المحيط البرهاني في الفقه النعماني

كتاب الأيمان والنذور
هذا الكتاب مشتمل على (سبعة وعشرين) فصلاً:
1 * في بيان ركن اليمين وحكمها وشرط انعقادها ومحلها.
2 * في ألفاظ اليمين.
3 * في بيان أنواع اليمين وأحكامها.
4 * في اليمين إذا جعل لها غاية.
5 * في الأيمان التي يقع فيها التخيير والتي لا يقع فيها التخيير.
6 * في الرجل يحلف فينوي التخصيص.
7 * في الأيمان ما يقع على البعض وما يقع على الجماعة.
8 * في الشروط التي تحمل على معناها.
9 * في العطف على اليمين بعد سكوت الحالف.
10 * في الحلف على الأقوال.
11 * في الحلف على العقود.
12 * في الحلف على الأفعال.
13 * فيمن حلف على شيء فقال آخر عليّ مثل ذلك.
14 * في اليمين على الأفعال في المكان.
15 * في تعليق الأجزئة المختلفة بالشرط.
16 * في الحلف ما يقع على الملك القائم.
17 * فيما يفعله الرجل لغيره.

18 * في الرجل يحلف لا يفعل الشيء فيأمر به غيره.
19 * في الأيمان التي يكون فيها استثناء.
20 * في الأوقات.

(4/197)


21 * في الحلف يتغير عن حاله.
22 * في اليمين التي تكون على الحياة دون الموت.
23 * في الحنث ما يقع على الأبد وما يقع على الساعة.
24 * في الحلف على الباطن.
25 * في النذور.
26 * في المتفرقات.

(4/198)


(الفصل الأول) في بيان ركن اليمين، وحكمها، وشرط انعقادها، ومحلها
وركن اليمن بالله ذكر اسم الله تعالى مقروناً بالجزاء؛ لأن ركن الشيء ما يعقد به ذلك الشيء، واليمين يعقد بالقسم به والمقسم به اسم الله تعالى في ظاهر مذهب أصحابنا رضي الله عنهم بلا خلاف (و) في صفاته على الاختلاف (على) ما نبين بعد هذا إن شاء الله تعالى. وحكم اليمين وضعاً وجوب البر والخير لما فيه من تعظيم اسم الله تعالى وحرمة الحنث لما فيه من هتك حرمة اسم الله تعالى، ثم الكفارة تجب عند الحنث خلفاً عن البر الواجب باليمين استدراكاً له.
وشرط انقعادها تصور البر عند أبي حنيفة ومحمد رضي الله عنهما، والإضافة إلى المستقبل بدون تصور البر لا يكفي لانعقادها، وعند أبي يوسف رحمه الله الإضافة إلى فعل في المستقبل بدون التصور كاف لانعقادها على ما يأتي بيانه بعد هذا إن شاء الله تعالى.
ومحل اليمين خبر يحتمل الصدق لأن محل التصرف ما يقبل حكم التصرف. وحكم اليمين وجوب البر والوجوب يستدعي خبراً يتصور فيه البر حتى يحتمل الصدق.

(الفصل الثاني) في ألفاظ اليمين وإنه أنواع
الأول في الحلف بأسماء الله تعالى
يجب أن تعلم بأن الحلف باسم من أسماء الله تعالى يمين، جميع أسامي الله في ذلك على السواء تعارف الناس الحلف به أو لم يتعارفوا، هو الظاهر من مذهب أصحابنا رحمهم الله، ومن أصحابنا من يقول كل اسم لا يسمى به غير الله كقوله: الله، الرحمن فهو يمين وما يسمى به غير الله كالحكيم والعالم فإن أراد به اليمين كان يميناً وإن لم يرد به اليمين لا يكون يميناً وكان.... يقول: إذا قال والرحمن إن أراد به اسم الله فهو يمين، وإن أراد به سورة الرحمن لا يكون يميناً، وهكذا ذكره الفقيه أبو الليث رحمه الله في «فتاويه» لأنه إذا أراد به سورة الرحمن فقد حلف بالقرآن، ولو قال: والقرآن لا يكون يميناً.

(4/199)


والصحيح ظاهر مذهب أصحابنا رحمهم الله؛ لأن اليمين باسم الله تعالى ثابت نصاً، قال الله تعالى: {يحلفون با لكم ليرضوكم} (التوبة: 62) وقال عليه السلام: «فمن كان منكم حالفاً فليحلف بالله أو ليذر» . وإذا كان اليمين باسم الله ثابتاً بالنص، كان اليمين بأسماء أخر ثابتاً بدلالة النص وما (ثبت) بالنص وبدلالة النص لا يراعى في العرف.
ولو قال: بالله لأفعل كذا كسر الهاء في الله أو رفعه أو نصبه فهو يمين في «فتاوى النسفي» رحمه الله. ولو قال: الله يكون يميناً اتفق على هذا أهل اللغة والنحو وتأيد ذلك بالشرع، فإنه روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم حلف ابن ركانة البنه الله ما أردت به إلا واحداً. إلا أن أهل اللغة اختلفوا في إعرابه فعند أهل البصرة إعرابه حذف حرف القسم النصب، وعند أهل الكوفة إعرابه الخفض.

ولو قال: الله يكون يميناً، قال ابن عباس رضي الله عنهما: دخل آدم الجنة فالله ما غربت الشمس حتى خرج. ولو قال: بالله العظيم كي يدر كرين نام حداب كه افعل كذا، أو قال: لا أفعل كذا إنه يكون يميناً ويتعلق بالفعل فلا يصير قوله: يدركه يداني نام است فاصلاً، وكذلك إذا قال: يدركن أزن سوكن ثبتت، وسئل شمس الإسلام الأوزجندي عمن قال: بالله أكراني كاركنم، قال: اختيار أستاذي أنه لا يكون يميناً، ثم رجع وقال: يكون يميناً وفي «الأجناس» إذا قال: والله إن دخلت الدار، كان يميناً، ولو قال: والحق لا أفعل كذا فهو يمين لأن الحق من أسماء الله تعالى، قال الله تعالى: {ويعلمون أن اهو الحق المبين} . (النور: 25) .
ولو قال: وحق الله لا أفعل كذا، لم يكن يميناً في قول أبي حنيفة ومحمد، وإحدى الروايتين عن أبي يوسف رحمهم الله. هكذا ذكر القدوري في «شرحه» وهو الصحيح؛ لأن الحق إذا ذكر غير مقرون بالألف واللام مضافاً إلى الله تعالى يراد به ما ثبت بحق الله على عباده في العبادات.

سئل رسول الله صلى الله عليه وسلّم ما حق الله تعالى على عباده. قال: «أن لا تشركوا به شيئاً وتعبدوه وتقيموا الصلاة وتؤتوا الزكاة» فقد فسر حق الله تعالى بما يستحقه الله على

(4/200)


عباده من العبادات فصار كأنه قال: والعبادات لا أفعل كذا لا يكون يميناً.
ولو قال: وحقاً لا أفعل كذا لا يكون يميناً. وقد اختلف المشايخ رحمهم الله فيه بعضهم قالوا: يكون يميناً وبعضهم قالوا: لا يكون يميناً لأنه ذكره منكراً، وأسماء الله تعالى كلها معرفة، ومن له لا بدلالة التنكير إنه لم يرد به اسم الله تعالى وإنما أراد به تحقيق الوعد معناه أفعل هذا لا محالة.
قال شمس الأئمة الحلواني رحمه الله: وإذا قال وحرمة الله لا أفعل كذا فهذا نظير قوله: وحق الله لا أفعل كذا.

وفي «فتاوى النسفي» إذا قال:..... شهد الله ولا إله إلا الله أن لا أفعل كذا في تعليل قوله والحق أنه يكون يميناً، ولو قال: بسم الله ذكر الصدر الشهيد في «واقعاته» اختلاف المشايخ فيه، قال رحمه الله: والمختار أنه لا يكون يميناً، وفي «القدوري» إذا قال: بسم الله فهو ليس بيمين إلا أن ينويه، وفي «المنتقى» رواية ابن رستم عن محمد رحمهما الله إنه يمين مطلقاً فيتأمل عند الفتوى.
ولو قال الطالب الغالب (360ب1) بالاسم، وإن لم يتصل به تعارف الناس بقيت الجهتان على السواء وأحدها يوجب أن يكون يميناً، والأخرى توجب أن لا يكون يميناً فلا يكون يميناً بالاحتمال.
إذا عرفنا هذه الجملة جئنا إلى تخريج المسألة إذا قال: ورحمة الله لا أفعل كذا لا يكون يميناً، وكذلك إذا قال: وغضب الله، أو قال: وعذاب الله لا يكون، أو قال: وسخط الله، أو قال: ورضا الله، أو قال: وثواب الله لا يكون يميناً، ولو قال: وقدرة الله يكون يميناً، ولو قال: وسلطان، ذكر في «القدوري» أنه إن أراد به القدرة كان يميناً، وإن أراد به المقدور لا يكون يميناً.

نوع آخر
إذا قال: ودين الله لا أفعل كذا فهذا ليس بيمين، وكذلك إذا قال: وطاعة الله، أو قال: وشرائعه، أو قال: وحدوده، أو قال: وعبادته أو قال: بأنبيائه، أو قال: وملائكته، أو عرش الله، أو قال: وبيت الله، أو قال: والكعبة، أو قال: بالصفا والمروة، أو قال: بالصلاة، أو قال: بالصيام، أو قال: بالقرآن، أو قال: بالمصحف أو سورة من القرآن، فليس ذلك بمين لأن الأصل هو الحلف بأسماء الله تعالى، والحلف بصفاته أطلق بالحلف بأسمائه بالشرط الذي ذكرنا، والحلف بهذه الأشياء الذي يحلف بالله ولا بصفاته فلهذا لا يكون يميناً فعلى هذا تخريج جنس هذه المسائل.

نوع آخر

إذا قال: هو يهودي أو نصراني أو مجوسي إن فعل كذا أو قال: هو بري من الله

(4/201)


تعالى، أو قال: هو بريء من الإسلام إن فعل كذا فهذا يمين عندنا، حتى لو فعل ذلك الفعل تلزمه الكفارة، به ورد الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم والمعنى فيه أن هذا التعليق لو صح حقيقة حرم الدخول من حيث إنه صار تسبيباً للكفر بالتعليق، والكفر حرام فما يكون سبباً له يحرم، فإذا لم يبح التعليق من حيث الحقيقة يجعل كناية عن حكمه لو صح التعليق وهو حرم الدخول فصار قوله: هو يهودي إن دخل الدار نظير قوله دخول الدار علي حرام، ومن قال: دخول الدار علي حرام كان يميناً؛ لأنه حرم الحلال على نفسه، وتحريم الحلال يمين عندنا. قال الله تعالى: {يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الك} . (التحريم: 1) قال بعض المفسرين: إن رسول الله صلى الله عليه وسلّمحرم العسل على نفسه، وقال بعضهم: حرم مارية القبطية على نفسه، وكان ذلك يميناً بدليل قوله تعالى: {قد فرض الكم تحلة إيمانكم} (التحريم: 2) ولأن حرمة الحلال تسبب اليمين فالنص عليه يجعل كالتنصيص على السبب مجازاً، فكأنه قال: والله لا أفعل كذا.
وفي «العيون» إنه إذا قال: هذا الرغيف حرام عليّ كان يميناً، وكذلك إذا قال: كلام فلان عليّ حرام كان يميناً، فعلى هذا إذا قال بالفارسية: حرام آنست ياتوسبي كغين كان يميناً. وروى الحسن بن زياد عن أبي حنيفة رحمه الله إذا قال: كلام فلان وفلان عليَّ حرام فكلم أحدهما يحنث.
ولو قال: هذا الخمر حرام عليَّ ثم شربها اختلف أبو حنيفة وأبو يوسف رحمهما الله فيما بينهما، قال أحدهما: فهو ليس بيمين ولا تلزمه الكفارة، وقال الآخر: هو يمين وتلزمه الكفارة قال الصدر الشهيد رحمه الله في «واقعاته» : المختار للفتوى أنه إن أراد به التحريم تجب الكفارة وإن أراد به الإخبار أو لم يكن له نية لا تلزمه الكفارة.
وإذا كان في يده دراهم فقال: هذه الدراهم حرام عليَّ ينظر، إن اشترى بها شيئاً يحنث في يمينه وإن وهبها أو تصدق بها لا يحنث في يمينه لأن تحريم الحلال وإن كان يميناً إلا أنه لا بد أن يشهد التحريم تحريم الهبة والصدقة، وإنما يراد به تحريم الشراء، كمن قال: كل حل عليَّ حرام لأنه أراد به تحريم كل حلال ولم ينصرف يميناً إلى كل حلال وإنما ينصرف إلى الطعام والشراب خاصة، حتى لو أكل طعاماً أو شرب شراباً حنث في يمينه. كذا ولو وطىء امرأته أو جاريته أو لبس ثوباً أو ركب دابة لا يحنث في يمينه، كذا هاهنا، وعن أبي يوسف رحمه الله في هذه المسألة أنه إذا أنفقها بوجه من الوجوه بأن اشترى بها شيئاً أو وهبها أو تصدق بها أو أعطاها في أجرة بيت، أو ما أشبه ذلك فعليه كفارة يمين، رواه بشر بن الوليد قال: والمخرج منه إن يجيء ذلك رجل من أهله فينفقها.

وفي «البقالي» لو حرم طعاماً أو نحوه فهو يمين على تناول المعتاد أكلاً في المأكول ولبساً في الملبوس إلا أن يعني غيره. قال: وكذلك سائر التصرفات في الأشياء. قال: ولا يعتبر استيفاء من الطعام بالأكل. ولو قال: لا يحل لي أن أفعل كذا فإن نوى تحريمه عليه فهو يمين.

(4/202)


وفيه أيضاً إذا قال: الخنزير حرام فهو ليس بيمين إلا أن يقول حرام علي إن أكلته. وعلى فتاوى مسألة الخمر يجب أن يكون فيه خلافاً بين أبي حنيفة وأبي يوسف، وعلى ما اختاره الصدر الشهيد رحمهم الله في مسألة الخمر يجب أن تكون مسألة الخنزير كذلك. وفي «البقالي» أيضاً إذا قال: إن أكلت هذا الطعام فهو عليَّ حرام فهذا ليس بيمين حتى لو أكله لا تلزمه الكفارة، ولو قال: والله لا آكل هذا الطعام فإن أكلته فهو علي حرام، فأكل منه لزمه الكفارة. وفي «المنتقى» إذا قال لغيره: كل طعام أكلته في منزلك فهو علي حرام، وفي القياس: لا يحنث إذا أكله، وهكذا روى ابن سماعة عن أبي يوسف رحمه الله لانه حرمه بعدما أكله. وفي الاستحسان يحنث ويكون هذا على معاني كلام الناس والناس يريدون بهذا إن أكله حرام. وفي «الحيل» إن أكلت عندك طعاماً أبداً فهو علي حرام فأكل لم يحنث، ولو قال: هذا الثوب عليَّ حرام إن لبسته فلبسه ولم ينزعه حنث في يمينه.
امرأة قالت لزوجها: أنت عليَّ حرام أو قالت: حرمتك على نفسي. فهذا يمين، حتى لو طاوعته في الجماع كان عليها الكفارة، وكذلك لو أكرهها على الجماع يلزمها الكفارة بخلاف ما إذا حلف لا يدخل دار فلان فأدخل، جئت إلى أصل المسألة وهو قوله يهودي أو نصراني إن فعل كذا إذاكان يميناً وفعل ذلك الفعل (361أ1) لا أفعل كذا فهو يمين وهو متعارف أهل بغداد، ولو قال: ووجه الله فهو يمين لأن الوجه يذكر ويراد به الذات قال الله تعالى: {كل شيء هالك إلا وجهه} . (القصص: 88) معناه: إلا هو.

فروى الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله أنها ليست بيمين، وتأويله إذا قصد بذلك الجارحة، ولو قال: لعمر الله فهو يمين لأنه حلف ببقاء الله سبحانه وتعالى، ولو قال: أقسم أو أقسم بالله أو أشهد أو اشهد بالله أو أعزم أو أعزم بالله فهو يمين، ولو قال: عليَّ يمين أو يمين الله فهو يمين، أما إذا قال: عليَّ يمين الله، فلأن معناه عليَّ موجب يمين الله، وأما إذا قال: عليَّ يمين لأن اليمين بغير الله حرام، فكأنه قال: عليَّ يمين الله.
وفي «المنتقى» إذا قال: علي يمين لا كفارة لها يريد به الإيجاب فعليه يمين لها كفارة. رواه عن أبي حنيفة رحمه الله. وفيه أيضاً عن أبي يوسف إذا قال: لله عليّ يمين وهو يريد أن يوجبها على نفسه ولم يقل: إن فعلت فليس عليه شيء، وكذلك إذا قال: لله على يمين غداً وهو مثل قوله: والله ولم يقل شيئاً، ولو قال: لله علي يمين إن جاء غد فهذا مثل قوله: إن فعلت، ولو قال: إن فعلت كذا فعلي يمين إن شاء فلان ففعل كل ذلك الفعل وشاء فلان لزمته كما قال، ولو قال: إن كلمت فلاناً فعلي من الأيمان ما شاء فلان، أو شاء الرجل من يلزمه من الأيمان ثلاثة أو أقل أو أكثر لم يلزمه ذلك ولا يشبه هذا تسمية الحالف الأيمان، وأشار إلى العرف فقال: إذا سمى الحالف الأيمان فقد جعلها على نفسه وجعل حنثه في مشيئة فلان، وإذا قال: فعلي من الأيمان ما شاء فلان فليس هذا حنثاً بمشيئة فلان، فهذا يمين له رجل، وقال الآخر: عليَّ من الأيمان ما شئت، فقال الآخر شئت يمينان وهناك لا تلزمه

(4/203)


ولو قال: عليَّ يمين إن شئت، فقال: قد شئت لزمه. هذا مثل قوله: عليَّ يمين إن كلمت فلاناً، وكذلك إذا قال: عليَّ عهد الله أو ميثاقه أو ذمته فهو يمين، وإذا قال: لله فتم يأخذاي كي إن جرية كه يو بيارى ني خورم فقد قيل إنه يكون يميناً إذا نوى اليمين، والأصح أنه يمين بدون النيّة، فإن قوله بدرفتم وعهد كردم سواء وذاك يمين فهذا كذلك، وذكر شمس الأئمة الحلواني رحمه الله في «شرحه» أورد في غير رواية الأصول إذا قال: عليَّ يمين محلوفه وبغيره «سوكند خورده كه ابن كاد في كنم» فهو يمين. قال رحمه الله: وإذا قال: «سوكند خوردم» لا يكون يميناً، ولو قال: مي خودم، ولو قال: حرفي يكون؛ لأن الأول عِدَة، والثاني: إيجاب، ألا ترى أن قول الشاهد بين يدي القاضي كواني دهم لا تكون شهادة، وإذا قال: ني دهم يكون شهادة، وقيل «سوكند خورم» يمين أيضاً لأنه بغير قوله: أحلف وذلك يمين فكذا هذا، مذكور في «فتاوى النسفي» رحمه الله وكذلك إذا قال: «سوكند خوردم» يكون يميناً، ولو قال: «سوكند خورده أم» إن كان صادقاً كان يميناً، وإن كان كاذباً فلا شيء.
وفي «الواقعات» في باب: السير إذا قال: «سوكند خوردام يحذاي» إن فعلت كذا فهو يمين لأن الناس تعارفوه يميناً، ولو قال: «ومن سوكند است كي ابن كاريكنم» فهو يمين وهو معنى قوله: عليَّ يمين، ولو قال: «مرا سوكند بطلاق است كي شراب تخورم» فشرب طلقت امرأته، وإن لم يكن حلف ولكن قال: قلت هذا لدفع تعرضهم لا بصدق قضاء وإذا قال: «مراسوكند خانه است كشراب نخورم» وشرب طلقت امرأته؛ لأن أوهام الناس تنصرف. ذكره في «فتاوى النسفي» ولم يشترط فيه نية المرأة، والشيخ الإمام الأجل ظهير الدين المرغيناني رحمه الله كان يشترط النية لوقوع الطلاق، والأصح أنه لا يشترط.

وفي «فتاوى الأصل» إذا قال لامرأته: لا تخرجي من الدار بغير إذني فإني قد حلفت بالطلاق فخرجت بغير إذنه لا تطلق لأنه ما أضاف الطلاق إليها، وروي عن محمد رحمه الله إذا قال: آليت لا أفعل كذا فهو يمين لأن الألية هي اليمين فكأنه قال: أحلف، ولو قال: لا إله إلا الله أفعل كذا أو سبحان الله أفعل كذا فليس بيمين إلا أن ينويه والله أعلم.

نوع آخر في الحلف به ذات الله تعالى
قال مشايخ العراق رحمهم الله: إذا حلف بصفة من صفات الله تعالى فهو يمين، وإن حلف بصفة من صفات الفعل فليس بيمين، وجعلوا للتفاضل بين صفات الذات، وبين صفات الفعل علامة فقالوا: كل صفة يوصف الله تعالى بها وبضدها فهي من صفات الفعل كأوصاف الغضب والرحمة والسخط فهذه الصفات مما يوصف الله تعالى بها وبضدها كما يقال: الله تعالى يرحم المؤمنين ولا يرحم الكفار، ويرضى عن المتقين ويغضب عن المنافقين، وكل صفة يوصف الله تعالى حمداً ولا يوصف بضدها فهي من صفات الذات كالعظمة والعزة، قالوا: والقياس أن يكون قوله: وعلم الله يميناً لأن العلم من صفات الذات يوصف الله تعالى به ولا توصف (بضده) ، إلا أنا تركنا القياس فيه لأنه

(4/204)


كثير الاستعمال بهذا اللفظ فيما بين الناس للمعلوم يقول الرجل في دعائه: اللهم اغفر لنا علمك فينا أي معلومك، ويقال: علم أبي حنيفة رحمه الله فانصرف مطلق اللفظ إليه وصار كأنه قال: ومعلوم الله، ولو قال هكذا لا يكون يميناً، كذا هاهنا.

ومشايخ ما وراء النهر رحمهم الله قالوا: إن حلف بصفة تعارف الناس الحلف بها فهو يمين، وإن حلف بصفة لم يتعارف الناس الحلف لا يكون يميناً، بهذا لأن الحلف بالله تعالى إنما عرف يميناً بالشرع والشرع جعل الحلف بالله تعالى يميناً إذا جعل الحلف باسم من أسماء الله تعالى؛ لأن الشرع ورد بالحلف بالله وإنه اسم من أسماء الله تعالى فأما الصفة بين الاسم وغيره على ما قيل صفات الله تعالى لا هو ولا غيره يكون يميناً فكان بين الاسم وغيره فإذا اتصل به تعارف الناس في الحلف به يترجح جانب الاسم فيصير ملحقاً بالاسم فيصير حالفاً (361ب1) حتى حنث ولزمه الكفارة هل يصير كافراً اختلف المشايخ فيه قال شمس الأئمة السرخسي رحمه الله، والمختار للفتوى أنه إن كان عنده أنه يكذب حتى أتى بهذا الشرط ومع هذا أتى به يصير كافراً لرضاه بالكفر، وكفارته أن يقول: لا إله إلا الله، وإن كان عنده أنه أتى بالشرط لا يصير كافراً لأنه يكفر، لأن هذه الألفاظ صارت كناية عن اليمين بالله فكأنه قال: والله إن فعلت كذا، ولو قال: والله إن فعلت كذا وفعل لا يصير كافراً كذا هاهنا، وهذا إذا حلف بهذه الألفاظ على أمر في المستقبل.
أما إذا حلف بهذه الألفاظ على أمر في الماضي بأن قال: يهودي أو نصراني أو مجوسي، إن كان فعل كذا أمس وهو يعلم أنه قد كان فعل لا شك أنه لا يلزمه الكفارة عندنا لأنه يمين غموس، وهل: يصير كافراً؟ اختلف المشايخ رحمهم الله فيه، بعضهم قالوا: يصير كافراً لأنه علق الكفر بما هو موجود والتعليق بما هو موجود للخبر فكأنه قال: هو يهودي.

قال شمس الأئمة السرخسي رحمه الله: والمختار للفتوى أنه إن كان عنده أن هذا يمين ولا يكفر متى حلف به لا يكفر، وإن كان عنده أنه يكفر متى حلف بذلك يكفر لرضاه بالكفر.

وأما إذا قال: لعلم الله أنه فعل كذا وهو يعلم أنه لم يفعل، أو قال: بعلم الله أنه لم يفعل كذا وقد علم أنه فعل. اختلف المشايخ رحمهم الله فيه (عامتهم) أنه يصير كافراً لأنه وصف الله تعالى بما لا يجوز أن يوصف به لأنه وصف بكونه عالماً بوجود الفعل منه في الماضي ولم يوجد منه ذلك الفعل والعلم موجود..... من لم يوجد لا يكون فقد وصف الله تعالى بما لا يوصف به فيكون كفراً كما لو وصف بالجهل أو بالعجز.
ولو قال: هو يأكل الميتة إن فعل كذا لا يكون يميناً. وكذلك إذا قال: هو مستحل الميتة أو يستحل الخمر أو الخنزير لا يكون يميناً، وكان يجب أن يكون يميناً لأن

(4/205)


استحلال الحرام كفر فقد علق الكفر بالشرط وتعليق الكفر بالشرط يمين، كما لو قال: هو يهودي إن دخل الدار قلت: استحلال هذه الأشياء ليس بكفر لا محالة، فإن في حالة الضرورة تصير هذه الأشياء حلالاً ولا يكون كفراً، أو إذا احتمل أن يكون استحلال هذه الأشياء كفراً كما في غير حال الضرورة فيكون يميناً، واحتمل أن لا يكون كفراً كما في حالة الضرورة فلا يكون يميناً لا يصير يميناً بالشرك بخلاف قوله: هو يهودي إن فعل كذا لأن اليهودي من أنكر رسالة محمد عليه السلام وإنكار رسالة محمد عليه السلام كفر على كل حال.
والحاصل أن كل شيء هو حرام حرمة مؤبدة بحيث لا تسقط حرمته بحال من الأحوال كالكفر، وأشباهه فاستحلاله معلقاً بالشرط يكون يميناً، وكل شيء هو حرام بحيث تسقط حرمته بحال كالميته والدم والخمر وأشباه ذلك فاستحلاله معلقاً بالشرط لا يكون يميناً.
ولو قال: إن فعلت كذا فاشهدوا عليَّ بالنصرانية فهو يمين. ذكره الفقيه أبو الليث رحمه الله في «فتاويه» لأن هذه بمنزلة قوله هو نصراني إن فعل كذا.

وفي «مجموع النوازل» إذا قال: أنا شر من المجوسي إن فعلت كذا أزهر ارفع وتو تبرم إن فعلت كذا كان يميناً، وكذلك إذا قال: أنا شريك النصارى، أو قال: أنا شريك الكفار إن فعلت كذا كان يميناً، ولو قال «اكد من اين ذن نحوا ميم موامغ خوانيد وجمعود خوانيد، وسنك ساركنيد» ثم تزوجها لا يلزمه شيء لأنه أمرهم بالقتل والشتم وما وصف نفسه به.
في «فتاوى النسفي» : ولو قال: «هرج مغان مغى كرده اندو جهودان جهودي كرده اند دركردن من كه من كاربكه دام» وقد كان فعل، وكذلك لا يلزمه شيء، ولو قال: «هرحه سلماني كردام وكافران دادام» إن فعلت كذا لا يكون يميناً، ولو قال: «سلماني نكرادم اكر فلان كاركتم» فهذا ليس بيمين لأنه لغو، إلا إذا عنى إذا ما صام وصلى لم يكن حقاً إن فعلت كذا أو إن ما عملت لم يكن حقاً، إن فعلت كذا فحينئذ يكون يميناً لأن هذا كفر وصار كما لو قال: هو كافر إن فعل كذا فعلى هذا القياس إذا قال بالفارسية: ما قال الله تعالى كذب إن دخلت الدار كان يميناً.

في آخر الباب الأول من أيمان «الواقعات» : إذا قال بالفارسية: «هذا ميدى كه إذ خداى تعالى دادم يومئذم» إن فعلت كذا فهذا يمين لأن اليأس من الله تعالى كفر فهو بمنزلة قوله: هو كافر إن فعل، كذا في أيمان «النوازل» والله أعلم.

نوع آخر
إذا قال: إن فعلت كذا فأنا بريء من الله تعالى فهو يمين لأن البراءه من الله تعالى كفر وتعليق الكفر بالشرط يمين، ولو قال: إن فعلت فأنا بريء من الله ورسوله فهو يمين واحدة، وإذا قال ذلك الفعل يكفيه كفارة واحدة، ولو قال: فأن بريء من الله وبريء من رسوله إن فعلت فقد لزمه كفارتان لأنهما يمينان. هكذا ذكر في «فتاوى أبي الليث» رحمه الله.

(4/206)


وفي «فتاوى أهل سمرقند» إذا قال: إن فعلت كذا فأنا بريء من الله ورسوله والله ورسوله بريئان منه ففعل فعليه أربع كفارات؛ لأنهما أربعة أيمان قيل ما ذكر في «فتاوى أهل سمرقند» ليس بصحيح، وإنما الصحيح ما ذكر في «فتاوى أبي الليث» رحمه الله لأنه لا بد وأن يقول: وبريء من رسوله حتى يتعدد اليمين.
ولو قال: أنا بريء من الله إن كنت فعلت كذا أمس، وقد كان فعل وهو يعلم. اختلف المشايخ رحمهم الله فيه والمختار للفتوى ما ذكرنا في قوله: هو يهودي إن كنت فعلت كذا إنه إن كان في زعمه أن مثل هذا الحلف كفر يكفر، ولو قال: إن فعلت كذا فأنا بريء من القرآن فهو يمين.
ولو قال: إن فعلت كذا فأنا بريء من المصحف فهذا ليس يمين بخلاف ما إذا قال: فأنا بريء مما في المصحف حتى يكون يميناً لأن الذي في المصحف القرآن. وصار كأنه قال: فأنا بريء من القرآن. ولو قال: إن فعلت كذا فأنا بريء من كل آية في المصحف فهو يمين واحد. في «العيون» وكذلك إذا قال: «إن ستعد شبست أنه قرآن يزارام» فهو يمين واحدة، ولو قال: إن فعلت كذا فأنا بريء من الكتب الأربعة فهو يمين واحدة، وكذلك إذا قال: إن فعلت كذا فأنا بريء من القرآن والزبور والتوراة والإنجيل فحنث لزمه الكفارة واحدة لأنهما يمين (362أ1) واحدة.
ولو قال: فأنا بريء من القرآن وبريء من الزبور وبريء من التوراة وبريء من الإنجيل فهو أربعة أيمان إذا حنث يلزمه أربع كفارات، ولو قال: إن كنت فعلت كذا أمس فأنا بريء من القرآن، وقد كان فعل وعلم به، فالجواب المختار فيه كالجواب فيما إذا قال: فهو بريء من الله تعالى.

ولو دفع كتاب الفقه أو دفتر الحساب فيه مكتوب بسم الله الرحمن الرحيم، وقال: أنا بريء مما فيه إن فعلت كذا فهذا يمين. إذا قال: «إن خداى تعالى بيزادم وأن لا إله إلا الله تزارم وان شهد الله تزارم» إن فعلت كذا ففعل فعليه ثلاث كفارات، إذا قال: إن فعلت كذا فأنا بريء من صوم رمضان أو من الصلاة فهو يمين لأن البراءة عن هذه الأشياء كفر.

ولو قال: أنا بريء الثلاثين يوماً يعني شهر رمضان إن فعلت كذا إن نوى البراءة عن فرضيتها يكون يميناً كما لو قال: أنا بريء منه الإيمان إن فعلت كذا وإن نوى البراءة عن آخرهما لا يكون يميناً لأنه غيب، وإن لم يكن له نية لا يكون يميناً في الحكم لمكان الشك، وفي الاحتياط يكون ولو قال: إن فعلت كذا فأنا بريء من حجي التي حججت أو من صلاتي التي صليت فهذا لا يكون يميناً بخلاف ما إذا قال: إن فعلت كذا بريء من القرآن الذي تعلمت حيث يكون يميناً.
والفرق: أن في المسألة الأولى تبرأ عن فعله الذي فعل لا عن الحجة المشروعة والصلاة المشروعة والتبرؤ عن فعله لا يكون كفراً، أما في المسألة الثانية: تبرأ عن القرآن الذي تعلمه والقرآن قرآن قبل أن يعلمه فيكون التبرؤ منه كفراً حتى إن في المسألة الأولى لو قال: أنا بريء من الحجة، أو قال: من الصلاة كان يميناً، ولو قال: إن فعلت كذا فأنا

(4/207)


بريء من القبلة ذكر في «فتاوى أبي الليث» رحمه الله أنه يمين. وذكر في «فتاوى أهل سمرقند» أنه ليس بيمين والصحيح أنه يمين لأن البراءة عن القبلة كفر. ولو قال أنا بريء المغلظة إن فعلت كذا ليس بيمين. ولو قال: عما في المغلظة فقد قيل: إنه ليس بيمين لأن في المغلظة أيمان وهي تعرف بها فكأنه قال: أنا بريء من الإيمان، وقيل: فإنه يمين لأن في المغلظة اسم الله تعالى فيكون هذا براءة من اسم الله تعالى، والبراءة عن أسماء الله تعالى يمين وصار كدفتر الحساب أو الفقه المكتوب فيه اسم الله تعالى.

ولو قال: إن فعلت كذا فأنا بريء من الشفاعة، ذكر في «مجمع النوازل» أنه يمين وقد قيل: هو ليس بيمين وهو الأصح لأن الشفاعة إن كانت حقاً فمنكره مبتدع، وليس بكافر. وفي «فتاوى ما وراء النهر» إذا قال: إن فعلت كذا لا إله لي في السماء، قال أبو الأسد وعبد الله الكرمنسي أنه يمين عندان ولا يكفر والله أعلم.

نوع خرفي تحليف الغير
ذكر في «فتاوى أهل سمرقند» : سلطان أخذ رجلاً وحلفه: ما يزد، فقال الرجل مثل ذلك، ثم قال: «كه دوزادنه يناى» فقال الرجل مثل ذلك فلم يأت هذا الرجل يوم الجمعة لا يلزمه شيء لأنه لما قال: ما يزد وسكت ولم يقل قل يا برو إن لم أفعل كذا لم ينعقد اليمين: ويتشعب عن هذه المسألة كثير من المسائل. وفي هذا الموضع: رجل فأراد المرور عليه أن يقوم للمار فقال له المار بالفارسية: «بالله اكرجه في فقام» لا يلزم المار كفارة لأن هذا لغو من كلام.
ذكر عن إبراهيم النخعي رضي الله عنه أنه قال: اليمين على نية الحالف إن كان مظلوماً، وإن كان ظالماً فعلى نية المستحلف وبه أخذ أصحابنا رحمهم الله.
مثال الأول: إذا أكره الرجل على بيع عين في يديه فحلف المكره بالله أنه رفع إلي هذا الشيء فلان يعني به بائعه حتى وقع عنده أن ما في يده ملك غيره فلا يكرهه على بيعه ويكون كما نوى ولا يكون ما حلف يمين غموس لا حقيقة ولا معنى، أما حقيقة فلأنه نوى ما يحتمله لفظه فيجعل ما نوى كالمصرح به، ولو صرح بما نوى كان صادقاً. فكذا إذا أضمر ذلك فعليه دل ما معنى، ولأن يمين الغموس ما ينقطع بها حق أمرىء مسلم ولم يوجد ذلك هاهنا لأن الحالف لم يقطع حق غيره إنما دفع الظلم عن نفسه.

ومثال الثاني: إذا ادعى عيناً في يدي رجل أني اشتريت منك هذا العين بكذا وأنكر الذي في يده الشراء فأراد المدعي أن يُحلّف المدعى عليه بالله ما وجب عليك تسليم هذا العين إلى هذا المدعي فيحلف المدعى عليه على هذا الوجه ويعني التسليم إلى هذا المدعي بالهبة والصدقة لا بالبيع، وهذا إن كان صادقاً فيما حلف فلم يكن بما حلف يمين غموس حقيقة؛ لأنه نوى ما يحتمله لفظه فهو يمين غموس معنى؛ لأنه قطع بهذا اليمين حق امرىء مسلم فلا تعتبر نيته، لهذا كان المعنى في ذلك أن المدعى عليه إذا كان ظالماً فاليمين مشروعة لحق المدعي لمنع المدعى عليه عن اليمين فيصير المدعي إلى حقه، وإن

(4/208)


حلف كاذباً يهلك بسبب اليمين الكاذبة كما أهلك حقه فيكون إهلاكاً، فإذا أهلك كالقصاص وإن يحصل هذا المعنى إذا اعتبر بنية الحالف المستحلف، أما إذا لم يكن المدعى عليه ظالماً فاليمين مشروعة لحق المدعى عليه حتى ينقطع منازعة المدعى معه من غير حجة فيعتبر نية الحالف في ذلك ولهذا يعتبر في اليمين على الحالف على ما قال عليه السلام «من حلف على يمين لا يستثني فالبر والإثم فهما على علمه» يعني إذا حلف وعنده أن الأمر كما حلف عليه ثم تبين خلافه لم يكن، آثما في يمينه ويعتبر فيه ما عند صاحب الحق.

قال الشيخ الإمام الزاهد شيخ الإسلام المعروف بخواهر زاده رحمه الله: وهذا الذي ذكرنا في اليمين بالله، فأما إذا استحلف بالطلاق والعتاق فهو ظالم أو مظلوم فنوى خلاف الظاهر بأن نوى الطلاق عن الوثاق أو نوى العتاق عن عمل كذب أو نوى الإخبار فيه كاذباً فإنه يصدق فيما بينه وبين ربه حتى لا يقع الطلاق ولا العتاق فيما بينه وبين ربه لأنه نوى ما يحتمله لفظه فالله مطلع عليه إلا أنه إن كان مظلوماً لا يأثم الغموس لأنه ما قطع بهذا اليمين حق امرىء مسلم، واذا كان يأثم الغموس، وإن كان ما نوى صدقاً حقيقة لأن هذه اليمين غموس معنى لأنه قطع بها حق امرىء مسلم.

قال القدوري في «كتابه» ما نقل عن إبراهيم أن اليمين على نية المستحلف إن كان الحالف ظالماً فهو صحيح في الاستحلاف على الماض؛ لأن الواجب باليمين كاذباً الإثم فمتى كان ظالماً فهو آثم في يمينه وإن ما يحتمله لفظه لأنه توصل بهذه اليمين إلى ظلم غيره هذا المعنى (362ب1) لا يتأتى في اليمين على أمر في المستقبل فيعتبر فيه نية الحالف على كل حال، رجل قال لآخر: والله لا آتي إلى ضيافتك، فقال رجل آخر للحالف ولا تجىء إلى ضيافتي أيضاً، قال: نعم يصير حالفاً في حق الثاني بقوله: نعم حتى لو ذهب إلى آخر ضيافة الأول وإلى ضيافة الثاني حنث في يمينه.
في «مجموع النوازل» إذا قال لآخر: الله لتفعلن كذا، أو قال: والله لتفعلن كذا، فقال الآخر: نعم، وأراد كل واحد منهما أن يكون حالفاً فكل واحد منهما حالف لأن قوله: نعم جواب. والجواب يتضمن إعادة ما في السؤال فكأنه قال: والله لأفعلن كذا فكان يميناً، وإن أراد المبتدىء أن يكون مستحلفاً، وأراد المجيب أن لا يكون عليه يمين وأن يكون قوله نعم على ميعاد من غير يمين فهو كما نوى ولا يمين على واحد منهما لأن المبتدىء والمجيب كل واحد نوى من كلامه ما يحتمله لفظه، وإن لم يكن لواحد منهما نية ففي قوله: الله، الحالف هو المجيب، وفي قوله: والله الحالف هو المبتدىء.
وفي «المنتقى» إذا قال: الله لتفعلن كذا ولا نية له أن يكون هذا حلفاً ولا استحلافاً فهو على الاستحلاف ولا شيء على واحد منهما إن لم ينو المجيب الحلف، وإن نوى القائل بذلك الحلف فهو حلف منه، وإن قال: والله لتفعلن كذا ولا نية له فهذا حلف من

(4/209)


القابل وإن نوى استحلافاً فهو استحلاف، ولو قال: والله لتفعلن كذا وكذا غداً فقال الآخر: نعم ولا نية لواحد منهما فالحالف هو المجيب.

نوع آخر في تكرار الاسم ما يكون يميناً واحدة أو يمينين

قال محمد رحمه الله في «الجامع الكبير» إن قال الرجل: والله والرحمن لا أفعل كذا كان يمينين حتى إذا حنث بأن فعل ذلك الفعل كان عليه كفارتان في ظاهر الرواية. وروى الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله أنها يمين واحدة، والأصل في جنس هذه المسائل أن الحالف بالله تعالى إذا ذكر اسمين وبنى عليهما الحالف فإن كان الاسم الثاني صلح نعتاً للاسم الأول ولم يذكر بينهما حرف العطف كانا يميناً واحدة باتفاق الروايات كلها كما في قوله: والله الرحمن لا أفعل كذا؛ لأن الثاني لما صلح نعتاً للأول لا بد وأن يجعل نعتاً كما في قوله مررت بالزيد الصالح كان الصالح نعتاً للزيد. قلنا والنعت مع المنعوت شيء واحد، وإن كان الاسم الثاني يصلح نعتاً للاسم الأول، وذكر بينهما حرف العطف كانا يمينين في ظاهر الرواية. وروى الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله أنها يمين واحدة بيانه في قوله: والرحمن والرحيم لا أفعل كذا.
وجه هذه الرواية أن هذه الواو يجوز أن يكون واو العطف فيكون الخبر المذكور للاسم الثاني خبر الأول فيكون يمينين على هذا الاعتبار، ويَجوز (أن يكون) واو القسم لا واو العطف لأن واو القسم غير واو العطف فإن واو القسم مما يبتدأ به وحرف العطف مما لا يبتدأ به، وعلى هذا التقدير يصير تاركاً القسم بالاسم الأول مبتدئاً القسم بالاسم الثاني كأنه قال: والله وسكت، ثم قال: والرحيم لا أفعل كذا فيكون يميناً واحدة وقع الشك في ثبوت ما زاد على اليمين الواحدة فلا تثبت الزيادة بالشك.
وجه ظاهر الرواية أن هذا الواو إذا احتمل أن يكون واو العطف (و) أن يكون واو القسم حمل على واو العطف عند الإطلاق لأن الواو يحتاج إليه للعطف إذ العطف بدونه لا يصح غير محتاج إليه للقسم لأن القسم بدون الواو صحيح فكان جملة ما يحتاج إليه أولى، وإذا حملنا على واو العطف صار الخبر المذكور للاسم الثاني مذكوراً للاسم الأول، فكانا يمينين. هذا إذا كان الاسم الثاني يصلح نعتاً للأول.

فأما إذا كان الاسم الثاني لا يصلح نعتاً للأول إن ذكر بينهما حرف العطف كما في قوله: والله والله لأفعل كذا، كانا يمينين في ظاهر الرواية، وروى ابن سماعة عن محمد أنها يمين واحدة، وهكذا روي عن أبي يوسف في «المنتقى» ، والصحيح ما ذكر في ظاهر الرواية لما قلنا في قوله: والله والرحمن وإن لم يذكر بينهما حرف العطف كانت يميناً واحدة باتفاق الروايات.

هكذا ذكر شيخ الإسلام رحمه الله في «شرحه الجامع» بيانه في قوله: والله والله ويكون ذكر الاسم الثاني على سبيل التكرار والإعادة للأول.
وفي «المنتقى» إذا قال: والله والله والله لا أفعل كذا. قال محمد رحمه الله فذلك ثلاثة أيمان في القياس بمنزلة قوله: والله والرحمن والرحيم لا أفعل كذا، وفي

(4/210)


الاستحسان يكون يميناً واحدة، ولو قال: والله ووالله لا أفعل كذا. القياس أن يكون يمينين، وفي الاستحسان يكون يميناً واحدة، قال: على هذا معاني كلام الناس ومعنى هذا الكلام أن الناس في عرفهم وعاداتهم يريدون بذلك يميناً واحدة إلا أنهم يكررون ذلك للتأكيد.
وفيه أيضاً إذا قال: والله (لا) أفعل كذا، الله لا أفعل كذا، فهما يمينان، وكذلك إذا قال: والله أفعل كذا الله لا أفعل كذا فهما يمينان. وكذلك إذا قال: هو يهودي إن فعل كذا، وهو نصراني إن فعل كذا فهو يمين واحدة.
وعن أبي يوسف عن أبي حنيفة رحمهما الله في «القدوري» في من حلف في مقعد واحد بأيمان قال: عليه بكل يمين كفارة والمجلس والمجالس في ذلك سواء. وإن عنى باليمين الثانية الأولى لم يستقم ذلك في اليمين بالله تعالى، لأن وجوب الكفارة في اليمين بالله بذكر الاسم والثاني غير الأول في الذكر، وهو ليس بإخبار عن الأول.

قال: وإن كان حلفاً بحج أو عمرة فهذا يستقيم لأن الصفة صفة إخبار فيستقيم إرادته الإخبار عن الأول وفي أيمان «الأصل» في باب من الأيمان إذا حلف الرجل على أمر لا يفعله أبداً ثم حلف في ذلك المجلس أو في مجلس آخر لا يفعله أبداً إن نوى بالثانية يميناً مبتدأ أو نوى التغليظ والتشديد على نفسه أو لم ينو شيئاً كانتا يمينين حتى إذا حنث كان عليه كفارة يمينين وإن نوى بالثانية الأولى كان عليه كفارة يمين واحدة. وفي «البقالي» عن ابن سلام: إذا قال: أنا أعقد الزنار على نفسي كما يعقده النصارى، وأنا بريء مما أتى به جبريل صلوات الله وسلامه عليه إنهما يمينان والله أعلم.

(الفصل الثالث) في بيان أنواع اليمين وأحكامها
يجب أن يعلم أن اليمين بالله تعالى (363أ1) على نوعين:
1 * نوع في الإثبات.
2 * نوع في النفي.
وكل نوع من ذلك على وجهين:
إما أن يكون مطلقاً أو مؤقتاً. فأما المطلق في الإثبات بأن قال مثلاً: والله لآكلن هذا الطعام والله لأشرب هذا الماء أو هذا الشراب ولم يقل اليوم وما أشبهه فالبر فيه إنما يكون بتحصيل الأكل أو الشرب في العمر، و (يفوت) البر بهلاك الحالف أو المحلوف عليه، حتى إن في هذه المسألة إذا هلك الطعام بأن احترق أو أكله غيره أو ما أشبه ذلك أو مات الحالف يقع الحنث وتلزمه الكفارة؛ لأن شرط الحنث قد وجد واليمين باقية لأن شرط الحنث في هذه المسألة فوات أكل أو شرب غير مقدر بالوقت لأنه لم يذكر ليمينه وقتاً. ألا ترى أنه لو هلك الطعام في ساعته يحنث في يمينه. وهاهنا بهلاك الطعام أو

(4/211)


الماء فات الأكل والشرب واليمين قائمة لأنها لم تنحل قبل ذلك، وكذلك يهلك الحالف بفوت الأكل واليمين قائمة لأن الأكل يفوت إذا وقع اليأس عن فعله في آخر جزء في آخر حياته، واليمين قائمة فيمكن القول بالحنث وإيجاب الكفارة.

وأما إذا وقت لذلك وقتاً بأن قال مثلاً: والله لآكلن هذا الطعام اليوم، والله لأشربن هذا الشراب اليوم، فالبر فيه إنما يكون بتحصيل الأكل والشرب في اليوم، (ويفوت) البر بمضي اليوم مع بقاء الطعام والشراب، وبقاء الحالف ولا يفوت البر بموت الحالف قبل مضي اليوم حتى لا يحنث في يمينه بالاتفاق، وهل يفوت البر بهلاك الطعام والشراب قبل مضي اليوم؟ أجمعوا على أنه لا يفوت قبل مضي اليوم، حتى لا يلزمه الكفارة قبل مضي اليوم، واختلفوا فيما إذا مضى اليوم. قال أبو يوسف يفوت وتجب الكفارة، وقال أبو حنيفة ومحمد رحمهما الله: يفوت ولا تحب الكفارة.
وعلى هذا لاختلاف إذا قال: والله لأقضين حق فلان غداً فقضاه اليوم أو أبرأه الطالب اليوم، ثم جاء الغد فمضى فالمسألة على هذا الاختلاف. وعلى هذا الخلاف إذا حلف ليقضين حق فلان يوم الجمعة، أو قال: إن لم أدفع إليك حقك يوم الجمعة فكذا فمات فلان قبل يوم الجمعة بطلت اليمين عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله.

وحاصل الخلاف راجع إلى حرف أن بهلاك المحلوف عليه قبل مضي اليوم أو بهلاك الحالف قبل مضي اليوم هل تنحل اليمين؟ عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تنحل لأن بهلاكها يفوت محل اليمين وهو محتمل للصدق والكذب فيحل اليمين عندهما خبر محتمل للصدق والكذب. ألا ترى أن عندهما لا ينعقد اليمين ابتداءً إذا لم يكن الخبر محتملاً للصدق حتى إن من حلف وقال: والله لأشربن الماء الذي في هذا الكوز ولا ماء فيه لا ينعقد اليمين عندهما، وإنما قلنا بأن هلاك الحالف أو المحلوف عليه يفوت الجزاء الذي هو محتمل للصدق لأن تحقيق الصدق فيما أخبر بعد هلاكها لا يتصور، وإذا انحلت اليمين هلاك أحدهما بشرط الحنث وهو عدم الأكل وجد واليمين منحلة فلا يقع الحنث، وعند أبي يوسف بهلاكها لا تنحل اليمين لأن بهلاكها قبل مضي اليوم لا يقوم محل اليمين عنده لأن محل اليمين عنده خبر في المستقبل وكونه محتملاً للصدق. فصل في الباب. ألا ترى أن كون الخبر في المستقبل محتملاً للصدق ليس بشرط لانعقاد اليمين ابتداءً حتى إن في مسألة الكوز ينعقد اليمين عنده، فكذا كون الخبر محتملاً للصدق لا يكون شرطاً لبقاء اليمين فيوجد شرط الحنث واليمين باقية فيقع الحنث.... الكلام إلى الابتداء.

وجه قول أبي يوسف: أن القدرة على تحقيق الصدق ليست بشرط لانعقاد اليمين استدلالاً بمسألة مس السماء وتحويل الحجر ذهباً فإن من حلف فقال: والله لأمسن السماء لأحولن الحجر ذهباً فإنه ينعقد يمينه، وكذلك إذا حلف ليقتلن فلاناً وفلان ميت

(4/212)


وهو يعلم بموته فإنه ينعقد يمينه إن كان عاجزاً عن تحقيق الصدق، وإذا لم تكن القدرة على تحقيق الصدق فيما أخبر شرطاً الانعقاد اليمين لا يكون كون الخبر محتملاً للصدق شرطاً أيضاً لأن المقصود من كون الخبر محتملاً للصدق هو تحقيق الصدق فيما أخبر، لأن البر به يقع وهو المقصود من اليمين.

وأبو حنيفة ومحمد رحمهما الله قالا: اليمين في الأصل شرعت لإيجاب الصدق في الخبر فيكون محله بحيث يحتمل الصدق لأن محل العقد ما يتصور فيه حكم العقد كمحل البيع فإن محل البيع ما يتصور فيه حكم البيع هو عين هو قال: لأن البيع شرع لإيجاب المال. فكذا اليمين شرع لتحقيق الصدق فيما أخبر وتحقيق الصدق فيما أخبر إنما يكون في خبر يحتمل الصدق، والصدق إنما يتحقق فيما أخبر بالأكل والشرب، والأكل والشرب لا يتحقق، والمأكول والمشروب معدومان فالفعل بدون محله لا بتصور والصدق إنما يتصور بتصور الفعل.
وأما إذا حلف ليقتلن فلاناً وفلان ميت قلنا ذكر محمد رحمه الله مسألة القتل. في «الأصل» على التفصيل فقال: إذا كان الحالف يعلم بموته وقت الحلف يحنث بالإجماع.
وإذا كان لا يعلم بموته فعلى قول أبي حنيفة ومحمد لا ينعقد يمينه، وعلى قول أبي يوسف رحمه الله ينعقد، وفي مسألة الكوز لم يفصل بينما إذا علم الحالف وقت الحلف ليس في الكوز ماء وبينما إذا لم يعلم، فمن مشايخنا من قال مسألة الكوز على التفصيل أيضاً لأن المعنى لا يوجب الفصل بينهم من فرق بينهما، وإطلاق محمد رحمه الله في مسألة الكوز يدل على التفريق، والفرق وهو أن في شأن إزالة الروح والتضييع والجرح فمتى لم يعلم الحالف بموت فلان فقد عقد يمينه على الأمرين على الجرح وانزهاق الروح القائم وقت الحلف وانزهاق الروح القائم وهو ميت مستحيل الكون فلم ينعقد يمينه، وإذا علم موته فقد عقد بيمينه على ما يتأتى فيه وهو الجرح، فإن جرحه فقد بر في يمينه وما لا فلا.
وفي مسألة الكوز ينعقد يمينه على إيجاد الشرب في الماء المشار إليه وإيجاد الشرب في ماء مشار إليه بدون الماء مستحيل الكون، وقد عقد يمينه على ما هو مستحيل الكون فلا ينعقد فلهذا افترقا.

وذكر في طلاق «المنتقى» مسألة القتل على خلاف ما ذكر في «الأصل» . قال: إذا قال الرجل: عبده حر إن لم أقتل فلاناً وفلان ميت، فإن كان يعلم بموته حين حلف فهو بمنزلة يمينه على شرب الماء الذي في هذا الكوز لا ماء فيه فلا يحنث عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله (363ب1) لأنه لم يحلف على شيء، فإن كان لا يعلم بموته حين حلف فهو حانث، وقال أبو يوسف: يحنث في الوجهين.

ولو قال: إن لم أشرب الماء الذي في هذا الكوز فعبده حر، أو قال: فامرأته طالق فأريق الماء أو مات الحالف إن لم يؤقت لذلك وقتاً لزمه الحنث وطلقت المرأة وعتق العبد، وإن وقت لذلك وقتاً بأن قال: اليوم إن أُريق الماء قبل مضي اليوم لا يلزمه الحنث قبل مضي اليوم بالإجماع وهل يلزمه الحنث بعد مضي اليوم؟ على قول أبي حنيفة ومحمد

(4/213)


رحمهما الله: لا يلزمه الحنث. وعلى قول أبي يوسف: يلزمه. وإن مات الحالف قبل مضي اليوم لا يلزمه الحنث بالإجماع، وإن لم يكن في الكوز ماء فهو على الخلاف الذي مر.
وإذا قال: لأفعلن كذا وذكر لذلك وقتاً فإن قال: شهر، أو يوم أو ما أشبه ذلك أو لم يذكر له وقتاً فله أن يفعل ذلك الفعل متى شاء ولا يلزمه الفعل من وقت اليمين وإذا قال: لا أفعل فهو من وقت اليمين.

(الفصل الرابع) في اليمين إذا جعل لها غاية
إذا جعل الحالف ليمينه غاية وفاتت الغاية بطلت اليمين عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله حتى إذا قال لغيره: والله لا أكلمك حتى يأذن لي فلان، أو قال لغريمه: والله لا أفارقك حتى تقضي حقي فمات فلان قبل الإذن برىء من غير المال فاليمين ساقطة في قول أبي حنيفة ومحمد خلافاً لأبي يوسف رحمهم الله، وعلى هذا إذا حلف ليوفين فلاناً ماله اليوم فأبرأه الطالب. وعلى هذا يخرج جنس هذه المسائل.

إذا قال: إن فعلت كذا ما دمت ببخارى فكذا فخرج من بخارى ثم رجع وفعل ذلك يجب أن يعلم بأن كلمة ما زال وما دام وما كان غاية ينتهي اليمين بها، فإذا حلف لا يفعل كذا ما دام ببخارى فخرج تنتهي يمينه بالخروج، فإذا عاد عاد واليمين منتهية فإذا فعل ذلك الفعل لا يحنث.
في «القدوري» وكذلك إذا حلف لا يشرب النبيذ ما دام ببخارى فخرج وعاد وشرب لا يحنث في يمينه.
في «فتاوى الفضلى» . وعلى هذا إذا حلف لا يصطاد ما دام فلان في هذه البلدة وفلان أمير هذه البلدة فخرج الأمير إلى بلدة أخرى لأمر فاصطاد الحالف قبل رجوعه أو بعد رجوعه لا يحنث في يمينه لأن اليمين انتهى بخروج الأمير.
في «فتاوى أبي الليث» رحمه الله: وعلى هذا إذا حلف لا يدخل دار فلان ما دام فلان فيها فخرج فلان بأهله ثم عاد ودخل الحالف لا يحنث في يمينه لأن اليمين انتهت بخروجه.
في «العيون» : وعلى هذا إذا حلف لا يكلم فلاناً ما دام في هذه الدار فخرج بمتاعه وأثاثه ثم عاد وكلمه لا يحنث في «القدوري» والمعنى ما ذكرنا.
ثم في بعض هذه المسائل ذكر خروجه بأهله ومتاعه، وفي بعضها ذكر خروجه ولم يذكر إخراج أهله وعياله، ونص في «فتاوى أبي الليث» رحمه الله في مسألة أخرى أن إخراج أهله ومتاعه شرط فإنه قال: إذا قال الآخر: والله لا أكلمك ما دمت في هذه الدار فهو على ما كان ساكناً فيها ولا يسقط يمينه إلا بانتقال يبطل السكنى لأن قوله ما دمت في

(4/214)


هذه الدار عبارة عن قوله ما سكنت فإنما ينتهي اليمين ببطلان السكنى وذلك بانتقال أهله ومتاعه وأثاثه على ما يأتي بيانه في فصل السكنى إن شاء الله تعالى.
ونص الفضلي في «فتاويه» أن نقل أهله ومتاعه ليس بشرط وخروج المحلوف عليه بنفسه يكفي لانتهاء اليمين فإنه قال في مسألة الشرب: لو خرج من بخارى بنفسه لا غير، ثم شرب لا يحنث إلا إذا عنى بقوله: ما دمت ببخارى أن تكون بخارى وطناً له.
وفي «القدوري» إذا قال: والله لا أكلم فلاناً ما دام عليه هذا الثوب أو ما كان عليه أو ما زال عليه فنزعه ثم لبسه فكلمه لا يحنث. ولو قال: لا أكلمه وعليه هذا الثوب فنزعه ثم لبسه وكلمه حنث لأن في هذه الصورة ما جعل اليمين مؤقتاً بوقت بل قيده بصفة فيبقى اليمين ما بقيت تلك الصفة.

وفي «فتاوى أبي الليث» رحمه الله إذا قال لأبويه: إن تزوجت ما دمتما حيين فكذا، فتزوج امرأة في حياتهما وحنث، لو تزوج امرأة أخرى في حياتهما لا يلزمه الحنث، ولو قال: لكل امرأة أتزوجها ما دمتما حيين، وقال بالفارسية: «هررنى» يلزمه الحنث بكل امرأة يتزوجها ما داما حيين فإن مات أحدهما. روي عن محمد رحمه الله أنه سقط اليمين حتى لو تزوج امرأة بعد ذلك لا يلزمه حكم الحنث لأن شرط الحنث التزوج ما داما حيين ولا يتصور ذلك بعد موت أحدهما فيسقط اليمين ضرورة.
وفي «المنتقى» رواية مجهولة إذا قال لأبويه: كل امرأة أتزوجها فهي طالق حتى تموتا فمات أحدهما لا يسقط اليمين، ولو قال: كل امرأة أتزوجها ما دمتما حيين فمات أحدهما لا يسقط اليمين حتى لو تزوج امرأة بعد ذلك لا يلزمه الحنث.
وفي «فتاوى أبي الليث» رحمه الله إذا قال لامرأته: والله لا أكلمك ما دام أبواك حيين فكلمها بعد (ما) مات أحدهما لا يحنث لأن اليمين قد سقط بموت أحدهما وفي هذا الموضع إذا حلف لا يأكل هذا الطعام ما دام في ملك فلان، فباع فلان بعضه ثم أكل الحالف الباقي لا يحنث لأن اليمين قد انتهى ببيع البعض.

وإذا قال لغيره: إن لم أخبر فلاناً بما صنعت حتى يضربك فعبدي حر أو قال: امرأتي طالق، فأخبر فلاناً بما صنع فلم يضربه حتى مات لا يحنث في يمينه الأصل أن كلمة حتى تجيء في كلام العرب بمعنى الغاية، قال الله تعالى: {حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود} (البقرة: 187) وتجيء بمعنى لام السبب قال الله تعالى: {وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام ا} (التوبة: 6) معناه ليسمع كلام الله. وتجيء بمعنى العطف يقال: جاءني القوم حتى زيد، أي: وزيد معهم غير أنها في الأصل للغاية فيحمل على الغاية ما أمكن، وشرط إمكان حملها على الغاية أن يكون ما دخل عليه كلمة حتى قابلاً للامتداد، وأن يكون ما دخل عليه كلمة حتى مقصوداً.... في أنها المحلوف عليه، وفي تركه، فإن تعذر حملها على الغاية تحمل على لام السبب، وشرط

(4/215)


إمكان حملها على لام السبب أن يكون العقد معقوداً على فعلين أحدهما من جهته والآخر من جهة غيره ليصلح أحدهما خبراً للآخر فإن تعذر حملها على لام السبب تحمل على العطف، ومن حكمة الغاية أن يشترط وجودها للبر، فإن أقلع عن الفعل قبل الغاية يحنث في يمينه، ومن حكم لام السبب أن يشترط وجود ما يصلح سبباً لا وجود المسبب، ومن حكم العطف أن يشترط وجودها للبر.

وإن ثبت هذا جئنا إلى تخريج المسألة فنقول: شرط البر في هذه المسألة إخبار مطلقاً إخبار ينتهي بالضرب، لأن الإخبار مما لا يمتد، ولهذا يضرب له مدة فلا يقال: أخبر به يوماً أو شهراً أو ما أشبه ذلك فلا يمكن (364أ1) حمل حتى على الغاية فيحمل على لام السبب ما أمكن ذلك لأن الإخبار يصلح سبباً للضرب لأنه بالإخبار بما صنع أعداه على الضرب فحمل عليه كأنه قال: إن لم أخبر فلاناً بما صنعت ليضربك. وهذا وقوله: إن لم أسبب لضربك ليضربك سواء، فإذا أخبر قد سبب لضربه فيبر في يمينه.
وهو نظير ما لو حلف ليهبن فلاناً ثوباً حتى يلبسه، أو دابة حتى يركبها فوهبه برّ في يمينه لبسه فلان أو لم يلبس، ركبها فلان أو لم يركب، وكذلك لو حلف ليشهدن عليه بكذا بين يدي القاضي حتى يقضي به عليه فشهد عليه، ولم يقض القاضي به بر من يمينه، ولو قال: إن لم أضربك حتى يضربني فكذا، فضربه الحالف بر من يمينه ضرب المحلوف عليه الحالف لا يصلح غاية لما ذكرنا أن غاية الشيء مما يؤثر في إنهائه، وضرب المحلوف عليه الحالف يدعوه إلى زيادة الضرب لا إلى تركه وإنهائه فلا يصلح غاية، أما يصلح خبراً فيحمل عليه.
ولو قال: إن لم أضربك حتى يدخل الليل أو حتى يشفع لك فلان أو حتى يصلح، أو حتى يشتكي فأقلع عن الضرب قبل هذه الأشياء يحنث في يمينه؛ لأن هذه الأشياء تصلح غاية للضرب؛ لأن الإنسان يمتنع عن الضرب بهذه الأمور فصار شرط النية الضرب الممتد إلى هذه الأشياء، فإذا أقلع قبل هذه الأشياء لم يوجد شرط البر يقع الحنث ضرورة.
وكذلك إذا قال لغريمه: إن لم آتك حتى تعطيني حقي فتركه قبل أن يقضيه حنث؛ لأن الملازمة مما يمتد وإنما ينتهي عند وجود القضاء عادة فحمل كلمة (حتى) على الغايه وصار شرط البر ملازمة ممتدة إلى وقت الاستيفاء.
ولو قال: عبده حر إن لم آتك اليوم حتى أتغذى عندك، أو قال: إن لم تأتني اليوم حتى تتفدى عندي، أو قال: إن لم آتك اليوم حتى أعذبك، أو قال: إن لم تأتني اليوم حتى تعذبني، أو قال: إن لم آتك اليوم حتى أجربك كان وجودها شرطاً للبر لأنه لا يمكن حمل حتى على الغاية لأن الإثبات مما لا يمتد، وإنه ظاهر، ولا على لام السبب لأنه عقد اليمين على فعلين من جهة واحدة، وفعل الإنسان لا يصلح حداً لفعله فحمل على العطف وصار تقدير يمينه إن لم آتك فأتغدى عندك، ولو نص على هذا كان وجودهما شرطاً للبر، كذا هاهنا.

(4/216)


وإن أطلق الكلام إطلاقاً فقال: إن لم آتك حتى أتغدى عندك فكذا فأتاه ولم يتغد عنده ثم تغدى عنده في يوم آخر من غير أن يأتيه بر في يمينه لأنه لما أطلق الكلام إطلاقاً كان شرطاً لبر وجودهما في الجملة سواء اتصل أحدهما بالآخر أو انفصل عنه لتحقق البر أولاً، فرق بين وجود شرطي البر معاً وبين وجودهما على التعاقب هذه الجملة من «الزيادات» .

في «المنتقى» عن ابن سماعة قال: سمعت أبا يوسف رحمه الله يقول في رجل قال لغريمه: والله لا أفارقك حتى تعطيني حقي اليوم، ونيته أن لا يترك لزومه حتى يعطيه حقه فمضى اليوم ولم يفارقه ولم يعطه حقه لا يحنث، فإن فارقه بعد مضي اليوم يحنث.
كذلك إذا قال: لا أفارقك حتى أقدمك إلى السلطان اليوم، أو حتى يخلصك السلطان مني فمضى اليوم ولم يفارقه ولم يقدمه إلى السلطان ولم يخلصه السلطان فهو سواء لا يحنث إلا بتركه. ولو قدم اليوم فقال: لا أفارقك اليوم حتى تعطيني حقي بمضي اليوم ولم يفارقه ولم يعطه حقه لم يحنث، وإن فارقه بعد مضي اليوم لا يحنث لأنه وقت للفراق ذلك اليوم.
في «المنتقى» ابن سماعة عن محمد رحمه الله إذا قال: والله لا أحج حتى أعتمر. فأحرم بعمرة في حجة وقضى بينهما حتى أنهما لا يحنث في يمينه، قال لأنه اعتمر قبل الحج وإنما يكون حاجاً حين تقف.
وفيه أيضاً: إذا حلف لا يعطي فلاناً ماله حتى يقضي عليه قاض، فقضى القاضي بذلك على وكيله، فهذا قضاء عليه لو أعطاه بعد ذلك لا يحنث.
وفي «نوادر هشام» عن أبي يوسف رحمه الله في رجل دعا جاريته إلى فراشه فأبت عليه فقال: إن لم تجيئيء الليل حتى أجامعك مرتين فأنت حرة فجاءته من ساعتها فجامعها مرة لم يزد عليها قال: تعتق. وروى عيسى بن أبان عن محمد رحمه الله إذا قال لامرأته: إن لم تجيئي الليل حتى أغشاك فأتت في تلك الليلة فلم يغشاها قال لا حنث عليه، قال: وإنما كانت اليمين على مجيئها إليه، ولم يكن على عشيانه لها، فإذا أتته فقد بر في يمينه، فإن شاء غشاها وإن شاء تركها. قال الفقيه أبو العباس رحمه الله قال أبو يوسف في مسألة الجارية إنما تعتق فيحتمل أن يكون في المسألة خلاف بينهما ويحتمل أن هناك مع ذكر الجماع ذكر عدد وليس هناك ذكر عدد.
في «المنتقى» عن أبي يوسف رحمه الله إذا قال الرجل: إن خرجت من هذه الدار حتى أكلم الذي فيه فكذا، وليس فيها أحد فخرج حنث في قول أبي حنيفة رحمه الله وفي قول أبي يوسف لا يحنث وهذا الجواب مشكل على القرائن جميعاً.
وفي «فتاوى أبي الليث» رحمه الله إذا حلف الرجل لا يكلم فلاناً إلى قدوم الحاج فقدم واحد منهم انتهت اليمين، وكذلك لو حلف لا يكلم فلاناً إلى الحصاد فحصد واحد من أهل بلده انتهت اليمين، وعلى هذا القياس.... هذه المسائل.

(4/217)


إذا حلف لا يكلم فلاناً.... يتقيد هذا على وجهين، أما إن نوى حقيقة وقوع الثلج أو نوى وقت وقوع الثلج ففي الوجه الأول لا يقع الحنث ما لم يقع الثلج حقيقة على الأرض وشرطه الوقوع على الأرض وشرط الوقوع على الأرض في البلد الذي الحالف فيه لا في بلد آخر، حتى لو كان الحالف في بلدة لا يقع الثلج هناك كانت اليمين باقية، وإذا نوى وقوع الثلج حقيقة فحقيقته أن يحتاج إلى كبه ولا تعتبروا ظاهر في الهواء فقالا: يستبين على الأرض إلا على لبن حائط أو حشيش وإن نوى وقت وقوع الثلج لا يقع الحنث ما لم يدخل وقت وقوع الثلج وهو أول الشهر الذي يقال له، وإنما ذكره في مسألة أخرى، وقال: يمينه على وقت الوقوع لأنه هو المراد من اليمين عادة، وإذ حلف لا يكلم فلاناً إلى الموسم قال محمد يكلمه إذا أصبح يوم النحر، وقال أبو يوسف: يكلمه إذا زالت الشمس يوم عرفة.m

وفي «فتاوى أهل سمرقند» إذا قال الغريم للطالب: والله لأقضين دينك إلى يوم الخميس فلم يقضه حتى طلع الفجر من يوم الخميس حنث.
ولو قال: إلى خمسة أيام وباقي المسألة بحالها لا يحنث حتى تغرب الشمس من يوم الخامس لأن الغاية في الصورة الأولى يوم الخميس وقد وجد ما طلع الفجر من يوم الخميس، وفي الصورة الثانية الغاية خمسة أيام ولا توجد الأيام الخمسة إلا بغروب الشمس من يوم الخامس.
ولو حلف (لا) يكلم فلاناً عشرة أيام فدخل اليوم العاشر في اليمين. وفي «فتاوى أبي الليث» رحمه الله إذا قال الرجل: إن تزوجت امرأة إلى خمس سنين فتزوج في السنة الخامسة (364ب1) تطلق لأن السنة الخامسة داخلة في اليمين على ما ذكرنا. ألا ترى أنه لو استأجر داراً إلى خمس سنين دخلت تحت الإجارة السنة الخامسة كذا هاهنا.

وفي «فتاوى الفضلي» إذا قال: إن أكلت من خبز والدي ما لم أتزوج فاطمة، وكل امرأة أتزوجها فهي طالق، فأكل ثم تزوج فاطمة طلقت لأن عند الأكل قبل التزوج يصير قائلاً: كل امرأة أتزوجها فهي طالق، ولو قال هكذا وتزوج فاطمة طلقت. كذا هاهنا والله أعلم.
ومما يتصل بهذا الفصل: إذا أرادت المرأة الخروج من الدار فقال لها الزوج: إن خرجت فأنت طالق فجلست ساعة ثم خرجت لا تطلق، وكذلك لو أراد رجل أن يضرب عبده فحلف رجل أن (لا) ضربه فهذا على تلك الضربة، حتى لو مكث ساعة ثم ضربه لا يحنث وسمى هذا يمين الفور، وهذا لأن الخرجة التي قصدت والضربة التي قصدت هي المقصود بالمنع عنها عرفاً وعادة فيتعين ذلك بالعرف والعادة.
وإذا دخل على رجل فقال له: تعال تغدّ معي فقال: والله لا أتغدى فذهب إلى بيته وتغدى مع أهله لا يحنث، وكذلك إذا قال الرجل لغيره: كل مع فلان فقال لا آكل. ووجه ذلك أن يمينه عقدت على غداء معين وهو الغداء الذي دعى لأن قوله: والله لا

(4/218)


أتغدى خرج جواباً لسؤال المخاطب وأمكن جعله جواباً لأنه لم يزد على حرف الجواب فيجعل جواباً، والجواب يتضمن إعادة ما في السؤال والسؤال وقع عن غداء بعينه بدلالة قوله: تغد معي أي هذا الغداء فيجعل ذلك كالمصرح به في السؤال كأنه قال: تغد معي هذا الغداء، وإذا ثبت هذا في السؤال بدلالة الحال ثبت في جواب لأن الجواب يتضمن إعادة ما في السؤال، وليس كما لو ابتدأ اليمين لأن كلامه لم يخرج جواباً حتى يتقيد بل خرج ابتداءً وهو مطلق عن القيد فينصرف إلى كل غداء، بخلاف مالو قال: والله لا أتغدى معك لأنه زاد على حرف الجواب ومع الزيادة على حرف الجواب لا يمكن أن يجعل جواباً فجعل ابتداءً ولا قيد فيه، وإذا قال لغيره: كلم لي زيداً اليوم في كذا فقال: والله لا أكلمه فهذا التخصيص باليوم لأنه خرج جواباً عن الكلام السابق فتضمن إعادة ذلك.

وعلى هذا إذا قال: ائتني اليوم فقال امرأته طالق إن أتاك، قال القدوري في «شرحه» إلا إذا تخلل بين السؤال والجواب ما يقطع الجواب عنه والله أعلم.

(الفصل الخامس) في الأيمان التي يقع فيها التخيير والتي لا يقع فيها التخيير
قال محمد رحمه الله في «الجامع» إذا قال الرجل: والله لا أدخل هذه الدار (أو هذه) فأي الدارين دخلها يحنث.
الأصل في جنس هذه المسائل أن كلمة (أو) إذا دخلت بين اسمين في النفي كانت بمعنى ولا، قال الله تعالى: {فلا تطع منهم آثماً أو كفوراً} (الإنسان: 24) معناه: ولا كفوراً، وكذلك إذا دخلت بين اسم وفعل في النفي كانت لمعنى ولا، قال بعض أهل التفسير: معنى الآية ولا تطع منهم آثماً ولا تطع منهم كفوراً بحكم العطف وكلمة أو من حيث الصورة والظاهر دخلت بين الاسمين وهو الآثم والكفور، ومن حيث المعنى دخلت بين الاسم وهو الآثم والفعل وهو الطاعة ومتى دخل كلمة أو بين إثباتين يكون للتخيير قال الله تعالى: {فكفارته إطعام عشرة مساكين} (المائدة: 89) الآية ومتى دخلت بين إثبات ونفي، إن كان المذكور الثاني تصلح غاية للمذكور أولاً كانت للغاية، وإنما تعرف صلاحيته لكونه غاية للأول إذا لو صرح بكلمة حتى مكان أو يستقيم الكلام ولا يخيل بقول الرجل لغريمه لا أبرح من بابك أو تعطيني حقي، معناه: حتى تعطيني حقي، وإن كان المذكور الثاني لا يصلح للمذكور الأول غاية كانت للتخيير فكان بهذا القائل خير نفسه بين اختيار المذكور الأول وبين اختيار المذكور الثاني.
إذا عرفنا هذا جئنا إلى تخريج المسألة وهي ما إذا قال: والله لا أدخل هذه الدار أو لا أدخل هذه، فنقول كلمة أو دخلت بين اسم وهو الدار وبين فعل وهو الدخول في النفي فكانت لمعنى ولا، كأنه قال: لا أدخل هذه الدار ولا هذه الدار، ولو صرح بذلك إذا دخل في أحدهما يحنث في يمينه. كذا هاهنا.

(4/219)


ولو قال: والله لأدخلن هذه الدار اليوم أو لأدخلن هذه الدار الأخرى فأيهما دخل بر في يمينه؛ لأن كلمة أو دخلت بين إثباتين فكان للخبر فصار غايتها دخول إحدى الدارين مخيراً نفسه بين دخول هذه أو هذه فإذا دخل إحديهما فقد أتى بما التزم فقد بر في يمينه. وتسقط اليمين ضرورة ولو لم يدخل واحدة منهما حتى مضى اليوم حنث في يمينه.
ولو قال: والله لا أدخل هذه الدار أبداً أو لأدخلن هذه الدار الأخرى اليوم، فإن دخل الأولى حنث في يمينه وإن لم يدخل الأولى ولم يدخل الأخرى حتى مضى اليوم حنث في يمينه، ولكن إنما يحنث في هذا الوجه في يمين الإثبات، وإنما كان هكذا لا بكلمة، أو دخلت بين نفي وإثبات، والمذكور، ثانياً لا يصلح غاية للمذكور أولاً لأن ذكر الأبد في النفي ذكر اليوم في الإثبات، واليوم لا يصلح غاية للأبد؛ لأن غاية الشيء ما ينتهي بها ذلك الشيء، والأبد لا ينتهي بشيء فجعل هاهنا للتخير فقد خير نفسه بين أن يلزم يمين النفي وبين أن يلزم يمين الإثبات، فإن شاء دخل الدار الأخرى حين يسقط يمين الإثبات وإن شاء لم يدخل الدار الأخرى اليوم حتى يسقط يمين النفي.

ولو قال: والله لا أدخل هذه الدار أو أدخل هذه الدار الأخرى فدخل الأولى حنث في يمينه، وإن لم يدخل الأولى ودخل الأخرى بر في يمينه لأن كلمة أو دخلت بين نفي بين إثبات. والمذكور ثانياً يصلح غاية للمذكور أولاً؛ لأنه لم يذكر في النفي والإثبات ثانياً في الغاية، فجعلنا المذكور غاية المذكور أولاً، وجعلنا المنعقد يميناً واحدة وهي يمين النفي وغايتها دخول الدار الأخرى ألا ترى أنه لو صرح بالغاية بأن قال: والله لا أدخل هذه الدار حتى أدخل هذه الدار الأخرى كان الكلام صحيحاً مستقيماً، فإن دخل الدار الأخرى فقد وجدت الغاية فيسقط يمين النفي، وإن دخل الدار الأولى ولم يدخل الدار الأخرى فقد وجد شرط الحنث في اليمين الأولى قبل وجود الغاية وقبل انتهائها فيجب في اليمين الأولى، ولو قال: والله لا أدخل هذه الدار أو أدخل هذه الدار الأخرى فالمنعقد هاهنا يمين النفي وحدها وغايتها دخول إحدى الدارين (365أ1) الأخريين فإن دخل الدار الأولى حنث في يمين النفي، وإن لم يدخل الأولى ودخل إحدى الأخريين بر في يمينه وروي عن محمد رحمه الله فمن قال: عبده حر إن لم يدخل هذه الدار اليوم فإن لم يدخل اليوم دخل هذه قال هذا ليس باستثناء واليمين على حالها لأنه لم يوجد لفظ الخبر ههنا ولم تتغير الأولى فإذا لم يدخل الأولى اليوم حنث في يمينه.
وفي «القدوري» عن أبي يوسف: إذا قال لامرأته أنت طالق أو والله لأضربن هذا الخادم اليوم، فضربه في يومه فقد بر في يمينه ولم يقع الطلاق؛ لأن الثابت أحدهما فإذا وجد الضرب ينفي الطلاق وإن مضى اليوم قبل الضرب حنث فالخبر يبرأ ومع الطلاق فيلزم بعد اليمين لأن الثابت بأحدهما والإجمال كان منه وكان التعيين إليه.

ولو قال في ذلك اليوم اخترت أن أوقع الطلاق لزمه وبطلت اليمين ضرورة، ولو قال في ذلك: اخترت التزام اليمين وإبطال الطلاق، فإن الطلاق لا يبطل لأن اليمين لا يلزم الإنسان بالتزامه فلا يتعين بالاختيار، يوضحه: أن الاختيار مما يلزمه من الحكم

(4/220)


وبعد الحنث الكفارة تلزمه وقبله لا فلا يصح تعيين اليمين قبله.
عاد إلى أول المسألة، فقال: لو مات الخادم قبل الضرب فهو يخير بين الكفارة والطلاق؛ لأن الحنث ثبت في إحدى اليمينين، ولو كان الرجل هو الميت فقد وقع الحنث أو الطلاق وقد مات قبل أن يبين فلا يقع الطلاق ولها الميراث قال: وهذا التخيير من حيث التدين، يعني: فيما إذا مات الخادم ولا يجبره القاضي على ذلك لأنه لما كان مخيراً بين الكفارة والطلاق وأحدهما لا يدخل في الحكم لم يلزمه القاضي بذلك، حتى لو كان مكان الكفارة طلاق امرأة أخرى يخيره القاضي حتى يتبين لأن الواقع طلاق لا محالة وأنه يدخل في الحكم، ولو قال: أنت طالق أو عليَّ حجة لم يخيره القاضي لأن الحج لا يدخل في الحكم ولو قال: أنت طالق ثلاثاً أو فلانة عليّ حرام يعني اليمين لم يجبره القاضي حتى تمضي أربعة أشهر فإذا مضت قبل أن يقربها أجبره القاضي على أن يوقع الطلاق أو الذي تكلم به؛ لأن قبل مضي أربعة أشهر أمكنه أن يسقط ذلك عن نفسه بأن كفر بواسطة القربان فلا كذلك بعد مضي أربعة أشهر.
وفي «نوادر ابن سماعة» عن محمد رحمه الله: إذا قال والله لا أكلمك اليوم أو غداً حنث في الحال؛ لأنه كلمه بعد اليمين بقوله أو غداً، ولو قال: والله لأتركن كلامه اليوم فترك كلامه اليوم وكلمه غداً لا يحنث.

وروى ابن رستم عن محمد رحمه الله إذا قال: إن كلمت فلاناً فهذا حر وهذه مكاتبة قال هو مخير في إيقاعه على أيهما شاء لأن هذا معرفة. ولو قال: إن كلمت فلاناً فكل عبد أملكه أو أمة حر، فكلمه قال: هو عليهما يعتق كل عبد يملكه وكل أمة يملكها لأن هذا نكرة. وكذلك قوله: إن كلمت فلاناً فكل مملوك أملكه يوم الجمعة أو يوم الخميس حر، فهو على ما يملكه في اليومين جميعاً. ولو قال: إن كلمت فلاناً فعلي حجة أو عمرة فهو مخير لأنه معرفة والله أعلم.

الفصل السادس في الرجل يحلف فينوي التخصيص
قال محمد في «الجامع الصغير» : إذا قال إن لبست فامرأتي طالق ونوى ثوباً دون ثوب لا تصح نيته في القضاء ولا فيما بينه وبين الله تعالى وهو قول الشافعي رحمه الله وبه أخذ الخصاف من أصحابنا رحمهم الله وقال: هذا إذا قال: إن شربت فنوى شراباً دون شراب، أو قال: إن أكلت ونوى طعاماً دون طعام لم تصح نيته في القضاء وفيما بينه وبين الله تعالى في ظاهر مذهب أصحابنا رحمهم الله إلا روايه عن أبي يوسف رحمه الله وأخذ بها الخصاف ولو قال: إن لبست ثوباً، أو قال: إن شربت شراباً، إن أكلت طعاماً، فنوى ثوباً بعينه أو شراباً بعينه أو طعاماً بعينه دُّين فيما بينه وبين الله تعالى بلا خلاف.

ووجه رواية أبي يوسف رحمه الله: أنه نوى تخصيص ما ثبت فيقتضي لفظه لأنه

(4/221)


نوى تخصيص الملبوس أو المشروب أو المأكول وهذه الأشياء مذكورة تقتضي لفظه؛ لأن ذكر الأكل والشرب واللبس ولا وجود بهذه الأفعال إلا بالمشروب والملبوس والمأكول ذكر لهذه الأشياء، فهو معنى قولنا: نوى تخصيص ما هو مذكور مقتضى لفظه والثابت اقتضاء كالثابت نصاً، ولو ثبت ذكر هذه الأشياء نصاً بأن قال: إن لبست ثوباً وكذلك في نظائره رجح نسبة التخصيص فكذا إذا ثبت ذكرها اقتضاء بهذا الطريق قلنا: إذا قال إن خرجت فعبدي حر فنوى خروجاً دون خروج تصح نيته فيما بينه وبين الله تعالى ولظاهر رواية علمائنا رحمهم الله عبارتان.
فإن الأولى: أن النية إنما تعمل في المذكور والملفوظ لأن النية كتعيين ما يحتمله اللفظ مراد باللفظ وبعدما تبين فالحكم يثبت باللفظ فمتى لم يكن اللفظ محتملاً لما نوى لا يتعين ما نوى بلفظ لو تغير تعين نيته، ومجرد النية لا أثر لها في إثبات الحكم.
إذا ثبت هذا فنقول: الملبوس والمشروب والمأكول غير مذكور لا نصاً وهذا ظاهر ولا مقتضى لفظه لأن مقتضى اللفظة ما لا صحة للملفوظ بدونه والملفوظ ههنا صحيح بدون ذكر هذه الأشياء؛ لأن اليمين إنما عقدت لمنع فعل الأكل والشرب واللبس، ولا حاجة عند منع نفسه عن هذه الأفعال إلى وجود هذه الأشياء، إنما يحتاج إلى وجود هذه الأشياء عند مباشرة هذه الأفعال، وإذا لم تصر هذه الأشياء مذكورة أصلاً لو صحت منه التخصيص صحت في غير الملفوظ ولا وجه إليه، ولئن سلمنا أن هذه الأشياء صارت مذكورة اقتضاء، ولكن إنما صارت مذكورة بطريق الضرورة من حيث إن هذه الأفعال لا بد لها من هذه المحال إلا أن الثابت بالضرورة لا يعد واقع منع الضرورة ولا ضرورة في حق التعميم لأن بهذه الأفعال مر التعميم فلم يثبت ذكر هذه الأشياء في حق التعميم فلا يصح نيه التخصيص فيما لا عموم له بأكله.
العبارة الثانية (365ب1) : أن نيته لو صحت إما أن تصح في الملفوظ وهو قوله: إن لبست أو شربت أو أكلت، أو فيما ثبت مقتضى الملفوظ وهو الملبوس والمشروب والمأكول لا وجه إلى الأول لأنه لو صحت نيته في قوله: إن لبست إما أن تصح من حيث أنه نوى بخصوص عن العموم ولا وجه إليه؛ لأن قوله إن لبست فعل والفعل لا عموم له إنما العموم للأسماء هكذا حكي عن سيبويه وهذا لأن الاسم مشتمل على أعيان كثيرة فيكون له عموم فأما الفعل إنما يقع على معنى واحد ولا يكون له عموم ولأن الفعل وجوده بالمباشرة فتتغلب بقدر المباشرة وإما أن يصح من حيث أنه أحد نوعي الفعل ولا وجه إليه أيضاً؛ لأن اللبس غير متنوع لغة وإنما التنوع في محل اللبس ولا وجه أن تصح نيته فيما ثبت مقتضى الملفوظ وهو الملبوس بوجهين على ما بينا في العبارة الأولى وفيما إذا قال: إن لبست ثوباً إن شربت شراباً إن أكلت طعاماً إنما صحت نيته فيما بينه وبين الله تعالى لأن الثوب والطعام والشراب مذكور نصاً على سبيل النكرة في موضع الشرط الذي هو موضع النفي، والنكرة في موضع النفي تعم فإذا نوى شيئاً دون شيء فقد نوى الخصوص من اللفظ العام، وإرادة الخصوص من اللفظ العام جائر، ولكنه خلاف الظاهر

(4/222)


فلأجل الجواز يدين فيما بينه وبين الله تعالى ولمكان أنه خلاف الظاهر لا يصدقه القاضي.

ومن هذا الجنس ذكر في «الجامع الكبير» وصورتها: قال إن اغتسلت الليلة فعبدي حر، ثم قال: عنيت به الاغتسال عن جنابة لا يصدق ديانة، وعن أبي يوسف يصدق ديانة وإنما لا يصح قضاء وديانة على ظاهر الرواية؛ لأنه لو صحت نيته إما أن تصح في الملفوظ وهو قوله: إن اغتسلت ولا وجه إليه من حيث أنه نوى الخصوص عن العموم؛ لأن قوله: إن اغتسلت فعل والفعل لا عموم له ولا موجب أنه نوى أحد نوعي الفعل لأن الاغتسال غير متنوع لغة لأنه عبارة عن إهدار وإنما التنوع للأسباب التي يقع بها الاغتسال، وإما أن تصح نيته فيما ثبت مقتضى الملفوظ وهو الاغتسال ولا وجه إليه لأن الاغتسال ههنا إنما يثبت ضرورة صحة الفعل؛ لأن الفعل لا بد له من المصدر وهو الفعل ولا ضرورة في حق التعميم، لأن الفعل له بد في التعميم فكان ذكره المصدر عدماً في حق التعميم فلا يصح نية التخصيص فيه.
وفي قوله: إن اغتسلت اغتسالاً، نيته صحت في الاغتسال الذي هو مصدر والاغتسال مذكور نصاً، والمصدر قائم مقام الاسم، والاسم له عموم فتصح نية التخصيص فيه.
وإذا قال: إن خرجت، فقد ذكر هذه المسألة في «الجامع» : وجعلها على وجهين أحدهما: أن يقول: إن خرجت خروجاً، والثاني. أن يقول: إن خرجت (.....) من ذلك على وجوه: إما إن لم ينو شيئاً وفي هذا الوجه يمينه على السفر وما دونه في الوجهين جميعاً لأن الخروج ذكر مطلقاً غير مقيد بالسفر وما دونه وإن نوى السفر إلى مكان كأن نوى السفر إلى بغداد والذي لا تصح نيته لا قضاء ولا ديانة وإن نوى السفر أو ما دون السفر صدق ديانة ولا يصدق قضاء ذكر الجواب هكذا في الوجهين.

وهذا الجواب ظاهر فيما إذا قال: إن خرجت خروجاً لأنه نوى الخصوص عن العموم فيما هو ملفوظه وهو الخروج، فإن قال: خروجاً والخروج مصدر والمصدر يقام مقام الاسم والاسم له عموم ونية الخصوص عن العموم مما هو ملفوظ به صحيحاً ديانة لا قضاء مشكل فيما إذا قال إن خرجت ولم يقل خروجاً؛ لأن الخروج إذا لم يكن مذكوراً قبله خروج دون خروج يكون نية تخصيص ما ليس ملفوظ وذلك لا يصح كما لو قال: إن اغتسلت ونوى اغتسالاً دون اغتسال حكي عن القاضي أبي القاسم رحمه الله عن القضاة الثلاثة أنهم كانوا يقولون لا تصح نيته في هذه الصورة وكانوا يقولون ما ذكر محمد من الجواب، جواب قوله إن خرجت خروجاً لا جواب قوله إن خرجت.
ومن المشايخ من قال: ما ذكر من الجواب جواب قوله إن خرجت أيضاً وهذا القائل يفرق بين قوله إن خرجت وبين قوله: إن اغتسلت.

(4/223)


والفرق: أن الخروج في نفسه متنوع لغة، خروج مديد يسمى سفراً، وخروج قصير (لا) يسمى سفراً (بل) خروجاً فتصح نيته في قوله إن خرجت من حيث أنه نوى أحد نوعي الفعل فأما الاغتسال في نفسه ليس بمتنوع على ما مر.
وفي هذا الجنس إذا قال إن اغتسلت الليلة في هذه الدار فعبدي حر وقال عنيت فلاناً لا تصح نيته لأنه نوى تخصيص الفاعل والفاعل ليس بمذكور.

ولو قال: إن اغتسل هذه الليلة في هذه الدار أحد وقال عنيت فلاناً صحت نيته فيما بينه وبين الله لأن الفاعل مذكور وأنه عام فقد نوى تخصيص العام المذكور فتصح نيته وفي «الأصل» إذا حلف لا يسكن داراً لفلان وهو يعني بأجْر ولم يكن قبل ذلك كلام فسكنها بغير أجر فإنه يحنث ولا تصح نيته لأنه نوى تخصيص السكنى والسكنى الذي هو اسم غير مذكور وإنما المذكور هو الفعل وهو قوله: لا يسكن، فلا تصح نية التخصيص في الاسم، كما لو حلف لا يأكل ثم قال: عنيت طعاماً دون طعام، فإنه لا تصح نيته؛ لأن الطعام غير مذكور إنما المذكور هو فعل الأكل، فرق بين هذا وبين ما إذا حلف لا يسكن داراً يشتريها فلان ثم قال: عنيت داراً يشتريها لنفسه فإنه يكون مصدقاً وقد نوى تخصيص الشراء والشراء ليس في لفظه؛ لأنه ذكر فعل الشراء ولم يذكر الاسم وهذا قال: لا تصح نية التخصيص في السكنى؛ لأن السكنى غير ملفوظ، إنما الملفوظ هو الفعل.

ووجه الفرق بينهما أن نية الشراء ما صحت من حيث إنه نوى التخصيص وإنما صحت من حيث إنه نوى أحد نوعي الشراء فإن الشراء نوعان: ما يوجب الملك له، وما يوجب الملك لغيره، وهما يختلفان حكماً، ولا بد أن يكونا نوعين وبيان النوع جائز، وإن لم يذكر اسم ذلك النوع وإنما ذكر الفعل لا غير كما لو حلف لا يخرج ولم يقل خروجاً ثم قال: عنيت الخروج إلى السفر أو إلى ما دون السفر فإنه يصح وإن لم يذكر اسم هذا الفعل وإنما ذكر الفعل غير لأنه بيان نوع لابيان تخصيص بخلاف السكنى؛ لأن السكنى كله جنس واحد لأن حكم الكل واحدة وهو كينونته في الدار إنما تختلف الصفة لا غير يكون بأجر وبغير أجر، وباختلاف الصفة لا يصير البيت نوعاً آخر وجنساً آخر كالتركي مع الهندي فيكون الجنس واحداً فيكون هذا نية التخصيص ونية التخصيص لا تصح إن لم يكن الاسم ملفوظاً فإن قيل (366أ1) لو صحت نية الشراء لنفسه من حيث إنه بيان نوع لا بيان تخصيص كان يجب أن يصدق في القضاء كما في الخروج.

وفي قوله أنت بائن قلنا: نية الشراء لنفسه بيان نوع من وجه وتخصيص عام من وجه في حق الحقوق تخصيص عام؛ لأن الشراء لنفسه ولغيره في حق الحقوق على السواء فيكون من هذا الوجه شيئاً واحداً له عموم، فإذا نوى أحدهما كان تخصيصاً ولكن في حق الملك بيان نوع لأنهما مختلفان في حق الملك توفيراً على الشبهين حظهما فقلنا من حيث إنه بيان نوع يصح هذا البيان فيما بينه وبين الله تعالى وإن لم يكن الاسم ملفوظاً، ومن حيث إنه تخصيص لم يصح في القضاء توفيراً على الشبهين حظهما بخلاف الخروج؛ لأنه بيان نوع من كل وجه وإن كان قبل هذا كلام يدل عليه بأن استأجرها منه أو استعارها

(4/224)


فأبى فحلف وهو ينوي السكنى بالإجارة فسكن بالعارية أو كان على العكس لا يحنث.

وعن أبي يوسف فيمن قال لرجل قائم: والله لا أكلم هذا الرجل، ينوي ما دام قائماً ولم يتكلم بالقيام، كانت نيته باطلة؛ لأنه ليس في لفظه ولو حلف لا يكلم هذا القائم يعني ما دام قائماً دين فيما بينه وبين الله تعالى؛ لأنه خص ما في لفظه.
وكذلك لو قال: والله لأضربن فلاناً (.....) وهو ينوي سوطاً بعينه لم تصح نيته ولو قال إن تزوجت فعبدي حر وقال: عنيت به فلانة أو امرأة من أهل الكوفة لا تصح نيته؛ لأن المرأة غير مذكورة. ولو قال: إن تزوجت امرأة وقال: عنيت فلانة صحت نيته فيما بينه وبين الله تعالى؛ لأن المرأة مذكورة، وقد ذكرت في موضع الشرط الذي هو موضوع النفي فكانت عامة فقد نوى تخصيص المذكور العام فتصح نيته فيما بينه وبين الله تعالى.
وروي عن محمد رحمه الله فيمن حلف لا يتزوج امرأة ونوى فيه أمراة مصرية لم تصح نيته وإن نوى عربية أو حبشية صحت نيته فجوز تخصيص الجنس ولم يجوز تخصيص الوصف وأجرى العربية والحبشية مجرى الجنس.
ولو قال: والله لا أتزوج امرأة على وجه الأرض ينوي امرأة بعينها جرى فيما بينه وبين الله تعالى ولو قال لا اشتري جارية وعنى مولدة أو عنى ومغنية أو حلف لا يشتري عبداً وعنى آبقاً فنيته باطلة لأنها تخصيص وصف لا تخصيص جنس والله أعلم.

وفي أيمان «فتاوى أهل سمرقند» : إذا قال لامرأته إن أعطيت من حنطتي أحداً فأنت طالق وعنى بها أمها صحت نيته ديانة لا قضاء. ولو قال بالفارسية: كركسي وادهي وعنى أمها خاصة لا تصح نيته أصلاً لأن إرادة الخاص من العام بالعربية لا بالفارسية. وفي «فتاوى أبي الليث» رحمه الله في كتاب الطلاق إذا قال لامرأته: اكركس دا أراد من بدمي فنوى أمها خاصة صحت نيته فيما بينه وبين الله تعالى ولو قال: اكرهيح كر أدمتي لا تصح نيته لأن في الوجه الأول ذكر الركس وأنه لفظة خاصة يتناول كل واحد بإطلاقه فإذا نوى الأم فقد نوى الخاص من لفظة الخاص فتصح نيته فيما بينه وبين الله تعالى، وفي الوجه الثاني ذكر هنج وأنه لفظة عام فإذا نوى الأم فقد نوى الخاص من العام ونية الخاص من العام بالفارسية غير صحيحة.

الفصل الثامن في الأيمان ما يقع على البعض وما يقع على الجماعة
قال محمد رحمه الله في «الجامع» : إذا حلف الرجل فقال: طالق أو قال: عبده حر إن تزوج النساء واشترى العبد فتزوج امرأة واحدة واشترى عبداً واحداً حنث في يمينه. وكذلك إذا قال: إن كلم الرجال وكلم رجلاً واحداً حنث في يمينه. الأصل في جنس هذه

(4/225)


المسائل أن الحكم إذا علق بجمع يتعرف بالألف واللام كما قلنا: العبد والرجال والنساء يتعلق وقوعه بأدنى ما ينطلق عليه ذلك الاسم عند عامة المشايخ إذا لم يكن ثمة معهود؛ لأنه مع الألف واللام يصير للجنس ولا يبقى للجموع، والحكم المتعلق باسم الجنس يتعين وقوعه بأدنى ما ينطلق عليه ذلك الاسم عند عامة المشايخ رحمهم الله إذا لم يكن ثمة معهود وهذا لأن الألف واللام إنما يدخلان في الكلام للتعريف (.......) للجمع حقيقة ولم يصر للجنس يبطل معنى التعريف من كل وجه إذ ليس للجمع معهود تعرفة ولو صار للجنس ولم يبق للجمع لا يبطل معنى الجمعية من كل وجه، فإن كان من حكم الجنس أن ينصرف إلى الأدنى وهو الواحد عند عامة المشايخ رحمهم الله.

ومن حكم الجمع أن ينصرف إلى الثلاثة على ما يأتي بيانه لأن الواحد من الثلاثة بعضه فكان حمله على (.....) وليس فيه إبطال معنى الجمعية من كل وجه أولى من حمله على الجمع وفيه إبطال معنى التعريف من كل وجه.
وإذا ثبت أن الجمع المعرف بالألف واللام للجنس فنقول: اسم الجنس اسم ينصرف إلى المعهود إذا كان ثمة معهود؛ لأن الصرف إلى المعهود أبلغ في تحصيل ما وضع له الألف واللام، وهو التعريف فإن لم يكن به معهود ينصرف إلى كل الجنس فينصرف إليه إلا إذا تغلب فحينئذ ينصرف إلى الأدنى وعند عامة المشايخ رحمهم الله صرف إلى أدنى ما ينطلق عليه الاسم؛ لأن اسم الجنس كما هو حقيقة الكل فهو حقيقة للأدنى.
ألا ترى لو عدم ما وراء الأدنى من ذلك الجنس كان الأدنى كل الجنس. ألا ترى أن آدم صلوات الله عليه حين لم يكن إلا هو كل الجنس وإنما صار بعضاً بمزاحمة أمثاله لامن حيث الحقيقة، فعلم أن الاسم حقيقة لها فلأن اسم الجنس اسم فرد فإنه اسم معنى يقوم بالذات به من بين سائر الأجناس، كاسم الرجل، فإن اسم الرجل معنى قام بالذات باعتبار يقع التبيين بينه وبين سائر الأجناس وذلك المعنى واحد وأنه موجود في الواحد وفي الكل فكان اسم الجنس حقيقة للواحد وللكل باعتبار المعنى غير أنه عند الإطلاق ينصرف إلى الأدنى وهو الواحد: أما على العبارة الأولى: فلأنه مثنى، وأما على العبارة الثانية: فلأن الواحد فرد من حيث الذات والمعنى، ولكل فرد من حيث المعنى لا من حيث الذات وهذا الاسم اسم فرد فكان للفرد ذاتاً ومعنى أحق به هذا هو الكلام جمع المعرف بالألف واللام وإنما للنكرة نحو قولنا: عبيد ورجال ونساء فالحكم المعلق به يتعلق وقوعه بأدنى الجمع الصحيح هو الثلاث دون المثنى، لأن الثلاث هو الجمع الصحيح؛ لأن الجمع الصحيح ما يوجد فيه الوحدان والتثنية وأقل ذلك الثلاث.

إذا عرفنا هذه الجملة جئنا إلى تخريج قوله عبده حر إن تزوج النساء فتزوج امرأة واحدة حنث في يمينه بلا خلاف، لأن النساء جمع معرف بالألف واللام فيصير جنساً ولا

(4/226)


معهود ههنا حتى يصرف إليه، فينصرف إلى أدنى ما ينطلق عليه هذا الاسم وهي الواحدة عند عامة المشايخ رحمهم الله، وإنه ظاهر وكذلك على قول الباقين؛ لأنهم يقولون بصرفه إلى الأدنى عند تعذر صرفه إلى الكل، وههنا تعذر؛ لأن الإنسان إنما يمنع نفسه منعاً مؤكداً باليمين عما في وسعه مباشرته لا عما ليس في وسعه مباشرته وليس في وسعه تزوج نساء العالم بأجمعهن، ولا مكالمة رجال العالم فانصرف إلى واحد لكونه في وسعه وصار تقدير يمينه كأنه قال: لا أتزوج بواحدة من النساء، لا أكلم واحداً من الرجال.
وكذلك إذا حلف لا يكلم بني آدم فكلم واحداً منهم يحنث في يمينه لأن الإضافة للتعريف (366ب1) كحرف اللام وكل جواب عرفته في حرف اللام فهو الجواب ههنا وفتوى في هذا إن ذكر الأبد أو لم يذكر الأبد لأن الأبد يذكر لتأكيد ما دخل تحت اليمين ههنا الواحدة فكأنه قال: إن تزوجت امرأة وهنا ذكر الأبد ولا ذكر سواء.
ولو قال: عبده حر إن تزوج نساء إن اشترى عبيداً إن كلم رجالاً لا يحنث في يمينه ما لم يفعل بأشياء ثلاثة من بينها لأن هذا جمع منكر فينصرف إلى نيته لما مر.

وإن قال: عنيت جميع نساء العالم وجميع الرجال وجميع العبيد في المسألة الأولى فتزوج امرأة واحدة وكلم رجلاً واحداً أو اشترى عبداً واحداً لا يحنث في يمينه فقد صحت هذه النية وصدقه فيها أو لم يذكر أنه مصدق في القضاء أو فيما بينه وبين ربه أو فيما وذكر محمد رحمه الله هذا النوع من المسائل في «الجامع» وفي «الأصل» وذكر في بعضها أنه يصدق من غير تفصيل، فإنه ذكر فيمن حلف لا يضع قدمه في دار فلان لا يلبس غزل فلان، وعنى به حقيقة وضع القدم ولبس من الغزل وذكر أنه يصدق ولم يقيد، وذكر محمد رحمه الله في بعضها أنه يدين فيما بينه وبين الله تعالى دون القضاء، فإنه ذكر فيمن حلف لا يأكل طعاماً أو شراباً دون شراب، وذكر أنه يدين فيما بينه وبين الله تعالى دون القضاء، وذكر في بعضها أنه يدين فيما بينه وبين الله وفي القضاء، فإنه ذكر فيمن قال: عبدي حر يوم أدخل دار فلان، عبدي حر يوم يقدم فلان، وقال: عنيت بياض النهار يدين فيما بينه وبين الله تعالى وفي القضاء وقال في تعليل هذه المسألة: لأنه نوى مفيد كلامه ففي هذا التعليل أنه يصدق في القضاء في مسألتنا أيضاً؛ لأنه نوى حقيقة كلامه.
وإطلاق محمد رحمه الله الجواب في الكتاب يدل عليه وكان الفقيه أبو القاسم الصفار البلخي رحمه الله يقول في هذه المسألة: إن القاضي لا يصدقه وإن نوى حقيقة كلامه إلا أن هذه حقيقة لا تثبت إلا بالنية، والقاضي لا يقف على نيته، فإذا كان فيما نوى تحقيقاً عليه فالقاضي لا يصدقه.
ألا ترى أن من قال لامرأته: أنت طالق، وقال: عنيت به الطلاق من الوثاق لا يصدقه القاضي وإن نوى حقيقة كلامه؛ لأن هذه حقيقة لا تثبت إلا بالنية وفيه تحقيق.

وجه ما ذكر محمد رحمه الله: أن المنوي إذا كان حقيقة كلامه لو صدقه القاضي في نيته كان عاملاً بظاهر لفظه لأن ما نوى يدل عليه لفظه حقيقة والقاضي يقف على ظاهر

(4/227)


لفظه بخلاف مسألة الطلاق لأن ثمة نوى المجاز من كلامه؛ لأن الحقيقة في إزالة قيد الوثاق أطلقه إطلاقاً أنا في إزالة قيد النكاح طلق يطلق تطليقاً وطلاقاً، فإذا قال: عنيت الطلاق عن قيد الوثاق، فكأنه عنى يطلق أطلق وأنه مجاز، وفي نية المجاز القاضي لا يصدقه إذا كان فيه تحقيقاً لأن المجاز إنما يثبت بالنية والإرادة، والقاضي لا يقف على إرادته إلا بخبره فإذا كان فيه تحقيقاً كان متهماً في خبره فلا يصدقه القاضي هذا المعنى في بيان فيما إذا نوى حقيقة كلامه فإن قال عنيت ما زاد على الثلاث في المسألة الثانية هل يصدق قضاء؟ لم يذكر محمد رحمه الله هذه الفصل وعلى قياس ما ذكر في المسألة الأولى وينبغي أن يصدق لأنه نوى حقيقة كلامه لأن اسم الجمع لما زاد على الثلاث حقيقة. وعلى قول أبي القاسم الصفار ينبغي أن لا يصدق لأن هذه حقيقة لا تثبت إلا بالنية، وإن قال: عنيت الواحدة في المسألة الثانية ينبغي أن يصدقه القاضي في نيته لأن هذا اسم جمع وليس باسم عدد، فإذا نوى الواحدة فقد نوى الخصوص من اسم العام وأنه جائز لغة وشرعاً أكثر ما فيه أنه مجاز إلا أن دعوى المجاز صحيحة قضاء إذا كان فيه تغليطاً وههنا فيما نوى تغليط فجاز أن يصدقه القاضي.
وإذا قال الرجل: لعبيده أيكم حمل هذه الخشبة فهو حر فحملوها جميعاً ينظر إن كانت الخشبة حقيقة يقدر الواحد على حملها لا يعتقون حتى يحملها واحد بعد واحد وإن كانت الخشبة ثقيلة لا يقدر الواحد على حملها وأما يقدر عليها اثنان أو ثلاثة عتقوا هكذا ذكر المسألة في «الجامع» .

والوجه في ذلك: أن الخشبة اسم بجميعها وقد أضاف حملها إلى كل واحد؛ لأن كلمة أي وإن كانت تتناول واحداً منكراً من جملة ما أضيف إليها هذه الكلمة، إلا أنه وصف ذلك المنكر بصفة عامة وهي الحمل أضيف إلى جميع العبيد الذي أضيف إليهم كلمة أي فأوجبت عموم العبيد سواء كانت الخشبة حقيقة صار المنكر موصوفاً بحمل جميع الخشبة أو بحمل بعضها، فنقول: إذا كانت الخشبة حقيقة لأن العمل حقيقة اسم الخشبة ممكن بأن يجعل شرط العتق في حق كل واحد حمل جميع الخشبة أو يتأتى ذلك من كل واحد وإذا اختار حمل جميع الخشبة شرطاً في حق كل واحد فإذا حملوها حملة لم يوجد الشرط بكماله في حق كل واحد فلا يعتقون.

وهو نظير ما إذا قال لعبيده: أيكم أكل هذا الرغيف فهو حر فأكله اثنان أو أكثر من ذلك لا يعتق واحد منهم سواء كان يقدر الواحد على أكله بدفعة واحدة أو بدفعتين أو بدفعات؛ لأن أكل الرغيف من كل واحد متصور إما بدفعة واحدة أو بدفعات وصار الداخل تحت كلمة أي موصوفاً بأكل جميع الرغيف فإذا أكله اثنان أو ثلاثة لم يوجد من كل واحد أكل جميع الرغيف لا يحنث ذكر مسألة الرغيف في «الجامع» على هذا الوجه.
وذكر في «الأصل» إذا قال لنسائه: أيتكن أكلت من هذا الطعام شيئاً فهي طالق، فأكلن جميعاً طلقن ولو قال: أيتكن أكلت هذا الطعام ولم يقل من الطعام هذا فأكلن ينظر إن كان الطعام كثيراً بحيث لا يقدر الواحد على أكله طلقن، وإن كان الطعام قليلاً بحيث

(4/228)


يقدر على أكله الواحد لا يقع الطلاق عليهن إذا أكلن فأما إذا كانت الخشبة ثقيلة لا يقدر الواحد على حملها، فالنكرة صارت موصوفة بحمل بعض الخشبة؛ لأن العمل بحقيقة اسم الخشبة متعذر؛ لأن حمل جميع الخشبة في هذه الصورة لا يتأتى من الواحد فيعمل بمجازه ويجعل شرط الحنث في حق كل واحد منهم حمل بعض الخشبة؛ لأنه ذكر الكل، وإرادة البعض بطريق المجاز جائز وصار البعض كالمصرح به كأنه قال: أيكم حمل بعض هذه الخشبة فهو حر فإذا حملوها وقد وجد من كل واحد حمل (367أ1) البعض فعتقوا.
وهو نظير ما لو قال لعبيده: أيكم يشرب ماء هذا البحر فهو حر فشرب كل واحد منهم قطرة عتقوا؛ لأن شرب جميع ماء البحر من كل واحد غير متصور العمل بحقيقة هذا الكلام فيعمل بمجازه.

ثم إن محمداً رحمه الله يقول في «الكتاب» : إذا كانت الخشبة ثقيلة يقدر على حملها اثنان فحملوها جملة عتقوا؛ لأن الشرط في هذه الصورة حمل بعض الخشبة والبعض من حيث إنه بعض لا يفصل فيه بين قدر وقدر ونقول أيضاً: إذا كانت الخشبة خفيفة يقدر الواحد على حملها إذا حملها واحد عتق وإذا حملها واحد بعد واحد عتقوا، وفيه نوع إشكال؛ لأن هذا اللفظ إن (كان خاصاً) ينبغي أنه إذا حمل الواحد وحكم بعتقه لو حملها آخر بعد ذلك أنه لا يعتق، وإن كان عاماً ينبغي أن لا يعتق واحد منهم ما لم يحملوها جميعاً واحد بعد واحد كما لو قال: إن حملهم هذه الخشبة فأنتم أحرار والجواب: هذا اللفظ خاص بصورته عام معنى فإذا حمل الواحد عتق عملاً بخصوص اللفظ صورة وإذا حمل واحد بعد واحد عتقوا عملاً بالعموم بخلاف قوله إن حملتم هذه الخشبة لأنه عام لفظاً ومعنى فما لم يحملوها لم يعتقوا أما ههنا بخلافه.

ولو قال: إن تغديت برغيفين فعبدي حر فتغدى اليوم برغيف والغد برغيف القياس: أن يحنث عملاً بإطلاق اللفظة كما في المعنيين بأن قال: إن تغديت بهذين الرغيفين وهناك: إن تغدى اليوم بإحدى الرغيفين والغد بالرغيف الآخر يحنث في يمينه وفي الاستحسان لا يحنث في يمينه بمكان العرف فإن الإنسان يستحي من بعد أن يقول ما تغديت برغيفين في عمري وإن تغدى بأرغفة كثيرة في أيام متفرقة ولا يعد كاذباً ومثل هذا الفرق لم يوجد في المعنيين فيعمل فيه بإطلاق اللفظ، فإن نوى التفرق في هذا كان كما نوى؛ لأنه نوى حقيقة كلامه وفيه تغليظ عليه.
ولو قال: إن أكلت رغيفين أو قال: إن أكلت هذين الرغيفين فعبدي حر فأكلهما معاً أو متفرقاً حنث في يمينه قياساً أو استحساناً، فعلى جواب الاستحسان يحتاج إلى الفرق بين التغدي والأكل في غير المعنيين.

والفرق: أن التقيد بالاجتماع في غير المعنيين في فصل بالعرف ولم يوجد مثل ذلك العرف في المعنيين في فعل الأكل بل العرف في فعل والأكل بخلافه فإن الإنسان لا يستحي من نفسه أن يقول ما أكلت رغيفين منذ خلقت إذا أكلهما متفرقاً يعمل بإطلاق اللفظ.

(4/229)


وفي «الزيادات» إذا حلف الرجل لا يشتري ذهباً ولا فضة فاشترى دراهم بدنانير ودنانير بدراهم لا يحنث في يمينه وعن أبي يوسف أنه يحنث؛ لأنه ذهب وفضة حقيقة ولهذا المعنى يجري فيه الفضل وربا النساء وجه ظاهر الرواية: أنه منع نفسه عن شراء الذهب والفضة وهو لا يوجد إلا ببيع الذهب والفضة، وبائع الدراهم والدنانير لا يسمى بائع الذهب والفضة في العرف، وإنما يسمى صرفياً ولهذا يباع في سوق الصيارفة فمشتريها يكون كذلك فقد جعل عدم الحنث في «الزيادات» جواب ظاهر الرواية.
وفي «القدوري» ذكر أن عدم الحنث قول محمد رحمه الله والحنث قول أبي يوسف رحمه الله، قال: وهو نظير ما لو حلف أن لا يشتري طعاماً فإنه ينصرف إلى الحنطة ودقيقها؛ لأن بائعها يسمى بائع الطعام فمشتريها يكون كذلك، وصار الأصل عند محمد رحمه الله أن الشراء يعتبر بالبيع لأنه يتم به ويبنى عليه، لأنه قبول البيع ولا يتصور قبول البائع إلا بالبيع فيعتبر بالبيع لهذا فكل من يسمى بائعه بائعاً لذلك الشيء فمشتريه يسمى مشترياً لذلك الشيء.
وكذلك لو اشترى داراً وفي سقوفها ذهب وفضة فإنه لا يحنث في يمينه، لأن بائعه لا يسمى بائع الذهب والفضة وإنما يسمى بائع الدار فمشتريه أيضاً كذلك.
يوضحه: أن الذهب أو الفضة التي في سقف الدار تبع للدار والبيع لا يضاف إلى التبع فلا يكون هذا بيع الذهب والفضة وإنما يكون بيع الدار فكذا الشراء ولو اشترى نقرة فضة أو سبيكة ذهب أو (.....) مصنوعاً أو طوقاً مصنوعاً أو تبراً فإنه يحنث في يمينه؛ لأن بائع هذه الأشياء يسمى بائع الذهب والفضة فمشتريها أيضاً يكون كذلك.

ولو حلف أن لا يشتري حديداً ولا نية له فاشترى درعاً أو سيفاً أو سكيناً أو رمحاً فإنه لا يحنث في يمينه؛ لأن بائع هذه الأشياء لا يسمى حداداً وإنما يسمى بائع السلاح ولهذا يباع في سوق السلاح فمشتريه يكون كذلك وهذا قول محمد رحمه الله.
وعند أبي يوسف رحمه الله يحنث لأنه يعتبر الحقيقة والأشياء حديد حقيقة وذكر في «الأمالي» أنه لو اشترى درعاً أو نصل سيف أو سكين يحنث؛ وهذا محمول على قول أبي يوسف أو على اختلاف العرف باختلاف البلدان عند محمد رحمه الله.
ولو اشترى حديداً غير مضروب أو إناء من الحديد أو كانوناً أو أقفالاً فإنه يحنث في يمينه؛ لأن بائع هذه الأشياء يسمى حداداً فمشتريه أيضاً كذلك قال مشايخنا رحمهم الله: يجب أن لا يحنث في الأقفال في بلادنا؛ لأن بائع الأقفال لا يسمى بائع الحديد، وبهذا لا يباع في سوق للحدادين فلا يحنث في يمينه إلا إذا نوى ذلك كله؛ لأنه نوى حقيقة ما تكلم به وفيه تغليظة عليه فيحنث في يمينه والشيخ الإمام الأجل السرخسي حجج ما ذكر في «الكتاب» والصدر الشهيد برهان الأئمة رحمه الله حجج قول أولئك المشايخ.
ولو حلف لا يشتري صفراً أو (....) أو نحاساً واشترى آنية من أواني الصفر أو

(4/230)


النحاس أو أشبه فإنه يحنث في يمينه وهذا بلا خلاف أما عند أبي يوسف فلأنه يعتبر الحقيقة وأما عند محمد رحمه الله؛ لأن بائع هذه الأشياء يسمى صفاراً فمشتريها أيضاً يسمى صفاراً.
وإن اشترى فلوساً لا يحنث في يمينه وإن كانت هي صفراً حقيقة أو نحاساً أو (....) لأن بائعها لا يسمى صفاراً فكذا مشتريها أيضاً إلا إذا نوى ذلك فحينئذ يحنث في يمينه لأنه نوى حقيقة ما تكلم به وفيه تغليظ عليه وهذا قول محمد رحمه الله، وعند أبي يوسف يحنث بشراء الفلوس فكذلك إذا كسرت الفلوس ثم أشتراها يحنث في يمينه؛ لأن بائعها الآن يسمى بائع الصفر فمشتريها يكون كذلك.

ولو حلف لا يشتري خزاً ولا نية له فاشترى جلوداً من جلود الخز عليه خز يحنث في يمينه واعلم بأن الخز اسم لدابة في البحر على ظهرها خز فإذا اشترى جلد خز عليها خز أو اشترى ثوباً من خز فإنه يحنث في يمينه وإن لم يكن ذلك خزاً خالصاً لأن بائع هذه الأشياء يسمى خزازاً فمشتريها يكون كذلك أيضاً ولو حلف (367ب1) لا يشتري قطناً وكتاناً فاشترى ثوباً من قطن أو من كتان لا يحنث في يمينه لأن بائعهما لا يسمى بائع الكتان والقطن في عرفهم وإنما يسمى كتانياً فمشتريها يكون كذلك أيضاً ولو اشترى غير المعمول من الكتان يحنث في يمينه لأن بائعه يسمى بائع الكتان فمشتريه يكون كذلك أيضاً.
ولو حلف لا يشتري طيناً فاشترى لبناً، أو داراً مبنية بطين فإنه لا يحنث في يمينه، لأن بائعه لا يسمى بائع الطين وإنما يسمى بائع اللبن والدار، فمشتريه كذلك أيضاً ولو حلف لا يشتري لبناً فاشترى شاة في ضرعها لبن، أو حلف لا يشتري صوفاً فاشترى شاة على ظهرها صوف لا يحنث في يمينه؛ لأن بائعها لا يسمى حلاباً ولا يسمى بائع اللبن والصوف وكيف سمي بهذا الاسم وأنه لو باع الصوف على ظهر الشاة أو باع اللبن في ضرع الشاة فإنه لا يجوز العقد فمشتريه كذلك أيضاً.
وكذلك لو اشترى شاة على ظهرها صوف بصوف منفصل أكثر مما على ظهر الشاة لا يحنث في يمينه، وروي عن أبي يوسف رحمه الله أنه يحنث في يمينه؛ لأن الصوف ههنا صار مقصوداً بالبيع ولهذا شرط الاعتبار ههنا وهو: أن يكون الصوف المنفصل أكثر من الصوف الذي على ظهر الشاة لجواز هذا البيع.
وجه ظاهر الرواية: أن الصوف ههنا غيره مقصود بالبيع وبهذا وباع الصوف على ظهر الشاة فإنه لا يجوز إلا أنه إنما يشترط الاعتبار باعتبار صورة المعاملة فإن الشبهة ملحقة بالحقيقة في باب الربا، وهذا المعنى معدوم في باب الحنث فلا يحنث في يمينه.

ولو حلف لا يشتري رطباً فاشترى كناسة يبس فيها شيء من الرطب فإنه لا يحنث في يمينه لأن بائعها لا يسمى بائع الرطب وإنما يسمى بائع يبس فمشتريها أيضاً كذلك لا يسمى مشتري الرطب.

(4/231)


ونظير هذا ما إذا حلف لا يشتري شعيراً فاشترى حنطة فيها حبات شعير لا يحنث في يمينه لما ذكرنا ولو كان عقد اليمين على الأكل يحنث في يمينه لأن الأكل يتناول كل واحد منهم مقصوداً فيصير متناولاً للرطب كما يصير متناولاً لليبس مقصوداً، أما البيع فإنه يتناول الجملة وباعتبار النظر إلى الجملة لا يسمى بائعها بائع الرطب فمشتريها يكون كذلك أيضاً.
ولو حلف لا يشتري قصباً فاشترى بواري من قصب لا يحنث في يمينه لأن بائعه لا يسمى بائع القصب وإنما يسمى حصيرياً فمشتريه كذلك أيضاً، ولو حلف لا يشتري شعراً فاشترى نسجاً أو جوالق من شعر لا يحنث في يمينه لأن بائعه يسمى جوالقياً ولا يسمى بائع الشعر فكذا مشتريه أيضاً، ولو كان عقد يمينه على المس حنث في ذلك لأن المس يتم به وحده وقد وجد مس ما يتناوله الاسم حقيقة لأن فيما يتم به وبغيره وهو البيع والشراء تركت هذه الحقيقة لوجود العرف بخلافه أما فيما يتم به وحده وهو المس لم يوجد العرف فيحب العمل بالحقيقة فيحنث في الفصول كلها إلا في القطن والكتان فإنه لو مس المعمول فإنه لا يحنث في يمينه لأنه بالصيغة التي خلت مما صار به شيئاً آخر وبهذا لا يتصور عودهما إلى الحالة الأولى بالنقض، أما ما عداهما من هذه الأشياء يتصور عودهما كل واحد منهم إلى الحالة الأولى بالنقض فيحنث في يمينه ولأن المسمى يتناول جزءاً واحداً وذلك الجزء يسمى اسم الذي عقد يمينه عليه، أما البيع والشراء يتناول الجملة والجملة غير مسمى باسم الذي عقد يمينه عليه ولهذا لا يحنث في يمينه والله أعلم
d

في الشروط التي تحمل على معناها دون اللفظ التي يعتبر فيها اللفظ

امرأة إذا حملت إلى بيت زوجها وقراً من حطب أو حساء اللحم فقال الزوج، الزمن إراقة ده نواد أنه تخوزم فأنت طالق ثلاثاً فأكل شيئاً من ذلك اللحم تطلق المرأة وإن لم يأكل دانه أزاورده ولم يتقيد اليمين باللفظ واعتبر الغرض.
والأصل في جنس هذه المسائل: اعتبار اللفظ ما أمكن وعند اعتبار اللفظ يعتبر الغرض والمقصود الدليل عليه.
ذكر في «فتاوى الفضلي» رحمه الله إذا قال لامرأته: أكركس أدنى خانة سدي أدين ديدان يرسي برون تردير إطلاق فاخرج من ذلك شيئا غير ما سمى لا تطلق المرأة، وكذلك إذا قال لامرأته: أكرترايبكي تي خيري خرم بر إطلاق فاشترى لها شيئاً بالدراهم لا يحنث، واعتبر اللفظ ممكن بينهما فإن الشراء بعلة واحد ممكن وكذلك واخراج ريدان أرين ممكن وكذلك ذكر في باب الخروج من أيمان «الأصل» إذا حلف لا تخرج امرأته من باب هذا الدار فخرجت من غير الباب لا يحنث وكذلك إذا حلف على باب بعينه

(4/232)


فخرجت من باب آخر لا يحنث، وغرض الحالف المنع عن الخروج وعن الدار وذلك لا يتفاوت واعتبر اللفظ لأن اعتبار اللفظ ممكن وفيما إذا قال أكرد أنه أرااورده بو تخوزم إنما اعتبر الغرض ولم يعتبر اللفظ؛ لأن اعتبار اللفظ غير ممكن لأن اللحم لا يكون له دانة فاعتبر الغرض والمقصود وغرضه المبالغة في امتناعه عن تناول ما أوردته وحملته قليلاً كان أو كثيراً.

وإذا قال: كفلت أحداً بدرهم عدلي أو قال بنصف درهم عدلي فكذا يكفل رجلاً بعشرة دراهم عن طريقته لا يحنث ولم يعتبر الغرض لأن اعتبار اللفظ ممكن وفيما صار اللفظ مجازاً عن غيره لا يعتبر اللفظ. بحقيقته وينصرف إلى المجاز كما وضع القدم في الدار وكما وضع اليد على الدوك إلا إذا وجد دليل يدل على عدم إرادته المجاز فحينئذ تعتبر الحقيقة. ألا ترى إلى ما ذكر في طلاق «الفتاوى» إذا قال الرجل لامرأته: إن ارتقيت هذا السلم أو وضعت رجلك عليه فأنت كذا فوضعت رجلها عليه ولم ترتق فإنه لا يقع الحنث، وإن صار وضع الرجل على السلم مجازاً عن الارتقاء عرفاً ولم ينصرف إلى المجاز لأنه دليل على عدم إرادته المجاز وهو عطف الوضع على الارتقاء؛ لأن المعطوف غير المعطوف عليه فعملنا بدلالة العطف أن الزوج لم يرد به المجاز وإنما أراد به الحقيقة ولو قال: أكر حسم من برزن افتريا فلان كاريكند فكذا وكلم معها ونام في الليل بحيث لم يقع بصره عليها لا تطلق؛ لأن اعتبار اللفظ ممكن ههنا وهذا اللفظ لم يصر مجازاً عن التكلم والنوم معها.

وإذا قال لامرأته: إن لم أبعث نفقتك من كوهته إلى عشرة أيام فكذا فبعث النفقة قبل مضي عشرة أيام (368أ1) ولكن من موضع آخر حنث في يمينه لم يعتبر الغرض وهو وصول النفقة إليها لأن اعتبار اللفظ ممكن.
قال في «القدوري» : إذا حلف الرجل ليضربن امرأته حتى يقتلها أو ترفع ميتة فهذا على أشد الضرب.
وفيه أيضاً: عن أبي يوسف رحمه الله إذا قال لامرأته إن لم أضربك حتى أتركك لا حياً وميتاً فهذا على الضرب الوجيع.

وفي «فتاوى أهل سمرقند» : إذا قال لامرأته: إن لم أضرب اليوم ولدك على الأرض حتى ينشق نصفين فأنت طالق ثلاثاً، فضربه على الأرض ولم ينشق طلقت امرأته لانعدام شرطه البر وأنه يخالف رواية القدوري في قوله حتى يقتلها أو ترفع ميتة. وفي «البقالي» عن محمد رحمه الله إذا قال: لأقتلنك يريد أن يوجعه ضرباً صح وهذا قياس قول أبي حنيفة رحمه الله وفي «المنتقى» إذا قال لها: والله لأضربنك بالسياط حتى أقتلك فهذا على الضرب الوجيع ولو قال: لأضربنك بالسيف ضربة حتى تموت فهذا على الموت عرف مراده لقران السيف بالضرب.
ولو حلف ليضربنها حتى يغش عليها أو تبول أو حتى تبكي أو تستغيث فهو على ما قال وعن محمد رحمه الله وفي قوله حتى تبول ونحوه أنه وقف ولو حلف ليقتلن فلاناً ألف مرة وقال عنيت به أن آتي على نفسه بالقتل وفي القضاء:

(4/233)


ولو حلف أنه سمع فلاناً طلق امرأته ألف مرة وقد سمعه طلقها ثلاثاً دين فيما بينه وبين الله لأن حكم الثلاث وحكم الألف واحد، وكذلك لو حلف أنه لقي فلاناً ألف مرة وقد لقيه مرات وأراد كثرة اللقاء دون العدد وبه حلف على امرأته أنها قبلته البارحة ألف مرة ذكر في «مجموع النوازل» أن هذا على المبالغة عرفاً فإن كانت قد قست وأصابه أذى كثير بحيث لم يمكنه الصبر حتى نام على الأرض لا يحنث في يمينه، وعن أبي يوسف فيمن قال لأدقن يد غلامي على رجله إنه على الضرب إلا أن ينوي الكسر وإذا قال دخل لأهل سكة أكر مرد امن أين لويّ تيمارى تركيستان فامرأته طالق ثلاثاً فسلط على أهل السكة عدلاً تراكاً كثيرة فقد يرمي بيمينه على هذا معد في كلام الناس وإذا قال لامرأته أكر لف بأي توبوسة يدهم أين ساعت فأنت طالق ثلاثاً فقبلت باطن كفها وقعد فيها في المكفر تطلق اعتباراً للفظه عند الإمكان.

رجل يستأجر مع أخيه وأخته وقال: أكر شمار احرار موري كينم فامرأته طالق ثلاثاً اختلف المشايخ رحمهم الله فيه قال بعضهم: تطلق امرأته ما عاشا لأنه متصور فلا يتحقق شرط الحنث إلا بالموت فمنهم من قال تطلق امرأته؛ لأن العجز متحقق عادة إلا إذا نوى القهر والغلبة والتضعيف عليها فتصح نيته فلا يقع الطلاق ما لم يمت الحالف والمحلوف عليها قبل أن يفعل بهما ما نوى وبه كان يفتي الصدر الشهيد رحمه الله.

إذا قال لامرأته أكر ترا بحوت أتدري كنم فكذا ضر بها على أنفها حتى خرح الدم ويطلع (.....) فإن كان مراده هذا القدر ولم يكن له نية فلا يحنث؛ لأن الظاهر أنه لا يراد بهذا الكمال والله (أعلم) .

الفصل التاسع في العطف على اليمين بعد السكوت
الحالف إذا ألحق باليمين المعقودة بعد سكوته شرطاً إن كان الشرط له لا يلتحق بالإجماع وإن كان الشرط عليه هل يلتحق قال محمد بن سلمة لا يلتحق، وبه أخذ الصدر الشهيد رحمه الله في «واقعاته» وقال نصر بن يحيى: يلحق وهو المروي عن أبي يوسف.
الرجل إذا عطف على يمينه بعد سكوته ما يوسع على نفسه لم يصح كالاستثناء وإن كان فيه تشديد صح وبيان الأول: إذا قال لامرأته إن دخلت هذه الدار فأنت طالق فسكت سكتة ثم قال: وهذه الدار الأخرى لم تدخل الدار الثانية في اليمين فإن بدون قوله وهذه الدار الأخرى إذا دخلت الدار الأولى تطلق ومتى دخلت الدار الثانية في اليمين لا تطلق بدخول الدار الأولى وحدها وهو لا يملك تغيير اليمين.
ومثال الثاني إذا قال لها: إن دخلت هذه الدار فأنت طالق فسكت سكتة ثم قال

(4/234)


وهذه لا امرأتي أخرى دخلت الثانية في اليمين وكذلك إذا قال: وإن دخلت هذه الدار الأخرى دخلت الدار الأخرى في اليمين حتى إن في المسألة الأولى لو دخلت المرأة الأولى الدار طلقتا.

وفي المسألة الثانية: لو دخلت المرأة الدار الأولى أو الدار الأخرى أيتهما دخلت طلقت على رواية أبي يوسف وهو اختيار نصر بن يحيى إذ ليس فيه تغيير اليمين فإن بدون قوله وهذه لامرأة أخرى في المسألة الأولى ولو دخلت المرأة الأولى تطلق وبعد وقوعه وهذه طلقت أيضاً، وفي المسألة الثانية بدون قوله وإن دخلت الدار الأخرى لو دخلت الدار الأولى طلقت، وبعد قوله: إن دخلت هذه الدار الأخرى لو دخلت الدار الأولى طلقت أيضاً ولو نجز فقال: هذه طالق ثم قال: وهذه بعدما سكت طلقت الثانية وكذلك العتق والله أعلم بالصواب.

الفصل العاشر في الحلف على الأقوال
هذا الفصل مشتمل على أنواع:
نوع منه في الكلام: إذا حلف لا يكلم فلاناً أبداً أو لم يقل أبداً فهذا على الأبد أي وقت كلمه حنث وإن نوى شيئاً دون شيء بأن نوى يوماً أو يومين أو ثلاثاً أو نوى بلداً أو منزلاً أو ما أشبه ذلك، لم يدين في القضاء ولا فيما بينه وبين الله تعالى؛ لأنه نوى تخصيص ما ليس بملفوظ ونية التخصيص فيما ليس بملفوظ لا تصح لا في القضاء ولا فيما بينه وبين الله تعالى، ولا يحنث حتى يكلم بكلام مستأنف بعد اليمين منقطع عنها، وإن كان موصولاً لم يحنث نحو أن يقول إن كلمتك فأنت طالق فاذهبي أو فقومي هكذا ذكر القدوري؛ لأن هذا من تمام الكلام الأول فلا يكون مقصوداً باليمين.
وكذلك إذا قال: وإن هي إلا أن يريد فهذا كلام مستأنف وفي «مجموع النوازل» إذا قال لامرأته إن كلمتك إلى سنة فأنت طالق إذهبي يا عدو الله طلقت لأنه كلمها بعد اليمين فقد ذكر المسألة على هذا التفصيل في كتاب الطلاق من هذا الكتاب. وإن كان في الحال ما يدل على التخصيص كان خاصاً نحو أن يقول: كلم محمداً هذا اليوم في كذا فقال والله لا أكلمه فهذا تخصيص اليوم (36801) .

ولو حلف لا يكلم فلاناً شهراً تعتبر المدة من وقت الحلف؛ لأن الحاصل على اليمين غبطة لحق الحالف من جهة المحلوف عليه في الحال، فيمنع نفسه عن الكلام معه في الحال ولو حلف لا يتكلم ولا نية له فصلى وقرأ فيها أو سبح أو هلل، لم يحنث استحساناً لأن ما في الصلاة من القراءة والتسبيح والتهليل وإن كان كلاماً حقيقة؛ لأن كلامنا اسم لحروف منظومة بصوت مسموع وقد وجد هذا الحد في التسبيح والتهليل والقراءة إلا أنه ليس بكلام حكماً حتى لا تفسد به الصلاة فكان ما وصى في معنى الكلام

(4/235)


فلا يدخل تحت مطلق الاسم أو نقول: إن كان هذا كلاماً حقيقة فليس بكلام عرفاً ألا ترى أن الرجل يقول ما كلمت فلاناً اليوم فإن كان قد صلى وقرأ وسبح وهلل فيها وأما إذا قرأ خارج الصلاة وسبح وهلل يحنث في يمينه عند علمائنا رحمهم الله وأنه يخرج على العبارة الأولى دون العبارة الثانية.
قال الفقيه أبو الليث رحمه الله: هذا إذا كان عقد يمينه بالعربية فأما إذا عقد يمينه بالفارسية لا يحنث بالقراءة والتسبيح والتهليل خارج الصلاة كما لا يحنث بها في الصلاة لأن العرف أهل الفارسية لا يسمون القارىء والمسبح والمهلل متكلماً.
ولو حلف لا يكلم فلاناً فسلم الحالف على قوم والمحلوف عليه فيهم حنث في يمينه لأنه لما سلم عليهم فقد كلم المحلوف عليه وكلم غيره والزيادة على شرط الحنث لا تمنع وقوع الحنث قال: إلا أن لا يفصل بالسلام فيصدق ديانة ولا يصدق قضاء حتى لا يحنث ديانة ويحنث قضاء عنى التخصيص من كلامه؛ لأنه خاطب الكل وإذا أراد به البعض ونية تخصيص بعض الكلام تصح ديانة لا قضاء.

وفي «مجموع النوازل» إذا سلم على قوم والمحلوف عليه فيهم فقال السلام عليكم إلا على واحد لا يحنث في يمينه، هذا إذا سلم خارج الصلاة فأما إذا سلم وهما في الصلاة يعني الحالف والمحلوف عليه في الصلاة فهذا على وجهين: إن كان الحالف إماماً والمحلوف عليه على يمينه لا يحنث في يمينه؛ لأن التسليمة الأولى كلام حصل في الصلاة لأنه بها يخرج عن الصلاة والكلام في الصلاة مما لا يقع به الحنث وإن كان الحالف على يساره فقد اختلف المشايخ رحمهم الله فيه.
منهم من قال: يحنث لأنه تكلم معه خارج الصلاة والكلام خارج الصلاة مما يقع به الحنث ومنهم من قال: لا يحنث لأن التسليمة الثانية كلام حصل في الصلاة من وجه. ألا ترى أنه يأتي بسجود السهو بعد التسليمة الثانية، ولو كانت التسليمة الثانية بمنزلة الكلام خارج الصلاة من كل وجه ما أمكنه الإتيان بها بعد التسليمة الثانية فإذا كانت التسليمة الثانية في الصلاة من وجه لا يقع الحنث بها.
وفي «شرح القدوري» : فيما إذا كان الحالف إماماً وسلم لا يحنث من غير تفصيل وفي «فتاوى شمس الإسلام الأوزجندي» فيما إذا كان الحالف إماماً أنه يحنث بالسلام إذا نواه وإن كان على يمينه وفي «الشافي» في هذه الصورة أنه يحنث إلا أن ينوي وقت مره من غير فصل بين جانب اليمين واليسار وأما إذا كان الحالف مؤتماً فالجواب عند أبي حنيفة رحمه الله وأبي يوسف رحمه الله كالجواب في الإمام لأن سلام الإمام لا يخرج المؤتم عن الصلاة وعندهما قد ذكرنا في الإمام إذا كان هو الحالف والمؤتم على يمينه لا يحنث بلا خلاف وإن كان على يساره فعلى الخلاف فكذا في حق المؤتم، وعلى قول محمد يحنث في يمينه على كل حال لأنه صار خارجاً عن الصلاة بسلام الإمام عنده فقد تكلم مع المحلوف عليه خارج (الصلاة) فيحنث في يمينه.

ولو كتب إليه كتاباً أو أرسل إليه رسولاً لا يحنث في يمينه لأن الكلام على

(4/236)


المشافهة.... ألا ترى أن موسى عليه السلام كليم الله ولم يسم غيره من الأنبياء بهذا الاسم؛ لأن الكلام مع موسى صلوات الله عليه كان لا بواسطة ومع غيره من الأنبياء كان بواسطة وكذلك إذا أشار إليه بإشارة أو أومأ إليه لم يحنث لأن الكلام عبارة عن حروف منظومة بصوت مسموع ولم يوجد شيء منه في تلك الإشارة والإيماء. ولو حلف لا يكلم فلاناً فناداه من بعيد فإن سمع صوته لو أصغى إليه أذنه يحنث وإن لم يسمع بعارض أو كان مشغولاً بشيء أو كان أصماً وإن كان بحيث لا يسمع لو أصغى إليه أذنه لشدة البعد لا يحنث في يمينه؛ لأن تكليم فلان عبارة عن إسماع نفسه إلا أن إسماع غيره أمر باطن لا يوقف عليه فسقط اعتباره واعتبر السبب الظاهر المؤدي إليه مقامه وهو أن يكون بحيث لو أصغى إليه أذنه ولم يكن مانع سمع كلامه وقد وجد ذلك في الوجه الأول دون الثاني فأما إذا ناداه وهو نائم فأيقظه لا شك أنه يحنث في يمينه لأنه لما أيقظه فقد أسمعه وإن لم ينتبه فعنه روايتان.

وقد ذكر محمد رحمه الله في «السير الكبير» : إذا نادى المسلم أهل الحرب بالأمان في موضع يسمعون صوته إلا أن غالب الرأي أنهم لم يسمعوا بأن كانوا نياماً أو كانوا مشغولين بالحرب فذلك أمان، فقد شرط لثبوت الأمان أن يكون النداء بالأمان من موضع يسمع منه الصوت لا حقيقة السماع وما ذكر في «السير» هو أن الصحيح في مسألة الأيمان الحنث وإن لم يوقظه.
ومن المشايخ رحمهم الله من قال: على قياس قول أبي حنيفة يحنث وعلى قياس قولهما لا يحنث؛ لأن أبا حنيفة يجعل النائم كالمنتبه وهما (لا) يجعلانه كالمتنبه على ما عرف في مسألة الصدر والخلوة.
ولو حلف لا يكلم فلاناً فدق فلان عليه الباب فقال من هذا أو قال من أنت حنث؛ لأنه مكلم له بالاستفهام هكذا القدوري في «شرحه» .

وفي «النوازل» : إذا دق المحلوف عليه باب الحالف فقال الحالف بالفارسية: كيست لا يحنث في يمينه ولو قال كنى بوا يحنث وبه أخذا الفقيه أبو الليث رحمه الله إذا حلف لا يكلم فلانا ثم إن المحلوف عليه ناداه فقال لبيك أو قال لبي يحنث في يمينه لأنه أجابه باللفظين جميعاً فصار متكلماً معه.
وفي «القدوري» : إذا حلف لا يكلم امرأته فدخل الدار وليس فيه غيرها فقال: (.........) حنث لأنه تكلم لها بالاستفهام إذا لم يكن هناك غيرها فإن كان في الدار غيرها لم يحنث لأنه يحتمل أن يكون (396أ1) استفهم لمن سواها ولو قال: ليت شعري من فعل كذا لا يحنث لأنه وإن لم يكن في الدار غيرها لأن هذا للمخاطب نفسه ولا يكلم امرأته وفي «مجموع النوازل» إذا حلف لا يتكلم فجاءته امرأته وهو يأكل الطعام فقال: ها حنث في يمينه فقال لامرأته اكراس سحن يا فلان بكوى فأنت طالق ثم إن

(4/237)


المرأة اين سجن بأن فلان لفت ولكن تصارني كني أن فلان بدا نست طلقت امرأته كمن حلف لا يكلم فلاناً فكلمه بعبارة لم يعرفه فلان وهناك يلزمه الحنث كذا ههنا.
حلف لا يكلم فلاناً ثم إن المحلوف عليه أراد أن يشتم إنساناً فأراد الحالف أن يقول: لا تفعل فقال له الحالف بالفارسية بلن ودكه يمينه فلم يقل بعد ذلك شيئاً آخر. فقد قيل لا يحنث في يمينه لأن هذا القدر ليس بكلام مفهوم إلا أن الصلاة تفسد بها لأنه كلام حقيقة وإن لم يكن مفهوماً وفساد الصلاة معلق بمطلق الكلام فأما الداخل تحت اليمين كلام مفهوم. وقيل يحنث في يمينه لأنه كلام حقيقة وإن لم يكن مفهوماً والداخل تحت اليمين مطلق الكلام والدليل عليه مسألة «مجموع النوازل» التي تقدم ذكرها وحكي عن القاضي الإمام أبي سعيد البردعي ما يدل على القول الأول فإنه يقول في الباب الأول من الأيمان: الجامع في تعليل المسألة الأولى الكلام المطلق ينصرف إلى ما يفيد لا إلى ما لا يفيد قلنا وغير المفهوم لا يفيد إذا حلف لا يكلم فلاناً فمر المحلوف عليه بالحالف فقال الحالف اصنع كذا يا حافظ كان كذا لأمر قد وقع وقصد إسماع المحلوف عليه لا يحنث في يمينه.

وروي عن عبد الرحمن بن عوف أنه حلف لا يكلم عثمان فكان إذا مربه فقال يا حافظ كان كذا ويا حافظ اسمع كذا حلف لا يكلم المساكين أو الفقراء فكلم واحداً منهم يحنث في يمينه بخلاف ما إذا حلف لا يكلم مساكيناً أو فقراء فإنه لا يحنث ما لم يكلم ثلاثة منهم والكلام فيه نظير الكلام فيما إذا حلف أن لا يتزوج النساء وإذا حلف أن لا يتزوج نساء وقد مرت المسألة من قبل.
إذا حلف لا يكلم فلاناً فاقتدى الحالف بالمحلوف عليه فسبح له الحالف أو فتح عليه بالقراءة لم يحنث وعلى ما اختاره الفقيه أبو الليث رحمه الله فيما إذا حلف أن لا يتكلم بالفارسية فقرأ القرآن خارج الصلاة أن لا يحنث ينبغي أنه إذا عقد اليمين بالفارسية ههنا أن لا يحنث.

إذا حلف الرجل لا يكلم فلاناً وفلاناً وكلم أحدهما لا يحنث في يمينه فهذا هو المذكور في «الأصل» وفي «القدوري» : وذكر الصدر الشهيد رحمه الله هذه المسألة في باب الأول من أيمان «الواقعات» وجعلها على ثلاثة أوجه إما أن ينوي أن يحنث بكلام كل واحد منهما وفي هذا الوجه يحنث بكلام كل واحد منهما وإما أن ينوي أن لا يحنث حتى يكلمهما وفي هذا الوجه لا يحنث ما لم يكلمهما وإما إن لم تكن له نية وفي هذا الوجه اختلف المشايخ رحمهم الله، قال رحمه الله والمعتد أنه لا يحنث حتى يكلمهما أما من قال: يحنث قال: المتعارف أن لا يراد بهذا الجمع وأما من قال: لا قال: الجمع متعارف أيضاً إلا أنه دون الأول فلا تترك حقيقة اللفظ وحقيقة الجمع.
وعلى هذا إذا حلف لا يكلم هذا وهذا ولو حلف لا يكلمهما أو حلف بالفارسية ابن دوس سمن نكويم ونوى الحنث بكلام واحد منهما لا تصح نيته وإذا كلم واحداً منهما لا يحنث؛ لأن في قوله فلاناً وفلاناً هذا وهذا أمكن تصحيح نيته بإدخال حرف النفي

(4/238)


بينهما فيصير تقدير المسألة كأنه قال: لا أكلم فلاناً ولا فلاناً وعند ذلك يحنث بكلام كل واحد منهما لأن كل واحد منهما صار منفياً يبقى على حدة وهذا المعنى لا يمكن تحقيقه فيما إذا قال: لا أكلمهما فلهذا لا تصح نيته.
ولو قال: إن كلمت فلاناً وإن كلمت فلاناً فعبدي حر فكلم أحدهما لا يعتق عبده ما لم يكلمهما. ولو قال: عبدي حر إن كلمت فلاناً وإن كلمت فلاناً فكلم أحدهما عتق عبده وهذا قول محمد رحمه الله، وقال أبو يوسف تقديم الجزاء وتأخيره سواء، وإذا كلم أحدهما يعتق عبده في الوجهين جميعاً. وقد ذكرنا هذه المسألة في كتاب الطلاق إلا أن هناك وضع المسألة في دخول الدارين وههنا وضعها في كلام الرجلين.

ولو قال إن كلمت فلاناً أو فلاناً وكلم أحدهما يحنث في يمينه لأن كلمة أو إذا دخلت بين الاسمين في الأيمان تناول أحدهما وقد مر هذا فيما تقدم.
قال في «الجامع» : ولو قال: والله لا أكلم فلاناً أو فلاناً وفلاناً فكلم الأول يحنث في يمينه، ولو كلم الثاني أو الثالث لا يحنث في يمينه ما لم يكلمهما لأنه جمع بين الثاني والثالث بحرف الجمع فتعين بما لو جمع بينهما بلفظ الجمع بأن قال: والله لا أكلم فلاناً ولا هذين وهناك كان الجواب كما قلنا.
ولو قال: والله لا أكلم فلاناً أو فلاناً أو فلاناً وكلم الثالث يحنث في يمينه، ولو كلم الأول والثاني لا يحنث ما لم يكلمهما وتقدير هذه المسألة: كأن قال: لا أكلم هذين ولا هذا وهناك الجواب كما قلنا، وذكر في كتاب الطلاق فيمن كان له ثلاث نسوة فقال: هذه طالق وهذه وهذه طلقت الثالثة ويخير الزوج بين الأولى والثانية وعلى قياس ما ذكر في الجامع ينبغي أن يخير الزوج الأولى والثانية.
والثالثة وذكر في كتاب الإقرار فيمن قال لفلان عليّ ألف درهم أو لفلان وفلان، فللثالث نصف الأول ويخير المقر في النصف الآخر بين أن يجعله للأول وبين أن يجعله للثاني، وعلى قياس ما ذكر في «الجامع» ينبغي أن يخير بين أن يجعل الألف للأول وبين أن يجعلها للثاني والثالث وذكر في كتاب العتاق: فيمن له ثلاثة أعبد قال: هذا حر وهذا وهذا عتق الثالث للحال، ويخير المولى بين الأول والثاني وعلى قياس ما ذكر في «الجامع» : ينبغي أن يخير المولى بين الأول وبين الثاني وبين الثالث.
قال مشايخنا رحمهم الله روى ابن سماعة عن محمد رحمه الله في «النوادر» المدار في هذه المسائل الثلاث على قياس ما ذكر ههنا فقال لا تطلق الثالثة ولا يعتق الثالث للحال ويخير الزوج والمولى بين الإيقاع على الأول وبين الإيقاع على الثاني والثالث وقال في فصل الإقرار: يخير المقر بين أن يجعل الألف للأول وبين أن يجعلها للثاني ولثالث فعلى هذه الرواية لا يحتاج إلى الفرق وعلى ظاهر الرواية يحتاج.

ووجه الفرق: أن في هذه المسائل الثلاث كلمة أو دخلت بين الأول والثاني في الإثبات فيتناول أحدهما والآخر يكون خارجاً عن اليمين والثالث معطوف على الثابت لا على الخارج وصار كأنه قال للأول والثاني: أحدكما حر وهذه (369ب1) الثالث

(4/239)


أحداكما طالق وهذه للثالثة ولو نص على هذا ثبت الحكم في حق الثالث للحال فههنا كذلك أما في مسألة الجامع كلمة أو دخلت بين الأول والثاني في النفي فصارت معنى ولا وصار تقدير كلامه لا أكلم فلاناً ولا فلاناً فيتناول الأول والثاني وثبت فيهما حكم النفي والثالث معطوف على أحدهما، وكل واحد منهما ثابت ويستقيم العطف على كل واحد منهما، غير أن العطف على الثاني أولى لأنه متصل بالثاني وصار تقدير المسألة كأنه قال: لا أكلم فلاناً ولا هذين.

إذا قال لآخر والله لا أكلمك اليوم ولا غداً ولا بعد غد فله أن يكلمه في الليلتين المتخللتين لأن هذه ثلاثة أيمان كل يمين معقودة على يوم واحد كأنه قال والله لا أكلمك اليوم والله لا أكلمك اليوم وغداً وبعد غد لأن ذاك يمين واحد عقدت على ثلاثة أيام كأنه قال: والله لا أكلمك ثلاثة أيام والأيام باسم الجمع مستتبع ما بإزائها من الليالي فدخلت الليلتان المتخللتان في اليمين كما دخلت الأيام فيها. وروي عن أبي يوسف رحمه الله أنه لا تدخل الليلتان في اليمين في هذه الصورة أيضاً؛ لأن اليمين عقدت على بياض النهار ولا ضرورة إلى إدخال الليل فيها.
ولو قال: والله لا أكلمك يوماً ويوماً فهذا وما لو قال لا أكلمك يومين سواء فتدخل فيه الليلة المتخللة ولو قال: لا أكلمك يوماً ويومين تقديره لا أكلمك ثلاثة أيام فتنقضي اليمين بمضي اليوم الثالث.
ولو قال لا أكلمك يوماً ولا يومين فهذه على يومين إن كلمه في اليوم الثالث لم يحنث في رواية «الجامع الكبير» ، والرواية في باب الدور، وذكر القدوري عن أبي يوسف رحمه الله أن هذا بمنزلة قوله لا أكلمك ثلاثة أيام حتى لو كلمه في اليوم الثالث يحنث في يمينه على قول أبي يوسف رحمه الله فأبو يوسف سوى بين قوله: لا أكلمك يوماً ويومين، وبين قوله: لا أكلمك يوماً ولا يومين من حيث إنه في الصورة جميعاً عطف اليومين على اليوم والمعطوف غير المعطوف (عليه) ، وعلى هذا رواية «الجامع» .

فرق بين الصورتين، والفرق أن في الصورة الثانية نفا المسألة الثانية بنفي على حده فحنث. قال: ولا يومين ولا يحتاج في صحة الكلام الثاني إلى عطفه على الأول بل يجعل قائماً بنفسه في حكم النفي، كأنه أفرد اليمين على كل واحد من اليومين، فقال والله لا أكلم فلاناً يوماً والله لا أكلم فلاناً يومين ألا ترى أن من قال والله لا أكلم زيداً ولا عمراً تقديره: والله لا أكلم زيداً، والله لا أكلم عمراً حتى لو كلم زيداً أو عمراً يحنث في يمينه، والمدة تعتبر من وقت اليمين على ما عرف، فصار اليوم الأول مشتركاً محسوباً من المدتين، واليوم الثاني لليمين الثانية خاصة فينتهي اليمينان بمضي اليوم الثاني، أما في الصورة الثانية ما نفا المدة الثانية بنفي على حدة فمست الضرورة إلى جعلها معطوفة على المدة الأولى ليصير نفي الكلام في المسألة الأولى نفياً له في المدة الثانية تصحيحاً للمدة الثانية، والمعطوف غير المعطوف عليه فقوله: ويومين لا يتناول اليوم الأول، وإنما يتناول يومين بعده، وكأنه قال والله لا أكلمك ثلاثة أيام فالصورة الأولى بالفارسية سحن يكويم

(4/240)


يا فلان بك دوزود روز، والصورة الثانية بالفارسية: فسحن يكوير يا فلان في بك دوزوني جوروز. ولو قال والله لا أكلم فلاناً يوماً، والله لا أكلمه يومين والله لا أكلمه ثلاثة أيام في اليمين الأولى من حين فرغ وانعقدت على اليوم الأول ثلاثة أيمان، وانعقدت على اليوم الثاني يمينان واليوم الثالث عليه يمين واحدة.

وعن محمد رحمه الله فيمن قال: لا أكلم فلاناً يوماً بين يومين ولا نية له فهذا بمنزلة قوله والله لا أكلمه يوماً لأن كل يوم بين يومين فيكون على يوم من ساعة حلف.

وإذا قال الرجل لغيره في بعض النهار: والله لا أكلمك يوماً لم يكلمه ساعة ما حلف حتى تجيء تلك الساعة من الغد، وإن كلمه في شيء من ذلك ليلاً أو نهاراً حنث في يمينه، لأن اليوم اسم لاثنى عشر ساعة من بياض النهار أو أقل أو أكثر على حسب اختلاف الفصول، فيصير كأنه نص على اثني عشر ساعة من بياض النهار، وهذا العدد إنما يتم إذا جاءت تلك الساعة من الغد وتدخل الليلة هكذا ذكر في «الجامع» : وفي «النوازل» إنما لا يدخل؛ لأن الليل لو ههنا إنما يدخل بذكر اليوم ولا وجه؛ إليه لأنه ذكر اليوم مفرداً واليوم المفرد لا يستتبع ما وراءه من الليل.
وجه ما ذكر في «الجامع» أنه لو اقتصر على قوله والله لا أكلم فلاناً وقع يمينه على الأبد فيكون ذكر الوقت لإخراج ما وراءه عن اليمين، فينبغي (أن يكون) الليل داخلاً بمطلق اليمين لأبد اليوم، ولو قال ذلك ليلاً لم يكلمه حتى تغيب الشمس من يوم تلك الليلة لا يذكر اليوم. ولو قال ذلك ليلاً لم يكلمه حتى تغيب الشمس من يوم تلك الليلة لأن اليوم الكامل موجود هنا، فلا حاجة إلى إدخال شيء من اليوم الآخر. واختلف مشايخنا رحمهم الله أنه لو كلمه بعد اليمين قبل طلوع الفجر والصبح إنه يحنث، وإليه أشار محمد رحمه الله في «الكتاب» حيث قال: لم يكلمه حتى تغيب الشمس من الغد معناه لم يكلمه بعد اليمين حتى تغيب الشمس من الغد.
وفي «المنتقى» نص عليه، فقال: إذا قال في نصف الليل والله لا أكلمك يوماً ترك كلامه من ساعته بقية الليل والغد حتى تغرب الشمس ولو قال: لا أكلمك يومين، فعليه أن لا يكلمه يومين بليلتيهما؛ لأن بذكر اليومين يدخل ما بإزائهما من الليل.
وفي «المنتقى» إذا قال في نصف النهار: والله لا أكلمك ليلتين ترك كلامه إلى تلك الساعة من بعد الغد. ولو قال: يوم أكلم فلاناً وامرأته طالق فيمينه على النهار والليل جميعاً، يريد أنه لو كلم فلاناً فامرأته طالق فيمينه على النهار والليل جميعاً يريد به أنه لو كلم فلاناً ليلاً أو نهاراً تطلق امرأته، وهذا لما عرف أن اليوم إذا ذكر مقروناً بفعل لا تختص صحته بالنهار، فجعل عبارة عن الوقت عرفاً وشرعاً إلا أن يريد به التقدير، فحينئذ جعل عبارة عن بياض النهار، وإن كان ما قرن به الفعل لا تختص صحته بالنهار كما لو حلف لا يكلم فلاناً يوماً، فإن اليوم في هذه الصورة يحمل على بياض (370أ1) .

وإن ذكر مقروناً بالكلام، والكلام تختص صحته ببياض النهار، لأنه ذكر اليوم لتقدير الحرمة الثابتة باليمين؛ فإنه متى لم يذكر اليوم ثبتت الحرمة، على سبيل التأبيد،

(4/241)


والتقدير لا يحصل متى صار عبارة عن الوقت، لأن الوقت بنفسه غير مقدّر. وبياض النهار مقدّر، فصار عبارة عن بياض النهار بدلالة التقدير. فأما متى لم يذكر اليوم للتقدير، فإنه يصير عبارة عن الوقت. متى ذكر مقروناً بفعل لا يختص بالنهار؛ وههنا اليوم لم يمكن للتقدير. وقد ذكر مقروناً بفعل لا تختص صحته بالنهار، فصار عبارة عن الوقت. وصار تقدير هذه اليمين وقت أفعل كذا امرأته طالق، ولو خرج بذلك تطلق امرأته، فعل ذلك الفعل ليلاً أو نهاراً، كذا ههنا.
وإن قال: عنيت بياض النهار، ففعل ذلك ليلاً لا يحنث في يمينه، ويصدق قضاء هكذا ذكر في كتاب الأيمان. وذكر في كتاب الطلاق أنه لا يصدق قضاء، فعلى رواية كتاب الطلاق جعله بادئاً للتخصيص، وعلى رواية كتاب الأيمان جعله بادئاً حقيقة كلامه، ولو قال: ليلة أفعل كذا، فهذا على سواد الليل خاصة، حتى لو فعل ذلك نهاراً لم يلزمه الحنث، لأن الليل في حقيقة اللغة عبارة عن سواد الليل، ولم يصر عبارة عن مطلق الوقت.

وفي «المنتقى» في باب الحلف على الكلام: إذا حلف لا يكلم فلاناً ثلاثين يوماً، وكان الحلف ليلاً ترك كلامه من تلك الساعة إلى أن تغيب الشمس من اليوم الثلاثين ولو حلف ليلاً لا يكلم هذا اليوم، فإنه يحنث بالكلام من تلك الليلة إلى أن تغيب الشمس في اليوم، وروي عن محمد رحمه الله خلافه، ولو حلف نهاراً لا يكلّم هذه الليلة لم يدخل ما بقي من اليوم في يمينه، إنما حلفه على الليل خاصة.
وذكر هذه المسألة في «المنتقى» في موضع آخر، وذكر فيها تفصيلاً. فقال: إذا قال في أول الليل: لا أكلمك اليوم ولا نيّة له فهذا باطل ولو قال ذلك في آخر الليل، فهو على اليوم المستقبل، وكذلك إذا قال آخر النهار فهو على الليل المستقبل.
وفي «الجامع» إذا قال: والله لا أكلمك في اليوم الذي يقدم فيه فلان، فكلمه في أول يوم قدم فلان في آخر ذلك اليوم حنث في يمينه. ولو قدم فلان في أول يوم وكلمه في آخر ذلك اليوم، وقع في بعض نسخ الزعفراني أنه يحنث، وعامة المشايخ على أنه لا يحنث ولا ذكر لهذه المسألة في «الكتاب» عن محمد رحمه الله، والوجه في ذلك أن القدوم وإن كان في معنى الشرط من حيث إنه ملفوظ على خطر الوجود إلا أنه ليس بشرط حقيقة وصورة، لأن الحالف ما جعله شرطاً لأنه ما قرنه بحرف الشرط وما عطفه على الشرط بل جعله معرفاً بشرط الحنث وهو الكلام، وإنما يكون معرفاً للشرط إذ وجد الشرط قبله؛ لأن من شرط المعرف للشيء أن يكون ذلك الشيء سابقاً عليه، حتى يحصل التعريف بوجود نفس المعرف، ولم يوجد ذلك ههنا، فعملنا بالمعرفة، فقلنا: إذا وجد القدوم قبل الكلام لا يحنث في يمينه، وعملنا بالشرطية فقلنا: إذا وجد القدوم بعد الكلام وقع الحنث مقصوداً عليه عملاً بالمعنيين جميعاً بقدر الإمكان.
ولو قال: لا أكلم فلاناً في الشهر الذي قبل قدومه، فكلامه في أول الشهر وقدم فلان لتمام الشهر حنث في يمينه، لأن شرط الحنث كلام المحلوف عليه في شهر قبل

(4/242)


قدوم فلان، وقد وجد فيحنث في يمينه، وإنما يحنث وتجب الكفارة بعد القدوم، لأن قدوم فلان في معنى الشرط على ما ذكرنا، وإذا كان القدوم في معنى الشرط كان كوقوع الحنث ووجوب الكفارة بعد القدوم لا محالة.
ولو قال: والله لا أكلمك شهراً قبل قدوم فلان وشهراً قبل قدوم فلان، فكلّم فلاناً بعد اليمين ثم قدم فلان بعد خمسة أيام لا يحنث في يمينه، لأن شرط الحنث وجود الكلام بعد اليمين في شهر قبل قدوم فلان لم يوجد بعد اليمين، فلم يوجد شرط الحنث، قال في «الكتاب» : ألا ترى أنه لو قال لعبده: أنت حر قبل قدوم فلان بشهر فقدم فلان بعد خمسة أيام وقت لا يعتق العبد، لأن العتق يضاف إلى شهر قبل قدوم فلان ولم يوجد بعد اليمين شهراً قبل القدوم، كذا في مسألتنا.
وإذا حلف لا يكلم فلاناً أبداً، فكلمه بعدما مات لا يحنث في يمينه؛ لأن معنى الكلام لم يوجد وإن وجد صورته؛ لأن معنى الكلام الإفهام يعني به إفهام الغرض وذلك بالإسماع، وإنه لا يتحقق بعد الموت، وهذه المسألة تدل على من حلف لا يكلم فلاناً فكلمه بعبارة لا يعرفها لا يحنث؛ لأن معنى الكلام هو إفهام الغرض ولم يوجد.
إذا حلف الرجل فقال: والله لأكلمن فلاناً أحد يومي أو قال: لأخرجن أحد يومي أو أحد اليومين أو أحد أيامي، فهذا على أقل من عشرة أيام فدخل ذلك الليلُ والنهار، حتى لو كلمه أو خرج قبل مضي العشرة ليلاً أو نهاراً أبرّ في يمينه وإن لم يكلمه أو لم يخرج حتى مضت العشرة يحنث في يمينه، ولو قال: أحد يومي هذين فهذا على يومه ذلك وعلى الغد.
سئل شمس الإسلام الأوزجندي عمن حلف لا يكلم أحداً فجاء كافر يريد الإسلام، قال:.... صفة الإسلام مسلماً ولا يكلمه ولا يحنث في يمينه.

رجل قال لامرأته: اكر غانه فلان روم وباوى سخن كويم فأنت طالق فلم يذهب إلى بيته ولكن كلمه في موضع آخر لا يحنث في يمينه، ولو قال اكريه فانه فلان بني روم وباري سخن بني مويم فأنت طالق وباقي المسألة بحالها حنث في يمينه وطلقت امرأته، هكذا حكى فتوى شمس الأئمة الحلواني وفتوى ركن الإسلام علي السغدي رحمهما الله، لأن في الوجه الأول شرط الحنث شيئان الدعاء إلى بيته والكلام معه، وقد وجد أحدهما دون الآخر فلا يقع الحنث، وفي الوجه الثاني شرط البر شيئان، أن يذهب إلى بيته وأن يكلمه وقد وجد أحدهما فانعدم شرط البر فغاب البر ومن...... بغير الحنث، وقد ذكرنا قبل هذا أن اليمين إذا عقدت على عدم الفعل في مجلس ينظر فيه إلى شرط البر، فهذا بناء على ذلك.

رجل قال لامرأته وقد كانت ذكرت إنساناً بين يديه: إن عدت على ذكر فلان فأنت طالق، فقالت: لا أعيد عليك ذكر فلان لا يحنثُ؛ لأنها ما ذكرت فلاناً إنما وضعت أنها

(4/243)


منهية عما أمرها أن تنتهي عنه، وكذلك إذا قالت: نهيتني عن ذكر فلان فقد ذكرته فيحنث في «المنتقى» . وفيه أيضاً: إذا (قال) : لا يكلم رجلاً، فكلم رجلاً فقال عنيت غيره لا يحنث بخلاف ما إذا حلف لا يكلم الرجل.
رجل قال لامرأته: إن لم تكلميني الليلة فأنت طالق فأبت (370ب1) المرأة الكلام وخاف الزوج وقوع الطلاق فالحيلة له أن يذكر أباها وأمها؟ وأقاربها بين يديه بسوء فيهم فيصير ذلك حاملاً لها على جوابه، وعند ذلك لا يقع الحنث ولا يقع الطلاق. إذا حلف لا يكلم امرأة فكلّم صبية، فقد حكي عن المشايخ رحمهم الله أنه يحنث، وهذا الجواب بخلاف الرواية، والرواية في «المنتقى» .
وفي «المنتقى» لو قال: والله لا أكلمك شهراً بعد شهر فهو بمنزلة قوله شهرين، وكذلك إذا قال: والله لا أكلمك سنة بعد سنة فهو بمنزلة قوله سنتين. ولو قال: والله لا أكلمك شهراً بعد هذا الشهر فله أن يكلمه في هذا الشهر.

وفيه: إذا قال لقومه: كلامكم علي حرام، فأيهم كلم حنث في يمينه، ولو حلف لا يكلمهم لم يحنث حتى يكلمهم جميعاً.
في «الجامع» : إذا قال الرجل لغيره: إن ابتدأتك بالكلام فعبدي حر، فالتقيا وسلم كل واحد منهما على صاحبه لم يحنث الحالف فيه، لأن شرط الحنث كلام موصوف بصفة البداية، والبداية بالسبق، والحالف إن كلمه بالسلام إلا أنه لم يسبقه، قال: ويسقط اليمين عن الحالف بهذا الكلام حتى لا يحنث أبداً بحكم هذا اليمين لوقوع الناس عن كلامه بصفة البداية؛ لأن كل كلام يوجد من الحالف بعد هذا فإنما يوجد بعد كلام المحلوف عليه، وعن هذه المسألة قلنا: إن الرجل إذا قال لامرأته: إن ابتدأتك بكلام فأنت طالق، وقالت المرأة: إن ابتدأتك بكلام فجاريتي حرة، ثم إن الزوج كلمها بعد ذلك لا يحنث في يمينه، لأن المرأة كلمته بعد يمينه فحنث. قالت: إن ابتدأتك بكلام فلا يكون الزوج متبدئاً لها بالكلام ثم تكلمه المرأة، ولا تحنث في يمينها قضاء، لأنها ما ابتدأت بالكلام، وإن كانت اليمين منهما معاً ينبغي أن يكلم كل واحد منهما صاحبه معاً، ولا يحنث واحد منهما.
وكذلك إذا قال لغيره: إن كلمتك قبل أن تكلمني فعبده حرُ فالتقيا فسلّم كل واحد منهما على صاحبه، وخرج الكلامان معاً لا يحنث في يمينه لأن شرط الحنث كلام موصوف بصفة السبق وكلام الحالف ليس بسابق.

ولو قال: إن كلمتك إلا تكلميني أو حتى تكلمني فتكلما معاً حنث في يمينه، ذكر في «الجامع» هكذا، وذكر القدوري في «شرحه» أن على قول أبي يوسف لا يحنث، وعلى قول محمد رحمه، الله: يحنث بما ذكر القدوري أن ما ذكر في «الجامع» قول محمد رحمه الله، قال في «القدوري» : وعلى هذا سائر الأعمال نحو: أن يحلف لا يدخل هذه الدار حتى يدخلها فلان فدخلا معاً، وكلام محمد رحمه الله في المسألة ظاهر؛ لأن شرط الحنث كلام مطلق ههنا إلا أن الحالف عقد يمينه إلى غاية، وهو كلام المحلوف عليه،

(4/244)


فقيل: كلام المحلوف عليه معه اليمين باقية وإذا كلم الحالف فقد وجد شرط الحنث حال بقاء اليمين فيحنث في يمينه.
إذا حلف الرجل فقال: إن كلمت فلاناً حتى يقدم فلان، أو قال: إلا أن يقدم فلان، أو قال: حتى يأذن لي فلان، أو قال: إلا أن يأذن لي فلان فعبدي حر، أو قال: فامرأتي طالق، وكلمه قبل القدوم أو قبل الإذن يحنث في يمينه؛ ولو كلمهُ بعد ذلك لا يحنث في يمينه لأنه جعل الإذن والقدوم غاية ليمينه؛ لأن كلمة حتى للغاية وكذلك كلمة الآن، فقد جعلَ غاية يمينهِ القدوم والإذن، وقيل: الإذن والقدوم يكون باليمين قائمة فإذا كلمهُ قبل القدوم والإذن فقد وجد شرط الحنث حال قيام اليمين فيحنث في يمينه، وإذا كلمهُ بعد القدوم والإذن فقد وجد شرط الحنث واليمين منتهية فلا يحنث، والله أعلم.

نوع آخرمن هذا الفصل في القراءة

إذا حلف لا يقرأ القرآن فقرأ القرآن في الصلاة أو خارج الصلاة يحنث في يمينهِ، وإذا (حلف) على هذا الوجه فالحيلة لهُ أن يصلي الفرائض بالجماعة ولا يحنث في يمينهِ، وإذا فاتهُ فلا حيلة في ذلك، وإذا قضاها قضاها بقراءة وحنث في يمينهِ. وفي الوتر ينبغي أن يقتدي بمن يوتر أيضاً، والمرأة إذا حلفت على ذلك تقتدي بزوجها أو بغيره من محارمها، ولو حلف لا يقرأ القرآن فنظر فيه من أوله إلى أخره لا يحنث في يمينهِ بالاتفاق، ولو حلف لا يقرأ كتاباً فنظر فيه حتى أتى إلى آخرهِ لم يحنث عند أبي يوسف، وقال محمد رحمهُ الله: يحنث، فأبو يوسف رحمه الله اعتبر الحقيقة فقال: القراءة عمل اللسان وذلك في التفكر والنظر لا يوجد، ومحمد رحمه الله اعتبر المقصود فقال: المقصود من قراءة الكتاب فهم ما فيه، وهذا المقصود يحصل بالتفكر والنظر بخلاف ما إذا حلف لا يقرأ القرآن فنظر فيه، لأن المقصود من قراءة القرآن الثواب، والثواب لا يحصل بمجرد التفكر. وعن محمد رحمه الله أنه توقف فيه بعد ذلك.
ولو حلف لا يقرأ لفلان كتاباً فقرأه حتى أتى على المعاني التي يحتاج إليها وكأنه قرأه فيحنثُ في يمينه، هكذا روي عن محمد رحمه الله إذا..... يحنث. ولو حلف لا يقرأ القرآن لا يحنث بالتسمية إلا أن ينوي التي في السورة النمل، وعن محمد رحمه الله أنه يحنث إلا أن تذّكر بعد شيء أصابه ولو حلف لا يقرأ سورة من القرآن فترك حرفاً منها حنث، ولو ترك آية طويلة لم يحنث، والله أعلم.

ومما يتصل بهذا النوع

إذا حلف (لا) يتمثل شعراً فتمثل نصف البيت لا يحنث، وإن كان نصف البيت بيتاً من شعر آخر، وعن محمد في رجل فارسي حلف أن لا يقرأ سورة الحمد بالعربية فقرأها

(4/245)


لا يحنث، ولو كان رجلاً فصيحاً حنث لأن العجمي يريد به موضوع اللغة، وذلك في المعرب، والعربي يريد به اللغة العربية والملحون بعدم العربية، وفي «المنتقى» إذا حلف لا يقرأ كتاباً فهذا على كتاب يتبين في بياض أو غير ذلك، وإن نوى كتاب الناس في القرطاس دين فيما بينه وبين الله تعالى ولم يدين في القضاء، والله أعلم بالصواب.

نوع آخرمن هذا الفصلفي البشارة والخبر والحديث وما يتصل بها
قال في «الجامع» : إذا قال الرجل لغيره إن أخبرتني أن فلاناً قدم فامرأتي طالق أو قال: فعبدي حر، فأخبره بذلك كاذباً حنث في يمينيه وعتق العبد، لأن شرط الحنث مطلق الخبر، ومطلقه يتحقق بالصدق والكذب، ألا ترى أن الناس في عرفهم وفي عاداتهم يقولون: أخبرنا فلان كاذباً، كما يقولون: أخبرنا فلان، وهذا بخلاف ما لو قال: إن أخبرتني بقدوم فلان، وأخبره بذلك كاذباً (لم) يحنث ولا يعتق عبده، لأن شرط الحنث في تلك المسألة إخبار ملصق (371أ1) بقدومه، لأن حرف الباء لغة للإلصاق، والخبر إذا كان كاذباً لا يكون ملصقاً بالقدوم، فلا يتحقق شرط الحنث. واستشهد في «الكتاب» ، فقال: ألا ترى أنه قال لغيره: إن أخبرتني أن امرأتي في الدار فكذا، فأخبره بذلك كاذباً يحنث في يمينه. ولو قال: إن أخبرتني بمكان امرأتي في الدار لا يحنث في يمينه والفرق ما أشرنا إليه.

ولو قال: إن بشرتني أن فلاناً قد قدم، إذا قال: إن بشرتني بقدوم فلان فكذا، فبشره بذلك كذباً لا يحنث في يمينه، لأن البشارة لغة اسم لخبر سار صرف، وليس عند المبشر له علمه، لأنها مأخوذة من البشرى، وهو ما يظهر في بشرة الوجه من فرح أو حزن، لكن كثر استعماله فيما يظهر في بشرة الوجه في فرح، فصار الاسم لما يظهر في بشرة الوجه من الفرح، حكم عليه الاستعمال كالحقيقة والكلام بحقيقته يقتضيه الأصل، وإنما يظهر الفرح في بشرة الوجه إذا كان الخبر صادقاً، ولا يكون المبشر له علم به.
Y
ولو قال: إن علمتني أن فلاناً قد قدم، أو قال: إن أعلمتني بقدوم فلان فكذا، فأخبره بذلك كاذباً لا يحنث لأن شرط الحنث الإعلام، والإعلام إيقاع العلم المنافي للجهل للعبد، وبالخبر الكذب لا يحصل العلم، فلا يتحقق شرط الحنث.
وإن أخبره بذلك صادقاً ولكن بعدما علم الحالف إنه لا يحنث أيضاً، لأن العلم لم يحصل للحالف بهذا الخبر فلا يكون هذا الخبر إعلاماً، بخلاف ما لو قال: إن أخبرتني، فأخبره بعدما علم الحالف به، فإنه يحنث في يمينه، لأن مطلق الإخبار يتحقق وإن كان للمخبر له علم بالمخبر به. وإن عنى بقوله: أعلمني أخبرني حنث الحالف وإن كان الإخبار بعد ما حصل العلم للحالف بما أخبر له، لأنه نوى ما يحتمله كلامه، الإعلام إخبار وزيادة فيجوز إطلاق اسم الإعلام على الإخبار بطريق المجاز. فهو معنى قولنا: نوى ما يحتمله لفظه، وينبغي أن تصح نيته ديانة وقضاءً، لأن فيما نوى تغليظ عليه.

(4/246)


ولو قال له: إن كتبت إلي أن فلان قد قدم فكذا، فكتب إليه كاذباً يحنث، لأن شرط الحنث ههنا كتابة ملصقة بالقدوم، وذلك لا يكون إلا بعد القدوم، ولو كتب إليه في هذه الصورة أن فلاناً قد قدم وقد كان فلان قدم قبل الكتابة، إلا أن الكتابة لم تعلم بذلك حنث الحالف في يمينه، لأن شرط الحنث في هذه الصورة كتابة ملصقة بالقدوم، لا علم «الكتاب» بالقدوم، وقد وجد ههنا كتابة ملصقة بالقدوم، فتحقق شرط الحنث.
قال في «الزيادات» : إذا حلف الرجل لا يظهر سِرّ فلان لفلان أبداً، فأخبر به بكتاب كتبه إليه أو بكلام أو سأله فلان أكان سرّ فلان كذا، فأشار برأسه أي نعم حنث في يمينه. لأن الإظهار عبارة عن فعل يحصل به الظهور، وقد حصل الظهور بهذه الأشياء، وكذلك لو حلف لا يفشي سر فلان إلى فلان وحلف لا يعلم فلاناً بسرّ فلان أو بمكان فلان ففعل شيئاً مما ذكرنا حنث في يمينه، لوجود شرط الحنث وهو الإفشاء، فإن الإفشاء والإعلام يحصل بهذه الأشياء.
وكذلك لو حلف ليكتمن سره أو أخفينه أو أستر به ففعل شيئاً من ذلك حنث في يمينه، لأن شرط البر الإخفاء والكتمان والستر. فكان شرط الحنث ضد ذلك، وهو الإظهار، وقد تحقق الإظهار بما فعل بتحقق شرط الحنث.
وكذلك إذا حلف لا يدُلّ على فلان ففعل شيئاً من ذلك حنث في يمينه؛ لأن الدلالة بمعنى الإظهار والإعلام. وإن عنى في هذه الوجوه كلها الإخبار بالكلام والكتابة والرسالة دون الإشارة، ذكر في «الكتاب» أنه يدين، ولم يزد على هذا ولا شك أنه يدين فيما بينه وبين الله تعالى. لأن الإظهار والإفشاء والإعلام وإن كان يحصل بالإشارة فهي بالكلام والكتابة. فإذا نوى ذلك فقد نوى ما هو أحد الوجوه من محتملات لفظه، والله تعالى مطلع على ما في ضميره.
وهل يصدق في القضاء؟ ذكر عن الحاكم أبي نصر محمد بن مهرونة أنه يصدق، وعامة المشايخ رحمهم الله على أنه لا يصدق.

ثم إذا حلف بهذه الأشياء وطلب الحيلة والمخرج عن ذلك، فالحيلة أن يقال: إنا نذكر أماكن وأشياء من التهمة مما ليس بمكان فلا تستره فقل: لا، فإذا تكلمنا بسره أو مكانه فاسكت، فإذا فعل ذلك واستدلوا على سره ومكانه لا يحنث في يمينه، لأن هذا ليس بإظهار ولا إفشاء ولا إعلام ولا دلالة لأن هذه لا بد لها من قول، ولم يوجد منه إلا السكوت وإنه ليس بقول ولا فعل بل هو ترك الفعل، إلا أنهم استدلوا بسكوته على مرادهم واستدلالهم بفعل منهم ولا يصلح سبباً للحنث.
وإذا حلف لا (يستحلف) فلانة فأومأ لها بخدمة فقد استخدم، والاستخدام بالإشارة متعارف خصوصاً في الملوك والأكابر، ويستوي إن خدمته فلانة أو لم تخدمه، لأن اليمين

(4/247)


عقدت على الاستخدام، والاستخدام طلب الخدمة وقد تحقق طلب الخدمة، وإن لم تخدمه فلانة.

وإذا حلف الحر فلان السر فلاناً أو بمكاني ففعل ذلك بكتاب أو رسالة حنث في يمينه، لوجود الشرط فإن الإخبار كما يكون بالكلام يكون بالكتابة والرسالة. وكذلك لو حلف لا يبشر فلاناً بكذا، ففعل ذلك بكتاب أو رسالة يحنث في يمينه، ولو قيل له: أكان الأمر كذا؟ فلان في موضع كذا؟ فأومأ برأسه أي نعم فهذا ليس بإخبار ولا بشارة ولا يحنث في يمينه. ألا ترى أن بعد هذه الإشارة يتحرر ذلك الرجل أن يقول: ما أخبرنا فلان ولا تسرر به وإنما أشار برأسه. وإن عَبَّر بالإخبار والبشارة الإشارة بالرأس، وغير ذلك صدق ديانة وقضاء. لأنه معنى الإخبار والبشارة وفيه تغليظ وتشديد عليه فيصدق.
وإذا حلف لا يقّر لفلان بمال فقيل له: لفلان عليك كذا وكذا، فأشار برأسه أي نعم لا يحنث في يمينه، لأن الإقرار لا يتحقق (371ب1) بالإشارة؛ ولأنه إخبار عن كائن سيأتي.
وقد ذكر أن الإخبار لا يفصل بالإشارة، ألا ترى أنه لو قرىء عليه حكي إقرار وقيل أهو هكذا؟ فأشار برأسه أي نعم لا يكون إقراراً حتى لا يحل للشهود أن يشهدوا عليه بذلك المال كذا ههنا. فإن قيل أليس أن الأخرس إذا أقر بالإشارة فإنه يصح ويقضي القاضي به، ولو كان الإقرار مما لا يحصل بالإشارة ينبغي أن لا يصح. قلنا من وجهين: أحدهما: أن شرط جواز القضاء ليس هو الإقرار ولا الإشارة، وإنما الشرط علم القاضي بوجوب الحق، فالعلم حاصل بالإشارة وإن لم يكن إقراراً، أما شرط الحنث غير الإقرار، والإقرار لا يحصل بالإشارة.
والثاني: أن (في) حق الأخرس قامت الإشارة بحكم العجز مقام الإقرار، وجاء القضاء لوجود ما قام مقام الإقرار لا وجود الإقرار، فأما شرط الحنث الإقرار لا ما قام مقام الإقرار، وإن قال: عنيت أن لا أقر بالإشارة فهو كما عنى، لأنه نوى معنى الإقرار، وفيه تغليظ وتشديد عليه، وإذا حلف أن لا يتكلم بسرّ فلان لا يحنث بالكتابة والرسالة والإشارة، لأن الكلام ما يكون مشافهة ببيان يسمى متكلماً، ألا ترى أن موسى صلوات الله وسلامه عليه، كان مخصوصاً من الرسل بكلام الله تعالى مع استوائهم في الكتابة والرسالة.
ولو قيل له: أكان سر فلان كذا، أو قيل له: أفلان بمكان كذا. فقال: نعم يحنث في يمينه، لأن نعم جواب لما سبق من السؤال، والجواب يتضمن إعادة ما في السؤال، فكأنه قال: نعم سر فلان كذا، فلان في مكان كذا، ولو صرح بهذا ليس إنه يحنث فكذا ههنا، والجواب في قوله: سر فلان نظير الجواب في قوله لا يتكلم سر فلان.

ولو حلف على هذه الأيمان كلها ثم خرس الحالف وصار بحيث لا يقدر على

(4/248)


التكلم كانت يمينه على الإشارة والكتابة؛ إلا في خصلة واحدة؛ إنه إذا حلف لا يتكلم بسر فلان أو حلف لا يحدث بسرّ فلان لم يحنث بالإشارة والكتابة، وإن كانت الإشارة والكتابة بعد الخرس، وهذا لأن الخرس ينافي الكلام والحديث، ولا ينافي ما سوى ذلك من الإقرار والإخبار والبشارة على حسب ما يليق بحاله، وكل ما ذكرنا أنه يحنث بالإشارة. إذا قال: اشربوا ماء لا لزيد الذي حلفت عليه. فإن كات جواباً لشيء سئل عنه لم يصدق في القضاء، ويصدق فيما بينه وبين الله تعالى، لأن ما يقوله محتمل بأن أراد بالإشارة الابتداء، إلا أنه خلاف الظاهر؛ لأن الجواب يتقيد بالسؤال فلما كان الاحتمال يدين فيما بينه وبين الله تعالى، ولما أنه خلاف الظاهر لا يصدق في القضاء، وإذا قال: لا أقول لفلان كذا، لم يذكر محمد رحمه الله هذه المسألة في «الجامع» ، ولا في «الزيادات» .
وروي عنه في «النوادر» : أنه مثل الخبر والبشارة، حتى الحنث بالكتاب والرسالة قال: ألا ترى أنك تقول: قال الله لنا كذا. ولا تقول: كلمنا، ولو حلف لا يدعو فلاناً فدعاهُ بكتابة أو رسالة روى هشام عن أبي يوسف أنه لا يحنث، وفي ظاهر الرواية يحنث، لأن في العرف الدعاء بالرسالة والكتابة كالدعاء بالمشافهة، يقال: دعا السلطان أمير بلدة كذا إلى بابه، وإن كتب إليه كتاباً أو أرسل إليه رسولاً. والرسول صلى الله عليه وسلّمبعث داعياً للكل إلى الله تعالى، وقد دعا البعض بالمشافهة والبعض بالكتابة والرسالة، وكان داعياً في حق الكل.

وروي عن محمد رحمه الله في «النوادر» : أن التبليغ بمنزلة الإخبار يحصل بالكتابة والرسول، وكذلك الذكر يحصل بالكتابة والرسول. ولو قال: أي عبد بشرني بكذا فهو حر فبشروهُ معاً عتقوا، ولو بشره واحد بعد واحد عتق الأول خاصة، ولو أرسل إليه أحدٌ منهم رسولاً فإن أضاف الرسول الخبر إلى المرسل عتق المرسل، ولو أخبره الرسول ولم يضف إلى العبد لم يعتق.

نوع آخر من هذا الفصل فيالشتم والسب وأشباهما
قال محمد رحمه الله في «الجامع» : إذا قال الرجل لغيره: إن شتمتك في المسجد فعبدي حر، فشتمهُ والشاتم في المسجد والمشتوم خارج المسجد يحنث، ولو كان على العكس لا يحنث، لأن غرض الحالف من هذه اليمين صيانة نفسه عن مباشرة ما لا يحل مباشرتهُ في المسجد، وهو الفحش واللغو، وهذا المقصود إنما يحصل بما قلنا.
في «فتاوى أبي الليث» رحمه الله: رجل جرى بينه وبين والدته تشاجر، وقال الرجل لوالدتهِ: اكر مرأ تركي فامرأتي طالق وخرج من المنزل، وقالت والدتهُ مه بوتاش ومردون بو فسمع الرجل هذه المقالة طلقت امرأتهُ. قال لأن هذا....كبدل.

(4/249)


وفيه أيضاً: إذا حلف لا يشتم أحداً. فقذف أو شتم مثنى يحنث في يمينهِ، لأنه قذف وشتم. قال لامرأتهِ: إن شتمت أمي أو ذكرت سرها فأنت طالق، فقالت له: كانت أمك..... طلقت.
وفي عتاق «فتاوى أبي الليث» رحمه الله، إذا قال لعبده: إن شتمتك فأنت حر، قال له: لا بارك الله فيه لا يعتق؛ لأن هذا ليس بشتم بل هذا دعاء عليه، وهكذا ذكر في أيمان «الجامع الصغير» .
فيه أيضاً: إذا قال لغيره: لا أنت ولا أهلك ولا مالك إن هذا شتم، وعلل فقال: لأن هذا لعن، واللعن شتم فيما بين الناس (372أ1) .
وإذا حلف لا يقذف فلاناً. ثم قال له:..... في المشايخ رحمهم فيه. قال الصدر الشهيد رحمه الله: والمختار أنه يحنث لأن هذا قذف له في حكم العرف والعادة.

وفي «المنتقى» عن أبي يوسف رحمه الله: رجل قال لامرأته: إن لم.... أو قال: إن لم أسرك فأنت طالق ثلاثاً، فغاب عنها أشهراً لم ينفق عليها وتزوج عليها، قال لها أهلها: قد أساءك زوجك..... فقالت ما ساءني وما.... .
فالقول قول المرأة ولا يحنث، وعليه لو قال إن ضاررتك ولو قال: إن أسأتك فأنت طالق ففعل ذلك فأضر لإضررارها ... لإضرارها حنث.
امرأة كانت تمن على زوجها بشيء صنعت في حقه فقال الزوج: اكرموايتس يسرزني فامتنعت عن ذلك في وجه الزواج، ولكن كانت تركد عند غيبته مع غيره فلا حنث إذا كان مراده وكرها ذلك بين يديه هكذا حكى فتوى نجم الدين النسفي.
رجل لامرأته: بابراده دشنام ندهي مرامن يكي دشنام نذهم ترا، وحلف عليه ثم إنها شتمت زوجها عشر مرات، وهو لم يشتمها أو شتمها، ثم إن الزوج شتمها في وقت آخر، لم تشتمه في ذلك الوقت لم يحنث في يمينه، لأنه جعل ليمينه على شتمها غاية، وهو شتمها إياه عشر مرات حنث.

قال: يا توده وشنام ندهي مرا، فإذا شتمته عشر مرات فقد انتهت يمينه، فلا يحنث متى شتمها بعد ذلك، ولو قال: ميركاه كي تومرا دثنام وهي من ترايك وشنام ندهم فكذا مع أي وقت شتمها ولم تكن هي شتمته سابقاً على شتمه عشر مرات طلقت، لأن هذه الصورة ما فعل ليمينه غاية بل جعل شرط الحنث في يمينه شتمه في عموم الأوقات قبل شتمها إياه.
ولو قال: هركاه تراب صحاح سود باتو امراده شنام ندهي من ترابك وشنام ندهم فههنا لا ينتهي يمين الزوج بوجود الشتم منها مرة، وإن ذكر حرف الغاية وهو قوله بالآية، إنما ذكر الغاية بكل وقت ومع فيه إلحاح فينتهي اليمين في كل وقت وقع فيه اللجاج بوجود الشرط فيها، ويبقى اليمين على وقت آخر يقع اللجاج فيه لعموم اللفظ. هكذا حكى فتوى نجم الدين النسفي رحمه الله، وهذا إشارة إلى أن قوله: هركاه يقع على كل مرة وقد ذكرنا اختيار الصدر الشهيد رحمه الله، فيه أنه يقع على مرة واحدة، والله أعلم.

(4/250)


الفصل الحادي عشر في الحلف على العقود
هذا الفصل مشتمل على أنواع.

نوع منه في النكاح
بعض مسائل هذا النوع قد تقدم ذكره في آخر كتابه، وبعضها تقدم ذكره في كتاب الطلاق، جملة ما لم يتقدم ذكره ثمة ما قال في «الجامع» : إذا حلف الرجل أن لا يتزوج اليوم امرأة، فتزوج امرأة نكاحاً فاسداً لم يحنث في يمينه، لأن مطلق الاسم ينصرف إلى الكامل والتام. وتمام السبب في الوكالة وكماله بإفادته الحكم المختص به المقصود منه، والحكم المقصود المختص بالنكاح الحل، والنكاح الفاسد لا يفيد الحل ما لم يكن تاماً، فلا يوجد شرط الحنث، ولأن السبب إنما ينعقد بصفة التمام إذا لم يكن في المحل ما ينافيه، وفي المحل ما ينافي النكاح من وجه، لأن النكاح نقيض المملوكية، والحرية تنافي المملوكية فلا يكون محلاً، وكان محلاً من وجه دون وجه، وإنما سقط باعتبار المنافي باعتبار الحاجة تندفع بالجائز، فلا حاجة إلى الفاسد كيف وإنّ الحاجة لا تُدْفع بالفاسد..... لأنه لا يفيد الحل، ثم هذا التعليل إشارة إلى أن النكاح الفاسد منعقد ولكن لا بصفة التمام.
وهذا فصل اختلف فيه المشايخ رحمهم الله، قالوا بعضهم: ينعقد ولكن لا بصفة التمام، وبعضهم قال: لا ينعقد أصلاً؛ لأن في المحل ما ينافيه. وإنما سقط اعتبار المنافي لحاجة ولا حاجة إلى النكاح الفاسد، أو لا تندفع الحاجة بالنكاح الفاسد فلا يسقط اعتبار المنافي في حق النكاح الفاسد، والنكاح الفاسد لم يصادف محله فلم ينعقد أصلاً.

ومنهم من قال: ينعقد مقتضى الإقدام على الوطء ضرورة أن لا يمتنع ما للزوج ولا ضرورة في حق الحنث فلا يظهر الانعقاد في حق الحنث، هذا إذا عقد يمينه على المستقبل، ولو عقد يمينه على الماضي بأن قال: إن كنت تزوجت أمس فكذا، وكان تزوج امرأة نكاحاً فاسداً حنث، واسم النكاح مطلقاً في المستقبل ينصرف إلى الجائز دون الفاسد، وفي الماضي ينصرف إلى الجائز والفاسد جميعاً، والقياس في الماضي أن ينصرف إلى الجائز أيضاً لما ذكرنا أن مطلق الاسم ينصرف إلى الكامل والتام، لكن تركنا القياس في الماضي بحكم العرف، فإن في العرف يراد بالإخبار عن أمر ماضى الحكاية عن الموجود ولا يراد به الحكم ولا المقصود الذي شرع له.
قلنا: والصحيح والفاسد في حق صحة الحكاية عنه سواء، ومثل هذا العرف لم

(4/251)


يوجد في المستقبل فيعمل فيه بقضية القياس، ولأن مطلق الاسم لما انصرف إلى الجائز بالدليل الذي قلنا صار الجواز كالمنصوص عليه في الماضي والمستقبل، إلا أنه لو صرّح بالجواز الماضي يحنث بالفاسد، لأن النكاح في الماضي صار عيناً بالأداء، والصفة في العتق لغو، ولو صرح في الجواز في المستقبل لا يحنث بالفاسد، لأن النكاح في المستقبل لم يصر عيناً، والصفة في غير المعين معتبرة، وإن نوى الجائز في الماضي، أو نوى الفاسد في المستقبل دين فيما بينه وبين الله تعالى وفي القضاء.

وروى ابن سماعة في «نوادره» عن أبي يوسف رحمه الله إذا قال: إن كنت تزوجت اليوم امرأة فعبدي حر، وقد كان تزوجها نكاحاً فاسداً لا يحنث في يمينه، ولو حلف لا يتزوج امرأة فتزوج امرأة بغير أمرها بأن زوجها منه فضولي لا يحنث في يمينه. فرق بين نكاح (372با) الفضولي وبين بيع الفضولي ولا فرق بينهما من حيث الصورة، لأن نكاح الفضولي يفيد الحكم في الجملة، فإنه يفيد الحل عند إجازة المرأة، كما أن بيع الفضولي يفيد الحكم وهو الملك عند إجازة المالك، وكان كاملاً كالبيع فيتناول مطلق اسم الزواج، ومع هذا فرق بينهما فقال: في النكاح لا يحنث. وقال: في البيع يحنث.
والفرق أن نكاح الفضولي ليس بمنعقد على سبيل التمام، لأن في المحل ما ينافيه على ما مرّ فلا يكون تاماً، فلا يتناول مطلق الاسم إلا أن الشرع أسقط اعتبار المنافي في حالة مخصوصة، وهي حالة رضاها، في باب النكاح، وفيما عدا هذه الحالة لا يسقط اعتباره فلا يتم الانعقاد والتقريب ما مرّ، بخلاف بيع الفضولي؛ لأن بيع الفضولي تام؛ إذ ليس في المحل ما ينافيه.
فإن قيل: الحكم في حق الأمة نظير الحكم في حق الحرة، وليس في الأمة ما ينافي الانعقاد، قلنا: لا بل في الأمة ما ينافي الانعقاد، لأن بالرق ذهب نصف وبقي النصف، كما كان قبل الرق بقي الباقي الجواز باعتبار الحرية، وبهذا استحق القسم كما قبل الرق، فلو أن المرأة أجازت النكاح حنث في يمينه، لأن بالإجازة ينعقد العقد بصفة التمام فتم السبب، ولذلك إن أجازت في العقد يحنث في يمينه، وكان ينبغي أن لا يحنث، لأن النكاح إنما تم في العقد وشرط الحنث نكاح تام اليوم، والجواب: النكاح وإن تم في الغد إلا أن التمام صفة النكاح، والصفة تقوم بالموصوف وتستند إلى وقت النكاح ولهذا شرطت الشهادة وقت النكاح لا وقت الإجازة، وإذا استند التمام إلى وقت النكاح كان النكاح تاماً في اليوم، فلهذا حنث في يمينه.

قال في «الكتاب» : ألا ترى أن من حلف أن لا يتزوج امرأة بالكوفة، فتزوج امرأة بغير رضاها فبلغها الخبر وهي بالبصرة، فأجازت نكاحها حنث في يمينه، وإن كان تمام النكاح بالإجازة، والإجازة وجدت بالبصرة، ولكن قيل: بأن التمام مستند إلى وقت العقد، والعقد وجد بالكوفة وبهاتين المسألتين يستدل بعض مشايخنا رحمهم الله فيمن حلف بطلاق امرأة أتزوجها، فزوجه رجل تلك المرأة بغير أمره، وأجاز قولاً أو فعلاً إنها لا تطلق؛ لأنه عقد يمينه على التزوج، والإجازة ليست بتزوج ولا بتزويج ألا ترى أن

(4/252)


محمداً رحمه الله، لم يجعل الإجازة تزويجاً في هاتين المسألتين؛ إذ لو جعلها تزويجاً كان لا يحنث، إذا أجازت في الغد وإذا أجازت بالبصرة كما لو تزوجها، وكما لو تزوجها في الغد وكما لو تزوجها بالبصرة، فعرفنا أن الإجازة ليست بتزويج ولا تزوج، فهذا فصل اختلف المشايخ فيه، وقد ذكرنا اختلاف المشايخ رحمهم الله في تلك المسألة أنها تطلق أجاز الزوج نكاحها قولاً أو فعلاً يصدر عن هاتين المسألتين. ويقول: بأن طريق الحنث في تلك المسألة أن الإجازة في الانتهاء كالإذن في الابتداء من حيث إن العاقد بالإجازة يصير نائباً عنه من ذلك الوقت ويعد النائب كفعل المنوب عنه فيصير متزوجاً من ذلك الوقت.

إذا ثبت هذا فنقول: المرأة بالإجازة في هاتين المسألتين صارت من وجه..... من ذلك الوقت الذي عقد الفضولي العقد عليها بفعل الفضولي، كما لو أذنت بذلك في الابتداء، فلهذا حنث في المسألتين.

وفي «المنتقى» : إذا قال الرجل: لأتزوجن بالكوفة فزوجه رجل وليته الكبيرة ببغداد وبلغها الخبر فأجازت وهي بالكوفة، فقد بر في يمينه قال: لأنه إنما صار متزوجاً يوم أجازت النكاح، وعلى هذا إذا قال: لأتزوجن يوم الجمعة، فزوجه رجل ابنته يوم الخميس وأجازت يوم الجمعة وعلى قياس المسألة المتقدمة ينبغي أن لا يبر ههنا لأن عمل الإجازة في إتمام النكاح، والتمام مستند إلى وقت المباشرة فيصير متزوجاً ببغداد ويوم الخميس فلا يبر.
وفي «العيون» : إذا حلف الرجل لأتزوجن سراً فأشهد بشاهدين فهو يبرُّ في يمينه؛ لأن النكاح لا تصور له بدون الشاهدين.
ولو أشهد ثلاثاً يحنث، لأن هذا علانية لأن النكاح يتصور بدون الثلاث فيصير علانية.
إذا حلف بالفارسية اكرزن كنم أو قال: اكرزن خواتيم أو قال: اكرزن لدام، فقوله: اكرزن كنم، وقوله اكرزن لدام، فقوله: اكرزن كنم، قوله إن تزوجت فيقع يمينه على العقد.
وقوله اكرزن لدام، فقوله: اكرزن كنم، اختلف المشايخ رحمهم الله فيه، بعضهم قالوا: هو على العقد وقال بعضهم هو على الفعل ... وهو الأظهر وأشبه، وإذا حلف لا أتزوج امرأة فوكل رجلاً حتى يزوجها منه، فزوجها منه حنث في يمينه.
وكذلك إذا وكل رجلاً أن يزوج له امرأة ثم حلف أن لا يتزوج فزوجه الوكيل تلك المرأة يحنث في يمينه، لأن الوكيل في باب النكاح، سفير ومفسر فتصير عبارته إلى الموكل وكأن الموكل تزوجها بعد اليمين، ولأجل هذا المعنى كانت العهدة على الموكل دون الوكيل ذكره في «الزيادات» .

(4/253)


وفي «المنتقى» : إذا حلف لا يتزوج امرأة فتزوج خنثى حنث. وفيه أيضاً إذا حلف الرجل وهو ببغداد أن لا يتزوج من نساء بغداد فبعث إلى واسطية بواسط ليتزوجها، فحضرت الواسطية بغداد وتزوجها.d

قال: إن كانت الواسطية حين دخلت بغداد وطئت بغداد ثم تزوجها الحالف يحنث، لأنها صارت من نساء بغداد وإن كانت حين دخلت بغداد. قالت: إن تزوجني فلان أقمت ببغداد وإلا انصرفت إلى واسط فهذه ليست من نساء بغداد فلا يحنث بتزوجها. قال: ألا ترى أنها تصلي صلاة المسافرين في هذه الصورة، وفي الصورة الأولى تصلي صلاة المقيمين، إذا حلف الرجل أن (373أ1) لا يتزوج بجن فزوجه لبؤه لا يحنث، هكذا ذكر في «الفتاوى» .

وفي «القدوري» : إذا حلف لا يتزوج امرأة فصار معتوهاً فزوجه أبوه امرأة يحنث في يمينه، قال: لأن الحقوق تعود إليه فكان هو المتزوج. عبد حلف أن لا يتزوج امرأة فزوجه المولى امرأة على كره منه لا يحنث في يمينه، لأنه لم يتزوج ولو أكرهه المولى حتى تزوج بنفسه يحنث، لأنه قد تزوج.
وفي «العيون» : إذا حلف الرجل لا يتزوج من نساء أهل البصرة، فتزوج جارية قد ولدت بالبصرة ونشأت بالكوفة وأوطنت بها يحنث عند أبي حنيفة رحمه الله؛ لأنه يعتبر الولادة، فبهذه المسألة تبين أن ما تقدم من مسألة الواسطية، إذا وطنت ببغداد قولهما، لا قول أبي حنيفة رحمه الله وإذا حلف لا يزوج قروية فقد قيل: من كان خارج المصر فهو قروي، وهذا الجواب لا يستقيم فيمن سكن في المصر. ألا ترى أن من سكن ببخارى في بكستان قوط أو في رباط وليان لا يسمى قروياً. ولو ذهبت امرأة مِصرية إلى قرية فولدت ثمة ولداً فالولد قروي على قياس قول أبي حنيفة رحمه الله. وإن ذهبت إلى كرم وولدت ثمة ولداً فالولد لا يكون قروياً.
وفي «فتاوى أهل سمرقند» : إذا حلف لا يتزوج من بنات فلان فتزوج ابنه ابنته حنث. ولو قال: من أهل بيته فتزوج ابنة ابنته يحنث، لأن البنت من..... ما ليست من أهل بيته. لأن المراد من هذا البيت بيت ابنته والبنت...... إذا قال لامرأة: إن جلست في نكاحك فامرأته طالق فتزوجها لا تطلق، لأن المفهوم من هذا الكلام، جلوسه في نكاهما مع غيره لا مع نفسه.

إذا قال لامرأة: إن تزوجتك فأنت طالق إن تزوجتك فتزوجها لا تطلق لأن المعلق بتزوجها طلاق معلّق بتزوجها فعند تزوجها يصير قائلاً لها أنت طالق إن تزوجتك، فإن طلقها ثم تزوجها ثانياً فقد تحقق الشرط، فيقع الطلاق فحينئذ يحكم اليمين. وما لا فلا، وعن أبي يوسف رحمه الله؛ فيمن حلف لا يزوج ابنته الصغيرة فأمر رجلاً فتزوجها فهو حانث، وكذلك لو زوجها فضولي فأجاز فهو حانث لأن حقوق العقد لا تتعلق بالعاقد فانصرفت اليمين إلى الإجازة، ويتقيد الحكم، وقد وجد عن أبي يوسف أيضاً في الرجل

(4/254)


حلف لا يزوج عبده امرأة فتزوجها فضولي غيره، وأجاز هو أنه حنث. وعن محمد رحمه الله في فصل الفضولي أنه لا يحنث على الأب، لأن الإجازة ليست بتزويج، وإذا حلف لا يزوج ابناً له كبيراً فأمر رجلاً فزوجه وأجاز الابن لا يحنث، لأنه لم يوجد منه العقد ولا الإجازة.
وعن محمد رحمه الله في امرأة حلفت لا تزوج نفسها فزوجها رجل بأمرها أو بغير أمرها فأجازت حنثت. وهذه الرواية في الإجازة مخالفة للرواية المتقدمة، وكذلك البكر إذا حلفت لا تزوج نفسها فزوجها رجل بغير أمرها فبلغها الخبر فسكتت فهي حانثه. ولو حلفت البكر لا تأذن أحداً حتى يزوجها فزوجها رجل وبلغها الخبر فسكتت فلا رواية في هذا الفصل عن محمد رحمه الله، وأما الرواية في الرجل حلف لا يأذن لعبده في التجارة فرآه يبيع ويشتري فسكت فهو حانث. وعن أبي يوسف رحمه الله: أنه لا يحنث في المسألتين، لأن الإذن تصرف قولي لا يوجد إلا باللسان. وذكر في «النوادر» عن أبي يوسف رحمه الله: أنه لا يحنث.
إذا حلف لا يتزوج فلانة، فأمر رجلاً فزوجه يحنث. رجل تزوج امرأة وقد دخل بها ثم قال: قد كنت حلفت بطلاق كل امرأة ثيب أتزوجها، فتزوجت بهذه ولم أعلم كونها ثيباً حتى دخلت بها فوجدتها ثيباً وقع الطلاق عليه للحال، لأنه أقر بطلاقها ومالك إنشاء الطلاق فيملك إقراره به، بعد ذلك المسألة على وجهين إن صدقته المرأة فيما قال، فلها مهر ونصف المهر، نصف المهر بالطلاق قبل الدخول، ومهر آخر بالدخول بها بعدما وقع الطلاق عليها، وعليها العدة وليس لها نفقة العدة ولا السكنى ولا يجب عليها الحداد؟ وإن كذبته المرأة فيما قال فلها مهر واحد، وعليها العدة ولها نفقة العدة والسكنى، وعليها الحداد قيل: إنما يقع الطلاق في الصورة إذا صارت ثيباً بالإصابة، فأما إذا صارت ثيبتاً بالوثبة أو بالطفرة..... السلام لا يقع.
رجل قال: إن تزوجت امرأة كان لها زوج فهي طالق، وطلق امرأته بطلقة بائنة ثم تزوجها لا تطلق، لأن اليمين وقعت على غيرها ولاية، وكذلك إذا قال: إن تزوجت امرأة ثيباً، أو قال: بالفارسية اكرزن روى شحاده تطلق امرأته التي دخل بها تطليقة بائنة، ثم تزوجها لا تطلق، لأن اليمين وقعت على غيرها، لأن غرضه الامتناع عن نكاح ممسوسة الغير، وقد قيل: وقوع الطلاق في هذه الفصول كلها، فالقول الأول راجع إلى اعتبار اللفظ. وهو قول أبي حنيفة رحمه الله ومحمد رحمه الله، وأصل المسألة في «الجامع» :
امرأة قالت لزوجها: إن تزوجت عليّ امرأة فهي طالق ثلاثاً. فقال الزوج: بره طلاق فتزوج تطلق، لأن كلامه خرج جواباً، والجواب يتضمن إعادة ما في السؤال فكأنه قال: إن تزوجت عليك امرأة فهي طالق عشر تطليقات.

إذا حلف لا يتزوج بالزيادة على دينار فتزوج على فضة هي أكثر من دينار قيمته فلا

(4/255)


حنث عليه، لأن الزيادة إنما تكون من جنس المزيد عليه ولم يوجد، ولو حلف ليتزوجن هذه المرأة اليوم ولها زوج فهذا على النكاح الفاسد، إذ لا يتصور العقد الصحيح فيها، اليوم فينصرف يمينه إلى النكاح الفاسد (373ب1) حتى لو أطلق الكلام ولم يقيده باليوم فحلف ليتزوجن هذه المرأة كانت يمينه على النكاح الصحيح، لأنه إذا لم يقيد يمينه باليوم كان يمينه على الزواج في العمر، والتزوج الصحيح فيها في العمر متصور فلا ينصرف يمينه إلى النكاح الفاسد.
قال محمد رحمه الله في «الجامع» : إذا قال الرجل لأجنبية: إن نكحتك فأنت طالق، ينصرف يمينه إلى العقد، ولو قال ذلك لامرأته أو لجاريته ينصرف إلى الوطء، حتى لو طلق امرأته وأعتق جاريته ثم تزوجها لا يحنث في يمينه، والفرق أن النكاح للوطء حقيقة وللعقد مجازاً لهما إذ أمكن العمل بالحقيقة لا يصار إلى المجاز وفي الأجنبية العمل بالحقيقة غير ممكن فينصرف يمينه إلى المجاز، وهو نظيره لو قال: إن راجعتك فكذا كانت يمينه على العقد، ولو قال لمنكوحته: إن راجعتك فكذا. كان يمينه على المراجعة الحقيقية، حتى لو طلقها ثم راجعها يحنث في يمينه، ولو تزوجها لا يحنث لأن في الأجنبيّة العمل بحقيقة المراجعة غير ممكن فانصرف يمينه إلى المجاز، وفي المنكوحة العمل بحقيقة المراجعة ممكن فلا ضرورة إلى صرف يمينه إلى المجاز.

قال في أيمان «الجامع» : إذا قال لامرأة لا تحل له وهو يعرف ذلك: إن نكحتك فعبدي حر، وهذا على صورة النكاح، وهو النكاح اللغوي لأنه هو المتصور، ولو قال: إن تزوجت الجدار أو تزوجت الحمار فعبدي حر. لا ينعقد اليمين، لا أصلاً لأن هناك لا تصور للزوج أصلاً لا لغة ولا شرعاً، ولا يسمى ذلك تزوجاً لغةً، ولهذا لا تصح إضافة التزوج إلى الجدار والحمار لغة، والتعليق بما لا يكون نصاً للحكم، أما في المرأة التي لا يحلّ التزوج متصور لغة وبهذا صح إضافة التزوج إليه فانعقد اليمين عليه والله أعلم.

نوع آخرمن هذا الفصل في البيع والشراء
قال محمد رحمه الله في «الجامع» : وإذا حلف الرجل أن لا يبيع، فباع بيعاً فاسداً يحنث في يمينه، هكذا ذكر في «ظاهر الرواية» ، وفي «النوادر» عن أبي يوسف رحمه الله: أنه لا يحنث، والصحيح ما ذكر في «ظاهر الرواية» ، ووجه ذلك أن البيع الفاسد بيع تام؛ إذ ليس في المحل ما ينافي انعقاده، إلا أنه ينافي حكمهُ وهو الملك، وأنه لا يدل على نقصان فيه، كالبيع بشرط الخيار، يبقى هذا القدر لا يفيده الحل لا في الحال ولا في الثاني، قلنا: نعم إلا أن الحل ليس بحكم مقصود من البيع وإنما المقصود منه والمختص به الملك، والبيع الفاسد يفيد الملك في الجملة، وكمال السبب بإفادة الحكم المختص به، والمقصود منهُ لا بإفادته الحكم الزائد، فلو حلف لا يشتري اليوم فاشترى خمراً أو خنزير يحنث في يمينهِ، وعن أبي يوسف رحمه الله أنه لا يحنث، هكذا ذكر المسألة في «الجامع» .

(4/256)


وذكر مسألة الشراء في موضع آخر، وذكر فيها القياس والاستحسان، وذكر القياس والاستحسان في مسألة الشراء، ذكر في مسألة البيع: ولو اشترى بميتةٍ أو دم لا يحنث، لأن الشراء مبادلة المال بالمال والميتة والدم ليسا بمال، وكذلك إذا حلف لا يبيع وباع بالميتة أو الدم لا يحنث لما ذكرنا، ولو حلف لا يشتري فاشترى مكاتباً أو مدبراً أو أم ولد لا يحنث في يمينهِ، وكان ينبغي أن يحنث، لأن يشتري هو لا يفيد الملك في الجملة بأن يجبر المكاتب ببيع نفسه، والقاضي يقضي بجواز بيع المدبر وأم الولد في رواية فيكون نظير البيع الفاسد، والبيع بشرط الخيار للمشتري، والبيع من الفضولي.

والجواب: السبب إنما ينعقد بصفة التمام إذا لم يكن في المحل ما ينافي الانعقاد كما في المسائل التي هو ذكرها، فإن في تلك المسائل ليس في المحل ما ينافي انعقاد البيع، لأن المحل مال متقوم من كل وجه فانعقد البيع بصفة التمام، وإن تراخى حكمهُ إلى القبض والإجازة هناك في ثبوت الحكم لا في إزالة المنافي عن السبب، وفي المكاتب والمدبر وأم الولد ما ينافي انعقاد السبب وهو الحرية من والوجه الذي يعبرُ عنها حق الحرية، فلم يكن الإنعقاد ثابتاً بصفة التمام إن سلَّمنا إن بيعهُ يجوز برضاه في إزالة المنافي عن السبب لا في إثبات الحكم وإذا وجدت الإجازة والقضاء زال المنافي عن السبب فينعقد بصفة التمام، ويقع الحنث حينئذ، أما قبل ذلك فلا يحنث، فإن قيل: أليس محمد رحمه الله ذكر في كتاب البيوع إذا جمع الرجل بين مدبر وقن في البيع، والبيع ينعقد في حق القن صحيحاً، ولو لم ينعقد العقد في حق المدبر لما انعقد العقد في حق القن، لأن بيع القن حينئذ يكون بيعاً بالحصة. قلنا: نحن لا ننكر انعقاد العقد في حق هؤلاء أصلاً، وإنما ننكر انعقاده في حقهم بصفة التمام، وهذا لأن امتناع العقد في حق المدبر سببٌ منافي وهو الحرية، والحريه في حقه ثابتةٌ من وجه دون وجه فكان المنافي قائماً من وجه دون وجه فيمتنع الانعقاد من وجه دون وجه، والانعقاد من وجه في حق المدبر يكفي للانعقاد في حق القن بصفة الصحة، لأن الانعقاد في حق القن حينئذ لا يكون بالحصة، هذا إن اشترى هذه الأشياء. ولو اشترى (3741) شيئاً بهذه الأشياء، لم يذكر محمد رحمه الله هذا الفصل.
وحكي عن بعض مشايخنا رحمهم الله أنه يحنث، كما لو اشترى بالخمر والخنزير، وذكر شيخ الإسلام خواهر زاده رحمه الله في شرح كتاب المأذون: أن من حلف لا يبيع فباع المدبر لا يحنث في يمينه، علّل فقال: لأن بيعه غير منعقد. ولو اشترى عبداً من رجل قد علم المشتري أن العبد لغير البائع وأنه فضولي في البيع لم يأمره صاحب العبد به حنث في يمينهِ لوجود شرط الحنث وهو الشراء بصفة التمام. فإن الشراء من الفضولي منعقد بصفة التمام، إذ ليس في المحل ما ينافي انعقاده، وأنه يفيد الحكم في الجملة، فصار بمنزلة الشراء الفاسد. فإن كان عقد يمينه على المنافي بأن قالت: إن كنت اشتريت اليوم، أو قال: إن كنت بعت اليوم، وقد كان اشترى شراءً فاسداً، وباع بيعاً فاسداً يحنث في يمينه أيضاً. لأنه لما وقع الحنث بالفاسد والمستقبل، فلأن يقع الحنث في الماضي أولى.

(4/257)


قال محمد رحمه الله في «الجامع الصغير» : إذا قال: إن لم أبع هذا العبد فكذا. فاعتقه أو دبره حنث في يمنيه، لأن الحنث معلق بترك البيع. وقد ثبت الترك بالإعتاق والتدبير فصار كموت الحالف أو موت العبد قبل البيع، ولو كانت هذهِ المقاله للجارية، وباقي المسألة بحالها فمن مشايخنا رحمهم الله من قال: لا يحنث لأن احتمال البيع قائم بأن يرتد ويلتجىء بدار الحرب فيبرّ فلا يحنث في يمينه، والصحيح أنه يحنث لأنه عقد يمينه على البيع باعتبار الملك، وقد امتنع ذلك بالإعتاق والتدبير، وفي «نوادره» عن أبي يوسف رحمه الله إذا قال لأمته: إن لم أبعك فأنت حرّة، عتقت في قول أبي حنيفة رحمه الله، وكان أبو يوسف رحمه الله يقول أولاً: لا يعتق لأني (لا) أدري لعلّه يعتقها ثم يرتد وينسى فيسريها ويبيعها، ثم رجع وقال بقول أبي حنيفة رحمه الله.

وفي «القدوري» : إذا حلف الرجل ليبيعن أم ولد أو هذه المرأة الحرة المسلمة فباعهم برّ في يمينه عند أبي حنيفة رحمه الله، وقال أبو يوسف: في الحر المسلم كذلك، فأما في أم الولد والحرة فاليمين على الحقيقة أن يريد أو يسبا فيبيع، وقول محمد رحمه الله يجب أن يكون كقول أبي يوسف.
وهذه المسألة فرع لمسألة أخرى ذكرها محمد رحمه الله في «الجامع» إذا قال لحرة: إذا ملكتك فأنت حرة، أو قال لها: إذا اشتريتك فأنت حرّة، فارتدت ولحقت بدار الحرب وسُبيت فملكها الحالف عتقت عندهما، وعلى قول أبي حنيفة رحمه الله لا تعتق، وأبو يوسف ومحمد رحمهما الله جعلا الردة واللحاق والسبي مذكوراً صحيحاً لا يجاب الحرية. وأبو حنيفة يقول تصرف العاقل إنما يصح بطريق العلم إن وجد الصحة بذلك الطريق، ونحن نعلم ببديهة العقل أن العاقل لا يقصد الصحة بالطريق الذي قلتم؟ وبدونه لا يمكن تصحيح تصرفه؛ لأن تعليق العقد إنما يصح إذا حصل في الملك، أو مضافاً إلى ملك يوجب تيقن الجزاء عند وجوده، ولم يوجد كلاهما. أما التعليق بالملك فظاهر، وأما مضافاً إلى ملك يوجب تيقن الجزاء عند وجوده؛ لأنه أضافها إلى ملكها مطلقاً، وهو تملكها بالإجازة والنكاح. وهذا النوع من الملك لا يفيد العتق، ويملكها بعد وجود الوسائط التي ذكرتم، وإنه يفيد العتق وهو ما غير هذا النوع فلا يمكن تصحيح هذا اليمين إذا بينّه هذا.

جئناً إلى مسألتنا فنقول في مسألتنا: إذا عقد يمينه على أم ولده أو على الحرة أمكن حمله على البيع حقيقة بواسطة من الوسائط التي ذكرنا، فلا يحمل على البيع صورة وفيه لا يمكن جعله على الحقيقة، لأن الرجل لا يسبى فيحمل على البيع صورة، وعند أبي حنيفة رحمه الله لا يلتفت إلى هذه الوسائط، وبدونها لا يمكن جعله على البيع حقيقة فيحمل على البيع صورة.
وإذا حلف لا يشتري حمّاً فاشترى رأساً لا يحنث في يمينه، وهذا بناءً على ما قلنا قبل هذا إذ الشراء معتبر بالبيع، وبائع الرأس لا يسمى بائع اللحم، فمشتريه أيضاً لا يكون مشتري اللحم، وهذا الخلاف ما لو حلف أن يأكل لحماً فأكل رأساً حنث في يمينه، لأن

(4/258)


الأكل يصادف ما على الرأس، وما على الرأس لحم حقيقة، فأما البيع والشراء يتناول الجملة، وباعتبار الجملة بائع الرأس لا يسمى بائع اللحم فمشتريه أيضاً لا يسمى مشتري اللحم.
ولو حلف لا يشتري رأساً فهو على رأس البقر والغنم عند أبي حنيفة رحمه الله، وعندهما على رؤوس الغنم، وهذا اختلاف عصر وزمان فكان أبو حنيفة رحمه الله يقول أولاً هذا على رؤس البقر والغنم والإبل، لما أنه رأى عادة أهل الكوفة أنهم كانوا يبيعون الرؤوس في الأسواق، ثم لما تركوا ذلك في رؤوس الإبل رجع عن ذلك فقال: يمينه على رؤوس البقر والغنم خاصة، ثم إنهما لما شاهدا عادة أهل بغداد وسائر البلدان أنهم يبيعون في الأسواق رأس الغنم خاصة، وهذا إذا لم يكن له نيّة فإن نوى الرؤوس جميعاً فهو على ما نوى، لأنه ما نوى حقيقة كلامه وفيه تشديد عليه.
وإذا حلف لا يشتري شحماً واشترى شحم البطن يحنث، ولو اشترى شحم الظهر فهو الشحم الذي يخالطه اللحم لم يذكر محمد رحمه الله هذه المسألة في الأصل، وذكر شمس الأئمة السرخسي رحمه الله أنه لا يحنث، ومن المشايخ رحمهم الله من ذكر في «شرح الجامع الصغير» رحمه الله، أنه على الخلاف الذي في قصد الأكل..... حقيقة وصاحبته، على قول أبي حنيفة رحمه الله يحنث بأكل شحم البطن، وعلى قولهما لا يحنث، ويحنث بأكل شحم بلا خلاف. وفي «المنتقى» : إذا حلف لا يشتري امرأة، فاشترى عجوزاً أو مرضعة يحنث، وفيه أيضاً إذا حلف لا يشتري غلاماً من نرويه أو من الهند فهو على ذلك الجنس حيث ما اشتراه، ولو قال غلاماً من خراسان.

فاشترى غلاماً خراسانياً بغير خراسان لا يحنث. متى اشتراه من خراسان، روى المعلالى عن أبي يوسف رحمه الله إذا حلف الرجل لا يبيع صاعه إلا ببائع كثير فباعه ببائع فسأل التجار الذين يعالجون ذلك المتاع عنه فإن قالوا: هذا البائع في هذا المتاع كثير لا يحنثُ، وإن قالوا: كثير قليل يحنث.

وفي «المنتقى» أيضاً قال في «الجامع (374ب1) الصغير» : وإذا قال الرجل: هذا العبد حر إن بعته فباعه على أنه بالخيار عتق العبد؛ لأن البيع قد وجد بصفة التمام، لوجود حدّه وهو الإيجاب والقبول مضافاً إلى الجمل قابلاً للملك، إلا أن الملك غير بائن ولكن الملك حكم بالبيع وشرط الحنث نفس البيع لا حكمه، فإذا وجد البيع وجد شرط الحنث، والعبد في ملكه والمعلق بالشرط عند وجود الشرط كالمرسل. فصار كأنه قال بعد البيع: هذا العبد حر، ومن باع عبداً بشرط الخيار لنفسه ثم أعتق يعتق العبد وينفسخ البيع كذا ههنا.
وكذلك لو قال المشتري: إن اشتريته فهو حر، فاشتراه على أنه بالخيار ثلاثة أيام فإنه يعتق، ولو كان المشتري قال: إن اشتريته فهو حر ثم اشتراه على أن البائع بالخيار لا

(4/259)


يعتق العبد؛ لأن شرط العتق وإن وجد إلا أن العبد ليس في ملكه، وليس له ولاية اسقاط الخيار ليسقطه الخيار ويثبت الملك له مقتضى بزوال العتق، بخلاف ما إذا اشترى بشرط الخيار لنفسه.
وذكر القدوري في «شرحه» أن من حلف أن لا يبيع فباع بيعاً فيه خيار البائع أو المشتري حنث في قول محمد رحمه الله ولم يحنث في قول أبي يوسف رحمه الله، لأن شرط الحنث البيع المطلق والبيع بشرط الخيار بيع مقيد، وتبين مما ذكر القدوري أن ثمّ ذكر في «الجامع الصغير» قول محمد رحمه الله وإذا حلف لا يشتري صوفاً فاشترى شاة على ظهرها صوف لم يحنث.
الأصل في جنس هذه المسائل أن المحلوف عليه إذا دخل في الشراء تبعاً بغير المحلوف عليه لا يقع له الحنث، وإن دخل مقصوداً يقع الحنث، وإن دخل مقصوداً خرج على هذا مسألة الشاة لأن الصوف الذي على ظهرها يدخل في البيع تبعاً لأجل. ولو اشترى شاة حيّة على ظهرها صوف بصوف يحنث، لأن الصوف الذي على ظهر الشاة؛ في هذه الصورة مقصوداً بالبيع ويأخذ قسطاً من اليمين، ولهذا شرط الاعتبار في هذا العقد هكذا ذكر من روى «ورق أرمن جاه ذكر است ما اتجاه كه ديكر ورق است غلط اقتاده است أرجهت فسعت» أصلٌ لأجل الخبر وزوج هو إليه الخبر وقال: لا يحنث.
وذكر (في) شهادات «القدوري» ما يؤكد ما ذكر في «مجموع النوازل» ، فقال: لا يبيع لمن عاين ذلك إن شهد على البيع بل يشهد على التعاطي.
باع من رجل عبداً وسلمه إليه، ثم حلف البائع أن لا يشتري منه، ثم أقاله المشتري قيل لا يحنث في يمينه، ولو أقاله بمائة دينار وقد اشتراه بألف يحنث في يمينه وهو الجواب إنما يتأتى على قول أبي يوسف رحمه الله ومحمد، لا على قول أبي حنيفة رحمه الله، يعرف بالتأمّل.

قال محمد رحمه الله في «الجامع» : في باب المساومة، رجل ساوم رجلاً بثوب وأبى البائع أن ينقصه من اثني عشر، فقال المشتري: عبده حر إن اشتراه باثني عشر، ثم اشتراه بعد ذلك بثلاثة عشر يحنث في يمينه، وإنه مشكل من وجهين «أحدهما» : لأن شرط الحنث الشراء باثني عشر والثاني باثني عشر لما اشترى الكل بثلاثة عشر، قلنا: أما الأول قوله إن اشتريت باثني عشر جعل مجازاً عن قوله إن التزمت اثنا عشر لسبب هذا الشراء حتى ينقضه البائع لا نفس الشراء، ولكن أن يجعل الشراء مجاز عن الالتزام لأن في الشراء شيئان: عقد والتزام الثمن، فإذا جعلنا الشراء مجازاً عن التزام الثمن فقد خصصنا منه العقد وبعثنا الالتزام داخلاً تحت اليمين، ويكون هذا إثبات التخصيص فيما يلفظ بدلالة العرف، وذلك جائز وصار تقدير يمينه إن التزمت اثني عشر درهماً بسبب هذا الشراء فعبدي حر، وهناك إذا اشتراه بثلاثة عشر يحنث في يمينه، كذا ههنا.
وأما «الاشكال الثاني» قلنا: المشتري اليوم اثنا عشر درهماً بأداء كل الثوب لا بأداء بعض الثوب لأنه قابل ثلاثة عشر بالثوب، واسم الثوب اسم للكل فيصير كل جزء من

(4/260)


أجزاء الثمن بمقابلة جميع الثوب، وإنها تظهر الإيقام عند استحقاق بعض الأجزاء بطريق الضرورة حتى لا يلزم المشتري جميع الثمن بأداء بعض الثوب وهو لم يرض به، أما في غير حالة الاستحقاق لا ضرورة تحصل كل جزء من أجزاء الثمن مقابلاً بجميع البيع.

وكذلك لو اشتراه باثني عشر درهماً وديناراً، أو اشتراه بإثني عشر درهماً وثوباً يحنث في يمينه لما قلنا، ولو اشتراه بأحد عشر درهماً وديناراً لا يحنث في يمينه، وإنه أيضاً؛ لأن قوله: إن اشتريته بإثني عشر درهماً جعل مجازاً عن قوله: إن التزمت بسبب هدا الشراء اثني عشر درهماً أو ما يبلغ قيمته اثنا عشر درهماً عرفاً وعادة لا نفس الشراء على حسب ما قلتم في المسألة المتقدمة، وقد التزم بسبب هذا الشراء اثنا عشر درهماً وزيادة، قلنا ما ذكر من الجواب جواب القياس أما على جواب الاستحسان ينبغي أن يحنث لأن الدراهم والدنانير جعلا جنساً واحداً فيما عدا حكم الربا استحساناً.
ذكر في «المنتقى» في موضع، وذكر في موضع آخر: إذا حلف لا يشتري صوفاً فاشترى إهاباً عليه صوف لم يحنث، وكذلك اشترى شاة بصوف، وصار في مسألة بيع الشاة التي على ظهرها صوف بالصوف المنفصل روايتان.
وفي «المنتقى» أيضاً: إذا حلف لا يشتري لبناً فاشترى شاة في ضرعها لبن لا يحنث، ولو اشتراه بلبن آخر قال أبو يوسف رحمه الله: كان أبو حنيفة رحمه الله يقول: اللبن والصوف سواء. (375أ1) وقال أبو يوسف: لو باع القياس في اللبن ولا أجعل له حصة من الثمن لأنه مغيب ولا يحنث في يمينه. ولو حلف لا يشتري آجرّاً أو حلف لا يشتري جصاً فاشترى دار مبنية بذلك لا يحنث في يمينه، لأن هذه الأشياء دخلت في البيع تبعاً.

ولو حلف لا يشتري تمرة، فاشترى نخلة فيها تمر وشرط التمر يحنث، ولذلك لو حلف لا يشتري بقلاً فاشترى أرضاً فيها بقل وشرط البقل يحنث في يمينه؛ لأن التمر والبقل دخلا في البيع في هذه الصورة مقصوداً بالذكر لا تبعاً، ألا ترى أن بدون الذكر لا يدخلان في البيع.

وإذا حلف لا يشتري لحماً فاشترى شاة حيّه لا يحنث، وكذلك إذا حلف لا يشتري زيتاً فاشترى زيتوناً، أو حلف لا يشتري قصباً فاشترى بواري أو حلف لا يشتري جدياً فاشترى شاة حاملاً، أو حلف لا يشتري شعيراً فاشترى حنطة فيها حبّات الشعير لم يحنث، وعلى هذا جميع ما يدخل في البيع تبعاً، هذه الجملة من القدوري.
وفي «المنتقى» إذا حلف لا يشتري فضة فاشترى خاتماً فيه فضة يحنث في يمينه. ولو اشترى سيفاً مفضضاً لا يحنث في يمينه، ولو حلف لا يشتري فصّاً فاشترى خاتماً فيه فصّ يحنث في القياس في المنتقى.
وذكر في «المنتقى» المسألة تماثل إذا حلف لا يشتري فصاً فاشترى خاتماً فيه فص يحنث بإمكان ما ذكر بعد هذه المسألة..... الاستحسان، قال ثمة يحنث وإن كان ثمن

(4/261)


الفصّ أقل من ثمن الحلقة. وفيه أيضاً إذا قال: إن بعت غلامي هذا أحداً من الناس فكذا، فباعه من رجلين يحنث، وكذلك إذا قال: إن أكل هذا الرغيف أحد فأكله اثنان حنث في يمينه، وفي «نوادر هشام» عن محمد رحمه الله: فيمن حلف لا يشتري قميصاً فاشترى قميصاً مقطّعاً غير مخيط لا يحنث، لأنه اشترى خرقاً.
وفي «المنتقى» : إذا حلف لا يشتري حديداً فاشترى باباً فيه ساتر حديد لا يحنث، ولو اشترى بابه بحديد منفصل إن كان الحديد المنفصل أقل لم يحنث، وإن كان أكثر جاز الشراء ويقع به الحنث.
إذا حلف وقال: والله ما اشتريت اليوم شيئاً وقد كان اشترى أشياء في ذلك اليوم بالتعاطي فقد قيل: يحنث في يمينه.
وفي مجموع «النوازل» وضّح المسألة في طرق البيع فقال: إذا حلف الرجل أن لا يبيع الخبز فجاء رجل وأعطاه دراهم لأجل الخبز وهذه مكتوبة قبل هذه الورق بثلاثة أوجه أوراق. فصار كأنه باع باثني عشر درهماً وزيادة، ذكر القياس والاستحسان في مثل هذه المسألة في آخر الباب.

وصورتها: إذا قال: صاحب عبده حر إن باعه بعشرة دراهم إلا بأكثر أو قال: إلا بأزيد فباعه بتسع ودينار لا يحنث في يمينه استحساناً، لأن الدراهم والدينار جعلا جنساً واحداً فيما عدا حكم الربا استحساناً، فتكثر الدراهم بالدينار فكان هذا بيعاً بأكثر من عشرة.
قال مشايخنا رحمهم الله: ذكر القياس والاستحسان في آخر الباب، ذكر ههنا، قال: ولو كان صاحب الثوب حلف فقال: عبده حرّ إن باع هذا الثوب بعشرة دراهم فباعه بأحد عشر درهماً أو بعشرة دراهم ودينار أو ثوب لا يحنث في يمينه، وكان ينبغي أن يحنث ويجعل البيع بأحد عشر عدّ بيعاً بعشرة وهو شرط الحنث، ألا ترى في جانب المشتري جعلنا الشراء بثلاثة عشر شراء باثني عشر، وجعلنا الشراء باثني عشر وثوباً باثني عشر. قلنا: في الفرق بين جانب البائع وبين جانب المشتري: أن حقيقة البيع والشراء للعقد، وفي جانب البائع العبرة للحقيقة وهو العقد لا للمجاز وهو التزام؛ إذ ليس في..... العقد التزام من حصة البائع، وباعتبار الحقيقة البيع بأحد عشر غير البيع بعشرة فلم يكن بشرط الحنث. أما في جانب المشتري العين للالتزام على ما مرّ في الملتزم لأحد عشر ملتزم للعشرة في......، فلهذا افترقا. ولو كان صاحب الثوب باعه بتسعة دراهم لا يحنث في يمينه، كان ينبغي أن يحنث لأن البائع إنما منع نفسه عن البيع بعشرة لما فيه من النقصان، والنقصان في التسعة أكثر فصار البيع بتسعة شرط الحنث كالبيع بعشرة، قلنا: لو حنث في يمينه بالبيع بتسعة إنما يحنث إذا أراد ما في يمينه أو بتسعة، ولو لمجرد العرف إلا بلفظه، لأن لفظه لا يحتمل تسعة لأن لفظه عشرة واسم

(4/262)


العشرة لا يتناول ما دونهما، والزيادة على لفظ الحالف بالعرف لا تجوز لأن العرف ليس لإيراد الجملة، واليمين لا يثبت لمجرد إرادة الحالف لا تزاد على اليمين، لأن العرف ولو حلف لا يبيعه منه بعشرة حتى يزيده فباعه بأحد عشر أو بعشرة ودينار لا

يحنث في يمينه، لأن البائع بيمينه أثبت بيعاً مؤقتاً إلى غاية. وهو أن يزيد المشتري على العشرة، فإذا أزاد فقد وجدت الغاية فلا يبقى اليمين فكيف يحنث بعد ذلك؟ ولو باعه بتسعة لا يحنث أيضاً، لأن البيع بتسعة ليس بشرط الحنث على ما ورد.
ولو قال: عبده حر إن اشتراه بعشرة إلا بأقل فباعه بتسعة ودينار حنث استحساناً، لأن الدراهم والدنانير فيما عدا ذلك حكم الربا جنس واحد استحساناً فتكثر الدراهم بالدنانير ويصير ميسّر بالعشرة أو أكثر.
وإذا ساوم الرجل رجلاً بعبد فأراد البائع (375ب1) ألفاً وسأله المشتري بخمسمائة. فقال البائع: هو حر إن حططت عنك من الألف شيئاً، ثم قال بعد ذلك: بعتك العبد بخمسمائة فقبل المشتري البيع ولم يقبل حنث البائع، وعتق العبد، وإنه مشكل لأن شرط الحنث الحط، والحط الاسقاط وإنه يعتمد سامعه الوجوب.

والجواب عنه: أن البائع وإن ذكر الحط إلا أنه ما أراد به الاسقاط، وإنما أراد به التبعيض الذي يشتمل عليه الحط، لأنه ذكر الحط معرفاً بالألف واللام لتعريف المعهود، والألف المذكور عند المساومة والحط عن الألف المذكور عند المساومة لا يكون إلا بطريق التبعيض فانصرف يمينه إليه، فإذا باعه بخمسمائة فقد نقص عن الألف المسمى عند المساومة، وإن حططت عن يمينه شيئاً فهو حر، وباقي المسألة بحالها لا يعتق العبد. لأن الثمن اسم للواجب بالعقد، ولم يحط عن الواجب بالعقد شيء، ولو حط عن يمينه شيئاً بعد ذلك انحلت اليمين لوجود شرطه، ولكن لا يعتق العبد لأنه زائل عن ملكه حتى لو كان المعلق طلاق امرأته أو عتق عبدا آخر، تطلق المرأة ويعتق العبد. وكذلك لو وهب له بعض الثمن في هذه الصورة قبل قبض الثمن أو بعده حنث في يمينه، لأن هنا نقص الثمن والحط سواء وهذا الجواب مشكل في هذه، الثمن بعد القبض، لأن بعد القبض الثمن لا يبقى في ذمة المشري فلا يتصور اسقاط.
والجواب أن الثمن باق في ذمة المشتري بعد القبض، لأن ما قبصه البائع من المشتري ليس غير حقه، إلا أنه لا يظهر في حق المطالبة، لأنه لا يفيد لأن البائع إن طالبه به فللمشتري أن يطالب البائع بما قبض منه، فأما إظهاره في حق الهبة مقيّد «ما طهرياه ولو حط عنه جميع الثمن ووهب منه جميع الثمن لا يحنث، لأن هذه اليمين ليس بحط، ولو أبرأه عن بعض الثمن إن كان قبل قبض الثمن حنث في يمينه، وإن كان بعد قبض الثمن لا يحنث في يمينه. والإبراء قبل القبض لا يفارق الحط والهبة، والإبراء بعد القبض يفارق الحط والهبة.
حلف الرجل لا يبيع داره فإن أعطاها في صداق امرأته حنث في يمينه، هكذا ذكر في «النوازل» قال الصدر الشهيد رحمه الله: يجب أن يكون الجواب فيه على التفصيل إن

(4/263)


تزوجها على الدار لا يحنث في يمينه لأن هذا ليس ببيع وإن تزوجها على دراهم أو دنانير وأعطاها الدار عوضاً عن الدراهم والدنانير حنث، لأن هذا بيع.
رجل حلف بعتق جاريته على بيعها بهذا اللفظ: إن لم أبع هذه الجارية اليوم فهي حرّة فباعها على أنه بالخيار، ثم فسخ البيع لم يحنث في يمينه، ولم تعتق الجارية لأن شرطها الحنث، وهو عدم البيع في اليوم لم يتحقق لأن البيع شرط الخيار لأن شرطها الحنث بيعٌ في «النوازل» أيضاً، وفيه أيضاً: إذا وكل الرجل رجلاً أن يبيع عبده فباعه، ثم إن الآمر خاصم المشتري وقدم إلى القاضي وطالبه بالثمن وسع المشتري أن يحلف بالله ما له عليه كذا ويريد به ليس عليه تسليم كذا، ويكون صادقاً فيه لأنه لا يجب على المشتري تسليم الثمن إلى الوكيل.

حلف الرجل أن لا يشتري لفلان ثوباً فأمره فلان أن يشتري لابنه الصغير ثوباً فاشتراه لا يحنث، وكذا لعبده فاشتراه لا يحنث.

إذا قال: إن اشتريت هذا العبد بإذني فهو حر، ثم أذن له في التجارة، فاشترى هذا العبد يحنث؛ لأن الإذن بالتجارة مطلقاً إذن شراء هذا العبد وغيره، ولو كان إذن له بشراء الطعام فاشترى هذا العبد لا يلزمه الحنث، لأنه ما أمره بشراء هذا العبد لا نصاً ولا حكماً لإطلاق اللفظ أكثر ما في الباب أن الأذن في نوع أذن في الأنواع كلها إلا أن ذلك أمر حكمي بخلاف فريضة اللفظ فلا يظهر في حقه وقوع الحنث.

نوع آخر في الهبة والصدقة والإجارة والاستئجار والعاريةوالشركة والقبض والاستقراض والكفالة والوصية
قال محمد رحمه الله في «الجامع» : حلف لا يهب لفلان شيئاً فوهبه شيئاً حنث في يمينهِ استحساناً، وهو قول علمائنا الثلاثة رحمهم الله، وعلى هذا الصدقة والهبة والتخلي. ووجه ذلك وهو أن الهبه عبارة عن التملك بغير شيء لأنه لا تمليك فيه إلا من الواهب، وذلك في قولهِ وهبت لا يعلق به بالقبول، وإنما القبول لثبوت الملك والملك حكم الهبة، وشرط الحنث بغير الهبة لا حكمها، ولأن غرض الواهب من هذه اليمين منع النفس عن إظهار الجود وبنفس الإيجاب يحصل إظهار الجود فكان الحنث متعلقاً بالإيجاب من هذا الوجه. إذا ثبت هذا في الهبة ثبت في التخلي والصدقة، لأن كل ذلك في معنى الهبة لأنه تمليك بغير شيء كالهبة ويبنى على هذا.
أما إذا قال: وهب لي فلان ألف درهم فسكت، ثم قال: لم أقبل الهبة صدق لأن الهبة إذا كانت هبة بدون القبول لا يكون الإقرار بالهبة إقراراً بالقبول فيصح منه دعوى عدم القبول، والعارية بدون القبول عارية، فإذا حلف لا يعير فلاناً شيئاً فأعاره ولم يقبل منه حنث عند علمائنا الثلاثة رحمهم الله.

وأما القرض فليس بقرض بدون القبول، في قول محمد رحمه الله، وإحدى

(4/264)


الروايتين عن أبي يوسف رحمه الله لأنه تمليك بعوض يجب في الثاني، فصار نظير البيع. وفي رواية أخرى عن أبي يوسف رحمه الله أن القبول فيه ليس بشرط، فإذا حلف لا يقرض فأقرض ولم يقبل المقرض لا يحنث عند محمد رحمه الله، واحدى الروايتين عن أبي يوسف رحمه الله، وفي رواية أخرى عنه أنه يحنث.
والاستقراض بدون الإقراض استقراض، فإذا حلف لا يستقرض من فلان شيئاً فاستقرض ولم يقرضه فلان يحنث في يمينه. والإجارة بدون القبول ليس بإجارة في ظاهر الرواية، وعن أبي يوسف رحمه الله أنه إجارة.
والحاصل: أن كل عقد فيه بدل مالي، فالحلف عليه لا يوجب الحنث بدون القبول وما لا بدل فيه...... فالحلف عليه يوجب الحنث بدون القبول، وما ليس فيه بدل ما لي فالحلف عليه يوجب الحنث بدون القبول في قول محمد رحمه الله، وإحدى الروايتين عن أبي يوسف رحمه الله، وفي رواية أخرى (376أ1) عنه لا يوجب.
والرهن بدون القبول ليس برهن وإذا قال: اقرضني فلان ولم أقبل لا يصدق، وهذا إنما يتأتى على قول من يقول بأن القرض بدون القبول ليس بقرض. وإذا حلف لا يهب عنده من فلان فوهب رجلاً عند الحالف من ذلك الرجل بغير أمره، وأجاز الحالف ذلك حنث في يمينه، هكذا رواه ابن سماعة عن محمد رحمه الله.

ولو حلف لا يهب عبده لفلان، ثم وهب له على عوض حنث في يمينه، وفي نوادر بشر عن أبي يوسف رحمه الله إذا قال الرجل: إن وهب لي فلان هذا العبد فهو حر، فقال فلان: وهبته لك قال بثلاثة وقبضت لم يعتق.
رجل أكره أمرأته على مهرها فوهبهُ منها ثم ادعى الزوج عليها الهبة هل يسعها أن تحلف بالله ما وهبت.

قال الصدر الشهيد رحمه الله: المختار ما قال الفقيه أبو الليث رحمهُ الله، أنه ينبغي لها أن تقول للقاضي: سله يدعي هبته بالطوع أو بالكره. فإن قال: ادعى هبته بالطوع كان لها أن تحلف بالله ما وهبته لأنها صادقة فيه.
رجل قال لآخر: والله لأهبنك هذا اليوم مائة درهم فوهبه، كان له على رجل وأمره بقبضها في يمينها، ولو مات الواهب ولم يقبض الموهوب له المائة لا يتمكن من أحدها لأنها صارت ملك الورثة.
في «مجموع النوازل» ، وفي «نوادر» بشر عن أبي يوسف، إذا حلف يأخذ ما في الدار من فلان، وقد كان آخرها قبل الثمن في يده وجعل بيعاً آخر كل شهر قد سكنها لا يحنث. لأنها على الإجارة التي كانت قبل اليمين لأن بحكم الإجازة الأولى لا يملك مطالبته بآخر شهر لم يسكنه فتكون هذه إجازة مسداة.
سئل شيخ الإسلام رحمه الله عن رجل له مستقلاً إن حلف بطلاق امرأته «كي من

(4/265)


مستقلها دايعد نده ما حرترا» امرأته المستقلان وقبضت الأجرة وأنفقتها أو أعطت زوجها لا يحنث، لأن شرط الحنث عقد الإجارة، وهو لم يعقد الإجارة قبل. أليس إنه موضع المسألة في المستقلان والمستقل ما يكون معداً للاستقلال فتركه في أيديهم لما رأى لا يقع الحنث، قال: لأن اليمين عقدت على العقد ولم يوجد منه العقد، بأن كان الزوج قال للمستأجرين: يقعدوا في هذه المنازل فهذا الفصل لم يُنقل عن شيخ الإسلام.

وقيل: ينبغي أن تكون هذه إجارة ويحنث في يمينه، ولذلك إذا تقاضيا منهم أجرة شهر قد سكنوا فيها فهذا ليس بإجارة فلا يحنث في يمينه. رجل حلف لا يستعير من فلان شيئاً فأردفه على دابته لا يحنث، وإذا حلف لا يعير ثوبه من فلان فبعث المحلوف عليه وكيلاً المستعار فأعاره، اختلف زفر رحمهما الله على قول أحدهما يحنث. قال الصدر الشهيد رحمه الله: وعليه الفتوى، لأن الوكيل في باب الاستعارة رسول وهذا إذا خرج الوكيل لكلامه تخرج الرسالة بأن قال: إن فلاناً يستعير منك كذا فأما إذا لم يقل ذلك لا يحنث. وإذا حلف لا يستدين ديناً وتزوج امرأة وإن أخّر دراهم في سلم يحنث.
وسئل شمس الإسلام الأوزجندي رحمه الله عمن وهب من آخر شيئاً في حالة السكر، وحلف أن لا يرجع في هذه الهبة ولا يأخذ منه، ثم إن كان الموهوب له وهب ذلك الشيء من آخر فأخذه الواهب الحالف منه، قال: لا يحنث في يمينه، وإنما كان كذلك لأن شرط الحنث الرجوع والأخذ بطريق الرجوع وبعدما وهب الموهوب له الموهوب لا يبقى للواهب حق الرجوع، فلا يكون هذا الأخذ بطريق الرجوع بل يكون بطريق التعصيب فلا يحنث في يمينه.
إذا حلف لا يستعير من فلان شيئاً ينصرف إلى كل موجود تصح إعارته، وذلك عين ينتفع به مع بقاء عينه فإن دخل دار المحلوف عليه ليبقى في سره فاستعار منه الرشاء والدلو. واختلف المشايخ رحمهم الله فيه: منهم من قال: يحنث، ومنهم من قال: لا يحنثُ، لأنه لم تثبت يده عليها، لأنهما في يد صاحب الدار فلا يكون مستعيراً، وهذا إشارة إلى أنّ الإعارة لا تتم إلا بالتسليم، وهذا هو الطريق فيما إذا أردفه على دابته فعلى قياس هذا التعليل إذا استعار منه الرشاء والدلو من بئر ليس في ملك المحلوف عليه يحنث. ذكره الصدر الشهيد رحمه الله في «شرح الكافي» في باب اليمين في الأكل: إذا حلف لا يشاركه فلان ثم إن الحالف شاركه بمال لابنه الصغير، قال:..... هو الابن دون الأب لأنه لا ربح للأب في المال.
إذا حلف الرجل: والله لا يشاركه فلان فهذا على ما عليه كلام الناس من الشركة في التجارة، فإن اشتريا عبداً لم يحنث، ولو قال: والله لا يكون بيني وبينه شركة في شيء فاشتريا عبداً لم يحنث، ولو قال: والله لا يكون بيني وبينه شركة في شيء فاشتريا عبداً أو ما أشبهه حنث، وكذلك إذا قال: والله لا يشاركه فلان في شيء ثم اشتريا داراً أو عبداً بينهما حنث، وإن.... وقد حلف لا يشاركه في شيء لم يحنث، لأنه لم يشاركه إنما

(4/266)


ألزمه هذا أحب أو كره هذه الجملة في أيمان «المنتقى» .
إذا حلف لا يشاركه فلان في هذه البلدة فخرجا عن حدِّ البلدة وتشاركا ثم دخلا البلدة وعملا فإن أراد باليمين عقد الشركة لا يحنث، وإن أراد به العمل بشركته يحنث، وإذا وقع أحدهما صاحبه مالاً مضاربة فكذلك لأن المضاربة نوع من أنوع الشركة في الباب الأول من أيمان الواقعات.

وإذا حلف لا يعمل مع فلان شيئاً في القصارة أو غيرها فعمل مع شريكه يحنث، ولو عمل مع عبده المأذون لا يحنث، ولو حلف لا يشاركه أخاه ثم بدا له فالحيلة في ذلك إذا كان للحالف أب كبير أن يدفع الحالف ماله إلى أبيه مضاربة بنصيب (376ب1) قليل ويأذن له بعمل فيه بداية. ثم أن لا يشارك..... عملاً كان الربح للابن على ما اشترطا لأن الحالف لم يشاركه أخاه فلا يحنث، ويحصل مقصود الحالف وهو الربح.
رجل حلف لا يوصي بوصية فوهب في..... المؤمن شيئاً لا يحنث؛ لأن ذلك ليس بوصية، لكن أعطى الشرع لها حكم الوصية فلا يظهر في حق حكم الميّت.
رجل قال: «أكرمن ابن جيرر ان كس دمم يعني تعاريت» فكذا أعطى بعض الناس ومنع البعض لا تطلق امرأته، لأنه ما أعطى هركسي.

رجل حلف أن يكفل أو نذر، وقال: إن كفلت بمال أو نفس فللَّه علي أن أتصدق بفلس وكفل لزمه الوفاء به؛ لأن هذا النذر معلق بالشرط فيصير مرسلاً عند الشرط وهذا هو الحيلة. من أراد أن لا يكفل إن تعلق النذر بشيء يسير بالكفالة. ويقول: إني..... لا أكفل رمز بالنذر ولا يلحقه كبير. صدر في «النوازل» المكفول له بالمال إذا حلف الكفيل به.
ابن لقطة «كي رن نواربون كي روى» فحلف ثم إن الكفيل أو الأصيل أدى الدين، بطل اليمين في «فتاوى النسفي» رحمه الله.
وذكر في أيمان الأصل إذا حلف زيد أن لا يكفل عن عمرو وأحمد وعلى زيد دين فاحتال عمرو وبذاك خالداً على زيد وقبل زيد الحوالة، إن كان لخالد على عمرو، وهو المحلوف عليه دين حنث زيد لأنه لمّا قبل الحوالة عن عمرو وعلى عمرو دين صار كفيلاً عن عمرو وزيادة لأن في الحوالة ما في الكفالة وزيادة، لأن التزام مال عن: المحيل وهو عمرو.....، وإن لم يكن لخالد على عمرو دين لم يحنث زيد لأنه ما كفل عن عمرو، والله أعلم.

نوع آخر في اليمين على اليمين

قال محمد رحمه الله: وإذا حلف الرجل أن لا يحلف بيمين أبداً ثم قال لامرأته: إن قمت أو قعدت فكذا، إن أكلت أو شربت فكذا، وأضاف ذلك إلى نفسه. فقال: إن

(4/267)


قمت أو قعدت فكذا حنث في يمينه، وعتق عبده.
وعلم أن مطلق اسم اليمين بغير الله تعالى يقع على جزاء مطلق، ويعني به أن يكون..... للمنع وعلى شرط مطلق ويعني به ما يصلح شرطاً في حق جميع الأشخاص في جميع الأفعال، وهذا لأن مطلق الاسم ينصرف إلى الثابت من كل وجه وما يصلح شرطاً في بعض الأشخاص، وفي بعض الأوقات فهو شرط من وجه دون وجه، فلا يتناول مطلق اسم اليمين، ويشترط مع ذلك أن لا يكون الشرط سبباً لزوال الجزاء من غير تعليق الجزاء به لأن التعليق بالشرط يمنع بزوال الجزاء قبل الشرط فما يكون سبباً لزوال الجزاء بدون التعليق، كيف يصلح مانعاً بزواله قبل وجوده؟ ويشترط مع ذلك كلّه أن لا يكون الشرط مع الحدّ لمجموعها بغير الجملة لو أرسلها لا يكون يميناً، لأن ذكر التفسير كذلك المفسّر.
p
فإذا كان المفسر لا يكون يميناً، فكذا إذا ذكر التفسير جئنا إلى تخريج المسألة.
فنقول: قوله لامرأته أنت طالق إن قمت أو قعدت وأشباه ذلك يمين، لأنه شرط في جزاء مطلق، أما الجزاء فلأنه يصلح مانعاً، وأما الشرط فلأن شرط من يشرط في حق جميع الأشخاص، فإنه إن أضاف القعود إلى المرأة أو إلى الأخير أو إلى نفسه كان شرطاً، أو يصلح شرطاً في الأوقات كلها في المجلس وبعد قيامه عن المجلس إذا كانت اليمين مطلقة عن الوقت، ولا يصلح سبباً للوقوع بغير تعليق، وكان شرطاً مطلقاً فالجزاء مع الشرط بمجموعها ليس بتفسير الجملة لو أرسلها لا يكون يميناً فقد وجد الحلف فيحنث في يمينه.
ولو قال لها: أنت طالق إن شئت أو هويت أو أحببت أو رضيت أو أردت؛ أضاف هذه الأشياء إلى المرأة أو إلى نفسه فهو سواء ولا يكون يميناً ولا يحنث في يمينه الأولى، لأن هذه الأشياء ليست بشرط مطلق لأنه ليست بشرط في حق جميع الأشخاص.

أما المشيئة فلأن المشيئة في حق المرأة تفويض وتخيير، ولهذا تقتصر على المجلس وكذلك لا يصلح شرطاً في الأوقات كلها، فإن المشيئة إذا أضيفت إلى المرأة وشاءت بعد القيام عن المجلس لا يكون ذلك شرطاً حتى لا يقع الطلاق، ويصلح سبباً لوقوع الطلاق أيضاً، فإن الزوج لو قال لها: شئت طلاقك يقع الطلاق نصّ عليه في «الأصل» وصح أن المشيئة ليست بشرط مطلق فهو تفسير جملة، أو أرسلها لا يكون يميناً، فإن قوله: إن شئت تفسير لقوله اختاري؛ وقوله اختاري ليس بيمين، فقد باشره رسول الله صلى الله عليه وسلّممباشرة المكروه، ولو كان يمنياً ما باشره، فالحلف بالطلاق مكروه ولا يظن برسول الله صلى الله عليه وسلّممباشرة المكروه، وإذا عرفت الكلام في شئت، فكذلك في قوله: إن هويت وأشباهه لأنها بمعنى المشيئة فإنها صفة من صفات القلب كالمشيئة.

(4/268)


ولو قال لها: أنت طالق غداً فهذا ليس بيمين لأنه لم يذكر الشرط والجزاء. ولو قال: إذا جاء غد فأنت طالق فهذا يمين، لأنه ذكر الشرط والجزاء فإن قيل مجيء الغد كيف يكون شرطاً وإنه متيقن، والشرط ما في وجوده خطر، قلنا: مجيء الغد وإن كان منتظما فكونه شرطاً ليس بمتيقن، فإنهما إذا ماتا قبل مجيء الغد لا يكون مجيء الغد شرطاً، لأن الشرط شرط لكونه علماً على نزول الجزاء أو إنه لا يتصور بدون نزول الجزاء.

ولو قال لها: أنت طالق للسنة فهذا ليس بيمين. وكذلك إذا قال لها: إن حضت حيضة، أو قال لها: إذا حضت وطهرت فهذا ليس بيمين بل هو تفسير الطلاق السني ولو قال: إذا حضت فأنت طالق فهذا يمين حتى يحنث في يمينه الأولى لأنه ذكر الشرط والجزاء إلا عدلنا عن لفظة الصيغة في الفعلين الأولين؛ لأن معناها (377أ1) إيقاع الطلاق على السنّة، وهذا المعنى لا يمكن تحقيقه ههنا، فإن الطلاق في حال الحيض يقع لا على وجه السنة. ولو قال لها: أنت طالق إذا حضت حيضتين فهذا ليس بيمين؛ لأنه لا يمكن أن يجعل هذا تفسير الطلاق السنّي، لأن ما بعد الحيضتين وقت وقوع الطلاق السنّي.
ولو قال لها: إذا حضت ثلاث حيضات فأنت طالق لم يذكر هذا الفصل في.... من الكتب.
قال مشايخنا رحمهم الله: ينبغي أن لا يكون يميناً، لأن بعد الحيضة الثالثة وقت وقوع الطلاق السني، فأمكن أن يجعل هذا تفسيراً لقوله: أنت طالق للسنة.
ولو قال لها: إذا حضت أربع حيض لم يذكر هذا الفصل في الكتب أيضاً، وحكى الجصاص عن الكرخي رحمه الله أنه يمين ويحنث في يمينه الأولى (لأن) ما بعد الحيضة الرابعة ليس وقت وقوع الطلاق السنّي، فلا يمكن أن يجعل تفسيراً للطلاق السنّي، فتعتبر الصيغة والصيغة صيغة يمين، وغيره من المشايخ رحمهم الله قالوا: هذا ليس بيمين ولا يحنث في يمينه الأولى لأن ما بعد أربع حيض وقت وقوع الطلاق السنّي في الجملة، فإن من قال لامرأته: أنت طالق للسنة هي طاهرة من غير جماع يقع عليها واحدة للحال، ولو راجعها ثم حاضت بعد ذلك أربع حيض أو عشر حيض ثم قال لها: أنت طالق للسنّة يقع تطليقة أخرى للسنة فما بعد الحيضة الرابعة والعاشرة يحل وقوع الطلاق السنّي، فأمكن أن يجعل تفسيراً للطلاق السنّي، فلا يكون يميناً.

ولو قال لها وطلاق سنتها بالشهور بأن كانت آيسة أو صغيرة: أنت طالق إذا أهلّ الهلال، أو قال لها: إذا جاء رأس الشهر فأنت طالق، فهذا ليس بيمين، وهو تفسير

(4/269)


الطلاق السني في حقها. ولو كانت من ذوات الحيض، فقال لها: أنت طالق رأس الشهر فهذا ليس بيمين، ولو قال لها: أنت طالق إذا جاء رأس الشهر فهو يمين.

والكلام فيه نظير الكلام في قوله: أنت طالق غداً أنت طالق إذا جاء الغد. وروي عن أبي يوسف. إذا قال لها: أنت طالق في نفير الحاج أو..... الناس كان يميناً. ولو قال: في الأضحى لا يكون يميناً لأن في الصورة الأولى دخل حرف الظرف على الفعل فصار بمعنى الشرط إذ الفعل يصلح شرطاً، في الصورة الثانية دخل حرف على الوقت، والوقت لا يصلح شرطاً فكان إضافة لا تعليقاً.
و «في المنتقى» : عن محمد رحمه الله برواية ابن سماعة: إذا قال: يوم طريق فأنت طالق فهذا يمين، وتعليق القيد. وفيه أيضاً: إذا حلف أن لا يطلق امرأته، ثم أراد أن يفارقها فالحيلة أن يتزوج رضيعة فترضعها المحلوف بطلاقها فتبين منه، ولا يحنث في يمين الزوج، لأنه لم يطلقها.
وفيه أيضاً: إذا قال: إن حلفت بالعتق فكذا، ثم قال لأمته: إن مت فأنت حرة، فهذا تدبير وليس بحلف فلا يحنث في يمينه، ولو قال: كل مملوك أملكه فهو حر فقد حلف بالعتق. قال أبو الفضل رحمه الله: يحتمل أن يكون تأويله على ملك في مستقبل، هذا الماضي قبل هذا، لأن قوله: أملكه للحال، وإيجاب العتق في الملك القائم لا يكون تعليقاً ويميناً بما ذكره من التأويل فهو صحيح.
وفي «الجامع: إذا قال لها: إن حلفت بطلاقك فأنت طالق وكرر ثلاثاً وقعت تطليقتان، إن كانت مدخولاً بها. وإن أعاد القول مرة أخرى وقعت الثالثة وقد ذكرنا جنس هذه المسائل في كتاب الطلاق، والله أعلم.

نوع آخر في الطلاق والعتاق

من حق هذا النوع أن يقدم على فصل العقود؛ لأنه من جملة الأقوال لا من جملة العقود.
قال محمد رحمه الله في «الجامع» : إن تزوج الرجل امرأة لا تحل له، ثم قال إن طلقتك فعبدي حر، فهذا على التكلم بالطلاق، ولو قال لامرأت لا تحل له: إن طلقتك فعبدي حر، فقال لها في الحال: أنت طالق لا يعتق عبده عند أبي حنيفة رحمه الله. وإنما يعتق إذا تزوجها ثم طلقها، لأن عند أبي حنيفة رحمه الله النكاح ينعقد على المحارم على سبيل الشبهة، فيتصور في هذا المحل طلاق يقطع النكاح على سبيل الشبهة، ولا ضرورة إلى صرفه إلى التكلم بالطلاق.
ولو قال لامرأة تحل له: إذا طلقتك فعبدي حر لا يحنث في يمينه ما لم يتزوجها

(4/270)


نكاحاً صحيحاً ثم يطلقها؛ لأن عنده حقيقة الطلاق ههنا متصور لغة وشرعاً بأن تزوجها نكاحاً صحيحاً ثم طلقها فانصرف يمينه إليه عملاً بالحقيقة، وصار تقدير يمينه: إن تزوجتك وطلقتك فعبدي حر.
قال محمد رحمه الله في «الزيادات» : إذا حلف الرجل أن لا يطلق امرأته ولا يعتق عبده، فوكل رجلاً بالطلاق أو العتاق فطلق الوكيل أو أعتق يحنث في يمينه، وكذلك لو وكل رجلاً أن يعتق عبده أو يطلق امرأته، ثم حلف أن لا يطلق ولا يعتق ثم طلق الوكيل أو أعتق حنث في يمينه، لأن عبارة الوكيل في هذه العقود منقولة إلى الموكل. لكونه سفيراً فكأن الموكل أعتق بنفسه أو طلق بنفسه فتحقق شرط الحنث، فلهذا حنث في يمينه.

ولو قال: عبده حر إن دخلت هذه الدار، أو قال: امرأتهُ طالق إن دخل هذه الدار، ثم حلف أن لا يطلق ولا يعتق، ثم دخل عبده أو امرأتهُ الدار حتى وقع الطلاق والعتاق حنث في يمينه قياساً، وفي الاستحسان لا يحنث لأن شرط الحنث تطليق وإعتاق بعد اليمين لما عرف أن الأيمان تقتضي شروطاً في المستقبل، والتطليق والإعتاق ههنا وجدا قبل اليمين لوجود كلمة الإيجاب قبل اليمين، وهذا لأن الإعتاق ليس إلا التلفظ بلفظ يقع به العتق، والتطليق ليس إلا التلفظ بلفظ يقع به الطلاق وهو قوله: أنت حر، وقوله: أنت طالق، وقد وجد هذا اللفظ من الحالف قبل اليمين، فلا يصح شرطاً للحنث. ولو وجد الإعتاق والتطليق بعد اليمين، ولكن بكلام أنشأه قبل اليمين وشرط الحنث تطليق وإعتاق نفذ اليمين بكلام أنشأه بعد اليمين لتمكنه الامتناع عنه، فلهذا لم يحنث في يمينه.
ولو حلف ألا يطلق امرأته ولا يعتق عبده. ثم قال لعبده: إن دخلت الدار فأنت حر أو قال لامرأته: إن دخلت الدار فأنت طالق، ثم دخل العبد أو المرأة الدار حتى وقع العتق أو الطلاق يحنث في يمينه (377ب1) ، لوجود الإعتاق والتطليق بعد اليمين لوجود كلمة الإيجاب بعد اليمين على العبارة الأولى، ولوجود التطليق والإعتاق بعد اليمين بكلام أنشأه بعد اليمين على العبارة الثانية.

ولو قال لامرأتهِ: طلقي نفسك، أو قال لعبده: أعتق نفسك، ثم حلف ألا يطلق ولا يعتق ثم إنها طلقت نفسها في المجلس أو أعتق العبد في المجلس نفسه حنث الحالف في يمينه. وروي عن محمد رحمه الله أنه لا يحنث، والصحيح ظاهر الرواية؛ لأن شرط الحنث التطليق والإعتاق بعد اليمين وقد وجد لوجود كلمة الإيجاب من الزوج والمولى بعد اليمين.

بيانه: أن وقوع الطلاق والعتاق ههنا ليس بقوله: طلقي نفسك، أعتق نفسك، لأن ذلك تفويض وبمجرد التفويض لا يثبت الوقوع، وإنما الوقوع بطريق أن المفوض يصير متكلماً بكلام المفوض إليه إذا تكلم المفوض إليه وجد بعد اليمين، فصار الحالف متكلماً بذلك الكلام بعد اليمين، فصار معتقاً ومطلقاً بعد اليمين فحنث. بخلاف المسألة المتقدمة لأن وقوع الطلاق والعتاق هناك بغير الكلام السابق الذي أنشأه قبل اليمين، وهذا لا يصلح داخلاً تحت اليمين.

(4/271)


وفي «المنتقى» أن محمداَ رحمه الله كان يقول أولاً في هذه المسألة: إنه لا يحنث، ثم رجع فقال: يحنث. وكذلك لو قال لامرأتهِ: أمرك بيدك في الطلاق، أو قال لعبده: أمرك بيدك في العتاق ثم حلف أن لا يطلق ولا يعتق، فطلقت المرأة نفسها أو أعتق العبد نفسه حنث في يمينه، لوجود التطليق والإعتاق بعد اليمين، لوجود كلمة الإيجاب بعد اليمين.
ولو قال لامرأتهِ: أنت طالق إن شئت، أو قال لعبده: أنت حر إن شئت، ثم حلف أن لا يطلق ولا يعتق، ثم شاءا فعل إليها حتى الطلاق والعتاق وحنث؛ لأن كلمة الإيقاع وجدت قبل اليمين إلا أن الوقوع تعلق بالمشيئة، فعند المشيئة يثبت الوقوع بالإيقاع السابق، ولهذا يثبت الوقوع بالإيقاع السابق، ولهذا يثبت عند المشيئة من غير أن يلتفظا بلفظة الإيقاع.
إذا حلف الرجل لا يعتق في هذه السنة، فأدى مكاتب إليه مكاتبة وعتق، فإن كانت المكاتبة قبل اليمين لا يحنث، وإن كانت الكتابة بعد اليمين حنث.
رجل قال لامرأتهِ: إن طلقتك فكذا فآلى منها فمضت مدة الإيلاء من غير..... حتى وقع عليها تطليقة بحكم الإيلاء حنث الزوج في يمينهِ، ولو حلف وهو عنين وفرق القاضي بينهما بحكم العنة لا يحنث في يمينه، والعرف أن في فصل الايلاء الزوج صار مطلقاً بعد اليمين؛ لأن تقدير الإيلاء: ان لم أقربك أربعة أشهر فأنت طالق، وفي العنين لم يصر مطلقاً وقوع الطلاق ما كان بفعل الزوج بل القاضي ألزمه حكم الطلاق وجعله مطلقاً حكماً، هكذا ذكر في «النوازل» .
وفي «المنتقى» : إذا آلى منها وبانت بالإيلاء لو كان عنيناً فخاصمته إلى القاضي، وفرق بينهما وكل شيء من ذلك يكون طلاقاً، فإنه يحنث به الزوج الحالف، فهذا إلى.... فصل العنة يقع الحنث أيضاً. فإن الفرقة في فصل العنين طلاق وقد عرفت المسألة في كتاب الطلاق في فصل المتفرقات.

رجل قال لامرأتهِ: إن حلفت بطلاقك فأنت طالق، ثم قال لها: إن دخلت الدار فأنت طالق إن شاء الله لا يحنث في يمينه، لأن الاستثناء أبطل الجزاء فأبطل اليمين، ألا ترى أنه لو قال: إن أقررت لفلان بعشرة دراهم فامرأته طالق، ثم قال: لفلان عليَّ عشرة دراهم إلا درهم لا يحنث، وطريقه ما قلنا.
حلف أن لا يطلق امرأته فطلقها عنه رجل لغير أمره وعلمه فبلغهُ الخبر فأجاز فقد قيل: يحنث على كل حال، وقد قيل: لا يحنث على كل حال، وقيل: إن أجاز القول يحنث وإن أجاز الفعل بأن أخذ بدل الخلع لا يحنث، وهذا ومسألة النكاح سواء.
وفي عتاق «النوازل» إذا قال لامرأته: إن تكلمت بطلاقك فعبدي حر، ثم قال لها: إن شئت فأنت طالق، فقالت لا أشاء ثمة لا تعتق، لأنه لم تتكلم بالإيقاع. إذا قال لها:

(4/272)


إن حلفت بطلاقك فأنت طالق، ثم قال لها: أنت طالق إن شاء الله، فعلى قول أبي يوسف تطلق، لأنه لا توقف على مشيئة الله تعالى.

الفصل الثاني عشر في الحلف على الأفعال
المحيط البرهانى
هذا الفصل يشتمل على أنواع منه أيضاً في الصلاة والصوم والحج:
إذا حلف لا يصلي فصلى صلاة فاسدة بأن صلى بغير طهارة مثلاً لا يحنث في يمينه استحساناً، لأن مطلق الاسم ينصرف إلى الكامل، والكامل من التصرفات والأفعال ما يفيد حكمها. وحكم الصلاة سقوط الفرض وحصول الثواب، وكل ذلك لا يحصل بالصلاة الفاسدة، ولو نوى الفاسد صدق ديانة وقضاء؛ لأن الصلاة الفاسدة صلاة صورة لا معنى. وإطلاق الشيء على صورته جائز مجازاً، فقد نوى ما يحتملهُ لفظهُ وفيه تغليظ عليه؛ لأن مع هذه النية يحنث بالجائز والفاسد جميعاً. في هذه الصورة الجمع بين الحقيقة والمجاز، وإنما طريقه أنه وجد في الصحيح ما في الفاسد وزيادة، والزيادة على شرط الحنث لا يمنع الحنث.
ولو كان عقد يمينه على الماضي بأن قال: إن كنت صليت فهذا على الجائز والفاسد جميعاً، وإن نوى الجائز في الماضي خاصة صحت نيته فيما بينه وبين الله تعالى وفي القضاء.
ولو قال: عبده حر إن صلى اليوم صلاة، فصلى ركعة قطعها (378ب1) لا يحنث في يمينه، لأن المنفي باليمين فعل الصلاة وأن يكون المفعول صلاة فمطلق الاسم ينصرف إلى الكامل، والركعة الواحدة ليست بصلاة كاملة، لأنها لا تفيد حكم الصلاة لأنها بترة فإن «النبي صلى الله عليه وسلّمنهى عن البتيراء والبتيراء ركعة واحدة» .
ولو قال: عبده حر إن صلى اليوم، ولم يقل: صلاة فصلى ركعة واحدة حنث في يمينه؛ لأن المنفي باليمين ههنا فعل الصلاة وكون المفعول صلاة، وإذا صلى ركعة واحدة فقد فَعَلَ فِعْلَ الصلاة فوجد شرط الحنث فيحنث، إلا أنه إذا قطعها بعد ذلك فقد انتقض فعل الصلاة ولكن بعد صحته، والانتقاض إنما يظهر في حق حكم يفيد الانتقاض، والحنث بعد تحققه لا يفيد الانتقاض.
فإن قيل: شرط الحنث فعل الصلاة وبالركعة الواحدة لا يصير فاعلاً فعل الصلاة؛ لأن الصلاة اسم لأفعال مجموعة من جملة ذلك القعدة، ولا قعدة في الركعة الأولى. قلنا: لا بدّ فيه (من) قعدة فإن بعد ما رفع رأسه من السجدة الأخيرة يقعد لا محالة إلا أن هذه القعدة لا تجزىء عن فعل الصلاة، لكن المنفي باليمين الإتيان بفعل الصلاة لا الإتيان بفعل يجزىء عن فعل الصلاة.

(4/273)


فإن قيل: هذا المعنى ليس بصحيح فإن بنفس السجود يقع الحنث وإن لم يرفع رأسه، قلنا: لا رواية في هذا الفصل عن أصحابنا رحمهم الله، وقد اختلف المشايخ رحمهم الله فيه بعضهم قالوا: لا بدّ للحنث من رفع الرأس من السجود ليصير إتياناً بالقعود، فيصير إتياناً بجميع أفعال الصلاة. وقال بعضهم: لا يشترط رفع الرأس؛ لأن الساجد ساجد وقاعد والسجود سجدة وقعدة، ولكن بصفة أخرى. فقد اتفق المشايخ على اشتراط القعدة، وإن اختلفوا في كيفيته.

ولو كان حلف أن لا يصلي ولم يقل صلاة فإنما يحنث إذا قيّد الركعة، حتى إنه إذا افتتح الصلاة وركع ولم يسجد لا يحنثُ في يمينه؛ لأن ما دون ... ... ولهذا لا يقال: صلى قياماً صلى ركوعاً صلى سجوداً هذه الجملة من «الجامع» .
وفي «نوادر ابن سماعة» عن أبي يوسف رحمه الله إذا قال الرجل لعبده: إن صليت ركعة فأنت حر فصلى ركعة بسجود ثم تكلم قال: لا يعتق، لأنها ليست بصلاة، وإن صلى ركعتين وقعد مقدار التشهد عتق بتمام الركعة، وهكذا ذكر القدوري في «شرحه» . فأبو يوسف لم يجعل الركعة بانفرادها صلاة، وتبين برواية ابن سماعة أن المذكور في «الجامع» قول محمد رحمه الله.

وفي «المنتقى» : إذا حلف لا يصلي خلف فلان فأم فلان وقام الحالف عن يمينيه فهو حانث إن لم يكن له نية، وإن نوى أن يكون خلفه لم يدين في القضاء. وفي «نوادر بشر» عن أبي يوسف: رجل قال: والله لا أصلي معك فصليا خلف إمام لم يحنث إلا أن يكون نوى أن يصلي معه ليس معهما غيره، وإذا حلف لا يصلي صلاة فصلى ركعتين ولم يقعد قدر التشهد فقد قيل: يحنث في يمينهِ، وقد قيل: لا يحنث، لأن المنفي فعل الصلاة وكون المفعول صلاة ومطلق الاسم ينصرف إلى الكامل، والركعتان بدون القعدة ليست بصلاة كاملة على ما ذكرنا في الركعة الواحدة. وقيل: إن عقد يمينه على فعل لا يحنث في يمينهِ، وإن عقد يمينه على الفرض وهي من ذوات المثنى فكذلك، وإن عقد يمينه على الفرض وهي من ذوات الأربع يحنث في يمينه، وهو الأظهر والأشهر.
ولو حلف لا يصلي فقام وركع وسجد ولم يقرأ فقد قيل: لا يحنث، وقد قيل يحنث. وهكذا ذكر في «المنتقى» .
ولو حلف لا يصلي الظهر لم يحنث حتى يتشهد بعد الأربع، وكذلك إذا حلف لا يصلي الفجر لم يحنث حتى يتشهد بعد الركعتين، وكذلك إذا حلف لا يصلي المغرب لم يحنث (إلا) بتشهد بعد الثلث. وفي «نوادر ابن سماعة» عن محمد رحمه الله في رجل قال: والله ما صليت اليوم صلاة يعني بجماعة، وإن الصلاة بغير جماعة ليست بصلاة كانت بنية على هذا، قال: يسعه فيما بينهم وبين الله تعالى، وكذلك إذا قال: ما صليت اليوم ظهراً يعني ظهر أمس، أو أول من أمس فإنه يسعهُ فيما بينه وبين الله تعالى، ولو قال: والله ما

(4/274)


صليت الظهر يعني في جماعة لم تسعهُ النية عندي في هذا، ولو على الظهر في السفر، ثم قال: والله ما صليت ظهراً يعني ظهر مقيم، فان النية تسعه في هذا فيما بينهُ وبين الله تعالى.

وروى المعلى عن محمد رحمه الله إذا قال: ما صليت الظهر يعني وحده، وقد صلاها في جماعة لم يدين. وفي «نوادر بشر» عن أبي يوسف إذا قال الرجل لغيره: إن لم أصل الظهر معك اليوم فامرأتي طالق، فأدرك منهما ثلاث ركعات وسبقه بركعة لزمه الطلاق، ولو كان قال: إن صليت الظهر اليوم إلا معك لم يحنث، وإنما يحنث إذا صلى كلها وحده.
ولو حلف لا يصلي الظهر خلف فلان أو معه، فأدرك معه أول الصلاة فأحدث وذهب وتوضأ ورجع وقد فرغ الإمام فصلاها بعده لا يحنث. ولو كان حلف أن لا يصلي الظهر صلاة فلان حنث، ولو حلف لا يصلي معه أو خلفه وكبر معه ثم نعس في الركعة الأولى حتى فرغ الإمام منها ثم أتبعهُ فيها وصلى ما بقي معه حنث في يمينه.
ولو حلف لا يصلي معه الجمعة ثم إن الإمام أحدث وقدم الحالف وصلى بهم الجمعة لا يحنث، ولو كان حلف لا يصلي بصلاته وباقي المسألة بحالها حنث في يمينه، لأنه صلى بصلاته أما لم يصلي معه. وعن أبي يوسف رواية مجهولة إذا حلف الرجل لا يؤم أحداً فافتتح الصلاة بنفسه لا يريد أن يؤم واحداً (378ب1) ، فجاء قوم واقتدوا به ولم ينو أن يؤمهم حنث قضاءً ولا يحنث ديانة، لأنه أمهم ظاهراً إلا أنه لم يقصد، (و) ذلك أمر بينهُ وبين ربه، فيلزمه الحنث قضاء لا ديانة. فإن كان هذا الذي حلف أشهد قبل الدخول أنه لا يؤم أحداً، فجاؤوا وائتموا لا يحنث قضاءً وديانة. لأن على صدق نيته علامة يقف القاضي عليها وهي الإشهاد.

ولو كان هذا الحالف شرع في صلاة غيره فأحدث الإمام بعد ما صلى الرابعة وتشهد وقدّم الحالفَ وانصرف فسلم بهم الحالف فهو إمام لهم فيما بقي عليهم. ولو كان صلى هذا الحالف بالناس الجمعة فنوى أن يصلي لنفسه الجمعة ولا يؤم، لم يحنث فيما بينه وبين الله تعالى، ويحنث في القضاء. قال: وكان ينبغي أن تكون الجمعة فاسدة، ولكني أستحسن مؤداها تامة له ولهم، ولو أمهم في صلاة جنازة أو سجدة تلاوة لا يحنث في يمينه إنما يمينه على الصلاة المعهودة المكتوبة والنافلة، إذا حلف الرجل لا يصلي بهم لم يحنث حتى يركع ويسجد. قال أبو يوسف: هكذا قال أبو حنيفة.
قال أبو يوسف رحمهُ الله: وأما الذي حلف أن لا يصلي فلا أحفظ عنه فيه. وإذا قال: عبده حر إن صليت الجمعة مع الإمام وقد كان أدرك الإمام في الركعة الثانية وصلاها مع الإمام، فلما فرغ الإمام قام وقضى الركعة الأولى (لم) يحنث في يمينه؛ لأنه ما صلى الجمعة مع الإمام لأن المسبوق فيما يقضي منفرد، ولو كان أدرك الإمام في الركعة الأولى وصلى معه حنث في يمينه.
g

ولو افتتح الصلاة مع الإمام ثم قام حتى سلم الإمام، ثم قام فصلى حنث في يمينه؛ لأنه صلى معهُ لأنه خلف الإمام حكماً وكلمة معه وإن كان للمقارنة ولم تقع أفعال صلاته

(4/275)


مقارنة لأفعال صلاة الإمام إلا أن العمل بحقيقة القرآن وأفعال الصلاة بحيث لا يتقدم ولا يتأخر متعذر فسقط اعتبار حقيقة القران وحمل على الاقتداء والمتابعة عرفاً. وقد وجدها هنا فإن من سبقه الحدث مقتد بالإمام متابعة له على ما عرف قال إلا أن يعني شيئاً فهو على ما عنى يريد به إذا نوى المتابعة والاقتداء به على سبيل المقارنة لا غير، أو نوى المتابعة والاقتداء على سبيل المقارنة لا غير فإنه بدون النية ينصرف إلى الاقتداء والمتابعة المطلقة سواء كان على سبيل المقارنة، أو لا على سبيل المقارنة، فإذا نوى أحدهما على الخصوص يدين فيها بينهُ وبين الله تعالى. وهل يدين قضاء؟ لم يذكر هذا الفصل في «الكتاب» ، ولا شك أنه لا يصدق فيما إذا نوى المتابعة لا على سبيل المقارنة، فإذا نوى المتابعة على سبيل المقارنة فقد اختلف المشايخ رحمهم الله فيه بعضهم قالوا: يصدق وإن كان فيه تخفيفاً لأنه نوى حقيقة كلامه، وبعضهم قالوا: لا يصدق لأن هذه الحقيقة مهجورة في مسألتنا، ألا ترى أن هذه الحقيقة لم تتعين لصرف اليمين إليها من غير نية، فكانت بمنزلة المجاز وفيه تخفيف فلا يصدق.

ولو حلف لا يصلي الظهر خلف فلان أو معه، فأدرك معه أول الصلاة فأحدث وذهب وتوضأ ورجع وقد فرغ الإمام فصلاها بعده لا يحنث. ولو كان حلف أن لا يصلي الظهر صلاة فلان حنث، ولو حلف لا يصلي معه أو خلفه وكبر معه ثم نعس في الركعة الأولى حتى فرغ الإمام منها ثم أتبعهُ فيها وصلى ما بقي معه حنث في يمينه.
ولو حلف لا يصلي معه الجمعة ثم إن الإمام أحدث وقدم الحالف وصلى بهم الجمعة لا يحنث، ولو كان حلف لا يصلي بصلاته وباقي المسألة بحالها حنث في يمينه، لأنه صلى بصلاته أما لم يصلي معه. وعن أبي يوسف رواية مجهولة إذا حلف الرجل لا يؤم أحداً فافتتح الصلاة بنفسه لا يريد أن يؤم واحداً (378ب1) ، فجاء قوم واقتدوا به ولم ينو أن يؤمهم حنث قضاءً ولا يحنث ديانة، لأنه أمهم ظاهراً إلا أنه لم يقصد، (و) ذلك أمر بينهُ وبين ربه، فيلزمه الحنث قضاء لا ديانة. فإن كان هذا الذي حلف أشهد قبل الدخول أنه لا يؤم أحداً، فجاؤوا وائتموا لا يحنث قضاءً وديانة. لأن على صدق نيته علامة يقف القاضي عليها وهي الإشهاد.
ولو كان هذا الحالف شرع في صلاة غيره فأحدث الإمام بعد ما صلى الرابعة وتشهد وقدّم الحالفَ وانصرف فسلم بهم الحالف فهو إمام لهم فيما بقي عليهم. ولو كان صلى هذا الحالف بالناس الجمعة فنوى أن يصلي لنفسه الجمعة ولا يؤم، لم يحنث فيما بينه وبين الله تعالى، ويحنث في القضاء. قال: وكان ينبغي أن تكون الجمعة فاسدة، ولكني أستحسن مؤداها تامة له ولهم، ولو أمهم في صلاة جنازة أو سجدة تلاوة لا يحنث في يمينه إنما يمينه على الصلاة المعهودة المكتوبة والنافلة، إذا حلف الرجل لا يصلي بهم لم يحنث حتى يركع ويسجد. قال أبو يوسف: هكذا قال أبو حنيفة.
قال أبو يوسف رحمهُ الله: وأما الذي حلف أن لا يصلي فلا أحفظ عنه فيه. وإذا قال: عبده حر إن صليت الجمعة مع الإمام وقد كان أدرك الإمام في الركعة الثانية وصلاها مع الإمام، فلما فرغ الإمام قام وقضى الركعة الأولى (لم) يحنث في يمينه؛ لأنه ما صلى الجمعة مع الإمام لأن المسبوق فيما يقضي منفرد، ولو كان أدرك الإمام في الركعة الأولى وصلى معه حنث في يمينه.
g

ولو افتتح الصلاة مع الإمام ثم قام حتى سلم الإمام، ثم قام فصلى حنث في يمينه؛ لأنه صلى معهُ لأنه خلف الإمام حكماً وكلمة معه وإن كان للمقارنة ولم تقع أفعال صلاته مقارنة لأفعال صلاة الإمام إلا أن العمل بحقيقة القرآن وأفعال الصلاة بحيث لا يتقدم ولا يتأخر متعذر فسقط اعتبار حقيقة القران وحمل على الاقتداء والمتابعة عرفاً. وقد وجدها هنا فإن من سبقه الحدث مقتد بالإمام متابعة له على ما عرف قال إلا أن يعني شيئاً فهو على ما عنى يريد به إذا نوى المتابعة والاقتداء به على سبيل المقارنة لا غير، أو نوى المتابعة والاقتداء على سبيل المقارنة لا غير فإنه بدون النية ينصرف إلى الاقتداء والمتابعة المطلقة سواء كان على سبيل المقارنة، أو لا على سبيل المقارنة، فإذا نوى أحدهما على الخصوص يدين فيها بينهُ وبين الله تعالى. وهل يدين قضاء؟ لم يذكر هذا الفصل في «الكتاب» ، ولا شك أنه لا يصدق فيما إذا نوى المتابعة لا على سبيل المقارنة، فإذا نوى المتابعة على سبيل المقارنة فقد اختلف المشايخ رحمهم الله فيه بعضهم قالوا: يصدق وإن كان فيه تخفيفاً لأنه نوى حقيقة كلامه، وبعضهم قالوا: لا يصدق لأن هذه الحقيقة مهجورة في مسألتنا، ألا ترى أن هذه الحقيقة لم تتعين لصرف اليمين إليها من غير نية، فكانت بمنزلة المجاز وفيه تخفيف فلا يصدق.

ولو قال: عبده حر إن أدرك الظهر مع الإمام اليوم فأدركهُ في التشهد ودخل معهُ حنث، لأن إدراك الشيء بإدراك آخره وبلحوق الجزء الآخر منهُ فقال: فلان أدرك من رسول الله صلى الله عليه وسلّم ويراد به لحوقه آخر وقد لحق بآخره.
رجل حلف ليصلين هذا اليوم خمس صلوات بالجماعة، ويجامع امرأته فلا يغتسل ينبغي أن يصلي الفجر والظهر والعصر بالجماعة ثم يجامع امرأتهُ ثم يغتسل لما غربت الشمس ويصلي المغرب والعشاء بالجماعة ولا يحنث.
وإذا حلف الرجل فقال: والله ما أخرج صلاة عن وقتها، وقد كان نام عن صلاة حتى خرج وقتها وصلاها فقد قيل يحنث، وقيل: لا يحنث لأن ذلك وقتها «قال رسول الله صلى الله عليه وسلّممن نام عن صلاة أو نسيها فليصها إذا ذكرها فإن ذلك وقتها» . وإن حلف لا يصلي بأهل هذا المبنى ما دام فلان يصلي فيه فمرض فلان ثلاثة أيام ولم يصلِّ فيه إن كان فلان صحيحاً فلم يصل فيه فصلى الحالف بعد ذلك فيه لا يحنث.
حلف لا يصلي في هذا المسجد فزيد فيه فصلى في موضع الزيادة لا يحنث، ولو حلف لا يدخل مسجد بني فلان فزيد فيه فصلى في موضع الزيادة حنث هكذا قيل. وقيس هذه المسألة على ما إذا حلف لا يدخل هذا المسجد فريد فيه فدخل في موضع الزيادة لا يحنث. ولو حلف لا يدخل مسجد بني فلان فريد فيه فدخل في موضع الزيادة حنث ومسألة الدخول في «القدوري» .
رجل قال لامرأته: إن لم تصل الساعة ركعتين فأنت وطالق، فقامت وكبرت فحاضت أو قال لها: أن لم تصومي غداً، فأنت طالق، فصامت من الغد فحاضت حنث

(4/276)


في يمينهِ، قيل: هذا الجواب مستقيم وعلى قول أبي يوسف رحمه الله غير مستقيم، على قولهما كما في مسألة الكوز، وقيل: لا.... هذا الجواب مستقيم على قول الكل لأن شرع الصوم مع الحيض متصور، فصار كمسألة مس السماء.
رجل قال لامرأتهِ: إن لم تصبحي غداً ولم تصلي فأنت طالق، فأصبحت وشرعت في الصلاة فطلعت الشمس أفتى شمس الأئمة الحلواني رحمه الله بعدم الوقوع، وأفتى ركن الإسلام السغدي رحمه الله بالوقوع، وقول ركن الإسلام أظهر، لأن هذا طلاق معلق بعدم الفصل في مجلس، فينظر فيه إلى شرط البر وشرط البر أن تصلب وتصلي وقد أصبحت ولم تصل ففات شرط البر فيتعين الحنث، وقد ذكرنا هذا الفصل بتمامه في كتاب الطلاق.

وإذا حلف لا يصوم اليوم، يعني: اليوم..... فأصبح صائماً ثم أفطر لا يحنث في يمينه، لأن الصوم فعل ممتد وقد أضيف إلى وقت الفعل الممتد إذا أضيف إلى وقت كان الوقت معياراً له، وإنما اليوم معيار للصوم إذا وجد الصوم في جميع اليوم أما إذا وجد الصوم في بعض اليوم كان المعيار بعض اليوم، فصار شرط الحنث الصوم الموجود في جميع اليوم ولم يوجد الصوم في جميع اليوم. وكذلك إذا حلف أن لا يصوم يوماً فأصبح صائماً ثم أفطر لا يحنث في يمينه، لأن شرط الحنث صومه ولم يوجد صومه، ولو حلف لا يصوم يوماً فأصبح صائماً ثم أفطر لم يذكر محمد رحمه الله هذا الفصل في كتبهِ، وذكر الكرخي رحمه الله في «كتابهِ» : أنه لا يحنث (379أ1) في يمينه لأنه ذكر الصوم مطلقاً فينصرف إلى الكامل وهو الصوم المفيد لحكمه وهو الصوم في أول اليوم إلى آخره.

وحُكي عن القاضي أبي الهاشم رحمه الله: أنه إذا نوى المصدر يحنث في يمينه، وإن لم ينو المصدر (يحنث أيضاً) لأن صوم ساعة مما يتقرب به إلى الله تعالى في الجملة، ألا ترى أن العلماء قالوا: لا يستحب للرجل أن يصوم يوم العيد حتى يصلي صلاة العيد، فكان صوماً كاملاً فينطلق عليه مطلق اسم الصوم.

ولو حلف لا يصوم فأصبح صائماً ثم أفطر يحنث في يمينه، لأن شرط الحنث ههنا فعل الصوم، فبهذا القدر يصير فاعلاً فعل الصوم؛ لأن الصوم في اللغة عبارة عن الإمساك المجرّد، وفي الشرع عبارة عن الإمساك مع النية. وكما شرع في الصوم بنيّة الصوم فقد وجد ذلك، وما زاد عليه تكرار للمحلوف عليه، وتكرار المحلوف عليه ليس بشرط لوقوع الحنث، وإذا حلف لا يحج فحمد على الصحيح دون الفاسد، وإذا حلف لا يحج ولا يحج حجه فأحرم بالحج لم يحنث حتى يقف عرفة، رواه ابن سماعة عن محمد رحمه الله، وروى بشر عن أبي يوسف رحمه الله أنه لا يحنث حتى يطوف أكثر طواف الزيارة. ولو حلف لا يعتمر أو لا يعتمر عمرة لم يحنث حتى يُحْرِم بالعمرة ويطوف أربعة أشواط رواه بشر عن أبي يوسف رحمه الله، والله أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(4/277)


نوعمنه في الوضوء والغسل
إذا حلف لا يتوضأ من الرعاف فرعف ثم بال ثم توضأ أو بال ثم رعف وتوضأ. فالوضوء منهما جميعاً ويحنث في يمينه، هكذا ذكر في «المنتقى» .
وفيه أيضاً: إذا حلف الرجل لا يغتسل من امرأته هذه من جنابة فأصابها ثم أصاب امرأة أخرى له أوأصاب امرأة أخرى له ثم أصاب المحلوف عليها واغتسل، فهذا اغتسال منها يحنث في يمينه، وكذلك المرأة إذا حلفت أن لا تغتسل من جنابة أو من حيض فأصابها زوجها وحاضت، واغتسلت فهو اغتسال منهما فتحنث في يمينها. هذه الجملة من «المنتقى» ، وروي عن أبي حنيفة رحمه الله فيمن قال: إن اغتسلت من زينب فهي طالق أو اغتسلت من عمرة فهي طالق، فجامع زينب ثم جامع عمرة واغتسل فهذا الاغتسال منهما ويقع الطلاق عليهما.

وذكر الشيخ الإمام الزاهد عبد الرحيم الكرميني في «شرح كتاب الصلاة» في باب الغسل والجنابة: أن الحائض إذا أجنبت لا يجب عليها الغسل حتى تطهر من الحيض، وإذا طهرت واغتسلت فظاهر الجواب أنّ الاغتسال منهما. وقال أبو عبد الله الجرجاني: يكون من الأول دون الثاني، وكذلك الرجل إذا رعف ثم بال فالوضوء يكون من الأول عند أبي عبد الله الجرجاني.
فالحاصل: أنّ على قول أبي عبد الله الجرجاني إذا اجتمع الحدثان فالوضوء بعدهما يكون (من) الأول اتحد الجنس أو اختلف. وقال الفقيه أبو جعفر الهندواني رحمه الله: إن اتحد الجنس بأن بال ثم بال أو رعف ثم رعف وأشباه ذلك فالوضوء من الأوّل وإن اختلف الجنس بأن بال ثم رعف فالوضوء يكون منهما.
وقال الشيخ الإمام الزاهد عبد الرحيم: ... أن الوضوء من الحدثين إذا استويا في الغلظة والخفة، وإذا كان أحدهما أغلظ فالوضوء من أغلظهما كما إذا رعف أو بال ثم أجنب وقد وجدنا الرواية عن أبي حنيفة رحمه الله أن الوضوء يكون منهما، ورجعنا إلى قوله.
وفائدة هذه الاختلاف إنما تظهر في مسألة الحلف التي ذكرناها، فإذا حلف أن لا يتوضأ من الرعاف ورعف ثم بال وتوضأ حنث في يمينه بلا خلاف، أمّا على قول أبي عبد الله الجرجاني فلأنه يعتبر الوضوء من أول الحدثين، والأول الرعاف، وعلى قول أبي جعفر الوضوء منهما عند اختلاف الجنس، وقد اختلف الجنس، وعلى ظاهر الجواب الوضوء من الحدثين جميعاً في الأحوال كلها ينصرف، فيصير متوضئأ من الرعاف وهو شرط الحنث، وإن بال أولاً ثم رعف وتوضأ، فعلى قول أبي عبد الله لا يحنث في يمينه، لأن الوضوء عنده وقع عن البول لا عن الرعاف؛ لأن البول أولهما، وعلى ظاهر الجواب

(4/278)


يحنث في يمينه، لأن الوضوء عنهما، وكذلك على قول الفقيه يحنث لأن الوضوء عنهما لما اختلف الجنس.

وإذا حلف لا يغتسل من امرأته هذه فأصابها ثم أصاب امرأة أخرى ثم اغتسل حنث بلا خلاف، أما على قول الفقيه أبي عبد الله الجرجاني رحمه الله لأن الاغتسال عن المرأة المحلوف عليها عنده أيضاً لأن الجنس متحد وأما على ظاهر الرواية الجواب فلأن الاغتسال وقع عنهما فوجد شرط الحنث وزيادة وعلى هذا الأصل يخرج جنس هذه المسائل.

نوع آخر منه فى الأكل
إذا حلف الرجل لا يأكل والأكل أن يوصل إلى جوفه ... في فيه المضغ.. سواء مضغه ثم.... غير ممنوع حتى.... حلف أن لا يأكل هذه البيضة أو هذه الجوزة فابتلعها كذلك حنث في يمينه. لأن المضغ ليس بشرط وإنما الشرط أن يكون بحيث ينافي فيه المضغ. ولو حلف على أكل شيء لا ينافي فيه المضغ بنفسه فأكل مع غيره فإن كان مما يؤكل كذلك حنث في يمينه.
وإن حلف أن لا يأكل هذا اللبن فأكله سمن أو ... حلف لا يأكل هذا العسل فأكله كذلك يحنث في يمينه لأن هذا يسمى آكلاً في العادة وإن.... على ذلك ماء فشرب لا يحنث في يمينه لأن هذا شرب، وليس كذلك لو حلف (379ب1) لا يأكل هذا السويق فشربه شرباً لا يحنث، لأن هذا ليس بأكل، وإذا عقد يمينه على أكل ما هو مأكول بعينه ينصرف يمينه إلى أكل عينه، وإذا عقد يمينه على أكل ما هو ليس بمأكول بعينه، أو عقد يمينه إلى ما يتخذ منه مجازاً والأصل في جنس هذه المسائل العمل بالحقيقة عند الإمكان، وعند تعذر العمل بالحقيقة أو عند وجود العرف بخلاف الحقيقة ترك الحقيقة، ألا ترى إن باع شيئاً بدراهم ينصرف إلى نقد البلد بدلالة العرف، وفي الصرف إلى نقد البلد ترك حقيقية اسم الدراهم من وجه يعلم أنه كما ترك الحقيقة للتعذر تركه لأجل العرف إذا ثبت هذا فنقول فيما إذا عقد يمينه على أكل ما هو مأكول بعينه العمل بالحقيقة ممكن فينصرف يمينه إلى أكل عينه وإذا عقد يمينه على ما ليس بمأكول بعينه إلا أنه لا يؤكل لذلك عادة فالعمل بالحقيقة غير ممكن فينصرف يمينه إلى ما يتخذ منه مجازاً.
بيان هذا الأصل الأصل من المسائل. إذا حلف لا يأكل من هذه الشاة شيئاً فأكل من لبنها وسمنها لا يحنث، لأنه أكل غير الشاة فتنعقد اليمين بالعين لا بما يتولد من العين، وكذلك إذا حلف لا يأكل من هذا العنب فأكل من ذبيبه أو عصيره لا يحنث، لأن العنب مأكول ما يعقد يمينه على أكل منه باسمه. ولذلك لو حلف لا يأكل من هذا اللبن فأكل من شيرازه لا يحنث، لأنّ عينه مأكول فلا ينعقد اليمين على ما يتخذ منه، ولذلك

(4/279)


إذا جعل اللبن جبناً أو أقِطَاً وأكل منه لا يحنث لما قلنا.
وكذلك إذا حلف لا يذوق من هذا الخمر فذاقه بعد ما صار خلاً لا يحنث، وكذلك لو حلف لا يأكل من هذه الحنطة فزرعها فأكل مما خرج منها لا يحنث، والمعنى في الكل ما ذكرنا.

وقال في «الجامع» : إذا حلف لا يأكل من هذه النخل شيئاً، فأكل التمر أو طلعها أو بسرها أو دبسها حنث؛ لأن عين النخلة غير مأكول فينصرف يمينه إلى ما يخرج منه مجازاً وأراد بالدبس ما يُسْتَلّ من الرطب وإن اتخذ من الدبس ناطفاً أو نبيذاً لا يحنث في يمينه، لأن يمينه انصرف إلى ما يخرج من النخلة، والنبيذ والناطف لم يخرجا من النخلة كذلك فلا يحنث بأكله. وكذلك إذا حلف لا يأكل من هذا الكرم شيئاً فأكل من عنبه أو زبيبه أو عصيره حنث في يمينه، لأن عين الكرم ليس بمأكول لأنه شجرة العنب فينصرف يمينه إلى ما يخرج منه، كما في النخلة. وهذه الأشياء خارج من النخلة. أمّا العنب والزبيب فظاهر، وأما العصير فلأنه ماء العنب إلا أنه كان متمكناً بالعصر، ولو أكل من خله لا يحنث لأنه ليس بخارج منه بهذه الصفة.

وإذا حلف لا يأكل من هذا الدقيق فأكل من خبزه يحنث، لأن الدقيق وإن كان مأكولاً بعينه إلا أنه لا يؤكل كذلك عادة، فينصرف يمينه إلى ما يتخذ منه مجازاً.
وفي «النوادر» : لو اتخذ منه أن يحنث، يكون كذلك وإن أكل عين الدقيق هذا، يحنث ولم يذكر محمد رحمه الله هذا الفصل في شيء من الكتب. وقد اختلف المشايخ فيه، بعضهم قالوا: لا يحنث لأن المجاز وهو ما يتخذ منه صار مراداً فلا تبقى الحقيقة مرادة ولو كان حين حلف غيرته عين الدقيق لا يحنث، بأكل لأنه نوى غير ما يقتضيه حقيقة كلامه وظاهره، فيتقيد اليمين.
وإذا حلف أن لا يأكل من هذه الحنطة وهو ينوي أن لا يأكلها حبة حبة صحت نيّتُه حتى لو أكل من خبزها لا يحنث في يمينه، لأنه نوى حقيقة كلامه والعمل بالحقيقة ممكن لأن الحنطة مأكول عينها فتتقيد اليمين بالحقيقة، وإن نوى أن لا يأكل مما يتخذ منها صحت نيتُه أيضاً حتى لا يحنث بأكل عينها، وإن لم تكن له نيّة فأكل من خبزها لم يحنث عند أبي حنيفة رحمه الله وعندهما يحنث، ولو أكل عينها يحنث عند أبي حنيفة رحمه الله، وأمّا عندهما هل يحنث؟ أشار في أيمان «الأصل» : إلى أنه لا يحنث، فإنه قال: في «أيمان الأصل» : إذا أكل من خبزها حنث، إلا أن ينوي الخبز بعينه فإنما صرف يمينه إلى العين بالنية، فدلّ على أنه من غير النية ينصرف إلى الخبز.
وأشار في «الجامع الصغير» : إلى أنه يحنث فإن قال ثمة إذا حلف لا يأكل من هذه الحنطة فأكل من خبزها لا يحنث عند أبي حنيفة رحمه الله. وإن قضمها حبة حبة حنث في يمينه، وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله: يحنث إذا أكل من خبزها أيضاً، فهذه إشارة

(4/280)


إلى أنه متى أكل الخبز يحنث، وأما آكل العين يحنث والصحيح ما ذكر في أيمان «الأصل» .
فوجه قولهما أن الحنطة متى ذكرت مقرونة بالأكل يراد به في عرف الاستعمال خبزها، يقال: فلان يأكل الحنطة وأهل بلد كذا يأكلون الحنطة، ويريدون خبزها ومطلق الاسم من غير نيّة ينصرف إلى المتعارف وصار تقدير يمينه لا أكل من خبز هذه الحنطة.

ولو قال هكذا إذا أكل خبزها يحنث، وإذا أكل من غيرها لا يحنثُ كذا ههنا. وعند أبي حنيفة رحمه الله أن الحنطة عينها مأكول ... فيؤكل ويتخذ منها الهريسة فقد عقد يمينه على ما هو مأكول، فلا ينصرف يمينه إلى ما يتخذ منه وما يقول بأن الحنطة إذا ذكرت مقرونة بالأكل يراد بها ما يتخذ منها في العرف، قلنا: هذا العرف موجود في الحنطة بغير عينها لا في حنطة بعينها، والخلاف في «أيمان الأصل» وفي «الجامع الصغير» ،.....في حنطة بعينها، وإذا كان غير الحنطة مأكولاً أمكن العمل بالحقيقة فلا يُعدل عنها إلا بالنية أو بالعرف ولم يوجد فعلى قوّة هذا (380أ1) التعليل.

إذا حلف على أكل حنطة لا بعينها يجب أن يكون الجواب فيه عند أبي حنيفة كالجواب عندهما هكذا ذكر شيخ الإسلام في «أيمان الأصل» . وإذا أكل من سويقها ذكر في بعض الروايات أنه لا يحنث في قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله. وذكر في بعض الروايات أنه لا يحنث ولم يذكر فيه خلافاً.
وفي «المنتقى» عن أبي يوسف أنه يحنث بأكل السويق.

وإذا حلف لا يأكل خبزاً ولا نية له فهذا على خبز الحنطة والشعير، وعلى ما يتعارف في ذلك البلد.... الخبز منه وإنما يقع اليمين على خبز الحنطة والشعير لأن الذي يُعتاد أكله من الخبز في جميع البلدان خبز الحنطة والشعير في مطلق اليمين، ينصرف إلى المعتاد حتى لو تصور موضعاً لا يأكل أهله خبز الشعير لا يحنث بأكله غير الشعير أيضاً، ولو أكل خبز الأرز فإن كان من أهل بلد خبزهم ذلك ينصرف يمينه إليه وما لا فلا، وإذا حلف لا يأكل خبزاً ولا نية له فأكل كليجة أو حورية.... أو توالية....، قال محمد بن سلمة رحمه الله: لا يحنث في الوجوه كلها، قال الفقيه أبو الليث رحمه الله: المختار أنه يحنث إذا أكل الكليجة أو التوالة المقطوعة، أما الكليجة فلأنها خبز حقيقة وعرفاً واختصاصها باسمها خاص للزيادة لأنها النقصان فلا يمنع دخولها تحت مطلق الاسم، وأما التوالة المقطوعة فلأنها خبز انضم إليه أشياء أخر، وأما الحور.... فلا يحنث بأكله لأنه لا يسمى خبزاً مطلقاً بل يسمى خبزاً مقيداً وكذا لو أكل القطايف لا يحنث لا يسمى خبزاً يسمى بل قطايفاً ويقال لا يسمى خبزاً مطلقاً بل يسمى خبزاً مقيداً، يقال خبز الحورينج كما يقال بالفارسية باى رد الودانا.
حلف لا يأكل هذا الخبز فخفقه ودقه ثم شربه بالماء لم يحنث، لأن هذا شرب

(4/281)


وليس بأكل ولو أكله مبلولاً حنث لأنه وُجد الأكل حقيقة.
ولو حلف لا يأكل لحماً ولا نية له فأكل لحم سمك لا يحنث في يمينه، هكذا ذكر في «الأصل» وفي «الجامع الصغير» ، والأصل في خبز هذه المسائل أن مطلق الاسم ينصرف إلى الكامل من المسمى الاسم صورة ومعنى ولا ينصرف إلى الناقص منه معنى إلا بالدليل وإنما كان كذلك لأن الكامل من المسمى معنى مع الناقص من المسمى معنى بدل من له المجاز مع الحقيقة؛ لأن حد المجاز أن يوجد فيه بعض معاني الحقيقة.

قلنا: ومطلق الاسم ينصرف إلى الحقيقة ولا ينصرف إلى المجاز إلا بدليل، إذا ثبت هذا فنقول بأن لحم السمك ناقص في معنى اللحمية، ألا ترى أنه لا يستعمل استعمال اللحم وألا ترى أنه لا يجنى منه المرق كما يُجنى من سائر اللحوم، وهذا لأن اللحم يتولد من الدم والسمك يتولد من الماء والدم في إتيان القوة فوق الماء. فكذا المتولد منه فكان ناقصاً في معنى اللحمية وهو التقوي والتعذي، ولو أكل لحم خنزير أو لحم.... يحنث في يمينه، لأنه لحم حقيقة لأنه ينشأ من الدم لا أنه حرم أكله ولكن الحل والحرمة من أحكام الشرع والاسم حقيقة لا يتغير بأحكام الشرع وكذلك لو أكل لحم البقر أو لحم الغنم أو لحم الإبل يحنث في يمينه. لأن جميع ذلك لحم حقيقة.

والحاصل: أن اسم اللحم اسم جنس فيتناول اللحوم كلها وإذا كانت اللحوم أجناساً مختلفة.
وفي «القدوري» : إذا حلف لا يأكل لحماً فهذا على الحيوان الذي يعيش في البر محرمة كانت أو غير محرمة، وهو إشارة إلى ما قلنا أنّ الحل والحرمة أحكام الشرع فلا يتغير به الاسم حقيقة. ألا ترى أن من حلف لا يشرب شراباً ولا نية له فشرب الخمر إنه يحنث في يمينه، لأنه شراب حقيقة وإن كان حراماً كذا ههنا.
قال في «القدوري» : وأما لحم ما يعيش في الماء كالسمك وغيره فإنه لا يحنث بأكله ثم ينوي إن أكل هذه اللحوم مطبوخاً أو مشوياً أو قديداً ولو أكل.... لم يذكر هذا الفصل في شيء من الكتب نصاً. قال شيخ الإسلام: في «شرح الأيمان» الأصل ينبغي أن لا يحنث في يمينه. قال وأشار إليه محمد رحمه الله في «الأصل» فقد ذكر في «الأصل» ، إذا حلف لا يأكل لحماً ولا نية له فأي لحم أكل بقر أو لحم غنم أو لحم طير مشوّياً كان أو طبيخاً أو قديداً يحنث في يمينه، فهذا من محمد رحمه الله إشارة إلى أنه لا يحنث بأكل النيء.

وذكر في «فتاوى أبي الليث» رحمه الله عن أبي بكر الإسكاف: أنه لا يحنث في يمينه. وقال الفقيه أبو الليث: عندي إنه يحنث والأشهر والأظهر أنه لا يحنث لأنه عقد يمينه على ما لا يؤكل كذلك عادة فينصرف يمينه إلى الأكل المعتاد، والأكل المعتاد لحم الأكل بعد الطبخ ولو أكل ما يكون في الجوف من الكرش والكبد والطحال يحنث في

(4/282)


يمينه. وهذا بناء على عرف أهل الكوفة فإن هذه الأشياء في عرفهم كانت تباع مع اللحم وتستعمل استعمال اللحم فأما في عرفنا لا يحنث في يمينه، لأن هذه الأشياء لا تسمى لحماً ولا تباع مع اللحم ولا تستعمل استعمال اللحم ولو أكل شحم البطن لا يحنث، لأنه لا يسمى لحماً فلا يستعمل استعمال اللحم وكذلك إذا أكل الألية لا يحنث، فهذه العلة.
ولو أكل شحم الظهر يحنث في يمينه، لأنه يسمى لحماً يقال لحم سمين ويستعمل استعمال اللحم ويباع مع اللحم ولا كذلك شحم البطن والآلية. ولو أكل رؤوس الحيوان يحنث في يمينه، لأن ما على رؤوس الحيوان لحم حقيقة ولو حلف لا يأكل لحم شاة فأكل لحم عنز يحنث في يمينه. هكذا ذكر في «الجامع» ، وعن بعض مشايخ بلخ إذا كان الحالف مصرياً لا يحنث لأنهم يفرقون بينهما وإن كان قروياً يحنث لأنهم لا يفرقون بينهما.
وذكر الفقيه أبو الليث رحمه الله في «فتاويه» : أنه لا يحنث سواء كان الحالف قروياً أو مصرياً، قال الصدر الشهيد رحمه الله: وعليه الفتوى لأنهم يفرقون بينهما عادة.
a
ولو حلف لا يأكل شحمة فأكل شحم البطن حنث في يمينه بلا خلاف، ولو أكل شحم الظهر وهو الذي يخالطه لحم على قول أبي حنيفة رحمه الله لا يحنث في يمينه، وعلى قولهما يحنث والصحيح مذهب أبي حنيفة رحمه الله لأن شحم الظهر ليس بشحم بل هو لحم، ألا ترى أن من حلف لا يأكل لحماً فأكل شحم الظهر يحنث في يمينه، وإذا كان لحماً لا يكون شحماً لأنهما اسمان مختلفان لا يتناولان مسمى واحداً ولو عزل شحم الظهر وأكله لا رواية في (380ب1) هذا عن أبي حنيفة رحمه الله. ولقائل أن يقول لا يحنث عنده.
ولو حلف لا يأكل طعاماً مَلِحَاً أو خلاً أو...... أو زيتاً يحنث في يمينه. هكذا رواه ابن رستم عن محمد رحمهما الله وقال: كل شيء يؤكل فهو طعام فقد جعل محمد رحمه الله الخل طعاماً، وقال أبو يوسف رحمه الله: الخل ليس بطعام وكذلك النبيذ ليس بطعام.
قال القدوري في «كتابه» : وحقيقة الطعام ما يستطعم ولكن يختص في العرف ببعض الأشياء فإن السقمونيا وما أشبه ذلك لا تسمى طعاماً.
وفي «فتاوى أبي الليث» إذا حلف لا يأكل طعاماً وأكل دواء من الدواء الذي يكون..... ولا يكون.... ولا يصير غذاءً لا يحنث وإن كان له حلاوة ويصير غذاءً يحنث.
قال محمد رحمه الله في «الجامع» : إذا حلف الرجل لا يأكل لحم دجاج فأكل لحم الديك يحنث في يمينه.

(4/283)


الأصل في جنس هذه المسائل أن اليمين إذا أضيف إلى اسم جنس يدخل تحت اليمين الذكر والأنثى من ذلك الجنس، ومتى أضيف إلى ذكر على الخصوص لا يدخل تحت اليمين الأنثى، ولذلك إذا أضيف إلى اسم أنثى على الخصوص لا يدخل تحت اليمين الذكر، وكون الاسم خاصاً للأنثى لا تعرف بعلامة الهاء لا محالة لأن ذلك مشترك، قد تكون الهاء للتأنيث وقد تكون الهاء للإفراد وإنما يعتبر فيه الوضع وإنه ينتفي من قبل النقل ومحمد رحمه الله إمام مقلّد مقبول القول في اللغات إذا ثبت هذا جئنا إلى تخريج المسألة فنقول: الدجاج اسم جنس فيدخل تحت اليمين الذكر والأنثى ولو حلف لا يأكل لحم دجاجة فأكل لحم ديك لا يحنث، لأن الدجاجة مع الهاء للأنثى خاصة وكذلك إذا حلف لا يأكل لحم ديك فأكل لحم دجاجة لا يحنث، لأن اسم الديك اسم الذكر خاصة.
قال: وإذا حلف لا يأكل لحم جَمَلٍ أو حلف لا يأكل لحم بعير أو حلف لا يأكل لحم إبل أو حلف لا يأكل لحم جزور دخل تحت اليمين الذكر والأنثى لأن هذه الأشياء من أسماء الأجناس، وكذلك يدخل تحت اليمين البختي وهو ما تكون أمه عربياً وأبوه غير العربي، ويدخل تحت اليمين أيضاً العربي لما ذكرنا أن هذه الأشياء في أسماء الأجناس فيدخل تحتها الأنواع كلها. ولو حلف لا يأكل لحم بختي فأكل لحم عربي أو حلف لا يأكل لحم عربي فأكل لحم بختي لا يحنث في يمينه، ولأن كل واحد من هذين الاسمين اسم خاص لصنف خاص فلا يدخل تحته الصنف الأخرى.

ولو حلف لا يأكل لحم ناقة فأكل لحم الذكر من العراب أو البخت لا يحنث، لأن الناقة اسم خاص للأنثى والهاء فيها للتأنيث فلا يتناول الذكر.

ولو حلف لا يأكل لحم بقر فأكل لحم الأثنى منه أو أكل لحم الذكر يحنث في يمينه، لأن البقر اسم جنس وكذلك إذا حلف لا يأكل لحم بقرة فأكل لحم بقر يحنث في يمينه، لأن البقرة اسم جنس والهاء فيها للأفراد الدليل عليه أن البقرة المذكورة في قصة موسى صلوات وسلامه عليه كان ذكراً ألا ترى أن الله تعالى قال في شأنها {لا ذلول تثير الأرض} (البقرة: 71) والثور هو الذي يوصف به.
ولو حلف لا يأكل لحم ثور فأكل لحم جاموس لا يحنث في يمينه، هكذا ذكر محمد رحمه الله في «الجامع» ، وفي «الحاوي» : أنه يحنث بخلاف ما لو حلف لا يأكل لحم جاموس فأكل لحم البقر لا يحنث، لأن البقر اسم جنس والجاموس اسم نوع والصحيح ما ذكر في «الجامع» ؛ لأن الجاموس، وإن كان نوع ثور إلا أنه لا يكون يؤكل عادة، وهو إنما ذكر البقر مقروناً بالأكل فيتناول نوعاً يؤكل عادة. ألا ترى أن من حلف لا يشتري رأساً فاشترى رأس طير لا يحنث، وإن كان رأساً حقيقة لأن لا يُشترى عادة، وهو إنما ذكر الرأس مقروناً بالشراء فيتناول رأساً يشترى عادة. كذا في مسألتنا والشاة اسم جنس فيدخل تحتها الذكر والأنثى، والكبش اسم خاص للذكر فلا يدخل تحته الأنثى، والنعجة اسم خاص للأنثى فلا يدخل تحته الذكر والله أعلم.

(4/284)


ولو حلف لا يأكل من هذا الحم شيئاً فأكل من هو فيه لا يحنث، إذا لم يكن له نيّة المرقة لأنه لم يأكل شيئاً من اللحم.
وإذا حلف الرجل لا يأكل فاكهة، ولا نيّة له أجمعوا على أنه إذا أكل تيناً ومشمشاً أو خوخاً أو سفرجلاً أو إجاصاً أو كمثرى أو تفاحاً يحنث في يمينه، وأجمعوا على أنه ما أكل خياراً أو قثاء أو جزراً إنه لا يحنث في يمينه.... وأما إذا أكل عنباً أو.... أو رطباً فعلى قول أبي حنيفة رحمه الله لا يخنث في يمينه وعلى قولهما يحنث.

وفي «القدوري» : ثمرة الشجر كلها فاكهة إلا الرمّان والعنب والرطب في قول أبي حنيفة رحمه الله. وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله، كل ذلك فاكهة فمن المشايخ رحمهما الله من قال رحمه الله، هذا اختلاف عصر وزمان كان الناس في زمن أبي حنيفة رحمه الله لا يتفكهون بهذه الأشياء ويعدون بهذه الأشياء من الفواكه فأفتى كل واحد منهم على حسب ما شاهد في زمانهم، ومنهم من قال: هذا اختلاف حجة فوجد قولهما أن الفاكهة اسم لما يتفكه به أي يؤكل على سبيل التلهي وذهاب الملالة وهذه الأشياء بهذه المثابة فكانت فاكهة والدليل عليه إذا نوى هذه الأشياء صحت نيته بلا خلاف، وتدخل هذه الأشياء تحت اليمين، ولولا أنها فاكهة وإلا لما دخلت تحت اليمين. ولأبي حنيفة رحمه الله أن الفاكهة اسم لما يؤكل على سبيل التهلي والذهاب للملالة وهذه الأشياء كما في كل على سبيل التلهي تؤكل لغرض آخر فالعنب والرطب يؤكلان للشبع وقد يكتي فيها في بعض الأماكن، وفي بعض الأزمنة والرمان تؤكل للتداوي فكان هذه الأشياء ناقصاً في معنى التفكه بها فلا تدخل تحت مطلق اسم الفاكهة، والدليل عليه أنه إذا أكل الناس من هذه الأشياء لا يحنث، لأنه ناقص في معنى التفكة فلا تدخل تحت مطلق الاسم كذا ههنا.

وإذا أكل خياراً أو جزراً أو قثاءً إنما لا يحنث (381أ1) في يمينه، لأن هذه الأشياء ليست بفاكهة إنها هي من البقول والتوابل بعضها يوضع على المائدة مع البقول وبعضها يجعل في القدر مع التوابل.
قال محمد رحمه الله، في «الأصل» : والتوت فاكهة، وهكذا ذكر الكرخي رحمه الله في «كتابه» لأنه يسمى فاكهة في العرف ويؤكل على سبيل التلهي وذهاب الملالة لا لغرض آخر، وعن أبي يوسف رحمه الله أن اللوز والعناب فاكهة وكل ذلك مستفاداً من قول القدوري رحمه الله ثمر الشجرة كلها فاكهة إلا الرمان والعنب والرطب، فإنما استثنى الأشياء الثلاثة لا غير على قول أبي حنيفة رحمه الله وعن محمد رحمه الله أن الجوز اليابس ليس بفاكهة، وهو لطر العنب والرمان والرطب، وإن رطب هذه الأشياء فاكهة واليابس منهما ليس بفاكهة، والبطيخ من الفواكه. هكذا ذكر القدوري ورواه الحاكم الشهيد رحمه الله في «المنتقى» عن أبي يوسف رحمه الله. وذكر شمس الأئمة السرخي

(4/285)


رحمه الله في شرحه أن البطيخ ليس من الفواكه، فإنه ذكر أن ما لا يكون من فاكهة.... ورطبه لا يكون فاكهة كالبطيخ، وهذا القياس غير مستقيم فإن الرطب من العنب والرمان فاكهة عند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله، واليابس منهما ليس بفاكهة. والرطب من الجوز فاكهة بلا خلاف، واليابس منه ليس بفاكهة..... فاكهة أيضاً. قيل: كل ما يكون نضيجة فاكهة منه إنما يكون فاكهة.

وفي «المنتقى» : وقال أبي حنيفة رحمه الله: ليس الباقلى ولا السمسم من الثمار، والحاصل أن العبرة، في جميع ذلك العرف والعادة، فما يؤكل على سبيل التفكه عادة ويعد فاكهة في العرف يدخل تحت اليمين، وما لا فلا. وعن محمد رحمه الله إذا حلف لا يأكل من فاكهة العام أو ثمار العام فإن كان في أيام الفاكهة الرطبة فهذا على الرطب وإن أكل اليابس لم يحنث، وإن كان في غير وقتها، فهذا على اليابس وهذا استحسان المتعارف وهذا لما ذكرنا أن اليمين ينصرف إلى المتعارف والمعتاد والمعتاد التفكه. فالرطب في أيام الرطب والتفكه باليابس في أيام اليابس فمطلق اليمين ينصرف إليه. ولو حلف لا يأكل بقلاً.... من أكل فما سمي بقلاً يحنث، وإن أكل بصلاً لم يحنث. هكذا ذكر القدوري وذكر فصل البصل في «المنتقى» . وقال: لا يحنث إلا أن يكون بقلاً عندهم أشار إلى أن العبرة في ذلك للعرف.
ولو حلف بالفارسية لرهاع خورد محه خورد أو على العكس فقد قيل يحنث وقد قيل لا يحنث، وقد قيل: إن قال كرم لى خورد محه خورد يحنث وإن قال: كرمحه في خورد ولو خورد لا يحنث، لأن كرمحه كرم مقيد والمقيد يدخل تحت اسم المطلق وأما المطلق، لا يدخل تحت اسم المقيد وإذا حلف لانا ندم ولا نية له لإدام يأتي في فصل الاستثناء إن شاء الله تعالى.

واختلف المشايخ في البقل فقيل: إنه ليس بإدام بلا خلاف، وقيل: إنه إدام عند محمد رحمه الله واحدى الروايتين عن أبي يوسف رحمه الله، والأول أصح فقد ذكر هشام في «نوادره» عن محمد رحمه الله أن البقل ليس بإدام. قال محمد رحمه الله: الخبر إنما أبرم الذي يتردد في المرق وغيره حتى يصير مائعاً له، وأن يرد في الماء فليس بادوم.

وإذا حلف لا يأكل ثمراً فأي نوع من الثمر أكله حنث لأنه الثمر اسم جنس يتناول الأنواع كلها ولو أكل حيساً يحنث لأن الحيس اسم لثمر يلقي في اللبن حتى ينفسخ فيؤكل، وإنما حنث بأكلهُ لأنه هو الثمر بعينه، ولم يقلد عليه غيره ولذلك إذا أكل عصيرة الحرب من التمر يحنث، وكان ينبغي أن لا يحنث بأكل العصيرة لأن اسم الثمر مدرا.... منه فبطل اليمين، ألا ترى أنه لو حلف لا يأكل هذا الرطب فأكله بعدما صار تمراً لا يحنث في يمينه، وإنما لا يحنث لما قلنا والجواب الاسم الأول لم يراه إنما حدث اسم أخر مع بقاء اسم الأول ألا ترى يقال عصيره وما بخلاف بها إذا حلف لا

(4/286)


يأكل هذا الرطب فأكله بعدما صار تمراً، لأن هناك الاسم الأول دال من كل وجه، ألا ترى أنه لا يقال: رطب تمر والاسم إذا زال يزول اليمين.
وفي «المنتقى» رواية هشام عن محمد رحمه الله فيما إذا حلف لا يأكل هذا الثمر فأكله بعدما جعله عصيرة أنه لا يحنث في يمينه، وإذا حلف لا يأكل شواءً فإن كان ينوي كل شواء فهو ما نوى ويحنث بأكل شواء كل مشوي لأنه نوى حقيقة كلامه، وإن لم يكن له نية ينصرف يمينه إلى اللحم المشوي ولا يدخل فيه السمك المشوي لأن الشواء في العرف إذا أطلق يراد به اللحم المشوي ولا يراد به كل مشوي فينصرف بمطلق اليمين إليه. وإذا حلف..... فقد ذكرنا تفسير الطائحة في كتاب الطلاق، ولم يذكر تفسير الجابرة والجابرة هي التي ينصرف الخبز في النقور دون التي يعجنه ويهيهُ.

وإذا حلف لا يأكل طبيخاً وهو ينوي كل مطبوخ فهو كما نوى، وإن لم يكن له نية فهو على اللحم خاصة. هكذا ذكر في «الأصل» ، وذكر في «القدوري» : أنه هذا الاسم ينطلق على اللحم الذي يجعل في الماء ويطبخ ليسهل أكله ولا ينطلق على غيره إلا إذا نوى ولو أكل طينة يابسة ولو.... الألوان لا مرق فيه فليس بطبخ، ولو طبخ اللحم في الماء وأكل من المرقه يحنث في يمينه، لأن أجزاء اللحم قائمة في مرقه. ولو طبخ أرزاً أو عدساً بودك فهو طبيخ وإن كان بسمن أو زيت فليس بطبخ. وقال ابن سماعة رحمه الله: الطبخ على الشحم أيضاً.

ولو حلف لا يأكل من طبخ فلان فيستحب له قدر طبخها غيرها لم يحنث، وإذا حلف بالفارسية الراودبك محبه نخورم فكذا ماسكان جوشيده خودر هكذا لا يحنث لأنه في العرف لا يسمى هذا ديث بحه ولو قال اكراردتك مرده نونخورم فكذا فيستحب قداراً اطبخها غيرها لا يحنث لأن قوله كرده يفرادبه عرفاً تحته.
وإذا حلف لا يأكل شيئاً من الحلوى فأي شيء من الحلوى أكله من عسل أو سكر أو خبيص أو ناطف يحنث في يمينه، واعلم بأن الحلوى عندهم كل حلو ليس في جنسه حامض كالخبيص والعسل والسكر والفانيد والناطف. وأما (381ب1) العنب والرمان والإجاص فليس بحلوى وهذا لأن الحلو مشتق من الحلاوة، وكل ما يوجد في جنسه غير حلو لا يخلص معنى الحلو فيه.
قال محمد رحمه الله: لو اشترى بدرهم غصبه طعاماً وأكله لم يحنث. و «في واقعات الناطفي» ولو أكل خبزاً أو لحماً غصبه يحنث ولو باع الخبز المغصوب بشيء وأكل ذلك الشيء لا يحنث، لأن الأول حرام مطلقاً، والثاني لا لأنه ملكه ولو غصب برّاً أو طحينه إن أعطى مثله قبل أن يأكله لم يحنث بأكله، وإن أكله قبل أن يعطي مثله يحنث لأنه وإنّ ملكه بكسب خبيث والخبيث باقي من كل وجه قبل أداء البدل وإذا أدى البدل يزول الخبث أو بعد. وهذه المسائل بتمامها تأتي في كتاب الغصب إن شاء الله تعالى.

(4/287)


قال القدوري رحمه الله، في «كتابه» : والحرام ما كان محرماً لعينه لا لحق الآدمي وفي أيمان «الجامع الأصغر» قال الفقيه أبو الليث رحمه الله: كل شيء في أكله اختلاف لا يحنث بأكله.
قال صاحب «الجامع الأصغر» : ما أحسن ما قاله أبو الليث رحمه الله لأن ما في أكله اختلاف فليس بحرام مطلق فلا يحنث له لا بالنية لأن الحالف ذكر في يمينه الحرام مطلقاً ولو حلف بأكل هذا العنب أو هذه الرمانة وجعل يمصه ويرمي بتفله ويبتلع ماءه ويبتلع لم يحنث، لأن هذا لا يسمى أكلاً وإنما سمّى مصّاً. ولو عصر ماء العنب أو ماء الرمان ولم يشربه وأكل..... وحصرمه حنث في يمينه، لأن العنب نفسه مأكول والرمان كذلك لو مضغه وابتلعه كذلك يصير أكلاً، وإنما يصير أكلاً ثانياً العنبة والحصرم لا باتباع الماء. ذكر القدوري رحمه الله المسألة على هذا الوجه في شرحه، وإنه مشكل لأن العنب اسم للكل فإذا أكل العنبة والحصرم دون الماء إنما أكل بعض ما عقد عليه اليمين فينبغي أن لا يحنث، ألا ترى أنه لو حلف أن لا يأكل هذا العنب فأكل بعدما صار زبيباً، أو حلف لا يأكل هذا الرطب فأكل بعدما صار تمراً لا يحنث في يمينه، وإنما لا يحنثُ لما قلنا.
وفي «العيون» ذكر هذه المسألة بصورة أخرى، فقال: إذا حلف لا يأكل هذا العنب فلاكَهُ ورمى قشره وحبّه وابتلع ماؤه لم يحنث، ولو رمى بقشره وابتلع ماءه وحبه حنث، وعلل الصدر الشهيد رحمه الله في «واقعاته» فقال: لأن العنب اسم لهذه الأشياء الثلاثة ففي الوجه الأوّل أكل الأقل فلا يكون أكلاً للعنب، وفي الوجه الثاني أكل الأكثر وللأكثر حكم الكل. وعن محمد رحمه الله فيمن حلف لا يأكل رمّانة فمصّ رمّانة لم يحنث، وكذلك إذا حلف لا يأكل سكّراً ففعل في فيه حتى ذاب وابتلع ماؤه لم يحنث، لأن هذا ليس بأكل فقد أوصل إلى جوفه ماءً لا يتأتى فيه المضغ وإذا حلف لا يأكل هذه الرمانة فأكلها إلا حبة أو حبتين حنث استحساناً، لأن ما أكل الرمانة هكذا يكون لأنه لا يمكن أكلها على وجه لا تسقط بشيء منها، ولأن العادة فيما بين الناس إن عند أكل الرمان من كون الحبة والحبتين وإن ترك أكثر من ذلك مما لم يجر العرف أن يتركه الأكل لم يحنث. وهكذا لو حلف لا يأكل هذا السويق فأكله إلا حبة أو حبتين تركهما يحنث في يمينه لما ذكرنا في الرمانة.
ولو حلف لا يأكل لحم هذا الجزور فهذا على بعضه لو أكل بعضه يحنث في يمينه بخلاف ما إذا حلف لا يبيع لحم هذا الجزور فباع بعضه حيث، لا يحنث لأن الأكل لا يتأتى على الكل بدفعة واحدة فينعقد اليمين على بعضه، فأما البيع يتأتى على الكل بدفعة واحدة فينعقد اليمين على كله.

وإذا حلف لا يأكل هذا الطعام فإن كان يقدر على أكله بدفعة واحدة لم يحنث بأكله

(4/288)


بعضه، وكذلك إذا عقد يمينه على شرب مشروب بعينه وهو يقدر على شربه بدفعة واحدة لم يحنث بشرب بعضه، وإن كان لا يقدر على شربه بدفعة واحدة فيمينه على شرب بعضه لأن المقصود من اليمين في الصورة الأولى الامتناع عن جميعه، والمقصود منها في الصورة الثانية الامتناع عن أصله، لا عن جميعه لأن ما يمتنع فعله في العادة والغالب لا يقصد في اليمين. وفي «المنتقى» : إذا قال: ليأكلن هذا التمر اليوم فأكل بعضه، وإن كان التمر لا يستطاع أكل كله في يوم بر بأكل بعضه وما لا فلا، فلو حلف لا يأكل هذه البيضة لا يحنث بأكل بعضها، لأنه لو أكل كلها بدفعة واحدة فينعقد اليمين على الكل وكذلك، لو حلف لا يأكل هاتين البيضتين لم يحنث حتى يأكلهما جميعاً.
وفي «المنتقى» : لو حلف لا يأكل من هذه الخابية من الزيت فأكل بعضه يحنث لأنه لا يؤكل كلة بدفعة واحدة فينعقد اليمين على البعض ولو كان مكان الأكل يباع فباع بعض الخابية لا يحنث، لأنه تباع كلها فلا ينعقد اليمين على البعض. وفي «المنتقى» أيضاً: إذا حلف لا يشرب لبن هذه الشاة فشرب شيئاً منه يحنث في يمينه. ولو قال: لا آكل من لبن هاتين الشاتين، أو من ثمر هاتين النخلتين، أو من هذين الرغيفين فأكل من أحدهما يحنث. وكذلك لو حلف لا يأكل من لبن هذا الغنم فأكل من لبن شاة واحدة وكذلك لو حلف لا يشرب من ماء هذه الأنهار فشرب من ماء نهر واحد يحنث، لأن من للتبعيض فكانت اليمين متناولة بعض المذكور وقد وجد.

ولو قال: لا أشرب لبن هاتين الشاتين لم يحنث حتى يشرب من لبن كل شاة، لأن عقد اليمين عليهما فلا يحنث بشرب أحدهما، ولو كان اللبن.... بالحلف لا يشربه فهذا على بعضه إذا كان لا يقدر على شربه بدفعة واحدة وقد مرّ هذا.

ولو قال: لا يشتري من هذين الرجلين لم يحنث حتى يشتري منهما ولا يشبه قوله لا أكل من هذين الرغيفين لأن في مسألة الأكل أمكن باعتبار حقيقة كلمة من في التبعيض، وفي مسألة الشراء لا يمكن لأن البائع لا يتبعّض فكان كلمة من في وصل الشراء أصله من الكلام.
وإذا حلف لا يأكل هذا الرغيف فأكل الكل للأشياء قليلاً يحنث في يمينه. وإن نوى أكل الكل دُيِّن فيما بينه وبين الله تعالى، وهل يصدق قضاء فيه روايتان.
ولو قال إن أكلت هذا الرغيف فامرأته طالق، ثم قال: إن لم آكله فعبده حر فالحيلة في ذلك حتى لا يعتق عبده ولا تطلق امرأته أن يأكل النصف ويترك النصف.
وإذا حلف لا يأكل سمناً وأكل سويقاً ملتوتاً بالسمن فإن كان يُرى فيه لون السمن ويوجد طمعه يحنث، وكذلك كل شيء (382أ1) أكله وفيه سمن وإن كان لا يوجد طمعه ولا يُرى لونه لا يحنث، وكذلك إذا كان يوجد طعمه ولا يُرى لونه لا يحنث. وصار الأصل متى أكل المحلوف عليه بعدما خلطه بخلاف جنسه ينظر إن صار المحلوف

(4/289)


عليه هالكاً من كل وجه أو من وجه لا يحنث في يمينه، وإن لم يصير هالكاً أصلاً وكان قائماً من كل وجه يحنث، إلا أنه أثبت القيام في السمن.... دون اللون وأثبت الهلاك بزوال دون اللون. وإذا حلف على حنطهٍ لا يأكلها فأكلها مع غيرها من الحبّات، أو حلف على شعير لا يأكله فأكله مع غيره من الحبات إن أكل.... فإن كانت الغلبة للمحلوف عليه يحنث، وإن كانت الغلبة لغير المحلوف عليه يحنث، وإن كان سواء القياس أن يحنث وفي الاستحسان لا يحنث، وإن أكل حبة حنث على كلِّ حال وذكر مسألة السمن.
وفي «النوادر» ويشترط للحنث شرطان ... على ما ذكرنا فقال: إن كان يرى لون السمن ويوجد طعمه وكان لو عصر سال السمن يحنث في يمينه.

وفي «المنتقى» رواية هشام عن محمد رحمه الله: إذا حلف لا يأكل هذا السمن فجعله خبيصاً إلا أنه يرى فيه لون السمن ويوجد طعمه إنه يحنث في يمينه، فإذا حلف لا يأكل ملحاً وأكل طعاماً فيه ملح إن لم يكن بالحساء، ويقال بالفارسية سور لا يحنث في يمينه، وإن كان مالحاً يحنث في يمينه. وصار كما لو حلف لا يأكل فلفلاً وأكل طعاماً فيه فلفل إن كان يوجد فيه طعم الفلفل يحنث في يمينه، وإن كان لا يوجد لا يحنث هكذا ذكر المسألة في «العيون» ، وكان الفقيه أبو الليث رحمه الله يقول: في الملح لا يحنث في يمينه ما لم يأكل عينه مع الخبز أو مع شيء أخر إلا إذا كان وقّت اليمين دلالة على ذلك، لأن غير الملح مأكول وغير الفلفل لا، وكان الصدر الشهيد رحمه الله يختار هذا القول.

وإذا حلف على لبن لا يأكله فطبخ اللبن مع الأرز وأكله لا يحنث، وإن لم يجعل فيه الماء ويرى عين اللبن، وهو نظير ما لو حلف على خل لا يأكله فاتخذ منه.... لا يحنث في يمينه، وعلى قياس ما إذا حلف على تمر لا يأكله فاتخذ منه عصيره وأكلها يحنث في يمينه ينبغي أن يحنث في يمينه، في مسألة اللبن إذا طبخ مع الأرز لأن اسم اللبن بهذا الصنع لم يزل، إنما حدث له اسم آخر مع بقاء الاسم الأول ألا ترى أنه يقال بالفارسية سته كرمح وخرج على هذا مسألة الخل لأن هناك اسم الخل يزول.
f

.... أما ههنا بخلافه. وإذا حلف بالفارسية عفران نخودر بان كاك كي يردوى أي عفران است كنجد خوده يحنث في يمينه لأن عين المحلوف عليه قائم فإنه يرى ويوجد طعمه، حلف بالفارسية كل ى خورم كل فحى خوده كندا نكردى حلف لا يأكل هذا الرغيف فأكل بعضه لا يحنث إذا كان بحال يؤكل الكل في مجلس واحد، ولو قال هذا الرغيف حرام عليّ وأكل لقمة منه يحنث، حلف لا يأكل دهناً فأكل دهن الكراع يحنث في يمينه، ولو قال: كلّما أكلت لحماً فعبد من عبيدي حر فأكل لزمه بكل لقمة عتق عبد، وإذا قال: إن أكلت من بُرَ لهذه.... فعبدي حر فأكل من مجمعها ويقال: بالفارسية دوغ زده يحنث لأنه من.... ولو اتخذ منه مرقة ويقال بالفارسية دوغ ما لا يحنث والأول مشكل وبليغ أن

(4/290)


لا يحنث لأنه لم يخرج من..... كذلك.
وعن أبي يوسف رحمه الله فيمن حلف لا يأكل هذه الدراهم فاشترى بها طعاماً وأكله حنث لأن الدراهم لا تؤكل عينها فينصرف يمينه إلى ما يشتري منه، ولو أبدلها بغيرها واشترى بالبدل طعاماً وأكله لا يحنث، وعلى هذا إذا حلف لا يأكل من ثمر هذا العبد.
وروى هشام عن محمد رحمه الله في رجل له دراهم، فحلف أن لا يأكلها فاشترى بها دنانيراً وفلوساً ثم اشترى بالدنانير والفلوس فاكهة وأكل حنث، ولو اشترى بالدراهم غرضاً واشترى بذلك الغرض طعاماً وأكل لا يحنث في يمينه، كذلك لو اشترى بالدراهم شعيراً ثم اشترى بذلك الشعير طعاماً وأكله لا يحنث في يمينه.
وفي «المنتقى» : إذا حلف على ما يؤكل أن لا يأكله ثم اشترى ما يؤكل وأكله لم يحنث في يمينه، بخلاف ما لو حلف على ما لا يؤكل لا يأكله فاشترى به ما يؤكل وأكله حنث في يمينه.

إذا حلف لا يأكل من ميراث أبيه شيئاً فاشترى بما ورث طعاماً وأكله حنث، ولو اشترى بالميراث شيئاً واشترى بذلك الشيء طعاماً وأكله لم يحنث، وعن أبي يوسف رحمه الله إذا لم.... الميراث. لو قال: لا آكل ميراثاً يكون لفلان...... وأكله يحنث؛ لأنه في العادة يقال لما في أيدي الإنسان إنه ميراثاً وإن غيرّه.

روى ابن سماعة هذه الرواية مفسرة فقال: إذا حلف والله لا آكل من ميراثك شيئاً فورَّثه دراهم فاشترى بالدراهم طعاماً وأكله يحنث، وكذلك لو اشترى بالدراهم متاعاً فباع المتاع بالدراهم واشترى بالدراهم متاعاً وأكله حنث، وفي رواية أخرى عنه في هذه الصورة أنه لا يحنث.
عن أبي يوسف رحمه الله أيضاً فيمن حلف لا يطعم فلاناً بما ورث من أبيه فورث دراهم واشترى بها طعاماً فأطعمه يحنث، فإن ورث طعاماً فأطعمه حنث وإن اشترى به طعاماً فأطعمه لا يحنث، لأنه أمكن اعتبار الحقيقة فيه وهذا الذي اشترى ليس بمورث حقيقة.
ولو حلف لا يأكل من كسب فلان فأُعلم أن الكسب ما صار له بفعله فأخذ المباحات أو في القعود وأما الميراث فلا يكون كسباً لأن الملك في الميراث يثبت حكماً من غير منع فلا يضاف إلى كسبه.
وإذا حلف لا يأكل من كسب فلان فورث المحلوف عليه شيئاً وأكله الحالف لا يحنث، ولو اشترى شيئاً أو وهب...... وتصدق عليه بشيء وقبل وأكله الحالف حنث في يمينه، ولو حلف لا يأكل من كسب فلان فاشترى الحالف شيئاً من (382ب1) المحلوف عليه بما اكتسبه المحلوف عليه أو وهب المحلوف عليه ذلك من الحالف وأكل

(4/291)


لا يحنث في يمينه؛ لأن شرط الحنث أكل مكسوب فلان، وهذا أكل مكسوب نفسه فلا يحنث. رواه إبراهيم عن محمد رحمه الله.

وقال هشام: سمعت محمداً رحمه الله يقول فيمن خلف لا يأكل من كسب فلان فوهب المحلوف عليه شيئاً من كسبه من الحالف أو تصدق عليه وأكل حنث في يمينه، ولو حلف من كسب فلان فاكتسب المحلوف عليه مالاً، ومات وورثه رجل وأكله الحالف يحنث في يمينه، لأن الثابت للوارث غير ما كان ثابتاً للمورث وكذلك لو ورثه الحالف وأكل يحنث في يمينه، بخلاف ما لو ينقل إلى غيره بغير الميراث بشراء أو وصية حيث لا يحنث لأنه صار كسباً للثاني، لأن المشتري والموصى له لا يملك على حكم ملك الأول، وقد مرّ شيء من هذا الجنس في كتاب الطلاق.
وإذا حلف لا يأكل من ملك فلان، أو مما يملك فلان يخرج شيء من ملكه إلى ملك غيره وأكله الحالف لا يحنث، لأن شرط الحنث أكل ما هو مضاف إلى فلان بالملك وقت ولو يوجد.
وكذلك على هذا إذا حلف لا يأكل طعام فلان ولو حلف لا يأكل ميراث فلان فمات المحلوف عليه ثم مات وارثه وورثه غيره وأكله الحالف لم يحنث، لأن بالإرث الثاني ينفسخ حكم الإرث الأول فلا يصير أكلاً من ميراث المحلوف عليه.
وإذا حلف لا يأكل مما اشترى فلان فاشترى لنفسه أو لغيره وأكله الحالف يحنث، ولو أن المحلوف عليه باع ما اشترى لنفسه أو باع ما اشترى لغيره بأمر المشتري له ثم أكل الحالف لا يحنث، لأن الشراء الثاني نسخ الشراء الأول.

ولو حلف لا يأكل مما زرع فلان وباع فلان زرعه وأكله الحالف يحنث؛ لأن الزراعة لا ينسخها الشراء فإن بذر المشتري وزرعه الحالف، فأكل الحالف من ذلك الزرع يحنث؛ لأن الأول قد انعدم بالثاني.
وكذلك إذا حلف لا يأكل من طعام يصنعه فلان أو من خبز يخبزه فلان وصنعه وباعه وأكل الحالف منه يحنث في يمينه.
وكذلك إذا حلف لا يلبس ثوباً نسجه فلان فنسجه ثم باعه لم ينسخ نسجه بالبيع إلا إذا أُنقض وغُزل ثانياً.
وكذلك إذا حلف لا يلبس ثوباً مسّه فلان فلبس ثوباً قد مسّه فلان وباعه يحنث في يمينه.
ولو حلف لا يأكل من طعام فلان، وفلان باع الطعام فاشترى وأكل حنث. ولو قال: لا آكل طعامك هذا وأهداه له وأكله لم يحنث في قياس قول أبي حنيفة رحمه الله وأبي يوسف رحمه الله يحنث، وهذه المسألة فرع مسألة أخرى تأتي بعد هذا؛ وهو ما إذا حلف لا يدخل دار فلان هذه فباعها فلان فدخلها الحالف.
وإذا حلف لا يأكل من غلة أرض فلان فأكل من ثمن الغلة حنث لأن هذا في العرف يسمى أكل غلة أرضه، وإن نوى أكل نفس ما يخرج منها دين في القضاء وفيما بينه

(4/292)


وبين الله تعالى، لأنه نوى حقيقة كلامه، وإذا حلف الرجل لا يأكل لحماً اشتراه فلان فاشترى فلان سخلة فذبحها فأكل الحالف لم يحنث لأنه لم يأكل لحماً اشتراه فلان، وإذا حلف لا يأكل من طعام يشتريه فلان فأكل من طعام اشتراه فلان وآخر يحنث في يمينه. فرّق بين هذا وبين ما إذا حلف لا يدخل داراً اشتراه فلان وغيره فإنه لا يحنث، أو حلف لا يلبس ثوباً اشتراه فلان، فاقترض ثوباً اشتراه فلان وغيره لا يحنث في يمينه، والفرق أن اسم الطعام ينطلق على القليل والكثير فالقدر الذي اشتراه فلان يسمى طعاماً فقد أكل طعاماً اشتراه فلان، أما اسم الدار واسم الثوب لا يقع على البعض فإذا دخلها أو لبسه فما دخل داراً. أما (إذا) لبس ثوباً اشتراه فلان فلا يحنث في يمينه، وعلى هذا إذا حلف لا يأكل من طعام فلان فأكل من طعام مشترك بينه وبين غيره حنث في يمينه.
ولو حلف لا يأكل من خبز فلان فأكل من خبز بينه وبين آخر يحنث في يمينه، بخلاف ما إذا حلف لا يأكل من رغيف فلان فأكل من رغيف بينه وبين آخر لا يحنث في يمينه، لأن اسم الخبز ينطلق على القليل والكثير ولا كذلك اسم الرغيف.
ولو حلف لا يأكل من طعام فلان فأكل من طعام مشترك بين الحالف وبين فلان لا يحنث في يمينه، لأن ما أكل الحالف هو من حصته، ألا ترى أن يأخذ حصته هكذا ذكر في «المنتقى» .

وإذا حلف لا يزرع أرض فلان فزرع أرضاً بينه وبين غيره حنث لأن كل جزء من الأرض يسمى أرضاً، ولا كذلك الدار والثوب، فإن كل جزء من الدار لا يسمى داراً وكذلك كل جزء من الثوب لا يسمى ثوباً.
إذا حلف لا يأكل من هذه الشجرة فأخذ غصناً من أغصانها وركبها على شجرة أخرى فأدرك ذلك الغصن وأثمر وأكل من ذلك الثمرة رأيت هذه المسألة في «شرح السير الكبير» فيه اختلاف المشايخ، قال بعضهم: يحنث لأن هذا غصن الشجرة المحلوف عليها لو كان على تلك الشجرة وأثمر وأكل منه يحنث هكذا إذا ركبه على غيرها، وقال بعضهم: لا يحنث لأنه لمّا ركب على الشجرة الأخرى واتصل بها صار تبعاً للشجرة الأخرى، ألا ترى أنه يحيى بحياة أصل تلك الشجرة وييبس إذا يبس أصل تلك الشجرة.
ولو حلف لا يأكل من هذه الشجرة فوصل بها غصن شجرة أخرى بأن حلف على شجرة التفاح فوصل بها غصن شجرة الكمثرى، ينظر إن سمى الشجرة باسم ثمرها الإشارة في اليمين بأن قال: لا آكل من هذه لشجرة التفاح، أو قال بالفارسية: اذين درخت سيب نخورم لا يحنث في يمينه، وإن اقتصر على الإشارة (383أ1) وتسمية الشجرة ولم يسم الشجرة باسم ثمرها بأن قال: لا آكل من هذه الشجرة وباقي المسألة بحالها يحنث، هكذا سمعت من.... وهو يقول الرواية هكذا، وعلى قياس مسألة الأولى ينبغي أن يكون فيه اختلاف لأن تلك المسألة ذكرت مطلقة من غير فصل بينهما إذا

(4/293)


اتحد الثمر، واختلف على قياس هذه المسألة..... يكون تأويل تلك المسألة أن تكون الثمرة تتخذ.
إذا حلف لا يأكل من مال فلان.... وفارسيته سحريراخكن وحذى مريرير وحورند لا يحنث في يمينه، لأن في العرف يسمى آكلاً مال نفسه هكذا ذكر في «فتاوى أبي الليث» رحمه الله وفيه نظر.
وإذا حلف لا يأكل من مال أبيه وكان بين الابن وبين الحالف..... فأكل منه يحنث لأنه أكل من مال الابن وهذه المسألة تخالف مسألة الطعام التي تقدم ذكرها. وفيه أيضاً إذا قال لوالديه: إن أكلت من مالكما فأكل بعد موتهما لم يحنث من مالهما، ولو قال: إن أكلت من مالكما بعد موتكما وباقي المسألة بحالها يحنث في يمينه، لأنه لمّا نصّ على ما بعد موتهما علمنا أنه أراد به الميراث وأراد بالنسبة المجاز.
وفي «فتاوى الفضلي» إذا قال: إن أكلت شيئاً من مال والدي فكذا ثم وجد كسيرة خبز في بيت والده وأكلها.... لا يحنث لأن اليمين يعقد للمنع والإنسان لا يمنع نفسه عن مثل هذا.
وفي «فتاوى أبي الليث» رحمه الله: إذا حلف بالفارسية لا يأكل من خبز فلان فتناول من..... فلان لا يحنث، لأن أوهام الناس لا تسبق إلى هذا، ألا ترى أنه لو أكل من قشر بطيخة أو أكل من كسرة خبزة وجدها على باب داره لا يحنث في يمينه، وفيه أيضاً إذا حلف لا يأكل من كسب فلان فشرب من الذي وضعه على الطريق ليشرب الناس أخاف أن يحنث، ولو أكل كسرة مطروحة في بيت المحلوف عليه فإن كانت الكسرة بحال لا يُعطى مثلها الفقير لا يحنث. وإن كان بحال يُعطى مثلها الفقير يحنث، وفيه أيضاً إذا حلف أن..... وفلان فأكل من.... حمله فلان ينبغي أن يحنث، لأن الأوهام تسبق إلى هذا إذا كانت اليمين معقودة على أورده.

في «واقعات الناطفي» : إذا اغترف الرجل من قدر في وصفه ثم حلف لا يأكل من هذا القدر فأكل من ماء القصعة لا يحنث، لأن يمينه على ما بقي في القدر.

رجلٌ قال لامرأته: إن أكلتْ والدتك من مالي فأنت طالق ثلاثاً فطبخت امرأته قدراً فجاءها وجعلت فيه شيئاً من الحوائج من مال الزوج فأكلت والدة المرأة من ذلك فقد قيل: إن فعلت المرأة ذلك برضا صاحب القدر في هذه الصورة، وقد قيل لا يحنث على كل حال، لأن الحوائج صارت ملكاً للمرأة لجعلها إياه في القدر فكانت الوالدة أكلت من مال ابنتها، لا من مال زوجها.
إذا قال: إن أكلت من مال والدي قبل أن أتزوج فاطمة كل امرأة أتزوجها فهي طالق فالحالُّ من مال والده قبل أن يتزوج فاطمة، ثم تزوج فاطمة طلقت هي لأن عند الأكل يصير قائلاً كل امرأة أتزوجها فهي طالق.

(4/294)


إذا حلفت المرأة أن لا تأكل من أطعمة ابنها وقد كان الابن بعث إليها من الأطعمة قبل اليمين فأكلت ذلك لا يلزمها الحنث لأنها أكلت طعام نفسها قبل هذا إذا لم يكن له نيّة، فإن نوى ذلك الطعام الذي بعثه قبل اليمين يحنث بأكله، لأنه نوى الإضافة باعتبار ما قد كان حلف لعيره، وقال: لاطعمتك غداً حتى تشبع فاطمة ولم تشبع حنث في يمينه، حلف لا يأكل من طعام امرأته فأدخلت عليه الطعام، وقالت له: داروكو فأكل لا يحنث، ولو لم يقل داروكو وباقي المسألة بحالها يحنث، لأن بقولها داروكور يصير الطعام ملكاً للزوج وقبل ذلك هو ملك للمرأة.
وإذا حلف لا يأكل من طعام صهره فبعث الصهر ابنه الذي في عياله في أمر ودفع إليه شيئاً من الأطعمة فأكل الحالف من ذلك فقد قيل: يحنث، وقيل: لا يحنث، لأن بالدفع إلى الابن يصير الطعام ملكاً للابن فلا يكون آكلاً طعام الصهر.
وإذا حلف لا يأكل مع فلان طعاماً فأكل هذا من إناء وفلان من إناء آخر في ذلك المجلس لا يحنث، هكذا ذكر في «شرح مختصر عاصم» في باب كفارة اليمين في الشراب. وفي «شرح الكافي» للصدر الشهيد رحمه الله في باب اليمين في الشراب أنهما إذا أكلا من مائدة واحدة حنث. وإذا اختلف..... وطعامهما فيتأمل عند الفتوى.
إذا حلف لا يأكل بُسراً فأكل بسراً قريباً وهو الذي عامته بُسر حنث بالإجماع، ولذلك إذا حلف لا يأكل رطباً فأكل رطباً فيه بُسر يسير حنث بالإجماع، ولو حلف لا يأكل رطباً فيه بسر يسير حنث في قول أبي حنيفة رحمه الله ومحمد رحمه الله، وقال أبو يوسف رحمه الله لا يحنث، لأن ما عقد يمينه عليه مغلوب بغيره فلم يظهر بمقابلته، وهما يقولان الحر والذي يتناوله اليمين لو أكله بانفراده يحنث فكذلك إذا أكل مع غيره.

نوع آخرمن هذا الفصل في الشرب
قال القدوري في «شرحه» : الشرب بأن يوصل إلى جوفه ما لا ينافي فيه.... في حال، وقوله مثل الماء والنبيذ واللبن، فإذا حلف لا يشرب من هذا اللبن فأكله لا يحنث ولو شربه يحنث، وأكل اللبن أن يرد فيه الخبز ويؤكل، وشربه أن يشرب كما هو. ولو حلف لا يشرب هذا العسل فأكله كذلك لا يحنث، لأنه يسمى أكلاً ويسمى شرباً، ولو صب عليه ماءً وشربه حنث، لأنه يشرب حقيقة.
إذا حلف أن لا يشرب من دار فلان فأكل منها شيئاً قال محمد بن سلمة رحمه الله: يحنث في يمينه لأنه قصده المنع حداً عن جميع المأكولات. يقال بالفارسية من اب نجورم ان خاته.
قال الصدر الشهيد رحمه الله في «واقعاته» : المختار عندي أنه لا يحنث إلا أن

(4/295)


ينوي جميع المأكولات، لأن اللفظ في باب الأيمان مراعى، وإذا نوى (383ب1) جميع المأكولات حينئذ لأنه نوى ما يراد به في العرف فتصح نيته، وقد قيل: إن كانت اليمين بالعربية لا يحنث بأكل المأكولات، وإن كانت اليمين بالفارسية يحنث؛ لأن فارسية الأكل والشرب واحد وهو نظيرما قيل فيما إذا حلف لا يأكل هذا السويق فشربه شرباً إنه إن كانت اليمين بالعربية لا يحنث، وإن كانت اليمين بالفارسية يحنث، وطريقه ما قلنا.

ولو حلف لا يشرب مع فلان فشربا في مجلس واحد حنث في يمينه، وإن كان الإناء الذي يشربان منه مختلفاً، وكذا إن شرب الحالف من شراب والآخر من شراب، وإذا حلف لا يشرب شراباً ولا نية له فأي شراب يشرب من ماء أو غيره يحنث هكذا ذكر في أيمان «الأصل» .
وفي «الأصل» : إذا حلف لا يشرب الشراب، ولا نيه له فهو على الخمر. قال شمس الأئمة الحلواني رحمه الله: فإذا في المسألة روايتان، وفي «فتاوى أهل سمرقند» أنه لا يحنث بشرب الماء لأنه لا يسمى شراباً عرفاً، وحكي عن شمس الأئمة السرخسي رحمه الله ما هو قريب من هذا، فإنه قال: في عرف الفارسية من حلف شراب نمن خمرم لا يقع ذلك على الماء واللبن.
وإذا حلف لا يشرب لبناً فصب الماء في اللبن فالأصل في هذه المسألة، وأجناسها أن الحالف إذا عقد يمينه على ما يقع فاختلط بمائع آخر من خلاف جنسه إن كانت الغلبة لغير المحلوف عليه لا يحنث، وإن كان سواء فالقياس أن يحنث، وفي الاستحسان لا يحنث، وفسر أبو يوسف رحمه الله الغلبة فقال: أن يستبين لون المحلوف عليه ويوجد طعمهُ.

وقال محمد رحمه الله: تعتبر الغلبة من حيث القلة والكثرة بالأجزاء. وإذا حلف لا يشرب اللبن فصب فيه الماء وإن كان يوجد طعم اللبن ويرى لونه فهو غالب فيحنث عند أبي يوسف رحمه الله، وبدون ذلك لا يحنث. وأما إذا اختلط بمائع آخر من جنسه كاللبن إذا اختلط بلبن آخر فعند أبي يوسف رحمه الله هذا والأول سواء يعني يعتبر الغالب غير أن الغلبة من حيث اللون والطعم لا يمكنه اعتبارها ههنا فيعتبر بالقدر، وعند محمد رحمه الله يحنث ههنا لكل حال؛ لأن الشيء لا يصير مستهلكاً بجنسه وإنما يصير مستهلكاً خلاف الجنس، فإذا لم يصر مستهلكاً..... يلزمه الحنث، قالوا: وهذا الاختلاف فيما يمتزج ويختلط بالمزج والخلط أما ما لا يمتزج بالخلط كالدهن وكان الحلف على الدهن يحنث بالاتفاق لأن الدهن يكون منفصلاً فيصير بشرب المخلوط شارباً المحلوف عليه على كل حال فيحنث في يمينه.
وفي «القدوري» : إذا حلف على قدر من ماء زمزم لا يشرب منه شيئاً وصبه في ماء آخر حتى صار مغلوباً وشرب منه يحنث عند محمد رحمه الله لما بيننا في «أصله» ، أن الشي لا يصير مستهلكاً بجنسه، ولو صبه في بئر أو حوض عظيم وشرب منه لا يحنث

(4/296)


لأنه لا يدري لعل البئر تغور بما صب، والحوض إذا عظم ولعل ذلك القدر من الماء يختلط بالكل.

ولو حلف لا يشرب هذا الماء العذب فصبه في ماء مالح فغلب عليه وشرب لم يحنث. لأنه قيده بوصف ولم يبق ذلك الوصف بعد الخلط فعلم أنه صار مستهلكاً بالخلط. وكذلك لو حلف لا يشرب لبن ضأن فخلط بلبن معز. ولو حلف لا يشرب لبن هذه الشاة وهي ضأن فخلطها بلبن معز حنث، ولا يعتبر لأن في هذه المسألة اليمين وقعت على لبن الضأن. وإذا حلف شراب نحووم فشرب البكي للأخس أولاد فعلى قياس ما ذكر في الحيل لا يحنث في يمينه، وهو موافق للعرف وإذا حلف لا يشرب نبيذاً فاعلم أن النبيذ اسم لما ألقي فيه التمر أو الزبيب أو السكر أو الفانيد وغلى واشتد ولو شرب العصير الذي صار خمراً أو السكر لا يحنث هكذا ذكر في «الأصل» .
وفي «فتاوى الفضلي» : أن يمينه على النيء من ماء العنب قال الصدر الشهيد رحمه الله في «واقعاته» : المختار للفتوى أن يمينه على المسكر من ماء العنب ماء كان أو مطبوخاً لأن اسم النبيذ في العرف يقع على هذا ويسمى لمن شرب هذا نبيذ حرارة، ولا يسمى بهذا الاسم غيره، وكان شمس الأئمة السرخسي رحمه الله يقول: اسم النبيذ بالفارسية يقع على كل مسكر، وإذا حلف سكبي مخورد فيمينه على كل مسكر لكن من ماء العنب. سبكي خورد وفي «فتاوى النسفي» أن اسم السبكي يقع على كل مسكر سواء كان من ماء العنب أو غيره كاليكني والأجسمه ونحوهما. قال: أو كبه حلالاً كان ذلك أو حراماً حتى لو شرب المثلث الذي يجوز شربه يحنث في يمينه، والصحيح أن اسم السيكي يقع على المسكر من ماء العنب لا غير نيئاً كان أو مطبوخاً، وأما اسم الخمر وفارسيته حى وبعض مشايخ سمرقند رحمهم الله جعل هذا بمنزلة اسم قول السبكي.

وبعضهم قالوا: إن نوى المسكر فيمينه على النيء والمطبوخ جميعاً، والصحيح أن هذا على النيء من ماء العنب لا غير وإذا قال: مسكره تخوزم فقد قيل إن يمينه لا تقع على المتخذ من الحبوب لأن شرب ذلك حلال عند أبي حنيفة رحمه الله والسكر منه ليس بسكر حقيقية بمنزلة السكر في البنج ولبن الرمكة وأشباه ذلك ولهذا لو سكر منه لا يحل ولو طلق في السكر منه لا يقع طلاقه هكذا ذكر الصدر الشهيد رحمه الله فصل الحد والطلاق. فعلى قياس ما ذكر في عدم وجوب الحد وعن عدم وقوع الطلاق بناء على أن السكر الحاصل من هذه الأشربة ليس بسكر على الحقيقة ينبغي أن لا يحنث في يمينه، وقوله مسكره أي خورم، وبعض المشايخ قالوا: يحنث في يمينه، والصحيح أنه يعتبر فيه العرف إن كان في العرف يسمى الشراب المتخذ في هذه الأشياء مسكرة يحنث في يمينه، ومالا فلا.

إذا حلف لا يشرب نبيذ زبيب فشرب نبيذ كشمش يحنث في يمينه لأن الكشمش نوع من الزبيب.

(4/297)


وإذا حلف بالفارسية يران كه كيبتي را نبيذ بني دهم فسقى رجلاً نبيذاً إن كان له نية وقت الحلف فهو على ما نوى إن نوى السقي لا يحنث (384أ1) بالإهداء، وإن نوى الإهداء لا يحنث بالسقي لأنه نوى ما يحتمل لفظة، وإن لم يكن له نية فيمينه على السقي والإهداء جميعاً لأنه يتحقق شرط الحنث في كل واحدة منهما، وهو إعطاء النبيذ.
في «فتاوى أبي الليث» رحمه الله: وإذا حلف لا يشرب شراباً يسكر منه فصب شراباً سكر منه في شراب لا يسكر منه فشرب منه ذكر في «فتاوى أهل سمرقند» رحمهم الله أن هذا المحلوف عليه إن كان بحال لو شرب منه الكثير لسكر يحنث، لأنه شراباً مسكراً.
وإذا عقد يمينه على شرب ما لا يشرب ويخرج منه ما يشرب فيمينه على شرب ما يخرج.
بيانه: فيما ذكر في «المنتقى» : إذا حلف لا يشرب من هذا التمر فشرب من نبيذه يحنث في يمينه، وهذا هو الأصل في مخرج جنس هذه المسائل.
وإذا حلف لا يشرب المسكر فصب المسكر في حلقه فإن دخل حلقه بغير فعله لا يحنث، ولو شرب، ذلك يحنث؛ لأن اليمين لم تنحل بعد، ولو دخل حلقه بفعله يحنث في يمينه، لأنه قد شرب هكذا قيل، وعلى قياس ما ذكر الرستغفني في طلاقه: أن الأكل والشرب عبارة عن عمل الشفاه حتى قال: من حلف لا يأكل وفي فمه شيء ما فبلعه لا يحنث، لأنه لم تعمل الشفاه في ذلك ينبغي أن لا يحنث، وفي هذه المسألة وإن دخل المسكر حلقه بفعله لأنه لم يعمل الشفاه فيه، وكذلك إذا حلف لا يشرب وفي فمه رمانة فمضغها وابتلع ماءها لم يحنث، لأنه لم يعمل الشفاه في ذلك فعلى قياس هذه المسألة ينبغي أن لا يحنث في مسألة المسكر، وإن وصل إلى حلقه بفعله.
حلف لا يشرب من قدح فلان فصب الحالف الماء من قدح فلان على يده وشرب لم يحنث، لأنه لم يشرب من قدح فلان.
حلف لا يشرب من ماء فلان فكان الحالف في مجلس في حانوت المحلوف عليه فاشترى الحالف كوزاً ووضعه في حانوت المحلوف عليه واستسقى أجير المحلوف عليه الماء من النهر بذلك الكوز ووضعه في حانوت المحلوف عليه ليلاً، فلما أصبح الحالف دعا بالكوز وشرب الماء، فإن كان الحالف اشترى الكوز لهذا حتيالاً منه كيلا يحنث أن لا يحنث لأنه حينئذ يصير الأجير عاملاً للحالف، فيصير الحالف شارباً ماء نفسه.
ذكر في «فتاوى أبي الليث» رحمه الله: حلف لا يشرب في هذه القرية فشرب في كرومها لا يحنث في «فتاوى الأصل» ، وفي «فتاوى شمس الإسلام» ، لأن القرية اسم للعمران وقد ذكرنا في كتاب الطلاق، مسائل شتى على أن القرية اسم للعمران حتى لو كانت الكروم في العمران يحنث أيضاً.

إذا قال: إن شربت الخمر قبل أن أرى الورد الأحمر فكذا، ورأى ورد الأحمر في الشتاء، فقد ذكرنا هذه المسألة في كتاب الطلاق إذا حلف بالفارسية خمر تخو ردويدست

(4/298)


نكيرد الشرب يحنث، لوجود شرط الحنث وهو الأخذ حقيقة، وقد قيل: لا يحنث، لأن الشرط هو الأخذ والشرب فلا يحنث بأحدهما، والصحيح أن يحنث؛ لأن كل واحد منهما يبقى على حدة فصار كل واحد شرطاً على حدة، وقد مر جنس هذا في كتاب الطلاق.
وفي أيمان «المنتقى» : رجل عوتب على شرب الخمر فحلف أن لا يشرب ما يخرج في هذا الكرم فشرب من خمره يحنث، لأنه معاني كلام الناس. رجل قال: إن شربت المسكر تصير امرأتي مطلقة يصير عبدي حراً، فشرب المسكر بعد ذلك تطلق امرأتهُ وعتق عبده، ولا يصدق بأنه لم يرد به الطلاق والعتاق، وإنما أراد منع أصحابه عن نفسه. حلف أن لا يشرب المسكر ثلاثة أشهر، فقالت له امرأته: أربعة أشهر، فقال: الزوج أربعة أشهر كثير فقد قيل: تصير المدة أربعة أشهر، وقد قيل: لا تصير المدة أربعة أشهر، وهذا بناء على أن الحالف إذا عطف على يمينه بعد سكوته ما يشدد على نفسه أنه يلتحق بيمينه عند أبي يوسف رحمه الله. وإذا عطف على يمينه بعد سكوته ما يوسع على نفسه لا تلتحق بيمينه ثم اختلف المشايخ رحمهم الله في هذة الصورة، أن في ذكر المدة الثانية تشديد عليه أو توسعة عليه فقيل: تشديد من حيث إنه يقع الطلاق بالشرب في الشهر الرابع وهو الأصح.

قال محمد رحمه الله في «الجامع الكبير» : إذا حلف الرجل أن لا يشرب من الفرات أبداً فشرب منه اغترافاً أو من إناء لا يحنث في يمينه عند أبي حنيفة رحمه الله حتى يكرع في الفرات كرعاً، وعندهما يحنث والوجه في ذلك: أن الشرب من الفرات حقيقة هو الشرب منه كرعاً، فإن الشرب من الشيء حقيقة أن يضع فاه عليه فيشرب منه بغير واسطة وهذه حقيقة مستعملة في العرف مقدرة في الشرع فإنه روي أن رسول صلى الله عليه وسلّممر بفناء قوم، وقال: «هل عندكم ماء فإن في شن وإلا كرعنا في الوادي كرعاً» إلا أن في الغالب يراد به الشرب باليد أو الإناء وأنه مجاز فالحقيقة في هذا الباب مستعمل، والمجاز إنما يستعمل إلا إن المجاز أغلب استعمالاً.
والأصل أن الحقيقة إذا كانت مستعملة والمجاز غير مستعمل، أو كان المجاز مستعملاً أيضاً إلا أن الحقيقة أغلب استعمالاً، أو كانا في الاستعمال على السواء فالعبرة للحقيقة، وإن كان المجاز أغلب استعمالاً، فعند أبي حنيفة رحمه الله العبرة للحقيقة، وعندهما العبرة للمجاز فانصرف يمينه إلى الكرع عن أبي حنيفة رحمه الله؛ لأن الكرع حقيقة مستعملة، وعندهما انصرف يمينه إلى الشرب باليد أو بالإناء، وإن كان مجازاً لأنه أغلب استعمالاً (348ب1) ثم على قولهما إذا شرب كرعاً هل يحنث في يمينه؟ لم يذكر هذه المسألة في «الكتاب» ، وقد اختلف المشايخ رحمهم الله فيه بعضهم قالوا: لا يحنث

(4/299)


لأن المجاز صار مراداً ههنا بالإجماع فلا تبقى الحقيقة مراداً لتعذر والجمع بين الحقيقة والمجاز في لفظ واحد.

وبعضهم قالوا: يحنث في يمينه، وهذا القائل ظن جواز الجمع بين الحقيقة والمجاز عندهما، وليس الأمر كما ظن وليس طريق الحنث عندهما في هذه الصورة لو صح من مذهبهما الحنث الجمع بين الحقيقة والمجاز في لفظ واحد، وإنما الطريق العمل بعموم المجاز.

بيانه: وهو أن المنصوص عليه الشرب من الفرات والشرب من الفرات لا يتصور لأنه اسم المكان يجري فيه الماء فيُجعل مجازاً عن شرب الماء الذي يجري في الفرات لكون الفرات محلاً له، ولقيام المجاورة بينهما حال كونه فيه غالباً، ولشرب الماء الذي يجري في الفرات، ومجاورة الفرات طريقان أحدهما: الكرع، والثاني: الاغتراف باليد أو بالإناء فبأي طريق شرب حنث في يمينه، لعموم معنى المجاز لا للجمع بين الحقيقة والمجاز، وهذا كله إذا لم يكن له نيّة فإن نوى الكرع صحت نيته على قولهما في القضاء، وفيما بينه وبين الله تعالى لأنه نوى حقيقة كلام، وإن نوى الاغتراف صحت نيته على قول أبي حنيفة رحمه الله فيما بينه وبين ربه، ولكن لا يصدقه القاضي لأنه نوى المجاز من كلامه، هذا إذا شرب من الفرات كرعاً أو اغترافاً فأما إذا شرب من نهر آخر يأخذ الماء من الفرات كرعاً أو اغترافاً لا يحنث في يمينه عندهم جميعاً.
أما عند أبي حنيفة رحمه الله؛ فلأن يمينه انصرف إلى الحقيقة وهو الشرب من الفرات كرعاً، وأما عندهما فلأنهما إنما عدلا عن الحقيقة لمكان العرف فإن الشرب من الفرات يراد به في العرف الاغتراف من الفرات، أما لا يراد به الشرب من نهر مُتخذ من الفرات فلا يكون الشرب من نهر آخر داخلاً في اليمين.
ولو حلف لا يشرب من ماء الفرات فشرب من الفرات كرعاً أو اغترافاً بيد أو آنية يحنث في يمينه عندهم جميعاً، وكذلك لو شرب من نهر آخر يأخذ الماء من الفرات يحنث عندهم جميعاً في ظاهر الرواية. وروي عن أبي يوسف رحمه الله في غير رواية الأصول أنه إذا شرب من نهر آخر يأخذ الماء من الفرات لا يحنث، فإن كان نوى في قوله لا يشرب من الفرات لا أشرب من ماء الفرات هل تصح نيته حتى لو شرب من نهر آخر يأخذ الماء من الفرات يحنث. لم يذكر محمد رحمه الله هذا الفصل.

وحكي عن الفقيه أبي بكر الأعمش أنه قال: تصح نيته لأنه نوى ما يحتمله لفظه وغيره من المشايخ قالوا: لا تصح نيته لأن الماء غير مذكور نصاً، بهذا الطريق لم تصح نية الثلاث في قوله: أنت طالق وإن صار الطلاق مذكوراً لأنه غير مذكور نصاً.
وإذا حلف لا يشرب من ماء الفرات فصب ماء الفرات في واد لم يتخذ من الفرات إن كان ماء الفرات غالباً يحنث، وإن كان ماء الفرات مغلوباً لم يحنث. هكذا ذكر المسألة في «الجامع» من غير ذكر خلاف، وذكرنا في أول هذا النوع أن المحلوف عليه إذا اختلط بجنسه فعلى قول أبي يوسف رحمه الله هو كالجنس يعتبر الغالب في ذلك، وقد

(4/300)


قال محمد رحمه الله: يحنث وإن كان مغلوباً فيحمل ما ذكرنا في «الجامع» على أنه قول أبي يوسف رحمه الله، أو على رجوع محمد إلى قول أبي يوسف رحمهما الله.
ولو حلف لا يشرب من ماء فرات أو حلف لا يشرب ماءً فراتاً فأي ماء عذب شرب حنث في يمينه، لأنه جعل الماء صفة للفرات ههنا حيث ذكر الفرات منكراً كما ذكر الماء منكراً والفرات إذا صار صفة للماء يراد به العذب، قال الله تعالى {وأسقيناكم ماء فراتاً} (المرسلات: 27) أي: ماءً عذباً. فصار كأنه نص، قال: لا أشرب ماء عذباً بخلاف قوله لا أشرب من ماء الفرات؛ لأن هناك ما جعل الفرات صفة للماء، ألا ترى أنه ذكر الفرات مورياً بالكلام، وذكر الماء منكراً بل أضاف الماء إلى نهر مسمى بالفرات، فإن الفرات إذا ذكر مع الألف واللام يراد به نهر الفرات فقد عقد يمينه على شرب ماء نهر الفرات فلا يحنث بشرب ماء نهر آخر.

ولو حلف لا يشرب من هذا الكوز أبداً، وصب الماء الذي في الكوز في كوز آخر وشرب منه لا يحنث في يمينه بالإجماع. ولو قال: لا أشرب من هذا الكوز وصب الماء الذي في الكوز في كوز آخر فشرب منه يحنث في يمينه، لأنه عقد يمينه على الماء الذي في الكوز وإن صب في كوز آخر لا يخرج من أن يكون ذلك الماء بخلاف قوله لا أشرب في هذا الكوز؛ لأن هناك عقد يمينه على الشرب من الكوز ولم يشرب من ذلك الكوز.
وفي «القدوري» : ولو حلف لا يشرب من ماء دجلة لم يحنث عند أبي حنيفة رحمه الله حتى يكرع منه كرعاً بمنزلة قوله: لا أشرب من الدجلة. لأنه نصّ على الشرب من النهر، لأن قوله من دجلة، قوله لا أشرب. ولو حلف لا يشرب من هذا الجُب وفي هذا البئر. ذكر في القدوري مسألة الجب وذكر أنه لا يحنث عند أبي حنيفة رحمه الله حتى يكرع منه كرعاً، أو ذكر مسألة البئر وذكر أنه إذا استسقى وشرب يحنث.
وحكي عن أبي سهل.... رحمه الله أنه كان يقول: إن كان الجب والبئر ملآناً يمكن الكرع منه فيمينه على الكرع، وعند أبي حنيفة رحمه الله وعندهما على الاغتراف، وفي الكرع اختلاف المشايخ رحمهم الله على قولهما على حسب ما ذكرنا في الفرات.
قال: وإن لم يكن ملآناً فيمينه على الاغتراف، أما عندهما فظاهر، وأما عند أبي حنيفة رحمه الله فلأن العمل بالحقيقة غير ممكن ههنا بوجه من الوجوه فكانت الحقيقة مهجورة فينصرف يمينه إلى المجاز، فإنه لو نزل في هذه الصورة وكرع في أسفل البئر أو من أسفل الجب، اختلف المشايخ فيه والصحيح أنه لا يحنث؛ لأن الحقيقة إنما كانت مهجورة وقت اليمين فانصرف يمينه إلى المجاز (385أ1) وقت وجودها، فلا ينصرف إلى الحقيقة بعد ذلك، لو حلف من ماء المطر.... الرحلة من ماء المطر فشرب لا يحنث، وإذا حلف لا يشرب من ماء وادي سال المطر لم يكن فيه ماء قبل ذلك، وشرب من ماء المطر.... يحنث.

(4/301)


وإذا حلف لا يشرب بغير إذن فلان فأعطاه فلان بيده ناول، ولم يأذن له باللسان وشرب ينبغي أن يحنث، وهذا ليس بإذن بل هو دليل الرضا.

نوع آخر في الذوق
إذا حلف الرجل لا يذوق طعاماً فأكل شيئاً من الطعام يحنث، وكذلك إذا حلف لا يذوق شراباً، فشرب شيئاً من ذلك يحنث، ولو حلف لا يأكل طعام أو حلف يشرب شراباً فذاق شيئاً من ذلك لا يحنث، والفرق أن في الفصل الأول عقد يمينه على الذوق، وفي الأكل والشرب ذزق وزيادة، وفي الفصل الثاني: عقد يمينه على الأكل والشرب، ولا يتحقق بالذوق بيانه: أن الأكل والشرب لا يتحقق إلا بالإيصال إلى الجوف، والذوق يتحقق بدون الإيصال إلى الجوف، لأن الذوق إدخال الشيء في فمه لاستبانة طعمه، والإدخال في الجوف لازم فيه.
وإذا حلف لا يذوق طعاماً وعنى بالذوق الطعام، وحلف لا يذوق شراباً وعنى بالذوق الشرب ذكر في «الأصل» أنه لا يحنث حتى يأكل أو يشرب، وذكر «القدوري» أنه تصح نيته فيما بينه وبين ربه ولا تصح نيته في القضاء؛ لأنه نوى خلاف الحقيقة.
وروى هشام عن محمد رحمه الله: أن من حلف لا يذوق.... طعاماً ولا شراباً فذاق منه شيئاً أدخله فمه ولم يصل إلى جوفه حنث في يمينه على الذوق حقيقة لا أن.... كلام.
وتفسير ذلك: أن يقول له غيره تعال تغدى عندي اليوم فحلف لا يذوق في منزله طعاماً ولا شراباً فهذا على الأكل والشرب.
وعن محمد فيمن حلف لا يذوق الماء فمضمض للصلاة لا يحنث، وهذا لما ذكرنا أن الذوق إدخال الشيء في فيه لاستبانة طعمه، والمضمضة إدخال الماء في الماء للتطهير لا لاستبانة طعمه.
وإذا قال: لا أذوق طعاماً ولا شراباً فذاق أحدهما حنث، وكذلك إذا قال: لا آكل كذا وكذا فأكل أحدهما، وكذلك إذا قال: لا أشرب كذا وكذا فشرب أحدهما.

ولو قال: لا أذوق طعاماً ولا شراباً فذاق أحدهما لم يحنث، وكان أبو القاسم الصفار يقول: يحنث إذا ذاق أحدهما، وكان يقول: يعتبر العرف في هذا، وفي العرف يراد به نفي كل واحد منهما، وكان الشيخ الإمام الجليل أبو بكر محمد بن الفضل رحمه الله بنية الحالف، وإن لم تكن له نية فالجواب كما في الكتاب وعد من جنس هذا فيما تقدم.

نوع آخر في الغداء والعشاء والسحور
إذا حلف لا يتغدى فاعلم بأن التغدي عبارة عن الأكل الذي يقصد به إذا الشبع،

(4/302)


والتعشي كذلك، والمعتبر في ذلك العادة في كل بلد، حتى أن المصري في العادة إذا حلف على ترك الغداء فشرب اللبن لا يحنث، والبدوي بخلافه؛ لأنه غداء في البادية.
قال في «القدوري» : ولو أكل غير الخبز من أرز وتمر حتى سبع لم يحنث، وقال أبو يوسف رحمه الله ومحمد رحمه الله: الغداء في مثل الكوفة والبصرة على الخبز، وكذلك والهرشة والفالوذج تعتبر في ذلك عادة الحالف. والغداء من طلوع الفجر إلى الزوال، والعشاء من الزوال إلى نصف الليل، والسحور ما بعد نصف الليل إلى طلوع الفجر.
فإذا حلف لا يتغدى فأكل بعد الزوال لا يحنث، وإذا حلف لا يتعشى فأكل بعد نصف الليل لا يحنث؛ لأنه تسحر وما تعشى، ومقدار الغداء والعشاء أن يأكل أكثر من نصف الشبع، فإذا حلف أنه لم يتغدَ، قد كان أكل شيئاً يسيراً أقل من نصف الشبع لا يحنث.
وإذا حلف ليغدينه بألف درهم فاشترى رغيفاً بأف درهم وغداه به فقد برّ في يمينه، وهو نظير ما لو حلف أن يعتق عبداً بألف درهماً فأعتق عبداً قليل القيمة وقد اشتراه بألف درهم فقد برّ في يمينه. وإذا حلف لا يذوق من هذا التمر فشرب من نبيذه لا يحنث. لا التمس عقدت على ما.... فيه الذوق تعينه فلا ينصرف إلى ما يتخذ منه، وقد ذكرنا نظير هذا في الأكل والشرب.

نوع آخر في الجماع وما يتصل به في المضاجعة وغيرها

إذا حلف الرجل لا يقرب امرأته فاستلقى على قفاه، فجاءت المرأة وفضت ... منه لا يحنث في يمينه هكذا ذكر في أيمان «النوازل» في حدود «النوازل» أنه يحنث في يمينه، قال الصدر الشهيد رحمه الله: والفتوى على الحنث، ولو كان نائماً فلا يحنث.
وفي «نوادر بشر» : عن أبي يوسف رحمه الله: إذا حلف الرجل لا يغشى هذه المرأة وهو يغشاها، فإن أقام على حاله فلا يحنث، وإن أخرج الميل ثم أدخله يحنث.
وفي «النوازل» إذا قال الرجل: امرأته طالق إن لم يكن جامع فلانة ألف مرة فهذا على كثرة العدد لا على كمال الألف؛ لأن الألف يذكر ويراد به الكثرة ولا تقدير فيه، قالوا أو استغفر كثيراً، قال تعالى: {أن تستغفر لهم مرة} وأراد به الكثرة.
وفي كتاب «الحيل» : المقيم إن حلف على امرأته في شهر رمضان أن يجامعها في يومه ذلك، فالحيلة في ذلك أن يخرج الزوج مع امرأته من البلدة يقصدان مسيرة ثلاثة أيام، فإذا خرجا جامعها، ثم يرجعان ولا يضره الرجوع، وإذا كان حين خرج قصد مسيرة سفر.

(4/303)


وفي آخر «القدوري» : إذا حلف لا يرتكب حراماً فهذا على الروايات كان الحالف خصياً أو محبوباً فهو على القبلة الحرام وما أشبهها دخل ... أمر امرأته بالحرام فقال الزوج: أكثر ما (385ب1) مكسال حرام كنم فأنت طالق فلها أن تُمكِّن نفسها منه ما لم تعاني نفس الجماع بتداخل الفرجين، ويعرف أنها ليست بزوجة له، ولا مملوكة له بملك اليمين أو يشهد عندهما أربعة من العدول على ذلك؛ لأن في العرف يراد بهذا الزنا، والزنا لا يثبت إلا بأحد هذين الأمرين وإن اتهمته بأن وقع عندهما ريبة حلفته عند الحاكم فإن حلف وسعها المقام معه، ولو أقرّ بالزنا مرة يلزمه الحنث ولا يسعها المقام معه.

قال لا مرأته: أكربا لسي خرام كنى بر اطلاق ثم إن هذا الرجل طلقها واحدة بائنة وجامعها في عدتها فعلى قياس قول أبي حنيفة رحمه الله لا يقع بناء على أن عند أبي يوسف رحمه الله العبرة في باب الأيمان للغرض والغرض من هذه اليمين فعلها مع غيره، والحامل عليه هذا وهما يعتبران عموم اللفظ قيل: وينبغي أن لا يقع الطلاق في هذه الصورة بالاتفاق؛ لأن الطلاق معلّق بالحرام، والحرام إذا ذكر مطلقاً ينصرف إلى الزنا، ووطء الزوج في العدة ليس بزنا.
وفي «عيون المسائل» : امرأة اتهمت زوجها بالغلمان فحلفته أن لا يأتي حراماً فقبل غلاماً له أو لمسه بشهوة لا يحنث، ولو جامعه فيما دون الفرج يحنث وإن لم ينزل لأنه يراد بالحرام ههنا الجماع عرفاً في الفرج، وقيل: ينبغي أن لا يحنث ههنا، لأن مثل هذه الأفعال مع غلامه مباح عند مالك فتتمكن الشبهة ومع الشبهة لا يتمحض حراماً.

وفي «فتاوى الفضلي» : إذا قال لامرأته: أكر حرام كرده وتراسه طلاق وقد كانت قبلّت رجلاً غير محرم أو جامعها فيما دون الفرج لا تطلق امرأته، لأنه يراد بهذا الجماع في الفرج عادة، وهذه الرواية بخلاف رواية «العيون» . وإذا قال لامرأته: إن جامعتك فكذا فيمينه على الجماع في الفرج، حتى لو جامعها فيما دون الفرج لا يحنث في يمينه، هكذا ذكر في أيمان «الجامع» ، وهذا لأنه غلب استعمال الجماع المضاف إلى المرأة في الجماع في الفرج فصار الجماع المضاف إلى المرأة بحكم غلبة الاستعمال صريحاً في الجماع في الفرج، فمطلقه ينصرف إليه. وإن قال: عنيت الجماع فيما دون الفرج صدقه القاضي في إدخال الجماع فيما دون الفرج بحنث اليمين ولا يصدقه في إخراج (الجماع) في الفرج عن اليمين، وكان ينبغي أن يصدقه القاضي في خروج الجماع في الفرج عن اليمين، لأنه نوى حقيقة كلامه لأن الجماع مأخوذ من الجمع، وقد وجد معنى الجمع في الجماع فيما دون الفرج، ومن نوى حقيقة كلامه يصدق ديانة وقضاءً، وإن كان ما نوى خلاف الظاهر.
ألا ترى أن من قال لعبده: أنت حرّ يوم يقدم فلان وعنى ببياض النهار صدق قضاءً، وطريقه ما قلنا.

(4/304)


والجواب وهو الأصل في جنس هذه المسائل: أن الكلام إذا كان له حقيقة ومجاز، وهو ينصرف إلى المجاز عند الاطلاق بحكم غلبة الاستعمال فنوى المتكلم حقيقته فالقاضي يصدقه كما في مسألة القدوم. فإن اليوم في حقيقة اللغة لبياض النهار وللوقت مجاز يعرف الاستعمال متى ذكر مقروناً بفعل لا يتقيد باليوم فإذا نوى بياض النهار فقد نوى حقيقة كلامه فيصدقه القاضي. فأما إذا كان الكلام حقيقتين وهو ينصرف إلى أحديهما بحكم غلبة الاستعمال، فنوى المتكلم الحقيقة الأخرى فالقاضي لا يصدقه؛ لأن الحقيقة التي انصرف إليها الكلام عند الإطلاق ترجحت على الأخرى بحكم غلبة الاستعمال يسقط اعتبار الأخرى وصارت الأخرى، كالمجاز من حيث الاعتبار، ولو كان مجازاً حقيقة لا يصدقه القاضي في دعواه فكذا إذا صار مجازاً من حيث الاعتبار.
وفي آخر أيمان «القدوري» : إذا حلف لا يطأ امرأة وطئاً حراماً فوطىء امرأته وهي حائض، أو كان ظاهر منها لم يحنث إلا أن ينوي ذلك؛ لأن الوطىء في نفسه ليس بحرام، وإنما ثبتت الحرمة بعارض وفي أيمان «المنتقى» رواية مجهولة إذا حلف لا يرتكب من فلانة محرماً فجامعها أو قبلها بشهوة أو غير شهوة إنه يحنث في يمينه، وإن لمسها إن كان بشهوة يحنث، وإن كان بغير شهوة لا يحنث.

إذا قال لها: إن حللت الليلة بالحرام..... امرأتي فأنت طالق وقد كان أخذها رجل قبل ذلك ووطئها على كره منها. قال: إن كان الإكراه بحال لا تقدر على الامتناع منه تطلق لأنه وجد منها الفعل، هكذا روي في «النوازل» .
وفيه أيضاً: إذا حلف المرأة بهذه العبارة بالله كه حرام ني كرد ستم وعيب إنها لم تحرم الزنا إنما الله هو الذي حرم الزنا، وقد كانت فعلت ذلك لا يحنث لأنه نوى ما يحتمله. وإن كان الحالف رجلاً وحلفت بالله فكذلك الجواب، وإن حلف بالطلاق والعتاق صدق ديانة لا قضاء.

وفي «فتاوى الفضلي» رحمه الله: إذا قال لها: إن فعلت حراماً فأنت طالق، ثم إنها أجرت كلمة الكفر بلسانها ولم يعلما بوقوع الفرقة حتى أقاما على ذلك لم يحنث الزوج لأن يمينه انصرف إلى الزنا وهما أقاما على تأويل النكاح فلم يكن زنا.
r
وفي «فتاوى أبي الليث» رحمه الله إذا قال: إن اغتسلتُ من الحرام فامرأته طالق فعانق أجنبية وأنزل لا يحنث، لأن هذا يقع على الجماع.
وفي «العيون» : إذا قال لامرأته: إن اغتسلت منك من جنابة فأنت طالق، فجامعها وقع الطلاق، وإن لم يغتسل لأن هذا اللفظ صار كناية عن الجماع حكاية.
قال: إن جامعتك فأنت طالق، وفي موضع آخر إذا قال لها: إن اغتسلت منك إلى شهر فكذا جامعها في المفازة فحينئذ يمينه يقع على الجماع.
وفي «النوازل» : سكران دعا (امرأته) إلى فراشه فقال: السكران إن امتثلت أمري

(4/305)


وساعدتني وإلا فكانت طالق ثلاثاً فإن ساعدته بعد أن دعاها في المستقبل لم يحنث، وإن لم تساعده بعد أن دعاها في المستقبل حنث، لأن قوله إن امتثلت (386أ1) أمري يمين واليمين يقتضي شرطاً في المستقبل، فكان شرط وقوع الطلاق ترك الامتثال لأمر يوجد منه في المستقبل. قال لامرأته بالفارسية: أكر من بامكسال ديب حرار كنم ينو فكذا لم يجامعها فيما دون الفرج لا يحنث لأنه يراد بهذا الجماع عادة، وقد مرّت هذه المسألة في كتاب الطلاق في فصل الإيلاء.
وفي «فتاوى الفضلي» رحمه الله: إذا حلف لا يفتح السراويل على امرأته، فإن أراد الجماع فيمينه على الجماع، وإن لم يرد الجماع، إن فتح السراويل لأجل البول فجامعها لا يحنث، لأنه لم يفتح السراويل عليها لأن فتح السراويل عليها أن يفتح ليجامعها.
إذا قال لامرأته وهي في بيت أمها: إن لم تجيئي بيتي الليلة حتى أجامعك فكذا، فجاءت بيته ولم يجامعها، قال أبو يوسف رحمه الله: يحنث، وقال محمد رحمه الله، لا يحنث: وقد مرّ جنس هذه المسائل في كتاب الطلاق.

حلف أن لا يحل التكة في....... فجامع من غير حل التكة ينظر إن نوى غير حل التكة لا يحنث، ويصدق ديانة وقضاءً لأنه نوى حقيقة كلامه. وإن نوى الجماع يحنث......
وفي «فتاوى أهل سمرقند» رحمهم الله: دخل إليهم بصبي فقال بالفارسية، أكر من با أربا حفاضي فامرأته كذا وقد كان قبله طلقت امرأته.
حلف أن لا يفعل حراماً فتزوج امرأة نكاحاً فاسداً ودخل بها لا يحنث. لأنه ليس بحرام مطلق.
وفي «العيون» : إذا حلف بطلاق امرأته أن لا ينظر إلى حرام فنظر إلى وجه امرأة أجنبية لا يحنث، لأن النظر إلى وجه الأجنبية ليس بحرام. ولو قال: إن أتيت حراماً فكذا، فأتى بهيمة فلا حنث عليه، إلا أن يكون ثمة دليل يدل على إرادته ذلك. إذا حلف لا يقبل فلاناً فقبل يدهُ أو رجلهُ، فقد اختلف المشايخ رحمهم الله فيه منهم من قال: لا يحنث، وهو على الوجه خاصة، ومنهم من فصّل بين الملتحي وغير الملتحي فقال: إن عقد يمينه على ملتحي يحنث، وإن عقد يمينه على غير الملتحي لا يحنث، ومنهم من قال: إن عقد يمينه بالفارسية لا يحنث، إلا بالتقبيل على الوجه؛ لأنه لا يتفاهم منه الناس بالفارسية إلا التقبيل على الوجه، وإن عقد يمينه على العربية فهو على التفصيل بين الملتحي وغير الملتحي، والأول أظهر وأصح؛ لأن من قبّل يد إنسان لا يقال قبلَّه.
قال لامرأته: إن قبلت أحداً فأنت طالق فقبلته تطلق.
رجل حلف رجلاً أن يطعه في كل ما يأمره وينهاه نهى ذلك عن جماع امرأته فجامع لم يحنث، إذا لم يكن هناك سبب يدل عليه؛ لأن الجماع لا يراد هذا اليمين عادةً.

(4/306)


رجل قال لامرأته: أكر من انحبرار نفر أرتواكس بكارا مدة باشد فأنت طالق ثلاثاً فهذا على الوطء حلالاً كان أو حراماً حتى لو كان زنى بامرأة أو وطئها بنكاح طلقت امرأته.

رجل قال لآخر أكر بخايد ان توايد دخنانت كنم فكذا ثم إن ذلك الرجل طلقت امرأته، ثم إن الحالف. فارقها حكى فتوى شمس الإسلام الأوزجندي رحمه الله: إن فعل ذلك قبل انقضاء العدّة يحنث، وإن فعل ذلك بعد انقضاء العدة لا يحنث، سئل شمس الإسلام هذا رحمه الله عن رجل دعا امرأته إلى الفراش فأبت فقال الزوج إن نمت معك إلى الخريف فأنت طالق فنام معها قبل الخريف، قال: إن نام معها وجامعها طلقت، وإن لم يجامعها لا تطلق، وهذا بناء على أن يمينه وقعت على الجماع عرفاً فإن عاد فقد ذكرنا في مسائل الإيلاء: أنّ من قال لامرأته: أكرنا بوا حسم فأنت طالق ثلاثاً ولم ينو نفس اليوم أنه مولى حلف أنه لم يلط وقد كان لاط في صغيرة يحنث في يمينه قيل إنك تفعل بامرأة فلان كذا وكذا وكانت امرأة فلان على السطح وامرأة أخرى على سطح آخر والسطوح متصلة بعضها ببعض، فقال الرجل: إن فعلت بتلك المرأة كذا وكذا فامرأته طالق وأشار بأصبعه إلى المرأة الأخرى، وكان ذلك في ليلة مظلمة فلم ير أصحابه ذلك وقد كان الحالف فعل بامرأة فلان ذلك الفعل طلقت امرأته قضاءً؛ لأن كلامه انصرف إلى تلك المرأة ظاهراً لخروجه عقيب ذكر تلك المرأة. وبعض مسائل هذا النوع مذكورة في كتاب الطلاق، وسيأتي شيء منه في المتفرقات.

نوع آخر في اللبس
وفيه مسائل الغزل والنسج والكسوة والخياطة والقطع:

إذا حلف الرجل لا يلبس ثوباً أو حلف لا يشتري ثوباً فيمينه على كل ملبوس يستر العورة وتجوز الصلاة فيه، وهذا لأن الثوب لغة اسم لما يلبس، إلا أنه إذا أطلق هذا الاسم يراد به ملبوس يستر العورة وتجوز الصلاة معه، وكل ملبوس هو بهذه الصفة كان داخلاً تحت اليمين حتى لو اشترى منسجاً أو بساطاً أو طنفسة ولبسها لا يحنث في يمينه لأن البساط والمنسج يُفرش ولا يُلبس فلا يدخل تحت اسم الثوب. ولو اشترى..... أو طيلسان ولبسهما يحنث في يمينه لأنه مما يلبس فيدخل تحت اسم الثوب هكذا ذكر المسألة في «الأصل» .
وذكر في «المنتقى» : إذا حلف لا يشتري ثوباً أو حلف لا يلبس ثوباً فاشترى منسجاً أو طنفسة أو وسادة ولبسها يحنث في المشترى ولا يحنث في اللبس ورواية «المنتقى» في فصل الشراء تخالف رواية «الأصل» . ولو اشترى فرواً أو لبس فرواً يحنث في يمينه فاسم الثوب ينطلق على الفرو ذكره في «الأصل» .

(4/307)


وفي «السّير الكبير» في باب الاستثناء في النقل ولو اشترى قلنسوة أو لبس قلنسوة لا يحنث في يمينه لأن اسم الثوب لا ينطلق عليه، ولو اشترى ثوباً..... يحنث في يمينه هكذا ذكر في «الأصل» . قالوا: إن أراد بهذا أن يكون يستر العورة أو لا تستر وتجوز الصلاة، وكذا إذا اشترى خرقة ولا تكون نصف ثوب لا يحنث، لأنه لا يستر العورة وإن اشترى أكثر من نصف الثوب يحنث لأن اسم الثوب ينطلق على أكثر من نصف الثوب ولأنه يستر به العورة. وفي «القدوري» : إذا حلف الرجل لا يلبس ثوباً من غزل فلانة فقطع بعضه وإن بلغ ما قطع إزاراً أو رداءً أو سراويلاً حنث في يمينه بلبسه، وإن كان بخلافه فلا حنث والمعنى (386ب1) ما ذكرنا.
قال ثمة: وكذلك المرأة إذا حلفت أن لا تلبس ثوباً فلبست خماراً أو مقنعة لم تحنث إذا لم يبلغ مقدار الإزار وإن بلغ حنثت وإن لم يستر به العورة.
وعلى هذا: إذا حلف لا يشتري لامرأته ثوباً أو حلف بالفارسية دن حاقة تجر فاشترى لها خماراً أو مقنعة لا يحنث في يمينه.

وإذا حلف لا يلبس ثوباً فلبس لفافة لا يحنث في يمينه لأن اللفافة لا تسمى ثوباً، وعلى قياس الخمار ينبغي أن يحنث إذا كانت اللفافة تباع مقدار الإزار. وإن لبس عمامة روى ابن سماعة عن محمد رحمه الله أنه لا يحنث، ولا يجري في الكفارة، وروى بشر عن أبي يوسف رحمه الله أنه لا يحنث إلا أن تكون عمامة إن فلتها كانت إزاراً أو رداءً أو يقطع من مثلها سراويلاً فهذا يحنث ويجري في الكفارة، وهكذا ذكر القدوري في «كتابه» .

وروى هشام عن أبي يوسف رحمه الله الحنث في العمامة من غير فصل، ويجوز أن تكون رواية هشام محمولة على عمامة تبلغ إزاراً ورداءً أو رواية ابن سماعة عن محمد رحمه الله محمولة على عمامة لا تبلغ إزاراً ورداءً.
وفي «السير الكبير» في باب الاستثناء في النقل أن اسم الثوب لا ينطلق على العمامة والقلنسوة والخف، وذكر شيخ الإسلام في «شرحه» أن هذا الجواب في العمائم في عمائم العرب لأنها متغيرة لا يجيء منها ثوب كامل، فأما في عمامتنا فبخلافه.
إذا حلف لا يلبس قميصاً فاتزر بقميص أو ارتدى بقميص لا يحنث في يمينه.
الأصل في جنس هذه المسائل أن من حلف على لبس ثوب لا بعينه لا يحنث ما لم يوجد منه اللبس المعتاد فيه، وإن حلف على لبس ثوب بعينه فعلى أي حال لبسهُ يحنث في يمينه، وهذا بناءً على أصل معروف يأتي في مسائل بعد هذا أن الوصف في غير المعين معتبر وفي المعين غير معتبر ولبس القميص بصفة مخصوصة متعارف والمتعارف كالمنصوص عليه، فإذا لم يعين قميصاً انصرف يمينه إلى اللبس المعتاد اعتباراً للصفة في غير المعين، فما لم يوجد اللبس المعتاد لا يحنث في يمينه، وإذا عين القميص انصرف يمينه إلى اللبس المطلق إلغاء للوصف في المعين فعلى أي حال لبسه يحنث في يمينه.
وعلى هذا إذا حلف لا يلبس هذه العمامة فألقاها على عاتقه يحنث، ولو كانت

(4/308)


العمامة بغير عينها لا يحنث ذكر مسألة العمامة والقميص في «الجامع» .

وفي «الأصل» : إذا حلف لا يلبس ثوباً فوضعه على عاتقه يريد حمله لا يحنث لأنه حامل وليس بلابس، وهذه المسألة تخالف رواية «الجامع» في مسألة القميص.
وإذا حلف لا يلبس خباء أو هذا الخباء فوضعه على كتفه ولم يدخل يديه فيه:
ففي الوجه الأول اختلف المشايخ بعضهم قالوا: لا يحنث على قياس ما ذكر في المناسك أن المحرم إذا فعل هكذا لا كفارة عليه.
ووجه الاستدلال به: أن محمد رحمه الله لم يجعلهُ لابساً إذ لو جعله لابساً لأوجب عليه الكفارة وبعضهم قالوا: يحنث في يمينه، لأن الخباء هكذا يلبس أيضاً.
وفي الوجة الثاني: يحنث بلا خلاف لأن اللبس المعتاد في المشار إليه غير معتبر على ما مرَّ.
وإذا حلف لا يلبس خباء أو حلف لا يلبس هذا الخباء فوضعه على اللحاف حالة النوم لا يحنث هكذا حكى ظهير الدين رحمه الله فتوى عمه شمس الإسلام رحمه الله وروايته في المعين يخالف الرواية. وإذا حلف لا يلبس ثوباً جديداً فالمروي عن محمد رحمه الله أن الجديد مالم ينكسر حتى يصير يشبه الخلق.

وذكر الصدر الشهيد رحمه الله في «واقعاته» : أن الثوب مثل العسل يحب أن يكون جديداً وبعده لا اعتبار للعرف. وإذا حلف لا يلبس قميصاً يلبس قميصاً ليس له كمان ولم تكن له نية حين حلف فإنه يحنث في يمينه، وكان يجب أن لا يحنث لأن الكم صفة من أوصاف القميص والصفة في الفائت معتبرة حتى أن من حلف لا يدخل داراً فدخل داراً مهدومة لا يحنث في يمينه؛ لأن البناء صفة من أوصاف الدار.

ووجه الفرق بينهما: أن اسم القميص يثبت للثوب وإن لم يكن له كمان الأصل بأن يقال: قميص ذو كمين، وقميص لا كم له، ويقال: اشترى للقميص كماً يسميه قميصاً وإن لم يكن له كم من الأصل فإذا لم يكن وجود الكم في القميص شرطاً لثبوت هذا الاسم في الابتداء فزواله لا يوجب زوال الاسم بوجه ما كان الاسم بدون الكم قائماً من كل وجه فيحنث في يمينه بخلاف الدار، وذلك لأن اسم الدار للأرض لا يثبت بدون البناء فإن الأرض الذي لم يكن عليه بناء الدار في الأصل لا يسمى داراً وإنما يسمى أرضاً، فإذا كان وجود البناء شرطاً لثبوت اسم الدار فزواله يوجب نقصاناً في الاسم فلا يدخل فلا يجب بحسب مطلق الاسم.
فإذا حلف لا يلبس من غزل فلانة ولا نية له فلبس ثوباً نسج من غزل فلانة يحنث في يمينه؛ لأنه عقد يمينه باللبس على عين غير ملبوس فينصرف يمينه إلى ما يصنع منه مجازاً، فإن كان نوى عين الغزل لا يحنث بلبس الثوب لأنه نوى حقيقة كلامه فصحت نيته وصارت الحقيقة مراداً فلا يبقى المجاز مراداً ولبس غير الغزل لا يحنث إلا أن يعينه لأن اليمين انصرف إلى غزل منسوج إذا لم يكن له نية.
وعلى هذا إذا حلف لا يلبس قطناً ولا نيّة له فلبس ثوب قطن يحنث في يمينه، ولو

(4/309)


لبس قباء ليس بقطن وحشوه قطن لم يحنث إلا أن ينويه لأن اليمين انصرف إلى قطن منسوج (387ب1) وما في الكتاب ليس بمنسوج، فلا يحنث به؛ إلا أن ينوي عين القطن، فحينئذ يحنث كما في مسألة الغزل.
ولو حلف لا يلبس (ثوباً من) غزل فلانة، فلبس ثوباً من غزل فلانة وغزل غيرها حيث لا يحنث في يمينه.
والفرق: أن في قوله: لا ألبس غزل فلانة شرط الحنث أن يلبس من غزلها، وقد لبس من غزلها؛ لأن اسم الغزل ينطلق على القليل، كما ينطلق على الكثير، وفي قوله: لا ألبس ثوباً من غزل فلانة، شرط الحنث لبس ثوب من غزل فلانة، ولم يلبس ثوباً من غزل فلانة إنما يلبس ثوباً بعضه من غزل فلانة، فلهذا لم يحنث.

وفي «المنتقى» : بالغ في بيان هاتين المسألتين، فروي عن محمد رحمه الله: أنه إذا حلف لا يلبس من غزل فلانة، فخلط غزلها بغزل غيرها في ثوب ولبسه قال: يحنث وإن لم يكن فيه من غزلها جزء من مائة جزء. ولو قال: لا ألبس ثوباً من غزل فلانة لم يحنث، وإن كان فيه من غزل غيرها.

وعن أبي يوسف رحمه الله: إذا حلف لا يلبس ثوباً من غزل فلانة، فلبس ثوباً من غزل فلانة فيه رقعة من غزل غيرها حنث، وكذلك لو لبس قميصاً من غزل فلانة فيه لبة من غزل غيرها أو أزراره من غزل غيرها، وكذلك لو لبس ثوباً من غزلها، وعليه علم من غزل غيرها، ولم يُنسج ثوب من غزلها وغزل غيرها إلا أن غزل غيرها في آخر الثوب وفي.... فقطع غزلها من ذلك، ولبس القطعة التي من غزل المحلوف عليها فإن كانت تباع إزاراً أورداء حنث، وإن كانت لا تباع ذلك لا يحنث وإن قطعه سراويلاً ولبسه يحنث، وإن لبس ذلك الثوب قبل أن يقطع منه ما نسج من غزل غيرها، فإنه لا يحنث، قال: ولا يشبه هذا العلم، وإذا حلف لا يلبس من غزل فلانة، فلبس ثوباً خيطه من غزل فلانة، لا يحنث في يمينه، وكذلك لو لبس ثوباً فيه مسلكة من غزل فلانة، لا يحنث في يمينه.
ولو لبس تكّة من غزلها، لم يحنث عند محمد رحمه الله، وعند أبي يوسف رحمه الله يحنث، قال الصدر الشهيد رحمه الله: وبقول محمد رحمه الله يفتى لأنه لا يُعد لابساً بلبس التكة، ورأيت في «المنتقى» رواية إبراهيم عن محمد رحمه الله: أنه يحنث في يمينه في التكة، وفي الزود والعروة ويقال بالفارسية ازكه وسا مكحه، لا يحنث، وكذلك في الزيق واللبة ويقال بالفارسية حشك وره كدينار، لا يحنث، هكذا في «فتاوى أبي الليث» رحمه الله.

وذكر القدوري رحمه الله فصل اللبة، كما ذكره الفقيه أبو الليث رحمه الله، ورواه عن محمد رحمه الله، وذكر في «المنتقى» رواية مجهولة أن في اللبة يحنث، وفي الزيق لا

(4/310)


يحنث، وروي عن محمد رحمه الله..... ويقال بالفارسية نشنان أنه، إذا كان من غزلها يحنث في يمينه، والصدر الشهيد رحمه في «واقعاته» اختار الحنث في الزيق واللبة لأنه لابس لهما، قاسه على مسألة الرقعة. وذكر شيخ الإسلام رحمهم الله في شرح أيمان «الأصل» أن في، الدخريص واللبة يحنث في يمينه لأن في الدخريص يصير ملبوساً بلبس القميص، واللبة كذلك فأما الزر والعروة لا يصير ملبوساً بلبس القميص، فلهذا افترقا، وعن أبي يوسف رحمه الله إذا رقع في ثوبه من غزل فلانة شبراً في شبر حنث.
وفي «فتاوى أبي الليث» رحمه الله: إذا أخذ الحالف من غزل فلانة خرقة، قدر شبرين، ووضع على عورته لا يحنث؛ لأنه بهذا الاسم لا يسمى لابساً، ولو لبس قلنسوة يحنث، لأنه يُسَّمى لابساً لهما.
إذا حلف لا يلبس من غزل فلانة، فلبس ثوباً من غزلها فباع الذيل إلى السرة، ولم يدخل يديه في كُميه، ورجلاً تحت اللحاف حنث في يمينه.

في «فتاوى أبي الليث» رحمه الله: وإذا حلف الرجل لا يلبس خزاً، أو حلف لا يلبس ثوباً من خز، فلبس ثوباًمن هذا الذي يسميه الناس خزاً يريد به ثوباً لحمتة خز سداه ليس بخز، أو على العكس، يحنث في يمينه، وهذا الجواب ظاهر في قوله لا ألبس خزاً مُشكل في قوله لا ألبس ثوباً من خز، لأن شرط الحنث في هذه الصورة، لبس ثوب من خز، وإذا لم يكن خزاً خالصاً، فإنما لبس ثوباً بعضه من خز، ألا ترى لو حلف لا يلبس ثوباً من كتّان، فلبس ثوباً من قطن وكتان، لا يحنث في يمينه، وإنما لا يحنث لما قلنا، والوجه في ذلك: أن الحنث في مسألة الخز لمكان العرف، فإن هذا الثوب يسمى خزّاً في العرف، وإن كان بعضه غير خز، ولا عُرف في مسألة الكتّان بأن الثوب الذي بعضه من قطن في العرف لا يسمى كتاناً، فالفارق بين الفصلين.
وإذا حلف لا يلبس حريراً، فلبس قميصاً فالعبرة للحمة دون السدى. وإذا حلف لا يلبس كتاناً، فلبس ثوباً من قطن وكتان يحنث، لأن شرط الحنث لبس الكتان، وقد وجد ويستوي أن يكون الكتان سدى أو لحمة، فرق بين هذا وبينما إذا حلف لا يلبس إبريسماً، فلبس ثوباً لحمته خز، وسداه إبريسم، فإنه لا يحنث في يمينه.
والفرق: أن الكتان لا يصير مستهلكاً بالقطن، ولا القطن بالكتان، فإن كان أحدهما سدى والآخر لحمة، لأنه لا يصير السدى عديم الرؤية، إذا كان السدى كتاناً واللحمة قطناً، لأنهما في الدقة سواء، فأما الإبريسم يصير مستمسكاً بالخز، إذا كان الإبريسم سدى، والخز لحمته لأن الإبريسم دقيق والخز ثخين، فيصير الإبريسم عديم الرؤية.

ولو حلف لا يلبس ثوب كتان فلبس ثوباً من قطن وكتان، لا يحنث في يمينه سواء كان الكتان سدى أو لحمه، فرّق بين هذا وبينما إذا حلف لا يلبس ثوب إبريسم، فلبس ثوباً من إبريسم وقطن، فإنه يحنث في يمينه إذا كان لحمته إبريسم، والفرق أنّ في

(4/311)


الإبريسم مع القطن الثوب ينسب إلى الإبريسم لا القطن فغلب (387ب1) الإبريسم على القطن في نسبة الثوب إليه، فصار وجود القطن في ذلك المسألة وعدمه بمنزلة، فأما في القطن مع الكتان، ينسب الثوب إليهما يقال: ثوب قطن وكتان، وإذا نسب إليهما، صار لابساً ثوباً بعضه من قطن وبعضه من كتان، والبعض من الثوب لا يسمى ثوباً.
وفي «المنتقى» : إذا حلف لا يلبس ثوباً من غزل فلانة فلبس كساءً من غزلها حنث، ولو حلف لا يلبس ثوباً من غزل فلانة، فلبس كساءً من غزلها، سداه قطن من غزل غيرها، فإن كان هذا الثوب ينسب إلى غزلها يحنث، كالخز.

وفيه أيضاً: إبراهيم عن محمد رحمه الله: إذا حلف لا يلبس من ثياب فلان، وفلان يبيع الثياب فاشترى منه ثوباً ولبس يحنث في يمينه.

وإذا حلف الرجل لا يلبس ثوب كذا وهو لابسه، ولا نية له، فتركهُ بعد الحلف ساعة أو يوماً حنث في يمينه، لأن اللبس مستدام، وما يستدام فدوامه يسمى باسم الابتداء، وإذا حلف لا يلبس هذا الثوب، فألقي عليه وهو نائم قال محمد رحمه الله: أخشى أن يحنث. قال الصدر الشهيد رحمه الله في «واقعاته» والمختار أنه لا يحنث لا بلبس، واللبس ملابس، وهو نظير ما لو حلف لا يدخل دار فلان فدخل وهو نائم انتبه فوجد جداره الثوب إن ألقاه كما انتبه لا يحنث في يمينه وإن تركه فاستقر عليه بعد الانتباه حنث علم أنه الثوب المحلوف عليه أو لم يعلم، وكذا ألقي عليه وهو منتبه إن القاه عن نفسه، كما ألقي عليه، لا يحنث، وإن تركه يحنث، علم أنه الثوب المحلوف، أو لم يعلم، وإذا حلف لا يلبس السروايل، أو حلف لا يلبس الخفين، فأدخل إحدى رجليه في الخف أو في السراويل لا يحنث، لأنه لا يسمى لابس الخفين، ولا لابس السراويل بإدخال إحدى الرجلين فيه.
في «الجامع الصغير» : إذا قال لامرأته: كل ثوب ألبسه من غزلك فهو هدي، فاشترى قطناً فغزلته ثم نسجته فلبسه فعليه أن يهديه، وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله: ليس عليه أن يهديه إلا أن يكون من قطن كان يملكهُ يوم حلف، ولا خلاف أن القطن والغزل إذا كان في ملكهِ يوم اليمين أنه يحنث، وإذا لم يكن في ملكه وقت اليمين، وإنما اشتراه بعد ذلك ففيه خلاف.
ووجه قولهما: أن..... إنما يصح إما في الملك أو مضافاً إلى سبب الملك، ولم يوجد ههنا ملك، ولا إضافة إلى سبب الملك، لأن الغزل واللبن ليسا من أسباب الملك، ولأبي حنيفة رحمه الله: إن النذر أضيف إلى سبب الملك، لأن الغزل سبب لوقوع الملك للزوج، لأن العادة أن المرأة تغزل من قطن زوجها، وما تغزل المرأة من قطن الزوج يصير ملكاً للزوج، ومطلق اليمين ينصرف إلى المعتاد، فهو معنى قولنا إن النذر أضيف إلى سبب ملك الزوج.

(4/312)


سئل نجم الدين النسفي عمن قال: عمن قال: الردشية زن خوشن بوشم زن آر من بطلاق بيدة زن زابو سربست قال: إن فعل ذلك على وجه العمامة حنث؛ لأنه ليس غزلها فقد قيل: لا يحنث لأن لبس الغزل على هذا الوجه ليس بمعتاد واليمين عقدت على غزل غير مشار إليه فينصرف إلى اللبس المعتاد.l
إذا قال لامرأته بالفارسية: الحوشية نوبية من أيد رايد وقال سر من جرائد فكذا فوضع يده على غزلها أو خاط به ثوباً لا يحنث في يمينه.

في «فتاوى أبي الليث» رحمه الله: إذا قال لامرأته بالفارسية الردر ابو شايم أركار كرد خويش فأنت طالق، ثم أن المرأة رقعت كرباساً إلى زوجها لينسجها بآخر فنسج ولبست المرأة لا يحنث؛ لأن اليمين وقعت على مكسوب الزوج وهذا مكسوب المرأة، وكذلك لو كان القطن من جهة الزوج وقد لبست بغير أمر لا يحنث؛ لأنه شرط الإلباس وهو لم يلبسها ولم يأمرها باللبس إنما لبست بنفسها في غير أمره.
وفي «المنتقى» : إذا حلف لا يلبس من نسج فلان فلبس ثوباً نسجهُ فلان مع غيره يحنث، ولو قال: ثوباً من نسج فلان ولبس ثوباً نسجه فلان مع غيره لا يحنث، إذا كان الثوب مما نسجه واحد فإن كان لا ينسجه إلا اثنان يحنث.
وفيه أيضاً: ولو حلف لا يلبس ثوباً من نسج فلان فلبس ثوباً نسجه غلمانه وفلان هذا هو..... عليهم، فإن كان فلان يعمل بيده لا يحنث إلا أن يلبس من عمله، وإن كان فلان لا يعمل بيده يحنث وكذلك هذه الأعمال كلها، ووقعت في زماننا أن رجلاً حلف أن لا يلبس من غزل فلان، فلبس من غزل وامرأة أخرى أمرها فلان بالغزل فأفتى بعض مشايخنا بالحنث مطلقاً، وأفتى البعض بالحنث على التفصيل الذي في مسألة النسج وهو الصحيح، وما ذكر في «المنتقى» عقيب مسألة النسج، وكذلك على الأعمال كلها يدل عليه إذا حلف بالفارسية أكرر رسمان يومه كار يوم بايكارأ بدمر فكذا فاستبدل غزلها بغزل آخر لا يحنث، ولو لبس ثوباً من غزلها إن كان قال: الرز سمان نورا كاريوم كينث وإن قال: أكرر بسمان يوما زايد فرا يحنث. في طلاق «فتاوى أبي الليث» رحمه الله.
ولو قال: أكرحامه تويكارايد مر ذكر الإمام النسفي رحمه الله، أنه على اللبس وعلى الانتفاع بقيمته، ومن المشايخ من قال: ينوي الزوج إن قال يوم اللبس فيمينه على اللبس، وإن قال: نويت الانتفاع بثمنيه فيمينه على ذلك.
وفي «فتاوى الفضلي» : إذا قال لها بالفارسية، أكرربسمان يؤمر إيكاد إيديانه سود وريان من أندزايد فكذا فباعت غزلها واشترت بثمنها المتاع من غير علم الزوج،..... الزوج لا يحنث لأنه لم يدخل عين الغزل في سودت مائة ولا يدله عين الغزل بكارنيا مدرواً الرمكا أمر بدل بكار أمر فلا يحنث فكذا في جميع هذا (388أ1) النوع من المسائل.

(4/313)


وفي «فتاوى أبي الليث» رحمه الله: إذا قال إنها بالفارسية أكورشته ماكا ركرد يويسور وريان من أندرايه فكذا فغزلت المرأة، ولبست نفسها في مسائها لا يحنث، لأن الدخول في سودريان، الدخول في الملك، ولم يوجد وإن قضت ديناً، على الزوج لا تطلق أيضاً لأنه لم يدخل في ملك الزوج أيضاً.

وإذا حلف لا يدخل لمن غزلها في سود ريان، فباع ثوباً لها، فاشترى بثمنه كسوة لابنته الصغيرة، إن اشترى ثوباً يقضي بذلك حقاً عليه حنث، سواء اشترى الثوب بإذنها، أو بغير إذنها لأن شراءه كان واجباً عليه وصار كأنه اشترى لنفسه والمشترى عوض عن الثوب الأول معنى لأنه عوض عن عوضه وإن اشترى فضل من كسوة مثله فإن اشترى بإذنها لا يحنث؛ لأن الشراء يقع للمرأة حقيقة وتقديراً، وإن اشترى بغير إذنها حنث، لأن الشراء يقع لنفسه حقيقة ومعنى ذلك المسألة هكذا في «فتاوى الفضلي» رحمه الله.
قال الصدر الشهيد رحمه الله في «واقعاته» : وفي المسألة إشكال إذا حلف لا يأكل من غزل فلانة، فباعت غزلها ووهبت الثمن لابنها، ثم إن الابن وهبه للحالف، فاشترى به الحالف شيئاً، وأكل لا يحنث، وإن اشترى شيء قبل أن تمت فأكل الحالف ثمة يحنث.
في «فتاوى أهل سمرقند» رحمهم الله امرأة تريد أن تقطع خباء لزوجها، فقال الزوج: بالفارسية الراين فباي كه برى يوسم فكذا فقطعت هذا ألبسه ولبس الحالف لزمه الحنث، لأن هذا لبس ما دامت في بيتي كونها في بيته، فإذا خرجت عن البيت سقطت اليمين وإن أراد بقوله ما دامت في بيتي كونها في نكاحه فما لم تقع الفرقة بينهما لا يرتفع اليمين.
حلفت المرأة أن لا تلبس المكعب، فلبست اللالك، فقد قيل: إن كان يسمى اللالك في العرف والعادة مكعباً يلزمها الحنث، وما لا.
حلف لا تلبس من ثوبها، ثم إن الزوج اشترى قطناً وغزلت المرأة القطن، ودفع الزوج الغزل إلى النساج حتى ينسجه بأجر، أعطاه الزوج ثم لبسه الزوج، فقد قيل: ينوى الزوج إن كان أراد بقوله من ثوبها من ثوب رشيه وي وساحيه وي يلزمه الحنث، وما لا فلا. وفي «فتاوى ما وراء النهر» إذا حلف الرجل لا يلبس من غزل امرأته فلبس قماطها رقه من غزلها وبطانية من غزل غيرها يحنث في يمينه وهذا ظاهر.
وفي «مجموع النوازل» : إذا حلف مراكندرن بريفكند فرا كنررا بنفسا نديد واشرفرا كندبرا فنكبلى إبره وبي حشو سوكند بكردن نيا بدو في «الجامع» إذا قال: إن لبستُ قميصين فكذا ولا نية له فلبس قميصاً فنزعه ثم لبس قميصاً آخر لا يحنث في يمينه، وهذا استحسان والقياس: أن يحنث، عملاً بإطلاق اللفظ، ألا ترى أنهما لو كان معينين يقع الحنث بما فعل، فكذا ههنا وجه الاستحسان: أن اللفظ وإن كان مطلقاً، إلا أنه تقيد بالعرف فإن العرف فيما بين الناس أن اللبس إذا أضيف إلى قميصين بغير أعيانهما أن يراد به المظاهرة بينها ولبسهما معاً لا مفترقاً، ألا ترى أن الرجل من نفسه أن يقول: ما لبست

(4/314)


قميصين منذ حلفت، وإن كان قد لبس قميص كثير، فإذا لم يظاهر بينهما لصورة أو لمعنى من المعاني، ومثل هذا العرف لم يوجد في المعين، لأن لا يستجيز من نفسه أن يقول ما لبست هذين القميصين منذ خلقت، إذا كان لبسهما على التعاقب، فنعمل في المعينين بإطلاق اللفظ.

وفي «المنتقى» : إذا حلف لا يلبس هذا الثوب، فاتخذها قلنسوة ولبسها لا يحنث في يمينه، لأن اسم الثوب لا يبقى، ولو قطع منه قميصاً ففضل منه فضلة غير القميص قدر لبسه، ولبس القميص يحنث لأن اسم الثوب باق، وما بقي لا يقيد به، فكان لابساً جميع الثوب، وصار كما لو حلف لا يأكل رُمّانة فأكلها إلا حبة أو حبتين حنث استحساناً، وطريقه ما قلنا.

وفي «القدوري» ذكر هذه المسألة فزاد عليها فقال: ولو اتخذه جوارب ولبسها لا يحنث، لأن اسم الثوب ليس بباق، وإذا قال لامرأته رسته ثوبه بوشم وله ثيابٌ اتخذ من غزلها قبل الحلف، وثياب اتخذ من غزلها بعد الحلف فيمينه عليهما الإطلاق اللفظ. وفي «الزيادات» إذا قال عبده حر إن لا يجعل من هذا الثوب خباء وسراويلاً، وجعله خباء ثم نقضه وجعله سراويلاً بر؛ لأن شرط البر أن يجعل من هذا الثوب خباء وسراويلاً مطلقاً غير مقيد بالدفعة والجمع والتفريق وقد وجد؛ لأن اسم الثوب لا يزول بجعله خباءً، ألا ترى أنه لو حلف لا يلبس هذا الثوب فخاطه خباء ولبسه يحنث، وإذا لم يزل اسم الثوب بجعله خباء فإنما جعل السراويل من ذلك الثوب وجعل الخباء منه أيضاً، فوجد شرط البر إلا أن يعني أن يجعل من بعضه الخباء ومن بعضه السراويل فحينئذ إذا فعل كما قلنا يحنث في يمينه، لأنه نوى أن يجعل ذلك بدفعة واحدة، فكان ناوياً المقيد من المطلق وإنه جائز، وفيه تغليظ عليه فيصدق في ذلك.
وحكي عن الشيخ الإمام الجليل أبي بكر محمد بن الفضل البخاري رحمه الله أنه قال: ينظر إلى سابقة كلامه، إن دلت سابقة كلامه على أنه أراد بهذا أن يجعلهما معاً بأن ذكر حذاقة الخياطة، أو سعة الثوب، فهو أن يجعلهما دفعة واحدة، وإن لم يدل فهو على الجملة والتعاقب.
وكان أبو القاسم الصفار يقول: إذا لم يجعل من بعضه خباء، ومن بعضه سراويلاً يحنث على كل حال، لأنه ذكر بكلمة من وكلمة من للتبعيض، إلا أنا نقول من تذكر للتمييز يقال: هذا الخاتم من الحديد، والمراد تمييز هذا الثوب من سائر الثياب.

ولو قال: إن لم يجعل من هذه الملحفة، أو من هذا الإزار أو من هذا الرداء سراويلاً وخباء فكذا فجعلها خباء ثم نقضها فجعلها سراويلاً حنث في يمينه، لأن اسم الملحفة زال بجعلها خباء، فإنما جعل السراويل من الخباء لا من الملحفة، وشرط بره أن يجعله من الملحفة ولم يوجد، وإن كانت الملحفة (388ب1) . لا تسع لهما حنث للحال؛ لأن البر مأيوس الوجود.
وإذا حلف ليقطعنّ من هذا الثوب قميصين، فقطعه قميصاً وخاطه ثم فتقه وقطعه

(4/315)


قميصاً آخر على غير ذلك التقطيع، وعن محمد رحمه الله فيه روايتان، وعن أبي يوسف رحمه الله أنه لا يحنث.

ولو حلف ليخيطنّ من هذا الثوب قميصين فقطعه وخاطه قميصاً ثم فتقه وخاطه قميصاً آخر لا يحنث بلا خلاف.
وعن محمد رحمه الله فيمن حلف لا يلبس هذا الثوب فقطعه سراويلاً فلبس سراويلاً بعد سراويل لا يحنث في يمينه.
وإذا حلف لا يلبس حُليّاً فلبس خاتم فضة لا يحنث في يمينه.
علل في الكتاب فقال: لأنه ليس بحلي معناه ليس بحلي كامل أو ما هو حُلي ناقص؛ لأن الحلي ما يستعمل للتزين لا محالة والخاتم إذا كان من فضة كما يستعمل للتزين يستعمل لغيره، وهو إقامة السَّنة وإذا كان يستعمل للتزين وغيره كان ناقصاً في معنى الحلي، فلا يدخل تحت مطلق اسم الحلي ولو لبس خاتم ذهب يحنث، لأنه لا يستعمل إلا للتزين، فكان كاملاً في معنى الحلي.
وكذلك لو حلفت المرأة أن لا تلبس حُلياً فلبست خاتماً من ذهب تحنث، ولو لبست خاتم فضة لم تحنث هذا هو ظاهر الرواية قالوا: وهذا إذا كان مصنوعاً على هيئة خاتم الرجال، أما إذا كان مصنوعاً على هيئة خاتم النساء مما له فصّ يحنث، وقال بعضهم: لا يحنث على كل حال. قال: والأول أصح. وفي «البقالي» عن محمد رحمه الله أن خاتم الفضة حلي مطلقاً.

وفي «المنتقى» : رواية إبراهيم عن محمد رحمه الله أن المنطقة المفضضة والسيف المحلى ليس بحلي. قال: والحلي ما تلبسه النساء. والخلخال والد ملوج والسوالت حلي، لأنه لا يستعمل إلا للتزين، وإذا حلفت امرأة أن لا تلبس حليّاً، فلبست عقد لؤلؤة لا تحنث في قول أبي حنيفة رحمه الله إلا أن يكون معه ذهب، وقال أبو يوسف رحمه الله ومحمد رحمه الله تحنث ولا خلاف بينهم أنه إذا كان مُرصعاً بشيء من الذهب والفضة إنه تحنث لأن ذلك حلي. وإنما الخلاف فيما إذا لم يكن مرصعاً. وعلى هذا الخلاف إذا لبست عقد زبرجد أو زمرد غير مرصع هما يقولان اسم الحلي يتناول اللؤلؤ الخالص، قال الله تعالى: {تستخرجون حلية تلبسونها} (النحل: 14، فاطر: 12) ولا يستخرج من البحر المرصع إنما يستخرج اللؤلؤ الخالص. ولأبي حنيفة رحمه الله أن العادة لم تجر بالحلي إلا مرصعاً بذهب أو فضة فأمّا وحده فلا.
قال بعض مشايخنا: على قول أبي حنيفة رحمه الله: لا بأس بأن يلبس الغلمان اللؤلؤ، وكذلك الرجال وكذلك قياس قوله في اللؤلؤ أن الذهب والفضة لا يكون حلياً إلا أن يصاغ، كما أن اللؤلؤ لا يكون حلياً إلا (أن) يصاغ ولا يصاغ اللؤلؤ إلا بالترصيع، حتى إن المرأة إذا علقت في عنقها شيئاً من الذهب والفضة غير مصنوع يجب أن لا تحنث على قياس قوله، وقد قيل الاختلاف في هذه المسألة اختلاف عصر وزمان، ففي زمان أبي حنيفة رحمه الله لم يتعارف النساء لبس اللؤلؤ على الانفراد، ولم يعده الناس حلياً، فأفتى

(4/316)


بما عاين في زمانه، وفي زمن أبي يوسف رحمه الله ومحمد رحمه الله تعارف النساء لبسه على الانفراد، وكان الناس يعدون ذلك حلياً فأفتيا بما عاينا في زمانهما، وقولهما أقرب إلى عرف ديارنا.

وإذا حلف الرجل لا يلبس شيئاً من السواد فلبس قلنسوة سوداء وخفين أسودين أو نعلين أسودين أو فرواً أسود حنث في يمينه. ولو قال: لا ألبس السواد فهذا على الثياب، ولا يحنث في الخفين والنعلين والفرو. روى بشر عن أبي يوسف رحمه الله في هذه المجلدة......... رحمه الله.
وإذا حلف لا يلبس سلاحاً فتقلّد سيفاً أو.... قوساً أو فرساً لم يحنث، قال: إذا كانت اليمين بالفارسية بأن قال سلاح في توشم يحنث بهذه الأشياء، ولو لبس درعاً من حديد يحنث، ولو حلف لا يلبس شيئاً فلبس درعاً من حديد أو خفين أو قلنسوة يحنث في يمينه. وأن لا يكسو فلاناً شيئاً ولا نية له فأعطاه دراهم يشتري بها ثوباً لا يحنث، ولو أرسل إليه بثوب كسوة حنث، ولو كساه قلنسوة أو خفين أو جوربين حنث. وعن محمد رحمه الله أن الكسوة عبارة عما يجري في كفارة اليمين. ولو حلف لا يكسو فلاناً فكساه قلنسوة أو خفين لا يحنث بلا خلاف.

نوع آخر في الدخول
بسم الله الرحمن الرحيم: رجل قال: إن دخلت هذه الدار فكذا وهو داخل فيها فدام على ذلك لم يحنث استحساناً، والقياس أن يحنث، لأن اسم الدخول يقع على دوامه، ألا ترى أنه لو نوى بالدخول الدوام صحت نيتّه، عليه محمد رحمه الله في «الأصل» .
وجه الاستحسان: أن الدخول فعل لا يمتد فلا يُعطى لدوامه حكم الابتداء، وهذا هو الأصل في جنس الأفعال: أن ما لا يمتد من الأفعال لا يُعطى لدوامه حكم الابتداء، وما يمتد من الأفعال يعطى لدوامه حكم الابتداء. والفارق بين الممتد وغير الممتد من الأفعال صحة قرار المدة وعدم صحته. فكل فعل يصح قرار المدة به فهو مما يمتد وذلك كالسكنى والركوب واللبس والنظر والقيام والعقود، فإنه يصح أن يقال: سكن في الدار يوماً ونظر إلى فلان يوماً، وقعد في مكان كذا يوماً، وقام يوماً فكل فعل لا يصح قرار المدة به فهو مما لا يمتد. وذلك كالدخول والخروج فإنه لا يستقيم أن يقال: خرج يوماً من الدار ودخل يوماً في الدار، والدليل عليه أنه لا يستقيم أن يقال للداخل في الدار: ادخل، ولا يستقيم أن يقال للخارج منها اخرج منها.
وإذا حلف لا يدخل هذه الدار فأدخل إحدى رجليه في الدار ولم يُدخل الأخرى لا يحنث في يمينه، هكذا ذكر محمد رحمه الله في «الأصل» . بعض مشايخنا قالوا هذا إذا

(4/317)


كان الجانبان مستويين فأما إذا كان (389أ1) الداخل أسفل يحنث في يمينه، وبعضهم قالوا: العبرة للاعتماد إن كان الاعتماد على الرجل الداخلة، وإن كان الاعتماد على الرجل الخارجة لا يحنث. إلا أن في ظاهر رواية أصحابنا لا يصير داخلاً بإدخال أحد الرجلين، وبه (أفتى) الحلواني رحمه الله وشمس الأئمة السرخسي رحمه الله، هذا إذا كان يدخل قائماً. وأما إذا كان مستلقياً على ظهره أو بطنه أو جنبه فقد خرج حتى صار بعض بدنه داخل الدار، إن صار الأكثر داخل، الدار يصير داخلاً وإن كان ساقاه خارج الدار هكذا روي عن محمد رحمه الله. ولو أدخل رأسه دون قدميه لم يحنث. وكذلك لو تناول شيئاً بيده.

وإذا حلف لا يدخل دار فلان فاحتمله إنسان وأدخله وهو كاره لم يحنث. قالوا: وهذا على وجهين: إما أن يكون بحال لا يمكنه الامتناع عنه، أو يمكنه الامتناع، فإن كان لا يمكنه الامتناع عنه لا يحنث في يمينه، لأن شرط الحنث وهو دخوله لم يوجد لا حقيقة ولا اعتباراً، وإن كان يمكنه الامتناع فقد اختلف المشايخ فيه، وينبغي على قياس قول أبي حنيفة وأبي يوسف أنه لا يحنث لما نبين بعد هذا إن شاء الله. هذا إذا احتمله إنسان فأدخله مكرهاً.

فأما إذا هدده بالدخول فدخل بقدميه فقد اختلف المشايخ فيه أيضاً، بعضهم قالوا: لا يحنث، وبعضهم قالوا: يحنث، وبعضهم قالوا: إن أمكنه الامتناع عن الدخول مع هذا دخل يحنث، وإن لم يمكنه الامتناع عنه لا يحنث، ولو احتمله إنسان وأدخله وهو راض عليه إلا أنه لم يأمره بذلك فقد اختلف المشايخ فيه، ووجدت في «المنتقى» عن أبي حنيفة وأبي يوسف أنه لا يحنث، فعلى قياس هذه المسألة فحينئذ يجب أن يكون قولهما فيما إذا دخل مكرهاً أن لا يحنث. وإن كان أمره بذلك يحنث، لأنه وجد الدخول فيه اعتباراً وإن كان يمر بين يدي الدار فزلق رجله فحصل في الدار لم يذكر محمد رحمه الله هذا الفصل في شيء من الكتب. وقد اختلف المشايخ فيه، بعضهم قالوا: يحنث لأن حصوله في الدار مضاف إلى فعله، وقال بعضهم: لا يحنث لأنه حصل في الدار مكرهاً لا باختياره، وصار كما لو احتمله إنسان وأدخله في الدار مكرهاً. وإن دخلها على دابة حنث، إلا أن تكون الدابة قد انقلبت وهو راكبها ولا يستطيع إمساكها فدخلت الدار فإنه لا يحنث في يمينه، لأنه صار مسلوب الاختيار لما انقلبت ولم يمكنه إمساكها.
وإذا حلف لا يدخل بيتاً فدخل المسجد أو الكعبة لا يحنث، وإن سمى الله تعالى الكعبة بيتاً في قوله: {إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة} (آل عمران: 96) وتُسمى سائر المساجد بيوتاً في قوله: {في بيوت أذن اأن ترفع} (النور: 36) لأن اسم البيت للمساجد مجاز، لأن البيت اسم لما اتخذ للبيتوتة، والمسجد ناقص في معنى للبيتوتة فإنه لا يبات (فيه) ، ومطلق الاسم ينصرف إلى الحقيقة. ولذلك لو دخل بيعة أو كنيسة لم يحنث، لأن الكفار إنما بنوا البيعة والكنيسة للصلاة، لا للبيتوتة فلا يكون بيتاً مطلقاً، وإن دخل دهليزاً لم يحنث لأن الدهليز ما بني للبيتوتة فيه.

(4/318)


قال مشايخنا: هذا إذا كان الدهليز بحال لو أغلق الباب يبقى خارج البيت، فأمّا إذا بقي داخل البيت وهو مسقف يجب أن يحنث في يمينه، لأنه يصلح للبيتوتة، وإن دخل صفة يحنث وهذا على عرف أهل الكوفة، لأن صفتهم على هيأة البيوت؛ لأنها ذات حوائط أربعة عندهم، فيكون بيتاً. وفي عرفنا الصفة لا تكون على هيأة البيوت، لأنها ذات حوائط ثلاثة فلا تكون بيتاً، ولو دخل ظلة على باب الدار ولا يكون فوقه بناء إلا أن مفتحه إلى الطريق الأعظم أو إلى السكة لا يحنث إذا كان عقد يمينه على بيت شخص بعينه، لأنه ليس من جملة بيته.
وفي «فتاوى أبي الليث» : إذا قال الرجل: إن دخلت دار فلان فكذا فمات فلان فدخل داره، فهذا على وجهين إن لم يكن على صاحب الدار دين أصلاً أو كان عليه دين مستغرق فإنه لا يحنث بلا خلاف، لأن الدار تصير ملكاً للوارث بلا خلاف، وإن كان عليه دين مستغرق، قال محمد بن سلمة: يحنث، وقال الفقيه أبو الليث: لا يحنث. قال الصدر الشهيد: والفتوى على قول أبي الليث؛ لأن التركة المستغرقة بالدين إن لم تملكها الورثة لا تبقى على ملك الميت حقيقة، لأن الميت ليس من أهل الملك، لو بقي على ملكه يبقى حكماً فلم يدخل دار فلان مطلقاً فلم يتحقق شرط الحنث.

إذا قال: إن وضعت قدمي في دار فلان فكذا، فوضع إحدى رجليه في داره لا يحنث على ما هو جواب ظاهر الرواية، لأن وضع القدم في هذه الصورة صار مجازاً عن الدخول، فكأنه قال: إن دخلت دار فلان فكذا، وهناك إذا أدخل إحدى رجليه في دار فلان لا يحنث في يمينه كذا ها هنا.
وإذا حلف لا يدخل دار فلانة، فدخل دارها وزوجها ساكن فيها لا يحنث لأن الدار تنسب إلى الساكن، والساكن هو..... في «فتاوى أهل سمرقند» .
وفي «المنتقى» : إذا قال: والله لا أدخل دار فلان، فدخل دار فلان، (وفلان) ساكن فيها مع امرأته والدار لها حنث. وكذلك لو قال: والله لا أدخل دار فلانة فدخل عليها وهي في دار زوجها ساكنة معه يحنث. فهذه الرواية تخالف ما ذكر في «فتاوى أهل سمرقند» .
وفي «فتاوى الفضلي» : إذا حلف لا يدخل دار فلان فدخل دار فلان (وفلان) فيها ساكن والدار لامرأته، وذكر فيها تفصيلاً فقال: إن لم تكن لفلان دار تُنسب إليه سوى هذه الدار يحنث؛ لأن الحالف (389ب1) أراد هذه الدار. وإن كان له دار أخرى تنسب إليه لا يحنث، وهذا الجواب بخلاف ما ذكر في «المنتقى» ، فإنه ذكر المسألة في «المنتقى» من غير تفصيل، ورأيت في موضع آخر إذا حلف لا يدخل داراً لفلانة فدخل داراً لزوج فلانة وهي ساكنة معه إنه إن لم تكن لفلانة دار أخرى تنسب إليها يحنث، وإلا فلا يحنث، ولم يذكر هذا التفصيل في «المنتقى» .

(4/319)


وإذا حلف لا يدخل دار فلان وفلان يسكن مع أبيه في الدار بالعلية. والأب هو الذي استأجر الدار، فقد قيل: إنه لا يحنث، وعلى قياس ما ذكر في «المنتقى» ينبغي أن يحنث بلا تفصيل، وعلى قياس ما ذكر في «فتاوى الفضلي» يجب أن تكون المسألة على التفصيل، إن كان للابن دار أخرى تنسب إليه سوى هذه لا يحنث، وإلا فيحنث.
ولو حلف لا يدخل من باب هذه الدار فدخل من غير الباب لم يحنث؛ لأن اليمين انعقدت على دخول موصوف بصفة، ولا يحنث ما لم توجد تلك الصفة، وإن ثقب باباً آخر فدخله حنث، لأن اليمين انعقدت على الباب المنسوب إلى الدار، فيستوي فيه القديم والحديث، ولو عيّن ذلك الباب في اليمين لم يحنث في غيره وهذا ظاهر.
m
ولو لم يعينه ولكن نوى ذلك لا يُدين في القضاء لأنه خلاف الظاهر.
وإذا حلف لا يدخل بيتاً لفلان، ولم يسمّ بيتاً بعينه، ولم ينوه فدخل بيتاً يسكنه فلان بإجارة أو عارية فيحنث في يمينه عند علمائنا رحمهم الله، خلافاً للشافعي.
وإذا حلف لا يركب دابة فلان أو حلف لا يستخدم عبد فلان فركب دابة أو استخدم عبداً هو في يد فلان بإجارة أو عارية لا يحنث في يمينه بلا خلاف. والوجه لعلمائنا أنه عقد يمينه على بيت مضاف إلى فلان إضافة مطلقة فينصرف يمينه إلى الدار المضافة إلى فلان بملك الرقبة وبملك المنفعة جميعاً إذ إضافة العقار بملك المنفعة حقيقة، كما أن إضافته بملك الرقبة حقيقة لأن إضافة العقار بملك المنفعة ثابتة شرعاً وعرفاً.

فأما شرعاً فلما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلّممر..... فأعجبه فقال «لمن هذا» ؟ فقال رافع * يريد (ابن) خديج * لي استأجرته، فرافع أضاف إلى نفسه ولم ينكر رسول الله صلى الله عليه وسلّم
وأما عرفاً فإن في العُرف يقال: هذا منزل فلان، وإن كان فلان يسكن فيها بإجارة أو عارية، وإذا كان إضافة العقار بملك ثابتة شرعاً وعرفاً كانت حقيقة كالاسم، متى ثبت الشيء عرفاً وشرعاً كان حقيقة كاسم الصلاة فثبت أن هذه الإضافة في العقار فينصرف اليمين إليها ولا كذلك العبد والدابة؛ لأن إضافة العبد والدابة بملك المنفعة ليست بحقيقة بل هي مجاز لأنها غير ثابتة شرعاً وعرفاً.

ولو حلف لا يدخل بيتاً لفلان فدخل بيتاً قد آجره من غيره، ذكر بعض مشايخنا في «شرحه» أن فيه اختلاف المشايخ، وذكر بعضهم أن عن أصحابنا فيه روايتين، في رواية يحنث من غير نيّة، وفي رواية لا يحنث (إلا) بالنيّة. فقيل: ما روي أنه لا يحنث إلا بالنّية قول أبي حنيفة رحمه الله وأبي يوسف رحمه الله، وما روي أنه يحنث من غير نيّة قول محمد، وذكر في «القدوري» روايتان عن محمد رحمه الله، ولم يذكر قول غيره.
ولو كان للمحلوف عليه (دار) يسكنها ودار غلة، فدخل دار الغلة لا يحنث، إذا لم يدل الدليل على دار الغلة؛ لأن داره مطلقاً دار يسكنها.

(4/320)


في «فتاوى أبي الليث» : وإذا حلف الرجل لا يسكن حانوتاً لفلان فسكن حانوتاً قد أجره من غيره، فإن كان المحلوف عليه ممن يسكن حانوتاً لم يحنث بسكنى هذا الحانوت على إحدى الروايتين كما في البيت، وإن كان ممن لا يسكن حانوتاً لما عرف من مقصود الحالف، فإنّ من حلف لا يسكن حانوت الأمير يعلم كل واحد مراده حانوت هو ملك الأمير.
وفي «القدوري» : إذا حلف لا يدخل دار فلان فدخل داراً مشتركاً بينه وبين غيره، فإن كان المحلوف عليه ممن يسكن الدار يحنث، وإن كان لا يسكنها لا يحنث؛ لأنه إذا كان لا يسكنها فالإضافة باعتبار الملك، والملك في الكل غير.....إليه، وإن كان الدار مشتركاً بين المحلوف عليه وبين غيره، وكل واحد منهما يسكن بيتاً منها على حدة فدخل الحالف صحن الدار أو دهليزاً لا يحنث في يمينه، هكذا قيل.
وفي «المنتقى» عن محمد رحمه الله: إذا قال لغيره: والله لا أدخل دارك، وللمحلوف عليه دار ملك يسكنها، والحالف لم ينوِ هذه الدار بعينها، ثم إن المحلوف عليه تحول من هذه الدار إلى دار أخرى وسكنها بإجارة أو عارية فدخل الحالف عليه يحنث. وإن كان نية الحالف على دار هي ملك المحلوف عليه وباقي المسألة بحالها لا يحنث.

وفيه عن أبي يوسف إذا قال لغيره: لا أدخل منزلك فهذا على المنزل الذي هو فيه، فإن تحوّل إلى منزل آخر فدخل عليه لم يحنث. وإذا دخل داراً للمحلوف عليه غير الدار التي المحلوف ساكن فيها يوم حلف لم يحنث.
وفيه أيضاً: إذا حلف الرجل لا يدخل منزل فلان، ثم إن الحالف مع المحلوف عليه اكتريا منزلاً فيها أبيات، والحالف في أبيات منها على حدة، والمحلوف عليه في أبيات منها على حدة، والساحة واحدة، فالحالف حانث وكل واحد منهما داخل في منزل صاحبه؛ لأن الساحة بينهما، وهذا بخلاف مسألة الدار المشتركة التي تقدّم ذكرها، وهي ما إذا دخل الحالف صحن الدار المشتركة التي يسكن الحالف في بيت منها، وشريكه في بيت منها؛ لأن هناك عقد اليمين باسم الدار واسم الدار لا ينطلق على بعضه، ها هنا عقد اليمين باسم المنزل والمنزل مشتق من النزول والنزول يأتي في البعض كما يأتي في الكل.
سُئِل الفقيه أبو القاسم عمن حلف (390أ1) وقال: إن أدخلت فلاناً بيتي فهذا على أن يدخل فلان بيته بأمره، وبغير أمره، بعلمه وبغير علمه، ولو قال: إن تركت فلاناً يدخل بيتي فهذا (على) أن يدخل بعلمه، ولا يمنعه.
وسئل أبو نصر عمن قال لامرأته: إن دخل فلان دارك ودخلت دار فلان فأنت طالق، فدخلت دار فلان ولم يدخل فلان دارها، ولم تدخل هي دار فلان، قال: طلقت امرأته لأنه لا يراد بهذا الجمع وإنما يراد به أن لا يفعل ذلك واحد منهما، لأن الغرض هو المنع عن المخالطة بالكلية.

(4/321)


حلف لا يدخل دار امرأته فباعت المرأة الدار من رجل واستأجرها الحالف من المشتري ثم دخلها؛ فإن كان كراهة الدخول لأجل الدار يحنث، لأن اليمين انعقدت على عين الدار، وذكر المرأة للتعريف، وإن (كان) كراهة الدخول لأجل المرأة لا يحنث، لأن اليمين انعقدت لأجل النسبة، وقد انقطعت النسبة، وستأتي هذه المسألة بعد هذا في فصل الحلف ما يقع على الملك القائم وما يقع على الملك الحادث.

إذا قال لامرأته: إن دخلت الدار فنسائي طوالق، فدخلت الدار طلقت هي وغيرها، لأن عند الدخول يصير قائلاً نسائي طوالق، وإذا قال: إن وضعت قدمي دار فلان فكذا فدخلها راكباً أو ماشياً بحذاء أو بغير حذاء يحنث في يمينه لأن وضع القدم في عرف الاستعمال صار عبارة عن الدخول مجازاً، وإذا صار عبارة عن الدخول مجازاً، كأَنه قال: والله لا أدخل فهناك بأي طريق دخل يحنث في يمينه، كذا ههنا. وإن نوى حين حلف أن لا يضع قدمه فيها ماشياً صحت نيّته، وإذا دخلها راكباً لا يحنث في يمينه لأنه نوى حقيقة كلامه، ومن نوى حقيقة كلامه يصدق ديانة وقضاءً.

وإذا حلف (لا يدخل) دار فلان، فقام على حائط من حيطانها حنث في يمينه، لأن الحائط من الدار ألا ترى أنه يصير مبيعاً ببيع الدار.
قال الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل رحمه الله: وهذا إذا كان الحائط كله لصاحب (الدار) ، فأما إذاكان مشتركاً بينه وبين الجار لا يحنث في يمينه، كما لو دخل داراً مشتركاً قال الفقيه أبو الليث: ما ذكر من الجواب فيما إذا كان الحالف من بلاد العرب، فأما إذا كان من بلاد العجم لا يحنث في يمينه بالقيام على حيطان الدار وعليه الفتوى.
وكذلك لو حلف لا يدخل هذه الدار فقام على سطحها فجواب «الكتاب» أنه يحنث، واختيار الفقيه أبي الليث رحمه الله فيما إذا كان الحالف من بلاد العجم أنه لا يحنث وعليه الفتوى. ولو قام على إسكفة الباب فإن كان الباب إذا أغلق كانت الإسكفة خارجة منه لم يحنث، وإن كان داخل الباب حنث. وإذا حلف لا يدخل بيت فلان ولا نيّة له فدخل في صحن داره لا يحنث حتى يدخل البيت، لأن شرط الحنث الدخول في البيت، وهو لم يدخل البيت هكذا ذكر في «الأصل» . قالوا: وهذا على عرف ديارهم فأما في عرف ديارنا الدار والبيت واحدة، فإذا دخل صحن الدار يحنث وعليه الفتوى.
وفي «فتاوى الفضلي» : إذا حلف الرجل وهو جالس في بيت من المنزل إن دخلت هذا البيت فكذا، فاليمين على دخول البيت حتى لو دخل في صحن الدار وفي صحن المنزل لا يحنث، قال: وهذا إذا كان اليمين بالعربية، فأما إذا كان في يمينه بالفارسية بأن قال: اكرمن به ابن خانة ايدراتم فكذا فاليمين على دخول المنزل، فإن قال: عنيت دخول ذلك البيت صدق ديانة لا قضاءً، لأن اسم خانة بالفارسية لجميع المنزل وكذلك البيت اسم خاص، أما كان بيانه وانا رمستاني وهذا كله إذا لم يشر إلى بيت بعينه، فإن أشار فالحكم كذلك.
وفي «فتاوى أبي الليث» : شجرة أغصانها في دار رجل فحلف رجل أن لا يدخل

(4/322)


دار ذلك الرجل فارتقى تلك الشجرة، فإن ارتقى غصناً لو سقط، سقط في الدار يحنث إذا كان الحالف من بلاد العرب، وإن كان من بلاد العجم لا يحنث، بمنزلة ما لو قام على سطح الدار أو على حائط من حيطانها وعليها الفتوى.
إذا حلف لا يدخل في هذه السكة، فدخل داراً في تلك السكة من طريق السطح ولم يخرج إلى السكة، قال الفقيه أبو بكر الإسكاف: هذا إلى عدم الحنث أقرب. وإذا حلف لا يدخل سكة فلان فدخل مسجداً في السكة ولم يدخل السكة ذكر هذه المسألة في «فتاوى أبي الليث» ، وقال: لا يحنث، ولم يذكر فيها الخلاف كما ذكر في المسألة الأولى، وهكذا ذكر المسألة من غير ذكر الخلاف في «فتاوى الفضلي» ، وذكرنا في متفرقات كتاب الطلاق أنه إذا كان للدار التي دخل فيها باب في السكة المحلوف عليها إنه يحنث في يمينه.

وذكر في «واقعات الناطقين» مسألة تؤيد ما ذكرنا في متفرقات الطلاق، وصورة ما ذكر ثمة إذا حلف لا يدخل محلة أردان فدخل داراً لها بابان أحد بابيها مفتوح إلى محلة أردان والباب الآخر مفتوح إلى محلة رود يحنث في يمينه لأن الدار تنسب إلى المجلس جميعاً، ولمسألة السكة تفريعات تنظر في متفرقات الطلاق.

إذا حلف لا يدع فلاناً يدخل هذه الدار، فإن كان يملك هذه الدار، فمنعه بالقول والفعل، وإن كان لا يملك فمنعه بالقول لا غير، في الباب الأول من أيمان «الواقعات» ، وقد ذكرنا من هذا الجنس في آخر فصل المتفرقات من كتاب الطلاق.
وفي «نوادر (ابن) سماعة» عن محمد إذا حلف لا يدخل هذا المسجد فزيد فيه طائفة من دار الحصبة فدخل الموضع الذي زيد فيه لا يحنث. ولو حلف لا يدخل مسجد بني فلان وباقي المسألة بحالها فدخل الموضع الذي زيد فيه يحنث، قال: وكذلك في الدار إذا قال: هذه الدار، أو قال: دار فلان، إذا قال: لا يدخل دار فلان إلا خبري سكفني إن نزلت بهم بلية أو قتل أو موت فدخل لا يحنث، لأنه يراد بقوله سكفني هذه الأشياء.
في «النوازل» وفيه أيضاً: إذا حلف لا يدخل رياً أو مدينة ري أو حلف لا يدخل بلخ أو قال مدينة بلخاً أو حلف لا يدخل قرية كذا فهذا على العمران، وكذلك إذا حلف لا يشرب الخمر في هذه القرية، فهو على العمران حتى لو شرب في ضياعها أو في كرومها لا يحنث في يمينه. قال ثمة: وهذا بخلاف ما لو حلف لا يدخل كورة كذا، أو رستاق كذا فدخل في أراضيها حيث يحنث. وقد قيل: بأن الكورة (390ب1) اسم للعمران أيضاً، وهو الأظهر فالبلدة اسم للعمران أيضاً، واختلف المشايخ في بخارى والفتوى في زماننا على أنه اسم العمران. وأما شام اسم للولاية وكذلك اسم خراسان وكذلك الأرمينية حتى لو حلف على واحد من هذه المواضع لا يدخلها فدخل قرية من قراها يحنث، وكذلك فرغانة وسعد وتركستان فهو اسم للولاية.
وفي «القدوري» : لو حلف لا يدخل دار فلان وهي من الدور المشهورة بأربابها مثل دار عمرو بن حريب فدخلها؛ لأن الإضافة إلى الأرباب على طريق النسبة دون الملك،

(4/323)


والنسبة قائمة. وفيه أيضاً: لو حلف لا يدخل هذه الحجرة فدخلها بعد ما كسرت لا يحنث، وليست الحجرة كالدار لأن الحجرة اسم لما حجر بالبناء فصار نظير البيت.
وفيه أيضاً لو حلف لا يدخل هذه الدار إلا مجتازاً فدخلها وهو لا يريد الجلوس لا يحنث، لأنه دخل على الوصف المستثنى، ولو دخل يعود مريضاً ومن رأيه الجلوس عنده حنث؛ لأنه دخل على غير الوصف المستثنى، وإن دخل لا يريد الجلوس ثم بدا له بعد ما دخل فجلس لم يحنث أيضاً؛ لأن الدخول وجد على الوصف المستثنى وبعد ذلك هو مُكث والمكث ليس من الدخول.

قال: وكذلك لو حلف لا يدخل هذه الدار إلا عابر سبيل إلا أن ينوي لا يدخلها يريد النزول فيها، لأنه يقال: رجل عابر سبيل إذا لم يستقر. وفي «المنتقى» : من هذا الجنس: إذا حلف لا يدخل السوق إلا مجتازاً، فدخل ومن رأيه أن يشتري شيئاً من غير أن يجلس لم يحنث، وإن بدا له فجلس لا يحنث أيضاً، وإن دخل ومن رأيه الجلوس حنث.
ولو حلف لا يدخل دار فلان فأشرع المحلوف عليه بيتاً من داره واتخذه حانوتاً، وليس له باب في الدار، فدخله الحالف يحنث، لأنه من جملة ما أحاطت به الدار. وعن أبي يوسف فيمن حلف لا يدخل دار فلان فدخل بيتاً من هذه الدار قد أشرع إلى الطريق وليس له باب إلى الدار لا يحنث. ولو حفر تحت تلك الدار شرباً أو قناة فدخلها الحالف لم يحنث، إلا أن يكون من هذه القناة مكان مكشوف إلى الدار يستقي منه أهل الدار، فإذا بلغ ذلك المكان المكشوف حنث، وإن لم يبلغ ذلك المكان المكشوف لا يحنث. ولو كان المكشوف شيئاً قليلاً لا ينتفع به أهل الدار وإنما هو للضوء، فبلغ الحالف ذلك الموضع لا يحنث. لأن القناة تحت الدار إذا لم يكن لها منفذ لا تعد من الدار، وإن كان لها منفذ تعد من مرافق الدار بمنزلة بئر الماء، ومتى كان للضوء فليس ذلك من مرافق الدار فلا يعد داخله داخلاً في الدار.

وفي «القدوري» : إذا قال: عبده حر إن دخل هذه الدار إلا أن ينسى فدخلها ناسياً ثم دخلها ذاكراً لا يحنث في يمينه، لأن كلمة إلا كلمة عامة ككلمة حتى فينتهي اليمين بالدخول ناسياً فإذا دخلها بعد ذلك دخلها واليمين منتهية.
ولو قال: عبده حر إن دخل هذه الدار إلا ناسياً، فدخلها ناسياً ثم دخلها ذاكراً يحنث، لأن اليمين مطلق لا غاية لها والمستثنى منها دخول بصفة النسيان، فالدخول متعمداً يكون مستثنىً منه.
إذا حلف لا يدخل دار فلان فعمد فلان إلى بيت فسدّ بابه من قبل داره وجعله إلى دار الحالف فدخله الحالف لا يحنث في يمينه، لأنه صار منسوباً إلى الأخرى.
ومن هذا الجنس: إذا حلف لا يدخل هذه الدار فاشترى صاحب الدار بيتاً إلى جنبها وفتح باب البيت إلى هذه الدار، وجعل طريقه فيها وسدّ باب البيت الذي كان في الدار الأخرى، فدخل الحالف هذا البيت من غير أن يدخل الدار التي حلف عليها حنث

(4/324)


في يمينه، لأنه لما أضاف البيت إلى الدار صار من جملة الدار. ذكر المسألة في «المنتقى» وقد ذكر رواية ابن سماعة قبل هذا عن محمد في مسألة الزيادة في الدار إنه لا يحنث.
وفي «القدوري» : الشرب إذا كان بابه في دار ومحتفره في دار أخرى، فهو من الدار التي مدخله إليها لأنها بيت من بيوتها.

إذا حلف لا يدخل بغداد، فمن أي جانب دخلها يحنث، ولو حلف لا يدخل مدينة السلام ذكر في «المنتقى» أن مدينة السلام هي مدينة أبي جعفر خاصة، وهي التي من ناحية الكوفة، والواقعة عن الرفع، فما لم يدخل من ناحية الكوفة لا يحنث، بخلاف ما إذا حلف لا يدخل بغداد؛ لأن اسم بغداد يتناول الجانبين. ولو حلف لا يدخل بغداد فانحدر من موضع في السفينة ومر بالدجلة لم يحنث في قول أبي يوسف وقال محمد يحنث. قال الصدر الشهيد: الفتوى على قول أبي يوسف لأن دجلة وإن كانت من بغداد حتى إن البغدادي إذا جاء من موصل حتى دخل بغداد في السفينة يتم الصلاة إلا أن في باب اليمين يراد ببغداد الحد عرفاً.
وإذا حلف لا يدخل الفرات فدخل سفينة في الفرات أو جسراً لا يحنث، حتى يدخل الماء لأن بدون الدخول في الماء؛ لا يسمى داخلاً في الفرات.
إذا حلف لا يدخل دار فلان فاستعار المحلوف عليه داراً لاتخاذ الوليمة فيها فدخلها الحالف لا يحنث، إلا أن ينتقل المُعير من تلك الدار ويسلمها إلى المستعير والمستعير ينقل متاعه إليها فإذا دخلها الحالف حينئذ يحنث في يمينه هكذا ذكر في «فتاوى النسفي» .
وإذا قال: والله لا أدخل دار فلان فدخل بستان فلان، ذكر في «فتاوى أهل سمرقند» أنه إذا كان البستان من الدار يحنث، وإن لم يكن من الدار لا يحنث، وأمارة كون البستان من الدار أن يكون بحال إذا ذكرت الدار عرفت ببستانها، ومعناه أن يفهم البستان بذكر الدار، وإذا خرجت المرأة إلى البستان فالزوج لا يكره ذلك فإن وُجد هاتان العلامتان كان البستان من الدار.

وفي «نوادر هشام» : قال: سألت أبا يوسف عن رجل حلف بطلاق أو غيره أن لا يدخل دار فلان، فدخل بستاناً في تلك الدار قال لا يحنث، قلت: فإن باع الدار ولم يسمّ البستان قال: البستان منها وإن لم يسم، قلت: فإن كان للبستان بابان أحدهما داخل الدار والآخر خارج، قال: هو منها، قال هشام: وقد سمعت أبا يوسف يقول: البستان ليس من الدار إلا أن يسميه (391أ1) أو يكون وسط الدار.
قال هشام: وسألت محمداً عن رجل حلف لا يدخل هذه الدار فدخل بستانها، وباب البستان إلى بيوت في هذه الدار وليس للبستان طريق غيره وعلى الدار والبستان حائط واحد محيط بهما فدخل البستان، قال: يحنث، وكذلك إن كان البستان أصغر من الدار أو أكبر منها، ولو كان البستان وسط الدار ومعناه أن تكون الدار محدقة بالبستان يحنث.

(4/325)


وفي «القدوري» : إذا دخل بستاناً في تلك الدار فإن كان متصلاً بها لا يحنث وإن كان في وسطها حنث، وسيأتي من هذا الجنس في نوع الخروج.

وفي «فتاوى أبي الليث» : إذا حلف لا يدخل الحمام إز نهر شيش فدخل الحمام لا لهذا بل ليسلم على الحمامي ثم غسل رأسه لم يحنث، لأنه لم يدخل لهذا. إذا قال لأخ امرأته: إن لم تدخل بيتي كما كنت تدخل فامرأتي طالق، فإن كان بينهما كلام يدل على الفور، فهو على الفور وإلا فهو على الأبد ويقع اليمين على الدخول المعتاد قبل اليمين حتى لو امتنع الأخ مرّة مما كان معتاداً يحنث، لأن اليمين مطلقة فينصرف إلى الأبد.
وإذا حلف لا يدخل هذا الخباء، فالعبرة للعيدان أو اللبد فقد قيل: العبرة للعيدان وقيل العبرة للبد، فعلى القول الأول إذا استبدل اللبد والعيدان على حاله فدخله يحنث، ولو كان على العكس لا يحنث، وعلى القول الثاني إذا استبدل اللبد والعيدان على حاله لا يحنث، ولو كان على العكس يحنث والأول أصح.

وفي «فتاوى الصغرى» : إذا قال لامرأته: ادخلي الدار فأنت طالق، فهذا وقوله: إذا دخلت الدار فأنت طالق سواء. رجل قال لامرأته: اكربوكرد بترامن أستانه فلان كردي فأنت طالق، وقال: عنيت به الدخول وهي تحوم حومهما، ولا تدخل طلقت المرأة؛ لأن اللفظ حقيقة لهذا لا للدخول.
وفي «المنتقى» : بشر عن أبي يوسف إذا حلف لا يدخل هذه الدار اليوم وغداً، أو قال: لا أدخلها اليوم ولا غداً فهو كما قال، ولا يدخل الليلة التي بين اليومين. وفيه أيضاً: إذا حلف لا يدخل دار فلان وهما في سفر فهذا على الفسطاط والقبة والخيمة وكل منزل ينزلانه، فإن عنى به واحداً من هذه الثلاثة يُدين فيما بينه وبين الله تعالى، ولا يدين في القضاء.
وفيه أيضاً: العلو إذا لم يكن طريقه في سفله. وإنما كان في دار أخرى بجنب بسفله فهو من الدار التي طريقه فيها.
وإذا حلف لا يدخل على فلان فقد ذكر شيخ الإسلام في «شرحه» : أن الدخول على فلان متى أُطلق يراد به في العرف الدخول على فلان لأجل الزيارة والتعظيم له في مكان يزار فيه يعني مكان يجلس فيه لدخول الزائرين عليه، وإلى هذا أشار القدوري في «كتابه» فإنه قال: لو دخل عليه في مسجد أو ظلة أو دهليز لم يحنث، وكذلك لو دخل عليه في فسطاط أو خيمة إلا أن يكون من أهل البادية، والمعتبر في ذلك العادة، فأما في عرفنا إذا دخل عليه في مسجد يحنث في يمينه؛ لأنه جرّت العادة في ديارنا بالجلوس في المساجد لدخول الزائرين. ولو دخل ولم يعضده بالدخول أو لم يعلم أنه فيه لم يحنث، لأن شرط حنثه الدخول على وجه الزيارة والتعظيم، والدخول على هذا الوجه لا يتحقق على ما لم يقصد بالدخول مما هو شرط الحنث لا يتحقق فلا يحنث في يمينه.

وفي «القدوري» : إذا دخل على قوم وهو فيهم ولم يقصده لم يحنث فيما بينه وبين

(4/326)


الله تعالى، إلا أنه لا يصدق في القضاء؛ لأنه خلاف الظاهر لأن الظاهر دخوله على الجملة.

وفيه أيضاً: الدخول عليه أن يقصده بالدخول سواء كان بيته أو بيت غيره.
ولو حلف لا يدخل على فلان في هذه الدار فدخل الدار وفلان في بيت منها لا يحنث، وإن كان في صحن الدار حنث، لأنه لا يكون داخلاً عليه إلا إذا شاهده، وكذلك إذا حلف لا يدخل على فلان في هذه القرية لم يحنث، إلا إذا دخل بيته، وهذا لأن تخصيص القرية لنفي اليمين عن غير القرية، وكثير من مسائل الدخول قد مرّ في كتاب الطلاق.

(4/327)