مرّة، فعليه كفّارة بكلّ مرّة كفّارة، أو إذا وطء المظاهر فينبغي له أن يستغفر الله لا يلزمه سوى الاستغفار شيء؛ لأنُّ النبي عليه السلام لم يوجب على مسلمة بن حجر سوى

(3/432)


الاستغفار، ولا ينبغي للمرأة التي ظاهر منها زوجها أن تدعه يقربها حتّى يكفّر؛ لأنّ الوطء حرام عليه إلى غاية الكفّارة، والتمكين في الحرام لا يجوز ولها أن تطالبه بالكفّارة، وإذا أخبرت الحاكم بذلك أجبره الحاكم على أن يكفّر، وروى هشام عن محمّد رحمهما الله أنّه قال: أجبر المظاهر على أنّ يكفّر ليقربها، فإن لم يفعل حبسته، فإن لم يفعل ضربته وأحبسه في الدَّين ولا أضربه.
وإذا أجبر الزوج عن التكفير قبل ولا يمين عليه، ويسعها أن تصدّقه ما لم تعلم خلاف ما قال، أو تعرفه بالصدق والكذب.
وتكلّم العلماء في سبب وجوب هذه الكفّارة، قال عامّة العلماء: سبب وجوب هذه الكفّارة: الظهار والعود؛ لأنّ الله تعالى أعطف العود على الظهار في بيان سبب الكفّارة، وحكم المعطوف عليه واحد، والمحققون من أصحابنا قالوا سبب وجوبها: العود وحده، وهذا القول أقرب إلى الفقه؛ لأنّ الكفّارة عبادة، والظهار منكر من القول وزور فكان كبيرة، والكبيرة لا تصح سبباً للعبادة، وأمّا العود مباح بل مندوب إليه فيصلح سبباً لوجود العبادة، والعود عندنا هو العزيمة على أن يطأها، وهذا لأنّ العود هو الرجوع عمّا أوجب كلامه، ليكون نقضاً لما صنع كالعود في الهبة رجوع عمّا أَوْجَبَتْهُ الهبة بالبعض، وقد وجب عليه بالظهار أن يعزم على ترك الوطء؛ لأنّ الظهار مشروع لتحريم الوطء وحرمة الفعل توجب العزم على تركة فمتى عزم على الوطء فقد رجع عمّا أوجبه بالبعض فكان عوداً.

ولو عاد ثمَّ بدا له أن لا يطأها سقطت الكفّارة، فكأنّها تجب عندنا غير مستقرّة، ولهذا تسقط بموته وموتها؛ لأنّ الكفّارة تجب بالعزم عندنا، وما يجب بالعزم ما يجب مستقرّة؛ لأنّ العزم يرد عليه البعض والفسخ. وكفّارته ما ذكر الله تعالى في كتابه، {وَالَّذِينَ يُظَهِرُونَ مِن نّسَآئِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مّن قَبْلِ أَن يَتَمَآسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَآسَّا فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتّينَ مِسْكِيناً ذَلِكَ لِتُؤْمِنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَفِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (المجادلة: 3، 4) (282أ1) فوجب على هذا الترتيب ويجب تقديمها على الميتين. قال عليه السلام لسلمة بن حجر «استغفر الله ولا تعد حتّى تكفّر» .
ولو أعتق بعض الرقبة ثمَّ وطىء فعليه أن يستقبل عتق الرقبة في قول أبي حنيفة رحمه الله؛ لأنّ الشرط في الإعتاق تقديمه على المسيس، ومن ضرورته إخلاء الإعتاق عن المسيس فلم يوجد الإخلاء عنده؛ لأنّ الإعتاق عنده يتجزأ وعندهما لا يتجزأ فكما أعتق البعض عتق الكلّ، فيعتق أجلا الإعتاق عن المسيس. ولو جامعها في خلال الصوم

(3/433)


بعد الصوم استقبل الصوم، لوجهين: أحدهما: أنّ الواجب صوم شهرين متتابعين، وقد فات التتابع لما قبل بعض الصوم، والثاني: أنّ الشرط تقديم الصوم على المسيس ومن ضرورته إخلاء الصوم عن الجماع، ولم يوجد الإخلاء.

ولو جامعها ليلاً أو نهاراً ناسياً لصومه استقبل في قول أبي حنيفة ومحمّد، وقال أبو يوسف رحمهم الله: يمضي فيه، فأبو يوسف رحمه الله اعتبر معنى الأوّل، وهما اعتبرا المعنى الثاني، ولو جامعها في خلال الإطعام لا يلزمه الاستقبال؛ لأنّ تقديم الطعام على المسيس ليس بشرط في كتاب الله تعالى حتّى يثبت شرط إخلاء الإطعام عن المسيس، ولا كذلك الإعتاق والصوم ولا يتجزأ في كفّارة الرقبة العمياء، ولا مقطوعة اليدين ولا مقطوعة الرجلين، ولا مقطوعة اليد والرجل من جانب واحد.
والحاصل: أنّ المأمور به رقبة مطلقة، والمطلقة من........ يتناول الكامل والقائم من كلّ واحد، وكل واحد ممّن سمّيْنا....... من وجه أن جنس منفعته، وأمّا العمياء ومقطوعة اليدين ومقطوعة الرجلين فظاهر، وكذا مقطوعة اليد والرجل من جانب واحد؛ لأنّه لا يمكنه المشي بالعصا، بخلاف مقطوع اليد والرجل من جانبين حيث يجوز؛ لأنه يمكنه المشي بالعصا، ويمكنه البطش بأحد اليدين، فلم يغب في حقّه جنس منفعة، وكذلك لا تجوز الخرساء لفوات جنس منفعته، وهو البطش، وتجوز الصمَّاء استحساناً.
وذكر في «النوادر» : أنّ الصمّاء لا تجور وهو القياس، وقيل: رواية «النوادر» محمولة على الصمّ الأجلي؛ لأنّه لا يخلو عن الخرس؛ لأنّه لم يسمع الكلام ليتعلّم، وظاهر الحوار محمول على الصمّ العارضي؛ لأنّه يخلق عن الخرس ويسمع عند المبالغة في رفع الصوت.
ويجوز مقطوعة الأذنين، وذاهب الحاجبين وشعر اللحية، وكذا يجوز مقطوع الشفتين إذا كان يقدر على الأكل؛ لأنّ الفائت بفوات هذه الأشياء الريبة لا غير، وبه لا تصير الرقبة مستهلكة.

ولا يجوز ساقط الأسنان لفوات جنس منفعته في حقّها وهو منفعة المضغ، ولا يجوز المدبّر وأم الولد، ويجوز المكاتب إذا لم يؤدّ شيئاً من بدل الكتابة عندنا، وإن أدّى شيئاً من بدل الكتابة لا يجوز في «ظاهر الرواية» ، وروى الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله أنّه يجوز، ولا يجوز مقطوع الإبهامين، ولا ثلاثة أصابع من سواهما، ولا يجوز الختين، ويُجزىء الرضيع.
وكذا لا يجوز المجنون والمعتوه، وإن كان يجنّ ويفيق يجوز، يريد به: إذا أعتقه في حال إفاقته، والمريض الذي في حدِّ مرض الموت لا يجزىء، وإذا كان يجزىء ويخاف عليه يجوز والمرتد يجوز عند بعض المشايخ وعند بعضهم لا يجوز؛ لأنّ بالردّة

(3/434)


صار حربيّاً، ولهذا أحلّ قتله، فقد صرف الكفّارة إلى الحربي فلا يجوز، والمرتدة يجوز بلا خلاف ولو أعتق عبداً حربياً في دار الحرب إن لم يخلّ سبيله لا يجوز، فإن خلّى سبيله ففيه اختلاف المشايخ بعضهم قال لا يجوز؛ لأنّه صرف الكفّارة إلى الحربي.
وروى إبراهيم عن محمّد رحمهما الله: إذا أعتق عبداً حلال الدّم قد قضي بدمه عن ظهاره، ثمَّ عفي عنه لم يجز.
وفي «البقالي» رواية مجهولة إذا أعتق عبداً حلال الدّم قد قضي بدمه ثمَّ عفي عنه، أو كان أبيض العينين فزال البياض، أو كان مرتداً وأسلم أنّه يجزئه، وإذا أعتق عبداً على جعل بنيّة الكفّارة لم يجزءه عن الكفّارة وإذا سقط الجعل، ويجوز إعتاق الآبق إذا علم أنّه حيّ.
في «المنتقى» : ولو أعتق نصف عبد مشترك بينه وبين غيره عن ظهاره ثمَّ أدّى الضمان وأعتق الباقي عن ذلك الظهار لم يجزء في قول أبي حنيفة رحمه الله، وعندهما يجوز إذا كان موسراً؛ لأنّ الإعتاق عندهما لا يتجزىء، فبإعتاق النصف يصير معتقاً للكلّ، لكن يشترط أن يكون المعتق موسراً؛ لأنّه إذا كان معسراً كان على العبد السعاية في نصيب شريكه، فيكون هذا إعتاقاً بعوض، فلا تتأدّى به الكفّارة، وعند أبي حنيفة رحمه الله لا يجوز.

وفرّق أبو حنيفة رحمه الله بين هذا وبينما إذا أعتق نصف عبده عن ظهاره، ثمَّ أعتق النصف الباقي عن ذلك الظهار حيث يجوز، ولا فرق بينهما من حيث الصورة؛ لأنّ الإعتاق عند أبي حنيفة رحمه الله يتجزأ، فإذا أعتق النصف اقتصر الإعتاق على نصيبه، وتمكن النقصان في النصف الباقي بسببه؛ لأنّ النصف الباقي خرج من أن يكون محلاً للتمليك والتملّك، وصار في معنى المرتد وأمّ الولد، وبإعتاقهما لا تسقط كفّارة، وفي حقّ هذا.... على السواء.
والفرق: وهو أنّ في الفصلين على النقصان في النصف الباقي بسبب إعتاق النصف الأوّل عن الكفارة، إلا أنَّ العبد إذا كان كلّه له أمكن أن يجعل ذلك النقصان مصروفاً إلى الكفارة؛ لأنّ النصف الآخر في المدّة الثانية أعتق ما بقي فيجزؤه.
أمّا إذا كان العبد مشتركاً لا يمكن أن يجعل النقصان الحاصل في النصف الباقي مصروفاً إلى الكفّارة؛ لانعدام الملك له في ذلك النصف، فيبطل قدر النقصان ولم يقع عن الكفّارة، فإذا ضمن قيمة النصف الباقي وأعتقه فقد صرفه إلى الكفّارة وهو ناقص، وصار في الحاصل كأنّه أعتق عبداً لا ... النقصان.
ولو أعتق عبداً عن ظهاره عن امرأتين أجزأه أن يجعله عن أحدهما عند علمائنا الثلاثة رحمهم الله؛ لأنّ الجنس متحدّ ونية التعيين في الجمع والجنس الواحد لغو، وهذا لأنّ في الجنس الواحد الواجب عليه الكفارات مطلقاً بعدد الواجب؛ لأنّ التغيير

(3/435)


(282ب1) كما في قضاء رمضان، فإن من عليه قضاء يومين من رمضان لا يجب عليه التغيير عند القضاء، بل يجب عليه الصوم مطلقاً بعدد الواجب، كذا ههنا، وإذا ثبت أنَّ نيّة التغيير ههنا لغوٌ صار وجه ردّها وعدمها بمنزلة، فكأنّه أعتق عن ظهاره ولم يعتبر أصلاً، وهناك يجوز الإعتاق عن أحدهما كذا ههنا.

وإذا وجب عليه كفارتان أو ثلاث عن الظهار، فأعتق ثلاث رقاب ينوي عند إعتاق كل رقبة أن يكون عن كفّارة، وإن لم ينوِ رقبة بعينها عن كفّارة بعينها جاز عند علمائنا الثلاثة رحمهم الله؛ لأن عند اتحاد الجنس لو نوى عند إعتاق كل رقبة أن يكون عن الكفارات كلّها جاز فههنا أولى، ومن ملك رقبة لزمه العتق وإن كان يحتاج إليها، وكذلك من ملك ثمن الرقبة من التقدير ولا اعتبار بالمشكل، وما فيه من اليسار...... منهما أنّها يعتبر الفصل.
وعن أبي يوسف رحمه الله أنّه قال: أنّها يعتبر الفصل إذا بلغ نصاباً، وعن محمّد رحمه الله أنّه قال: يحبس الذي يعمل أي..... قوت يومه والذي لا يعمل قوت شهر.
وإذا قال لعبد: إن اشتريتك فأنت حرّ، فاشتراه ينوي الكفّارة عن الظهار لا يجوز عن الظهار، ولو قال عند اليمين عن كفّارة ظهاره جاز، ولو قال لعبد: إن اشتريتك فأنت حرّ عن كفّارة يمين أو قال تطوّعاً، ثمَّ اشتراه ناوياً عن ظهاره لم يكن عن ظهار.
وكذلك إن قال إن اشتريته فهو حرّ تطوّعاً، ثمَّ قال: إن اشتريته فهو حرّ عن ظهاريّ ثمَّ اشتراه يقع العتق عن الجهة التي عيّنها أوّلاً، ولا يلحقها الفسخ.
وعلى هذا إذا قال: إن اشتريت هذا العبد فهو حرّ عن ظهاري، ثمَّ قال إن اشتريته فهو حرّ عن يمين ثمَّ اشتراه، فهو حرّ عن الظهار، وكذلك إذا قال: إن اشتريته فهو حرّ عن ظهاري من فلانة، ثمَّ قال لامرأة أخرى ذلك ثمَّ، اشتراه فهو حرّ عن ظهار الأولى.
وإذا لم يملك رقبة ولا ثمن رقبة بصوم شهرين متتابعين، فإن صام شهرين بالأهلة جاز وإن كان كلّ شهر تسعة وعشرين يوماً، وإن صام لغير الأهلة ثمانية (ثم) فطر لتمام تسعة وخمسين يوماً فعليه الاستقبال.

وإن عجز عن الصيام يطعم ستين مسكيناً ويجزىء فيه طعام التمليك وطعام الإباحة، وتفسير طعام الإباحة: أن يعدّ منهم ويعيّنهم، وتفسير طعام التمليك ظاهر، فإن أراد أن يطعم طعام التمليك يطعم لكلّ مسكين نصف صاع من برّ، أو صاع من تمر أو شعير كما في صدقة الفطر، به ورد الأثر عن عمر رضي الله عنه عن الحنطة تختلف أجناسها، فإنَّ من الحنطة ما يبلغ منوين، منها نصف صاع، ومنها ما يبلغ أكثر من منوين نصف صاع، فلا بدّ من التقدير بأحدهما، أمّا الصاع أو المنّ قال شمس الأئمة الحلواني رحمه الله: وقد اختلف المشايخ رحمهم الله في هذا الفصل، قال بعضهم: يعتبر الصّاع، كما في صدقة الفطر، فإنَّ رسول الله عليه السلام اعتبر الصّاع في صدقة الفطر من غير فصل،

(3/436)


وعمر رضي الله عنه اعتبر الصّاع في غير هذه الصورة من غير فصل، ومنهم من قال يختلط فيه، فيعطي أكثر من منوين، ومنهم من قال: يعتبر الوزن.
ولو أدّى نصف صاع من تمر جيّد يبلغ نصف صاع من حنطة لا يجوز، وكذلك لو أدّى أقلّ من نصف صاع من حنطة يبلغ صاعاً من تمر أو شعير لا يجوز، والأخذ فيه أنّ كلّ جنس هو منصوص عليه من الطعام لا يكون بدلاً عن جنس آخر هو منصوص عليه، وإن كان في القيمة أكثر.
k
ولو أدّى ثلاثة أمناء من الذرة تبلغ قيمتها منوين من الحنطة جاز، قال هشام: إنّها تجوز إذا أراد أن يجعل الذرة لا عن الحنطة، وأمّا إذا أراد أن يجعل الحنطة بدلاً عن الذرة لا يجوز؛ لأنّه أراد أن يجعل المنصوص عليه بدلاً عن عين المنصوص عليه.
ولو أدّى الدقيق والسويق أجزأه، واختلف المشايخ في طريق الجواز. قال بعضهم: يجوز باعتبار العين فيعتبر فيه عام الكيل وذلك نصف صاع من دقيق الحنطة، وإليه قال الكرخي والقدوري رحمهما الله، وقال بعضهم: يجوز باعتبار القيمة ولا يجوز فيه اعتبار عام الكيل، وقد ذكرنا هذا الفصل مع أجناسها في باب صدقة الفطر.

ولو أراد أن يطعمهم قيمة الطعام أعطى كلّ مسكين قيمة نصف صاع من حنطة أو قيمة صاع من تمر أو قيمة صاع من شعير، وإن أراد أن يطعمهم طعام الإباحة غدّاهم وعشّاهم، وإن غدّاهم لا غير أو عشّاهم لا غير لا يجوز عندنا، يريد به: أنّ الغداء بدون العشاء لا يجوز، وكذلك العشاء بدون الغداء لا يجوز، هكذا ذكر في أيمان «الأصل» .
وفي القدوري: في حقّه طعام الإباحة أن يغدّيهم ويغشّيهم، فيحصل له الكيان، إمّا غداءين أو عشاءين أو يعشّيهم ويجزهم وهذا بيان الغداء بدون العشاء بدون الغداء يجوز، قال ثمة: قال أيضاً: ولو غدّى إنساناً وعشّى آخر لم يجز وفي المجرّد عن أبي حنيفة رحمه الله: إذا غدّى ستين، وعشّى آخرين لم يجز ولو غدّى رجلاً ستيّن يوماً وعشّى امرأة ستين يوماً جاز، وكذلك إذا غدّى ثلاثين يوماً، وعشّى ثلاثين يوماً، وعن الحسن بن زياد إذا غدّى في الظهار مسكيناً، وآخر عشرين ومائة يوم أجزأه، وعن الحسن بن أبي مالك، عن أبي يوسف رحمهما الله لو غدّى مسكيناً واحد، وعشّاه في ستّين يوماً لا يجوز به قال هذا قوله الآخر، وإذا غدّاهم وعشّاهم، فالمعتبر فيه الكيان......، ولا غيره فيه بمقدار الطعام حتّى روي عن أبي حنيفة رحمه الله في كفارة اليمين لو قدم أربعة أرغفة أو ثلاثة بين يدي عشرين وشبعوا أجزأه وإن لم يبلغ ذلك إلا صاعاً أو نصف صاعٍ، وإن كان أحدهم شبعان هل يجوز؟
اختلف المشايخ رحمهم الله فيه، قال بعضهم: يجوز لأنّه وجد الطعام العشرة، وقد شبعوا، وقال بعضهم لا يجوز؛ لأنّ المأجور عليه إشباع العشرة وهو ما أشبع العشرة إنّما أشبع التسعة، وإلى هذا القول مال شمس الأئمة الحلواني رحمه الله، والمستحب أن

(3/437)


يغدّيهم ويعشّيهم خبز معه إدام، ولو أعطاهم خبزاً قفّازاً بغير إدام جاز، وإذا غدّاهم وعشّاهم خبز الشعير لم يذكر خبز رحمه الله في «الأصل» ، وقد اختلف المشايخ رحمهم الله فيه قال بعضهم يعتبر محمد رحمه الله في «الأصل» بخبز البرّ.

في «الزيادات» : دليل أنه لا يجوز (283أ1) خبز الشعير، وبعضهم جوزوا ذلك وإليه مال الكرخي رحمه الله، ثمَّ على قول من جوّز خبز الشعير لا بدّ وأن يكون معه إدام، وإذا غدّاهم وأعطاهم قيمة العشاء لو عشاهم وأعطاهم قيمة الغداء يجوز، هكذا ذكر في «الأصل» .
وفي «البقالي» : إذا غدّاهم مداً فيه روايتان، وكذلك الغداء وقيمة العشاء وكذلك إذا أعطى كلّ مسكين نصف صاع من تمر أو شعير ومدّاً من برّ، وذكر في «الأصل» أنّه لا يجوز، وإذا دعا مساكين وأحدهم.... ذلك سنّاً وغدّاهم وعشّاهم لا يجزؤه، كذا ذكر في «الأصل» .
وفي «المجرّد» إذا كانوا علماءنا يعتمدون مثلهم يجوز وإذا أعطاهم ستّين مسكيناً، كل مسكين مدّاً من حنطة لم يجز، فعليه أن يعيد مدّاً آخر على كل مسكين فإذا لم يجز الأوّلين فأعطى ستّيناً آخرين كلّ مسكين مدّاً لا يجوز، لأنّ المأخوذ عليه في باب الكفارة مراعاة عدد المساكين ومراعاة وظيفة كلّ مسكين، وقد أخذ بمقدار وظيفة كلّ مسكين فلا يجزئه، وإن أعطى مسكيناً واحداً طعام ستين مسكين في يوم واحد بدفعة واحدة لا يجوز، ولو صرف إليه طعام ستّين مسكيناً في ستّين يوماً جاز عندنا، وقد ذكرنا قول أبي يوسف رحمه الله أجزأ في المسكين الواحد في طعام الإباحة، بخلاف هذا، ولو صرف طعام ستين مسكيناً إلى مسكين واحد في يوم واحد بدفعات متفرقات، اختلف المشايخ فيه، والصحيح أنّه لا يجوز في طعام الإباحة ولا يجوز في يوم واحد وإن فرّق بلا خلاف بين المشايخ.

وإن أطعم عن ظهارين ستّين مسكيناً في يوم واحد كلّ مسكين صاعاً من حنطة جاز عنهما عند محمّد، وعند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهم الله يجوز عن واحد منهما، فمحمّد يقول.... وفاءً بالوظيفتين وزيادة، والمصرف محلّ الكفّارتين، فيجزئه، وهما يقولان الانقسام لغو؛ لأنّها حصلت في غير محله لأنّ محلّها شيئان، والكفّارتان من جنس واحد كأنّها كفّارة واحدة لاتحاد الجنس، والشيء الواحد لا يكون محلا للانقسام، فالتحقت نيّة الانقسام بالعدم، وصار كأنّه نوى الكفّارة لا غير، وهناك يقع عن الواحدة؛ لأنّ النقدين في هذا الباب بنصف الصّاع من الحنطة لمنع النقصان لا لمنع الزيادة، فيقع عن الواحدة احتياطاً كذا ها هنا.

(3/438)


الفصل الرابع والعشرون في مسائل الإيلاء
الإيلاء: هو اليمين على ترك وطء المنكوحة أربعة أشهر فصاعداً؛ لأنّ كتاب الله تعالى قيّده بأربعة أشهر، حتّى لو عقد يمينه على ترك وطء المنكوحة أقلّ من ذلك أربعة أشهر لا يكون إيلاءً، بل يكون يميناً، وإنّه على نوعين:
أحدهما: أن يكون اسم الله أنّه يمين بالله تعالى؛ لأنّ صورة اليمين بالله تعالى قوله: والله لا أفعل كذا، وصورة الإيلاء إذا كان الإيلاء باسم من أسماء الله تعالى أن يقول لامرأته: والله لا أقربك أربعة أشهر.
والثاني: أن يكون بطلاق أو عتاق أو ما أشبه وأنّه غير الطلاق والعتاق؛ لأنّ صورة اليمين بالطلاق أو العتاق إن فعلت كذا فامرأته طالق، إن فعلت كذا فعبدي حرٌّ، وصورة الإيلاء إذا كان الإيلاء بطلاق أو عتاق أن يقول لامرأته: إن قربتك فعبدي فلان حرّ، إن قربتك، فامرأتي فلانة طالق.
وحكم الإيلاء اثنان:
أحدهما: يتعلق بالحنث بأن يقربها في مدّة الإيلاء، وهو لزوم الكفّارة إن كان الإيلاء باسم من أسماء الله تعالى، ولزوم ما جعل حرّاً إن كان الإيلاء بغير الله تعالى.

والثاني: يتعلّق بالبرّ بأن لم يقربها حتّى مضت مدّة الإيلاء، وهو وقوع تطليقة بائنة، فالإيلاء يوافق سائر الأيمان في حقّ حكم الحنث، وهو وجوب الكفّارة بوجود المحلوف عليه، وهو القربان إن كان الإيلاء بالله ولزوم ما صار جزاءً على المحلوف عليه وهو الطلاق أو العتاق إن كان الإيلاء بالطلاق أو العتاق، ويخالف سائر الأيمان في حقّ حكم البرّ فإنَّ في سائر الأيمان لا يلزمه بالبرّ شيء، وفي الإيلاء بالبرّ تلزمه تطليقة بائنة.
وصار تقدير الإيلاء في حقّ حكم البرّ، كأنّه قال إن مضت أربعة أشهر ولم أقربك فأنتِ طالق تطليقة بائنة عرف ذلك بقوله تعالى: {وَإِنْ عَزَمُواْ الطَّلَقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (البقرة: 227) جاء عن رسول الله عليه السلام أنّه قال: «عزيمة الطلاق مضيّ أربعة أشهر» ، وهكذا نقل عن ابن مسعود وابن عباس وابن عمر، وعائشة رضوان الله عليهم أجمعين، أنّهم قالوا: «عزيمة الطلاق مضي أربعة أشهر» ، ولأنّ الإيلاء كان طلاقاً في الابتداء وجب النظر في قدر ما يعتبر بالشرع، وذلك بما أوجب الله تعالى له من التربّص أربعة أشهر فبقي بعد مضي المدّة طلاقاً كما كان.
وأمّا مدّة إيلاء الأمة شهران، وإذا مضت هذه المدّة فالحكم فيها كالحكم في الحرة لأنّ هذه المدّة شرعت أصلاً للبينونة، فتشابه مدّة العدّة فيثبت جرء بالرّق كما في العدّة،

(3/439)


قال القدوري: لا يكون الإيلاء إلا بالحلف على الجماع في الفرج خاصة؛ لأنّ الإيلاء إنّما صار طلاقاً بواسطة الظلم بمنع حقّها المستحقّ، وحقّها في الجماع في الفرج.
وروي عن محمّد رحمه الله: إذا قال: لا يمسّ جلدي جلدك لا يكون إيلاءً؛ لأنّه يخبر بغير الجماع، وكذلك إذا قال والإيلاء ما يوقف الخبر فيه على الجماع، زاد في «البقالي» إلا أن ينوي الجماع، وكذلك إذا قال: والله لا أمسك لا يكون إلا أن ينوي الجماع.

وفي «الفتاوى» : إذا قال والله لا يمسّ فرجي فرجك فهو مولى، وقال محمّد رحمه الله: إن اجتمع رأسي ورأسك وعنى به الجماع فهو مولى، فإن لم يعنى الجماع، فليس بمولى وله أن يجامعها بغير اجتماع على فراش، ولا شيء يجتمع رأسهما عليه، ولو اجتمعا على شيء واجتمع رأسهما عليه من غير جماع حنث في يمينه، ولو قال: والله لا يجمع رأسي ورأسك وسادة أو لا يؤويني وإياك بيت، ولا أبيت معك على فراش فإن عنى الجماع فهو مولى وإن لم يكن له نيّة فهو على الإيواء، والبيات على الفراش ولا يجتمعا على وسادة وسواء كان على البواري والأرض، ولو حلف لا يجامعها فهو مولى مع أنّ هذا اللفظ يتناول الجماع فيما دون الفرج، لأنّه مأخوذ من الاجتماع أما كان كذلك؛ لأنّ هذا اللفظ عند الإطلاق يراد به الاجتماع الخاص، وهو التقاء الختانين، ولهذا فهم رسول الله عليه السلام من قول: جامعت امرأتي في نهار رمضان الجماع في الفرج، حتّى أوجب الكفّارة عليه من غير استفسار وانصرف (283ب1) مطلق اللفظ إلى الجماع في الفرج لهذا.
وكذلك إذا حلف لا يقربها لأنّ القربان المضاف إلى المرأة يراد به عادة الوطء، وكذلك لا ينام معها؛ لأنّ المضاجعة...... من البضع، وذلك بالتقاء الختانين وكذلك لا يغتسل منها؛ لأنّ الاغتسال إنّما يكون بالإيلاج في الفرج، وإذا قال لم أعن الجماع في هذه الصورة صدّق ديانة لا قضاء.
ولو قال إن أتيتك أو أخبرتك وإن نوى الجماع، فهو مولى وإنّما شرط نيّة الجماع ههنا؛ لأنّ الرجل قد يأتي المرأة لشغل، وقد يصب منها مالاً ونفقة ولم يتعيّن الجماع مراد فهذين اللفظين عادة، فلا بدّ من التعيين بالبنية وإذا قال لم أعن الجماع في هذين اللفظين صدّق ديانة وقضاء.

وإذا قال إن وطئتك أو افتضضتك، وهي بكر فهو مولى وإذا حلف لا يدخل عليها لا يصير مولياً بدون نيّة الجماع، وإذا قال: لم أعن الجماع صدّق قضاء، وإذا حلف لا يدخل بها، فعلى قياس قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله لا يصير مولياً بدون نيّة الجماع.
وفي «فتاوى أبي الليث» رحمه الله: إذا قال لامرأته آكرنا بخسم فأنتِ طالق، فإن لم يكن له نيّة، فهو مولى؛ لأنّ اليمين على الجماع وقعت عرفاً وإن نوى اليوم فهو ليس

(3/440)


بمولى، ويمينه على المضاجعة إن جامعها حنث في يمينه، وإن لم يجامعها، وبدون المضاجعة لا يحنث ولو قال: آكر من دست فراكنم رن كنم بايك سال فكذا، فهو مولى حتّى لو تركها أربعة أشهر، ولو جامعها بانت بالإيلاء لأنّه يراد بهذا الجماع عادة يا آكرد ست فراروي كندا وجامعها فيما دون الفرج لا يحنث في يمينه، وإن كان ذلك في السنّة.
ولو قال لها: إن اغتسلت من جنابتي ما دمت امرأتي، فأنتِ طالق ثلاثاً، فهو مولى منها حتّى لو تركها أربعة أشهر، ولم يجامعها بانت منه بتطليقة، لأنّ هذا اللفظ صار عبارة عن الجماع عادة.
امرأة قالت لزوجها: من انتمارعي داري وحامة عنكنى مرااز مهر مسواك رن مي داري، فقال الزوج: آكرارا كيون بايك سال مسواك رنم فكذى، فإن أراد به الجماع فهو مولى، وبدون النيّة لا يكون مولياً؛ لأنّ هذا ليس بصريح، فلا بدّ من النيّة.
إذا قال: لها إن قربتك، فعليّ كفّارة يمين فهو مولي، وكذلك إذا قال لها إن قربتك فعليّ يمين؛ لأنّ اليمين سبب الكفّارة، فهذا رجل ذكر السبب وأراد به المسبب.

ولو قال: إن قربتك فعليّ حجّة أو عمرة أو هدي أو صدقة أو اعتكاف أو صيام، فهو مولى؛ لأنّ الإيلاء بألية إنما صار إيلاءً باعتبار أنّ حرمة اسم الله تعالى، يمنعه عن القربان لما فيه من هتك حرمة اسم الله تعالى، فيتحقّق الظلم بمنع حقّها المستحق وهو الوطء، هذا المعنى موجود ها هنا فإنّ ما التزم عند القربان من الحج والعمرة، وغير ذلك يمنعه من القربان.
ولو قال: إن قربتك فعليّ أن أصلّي ركعتين فهو ليس بمولى لأنّ قوام الركعتين من الصلاة لا يمنعه عن القربان، إذ لا يلحقه مشقّة بأدائها ولا خسران في ماله؛ بخلاف ما لو التزم بالقربان عتق عبد أو حجّة وعمرة وعن أبي يوسف رحمه الله فيما إذا قال: لها إن قربتك، فعبدي حرٌّ أن لا يكون مولياً؛ لأنّ له أن يبيع العبد بقربانها قبل أربعة أشهر من غير شيء يلزمه.
وذكر ابن سماعة عن أبي يوسف رحمهما الله إذ قال لامرأته: إن قربتك فلانة طالق بعد سنة، والله لأطلّقنّ فلانة أراد بفلانة امرأة أخرى له فإنّه لا يكون مولياً، ولو قال: إن قربتك فلانة طالق بعد سنة فهو مولى، وذكر هشام عن محمّد رحمه الله إذا قال: إن قربت امرأتي فمالي هبة في المساكين قال: إن نوى الصدقة، فهو مولى، وإن لم ينوِ صدقة فهو ليس بمولى، والقول في ذلك قوله.
وذكر ابن سماعة عن أبي يوسف رحمهما الله على إن أعتق عبدي هذا عن ظهاري إن قربت امرأتي فلانة، وهو مظاهر أو ليس بمظاهر لا يكون مولياً، ولو قال: عبدي هذا حرٌّ عن ظهاري إن قربت امرأتي، فهو مولى مظاهراً كان أو غير مظاهر، ويجزىء عن ظهاره يريد به إذا كان مظاهراً، وقد قربها ثمَّ قال: كلّ شيء يعتق إذا قرب امرأة فهو مولى، وكل شيء لا يعتق إلا بفعل آخر لا يكون مولياً، وعلى هذا إذا قال لله تعالى عليّ أن أصوم شهرين عن ظهاري إن قربتك، أو قال: لله تعالى عليّ أن أتصدّق على ستّين

(3/441)


مسكيناً، فإنّه لا يكون مولياً سواء كان مظاهراً أو لم يكن.

وروى بشر عنه في هذه المسألة أنّه إن كان مظاهراً فهو مولى ولو قال لها: إن قربتك، فكلّ مملوك أملكه فيما استقبل فهو حرٌّ أو قال: كلُّ امرأة أتزوجها فهي طالق، فهو مولى في قول أبي حنيفة رحمه الله ومحمّد، وقال أبو يوسف رحمهما الله: لا يكون مولياً؛ لأنّه لا يلزم بالقربان شيء وبعد القربان يمكنه دفع الطلاق والعتاق عن نفسه، بأن لا يتملك مملوكاً، ولا يتزوّج امرأة.
وجه قولهما: أنّه يلزمه اليمين بالقربان فيصير مولياً كما لو قال لها: إن قربتك، فهذا العبد حرّ إن دخل الدّار، وهذا لأنّ لزوم اليمين يصلح مانعاً عن القربان؛ لأنّه يلزمه الامتناع عن تحصيل الشرط خوفاً عن نزول الجزاء.
وروى هشام عن محمّد رحمهما الله: إذا قال لها: إن قربتك، فإن اشتريت، فهو حرّ قال ذلك لعبد بعينه فهو ليس بمولى، قال: وليس هذا كعموم قوله: وكلّ مملوك اشتريته فهو حرّ، وكذلك على هذا إذا قال لها: إن قربتك ففلانة طالق، إن تزوجها لم يكن مولياً من امرأته بخلاف ما إذا أعلم فقال: فكل امرأة أتزوجها، فهي طالق رواه ابن سماعة عن محمّد رحمه الله وكذلك قال أبو حنيفة رحمه الله.
وروى هشام عن محمّد رحمه الله إذا قال لها: إن قربتك فعليّ صوم شهر كذا بأن قال مثلاً، فعليّ صوم شهر رجب أو قال فعليّ أن أحج العام، فإن كان رجب يمضي قبل الأربعة الأشهر أو كان الحج في العام يمضي قبل الأربعة الأشهر، فليس بمولى لأنّه يمكنه القربان في المدّة، وذلك بعد رجب والحج من غير شيء يلزمه فإن مضى الوقت المضاف إليه النذر يبطل النذر، وإن كان لا يمضي إلا بعد الأربعة الأشهر، فهو مولى؛ لأنّه لا يمكنه القربان من غير شيء يلزمه.
وروى هشام عن محمّد رحمه الله أيضاً: إذا قال لها: إن قربتك فعليّ أن أعتق هذا العبد غداً، فهو مولى، وقوله غداً فضل وعليه أن يعتقه إن قربها وهو بمنزلة (284أ1) . قوله: إن قربتك فعليّ أن أعتق عبدي هذا الأمس، فقوله: أمسِ فضل، وعليه أن يعتقه إن قربها. ولو قال لها: إن قربتك فأنت عليّ حرام، ينوي به الطلاق فهو مولي؛ لأنه لا يمكنه القربان إلا بطلاق يلزمه، وإن نوى اليمين فهو مولي أيضاً في قول أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما: الله لا يكون مولياً حتى يقربها؛ لأن قوله: أنت عليّ حرام عند إرادة اليمين يمين، فصار الإيلاء معلقاً بالقربان، فكأنه قال لها: إن قربتك، وقوله: فوالله لا أقربك، وعداً لها يصير مولياً فهاهنا للحال كذا هاهنا.
ولأبي حنيفة رحمه الله: أنه لا يمكنه القربان إلا بشيء يلزمه، وهذا هو حد المولي كان القياس في قوله: إن قربتك فوالله لا أقربك أن يصير مولياً للحال، لكن تركنا القياس في هذه الصورة؛ لأنه علّق الإيلاء بالقربان لفظاً ومعنى ولو صار مولياً للحال تفوت فائدة التعليق من كل وجه.
وقوله: أنت عليّ حرام، ليس يمين لفظاً ولو كان يميناً كان يميناً معنى، فلو صار

(3/442)


مولياً للحال تفوت فائدة التعليق من وجهٍ، وليس إذا ترك القياس لضمانه فائدة التعليق من كل وجه ما يدل على تركه لضمانه فائدة التعليق من وجه.
ولو قال لامرأته: إن قربتك فأنت عليَّ مثل امرأة فلان، وقد كان فلان آلى من امرأته، فإن نوى الإيلاء كان مولياً، وإن لم ينو لا يكون مولياً؛ لأن النسبة لا تقتضي الاستواء في كل الأشياء.
ولو آلى من امرأته ثم قال لامرأةٍ أخرى له: قد أشركتك في إيلائها، كان باطلاً لأن الاشتراك يغير حكم الإيلاء؛ لأن قبل الاشتراك كان يحنث بقربان الأولى وحدها، وبعد الاشتراك لا يحنث إلا بعد إتيانهما، كما لو قال: والله لا أقربكما، وهو لا يملك تغيير حكم اليمين.

ولو قال لامرأته: أنت عليَّ حرام، ثم قال لامرأةٍ له أخرى: أشركتك معها كان مولياً منهما؛ لأن الاشتراك ههنا لا يغير موجب اليمين، فإنه لو قال لهما: أنتما عليَّ حرام يصير مولياً من كل واحدة منهما، ويلزمه الكفارة بوطىء كل واحدةٍ منهما، بخلاف قوله: والله لا أقربكما.
والفقه فيه: أن قوله: والله لا أقربكما إنما صار يميناً موجباً للكفارة باعبتار هتك حرمة اسم الله تعالى بمباشرة الشرط، وذلك لا يتحقق إلا بقربانهما. أما قوله: أنتما عليّ حرام إنما صار إيلاء باعتبار معنى التحريم وذلك موجودٌ في حق كل واحد منهما على حدة.
ولو الله قال: والله لا أقربك سنةً إلا يوماً لم يكن مولياً؛ لأنه استثنى يوماً منكراً فما من يومٍ بعد يمينه إلا ويمكنه أن يجعل مستثنياً عن يمينه فيقربها من غير شيء يلزمه، والمولي من لا يمكنه قربان امرأته إلا بشيء يلزمه؛ فإن قربها وقد بقي من السنة أربعة أشهر الآن يصير مولياً؛ لأنه صار بحال لا يمكنه قربانها في الأربعة الأشهر إلا بشيء يلزمه.
قال في «الجامع» : إذا قال لامرأتين له: والله أقربكما إلا يوم الخميس، لا يكون مولياً حتى يمضي خميس ثاني عليه بعد اليمين؛ لأن أول خميس يأتي عليه بعد اليمين فهو مستثنى عن اليمين، فيمكنه القربان فيه من غير شيء يلزمه. فإذا مضى أول خميس أتى عليه من وقت اليمين الآن صار مولياً؛ لأن بمضي أول الخميس يمضي يوم الاستثناء وبقيت اليمين بالاستثناء.
ولو قال: والله أقربكما إلا يوم الخميس لا يصير مولياً بهذه الغير إيلاءً؛ لأن المستثنى في هذه الصورة كل خميس يأتي عليه؛ لأنه أضاف النكرة وهو يوم إلى حقه عامة وهو الخميس، والنكرة إذا أحدثت إلى حقه عامة عمّت؛ لأن الإضافة بمنزلة الصفة، فكل يوم اتصف بكونه خميساً يدخل تحت الاستثناء، فيمكنه القربان في كل خميس يأتي عليه من غير شيء يلزمه، فلهذا لم يصر مولياً.
قال في «الجامع الصغير» : إذا قال لامرأته: والله لا أقربك شهرين، وشهرين فهو

(3/443)


مولي؛ لأنه جمع بينهما بحرف الجمع فيعتبر بما لو جمع بينهما بلفظ الجمع بأن قال: والله لا أقربك أربعة أشهر. وكذلك إذا قال: والله لا أقربك شهرين فمكث يوماً ثم قال: والله لا أقربك شهرين بعد شهرين فهو مولي منه لما قلنا.
ولو قال: والله لا أقربك شهرين، فمكث يوماً ثم قال: والله لا أقربك شهرين بعد هذين الشهرين الأوليين لا يكون مولياً. وأراد بقوله: لا يكون مولياً في حق الطلاق، حتى لو تركها أربعة أشهر ولم يقربها لا تبين منه؛ لأن بالكلام الأول لم يصر مولياً في حق الطلاق؛ لأن الإيلاء في حق الطلاق لا ينعقد على أقل من أربعة أشهر. فإذا قال بعدما مكث يوماً: والله لا أقربك شهرين بعد هذين الشهرين صار مولياً في حق الطلاق صار مولياً الآن تعذر جعله مولياً الآن؛ لأنه يمنع نفسه عن قربان امرأته في أقل من أربعة أشهرٍ بيوم؛ لأنه مضى من الشهرين الأوليين يوم، حتى لو قال المقالة الثانية عقيب المقالة الأولى يصير مولياً، نص عليه في «المنتقى» .
إذا قال لها: والله لا أطأك شهراً بعد سنة فإنما حلف على شهرٍ بعد سنة تمضي فلا يحنث إن وطىء في السنة. وكذلك لو قال: والله (لا) أطأك يوماً بعد شهر فإنما حلف على يومٍ بعد شهر يمضي.
ولو قال: والله لا أقربك شهرين قبل شهرين فهو مولي. ذكر ابن سماعة عن أبي يوسف رحمهما الله في رجل قال لامرأته: والله لا أقربك أربعة أشهر إلا يوماً، ثم قال في ساعته: والله لا أقربك هذا اليوم فهو مولي.

قال في «الجامع» : إذا قال لامرأته: أنت طالق ثلاثاً قبل أن أقربك بشهرٍ لا يصير مولياً للحال ما لم يمضي شهر بعد اليمين؛ لأن المولي من لا يمكنه قربان امرأته من غير شيء يلزمه؛ لأن الملتزم ههنا الطلقات الثلاث مضافاً إلى شهر موصوف بأنه قبل القربان. والمراد شهرٌ بعد اليمين فما لم يمض بعد اليمين شهر قبل القربان لا يوجد الوقت المضاف إليه الطلاق فلا يلزمه الطلاق، فإن مضى شهرٌ بعد اليمين ولم يقربها فقد وجد الوقت المضاف إليه الطلاق وصار بحيث لا يمكنه قربانها إلا بطلاق يلزمه فيصير مولياً الآن.
ولو قال: إن قربتك فأنت طالق ثلاثاً قبل أن أقربك شهر، فهاهنا يشترط لصيرورته مولياً (284أ1) . بيان القربان ومضي أربعة أشهر بعد القربان لا بقربان فيه؛ لأن عند القربان يصير قائلاً: أنت طالق قبل أن أقربك شهر.
ولو قال لامرأتين له: أنتما طالقتان ثلاثاً قبل أن أقربكما بشهر لم يصر مولياً للحال لما مرّ. فإذا مضى شهر ولم يقربهما فيه يصير مولياً منهما. والقياس أن لا يصير مولياً ما لم يقرب إحداهما؛ لأن المولي من لا يمكنه القربان من غير شيء يلزمه وأمكنه قربان إحداهما من غير طلاق يلزمه؛ لأن قربان إحداهما نصف الشرط وبنصف الشرط لا يتبين أن الجزاء (واقع) .
فإذا قرب إحداهما الآن صار الحال لا يمكنه قربان الأخرى إلا بطلاق يلزمه،

(3/444)


فحينئذ يصير مولياً استحساناً، وقلنا: (لا) بأنه يصير مولياً إلا بقربان إحداهما إن كان لا يلزمه الطلاق إلا أنه يقربه إلى الطلاق، وقبله كان لا يلزمه الطلاق بقربان الأخرى وحدها، وهذا نوع ضرر.
فإن قرب إحداهما في مسكنها بعد مضي شهر لم يقربهما فيه لم يحنث؛ لأنه نصف الشرط، وسقط الإيلاء عنها لوجود الملغي إليها بعد انعقاد الإيلاء، وبقي مولياً من الثانية لو تركها أربعة أشهر من غير قربان، بانت بالإيلاء، وإن قربها في الأربعة الأشهر بانت بالحنث.

إذا قال لامرأته: أنت طالق قبل أن أقربك، ولم يؤقت لذلك وقتاً مقدّراً طلقت ثلاثاً للحال. ولو قال: قبيل أن أقربك، لا تطلق ما لم يقربها؛ لأن قبيل الشيء ينبىء عن التداني والتقارب إلى ذلك الشيء.
وصار تقدير المسألة: أنت طالق قبل أن أقربك بوقت قريب من القربان فإنما يتصف الوقت بالقرب من القربان إذا وجد القربان، أما قبل الشيء لا ينبىء عن التداني والتقارب، وإنما ينبىء عن وقت مطلق، وليس من ضرورة اتصاف الوقت المطلق بالقَبْليَّة عن الشيء وجود ذلك الشيء بعده، كما في قوله تعالى: {فتحرير رقبة من قبل أن يتماسّا} (المجادلة: 3) وكما في قوله تعالى: {وإن طلقتموهن من قبل أن تمسّوهُنّ} (البقرة: 237) وإذا لم يكن هذا شرطاً فقد وجد الوقت المضاف إليه الطلاق فيقع الطلاق. فهذا هو الفرق.
ولو آلى من امرأته المدخول بها ولم يقربها حتى مضت أربعة أشهر، وبانت منه بتطليقة ووجبت عليها العدة، ثم مضت أربعة أشهر أخرى، ولم يقربها وهي في العدة بانت ابتداءً طهرها لا تقع عليها تطليقة أخرى عند عامة المشايخ. وإليه مال الكرخي رحمه الله، وإليه أشار محمد رحمه الله في «الجامع» في باب اليمين في الإيلاء على إحداهما دون الأخرى. وقال بعض مشايخنا يقع عليها تطليقة أخرى. وأجمعوا على أنه لو تزوجها بعده بانت بمضي أربعة أشهر ثم مضت أربعة أشهر أخرى من غير قربان أنه يقع عليها تطليقة أخرى. وكذلك في الكرّة الثانية، وأجمعوا على أنها لو عادت إليه بعد الزوج الثاني ومضت أربعة أشهر من غير قربان أنه لا يقع عليها تطليقة أخرى.
وجه قول بعض المشايخ: أن بعد وقوع الطلاق بحكم الإيلاء، والإيلاء باقي، ألا ترى أنه لو تزوجها ثم مضت أربعة أشهر من غير قربان أنه يقع عليها تطليقة أخرى بحكم الإيلاء بالإجماع. فإذا مضت أربعة أشهر بعد ذلك فقد مضت مدة الإيلاء حال قيام الإيلاء، وأنه يوجب وقوع الطلاق لو لم يقع الطلاق.

وإنما لا يقع الطلاق لقيام البينونة في المحل إلا أن قيام البينونة لا يمنع وقوع الطلاق بحكم الإيلاء، ألا ترى أنه لو آلى منها ثم أبانها بتطليقة ثم مضت مدة الإيلاء وهي معتدة يقع عليها تطليقة بحكم الإيلاء.
وجه قول عامة المشايخ: أنها لما بانت بالإيلاء مرّة تحتاج إلى استئناف مدة الإيلاء عليها والمبانة ليست بمحل لابتداء الإيلاء فلا يكون محلاً لاستئناف المدة؛ لأن استثناء

(3/445)


مدة الإيلاء معتبرة باستئناف الإيلاء؛ لأن للمدة أثر في إيقاع الطلاق كما لابتداء الإيلاء، بخلاف ما إذا آلى منها ثم أبانها؛ لأن هناك انعقدت المدة من وقت الإيلاء، وقع الشك في إبطالها بالبينونة إن أمكن من حيث إن النكاح بقي من وجهٍ فلا يبطل بالشك، على أن المدة إنما تستأنف ليقع الطلاق بمضيها دفعاً لظلم الزوج بمنع حقّها في الجماع في هذه المدة.h
وبعد البينونة لم يبق لها حق (من) قبل الزوج في الجماع، فلا يتحقق الظلم، فلا حاجة إلى استئناف المدة، فلم تنعقد المدة الثانية فلا يقع الطلاق.
وإذا قال الرجل لأمتِهِ وامرأته: والله (لا) أقربكما لا يصير موليا من امرأتيه للحال؛ لأن المولى من لا يمكنه قربان امرأته إلا بشيء يلزمه، وقبل قربان الأمة يمكنه قربان المرأة من غير شيء يلزمه؛ لأنه إنما يحسب بقربانهما لا بقربان المرأة وحدها.
وبهذه المسألة يستدل زفر رحمه الله عليه في رجل قال لأربع نسوةٍ له: والله لا أقربكن، فعلى قول علمائنا الثلاثة رحمهم يصير مولياً منهن جميعاً استحساناً، حتى لو تركهن أربعة أشهر ولم يجامعهن جميعاً، وعند زفر رحمه الله: لا يصير مولياً حتى يجامع ثلاثاً منهن. فإذا جامع ثلاثاً منهن يصير مولياً من الرابعة.

وكذلك إذا قال لامرأتين له: والله لا أقربكما صار مولياً منهما استحساناً عند علمائنا الثلاثة رحمهم الله. وعلى قول زفر رحمه الله لا يصير مولياً ما لم يقرب واحدة منهما، قال: لأنه يمكنه قربان الثلاثة في المسألة الأولى وقربان إحداهما في المسألة الثانية من غير شيء يلزمه، ونحن فرّقنا.
ووجه الفرق: أن في تلك المسألتين لا يمكنه قربان واحدة إلا بشيء يلزمه؛ لأن قربان الواحدة إن كان لا يوجب عليه الكفارة ولكن يوجب عليه قربان الباقيات، لأن قربان الواحدة يهيج الباقيات على مطالبة حقهن في الجماع ومتى طالبته بالجماع يجب عليه إبقاؤها ديانةً، فيصير قربان الواحدة، سبباً لوجوب قربان الباقيات من هذا الوجه، والمولى من لا يمكنه القربان إلا بشيء يلزمه.
أما في مسألتنا بقربان الحرة قبل قربان الأمة لا تلزمه الكفارة ولا يلزمه جماع الأمة، وإن كان جماع الحرة يهيّج الأمة على مطالبة حقها إلا أن بطلبها لا يجب على المولى قربانها فيمكنه قربان الحرة من غير شيء يلزمه، فلهذا لا يصير مولياً من الحرة.
وفي «عيون المسائل» : إذا قال لها: (285أ1) والله لا أقربك سنة فمضت أربعة أشهر ولم يقربها حتى بانت منه ثم تزوجها، ثم مضت أربعة أشهر أخرى بانت أيضاً. فإن تزوجها ثانياً لا يقع شيء؛ لأنه لم يبق من السنة بعد التزوج أربعة أشهر.
ذكر محمد رحمه الله في «الجامع» : إذا قال لامرأتين له: والله لا أقرب إحداكما يصير مولياً من إحداهما، حتى لو قرب إحداهما يلزمه الكفارة، ولو لم يقربهما حتى مضت أربعة أشهر بانت إحداهما بالإيلاء، وكان البيان إليه وتقدير كلامه: إن قربت أحدهما فعليَّ كفارة يمين، وإن لم أقرب إحداكما حتى مضت أربعة أشهر وإحديكما....

(3/446)


ولو قال: هكذا، كان الجواب على نحو ما ذكرنا، فجعل هذا الإيلاء خاصاً في حق الكفارة والطلاق جميعاً. وفرق بين هذه المسألة وبين مسألة ذكرها بعد هذه المسألة، وهذا ما إذا قال لامرأتين له: والله لا أقرب واحدة منكما، فقرب واحدة منهما تلزمه الكفارة. ولو لم يقربها حتى مضت أربعة أشهر بانتا، وجعل الإيلاء خاصاً في حق الكفّارة عاماً في حق الطلاق.
وذكر القدوري في «شرحه» هاتين المسألتين، وذكر في قوله: والله (لا) أقرب واحدة منكما، خلاف بين أبي يوسف ومحمد رحمهما الله. وقال: على قول محمد رحمه الله: يصير مولياً من واحدة منهما في حق الكفارة والطلاق حتى قال: لو لم يقربها حتى مضت أربعة أشهر بانت إحداهما والبيان إليه والقياس (أن) تبين بها.
ذكر القدوري رحمه الله أن ما ذكر في «الجامع» قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله، وأنه استحساناً، وإن كان ما ذكر في «الجامع» قول الكل كان لمحمد رحمه الله قولان في المسألة.
ثم الفرق على جواب الاستحسان في المسألتين: أن قوله واحد إن كانت خاصة لفظاً فهو عام معنى؛ لأنها نكرة في محل النفي والنكرة في موضع النفي تَعُمُّ، فاعتبرنا معنى العموم في حق الطلاق.
ومعنى الخصوص في حق الكفارة، وإنما أظهرنا معنى العموم في حق الطلاق؛ لأن حكم الطلاق أعم من حكم الكفارة، ألا ترى أنه لو قال لها: والله لا أقربك، وبانت بمضي أربعة أشهر وتزوجها ومضت أربعة أشهر بانت بتطليقة أخرى. وكذا في الكرة الثالثة، ولو قربها في النكاح الأول حتى حنث ولزمته الكفارة لو قربها مرة أخرى لا تلزمه كفارة أخرى، فعلم أن حكم الطلاق أعم. فأظهرنا معنى العموم في حق الطلاق لهذا.

ثم في المسألة الأولى هو ما إذا قال: والله لا أقرب إحداكما حتى صار مولياً من إحدهما لو أراد أن يعتبر الإيلاء؛ لأن الإيلاء في إحدهما قبل مضي أربعة أشهر لا يقدر عليه؛ لأن فيه يعتبر الإيلاء؛ لأن الإيلاء انعقد على واحدة بغير عينها في حكم الحنث والبرّ جميعاً، وهو يرى أن يجعله منعقد على المعينة في الحكمين جميعاً ولكن إذا مضت المدة ووقع الطلاق على إحداهما يجبر على البيان، هكذا ذكر المسألة في «الجامع» .
وذكر في «المنتقى» هذه المسألة في موضعين، وذكر في أحد الموضعين خلافاً بين أبي يوسف ومحمد رحمهما الله فقال: إذا وقع الطلاق على إحديهما تعليقاً مضت أربعة أشهر، ثم مضت أربعة أشهر أخرى بانت الأخرى في قول محمد رحمه الله. وفي قول أبي يوسف رحمه الله: لا تبين الأخرى، وفي الموضع الآخر قول أبي يوسف رحمه الله، أو يكون في المسألة عن محمد رحمه الله روايتان.
وفي «المنتقى» إذا قال لامرأته: إن قربتك فعبدي هذا حر، فمكث أربعة أشهر ولم يقربها فرافقته إلى القاضي، فأقرّ أن هذا العبد عبده وأنه قال لها: إن قربتك فعبدي هذا حرّ، وإنه قد مضى أربعة أشهر من غير قربان ففرق القاضي بينهما، الإيلاء وجعلها طلاقاً

(3/447)


بائناً، ثم إن العبد أقام البينة أنه حرّ الأصل وقضى القاضي بحريته، فإنه يبطل الإيلاء والطلاق، وتردّ المرأة على زوجها؛ لأنه تبين أنه لم يكن مولياً، ولو لم يُقم العبد بينة على أنه حر الأصل ولكن أقام رجل بينة أن العبد عبده، وقضى القاضي بالعبد للمستحق، وقال الزوج: العبد عبدي وشهوده زور فإن هذا في (القياس) والعتق سواء، ألا ترى إلى..... في هذا على ما قضاؤه بائعه بالثمن، وكذلك أبطل الإيلاء فيه، وقال: تعد هذه المسائل قضاؤه بالإيلاء، وفرق ما قضى على الزوج بإقراره أن العبد عبده وأن ما قضى به لازم ثم قال متصلاً به، والعتاق والاستحقاق سواء في جميع ذلك ما لم يكن في العتاق بسبب معروف أو أمرٍ مشهور.

فإذا جاء الأمر على ذلك أُبطل قضاء القاضي الإيلاء، وقال في هذا الموضع أيضاً: إن كان الاستحقاق في الأربعة الأشهر أو بعدها قبل أن يقضي القاضي بالفرقة، فإن القاضي يبطل الإيلاء قِبَل أنه قضى بالعبد للغير.
نوع آخر في الإيلاء في الغاية
الإيلاء المعقود إلى غاية له حكمان:
أحدهما: حال قيام الغاية، والثاني: بعد فوات الغاية.
فأما حكمه حال قيام الغاية: أن الغاية إذا كانت شيئاً يحلف بها أو يلتزم بالنذر ويتوهم بقاؤها إلى تمام مدة الإيلاء ينعقد الإيلاء، وإن كان يتوهم وجودها في مدة الإيلاء حال قيام النكاح وثباته، وذلك كالعتق والطلاق والصوم لا يَنْعَقِدْ بالإيلاء.
وإن كانت الغاية شيئاً لا يحلف بها ولا تلتزم بالنذر؛ إن كان يتوهم وجودها في مدة الإيلاء حال قيام النكاح عتق عبده، ودخول الدار، لا ينعقد الإيلاء، وإن كان لا يتوهم وجودها في مدة الإيلاء حال قيام النكاح وثباته، وإنما يتوهم وجودها حال انقطاع النكاح وفساده كقتله أو قتلها فإنه ينعقد الإيلاء. وهذا كله قول أبي حنيفة رحمه الله ومحمد رحمه الله، فأما على قول أبي يوسف رحمه الله: إن كانت الغاية شيئاً يتوهم وجودها في مدة الإيلاء حال قيام النكاح وثباته، لا ينعقد الإيلاء، سواء كانت الغاية مما يُحلف بها أو لا يحلف بها يتوهم بقاؤها إلى مدة الإيلاء أو لا يتوهم.
وإن كانت الغاية شيئاً لا يتوهم وجودها في مدة الإيلاء حال قيام النكاح وثباته، وإنما يتوهم وجودها حال انقطاع النكاح وفساده ينعقد الإيلاء على كل حال (285ب1) .

بيانه: إذا قال لامرأته: والله لا أقربك حتى أعتق عبدي فلان، أو حتى أطلق امرأتي فلانة، أو حتى أصوم شهراً، فإنه يصير مولياً عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله؛ لأن الغاية شيء يُحلف بها غالباً، قد تلتزم بالنذر، ويتوهم بقاؤها إلى تمام مدة الإيلاء، وعند

(3/448)


أبي يوسف رحمه الله لا يكون مولياً؛ لأن الغاية يتوهم وجودها في مدة الإيلاء حال قيام النكاح وثباته.
وإذا قال: والله لا أقربك حتى أقتل عبدي فلاناً، أو حتى أضرب عبدي فلاناً، فإنه لا يصير مولياً بلا خلاف. أما عندهما؛ لأن الغاية لا يحلف بها ولا تلتزم بالنذر، وأما عند أبي يوسف رحمه الله: فلأنه يتوهم وجود الغاية في مدة الإيلاء حال قيام النكاح وثباته.
وإذا قال: والله لا أقربك حتى أقتلك أو قال: حتى تقتليني، أو قال: حتى أُقْتَل أو حتى تُقْتَلي كان مولياً عندهم جميعاً.
أما على قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله: فلأن الغاية وإن كانت شيئاً لا يحلف بها إلا أنه لا يتوهم وجودها في مدة الإيلاء حال قيام النكاح وثباته. وأما على قول أبي يوسف رحمه الله: فلأنه لا يتوهم وجود الغاية في مدة الإيلاء حال قيام النكاح وثباته. أو نقول بأن قتلها أو قتله لا يصلح غاية؛ لأن الغاية في اليمين إنما تذكر لإخراج ما وراء الغاية بحيث لولا الغاية لتناول اليمين كلها، واليمين لا تتناول ما وراء قتل أحدهما؛ لأن النكاح لا يبقى بعد موت أحدهما، والقربان لا يتصور، فلم تصح هذه الأشياء غاية، فصار ذكرها والعدم بمنزلة، ولو لم يذكر الغاية كان مولياً كذا هاهنا.
ولو قال لامرأته وهي أمة لغيره. والله لا أقربك حتى استبرئك، لا يكون مولياً عندهم جميعاً؛ لأن ما جعله غاية يتوهم وجوده في مدة الإيلاء حال قيام النكاح وثباته، بأن استبرأها لغيره.
ولو قال: لا أقربك حتى أملكك أو...... منك فهو مولي عندهم جميعاً؛ لأنه لا يتوهم وجود الغاية في مدة الإيلاء مع بقاء النكاح وبيانه.

هذا بيان حكمه حال بقاء الغاية.
أما بيان حكمه بعد فوات الغاية فنقول: فإذا فاتت الغاية وصارت مستحيلة الكون بحيث لا توجد على ما عليه الغالب فإنه يسقط الإيلاء، سواء كانت الغاية مما يلزم مثلها ديناً في الذمة حال فواتها متى كان منذوراً بها كالصوم، أو لا يلزم مثلها ديناً في الذمة حال فواتها، بأن كان منذوراً بها كالطلاق والعتاق، وهذا قول أبي حنيفة رحمه الله، وعلى قول أبي يوسف رحمه الله: لا يسقط الإيلاء بفوات الغاية أي شيء ما كانت الغاية، وتصير اليمين مرسلة فيصير مولياً حين فاتت الغاية عنده، وعلى قول محمد رحمه الله بأن كانت الغاية مما يلزم مثلها ديناً في الذمة عند فواتها لو كان المنذور بها كالطلاق والعتاق يبطل الإيلاء بفواتها، وإن كانت الغاية مما يلزم مثلها ديناً في الذمة عند فواتها لو كان منذوراً بها كالصوم المضاف إلى وقتٍ بعينه وقد فات، فإنه لا يبطل الإيلاء بفوات مثل هذه الغاية.

(3/449)


بيان هذا: إذا قال لها: والله لا أقربك حتى أقتل فلاناً فإنه لا يكون مولياً قبل موت فلان بالإجماع؛ لأنه يتوهم وجود الغاية في مدة الإيلاء حال قيام النكاح وثباته، وإنه مما لا يحلف به ولا يلتزم بالنذر عادةً، فإذا مات بطلت اليمين عندهما؛ لأن الغاية فاتت على سبيل التأبيد، وعند أبي يوسف رحمه الله: متى مات فلان صارت اليمين مرسلة، ولو قال لها: لا أقربك حتى يأذن لي فلان لا يصير مولياً؛ لأن الغاية مما لا يحلف بها ولا يلتزم بالنذر، ويتوهم وجودها في المدة مع قيام النكاح وثباته، ولكن اليمين منعقدة، فإن مات فلان قبل الإذن سقطت اليمين عند أبي حنيفة ومحمد، وعند أبي يوسف رحمهم الله: تصير اليمين مرسلة، ويصير مولياً من حيث مات حتى لو قربها قبل مضي أربعة أشهر تلزمه الكفارة، ولو لم يقربها حتى مضت أربعة أشهرٍ بانت منه بالإيلاء.
ولو قال لها: والله لا أقربك حتى أصوم شعبان، قال ذلك في رجب لا يصير مولياً في قولهم جميعاً. أما على قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله فلأنه لا يتوهم بقاء الغاية إلى تمام مدة الإيلاء، فيمكنه قربانها بعد الغاية في مدة الإيلاء من غير شيء يلزمه. وعند أبي يوسف رحمه الله: يتوهم وجود الغاية في مدةٍ تمنع انقعاد الإيلاء فَتَحَقُّقُ الوجود أولى ولكن وجود اليمين منعقدة، فإذا طلع الفجر من أول يوم في شعبان وأكل أو صنع صنيعاً لا يستطيع معه الصوم بطلب اليمين عند أبي حنيفة رحمه الله لضرورة الغاية ما..... الوجود، وعند أبي يوسف رحمه الله بفوات الغاية صارت اليمين مرسلة وصار مولياً من حين أكل، وعند محمد رحمه الله: كما أكل يصير مولياً؛ لأن هذه غاية..... مثلها ديناً في الذمة حال فواتها لو كان منذوراً بها، وإذا قال لامرأته: إن قربتك فعليَّ صوم شعبان. لو قربها بعد مضي شعبان يلزمه صوم شهر آخر بغير عينه، وفوات مثل الغاية لا يوجب بطلان اليمين؛ لأنه يكون فائتاً إذا حلف، وإذا بقيت اليمين عند محمد رحمه الله صار مولياً من حين حلف؛ لأنه من حيث حلف صار بحالٍ لا يمكنه قربانها من غير شيء يلزمه.
وذكر ابن سماعة في «نوادره» عن أبي يوسف رحمهما الله: إذا قال لامرأته: والله لا أقربك حتى أقرب فلانة، يريد به امرأة أخرى له، ثم قال لفلانة: والله لا أقربك، فهو مولي منها دون الأولى.

وذكر ابن سماعة عن محمد رحمهما الله: إذا قال لامرأته: والله لا أطأك حتى أطأ فلانة يريد امرأة أخرى له، ثم قال لفلانة: والله لا أطأك حتى أطأ فلانة، يريد به المرأة الأولى، لم يكن مولياً من واحدة منهما من قبل أنه لا يكون مولياً من امرأته بحيث يطأها في..... خلف بها على غيره ألا ترى أنه لو قال لامرأته: والله لا أطأك حتى أدخل هذه الدار ثم قال: والله لا أدخلها لا يكون مولياً من امرأته، وعن محمد رحمه الله: فيمن قال لامرأته: إن قربتك ما دمت معي فأنت طالق ثلاثاً، قال: يطلقها تطليقة بائنة ثم يتزوجها من ساعته فيطأها ولا يحنث.

(3/450)


وعلى هذا إذا قال لها: والله لا أقربك ما دمت امرأتي، فأبانها ثم تزوجها لم يكن مولياً، ويقربها ولا يحنث، وهذا بخلاف ما لو قال: والله لا أقربك وأنت امرأتي، فأبانها ثم تزوجها كان مولياً منها.
عن أبي يوسف رحمه الله فيمن قال لامرأته: (286أ1) والله لا أقربك ما دام هذا النهر يجري، قال: إن كان هذا مما لا ينقطع فهو مولي، وإن كان ينقطع فليس بمولي.
وفي «المنتقى» : إذا قال لها: والله لا أقربك ما دمت حاملاً، أو قال: حتى تضعي، فمضت بعد ذلك أربعة أشهر لا يدخل عليه الإيلاء.
نوع آخر في الفيء في باب الإيلاء مشروع
عرف شرعه بقوله: {فإن فاءوا} (البقرة: 226) ، له تُعَد عبارة عن الرجوع، يقال: فاء الظلِّ: أي رجع، سمي الفيء في الإيلاء فيئاً لأن المولي بالإيلاء قصد منع حقها في الجماع وبالفيء يرجع عما قصد.
وأنه على ضربين:
أحدهما: بالوطء والآخر بالقول عند العجز عن الوطء فينظر في حال الزوج حتى آلى من امرأته إيلاءً مرسلاً، فإن كان صحيحاً قادراً على الجماع، وإن كان مريضاً في كل المدة ففيئه باللسان يعتبر في حق أخذ حكمته، حتى أنه إذا فاء إليها بالجماع، ومضت المدة لا تطلق بالإيلاء.

وكذلك لو جامعها في المدة وجبت لو جامعها مرة أخرى في المدة لا يحنث، ولا تلزمه كفارة، ولو فاء إليها بلسانه ومضت المدة لا تطلق بالإيلاء، ولكن لو جامعها في المدة يحنث ويلزمها الكفارة.
فالحاصل: أن الفيء باللسان يعمل عمل الجماع في حق إبطال الإيلاء في حق الطلاق لا في حق الحنث، ويجوز أن يبطل الإيلاء في حق الطلاق ويبقى في حق الحنث ألا ترى من آلى من امرأته ثم طلقها ثلاثاً يبطل الإيلاء في حق الطلاق ولا يبطل في حق الحنث، حتى لو جامعها تلزمه الكفارة كذا هاهنا.
هذا إذا كان مريضاً في كل المدة، ولو كان مريضاً في بعض المدة وصحّ في بعض المدة وقدر على الجماع، وذلك قبل أن يفيء إليها بلسانه ففيئه بالجماع، ولو كان فاء إليها بلسانه وهو مريض ثم زال المرض في المدة وقدر على الجماع بطل الفيء باللسان، وهذا إذا كان الإيلاء مطلقاً.
فأما إذا كان معلقاً بالشرط، فإنه يعتبر الصحة والمرض في حق جواز الفيء باللسان وعلقه وقت وجود الشرط ولا وقت وجود الإيلاء، حتى أن من قال لامرأة وهو صحيح: إن تزوجتك فوالله لا أقربك، فلم يتزوجها حتى مرض مرضاً لا يستطيع الجماع معه، ثم تزوجها وهو مريض وفاء إليها بلسانه، كان فيئه صحيحاً، وهذا لأن الفيء إنما يعتبر بعد انعقاد الإيلاء وإذا كان الإيلاء معلقاً بالشرط فإنما ينعقد الإيلاء بعد مباشرة الشرط،

(3/451)


فكانت العبرة لحال وجود الشرط من هذا الوجه، والمعتبر في اعتبار الفيء باللسان: هو العجز الحقيقي دون العجز الحكمي.
وفسّر العجز الحقيقي فقال: أن يكون الزوج مريضاً لا يستطيع جماعها، أو كانت مريضة أو صغيرة لا يستطيع جماعها، أو كانت غائبة وبينهما مسافة لا يقدر على قطعها في مدة الإيلاء.

هكذا ذكر في «الجامع» ، ذكر في «القدوري» على هذا فقال: أو تكون مباشرة صحيحة في مكان لا يعرفه، أو تكون المرأة رتقاء فالفيء في جميع ذلك بالقول، وذلك بأن يقول:..... إليها أو راجعتها أو ما أشبه ذلك من الألفاظ الدالة على الرجوع عما عزم عليه.
وفسّر العجز الحكمي فقال: أن يكون أحدهما محرماً، ولو كان الزوج..... فهو ملحق بالعجز الحكمي على رواية: «الجامع» حتى لا يعتبر فيه باللسان، وعلى رواية «القدوري» : هو ملحق بالعجز الحقيقي حتى يعتبر فيه باللسان إذا كان لا يقدر أن يدخلها عليه.
ثم إنما يعتبر الفيء باللسان في حق المريض حال قيام الزوجية لا بعد البينونة، حتى إن المريض إذا لامس المرأة ومضت أربعة أشهر ولم يفء إليها حتى بانت منه بتطليقة ثم فاء إليها بلسانه، بعد ذلك لا يبطل الإيلاء، حتى لو تزوجها وهو مريض على حالة ثم مضت أربعة أشهر ولم يفء إليها بانت بتطليقة أخرى.
أما الفيء بالجماع: كما يعتبر حال قيام الزوجية يعتبر بعد البينونة حتى إن الصحيح إذا لامس امرأته ومضت أربعة أشهر وبانت منه بتطليقة ثم جامعها بعد ذلك يبطل الإيلاء، حتى لو تزوجها بعد ذلك ومضت أربعة أشهر أخرى من غير جماع لا يقع عليها طلاق آخر وإنما افترقا؛ لأن الفيء باللسان شرع لاستدامة الملك؛ لأن الملك صار على شرف الزوال بمضي مدة الإيلاء إذا لم يوجد الفيء، والشرع شرع الفيء باللسان لاستدامة الملك، أما ما شرع لإبطال اليمين؛ لأن بطلان اليمين حكم الحنث، والحنث بالجماع وبالفيء باللسان.
وإذا كان الفيء باللسان مشروعاً لاستدامة الملك، فإنما يصح في حال بقاء الملك، وأما بعد البينونة ليس حال بقاء الملك، وأما الفيء بالجماع كما شرع لاستدامة الملك شرع لإبطال اليمين؛ لأن الجماع شرط حنث في الإيلاء وبالحنث يبطل اليمين، وبعد البينونة إن تعذر شرعه وتصحيحه استدامة الملك.... تصحيحاً إبطالاً لليمين فصححناه والله أعلم.

(3/452)


الفصل الخامس والعشرون في مسائل اللعان
يجب أن يعلم بأن اللعان مشروع فيما بين الأزواج ثبت شرعه بقوله تعالى: {والذين يرمون أزواجهم} (النور: 6) الآية. وبما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلّمعن بني العجلاني وبين امرأته، وبين هلال بن أمية وبين امرأته.
وسببه: قذف الرجل امرأته بالزنا. وصورته: ما قال محمد رحمه الله في «الأصل» : أن يبدأ القاضي بالزوج فيقول له: قم فالتعن، فيقول الرجل أربع مرات: أشهد بالله أني صادق فيما رميتها من الزنا ويقول في المرة الخامسة لعنة الله عليه إن كنت كاذباً فيما رميتها من الزنا. ثم تقول المرأة وتقول أربع مرات: أشهد بالله إنه لكاذب فيما رماني من الزنا، وتقول في المرة الخامسة: غضب الله عليها إن كان صادقاً فيما رماني من الزنا.
وهذا الترتيب استفيد من كتاب الله تعالى. ومحمد رحمه الله ذكر قيامهما عند اللعان وأنه ليس بأمرٍ لازم، ألا ترى أن كتاب الله تعالى لم يتعرض له؟ وعن أبي حنيفة رحمه الله أنه يحتاج إلى لفظة المواجهة وهو أن يقول: فيما رميتك من الزنا؛ لأنه إذا ذكر المغايبة ويمين فيه شبهة واحتمال. وقال أبو الحسن الكرخي: إذا ذكر بلفظ المغايبة وأشار (286ب1) كفى؛ لأن بالإشارة ينقطع الاحتمال.
وأهله عندنا من كان أهلاً للشاهدة، حتى أنّ اللعان لا يجري بين الزوجين عندنا إذا كانا محدودين في القذف أو أحدهما، أو كانا رقيقين أو أحدهما، أو كافرين أو أحدهما، أو أخرسين أو أحدهما، أو.
I
... ، أو مجنونين أو أحدهما، وفيما عدا ذلك يجري اللعان، وهذا بناءً على أن الزنا في باب اللعان عندنا: شهادات مؤكدات بالأيمان من الجانبين من كان باللعن والغصب قائمة مقام حدّ الزنا من وجه، فيشترط أهلية الشهادة من الجانبين، وإحضان المرأة لوجوبها؛ لأن قذف غير المحصنة لا يوجب الحد على القاذف.

أما بيان أن الركن في باب اللعان: شهادات مؤكدات بالأيمان، فإن الله تعالى نص على الشهادة وعلى اليمين حيث قال: {فشهادة أحدهم أربع شهادات با} (النور: 6) فقوله: {فشهادة أحدهم} نص على الشهادة، وقوله {با} يمين بعلمنا، فجعلنا الركن شهادات مؤكدات بالأيمان.
فإن قيل: العمل بالشهادة واليمين غير ممكن؛ لأن كلَّ واحدٍ من الزوجين يشهد

(3/453)


لنفسه والشهادة شرعت حجة لغير الشهادة لا للشاهد، واليمين شرعت حجة للحالف، ولأن اللعان شرع مكرراً، والتكرار في اليمين غير مشروع في موضعٍ ما.
والدليل على أن اللعان ليس بشهادة؛ إنا أجمعنا أن اللعان يجري بين الأعمى وبين امرأته، والأعمى ليس من أهل أداء الشهادة؟
قلنا: أما الأول: العمل بينهما ممكن في الجانبين، أما في جانب الزوج فلأن الزوج يحتاج إلى الشهادة ليدفع ما ثبت عن نفسه حد القذف واحتاج إلى اليمين لتنقطع التهمة عن شهادته؛ لأنه يشهد لنفسه والمرأة كذلك تحتاج إلى الشهادة لتدفع ما ثبت عليها من الزنا بشهادة الزوج، فإن الزنا قد ثبت على المرأة بشهادة الزوج، وإليه وقعت الإشارة في كتاب الله تعالى، قال الله تعالى: {ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات با} (النور: 8) أشار إلى أن العذاب قد يوجه عليها بحجةٍ سبقت ويسقط ذلك بلعانها وهو معقول، فإن ما ثبت بالشهادة لا يندفع إلا بالشهادة ويحتاج إلى اليمين أيضاً لتدفع التهمة عن شهادتها.
واليمين لدفع التهمة مشروعة كما في المودع. وقوله: بأن الشهادةأن تشرع حجة للشاهد، قلنا: إنما لم تشرع حجة لمكان التهمة، وهاهنا انقطعت باليمين.
وقوله: بأن اللعان شرع مكرراً، قلنا: لأن الواجب إقامة أربع شهادات من أربع شهداء، وقد عجز عن إقامة أربع شهود، أما (ما) عجز عن إقامة أربع شهادات.

أما فصل الأعمى قلنا: لأنه من أهل الشهادة إلا أنه إنما لا تقبل شهادته لأنه لا يمكنه اليمين بين المشهود له وبين المشهود عليه إلا بالتهمة بشبه التهمة فيتمكن في شهادته بشبهة الغلط، وهذه التهمة هاهنا؛ لأن المشهود له نفسه والمشهود عليه امرأته، ويمكنه التمييز بين نفسه وبين امرأته بحيث لا تمكن فيه تهمة الغلط.
وأما بيان أنها قائمة مقام حد القذف من وجه من جانب الزوج، ومن جانب المرأة قائمة مقام حد الزنا من وجه؛ لأن اللعان شهادة من الجانبين إلا أنها شهادة حكماً وليست بشهادةٍ حقيقيةً، فمن حيث إنها ليست بشهادة حقيقيةً لم يندفع حد القذف عن الزوج إذا كانت المرأة محصنة، ومن حيث إنها شهادة حكماً ثبت الزنا على المرأة واندفع حد القذف عن الزوج، فكان حد القذف عن الزوج مندفعاً من وجهٍ دون وجه، فلم يجب الحد بالاحتمال، واكتفى باللعان الموجبة للحرمة في الدنيا، والمؤاخذة في الآخرة حداً من جانبه إن كان كاذباً، وكذلك في جانب المرأة ثبت الزنا بشهادة الزوج عليها ولم تندفع شهادتهما لنفسها من كل وجه، بل اندفعت من وجهٍ دون وجه، فلم يجب الحد عليها أيضاً بالاحتمال، واكتفى باللعان الموجبة للحرمة في الدنيا والمؤاخذة في الآخرة حدّاً في جانبها إن كانت كاذبة. ومعنى العقوبة في اللعان في حرمة المتعة في الدنيا على تبيين بعد هذا ونفي المؤاخذة في الآخرة.
فإن قيل: ما ذكرتم من المعنى ليس بصحيح، وإن الزوج لو أكذب نفسه بعد اللعان يقام عليه حد القذف، ولو كان اللعان قائماً مقام حد القذف كان بدلاً عنه، والجمع بين البدل والمبدل لا يجوز.

(3/454)


قلنا: اللعان إنما كان قائماً مقام حد القذف من حيث إنه يوجب حرمة المتعة في الدنيا والمؤاخذة في الآخرة لم..... بعد، والأصل أنه إذا ثبتت القدرة على الأصل قبل حصول المقصود من البدل أن يسقط حكم البدل. وحكمة: حرمة الاستمتاع إذا فرغا من اللعان من غير حكم القاضي، حتى أن بعد التلاعن لا يحل لأحدهما الاستمتاع بصاحبه. نصّ عليه محمد رحمه الله في «المنتقى» إلا أن الفرقة لا تثبت إلا بقضاء القاضي بالفرقة بينهما، وإنما ثبتت هذه الحرمة بنفس اللعان بالحديث، قال عليه السلام «المتلاعنان لا يجتمعان أبداً» وفي إباحة الاستمتاع اجتماع، فيحرم الاستمتاع، وإنما يوقف وقوع الفرقة بينهما على قضاء القاضي لحديث العجلاني، فإن رسول الله عليه السلام لما لاعن بين العجلاني وبين امرأته، «قال العجلاني: كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها فهي طالق ثلاثاً، ولم ينكر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلّممقالته» ، ولو كانت الفرقة تقع بنفس اللعان لأنكر.
وعن عمر رضي الله عنه أنه سئل عن السُّنّة بين المتلاعنين فقال: التفريق بينهما متى فرغا من اللعان.
ثم العلماء اختلفوا في حق الحرمة التي ثبتت بينهما بنفس اللعان. قال أبو حنيفة ومحمد رحمهما الله: تثبت حرمة مؤقتة إلى غاية تكذيب أحدهما نفسه. وقال أبو يوسف رحمه الله: تثبت حرمة مؤبدة كحرمة الرضاع والصهرية.
وثمرة الخلاف تظهر فيما إذا أكذب الملاعن نفسه بعدما فرق القاضي بينهما ثم إذا أراد أن يتزوجها قال أبو حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى: أن يتزوجها، وقال أبو يوسف وزفر رحمهما الله: ليس له أن يتزوجها.
حجة أبو يوسف وزفر رحمهما الله قوله عليه السلام: «المتلاعنان لا يجتمعان أبداً» . حجة أبي حنيفة رحمه الله: أن الثابت بالنصِّ اللعان بين الزوجين، والثابت (287أ1) بالإجماع على أصل الحرمة، فمتى أثبتت الحرمة المؤبدة فقد أثبتت الزيادة على النص والإجماع، وإنه لا يجوز.

والمعنى: أن اللعان غير موضوع للفرقة، وإنما حكم بالفرقة لفوات الإمساك بالمعروف عن جهة الزوج، ويعتبر التسريح بالإحسان، وقيام القاضي مقامه عند امتناعه عن التسريح بالإحسان، ومثل هذا يكون طلاقاً؛ لأن فعل القاضي بثباته كفعله بنفسه، وإذا ثبت أنه طلاق والحرمة الواقعة بالطلاق لا تتأبد والحديث لا حجة له فيه؛ لأن النبي عليه السلام نفى اجتماع المتلاعنين، وحقيقة هذا الاسم لمن يكون مشغولاً

(3/455)


باللعان.... ولمن نفى اللعان في حقه حكماً، وعندنا لا يجتمعان ما بقي اللعان بينهما حكماً، وإنما يجتمعان، إذا زال اللعان حكماً بالإكذاب؛ لأنه وجب عليه حدّ القذف بإكذابه نفسه، ومن ضرورته بطلان اللعان.
ولو أكذب نفسه وجب الحد، ولو صدقته المرأة فلا حدّ ولا لعان، وإذا أخطأ الحاكم وفرق بينهما بعد وجود أكثر اللعان من واحدٍ منهما وقعت الفرقة، وإن كان قبله لم تقع.
ولو أخطأ الحاكم فبدأ بالمرأة قبل الزوج فإنه يعيد اللعان على المرأة فإن لم يفعل وفرق بينهما وقعت الفرقة.
ولو التقيا عند الحاكم ولم يفرق بينهما حتى عُزل، أو مات، فإن الحاكم الثاني يستقبل اللعان بينهما في قول أبي حنيفة وأبي يوسف. وقال محمد رحمه الله: لا يستقبل.
ولو طلقها ثلاثاً أو بائناً بعد القذف فلا حد ولا لعان.
وكذا لو تزوجها بعد ذلك ولو كان الطلاق رجعياً لاعن؛ لأن الزوجية قائمة من كل وجهٍ وكان الحال بعد الطلاق الرجعي والحال قبله سواء.
وأي الزوجين أبى أن يلتعن حُبِسَ؛ لأن في اللعان معنى اليمين والحد، إن كان فيه معنى الشهادة، والخبر يجري على اليمين والحد، إن (كان) لا يجري على الشهادة.
وإذا نفى ولد زوجته بأن قال: هذا الولد ليس مني، يلاعنها بقول الرجل: أشهد بالله أني لصادق فيما رميتك من نفي الولد، وكذا في جانب المرأة.

ولو قذفها بالزنا ونفى الولد ذكر في اللعان الأمرين، كما ذكر الزوج في القذف الأمرين، فإذا فرغ من ذلك فرّق القاضي بينهما ولزم الولد أمه، وروى عن أبي يوسف رحمه الله: أن القاضي يفرق بينهما ويقول: التزمته...... فيه من نسب الوالد؛ لأنه ليس من ضرورة اللعان والتفريق به نفي النسب، كما بعد موت الولد يفرق بينهما ولا ينتفي نسب الولد، فلا بد من تصريح القاضي بنفي الولد لهذا.
أما إذا ثبت بإقراره أو بطريق الحاكم لا ينتفي بعد ذلك، وأما إذا ثبت بإقراره فلأنَّ الإنكار بعد الإقرار غير مسموع، وأما إذا ثبت من طريق الحاكم.
بيانه: فيما روي عن محمدٍ وأبو يوسف رحمه الله في رجلٍ جاءت امرأته بولد فنفاه، فلم يلاعنها حتى قذفها أجنبي بالولد، ثبت نسب الولد ولا ينتفي بعد ذلك؛ لأنه لما حُدَّ قاذفها فقد حكم بكذبه، وذلك حكم بثبات النسب، والنسب المحكوم به لا ينتفي.
ولو نفى ولد زوجته فهما ممن لا لعان بينهما لا ينتفي؛ لأن المثبت للنسب وهو الفراش وأتم القطع باللعان، فإذا امتنع انعدم القاطع فيثبت النسب بسببه.
وكذلك لو كان العلوق في حالٍ لا لعان بينهما ثم صار الحال يتلاعنان، نحو إن كانت المرأة أَمَةً أو كتابيةً حالة العلوق فأعتقت أو أسلمت، فإنه لا تتلاعن ولا ينتفي

(3/456)


نسب الولد؛ لأن ثبات النسب وقت العلوق. فإذا كان العلوق على وجهٍ لا يمكن قطعه وإبطاله فلا يعتبر هذا الحكم بعد ذلك.
ولو نفى ولد الحرة فصدقته فلا حدّ على الزوج ولا لعان، وهو أنهما لا يصدقان على النفي، أما لا حدّ ولا لعان لمكان التصديق، وأما يصدقان على نفي نسب.... الولد فلأن نسب الولد قد ثبت بحكم الفراش والقاطع هو اللعان، واللعان ممتنع.
ولو جاءت بولدين في بطنٍ واحد فأقرّ بالأول ونفى الثاني لزمه الولدان ويلاعنها.

ولو نفى الأول وأقرّ بالثاني حدّ؛ لأن في المسألة الثانية بنفي الأول صار قاذفاً لها بالزنا، وبالإقرار للثاني صار مكذباً نفسه ذلك النفي؛ لأن الإقرار بنسب أحدهما إقرار بنسبتهما؛ لأنهما توأمان لا ينفصل أحدهما عن الآخر في حق النسب، وهذا التكذيب (إن) وجد بعد النفي حقيقة وحكماً فيلزمه الحد، فأما في المسألة الأولى بنفي الثاني صار قاذفاً لها بالزنا، وبالإقرار صار مكذباً نفسه في نفي الثاني حكماً حيث إن الإقرار للأول باقي، ولكن هذا أمر حكمي، أما الإقرار بعد القذف لم يوجد حقيقة. فباعتبار الحكم أن صار مكذباً نفسه، فباعتبار الحقيقة لا يصير مكذباً بنفسه فلا يجب الحد مع الشك.
.... نفاهما ثم مات أحدهما أو قتل لزمه الولدان؛ لأنه لزمه نسب الميت على وجهٍ لا يمكن قطعه فيلزمه نسب الآخر ضرورةً وبطل اللعان في قول أبي يوسف، وقال محمد رحمه الله: لا يبطل؛ لأن حكم اللعان ينفصل عن الولد في الجملة، فامتناع قطع نسب الولد لا يمنع اللعان، وأبو يوسف رحمه الله يقول: القذف حال وجوده انعقد موجباً إلغاء ما ينقطع له نسب الولد، فلو بقي بعدما صار نسب الولد بحال لا ينقطع لا يكون البقاء على وقف الثبوت.
ولو ولدت أحدهما ميتاً فنفاهما لزمه الولدان ويلاعن، لأن القذف هاهنا انعقد موجباً إلغاء ما لا ينقطع به نسب الولد فيكون البقاء على وقف الثبوت، بخلاف المسألة الأولى على قول أبي يوسف رحمه الله.
وإذا نفى حمل امرأته فليس بقاذف ولا لعان في قول أبي حنيفة رحمه الله وزفر، وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله: إذا جاءت بولد لأقل من ستة أشهر لاعَنَهَا، فإن كان أكثر يلاعن، وأجمع أصحابنا أنه لا ينتفي نسبه وهو حملٌ؛ لأن انتفاخ البطن محتمل، يحتمل أن يكون عن ولدٍ، ويحتمل أن يكون عن ولد ويحتمل أن يكون عن ريح أو علة أخرى، فتمكنت الشبهة، واللعان فيما بين الأزواج أقيم مقام الحد فيما بين الأجانب فلا يقام مع الشبهة.

بقي الكلام بين أبي حنيفة وصاحبيه (287ب1) .
حجتهما: أنها لما جاءت به لأقل من ستة أشهرٍ يثبتان أن الحبل كان موجوداً حين نفاه عن نفسه فكان هذا ونفيه بعد الولادة سواء، ولأبي حنيفة رحمه الله: أن انتفاخ البطن لما كان محتملاً لما مرّ لا يصح

(3/457)


النفي للحال، فيصير الفرق في معنى المعلق كأنهُ قال: إن كنت حاملاً فأنت بائنة.

الفصل السادس والعشرون في مسائل العدة بالحيض
يجب على المطلقة، وكذلك بالفرقة عن النكاح الفاسد، وكذلك بالوطء بشبهة النكاح؛ لأن الفاسد معتبر بالجائز في حق الأحكام، والشبهة ملحقة بالحقيقة في موضع الاحتياط، وتعتبر العدة في النكاح الفاسد من وقت التفريق، كذا ذكر الكرخي رحمه الله، والشهور تدل على الحيض فيمن لا تحيض لصغر أو كبر أو فقد حيض. يعني به: الآيسة. والحرة تعتد بثلاث حيض وثلاثة أشهر، والأمة تعتد بحيضتين وبشهرين ونصف، وعدة المتوفى عنها زوجها إذا كانت حائلاً وهي حرة أربعة أشهرٍ وعشراً، يستوي في ذلك الدخول وعدم الدخول والصغر والكبر.
ولا تجب هذه العدة إلا في النكاح الصحيح، حتى أن المنكوحة نكاحاً فاسداً إذا مات عنها زوجها تعتد بثلاث حيض؛ لأن الله تعالى نص على الأزواج مطلقاً بقوله تعالى: {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً} (البقرة: 240) ومطلق هذا الاسم لا يثبت إلا بالنكاح الصحيح.

وإن كان المتوفى عنها زوجها أمة وهي حائل فعدتها شهران وخمسة أيام. وفي الحامل عدتهما أن تضع حملها، الحرة والأمة والمطلّقة والمتوفى عنها زوجها في ذلك سواء؛ لأن قوله تعالى: {وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن} (الطلاق: 4) لا يفصل بين الحرة والأمة والمطلقة والمتوفى عنها زوجها، ولا تقدير في حدّ الآيسة بالسنين في رواية، وإياسها على هذه الرواية أن تبلغ من السن ما لا يحيض مثلها، فإذا بلغت هذا المبلغ وانقطع الدم يحكم بإياسها. وإن رأت بعد ذلك دماً يكون حيضاً على هذه الرواية ويظهر كونها حائضاً في حق بطلان الاعتداد بالأشهر، وفي فساد الأنكحة. وفي رواية فيها تقدير.
واختلفت الأقاويل في التقدير. قال الصدر الشهيد رحمه الله: والمختار خمسة وخمسون سنة، وعليه أكثر المشايخ، فإذا بلغت هذا المبلغ وانقطع دمها حكم بإياسها. فإن رأت الدم بعد ذلك هل يكون حيضاً على هذه الرواية؟ فقد اختلف المشايخ فيما بينهم.
قال بعضهم: لا يكون حيضاً ولا يبطل به الاعتداد بالأشهر، ولا يظهر فساد الأنكحة، وقال بعضهم: يكون حيضاً ويبطل به الاعتداد بالأشهر؛ لأن الحكم بالإياس بعد خمس وخمسين سنة كان بالاجتهاد و...... بالنص، فإذا رأت الدم فقد وجد النص بخلاف الاجتهاد فيبطل حكم الإياس الثابت بالاجتهاد، ولهذا قال هؤلاء

(3/458)


المشايخ: الدم المرئي بعد هذه المدة إنما يكون حيضاً إذا كان أحمر أو أسود، أما إذا كان أخضر أو أصفر لا يكون حيضاً؛ لأن يكون هذا المرئي ثبت حيضاً بالاجتهاد فلا يبطل حكم الإياس الثابت بالاجتهاد، فعلى قول هؤلاء: يبطل الاعتداد بالأشهر، ويظهر فساد الأنكحة، وقال بعضهم: إن كان القاضي قضى بجواز ذلك النكاح ثم رأت الدم، لا يقصى بفساد ذلك النكاح.
وطريق القضاء: أن يدعي أحدهما يعني أحد الزوجين فساد النكاح بسبب قيام العدة فيقضي القاضي بجوازه. وانقضاء العدة بالأشهر.

وكان الصدر الشهيد حسام الدين رحمه الله يفتي: بأنها لو رأت الدم بعد ذلك على أي جهة رأت يكون حيضاً، ويفتي ببطلان الاعتداد بالأشهر إن كانت رأت الدم قبل تمام الاعتداد بالأشهر، وبفساد الأنكحة إن كانت (رأت) الدم بعد تمام الاعتداد بالأشهر، قضى القاضي بجواز الأنكحة أَمْ لا.
وعدة أم الولد ثلاث حيض، إذا أعتقها مولاها أو مات عنها عندنا، والأصل فيه: ما روي « (أن) مارية القبطية اعتدت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلّم بثلاثة أقراء فكانت هي أم ولد رسول الله صلى الله عليه وسلّمولا تعرف المقادير قياساً فالظاهر أنها سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلّم ولأن فراش أم الولد بعد العتق ملحق بفراش المنكوحة الحرة في حق حكم يتعلق بقيام الفراش وهو النسب، حتى يثبت نسب ولدها من غير دعوى.
ولا ينتفي بمجرد النفي فيلحق بفراش المنكوحة في حق حكم يتعلق بزوال الفراش وهو العدة أيضاً، وإذا وجبت العدة بالشهور في الطلاق و.....
وإن اتفق ذلك في عدة الشهر اعتبرت الشهور بالأهلّة، وإن نقص العدد من ثلاثين يوماً، وإن اتفق ذلك في خلال الشهر فإن عند أبي حنيفة رحمه الله وإحدى الروايتين عن أبي يوسف رحمه الله يعتبر مائة وثلاثون يوماً، وعند محمد وإحدى الروايتين عن أبي يوسف رحمهما الله: يحتسب الشهر الأول بالأيام ويكمل من الشهر الأخير، وباقي الشهور بالأهلة.
فإذا كانت المعتدة حاملاً فولدت ولدين انقضت العدة بأحدهما لأن الله تعالى جعل الأجل في حق الحامل وضع الحمل، والحمل اسم للجملة.

وقيل في الرجعية: إذا ظهر منها أكثر الولد بانت ولا تحل للأزواج احتياطاً، فمن مشايخنا من قال: ينبغي أن تحل للأزواج؛ لأن الحل للأزواج معلق بانقضاء العدة وقيام حق الرجعة يبتدىء شرط قيام العدة، فإذا انقطعت الرجعة: دلّ ذلك على انقضاء العدة، فتحل للأزواج، ومنهم من فرق بينهما؛ لأن الأكثر إنما يقام مقام الكل في حق انقطاع الرجعة احتياطاً، والاحتياط في أن لا يقام مقام الكل في حق حِلِّها للأزواج.
وروى هشام عن محمد رحمهما الله: إذا طلقها وهي حامل فإذا خرج الولد من قِبَلِ

(3/459)


الرجلين أو من قِبَلِ الرأس النصف من البدن سوى الرجلين وسوى الرأس فقد انقضت العدة، قال محمد رحمه الله: والبدن هو من..... إلى منكبيه. ويجب على الكتابية إذا كانت تحت مسلم ما يجب على المسلمة، الحرة كالحرة، والأمة كالأمة.
وإن كانت تحت ذمِّي فلا عدة عليها في الموت، ولا فرق في قول أبي حنيفة رحمه الله (288أ1) إذا كان كذلك في دينهم، وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله: عليها العدة؛ لأنّ في العدة حق الزوج إن كان فيها حق الشرع، والكتابية مخاطبة بحقوق العباد، ولأبي حنيفة رحمه الله: أن العدة لو وجبت على الكتابية إما أن تجب بحق الشرع، ولا وجه إليه؛ لأنهم لا يخاطبون بحقوق الشرع، وإما أن يجب لحق الزوج ولا وجه إليه أيضاً؛ لأنه لا يعتقد ذلك، بخلاف ما إذا كان الزوج مسلماً؛ لأن العدة هناك تجب حقاً للزوج؛ لأنه يعتقد ذلك.
فرع على قول أبي حنيفة رحمه الله
فقال: إذا كانت حاملاً تمنع من التزويج إذا كان ذلك في دينهم، هكذا وقع في بعض النسخ. وفي بعض النسخ: بعض إذا كانت حاملاً تمنع من التزويج على قول أبي حنيفة رحمه الله ولم يذكر إذا كان كذلك في دينهم فإن كانت الرواية تمنع عن التزوج من غير ذكر تلك الزيادة فوجهه أن المنع من التزوج على قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى ما كان لوجوب العدة بل (لكونه) في بطنها ولد ثابت النسب، ألا ترى أن المولى إذا زوّج أم ولده وهي حامل فإنه لا يجوز وإن لم يكن عليها عدة؛ لأن في بطنها ولد ثابت النسب.
وإذا كانت الرواية: إذا كان ذلك في دينهم يجوز أن يقال بأنّ المنع عن التزويج لوجوب العدة؛ لأن أبا حنيفة رحمه الله يرى وجوب العدة على (أهل) الذمة لحق زوجها الذمي إذا كان زوجها يدين بذلك.
لا عدة على المهاجرة في قول أبي حنيفة رحمه الله، وقال: تجب.
معنى المسألة: الحربية إذا هاجرت إلى دار الإسلام مسلمة، فوجه قولهما: أن الفرقة وقعت في دار الإسلام وهي مسلمة، فكانت كسائر المسلمات.
ولأبي حنيفة رحمه الله قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم المؤمنات} إلى قوله: {ولا جناح عليكم أن تنكحوهن} (الممتحنة: 10) أباح التزوج بالمهاجرات مطلقاً، ولم يشترط انقضاء العدة، فهذا دليل على أن العدة.... ولأن العدة أثر من آثار النكاح وتباين الدارين حقيقة وحكماً، فبقي النكاح على ما عرف في موضعه فينافي أثره وهو العدة.

وإن كانت حاملاً فعن أبي حنيفة رحمه الله روايتان: روى أبو يوسف رحمه الله عنه: أنه يجوز النكاح ولا يطأها حتى تضع وهو اختيار الكرخي رحمه الله وروى محمد

(3/460)


رحمه الله عنه أنه لا يتزوجها وجه رواية أبي يوسف رحمه الله أن المنع عن التزويج في الحامل إذا كانت مسلمة لحق صاحب الفراش، ولا حرمة لحق الحربي. وجه رواية محمد رحمه الله: أن النكاح وضع لإثبات الفراش الذي هو أساس النسب، ولما كان في بطنها ولدٌ ثابت النسب كان عليها فراشاً لصاحب النسب، فلا يستقيم إيراد يثبت الفراش لغيره.
وفي «المنتقى» : عن أبي يوسف رحمه الله ما يدل على أنه لا عدة على المهاجرة، فإنه قال: إذا خرجت وتركت زوجها في دار الحرب وهي حامل فتزوجت جاز، وإن جاء الزوج مسلماً وتركها في دار الحرب فلا عدة عليها في قولهم جميعاً، وقد فرقوا بين الذمية والحربية فأوجبوا العدة على الذمية من المسلم، ولم يوجبوها على الحربية.
h
والفرق: أن الذمية من أهل دار الإسلام قد شاع في دار الإسلام....، فلهم الشيوع مقام البلوغ.
فأما الحربية في دار الحرب فلا شيوع في دار الحرب فلا يقام مقام البلوغ. وبدون البلوغ لا يثبت حكم النكاح. وإلحاق (الخلوة) الصحيحة يوجب العدة في النكاح الصحيح دون الفاسد؛ لأن الخلوة إنما أقيمت مقام الوطء لوجود التمكين من الوطء، ولا يمكن في النكاح الفاسد فلا تقام الخلوة مقامه.
والخلوة الفاسدة على ضربين.
وكل خلوة يتمكن بها من الوطء حقيقة وهو ممنوع لحق الشرع تجب العدة، كما لو كان أحدهما صائماً أو محرماً أو حائضاً. وكل خلوة لا يمكن معها الوطء كخلوة المريض المزمن أو الصغير أو الصغيرة فلا عدّة. هكذا ذكر القدوري رحمه الله في «شرحه» .
والخصي كالفحل في حق الولد والعدة، كذا ذكر في «الأصل» ولو خلا بها وهي رتقاء فلا عدة عليها. هكذا ذكر في «القدوري» ، وفي «المنتقى» وفي «الأصل» أن عليها العدة؛ لأن الوطء يتصور بالفتق.

ولو خلا بها وهي.... فعليها العدة في قول أبي حنيفة رحمه الله: لأن احتمال يزول...... قائم وفي العدة حق الولد وحق الله تعالى فيحتاط فيها وأما على قولهما ذكر أبو الحسن رحمه الله العدة واجبة وعلى قولهما أيضاً. وقال أبو يوسف رحمه الله: إن كان ينزل فعليها العدة وإن كان لا ينزل فلا عدة عليها.
إذا طلق الرجل امرأته وهي صغيرة لم تحض، وقد دخل بها فعليها أن تعتد بثلاثة أشهر. هذا هو جواب «الكتاب» . حكي عن الشيخ الإمام أبي بكر محمد بن الفضل رحمه الله: إذا كانت الصغيرة مراهقة يُجامَع مثلها وقد كان دخل بها الزوج فعدتها لا تنقضي بالأشهر بل يوقف حالها إلى أن تظهر أنها هل حبلت بذلك الوطء أم لا، فإن ظهر أنها حبلت كان انقضاء عدتها بوضع الحمل. وإن ظهر أنها لم تحبل كان انقضاء عدتها بثلاثة أشهر.

(3/461)


ولو حاضت في الأشهر الثلاثة تستأنف العدة بالحيض؛ لأنها قدرت على الأصل قبل حصول المقصود بالبدل. ذكر النسفي رحمه الله في «فتاويه» : اختلف مشايخنا في إطلاق إيجاب العدة على الصغيرة، أكثر مشايخنا: لا يُطْلِقُون لفظ الوجوب، لأنها غير المخاطبة، ولكن ينبغي أن يقال: «عرت باندراتسيت»
وفي نكاح «فتاوى أبي الليث» رحمه الله: رجل تزوج صبيّةً (عمرها) ثلاثة عشر سنة وخلا بها وقال: لم أدخل بها، ثم فارقها. قال الفقيه أبو القاسم رحمه الله: أحبّ إليَّ أن تعتد بثلاثة أشهر؛ قال لأن من النساء من يحتمل الجماع إذا بلغت عشراً، أو أَخَذَ في ذلك بالثقة.
وفي «الفتاوى» : امرأة بلغت فرأت يوماً دماً ثم انقطع عنها الدم حتى مضت سنة، ثم طلقها زوجها فعدتها بالأشهر؛ لأنها لم تحض، فدخلت تحت قوله تعالى: {واللائي لم يحضن} (الطلاق: 4) .

إذا أقرّ الرجل أنه طلق امرأته منذ خمسين سنة، فإن كذبته المرأة في الإسناد أو قالت: لا أدري تجب العدة من وقت (288ب1) . الإقرار، قالوا: هذا الجواب في حق النفقة والسكنى، أما في حق حل التزوج بأختها وأربع سواها تعتبر العدة من وقت الطلاق، وهكذا ذكر في «الجامع» في باب نكاح المخاطبة.
وذكر شيخ الإسلام في شرح إقرار «الأصل» أن في حق التزوج بأختها وأربع سواها تعتبر العدة من وقت الإقرار أيضاً، فيتأمل عند الفتوى.
وإن صدقته المرأة في الإسناد، قال محمد رحمه الله في طلاق «الأصل» : تجب العدة من وقت الطلاق، واختيار مشايخ بلخ على أنه تجب العدة من وقت الإقرار عقوبة عليه، جزاءً على كتمانه للطلاق، ولكن لا تجب عليه نفقة العدة ولا مؤنة السكنى؛ لأن ذلك حقها وقد أقرت هي بسقوطه وينبغي على قول هؤلاء أن لا يحل له التزوج بالأخت والأربع سواها ما لم تنقض العدة من وقت الإقرار.
وحكي عن شيخ الإسلام أبي الحسن السغدي أنه قال: كان يقول ما ذكر محمد رحمه الله في «الأصل» : أن العدة تعتبر من وقت الطلاق محمول على ما إذا كانا متفرقين من الوقت الذي أسند الطلاق إليه. أما إذا كانا مجتمعين فالكذب في كلامهما ظاهر فلا يصدقان في الإسناد.
قال محمد رحمه الله: على هذا إذا فارق الرجل امرأته زماناً ثم قال لها: لقد طلقتك منذ كذا، والمرأة لا تعلم بذلك يصدق وتعتبر عدتها ذلك من الوقت.
وإذا طلق امرأته في مرض الموت ثلاثاً أو طلاقاً بائناً ثم مات قبل انقضاء العدة فورثت، اعتدت بأربعة أشهر وعشراً فيها ثلاث حيض في قول أبي حنيفة. وقال أبو يوسف: عليها ثلاث حيض، وكذلك كل بعيدة ورثت، يريد به: إذا ارتد الزوج فقتل أو مات في الردة ورثت وعليها من العدة ما بيّنّا على الاختلاف.
وجه قول أبي يوسف رحمه الله: أن النكاح انقطع فيما بينهما قبل الموت بالطلاق

(3/462)


الثاني والطلقات الثلاث، ولهذا يجب الحدّ إذا وطئها ولم يدع شبهة فلا تنتهي بالموت.
وعدة الوفاة إنما تجب بانتهاء النكاح بالموت. يبقى هذا القدر أنها ترث. قلنا: إنما ترث باعتبار العدة لا باعتبار النكاح لأن الزوج لما قصد الفرار رد الشرع عليه قصده وأقام العدة مقام النكاح في حق الإرث فالإرث باعتبار العدة لا باعتبار النكاح. ولهما: أن الزوجية في حق الإرث باقية، لأن جريان الإرث فيما بين الزوجين عرف بالنص، والنص أوجب الإرث باسم الزوج، فبدا بذلك أن متعلق الإرث الزوجية،..... الإرث دلّ على بقاء الزوجية في حق الإرث، فإذا بقيت الزوجية في حق الإرث تنتهي بالموت في حق الإرث، فتجب عدة الوفاة بانتهاء النكاح، وقد كانت عدة الطلاق واجبة بانقطاع النكاح بينهما في حق أحكام أُخَر، فجمعنا بينهما احتياطاً.
وإذا كان الطلاق رجعياً في صحة أو مرض، فعدتها أربعة أشهر وعشراً وقد بطل عنها الحيض في قولهم؛ لأن الطلاق الرجعي لا يقطع النكاح عندنا فكانت الزوجية قائمة لدى الموت، والله تعالى جعل الواجب على المرأة عند موت الزوج التربص بأربعة أشهر وعشراً، فكان من ضرورته سقوط الاعتداد بالحيض.
وإذا مات الصبي عن امرأة وهي حامل فعدتها (إلى) أن تضع حملها في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله. وقال أبو يوسف رحمه الله: عدتها الشهور.
وجه قوله: إن ظاهر قوله تعالى: {والذين يتوفون منكم} (البقرة: 234) تقضي وجوب الاعتداد بالأشهر على كل متوفى عنها زوجها من غير فصلٍ بينهما إذا كان الزوج بالغاً أو صبّياً، لكن ترك ظاهر الآية فيما إذا كان الزوج بالغاً بالإجماع، ولا إجماع فيما إذا كان الزوج صغيراً فبقي على ظاهره.

وهما يقولان أن ظاهر قوله تعالى: {وأولات الأحمال أجلهن أن يضعنَ حملهن} (الطلاق: 4) يقتضي انقضاء العدة في حق الحامل بوضع الحمل مطلقاً من غير فصلٍ بينهما إذا كان الزوج صغيراً أو بالغاً، وإن كان الحبل حادثاً بعد الموت فعدتها بالشهور في قولهم؛ لأن العبرة في حق وجوب العدة بحال وجوبها وحال وجوب العدة عند الموت، فإذا لم تكن حاملاً عند الموت وجبت العدّة بالأشهر بالآية فلا تتغير بحدوث الحمل بعد ذلك. قال أبو الحسن: العدة تنقضي بحملها، ظاهراً كان عند الموت أو غير ظاهر. والذي لا تنقضي العدة الحادث وهذا صحيح؛ لأن شرط الدخول تحت قوله تعالى: {وأولات الأحمال} (الطلاق: 4) قيام الحبل، لا كونه ظاهراً عند الناس.
قال أبو الحسن: وإن حملت التي عدتها الحيض بعد الطلاق حملاً حادثاً فعدتها أن تضع حملها، وإن كان لأكثر من سنتين إذا علم أنها حبلت بعد لزوم العدة لأن الاعتداد بالحيض إنما شرع لتُعْرَفَ براءَةُ الرحم، ومع قيام الحمل لا يحصل تعرّف براءة الرحم فيشترط براءة الرحم لانقضاء العدة.

(3/463)


وفي نكاح «فتاوى أبي الليث» رحمه الله: (رجل) طلق امرأته ثلاثاً وكتم طلاقها بين الناس. فلما حاضت حيضتين وطئها فحبلت ثم أقرّ بطلاقها كان لها النفقة ما لم تضع؛ لأن عدتها في هذه الصورة تنقضي بوضع الحمل على ما ذكرنا.
وإذا بلغ المرأة طلاق زوجها أو موته فعليها العدة من يوم مات أو طلق؛ لأن العدة ليست إلا مدة ضربت لها لمناجزة عمل الطلاق أو لإنهاء النكاح من كل وجهٍ بالموت، ومضي العدة لا يتوقف على التي لم (تعتد) .
وإذا طلق امرأته ثلاثاً، فلما اعتدت بحيضتين أكرهها على الجماع، إن كان ينكر أنه طلقها تستقبل العدة، وإن كان مقرّاً بطلاقها مع هذا جامعها على وجه الزنا لا تستقبل العدة. وكذلك من طلق امرأته ثلاثاً ثم أقام معها زماناً، إن أقام منكراً طلاقها لا تنقضي عدتها، كذا حكي جواب المشايخ وجوباً لهما. وإن أقام مقرّاً بطلاقها انقضت عدتها.
ولو وطئها وادعى الشبهة بأن قال: ظننت أنها تحلُّ لي، فإنها تستقبل العدة بكل وطئةٍ وتداخل مع الأولى؛ لأنه لا تنقضي الأولى. فإذا انقضت الأولى وبقيت الثانية أو الثالثة فإنها لا تستحق النفقة في هذه الحالة؛ لأن هذه (289أ1) . عدة الوطء لا عدة النكاح، والمرأة لا تستحق النفقة في عدة الوطء، وإن كان الطلاق بائناً واحداً أو اثنتين، ثم وطئها في العدة من غير دعوى الشبهة، ومع العلم بالحرمة تستأنف العدة، وذكر في «مجموع النوازل» أنها لا تستأنف العدة، والأول أصح.
وكذلك لو خالعها بمال أو بغير مال، ثم وطئها في العدة مع العلم بالحرمة تستأنف العدة أيضاً بكل وطئة وتداخل مع الأولى؛ لأن لا تنقضي الأولى، وهذا لأن الخلع من كنايات الطلاق، وفي الكنايات اختلاف الصحابة أنها.... أو رواجع، فعلى قول من يقول: رواجع كان الوطء بعد الطلاق الثاني كالوطء في حال قيام النكاح، فتبطل به العدة، ويجب الاستئناف. فثبت شبهة بطلاق العدة ويجب الاستئناف، وإذا انقضت الأولى بقيت الثانية أو الثالثة كانت الثانية أو الثالثة عدة الوطء حتى لو طلقها الزوج في هذه الحالة لا يقع طلاق آخر. فالأصل أن المعتدة بعدة الطلاق يلحقها الطلاق، والمعتدة بعدة الوطء لا يلحقها الطلاق.
وإذا قال زوج المعتدة: أخبرتني أن عدتها قد انقضت، وذلك في عدة لا تنقضي في مثلها العدة لا يقبل قولها إن أخبرت بذلك بنفيها وهذا معروف. قال شمس الأئمة السرخسي رحمه الله: إلا أن يعتبر ما هو محتمل من إسقاط سقط مستبين الخلق أو نحوه، فحينئذٍ يقبل قولها.
وإذا أخبر عن انقضاء العدة في مدة تنقضي في مثلها العدة وكذبت المرأة فهي خلافية معروفة، وإذا أخبر عن انقضاء عدتها، ولم يسند الخبر إليها، فهو على الخلاف أيضاً.

(3/464)


نص عليه شيخ الإسلام رحمه الله في آخر الباب الأول من «شرح كتاب النكاح» .

وإذا وجبت العدتان من جنس واحد كالمطلقة إذا تزوجت في عدتها فوطئها الثاني، وفرق بينهما، ومن جنسين كالمتوفى عنها زوجها إذا وطئت بشبهة تداخلت، واعتدت بمارأته في الحيض في الأشهر، وإنما كان كذلك؛ لأن العدة في الأصل إنما وجبت تعرفاً لبراءة الرحم، لحاجة الأزواج إلى صيانة مائهم عن الاختلاط، وهذا المعنى وهو تعرف براءة الرحم يحصل لكل واحد من صاحبي العدة بمدة واحدة على الكمال، فلا حاجة إلى اشتراط مدتين.
نوع منها في انتقال العدة
الصغيرة إذا اعتدت ببعض الشهور، ثم رأت الدم انتقلت إليه مبتوتة كانت أو رجعية، وكذا الآيسة إذا أعتدت ببعض الشهور ثم رأت الدم انتقلت إليه، هكذا ذكر القدوري رحمه الله في «شرحه» : وهذا على الرواية التي لم يقدر الإياس فيها، وعلى الرواية التي قدر الإياس فيها على قول بعض المشايخ، ولو اعتدت بحيضة أو حيضتين ثم آيست استقبلت العدة بالشهور، ولو طلق الأمة ثم أعتقت، فإن كان الطلاق رجعياً انتقلت إلى عدة الحرائر، وإن كان بائناً لم تنتقل.
والفرق أن الطلاق إذا كان رجعياً فالعتق حلها وملك النكاح قائم لما عرف أن بالطلاق الرجعي لا يزول ملك النكاح عندنا فيشرف بالعتق، والملك الشريف لا يزول بعد الطلاق إلا بمضي ثلاثة أقراء أو ثلاثة أشهر كما في العدة الأصلية أما بالطلاق الثاني زال ملك النكاح مطلقاً إلا في حق الفراش فلما زال ملكه لا يتصور تشرفه بالعتق، أما المطلقة إذا مات عنها زوجها، فإن كان الطلاق رجعياً انتقلت إلى عدة الوفاة، وإذا كانت مبتوتة، فإن كانت لا ترث لم تنتقل إلى عدة الوفاة، فإن كانت ترث فقد ذكرنا الاختلاف فلا نعيده.
قد ذكرنا أن المطلقة إذا حبلت بعد الطلاق، فعدتها أن تضع حملها، فأما المتوفى عنها زوجها فعدتها الشهور إذا حبلت؛ لأن عدة الطلاق إنما تنتقل بالحبل؛ لأن المقصود منها تعرف براءة الرحم، ووضع الحمل أدل على براءة الرحم، أما المقصود من هذه العدة ليس تعرف براءة الرحم، ألا ترى أنها تجب قبل الدخول؟ وإنما المقصود منها إظهار التأسف على فوات نعمة الزوجية في هذا المقصود لا يتفاوت، وقال محمد رحمه الله: إن حبلت بعد الطلاق، ثم جاءت بولد لا أكثر من سنتين حملنا أمرها على أنها تزوجت بعد انقضاء العدة قبل وضع الحمل لست أشهر؛ حملاً لأمرها على الصلاح.
وإذا زوج الرجل أم ولده ثم مات عنها وهي تحت (زوج) أو في عدة من زوج فلا عدة عليها، يعني من المولى؛ لأن العدة إنما تجب من المولى لزوال فراشه، ولا فراش للمولى عليها إذا كانت تحت زوج أو في عدة من زوج، فإن طلقها الزوج بعد الإعتاق فعدتها عدة الحرائر، فإن طلقها أولاً ثم أعتقها المولى فإن كان الطلاق رجعياً انتقلت إلى

(3/465)


عدة الحرائر، وإن كان بائناً لا تنتقل، وإذا انقضت عدتها من الزوج، ثم مات المولى فعليها ثلاث حيض عدة المولى؛ لأنها عادت فراشاً للمولى بانقضاء عدة الزوج.
وإذا اشترى الرجل زوجته ولها منه ولد فأعتقها فعليها ثلاث حيض حيضتان من النكاح تجتنب فيهما ما تجتنب المنكوحة، وحيضة في العتق لا تجتنب فيها كما تسرّابها أفسد النكاح ووجبت العدة، ألا ترى أنه لا يجوز أن يزوجها من غيره؟ إلا أنه لم يظهر حكم العدة في حقه لقيام حل الوطء له بملك اليمين، فإذا زال هذا المعنى ظهر حكم العدة في حقه، فتجب حيضتان لفساد النكاح بينهما وهي أمة فيلزمها ثلاث حيض بالإعتاق إلا أن العدتان متداخلتان، فما وجب من الحيضتين لفساد النكاح يعتبر ثان من الإعتاق ولكن يجب الحداد في الحيضتين الأوليين ولا يجب في الحيضة الثالثة لأنها تخص عدة أم الولد ولا حداد في عدة أم الولد.

فإن كان أبانها قبل الشراء ثم اشتراها حل له وطؤها؛ لأن ملك اليمين سبب لحل الوطء، والمطلقة الواحدة لا تمنع عمل هذا النسب فإن ثلاث حيض قبل العتق ثم أعتقها فلا عدة عليها من النكاح؛ لأنها صارت معتدة بعد الشراء لفساد النكاح إلا أن أثر العدة لأنه ظهر في حق الزوج، وإنما يظهر في حق غيره، وإذا صارت معتدة انقضت عدتها بمضي المدة وتجب (289ب1) عليها العدة ثلاث حيض، وقوله في «الكتاب» : حاضت ثلاث حيض قبل العتق وقعت اتفاقاً، والصحيح حاضت حيضتين؛ لأن تلك العدة تجب لفساد النكاح وهي أمة، وعدة الأمة إذا وجبت بفساد النكاح مقدرة بحيضتين.
نوع آخر في بيان ما يلزمها المعتدة في عدتها
المعتدة من الطلاق لا تخرج من بيتها ليلاً ولا نهاراً، أما المتوفى عنها زوجها، فلا بأس بأن تخرج بالنهار لحاجتها، ولا تبيت في غير منزلها.
والفرق: أن نفقة المتوفى عنها زوجها عليها، وعسى لا تجد من يسوي أمرها، فتحتاج إلى الخروج لتسوية أمر معيشتها غير أن أمر المعيشة عادة تسوى بالنهار دون الليالي، فأبيح لها الخروج بالنهار دون الليالي.
وأما المطلقة فنفقتها في مال الزوج فلا تحتاج إلى الخروج حتى لو كانت مختلف على نفقة لها قيل: يباح لها الخروج نهاراً لمعيشتها كالمتوفى عنها زوجها، وقيل: لا يباح لها الخروج؛ لأنها هي التي اختارت إبطال النفقة فلا يصح هذا الاختيار في إبطال حق الله تعالى، وبهذا يفتي الصدر الشهيد رحمه الله، وهذا بمنزلة ما لو اختارت على أن لا سكنى لها فإنه تبطل مؤنه السكنى عن الزوج ويلزمها أن تكون في بيت الزوج، فأما أن يحل لها خروج فلا.
وعن ابن سماعة عن محمد رحمهما الله أنه قال: المتوفى عنها زوجها لا بأس أن تغيب عن بيتها أقل من نصف الليل. قال شمس الأئمة الحلواني رحمه الله: وهذه الرواية

(3/466)


صحيحة؛ لأن المحرم عليها البيتوتة في غير منزلها، والبيتوتة هي الكينونة في جميع الليل أو أكثرها.
وتعتد المتعدة في المكان الذي سكنت قبل مفارقة الزوج وقبل موته قال الله تعالى: {لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ} (الطلاق: 1) والإضافة إليهم باعتبار السكنى في البيوت التي كن يسكن فيها قبل المفارقة، ولو طلقها وهي غائبة كان عليها أن تعود إلى منزلها فتعتد فيه، وإذا طلقها ثلاثاً أو واحدة بائنة، وليس له إلا بيت واحد، فينبغي له أن يجعل بينه وبينها حجاباً حتى لا تقع الخلوة بينه وبين الأجنبية، وإنما اكتفى بالحائل؛ لأن الزوج معترف بالحرمة، فإن كان الزوج فاسقاً يخاف عليها منه فإنها تخرج وتسكن منزلاً آخر احترازاً عن المعصية، وإن خرج الزوج وتركها فهو أولى، وإن أراد القاضي يجعل معها امرأة ثقة تقدر على الحيلولة فهو حسن، وللمعتدة أن تخرج من بيتها إلى صحن الدار وتلبث في أي منزل شاءت إلا أن يكون في الدار منازل لغيرهم فلا تخرج من بيتها إلى تلك المنازل؛ لأن صحن الدار ههنا بمنزلة السكة، وإن كانت المرأة مع زوجها في منزل هو ملك الزوج، فمات الزوج، فإن كان نصيبها يكفيها فإنها تسكن في نصيبها في العدة..... ليس بمحرم لها من ذرية الزوج، وإن كان نصيبها لا يكفي لها، فإن رضي ورثة الزوج، أن تسكن فيه سكنت، وإن أبوا كانت في سعة من التحويل، ويكون ذلك عذراً لها في التحول.
قال القدوري رحمه الله في «كتابه» : والمطلقة ثلاثاً أو رجعياً أو بائناً وسائر وجوه الفرق التي توجب العدة من النكاح الصحيح والفاسد سواء، يعني: في حق حرمة الخروج عن بيتها في العدة؛ لأن الله تعالى نهى المطلقة عن الخروج مطلقاً، والمعنى صيانة الماء عن الاختلاط، والنسب من الاشتباه وذلك يتفاوت، فهذه المسألة تقتضي أن المنكوحة نكاحاً فاسداً تعتد في بيت الزوج، وحكى فتوى شيخ الإسلام الأوزجندي رحمه الله: أنها لا تعتد في منزل الزوج؛ لأنه لا ملك للزوج عليها، وإنه يخالف رواية «القدوري» .

وإذا أراد الزوج أن يلزم المرأة أن تعتد بجوار القاضي فليس له ذلك وتعتد في مسكنها قبل مفارقة الزوج، وإذا كانت مع زوجها في منزل بأجر فمات عنها زوجها، فأجر المنزل عليها في مالها، فإن مكنها أهل المنزل بالمقام بكراء وهي تجد ذلك فعليها أن تسكن فيه، وإن كانت لا تجد ذلك وهي في سعة من التحول، ولو طلقها زوجها فأجر المنزل على الزوج، فإن كان الزوج غائباً، فأجرها أهل المنزل بالكراء فعليها أن تعطي الكراء وتسكن إذا كانت تقدر على ذلك، هكذا ذكر شيخ الإسلام وشمس الأئمة السرخسي رحمهما الله، وذكر شمس الأئمة الحواني أن المنزل إذا كان بأجره ينظر إن كانت مشاهرة فلها أن تتحول، وإن كانت إجارة طويلة فليس لها أن تتحول، وإن خافت سقوط ذلك المنزل، أو أن ينهار على متاعها فلا بأس بأن تخرج وتسكن منزلاً آخر، ثم

(3/467)


لا تخرج من ذلك المنزل إلا بعذر؛ لأن الانتقال عن الأول كان بعذر، فصار المنتقل إليه في أنه لا يجوز الانتقال عنه إلا بعذر نظير المنتقل عنه وفي «الفتاوى» : وإذا لم يكن مع المعتدة في منزل العدة أحد وهي تخاف بالليل لا من اللصوص..... الجيران بل تخاف بالقلب من أمر الميت والموت، إن كان الخوف شديداً كان لها الانتقال؛ لأنها تخاف ذهاب عقلها، وإن (لم) يكن الخوف شديداً فليس لها الانتقال، وهذا بمنزلة..... وجلت في قلبها، وإذا انعدم قضت العدة، والتدبير واختيار المنزل في الوفاة وفي الطلاق الثاني إذا كان الزوج غائباً إليها، وفي الطلاق الرجعي والطلاق البائن إذا كان الزوج حاضراً إلى الزوج ذكره في «الأصل» .
وفي «الأصل» أيضاً: إذا كانت بالسواد وهي تخاف على نفسها،.... من سلطان أو غيره كانت في سعة من التحول إلى المصر.
وفي «الفتاوى» : إذا طلق امرأته بالبادية وهي معه في الخيمة والزوج ينتقل إلى موضع آخر في الكلأ والمهال والماء هل يسعه أن ينتقل بها؟ النظر إن كان يدخل عليها ضرر بين في نفسها ومالها بتركها في ذلك الموضع فله أن ينتقل بها، وإن كان لا يدخل عليها ضرر بين في نفسها ومالها بتركها في ذلك الموضع فله أن ينتقل بها وإن كان لا يدخل عليها ضرر بين في نفسها ومالها يتركها في ذلك الموضع فليس له أن ينتقل بها، ولا لها أن تنتقل؛ لأن الاعتداد في موضع الطلاق واجب، والخروج حرام إلا لضرورة وفي الوجه الأول: تحققت الضرورة، وفي الوجه الثاني: لم تتحقق.
وإن كانت المعتدة أمة فلها أن تخرج لخدمة المولى، فإن الوفاة والخلع والطلاق، وسواء كان الطلاق (290أ1) رجعياً أو بائناً، أما في الطلاق الرجعي فظاهر؛ لأن النكاح قائم، والحال بعد الطلاق كالحال قبله، وقبل الطلاق يحل لها الخروج لخدمة المولى، وكذلك بعد الطلاق، وإن كان الطلاق بائناً فكذلك؛ لأن بالطلاق لا تثبت حرمة جديدة بل يتأكد ما كان من الحرمة، فإذا لم تكن حرمة الخروج ثابتة قبل الطلاق لا تتأكد بالطلاق، فإن أعتقت في العدة لزمها فيما بقي من العدة ما يلزم الحرة المسلمة.
وفي «القدوري» : إذا كان المولى أمر الأمة لا تخرج ما دامت على ذلك إلا أن يخرجها المولى، وروي عن محمد رحمه الله أن لها أن تخرج وإن لم يأمرها المولى، والمدبرة وأم الولد والمكاتبة كالأمة في إباحة الخروج، وهذا الجواب مشكل في المكاتبة؛ لأنها ما كان يباح لها الخروج حال قيام النكاح لخدمة أحد، فينبغي أن لا يباح لها الخروج في العدة كما في الحرة بخلاف الأمة والمدبرة وأم الولد؛ لأنه كان يحل لهن الخروج لخدمة المولى، فيبقى كذلك.
والجواب: أن المكاتبة تحتاج إلى الخروج لاكتساب بدل الكتابة؛ لأن ذلك واجب عليها.

وأما الكتابية فإنه يحل لها الخروج بإذن الزوج ولا يحل لها الخروج بغير إذن الزوج

(3/468)


سواء كان الطلاق رجعياً أو بائناً أو ثلاثاً.
والحرة المسلمة لا تخرج لا بإذن الزوج ولا بغير إذنه، لأن العدة على الحرة المسلمة كما وجبت حقاً للزوج وجبت حقاً لله تعالى، وحق الله تعالى لا يسقط بإذن الزوج، والعدة على الذمية وجبت حقاً للزوج لا غير فجاز أن يسقط بإذن الزوج، وإن أسلمت في العدة لزمها فيما بقي من العدة ما يلزم الحرة المسلمة.
وأما الصبية فإن كان الطلاق رجعياً فلها أن تخرج بإذن الزوج، وليس لها أن تخرج بغير إذنه كما قبل الطلاق، وإن كان الطلاق بائناً فلها أن تخرج بإذن الزوج وبغير إذنه إلا إذا كانت مراهقة فحينئذٍ لا تخرج بغير إذن الزوج كذا اختاره المشايخ.
والمولى إذا أعتق أم الولد فلها أن تخرج؛ لأن هذه العدة إنما وجبت لزوال الفراش لا لزوال النكاح، وحرمة الخروج تختص بعدة تجب بزوال النكاح.
والمجوسية إذا أسلم زوجها، فلا سكنى لها ولا نفقة إلا أن يحتاج الزوج إلى حفظ مائِهِ فيحبسها لصيانة مائِهِ.
وعن أبي يوسف رحمه الله في النصراني إذا طلق النصرانية أن لها النفقة ولا سكنى لها؛ لأن من أصله أن العدة تجب على الذمي لحق الذمي إلا أن السكنى لا تلزمها؛ لأن السكنى حق الله تعالى وحق الزوج، وهي غير مخاطبة بحقوق الله تعالى، وحق الزوج لا يجب إلا بطلبه. بخلاف النفقة؛ لأن ذلك حقها على الزوج، فلا يتوقف على طلب الزوج.
وإذا قبلت المرأة ابن زوجها فلا نفقة لها، ولها السكنى، وإذا اختارت المعتقة نفسها، أو امرأة العنين الفرقة فلها السكنى والنفقة، أما وجوب السكنى في هذه المسائل؛ لأن في السكنى حق الشرع، وحق الشرع لا يسقط بصنعها.

وأما الفرق بين مسألة التقبيل وبين مسألة العنين والمعتقة مع أن الفرقة كانت من قبلها في المسائل كلها؛ لأن في التقبيل الفرقة بغير حق، وفي اختيار امرأة العنين والمعتقة نفسها الفرقة بحق.

نوع آخر في الحداد
المتوفى عنها زوجها يلزمها الحداد في عدتها، ويعتبر الحداد الاجتناب عن الطيب والدهن والكحل ولبس المطيب والمعصفر وما صبع بزعفران، ولبس القصب والخز ولبس الحلي والتزين والامتشاط.
وكذلك المبتوتة يلزمها الحداد في عدتها؛ لأن وجوب الحداد على المتوفى عنها زوجها؛ لإظهار التأسف على فوات نعمة النكاح لما فيها من قضاء الشهوة، وحصول الصيانة، وورود النفقة عليها، وهذا المعنى يقتضي وجوب الحداد على المبتوتة، وإنما يلزمها الاجتناب عن هذه الأشياء حالة الاختيار أما في حالة الاضطرار فلا بأس بها بأن اشتكت رأسها أو عينها فصبت عليه الدهن، أو أكتحلت لأجل المعالجة فلا بأس ولكن لا تقصد به الزينة، وكذلك إن اعتادت الدهن، فخافت وجعاً يحل بها لو لم تفعل فلا

(3/469)


بأس به إذا كان الغالب هذا الحلول؛ لأن الضرر الذي يلحق غالباً بمنزلة المتحقق فيجب الاحتراز عنه لكن لا تقصد به الزينة لما قلنا، وكذلك إذا لم يكن لها إلا ثوب مصبوغ فلا بأس به، لأن ستر العورة واجب، وإذا لم يكن لها ثوب آخر فهذا الثوب متعين لستر العورة، ولكن ينبغي أن لا تقصد بذلك الزينة.

قال شمس الأئمة الحلواني رحمه الله: والمراد من الثياب المذكورة ما كان جديداً منها يقع بها الزينة، وأما ما كان خلقاً لا تقع به الزينة فلا بأس بأن تلبسها؛ لأن مقصودها ستر العورة لا التزيين، والأحكام تبنى على المقاصد، ولا حداد على الكتابية إذا كانت بائنة من مسلم أو متوفى عنها زوجها. ولا على الصبية، ويجب على الأمة والمكاتبة ولا يجب على المطلقة الرجعية؛ لأن نعمة النكاح ما فات عنها فلا يحب عليها إظهار التأسف. ولا حداد في عدة أم الولد، وكذلك في العدة من النكاح الفاسد؛ لأن الحداد إنما يجب لإظهار التأسف على فوات نعمة النكاح، والنكاح الفاسد معصية وليس بنعمة، ولا نكاح بين أم الولد وبين المولى أصلاً.

وإذا احتاجت المعتدة إلى الامتشاط فإنما تمتشط بالأسنان المنفرجة ولا تمتشط بالطرف الآخر؛ لأن الطرف الآخر للزينة، والطرف المنفرج لدفع الأذى.
نوع آخر في المطلقة تسافر في عدتها
قال محمد رحمه الله في «الجامع الصغير» : عن أبي حنيفة رحمه الله: في الرجل يخرج مع امرأته من خراسان إلى الحج فلما نزلا الكوفة مات الزوج أو طلقها ثلاثاً، فإنها لا تخرج من الكوفة إلى خراسان، ولا إلى مكة إذا لم يكن لها ذو رحم محرم، وإن كان لها ذو رحم محرم لم تخرج ما دامت في عدتها، ولا بأس بأن تخرج إذا انقضت العدة، وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله: إذا كان لها ذو رحم محرم فلا بأس بأن تخرج في عدتها؛ لأنها ليس في منزلها.

يجب أن يعلم (290ب1) أنه لا خلاف أن الزوج إن مات أو طلقها ثلاثاً، وبينها وبين مصرها ومقصدها أقل من السفر أنها بالخيار إن شاءت مضت وإن شاءت رجعت سواء كانت في المصر أو غيره وسواء كانت معها محرم أو لم يكن؛ لأنه ليس في الحالين جميعاً إنشاء السفر، وخروج المطلقة والمتوفى عنها زوجها ما دون السفر لا بأس به إذا مست الحاجة إليه بمحرم وبغير محرم، إلا أن الرجوع أولى ليكون الاعتداد في منزل الزوج. وإن كان آجلاً لوجهتين سفراً والآخر دونه اختارت ما دون السفر، وهذا ظاهر وإن كان كل واحد منهما سفراً، فإن كانت في المفازة فإن شاءت مضت، وإن شاءت رجعت بمحرم وبغير محرم؛ لأن المفازة ليست موضع القرار والسكون حقيقة، ولا موضع الاعتداد شرعاً، ولكن الرجوع أولى لما مر.
وإن كانت في مصر لا تخرج بغير محرم؛ لأن ما يخاف عليها في السفر بلا محرم أعظم مما يخاف عليها في المصر، وإن يكن مصرها فكان المكث في المصر أولى

(3/470)


بخلاف المفازة، وإن كان معها محرم لم تخرج عند أبي حنيفة رحمه الله في العدة، وقالا: تخرج، وهو قول أبي حنيفة رحمه الله أولاً، وقول أبي حنيفة رحمه الله الآخر أظهر؛ لأن هذا موضع طمأنينة وقرار، وما يخاف عليها من الفساد إذا خرجت مع المحرم أعظم مما يخاف عليها إذا مكثت في هذا المصر بلا محرم؛ لأن المصر موضع أمن وغياث، الأصل فيه الأمن عن الفساد، فإن قصدها إنسان بفساد واستغاثت يلحقها الغوث، والمفازة موضع فساد وهو الغالب فيها، وإذا توجه إليها الفساد عسى يمكن للمحرم والركب دفع ذلك وعسى لا يمكن، فكان المكث أولى لها من الخروج بخلاف المفازة؛ لأن الخوف ثمة في المكث أكثر، ولهذا حل لها إنشاء السفر من غير محرم، وبخلاف ما إذا كان بينها وبين مصرها أقل من مسيرة سفر؛ لأن الفساد في مدة قليلة وفي طريق قصير يندر.

وأما إذا كان الطلاق رجعياً ينظر: إن طلقها في المفازة، وبينها وبين مصرها مسيرة سفر، وإلى مكانها مسيرة سفر تمضي مع الزوج أينما ذهب الزوج، وإن كان بينها وبين مصرها مسيرة ما دون سفر، وإلى مكانها مسيرة سفر كان لها الخيار، وإن كان بينها وبين مكانها مسيرة ما دون السفر رجعت إلى مكانها على كل حال.
نوع آخر في بيان ما تصدّق فيه المعتدة في انقضاء العدة

يجب أن يعلم بأن أول المدة التي تصدق الحرة في انقضاء العدة فيها شهران في قول أبي حنيفة رحمه الله، وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله: تسعة وثلاثون يوماً؛ لأنها أمينة في الإخبار عما في رحمها، فيجب قبول قولها إن أخبرت بما هو محتمل، وما قالته محتمل بأن يكون الطلاق في آخر الطهر، وطهرها أقل الأطهار خمسة عشر يوماً، وحيضها أقل الحيض ثلاثة أيام، فيكون انقضاء عدتها بطهرين وذلك ثلاثون يوماً، وبثلاث حيض، وذلك تسعة، فجملته تسعة وثلاثون يوماً.
واختلف محمد والحسن بن زياد رحمهما الله في تخريج قول أبي حنيفة رحمه الله، فعلى ما ذكره محمد رحمه الله: يجعل كأن الطلاق كان في أول الطهر تحرزاً عن إيقاع الطلاق في الطهر بعد الجماع، ويجعل طهرها خمسة عشر يوماً، ويجعل حيضها خمسة إذ هي الوسط فتنقضي عدتها بثلاثة أطهار كل طهر خمسة عشر يوماً، وثلاث حيض كل حيض خمسة، فجملة ذلك ستون يوماً.
وعلى ما رواه الحسن عنه رحمه الله: يجعل كأن الطلاق كان في آخر الطهر تحرزاً عن تطويل العدة عليها، وطهرها خمسة عشر وحيضها عشرة؛ لأنه وجب تقدير الطهر بأقل الطهر نظراً للمرأة ووجب تقدير الحيض بأكثر الحيض نظراً للزوج، فتنقضي عدتها بطهرين كل طهر خمسة عشر وثلاث حيض كل حيض عشرة، فجملة ذلك ستون يوماً.

وأما الأمة فعلى قولهما تصدق في إحدى وعشرين يوماً؛ لأن عدتها تنقضي بحيضتين كل حيضة ثلاثة، وبطهر واحد، وذلك خمسة عشر، فجملة ذلك إحدى

(3/471)


وعشرون، وأما على قول أبي حنيفة رحمه الله على الوجه الذي خرجه محمد رحمه الله: تصدق في أربعين؛ لأنه يجعل كأن الطلاق كان في أول الشهر فتحتاج إلى طهرين كل طهر خمسة عشر وإلى حيضتين كل حيضة خمسة، فجملة ذلك أربعون يوماً، وعلى الوجه الذي خرجه الحسن رحمه الله: تصدق في خمسة وثلاثين؛ لأنه يجعل الطلاق واقعاً في آخر الطهر فتحتاج إلى حيضتين كل حيضة عشرة وإلى طهر واحد خمسة عشر فجملة ذلك خمسة وثلاثون.

وفي «مجموع النوازل» : المطلقة بثلاث تطليقات إذا جاءت بعد أربعة أشهر، وقد كانت تزوجت فيما بين ذلك بزوج آخر، فقالت: انقضت عدتي من الزوج الثاني، وأرادت أن تعود إلى الزوج الأول هل تصدق؟ عند أبي حنيفة؟ أجاب بعض أئمة سمرقند رحمهم الله أنها تصدق، وأجاب الشيخ الإمام الزاهد نجم الدين عمر النسفي رحمه الله أنها لا تصدق، وهو الصحيح؛ لأن أربعة الأشهر مدة العدتين عند أبي حنيفة رحمه الله، فلا بد من زمان آخر لنكاح الزوج الثاني ووطئه إياها.
وفيه أيضاً: معتدة رجل أقرت بعد أربعين يوماً من وقت الطلاق أنها ما حاضت إلا مرة واحدة، ثم قالت بعد عشرة أيام: انقضت عدتي، هل للزوج المطلق أن يخاصمها ويرفع الأمر إلى القاضي؟ قال: نعم، ويأمرها القاضي بإتمام العدة إذا ثبت إقرارها عند القاضي صيانة لماء الزوج عند طلبه ذلك، ولو كانت تزوجت بزوج آخر، فالقاضي يفرق بينها وبين الزوج الثاني إذا ثبت إقرارها بذلك، والله أعلم.

الفصل السابع والعشرون في المتفرقات
سئل نجم الدين النسفي رحمه الله عن زوجين وقعت بينهما مشاجرة فقالت المرأة: باتوعي اسم مرا طلاق كن، فقال الزوج: طلاق مي كنم طلاق مي كتم طلاق مي كنم؟ أجاب وقال: بأنها تطلق ثلاثاً؛ لأن قوله: طلاق مي كنم للمحض للحال وهو تحقيق بخلاف قوله: كنم؛ لأنه تمحض للاستقبال وهو (291أ1) وعد، وبالعربية قوله: أطلق، لا يكون طلاقاً في أنه دائر بين الحال والاستقبال فلم يكن تحقيقاً مع الشك حتى أن موضع علمت استعماله للحال كان تحقيقاً كقول الكافر: أشهد أن لا إله إلا الله، وكقول الشاهد: أشهد أن لهذا على هذا كذا، وكقول الحالف: بالله لأفعلن كذا، وهذا الاحتمال بالعربية، أما بالفارسية قوله: ميكنم للحال، وقوله: كنم للاستقبال.

في «المنتقى» : طلقني إن تزوجت فلانة، أو قالت: إن تزوجت علي، فقال الزوج: أنت طالق وهو ينوي جواباً لكلامها، ومعناه: إن تزوجت، فهذا ليس بجواب قضاءً وفيما بينه وبين الله تعالى وسعه أن يمسكها.
وفي «فتاوى الفضلي» رحمه الله: امرأة قالت لزوجها: مرا طلاق ده فقال: دايم

(3/472)


ذكر النامكان الدال فإن كان هذا لغة بلد هذا الزوج لم يصدق أنه لم يرد الجواب ويقع الطلاق؛ لأنه جواب ظاهر لما كان لغة بلده؛ لأن الظاهر أن الإنسان يتكلم بلغة بلده، وكذلك إن كان هذا لغة بلدة من البلدان كان جواباً، وإن لم يكن هذا لغة بلدة من البلدان لم يكن جواباً ولا يقع الطلاق.
وفي «فتاوى النسفي» رحمه الله: قيل لرجل: أين زن زن توهست، فقال: هست فصل له أين سه طلاقه هست فقال: هست يقع ثلاث تطليقات ولا يصدق الزوج في قوله: إنها ما سمعت قوله سه طلاقه هست وإنما ظنت أنه يعيد الكلام الأول.

امرأة قالت لزوجها: من باتمونمي باشم فقال الزوج: اكربناشم ابس تراطلاق فقالت بعد ذلك: مي باشم اختلف المشايخ فيه، عامتهم على أنه يقع الطلاق؛ لأنه تحقيق لا تعليق؛ لأن مثل هذا إنما يذكر على سبيل المجاراة، وقد مر جنس هذا، وعلى هذا إذا قال الرجل: ابنه لأجل امرأته فقال: مه ابازن توخوش ينست كه اوجنين ميكنذ فقال الابن: اكر تراوي خوش ينسب داد مش سه طلاق فقال الأب بعد ذلك: مراباوي خوش نيست فليست مع الطلاق عند عامة المشايخ رحمهم الله، ولا يشبه المسلمين قوله لامرأته ابتداءً: اكرمرا نجوامي ترا طلاق فقالت ميخواهم حيث لا تطلق، فقيل: إن في الفرق إن قول الزوج: ابتداءً اكرمرا نجوامي لا يمكن حمله على المجازاة وإنه من حيث الصورة تعليق فحمل على التعليق حتى أن المرأة لو بدأت فقالت: برانمي خواهم فقال الزوج: اكر مرانمي خواهي تراطلاق فقالت: ميخواهم تطلق. وفي تلك المسألتين لو قال الزوج لها ابتداءً: اكرا بامي نباشي تراطلاق فقالت: مي باشم أو قال الابن للأب ابتداء: اكر تراباذن من خوش بنست ورا طلاق فقال الأب: خوش است لا يقع الطلاق ويكون تعليقاً.
وفي «المنتقى» : رجل قالت له امرأته: إن عصيتك وأعرضت عنك فقال الزوج: إن كنت تعصيني وأعرضت عني فأنت طالق، فسكتت المرأة ولم تقل شيئاً لا تطلق، وهذه المسألة تبطل ما ذكرنا في الفرق وتبطل قول من يقول بعدم الوقوع من تلك المسألتين، وحكي عن نجم الدين النسفي رحمه الله أنه كان يقول في الفرق: في تلك المسألتين: ذكر كلمة بس وإنها كلمة تحقيق حتى لو لم يذكر بس ولكن قال: اكراساشمي تراطلاق. قال وفي المسألة الأخرى اكر ترابادي خوش نيست دادمش سه طلاق يكون تعليقاً ولا يكون تنجيزاً، وفي هذه المسألة لم يذكر بس، وإنما قال اكر مرانجواهي ترا طلاق وهذا تعليق ولو ذكر لس في هذه المسألة بأن قال اكرامرا نجواهي بس ترا طلاق كان تنجيزاً.

في «المنتقى» أيضاً: بشر عن أبي يوسف رحمهما الله: رجل قال لامرأته: إن قلت لك أنت طالق فأنت طالق، ثم قال لها: قد طلقتك فقال: تطلق أخرى قال: وإن عنى أن يكون الطلاق معلقاً باللفظ وهو قوله: أنت طالق لا يدين في القضاء ويدين فيما بينه وبين الله تعالى.
رجل قال لامرأته هذه طالق هذه المرأة الأخرى طلقت الأولى لا غير لأن لفظ

(3/473)


الطلاق متصل بالأولى ولم يعطف الثانية على الأولى ليثبت الاتصال بالثانية بحكم العطف، ولو قال: هذه هذه طالق طلقت الأخرى لا غير، ولو قال ذلك لامرأته واحدة لا يقع إلا واحدة في الوجهين هكذا ذكر في «النوازل» ، وذكر في «المنتقى» : إذا قال: هذه طالق هذه لامرأته أخرى طلقتا، وكذلك لو قال: وهذه أو فهذه.
وفي «العيون» : إذا قال لامرأته: أنت طالق أنت أو قال: أنت طالق وأنت يقع واحدة؛ لأن هذا يحتمل التكرار كقوله: أنت؛ لأنه كما يقال: أنت أنت، يقال: أنت وأنت ولو قال ذلك لامرأة أخرى يقع على كل حال واحدة تطليقة؛ لأن هذا لا يحتمل التكرار فيكون إيقاع طلاق آخر.
وعن محمد رحمه الله فيما إذا قال لامرأة واحدة: فأنت طالق وأنت له، أنه يقع تطليقتان، وما ذكر في «العيون» فيما إذا قال لامرأته: أنت طالق أنت لامرأته أخرى أنه يقع على كل واحدة تطليقة يوافق ما ذكر في «المنتقى» في قوله: هذه طالق هذه لامرأته أخرى، ويخالف ما ذكر في «النوازل» .
وذكر في «فتاوى أهل السمرقند» رحمهم الله: في رجل حكى عتق رجل فلما بلغ إلى ذكر الطلاق خطر بباله امرأته إن نوى عند ذكر الطلاق عدم الحكاية واستيفاء الطلاق وكان الكلام موصوفاً موصولاً بحيث يصلح للإيقاع على امرأته طلقت امرأته، وإن لم ينو ذلك لا تطلق امرأته، وهو محمول على الحكاية، وحكي عن القاضي الإمام شمس الإسلام محمود الأوزجندي رحمه الله في رجل يذكر مسائل الطلاق بين يدي امرأته ويقول: أنت طالق، وهو لا ينوي بذلك طلاق امرأته لا تطلق امرأته.

قيل لرجل: ألست طلقت امرأتك؟ قال: بلى، تطلق؛ لأن «بلى» جواب الاستفهام بالإثبات فكأنه قال: طلقت امرأتي، ولو قال: نعم، لا تطلق امرأته؛ لأن «نعم» جواب الاستفهام بالنفي، فكأنه قال: ما طلقت امرأتي، والدليل عليه قوله تعالى: {أَلَسْتَ بِرَبّكُمْ} ؟ {قَالُواْ} {بَلَى} (الأعراف: 172) (291ب1) وكانت بلى للإثبات، ومن قرأ في صلاة نعم تفسد صلاته.
صاحب برسام طلق امرأته فلم تصح قال: طلقت امرأتي ثم قال بعد ذلك: إنما قلت ذلك لأني توهمت أن الطلاق وقع بأن كان إقراره في غير حال مذاكرة الطلاق الذي كان منه في حال برسامه لا يصدق؛ لأنه صحيح عاقل أقر بالطلاق مرسلاً فيؤاخذ بإقراره، وإن كان في حال مذاكرة الطلاق يصدق؛ لأن مذاكرة ذكر الطلاق. يدل على إرادة ذلك الطلاق إذا قال لامرأته: اكر ترا بذني كنم ترايك طلاق ودو طلاق فتزوجها يقع واحدة على قياس قول أبي حنيفة رحمه الله، وإن أخر الشرط تقع الثلاث. أصل المسألة ما ذكرها محمد رحمه الله في باب الطلاق: إذا قال لامرأته: إن تزوجتك فأنت طالق وطالق وطالق فتزوجها وقعت واحدة عند أبي حنيفة رحمه الله، ولو أخر الشرط تقع الثلاث.

(3/474)


إذا قال: اكر فلانة رابزني كنم وي ازمن بيكي ودوسه طلاق فتزوجها تطلق ثلاثاً هكذا حكي عن نجم الدين النسفي رحمه الله، وليس هذا كقوله: اكر فلانة رابزني كنم وي ازمن طلاق ودووسه طلاق فتزوجها، فإن هناك يقع تطليقة واحدة عند أبي حنيفة رحمه الله؛ لأن قوله: ازمن يكي كلام مبهم محتاج إلى التفسير، وكذلك دو وكذلك سه والتفسير بذكر الطلاق، وعند ذكر الطلاق الأعداد قد اجتمعت فصار كقوله: أنت طالق ثلاثاً، أما قوله: أن من بيكي طلاق كلام مفسر فثبت حكمه ثم ترتب عليه الثاني والثالث فيثبتان عند الشرط كذلك والأول في الملك ويقع دون سائرها.

وسئل نجم الدين عمن قال: حلال الله علي حرام، وما أحنث بميني فهو علي حرام إن كنت فعلت كذا وقد كان فعل ذلك الفعل؟ قال: تقع تطليقة واحدة بائنة نوى أو لم ينو دخل بها أو لم يدخل بها؛ لأن كل واحد من اللفظين بائن عندنا وقد تكلم بهما وعلقهما بفعل قد فعله، والتعليق بفعل موجود كائن تنجيز وليس بتعليق فكأنه نجز وما علق فقال حلال الله علي حرام وما أخذت بيمني فهو علي حرام فهناك تقع الأولى وتبطل الثانية كذا ههنا، بخلاف ما إذا علقها بفعل في المستقبل فإن هناك إذا فعل ذلك الفعل تقعان جميعاً؛ لأن هناك اللفظان تعلقا بذلك الفعل جميعاً فيؤاخذان جميعاً عند وجوده.
وسئل هو أيضاً عمن خلع امرأته ثم قال لها في العدة: ادادمت سه ولم ترد على هذا قال: إن نوى الطلقات الثلاث طلقت ثلاثاً؛ لأنه لم يتلفظ بالطلاق وقوله دامت سه كلام محتمل فلا بد من النية، قيل له: ينبغي أن لا يقع حتى وإن نوى لأن هذا من كنايات التي الطلاق، والكنايات لا تلحق المختلعة بالإجماع؟ قال: الكنايات التي بوائن لا تلحق المختلعة أما الكنايات التي هي رواجع تلحق المختلعة.
ألا ترى لو قال لمختلعة: أنت واحدة ونوى الطلاق يقع عليها تطليقة أخرى، وهذا لأن صحة هذا اللفظ بالإضمار، فإن معنى قوله: أنت واحدة، أنت طالق تطليقة واحدة، فيصير الحكم للصريح، ولكن لا بد من النية ليثبت هذا المضمر قيل له: إذا وقع الطلاق ههنا عند النية تقع الثلاث والثلاث بوائن والمختلعة لا تلحقها البوائن؟ قال: لا تقع الثلاث ههنا بل يقع ما بقي من التطليقتين؛ لأنه وقع طلقة واحدة بالخلع واثنتان رجعيتان إلا أنه تقع البينونة ههنا لأن الثلاث قد تمت لأن الواقع بوائن، وهو نظير ما لو قال لمختلعة بتطليقتين: أنت طالق، يقع الطلاق، وإن كان إذا وقع تثبت البينونة، وطريقه ما قلنا.

رجل قال لامرأته: برخيز وبجانه ما عهد دووسه ماه عدت دار من بدار ثم قال: دامت يك طلاق ثم قال: اين سجن آخربن به إن كفتم كه بايدكه معنى سحن أول ندانسته باشي، فقد قيل: يقع عليها ثلاث تطليقات؛ لأن قوله لها: قومي من مدلولات الطلاق وكذلك قوله: اذهبي إلى بيت أمك، وقد عطف هذا على الأول فكل أن اثنان ثم لما خرج بالطلاق بعد ذلك وقال: اين سخن به أن كفتي كه ساندكسه معنى سخن أول بدانسته باشي، فقد بين أنه أراد بما تقدم الطلاق، قد تقدم منه كلام أن كل واحدة تصلح فصارت

(3/475)


التطليقتين والصريح ثالثهما فتقع الثلاث، وقد قيل: تقع تطليقتان إحداهما بقوله: برخيز والثاني بالصريح، ولا يقع بقوله: بخانه ما دردووسي؛ لأن الواقع بقوله: برخيز عند ثلاثة الطلاق الناس والواقع بقوله: بخانه مادر وكذلك والناس لا تلحق الثاني، أما الصريح يلحق الثاني.
إذا قال لامرأته: وهبتك أو قال: وهبت لك طلاقك، وقال: نويت أن يكون الطلاق في يدها لا يدين في القضاء؛ لأن الهبة تقتضي زوال ملك الواهب، وذلك بالإيقاع لا يجعل الطلاق إليها، بأن يجعل الطلاق إليها لا يزول ملك الرجل عن المرأة، فإذا نوى غير الإيقاع فقد نوى ما لا يحتمله لفظه، وروي عن أبي حنيفة رحمه الله: أنه لا يقع الطلاق؛ لأنه يحتمل وهبتك لك طلاقك أعرضت عن طلاقك، ولو أراد أن يطلقها فقالت: هب لي طلاقي أي أعرض عنه فقال: وهبت لك طلاقك صدق في القضاء، ولو قال: أعرضت عن طلاقك ينوي الطلاق لا تطلق، ولو قال: تركت طلاقك أو خليت سبيلك سبيل طلاقك ينوي الطلاق يقع، لأن تخلية الطلاق وتركه قد يكون بإخراجه عن ملكه، وذلك إيقاع الطلاق، فأما الإعراض السلبي بتركه التعرض له والإيقاع بعرض الطلاق، فكان ما نوى مخالفاً لما يقتضيه ظاهر كلامه.

سئل نجم الدين النسفي رحمه الله: عن امرأة قالت لزوجها: من برتوسه طلاقه أم فقال الرجل هذا، هل تطلق ثلاثاً؟ فقال: لا إلا أن ينويها قال: لأن هذه الكلمة في ديارنا تستعمل لمعنيين: بمعنى الاستعجال هذا روداني كاربكن وتستعمل بمعنى المواقعة، يقول (292أ1) الرجل لغيره: بياي تافلان جاي دويم فنقول: هلا وتريد به إظهار الموافقة، فعلى أحد الاعتبارين يكون الزوج موافقاً ومساعداً لها، وعلى الوجه الآخر لا يكون مساعداً لها فلا بد من النية. قيل له: إن هذه الكلمة في معنى نعم، فكأنه قال أرى قال: ليس إلا طلاق كذلك، فإن نعم يصلح للماضي والمستقبل يقول لغيره: هل ذهبت؟ هل تذهب؟ فيقول: نعم وهلا لا تستعمل للماضي لا يقال هل ذهبت؟ فيقول: هلا ولكن يقال: اذهب فيقول: هلا.
وسئل هو أيضاً: عمن قال: اكرد خثر من زرين جند روداز سوى بيون باندما دروى ازمن بطلاق، فأخرت أياماً، ثم اختلعت من زوجها قال: إن كانت اختلعت قبل تمام شهر من وقت مقالة الأب لا يقع الطلاق على أمها. قال: لأن قوله: به أبي جعل دون يستعمل بمعنى العاجل وما دون الشهر في معنى العاجل، والشهر وما فوقه في حكم الآجل، ولهذا قدر أدنى الآجال في السلم بالشهر.
سئل نجم الدين عمن قال لامرأته: داست يك طلاق سه خويش كير ودوزي خويش طلب كن، قال: الطلاق الأول رجعي، وإن لم ينو بقوله: سرخويش كير طلاقاً آخر بقي الأول رجعياً ولا يقع بهذا القول شيء، وإن نوى به الطلاق كان طلاقاً بائناً، ويصير الأول مع الثاني بائنين.

سئل هو أيضاً: عمن قال لغيره في مجلس الشرب: هو زنى كه بخواسته أم براي

(3/476)


توخواسته أم وواشين ودها كردن دردست توبودست، فقال ذلك الرجل: اكر جنين است اين زن ترادا ولم يك طلاق ودو طلاق وسه طلاق هل تطلق امرأته؟ قال: لا؛ لأن قوله: دردست توبودست إخبار عن كون الأمر في ذلك في يده الزمان الماضي وليس من ضرورة كونه في يده بقاؤه في يده بل الأمر المطلق يقتصر على المجلس وقد تبدل المجلس فيبطل، ولو أنه قال: دردست توست فهذا إقرار منه يكون الأمر في يده في الحال فيصح منه التطليق. وسئل هو أيضاً عمن قال: سباهه مار ترا طلاق، وقال: ما عنيت امرأتي لا تطلق امرأته لانعدام الإضافة إليها، وقد مرجنس هذا.
قال لامرأته: طلاق بردانه ورمى بهذا تفويض الطلاق إليها، فإن طلقت نفسها في المجلس طلقت وما لا فلا، ولا قياس قوله لها: خذي طلاقك ينبغي أن يكون هذا إيقاعاً؛ لأن برداستر طلاق يستدعي وجود الطلاق، ووجود الطلاق بالإيقاع كما إذا أخذ الطلاق يستدعي وجوده ووجوده بالإيقاع.
امرأة قالت لزوجها: مرا حنين كران نحرينه بقيت باردة فقال الزوج: بازدادم، وهو ينوي الطلاق قال شيخ الإسلام أبو الحسن: لا تطلق، قيل له: إن قال: إن المرأة كران لحريده باردة فقال: دادم، ونوى به الطلاق؟ قال: تطلق ويكون هذا بمنزلة قوله لامرأته: الحقي بأهلك، وهو ينوي الطلاق.
إذا قال لامرأته: طالق ثلاثاً وله امرأة معتدة عنه عن طلاق بائن لا تطلق هي إلا إذا أشار إليها بأن قال لامرأته: هذه طالق أو قال بالفارسية: اين زن ورا طلاق.
وسئل أبو نصر عمن قال لامرأته: إن اشتريت أمة أو تزوجت عليك فأنت طالق واحدة، فقال: لا أرضى بطلقة واحدة، فقال: أنت طالق ثلاثاً إن لم ترض بواحدة؟ قال: هذا الكلام يراد به الشرط ولا يراد به الابتداء، ولا يقع في الحال شيء.

قال محمد رحمه الله في «الجامع» : إذا قال الرجل: أمر امرأتي بيد فلان شهراً ولم يَسمّ شهراً بعينه، فالشهر من يوم قال ذلك القول، وإن ذكر الشهر منكراً إلا أنا عينا الشهر الذي يلي هذه المقالة بدلالة العرف، فإن العرف الظاهر فيما بين الناس أنهم إذا أطلقوا الشهر إطلاقاً في التفويض يريدون به الشهر الذي يلي التفويض وهذا لأن الحامل على جعل الأمر بيد غيره طلبها وتطييب قلبها أو حاجة الزوج إلى الخلاص والطلب موجود في الحال، والحاجة إلى الخلاص قائمة في الحال؛ ولأن جعل الأمر باليد لا يختص بوقت دون وقت، والأصل في كل ما لا يختص بوقت دون وقت إذا ذكر له وقتاً أن يعتبر ذلك الوقت من وقت الذكر كما في الأجل والإجازة ومدة الإيلاء، فإن مضى شهر من وقت هذه المقالة ولم يعلم فلان أن الأمر جعل إليه خرج الأمر من يده؛ لأن التفويض توقت بالشهر فلا يبقى بعد مضي الشهر لما ذكرنا كان الفقه (في) ذلك لو بقي الأمر بعد مضي الشهر كان فيه إثبات زيادة على ما فوض وإنه لا يجوز.
يوضحه: أن لو اقتصر على قوله: أمر امرأتي بيد فلان اقتصر على مجلس علمه بعد اليمين فإذا قال: شهراً بعد مدة إلى الشهر فلا ينبغي بعد مضي الشهر ضرورة، ولو قال:

(3/477)


إذا مضى هذا الشهر فأمر امرأتي بيد فلان فمضى هذا الشهر ولم يعلم به فلان، ثم مضى شهر آخر ثم علم به فلان فله مجلس العلم؛ لأن التفويض ههنا غير مؤقت بالشهر بل التفويض مطلق إلا أن هذا المطلق معلق بمضي الشهر، والمطلق إلا أن هذا المطلق معلق بمضي الشهر، والمعلق بالشرط عند وجود الشرط كالمرسل ولو أرسل التفويض بعد مضي الشهر مطلقاً كان له مجلس العلم كذا ههنا، بخلاف المسألة الأولى لأن التفويض ثمة مؤقت بالشهر فلا يبقى بعد مضي الشهر.

وهو نظير ما قلنا فيمن قال: والله لا أكلم فلاناً شهراً، فكلمه بعد مضي الشهر، لا يحنث لأن اليمين مؤقت بالشهر، فلا يبقى بعد مضي الشهر، ولو قال: إذا مضى هذا الشهر بالله لا أكلم فلاناً، فكلمه بعد مضي الشهر، يحنث لأن اليمين غير مؤقت بالشهر، بل هو مطلق لما فوق الشهر.
ولو قال: أمر امرأتي بيد فلان وفلان شهراً، فمضى شهر ثم علم أحدهما بما جعل إليهما ثم مضى شهر آخر ثم علم الآخر بذلك أو علما جميعاً بعد مضي شهر (سقط ذلك منهما، أو قال) فأمر امرأتي بيد فلان وفلان، ثم مضى شهر ثم علم أحدهما فأمرها بيده ما دام في مجلسه ذلك، علق يجوز الأمر بيد فلان وفلان بمضي الشهر، فيعتبر كما لو أرسل ذلك بعد مضي الشهر وهناك الجواب كما قلنا هنا كذلك، فلو أن الذي علم أولاً فرق بينهما كانت فرقته موقوفة في مجلس علمه فإن علم الآخر بعد ذلك وفرق بينهما أيضاً في مجلس على علمه وقعت الفرقة؛ لأن بعد مضي الشهر صار الأمر بيدهما (292ب1) ويؤقت على مجلس علمهما وقد اجتمعا على التفريق في مجلس علمهما فتقع الفرقة، ولو أن الذي علم أولاً لم يفرق بينهما حتى قام عن مجلس علمه، أو اشتغل بعمل آخر يدل عن الرد، بطل الأمر؛ لأن الأمر خرج عن يدي الذي علم أولاً بالقيام عن المجلس فيخرج الأمر من يد الآخر ضرورة لأن الآخر لا ينفرد بالتفويض فيبطل الأمر ضرورة، وإنما لم ينفرد الآخر بالتفويض لوجهين:
أحدهما: أن في التفويض تمليك وتعليق الطلاق بمشيئة المفوض إليه ولهذا لا يملك الرجوع، وصار كما لو قال: إذا شاء فهي طالق ولو قال هكذا يشاء أحدهما لا يقع الطلاق كذا ههنا.
والثاني: أن هذا تصرف فيه إلى المشورة والرأي وقد رضي برأيهما، والراضي برأي المثنى فيما يحتاج فيه إلى الرأي لا يكون راضياً برأي الواحد، بخلاف الوكيلين بالطلاق المفرد حيث ينفرد أحدهما بالإيقاع؛ لأن الطلاق المفرد لا يحتاج فيه إلى الرأي، والراضي برأي المثنى فيما لا يحتاج فيه إلى الرأي يكون راضياً برأي الواحد فينفرد أحدهما بالإيقاع.
وفي «المنتقى» : إذا قال لها: طلقي نفسك إن شئت، وأعتقي عبدي إن شئت، فبدأت بعتق العبد وثنت بتطليق نفسها جاز.
وفي «البقالي» : لو قال لها: طلقي نفسك إن شئت وفلانة إن شئت، وقال لها رجل

(3/478)


آخر: أعتقي عبدي إن شئت، فبدأت بالإعتاق خرج الأمر عن يدها.
وفي «البقالي» : (لو قال لا:) إن لم تطلقي نفسك فأنت طالق فهذا عليك.
وفي «المنتقى» : إذا قال لامرأته: أنت طالق غداً وهذه كانا جميعاً على الغد. ولو قال: هذه طالق غداً وهذه طالق، طلقت الثانية ساعتئذٍ، وكذلك هذا في عتاق العبدين، وكذلك في عتق وطلاق بأن قال لامرأته: أنت طالق غداً وهذه أخرى، وأشار إلى عبد له كان العتق على الغد.
وفيه أيضاً: إذا قال لامرأتين له إحداهما زينب والأخرى عمرة: أنت يا عمرة طالق ويا زينب، لم تطلق زينب إلا أن ينويها.
وفي «المنتقى» : قال هشام: سألت محمداً * رحمهما الله * عن رجل ادعت عليه امرأته طلقها ثلاثاً وهو يجحد فمات الزوج، وجاءت المرأة وتطلب ميراثها، فقال: إن صدقته المرأة قبل أن يموت، وقالت: صدقتَ لم تطلقني، ورثته، وإن لم ترضخ إلى تصديقه حتى مات لم ترثه.
وفيه أيضاً: مرَّت امرأة بين يدي رجل فقال الرجل: هي طالق، وسمع ذلك قوم منه ثم رأوها معه بعد، وهو يقول: هي امرأتي فشهدوا عليه أنه طلقها فقال الرجل: طلقتها أمس وهي ليست أي: بامرأة (لي) وتزوجتها اليوم وقال القوم: طلقها أمس ولا ندري أكانت امرأته؟ فالقاضي لا يقضي بطلاقها حتى يشهدوا عليه أنه طلقها وهي امرأته.

وفيه أيضاً: إذا قال لامرأته: أنت طالق واحدة وثلاثاً فإن لم يدخل بانت بواحدة، ولا خيار في الثلاث، وإن كان قد دخل بها فهو بالخيار ما دامت في العدة، فإن انقضت العدة بانت بواحدة، وليس في الثلاث خيار، وهذا قول أبي حنيفة رحمه الله وأبي يوسف رحمه الله، وعلى قياس ما ذكرنا قبل هذا أن من أوقع أحد الطلاقين إما الأخف أو الأغلظ يقع الأخف، ينبغي أن تقع الواحدة على كل حال، ولا يكون له الخيار.
وفي «البقالي» : خيار مختار الرجعي ووقعت أخرى، وكذلك إن خلعها أو طلقها.... ولو قال لها: أنت طالق لم يكن اختياراً، ولو قال: رجعياً وأراد الاستئناف كان مختاراً للرجعي ووقعت أخرى، ولو قال: عنيت الأولى صدق، وكذلك إذا قال: أنت بائن وقال: عنيت الأولى صدق.
وقال محمد رحمه الله في «الجامع الصغير» : إذا قال الرجل لامرأته ولم يدخل بها: أنت طالق واحدة، فماتت المرأة بعد قوله: طالق قبل قوله: واحدة لم يقع عليها شيء. الأصل في هذه المسألة وأجناسها أن الزوج إذا وصل العدد بقوله: أنت طالق، كان العامل هو العدد لا قوله: أنت طالق، ألا ترى أنه لو قال لها قبل الدخول بها: أنت طالق ثلاثاً، تقع الثلاث؟ وكذلك لو قال لها: أنت طالق ثنتين يقع ثنتان، ولو كان العامل قوله: أنت طالق وقد بانت به لا إلى عدة ينبغي أن لا يقع عليها شيء.

(3/479)


قال في «الجامع الصغير» أيضاً: وكذلك إذا قال لها: أنت طالق ثلاثاً إن شاء الله فماتت بعد قوله: ثلاثاً قبل قوله: إن شاء الله، لا يقع شيء؛ لأن قوله: إن شاء الله، إذا اتصل بالكلام أبطله، وقد اتصلت بالإيقاع ههنا فأخرجه من أن يكون إيقاعاً وإيجاباً، والموت ينافي إيجاب الطلاق وهو يريد أن يقول: ثلاثاً فأمسك على فيه رجل فلم يقل شيئاً أو مات الزوج قبل أن يقول: ثلاثاً فإنه يقع واحدة؛ لأن الزوج ما وصل العدد بالإيقاع هنا فكان العامل قوله: أنت طالق، ونية الثلاث لا تعمل فيه.
وفي «الأصل» أيضاً: إذا قال لها: أنت طالق وأنت طالق، فماتت المرأة قبل أن يتكلم بالكلام الثاني تقع واحدة بالكلام الأول، ويبطل الكلام الثاني، لأن كل كلام عامل في الوقوع، فإنما يعمل ما صادفها وهي حية، ولو قال لها: أنت طالق وأنت طالق إن دخلت الدار فماتت عند الأولى أو الثانية لا يقع عليها شيء؛ لأن الكلمات المعطوفة بعضها على البعض إذا اتصل الشرط بآخرها يخرج من أن يكون إيقاعاً، وقد وجد اتصال الشرط بعد الموت.
امرأة قالت لزوجها: وهبت لك مهري فعوضني، فقال الزوج: عوضك ثلاث تطليقات طلقت ثلاثاً، لأن العوض هبة، فصار كأنه قال: وهبت لك ثلاث تطليقات.
رجل قال لامرأته: بعت منك أمرك بألف درهم، إن اختارت نفسها في مجلسها وقع الطلاق ولزمها المال؛ لأنه ملكها أمرها في الطلاق بالمال، وجواب التمليك يقتصر على المجلس، وإذا اختارت نفسها في المجلس فقد تملكت.

وفي «مجموع النوازل» : رجل له امرأتان قالت إحداهما له: خويشتن خريده أم أزتوبكايين وهو بين عدة فقال الزوج: أن ديكورا بجوان الأخرى، فقالت مثل ما قالت الأولى فقال الزوج: خدوختم فقيل للزوج: كدام رترافروختي فقال: هردورا تحرم عامة الأخيرة بالخلع والأولى (293أ1) بالإقرار هكذا حكي عن نجم الدين النسفي رحمه الله، وإذا اختلف الزوج والمرأة كم كان بينهما من الخلع فقال الزوج: كان الخلع ثلاثاً مرتين، وقالت المرأة: لا بل كان ثلاثاً، والقول قول من؟ حكي فتوى شيخ الإسلام علي بن محمد الاسبيجابي رحمه الله أن القول قول الرجل، وحكي عن نجم الدين النسفي رحمه الله أنه كان يقول: إن كان هذا بعد نكاح جرى بينهما فقالت المرأة: النكاح لم يصح؛ لأن النكاح بعد الخلع الثالث، وقال الزوج: لا بل صح النكاح لأنه بعد خلعتين فالقول قول الزوج؛ لأن سبب الحل قد جرى بينهما وهو النكاح، والمرأة تدعي الحرمة مع قيام سبب الحل، والزوج ينكر، وأما إذا اختلفا بعدما انقضت عدتها عن خلع، والزوج يقول هذا الخلع الثاني، ويريد أن يتزوجها، والمرأة تقول: هذا هو الخلع الثالث، وليس لك أن تتزوجني، فالقول قولها، ولا يجوز النكاح بينهما؛ لأنهما اتفقا على الحرمة، وهو يريد أن يعقد عليها ويزعم أن له ذلك وهي تنكر، والأول أقرب إلى الجواب؛ لأنهما ما اتفقا على حرمة المحل بل اختلفا فيه، المرأة تدعي حرمة المحل بادعائها الخلع ثلاث مرات، والزوج ينكر.

(3/480)


وسئل نجم الدين هذا رحمه الله عن رجل خلع امرأته ثم تزوجها بعد ذلك بشهر مستتم ثم قال: توبر من حرامي به إن خلع هل تحرم؟ قال: نعم لأنه أقر أنها حرام عليه في الحال بذلك الحال وأن يكون كذلك إلا إن كان ذلك الخلع ثالثاً وإقراره صحيح عليه فقيل: هل يجب عليه المسمى إن كان قد دخل بها؟ قال: نعم، لأنه لم يصدق عليها في حق فساد النكاح، فصح النكاح في حقها وثبتت الحرمة بإقرارها الآن.

وفي «المنتقى» : عن محمد رحمه الله: إذا خالع امرأته على أن جعلت صداقها لولدها أو على أن جعلت صداقها لأجنبي فالخلع جائز، والمهر للزوج ولا شيء للولد.
وفي «البقالي» : إذا قالت: اخلعني على أن أهب لفلان كذا، ففعل، فالهبة من جهتها فإن سلمها فلا رجوع، والطلاق بائن وإلا....، فإن قالت: عليك فالهبة عنه.
رجل خالع امرأته ثم طلقها بعد الخلع على جعل، يقع الطلاق، ولا يجب الجعل، أما يقع الطلاق؛ لأن هذا طلاق صادف محله، وأما لا يجب الجعل؛ لأن الجعل إنما يجب بإزاء ملك النفس، والمرأة بهذا الطلاق لم تملك النفس.
رجل خلع امرأته على أن ترد على الزوج جميع ما قبضت منه، وكانت قد وهبت ما قبضت من إنسان أو باعته منه، ولم ترد على الزوج، فإن عليها أن ترد على الزوج مثل ذلك، إن كان المقبوض من ذوات الأمثال، وقيمته إن لم يكن المقبوض من ذوات الأمثال؛ لأن بدل الخلع مستحق، والحكم في مثله ما قلنا، وإذا جرى بين الزوجين خلع غير صحيح فسأله رجل: بارن هذا كردست فقال: نعم فهذا إقرار منه بالحرمة، وإقراره حجة عليه، ولو كان قال: به خلع حداني كردانم، وذلك الخلع غير صحيح لا يقع الطلاق.
قال في «الأصل» : وإذا اختلعت المرأة من زوجها على جعل إلى أجل مسمى، فالخلع جائز والمال إلى أجله، وإذا أعطت كفيلاً أو رهناً ببدل الخلع جاز؛ لأنه دين مضمون عليه، فيصح به الرهن والكفالة كسائر الديون.
وإذا اختلعت من زوجها بألف درهم إلى الحصاد والدياس فالخلع جائز والأجل جائز. ولو اختلعت من زوجها بألف درهم إلى موت فلان فالخلع جائز والأجل باطل وكل واحد من الأجلين مجهول إنما كان كذلك؛ لأن الجهالة في مجيء الحصاد والدياس يسيرة؛ لأنه لا يتقدم ولا يتأخر إلا بمقدار شهر أو أقل، والجهالة في موت فلان متفاحشة؛ لأن موت فلان قد يوجد بعد مدة يسيرة وقد لا يوجد إلا بعد مدة طويلة.

والأصل: أن الجهالة المتفاحشة في الأجل تمنع صحة التأجيل في الخلع، واليسيرة لا تمنع، فلو ذهب الحصاد في تلك السنة فإنه يعتبر الوقت؛ لأن المقصود من ذكر الحصاد الوقت لا عينه.
اختلعت من زوجها على عبد بعينه وهلك العبد قبل التسليم رجع الزوج عليها

(3/481)


بقيمته، وقد مرجنس هذا في فصل الخلع. وإن ظهر أنه كان ميتاً وقت الخلع، فعلى قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله يرجع الزوج عليها إنما رجع إليها من المهر، وعلى قول أبي يوسف رحمه الله يرجع عليها بقيمته أن لو كان حياً، وهذه المسألة فرع ما إذا تزوجها على عبد بعينه فإذا هو حر أو ميت فعلى قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله لها مهر المثل فعلى الخلع يجب عليها رد ما قبضت من المهر؛ لأن حكم فساد التسمية في النكاح وجوب مهر المثل، وحكم فساد التسمية في الخلع رد ما دفع إليها من المهر.
وإذا اختلعت من زوجها على خادم أو وصيف بغير عينه فالخلع جائز وكان للزوج خادم وسط ووصيف وسط؛ لأن الجهالة في الصفة لا في الجنس، وجهالة الصفة لا تمنع صحة التسمية في معاوضة مال بما ليس بمال على ما عرف في النكاح، وإذا خالعها على عبد أو ثوب فإن كان بعينه جاز الخلع، وكان للزوج غير ذلك، وإن كان بغير عينه، فعلى العبد يجوز؛ لأن العبد معلوم الجنس إلا أنه مجهول الصفة لكن جهالة الصفة لا تمنع صحة التسمية في معاوضة مال بما ليس بمال، وفي الثوب لا يجوز؛ لأن الثوب مجهول الجنس، ومثل هذه الجهالة تمنع صحة التسمية كما لو خالعها على حيوان، وإن كان العبد بعينه إلا أنه لم يرد فليس فيه خيار الرؤية؛ لأن العبد ملك بعقد لا يحتمل الفسخ وفي مثل هذا لا يثبت خيار الرؤية لعدم الفائدة، فإن وجد به عيباً إن كان يسيراً لا يرده، وإن كان فاحشاً يرده والخلاف في هذه وفي النكاح سواء والعيب اليسير ما يدخل تحت تقويم المقومين، ومعناه: أنه يقوم صحيحاً بعشرة وقد يقوم مع هذا العيب بعشرة.
وقعت في زماننا أن دخل أو كان رجلاً يخلع أمر امرأته وقال بالفارسية: تو وكيل مني بخلع مارن من حون زن من معالي من بتوده، فدفعت المرأة قباءً لرجل إلى الوكيل وجرى الخلع بينهما وكتبت خط البدل كما هو الرسم فيه فنظر الرجل إلى القباء فوجده بلا بطانة فقيل: لا يصح الخلع لأنه لا يسمى قباءً إنما يسمى يك ما هي أو سرتوا، والتوكيل بالخلع بشرط (293ب1) دفع القباء فوجده، ولو كان له بطانة إلا أنه لا كمين لها أو لم يكن له أحد الكمين فقيل: فيما إذا لم يكن له كمان وإنه لا يصح، وفيما إذا لم يكن له أحد الكمين أن الخلع صحيح. وقيل: يصح الخلع وإن لم يكن له كمان، واستدل هذا القائل بما ذكر محمد رحمه الله في أيمان «الأصل» : إذا حلف الرجل لا يلبس ثوباً فلبس ثوباً ليس له كمان يحنث في يمينه؛ لأن الكم للثوب بمنزلة اليد للرجل، ومقطوع اليدين يسمى رجلاً فمقطوع الكمين يسمى ثوباً، فكذا يسمى قباءً، وقد قيل: ينظر إن كان في زعم الرجل أن قباءه مع البطانة ومع الكمين كان التوكيل بشرط دفع القباء الذي لا بطانة له أو لا كم له وقد وجد فيصح الخلع وهو الأظهر والأشبه.
d
وإذا خالع الرجل امرأته على إن أعطته درهماً قد نظر إليه في يدها فإذا هو زائف أو ستوق فإن له أن يأخذ منها درهماً جيداً أما إذا وجده ستوقاً فلأنه أشار وسمى المشار إليه من خلاف جنس المسمى فتكون العبرة للتسمية، وإذا صارت العبرة للتسمية صار كأنها قالت: خالعني على درهم ولم تشرط، قال: ينصرف إلى الجيد كذا ههنا، وما إذا وجده

(3/482)


زيفاً فلأن المشار إليه وإن كان من جنس المسمى إلا أن الإشارة إلى الدراهم لغو عندنا في المعاوضات، فصار كأنها سمت الدرهم ولم تشر.

فإن قيل: الإشارة إلى الدراهم لغو في حق الاستحقاق عنها وأما في حق الصفة والمقدار لها غيره، ألا ترى أنه إذا قال لأخر: بعت منك هذا العبد بهذا الدرهم وهو زيف والبائع يعلم به فإنه لا يقع البيع بالجياد وإنما يقع بالزيف، قلنا: إنما تعتبر الإشارة في حقه إذا كان العاقد الآخر يعلم بصفته أما إذا كان لا يعلم فلا.
ألا ترى أن في مسألة البيع لو لم يعلم البائع بكونه زيفاً يقع البيع بالجياد، وتأويل مسألتنا أن الزوج لو لم يعلم بكونه زيفاً حتى لو علم بكونه زيفاً كان له الزيف.
وإذا اختلعت منه على ثوب في يدها أصفر فقالت: هذا هروي، فإذا هو مصبوغ كان له ثوب هروي وسط قالوا: وتأويله أن المصبوغ لم يكن هروياً؛ لأنه حتى لم يكن هروياً فقد أشارت وسمت، والمشار إليه ليس من جنس المسمى فتكون العبرة للتسمية وصار تقدير المسألة كأنها قالت: خالعني على ثوب هروي، وأما إذا كان مصنوعاً هروياً فالمشار إليه من جنس المسمى فتكون العبرة للإشارة فيكون له المشار إليه.
وفي «فتاوى أبي الليث» : رحمه الله: إن قال لامرأته: إن لم يكن فلان أوسع دبراً منك فأنت طالق قال أبو بكر الإسكاف رحمه الله: هذا شيء غير مفهوم ولا مقدور على معرفته فلا يقع الطلاق.
وفي «فتاوى أهل سمرقند» : كان رجلان قال كل واحد منهما لصاحبه: إن لم يكن رأسي أثقل من رأسك فامرأتي طالق، فطريق معرفة ذلك أنهما إذا أقاما وعاق وأيهما كان الأسرع جواباً كان رأس الآخر أثقل منه.
وفي أيمان «العيون» : رجل حلف أن فلاناً ثقيل وهو عنده ثقيل وعند الناس ثقيل، لا يحنث إلا أن ينوي ما عند الناس؛ لأن اليمين يقع على ما عند (الناس) ظاهراً فيحمل عليه ما لم ينو خلافه رجل ... فقدم عليه رجل من قرية أخرى فقال: إن لم أذبح على وجه هذا القادم بقرة من بقري فامرأته طالق ينظر: إن ذبح بقرة قبل أن يرجع هذا القادم وفى بيمينه، وإلا طلقت امرأته، لأن يمينه انعقدت على هذا القدوم عادة، وإن دبح بقرة من بقر امرأته لم يبرأ في يمينه لأن شرط البر ذبح بقرته، فلا يبرأ إلا إذا كان بين هذه المرأة وزوجها من الانبساط ما لا يمنع كل واحد منهما من مال صاحبه، مال ولا يجري بينهما مجادلة فيما بينهما ولكل واحد منهما من مال صاحبه قط فحينئذٍ رجحت أن يبرأ؛ لأن هذا يعد ذبح بقرته عادة، فإن كان هذا الرجل قد ذبح بقرته بنفسه لأجله لكن ما أضافه يلحقها بعد الذبح فإن كانت القرية التي انتقل منها هذا القادم قريبة من هذه القرية بر في يمينه وإن كانت بعيدة مما يعدّ سفراً أخاف (أن) لا يبرأ لأن مثل هذا إذا قدم يتخذون الضيافة لأجله يقع اليمين على الضيافة بعد الذبح.

(3/483)


إذا قال بالفارسية امر هركه من كشت كنم في هذه القرية فامرأته طالق ثلاثاً، فإن زرع شيئاً من الحبوب أو بذر البطيخ أو القطن طلقت امرأته؛ لأنه قد زرع، وإن سقى زرعاً قد زرعه غيره أو حصد لا تطلق امرأته؛ لأنه ما لم يبذر لا يسمى كشت كردن ولو دع إلى غيره مزارعة أو استأجر أجيراً فزرع أجيره لا تطلق امرأته إذا كان بملك الرجل ممن يلي ذلك بنفسه، وإن نوى أن لا يأمر غيره طلقت امرأته لأنه نوى ما يحتمل لفظه وفيه تغليظ، وإن كان قد أجر أجيراً له أو زرع غلامه وقد كان يعمل له قبل ذلك تطلق امرأته؛ لأنه كان يزرع قبل اليمين بهذا الغلام وبهذا الأجير فيدخل هذا النوع تحت اليمين إلا أن يعني نفسه لأنه نوى حقيقة كلامه.

إذا قال: إن عمرت في هذا البيت عمارة فامرأته طالق، فخرب حائط بين هذا البيت وبين بيت رجل آخر فعمره، وكان من قصده عمارة البيت الآخر طلقت امرأته.
وسئل الفقيه أبو جعفر رحمه الله عن هذا فقال: الإرادة مع حقيقة الفعل غير نافذة إرادة أنه لا يعتبر بالإرادة مع حقيقة الفعل.
إذا قال الرجل لأصحابه: إن لم أذهب بكم الليلة إلى منزلي فامرأته طالق فذهب منهم بعض الطريق فأخذهم العسر وحبسهم لا تطلق امرأته هكذا حكي عن الفقيه أبي جعفر رحمه الله، قال الفقيه أبو الليث رحمه الله: هذا الجواب يوافق قولهما في مسألة الكون.
وفي أيمان «المنتقى» : إذا قال لامرأته: إن لم تطلقي نفسك فأنت طالق فهذا على المجلس فهو إذن لها في التطليق ويلزمها ذلك إن طلقها.
ابن سماعة قال: سمعت أبا يوسف رحمهما الله يقول: فيمن قال: كل امرأة أتزوجها فليس المقصود بعد التزوج إلا أن يكون (294أ1) بينه على ما قبله.
«المعلى» : فهي طالق فتزوج امرأة فهذا على أن تشرب السويق وتلبس المقصور بعد التزويج إلا أن تكون بينة على ما قبله.
«المعلى» : عن أبي يوسف رحمه الله: رجل قال لامرأته: كل امرأة أتزوجها غيرك إلا أن لا تزوجيني نفسك فهي طالق ثم إن المحلوف عليها زوجت نفسها منه، قال: إذا تزوج هذه طلقت كل امرأة تزوجها بعد اليمين.
بشر عن أبي يوسف رحمهما الله: إذا قال لامرأة لا يملكها: إذا تزوجتك فأنت طالق، ثم قال لامرأة أخرى لا يملكها: إذا تزوجتك فقد أشركتك في هذه التطليقة، فتزوج الثانية مع الأولى أو بعد الأولى طلقتا ولو تزوج الثانية يقع عليها الطلاق ما لم يتزوج الأولى لأن يقع الطلاق عليها.
قال في «الجامع» : إذا قال الرجل: إن دخلت الدار فعبدي حر أو إن كلمت فلاناً فامرأتي طالق فدخلت الدار عتق عبده ولا ينتظر فيه دخول الدار، ولو قال: أنت طالق غداً أو عبدي حر بعد غدٍ لا يقع شيء ما لم يجيء بعد غدٍ، وإذا جاء بعد غد..... يكن أن يختار الطلاق أو يختار العتق.

(3/484)


والفرق: أن في الصورة الأولى كلمة: «أو» دخلت على الشرطين ودخولها على الشرطين لا يكون دخولاً على الحواشي، لأن الشرط تبع للجزاء، لأنه يوجب الجزاء حالاً وهو التأخر، وما لا يوجب بغير..... فهو كالصفة لذلك والصفة تابعة للموصوف وإذا كان الشرط تبعاً للجزاء لا يستتبع الجزاء فانصرفت كلمة أو على الشرطين وبقي كل جزاء للشرط الذي علق به فإذا وجد ذلك الشرط بدل الجزاء المتعلق به وبطل الآخر كيلا يلزمه حكم اليمينين وقد أدخل بينهما حرف «أو» ؛ لأن «أو» وإن كانت تعم في النفي وهو الشرط يخص في الإثبات وهو الجزاء. أما في الصورة الثانية كلمة «أو» دخلت على الجزائين ودخولها على الجزائين يكون دخولاً على الوقتين؛ لأن الوقت كالصفة للجزاء؛ لأنه يوجب صفة التأخر للجزاء والصفة تابعة للموصوف، فما دخل على الأصل يكون داخلاً على البيع فصار الطلاق مضافاً إلى أحد الوقتين، والعتاق كذلك، وصار تقرير المسألة كأنه قال: امرأته طالق أو عبده حر غداً أو بعد غدٍ، فصار ملتزماً أحد الجزائين في أحد الوقتين، والملتزم في آخر الوقتين ملتزم في أحدهما، فيصير عبداً حراً لوقته كأنه قال: عبده حر وامرأته طالق، ولو قال هكذا كان له أن يختار أيهما شاء ويبطل الآخر كذا ههنا.
إذا قال الرجل: امرأته طالق، إن لم يكن دخل فلان هذه الدار أمس، ثم قال: عبده حر إن كان فلان دخل هذه الدار أمس، حلف باليمينين على رجل واحد وعلى دار واحدة ولا يدري أدخل فلان هذه الدار أو لم يدخل؟ ذكر في «الجامع» : أنه تطلق امرأته ويعتق عبده.

قال ثمة: ومن العلماء من قال: لا يعتق عبده ولا تطلق امرأته، وعن أبي يوسف رحمه الله في «النوادر» : أنه تطلق امرأته ولا يعتق عبده، والوجه «لظاهر الرواية» باليمين بالطلاق أقر أن فلاناً دخل الدار وباليمين بالعتق أقر أن فلان لم يدخل الدار فقد وجد الدار شرط الحنث في اليمين بإقراره فيحنث فيهما، ألا ترى أنه لو أقر بعد اليمين فقال: فلان دخل الدار، ثم قال: لا بل لم يدخل يحنث فيهما جميعاً، وطريقه ما قلنا.
وفي «القدوري» : أن أبا يوسف رحمه الله كان يقول أولاً بالحنث في اليمين، كما ذكر في «الجامع» ثم رجع عن هذا، وقال: إذا قال بعد الأول: أو همت أو غلطت حنث في يمينه الأولى ولم تلزمه الثانية.
وفي «نوادر ابن سماعة» : عن محمد رحمه الله: إذا قال لامرأته: أنت طالق إن دخلت الدار ثنتين قال: هي طالق بدخول ثنتين، وكذلك إذا قال: أنت طالق إن دخلت الدار وكذلك إذا قال: أنت طالق إن دخلت الدار بائن، كانت طالقاً بدخول الدار واحدة بائنة، ولو قال: أنت طالق واحدة إن دخلت الدار ثنتين، كانت طالقاً الساعة ثنتين، وإن دخلت الدار طلقت واحدة أخرى. قال: ألا ترى أنه لو قال لها: أنت طالق واحدة إن دخلت الدار طالق كانت طالقاً الساعة واحدة بقوله: طالق، وكانت الأول على دخول الدار؟.

(3/485)


بشر عن أبي يوسف رحمه الله: فيمن قال: امرأة من نسائي تدخل الدار فهي طالق وفلانة، فسمى بعض نسائه، وقع الطلاق على المسمى قبل الدخول فإن دخلت الدار لزمها أخرى، يريد به إذا كانت في العدة فيقع عليها تطليقتان إحداهما بحكم اليمين المعتدة بقوله: كل امرأة من نسائي، والأخرى بغير يمين، وقد مرت هذه المسألة من قبل، وكذلك إذا قال: كلما دخلت امرأة من نسائي الدار فهي طالق وأنت، قال ذلك لامرأة أخرى أو قال: من دخلت من نسائي الدار فهي طالق وأنت، قال ذلك لامرأة أخرى، لزمها الطلاق ساعة سكت، فإن دخلت لزمها أخرى أيضاً ما دامت هي في العدة، وكذلك لو قال لامرأته: أنت ومن دخل الدار من نسائي طالق تطلق في الحال، فإن دخلت الدار فهي في العدة لزمها أخرى، ولو قال لها: أنت وفلانة طالق إن دخلت الدار، لم تطلق واحدة منهما حتى تدخل فلانة الدار، وكذلك إذا قال لها: أنت وفلانة طالق إن دخلت فلانة الدار، لم تطلق واحدة منهما حتى تدخل فلانة الدار.
سئل نجم الدين رحمه الله عمن له: امرأة حلال وامرأة حرمت عليه بثلاث، فدخل الرجل على امرأته الحلال فقالت له: دوبجانه در طلاق دو وقال الزوج: إن كسيست كه إن زن راسه طلاق بيكويد هل تطلق هذه ثلاثاً؟ قال: نعم.
وسئل هو أيضاً: عمن قال: كأين خانه اندر جيزى اندرارم أرباب كدخدامي فامرأته طالق. بشر أين مردنجانه بدر آمد ربيما رشد بدر كينرك أورد ... بحب باحمله فورد ند. قال: لو جاء للمريض وحده لا تطلق امرأته، ولو كان بخلافه تطلق.
وسئل هو أيضاً: عمن قالت له (294ب1) امرأته «تواز من بيك سو ومن أزتو بيك سو» فقال الزوج: «تيمجنان كير» هل تطلق بهذا؟ قال: لا؛ لأنه لو قال الزوج لها: توازمن بيكسو ومن ازتو بيكو لا تطلق؛ لأن هذا ليس بصريح ولا كناية.
وسئل هو أيضاً: عمن قالت له امرأته: طلقني، فقال لها: ترانة طلاق ما ندست ونه نكاح برخين. قال: هذا إقرار أنه قد طلقها ثلاثاً.

سئل هو أيضاً: عمن حلف بطلاق امرأته أن لا يشرب الخمر، أو كانت امرأته شدّدت عليه في هذا التحليف، فقال لها: اكنون جون هنتاد طلاق شدى ديكرجه خوامي، قال: هذا إقرار بالطلقات الثلاث.
وسئل هو أيضاً: عمن قال: بينه هزار طلاق مرد كنت طلاق دادمت طلاق دادمت امرأته تتمة رنان خويشين ازمردان خريديذ من خويشين ازتومي هرم في فروشي زن كنت اكر طلاق درشكم من است دادمت وميكو يدا فسوس وي خواستم ورد سخن وي قال سه طلاق افته لأن صيغته صيغة التطليق وينبغي أن يقال: إن غيرّ النغمة بحيث يعلم أنه أراد به فسوس زن ورد كردن سخف وي لا تطلق. وقد مرّ شيء من هذا فيما تقدم.
وسئل هو أيضاً عمن قال لامرأته: اكراربي سبس شرع داري ترا طلاق من غاية ايكسي ديكردادان زن با ان كش بدارد، قال: إن كانت يمينه للثوب منها في البيت، فإذا أمسكه غيرها في بيته لا تطلق، وإن كانت يمينه لا تبعاً لها بإمساكها وتدبير بعضها وعلقها

(3/486)


تطلق؛ لأن ذلك قابل بإمساك غيرها بأمرها.
وسئل هو أيضاً عمن قال: اكر من خرم يا بدست كيرم زن ازوى شه طلاق، فيتناول إناءً من الخمر هل تطلق امرأته؟ قال: نعم. قال: وكذا يكون تناول الخمر باليد فإن عَنَى أن لا يتناول باليد بانفرادها وإنما يتناول في الإناء، فقيل له: إن أَخَذَ الإناء لا للفسق لكن للنقل إلى مكان التخليل هل تطلق امرأته؟ قال: نعم إذا لم يخطر بباله عند اليمين الأخذ للشرب.
وسئل هو أيضاً عمن قال: اخر ثمة زن تراجه نام است، فقال: عائشة وكان اسم امرأته فاطمة فقال: ون الدين أن زن كه ترا نجانه است عائشة نام ازتو بطلاق اكر فرداينا هي ومراينيني، قال نعم فردا بيايم هل تطلق امرأته؟ قال لا. وهذا ظاهر.

وسئل أيضاً عمن قال لامرأته: اكراز كار كرد تو ومردامكي نجورم توازمن بطلاق فعملت أو رجعت ووهبت لأخرى أن الموهوب له تقديمه إلى الحالف. قال: طلقت امرأته لأنه أكل من أجر كسبها وإرضاعها، لأنه بالهبة لا يخرج عينه من عملها وأجر إرضاعها. وقال: وهذا بخلاف ما لو قال: إن أكلت من مالك وباقي المسألة بحالها حيث لا تطلق؛ لأنه خرج عن ملكها بالهبة والتسليم، فلا يكون مالها. أما هذا بخلافه.
وفي «القدوري» : إذا حلف لا يأكل من كسب فلان فانتقل كسبه إلى غيره بشراء أو وصية فأكل الحالف لا يحنث؛ لأنه صار كسباً للثاني، فالمشتري والموصى له لا يملك حكم ملك الأول، فعلى قياس ما ذكر «القدوري» رحمه الله: ينبغي أن لا تطلق فيما إذا قال لها: اكراز كار كردن تو خورم لان الكسب عربيه كاركردن. المعنى فيه: أنه إذا اختلف سبب الملك، واختلاف سبب الملك ينزل منزلة اختلاف سبب العتق.
وفي «فتاوى الفضلي» رحمه الله: إذا قال لامرأته: ترا طلاق اكريشمان نشوم، قال: لا يقع الطلاق، سواءٌ ندم في الحال أو لم يندم. أما إذا ندم فلا شك، وأما إذا لم يندم فلأنه عسى يندم في الثاني.
إذا قال لها: إن لم أجامعك مع هذه الجبة التي عليك فأنت طالق، فنزعتها فأبت أن تلبسها، فالحيلة في ذلك: أن يلبس الزوج الجبة ويجامعها فلا تطلق؛ لأنه جامعها مع هذه الجبة. إذا قال لها: إن دخلت بيتاً فيه عَبْدَ الله فامرأتي طالق، ثم أراد أن يجتمع مع عبد الله في بيت؛ فالحيلة أن يدخل هو أولاً ثم عبد الله فلا تطلق.
فإذا قال لها: إن دخلت عليّ، أو قال: إن دخلت عليه فأنت طالق؛ فالحيلة أن يدخل معها فلا تطلق؛ لأنه لم يدخل عليها، ولم تدخل هي عليه.

رجل اشترى مَنَّاً من لحم فقالت له امرأته: هذا أقل مِنْ مَنَ وقد خانوك وحلفت على ذلك بالعتاق، وقال الرجل: إن لم يكن مَنَّاً فأنت طالق ثلاثاً؛ فالحيلة في ذلك: أن تطبخ المرأة اللحم قبل أن يوزن فلا يقع الطلاق ولا العتاق بالشك.

مؤذن أذن في يوم غيم، فقال رجل: هو للظهر، وقال الآخر: هو للعصر، وحلف كل واحد منهما بطلاق امرأته على ما يقول، فسألوا المؤذن، فحلف أن لا يخبرهم

(3/487)


بذلك، ولم يعرفوا، فإنه لا يقع الطلاق على امرأة واحد بالشك.
رجل قال لامرأته: أنت طالق إن قرأت القرآن اليوم، فحضرت الصلاة؛ فالحيلة في ذلك أن تأتم بزوجها أو بامرأة أخرى.
رجل قال لامرأته: إن كلمتك ما دمت في هذه الدار فأنت طالق، فخرجت المرأة عن الدار، ثم عادت وكلمها لا تطلق. ولو قال لها: إن كلمتك ما كنت في هذه الدار، وباقي المسألة بحالها طلقت.
قال الإمام إسماعيل الزاهد رحمه الله: في العرف أنه يكون كونٌ بعد كون، ولا يكون ديمومة بعد ديمومة. وتفسير قوله: ما دمت باتويدين ان اندرى، وتفسير قوله: ما كنت بابوايدي سراى اندراباشِ. قال الفقه أبو حامد رحمه الله: ما كنت أعرف الفرق إلا ببيان الإمام إسماعيل رحمه الله، وستأتي مسألة ما دام في كتاب الأيمان مع تفاصيلها إن شاء الله.
إذا قال لها: إن أكلت من هذا الخبر. فأنت طالق فطلقت الحيلة في ذلك حتى تأكل ولا تطلق فالحيلة ما روي عن أبي حنيفة رحمه الله: أنه ينبغي لها أن تدق ذلك الخبز وتلينها في عصيدة ويطبخ حتى يصير الخبر هالكاً فتأكل العصيدة ولا تطلق.
قيل لرجل امرأتك طالق؟ فأشار برأسه: أي نعم، فإن كان له تطلق وعبارة لا تطلق بالإشارة، وإن لم يكن طلقت. رجل قال لامرأته إن.... شيء كلمة الله تعالى فأنت طالق ثلاثاً، قيل: ينبغي أن..... بالنار، فإن الله تعالى كلم النار. قال الله جلت قدرته: {قلنا يا نار كوني برداً وسلاماً} (الأنبياء: 69) .

رجل له أربع نسوة طلق واحدة منهنّ ثم قال لواحدة أخرى من الثلاث الباقيات: ثم أشركتك في طلاق هذه، ثم قال للرابعة: أشركتك في طلاقهن طلقت الأولى والثانية كل واحدة منهما تطليقة، وطلقت الثالثة ثنتين، وطلقت الرابعة ثلاثاً.

امرأة ارتدت وبانت من زوجها، فقال الزوج لامرأته الأخرى أشركتك في بينونة هذه (295أ1) فهي بائن أيضاً.
قال رجل لامرأته: إن قربتك فأنت طالق ثنتين، فتركها أربعة أشهر ثم قال: قربتها، قال: هي ثلاث تطليقات عند محمد رحمه الله. امرأة قالت لزوجها: طلقتني ثلاثاً فقال الزوج: أنت طالق، طلقت واحدة إلا أن ينوي الثلاث. ولو قال: طلقتك أو قال: فعلت، فهي طالق ثلاثاً.
امرأة قالت لزوجها: أنا طالق؟ قال: نعم، فهي طالق. ولو قالت: طلقتني فقال: نعم قال: لا تطلق، وإن نوى الطلاق.
رجل قال لامرأته: أمرك بيدك، فقالت: اختلعت منك، أو قال لها: اختاري فقالت: اختلعت منك، فهي طالق. قال لها: أمرك بيدك فقالت: قبلتُ نفسي طالق. (رجل)

(3/488)


خلع امرأته بجميع ما تملك ورضيت به جاز الخلع، وله المهر الذي تزوجها، فإن كان دفع إليها المهر أخذه منها، وإن لم يدفعه برىء منه، ورجع عليها غيلة دخل بها أو (لم) يدخل بها حَلّ.
قال لامرأته: أنت طالق إن جاء فلان أو قال: إذا جاء فلان وإذا جاء فلان، أو قال: متى جاء فلان، ومتى جاء فلان طلقت عند وجود أحد الفعلين. ولو قدّم الفعلين بأن قال: إن جاء فلان فأنت طالق لا يقع الطلاق إلا بوجود الفعلين؛ لأن في المسألة الأولى الكلام تام بذكر أحد الفعلين، وفي الفصل الثاني الكلام لا يتم إلا بذكر الفعلين. ولو جعل الجزاء بين الفعلين بأن قال: إن جاء فلان فأنت طالق، وإن جاء فلان فإنهما جاءا أول مرة طلقت واحدة، وإذا جاء الآخر لا تطلق إلا أن ينوي تطليقتين، فيكون على ما نوى.
رجل قال لامرأته: أمرك بيدك تطلقي نفسك غداً فلها أن تطلق نفسها للحال. وقوله: فطلقي نفسك غداً مشورة.

سئل الفقيه أبو جعفر رحمه الله عمن ادعى دابّةً في يدي رجل أنها له، والذي في يديه ينكر دعوى المدعي، فحلف المدعي بطلاق امرأته ثلاثاً أن الدابة لي، ولم يكن له نيّة، والمدعي يقول: اعلم يقيناً أن الدابة لي، هل ينبغي لامرأته أن تقيم معه قال: نعم والأحوط أن يحلفه، فإن حلف أقامت معه، وإن نكل رافعته إلى الحاكم، فإن أبى أن يحلف فرق بينهما.
سئل أبو نصر بن سلام رحمه الله عن رجل قال لامرأته: إن وجهت من هذه الدار إلى تلك الدار شيئاً فأنت طالق، ثم إن هذا الرجل أمر جاريته أن تعطى كلما طلبوا شيئاً من تلك الدار. فجاء إنسان من تلك الدار يطلب شيئاً، فأعطت الأمة ما طلب منها، فلم يرضَ الطالب بذلك الشيء، فقالت امرأة الرجل للجارية: اذهبي فاحملي من الشيء الآخر، فرجعت فجاءت بالأجود وذهبت بذلك إلى تلك الدار. قال: إن قامت دلالة ظاهرة على أنها أطاعت في ذلك مولاتها حقّ عليه الحنث. فإن قامت دلالة على أنها لم تعتمد على قول مولاتها وإنما اعتمدت على قول مولاها رجوت أن لا يكون حانثاً، وإن فقدت الدلالة سألنا الجارية، فأيّ شيء عبرت عن نفسها من طاعتها ومعصيتها رجوت أن يشيع الاعتماد على ما عبرت.
وسئل هو أيضاً: عن رجل قال لامرأته: إن رفعت من حنطتي أو من شعيري وبعثت إلى القاضي فأنت طالق ثلاثاً، وكان لهذا الرجل.... المنزل يردون، وكان بين يديه شعير فَضْلٍ من آكله مقدار كف على وجه الحثالة في فنجان، فعمدت المرأة ورفعت الفنجان مع بقيّة الشعير وقالت: إن الفنجان من شعير آخر هو يصير للزوج، وبعثت بالفنجان إلى القاضي، قال: ينظر إلى باقي الشعير وإلى حال الرجل، فإن كان لا يبالي

(3/489)


بتلك المقدار ولا بعدد من شعير نفسه أرجو أن لا يحنث، وإن كان يبالي بذلك القدر وشحّ بقلبه وغصّ به حقّ عليه الحنث.

وسئل الشيخ الإمام أبو الحسن المعروف بشيخ الإسلام عن رجل قال لامرأته: إن رفعت من مالي إلى فلان شيئاً فأنت طالق ثلاثاً، فدفعت شيئاً من الملح والحطب أو نحو ذلك هل تطلق امرأته؟ قال إن كان الحالف شاحٌّ في ذلك وتضايق طلقت ثلاثاً، وما لا فلا.
ووقعت عين هذه المسألة في زمن محمد رحمه الله، وكانت المرأة دفعت أجرة إلى المحلوف عليه، فسئل محمد رحمه الله، عنها، فقال للسائل: سل أبا يوسف، فسأله فقال: إن كان يجري بينهما المشاحة والمضايقة في ذلك طلقت ثلاثاً، فأخبر السائل محمداً بذلك، ومن يحسن مثل هذا الجواب إلا أبا يوسف رحمه الله.
وروي عن محمد بن الحسن رحمه الله عن رجل حلف أن لا يتزوج امرأةً كان لها زوج، ثم إنه طلق امرأته وتزوجها لا يلزمها الطلاق؛ لأن يمينه على غيرها.
عن الحسن بن زياد رحمه الله: امرأة قالت لزوجها: تركت مهري عليك على أن تجعل أمري بيدي، ففعل ذلك، فلم تُطلّق المرأة نفسها، قال: المهر قائم ما لم تُطلق نفسها.
سئل أبو نصر عمن تشاجر مع امرأته من قِبَلِ أُختٍ له فقال لها: إن تكلمت بين يدي من كلام أختي وسببتها بين يدي فأنت طالق ثلاثاً، ثم إن الزوج دخل بيته، وهي تشاجر أخته وسبّتها، وهو يسمع ذلك، قال: إن كانت سبتها، وهو يراها، وهي تراه، فقد سبتها بين يدي الأخ فتطلق ثلاثاً.
وسئل أبو القاسم عمن قال لامرأته بالفارسية: اكر ابن بامه ترين من اندا فأنت طالق، وكان ذلك قميصاً فحمل على عاتقِهِ قال: إنها تقع يمينه على ما يلبس الناس.
وسئل أبو القاسم رحمه الله عن رجل قال لامرأته: إن شربتُ شيئاً من المسكر إلى سنة فأنت طالق، فرآه الناس سكران خارج من مجلس الشراب وجحد هو أن يكون شرب، فشهدوا عند الحاكم قال ينبغي للحاكم أن يحتاط لنفسه ولا يقبل بشهادة من لا يعاين الشرب، وينبغي للمرأة أن تحتاط لنفسها في مفارقته بالعدة.

وفي أحد حدود «المنتقى» عن محمد رحمه الله: إذا قال الرجل: امرأته طالق إن شرب نبيذاً، أو قال: خمراً حتى سَكِرَ، فشهد شاهدان أنهما وجداه سكران، ووُجِدَ منه رائحة الخمر وجاءوا به إلى الحاكم على تلك (الحالة) قال الحاكم: (295أ1) نحدُّه ونفرق بينه وبين امرأته، ولا يحمل هذا على أنه.... وإنما هذا على أن يشربه، قال ثمة: ألا ترى أنه إذا وجد الرجل سكراناً، أو وُجد منه ريح الخمر أو الشراب أنه يُحدّ. ولا يوضع هذا على أن أكرهه عليه ذلك الحاكم أبو الفضل رحمه الله: يحتمل أن هذا قول محمد رحمه الله. قد ذكر في «الأصل» أنه لا يحدُّ بالريح ولا بالسكر.

(3/490)


وفي هذا الموضع أيضاً قال محمد رحمه الله: إذا قال: امرأتي طالق إن شربت نبيذاً حتى سكرت، فشهِدَ عليه شاهدان أنه سكر وقالا: لم نجد منه الشرب ولا ندري من أي شيء سكر، فأمضى القاضي الحكم عليه بالطلاق، ثم رُفع إليَّ لم أنقض قضاءَه.
سئل محمد بن سلمة رحمه الله عن رجل حلف بطلاق امرأته إن غسلت ثيابه، فغسلت لُفافته قال لا تطلق إلا أن ينوي ذلك. ولو أوصى لرجل بثيابه دخلت اللفافة في الوصية. وسئل أبو القاسم رحمه الله عمن قال: لامرأته: إن غسلت ثيابي فأنت طالق، فغسلت كُمَّهُ أو ذَيْلَه، قال: إن كانت تغسل ذلك القدر لا تُسمى غاسلة الثياب في إرسال الكلام لا يلزمه الحنث.
قال الفقيه أبو الليث رحمه الله: وروي عن محمد بن سلمة رحمه الله: لا يقع الطلاق بغسل هذا القدر، ولم يشترط هذا الشرط، وبه نأخذ.
حلف بالطلاق أن لا يأكل من مال (أخيه) شيئاً، فجعل خميرة الخبز في دقيق الحالف وَخَبَزهُ وأكل قال الحسن بن زياد رحمه الله: لا يلزمه الطلاق؛ لأن الخمير قد ذهب.

سئل نصر عمن قال لامرأته: إن فارقتك فكلّ امرأةٍ أضع رأسي مع رأسها فأنت طالق، أو قال: كل جارية أضع رأسي مع رأسها، أو قال: كل جارية أطؤها فهي حرة. ففارقها ثم تزوج امرأةً، ووضع رأسه مع رأسها، أو اشترى جارية ووطئها لا يلزمه الحنث؛ لأنه حَلَفَ في ما لا يملكه وما أضاف الحلف إلى الملك، حتى لو كان في نكاحه امرأة أخرى وقت الحلف، أو كانت في ملكه جارية وقت الحلف ووطىء تلك الجارية، أو وضع رأسه مع رأس تلك الجارية يلزمه الحنث.
وسئل نصر عمن قال لامرأته: إن لم تقومي الساعة وتجيئي إلى دار والديّ فأنت طالق، فلبست الثياب وخرجت من الدار ثم رجعت وجلست، ثم ذهبت إلى دار والديه قال: لا تطلق ما دامت في نهي الذهاب ورجوعها وجلوسها ما دامت في نهي الذهاب لا يكون تركاً للفوت.
وكذلك أَخْذُهَا الثوب، فقالت مثل لبس الثياب، ثم لبست الثياب لا تطلق. قال: ألا ترى أن رجلاً قال لامرأته: إن لم تجيئي هذه الساعة إلى الفراش فأنت طالق، وهما في تشاجر ذلك الأمر حتى طال غيابها أنها لا تطلق، ولا تنقطع الصور قبل الدار أنت إن خافت ذهاب وقت الصلاة فعلت، قال: الصلاة عمل آخر. فهي قطعٌ للصور.
وروى ابن زياد رحمه الله في رجل قال لامرأته: أنت طالق إن أكلت أو شربت، فإن أكلت أو شربت طلقت واحدة، ولو قال: إن أكلتِ أو شربتِ فأنت طالق لا تطلق ما لا تأكل وتشرب. وقد ذكرنا مثل هذا في قوله: إن سببت أو إن بتُّ سكران.
تشاجر مع غيره، فقال له ذلك الغير: تقول هذا من السكر فقال: أنا لست بسكران، ولا أقول هذا من السكر، وحلف على ذلك بطلاق امرأته، قال أبو القاسم رحمه الله: يمينه على ما سمعه الناس سكراناً إذاً بغير كلامه ومقالته، وهذامما سمعه الناس سكراناً، فتطلق امرأته.

(3/491)


سئل أبو القاسم رحمه الله عن رجل حلف بطلاق امرأته إن لم يجامع فلاناً ألف مرة، قال: يمينه على كثرة العدد لا على كمالٍ بالألف ولا يُقدّر فيه تقديراً، والسبعون كثير، قال الله: {إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الهم} (التوبة: 80) .
إذا قال لامرأته: أنت طالق كل سنة ثلاثاً تقع الثلاث في ساعته؛ لأن هذه الساعة من السنة. في «فتاوى أهل سمرقند» : إن قال لامرأته في يوم الخميس: أنت طالق يوم الخميس أو في يوم الخميس، فهو على اليوم الخميس القائم.
في باب الطلاق. من «الأصل» : أنت طالق اليوم، إذا جاء غد، يقع الطلاق إذاجاء الغد؛ لأن قوله أنت طالق اليوم إيقاع في اليوم، وقوله: إذا جاء غد تعليق، والإيقاع مع التعليق إذا اجتمعا كانت العبرة للتعليق.
في هذا الموضع أيضاً: اكرا مسالي زن خواهم فهي طالق ثلاثاً، فهذا يقع على.... ذي الحجة؛ لأن قوله: امسالي، إلى السنة التي هو فيها، فتصير عبارة عما بقي من السنة. في الباب الأول من طلاق «الواقعات» : إذا علّق الطلاق بفعلٍ في وسعها إقامته لا يقع الطلاق بترك الفعل إلا في آخر جزء من آخِر حياتها.
وإن جعل التعليق بفعلٍ ليس في وسعها إقامته يقع الطلاق في الحال إلا إذا وقَّت لذلك وقتاً فحينئذ لا يقع الطلاق إلا بعد مضي ذلك الوقت.
في باب الطلاق من «الأصل» : سئل الفقيه أبو بكر عن رجل طلق امرأة غيره فقال الزوج: بئس ما صنعت وقال: نِعمَ ما صنعت، قال: كان عبد الله يقول: إن قال: بئس ما صنعت وقع الطلاق، وإن قال: نعم ما صنعت لا يقع الطلاق. قال الفقيه أبو بكر: وأنا أقول على.... هذا. قال الفقيه أبو الليث رحمه الله فيه نأخذ؛ لأنه هو الظاهر.

وسئل هو أيضاً: عن رجلٍ غضب على امرأته لما أنها خرجت من دارها إلى سطحٍ جارٍ لها فقال لها: إن خرجت من الدار إلى سطح الجار فأنت طالق، فخرجت إلى سطح جارٍ آخر قال: إن علم أن مراده سطح جارٍ بعينه لا تطلق، وإن لم يعلم فيمينه على جميع الجيران، وتطلق بالخروج إلى سطح جارٍ آخر. وستأتي هذه المسألة في كتاب الأيمان بخلاف هذا.
وسئل أبو القاسم عن رجل اتُّهم بشيء فقال: فلانة طالق أكثر من وقطع الكلام لا يقع الطلاق، ويجب أن تكون المسألة على الخلاف على قياس مالو قال لامرأته: أنت طالق إن ولم يزد، وقد مرت تلك المسألة من قبل.
حلف أن لا يطلق امرأته والى منها فمضت أربعة أشهر من غير (296أ1) قربان حتى وقع عليها طلاق بالإيلاء، هل يقع عليها تطليقة أخرى باليمين؟ قال نصر: يقع، وقال غيره: لا يقع.
وفي اختلاف زفر ويعقوب رحمهما الله من جهته، وذكر ثمة في العنِّين إذا حلف:

(3/492)


لا (يطأ) امرأته، وفرق القاضي بينهما بحكم العنّة هل يلزمه الحنث؟ على قول زفر لا يلزمه. وعن أبي يوسف رحمه الله فيه روايتان. وستأتي المسألة في كتاب الأيمان إن شاء الله.
وسئل أبو بكر عمن قال لامرأة من جيرانه أن تريدي أخلصك من زوجك فقالت: نعم، فذهب الرجل وخلصها من زوجها بمهرها ونفقة عدتها، فبلغها فلم ترضَ به، قال: إن قالت المرأة: لم أُرِدْ بذلك هذا النوع في التخليص فالقول قولها.
سئل هو أيضاً عمن قال لامرأته: إن دخل فلان بغير مرادي فأنت طالق ثلاثاً، فأرادت أن يذهب فقال الزوج: توهمي ورو وبر من جه آيد. فقال: هذا وعيد وليس بإذن، فإذا ذهبت ودخلت دار فلان طلقت ثلاثاً.
وسئل هو أيضاً عن رجل قال لامرأته: بعت منك أمرك بألف درهم، قال: إن اختارت نفسها في المجلس في المجلس وقع عليها الطلاق، ولزمها المال.
وسئل هو أيضاً: عن رجل باع من امرأته بمهرها ونفقة عدتها، واشترت هي ثم قال الزوج من ساعته: هرسنة هرسنة، قال: أخاف أن يقع عليها ثلاث تطليقات. وينبغي أن ينوي الزوج إن أراد بقوله: هرسنة إيقاع الطلاق طلقت ثلاث تطليقات، وما لا فلا. وقد مرّ نظير هذا في مسائل الخلع.
وسئل هو أيضاً: عن رجل قال لامرأته: هَبيْ صداقك مني فقالت: لا أهب. قال: أنت طالق ثلاثاً إن لم تهبي وأتى على ذلك أيام، ثم إن المرأة تزعم أنها كانت وهبت منه إلا أنه لم يسمع لا يصدق، وطلقت ثلاثاً، وفيه نظر، وينبغي أن لا تطلق ما دامت حيّة.
وسئل أبو القاسم رحمه الله عن رجل قال لامرأته: جعلت إلى ثلاث تطليقات بيدك إن أبرأتيني عن المهر فطلقت نفسها في المجلس، إن طلقت بعدما أبرأته عن المهر يقع الطلاق، وما لا فلا؛ لأن التوكيل على شرط تبرئته عن المهر.
وسئل أبو بكر رحمه الله عمن قال: حلال الله عليَّ حرام إن فعلت كذا، ففعل ذلك الفعل، وليست له امرأة يومئذ، فتزوج امرأة، قال: تلزمه كفارة اليمين، ولا تطلق امرأته التي تزوجها، ولو كانت له امرأة وقت اليمين، طلقت. وكان الفقيه أبو جعفر رحمه الله يقول: إن تزوج امرأة يقع الطلاق عليها، ويجعل ذلك بمنزلة قوله: كل امرأة أتزوجها. قال الفقيه أبو الليث رحمه الله: وأنا أقول بقول أبي بكر.
قيل: جواب أبي جعفر رحمه الله لا يستقيم، وإن جعلنا قوله: حلال الله عليَّ حرام بمنزلة قوله: كل امرأة أتزوجها على ما هو موضوع المسألة في «الكتاب» ؛ فإن موضوع المسألة: أن الحالف ذكر الفعل آخراً في اليمين، وتزوج امرأة بعدما باشر ذلك الفعل، وفي هذه الصورة لا يقع الطلاق على اليمين المتزوجة بعد مباشرة الفعل، وإنما يقع على المتزوجة قبل مباشرة الفعل، وإنما يستقيم هذا الجواب فيما إذا ذكر الفعل أولاً بأن قال: إن فعلت كذا فحلال الله عليَّ حرام.

وسئل أبو بكر أيضاً عمن قال لامرأته: هرار بار هشته به يك طلاق، قال: طلقت ثلاثاً.

(3/493)


وسئل هو أيضاً عمن قال لامرأته: إن صعدت هذا السطح فأنت طالق، فارتقت.... أو ثلاثة، قال: يجب أن يكون في المسألة اختلاف بين نصر ومحمد بن سلمة رحمهما الله بناءً على أن من قال لامرأته: إن ذهبت إلى قرية كذا فأنت طالق، فخرجت إليها، قال أحدهما: يحنث بنفس الخروج، وقال الآخر: لا يحنث بنفس الخروج ما لم تنتهِ إليها فهاهنا يجب أن يكون كذلك.
قال الفقيه أبو الليث رحمه الله: وعندي أنه يقع الحنث هاهنا بالاتفاق؛ لأنه لا يقال: صعد السطح ما لم يرتفع. ويقال اذهب إلى موضع كذا وإن لم ينتهِ إليه.
وسئل هو أيضاً: عمن قال لامرأته: إن ارتقيت هذا السلم أو وضعت رجلك عليه فأنت طالق فوضعت رجلها عليها فتذكرت الحلف فرجعت، قال: أخاف أنها تطلق. قيل له: أليس هذا اللفظ صار كناية عن الصعود، كما أنّ وضْع القدم في الدار صار كناية عن الرجل؟ قال: إن استقضى في هذا اليمين حنث. قال: إن ارتقيت أو وضعت رجلك عليه والصعود يستفاد بقوله: إن ارتقيت عليها أنه أراد بوضع الرجل نفس الوضع، فهو بمنزلة ما لو قال لامرأته: إن خرجت من هذه الدار ووضعت رجلك في السكة فأنت طالق، وهناك إذا وضعت رجلها في السكة تطلق، وإن لم تخرج والمعنى: ما ذكرنا كذا هاهنا.
وسئل هو أيضاً: عمن قال لامرأته: كابتن وهرينة عدة توتبو فروخم شيه طلاق تو فقالت: اشتريت لا يقع وهي امرأته؛ لأنه باع مالها منها، فهو بمنزلة ما لو قال لها: بعت منك عبدك هذا بكذا، وذلك لا يصح كذا هذا.
وسئل هو أيضاً: عن رجل حلّفه السلطان بطلاق امرأته أن يضع مئتي درهم على كف خليفته فلان، فجاء الرجل بالدراهم ليضع على كفّ الخليفة فأمره الخليفة أن يدفع الدراهم إلى خادم له، ولم يضعها على كف الخليفة قال: أرجو أن لا تطلق امرأته.
سئل أبو القاسم عمن قال لامرأته: اكم ما در توا زجر من نجورد فأنت طالق ثلاثاً، فحملت المرأة من دقيق زوجها ودفعت إلى أخيها، فدفع الأخ إلى امرأته، فخبزت، ثم وضع الأخ الخبز بين يدي أمه فأكلت، قال: إن دفعت الأخت الدقيق إلى الأخ على وجه الهبة لم تطلق، قال الفقيه أبو الليث رحمه الله: وعندي أنها لا تطلق على كل حال؛ لأن الأخ لما خبز الدقيق صار الدقيق ملكاً، له وهو ضامنٌ للدقيق.
وسئل أبو نصر رحمه الله عمن قال لامرأته: إن فعلت كذا فأنت طالق واحدة، فقالت: لا أرضى بالواحدة فقال الزوج: أنت طالق ثلاثاً إن لم ترض بالواحدة. قال: هذا الكلام يراد به الشرط ولا يراد به الإيقاع، فلا يقع في الحال شيء.
سئل علي بن أحمد رحمه الله عن رجل تشاجر مع امرأته فقالت المرأة: وهبت حقي جنك ازمن بدار، فقال: جنك بازد اشتم، قال ذلك ثلاثاً. قال: خفت (296ب1) أن يقع عليهما ثلاث تطليقات. قال الفقيه أبو الليث رحمه الله: وعندي أنه يقع عليها واحدة؛ لأن

(3/494)


قوله: جنك بازد اشتم فارسية، وقوله: خليت سبيلك وذلك ثاني، والثاني لا يلحق.
إذا قال لامرأته: إن لم تصومي غداً فأنت طالق، فأصبحت من الغد صائمة، فلما مضى ساعة حاضت، ومضى اليوم طلقت، هكذا ذكر في «الفتاوى» . قال الإمام نجم الدين النسفي رحمه الله: هذا الجواب يستقيم على قول أبي يوسف، غير مستقيم على قول محمد رحمه الله بناءً على ما إذا عقد يمينه على شرب الماء الذي في الكوز اليوم، وفيه ماء، فانصبّ قبل مضي اليوم. والصحيح أنها تطلق عند الكل، وإليه أشار محمد رحمه الله في «أيمان الجامع» كتبته في «واقعات» بخارى بعد الرجوع من سمرقند.

سئل الفقيه أبو جعفر رحمه الله عمن قال: اكر مرا مركز جزار فلان زن باشد وشما ازمن مهر از طلاق، ثم أراد أن يتزوج امرأة غيرها قال: ينبغي أن يبدأ ويتزوج امرأة سوى التي يريد نكاحها بمهر قليل، فتطلق ثلاثاً، ويلزمه نصف مهرها، ثم تزوج بالتي يريد نكاحاً بما أحب فلا تطلق إن لم يكن للحالف نية كل امرأة يتزوجها. وهذه المسألة تشير إلى أن اليمين بهذا اللفظ ينعقد على امرأة واحدة.
سئل أبو نصر عن رجلٍ أتهم امرأته برفع شيء من الدراهم فأنكرت، فقال الزوج: تواز من بسيه طلاق هشته اكر تيو داشيه، ثم ظهر أنها لم ترفعه قال: طلقت ثلاثاً، وهذا ظاهر؛ لأن الزوج علق طلاقها به.......، وكذلك لو قال: تواز من به طلاق هشته كه برداسته وظهر أنها لم ترفع طلقت ثلاثاً لأن الزوج أخبر عن دفعها وأكدّ ذلك باليمين، فكان شرط وقوع الطلاق عليها عدم الدفع وهو نظير ما روي عن أبي يوسف رحمه الله في «النوادر» : إذا قال لامرأته: أنت طالق إن دخلتُ الدار ولم يكن دخل طلقت؛ لأنه أخبر عن الدخول وأكَّدَهُ باليمين، فكان شرط الحنث عدم الدخول.
سئل نصر عمن قال لامرأته: طلاق ترادام خريدي، فقالت: خريدم وخويشين راشين بارهشتم اززني، فقال لها الزوج: رستي، قال: إن أراد بقوله: رستي الإجازة وقع الثلاث، وإن لم يرد به الإجازة لا يقع إلا واحدة رجعية.
سئل أبو القاسم عن سكران ذهب إلى دار.... فقال: إني حلفت بطلاق امرأتي أن ألتقي بها الليلة فأبوا ذلك عليه، فلما صح قال: إني أردت بذلك تخويفهم ولم أكن حلفت بالطلاق، قال: طلقت امرأته.
وسئل هو أيضاً عمن قال لامرأته: إن تكوني امرأتي عند غدٍ فأنت طالق ثلاثاً، قال: طلقها واحدة بائنة في يومه ذلك أو في الغد ثم مضى الغد سقطت اليمين وله أن يتزوجها بعد ذلك في العدة وبعد مضي العدة. ولا تطلق.

سئل أبو نصر عمن قال لامرأته: اكر تو باكسي حرام اكشي فأنت طالق ثلاثاً، ثم إن الزوج طلقها واحدة بائنة وجامعها في عدتها هل تطلق ثلاثاً؟ قال: لا وبيمينه على غيره. قال الفقيه أبو الليث رحمه الله: وعندي أن المسألة يجب أن تكون على الخلاف

(3/495)


على قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تطلق، وتقع يمينه عليه وعلى غيره. وعلى قول أبي يوسف رحمه الله لا تطلق.
أصل المسألة: إذا قالت لزوجها: إنك تزوجت عليّ امرأة فقال الزوج: كل امرأة لي فهي طالق.
وسئل أبو نصر رحمه الله عن رجل قال لامرأته: إن أعطيتك دراهم تشتري بها شيئاً فأنت طالق، فدفع إليها دراهم، وأمرها أن تعطي فلانة تشتري بها شيئاً، ثم تذكر يمينه واستردّ الدراهم منها هل تطلق امرأته؟ قال: إن كانت امرأته هي التي تشتري الأشياء بنفسها لا تطلق، وإن كانت لا تتولى شراءها بنفسها أخاف أن يقع الطلاق عليها.
قال صاحب «مجموع النوازل» سألت نجم الدين رحمه الله عن معنى هذا الجواب فقال: لأنها إذا كانت تشتري بنفسها وقعت يمينه على حقيقة فعلها فما لم تشترِ لا يحنث، وهذا الجواب مستقيم فيما إذا دفع إليها الدراهم ولم يأمرها أن تدفع إلى فلانة تشتربها، فأما إذا أمرها أن تدفع إلى فلانة تشتري بها فلانة ينبغي أن لا تطلق امرأته على كل حال.
إذا قال الرجل: إن فعلت كذا فكل امرأة لي طالق، وليس له امرأة، وكان من نيّته كل امرأة يتزوجها بعد هذا هل تصح نيته؟ كان شمس الإسلام الأوزجندي رحمه الله يقول: تصح نيته. ويصير تقدير المسألة: كل امرأة تكون لي، فهذا من باب نيته الإضمان وأنها صحيحة، وكان نجم الدين النسفي رحمه الله يُفتي بأنه لا تصح نيته.

ولو قال: إن فعلت كذا هرج بدست راست كيرم برمن حرام، وليست له امرأة وقت الحلف، ولم ينوِ امرأة يتزوجها كان شمس الإسلام الأوزجندي رحمه الله يقول: يكون يميناً وعليه الكفارة، وبه كان يفتي شيخ الإسلام أبو الحسن رحمه الله، وقد مرّ نظير هذا في قوله: حلال الله عليَّ حرام. وكان نجم الدين النسفي رحمه الله يفتي بأنه لا شيء عليه. ولو نوى امرأة يتزوجها تصح نيته بلا خلاف.
قال نجم الدين: وإنما صحت نيّة كل امرأة يتزوجها في هذه الصورة لأن قوله: هرج بدست راست كيرم صيغته صيغة استقبال فتصح نيّة الاستقبال لاحتمال اللفظ، بخلاف قوله: كل امرأة لي؛ لأنه للحال، فلا يحتمل الاستقبال، فلا تصح نية الاستقبال فيه، وقد مرّ جنس هذا في مسائل الكنايات.
سئل نجم الدين رحمه الله عمن قال: امرأته تجدد النكاح بيننا احتياطاً فقالت: بيّن وجه الحرمة حتى أعرف وبارعته في ذلك وقالت: لم تكتم الحرمة، فغضب الزوج فقال: سراني اني ريكان است كه معجنين بداري هل يكون هذا إقراراً بالحرمة؟ قال: نعم؛ لأنه أشار إليها مرتين بقوله: اين ريكان وبقوله: معجنين وهو تحقيق لصفة الحرمة فيها.
ولو قال: سراي اين تكان انست كه حرام بداري لا يكون إقراراً بالحرمة. هذا إذا قال لغيره: خوامي تازنت طلاق كنم فقال: دادمش شيه طلاق. وفي هذه المسألة تقع تطليقة واحدة، والثانية يقول: دادمش شيه طلاق وفي هذه المسألة (297أ1) لا تطلق أصلاً، وهو فتوى قول أبي حنيفة رحمه الله.

(3/496)


سألت المرأة زوجها أن يطلقها واحدة فقال: دا دم يكي ودوست فقالت: جه يكي وجه دو وجه شه، فلم يجبها بشيء فقد قيل: إنها تطلق ثلاثاً. وظهر بسبق سؤال العدد في الطلاق أنه أراد به عدد الطلقات.

قال الرجل لغيره: استعدت امرأة حليلةً فقال الزوج: بده ترهم تجديد سي فقال ذلك الرجل: مرابسيد درم فروختى فقال: فروحنم، فقد قيل: لا تحرم وهي على زوجها بهذه المقالات؛ لأن الأجنبي ما أخرج الكلام مخرج الاختلاع، فإنه لم يقل: سروي فروختي سد درم يجعل ذلك خلعاً، بل طلب شراءها لنفسه، وهي ليست بمحل لشرائه إياها لنفسه، فبطل ضرورة.
r
رجل له امرأتان فقال لإحداهما: سيه طلاق أن زن ديكرترا دادم. أو قال: يتوا دادام تواين نيت طلاقه وي ده ابن زن كنت من اين شيه طلاق بوي دادم لا تطلق واحدة منهما؛ لأن كلام الزوج تفويض، وكلام المرأة أيضاً تفويض، ولم يوجد التطليق من المفوض إليها، ولهذا لا تطلق واحدة منهما.
إذا طلق امرأته تطليقة، ثم قال بعد ذلك: زن برمن حرام رست، يُسألُ الزوج: عنيت بقولك: زن فرض حرام است الحرمة بتلك التطليقة أو هذا الكلام، إن قال: عنيت بتلك التطليقة، فقد جعل الطلاق الرجعي بائناً، فلا تقع تطليقة أُخرى. وإن قال هذا الكلام مثلاً، فهو طلاق آخر ثاني.
قال لامرأته: تواز من جنان دوري جون مكة از مدينة لا تطلق إلا بنية الطلاق. قال لها: سرم نمي داوي كه حرام كرد كيار منكر دي، فهذا إقرار بحرمتها.

سئل شيخ الإسلام أبو الحسن السغدي رحمه الله عمن قال لامرأته: اذهبي إلى فلان واستردي منه كذا واحمليه إليّ السّاعة، فإن لم تحمليه فأنت طالق ثلاثاً، فذهبت ولم تقدر على الاسترداد، فرجعت ثم استردته في يوم آخر فحملته فقال: قد وقع عليها ثلاث تطليقات؛ لأن قوله: فإن لم تحمليه كان مطلقاً، إلا أنه بناءً على قوله: واحمليه إليَّ الساعة فيكون على الفور، وينبغي أن لا يقع الطلاق، ويكون عجزها عن الاسترداد بمنع فلان إياها عن ذلك عذراً كما في المسألة التي تقدم ذكرها وهو ما إذا حلف بالفارسية: اكرا شيت بدين شهر اندر باشم، فكذا فتوجه للخروج فأخذ وجلس فإنه لا يلزمه الحنث، وجعل عجزه عن الخروج بمنعهم إياه عن الخروج عذراً.

سئل هو أيضاً عمن قال لامرأته: دست بازدا شتمت بيك طلاق فقالت المرأة: باكوي باكويان تشوند، فقال: دست بازدا شتمت بيك طلاق، ثم تفرَّقا، فقال رجل للزوج: دست بازداستي زن را، فقال: دست بازداشية أم بيك طلاق، أو قال: بازدا شتم فهذا إخبار عن الأول فلا يقع بهذا طلاق آخر، ولو قال: بازدا شتم بيك طلاق، فهذا طلاق آخر، فتقع الثلاث إلا إذا قال: عنيت بالثاني والثالث الإخبار، فيصدق ديانة لا قضاءً.
وهو نظير ما قال محمد رحمه الله في «الأصل» : إذا قال لها: أنت طالق أنت طالق، أو قد طلقتك، وقال: عنيت بالثاني الإخبار، فإنه يصدق ديانة لا قضاءً كذا هنا، وأشار في

(3/497)


«القدوري» إلى أنه تقع واحدة أيضاً في الفصل الثاني. وقد مرّ هذا في صدر الكتاب.
وسئل هو أيضاً عن سكران يضرب امرأته، فهربت منه فقال: إن لم تَعُدْ هي إليَّ فهي طالق ثلاثاً، وكان ذلك عند العصر، فعادت إليه عند العشاء الآخر قال: هي طالق ثلاثاً؛ لأن هذا يمين فور فقيل له: هل يصدق في أنه لم يرد الفور؟ قال: لا قيل: بماذا تُقدِّر مدة الفور؟ قال: ساعة، واستدل بما ذكر في «الجامع الصغير» .

إذا قال الرجل لامرأته حين أرادت الخروج: إن خرجت فأنت طالق، فعادت وجلست، ثم خرجت بعد ذلك ساعة لا تطلق. وسئل أيضاً عمن قال: إن فعلت كذا فامرأته طالق ففعل ذلك، وله امرأة معتدة من طلاق بائن هل تطلق؟ فقال: لا إلا إذا أشار إليها بقوله: اين زن مرارز من بطلاق، فحينئذ تطلق، هذا الجواب صحيح ظاهر؛ لأن اسم امرأته وإن كان لا يقع على معتدته عن طلاق بائن إلا أنه إذا أشار إليها يقع الطلاق عليها بحكم الإشارة لا بالاسم، وهذا لما عرف أن الإشارة مع التسمية إذا اجتمعا، والمشار إليه من جنس المسمى، فالعبرة للإشارة.

إذا قالت المرأة لزوجها: خويشين خريدم ازتو بعدت وكاتين، فقال الزوج: دست كوتاه كردم، لا يقع الخلع بنيّة الطلاق في الخلع والمبادات شرط لصحة الخلع و.... إلا أن مشايخنا لم يشترطوا نية الطلاق في الخلع، قالوا: لأن العرف جرى فيما بين الناس في الطلاق على مال بهذه الألفاظ: نويشين خريدم ازتو بكذا فيقول الزوج: فروختم خويشين تحورا من بكذا، فتقول المرأة: خريدم. وصار ذلك ظاهراً معروفاً فيما بينهم لا صريح فيما بينهم فبحكم غلبة الاستعمال وقع الاستغناء عن النيّة، وإن كان هذا من كنايات الطلاق فبقيت النية مشروطة في المبادات وسائر الكنايات على ما هو قضية «الأصل» .
إذا قال لها: اكرتو قلتباكي كه تراشيه طلاق، وكان الزوج يخادن امرأة وكانت تلك المرأة من معارف هذين الزوجين، وكانت تأتي دراهم مظهرة زيارتها وغرضها تجارة هذا الرجل فاجتمع هو الحالف وتلك المرأة يوماً في هذه الدار وتمازحا وتصافحا وتعلق كل واحدٍ منهما بالآخر وامرأة الحالف تنظر إليهما وتراهما ولا تمنعهما عن ذلك هل تطلق امرأته؟ قيل: إن كان الناس يعدون هذا نية تطلق وما لا فلا.

سئل شيخ الإسلام أبو الحسن رحمه الله عمن له امرأتان طلقت إحداهما من الزوج قبل أن يطلق صاحبتها، وضعت الأمر عليه وهو يتخلص عنها وليس من رأيه أن يفارق صاحبتها، ما الوجه في ذلك؟ قال: يتزوج امرأة أخرى باسم صاحبتها ثم يقول: طلقت امرأتي فلانة ويعني التي تزوجها؛ لأنه وجه آخر أن يكتب اسم تلك المرأة واسم أبيها على كفّه اليسرى ويشير بيده اليمن إلى المكتوب وهو يقول: طلقت فلانه (297ب1) هذه بنت فلان فيوهم الطالبة أنه يطلق التي تطلب منه طلاقها.

(3/498)


قال وسمعت نحو هذا من القاضي الإمام الحسن الماتريدي رحمه الله أنه فعل مثل ذلك في تحليف الخاقان إياه، ومشايخ عصره أنهم لا يخالفونه ولا يخرجون عليه، فكتب على كفه اليسرى اسم الخاقان وكان يقول: التحليف لا أخالف هذا الخاقان ولا أخرج عليه وكان يشير بيمينه إلى يساره.
سكران قال: إن كان لي ولد سوى عمر فامرأته طالق، وله ولد مسمى عمر، وامرأته حامل بولد آخر، قال: إن كان عنى بهذا الكلام الولد المولود لا تطلق امرأته، وإلا فطلقت؛ لأن الولد في البطن ولد في حق جميع الأحكام، وإنما يعرف كون الولد في البطن يوم الحلف إذا جاءت بالولد لأقل من ستة أشهر.
وسئل نجم الدين عمن قال لامرأته: ابن تيراهن كه ساخته اكر من ابن عبد ببوشتم تراشيه طلاق وليس بعد العيد بعشرة ايام هل تطلق امرأته؟ قال: لا لأن قوله العيد فلا يقطع فقيل: ما لي اين وقت بعد أيام العيد قال: إلى تسعة أيام، فإن ثلاثة أيام لزيادة العادة، وبعد ذلك إلى تمام الأسبوع الأقارب يجتمعون في هذه الأيام ويسمون ذلك: مبارك بالعيد، وأهل السوق لا يفتحون الأبواب للصناعة، والتجارة، وكذلك أهل المدارس لا يجتمعون هذه الأيام للتدريس، ويسمون ذلك اليوم «فارعى» .

عبد رجل اتهم بفعل قد فعله وأرادوا أن يحلفوه بثلاث تطليقات امرأته، وهو يريد أن يحلف ولا تطلق امرأته ما الحيلة في ذلك؟ فقيل: الحيلة أن يطلق امرأته تطليقة بائنة، ثم يقول: كل امرأة لي فهي طالق ثلاثاً إن فعلت كذا، ولا ينوي امرأته المطلقة فلا تطلق هي.
ووجه آخر إن كان له أم تجيء إليها تعانقها قبل أن يذهب المحلف ثم يذهب هو ويقول: منذ فارقت بطن أمي ما فعلت هذا الفعل، ولو كنت فعلت هذا الفعل فامرأته طالق ثلاثاً، وينوي بذلك المفارقة للحال دون الولادة، وإن لم يكن له أم تعانق امرأته التي له منها ولد أو لها ولد من غيره فهي أم ذلك الولد لا محالة، ثم يحلف ويقول: منذ فارقت بطن أمي ما فعلت هذا الفعل.

رجل قال: إن فعلت كذا فعليَّ صوم سنة وسه طلاق أندروي بفعل ذلك الفعل لا تطلق امرأته، إما لأن صوم السنة لا يكون فيه الطلاق، أو لأن الرجل لم يضف الطلاق إلى المرأة.
رجل قال لامرأته: إن لم تهبي صداقك مني اليوم فأنت طالق ثلاثاً، فاستأذنت أباها في ذلك فقال الأب: إن وهبت صداقك فأمك طالق ثلاثاً، فالحيلة في ذلك أن تشتري من زوجها ثوباً ملفوفاً في شيء بمهرها وبعض ذلك الشيء من الزوج، فإذا مضى اليوم فقد مضى وقت اليمين فلا مهر لها في ذمة الزوج، فتسقط اليمين، ولا يحنث الزوج بترك الهبة، ثم تكشف عن الثوب المشترى، فترده بخيار الشرط، ويعود المهر على الزوج، ولا تطلق أمها أيضاً؛ لأنها ما وهبت المهر، إنما اشترت به.
قال لامرأته: اكر ترا نجا اندرني كنم بيروت باسدى ترا طلاق ومرادس ازتو وكه

(3/499)


جهان برتوبيك وعيش برتو تلخ كنم وبحق لوجفاها اكراين جيزها بكندا طلاق بيفيد. قال لامرأته: إن لم أتزوج عليك وآتيك بها حتى تنظري إليها فأنت طالق، فأتى بها فلم تنظر إليها قال: لا تطلق؛ لأن النظر ليس بغاية. وكذلك إن قال لها: إن لم آتيك بثوب أو لبسة فأنت طالق، فأتاها غداً فلم تلبسه لم تطلق؛ لأن اللبس ليس بغاية لبسته غداً أو لم تلبسه لم تطلق.

رجل قال لامرأته: إن لم تغزلي كل جمعة قطناً بدرهم فأنت طالق فاشترى قطناً بدرهم وغزلته ثم رخص القطن حتى يوجد بدرهم أضعاف ذلك أو غدا حتى يوجد بدرهم نصف ذلك أو ثلث ذلك. قال محمد رحمه الله: هو على غزل قدر ذلك القطن. معناه: أن يمينه على غزل قدر قطن يوجد بدرهم يوم الحلف، ولا ينظر إلى الغلاء والرخص بعد ذلك، وإن أعطاها قطناً وهب له أو ورثه فهو على ما يساوي درهماً وقت اليمين قال بعد ثمة: أكرمن شانكاه سم توراست اي كنم رن طلاق لا تطلق امرأته قبل غيبوبة الشفق. قال: ألا ترى أن الرجل يقول لغيره في العادة شانكاه بنزد ما باش تابا ما سرام حورهم وربما يكون غيباً وهم عند غيبوبة الشفق هكذا ذكر في «مجمع النوازل» .
وفي «القدوري» المساء مساءان أحدهما إذا زالت الشمس والآخر إذا غربت الشمس، وإذا حلف بعد الزوال لا يفعل حتى يمسي فهذا على غيبوبة الشمس، قال لامرأته: إن تركت هذا الصبي حتى يخرج من الدار فأنت طالق، فأفلت منها وخرج، أو قامت تصلي فخرج فإنها لم تتركه ولم تطلق، قال لقوم: اكرنجانه من مهمان ترويت فامرأته طالق، فذهبوا ولم يعطهم شيئاً لا تطلق امرأته.
قال لامرأته بعد أن أصبح: إن لم أجامعك هذه الليلة فأنت طالق، فإن كان يعلم أنه أصبح فيمينه على الليلة القابلة، وإن كان لا يعلم وهو ينوي تلك الليلة لم تطلق عند أبي حنيفة رحمه الله ومحمد رحمه الله خلافاً لأبي يوسف رحمه الله، وهي مسألة الكوز.

رجل قال لامرأته: أنت طالق تطليقتين تطليقة بألف وقبلت المرأة، إن كانت المرأة غير مدخول بها تقع واحدة بغير شيء، وإن كانت مدخولاً بها يقع تطليقتان بألف درهم، ووجه ذلك: أن إحدى التطليقتين للعَجَل؛ لأنها بغير بدل لا يحتاج لوقوعها إلى القَبول، والأخرى تقف على القبول، فإذا كانت غير مدخول بها تبين بالمعجلة ولا تقع الثانية. وإذا كانت مدخولاً بها لا تبين بالمعجلة، وتجب العدّة فيصح قبول الثانية ويقع لما دفعها المعتدة.

رجل قال: كلما وطئت امرأة فهي طالق، فتزوج امرأة ووطئها لا تطلق؛ لأن اليمين في حق هذه المرأة لم تنعقد؛ لأنها ما حصلت في الملك، ولا مضافاً إلى الملك. حلف بطلاق امرأته أن لا يجامعها، فأتاها في دبرها، وهذه المسألة في «مجموع النوازل» في موضعين، وأجاب في أحد الموضعين بالحنث، وفي أحدهما بعدم الحنث، ولو كان حلف بطلاق امرأته أن لا يزني (298أ1) فأتاها في دبرها أو أتى امرأة أجنبيّة في دبرها، حكي عن الفقيه أبي القاسم رحمه الله أنه قال: يمينه على الجماع في الفرج.

(3/500)


وسئل محمد بن مقاتل عن رجل قال لامرأته: إن لم تجيئي غداً المتاع كذا فأنت طالق، فبعثت به مع إنسان غداً، ولم تجىء هي، قال: يسأل عن نيته ومراده، فإن كان مراده دخول عين المتاع إليه لا غير لا تطلق، وإن كان مراده أن تحمل هي بنفسها تطلق، وإن لم يكن له نيّة فلا جواب له عندي، وأما عند علمائنا رحمهم الله فهو على ما لفظ به.
سئل الفقيه أبو حفص رحمه الله عمن قال لجاره: إن امرأتي كانت عندك البارحة، فقال الجار: إن كانت امرأتك عندي البارحة فامرأته طالق، ثم قال بعدما سكت: ولا غيرها، ثم تبيّن أنه كانت أخرى عنده، قال اختلف نصر بن يحيى ومحمد بن سلمة رحمهما الله في كل يمين يلحقها شرط آخر بعد الفراغ من اليمين والسكون قال نصر: إن كان الشرط على الحالف يلتحق باليمين، وإن كان الشرط له لا يلتحق، وقال محمد بن سلمة: لا يلتحق باليمين في الحالين، قال ويقول محمد بن سلمة: أخذ أبو نصر بن سلام وبه نأخذ، وستأتي هذه المسألة ومع زوائد في كتاب الأيمان إن شاء الله تعالى.
وسئل أبو بكر عن جماعة كانوا على سطح، فأراد أحدهم أن يذهب فمنعوه فقال إن بتّ الليلة هاهنا فامرأته طالق، وقال: أردت به البيتوتة في موضع قدمي، فنام على غير ذلك الموضع من السطح، قال: طلقت امرأته قضاءً لا ديانة.

وسئل نصر عمن قال لامرأته: إن شكوت مني إلى أخيك فأنت طالق فجاء أخوها وعندها صبي لا يعقل فقالت المرأة: إن زوجي فعل كذا وكذا خاطب الصبي بذلك حتى يسمع أخوها قال: لا تطلق، قيل له: فإن كان قال لها: إن شكوت بين يدي أخيك قال: هذا أشد.
وسئل شيخ الإسلام أبو الحسن عمن قال: امرأته اكر حبري ازمال من برسين دهي فأنت طالق ثلاثاً، فأمرت المرأة امرأة حتى غزلتها وجعل أجرتها ثوب خَلِق كان ملكاً لها، وقبضت الثوب الخلق ثم باعت هذا الثوب من المرأة بشيء من دقيق الحالف، ورفعت الدقيق إليها ثمناً للثوب قال: تطلق امرأته ثلاثاً؛ لأن غرض الزوج أن لا تعطي شيئاً من ماله، وقد أعطت، وقد قيل: ينبغي أن تطلق؛ لأن اللفظ في باب اليمين مراعىً عند الإمكان والإمكان ثابت هاهنا.

وسئل هو أيضاً عمن لغيره: اكر من يك درم نومكان يوم رن ازمن بطلاق فدفع ذلك الغير إلى الحالف درهماً، وأمره أن يشتري به الأخباز ليتصدق بها على المساكين فاشترى هل تطلق امرأته؟ قال: نعم لأنه وجد الشرط وهو بكار بردن، واليمين مطلقة فتعمل بإطلاقها، وقيل: ينبغي أن لا تطلق؛ لأنه إنما يراد بمثل هذا في المتعارف بكار بردني بحوايح خويشين وهو الأشبه والأظهر.
وسئل هو أيضاً عن رجل يضر الناس بالجنايات والسعايات وغير ذلك من وجوه المضرات فأخذ وحلف: اكرنيس كشي داريادت ده درم دكان كنم فامرأته طالق ثلاثاً زن خويشين زازيادت ده درهان كرد لا تطلق امرأته هكذا أجاب، والصحيح أنها تطلق، وقد ذكرنا جنس هذه المسألة فيما تقدم.

(3/501)


وسئل نجم الدين عمن قال لآخر في حال سكره: حلال خداي بومن حرام اكراين اين زن براير توتك رورما ثم وحيد رور دريد تيران كداست وسواست بيرون آوردن، قال: حو دربيس سوكنديك روز فاند زن بروي حرام وفيه نظر.

وسئل هو أيضاً عمن حلف بطلاق امرأته أن يعطيها كل يوم درهماً فربما دفع إليها عند المغرب وربما دفع إليها عند العشاء قال: إذا لم يخل يوم وليلة عن دفع درهم بَرَّ؛ لأنه ذكر اليوم على سبيل العموم واسم اليوم على العموم: ستتبع ما بإزائها من المعاني فصار من حيث التقدير كأنه قال: أعطيتك كل يوم وليلة درهماً وفيه نظر.
وسئل أيضاً عمن قالت له امرأته: مرابرك باتو باشيدن نيست مر طلاق ده فقال الزوج: جون تورقتي طلاق داده شدة وقال: لم أنو الطلاق هل يصدق؟ قال: نعم، ووافقه في هذا الجواب بعض الأئمة.
وسئل أيضاً عمن قال: اكراز خدنحست بيرون زن ازمن شيه طلاق قال: هذا على أن يجاوز قراها، ولو قال: اكرار شهر نحست بيرون روم فهذا على أن يجاوز عمران المصر.
وسئل هو أيضاً عمن حلف بالفارسية وقال: اكرر من سربر بالين تونهم تواز من شية طلاق، ثم إن الحالف نام على فراش، وجاءت امرأته ووضعت رأسها على وسادته قال: إن كان الزوج عَنَى بهذه المقالة الجماع إيلاء إن قربها في الأربعة الأشهر طلقت ثلاثاً. وإن لم يقربها حتى مضت أربعة أشهر طلقت واحدة بائنة بالإيلاء، وإن لم ينوِ فاليمين على أن يضع رأسه على وسادتها سواء كان معها أو وحده، وإن وضع رأسه على وسادتها سواء كان معها أو وحده.
وسئل أيضاً عمن تزوج امرأته، وحلف قبل أن يحملها إلى بيته: اكرورا بخان ارم فهي طالق، فحملها غيره إلى بيته بغير أمره ورضاه، قال: إن عنى حقيقة الحمل بنفسه لا تطلق، وإن عنى الإمساك في بيته، فأدخلها في بيته، ولم يخرجها، ولم يمنعها لم تطلق.

وسئل أيضاً عمن قال لامرأته: اكربي دستوري تواز شهر تروم ازمن شيه طلاق، ثم أشار إليها فقالت: دستوري دادمت كه بروي دوروردا ريارن لانى، فذهبت ولم تجىء أكثر من عشرة أيام لا تطلق امرأته، وهذا ظاهر؛ لأن اليمين انعقدت على الذهاب بغير إذن، والذهاب هاهنا كان بإذن إلا أن المكث هناك أكثر من عشرة أيام لم يكن بإذن ولكن اليمين ما انعقدت عليه.
وعنه أيضاً: إذا قال لها: اذهبي إلى أبويك، فقالت: طلقني حتى اذهب فقال: تور من طلاق دما دم فرستم قال: لا تطلق بهذا القدر؛ لأن هذا وعد الفعل (298ب1) وليس بفعل.
وعنه أيضاً: إذا قالت المرأة لزوجها، أو قال رجل لرجل: حلال خداي برتوا حرام، فقال: آرى، حَرُمَتْ عليه هي بتطليقه؛ لأن ارى يتضمن إعادة كلام السائل، فكأنه قال: حلال خداي بر من حرام وقد ذكرنا جنس هذا فيما تقدم.

(3/502)


وعنه أيضاً إذا قال الرجل: اكر برينه اي مرني جانه اندر ايد مكرا من ارست كيرم واندرارم فامرأته طالق ثلاثاً دست بكى كرفت ابن مردواندر آورد بكيارار بعد اذان بار ديكرامكس بي وي اقدامد، قال: زن يروى طلاق في شود؛ لأنه عيّن شخصاً موصوفاً بصفة، فإذا صار مستثيناً مرة لم يدخل في اليمين قط، ولو كان قال: اكرونين دنن خان اندرايدم من دست كيرم واندارم ودست بكى كروفت واندرا ورديك بارواكريار ديكر همين مرددرايد بي وي زن بروى طلاق شود؛ لأن في هذه الصورة لم يستثن شخصاً، بل استثنى دخولاً موصوفاً بصفة، وهذا الدخول الثاني ليس بتلك الصفة.

وعنه أيضاً: فيمن حلف بطلاق امرأته لا يدخل بيت صهره، وصهره مستأجر بيتاً في خان، فدخل الخان ولم يدخل البيت الذي فيه صهره أو دخل بيت جار له يسكنه بإجارة لا تطلق امرأته، ولو جلس على دكان متخذ على باب بيتٍ استأجره الصهر مع البيت فإن كان الدكان تبعاً للبيت ينتفع به مستأجر البيت تطلق امرأته، هكذا حكي عنه وإنه مشكل، ألا ترى أن من حلف لا يدخل دار فلان فقام على اسكفه الباب، وإن كان هذا الباب إذا أغلق كانت الأسكفة خارج البيت لا يحنث وإن كان داخل الباب يحنث ولا شك أن تبعية الأسكبة للدار فوق تبعية الدكان المتخذ على باب الدار، ثم لا يقع الحنث بالقيام على أسكبة الباب إذا كانت الأسكفة تبقى خارج الدار إذا أغلق الباب فهاهنا أولى.
وعنه أيضاً إذا قال لغيره: اكر يكنم امروز باتوابخه بايدكرد فامرأته طالق ثلاثاً، فمضى اليوم ولم يعمل معه شيئاً لا إحساناً ولا إساءة، فإن الزوج يُسأل عن مراده ونيته، فإن كان مراده أنه لم يفعل به ما ينبغي أن يفعل مع الناس من ترك الأذى والجفاء لا تطلق امرأته؛ لأنه قد ترك الأذى والجفاء، وإن كان مراده أنه لم يُسىء إليه بضرب أو عمن جزاء على مستأجره، فإن لم يفعل ذلك تطلق امرأته، فإن لم يكن له نية لم تطلق امرأته.

وسئل هو أيضاً عمن قال لامرأته: اتيك شيه طلاق بانت كسادة كردم قال: قوله أنك شية طلاق ليس بإيقاع بنفس قوله بانت كشاده كردم، إيقاع طلاق واحد؛ لأن هذا صريح الطلاق بالفارسية بحكم العرف والعادة، فإن عَنَى وصل هذا الكلام بالكلام الأول، فهو إيقاع الثلث وإلا فهو إيقاع الواحدة.
حَلَفَ الرجل بطلاق امرأته لغيره: كه عيب توباكسي نفته ام وقد كان قال مع امرأته فلان: سيكي فروش بود وشيكي خوارة وكارهاي باوي كردو اكنون توبه كردست قال: تطلق امرأته؛ لأنه تكلم بعينه أولاً ثم توجه بالتوبة.

وسئل هو أيضاً عن رجل كان يضرب امرأته، فأراد جماعة من النساء منعه فقال: اكر ترا باردارت ازردن فري فهي طالق ثلاثاً إن منعنه ولم يمتنع هو بمنعهن قال: طلقت هي ثلاثاً وإنه صحيح لأن المنع ممن لا ولاية له على المنع يتحقق بالقدر الذي وجد منهن.
قال: صاع في دار رجل فحلفوا كل واحد ممن كان من أهل الدار بطلاق امرأته أنه لم يأخذه ولم يخرجه من الدار، فحلفوا واحداً بعد واحد، ثم ظهر أن واحداً ممن حَلَفَ قد أخرجه مع رجل آخر هل تطلق امرأة هذا الحالف؟ ينظر إن كان ذلك شيئاً لا تطلق،

(3/503)


وإن كان هو جملة واحدة طلقت امرأته، وإن كان شيئاً تطلق وإن كان هو جملة واحدة لا تطلق امرأته. وهو نظير مسألة جملة الخشبة المذكورة في «الجامع» .
وسئل هو أيضاً دهقان جرى بينه وبين أكاره كلام فحلف الأكار بهذا اللفظ اكرا متيالي اين زمين اين دهقان رابكروي دارم زن ازمن شية طلاق فباع الدهقان هذه الأرض من رجل ممن إن الأكار أخذ الأرض من المشتري بكذا لا تطلق امرأته على قياس قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله بناءً على من جمع بين النسبة والإشارة في غير مملوك للغير في اليمين يعتبر قيام النسبة وقت وجود الفعل المحلوف عليه للحنث فلم توجد النسبة هاهنا وقت وجود الفعل المحلوف عليه.6

ولو قال وقت الحلف: امتيال ابن زمين بكد نورى دارم ولم يقل: زمين اين دهقان را وباقي المسألة بحالها تطلق امرأته، ثم إ ذا أخذ مزارعة من المشتري فرفعت امرأته الأمر إلى القاضي فقالت: إن هذا الرجل حَلَفَ بطلاقي كه امساك اين رايكد تورى بي دارد وداشت ومن بطلاق شدم، وأنكر الزوج الطلاق وقال: من سوكيد حين خورده ام كه امتيال رمين ابن دهقان رابكد تورى بي دارم ويدين سوكند طلاق فرونمي ايدوزن في كويد كه تو سكوند حنين خورده كه من امساك اين زمين رابكد تورى بدارم وبدين سوكند طلاق فرودمي ايد فأقام كل واحد بينة على وفق دعواه قال: يقضي بشهادة شهود المرأة، وهذا لأن شهود الزوج، وإن أثبتوا زيادة لفظ وهو يقوله: اين دهقان إلا أنهم ينفون الحنث تبعاً، وشرطاً وشهود المرأة يثبون الحنث، والمقصود من الدعوى هو الحنث، والخلاف فيه، فكانت بينة المرأة أولى بالقبول من هذا الوجه.
وسئل هو أيضاً عن امرأة كانت بينة المرأة كان من زوجها أن يسافر فقالت لزوجها: ايدل لي عند الصكاك خطاً باليمين بطلقاتي أن لا يخرج مسافراً إلا بأذني فقال: نعم فذهبا إلى الصكاك، فقال الزوج للصكاك اكتب لها: خطاكه هركه كي مرازين شهر بسفر رودلي دستوري وي ازمن بيك طلاق، فقالت: لا أرضى بالواحدة وأريد الحلف بالطلقات الثلاث، فلم يتفقا على مرادها وخرجاً من عند الصكاك (ولم يكتبا) شيئاً هل يثبت اليمين بالواحدة، حتى لو سافر بغير إذنها يقع الطلاق عليها؟ قال: نعم؛ لأن الأمر بكتابة خط اليمين لا يكون إلا بعد ثبوت اليمين. وهو نظير قوله: أخبر امرأتي أنها طالق نبئها أنها طالق، بشرها أنها طالق، فإن هناك يقع الطلاق لا يكون إلا بعد وجود الطلاق ووقوعه.

قال محمد رحمه الله (299أ1) وهكذا فيما إذا قال للصكاك: اكتب لهذا خطاً بإقراري بمئة درهم، وكذلك إذا قال للصكاك: اكتب بهذا صكاً ببيعي دار كذا منه بألف درهم كان إقراراً منه بالبيع. قيل له: فإن قال الزوج للصكاك قال: هي يمين واحدة.

(3/504)


اكتب كتاب الطلاق على نحو ما بينا فلم يكتب الصكاك حتى قال الزوج للصكاك ثانياً: اكتب لها كتاب الطلاق هل يكون هذا يمين، أو كانت يميناً واحدة أو يجعله كلامه الثاني ناقضاً لما طلب منه بالكلام الأول لا يميناً مبتدأ.
وسئل هو أيضاً عمن له مطلقة قد انقضت عدتها فحلف وقال: اكرورا برني كنم حلال ايزد بروي حرام ثم تزوجها قال: لا تطلق هي، وإنما تطلق امرأة كانت في نكاحه وقت اليمين، وهذا صحيح.
وسئل هو أيضاً عمن أخذ حق رجل فقال: سوما بكس روم وكونم زن بطلاق وتجه آوردم هل تطلق امرأة المتكلم بهذا الكلام؟ (قال) لا وإنه ظاهر، وسئل هو أيضاً عمن دفع بكعب غيره حصة ودفعه إلى غيره فقال صاحب المكعب لدافعه كفش توبرد اشيه بازده، فقال الزوج: من نه برداشتين ام فقال صاحب المكعب: زن توازتو بطلاق كي بردا تحنة ونمي داني كه كي بردا شية است وباكيست، فقال الدافع: بمحنتين قال: تطلق امرأته؛ لأنه تعليق عندنا، وهو حانث بشرطيه، وأنه يعلم من دفعه، ويعلم أنه في الحال باكيست.
وعنه أيضاً في سكران أنشد بيتاً فقال: بيت كنته منست اكر جزا زمن كشي اين بيت كنتست وامرأته طالق لا تطلق امرأته إلا إذا علم أنه من إنشاء غيره أو يقر هو أنه من إنشاء غيره.
وعنه أيضاً: فيمن حلف فقال: حلال ايزد برمن حرام كرم بفلان خريدم درم دارني تينت شمازكر دند دودرم ودودانك امد قال: لا تطلق امرأته، ولو كان قال: مرا بفلان درهم درم دادني است شماركر دنددو درم ودودانك امد، تطلق امرأته؛ لأن في الوجه الأول نفى الزيادة على درهمين ونصف وهي كذلك. وفي الوجه الثاني أثبت درهمين ونصف، ولم يكن كذلك.

ونظير هذه المسألة مسألة ذكرها في «الجامع» تأتي في كتاب الأيمان وصورتها: إذا قال الرجل لعبده: (أنت) حر إن كنت أملك إلا خمسين درهماً فإذا هو لا يملك إلا عشرة دراهم لا يحنث في يمينه؛ لأن العشرة بعض الخمسين، والخمسون مستثنى عن اليمين، فكذا بعضها وفيما إذا قال: مرا بفلان خردوينم درم دادني نيست دوينم درم مستثنى عن اليمين فيما دونه يكون مستثنى أيضاً.
وعنه أيضاً: فيمن حلف بطلاق امرأته: كربدان زق اندرتيابدتا انكور بدر روند نقص درويدا رجهت ترورا اندرامد، قال اين درودن بوقت معهود درودن است، وهو عند الخريف النقل إلى البيوت طلاق يتقيد، فإن المتعارف فيما بين الناس من هذا الكلام ما قلنا، والأفهام تتسارع إليه.
وعنه أيضاً فيمن أراد أن يتزوج امرأة فقيل له: إن لك زوجة فلِمَ تتزوج بهذه التي تريد فتزوجها قال: هي تطلق، ولا تطلق التي في نكاحه، وهذا لما كانت ثلاثاً أن معنى قوله: هزني كه مرابود باشد هرزني كه يتزوجها.
وعنه أيضاً فيمن حلف وقال بالفارسية: تادرين رزيك عرب انكور مائدة است ارك

(3/505)


من بوي اندرانم ازمن شية طلاق انكور درويد توقت حويش ونجانه بردند لكن لا بُدّ أن يبقى على العرائش حبّات عناقيد أو حبّات واقعات على الأرض لا يمكن نقلها ثم الكرم قال: لا تطلق امرأته استحساناً.
وعنه أيضاً: فيمن لازم غريمه يطالبه بدينه فواعده غداً، فقال الطالب: إني أخاف أن تخلف الوعد، فقال الغريم: لا أفعل، فقال الطالب: احلف فقال الغريم: أكر فردانيا هم وترانه تينم فامرأتي طالق ثلاثاً فردا غريم آمد، وطالب راز دور ديد أما طلب ورانديد، قال: بَرّ في يمينه. قال رحمه الله: وهكذا أجاب السيد الإمام الأجل أشرف بن محمد رحمه الله وفيه نظر.

وعنه أيضاً: في امرأة أجرت دارها من رجل فغصب الزوج فقال: تا ان فلان درين خان است وقباله درست وي است من يدين خانه اندرينا نم واكدا ندرايم تواز من شية طلاق، ثم إن الآجرة مع المستأجر تفاسخا العقد وخرج ذلك، ودخل الحالف الدار لا تطلق امرأته؛ لأن المراد من قوله: قبالة دردست وي است قيام العقد أصالة لا قيام نفس القالة.
وعنه أيضاً: إذا قرأت فقال الزوج: كردم كردم كردم طلقت ثلاثاً، وهكذا حكى فتوى السيد الإمام الأجل أشرف رحمه الله وقيل: تطلق واحدة والأول أصح.
وعنه أيضاً: فيمن رأى امرأته تكلم أجنبيّاً فغاظه فقال ذلك: اكر كوبيش بامردبيكان سخن كوهي ازمن شيه طلاق فكلمت بعد هذا..... لزوجها ليس من محرمها، أو رجلٍ يسكن في دارها، بينهما معرفة إلا أنه لا حرمة بينهما، أو كلمت رجلاً من ذوي رحمهما أو ليس من محارمها قال: تطلق.
وعنه أيضاً: فيمن حلف بطلاق امرأته لا يأكل من خبز حيّه فسافر حينه وخلّف لأهله وأولاده النفقة، وهي حنطة ودقيق، فاتخذت امرأته الأخباز وأكل منها الحالف طلقت امرأته؛ لأن ما حلف الحين باق على ملكه، والأخباز اتخذت بإذنه، فكانت الأخباز له قيل هذا الجواب مستقيم فيما إذا قال لها: بقي الخبز قال: كلي من حنطتي ودقيقي ما يكفيك ولم يقدر لها مقداراً معيناً من ذلك، ولم يقدر لها ذلك من حنطته ودقيقه، فأما إذا قدّر لها مقداراً معلوماً وقدر لها ذلك من حنطته لا يحنث؛ لأن القدر يصير ملكاً لها بالدفع إليها.
وعنه أيضاً: رجل قال لغيره: زن تورتو مهر ارطلا است فقال ذلك الغير: أن تونيز برتو منجمنن است، فهذا منه إقرار بتطليق امرأته، وعنه إذا قال: اكرتايك سال كرباس كيرم وبافيم فامرأته معجز كرافت وبافت لا تطلق امرأته؛ لأنه اختص باسم على حدة.
وعنه أيضاً: فيمن قالت له امرأته: باتونمي باشم فقال الزوج اينك شية طلاق توداينك شيه طلاق أنه لا تطلق امرأته في هذا القدر.

وعنه أيضاً في امرأةٍ لها ابن ولها بقرلبون وكان الابن يشرب (299ب1) من لبن

(3/506)


هذه البقرة، فوقع بينهما وبين الابن.... فقال الابن للأم: اكرمن أن ستريو بحروم زن ازمن شيه طلاق، ولم يقل شيركاوتو، ثم شرب من لبن بقرتها قال: تطلق امرأته؛ لأن يمينه وقعت على لبن مملوك للأم بدلالة الحال لا على لبن يتولد منها وقد شرب لبناً مملوكاً لها.
وعنه أيضاً فيمن حلف وقال: اكر فلان راماهم ما ماي بدين درايد مهذ فامرأته طالق ثلاثاً، ثم إن الحالف رآه في الكرم ولم يره حال ما دخل فيه ولم يخرجه، وتركه فيه قال: تطلق امرأته.
ومن هذا الجنس إذا قال: زن ازمن شيه طلاق اكر فلان بدين خانة خويش اندراه دهنم، فدخل فلان عليه وهو في داره، أفتى شيخ الإسلام علي بن الإسبيجابي رحمه الله: أنه لا تطلق امرأتُه. اكرني همرا ستاني ومي درا مده باشد، أفتى نجم الدين النسفي رحمه الله: أن لا تطلق امرأته اكرهمان ساعت كه در بيرون كردش فشيخ الإسلام جعل قوله: داه دهم عبارة عن قوله: اندرايم، ونجم الدين جعل قوله: راه دهم عبارة عن تركه فيها، وما قاله نجم الدين رحمه الله الأظهر هكذا قيل.
وعنه إذا حلف الرجل وقال: اكر برا درخوش رامز ما يتم ليعمل عملاً به فامرأته طالق ثلاثاً، ثم إن الحالف دفع مكعبه إلى امرأته لتأمر أخاه أن يصلحه فأمرته، قال: إن كان الحالف أرسلها إليه بهذا الأمر طلقت امرأته.
وعنه أيضاً فيمن قال: اكرمي خورم بان مكتم حلال خداي برمن حرام ومرجد بدست راست كيرم برمن حرام في خورد، ولكن زنا بكرد، قال: تطلق تطليقتين؛ لأن الشرط أحد الشبهتين والحر أنجز يمينين فيتنزلان عند وجوده.

وعنه أيضاً: خالع امرأته، ثم خطبها فأبت إلا أن يحلف أن لا يشرب الخمر فحلف بهذه اللفظة: حلال خداي برمن حرام اكر فاشش ماه هي خورم، ثم إنه تزوجها وبيش أزشش ماه في خورد، قال: لا تطلق هذه؛ لأن اليمين في حقها ما حصلت في الملك ولا مضافاً إلى الملك قيل: أليس إنها كانت في العدة؟ قال: نعم، ولكن في عدة الخلع، والخلع طلاق بائن، واليمين حصلت بلفظة التحريم لا بلفظة صريح الطلاق، والواقع بلفظة التحريم الثاني، والثاني لا يلحق البائن، فلا يصح.
وعنه أيضاً: فيمن قال لامرأته: اكر رها كتمت بخان فلان روى توازمن بهذار طلاق ما استأذنته للذهاب إلى خانة فلان فأذن لها، فذهبت طلقت وابن رها كردن بود.
وعنه أيضاً فيمن قال لامرأته: اكر باتو حنان تكتم كرشيك ما ايتارا رد كندا شية طلاق أنه ينبغي له أن يحرق بعض ثيابها ويجرها ويلقها على الإذن ونحو ذلك، فإذا فعل ذلك لا تطلق امرأته عنه.
فيمن يسكن سكة كوزني، وهذه السكة في سكة عمور، حلف بطلاق امرأته أن لا

(3/507)


يسكن في هذه السكة، فانتقل من ساعته من سكة كوزني إلى شارع سكة عمور بأهله وثقله فقد برّ في يمينه، قيل له: أليس أن سكة كوزني من أزقة سكة عمور ومن توابعها، فقوله في هذه السكة لم لا ينصرف إلى سكة عمور بأزقتها، قال: سكة كوزني ليست من الزقاق الصغار حتى تكون تبعاً لسكة عمور بل هي سكة مفردة معتبرة، وسكة عمور كالمحلة لها فتقتصر يمينه على سكة كورني، قال رحمه الله: سألت السيد الإمام أشرف بن محمد رحمه الله عن ذلك، فأجاب على نحو ما أجبت.

وعنه أيضاً: فيمن حلف بطلاق امرأته لا يدخل سكة كذا، وفي آخر هذه السكة دار ظهرها إلى هذه السكة، وبابها في سكة أخرى، فدخل في تلك الدار من السكة التي بابها فيها، ثم خرج من ذلك الباب لا يحنث، وهذا ظاهر؛ لأن باب الدار إذا لم يكن في السكة المحلوف عليها لا تكون الدار من جملة السكة المحلوف عليها، فلا يصير داخلاً في السكة المحلوف عليها. فإن كان لهذه الدار باب آخر في السكة المحلوف عليها، فدخل الدار من الباب الذي في سكة غير المحلوف عليها يحنث؛ لأنه إذا كان للدار باب في السكة المحلوف عليها يصير داخلاً في السكة المحلوف عليها بدخوله في تلك الدار فأرصد الباب الذي في السكة المحلوف عليها فلم يبق لها باب إلا من تلك السكة، فدخلها من باب تلك السكة لزمه الحنث؛ لأن طريقها عن هذه السكة لا يرتفع بسدّ هذا الباب، وله أن يفتح ذلك الباب متى شاء فسدّ هذا الباب لا يخرج من أن يكون في هذه السكة، فإن لم يكن لهذه الدار باب في السكة المحلوف عليها في الأصل ففتح لها باباً إلى السكة المحلوف عليها، فدخل من باب السكة الأخرى، ولم يخرج من الباب المحدث في السكة المحلوف عليها لا تطلق؛ لأن بفتح الباب المحدث في السكة المحلوف عليها لا تصير الدار من السكة المحلوف عليها.
وعنه فيمن قال لامرأته: اكرباي بتشير توفروكتم ترا طلاق وإن لم ينو الجماع لا يصير مولياً؛ لأن هذا اللفظ غير مستعمل في إرادة الجماع، وله حقيقة، حتى لو جامعها من غير أن يدخل في فراشها لا تطلق، وإن نوى بالطلاق القربان صدق في حق تعليق طلاقها بقربانها، ولا يصدق في حق صرف الطلاق عن دخوله في فراشها، وهي ليست في الفراش، ويتقيد اليمين بدخوله في فراشها وهي في الفراش قال: إن كان الحامل له على اليمين كراهة استعمال فراشها تطلق بدخوله في فراشها بدونها. وإن كان الحامل كراهة مضاجعتها لا يحنث إلا بدخوله في فراشها وهي فيها.

وعنه أيضاً فيمن حلف بطلاق امرأته: كه هرما هي جهل درم سو دستم مي دهم، وقد أخذ مال إنسان قرضاً، والتزم لذلك كل شهر أربعين درهماً في المستقبل على ما هو العادة، ولكن لم يعطِ لذلك شيئاً إلى الآن هل تطلق؟ قال: نعم، وهذا ظاهر، فإن كان أعطى لشهر وهو يطالب بذلك في المستقبل على العادة برّ في يمينه. ولا بُدّ من تقديم وظيفة شهر؛ لأن قوله: مي دهم صيغة حال.
وعنه أيضاً فيمن قال لامرأته: اكر روى بهيج نا محرم تمالى تراشية طلاق، وبعد

(3/508)


اليمين يراها الناس إلا أنها لا تقصد رؤية الناس إياها، قال: إن تسترت في الكم واطلع عليها الناس لا تطلق، وإن تكشفت بحيث يراها الناس لكن لم يكن من قصدها رؤية الناس إياها، تطلق؛ لأنها أرت نفسها الناس لما تكشفت حيث يراها الناس.
وعنه في رجل قال له رجل آخر: فلان راترديك توزرهما وديهها است، فقال: اكركشي بترد (300أ1) من زرها وديهها است أن ازمن شية طلاقه، ولم يكن لفلان عنده شيء لكن كان لرجل عنده ذهبٌ وديباج قال: تطلق امرأته، هكذا أجاب، وهذا يجب أن يكون على قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله، وأما على قول أبي يوسف رحمه الله ينبغي أن لا تطلق.
أصل المسألة المعروفة في «الجامع» : إذا قالت المرأة لزوجها: إنك تزوجت عليَّ امرأة، فقال: كل امرأة لي طالق.
وعنه أيضاً فيمن استحلف غيره بهذه اللفظة: زن ازتوشيه طلاق كي فلان درخانة تونست، فقال: نجانه من اندرست ولم يزد على هذا قال: لا تطلق امرأته؛ لأنه لم يحلف. وعنه فيمن قال لامرأته: إن ضربتك بغير جناية فأنت طالق ثلاثاً، فأتاها بخبز قد اشتراه فقالت: باتى أوزدى جون كون بارك شياه بكير وبفلان خويش اندرفشار، فضربها بهذا لا تطلق امرأته، وهكذا حكى فتوى الصدر الشهيد حسام الدين رحمه الله.

وفي غيره هذه الصورة: لو جاءت المرأة بقصعة مَرَقٍ لتضعها على المائدة الموضوعة بين يدي الزوج فمالت القصعة وانصبّ بعض المَرَقِ على رجل الزوج وهي حارّة فآذته فضربها لا تطلق؛ لأن هذا جناية منها، ألا ترى أن في هذه الصورة لو انصبّ بعض المرقة على شيء وأفسده يجب الضمان، وسقوط الإثم إذا لم تكن قاصدة لا يوجب خروجه من أن يكون جناية.
وعنه أيضاً فيمن قال: إن أكلت شيئاً من مالك فأنت طالق، فجعلت شيئاً من ملحها في طعام وأكله الزوج قال: لا تطلق امرأته إلا أن يأكل منه مع الخبز، أو كان الطعام مالحاً جدّاً، فيكون ظاهراً بطعمه فحينئذ تطلق، وستأتي هذه المسألة في كتاب الأيمان، واختار الفقيه أبو الليث رحمه الله بخلاف ما ذكر هاهنا.
وعنه في رجل (له) ابنان صغير وكبير، وقد عزم أن يتخذ وليمة بعرس الولد الأكبر، وخيار الولد الأصغر ثم حلف فقال: اكبر بس كلان ترراسوركنم حلال خداي برمن هم، أنه اتخذ وليمة لخيار الابن الأصغر وحمل زوجة الأكبر إلى داره بهذه الوليمة، قال: تطلق امرأته، وفيه نظر.
وعنه أيضاً فيمن قال لامرأته: اكر بخانه توارندرايم هر زنى كه بزنى كنم ورا طلاق فدخل داراً لها ثم أنها حرمت عليه بعد ذلك بزمان فتزوجها هل تطلق؟ قال: لا؛ لأنها صارت معرفة في هذه اليمين بقوله: خانة تدوتو فلا يدخل تحت اسم النكرة وهو قوله: هر زنى؛ لأن اليمين عقد على عدمٍ في محلين، في هذا ننظر إلى شرط الترجيح، وهذا ليس بصحيح إلا على رواية أبي يوسف رحمه الله؛ لأن الموجود هاهنا يمينان، فيصير وزنها

(3/509)


معروفة في شرط إحداها لا يمنع دخولها تحت اسم النكرة في اليمين الأخرى وقد ذكرنا هذه المسألة، ورواية أبي يوسف رحمه الله مع أجناسها فيما تقدم.

وعنه أيضاً فيمن قال لرجل: اكرمن ترا امشب نجانه فلان هي وفي ني دهم زن ازمن شيه طلاق، فذهب به إلى دار فلان ولم يسقه الخمر قال: تطلق امرأته؛ لأن شرط البرّ شيئان وقد وجد أحدهما، وفات البرّ، ومن ضرورته وقوع الحنث، وإنما نظرنا إلى شرط البر؛ لأن اليمين عقد على عدم الفعل في محلين، وفي هذا ننظر إلى شرط البرّ.
وعنه أيضاً فيمن حلّف رجلاً وهما بالكيسانية بهذه اللفظة: زن تواز توشيه طلاق كه مي تحورى ما انكاه كه تار من بكسانى بتايم وترامى نده، وحلف ذلك الرجل على هذا الوجه ذهب المستحلف إلى سمرقند واتبعه الحالف فسقاه الخمر بسمرقند فشرب قال: تطلق امرأته ثلاثاً؛ لأنه شرب الخمر واليمين باقية، لأن شرط انتهاء اليمين شيئان: عود المستحلف إلى كيسانية وسقيه الحالف الخمر، وهاهنا إن وجد المستحلف إياه الخمر لم يوجد عود المستحلف إلى الكيسانية، فهو معنى قولنا: إنه شرب الخمر، واليمين باقية، فلهذا طلقت امرأته.
وعنه أيضاً في رجل قال لامرأته: إن غبت عنك ولم آتك إلى أربعة أشهر فأنت طالق ثلاثاً فلما كان قبل تمام الأربعة أشهر بأيام ذهبت المرأة إليها فتمت أربعة أشهر، ولم يأت إليها تطلق وهذا ظاهر، وليس هذا كمسألة الكوز؛ لأن ثمة بصب الماء يصير شرب ما فيه بحيث لا يتصور وجوده، وهاهنا يتصور رجوعها إلى موضعها، وبعد ذلك يتصور إتيانه إياها، فإن أتى الزوج مع المرأة جميعاً المكان الذي كان فيه الحلف قبل تمام أربعة أشهر، ثم تمت الأربعة الأشهر طلقت؛ لأنه لم يأتها إنما أتيا جملة.
وعنه أيضاً فيمن قال لامرأته: هو جاد ران خان است اكرن جودن زن ازمن بطلاق فيمينه على أكل ما كان موجوداً في البيت وقت اليمين على ما يدخل فيه بعد ذلك، ولو قال: هو جه دران خان جودم زن ازمن بطلاق فيمينه على أكل ما يكون في البيت وقت الأكل سواء كان موجوداً في البيت وقت اليمين، أو أدخل بعد ذلك.

وعنه أيضاً فيمن قال لامرأته: إن كلمت فلانة فأنت طالق، ثم إن المرأة المحلوف بطلاقها اغتسلت يوماً بثيابها فقالت لها فلانةٌ: ما بده سدى وهي تعلم أنها فلانة أو لم تعلم فقالت حُبست أو قالت: نعم، أو قالت: أرى فهذا كله كلام تام، وتطلق امرأته.
وعنه أيضاً: فيمن اشترى ثلاث شياه بثلاثين درهماً، ثم حلف بطلاق امرأته على واحدة منها بعينها أنه اشترى هذه بعشرة دراهم، قال: هذا مطلق بطلاق امرأته؛ لأنه ما اشترى هذه بعشرة دراهم، إنما اشترى الكل بثلاثين، وذلك ينقسم عليهن بمقدار قيمتهن فلا يصير هذا القدر من هذه الواحدة بعينها.
وعنه فيمن قال لامرأته: اكركس توب دين خان اندرايد تراسته طلاق فدخلها إنسان هو قريب الزوج والمرأة جميعاً، قال: إن قيل تَطْلُق وله وجه، وإن قيل لا تطلق فله وجه. وإن قيل إن كان الداخل حله المرأة تطلق، وإن كان الداخل حله للزوج لا تطلق وله وجه. قال: وعليه الاعتماد.

(3/510)


وعنه أيضاً فيمن قال لامرأته: اكرتو ما يحتمر روى سي دستوري من توشية طلاق تدوك رسين (300ب1) . رفت به دستورى شوى، قال: اكرنجان منحسابة رفنست ودرانجا جندن جمع شده اندريان ومركس دوك حويش مي ريسند لا تطلق إما اكرخد أو ندخانه دمان ديكور اخوانده است تادوك خدتوندخانه ريسند تطلق.
رجل حلف بالطلاق أنه لا يذهب إلى وليمة فلان وللحالف غريم، فلما كان يوم الوليمة ذهب الغريم إلى دار الوليمة واتبعه الطالب ودخل دار الوليمة ليخرجه، فمنع صاحب الوليمة الغريم من الخروج فمكث الطالب هناك ليحفظ الغريم، فكتب شيخ الإسلام علي بن الإسبيجابي رحمه الله على الفتوى، زن حالف بطلاق نشود حوز حالف بخانه سور ارجهة سور اندر ما مدست، وعنه أنه لا تطلق امرأة الحالف.

وكتب نجم الدين رحمه الله على الفتوى، زن حالف بطلاق نشود خور حالف نخانه سور ارجهه سور اندرما مدست. وعنه فيمن قال لامرأته: اكرسيه حرندن روى فأنت طالق ثلاثاً، فذهبت هي مع امرأته أخرى إلى القطّان وخبأت هي شيئاً من ذلك واشترت المرأة الأخرى هل تطلق هي إذا لم تشتر بنفسها، قال: نعم لأن اليمين انعقدت على ذهابها لشراء القطن لا على شرائها.
وعنه أيضاً: فيمن قال لامرأته: أكر من به دستورى توفلان حاى روم فأنت طالق فاستأذنها وألح عليها في ذلك فقالت: خر كجا خواهى روكه من دستورى نمى دهم فذهب إلى ذلك الموضع قال: لا تطلق؛ لأن قولها هر كجا خواهى ادن، وقولها كه من دستورى نميدهم تعليل باطل، لأنها قالت اذنت له.
وقيل: تطلق لأن قولها هركجا خواهى روو مقروناً بقولها: كه من دستورى نمى دهم ليس بإذن بل هو تخويف وتهديد.
وعنه أيضاً: في رجل كان يأخذ أموال جباية السكة مجرى ثلاثة، وبين أهل السكة كلام فحلف بهذه اللفظة اكرنبش ستم جباية ندست كيرم حلال خداى برمن حرام ودفع ما كان في جيبه إلى واحد من أهل السكة وهي شيء قليل، كان وضعه في بيته فذهب وأخذ ذلك من بيته وجاء به على يده ودفعه إليهم، قال: تطلق امرأته لأنه أطلق أخذ الجباية بيده وقد أخذه، وقيل: هذا بعيد لأن يمينه ينعقد على جبايته، يدفع في المستقبل لا على جباية ماضية، هذا هو المتعارف والمتفاهم.
الدليل على حجة ما قلنا أنه إذا أخرج ما كان في جيبه وقت الحلف ليدفع إلى أهل السكة لا تطلق امرأته بذلك، وإن وجد الأخذ ما كان الطريق إلا ما قلنا.
وعنه أيضاً: في رجلين بينهما ألفة ومودة، قيل: لأحدهما إن صاحبك يتبع امرأتك فقال: اكرمن بازن خويش دريكى تسير تنيسم جدول بنا ندمراواكر بنايد زن أزمن بشيه طلاق ثم رآها مع هذا الرجل قال: إن قال جدوك نمى اندم لا تطلق لأنه علق الطلاق بصفة من صفات قلبه، فيتعلق بالأخبار عنه على ما عرف.

وعنه أيضاً: فيمن قال: اكرامش بروم وخواهرم شتيم فامرأته طالق، ثم ركب إليها

(3/511)


في الليل وانفجر الصبح قبل أن يأتيها ويراها قال: تطلق امرأته، لأن يمينه انعقدت على الذهاب والرؤية في الليل، وقيل: لا تطلق لأن يمينه انعقدت على الذهاب ليلاً وعلى الرؤية مطلقاً.
وعنه أيضاً: فيمن قال: أين كه زن منت اكرم ابكنارايد فهي طالق ثلاثاً قال: هذا على الوطىء، قيل: إن قال الزوج مرادمن أن بودكه اكرم ايكنارايد يكد ما نوى هل يصدق قال: يصدق في حق تعليق طلاق ما فقال: يسمى كد ما نوى ولا يصدق في حق حرف الطلاق عن القربان لأن الوطء هو المراد بمثل هذا الكلام في العرف بقول الرجل: جندين كاه كه مرازن كارنيا مدو است ويريد به الوطء ويقول: هدس مرازن بكارمى ايد، ويفهم منه الوطء، فإذا قال: ما أردت الوطء فقد أراد صرف الكلام عن ظاهره فلا يصدقه القاضي في ذلك.
وعنه أيضاً: إذا قال الرجل: إن فعلت كذا فامرأتي طالق وله امرأتان سارة وسعادة، فطلق سارة ثم فعل ذلك الفعل تطلق ساره أم سعادة قال: إن طلق سارة طلاقاً بائناً طلقت سعادة.
وكذلك إن طلق سارة طلاقاً رجعياً ولم تنقض عدتها حتى فعل ذلك الفعل طلقت إحداهما والخيار إليه، وهذا لما عرف أن المعلق بالشرط عند مباشرة الشرط كالمنجز فيصير قائلاً عند التزوج امرأته طالق.
ومن قال: امرأته طالق وله امرأة مطلقة طلاقاً بائناً أو رجعياً قبل انقضاء عدتها لا يقع الطلاق عليها فكذا ههنا.
وإذا لم تكن سارة محلاً لوقوع الطلاق عليها في هذين الوجهين تعينت سعادة لوقوع الطلاق عليها.

وعنه أيضاً: فيمن له امرأتان أعطته إحداهما دراهم ليشتري بها حنطة لأهل البيت فاشترى بها حنطة، وأعطت تلك الدراهم في ثمن الحنطة إلا درهماً واحداً فإن صرف تلك الدراهم إلى حاجة أخرى، ثم دفع ذلك درهماً من مال نفسه في ثمن الحنطة عوضاً عن الدرهم الذي صرفه إلى حاجة أخرى، فقالت له المرأة الأخرى: إنك اشتريت لتلك المرأة الحنطة فاشترى مثلها فقال الزوج: اشتريتها بدراهمها وحلف على ذلك بالطلاق قال: لا يقع الطلاق لأنه اشتراها بدراهمها.
وكذلك لو قال: أعطيت في شراء هذه الحنطة دراهمها وحلف له كل اليمين لا يقع الطلاق أيضاً، واراد ادنه كه جيزى ازسيم خويش دربهاى كندم نداده لم تطلق امرأته.
وعنه أيضاً: فيمن قال لغيره: إن لم أفعل كذا غداً بدايك ايكه مرانجانه است بطلاق است ولم يفعل ذلك الفعل غداً فهي طالق ولا فرق بين قوله بدايك طلاق است وبين قوله فهي طاق.
وعنه أيضاً: فيمن قال لامرأته: بخانه فلان اندراى تراسه طلاق، أو قال: توازمن بشه طلاق ولم يقل جون ولا اكر طلقت الساعة، نظيره بالعربية في «النوادر» .
وعنه أيضاً: فيمن جاء بهدية يدعى غلات إلى غيره وقال له: اطع في متايك فقال:

(3/512)


نعم برامناى دهم بدين غلاب واكر ندهم حلال برمن حرام ثم قال المهدي إليه: بعد ذلك بأيام، قال للمهدي: أصالحك على عشرة دراهم ورضي به المهدي وقبض العشرة وانصرف هل تطلق امرأته قال نعم، قيل (301أ1) له: أن اليمين عقدت على العدم، والعدم لا يتحقق قبل الموت قال: نعم عقدت على العدم، إلا أنه تحقق العدم ههنا لما اصطلحا عن القباء على الدراهم وقبض المهدي الدراهم وتركه وانصرف عنه.
وعنه أيضاً: فيمن قال: ان بدس وسعد بي ابن باع تخورم واكربخورم زن ازمن بطلاق فأكل من حصرمه وعنبه تطلق امرأته، ولو قال: ارشتر ين اين زرنخورم فأكل من عنبه لا تطلق، وإنما تطلق إذا شرب من الشراب الذي يتخذ من ماء العنب.
وعنه أيضاً: فيمن قال: أكر مشكاره خورم باكل شرح بنتيم فارمرأته طالق وكان الحلف بالشتاء ورأى بعد ذلك ورداً أحمراً وهو في الشتاء بعد فشرب الخمر قال: تطلق امرأته، لأن يمينه انعقدت على الورد الأحمر الذي يظهر في وقته المعهود من الربيع بحكم العرف والعادة.
وعنه أيضاً: فيمن حلف بطلاق امرأته أن لا يشتم أباها، ثم لامرأته أي عد زن بدر، هل تطلق امرأته قال: نعم وهذا شتم لأبيها.
وعنه أيضاً: فيمن حلفه أقرباء امرأته بطلاقها كه يروى فرم شي وورانى جيري تهمه يكنى، فحلف على ذلك ثم قال لها بعد ذلك: خداى داتدنا توجد كرده هل تطلق بهذا قال: لا.
رجل له فاليز، أمر رجلاً أن يحفظ هذا الفاليز وأباح له أن يأكل منه ما شاء، فحلف هذا الحافظ بطلاق امرأته أن لا يأكل من فاليزه وليس له فاليز ملك ولا مستأجر ولا مستعار فأكل من هذا الفاليز الذي أمر بحفظه هل تطلق امرأته قال: لا، إلا إذا كان يضاف إليه هذا الفاليز عرفاً وعادة، أو ينويه أما بدون ذلك لا يحنث.
وقيل: يحنث على كل حال، لأن الإضافة للاختصاص وله نوع اختصاص بهذا الفاليز من حيث الحفظ ومنع غيره عن الدخول فيه، فإذا لم يكن له فاليز آخر هو يختص به اختصاصاً، أو نوى من هذا علمنا أنه أراد بيمينه هذا القدر من الاختصاص.
وعنه أيضاً: في مريض قالت له امرأته: فلان تراعبادت تكردوبرتونيا مد وقال: بنرحور برديدم بنرديك وي نروم وبادوى سحن بكوتم واكربروم وباوى سحن سموتم توازمن بطلاق ثم إن فلاناً عاده في مرضه وأهدى له هدايا فكلمه حين عاده وهو مريض على حاله لا تطلق امرأته لأن يمينه انعقدت على الكلام معه بعد ما قام عن مرضه حتى لو صح ثم كلمه تطلق امرأته، لأنه قال: واكر بروم وسحن كويم.
وعنه أيضاً: وينبغي أن يقال: إذا صح مرضه وذهب إليه وكلمه تطلق امرأته، لأنه قال: واكر بروم وسمن كويم.

(3/513)


وعنه أيضاً: في رجلين لهما على رجل دين غير مشترك فحلفَّاه بالطلاق بهذه اللفظة، اكر روى ازمانوس زن ازتوشه طلاق فحلف على ذلك ما حكمه، فقال: إذا طلباه وعلم بالطلب ولم يظهر نفسه عليهما طلقت امرأته، وإن دخل السوق مختفياً عنهما لا تطلق امرأته لأنه لا يراد بهذه أن لا يخفي نفسه في كل ساعة وزمان عرفاً وعادة، وإنما يراد بهذا أن لا يخفي نفسه عن الطلب وعلمه بالطلب، وإن طلباه أو طلبه أحدهما في داره أو سوقه أو كرمه فهو غائب ولم يعلم بالطلب لا تطلق امرأته أيضاً، وإن أدى دين أحدهما لا يبقى اليمين في حقه، لأن اليمين مؤقتة بحال قيام الدين معنى.
وعنه أيضاً: فيمن قال: هرج بدست راست كرفتم بدمن حرام كه فلان كارنكنم وكردة لا تطلق امرأته، لأن العرف في قوله هرج بدست راست هرج كرفتم لا في قوله: بدست راست هرج كرفتم.
وعنه أيضاً: فيمن حلف بالفارسية من أين بنن ماه ابن ايكورها ابن رزرامي كتم وما بازن هم ابنجاي كورم ونجانة بيرم واكرنجانة برم زن ازمن بسته طلاق فجعل كلها خمراً وشرب بعضها مع أصحابه ههنا، وحمل غيره بغير امرأة نفسها إلى بيته قال: إن كان مراده أن لا يحمل كلها بيته بنفسه لا يحنث، بحمل البعض ولا يحمل غيره بغير امرأة وإن (كان) مراده، أن يشرب الكل ههنا ولا يترك شيئاً للحمل إلى بيته يحنث، وإن لم يكن له نية فكذلك يحنث قبل وينبغي أن لا تطلق في هذين الوجهين أيضاً؛ لأن يحمل البعض إلى بيته لا يقع الناس عن الشرب، لأنه يمكن إعادة ما حمل إلى الشرب ههنا فلا تطلق ما دام الخمر دائماً وهو الصحيح.
وعنه أيضاً: فيمن حلف بطلاق امرأته لأن لا يؤذيها فتنجس ثوبه يوماً، فأمرها أن تغسله فأتت فقال: زهده ودلت بدرد نايد ستر هل يكون إيذاء، وهل تطلق امرأته قال: لا؛ لأن من اليمين الإيذاء ابتداءً من غير سبب أو يقال: سبب مثل هذا لا يعد إيذاءً فيما بين الناس إذا كان بناء على عصائها في مثل هذه الأمور.
وعنه أيضاً: فيمن حلف غريمه بهذه اللفظة كه اكرسيم من ناداه ازشهر بروى زن ازتو شين طلاق، فحلف على ذلك وأعطاه بعض حقه وذهب قال: تطلق امرأته، لأن معنى قوله سيم من بدهى تمه سيم، لأنه اسم جنس ولفظة واحد ومعناه الجمع وهو جميع دراهمه التي له عليه.
وعنه أيضاً: فيمن قال لامرأته: اكرمدا جواب دهى توازمن بطلاق، فبعد ذلك بأزمنة قال رجل للحالف: توبازن خويش بفلان جاي رويت فقال الزوج: وي شهرة كيست كه من باوى بحال روم فقالت المرأة: شهرة يزار توام قال: لا تطلق بهذا لأن الجواب إنما يكون بعد الخطاب وإنه لم يخاطبها فلا يكون جواباً وفيه نظر، فإن الجواب لا يتوقف على الخطاب لا محالة عرفاً وعادة، فإن العرف والعادة فيما بين الناس، أن من ذكر غيره حال غيبته بسوء فإذا بلغ ذلك الغير مقالته يعارضه بنيله ويقول: جوابش دارم.
وعنه أيضاً: فيمن قال لامرأته: اكر ازين خانه دستورى من بيرون اي توازمن من

(3/514)


بشه طلاق وكانت ذهبت تجدود إليها رجلاً بمال وتحتاج إلى أن تخرج إليه وتقضي دينه وتفك رهنها فطلبت الإذن من الزوج بذلك فقال لها برووسيم بده وكروبير ون آر، فذهبت ولم تجده واحتاجت (301ب1) إلى الخروج مراراً حتى تم الأمر وخرجت كل مرة بغير إذن قال: لا تطلق، ووافقه بعض مشايخ عصره.
وعنه أيضاً: في امرأة قالت لزوجها: اكر زير من زن يزني كنى ارزتو بطلاق قال: يده طالق فتزوج امرأة قال: تطلق ثلاثاً.
وعنه أيضاً: قال لامرأته: اكرمن سمن طلاق تو برزبان دائم فأنت طالق ثلاثاً، ثم قال لها: اكر فلان كاركنى توارمن يشبه طلاق قال: طلقت ثلاثاً باليمين السابقة لأنها انعقدت بروايدن طلاق اوبرزبان راند فقد تحقق الشرط.

وعنه أيضاً: فيمن قال لامرأته: اكر فلان يحشم حتايب بتواندر يكرد وتوبا من نكويتي تراشه طلاق قال: إنما يعرف النظر بالخيانة إذا يضم إلى النظر كلام أو عمل يدل عليه وهو أن يمازحها أو يشير إليها بيد أو شيء، أو طلاق هو دوزن دربسترى بمفتند سرا بالى اين مرد امرويان اجعت كه درحق وى سو كند نجورده بو دوان ديكر درميمن بستر بودارروى بايان قال: لم تطلق إن لم يمسها وصلاً، وإن وضع يده على رجل آخر لتخرجها من الستر وصلاً لا تطلق أيضاً؛ لأن الإخراج لم يدخل تحت اليمين والمس لأجل الإخراج لا يكون داخلاً تحت اليمين.
وعنه أيضاً: في جميع الأجزاء اعتادوا الاجتماع في موضع معلوم كل سبت للمشاورة في أمورهم فحلف واحد منهم بهذا اللفظ أكر من بايك سأل يا ابن جمع كردايم زن من شه طلاق، فاجتمع مع ثلاثة منهم يوم السبت. قال: لا تطلق امرأته، وإن اجتمع مع جملهم في غير يوم السبت، فإن كان اجتماعهم في غير يوم السبت للأمر الذي يجتمعون له يوم السبت تطلق امرأته، وإن اجتمع معهم يوم السبت لأمر آخر سوى ما كانوا يجتمعون له يوم قبل هذا بأن كان اجتماعهم قبل هذا يوم السبت لأجل المشاورة فاجتمع معهم في سبت آخر للضيافة لا تطلق امرأته، فإذا طلق امرأته طلاقاً رجعياً ثم قال: جعلته بائناً أو ثلاثاً فهو بائن وثلاث عند أبو حنيفة رحمه الله، وعند أبي يوسف رحمه الله يكون بائناً ولا يكون ثلاثاً، وعند محمد رحمه الله لا يصير بائناً ولا ثلاثاً ذكر المسألة في آخر دعوى «الأصل» .
وفي «المنتقى» : عن أبي يوسف رحمه الله، وأنه أحرى أن يكون ثلاثاً.

قال في «المنتقى» : عن أبي يوسف رحمه الله، وهذا إذا قال ذلك في العدة أما بعد انقضاء العدة إذا قال: يجعلها بائناً أو ثلاثاً لا يلزمه، وأشار أبو يوسف رحمه الله إلى الفرق بينما إذا قال: جعلته ثلاثاً، وبينما إذا قال: بائناً على ظاهر الرواية فقال: العدة إذا انقضت كانت التطليقة بائنة بغير كلام ولا يكون ثلاثاً هذا كلام أبي يوسف رحمه الله.
وفي «المنتقى» أيضاً: إذا قال لها: إن طلقتك واحدة فهي بائن أو ثلاث، فطلقها واحدة لم يكن بائناً ولا ثلثاً من قبل أنه قدم القول قبل نزول الطلاق، وكذلك إذا قال

(3/515)


لها: إذا دخلت الدار فأنت طالق، ثم قال: جعلت هذه التطليقة بائناً أو ثلاثاً، وكان ذلك قبل أن تدخل الدار، وروى أبو سليمان عن أبي يوسف رحمه إذا قال لها: أنت طالق تطليقة يكون ثلاثاً فهي ثلاث.
وفي «المنتقى» أيضاً: إذا طلق امرأته واحدة، ثم قال في العدة: قد ألزمت امرأتي ثلاث تطليقات بتلك التطليقة، أو قال: ألزمتها تطليقتين بتلك التطليقة فإنه يقع عليها تطليقتان وفي الصورة الثانية يقع عليها تطليقة سوى الأولى فتقع تطليقتان.
وروى أبو سليمان عن أبي يوسف رحمهما الله في رجل طلق امرأته واحدة، ثم قال: قد جعلتها بائناً رأس الشهر قال: إن لم يراجعها فهو بائن، وإن راجعها فيما بين ذلك لا تتحول إلى البينونة، ولو طلقها تطليقة رجعية ثم قال: جعلتها ثلاثاً رأس الشهر ثم راجعها قال: تكون ثلاثاً رأس الشهر، وليس يشبه قوله جعلتها بائناً قوله جعلتها ثلاثاً، وقال أبو يوسف رحمه الله بعد ذلك: لا تكون ثلاثاً وتكون واحدة بائنة والله أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب.

(3/516)