المحيط البرهاني في الفقه النعماني

كتاب الشفعة
هذا الكتاب يشتمل على عشرين فصلاً
1 * فيما تجب فيه الشفعة وما لا تجب.
2 * في بيان مراتب الشفعة.
3 * في طلب الشفعة.
4 * في استحقاق الشفيع كل المشترى أو بعضه.
5 * في الحكم بالشفعة والخصومة فيها.
6 * في الدار إذا بيعت ولها شفعاء.
7 * في إنكار المشتري حق الشفيع وما يتصل به.
8 * في تصرف المشتري في الدار المشفوعة قبل حضور الشفيع.
9 * في تسليم الشفعة.
10 * في الشفيع إذا أخبر بالبيع، فيسلم ثم يعلم أن البيع كان بخلافه.
11 * فيما يحدث الشفيع مما يبطل شفعته.
12 * في الاختلاف الواقع بين المشتري والشفيع والشهادة في الشفعة.
13 * في التوكيل بالشفعة وتسليم الوكيل الشفعة وما يتصل به.
14 * في شفعة الصبي.
15 * في حكم الشفعة.
16 * في الشفعة في فسخ البيع والإقالة وما يتصل بذلك.
17 * في شفعة أهل الكفر.
18 * في الشفعة في المرض.
19 * في وجوه الحيل في باب الشفعة.
20 * في المتفرقات.

(7/249)


الفصل الأول: فيما تجب فيه الشفعة وما لا تجب
قال أصحابنا رحمهم الله: الشفعة لا تجب في منقولات مقصودة، وإنما تجب تبعاً للعقار على ما يأتي بيانه في آخر هذا الفصل، وإنما تجب مقصوداً في العقارات كالدور والكرم وغيرها من الأراضي مما يحتمل القسمة كالحمام والرحى والبئر وغير ذلك، وإنما تجب في الأراضي التي يملك رقابها حتى أن الأراضي التي حازها الإمام لبيت المال ويدفع إلى الناس مزارعة فصار لهم فيها كراء دار كالبناء والأشجار والكنس إذا كنسوها بتراب نقلوها من موضع يملكوها، فإن بيعت هذه الأراضي فبيعها باطل، وإن بيع الكر دار وكان معلوماً يجوز بيعها، ولكن لا شفعة، وكذا الأراضي ... ؟ إذا كانت الأكرة يزرعونها فبيعها لا يجوز، وبيع الكراء إذا كان معلوماً يجوز، ولكن لا شفعة فيها.
في «أدب القاضي» : للخصاف في باب الشفعة: وإنما يجب بحق الملك حتى لو بيعت دار بجنب دار الوقف، فلا شفعة للوقف، ولا يأخذها المتولي.
في «فتاوى أبي الليث» رحمه الله: وكذلك إذا كانت هذه الدار وقفاً على رجل لا يكون للموقوف عليه حق الشفعة بسبب هذه الدار لما قلنا.
في «فتاوى (أهل) سمرقند» : وإنما يجب إذا ملك العقار بعوض هو عين مال إذا ملك بغير عوض أصلاً بأن ملك بالهبة بغير عوض أو بالإرث أو بالصدقة فلا شفعة.
وكذلك إذا ملك بعوض هو ليس بعين مال، كما إذا جعل الدار مهراً في النكاح أو أجرة في باب الإجارة أو بدل خلع أو صلح عن دم العمد فلا شفعة؛ وهذا لأن حق الشفعة بخلاف القياس؛ لأن في الأخذ بالشفعة تملك مال الغير بغير رضاه عرف بالنص في البيع، والملك بالبيع ثبت بعوض هو عين مال، فما وقع الملك فيه بغير عوض أو بعوض ليس هو عين مال يبقى على أصل القياس.
وإذا تزوج امرأة بغير مهر وفرض لها داره مهراً أو قال لها: صالحتك على أن أجعلها لك مهراً، أو قال: أعطيتك هذه الدار مهراً، فلا شفعة للشفيع فيها في الفصول كلها.

فرق (بين) هذا وبينما إذا قال لها: صالحتك من مهرك على هذه الدار، أو قال: مما وجب لك من المهر.
والفرق: أن في الفصول الثلاث جعل الدار مهراً ابتداء لا بدلاً عن المهر، فإنه قال: فرضتك داري هذه مهراً جعلت لك داري هذه مهراً ولم يقل: جعلت لك داري بدلاً

(7/251)


من مهرك، وقد أمكن أن يجعل الدار مهراً مبتدئاً؛ لأنه لم يكن في النكاح تسمية، وإنما وجدت التسمية الآن، وإذا صار الدار مهراً مبتدأ يكون بدلاً عن البضع، وإنه ليس بعين مال، فلا تجب فيه الشفعة، كما لو تزوجها ابتداء على الدار، أما في الفصلين جعل الدار بدلاً عن المهر نصاً، والمهر عين مال، فصارت الدار مملوكة بما هو عين مال، فيجب للشفيع فيها الشفعة.

وكذلك لو تزوجها على مهر مسمى ثم باعها بذلك المهر داراً يجب للشفيع فيها الشفعة، وكذلك إذا تزوجها على غير مهر وفرض القاضي مهراً ثم باعها داراً بذلك المفروض يجب للشفيع فيها الشفعة؛ لأن الدار في هذين الفصلين بدل عن المهر لا عن منافع البضع.
رجل تزوج امرأة (163ب3) ولم يسم لها مهرها ثم دفع إليها داراً، فهذا على وجهين: إن قال الزوج: جعلتها مهرك، فلا شفعة فيها؛ لأن هذا تقدير لمهر المثل ولا شفعة في المهور، وإن قال: جعلتها بمهرك ففيها الشفعة؛ لأن هذا عوض عن مهر المثل، فكانت مبيعاً.
في «الفتاوى» : وإذا ملكت بدلاً عما هو عين مال وما ليس بمال، فعلى قول أبي حنيفة: لا شفعة للشفيع أصلاً، وعلى قولهما: تجب الشفعة في حصة المال من الدراهم.
صورته: إذا تزوج امرأة على دار على أن ردت المرأة عليه ألف درهم، أو صالح عن القصاص على دار على أن يرد صاحب الدم عليه ألف درهم.

وإذا وهب داراً من إنسان يشترط أن يعوضه منها كذا وكذا، فلا شفعة فيها للشفيع ما لم يتقابضا، وبعدما تقابضا ففيها الشفعة، وهذا لما عرف في كتاب الهبة أن الهبة بشرط العوض هبة ابتداء وتصير بيعاً بعد اتصال القبض بالبدلين، فقبل اتصال القبض بالبدلين هي هبة، ولا شفعة في الهبة، وبعد اتصال القبض بالبدلين هو بيع وفي البيع الشفعة.
وإذا وهب شقصاً مسمى في دار غير محوز ولا مقسوم على أن يعوضه كذا وكذا فهو باطل، ولا شفعة للشفيع فيه لما ذكرنا أن الهبة بشرط العوض تنعقد هبة ابتداء، والهبة في مشاع يحتمل القسمة لا يجوز، فانعقدت الهبة بصفة الفساد في الابتداء، والتمام بناء على الابتداء، فيكون التمام بيعاً فاسداً.
والجواب في الصدقة والتخلي والعمرى ... نظير الجواب في الهبة، لأن هذه ألفاظ الهبة، والعقد لا يختلف باختلاف الألفاظ، وأما الوصية على هذا الشرط إذا قبل الموصى له ثم مات الموصي، فإنه تجب الشفعة وإن لم يقبضها الموصى له بخلاف الهبة.
ثم قال في «الكتاب» : إذا قال أوصيت بداري بيعاً لفلان بألف درهم ومات

(7/252)


الموصي، فقال الموصى له: قبلت يثبت للشفيع الشفعة، وإن قال أوصيت أن يوهب له عوض ألف درهم، فهو مثل الهبة بشرط العوض لنفسه.
وإذا ادعى حقاً على إنسان وصالحه المدعي قبله على دار، فللشفيع أن يأخذ الدار بالشفعة سواء كان الصلح عن إقرار أو عن إنكار؛ لأن التملك بالشفعة يقع على المدعي، وفي زعم المدعي أنه ملك هذه الدار عوضاً عما هو عين مال فيبني الأمر على زعمه.

وبمثله لو ادعى داراً في يدي رجل، فصالحه المدعي قبله على أن يعطيه المدعي قبله دراهم، ويترك الدار على المدعي قبله.

ينظر: إن كان الصلح على إقرار المدعي قبله، فللشفيع الشفعة، وإن كان الصلح عن إنكار، فلا شفعة للشفيع؛ لأن التملك بالشفعة ههنا تقع على المدعي قبله، فإذا كان الصلح على إقراره، ففي زعمه أنه يملك الدار بعوض أصلاً، وإنما دفع الدراهم فداء عن اليمين، فإذاً في الفصول كلها يعتبر زعم من يقع التملك عليه.
دارٌ بين ثلاثة نفر مثلاً، جاء رجل وادعى لنفسه فيها دعوى، فصالحه أحد شركاء الدار على مال على أن يكون نصيب المدعي لهذا المصالح خاصة فطلب الشريكان الآخران الشفعة، فإن كان الصلح على إقرار شركاء الدار، فإن أقر شركاء الدار بما ادعاه المدعي وصالح المدعي واحد منهم على أن يكون نصيب المدعي له خاصة كان لهم الشفعة في ذلك، وإن كان الصلح عن إنكار الشركاء، فلا شفعة وهو بناء على ما قلناه.
وإن كان المصالح مقراً بحق المدعي، وأنكر الشريكان الآخران أخذ حقه، فالقاضي يسأل الشريك المصالح البينة على ما ادعاه المدعي؛ لأن الشريك المصالح صار مشترياً نصيب المدعي من الدار ونصيب المدعي بعضه في يد الشريكين الآخرين، وهما ينكران ملكه وحقه.
ومن اشترى شيئاً من رجل، وذلك الشيء في يد غير البائع وصاحب الدار ينكر ملكية البائع، فإنه لا يسلِّم المشترى للمشتري حيث يثبت ملكية البائع بالبينة كذا هاهنا، فإن أقام البينة على ما ادعاه المدعي قبلت بينته؛ لأنه مشترٍ أثبت ملك بائعه فيما اشترى حتى يصح شراؤه.
وإذا قبلت بينته صار الثابت بالبنية كالثابت بإقرار الشركاء، وهناك للشريكين الآخرين حق الشفعة فهاهنا كذلك، أكثر ما فيه أن في زعم الشريكين الآخرين أنه لا شفعة لهما، إلا أنهما كذبا في زعمهما لما قضى القاضي، فالملك للمدعي، فالتحق زعمهما بالعدم.
وإذا ادعى حقاً في دار وصالحه المدعي على سكنى دار أخرى، فلا شفعة للشفيع التي وقع الصلح عنهما، لأنها ملكت بعوض هو ليس عين مال.

وإذا اشترى داراً على أن المشتري فيها بالخيار ثلاثة أيام فللشفيع الشفعة في قولهم جميعاً، وإن لم تصر الدار مملوكاً للمشتري عند أبي حنيفة رحمه الله؛ لأن حق الشفعة تعتمد انقطاع حق البائع لا ثبوت حق المشتري.

(7/253)


ألا ترى أن للشفيع أن يتملك الدار على البائع، ولا يتملك على المشتري، فيراعي زوال ملك البائع، وملك البائع هاهنا زوال بالإجماع، وعن هذا قلنا: إن من أقر ببيع داره من رجل، وأنكر المشتري كان للشفيع أن يأخذها بالشفعة.

وذكر القدوري في «شرحه» : روى عن أبي حنيفة رحمه الله: أنه لا شفعة للشفيع مع شرط الخيار للمشتري.
وفي «القدوري» : أن خيار الرؤية وخيار العيب لا يمنع ثبوت حق الشفعة؛ لأنه لا يمنع زوال ملك البائع، وإن كان المشتري شرط الخيار لنفسه شهراً أو ما أشبه ذلك، فلا شفعة للشفيع عند أبي حنيفة رحمه الله؛ لأن الشراء بشرط الخيار زيادة على ثلاثة أيام فاسد عنده، ولا شفعة في الشراء الفاسد على ما تبين، فإن أبطل المشتري خياره قبل مضي ثلاثة أيام حتى انقلب البيع صحيحاً وجب للشفيع الشفعة، وإن كان الخيار لبائع الدار فلا شفعة للشفيع في قولهم جميعاً؛ لأن خيار البائع يمنع زوال المبيع عن ملكه، فيمنع ثبوت حق الشفعة، وإن كان الخيار لهما يعني للبائع والمشتري، فلا شفعة للشفيع لأجل خيار البائع لا لأجل خيار المشتري.
وإذا اشترى داراً بعبد بعينه أو بعرض بعينه وشرط فيه الخيار لأحدهما، إن شرط الخيار لبائع الدار، فلا شفعة للشفيع قبل تمام البيع سواء شرط الخيار في الدار أو في العبد إن شرط الخيار في العبد؛ فلأن بائع الدار مشترٍ للعبد وثمنه الدار، وخيار المشتري يمنع زوال الثمن عن ملك المشتري بالإجماع، (164أ3) ولو اختلفوا أنه هل يمنع دخول المشترى في ملك المشتري فلم تزل الدار عن ملك البائع بلا خلاف، فكيف يثبت للشفيع حق الشفعة؟

وإن كان الخيار لمشتري الدار، فإنه يجب للشفيع الشفعة قبل أن يجيز البيع سواء شرط له الخيار في العبد، إن شرط له الخيار في الدار؛ فلأن هذا خيار مشتري الدار وخيار مشتري الدار لا يمنع وجوب الشفعة في الدار، وإن شرط الخيار في العبد؛ فلأن مشتري الدار بائع للعبد والثمن هو الدار، وخيار البائع في المبيع لا يمنع زوال اليمين عن ملك المشتري، فتزول الدار عن ملك مشتريه فيثبت للشفيع حق الشفعة فيها، وإن كان الخيار لهما معنى البائع الدار ومشتريها، فلا شفعة لأجل خيار البائع على نحو ما بينا.
إذا اشترى الرجل من آخر داراً على أن المشتري فيها بالخيار ثلاثة أيام فبيعت دار إلى جنبها فللمشترى الشفعة بالإجماع، أما على قولهما فظاهر، وأما على قول أبي حنيفة: فلأنه وإن لم يكن مالكاً للدار المشتري وقت بيع هذه الدار إلا أن له فيها حق الملك.
ألا ترى أن للمشتري أن يمتلكها إذا كان الخيار له وحق الملك يكفي لثبوت حق الشفعة، ألا ترى أن المكاتب يستحق الشفعة سقط خياره؛ لأنه لو لم يسقط خياره بذلك، فإذا فسخ العقد ينفسخ في حقه من الأصل، فتبين أنه أخذها بالشفعة بغير حق فاللتحرز عن ذلك قلنا بأنه يسقط خياره، وإذا حضر الشفيع بعد ذلك أخذ الدار الأولى بالشفعة ولا

(7/254)


شفعة له في الدار الثانية؛ لأن الشفيع إنما صار جاراً للدار الثانية بعد أخذه الدار الأولى وشراء الدار الثانية كان قبل أخذه الدار الأولى.
ولو كان الخيار لبائع الدار فبيعت دار بجنب الدار المبيعة فللبائع فيها حق الشفعة؛ لأن ملك البائع قائم وقت شراء هذه الدار، فإذا أخذها كان هذا منه نقضاً للبيع، وإذا شرط الخيار للشفيع، فإن كان البائع هو الذي له ذلك، فأمضى البيع فلا شفعة له، وإن كان المشتري هو الذي شرط له ذلك، فله الشفعة؛ لأنه قام مقام الشارط في إتمام العقد، ولو كان البائع شفيع الدار، فلا شفعة له، ولو كان المشتري شفيع الدار فله الشفعة.

و «الأصل» : أن من باع أو بيع له بأن كان البيع بحق الوكالة، فلا شفعة له ولا لموكله، ومن اشترى أو اشتري له بأن كان الشراء بحق الوكالة، فله الشفعة ولموكله.
d
في «شرح القدوري» : وفي «المنتقى» : عن محمد رحمه الله في «الإملاء» : رجل اشترى داراً وشرط الخيار لشفيع ثلاثاً قال: إن قال الشفيع: أمضيت البيع على أن آخذ بالشفعة فهو على شفعته، وإن لم يذكر أخذ الشفعة فلا شفعة له.
رجل توكل عن غيره بشراء دار وهو شفيعها ثبتت له الشفعة، فيطلب من الموكل، علل الصدر الشهيد رحمه الله، فقال: لأن الوكيل لم يملك بالشراء وفيه نظر.
وعن أبي نصر أنه كان يقول: وليس هذا كمن يشتري لنفسه؛ لأن الوكيل اشترى لغيره، قال: ولو أقام أخذ الوكيل مقام الموكل في هذا الشراء لا ينعقد، لكن الطريق الأول أعجب إلي، ولا شفعة في الشراء الفاسد سواء كان المشترى مما يملَك بالقبض أو لا يملك، وسواء كان المشتري قبض المشترى أو لم يقبض، إن لم يقبض فلبقاء ملك البائع وإن قبض حقه في الاسترداد، وهذا إذا وقع البيع فاسداً، أما إذا فسد بعد انعقاده صحيحاً، فحق الشفيع يبقى على حاله.
ألا ترى أن النصراني إذا اشترى من نصراني داراً بخمر، فلم يتقابضا حتى أسلما أو أسلم أحدهما أو قبض الدار ولم يقبض الخمر، فإن البيع يفسد على ما عرف في كتاب البيوع، وللشفيع أن يأخذ الدار بالشفعة وإن فسد البيع؛ لأنه إنما فسد بعد وقوعه صحيحاً، فإن كان المشتري قبض الدار المشتراة شراء فاسداً وبيعت دار أخرى بجنب هذه الدار، فله الشفعة؛ لأن له جواراً قائماً بحقيقة الملك من وقت الشراء، فإن لم يأخذ الدار الثانية بالشفعة حتى استرد البائع منه ما اشترى لم يكن للمشتري أن يأخذها بالشفعة؛ لأن جواره زال قبل الأخذ، وكذا لا يكون للبائع أن يأخذها؛ لأن جواره حادث، وإن كان المشتري أخذ الدار بالشفعة ثم استرد البائع منه ما اشترى فالأخذ ماض.

وإذا اشترى داراً شراءً فاسداً وبنى فيها بناءً أو غرس فيها أشجاراً فللشفيع أن يأخذها بالشفعة بقيمة الدار، وهذا قول أبي حنيفة رحمه الله.

وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله: لا شفعة للشفيع، وهذا بناء على أصل مختلف معروف في كتاب البيوع أن حق البائع في الاسترداد ينقطع بالبناء وغرس الأشجار عند أبي حنيفة رحمه الله، وعندهما لا ينقطع، وإذا انقطع حق البائع بالبناء عند أبي حنيفة

(7/255)


زال المانع من وجوب الشفعة، فيأخذها الشفيع بقيمتها وينقص بناء المشتري لحق الشفيع.
قال القدوري: فإن بائع المشتري ما اشتراه شراء فاسداً بيعاً صحيحاً من رجل لم يكن للبائع نقض البيع، والشفيع بالخيار إن شاء أخذ بالبيع الثاني بالثمن المذكور فيه، وإن شاء نقض البيع الثاني وأخذه بالبيع الأول بقيمته؛ لأنه اجتمع سببان، فكان له أن يأخذ بأيهما شاء.
فإن قيل: إذا نقض البيع الثاني صار كأن لم يكن، فيعود حق البائع في النقض، فلا يكون للشفيع الشفعة كما قبل البيع الثاني.
قلنا: البيع الثاني ينتقض لحق الشفيع مقتضى يملكه المشتري بالشفعة بالبيع السابق، فلا يثبت الانتقاض على وجه يبطل به حق الشفيع.
إذا أوصى لرجل بدار ولم يعلم الموصى له حتى بيعت دار بجنبها، ثم قبل الوصية وادعى الشفعة، فلا شفعة له؛ لأنه لا يملك الدار وقت (البيع) فلم يتحقق السبب، وإن مات الموصى له قبل أن يعلم بالوصية بيعت دار بجنبها، فادعى الورثة شفعتها فلهم ذلك؛ لأن موت الموصى له بمنزلة قبوله، والمسألة (164ب3) معروفة في الوصايا.
وإذا بيع سفل عقار دون علوه، أو بيع علوه دون سفله أو بيعا معاً وجبت الشفعة.

في «الزيادات» : سفل لرجل آخر فباع صاحب السفل سفله، فلصاحب العلو الشفعة، وإن باع صاحب العلو علوه، فلصاحب العلو الشفعة، فبعد ذلك إن كان طريق العلو في السفل كان حق الشفعة بسبب الشركة في الطريق، وإن كان الطريق في السكة العظمى كان حق الشفعة بسبب الجوار؛ إذ الجوار إنما يعرف بالاتصال، والاتصال بين الملكين ثابت، فإن لم يأخذ صاحب العلو السفل بالشفعة حتى انهدم العلو، فعلى قول أبي يوسف: تبطل شفعته، وعلى قول محمد: لا تبطل.
فوجه قول أبي يوسف: أن الشفعة هاهنا إنما تثبت بالجوار إنما يعرف بالاتصال وقد زال الاتصال قبل قبض الأخذ بالشفعة، فزال الجوار فتبطل شفعته، كما لو باع الدار التي يستحق بها الشفعة قبل الأخذ بالشفعة.
وجه قول محمد: أن استحقاق الأخذ بالشفعة هاهنا بسبب قرار البناء، لا بسبب عين البناء؛ لأن البناء منقول والشفعة لا تستحق بالمنقول وحق القرار هاهنا باق فما يستحق به الشفعة باق.

ولو بيع السفل والعلو متهدم فعلى قول أبي يوسف رحمه الله: لا شفعة لصاحب العلو بناء على أن عنده حق الشفعة له بسبب البناء، وعلى قول محمد: له الشفعة؛ لأن عنده حق الشفعة له بسبب قرار البناء لا بسبب نفس البناء، وحق قرار العلو باق في الباب الأول.
من شفعة «المنتقى» : رجلان اشتريا داراً، وأخذها شفيعها فلا شفعة للشفيع فيما صار للأجنبي منهما؛ لأن شراء الأجنبي لم يتم إلا بقبول الشفيع البيع لنفسه، ألا ترى أن

(7/256)


البائع حين قال: بعتكما هذه الدار بألف درهم لكل واحد منكما نصفها بخمسمائة، فقال الأجنبي: قبلت نصفها إلي بخمسمائة لم يجز ذلك على البائع، فهو بمنزلة رجل باع داره من رجل واشترط الخيار لرجلين أحدهما شفيع الدار، فأجاز البيع.

في «فتاوى أبي الليث» : إذا بيع المستأجر قبل مضي مدة الإجارة والمستأجر شفيعها فأجاز المستأجر البيع في حقه كان له أن يأخذ بالشفعة، وإن لم يجز البيع ولكن طلب الشفعة بطلت إجارته؛ لأنه لا صحة للشفعة إلا بعد بطلان الإجارة، فيتضمن طلب الشفعة ببطلان الإجارة.
فرق بين هذه المسألة وبينما إذا باع من آخر داراً على أن يكفل فلان بالثمن وفلان شفيعها، فكفل حيث لا تثبت له الشفعة.
والفرق: أن في مسألة الكفالة البيع لا يجوز ما لم يكفل إذا كانت الكفالة شرطاً في البيع، فصار الجواز مضافاً إليه، فصار بمنزلة البائع، أما ههنا البيع جائز فيما بين البائع والمشتري من غير إجازة المستأجر، فلم يكن الجواز مضافاً إلى المستأجر فلم يضر بمنزلة البائع.
رجل اشترى من آخر أرضاً فيها نخيل بألف درهم فلم يقبضها المشتري حتى أثمر النخيل ثم حضر الشفيع، فله أن يأخذ الكل بالشفعة. وفي المسألة إشكال من وجهين:
أحدهما: أن حق الشفيع إنما يثبت بالبيع، فإنما يثبت فيما كان موجوداً وقت البيع، والثمر لم يكن موجوداً وقت البيع.
والثاني: أن الثمر يغلى، أما الأول قلنا: حق الشفيع يثبت بالبيع ولكن في جميع ما صار مملوكاً للمشتري بالبيع، والثمر صار مملوكاً للمشتري بالبيع، وإن لم يكن موجوداً وقت البيع، ألا ترى لو قبضه المشتري صار له حصة من الثمن.
وأما الثاني: قلنا الثمر ما دام متصلاً بالنخل والأرض فله حكم النخل والأرض بطريق التبعية، وحق الشفعة يثبت في النخيل والأرض، فكذا بالثمر المتصل بهما، فإن قال الشفيع أخذ الأرض والنخيل بحصتهما، وأترك الثمر أو قال المشتري: أعطيك الأرض والنخل بحصتهما، ولا أعطيك الثمر: لا يلتفت إلى قوله لما فيه من ضرر التفريق بصاحبه.
ولو أن الشفيع حين حضر لم يقض القاضي له بالشفعة حتى جذ البائع الثمر أخذ الشفيع الأرض والنخيل وترك الثمر؛ لأنا إنما أثبتنا حق الشفعة في الثمر قبل الجذ مع كونه تقلباً بطريق التبعية، وبالجذاذ زالت التبعية، فعاد الأمر إلى الأصل، ثم يأخذ الأرض والنخيل بحصتهما من الثمن وتسقط حصة الثمر؛ لأن البائع بالجذاذ صار مستهلكاً حق المشتري قبل القبض، فأوجب سقوط حصته من الثمن، وكما يظهر السقوط في حق الشفيع.
وهو نظير بناء الدار إذا نقضه البائع ثم حضر الشفيع أخذ الباقي بحصته من الثمن، وطريقة ما قلنا.
هذا إذا أخذ البائع الثمر، فأما إذا هلك الثمر من غير صنع أحد، فالشفيع يأخذ الثمر والنخيل بجميع الثمن؛ لأنه ملك بالبيع تبعاً، فلا يقابله شيء من الثمن إلا إذا صار

(7/257)


مقصوداً بالبيع والجنس، ولم يوجد ذلك هاهنا، إذا أثمر النخيل ولم يقبض المشتري، وإن أثمر بعد قبض المشتري وجذ المشتري ثم حضر الشفيع فلا شفعة له في الثمر ويأخذ النخيل والأرض بجميع الثمن إن شاء؛ لأن الثمر في هذه الصورة لا يقابله شيء من الثمن، لأنه حادث بعد القبض، هذه الجملة من «الزيادات» .
وفي «نوادر ابن سماعة» : وعن محمد رحمهما الله: رجل اشترى نخلاً فيه ثمر اشتراه بأصله وثمره فجذ المشتري الثمر، فحضر الشفيع أخذ النخل بحصته من الثمن، فيقوّم النخيل وفيه الثمر، ويقوّم ولا ثمر فيه، فيأخذه بحصته.
وكذا إذا اشترى أرضاً مبذورة، فنبت الزرع وحصده المشتري، ثم حضر الشفيع أخذ الأرض بحصتها، والطريق ما قلنا في المسألة الأولى من «الزيادات» : في باب شفعة الأرضين.

من «الأصل» إذا اشترى نخلة بأصولها ومواضعها من الأرض ففيها الشفعة، بخلاف ما إذا اشترى نخلة ليقلعها حيث لا شفعة فيها؛ لأن في الفصل الأول إنما أوجبنا الشفعة في النخلة تبعاً للأرض؛ لأنه اشتراها للقلع، ولا يمكن إيجاب الشفعة فيها مقصوداً؛ لأنها نقلي، وكان الجواب في الأشجار كالجواب في البناء إذا اشترى ليقلعه، فلا شفعة للشفيع فيه، وإن اشتراه بأصله فللشفيع فيه الشفعة.
وعلى هذا إذا اشترى الزرع مع الأرض (165أ3) فللشفيع أن يأخذ الزرع بالشفعة، ولو اشترى الزرع ليحصده لم يكن فيه شفعة، وإذا اشترى بيتاً ورحى فيه ونهرها ومتاعها فللشفيع الشفعة في البيت، وفي جميع ما كان من آلات الرحى المركبة ببيت الرحى؛ لأنها تابعة لبيت الرحى.
وعلى هذا إذا اشترى الحمام فللشفيع أن يأخذ بالشفعة الحمام مع آلاتها المركبة من القدر وغيره، ولا يأخذ ما كان مزايلاً من البيت في المسألة الأولى ومن الحمام في المسألة الثانية إلا الحجر الأعلى، فإنه يأخذه بالشفعة استحساناً، وإن لم يكن مركباً؛ لأن الحجر الأعلى مع الأسفل شيء واحد معنى.

ألا ترى أنه يدخل في بيع الرحى استحساناً من غير ذكر مكان كالمركب معنى لهذا يأخذه بالشفعة وإذا اشترى عين ... ونفط أو موضع ملح أخذ جميع ذلك بالشفعة؛ لأن هذه الأشياء متصلة بالأرض معنى؛ لأنها تتبع من ذلك الموضع.

في «فتاوى الفضلي» : اشترى كرماً وله شفيع غائب فأثمرت الأشجار فأكلها المشتري، ثم حضر الشفيع وأخذ الكرم بالشفعة، فإن كانت الأشجار وقت قبض المشتري ذات ورد، ولم يبدوا الطلع من الورد لا يسقط شيء من الثمن، وإن كان قد بدأ الطلع وقت قبض المشتري يسقط بقدر ذلك، ويعتبر قيمته وقت القبض المشتري الكرم؛ لأن في الوجه الأول لا حصة له من الثمن، وفي الوجه الثاني له حصة، وكذا إذا كان المشترى

(7/258)


أرضاً فيها زرع لا قيمة، لها فأدرك الزرع وحصد المشتري وأخذ الأرض لا يسقط شيء من الثمن والله أعلم.

الفصل الثاني: في بيان مراتب الشفعة
الشفعة عندنا تستحق على ثلاث مراتب:
أولاً: تستحق بالشركة في عين البقعة، ثم بالشركة في عين حقوق الملك من الطريق والشرب، ثم تستحق بالجوار.
وصورته: منزل بين اثنين في سكة غير نافذة باع أحد الشريكين نصيبه من المنزل، فالشريك في المنزل أحق بالشفعة، فإن سلم فأهل السكة أحق، فإن أسلموا فالجار الملاصق وهو الذي على ظهر هذا المنزل وباب داره في سكة أخرى أحق.
قال محمد رحمه الله في «الأصل» : والجار الذي له الشفعة عندنا الجار الملازق الذي داره لزيق الدار الذي وقع الشراء في سكة نافذة.
وفي الوجه وهذه المسألة في الحاصل على وجهين:
إما أن تكون الدار التي وقع فيها الشراء في سكة نافذة وفي هذا الوجه الشفعة للجار الملازق.
وإما أن تكون في السكة غير نافذة، وفي هذا الوجه جميع أهل السكة شفعاء الملازق، والمقابل في ذلك على السواء.
قال محمد رحمه الله: وإن كان فناء منفرجاً أي مائلاً عن الطريق الأعظم زائفاً عن الطريق أو زقاقاً أو درباً غير نافذ فيه دور، فبيعت دار منها، فأصحاب الدور جميعاً شفعاء. قال الشيخ الإمام الزاهد عبد الواحد الشيباني: هذا إذا كان الفناء مربعاً فأما إذا كان الفناء مدوراً، فالشفعة للجار الملازق.

صورة الفناء المدور والمربع مدور مربع قال: والمراد من سكة غير نافذة سكة رأسها ضيق وآخرها واسع فيها دور بيعت دار فيها والسكة غير نافذة.
وقد قيل: الشفعة على أربع مراتب عندنا، وذلك في مسألتين:
إحداهما في بيت في دار في غير نافذة والبيت لاثنين، والدار لقوم، فباع أحد الشريكين نصيبه من البيت، فالشفعة أولاً للشريك في البيت، فإن سلم فلشريك الدار، فإن سلم فلأهل السكة الكل في ذلك على السواء، فإن سلموا فللجار الملاصق، وهو الذي ظهر هذا المنزل وباب داره في سكة أخرى.
في «شرح أدب القاضي» : للخصاف في باب الشفعة: فإن كان لهذه الدار التي هذا البيت الذي هو مبيع فيه جيران متلازقون فالذي هو ملازق هذا البيت المبيع، والذي هو ملازق لأقصى الدار لا لهذا البيت في الشفعة على السواء، هذا التفريع في أخر «شفعة الكافي» .

(7/259)


المسألة الثانية: ودار بين شريكين في سكة غير نافذة، فباع أحد الشريكين نصيبه من الدار من إنسان، فالشفعة أولاً للشريك في الدار، فإن سلم فللشريك في الحائط المشترك التي يكون بين الدارين، فإن سلم فلأهل السكة، الكل في ذلك على السواء، فإن سلموا فللجار الذي يكون ظهر هذه الدار إليه باب تلك الدار في سكة أخرى.

في «شرح أدب القاضي» : للخصاف في باب الشفعة: ثم الجار الذي هو مؤخر عن الشريك في الطريق أن لا يكون شريكاً في الأرض الذي هو تحت الحائط الذي هو مشترك بينهما، أما إذا كان شريكاً فيه لا يكون مؤخراً بل يكون مقدماً؛ لأنه شريك، وإن كان شريك في بعض المبيع.

وصورة ذلك: أن تكون أرضاً بين اثنين مقسومة يبنيا في وسطها حائط، ثم اقتسما الباقي، فيكون الحائط وما تحت الحائط من الأرض مشتركاً بينهما، فكان هذا الحائط الجار شريكاً في بعض المبيع، أما إذا اقتسما الأرض قبل بناء الحائط وخطا خطاً وسطها، ثم أعطي كل واحد منهما شيئاً حتى يبنيا فكل واحد منهما جار لصاحبه في الأرض، شريك في البناء لا غير، وفي الشريك في البناء لا غير لا يوجب الشفعة في آخر أشفعة خواهر زاده رحمه الله.
وذكر القدوري في «شرحه» : في باب الشفعة في الحيطان ومسيل الماء: أن الشريك الذي تحت الحائط يستحق الشفعة في كل المبيع بحكم الشركة عند محمد رحمه الله، وإحدى الروايتين عن أبي يوسف، فيكون مقدماً على الجار في كل المبيع.
وإحدى الروايتين عن أبي يوسف: يستحق الشفعة في الحائط بحكم الشركة ويستحق الشفعة في بقية الدار بحكم الجوار، فيكون ذلك مع جار آخر بينهما.
وثمرة الاختلاف تظهر في مسائل كثيرة، وفي كل موضع سلم الشريك الشفعة، فإنما يثبت للجار حق الشفعة إذا كان الجار قد طلب الشفعة حتى يدفع البيع، أما إذا لم يطلب الشفعة حتى سلم الشريك الشفعة، فلا شفعة له، ذكر شمس الأئمة السرخسي رحمه الله في أول شرح كتاب الشفعة.
وروايته في «نوادر هشام» رواه عن محمد رحمه الله في صور المسائل: دار كبيرة فيها مقاصير باع صاحب الدار فيها مقصورة أو قطعة معلومة، ففيها الشفعة لجار الدار الكبيرة (165ب3) .
كان جاراً من أي نواحيها؛ لأن المبيع من جملة الدار يكون جار المبيع، فإن سلم الشفيع الشفعة ثم باع المشتري ما اشترى لم تكن الشفعة إلا لجار ذلك القدر المبيع؛ لأن ذلك صار مقصوداً، فخرج من أن يكون بعض الدار.
كذلك لو اشترى رجل بيتاً من دار كلها لواحد، فالشفعة لجار الدار، وإن لم يكن جار ذلك البيت المشترى، فلو أن الشفعة ثم باع مشتري البيت ذلك البيت، فلا شفعة للشفيع الذي سلم الشفعة إن لم يكن جار ذلك البيت لما قلنا.

صاحب العلو مع صاحب السفل إذا لم يكن طريق العلو في السفل بمنزلة جارين.
في «الأصل» : في باب الشفعة أهل الكفر، وفي هذا الباب أيضاً صاحب الطريق

(7/260)


أولى بالشفعة من صاحب مسيل الماء إذا لم يكن موضع مسيل الماء ملكاً له.

وصورة هذا: إذا بيع دار ولرجل فيها طريق، ولآخر فيها مسيل ماء، فصاحب الطريق أولى بالشفعة من صاحب مسيل الماء؛ لأن للذي له طريق شركة لصاحب مسيل إذا لم يكن المسيل ملكاً له.
دار ثلاثة نفر موضع بئر أو طريق، فإن ذلك بين اثنين من هؤلاء الثلاثة لا حق للثالث فيه، وباقي الدار بين الثلاث باع الذي له شركة في الدار والبئر والطريق نصيبه، فالشفعة لشريكه الذي له شركة في الدار والبئر.
والطريق هكذا في أول شفعة «الأصل» : قال الشيخ الإمام شمس الأئمة السرخسي: لا شك أن الذي له شركة في البئر والطريق أحق بالشفعة في البئر والطريق، والكل في حكم شيء واحد، فإذا صار أحدهما أحق بالبعض كان أحق بالجميع، ويعرف عن هذه المسألة كثير من المسائل وعلى قياس مسألة الشركة في أرض الحائط التي تقدم ذكرها، يجب أن تكون في هذه المسألة روايتان عن أبي يوسف رحمه الله في «المنتقى» : الحسن بن زياد عن أبي حنيفة صاحب السفل أحق بشفعة العلو من الجار الملاصق له إذا لم يكن بينهم شركة في الطريق.
وفي «القدوري» : أنهما يستويان فيها، وإن كانت ثلاثة أبيات بعضها فوق بعض وباب كل بيت منها إلى السكة فبيع الأوسط كان للأعلى والأسفل جميعاً الشفعة، وإن بيع الأعلى فالأوسط أولى بالشفعة.
وفيه أيضاً: دار فيها ثلاثة أبيات ولها الساحة والساحة بين ثلاثة نفر والبيوت بين اثنين منهم، فباع أحد مالكي البيوت نصيبه من البيوت والساحة من شريكه في البيوت والساحة، فلا شفعة لشريكهما في الساحة، ويخرج المسألة على نحو ما ذكره شمس الأئمة السرخسي في المسألة تقدم ذكرها.

وفيه أيضاً: حائط بين داري رجلين والحائط بينهما، فصاحب الشريك أولى بالحائط من الجار وهما سواء في بقية الدار بأحداثها، يريد بهذا إذا لم يكن ما يخص الحائط من الأرض مشتركاً بينهما، وكذلك البيت من الدار بين رجلين بغير طريق باع صاحب الدار، فالشريك في البيت أولى بالبيت وهو مع الجار سواء في بقية الدار.
درب غير نافذ فيه دور لقوم باع رجل من أرباب تلك الدور بيتاً شارعاً في السكة العظمى ولم يبع طريقاً في الدرب على أن يفتح مشتري البيت باباً إلى الطريق الأعظم، فلأصحاب الدرب الشفعة لشركتهم في الطريق وقت البيع، فإن سلموها ثم باع المشتري البيت بعد ذلك، فلا شفعة لأهل بيت الدرب لانعدام شركتهم في الطريق وقت البيع الثاني، فتكون الشفعة للجار الملازق وهو صاحب الدار.
وكذلك إذا باع قطعة من الدار بغير طريق في الدرب هذه الجملة في «شرح الكافي» في باب الشفعة في البناء غير نافذ في إقضاء مسجد خطة وباب المسجد في الدرب وظهر المسجد وجانبه الآخر إلى الطريق الأعظم، فهذا درب نافذ لو بيع فيه دار، فلا

(7/261)


شفعة إلا للجار، وأراد بمسجد الخطة المسجد الذي اختطه الإمام حين قسم الغانمين.
وهذا لأن المسجد إذا كان خطه وظهره إلى الطريق الأعظم وليس حول المسجد سكة بينه وبين الطريق الأعظم، فهذا الدرب بمنزلة درب نافذ، ولو كان حول المسجد دروب يحول بينه وبين الطريق الأعظم كان لأهل الدرب الشفعة بالشركة؛ لأن هذا الدرب لا يكون نافذاً، ولو لم يكن المسجد في الأقصى لكن كان في أول السكة إلى موضع المسجد نافذ لا يثبت فيها الشفعة إلا للجار الملازق، وما وراء ذلك يكون غير نافذ حتى كان لأهل ملك السكة كلهم الشفعة، ولو لم يكن المسجد خطة.

بأن اشترى أهل الدرب من رجل من أهله داراً في أقصى الدرب، ظهرها إلى الطريق الأعظم وجعلوها مسجداً وجعلوها في الدرب بابه، ولم يجعلوا له إلى الطريق الأعظم باباً، أو جعلوا له، ثم باع رجل من أهل الدرب داراً، فلأهل الدرب الشفعة بالشركة.
سكة أو درب غير نافذ في أقصاها دار وباب هذا الدار في الدرب أو في السكة، ولهذا الدار باب آخر يخرج منها إلى الطريق الأعظم، فإن كان هذا الطريق للعامة ليس لأهل الدرب أن يمنعوهم، فهذه سكة نافذة.
لو بيع فيها دار لا تجب الشفعة إلا بالجوار وإن كان طريقاً لأهل الدرب والسكة خاصة بأن أحدثوه ولهم منع العامة، فأهل الدرب شفعاء بالشركة في الطريق؛ لأن الدرب حينئذ غير نافذ من حيث المعنى.
h
قال الصدر الشهيد حسام الدين رحمه الله في «شرح هذا الكتاب» : فعلى هذا سُكَكُنا وسائر السكك إن كان نفاذها خطة، فلا شفعة فيها إلا بحكم الجوار، وإن أحدثوا النفاذ فالشفعة للكل، وأما الرقيقات التي ظهرها وادٍ لا تخلو من وجهين:
إن كان موضع الوادي مملوكاً في الأصل وأحدثوا الوادي، فهذا والمسجد الذي أحدثوه في أقصى السكة سواء، وإن كان في الأصل وادياً كذلك فهو ومسجد الخطة سواء، هكذا حكى من الشيخ الإمام الزاهد عبد الواحد الشيباني رحمه الله، وكان يقول الرقيقة التي على ظهرها وادي بخارى إذا بيع في الرقيقات منها دار فأهل الرقيقات كلهم شفعاء، ولا يجعل ذلك كالطريق النافذ، فكأنه عرف أنه مملوك وكان الشيخ الإمام الأجل شمس الأئمة السرخسي رحمه الله يجعل حكم (166أ3) هذه الرقيقات حكم السكك النافذة قبل، ويجوز أن تقاس السكك التي في أقصاها الوادي ببخارى على ما تقدم، ويبنى أمر الشفعة فيها على النفاذ الخطة، وعلى النفاذ الحادث.

سكة غير نافذة فيها عطف مدور يريد بالعطف الذي يقال بالفارسية: خم كرد، وصورة العطف المدور هذا، وفي العطف منازل، فباع رجل منزلاً في أعلى السكة أو في أسفلها أو في العطف، فالشفعة لجميع الشركاء وكان العطف مربعاً بأن تكون سكة ممدودة في كل جانب منها رقيقة، وفي السكة دور، وفي الرقيقة من دون صورته هذا، فباع رجل في العطف منزلاً فالشفعة لأصحاب العطف دون أصحاب السكة.

دار كانوا جميعاً شفعاء، وهو نظير سكة عظمى غير نافذة، فيها سكة صغرى إذا بيع في السكة الصغرى دار، فالشفعة لأهل السكة الصغرى خاصة.

(7/262)


ولو بيع دار في السكة العظمى، فالشفعة لأهل السكة.
والحاصل: أن بالعطف المدور لا تصير السكة في حكم سكتين، ألا ترى أن هيآت الدور في هذا العطف لا يتغير كما في سكة دهقان أما العطف المربع يصير في حكم سكة أخرى، ألا ترى أن هيآت الدور في هذا العطف لا تتغير، فتصير فيه بمنزلة سكة في سكة.
في آخر شفعة «الكافي» وفي «المنتقى» : ابن سماعة عن أبي يوسف عن أبي حنيفة رحمه الله في درب فيه الزائفة مستديرة لجميع الدرب بيعت دار في هذه الزائفة التي عليها الدرب فهم شركاء في الشفعة، وإذا كان درب مستطيل فيه الزائفة ليست على ما وصفت لك ولكنها نسبة السكة، فأهل تلك الزائفة شركاء في دورهم، ولا يشركهم أهل الدرب في الشفعة.
وقال أبو يوسف رحمه الله: ذلك كله سواء، فهم شركاء في زائفتهم دون أهل الدرب.
وفي «نوادر هشام» : قال أبو يوسف: المدورة والمربعة والمستطيلة سواء، وإذا بيع دار في الزائفة فلهم ولأهل السكة فيها الشفعة لا شركائهم في طريق السكة.
فيه أيضاً: هشام عن محمد: اشترى بيتاً من دار إلى جنب داره وفتح بابه إلى داره، ثم باع هذا البيت وحده، فجاءه هذا الرجل وطلب هذا البيت بالشفعة، قال: إن كان سد باب البيت من تلك الدار وفتح في هذه الدار، حتى عد البيت من هذه الدار، فله الشفعة فيه.

في شفعة أبي الليث رحمه الله: دار بيعت ولها بابان في زقاقين غير نافذة، فإن كانت في الأصل دارين باب أحدهما في زقاق، وباب الأخرى في زقاق الأخرى، فاشتراهما رجل، ورفع الحائط بينهما حتى صارت له كلها دار واحدة كان لأهل كل زقاق أن يأخذ الجانب الذي يليه، لأنهما لما كانتا دارين في الأصل كان لأهل زقاق جوار بأحداهما، وإن كانت في الأصل داراً واحدة ولها بابان، فالشفعة لأهل الزقاقين في جميع الدار بالسوية؛ لأن الدار لما كانت واحدة في الأصل كان جوار تلك الدار ثابتة لأهل الزقاق، والعبرة للأصل دون العارض.
ونظير هذا: الزقاق إذا كان في أسفلها زقاق آخر إلى جانبٍ آخر فرفع الحائط بينهما حتى صار الكل سكة واحدة كان لأهل كل زقاق شفعة في الزقاق الذي لهم خاصة، ولا شفعة لهم في الجانب الآخر، في مثل هذا ينظر إلى الأصل.
وفي الشفعة: للحسن بن زياد سكة غير نافذة، فيها عطفة منفردة نفذت هذه العطفة، فلا شفعة فيها إلا لمن داره لزيق الدار المبيعة، ولو لم تنفذ هذه العطفة إلى السكة كانت الشفعة لجميع أهل هذه العطفة، فإن سلموا الشفعة، فليس لأهل السكة الشفعة فيها.

في آخر شفعة «الأصل» : دار فيها حِجَرٌ، وحجرة منها بين رجلين، فباع أحدهما نصيبه من الحجرة، فهذا على وجهين: إن كانت الحجرة مقسومة بينهما فالشفعة للشركاء

(7/263)


في طريق الدار لا للشريك في الحجرة، وقد انقطعت بالقسمة، وصار الشريك جاراً في حق الحجرة بعد القسمة، وبقي شريكاً في طريق الدار، فإن سلم شركاء الطريق كانت الشفعة للجار الملاصق بالدار.
وفي هذا الموضع أيضاً: أرض اشتراها قوم وأقسموها دوراً وتركوا فيها سكة وهي سكة ممدودة غير نافذة، فبيعت دار في أقصى السكة، فهم جميعاً شركاء في شفعتها، الأعلى والأقصى في ذلك على السواء؛ لأن الطريق في هذه السكة بقيت على الشركة الأصلية؛ لأنها لم تدخل تحت القسمة، فيستحقون الشفعة بحكم الشركة في الطريق.

وكذلك إن كانوا ورثوا الدور عن آبائهم كذلك، ولا يعرفون كيف كانوا أصلها، فهذا والأول سواء، علل شمس الأئمة السرخسي، فقال: لأنهم شركاء في الفناء، وهو الطريق الذي في السكة، فيشتركون في استحقاق الشفعة.
قال محمد رحمه الله في «الأصل» : والشريك في الفناء أحق من الجار، قال شمس الأئمة السرخسي: فإن كان مراده فناء مملوكاً لهم خاصاً فهذا ظاهر، وإن كان المراد فناء غير مملوكاً.
فوجهه: أنهم أخص بالانتفاع بذلك الفناء، ولهم أن يمنعوا غيرهم عن الانتفاع به فهو بمنزلة الطريق الخاص بينهم في استحقاق الشفعة به.
في شفعة «الأصل» : اشترى بيتاً في داره علو لآخر، وسفله لآخر وطريق البيت الذي اشتري في دار أخرى، فإنما الشفعة للذي في داره الطريق، وهذا إذا كان مفتح العلو خارج الدار، أما إذا كان مفتحه إلى الدار، فصاحب العلو وغيره في الشفعة سواء بسبب الشركة في الطريق.
في «الكيسانيات» : دار ورثوها جماعة عن أبيهم، مات بعضهم ولد أبيهم وترك نصيبه ميراثاً بين ورثته، فهم ثلاث بنين باع أحدهم نصيبه منها، فهم شركاءه في ميراث أبيهم، فهما أبناء الميت الثاني، وشركاء الأب، وهم أولاد الميت الأول شفيعها فيه ليس بعضهم بأولى من البعض؛ لأنه ليس في الدار شيء إلا وهم شركاء فيه؛ لأن نصيب الميت الثاني ليس بعينه.
في الشفعة للحسن بن زياد: قوم ورثوا داراً فيها منازل، فاقتسموها وأصاب كل واحد منها منزلاً، ورفعوا فيما بينهم الطريق، فباع بعض من صار له منزل منزله وسلم الذين لهم المنازل في الدار الشفعة كان للجار الشفعة إذا كان لزيق المنزل الذي بيع، وإن كان لزيق الطريق الذي بينهم وليس لزيق المنزل كان له أن يأخذ المنزل وطريقه بالشفعة، وإن لم يكن لزيق (166ب3) المنزل، ولا لزيق الطريق الذي بينهم وكان لزيق منزل آخر من الدار فلا شفعة، فهذه المسألة دليل أن الشفعة كما يجب لجيران حق المبيع أيضاً.

وفي كتاب الشرب لأبي عمرو الطبري: دار فيها ثلاثة أبيات، وكل بيت لرجل على حدة، وطريق كل بيت في هذه الدار فطريق هذه الدار في دار أخرى وطريق تلك الدار في سكة غير نافذة بيع بيت من البيوت التي في الدار الداخلة كان صاحبا البيتين أولى بالشفعة

(7/264)


من صاحب الدار الخارجة؛ لأنهم اشتركوا في الطريق في صحن الدار الداخلة، فإن سلما الشفعة لصاحب الدار الخارجة، فإن سلم هو أيضاً فالشفعة لأهل السكة.
في «العيون» : أرض بين قوم اقتسموها بينهم، ورفعوا طريقاً بينهم وجعلوها نافذة، ثم بنوا دوراً يمنة ويسرة، وجعلوا أبواب الدور شارعة إلى السكة، فباع بعضهم داراً فالشفعة منهم سواء؛ لأن هذه وإن كانت نافذة، فكأنها غير نافذة؛ لأن لهم أن يرجعوا ويسدوا الطريق، وإن قالوا: جعلناها طريقاً للمسلمين، فكذلك الجواب أيضاً.
قال الصدر الشهيد رحمه الله: هو المختار؛ لأن لهم أن يرجعوا يسدوا هو المختار في «الزيادات» في باب الشفعة التي يأخذها كلها والتي لا يأخذها.
داران متلازقان كل واحد منهما لرجل ولكل دار جيران، فتبايعا إحدى الدارين بالأخرى، فالشفعة للجيران، وليس لكل واحد منها الشفعة، أما فيما باع فظاهر، وقد مرت المسألة من قبل، وأما فيما اشترى؛ فلأن كل واحد منهما لو استحق الشفعة فيما اشترى استحق بسبب الجوار، وكل واحد منهما أزال جواره ببيع ما كان له مقارناً لثبوت حق الشفعة.
ولو كانت الداران جميعاً بينهما نصفان باع كل واحد منهما نصيبه من هذه الدار بنصيب صاحبه من الدار الأخرى، فلا شفعة للجيران هاهنا؛ لأن كل واحد منهما شريك في الدار التي اشترى نصفها.

رجل اشترى داراً في سكة غير نافذة، ثم اشترى بعد ذلك أخرى كان لأهل السكة أن يأخذوا الدار الأولى، يكونون شركاءه في الثانية؛ لأن وقت شراء الأولى لم يكن المشتري شريكهم في السكة، ووقت شراء الثانية وهو شريكهم في السكة، وكذلك لو كان بين ثلاثة نفر دار؛ فاشترى رجل نصيبهم واحداً بعد وللجار أن يأخذ البيت الأول وليس له على البيتين الباقيتين شركة لما قلنا.
ولو كانت الدار بين أربعة، فاشترى رجل نصيب الثلاثة واحداً بعد واحد، والرابع غائب فله أن يأخذ نصيب الأول وهو في نصيب الآخرين شريك له لما قلنا.
ولو اشترى أحد الأربعة نصيب الاثنين واحداً بعد واحد، ثم حضر الرابع كان المشتري شريكاً في النصيبين جميعاً؛ لأن هاهنا المشتري شريك وقت شراء النصيبين بخلاف ما تقدم.
وفي الهاروني: دار بين ثلاثة نفر اشترى رجل نصيب أحدهم، ثم جاء رجل آخر واشترى نصيب الآخر، ثم جاء الثالث الذي يبع نصيبه كان له أن يأخذ النصيبين جميعاً بالشفعة، فإن لم يحضر الثالث حتى جاء المشتري الأول إلى المشتري الثاني وطلب منه الشفعة كان له ذلك، ويقضى له بها، فيصير له النصيبين جميعاً، فإن جاء الثالث بعد ذلك وكان غائباً وطلب الشفعة أخذ جميع ما اشتراه الأول ونصف ما اشتراه الثاني. ولو لم يقض القاضي للمشتري الأول بما اشتراه الثاني، قضى للثالث بالنصيبين جميعاً.
وأشار إلى الفرق، فقال: إذا قضى القاضي للمشتري الأول بنصيب الثاني صار نصيب الثاني ملكاً للمشتري الأول فإذا جاء الثالث، وأخذ ما اشتراه المشتري الأول صار

(7/265)


كأن الأول باع ما اشتراه، وإنه لا يوجب بطلان ملكه فيما أخذ بالشفعة بقضاء القاضي للأول شفعاء في نصيب الأول، الثاني والثالث أيضاً شفيع فيه، فقضى بينهما، فأما قبل قضاء القاضي بذلك نصيب الثاني لم يصر ملكاً للمشتري الأول، بل له حق أن بتملكه بما اشتراه، فإذا أخذ الثالث ما اشتراه الأول فقد زال ملك الأول وحقوقه، فلا يستحق به الشفعة.
قال محمد رحمه الله في «الأصل» : الشركاء في النهر الصغير كل من كان له ثبوت أحق من الجار الملازق.
وإن كان نهراً كبيراً تجري فيه السفن، فالشفعة للجار الملازق في باب شفعة الأرضين من شفعة «الكافي» قال الشيخ الإمام الزاهد عبد الواحد الشيباني رحمه الله: أراد بالسفن البسماريات التي هي أصغر السفن، وذكر الشيخ الإمام شمس الأئمة السرخسي في «شرحه» المذهب عند أبي حنيفة رحمه الله: أن النهر الكبير الذي تجري فيه السقف كدجلة والفرات، فكل ما تجري فيه السفن من الأنهار يكون في معنى الدجلة والفرات، وما لا تجري فيه السفن يكون في حكم النهر الصغير.
وذكر شيخ الإسلام المعروف بخواهر زاده رحمه الله: أن المشايخ اختلفوا في حد النهر الكبير والصغير بعضهم قالوا النهر الكبير: ما يتفرق ماؤه بين الشركاء، وله منفذ إلى المفاوز التي هي لجماعة المسلمين، والنهر الصغير: ما يتفرق ماؤه بين الشركاء ولا يبقى إذا انتهى ولا يكون له منفذ.
وعامة المشايخ: على أن الشركاء على النهر إذا كانوا لا يحصون فهذا نهر كبير، وإن كانوا يحصون فهذا نهر صغير، لكن اختلفوا بعد هذا في حد ما يحصى وما لا يحصى، بعضهم قدر ما لا يحصى بخمسمائة، وبعضهم قدر ما لا يحصى بمائة، وبعضهم قدر ما لا يحصى بأربعين، وبعضهم قدر ما لا يحصى بعشرة.

وبعض مشايخنا قالوا: صح ما قيل فيه إنه مفوض إلى رأي كل مجتهد في زمانهم إن رآهم كثيراً كانوا كثيراً، وإن رآهم قليلاً كانوا قليلاً.
ثم إن عامة المشايخ فرقوا بين النهر والسكة، حيث جعلوا الشركة في النهر إذا كان بين أقوام يحصون خاصة، وإن كان النهر ينفذ في مفاوز هي لجماعة المسلمين ولم يجعلوا الشركة في الطريق الذي له منفذ إلى طريق العامة شركة خاصة، وإن كان أهل السكة مما يحصون.
نهر خاص لرجل في أرض رجل، وعليه رحى ماء لصاحب النهر باع صاحب النهر النهر مع الرحى فالصاحب الأرض أن يأخذ النهر (167أ3) مع الرحى بالشفعة، وإن لم يكن له اتصال بالرحى؛ لأن الرحى مع النهر كشيء واحد؛ إذ الانتفاع بالرحى بدون النهر لا يمكن، فجاز النهر يكون جاز الرحى.

قال: وجميع جيران النهر في الشفعة في النهر والرحى على السواء، ولا يختص الملازق للرحى بالرحى ذكره شيخ الإسلام في «شرحه» .

(7/266)


في الشفعة للحسن بن زياد رحمه الله: نهر كبير كالرحى يجري لقوم منه نهر صغير، فصارت شرب أراضيهم من هذا النهر الصغير، فباع رجل من أهل هذا النهر الصغير أرضه بشربها كان للذين شربهم من هذا النهر الصغير أن يأخذوا تلك الأرض بالشفعة، أقصاهم وأدناهم فيها سواء، فإن كانت الأرض التي بيعت قطعة أخرى لزيقة بهذه الأرض المبيعة، وشرب هذه القطعة من النهر الكبير، فلا شفعة لصاحب القطعة مع الذين شربهم من النهر الصغير.
في كتاب هلال البصري: في نهر يلتوي بيع فيه أرضون خلف الالتواء قبله، فإن كان الالتواء فهو كنهرين، فتكون الشفعة للشركاء في الشرب إلى موضع الالتواء خاصة، فإن أسلموا، فهي للباقين من أهل النهر.
قال: وهو كنهر صغير أخذ من نهر كبير مع أرض على هذا النهر الصغير كان أهل النهر الصغير أولى بالشفعة، فإن سلموا كان لأهل النهر الكبير، وإن كان الالتواء باستدارة الجزء كانت الشفعة لهم جميعاً، وجعلوه كالنهر الواحد.
في «المنتقى» : ابن سماعة عن محمد رحمه الله: نهر بين قوم وعليه أرضون وبساتين شربها من ذلك النهر شركاء فيه، فلهم الشفعة فيما بيع من هذه الأرضين والبساتين، فإذا اتخذوا من تلك الأرضين والبساتين دوراً، واستغنوا عن ذلك الماء إلا للشفعة، فإنه لا شفعة بينهم إلا بالجوار إلا بمنزلة دور الأمصار، وإن بقي من هذه الأرضين ما يزرع وما بقي منها بساتين يحتاج إلى السقي، فهم شركاء في الشرب على حال لهم، وشركاء في الشفعة.
وفيه أيضاً: هشام سألت محمداً عن نهر لقوم فيه شرب، وأصل النهر لغيرهم فباع رجل أرضه والماء منقطع في النهر، فلهم الشفعة بالشرب في قول محمد، وفي قياس قول أبي حنيفة: لا شفعة لهم، وفي نسخة، وفي قياس قول أبي يوسف: لا شفعة لهم كقولهم في العلو المنهدم.
اشترى الرجل نهراً بأصله في أعلاه إلى جنبه، ولرجل آخر أرض في أسفله إلى جنبه، فلهما جميعاً الشفعة في جميع النهر من أعلاه إلى أسفله؛ لأن كل واحد منهما جار، فإن ملك كل واحد منهما متصل ببعض المبيع، والاتصال بالبعض يثبت الجوار.
نهر أعلاه لرجل ومجراه في أرض رجل آخر، وأسفله لرجل آخر، فاشترى رجل نصيب صاحب أعلى النهر، فطلب صاحب الأرض وصاحب أسفل النهر الشفعة، فإن لهما الشفعة بحكم الجوار؛ لأنهما جاران للنهر لكن جوار صاحب الأسفل أقل؛ لأن جواره بمقدار عرض النهر، وجوار صاحب الأرض بمقدار طول النهر، ولا عبرة لزيادة الجوار، فلا يصير أحدهما أولى باستحقاق شفعة النهر، وإن كان لأحدهما شرب من هذا النهر ولا شرب للآخر؛ لأن الشركة ليست شركة في حقوق المبيع وهو النهر؛ إذ الشرب ليس من حقوق الأرض إذ لا حاجة إلى الشرب للنهر؛ وإنما يتقدم على الجار من له شركة في رقبة المبيع أو في حقوقه والله أعلم.

(7/267)


في «الأجناس» وفي «الشرب» لأبي عمرو الطبري: في قطعة أرض لرجل لها شرب من نهر بين قوم باع صاحب القطعة أرضه بلا شرب، فلشركائه في الشرب الشفعة في القطعة وهم أحق من الجيران وبطل حق البائع من الشرب، وصار ذلك لشركائه، فإن سلم الشركاء الشفعة ثم بيعت هذه القطعة مرة أخرى، فلا شفعة لأرباب الشرب بالشرب؛ لأن الشرب قد انقطع لهما الأرض.
ألا ترى أنه لا شركة للبائع الثاني في الشرب، ولو اشترى البائع الأول هذه القطعة، ثم أراد أن يرجع في نصيبه من الشرب ليس له ذلك؛ لأنه حين باع الأرض بلا شرب فقد بطل حقه عن الشرب، قال «صاحب الأجناس» : وقد رأيت في كتاب الهلال البصري صاحب الوقف: لو باع أرضه بلا شرب، فالشرب للبائع بحاله وعليه يعقد النهر.
وفي «نوادر بن سماعة» لمحمد رحمه الله: دار في سكة خاصة باعها صاحبها من رجل بلا طريق فلأهل السكة الشفعة، وكذلك لو باع أرضاً بلا شرب، فلأهل الشرب الشفعة، ولو بيعت هذه الدار وهذه الأرض مرة أخرى ليس لهم فيها الشفعة؛ لأنه انقطع حق الدار من الطريق وحق الأرض من الشرب.

الفصل الثالث: في طلب الشفعة
قال محمد رحمه الله: إذا علم الشفيع بالبيع، فلم يطلب مكانه، فلا شفعة له يجب أن يعلم بأن الشفعة تجب بالجوار وبالعقد أو بالشركة وبالعقد، وتتأكد بالطلب، ولا يفيد الملك إلا بقضاء والطلب على ثلاثة أوجه طلب مواثبة، وطلب إشهاد وتقرير، وطلب تمليك.
واختلف العلماء مقدار مدة طلب المواثبة. قال علماؤنا في ظاهر الرواية: يشترط فور علمه بالشراء إن طلب يثبت حقه وإن لم يطلب وسكت هنيهة بطل، وإليه ذهب مشايخ بلخ بخارى وروى هشام عن محمد: أن له مجلس العلم إن طلب في مجلس العلم يثبت حقه، وإن لم يطلب حتى قام بطل، وهو اختيار الكرخي وبعض مشايخ بخارى.
وروى ابن رستم عن محمد: أنه إذا سكت هنيهة لا تبطل شفعته، ولم يذكر في شيء من الكتب كيفية طلب المواثبة.

والصحيح: أنه إذا أتى بأي لفظ ما أتي بالماضي أو بالمستقبل إذا كان لفظاً يفهم منه طلب الشفعة إنه يجوز، وإليه ذهب الفقيه أبو جعفر الهندوابي شمس الأئمة السرخسي.

(7/268)


والإشهاد ليس بشرط لصحة هذا الطلب، وإنما ذكر أصحابنا رحمهم الله الإشهاد وعند الطلب لا؛ لأنه شرط صحة بهذا الطلب؛ ولكن لأن المشتري لو جحد هذا الطلب، فالشهود يشهدون له على ذلك، وهو نظير ما قال أصحابنا رحمهم الله في الأب: إذا وهب لابنه الصغير هبة وأشهد على ذلك ما ذكروا الإشهاد، ولكونه شرطاً لصحة الهبة، ولكن لو جحد، فالشهود يشهدون، وكذلك ذكروا الإشهاد وفي الحائط المائل (167ب3) لا لكونه شرطاً لصحة طلب التفريع؛ ولكن لأن صاحب الحائط لو جحد، فالشهود يشهدون عليه وبعدما طلب طلب المواثبة يحتاج إلى طلب الإشهاد والتقرير.
وهذا الطلب إنما يصح عند حضرة واحد من الثلاثة إما المشتري، وأما البائع وأما الدار، فإن حضر المشتري يقول: أشتري هذه الدار التي كانت لفلان أَحَدُ حدودها كذا، والثاني والثالث والرابع كذا، وأنا شفيعها بالجوار بداري التي أحد حدودها كذا، وقد كنت طلبت وأطلبها الآن، فاشهدوا على ذلك إلى آخر ما ذكرنا، فاشهدوا على ذلك، وهذا الطلب عند المشتري صحيح، سواء كان الدار في يد المشتري أو في يد البائع.

وكذلك عند البائع إذا كانت الدار في يده، وإن لم تكن الدار في يده ذكر الشيخ أبو الحسن القدوري في «شرحه» وعصام في «مختصره» والناطفي (في) «أجناسه» : أنه لا يصح، وبه أخذ الصدر الشهيد حسام الدين رحمه الله، وذكر شيخ الإسلام خواهر زاده في «شرحه» أنه صحيح استحساناً، وأحاله إلى «الجامع الكبير» : هكذا ذكر الشيخ الإمام الزاهد أحمد الطواويسي، ومدة هذا الطلب مقدرة بالتمكن من الإشهاد، وعند حضرة أحد هؤلاء الثلاث حتى لو تمكن ولم يطلب بطل حقه، قال شيخ الإسلام في «شرحه» : في باب شفعة أهل البغي: أن الشفيع إنما احتاج إلى طلب المواثبة، ثم إلى طلب الإشهاد بعده إذا لم يمكنه الإشهاد عند طلب المواثبة بأن سمع الشراء حال غيبته عن المشتري والبائع والدار، أما إذا سمع الشراء عند حضرة أحد هؤلاء، فطلب المواثبة وأشهد على ذلك يكفيه ويقوم ذلك مقام طلبين، فإن قصد الأبعد من هؤلاء الأشياء الثلاثة، وترك الأقرب، فإن كانوا جملة في مصر واحد.5

فالقياس: أن تبطل شفعته، وفي الاستحسان: لا تبطل؛ لأن نواحي المصر جعلت كناحية واحدة حكماً، ولو كانوا في مكان واحد حقيقة، وطلب عند أحدهم، وترك الطلب عند الآخرين أليس أنه يصح طلبه؟ كذا هاهنا.
وبه أخذ الصدر الشهيد حسام الدين رحمه الله في «شرح أدب القاضي» للخصاف، وفي «واقعاته» : إذا اختار على الأقرب ولم يطلب منه بطل شفعته، لو كان الشفيع بحضرة أحد هذه الأشياء الثلاثة، والآخران في مصر آخر أو في رستاق هذا المصر الذي الشفيع فيه يقصد الأبعد وترك الطلب عند من هو بحضرته بطلت شفعته قياساً واستحساناً؛ لأن مصراً آخر ورستاق هذا المصر مع المصر لم يجعل لمكان واحد، فإذا ترك الطلب عند الأقرب وقصد الأبعد، فقد ترك الطلب مع الإمكان.

ولو كان كل واحد من هذه الأشياء الثلاثة في مصر على حدة ذكر عصام في

(7/269)


«مختصره» : أن الشفيع يذهب إلى أقربهم، وذكر الناطفي في «أجناسه» : أنه إذا ذهب إلى الأبعد لا تبطل شفعته وبعض مشايخنا رحمهم الله أخذوا برواية عصام، وبعضهم برواية الناطفي.
وإليه أشار محمد رحمه الله في كتاب الشفعة في باب أهل البغي، حيث قال: وإذا كان الشفيع في غير مصر البائع والمشتري والدار قال أيهم ... فهو على شفعته من غير فصل؛ وهذا لأن الشفيع قد يعجز عن الذهاب إلى الأقرب بسبب من الأسباب، فلا يكون بترك الذهاب إلى الأقرب مبطلاً شفعته، وعلى هذا إذا كان إلى الأقرب طريقان، فترك الطريق الأقرب واختيار الأبعد لا تبطل شفعته على قياس ما ذكر الناطفي، ثم إذا حضر المصر الذي فيه أحد هذه الأشياء بطلت الشفعة بحضرة ذلك، فلا يكفيه حضور البائع والمشتري والدار في ذلك على السواء، وكان القاضي الإمام ركن الإسلام أبو يزيد الكبير يقول: أيكفيه حضور المصر، وعلى هذا إذا كانت الدار في مصر الشفيع لا بشرط الطلب عند الدار على ما ذكره القاضي الإمام بل إذا طلب وأشهد من غير تأخير في أي موضع طلب جاز.... لو كان البائع أو المشتري في مصر الشفيع لا بد من الطلب بحضرته.
ثم بعد طلب المواثبة وطلب الإشهاد يحتاج إلى طلب التمليك وهو الطلب عند القاضي أن يسلم المشتري الدار إليه.

وصورة ذلك: أن يقول الشفيع للقاضي: إن فلاناً اشترى داراً وبين محلتها وحدودها، وأنا شفيعها بدار لي ويبين حدودها، فمره بتسليمها إلي، وبعد هذا الطلب أيضاً لا يثبت الملك للشفيع في الدار المشفوعة إلا بحكم القاضي أو بتسليم المشتري الدار إليه حتى أن بعد هذا الطلب قبل حكم القاضي بالدار، وقبل تسليم المشتري الدار إليه لا يستحق الشفعة فيها إلي لو بيعت دار أخرى بجنب هذه الدار، ثم حكم له الحاكم أو سلم المشتري الدار إليه لا يستحق الشفعة فيها، وكذلك لو مات الشفيع أو باع داره بعد الطلبين قبل حكم الحاكم أو تسليم المشتري تبطل شفعته، ذكر الخصاف ذلك في «أدب القاضي» .

وللشفيع أن يمتنع من الأخذ بالشفعة وإن بذله المشتري حتى يقضي القاضي له زيادة فائدة، وهو معرفة القاضي بسبب ملكه، وعلم القاضي بمنزلة شهادة شاهدين، فكان الأخذ بقضاء القاضي أحوط في شفعة الاسبيجابي، فإن ترك الشفيع الطلب الثالث يعني بعدما طلب الطلبين لو لم يرفع الأمر إلى القاضي حتى يقضي له بالشفعة هل تبطل شفعته؟.
أجمعوا على أنه إذا ترك هذا الطلب بعذر من مرض أو حبس أو غير ذلك ولم يمكنه التوكيل بهذا الطلب أنه لا تبطل شفعته وإن طالت المدة، وإن ترك هذا الطلب بغير عذر، فعلى قول أبي حنيفة رحمه الله: لا تبطل شفعته، وإن طالت المدة، وعلى قولهما:

(7/270)


تبطل إذا طالت المدة، واختلفت الرواية ههنا ففي رواية عن محمد رحمه الله أنه قدره بثلاثة أيام، وفي رواية أخرى أنه قدره بشهر، فقال: إذا ترك المرافعة شهراً بطلت شفعته، وهو إحدى الروايات عن أبي يوسف رحمه الله.

قال شيخ الإسلام: الفتوى اليوم على هذا، وعن أبي يوسف في رواية مثل قول أبي حنيفة رواه محمد عنه، قال محمد رحمه الله في «الأصل» : وإذا كان الشفيع غائباً فعلم بالشراء، فإنه ينبغي أن يطلب المواثبة ثم له من الأجل على قدر المسير إلى المشتري أو البائع والدار المبيعة لطلب الإشهاد والتقرير، فإذا مضى ذلك (168أ3) الأجل قبل أن يطلب هذا الطلب أو بيعت من يطلب فلا شفعة له، فإن قدم المصر الذي فيه الدار فبيعت المشتري وطلب الشفيع طلب الإشهاد، والتقرير عند البائع إن كانت الدار في يديه أو عند الدار ثم ترك الطلب الآخر، فإنه لا تبطل شفعته وإن طالت، ذلك بلا خلاف؛ لأنه إنما ترك هذا الطلب بعذر؛ لأنه لا يمكنه اتباع المشتري لأجل الخصومة؛ لأنه كلما قدم مصراً فيه المشتري ليخاصمه، ويأخذ منه يهرب المشتري إلى مصر أخر وترك هذا الطلب بعذر لا يوجب بطلان الشفعة.
وفي «المنتقى» : عن محمد رحمه الله: إذا ترك الطلب الثالث سنة؛ لأنه لم يكن في البلد قاضي فهذا عذر الشفيع إذا علم بالشراء وهو في طريق مكة، فطلب طلب المواثبة وعجز عن طلب الإشهاد بنفسه، يوكل وكيلاً ليطلب له بالشفعة، فإن لم يفعل ومضى بطلت شفعته، وإن لم يجد من يوكله ووجد فيما يكتب على يديه كتاباً ويوكل وكيلاً بالكتاب، فإن لم يفعل بطلت شفعته، فإن لم يجد وكيلاً ولا فيما لا تبطل شفعته حتى يجد الفسخ.
وفي «فتاوى أبي الليث» رحمه الله في «فتاوى أهل سمرقند» : رجل له شفعة عند القاضي، فقدمه إلى السلطان الذي تولى القضاء، فإن كانت شفعته عند السلطان وامتنع القاضي في إحضاره فهو على شفعته؛ لأن هذا عذر الشفيع إذا علم بالبيع في نصف الليل ولم يقدر على الخروج، فإن أشهد حتى أصبح صح؛ لأن هذا تأخير بعذر.

في «واقعات الناطفي» : اليهودي إذا سمع البيع يوم السبت فلم يطلب الشفعة؛ لأن هذا تأخير بعذر، في «فتاوي أهل سمرقند» ، وفي هذا الموضع أيضاً: الشفيع بالجوار إذا خاف أنه لو طلب الشفعة عند القاضي والقاضي لا يرى ذلك بطلت شفعته فلم يطلب فهو على شفعته؛ لأن هذا عذر يعتبر الطلب من الشفيع في البيع الفاسد وقت انقطاع حق البائع بالاتفاق.
وفي بيع الفضولي والبيع بشرط الخيار للبائع يعتبر الطلب وقت البيع عند أبي يوسف رحمه الله وعند محمد رحمه الله، فيعتبر الطلب وقت الإجازة، هكذا ذكر شيخ الإسلام في الباب الأول من «شرحه» .
وجه قول محمد رحمه الله: أن علة ثبوت حق الشفعة انقطاع حق البائع، وحق البائع ينقطع وقت سقوط الخيار في البيع بشرط الخيار، ووقت الإجازة في بيع الفضولي،

(7/271)


وفي البيع بشرط الخيار حق البائع، وإن كان يسقط عند الإجازة إلا أن الإجازة تستند إلى وقت العقد؛ لأن الإجازة إثبات صفة للعقد والصفة لا تقوم بنفسها، وإنما يقوم بالموصوف، فيستند إلى وقت العقد مع حكمه، وهو انقطاع حق البائع، فيكون وقت الطلب وقت العقد بخلاف البيع الفاسد؛ لأن هناك حق البائع، فيكون وقت الطلب وقت العقد بخلاف البيع الفاسد؛ لأن هناك حق البائع إنما ينقطع بتصرف المشتري، وتصرف المشتري لا يستند إلى وقت العقد، بل يتقرر حالة وجوده، فكذا انقطاع حق البائع لا يستند، فيعتبر الطلب وقت تصرف المشتري لهذا.
وذكر ابن أبي مالك عن أبي يوسف أنه كان يقول: يعتبر وقت البيع، ثم رجع وقال: سكوته عن الطلب وقت البيع ليس بتسليم. ولو قال: أبطلت الشفعة فذلك تسليم.

وفي الهبة بشرط العوض روايتان: في ظاهر الرواية يعتبر الطلب وقت التقابض؛ لأنها تصير بيعاً في هذه الحالة، وإذا كان البيع بألف درهم إلى سنة يعتبر الطلب وقت العلم بالبيع حتى أن للشفيع لو قال: أنا انتظر الأجل ولم يطلب شفعته كما علم بالبيع بطلت شفعته، رواه الحسن عن أبي حنيفه رحمه الله: أنه قال: كذلك، قال ابن أبي مالك: وقال أبو يوسف أيضاً: إنه على شفعته، وسكوته عن الطلب قبل الأخذ لا يكون تسليماً للشفعة.
في «الأصل» : في باب شفعة أهل البغي: إذا اشترى رجل من أهل البغي داراً من رجل في عسكره، والشفيع في عسكر أهل العدل، فإن كان لا يقدر على أن يبعث وكيلاً ولا أن يدخل بنفسه عسكرهم، فهو على شفعته، ولا يضره ترك طلب الإشهاد؛ لأن هذا ترك بعذر، وإن كان يقدر على أن يبعث وكيلاً أو يدخل بنفسه عسكرهم، فلم يطلب طلب الإشهاد، وبطلت شفعته؛ لأنه ترك طلب الإشهاد بغير عذر.

إذا اتفق الشفيع والمشتري أن الشفيع علم بالشراء منذ أيام، ثم اختلفا بعد ذلك في الطلب فقال الشفيع طلبت منذ علمت، وقال المشتري: ما طلبت، فالقول قول المشتري، وعلى الشفيع البينة، ولو قال الشفيع: علمت الساعة وأنا أطلبها، وقال المشتري: علمت قبل ذلك ولم يطلب، فالقول قول الشفيع.
وفي «نوادر أبي يوسف» : إذا قال الشفيع: طلبت الشفعة حين علمت، فالقول قوله. ولو قال: علمت أمس وطلبت، أو قال: كان البيع أمس وطلبتها في ذلك الوقت لم يصدق إلا ببينته، وهكذا ذكر الخصاف في «أدب القاضي» .
حكي عن الشيخ الإمام الزاهد عبد الواحد الشيباني رحمه الله، قال: إذا كان الشفيع علم بالشراء وطلب طلب المواثبة ثبت حقه ولكن إذا قال بعد ذلك: منذ كذا وطلبته لا يصدق على الطلب، ولو قال: ما علمت الساعة يكون كاذباً.
فالحيلة في ذلك: أن يقول لإنسان أخبرني بالشراء، ثم يقول: إلا أن أخبرت ويكون صادقاً، وإن كان أخبر قبل ذلك.

قال: وفي الصغيرة إذا بلغت في نصف الليل واختارت نفسها، وأرادت أن تشهد

(7/272)


على ذلك تقول حضت الآن، ولا تقول: حضت في نصف الليل، واخترت نفسي، فإنها لا تصدق في اختيارها نفسها، ولكن تقول على نحو ما بينا، وتكون صادقة في قولها؛ الآن حضت؛ لأن الحيضة اسم لكل دم بدر ساعة بعد ساعة.
وذكر محمد بن مقاتل رحمه الله في «نوادره» : إذا كان الشفيع قد طلب الشفعة من المشتري في الوقت المتقدم ويخشى أنه إن أقر بذلك يحتاج إلى البينه، فقال: الساعة علمت وأنا اطلب الشفعة يسعه أن يقول ذلك، يحلف على ذلك، ويستثني في يمينه وقد احتج على ذلك بما ذكر في وديعة «الأصل» : إن جحد المودع الوديعة، فحصل في يد رب الوديعة من جنس ما أودع عنده من الدراهم أن يأخذ بحقه ويحلف، ويستثني في يمينه إذا قال (168ب3) الشفيع: كنت طلبت الشفعة أمس حين علمت بالبيع، وأنكر المشتري ذلك طلب بالشفيع يمين المشتري ذكر «الهاروني» و «أدب القاضي» للخصاف: أنه يحلف المشتري ما يعلم أنه طلب شفعة ولم يذكر فيه خلافاً. وذكر الفقيه الرازي أن هذا قول أبي يوسف، وقال محمد: أحلفه على الثبات بالله ما طلبت شفعته حين بلغه الشراء، فإن قال المشتري: للقاضي حلفه بالله لقد طلبت هذه الشفعة طلباً صحيحاً ساعة علمت من غير تأخير حلّفه القاضي على ذلك، ذكره موسى بن نصر في شفعته، فإن أقام المشتري بينة أن الشفيع (علم) منذ زمان ولم يطلب الشفعة، وأقام الشفيع بينة أنه طلب الشفعة حين علم بالبيع، فالبينة بينة الشفيع في قول أبي حنيفة رحمه الله، وقال أبو يوسف: البينة بينة المشتري، ذكره في «نوادر أبي يوسف» : رواية ابن سماعة.

في «فتاوى أبي الليث» : المشتري إذا أنكر طلب الشفعة، فالقول قوله مع يمينه، وبعد ذلك ينظر: إن أنكر طلبه عند سماع البيع يحلف على العلم بالله ما يعلم أن الشفيع حين سمع طلب الشفعة؛ لأنه لا يحيط علمه به، وإن أنكر طلبه عند العامة يحلف على الثبات؛ لأنه لا يحيط علمه به.
ابن سماعة في «نوادره» : عن محمد رحمه الله: إذا طلب الشفيع الشفعة ورافعه إلى القاضي يؤجله ثلاثة أيام لنقد الثمن، فإن جاء به إلى هذه المدة وإلا أبطل شفعته.
وفي «فتاوي أبي الليث» : الشفيع إذا طلب الشفعة، فقال المشتري: هات الدراهم وخذ شفعتك، فإن أمكنه إحضار الدراهم ولم يحضر ثلاثة أيام بطلت شفعته، هكذا روى عن محمد، قال الصدر الشهيد رحمه الله: والمختار أنه لا يبطل.

في «فتاوى أبي الليث» : المشتري إذا أنكر طلب الشفعة، فالقول قوله مع يمينه، وبعد ذلك ينظر: إن أنكر طلبه عند سماع البيع يحلف على العلم بالله ما يعلم أن الشفيع حين سمع طلب الشفعة؛ لأنه لا يحيط علمه به، وإن أنكر طلبه عند العامة يحلف على الثبات؛ لأنه لا يحيط علمه به.
ابن سماعة في «نوادره» : عن محمد رحمه الله: إذا طلب الشفيع الشفعة ورافعه إلى القاضي يؤجله ثلاثة أيام لنقد الثمن، فإن جاء به إلى هذه المدة وإلا أبطل شفعته.
وفي «فتاوي أبي الليث» : الشفيع إذا طلب الشفعة، فقال المشتري: هات الدراهم وخذ شفعتك، فإن أمكنه إحضار الدراهم ولم يحضر ثلاثة أيام بطلت شفعته، هكذا روى عن محمد، قال الصدر الشهيد رحمه الله: والمختار أنه لا يبطل.
في «فتاوى أبي الليث» : المشتري إذا أنكر طلب الشفعة، فالقول قوله مع يمينه، وبعد ذلك ينظر: إن أنكر طلبه عند سماع البيع يحلف على العلم بالله ما يعلم أن الشفيع حين سمع طلب الشفعة؛ لأنه لا يحيط علمه به، وإن أنكر طلبه عند العامة يحلف على الثبات؛ لأنه لا يحيط علمه به.

ابن سماعة في «نوادره» : عن محمد رحمه الله: إذا طلب الشفيع الشفعة ورافعه إلى القاضي يؤجله ثلاثة أيام لنقد الثمن، فإن جاء به إلى هذه المدة وإلا أبطل شفعته.
وفي «فتاوي أبي الليث» : الشفيع إذا طلب الشفعة، فقال المشتري: هات الدراهم وخذ شفعتك، فإن أمكنه إحضار الدراهم ولم يحضر ثلاثة أيام بطلت شفعته، هكذا روى عن محمد، قال الصدر الشهيد رحمه الله: والمختار أنه لا يبطل.

الفصل الرابع: في استحقاق الشفيع كل المشترى أو بعضه
ابن سماعة عن أبي يوسف: دار بين قوم اقتسموها، وأصاب كل واحد منهم ناحية منها معلومة، إلا أن طريقهم واحد، ولرجل دار ملاصقة نصيب بعضهم، فباع أحدهم نصيبه من رجل وسلم شركاؤه في الطريق الشفعة، فللجار الملاصق لبعض نصيب هؤلاء

(7/273)


الشفعة في المبيع، وإن لم يكن لزيقه إن الدار واحدة.
وكذلك القرية والأرضون بين قوم شربها من نهر أقضي في مثله بالشفعة، بيعت منها أقرحة متفرقة أو مجتمعة ولرجل أرض ملازقة بعض هذه الأرضين، فإني أقضي لهذا الجار الملازق بالشفعة فيما بيع من جميع هذه الأرضين، وإن لم تكن ملازقة؛ لأنها أرض واحدة.
ولو كانت أراضي كثيرة وقذف شربها من نهر لا أقضي في مثلها بالشفعة، فبيع من هذه الأرضين شيء، فلا شفعة للجار إلا فيما يلازقه.

فرع على الفصل الأول
فقال: ولو كان الذي بيع منها قراحين يلي أحداهما صاحبه وعلى كل قراح حائط يحيط به ولأحد القراحين جار ملازق، فله الشفعة فيهما، وإن كان الذي بيع بساتين، وعلى كل بستان حائط يحيط به وله باب على حدة، ولرجل أرض تلي أحد البساتين، فإن له الشفعة في البستان الذي يليه، ولا شفعة له في الآخر.
وفرق بين البساتين وبين القراحين.

وروى ابن سماعة عن أبي يوسف رحمه الله أيضاً: الجواب في مسألة البستان بخلاف هذا، فقال: له الشفعة في البساتين جميعاً، قال في هذه الرواية: ولا يشبه القياس البساتين في القرى والدور في الأمصار، فإنه لو كان لرجل دور يلي بعضها بعضاً، فباعها فللشفيع الشفعة في الدار التي يليها، قال أيضاً في هذه الرواية: البساتين في المصر بمنزلة الدور.
وعنه: وإذا كان له داران في قرية باعها، وأرض من أراضي تلك القرية معها، وله جار يلي إحدى هاتين الدارين، فلهذا الجار أن يأخذ الدارين والأرض، وإن كان لو باع الدارين بانفرادها، فالشفيع لا يأخذ منهما إلا التي تليه، وجعل بيع الدار مع الأرض بمنزلة بيع القرية وأرضها.
وعنه: رجل له بستان عليه حائط وباب، فباع بستانه وأرضين خلف البستان، ولرجل قطعة أرض إلى جانب الحائط الذي على البستان، فالشفعة له في البستان والأرض المتصلة.
وعنه: إذا كان لرجل دور هدمها وجعلها داراً واحدة أو جعلها أرضاً وباعها فللشفيع الشفعة في جميع ذلك؛ لأنها صارت داراً واحدة.
قال: سألت محمداً عن حوانيت ثلاثة تلي بعضها بعضاً، أو باب كل واحد إلى الطريق الأعظم إلى جنب حانوت، فبيع الحوانيت الثلاث، فجاء الشفيع يطلب الشفعة،

(7/274)


قال: فله الشفعة في ذلك كلها، قال: وهي بمنزلة البيوت في دار واحدة.
رجل له بيتان في دار يلي أحد البيتين الآخر، ولا طريق لهما في الدار ويلي أحد البيتين دار رجل، فباع صاحب البيتين البيتين لصاحب الدار أن يأخذهما جميعاً، ولو كان البيتان متفرقين أحدهما في ناحية من الدار والآخر في ناحية أخرى من الدار، ولا يلي أحدهما من الآخر فباع صاحب البيتين البيتين، فإن الشفعة للشفيع في البيت الذي يليه دون الآخر.
قال هشام أيضاً: سألت محمداً عن دار فيها بستان، وطريق البستان في هذه الدار ليس للبستان طريق آخر، على الدار والبستان حائط واحد محيط بهما، فباع الدار والبستان صاحبهما، قال: هما بمنزلة الدارين من يلي البستان، فله الشفعة في البستان دون الدار، ومن يلي الدار فله الشفعة في الدار دون البستان.

قال هشام أيضاً: سألت محمداً عن عشرة أقرحة متلازقة لرجل يلي واحد منها أرض إنسان، فبيع العشرة الأقرحة، فللشفيع أن يأخذ القراح الذي يليه، وليس له في بقيتها شفعة؛ لأن كل قراح على حدة، وإن لم يكن بينها طريق، وكذلك لو كانت قرية خالصة منها تلي أرض إنسان، فالشفيع يأخذ القراح الذي يليه.

إذا أراد الشفيع أن يأخذ بعض المشترى دون البعض يجب أن يعلم أن الروايات اتفقت عن أصحابنا رحمهم الله أن المشتري إذا كان واحداً والبائع واحداً، وقد اشترى الدار بصفقة واحدة أنه ليس للشفيع أن يأخذ البعض دون البعض دفعاً للضرر عن المشتري، يعني به ضرر عيب الشركة، وإن كان المشتري واحداً والبائع اثنان أو ثلاثة، وقد اشترى الدار صفقة واحدة، فليس للشفيع أن يأخذ نصيب أحد البائعين دون الآخر وإن كان المشتري اثنين أو ثلاثة والبائع واحد، فللشفيع (169أ3) أن يأخذ نصيب أحد المشتريين.

والفرق: أن المشتري إذا كان اثنين، فليس في أخذ نصيب أحدهما ضرر عيب الشركة لا على المشتري ولا على البائع، أما على المشتري؛ لأن الشفيع يأخذ تمام نصيبه، وأما على البائع؛ فلأن أحد النصيبين يصير للشفيع والنصف الأخر يبقى للمشتري الآخر، فأما إذا كان البائع والمشتري واحداً ففي أخذ الشفيع نصيب أحد البائعين ضرر عيب الشركة على المشتري في الباقي، وهذا بخلاف ما لو اشترى نصيب كل واحد منهم بصفقة على حدة كان للشفيع أن يأخذ نصيب أحدهما، وإن كان يلحق المشتري ضرر عيب الشركة؛ لأنه رضي بهذا العيب حيث اشترى نصيب كل واحد منهم بصفقة على حدة.
قال القدوري في «شرحه» : وقد روي عنهم بخلاف هذا، فإنه روي عنهم أن البائع إذا كان اثنين، فللشفيع أن يأخذ نصيب أحد البائعين قبل القبض، وليس له أن يأخذ من المشتري نصيب أحدهما بعد القبض؛ لأن قبل القبض التملك، وقد أخذ جميع ما خرج

(7/275)


عن ملكه، وبعد القبض التملك يقع على المشتري، فيلحقه ضرر عيب الشركة في الباقي.
وروي عنهم: أن المشتري إذا كان اثنين لم يكن للشفيع أن يأخذ نصيب أحدهما قبل القبض؛ لأن التملك يقع على البائع، فتفرق عليه الصفقة، وله أن يأخذ نصيب أحدهما بعد القبض؛ لأن التملك يقع على المشتري، وقد أخذ منه جميع ملكه.
قال القدوري: وسواء سمى لكل نصف ثمناً أو كان الثمن جملة واحدة، فالعبرة لاتحاد الصفقة دون الثمن، وكذلك لو كان الشراء بوكالة، فوكل رجل رجلين، فاشتريا كان للشفيع أن يأخذ نصيب أحد المشتريين، وإن كان الموكل رجلين والوكيل رجلاً واحداً لم يكن له أن يأخذ نصيب أحد الموكلين.

والحاصل: أن على ظاهر الرواية ينظر في مثل هذه المسائل إلى المشتري، فإن كان المشتري واحداً اشترى الدار لنفسه أو لجماعة بتوكيلهم إياه والبائع واحداً، أو قد اشترى بصفقة واحدة، فليس للشفيع إلا أن يأخذ الكل أو يدع الكل، ولو كان المشتري جماعة اشترط لأنفسهم ولواحد بتوكيل إياهم بصفقة واحدة أو متفرقة، فللشفيع أن يأخذ نصيب أحدهم.

وإذا كان المشتري واحد والبائع اثنان وطلب الشفيع نصيب أحدهما دون الأخر هل يكون على شفعته بما صنع؟ ذكر في آخر شفعة «الأصل» أنه على شفعته.
قال بعض مشايخنا: هذا الجواب محمول على ما إذا وجد منه طلب المواثبة وطلب الإشهاد في الكل، ثم أراد أن يأخذ نصيب أحدهما؛ لأن ترك طلب التمليك في النصف لا يربوا على تركه في الكل لا تبطل شفعته عند أبي حنيفة رحمه الله أصلالاً وعندهما إلى شهر، وهو المختار، ففي نصف أولى.
فأما إذا طلب المواثبة وطلب الإشهاد في النصف تبطل شفعته؛ لأنه اجتمع ما يوجب بطلان شفعته وما يمنع بطلانها؛ لأن طلب الشفعة في النصف طلب في الكل؛ لأنها لا تتجزأ فقد وجد الطلب في الكل من هذا الوجه، وإنه يوجب بقاء شفعته، وترك الطلب في النصف ترك الطلب في الكل؛ لأنها لا تتجزأ، وإنه يوجب بطلان شفعته في الكل، فكان حقه في الشفعة من القائم والساقط، فلا يصح للتملك، وإنه غير ثابت؛ لأن غير الثابت لا يثبت بالشك.
وقال بعضهم: هذا الجواب على إطلاقه، وإذا طلب طلب المواثبة والإشهاد في النصف لا تبطل شفعته؛ لأنه اجتمع ما يوجب بقاء شفعته وما يوجب بطلان شفعته، وإنها كانت ثابتة، فلا يبطل بالشك.

وإذا اشترى الرجل دارين صفقة واحدة شفيعهما واحد، فأراد أن يأخذ أحدهما دون الآخر، فليس له ذلك، وكذلك لو كانت أرضين أو قرية وأرضها أو قريتين وأرضهما وهو شفيع ذلك كله، فإنما له أن يأخذ جميع ذلك أو يدعه، وسواء كانت الدار متلازقتين أو غير متلازقتين، في مصرين أو قريبتين بعد أن يكون ذلك صفقة واحدة.
في آخر شفعة «الكافي» : ونص على قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله في

(7/276)


مثله مثل هذه المسألة في الشفعة للحسن بن زياد، وإن كان الشفيع شفيعها لإحدهما وقد وقع البيع صفقة واحدة ذكر شيخ الإسلام في «شرحه» : أنه يأخذ الدار التي هو شفيعها في ظاهر الرواية، وروى عن أبي حنيفة رواية شاذة أنه ليس له ذلك، إما أن يأخذهما أو يتركهما.u
وعلى هذه الرواية قال أبو حنيفة رحمه الله: لو اشترى المشتري الدار مع متاع فيها صفقة واحدة، فالشفيع يأخذ الدار مع المتاع أو يدع الكل، وذكر شمس الأئمة السرخسي في «شرحه» كان أبو حنيفة رحمه الله يقول: أولاً له أن يأخذهما جميعاً أو يدع، ثم رجع وقال: لا يأخذ واحدة منهما، ثم رجع وقال: يأخذ التي هو شفيعها خاصة، وهو قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله، وفي الشفعة للحسن بن زياد في مثل هذه المسألة: أن الشفيع يأخذ الكل أو يدع الكل، وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف، وقد ذكرنا قول أبي يوسف في ابتداء الفصل في القراحين والبساتين، وذكرنا قولي محمد في الأقرحة والحوانيت والله أعلم.

الفصل الخامس: في الحكم بالشفعة والخصومة فيها
قال محمد رحمه الله: ولا ينبغي للقاضي أن يقضي بالشفعة حتى يحضر الشفيع الثمن، وطلب أجلاً أجّله يومين أو ثلاثة ولم يقض له بالشفعة، وإن قضى بالشفعة نفذ قضاؤه، ولا ينقض حتى لو أبى الشفيع أن ينقد الثمن حبسه القاضي.

وفي «المنتقى» : قال هشام عن محمد رحمه الله: إذا قال الشفيع للقاضي: اقض لي بالشفعة ودعها على حالها من غير أن يسلم إلي حتى آتيك بالمال لم يفعل ذلك، وذكر شمس الأئمة السرخسي في شرح كتاب الشفعة أن القاضي يقضي بالشفعة، وإن لم يحضر الشفيع الثمن في قول أبي حنيفة الإمساك وأبي يوسف رحمهما الله، ويكون للمشتري حق الإمساك إلى أن يستوفي الثمن.
قال القدوري: وقد روى الحسن عن أبي حنيفة مثل قول محمد: أن القاضي لا يقضي بالشفعة حتى يحضر الشفيع الثمن، وإذا رفع الشفيع الأمر إلى القاضي وطلب منه أن يقضي له، فهذا على وجهين: إن كانت الدار في يد البائع، فالقاضي لا يسمع خصومته، ولا يقضي له بالشفعة إلا بحضرة البائع والمشتري؛ لأن اليد للبائع والملك للمشتري، فكان القضاء متعرضاً للحقين، فلا بد من حضرتهما، وإن كانت الدار في يد المشتري، فالخصم هو المشتري وحده يشترط حضرته، ولا يشترط حضرة (169ب3) البائع؛ لأنه ليس له ملك ولا يد، فكان كالأجنبي.
فإن أخذ الدار من المشتري، فعهدته وضمان ماله على المشتري.
وإن أخذها من البائع، فعهدته وضمان ماله على البائع عندنا؛ لأن بالأخذ من البائع ينفسخ العقد الذي جرى بين البائع والمشتري، ويقع التملك

(7/277)


على البائع هو المذهب عند علمائنا رحمهم الله، ومعنى انتقاض البيع فيما بين البائع والمشتري الانتقاض في حق الإضافة إليه كان قول البائع للمشتري: بعت هذه الدار اتحاد البيع، وقوله منك إضافة إليه، وإذا أخذها الشفيع بالشفعة تقدم على المشتري، فصار ذلك البيع مضافاً إلى الشفيع بعد أن كان مضافاً إلى المشتري، وانتقضت الإضافة إلى المشتري.
ونظيره في المحسوسات من رمى سهماً إلى رجل، فتقدم عليه غيره وأصابه السهم، فالرمي في نفسه لم ينقطع، ولكن التوجيه إلى الأول قد انقطع بتخلل هذا الثاني.

وروى أبو سليمان عن أبي يوسف رحمه الله: أن المشتري إن كان نقد الثمن ولم يقبض الدار حتى قضى القاضي للشفيع بحضرتهما، فإنه يقبض الدار من البائع، وينقد الثمن للمشتري، وعهدته على المشتري، وإن كان لم ينقد الثمن دفع الشفيع الثمن إلى البائع وعهدته على البائع، فلو أن الشفيع في هذه الصورة وجد بالدار عيباً فردها على البائع أو على المشتري بقضاء القاضي، فأراد أن يأخذها بشرائه، وأراد البائع أن يردها على المشتري بحكم ذلك الشراء، فالمشتري بالخيار إن شاء أخذها وإن شاء تركها.

قال: من قبل القضاء الذي حدث للشفيع فيها، فإن أخذ الشفيع الدار من المشتري وأراد أن يكتب كتاباً على المشتري ليكون وثيقة للشفيع على المشترى له ذلك، ويحكى في الكتاب شراء المشتري أولاً ثم يرتب عليه الأخذ بالشفعة؛ لأن الشفعة إنما تثبت فيما ملك بجهة الشراء، فيحكى شراء المشتري أولاً ثم يرتب عليه الأخذ بالشفعة؛ لأن الشفعة إلي حتى لا ينكر المشتري ملكه من جهة بائعه بالشراء يوماً من الدهر، ويأخذ الشفيع من المشتري كتاب شرائه الذي كتب على بائعه، وإن أبى المشتري أن يدفع ذلك إليه فله ذلك؛ لأن الكاغده عنده ملك المشتري، ولكن ينبغي للشفيع أن يحتاط لنفسه، فيشهد قوماً على تسليم المشتري الدار إليه بالشفعة.
وإن كان الشفيع أخذ الدار من البائع يكتب كتاباً على البائع على نحو ما يكتب لواحده من المشتري، ويكتب في هذا الكتاب إقرار المشتري أنه سلم جميع ما في هذا الكتاب وأجازه وإقراره لاحق له في هذا الدار ولا في ثمنه.

وإذا وقع الشراء بسبب بثمن مؤجل إلى سنة مثلاً، فحضر الشفيع ويطلب الشفعة وأراد أخذها إلى ذلك الأجل، فليس له ذلك إلا برضا المأخوذ منه، إما أن ينقذ الثمن حالاً ويصبر حتى يحل الأجل، فإن نقد الثمن حالاً، وكان الآخذ من المشتري يبقى الأجل في حق المشتري على حاله حتى لا يكون للبائع ولاية مطالبة المشتري قبل محل الأجل، وإن صبر حتى حل الأجل فهو على شفعته، وهذا كله إذا كان الأجل معلوماً.
فأما إذا كان مجهولاً نحو الحصاد والدياس وأشباه ذلك، فقال الشفيع: أنا أعجل الثمن وآخذها لم يكن له ذلك؛ لأن الشراء بالأجل المجهول فاسد، وحق الشفيع لا يثبت في الشراء الفاسد.
في «المنتقى» : دار بيعت ولها شفيعان جاران، وأحدهما غائب، فخاصم الحاضر

(7/278)


المشتري إلى قاضٍ لا يرى الشفعة بالجوار، فقال له: لا شفعة لك، أو قال: أبطلت شفعتك ثم قدم الشفيع الأخر وخاصم المشتري إلى قاض يرى الشفعة بالجوار، فإنه يقضي له بجميع الدار، وإن طلب الأول القضاء من هذا القاضي لا يقضي له بشيء؛ لأن قاضياً من القضاة قد أبطل حقه، فإن كان القاضي الأول قال للشفيع الأول: أبطلت شفعتك وقضيت بإبطال الشفعة في هذه الدار لكل جار، فإن هذا خطأ منه، وإنه قضاء على الغائب، فهو يجوز على ما يجوز عليه القضاء على الغائب.
وفيه أيضاً: رجل اشترى من آخر داراً بألف درهم، وباعها من رجل أخر بألفي درهم وسلمها، ثم حضر الشفيع وأراد أن يأخذ الدار بالبيع الأول.
قال أبو يوسف رحمه الله: يأخذها من الذي هي في يده، ويدفع إليه ألف درهم، ويقال له طلب صاحبك الذي باعك، فخذ منه ألفاً أخرى، وروى الحسن بن زياد عن أبي حنيفة رحمهما الله: إذا حضر الشفيع وقد باع المشتري الدار وسلمها وغاب وأراد أن يأخذها الشفيع بالبيع الأول، فلا خصومة بينه وبين المشتري الآخر.

فالحاصل: أن الشفيع لو أراد أخذها بالبيع الأول يشترط حضرة المشتري الأول عند أبي حنيفة رحمه الله، وهو في قول محمد، وفي قول أبي يوسف: لا يشترط حضرته، وإن أراد أخذها بالبيع الثاني لا يشترط حضرة المشتري الأول بلا خلاف.
إذا قضى القاضي للشفيع بالشفعة وضرب له أجلاً، وقال: إن لم يأت بالثمن إلى وقت كذا فلا شفعة لك، فلم يأت به بطلت شفعته، وكذلك إذا قال المشتري ذلك للشفيع، فإن جاء بالدنانير والثمن دراهم، فقد اختلف المشايخ فيه، قال بعضهم: لا تبطل شفعته، وبعضهم توقف في الجواب، فيفتي أنه لا تبطل شفعته، وكذلك إذا قال الشفيع: إن لم أعطيك الثمن وقت كذا، فأنا بريء من الشفعة فهو صحيح، ويبطل حقه إن لم يعط الثمن إلى ذلك الوقت.
في «القدوري» : وفي «المنتقى» بشر عن أبي يوسف رحمه الله: أن قول الشفيع: لا حق لي عند فلان براءة عن الشفعة.
رجل في يده دار جاء رجل وادعى صاحب اليد اشترى الدار من فلان، وأنا شفيعها وأقام على ذلك بينة، وأقام صاحب اليد بينة أن فلاناً أودعها إياه قضى القاضي للشفيع بالشفعة؛ لأن صاحب اليد انتصب خصماً بدعوى الفعل عليه وهو شراؤه هذه الدار من فلان وفي مثل هذا لا تندفع الخصومة عن صاحب اليد بإثبات أن يده وديعة وإن كان الشفيع لم يدع الشراء على صاحب اليد إنما ادعاه على رجل.
وصورته: أن يقول لصاحب اليد: إن هذا الرجل وأشار إلى غير صاحب اليد اشترى هذه الدار من فلان بكذا وقبضها ونقد الثمن وأنا شفيعها، وأقام على ذلك بينة، وأقام صاحب اليد بينه أن فلاناً أودعها إياه فلا خصومة بينهما حتى يحضر الغائب؛ لأن صاحب اليد هاهنا انتصب خصماً بحكم ظاهر اليد لا بدعوى الفعل عليه.
وفي مثل هذا تندفع الخصومة عن صاحب اليد بإثباته أن يده وديعة، وإذا وقع

(7/279)


الشراء بالجياد ونقد المشتري الزيوف فالشفيع يأخذ بالجياد؛ لأن الشفيع (170أ3) إنما يأخذ بما وقع الشراء به، والشراء وقع بالجياد.

في «واقعات الناطقي» : إذا وقع الشراء بما هو من ذوات الأمثال، فالشفيع يأخذ بمثله، وإذا وقع بما هو من ذوات القيمة، فالشفيع يأخذ بقيمة ذلك الشيء، ويعتبر قيمة ذلك الشيء وقت الشراء لا وقت الأخذ بالشفعة.

الفصل السادس: في الدار إذا بيعت ولها شفعاء
إذا كان للدار شفيعان فسلم أحدهما، فإن كان قبل قضاء القاضي بالشفعة بينهما نصفان أخذ الآخر كل الدار، وترك ليس له غير ذلك، يجب أن يعلم بالشفعاء إذا اجتمعوا فحق كل واحد قبل الاستيفاء والقضاء ثابت في جميع الدار، حتى أنه إذا كان للدار شفيعان سلم أحدهما الشفعة قبل الأخذ وقبل القضاء كان للآخر أن يأخذ الكل؛ لأن قبل الاستيفاء القضاء وجد في حق كل واحد منهما بسبب ثبوت حق الشفعة في كل الدار، وأمكن الجمع بينهما؛ لأن الجمع بينهما ليس إلا الجمع بين حقين في عين واحد كلاً لفائدة أن أحدهما متى ترك أخذ الآخر الكل، وهذا جائز كما لو رهن.... من رجلين، فإنه يصير راهناً كل العين من كل واحد منها بجميع دينه حتى لو قضى دين أحدهما كان للآخر أن يحبس الكل بدينه، وبعد الاستيفاء أو بعد القضاء يبطل حق واحد منها عما قضى لصاحبه حتى إنه إذا كان للدار شفيعان، وقضى القاضي بالدار بينهما، ثم أسلم أحدهما نصيبه لم يكن للآخر أن يأخذ الجميع؛ وهذا لأن القاضي لما قضى بالدار بينهما صار كل واحد منهما مقضياً عليه من جهة صاحبه فيما قضى به لصاحبه، فبطل شفعته فيما قضى به لصاحبه ضرورةً إذا كان بعض الشفعاء أقوى من البعض بقضاء القاضي بالشفعة بطل حق الضعيف حتى أنه إذا اجتمع الشريك والجار وسلم الشريك الشفعة، قبل القضاء له كان للجار أن يأخذ بالشفعة.

ولو قضى القاضي بالدار للشريك ثم سلم الشريك الشفعة، فلا شفعة للجار، وإذا حضر بعض الشفعاء وغاب البعض، فللشفيع الحاضر أن يأخذ كل الدار؛ لأن حق الحاضر في كل الدار ثابت بصفة التأكيد؛ لأن تأكد الشفعة بالطلب وقد وجد الطلب من الشفيع الحاضر، وحق الغائب لم يتأكد بعد، والحق المتأكد لا يؤخر لحق غير متأكد، ومتى وقع الاستيفاء من الحاضرين، فإنما يبطل من الغائب ما كان يبطل لو كان حاضراً، أما الزيادة فلا.
حتى أنه إذا كان للدار شفيعان أحدهما حاضر، والآخر غائب وقضى القاضي للحاضر بكل الدار كان له أن يأخذ النصف، وإذا جعل بعض الشفعاء نصيبه

(7/280)


لبعض لم يصح الجعل ويسقط حقه، وقسمت على عدد من بقي؛ لأن نقل الحق في الشفعة لا يستقيم لما يأتي بيانه بعد هذا إن شاء الله تعالى، ولكن يسقط حقه بدلالة الإعراض فيقع حق الباقين.
وإذا قضى القاضي للحاضر بكل الدار، ثم حضر آخر وقضى له بالنصف، ثم حضر آخر قضي له بثلث ما في يد كل واحد منهما حتى يستويا لهما، فإن قال الذي قضي له بكل الدار أولاً للثاني: أنا أسلم لك الكل، فإما أن يأخذ الكل أو يدع فليس له ذلك، وللثاني أن يأخذ النصف، هكذا ذكره «القدوري» .

ولو كان الشفيع الحاضر يأخذ الدار من المشتري بالشفعة ولكن اشترى الدار منه ثم حضر الغائب، فإن شاء أخذ الدار كلها بالبيع الأول، وإن شاء أخذ كلها بالبيع الثاني، أما بالبيع الأول، فلأن الحاضر أسقط حقه في الشفعة لما أقدم على الشراء وخرج من البين، فكان للآخر أن يأخذ الكل، وأما بالبيع الثاني، فلأن الشريك المشتري أعرض عن الشفعة حيث أقدم على الشراء، ومع الإعراض لا يثبت له حق الشفعة، فخرج هو من البين، فكان للآخر أن يأخذ الكل.

وفي المسألة نوع إشكال؛ لأن حق الشفعة في البيع الثاني، إنما يثبت بعد تمام البيع الثاني فلا يبطل بالإعراض قبله، والجواب هو معرض بالشراء الثاني، فلا يثبت له بسبب هذا الحق مع تضمن هذا الشراء الإعراض.
بخلاف الشفيع إذا اشترى ابتداء؛ لأن شراء لم يتضمن إعراضاً؛ لأنه مقبل على التملك، وهو معنى الأخذ بالشفعة.
ولو كان المشتري الأول شفيعاً للدار فاشتراها الشفيع الحاضر منه، ثم قدم الغائب، فإن شاء أخذ نصف الدار بالبيع الأول، وإن شاء أخذ الكل بالبيع الثاني؛ لأن المشتري الأول يثبت له حق قبل الشراء حتى يكون شراؤه معرضاً عنه، فبقي هو شفيعها في البيع الأول، فلا يكون للغائب بسبب البيع الأول إلا النصف، وأما العقد الثاني فقد ثبت للشفيع الحاضر حق الشفعة بسبب الأول، فإذا اشترى سقط حقه عن البيع الأول، ولم يتعلق بعقده حق مع كونه معرضاً، فكان للغائب أن يأخذ الكل بالبيع الثاني.

الفصل السابع: في إنكار المشتري حق الشفيع وما يتصل به
في «المنتقى» : قال هشام: سألت محمداً عن الشفيع إذا طلب الشفعة بدار في يديه يزعم أنها له، فقال المشتري: ليست هذه الدار لك، قال: فأخبرني أن أبا حنيفة كان يقول: على الشفيع البينة يعني القاضي لا يقضي للشفيع بالشفعة ما لم يقم البينة أن الدار التي في يديه داره، وقال أبو يوسف رحمه الله: إذا كان في يديه، فله الشفعة بها.
قال هشام: قلت لمحمد: ما قولك، قال: القياس ما قاله أبو حنيفة.
وفي «الأجناس» : بين كيفية الشهادة، فقال: ينبغي أن يشهدوا هذه الدار التي بجوار

(7/281)


الدار المبيعه ملك هذا الشفيع أن يشتري هذا المشتري هذه الدار، وهي له إلى هذه الساعة لا يعلمها خرجت عن ملكه.
ولو قال: إن هذه الدار لهذا الجار لا يكفي، وفي «الحاوي» : لو شهدا أن الشفيع كان اشترى هذه الدار من فلان وهي في يديه أو وهبها وقبضها، فذلك يكفي، فلو أراد الشفيع أن يحلف المشتري بالله فله ذلك.

ذكر في «واقعات الناطفي» ؛ لأنه يدعي معنىً لو أقر به يلزمه، فإذا أنكر يستحلف.
بعد هذا قال محمد رحمه الله: يحلف على الثبات، وقال أبو يوسف: يحلف على العلم بالله ما يعلم أن هذه الدار ملك هذا؛ لأن هذا يختلف على ملكية دار ليست في يديه، وبه أخذ الصدر الشهيد رحمه الله في «المنتقى» أيضاً.
ابن سماعة عن أبي يوسف: في رجل في يديه دار أقام رجل بينه أن هذه كانت في يد والده، وأن والده مات، وهذه الدار في يديه، قال: اجعلها للذي أقام البينة، فإن جاء بطلب الشفعة (170ب3) دار إلى جنبه لم أقض له بالشفعة حتى يقيم البينة على ذلك.
في آخر الباب الأول في «المنتقى» : دار في يدي رجل أقر أنها لأخر فبيعت إلى جنبها دار وجاء المقر له بطلب الشفعة بإقراره الذي أقر له بها فلا شفعة له فيها حتى يقيم البينة أن الدار داره.
وفي الباب الثالث منه رجل اشترى داراً ولها شفيع فأقر الشفيع أن داره التي بها الشفعة لأخر، فإن كان سكت عن الشفعة، ولم يطلبها بعد فلا شفعة للمقر له، وإن كان طلب الشفعة فللمقر له الشفعة؛ لأن في الوجه الأول الشفيع يريد أن يوجب بإقراره حقاً لم يكن ولا كذلك في الوجه الثاني، وقد ذكرنا في الفصول المتقدمة أن الشريك فيما تحت الحائط من الأرض أولى بشفعة بقية الدار والجار، فإن كان صاحب الدار أقر أن الحائط بينه وبين هذا الرجل لم أجعل له بهذا شفعة بمنزلة دار في يدي رجل أقر أنها لأخر، فإنه لا يستحق المقر له بهذا الإقرار الشفعة كذا هاهنا، وذكر الخصاف في إسقاط الشفعة أن البائع إذا أقر بسهم من الدار للمشتري ثم باع منه بقية الدار فالجار لا يستحق الشفعة؛ لأن المشتري شريك بالسهم المقر له به، وكان أبو بكر الخوارزمي يخطئ الخصاف في هذا ويفتي بوجوب الشفعة للجار؛ لأن الشركة لا تثبت إلا بإقراره وكان يستدل بمسألة الحائط.

الفصل الثامن: في تصرف المشتري في الدار المشفوعة قبل حضور الشفيع
إذا تصرف المشتري في الدار المشفوعة قبل حضور الشفيع بأن اشترى داراً أو أرضاً وبنى فيها بناءً أو غرس عرساً، ثم حضر الشفيع وطلب الشفعة أمر المشتري برفع بنائه وغرسه وتسليم الساحة للمشتري، وروى أبو يوسف: أنه يخير بين أن يأخذ بالثمن

(7/282)


وقيمة البناء والغرس الذي أخذه أو تركه.
ووجه ظاهر الرواية: أنه بنى في محل تعلق به حق الغير ولم يبطل حقه بتصرفه فكان له أن ينقصه كالمشتري إذا باع من غيره أكثر ما فيه أن في نقض البناء ضرر للمشتري إلا أن المشتري هو الذي أضر بنفسه حيث بنى على محل تعلق به حق الغير.
وعلى هذا إذا اشترى داراً وصفها بأشباه كثيرة ثم جاؤوا الشفيع، فهو بالخيار إن شاء أخذها بالشفعة وأعطاه ما زاد فيها، وإن شاء ترك.
قال الصدر الشهيد في «واقعاته» : وفيه نظر، فإن المشتري إذا بنى في الدار المشفوعة بناء كان للشفيع أن ينقض البناء ولا يأخذ الدار ولا يعطيه ما زاد فيها.
قيل: إن كان المذكور في «العيون» عن محمد فدعوى النظر صحيح، وإن كان عن أبي يوسف فدعوى النظر لا يصح، فإن الجواب في مسألة البناء على إحدى الروايتين عن أبي يوسف هكذا.
وقيل: يجوز أن يفرق محمد رحمه الله من البناء وبين الصنع؛ لأن البناء إذا أنقض لا يلحق المشتري كثير ضرر؛ لأنه يسلم النقض ولا كذلك إذا نقص الصبغ.
وإذا اشترى الرجل داراً وهدم بنائها أو هدمها أجنبي أو انهدم بنفسه، ثم جاء الشفيع قسم الثمن على قيمة البناء وعلى قيمة الأرض فما أصاب الأرض أخذها الشفيع بذلك يعني المسألة إذا انهدم البناء وبقي النقض على حاله؛ وهذا لأن حق الشفيع ثابت في البناء بيعاً وقد بطل ذلك الحق عن البناء بالهدم والانهدام؛ لأنه صار نقلياً فمتى قلنا: أن الشفيع يأخذ الأرض بجميع الثمن يبقى بعض المبيع في يد المشتري بلا ثمن، وهذا لا يجوز إلا أنه إذا انهدم بفعل المشتري أو بفعل الأجنبي يقسم الثمن على قيمة البناء.

وإذا انهدم بنفسه يقسم الثمن على قيمته مهدوماً؛ لأن بالهدم دخل في ضمان الهادم، فيعتبر القيمة على الوصف الذي دخل في ضمانه وبالانهدام لم يدخل في ضمان أحد فيعتبر قيمته على حاله التي هو عليه مهدوماً علي حتى أنه إذا كان قيمة الساحة خمسمائة وقيمة البناء خمسمائة فانهدم البناء وبقي النقض وهو يساوي ثلاثمائة، فالثمن يقسم على قيمة الساحة خمسمائة، وعلى قيمة النقض ثلاثمائة أثماناً فيأخذ الشفيع الساحة بخمسة أثمان الثمن.

ولو احترق البناء أو ذهب به السيل ولم يبق غير ثمن النقض يأخذ الشفيع الساحة بجميع الثمن؛ لأنه لم يبقى في يد المشتري شيء له ثمن ولو استحق البناء أخذ الشفيع ما بقي بحصته من الثمن بخلاف ما لو احترق البناء أو ذهب به السيل ولو لم يهدم المشتري البناء، ولكن باعه من غيره من غير أرض ثم حضر الشفيع، فله أن ينقض البيع ويأخذ الكل؛ لأنه ما دام متصلاً فحق الشفيع متعلق به فكان له إبطال تصرف المشتري.
وكذلك النبات والنخيل في الأرض والتمر في النخيل المجود وقت البيع كل ما لم يزائل الأرض فالشفيع أولى به بالثمن الأول وما زائل الأرض بفعل المشتري أو بفعل أجنبي يقسم الثمن على قيمته صحيحاً وعلى قيمة الأرض، وإن زائل الأرض لا بفعل أحد

(7/283)


ولم يهلك يعتبر قيمته ساقطاً، وإن هلك الثمن من غير صنع أحد ولم يبق منه شيء سقط حصته من الثمن بخلاف البناء؛ لأن الثمر مبيع مقصود، ألا ترى أنه لا يدخل في البيع إلا بتسمية فيثبت له الحصة لا محالة.

أما البناء بيع فلا يثبت له الحصة أبداً إذا صار وجعل الدار المشتراة مسجداً أو مقبرة، ثم حضر الشفيع قضى له بالشفعة وله أن ينقض المسجد وينبش الموتى يجب أن يعلم أن تصرف المشتري في الدار المشفوعة صحيح إلى أن يحكم الحاكم بالشفعة للشفيع، وله أن يؤاجر ويطلب له الثمن والأجر، وكذا له أن يهدم وما أشبه ذلك من التصرفات؛ لأن نفاذ التصرف وإطلاقه يعتمد الملك، وإنه ثابت للمشتري والثابت للشفيع حق الأخذ لاحق في المحل أصلاً فلهذا يجوز تصرفاته ويطلق فيها غير أن للشفيع أن ينقض كل تصرف إلا القبض وما كان من تمام القبض.
ألا ترى أن الشفيع لو أراد أن ينقض قبض المشتري ليعيد الدار إلى البائع ويأخذ منه لا يكون له ذلك، وكذلك لا يملك نقض قسمة المشتري حتى أن من اشترى نصف دار غير مقسومة وقاسم المشتري البائع، ثم حضر الشفيع ليس له أن ينقض قسيمه سواء كانت القسمة بحكم أو بغير حكم؛ لأن القسمة من تمام القبض لما عرف أن قبض المشاع فيما يحتمل القسمة قبض ما قبض.
l
وذكر في «واقعات الناطقي» : أن القسمة إذا كانت بحكم ففي بعض القسمة عن أبي حنيفة روايتان.
قال الصدر الشهيد في «واقعاته» : والمختار أنه لا ينقض، وإنما جاء الفرق بين القسمة والقبض وسائر التصرفات؛ لأنه ليس في القبض والقسمة إبطال حق الشفيع في الأخذ (171أ3) بمثل الثمن الأول من المشتري الأول إلا بعد إعادته إلى ملكه ولا يمكن إعادته إلى ملك المشتري الأول ولا ينقض تصرفاته.

ذكر «القدوري» : في «شرحه» ، روى عن أبي حنيفة: أن الشفيع إنما يأخذ النصف الذي أصاب المشتري إذا وقع في جانب الدار المشفوع بها؛ لأنه إذا وقع في غير جانبه وليس له نقض القسمة لا يكون جاراً فلا يستحق الشفعة.
وفي «القدوري» : الدار إذا كانت مشتركة بين رجلين باع أحدهما نصيبه من رجل وقاسم المشتري الشريك الذي لم يبع، ثم حضر الشفيع فله أن ينقض القسمة.

في «العيون» : رجلان اشتريا داراً وهما شفيعان ولها شفيع ثالث فاقتسماها، ثم جاء الثالث فله أن ينقض القسمة اقتسماها بقضاء أو بغير قضاء.
في «فتاوى الفضلي» : رجل اشترى أرضاً قيمتها مائة بمائة فرفع منها التراب وباعها بمائة، ثم جاء الشفيع وطلب الشفعة وأخذ الأرض بنصف المائة وهو خمسون؛ لأن الثمن يقسم على قيمة الأرض قبل رفع التراب وعلى قيمة التراب الذي باعه وقيمتها سواء فيقسم الثمن عليهما نصفان، ولو كيس المشتري الأرض وأراد إعادتها على ما كانت عليه قبل أن يحضر الشفيع ثم حضر، فقال للمشتري: ارفع عنها ما أحدثت؛ لأن ذلك

(7/284)


المشتري ثم الجواب كما وصفنا من قبل. وفي «الكيسانيات» : يمنع المشتري عن هدم البناء وحفر البئر ونحوه في «القدوري» .
لو باع نصف دار من رجل ليس بشفيع وقاسمه بأمر القاضي ثم قدم الشفيع ونصيب البائع بين دار الشفيع وبين نصيب المشتري، فإن هذا لا يبطل شفعة الشفيع؛ لأن القسمة تصرف من المشتري فلا يبطل بها حق الشفيع، ولو كان البائع باع نصيبه بعد القسمة قبل طلب الشفيع الشفعة الأولى؛ ثم طلب الشفيع، فإن قضى بالأخير جعلنا بينهما يعني بين الشفيع وبين المشتري الأول؛ لأنهما جاران لهذه البقعة، وقضى بالأولى للمشتري الأول وإن بدأ فقضى بالأولى للشفيع قضى بالأخيرة له أيضاً؛ لأنه لم يبق للمشتري الأول حق يأخذ به الشفعة.
وفي «المنتقى» : رجل اشترى من رجل داراً بألف، وباعها لرجل بألفين فعلم الشفيع بالبيع الثاني ولم يعلم بالبيع الأول فخاصم فيها وأخذها بالشفعة الثاني بحكم أو بغير حكم، ثم علم بالبيع الأول ليس له أن ينقض أخذه الأول وقد بطلت شفعته في البيع الأول، وكذلك لو باعها صاحبها من رجل بألف درهم، ثم إن المشتري ناقضه البيع فيها وردها، ثم إن البيع اشتراها من ربها بالغبن وهو لا يعلم ببيعه إياها قبل ذلك، ثم علم به لم يكن له أن ينقض شراءه في الأصل.

اشترى الرجل دار فهدم بناؤها، ثم بنى فأعظم الذي كان فيها يوم اشتراها فما أصاب البناء يسقط عن الشفيع وما أصاب العرصة يأخذها وينقض بناء المشتري الذي أخذت فيها، وهذا جواب ظاهر الرواية، وعلى ما روي عن أبي يوسف رحمه الله على ما بينا في ابتداء هذا الفصل لا ينقض بناء المشتري، ولكن يقوم قيمة ما بناه المشتري إن شاء ترك.

الفصل التاسع: في تسليم الشفعة
تسليم الشفعة قبل البيع لا يصح وبعده صحيح علم الشفيع بوجوب الشفعة أو لم يعلم؛ وعلم من أسقط إليه هذا الحق أو لم يعلم؛ لأن تسليم الشفعة إسقاط حق، ألا ترى أنه يصح من غير قبول ولا يزيد بالرد وإسقاط الحق يعتمد وجوب الحق أما لا يعتمد علم المسقط ولا علم المسقط إليه كالعتاق والطلاق ثم تسليم الشفعة لا تخلو من ثلاثة أوجه: التسليم والمال لا يجب؛ لأن هذا اعتياض عن حق التملك؛ لأنه لا حق للشفيع في الدار، وإنما له الحق أن يأخذ الدار والاعتياض عن مجرد حق التملك لا يجوز؛ ولأن حق الشفعة أو مرفرف بخلاف القياس فلا يظهر ثبوته في حق جواز الاعتياض عنه، وإما أن يسلم الشفعة على أن يأخذ نصفاً أو ثلثاً منها، وفي هذا الوجه التسليم جائز وهذا ظاهر والأخذ جائز أيضاً؛ لأنه أشياء معلومة من الدار وهو النصف أو الثلث بثمن معلوم؛

(7/285)


لأن ثمن نصف الدار أو ثلثه معلوم يتعين، ويكون أحد هذا النصف بحكم الشفعة لا بحكم شراء مبتدء بدليل ما ذكر في «الكتاب» .
وكان لهذه الدار جار أخذ الجار منه نصف هذا النصف ولو كان هذا تسليماً في كل الدار واحداً للنصف أو الثلث بشراء مبتدء لكان الجار أولى بكل هذا النصف، وأما إن سلم الشفعة على أن يأخذ من الدار بيتاً بعينه.

وفي هذا الوجه الصلح باطل، وله أن يأخذ جميع الدار بعد ذلك أو يدع؛ لأن الأخذ حصل بثمن مجهول؛ لأنه إنما يعرف ثمن بيت منها بعينه بالحرز والظن بأن يقسم الثمن على قيمة البيت وعلى قيمة ما في الدار والناس يتفاوتون في ذلك.
فإن قيل: أليس لو اشترى داراً بعبد فالشفيع يأخذ الدار بقيمة العبد وقيمة العبد يعرف بالحرز والظن.
قلنا قضية القياس: أن لا توجد الدار بقيمة العبد إلا أنا تركنا القياس لضرورة؛ لأن بيع الدار بالعبد وقد صح؛ لأنه بيع ما هو معلوم بثمن معلوم، وإذا صح البيع وجبت الشفعة ولا يمكن الأخذ إلا بقيمة العبد أو وجب الأخذ بالقيمة لهذه الضرورة مثل هذه الصورة لا يتأتى هاهنا؛ لأن أخذ البيت بثمن معلوم ممكن للشفيع، وليس إذا سقط اعتبار الحالة لضرورة ما يدل على أنه يسقط اعتبارها لغير ضرورة.
وإذا بطل التسليم وكان الشفيع على شفعة فرق بيت هذا وبينما إذا سلم الشفعة على مال أخر حتى لا يجب المال كان التسليم جائز، وهاهنا قال: التسليم لا يصح والعرض المسمى لم يسلم للشفيع في المسألتين.
والفرق: أن تسليم الشفعة على مال آخر لا يجوز له بحال فكان ذكر المال ولا ذكره بمنزلة، ولو سلم الشفعة ولم يذكر مالاً صح التسليم كذا هاهنا، أما تسليم البعض وأخذ البعض جاز بحال وهو أن يكون بدل المأخوذ معلوماً فلا يصير ذكر العوض ولا ذكره سواء فيجب اعتبار العوض، فإذا لم يسلم العوض يبقى على حقه، وإذا وهب الشفيع الشفعة أو باعها من إنسان لا يكون تسليماً هكذا ذكر في «فتاوي أهل سمرقند» ؛ لأن البينة لم تصادف محله أصلاً فليغى.

وذكر شمس الأئمة السرخسي رحمه الله في شرح كتاب الشفعة قبيل باب الشهادة: إذا باع الشفعة كان ذلك تسليماً للشفعة ولا يحب المال علل فقال حق الشفعة لا يحتمل البيع؛ لأن البيع تمليك وحق (171ب3) الشفعة لا قبل التمليك، فيصير كلامه عبارة عن الإسقاط مجازاً.

كبيع الزوج زوجته من نفسها وهو الصحيح، وقد ذكر محمد رحمه الله في شفعة «الجامع» وما يدل عليه، وسيأتي ذلك بعد هذا في الصحيفة التي تلي هذه الصحيفة إن شاء الله.
إذا سلم الشفيع الشفعة ثم زاد البائع بعد ذلك في المبيع عبداً أو أمة كان للشفيع أن يأخذ الدار بحصتها من الثمن؛ لأن الزيادة ملتحق بأصل العقد، فتبين أن حصة الدار من الثمن أقل مما علم الشفيع في الباب الأول من شفعة «الواقعات» .

(7/286)


وفي هذا الباب أيضاً: إذا سلم الشفيع الشفعة ثم حط البائع من الثمن شيئاً فله الشفعة؛ لأن الحط ملتحق بأصل العقد فصار كما لو أخبر بالبيع بألف فسلم، فإذا البيع بألف فسلم، فإذا البيع بخمسمائة إذا قال الشفيع: سلمت شفعة هذه الدار، كان تسليماً صحيحاً، وإن لم يعين أحداً، وكذلك لو قال للبائع: سلمت لك شفعة هذه الدار، والدار في يد البائع ولو قال ذلك للبائع بعد ما سلم الدار إلى المشتري لا يصح التسليم قياساً؛ لأن قبل التسليم إلى المشتري لا يصح التسليم قياساً؛ ولأن قبل التسليم إلى المشتري إنما صح تسليم الشفعة للبائع؛ لأن للشفيع حق أخذ الشفعة من البائع، هذا المعنى لا يتأتى بعد التسليم إلى المشتري.
وفي الاستحسان: يصح التسليم ويكون معنى قوله للبائع: سلمت لك سلمت لك ولأجلك، وكذلك إذا كان المشتري وكيلاً من جهة غيره بشراء الدار، فقال الشفيع: سلمت شفعة هذه الدار ولم يعين أحداً كان تسليماً صحيحاً.

وكذلك لو قال للوكيل: سلمت لك شفعة هذه الدار والدار في يد الوكيل صح التسليم استحساناً؛ لأن الوكيل بالشراء في حق الحقوق كالمشتري لنفسه ثم كالبائع من موكله، ولو سلم الشفيع الشفعة للبائع، كان الجواب فيه على التفصيل الذي ذكرنا كذا هاهنا، إذا قال أجنبي لشفيع الدار: سلم شفعة هذه الدار للآمر أو قال: لهذا المشتري فقال المشتري الشفيع: سلمتها لك، أو قال: وهبتها لك، أو قال: أعرضت عنها لك، كان هذا تسليماً صحيحاً للآمر، وللمشتري استحساناً؛ لأن كلام الشفيع خرج على وجه الجواب، فيتضمن إعادة ما في السؤال، وصار تقدير كلام الشفيع سلمتها للآمر وسلمتها لهذا المشتري.
وقوله لك: معناه لأجلك، ولسبيلك بخلاف، ما لو قال الشفيع: ذلك الأجنبي ابتداء، حيث لا يكون تسليماً؛ لأنه لا يمكن أن يجعل ذلك تسليماً للآمر ليصح إسقاطا، فلو صح صح تمليكاً من الأجنبي، ولا وجه إليه ثم في الفصل الأول ذكر من جملة ألفاظ الشفيع وهبتها لك وذكر أنه تسليم للشفعة فتصير هذه المسألة حجة لشمس الأئمة السرخسي رحمه الله في مسألة بيع الشفيع الشفعة التي يقدم ذكرها إذا قال أجنبي: صالحتك على كذا على أن تسلم الشفعة فسلم كان التسليم صحيحاً، ولا يحب المال ولو قال: صالحتك على كذا على أن تكون الشفعة لي، كان الصلح باطلاً، فهو على شفعته.

والفرق: أن في المسألة الأولى، الشفيع سلم الشفعة صريحاً بالمال، وتسليم الشفعة بالمال صحيح، وإن لم يجب المال، وفي هذه المسألة ما سلم الشفعة بل أقام الشفيع مقام نفسه في الشفعة، وإنما يقوم الأجنبي مقامه في الشفعة إذا هي له الشفعة، إذا قال البائع: سلمت لك بيع هذه الدار، أو قال للمشتري: سلمت لك شراء هذه الدار فهو تسليم صحيح؛ لأن تسليمه ينصرف إلى ما هو حقه؛ لأن ما ليس بحق له فهو مسلم للبائع والمشتري بدون تسليمه، وحقه في هذا البيع والشراء الشفعة، وصار تقدير كلامه: سلمت لك شفعة هذه الدار، وإذا كان المشتري وكيلاً عن غيره بالشراء فقال له الشفيع: سلمت

(7/287)


لك شفعة هذه الدار خاصة دون غيرك، كان هذا تسليماً صحيحاً للأمر، ولو قال: سلمتها لك إن كنت اشتريتها لنفسك، لا يكون تسليماً.
وكذلك لو قال الشفيع للبائع: سلمت الشفعة لك إن كنت بعتها من فلان لنفسك، وكان باعها لغيره لم يكن ذلك تسليماً، هذه الجملة من الباب الأول من شفعة «الجامع» .
في «فتاوي أبي الليث» رحمه الله: إذا قال الشفيع للمشتري: سلمت لك شفعة هذه الدار، فإذا قد اشتراها لغيره فهو على شفعته؛ لأنه رضي بالتسليم إليه لا إلى الموكل.
وفي «فتاوى الفضيل» : أن هذا تسليم للآمر والمختار المذكور في «فتاوي أبي الليث» ، هكذا ذكر الصدر الشهيد.
وفي «الحاوي» «الهاروني» : إذا قال المشتري: اشتريتها لنفسي فسلم الشفيع الشفعة، ثم ظهر أنه اشتراها لغيره، قال محمد رحمه الله: تبطل شفعته، وقال أبو حنيفة رحمه الله: لا تبطل.

الفصل العاشر: في الشفيع
إذا أخبر بالبيع فسلم ثم علم أن البيع كان بخلافه إذا أخبر الشفيع أن المشتري فلان فسلم الشفعة، فإذا المشتري غيره فهو على شفعته؛ لأنه رضي بجوار شخص معين، فلا يكون راضياً بجوار غيره؛ ولأنه سلم شفعته عقد لم يعقد بعد؛ لأنه سلم شفعة زيد، وزيد لم يعقد فلم يصح تسليمه، ولو كان المشتري فلاناً ومعه غيره بطلت شفعته في نصيب الذي سلم وأخذ نصيب غيره.
ألا ترى أنه لو سلم وكان عالماً بالشريك الأخر لم يكن تسليماً للشريك الأخر، فإذا سلم يعلم أولى، ولو أخبر أن الثمن ألف فسلم، فإذا الثمن أقل من ذلك فهو على شفعته، ولو كان الثمن ألف أو أكثر، فلا شفعة له؛ لأن الرضا بالتسليم بألف لا يكون رضاً بالتسليم بخمسمائة، أما الرضا بالتسليم بألف رضي بالتسليم بأكثر من الألف، ولو أخبر أن الثمن شيء مما يكال أو يوزن فسلم الشفعة، فإذا الثمن صنفٌ آخر مما يكال أو يوزن، فهو على شفعته على كل حال، سواء كان ما ظهر مثل ما أخبره، أو أقل، أو أكثر من حيث القيمة؛ لأن الشراء إذا وقع بالمكيل أو الموزون فالشفيع يأخذ بمثله من جنسه، لا بالقيمة وقد تيسر على الإنسان إذا حبس، ويتعسر عليه إذا حبس أخر، ولو أخبر أن الثمن شيء من ذوات القيم فيسلم، ثم ظهر أنه كان مكيلاً أو موزوناً فهو على شفعته.
هكذا ذكر شمس الأئمة السرخسي في «شرحه» ، فعلى هذا القياس: لو أخبر أن الثمن ألف درهم فإذا ظهر أنه مكيل أو موزون فهو على شفعته على كل حال، ولو أخبر أن الثمن عبد.

فجواب محمد رحمه الله في «الكتاب» : أنه على شفعته من غير فصل قال شيخ

(7/288)


الإسلام: هذا الجواب صحيح فيما إذا كان قيمة ما ظهر مثل قيمة ما أخبر أو أكثر؛ لأن الثمن إذا كان من ذوات القيم، فالشفيع إنما يأخذ الدار بقيمة الثمن دراهم أو دنانير، فكأن أخبر أن الثمن ألف درهم أو مائة دنانير فسلم ثم ظهر أن الثمن مثل ما أخبر به (172أ3) أكثر، وهناك كان التسليم صحيحاً، ولا شفعة له، ولو ظهر أنه أقل مما أخبر كان على شفعته كذا هاهنا.
ولو أخبر أن الثمن عبد قيمته ألف درهم أو ما أشبه ذلك من الأشياء التي هي من ذوات القيم، ثم ظهر أن الثمن دراهم أو دنانير، فجواب محمد رحمه الله: أنه على شفعته من غير فصل بعض مشايخنا رحمهم الله، قالوا: هذا الجواب محمول على ما إذا كان ما ظهر كان أقل من قيمة ما أخبر، أما إذا كان مثل قيمة ما أخبر أو أكثر، فلا شفعة له.
ومنهم من قال: هذا الجواب صحيح على الإطلاق، بخلاف المسألة المتقدمة؛ لأنه وإن كان يأخذ بالقيمة، فقد يصير مغبوناً في ذلك؛ لأن تقويم الشيء بالظن يكون قائماً سلمه حتى لا يصير مغبوناً، ولهذا المعنى ينعدم إذا كان الثمن دراهم، ولو أخبر أن الثمن عبد قيمته ألف وظهر أن قيمته أقل من الألف فله الشفعة، وإن ظهر أن قيمته ألف أو أكثر فلا شفعة.

ولو أخبر أن الثمن ألف فسلم ثم ظهر أن الثمن شيء هو من ذوات القيم فلا شفعة له، إلا إذا كان قيمة الثمن أقل من ألف درهم، هكذا ذكر في «شرح القدوري» وهذه المسألة يؤيد قول المشايخ: فيما إذا أخبر أن الثمن شيء هو من ذوات القيم، فإذا هو من ذوات القيم ولكن من صنف آخر، ولو أخبر أن الثمن ألف فسلم، فإذاً الثمن مائة دينار، فلا شفعة له، إلا أن يكون قيمة الدينار ألف من الألف، هكذا ذكر القدوري في كتابه.
وجعل الجواب فيه كالجواب فيما إذا ظهر أن الثمن دراهم.

قال شيخ الإسلام في «شرحه» : وهو قول أبي يوسف رحمه الله وروي عن زفر: أنه على شفعته على كل حال، وهو قول أبي حنيفة، وجعل الجواب فيه كالجواب في الحنطة والشعير، قالوا: ما ذكره أبو حنيفة وزفر قياس، وما ذكره أبو يوسف استحسان.
وجه قول أبي يوسف: إن الدراهم والدنانير اعتبرا جنساً واحداً في أكثر الإيجابات، حتى يكمل نصاب أحدهما بالأخر، والمكره على البيع بالدراهم مكره على البيع بالدنانير.
وإذا باع شيئاً بالدراهم ثم اشتراه بأقل مما باع بالدنانير لا يجوز كما لو اشترى بالدراهم ورب الدين إذا ظفر بدنانير المديون وحقه في الدراهم، له أن يأخذ ومال المضارب إذا صار دنانير عمل نهى رب المال فيه.
كما لو صار دراهم، وإنما اعتبرا جنسين في حق الربا، حتى جاز بيع أحدهما بالأخر متفاضلاً، وفي حق الإجارة حتى إذا استأجر بعشرة ثم أجر بدينار طاب له، وإن كان قيمة الدينار أكثر من عشرة دراهم، كما لو أجره بشعير وقد استأجره بحنطة فيمزج ما

(7/289)


يوجب المجانسة بحكم الكثرة، فكان التسليم بالدراهم تسليماً بالدنانير، إذا كانت قيمة الدنانير مثل الدراهم أو أكثر.
وأبو حنيفة يقول: الدراهم والدنانير اعتبرا جنسين مختلفين في الإخبار، حتى أن الإكراه على الإقرار بالدراهم لا يكون إكراهاً على الإقرار بالدنانير، وفي بعض الإيجاب اعتبرا جنساً واحداً وفي الإخبار اعتبرا جنسين مختلفين.
وفي مسألتنا: إخبار وإيجاب؛ لأن تسليم الشفعة إن كان إيجاباً إلا أن التسليم بناء على الأخبار؛ لأنه أخبر أن الثمن كذا، فإذا في أحد النوعين، فهو الإخبار اعتبرا جنسين مختلفين، وفي النوع الأخر وهو الإيجاب اعتبرا جنسين مختلفين في حق بعض الأحكام، فتمزج ما يوجب اختلاف الجنسين، فصار كالحنطة مع الشعير، ولو أخبر بشراء نصف الدار فسلم، ثم ظهر أن المشتري اشترى الكل فسلم، ثم ظهر أن المشتري اشترى النصف فلا شفعة له.

قال شيخ الإسلام في «شرحه» : هذا الجواب محمول على ما إذا كان ثمن النصف مثل ثمن الكل، فإن أخبر أنه اشترى الكل بألف، فإذا ظهر أنه اشترى النصف بألف، فأما إذا أخبر أنه اشترى الكل بألف، ثم ظهر أنه اشترى النصف بخمسمائة يكون على شفعته.
ومما يتعلق بمسائل الأخبار، إذا أخبر الشفيع بالشراء، فإن كان المخبر هو المشتري ثبت الشراء بخبره، سواء كان عدلاً أو لم يكن، رواه الحسن عن أبي حنيفة، حتى لو سكت بعد إخبار المشتري ولم يطلب الشفعة بطلت شفعته؛ لأنه خصم في هذا والعدالة غير معتبرة في الخصومة، وإن كان المخبر غيره.
ففي رواية محمد عن أبي حنيفة: لا يثبت الشراء حتى يخبره بذلك رجلان، أو رجل وامرأتان، وفي رواية الحسن عنه: لا يثبت الشراء حتى يخبره بذلك رجلان عدلان، أو رجل وامرأتان، وعلى قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله: إذا أخبره واحد يثبت الشراء بخبره حراً كان المخبر أو عبداً أو صبياً أو امرأة.
إذا كان ذلك الخبر حقاً، وذكر الطحاوي في كتاب الوكالة: أن المخبر إذا كان رسولاً يثبت الشراء بخبره كيف ما كان الخبر، ولكن بعد أن بلغ الرسالة، وإن لم يكن المخبر رسولاً، وإنما أخبر من تلقاء نفسه، فإن كان المخبر رجلين عدلين أو غير عدلين أو كان رجلاً واحداً عدلاً، فإنه يثبت الشراء سواء صدقه الشفيع في ذلك أو كذبه.
إذا ظهر صدق الخبر، فإن كان المخبر رجلاً واحداً غير عدل، فإن صدقه الشفيع في ذلك يثبت الشراء بخبره، وإن كذبه لا يثبت الشراء بخبره، وإن صدق الخبر عند أبي حنيفة وعندهما: يثبت الشراء بخبره إذا ظهر صدق الخبر والله أعلم.

(7/290)


الفصل الحادي عشر: فيما يحدث الشفيع مما يبطل شفعته
إذا ساوم الشفيع الدار من المشتري، أو سأل منه أن يوليه، إياه أو استأجرها الشفيع من المشتري، أو كان أرضاً أو كرماً وأخذها مزارعة أو معاملة وذلك بعد العلم بالشراء فهو تسليم الشفعة؛ لأن هذه المعاني دليل الإعراض.

وكذلك لو قال المشتري للشفيع أو ليهكها بكذا، فقال الشفيع: نعم؛ لأن قول الإنسان نعم في موضع الخطاب يتضمن إعادة ما في الخطاب، وكأن الشفيع قال: ولي.
وفي «المنتقى» : مساومة الشفيع بداره لا يبطل معناه، إذا ساومها بالبيع، إذا قال الشفيع: سلمت نصف الشفعة بطلت شفعته في الكل؛ لأن الشفعة لا تتجزء في حق التسليم؛ لأنه لا يملك أن يأخذ البعض دون البعض، وذكر البعض ما لا يتجزء كذكر الكل، هكذا ذكر في «الأصل» ، وذكر في القدوري: أن الشفيع إذا طلب نصف الدار بالشفعة فهذا تسليم منه في الكل في قول محمد، إلا أن يكون طلب الكل فلم يسلم المشتري فقال: اعطني نصفها على أن أسلم لك النصف، أو قال: اعطني نصفها وأسلم لك نصفها فهذا لا يكون (172ب3) تسليماً، وقال أبو يوسف: لا يكون تسليماً على كل حال.
وتبين ما ذكر القدوري إن ما ذكر في «الأصل» قول محمد، وذكر الصدر الشهيد في الباب الأول من «واقعاته» : دار بيعت ولها شفيعان أحدهما غائب وطلب الحاضر نصف الدار، على حسبان أنه لا يستحق إلا النصف بطلت شفعته، وكذلك لوكانا حاضرين وطلب كل واحد منهما نصف الدار بطلت شفعة كل واحد منهما، ولم يحكم خلافاً، وإن قول محمد على ما ذكره القدوري ذكر رحمه الله في الباب الثاني: أن الشفيع إذا قال: سلم لي نصفها بالشفعة لا يبطل شفعته، وأنه قول أبي يوسف على ما ذكره «القدوري» .

وإذا باع الشفيع داره التي يشفع بها بعد شراء المشتري وهو يعلم بالشراء أو لا يعلم بطلت شفعته؛ لأن الاستحقاق بالجوار وقد زال الجوار قبل الأخذ فبطل الحق ضرورة، فإن رجعت إلى ملكه: بيعت بقضاء أو بخيار رؤية أو يختار شرط فليس له أن يأخذ بالشفعة؛ لأن الحق متى بطل لا يعود إلا بسبب جديد، وإن كان بيع الشفيع داره بشرط الخيار للشفيع، فهو على شفعته ما لم يوجب البيع؛ لأن الجوار لم يزل، وإن كان بيعه نصفه الفساد وقبضها المشتري بطلت شفعته؛ لأن ملكه قد زال، وإن كان الشفيع شريكاً وجاراً فباع نصيبه الذي يشفع به كان له أن يطلب الشفعة بالجوار، هذا إذا باع الشفيع كل داره، وإن باع بعض داره سيأتي ذلك في فصل المتفرقات إن شاء الله تعالى.
w

إذا سلم الشفيع على المشتري ثم طلب الشفعة صح طلبه، قال هشام: قلت لمحمد رحمه الله: من يقول إذا بدأ الشفيع بالسلام على المشتري يبطل شفعته؟ فأنكر ذلك، ولو كان المشتري واقفاً مع الابن فسلم الشفيع على ابن المشتري بطلت شفعته، بخلاف ما إذا

(7/291)


سلم على المشتري محتاج إليه؛ لأنه يحتاج إلى التكلم معه، ومفتتح الكلام السلام قال عليه السلام: «من كلم قبل السلام فلا تجيبوه» فيصير ذلك عذراً، فأما السلام على ابن المشتري غير محتاج إليه، فلا يصير ذلك عذراً.
إذا أخبر المشتري الشفيع بالبيع فقال: من اشتراها وبكم اشتراها، فلما أخبر بذلك قال: طلبت الشفعة صح طلبه في الباب الأول من شفعة «الواقعات» .
وكذلك إذا قال: الحمد لله، أو قال: سبحان الله، أو قال: الله أكبر، أو عطس المشتري فشمته، أو قال: خلصني الله من فلان، أو قال: بكم باعها ومتى باعها، لا تبطل شفعته بعض هذه الألفاظ في «العيون» ، وبعضها في شرح شمس الأئمة لو قال الشفيع للمشتري: أنا شفيعك وآخذ الدار منك فلا شفعة له؛ لأن قوله أنا شفيعك كلام لا يحتاج إليه، فصار كأنه قال: كيف أصبحت فكيف أمسيت.

في «فتاوي (أهل) سمرقند» بأن وكذلك إذا قال الشفيع: الشفعة لي أطلبها وأخذها بطلت؛ لأن قوله: الشفعة لي غير محتاج إليه، فصار كما لو سكت ساعة وعلى قياس ما رواه ابن رستم في «نوادره» عن محمد: أنه إذا سكت هاهنا لا تبطل شفعته، لا يبطل هاهنا أيضاً، وكذا قياس ما روي أن له مجلس العلم، ينبغي أن لا تبطل شفعته؛ لأن هذا القدر لا يتبدل المجلس.
وكذلك لو قال: شفعة مراست خواستم ومافتم فهو على هذا، وفي «نوادر أبي يوسف» رواية أبي الجعد إذا قال الشفيع للمشتري حين لقيه: كيف أصبحت، كيف أمسيت، أو سلم عليه لم تبطل شفعته، ولو عرض حاجة إليه أو سأله عن حاجته تبطل شفعته.
دار بيعت فقال البائع أو المشتري للشفيع: أبرئنا عن كل خصومة لك.
وقلنا: ففعل وهو لا يعلم أنه وجب له قبلهما شفعة، لا شفعة له في القضاء، وله الشفعة فيما بينه وبين الله تعالى إن كان بحال، لو علم بذلك لأمر بهما، وهو نظير ما لو قال رجل لأخر: إجعل لي في حل، ولم يبين ماله قبله فجعله في حل، فإنه يصير في حل ولا يبقى له في القضاء شيء، ويبقى فيما بينه وبين الله تعالى إذا كان بحال أو علم بذلك الحق لا يريه.
في «فتاوى أبي الليث» : إذ قال الشفيع للمشتري: شفاعة صحواهم بطلت شفعته، هكذا ذكر في «فتاوى أهل سمرقند» ، وعلى قياس ما ذكرنا عن الفقيه أبي جعفر: أنه إذا طلب الشفعة بأي لفظ من يفهم طلب الشفعة يجوز، ينبغي أن يقال في هذه المسألة: إذا كان الشفيع من أهل مسلة يطلبون الشفعة بهذا اللفظ لا تبطل شفعة الشفيع، إذا صلى بعد الظهر ركعتين لا تبطل شفعته، وإذا صلى أكثر من ذلك تبطل شفعته، وإن صلى بعد الجمعة أربع ركعات لا تبطل شفعته، وإن صلى أكثر من ذلك تبطل شفعته؛ لأن الأكثر

(7/292)


ليس بمسنون، فلا يصير عذراً في «فتاوى أبي الليث» رحمه الله.

وفي «واقعات الناطفي» : الشفيع إذا علم بالبيع وهو في التطوع فجعلها أربعاً أو ستاً، فعن محمد رحمه الله: أنه لا تبطل شفعته، قال الصدر الشهيد: والمختار أنه تبطل شفعته؛ لأنه غير معذور، بخلاف ما إذا كان في الأربع قبل الظهر فأتمها أربعاً؛ لأن الأربع مسنون فكان معذوراً.
والدليل على الفرق: أنه إذا طلب المواثبة وترك طلب الإشهاد وافتتح التطوع تبطل شفعته، ولو افتتح الركعتين بعد الظهر والأربع بعد الجمعة لا تبطل والله أعلم.

الفصل الثاني عشر: في الخلاف الواقع بين الشفيع والمشتري والشهادة في الشفعة
إذا اشترى الرجل دارا وقبضها ونقد الثمن، ثم اختلف الشفيع والمشتري في الثمن، فالقول قول المشتري مع يمينه ولا يتحالفان؛ لأن الشفيع مع المشتري ينزل منزلة المشتري مع البائع، ولو وقع الاختلاف بين البائع والمشتري في الثمن والبيع في يد البائع، كان القول قول البائع مع يمينه؛ لأن المشتري يدعي عليه التملك بألف وهو ينكر، إلا أن البائع والمشتري يتحالفان وهاهنا الشفيع لا يحلف؛ لأن هناك البائع يدعي على المشتري زيادة ألف والمشتري ينكر وهاهنا المشتري لا يدعي على الشفيع شيئاً؛ لأنه لم يجب له على الشفيع شيء حتى يحلف الشفيع، وأيهما ما أقام بينته قبلت بينته، وإن أقاما البينة فالبينة بينة الشفيع عند أبي حنيفة ومحمد رحمه الله، وعند أبي يوسف رحمه الله: البينة بينة المشتري.
فوجه قوله: إن الشفيع مع المشتري ينزل منزلة المشتري مع البائع؛ لأن الشفيع يتملك الدار من جهة المشتري كما أن المشتري يتملكه من جهة البائع، ثم إذا وقع الاختلاف على هذا الوجه بين البائع والمشتري، وأقاما البينة بينة البائع؛ لأنها تثبت الزيادة.

ودليله: إذا وقع الاختلاف على هذا الوجه بين البائع والمشتري والشفيع، قال الشفيع: الثمن ألف، وقال المشتري: ألفين (173أ3) وقال البائع: ثلاثة آلاف، وأقاموا البينة، فالبينة بينة البائع؛ لأنها تثبت الزيادة كذا هاهنا.
وكذلك الوكيل بالشراء مع الموكل إذا اختلفوا في مقدار الثمن وأقاما البينة فالبينة بينة الوكيل؛ لأنها تثبت زيادة في الثمن.
ولأبي حنيفة ومحمد رحمهما الله طريقتان:
أحدهما: أن العمل بالبينتين هاهنا ممكن، فلا يصار إلى الترجيح، بيان الإمكان أنا نجعل كأنه اشترى مرة بألف ومرة بألفين، فكان الشفيع أن يأخذ بالألف.
ألا ترى أنه لو ثبت ذلك معاينة، أو بإقرار المشتري بأن أقر المشتري مرة أنه اشترى

(7/293)


مرة بألف ومرة أخرى إنه اشترى بألفين، كان للشفيع أن يأخذ بألف، ولا يقال: بأن العقدين إذا ثبتا بالمعاينة، وبالإقرار يجعل كل واحد منهما ثابتاً في حق الشفيع، أما إذا ثبت العقد بالألفين بالبينة لا يعتبر العقد بألف ثابتاً في حق الشفيع ويجعل العقد بألفين ناسخاً له.
ألا ترى أن المشتري لو أقر بالشراء بألف وأخذ الشفيع الدار بألف، ثم أقام البائع بينة إن البيع كان بألفين، كان للمشتري أن يرجع على الشفيع بالألف الأخرى، لأنا نقول: نعم الأمر كما قلتم، إلا أن هاهنا العقد بألفين لم يثبت بالبينة؛ لأن بينة المشتري على العقد بألفين غير منقولة؛ لأن بهذه البينة لا يسقط اليمين عن نفسه؛ لأن اليمين عنه

ألا ترى أن بعد ما أقام الشفيع البينة بألف لا يحلف المشتري، وإن لم يكن للمشتري بينة، ولا يلزم بهذه البينة الشفيع زيادة ألف؛ لأن للشفيع أن يترك الأحد بألفي درهم، وإن لم يكن بينة المشتري مقبولة على البيع بألفين، كان البيع بألفين ثابتاً بإقرار المشتري، فلا ينفسخ بالبيع بألف، فيحمل كلاماً ثابتاً في حق الشفيع بخلاف ما إذا وقع بين البائع والمشتري؛ لأن هناك العقد بألفين ثابت ببينة البائع؛ لأن بينة البائع على العقد بألفين مقبولة؛ لأنه بهذه البينة يلزم المشتري الألف الزائدة، وبخلاف ما إذا اختلفوا جميعاً؛ لأن بينة البائع على الزيادة مقبولة؛ لأنها توجب الزيادة على المشتري فكان البيع بالزيادة ثابتاً بالبينة، فينفسخ البيع بما دونه في حق العاقد والشفيع.
وأما الوكيل مع الموكل، إذا اختلفا فقد روى ابن سماعة عن محمد: أن البينة بينة الموكل، وفي ظاهر الرواية البينة بينة البائع الوكيل؛ لأن الوكيل مع الموكل ينزل منزلة البائع مع المشتري وقد ذكرنا العذر.
ثمة الطريق الثاني: أن بينة الشفيع ملزمة المشتري تسليم المشتري شاء أو أبى، وبينة المشتري، غير ملزمة بل هو مخير بين الأخذ والترك، والبينات في الأصل شرعت للإلزام، فما كانت ملزمة كانت أولى بالقبول، بخلاف البائع مع المشتري، كان هناك بينة كل واحد منهما ملزمة، وبخلاف الوكيل مع الموكل؛ لأن بينة كل واحد منهما ملزمة فاستويا من هذا الوجه، فصرنا إلى الترجيح بالزيادة.
وإذا اختلف البائع والمشتري والشفيع في الثمن قبل نقد الثمن، فهذا على الوجهين:

الأول: أن تكون الدار في يد البائع وفي هذا الوجه ينظر إن كان ما قاله البائع أقل مما قالا: فالقول قول البائع، ويأخذ الشفيع ذلك من غير يمين على واحد، وإن كان ما قاله البائع أكثر مما قالا، فالبائع مع المشتري يتحالفان، فبعد ذلك إن نكل البائع فالشفيع يأخذ بألفين؛ لأن النكول بمنزلة الإقرار، فكأن البائع أقر بالبيع بألفين بعد ما ادعى البيع بثلاثة آلاف، وإن نكل المشتري لزمه ثلاثة آلاف درهم، والشفيع يأخذ بالثلاث آلاف إن شاء، وليس له أن يأخذه بألف درهم، وإن أقر المشتري أن الشراء كان بألفي درهم؛ لأن

(7/294)


النكول من المشتري في حق الشفيع بمنزلة البينة، كما أن النكول من الوكيل بالبيع إذا أراد المشتري أن يرد عليه بالعيب بمنزلة البينة، وسيأتي ذلك بعد هذا إن شاء الله تعالى.
ولو ثبت بالبينتان البيع كان بثلاثة آلاف بعد ما أقر المشتري بالشراء بألفي درهم، أخذ الشفيع الدار بثلاثة آلاف درهم، وليس له أن يأخذه بألفي درهم بإقرار المشتري؛ لأنه صار مكذباً في إقراره كذا هاهنا، وإن حلفا وطلبا الفسخ من القاضي أو طلب الثاني، إذا كانت الدار في يد المشتري.

والجواب فيه نظير الجواب، فيما إذا كانت الدار في يد البائع، وإذا كانت الدار في يد المشتري فقال البائع: بعتها إياه بألف درهم واستوفيت الثمن، وقال المشتري: اشتريتها بألفين، فالقول قول البائع، ويأخذ الشفيع بألف درهم وبمثله لو قال: بعتها منه واستوفيت الثمن وهو ألف درهم، وقال المشتري: اشتريتها بألفين أخذها بألفين.
والفرق: أنه إذا بدأ بالإقرار بالاستيفاء لا يصح منه بيان مقدار الثمن بعد ذلك؛ لأنه لم يبق بعد استيفاء الثمن وتسليم الدار إلى المشتري ذو خط من هذا العقد، بل صار كالأجنبي، ولو أن أجنبياً بين مقدار الثمن لا يصح بيانه كذا هاهنا، وإذا بدأ ببيان مقدار الثمن لا يصح منه الإقرار باستيفاء بعد ذلك؛ لأن قبل الإقرار بالاستيفاء ثبت للشفيع حق الأخذ بذلك المقدار، وبالإقرار بالاستيفاء يبطل ذلك الحق على الشفيع؛ لأن بالإقرار بالاستيفاء تبين أن مقدار الثمن منه لم يصح؛ لأنه لم يبق ذو خط من هذا العقد، فلم يصح الإقرار بالاستيفاء صيانة لحق الشفيع، وإذا لم يصح الإقرار بالاستيفاء، بقي بيان مقدار الثمن صحيحاً؛ لأنه بين مقدار الثمن، وهو ذو خط في هذا العقد؛ لأن له الاستيفاء بحكم هذا العقد.
قال القدوري: وروى الحسن عن أبي حنيفة: أن المبيع إذا كان في يد البائع فأقر بقبض الثمن وزعم أنه ألف، فالقول قوله؛ لأن التملك يقع على البائع، فيرجع إلى قوله.
في «المنتقى» : ابن سماعة عن محمد رحمه الله: رجل اشترى من رجل داراً، ولها شفيعان، فأتاه أحدهما بطلت شفعته، فقال المشتري: أني اشتريتها بألف، وصدقه الشفيع في ذلك، وأخذها بألف، ثم إن الشفيع الثاني جاء وأقام بينته، أن المشتري اشترى بخمسمائة، فالشفيع الثاني يأخذ من الشفيع الأول نصفها، ويدفع إليه مائة درهم وخمسين، ويرجع الشفيع الأول على المشتري بمائة وخمسين، ويبقى في يد الشفيع الأول نصف الدار بخمسمائة؛ لأنه صدق المشتري على ما أخذها به.

وفيه أيضاً: رجل اشترى من رجل داراً وقبضها، فجاء الشفيع بطلت الشفعة، فقال المشتري: اشتريتها بألفين وقال الشفيع: (173ب3) لا بل اشتريت بألف، ولم يكن للشفيع بينة وحلف المشتري على ما ذكر، وأخذه الشفيع بألفي درهم، ثم قدم شفيع أخر وأقام بينة على الشفيع الأول، أن البائع باع هذه الدار من فلان بألف، فإنه يأخذ نصف

(7/295)


الدار بخمسمائة، ويرجع الشفيع الأول على المشتري بخمسمائة، حصة النصف الذي أخذه الثاني ويقال للشفيع الأول: إن شئت أعد البينة على المشتري من قبل النصف الذي في يدك، وإلا فلا شيء لك؛ لأن الشفيع الثاني إنما يستحق ببينته نصف الدار، هكذا ذكر في «الكتاب» .

ومعنى المسألة: أن الشفيع الأول لو قال للمشتري: أن الشفيع الثاني أثبت البينة أن الشراء كان بألف فيكون بمقابلة النصف الذي في يدي خمسمائة، فلي أن أرجع عليك بخمسمائة، ليس له ذلك إلا إذا أعاد البينة أن الشراء كان بألف، لما أشار إليه في «الكتاب» : أن الشفيع الثاني إنما استحق ببينته نصف الدار.
ومعناه: أن بينة الشفيع الثاني لما عمل في نصف الدار ثبت الشراء بألف في حق ذلك النصف الذي استحقه الشفيع الثاني، لا في حق النصف الذي في يد الشفيع الأول فيحتاج الشفيع الأول، إلى إعادة البينة، لثبت الشراء بالألف في النصف الذي في يديه، فيستحق الرجوع على المشتري بالخمسمائة الزائدة.
في القدوري: اتفق البائع والمشتري أن البيع كان يشترط الخيار للبائع، وأنكر الشفيع فالقول قولهما، في قول أبي حنيفة ومحمد، وإحدى الروايتين عن أبي يوسف رحمهم الله: ولا شفعة للشفيع؛ لأن البيع ثبت بإقرارهما، وإنما ثبت على الوجه الذي أقربه، وفي إحدى الروايتين عن أبي يوسف رحمه الله: القول قول الشفيع؛ لأن الأصل في البيع البات، فكان الشفيع متمسكاً بالأصل.

وفي «الجامع» : إذا ادعى البائع الخيار وأنكر المشتري والشفيع، فالقول قول المشتري استحساناً؛ لأن الخيار لا يثبت إلا بالشرط والمشتري ينكر، وذكر في «النوادر» : أن القول قول البائع وهو الصحيح، وكذا لو ادعى المشتري الخيار، وأنكر البائع والشفيع ذلك، فالقول قول البائع: ويأخذها الشفيع.
لما قلنا في «فتاوى الفضلي» : رجلان تبايعا، وطلب الشفعة يحضر بهما فقال البائع: سنتابع معاملة، وصدقه المشتري على ذلك، لا يصدقان على الشفيع؛ لأنهما أقرا بالأصل البيع فيكون القول قول من يدعي الجوار، إلا إذا كان الحال يدل عليه، بأن كان المنزل كثير القيمة وقد بيع بثمن لا يباع مثله بمثله، فحينئذ يكون القول قولهما ولا شفعة للشفيع.
ألا ترى أن في الوجه الأول: لو اختلف البائع والمشتري في هذه الصورة فقال البائع: بعت معاملة، وقال المشتري: اشتريت لا معاملة، كان القول قول المشتري، وفي الوجه الثاني: لو اختلفا كان القول قول البائع في «المنتقى» .
باع داراً من رجل ثم إن المشتري والبائع تصادقا أن البيع كان فاسداً، وقال الشفيع: كان جائزاً فالقول قول الشفيع، ولا أصدقهما على فساد البيع في حق الشفيع بشيء لو ادعى أحدهما، وأنكر الأخر جعلت القول فيه قول الذي يدعي الصحة، وإذا زعما أن البيع كان فاسداً، جعلت القول فيه قول من يدعي الفساد، فإني أصدقهما، ولا

(7/296)


أجعل للشفيع شفعة، يريد بهذا أن البائع مع المشتري إذا اتفقا على فساد البيع بسبب، لو اختلف البائع والمشتري فيما بينهما في فساد العقد بذلك السبب، فالقول قول من يدعي الجوار.

نحو أن يدعي أحدهما فاسداً، فإذا اتفقا على الفساد بذلك السبب لا يصدقان في حق الشفيع، وإذا اتفقا على فساد البيع بسبب لو اختلفا فيما بينهما في فساد البيع بذلك السبب كان القول. قول من يدعي الفساد، فإذا اتفقا على الفساد بذلك السبب يصدقان في حق الشفيع.

وبين ذلك في «المنتقى» : فقال: لو قال المشترى للبائع: بعتها بألف درهم ورطل من خمر فقال البائع: صدقت، لم أصدقهما على الشفيع، ولو قال: بعت فيها بخمر وصدقه البائع، فلا شفعة للشفيع، هذا هو لفظ «المنتقى» .
وجعل القدوري في كتابه المذكور في «المنتقى» قول أبي يوسف في إحدى الروايتين عنه، قال القدوري: لأن أبا يوسف على هذه الرواية يعتبر هذا الاختلاف بالاختلاف من المتعاقدين، ولو اختلف المتعاقدان فيما بينهما فقال المشتري: بعت منها بألف درهم ورطل من خمر، وقال البائع: لا بل بعتها بألف درهم، فالقول قول البائع.
ولو قال المشتري: بعت منها بخمر وخنزير، وقال البائع: بعتها بألف درهم، فالقول قول البائع؛ لأن البيع بخمر لا جواز له بحال، وإنما يجعل القول قول من يدعي الجواز في عقد له جواز بحال، بخلاف البيع بأجل فاسد، أو بألف ورطل من الخمر، فأما على قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله: إذا اتفقا على الفساد وكذبهما الشفيع فلا شفعة للشفيع على كل حال، كما لو اتفقا على البيع بشرط الخيار للبائع، وكذبهما الشفيع فيه.
في «فتاوى الفضلي» : رجل اشترى من رجل ضيعة عشرها بثمن كثير وتسعة أعشارها بثمن قليل، فللشفيع الشفعة في البيع الأول، ولا شفعة له في البيع الثاني، وهو من جملة الحيل، وسيأتي ذلك في فصل الحيل لأبطال الشفعة إن شاء الله تعالى.
فإن أراد الشفيع أن يحلف المشتري بالله ما أراد به إبطال شفعة لا يحلف؛ لأنه ادعى عليه معنى لو أقر به لا يلزمه، ولو ادعى الشفيع أن البيع الأول كان تلجئة، وأراد أن يحلف المشتري بالله، أن البيع الأول ما كان تلجئة، فله ذلك؛ لأنه يدعي عليه معنى لو أقر به يلزمه، وهو تأويل ما ذكر في كتاب الشفعة إذا أراد الاستحلاف، إنه لم يرد به إبطال الشفعة، إن له ذلك إذا ادعى أن البيع كان بيع تلجئة.
وقد ذكرنا في الفصل المتقدم: أن المشتري إذا كان واقفاً مع ابنه فسلم الشفيع على المشتري لا تبطل شفعته، فلو سلم الشفيع على المشتري لا تبطل شفعته، فلو سلم على أحدهما بأن قال: السلام عليك ولا يدري على من سلم، سئل الشفيع إنه سلم على الأب أو على الابن، فإن قال: على الأب، لا تبطل شفعته، وإن اختلفا فقال المشتري: سلمت على ابني وقد بطلت شفعتك، وقال الشفيع: سلمت عليك، فالقول قول الشفيع؛ لأن حاصل اختلافهما في بطلان حق الشفيع، فالمشتري يدعي عليه بطلان حقه وهو ينكر.

(7/297)


في «المنتقى» : اشترى داراً لابنه (174أ3) الصغير وقبضها، ثم اختلف المشتري والشفيع في الثمن، قال: لا يحلف المشتري.
وفي الدعوى من «الفتاوى» : جاء الشفيع يخاصم المشتري فأنكر الشراء، وأقر أن الدار لابنه الصغير ولا بينة للشفيع على شرائه، قال: لا يمين على المشتري؛ لأنه قد لزمه الإقرار لابنه، فلا يجوز الإقرار لغيره.
في «الأجناس» : إذا قال المشتري: اشتريت هذه الدار لابني الصغير، وأنكر شفعة الشفيع فلا يمين على المشتري إن كان الشفيع أقر أن له ابن صغير.
وفي «الواقعات» : إذا قال الشفيع: إنما قال المشتري ذلك ليدفع اليمين عن نفسه فحلفه أنها القاضي أنه ما اشتراها لنفسه فلا يمين عليه، وأنكر الشفيع أن له ابن، يحلف المشتري بالله ما يعلم أنه له ابن صغير، وإن كان الابن كبيراً وقد سلم الدار إليه، دفع عن نفسه الخصومة، وقبل تسليم الدار هو خصم للشفيع، ذكرها في «الأجناس» .

وفي «الأصل» : إذا اشترى داراً وقبضها وهدم بناؤها أو أحرقه أو فعل ذلك رجل أجنبي حتى سقط عن الشفيع حصة البناء من الثمن، يقيم الثمن على قيمة الأرض أو على قيمة البناء مبنياً يوم اشتراها، فما أصاب الأرض أخذها بذلك، فإن اختلفا في قيمة البناء، فقال: المشتري كان قيمة البناء ألف درهم، وقيمة العرض ألف درهم فسقط نصف الثمن، وقال الشفيع: كان قيمة البناء ألفي درهم، فسقط ثلثا الثمن، فالقول قول المشتري مع يمينه؛ لأنه حاصل اختلافهما في ثمن العرصة فالمشتري يقول: اشتريت العرصة بنصف الثمن، والشفيع يقول: اشتريت بثلثي الثمن، فيكون القول قول المشتري مع يمينه.
كما لو اختلفا في مقدار الثمن لا في قيمة البناء كان القول قول المشتري مع يمينه على ما مر كذا هاهنا، وأيهما تفرد بإقامة البينة قبلت بينته، وإن أقام البينة فالبينة بينة المشتري في قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله.
فأبو يوسف مر على أصله، ومحمد فرق فقال: إذا اختلفا في قدر قيمة البناء، وإقامة البينة، فالبينة بينة المشتري، وقال: إذا اختلفا في مقدار الثمن، وأقاما البينة، فالبينة بينة المشتري، وقال: إذا اختلفا في مقدار الثمن وأقاما البينة فالبينة بينته الشفيع، واضطربا في قول أبي حنيفة رحمه الله.
قال أبو يوسف قياس قول أبي حنيفة: إن البينة بينة الشفيع كما لو اختلفا في مقدار الثمن وأقاما البينة، وقال محمد رحمه الله: قياس قوله: أن البينة بينة المشتري، بخلاف ما لو اختلفا في مقدار الثمن، وأقاما البينة في الأصل.

إذا اشترى الرجل داراً من امرأة فلم يجد من يعرفها لا من له الشفعة، فإن شهادتهم لا تجوز عليها إذا أنكرت الشراء، وكذلك إذا كان البائع رجلاً وجحد البيع بعد ذلك وشهد الشفيعان عليه بالبيع، لا تقبل شهادتهما.

وهذا إذا كانا يطلبا الشفعة؛ لأنه إذا كان كذلك كانا جارين إلى نفسهما مغنماً بهذه

(7/298)


الشهادة، وهو حق الشفعة؛ ولأنهما إذا طلبا الشفعة فقد صارا خصماً؛ لأنهما أظهرا الخصومة بطلبهما الشفعة، وشهادة الخصم لا يقبل، فأما إذا سلما الشفعة ثم شهدا بالبيع قبلت شهادتهما هكذا ذكر في «الكتاب» ، ولم يفصل قال مشايخنا رحمهم الله: ويجب أن يكون الجواب فيه التفصيل.
إن سلما الشفعة قبل أن يطلبا، ثم شهدا تقبل شهادتهما؛ لأنهما جران إلى نفسهما مغنماً بهذه الشهادة، ولم يصيرا خصماً في هذا الحادث، وإن سلما الشفعة بعد ما طلبها لا يقبل شهادتهما؛ لأنهما صارا خصماً فيما شهدا؛ لأنهما أظهرا الخصومة حين طلب الشفعة، ومن صار خصماً في حادثة لا تقبل شهادته في تلك الحادثة، وإن لم يبق خصماً فيها كالوصي إذا شهد لليتيم بعد ما عزل، فإنه لا يقبل شهادته، وإن لم يكن خصماً فيما شهد وقت الشهادة؛ لأنه كان خصماً فيه قبل ذلك، فإن قيل قبل الطلب: إن لم يصيرا خصمين حقيقية لعدم الخصومة فهما حقيقة، فقد صار الخصمين حكماً فوجوب حق الشفعة لهما بنفس البيع؛ وهذا لأن الإنسان كما يصير خصماً بوجود الخصومة منه حقيقة يصير خصماً بوجوب الحق له، من غير أن يوجد منه الخصومة كما في الوصي.
فإنه إذا شهد للصغير بمال قبل أن يخاصم في ذلك، فإنه لا يقبل شهادته، وإنما لم يقبل لصيرورته خصماً.
والجواب هذا هكذا إذا كان الحق الذي وجب حقاً لازماً، كما في الوصي، فإن الحق ثابت له فيما شهد بنفس الوصاية، بحيث لا يمكنه دفعه، فأما حق الشفيع ليس بلازم، فإنه مخير بين الأخذ والترك فلا يكفي هذا الحق لصيرورته خصماً، بل يشترط إظهار الخصومة، هذا إذا كان البائع يدعي الشراء والمشتري ينكر.
وإن كان المشتري يدعي الشراء، والبائع ينكر، فشهد الشفيعان بالبيع على المشتري لا تقبل شهادتهما أيضاً، إذا كانا يطلبان الشفعة.

وفي المسألة نوع أشكال؛ لأن حق الشفعة هاهنا ليس تثبت بشهادتهما، إنما يثبت بإقرار البائع، والجواب: أنهما إن كانا لا يثبتان حق الشفعة؛ لأنفسهما، يثبتان؛ لأنفسهما حق الأخذ من المشتري وإلزام المشتري العهدة متى أخذا منه، غير أن في هذه الصورة لهما أن يأخذا الدار بالشفعة بإقرار البائع بالبيع بخلاف الفصل الأول.

وإن شهد أبناء البائع على الشفيع بتسليم الشفعة فهذا على وجهين:
الأول: أن تكون الدار في يد البائع، وفي هذا الوجه وإن كان البائع يدعي تسليم الشفعة لا يقبل شهادتهما، وإن كان يجحد، تقبل شهادتهما؛ لأن هذه الشهادة على أمر للأب فيه منفعة من وجه، بأن كان المشتري أملاء من الشفيع، ومضر من وجه بأن كان الشفيع أملاء من المشتري وترجح جانب النفع بالدعوى، وجانب الضرر بالجحود.
والوجه الثاني: أن تكون الدار في يد المشتري، وفي هذا الوجه يقبل شهادتهما؛ لأنهما بهذه الشهادة لا يُجران إلى أنهما مغنماً ولا يدفعان عنه مغرماً؛ لأنه خرج من البين، بتسليم الدار إلى المشتري فيقبل شهادتهما.

(7/299)


ثم فرق بين شهادة ابني البائع، وبين شهادة البائعين فقال: إذا شهد البائعان على الشفيع بتسليم الشفعة لا يقبل شهادتهما، وإن كانت الدار في يد المشتري.
وقال: إذا شهد ابنا البائع بذلك والدار في يد المشتري يقبل شهادتهما.

والفرق: أن شهادة البائعين إنما لم تقبل؛ لأنهما كانا خصمين في هذه الدار قبل التسليم إلى المشتري، ومن كان خصماً في شيء لا يقبل شهادته فيه، وإن لم يبق خصماً، أما أبناء ما كانا خصمين في هذه الدار حتى لا تقبل (174ب3) شهادتهما من هذا الوجه، لو لم يقبل، إنما يقبل إذا جرى إلى أيهما مغنماً أو دفعا عنها مغرماً، ولم يوجد هذا إذا شهد ابنا البائع على الشفيع بتسليم الشفعة، فأما إذا شهدا على المشتري بتسليم الدار إلى الشفيع، فإنه لا يقبل شهادتهما، سواء كانت الدار في يد الأب أو في يد المشتري؛ لأنهما يبعدان العهدة عن الأب هذه الشهادة، فإنه إذا ورد الاستحقاق على المشتري فالمشتري يرجع على البائع، وإذا ورد الاستحقاق على الشفيع فالشفيع يرجع على المشتري، يرجع على البائع وبتعيد العهدة منفعة، فكانت هذه الشهادة للأب، وسواء ادعى الأب ذلك أو لم يدع لا يقبل شهادتهما؛ لأن بتعيد العهدة منفعة محضة، وما كان منفعة محضة لا يشترط فيهما الدعوى.
وإذا وكل الرجل رجلاً بشراء دار أو بيعها، فاشترى أو باع وشهد ابنا الموكل على الشفيع بتسليم الشفعة، فإن كان التوكيل بالشراء لا تقبل شهادتهما، سواء كانت الدار في يد البائع، أو في يد الوكيل، أو في يد الموكل؛ لأنهما يشهدان لأبيهما بتقرر الملك، فإن حق الشفيع إذا سقط بتقرير الملك لأبيهما، وإن كان التوكيل بالبيع، فإن كانت الدار في يد الموكل أو في يد الوكيل لا يقبل شهادتهما؛ لأن فيه تقرير العهدة لأبيهما على المشتري؛ لأن حق الشفيع متى سقط تقررت العهدة على المشتري.

ومتى لم يسقط وأخذ الشفيع الدار من يد الموكل أو من يد الوكيل ينفسخ الشراء وتسقط العهدة عن المشتري، وربما يكون المشتري أصيلاً، فكان في هذه الشهادة منفعة للأب، وإن كانت الدار في يد المشتري يقبل شهادتهما؛ لأنه منفعة لأبيهما في هذه الشهادة؛ لأن العهدة متقررة على المشتري سقط حق الشفيع أو لم يسقط.

وإذا شهد شاهدان للبائع والمشتري أنه قد سلم شفعته وشهد آخران للشفيع أن البائع والمشتري سلما إليه قضيت بها للذي في يديه، أشار إلى أن بينة الذي في يديه الدار وهو البائع أو المشتري أولى.
وجعل هذه المسألة نظير مسألة الخارج معنى ذي اليد إذا أقاما البينة على النتاج؛ وهذا لأن الشهود شهدوا بالأمرين ولم يشهدوا بالترتيب، ويتصور وقوعهما من غير ترتيب، فيجعل كأنهما وقعا معاً، ولو وقعا معاً كان تسليم الشفعة سابقاً على تسليم الدار بالشفعة؛ لأن تسليم الشفعة وتسليم الدار تمليك والإسقاط أسرع نفاذاً من التمليك، فكان سابقاً معنى.
ألا ترى أنه لو شهد شاهدان على رجل أنه أعتق عبده وشهد آخران عليه أنه باعه

(7/300)


كانت بينة العتق أولى؛ لأنه سابق معنى، كذا هاهنا أقر المشتري أنه اشترى هذه الدار بألف درهم وأخذها الشفيع بذلك ثم ادعى البائع أن الثمن ألفان، وأقام على ذلك بينة قبلت بينته وكان للمشتري أن يرجع على الشفيع بألف أخرى، وإن أقر أن الثمن ألف؛ لأنه صار مكذباً في إقراره لما وجب القضاء ببينة البائع.
وكذلك إذا ادعى البائع أنه باعها من هذا المشتري بعرض بعينه وأقام على ذلك بينة، فالقاضي يسمع بينته ويقضي له بذلك على المشتري ويسلم الدار للشفيع بقيمة ذلك العرض، فإن كان ما أخذ المشتري من الشفيع وذلك ألف أقل من قيمة العرض، وإن كان أكثر من قيمة العرض رجع الشفيع عليه بما زاد على قيمة العرض إلى تمام الألف.
وإن كان للدار شفيعان شهد شاهدان أن أحدهما قد سلم الدار ولا يدري من هو، فالقاضي لا يقبل شهادتهما وللشفيعين أن يأخذها بالشفعة؛ لأنه لم يثبت تسليم أحدهما بهذه الشهادة.
فإذا كفل رجلان المشتري الدار بالدرك، ثم شهد الكفيلان على المشتري أنه قد سلم الدار للشفيع لا يقبل شهادتهما؛ لأنهما يبعدان العهدة عن أنفسهما.
وإذا اشترى الرجل داراً بعرض حتى كان للشفيع أن يأخذ بقيمة العرض على ما يأتي بيانه في موضعه.

واختلفا في قيمة العرض يوم العقد، فإن كان العرض قائماً للحال ينظر إلى قيمته في الحال، ويجعل الحال حكماً على ما قبله؛ وهذا لأن قيمة ما سوى الحيوانات من العروض لا يتغير ساعة فساعة، فيمكن أن يجعل الحال حكماً على ما قبله، وإن كان العرض مستهلكاً، فالقول قول المشترى؛ لأن اختلافهما في مقدار قيمة العرض اختلاف في مقدار الثمن في الحاصل، وإن أقام أحدهما بينته قبلت بينته، وإن أقاما البينة فهذا وما لو اختلفا في قيمة البناء المحترق سواء.

وإذا تزوج امرأة على دار على أن ردت على الزوج ألف درهم، فعلى قول أبي حنيفة رحمه الله: لا شفعة للشفيع في شيء من الدار.
وعلى قولهما: له الشفعة فيما ملك بيعاً ولا شفعة فيما ملك مهراً، وقد مر هذا في صدر الكتاب ثم عندهما إذا وجبت الشفعة فيما ملك بالبيع يقسم الدار على مهر مثلها وعلى ألف درهم، فإن كان مهر مثلها ألف انقسمت الدار عليهما نصفان، فيكون نصف الدار مهراً بإزاء البضع والنصف مبيعاً بإزاء الألف.
فإن اختلفا في مهر مثلها وقت البيع، فقال الزوج: كان مهر مثلها ألف وللشفيع نصف الدار، وقال الشفيع: كان مهر مثلها خمسمائة لي ثلثا الدار، فالقول قول الزوج مع يمينه؛ إما؛ لأن الشفيع يدعي لنفسه استحقاق زيادة سدس والزوج ينكر أو؛ لأن حاصل اختلافهما في مقدار الثمن.
والشفيع مع المشتري إذا اختلفا في مقدار الثمن، فالقول قول المشتري، وإن أقاما البينة فالبينة بينة المشتري عندهما كما لو اختلفا في مقدار قيمة البناء الهالك.
وإذا ادعى رجل على رجل حقاً في أرض أو دار، فصالحه على دار فللشفيع فيها

(7/301)


الشفعة بقيمة ذلك الحق الذي ادعى؛ لأن المأخوذ منه وهو المدعي يزعم أنه ملك الدار بدلاً عما هو مال، فيكون مقراً للشفيع بالشفعة، فيؤاخذ بإقراره في حقه.

فإن اختلفا في قيمة ذلك الحق فالقول قول المدعي وهو المأخوذ منه الدار؛ لأن الحاصل اختلافهما في مقدار الثمن، وإن أقاما البينة على قيمته.
ذكر ههنا أن البينة بينة الشفيع عند أبي حنيفة إذا اشترى الرجل داراً بألف درهم وقبضها ونقد الثمن، ثم جاء الشفيع، فقال المشتري: قد أحدثت فيها هذا البناء، وكذبه الشفيع وقال: كان هذا البناء فيه، فالقول قول المشتري مع يمينه؛ لأنه ينكر ثبوت حق الشفعة في البناء، وإن أقاما البينة فالبينة بينة الشفيع؛ لأنه أشبه بالمدعين؛ لأنه يخير بين أن يدعي وبين أن يترك، فهذا هو أحد المدعي، والبينات في الأصل شرعت حجة للمدعين فمن كان أشبه بالمدعين كانت بينته أولى (175أ3) بالقبول.
وإذا اشترى أرضاً فجاء الشفيع يأخذها بالشفعة وفيها أشجار ونخيل، فقال المشتري: أحدثت الأشجار والنخيل فيها، وقال الشفيع: اشتريتها مع هذه الأشجار والنخيل، فإن كان من وقت الأخذ بالشفعة مدة لا يمكن إحداث مثل هذه الأشجار، فالقول قول المشتري مع يمينه؛ لأنه لم يثبت كذب ما قاله المشتري في هذه الصورة، بخلاف الصورة الأولى إذا قال المشتري للشفيع: اشتريت الدار أو قال: الأرض بخمسمائة، ثم اشتريت البناء بخمسمائة فلا شفعة للشفيع في البناء، وقال الشفيع: لا بل اشتريتهما معاً، فالقول قول الشفيع مع يمينه على علمه استحساناً يحلف بالله ما يعلم أنه اشتراهما بعقدين؛ لأن المشتري أقر بالسبب المثبت لحق الشفيع في الأرض والبناء، وهو الشراء وبدعوى تفرق الصفقة ادعى سقوط حق الشفيع في البناء.

ولو قال المشتري: باعني الأرض بغير بناء، ثم وهب لي البناء أو قال: وهب لي البناء ثم باعني الأرض، وقال الشفيع: لا بل اشتريتهما، فالقول قول المشتري في هذه ما أقر بالسبب المثبت لحق الشفيع في البناء، بل أنكر حقه ولا كذلك الصورة الأولى، وكذلك إذا قال المشتري: وهب لي هذا البيت بطريقه إلى باب الدار وباعني الباقي من الدار بألف درهم، وقال الشفيع: لا بل اشتريت كلها، فالقول قول المشتري في البيت لإ نكاره سبب ثبوت حق الشفعة في البيت، ويأخذ الشفيع الدار كلها غير البيت.
وطريقه: إن شاء؛ لأن المشتري أقر بسبب ثبوت حق الشفيع فيما سوى البيت وطريقه وادعى لنفسه حق التقدم عليه بالشركة في الحقوق، فلا يثبت ما ادعى من غير حجة.
وإن أقر بهبة البيت للمشتري وادعى المشتري أن الهبة كانت قبل الشراء فلا شفعة للجار؛ ولأنه شريك في الحقوق وقت الشراء الثاني، والجار يقول: لا بل كان الشراء قبل الهبة ولي الشفعة فيما اشتريت، فالقول قول الشفيع؛ لأن العقدين قد ظهرا وقد جهل التاريخ، فيجعل كأنهما وقعا معاً.
ولو وقعا معاً كانت الشفعة للجار؛ لأن شريك المشتري في الحقوق بعد الشراء؛

(7/302)


لأن الهبة لا تفيد الملك قبل القبض والشراء يفيد الملك بنفسه، فكان شركة المشتري في الحقوق بسبب الهبة حادثة بعد الشراء لا تبطل شفعة الجار، وإن قامت البينه على الهبة قبل الشراء، فإن صاحبها أولى بالشفعة من الجار.
ولو ادعى المشتري أنه اشترى الأرض والبناء بصفقة واحدة، وقال الشفيع: لا بل اشتريتهما بصفقتين ولي أن آخذ الأرض دون البناء، فالقول قول المشتري مع يمينه ولم يذكر الاستحسان، والقياس في هذه المسألة، وفيما إذا ادعى المشتري تفرق الصفقة، فهي المسألة التي تقدم ذكرها ذكر القياس والاستحسان.
وذكر أن القول قول الشفيع مع يمينه استحساناً ويجب أن تكون هذه المسألة على القياس والاستحسان ويكون ما ذكر أن القول قول المشتري.

جواب الاستحسان: رجل أقام بينة أنه اشترى هذه الدار من فلان بألف درهم، وأقام رجل آخر بينة أنه اشترى هذا البيت من هذه الدار من فلان منذ شهر بكذا، فإنه يقضي بالبيت لصاحب الشهر وببقية الدار للآخر؛ لأن الشراء حادث، والأصل في الحوادث أن يحال بحدوثها على أقرب الأوقات ما لم يؤرخ الشهود، وشهود مشتري البيت أرخوا شراءه أما شهود مشتري الباقي ما أرخوا ... اشتراه، فثبت شراء البيت منذ شهر وثبت شراء الباقي للحال، ثم مشتري البيت منذ شهر أولى بشفعة باقي الدار؛ لأن شراء البيت لما ثبت قبل شراء الباقي من الدار كان مشتري البيت شريكاً في الحقوق منذ شراء الباقي من الدار، والشريك في الحقوق مقدم على الجار، ولو لم يؤقت واحد منهما قضيت بالبيت بينهما، وقضيت بباقي الدار للآخر، ولا شفعة لواحد منهما فيما صار لصاحبه؛ لأنه ظهر كلا الأمرين ولم يعرف التاريخ، فيجعل كأنهما وقعا معاً.
وإذا كانا داران متلازقان ادعى أحدهما منذ شهرين وادعى الآخر شراء الآخر منذ شهر، فالشفعة لصاحب الشهرين، ولو لم يؤقت شهود واحد منهما فلا شفعة لواحد منهما.

الفصل الثالث عشر: في التوكيل بالشفعة وتسليم الوكيل الشفعة وما يتصل به
ويجوز التوكيل بطلب الشفعة؛ لأنه توكيل بالخصومة والشراء، والتوكيل بكلا الأمرين جائز، وإذا أقر المشتري بشراء الدار في يديه وجبت فيها الشفعة وخصمه الوكيل؛ لأنه أقر بثبوت حق الشفعة فيما في يده.

ولو أقر بالملك فيما في يده أليس يصح إقراره؟ فكذا إذا أقر بحق الشفعة، ولا يقبل من المشتري بينة أنه اشتراها من صاحبها إذا كان صاحبها غائباً؛ لأن البينه على الغائب

(7/303)


لا تقبل من غير خصم حاضر، ولا خصم عن الغائب ههنا، حتى لو حضر صاحبها بعد إقامة المشتري البينه على الشراء وصدقه فيما أقوله من الملك وكذبه فيما ادعى من المشتري يسترد الدار من يد الشفيع ويسلم إلى البائع؛ لأنهم اتفقوا على أن أصل الملك كان له، ولم يثبت النقل من المشتري، ولكن يحلف صاحبها بالله ما بعتها من هذا المشتري، فإذا حلف حينئذ يرد الدار عليه، فإن قامت بينة لمحضر صاحبها أنه باعه من المشتري ثبت الشراء وسلم الدار للشفيع، ويقبل هذه البينة من المشتري ومن الشفيع؛ لأن المشتري يثبت عقده والشفيع يثبت حقه في الشفعة، وإن أقر البائع بالبيع وأنكر المشتري والدار في يد البائع قضى بالشفعة لما ذكرنا في جانب المشتري وخصمه الوكيل.
وإن أقر المشتري والبائع بالبيع، ولكن قالا: لا شفعة لفلان فيها، فإن القاضي يسأل الوكيل البينة على الحق الذي وجبت به لموكله الشفعة من شركة أو جوار، فإن أقامها قضي له بالشفعة، وما لا فلا.
وهذا لأن الوكيل قائم مقام الموكل، والحكم في حق الموكل إذا أنكر المشتري والبائع شفعته هذا فكذا في حق الوكيل، وإذا أراد الوكيل إثبات الشفعة لموكله بالجوار ينبغي أن يقيم بينة أن الدار التي إلى جنب الدار المبيعة ملك موكله فلان.
هكذا ذكر محمد رحمه الله، وقد ذكرنا في فصل إنكار المشتري جواز الشفيع كيفية الشهادة (175ب3) في حق الأصيل، فيجب أن يكون في حق الوكيل كذلك، ولو أقام بينة أن الدار التي جنب الدار المبيعة ملك موكله فلان لا يكتفي به كما في حق الموكل، ولو أقام البينة بنفسه، وإذا أراد إثبات الشفعة بالشركة فأقام بينة أن لموكله فلان نصيباً من هذه الدار المبيعة ولم يثبتوا مقداره لا يثبت ذلك، ولا يقضى له بالشفعة؛ لأنه لا يمكن القضاء بالشفعة إلا بالقضاء بالشركة وتعذر القضاء بالشركة لمكان الجهالة.
وهذا بخلاف ما لو أقام المدعي بينة على المحبوس في السجن أنه موسر فإنه يقبل بينته، وإن لم يبينوا مقدار ملكه حتى يجلده القاضي في السجن بينة المدعي وتجليده في السجن لا يستحق إلا باليسار ويساره لا بثبت إلا بملكه.

والفرق: أن في مسألة المديون القضاء بالملك له مع إنكاره غير ممكن، ألا ترى مع بيان مقدار ملكه لا يمكن للقاضي أن يقضي له بالملك بجحوده، وما تعذر القضاء بالملك هناك لم يشترط للقضاء باليسار إمكان القضاء بالملك، وفي مسألة الشفعة أمكن للقاضي القضاء بالملك للشفيع؛ لأنه مدع، فلا يسقط اعتبار اشتراط القضاء بالملك للقضاء بالشفعة لمكان الجهالة.
وإذا وكل الرجل رجلاً بأخذ دار له بالشفعة ولم يعلمه الثمن صح التوكيل، وإذا أخذها الوكيل بما اشتراها المشتري لزم الموكل، وإن كان ذلك ثمناً كثيراً بحيث لا يتغابن الناس فيه سواء أخذها بقضاء أو بغير قضاء، بخلاف الوكيل بالشراء إذا اشترى بثمن كثير لا يتغابن الناس في مثله حيث لا يلزم الموكل.
والفرق: أن في فصل الشفعة الثمن منصوص عليه، وهو الثمن الذي اشتراه

(7/304)


المشتري؛ لأن الأخذ بالشفعة لأخذ بمثل ذلك الثمن وقد اشتراه به، فأما في فصل الشراء الثمن غير منصوص عليه، فيعرف المقدار بالعرف.

وإذا وكل رجل هو ليس بشفيع الدار أن يأخذ الدار له بالشفعة، فأظهر الشفيع ذلك فقد بطلت شفعته؛ لأنه قصد التملك من جهة المشتري بغيره، فيعتبر بما لو قصد التملك من جهة لنفسه بأن ساومه، وذلك مبطل شفعته، فإن أسر الشفيع ذلك حتى أخذها ثم علم المشتري بذلك إن سلمها بغير قضاء قاض جاز ذلك، ولم يكن للمشتري أن يأخذها وصار الشفيع مشترياً للآمر؛ لأنه سلم الدار بالشفعة في موضع لا شفعة للشفيع مستأنفاً إذا حصل برضا المشتري.
وإن أخذها بقضاء قاض، فإنها ترد على المشتري؛ لأنه لما لم يكن له أخذ الدار بالشفعة تبين أن القاضي قضى للوكيل بالدار بغير سبب، ولا يمكن أن يجعل شراء مستقبلاً لانعدام الرضا من المشتري، ولا يصح توكيل الشفيع المشتري بأخذ الشفعة سواء كانت الدار في يده أو في يد البائع إن كانت الدار في يده؛ فلأن الأخذ بالشفعة شراء، والإنسان لا يصلح وكيلاً بالشراء من نفسه، وإن كانت الدار في يد البائع؛ فلأنه ساع في نقص ما تم به؛ لأن بالأخذ بالشفعة ينفسخ الشراء الذي جرى بين البائع وبين المشتري، وكذا لا يصح توكيل البائع بذلك.
وإن كانت الدار في يد البائع قياساً، وفي الاستحسان: لا يصح؛ لأنه ساع في نقض ما تم به من وجه؛ لأن الأخذ بالشفعة من المشتري إن كان تمليكاً مبتدأ من جهة، المشتري من وجه فهو بمنزلة الاستحقاق من وجه من حيث إنه يأخذ من غير رضا المشتري بحق سابق له على حق المشتري، فمن هذا الوجه يصير البائع ساعياً في نقض ما تم به.

وإذا وكل رجلاً بطلب الشفعة بكذا كذا درهماً واحدة، فإن كان المشتري اشترى بذلك المقدار أو بأقل فهو وكيل، وإن كان اشترى بأكثر من ذلك، فهو ليس بوكيل؛ لأن الأخذ بالشفعة شراءٌ والوكيل بالشراء بثمن معين بملك الشراء به وبأقل منه، ولا يملك الشراء بأكثر منه، وكذلك إذا قال: وكلتك إن كان فلان اشتراها فإذا قد اشتراها غيره لا يكون وكيلاً.
وإذا وكل وكيلين بأخذ الشفعة، فلأحدهما أن يخاصم بدون الآخر، ولا يأخذ الشفعة بدون الآخر، وإذا وكل وكيلاً بأخذ الشفعة، فليس للوكيل أن يوكل غيره إلا أن يكون الأصل أجاز ما صنع، فإن أجاز ما صنع وكل الوكيل وكيلاً، وأجاز ما صنع لم يكن لهذا الوكيل الثاني أن يوكل غيره.
الوكيل بالشفعة إذا سلم الشفعة ذكر في شفعة «الأصل» : أنه إذا سلم في مجلس القاضي صح، وإن سلم في غير مجلس القاضي لا يصح عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله، وهو قول أبي يوسف الأول، ثم رجع أبو يوسف عن هذا، وقال: يصح تسليمه في مجلس القاضي.
h

(7/305)


فعلى رواية كتاب الشفعة جوز تسليمه في مجلس القاضي، ولم يحك فيه خلافاً، وذكر في كتاب «الوكالة» و «المأذون» : ما ذكر في الشفعة قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله، وإقراره على موكله بالتسليم في مجلس القاضي صحيح بلا خلاف بين علمائنا الثلاثة وإقراره في غير مجلس القاضي عند أبي حنيفة ومحمد وأبي يوسف الأول.
في قوله الآخر صحيح، فمحمد رحمه الله، فرّق بين تسليمه في مجلس القاضي وبين إقراره بالتسليم على موكله في مجلس القاضي.
والفرق: أن إقراره إنما صح أنه جواب الخصومة، والتسليم ليس جواب الخصومة بل هو إبطال حق على الموكل والوكيل مأمور باستيفاء الحق لا بإبطاله.
ألا ترى أن الوكيل بالخصومة في الدِّين يملك الإقرار على موكله بالقبض، ولا يملك الإبراء.
الوكيل بالشفعة إذا طلب الشفعة وادعى المشتري التسليم، فهذا على وجهين:

الأول: أن يدعي التسليم على الموكل ويطلب يمين الوكيل بالله ما يعلم أن الموكل قد سلم الشفعة، أو يطلب الموكل بالله ما سلمني الشفعة، فإن طلب يمين الوكيل، فالقاضي لا يحلفه؛ لأن أصل الدعوى وقعت على الموكل، فإنه ادعى تسليم الموكل واستحلاف غير من توجه عليه الدعوى بمنزلة البدل عن استحلاف من يوجه عليه الدعوى والإنصاف إلى البدل على إمكان المصير إلى الأصل، وما دام الموكل حياً واستخلافه ممكن بخلاف ما لو ادعى ديناً على ميت وأنكر الوارث ذلك وطلب المدعي من القاضي أن يحلف الوارث، فالقاضي يحلفه على علمه؛ لأن هناك وقع العجز عن المصير إلى الأصل، وإن طلب يمين الموكل، فالقاضي يقول له: سلم الدار إلى الوكيل ليأخذها الموكل بالشفعة وانطلق واطلب يمين الموكل.

وهو نظير ما لو وكل (176أ3) رجلاً بقبض الدين فقال المديون: أريد يمين الموكل بالله ما أبرأني، فالقاضي يقضي عليه بالمال، ويأمره بالأداء إلى الوكيل ويقول له انطلق واطلب يمين الموكل، وهذا بخلاف الوكيل بالشراء إذا وجد بالمشترى عيباً وأراد رده على البائع، وطلب البائع يمين الموكل بالله ما رضي بالعيب كان له ذلك، ولا يرد حتى يحضر الموكل ويحلف الوجه الثاني أن يدعي التسليم على الوكيل ويطلب يمينه فالقاضي لا يحلفه عند أبي حنيفة ومحمد خلافاً لأبي يوسف رحمهم الله.
وإذا شهد شاهدان على الوكيل أنه سلم الشفعة عند غير القاضي، فشهادتهما باطلة عند أبي حنيفة ومحمد خلافاً لأبي يوسف، وكذلك إذا شهد شاهدان عليه أنه قد سلم عند القاضي، ثم عزل قبل أن يقضي عليه لم يجز على قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله.
ولو أقر الوكيل عند القاضي أنه قد سلم الشفعة عند غير قاض، أو عند قاض آخر فإقراره صحيح، ويكون هذا بمنزلة إنشاء التسليم عند هذا القاضي.

(7/306)


وهو نظير ما لو شهد شاهدان على رجوع الشهود وعن شهادتهم في غير مجلس القاضي فالقاضي لا يقبل شهادتهم، ولو أقر الشهود عند القاضي أنهم قد رجعوا عن شهادتهم في غير مجلس القاضي صح إقرارهم وجعل ذلك منهم منزلة إنشاء الرجوع عند هذا القاضي.
في «فتاوي (أهل) سمرقند» : ... وإذا وكل رجلاً ببيع داره، فباعها بألف درهم ثم حط عن المشتري مائة درهم وضمن ذلك الأمر، فليس للشفيع أن يأخذها بالشفعة إلا بالألف؛ لأن حط الوكيل لا يلتحق بأصل العقد.
في «فتاوي الفضلي» : الوكيل بشراء الدار إذا اشترى وقبض فجاء الشفيع وأراد أن يطلب الشفعة من الوكيل، فهذا على وجهين:
الأول: أن تكون الدار في يد الوكيل، وفي هذا الوجه الطلب منه صحيح.
الوجه الثاني: أن يكون الوكيل قد سلم الدار إلى الموكل وفي هذا الوجه لا يصح الطلب من الوكيل، هكذا قال، قول الفقيه أبو إبراهيم، هكذا ذكر في «الأجناس» عن محمد قال الصدر الشهيد رحمه الله: هو المختار.
وقال القاضي الإمام علي السغدي: الصحيح أنه يصح الطلب منه على كل حال؛ لأنه هو العاقد، قال الصدر الشهيد: والجواب في الوكيل مع الموكل كالجواب في البائع مع المشتري إن كانت الدار في يد البائع فالطلب منه صحيح، وإن كانت في يد المشتري لا يصح الطلب من البائع هو المختار غير أن فرق ما بين الوكيل والبائع أن البائع إذا لم يسلم الدار لا يكون خصماً حتى يحضر المشتري، والوكيل إذا قبض فهو خصم، وإن لم يحضر الموكل، هذا هو الكلام في الطلب.

وأما الكلام في تسليم الشفعة وتسليم الشفيع عند الوكيل وقد ذكرناه في فصل تسليم الشفعة في «القدوري» .

قال أصحابنا: إذا قال المشتري قبل أن يخاصم في الشفعة: اشتريت هذه الدار لفلان وسلمها إليه، ثم حضر الشفيع فلا خصومة بين الشفيع وبين المشتري؛ لأن إقراره قبل الخصومة صحيح، فصار كما لو كانت الوكالة معلومة، فإذا خوصم ثم أقر بذلك لم تسقط الخصومة عنه؛ لأنه صار خصماً وهو يريد إسقاط الخصومة عن نفسه ولو أقام بينة أنه قبل شرائه اشترى لفلان لم تقبل بينته؛ لأنه لا يدفع بهذه الخصومة عن نفسه.
قال: وروي عن محمد رحمه الله: أن المشتري إذا قال: أنا أقيم البينة أني أقررت بهذا القول قبل الشراء لم تقبل بينته لإثبات الملك للغائب، ولا خصومة بينه وبين الشفيع حتى يحضر المقر له.
وفي «المنتقى» : بشر عن أبي يوسف: رجل اشترى داراً وأشهد قبل شرائهما معنى قوله أشهد قال بلسانه: أنه اشترى لفلان بماله وأمره وطلب الشفيع الشفعة، فالمشتري خصم في ذلك، ولو كان له شاهدان يشهدان أن فلاناً أمره بشرائهما لم يكن هو خصماً للشفيع والله أعلم.

وأما الكلام في تسليم الشفعة وتسليم الشفيع عند الوكيل وقد ذكرناه في فصل تسليم الشفعة في «القدوري» .
قال أصحابنا: إذا قال المشتري قبل أن يخاصم في الشفعة: اشتريت هذه الدار لفلان وسلمها إليه، ثم حضر الشفيع فلا خصومة بين الشفيع وبين المشتري؛ لأن إقراره قبل الخصومة صحيح، فصار كما لو كانت الوكالة معلومة، فإذا خوصم ثم أقر بذلك لم تسقط الخصومة عنه؛ لأنه صار خصماً وهو يريد إسقاط الخصومة عن نفسه ولو أقام بينة أنه قبل شرائه اشترى لفلان لم تقبل بينته؛ لأنه لا يدفع بهذه الخصومة عن نفسه.
قال: وروي عن محمد رحمه الله: أن المشتري إذا قال: أنا أقيم البينة أني أقررت بهذا القول قبل الشراء لم تقبل بينته لإثبات الملك للغائب، ولا خصومة بينه وبين الشفيع حتى يحضر المقر له.

وفي «المنتقى» : بشر عن أبي يوسف: رجل اشترى داراً وأشهد قبل شرائهما معنى قوله أشهد قال بلسانه: أنه اشترى لفلان بماله وأمره وطلب الشفيع الشفعة، فالمشتري

(7/307)


خصم في ذلك، ولو كان له شاهدان يشهدان أن فلاناً أمره بشرائهما لم يكن هو خصماً للشفيع والله أعلم.

الفصل الرابع عشر: في شفعة الصبي
قال محمد رحمه الله في «الأصل» : الصغير والكبير في استحقاق الشفعة سواء؛ لأنهما في سبب استحقاق الشفعة سواء، قال: والحبل في استحقاق الشفعة والكبير سواء؛ لأن الحبل يرث فيثبت له الشركة أو الجوار كما يثبت للكبير، فإن وضعت الأقل من ستة أشهر منذ وقع الشراء فله الشفعة؛ لأنا تيقنا بوجوده يوم البيع وكان وضعه بمنزلة قدومه وهو غائب.
وإن جاءت به لسته أشهر فصاعداً منذ وقع الشراء، فإنه لا شفعة له؛ لأنه لم يثبت وجوده وقت البيع لا حقيقة ولا حكماً إلا أن يكون أبوه مات قبل البيع وورث الحبل منه حينئذ يستحق الشفعة، وإن جاءت بالولد لستة أشهر فصاعداً؛ لأن وجوده وقت البيع ثابت حكماً لما ورث من أبيه، ثم إذا وجب الشفعة للصغير فالذي يقوم بالطلب والأخذ من قام مقامه شرعاً في استيفاء حقوقه وهو أبوه، ثم وصي أبيه، ثم جده أب أبيه، ثم وصي نصيبه القاضي، فإن لم يكن له أخذ من هؤلاء فهو على شفعته إذا أدرك، فإذا أدرك وقد ثبت له خيار البلوغ والشفعة فاختار رد النكاح أو طلب الشفعة مع الإمكان بطلت الشفعة، حتى لو بلغ الصغير لا يكون له حق الأخذ، وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف.

وقال محمد: لا تبطل الشفعة، وعلى هذا الخلاف تسليم الشفعة إذا سلم الأب أو الوصي ومن بمعناهما شفعة الصغير صح تسليمه، وأبي يوسف حتى لو بلغ الصبي لا يكون له أن يأخذها بالشفعة؛ لأن تسليم الشفعة وترك طلبها ترك التجارة، ومن ملك التجارة في مال إنسان ملك تركها أيضاً؛ ولأن أخذ الشفعة يكون عوضاً، فبتسليم الشفعة إن كان سقط حق الصغير، ولكن بعوض وإسقاط حق الصغير بعوض داخل تحت ولاية هؤلاء.
ألا ترى أنهم ملكوا بيع مال الصغير، ثم تسليم الأب والوصي شفعة الصغير صحيح عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله، سواء كان التسليم في مجلس القضاء أو في غير مجلس القضاء بخلاف تسليم الوكيل في غير مجلس القضاء عند أبي حنيفة رحمه الله؛ لأنهما نائبان عن الصغير في مجلس القضاء وغيره، فأما الوكيل نائب عن الموكل في مجلس القاضي؛ لأنه وكيل بالخصومة، ومعدن الخصومة مجلس القضاء، فكأن الموكل قال له: أنت وكيلي في مجلس القاضي.
إذا اشترى داراً لابنه الصغير والأب (176ب3) شفيعها كان للأب أن يأخذها بالشفعة عندنا، كما لو اشترى الأب مال ابنه لنفسه، ثم كيف يقول: اشتريت وأخذ

(7/308)


بالشفعة، ولو كان مكان الأب وصياً. ذكر شمس الأئمة السرخسي رحمه الله هذه المسألة في «واقعاته» وشوش الجواب المشبع إن كان في أخذ الوصي هذه الدار بالشفعة منفعة للصغير بأن وقع شراء الدار بغبن يسير بأن كان قيمة الدار مثلاً عشرة وقد اشتراها الوصي بأحد عشر، فإن الغبن اليسير يتحمل من الوصي في تصرفه مع الأجانب، ويأخذ الوصي بالشفعة يرتفع ذلك الغبن.

فإذا كانت الحالة هذه كان أخذ الوصي بالشفعة مبتغياً في حق الصغير فإن للوصي أن يأخذ الدار بالشفعة على قياس قول أبي حنيفة وأحد الروايتين عن أبي يوسف كما في شراء الوصي من مال الصغير لنفسه، وإن لم يكن في أخذ الوصي هذه الدار بالشفعة منفعة في حق الصغير بأن وقع شراء الدار للصغير بمثل القيمة لا يكون للوصي الشفعة بالاتفاق.
كما لا يكون للوصي أن يشتري شيئاً من مال اليتيم لنفسه بمثل القيمة بالاتفاق، ومتى كان للوصي ولاية الأخذ يقول: اشتريت وطلبت الشفعة، ثم يرفع الأمر إلى القاضي حتى ينصب قيمة عن الصبي، فيأخذ الوصي منه بالشفعة ويسلم الثمن إليه ثم القيم يسلم الثمن إلى الوصي.
في «فتاوى أبي الليث» : رحمه الله وفي «الفتاوى» : عن الفقيه أبي بكر: لو اشترى لابنه الصغير داراً والأب شفيعها لا يأخذ بالشفعة ما لم يدرك الابن أو ينصب الحاكم خصماً.
قال الفقيه أبو الليث رحمه الله: هذا الجواب في الوصي فأما الأب يأخذ؛ لأن الأب لو اشترى مال ابنه لنفسه صح، كذا هذا يأخذ من غير قضاء وعن شداد: أن الوصي يشهد على طلب الشفعة ويترك حتى يبلغ الصبي، ولو كان الصبي شفيع دار اشتراها الوصي لا يشهد ولا يطلب الشفعة له حتى يدرك الصبي.
اشترى الأب لنفسه داراً وابنه الصغير

(7/309)


شفيعها فلم يطلب الأب الشفعة للصغير حتى بلغ الصغير، فليس للذي بلغ أن يأخذها بالشفعة؛ لأن الأب كان متمكناً من الأخذ بالشفعة، فسكوته يكون مبطلاً للشفعة.
ولو باع الأب داراً لنفسه وابنه الصغير شفيعها فلم يطلب الأب الشفعة للصغير، لا تبطل شفعة الصغير حتى لو بلغ الصغير كان له أن يأخذها؛ لأن الأب ههنا لا يتمكن من الأخذ بالشفعة لكونه تابعاً وسكوت من لا يملك الأخذ لا يكون مبطلاً ذكر هذه الجملة شمس الأئمة السرخسي رحمه الله في باب تسليم الشفعة، وهكذا ذكر القدوري في «شرحه» وأحاله إلى «نوادر أبي يوسف» .

وأما الوصي إذا اشترى داراً لنفسه أو باع داراً له والصبي شفيعها، فلم يطلب الوصي شفعته فاليتيم على شفعته إذا بلغ؛ لأن الوصي لا يملك البيع والشراء للصغير مع نفسه إلا إذا كان فيه منفعة للصغير، وإذا لم يملك الأخذ لم يكن سكوته تسليماً، هكذا ذكر القدوري في «شرحه» .
في «نوادر هشام» قال: قلت لمحمد: ما يقول في رجل اشترى داراً وابنه الصغير شفيعها، فلم يطلب الشفعة، قال: أما في قياس أبي حنيفة لا شفعة للصغير؛ لأن تسليم الأب جائز عليه، وأما في الوصي فهو على شفعته؛ لأنه لا يقدر أن يأخذه له من نفسه، ويجب أن يكون الجواب في شراء الأب داراً لنفسه وابنه الصغير شفيعها على التفصيل إن لم يكن للصبي في هذا الأخذ ضرر بأن وقع شراء الأب بمثل القيمة أو بأكثر مقدار ما يتغابن الناس في مثله لا يكون للصغير الشفعة إذا بلغ.

وإن كان للصغير في هذا الأخذ ضرر بأن وقع شراء الأب بأكثر من القيمة مقدار ما لا يتغابن الناس فيه كان له الشفعة إذا بلغ؛ لأن الأب لا يملك التصرف في مال الصغير مع نفسه على وجه الضرر، فلم يكن الأب متمكناً من الأخذ في هذه الصورة، فلا يكون سكوته مبطلاً للشفعة، والذي يريد هذا مسألة ذكرها شمس الأئمه السرخسي في باب تسليم الشفعة.
وصورتها: رجل اشترى داراً بأكثر من قيمتها وصغير شفيعها، فسلم الأب شفيعها لا يصح تسليمه عندهم جميعاً هو الصحيح؛ لأن الأب لا يملك الأخذ ههنا بالاتفاق لكثرة الثمن والسكوت عن الطلب، والتسليم إنما يصح ممن يملك، فيبقى الصبي على حقه إذا بلغ.

ويجب أن يكون الجواب في الوصي إذا اشترى داراً لنفسه والصغير شفيعها، فلم يطلب حتى بلغ الصبي على التفصيل أيضاً: إن كان للصغير في الأخذ بالشفعة منفعة، فلا شفعة للصغير إذا بلغ عند أبي حنيفة وإحدى الروايتين عن أبي يوسف؛ لأن الوصي لو اشترى من مال نفسه شيئاً للصغير وللصغير فيه منفعة ظاهرة جاز عند أبي حنيفة، وإحدى الروايتين عن أبي يوسف، فكان الوصي متمكناً من الأخذ فكان سكوته مبطلاً شفعته، وإن لم يكن للصغير في الأخذ بالشفعة منفعة ظاهرة كان له الشفعة إذا بلغ بالاتفاق، فلا يكون سكوته مبطلاً.
ولو كان الوصي باع الدار وباقي المسألة بحاله، فالصغير على شفعته إذا بلغ بالاتفاق، كما في الأب إذا قال الأب أو الوصي: اشتريت هذه الدار بألف درهم للصغير، فقال الشفيع: اتق الله فإنك اشتريتها بخمسمائة فصدقة، فإنه لا يصدق ويأخذ الدار بألف درهم حتى يقيم البينة على الشراء بخمسمائة والله أعلم.

الفصل الخامس عشر: في حكم الشفعة إذا وقع الشراء بالعروض
قد ذكرنا قبل هذا أن الشراء إذا وقع ما ليس من ذوات الأمثال، فالشفيع يأخذ الدار بقيمة ما وقع الشراء به.
قال محمد رحمه الله في «الأصل» : إذا اشترى الرجل داراً بعبد بعينه وأخذ الشفيع الدار بقيمة العبد بقضاء القاضي، ثم استحق العبد بطلت الشفعة وأخذ الدار من الشفيع؛

(7/310)


وهذا لأن الشراء بالمستحق شراء فاسد، ولهذا لا يفيد الملك في بذل المستحق إلا بالقبض ولا شفعة في الشراء الفاسد، فظهر أن القاضي أخطأ في قضائه حيث قضى بالشفعة ولا شفعة، فيرد قضاؤه وذلك يرد حكمه، فلهذا قال يسترد الدار من يد الشفيع.
فإن قيل: ينبغي أن لا يسترد الدار، وإن ظهر أنه لم يكن له الشفعة عند أبي حنيفة رحمه الله؛ لأن القضاء بالشفعة قضاء بالشراء، والقاضي متى قضي بالشراء للإنسان ثبت الشراء بقضائه وإن لم يكن بينهما شراء.
قلنا: القضاء بالشفعة قضاء (177أ3) بالشراء من وجه قضاء بالملك المرسل من وجه لما ذكرنا أن الأخذ بالشفعة بمنزلة الاستحقاق من وجه من حيث إن الشفيع يأخذ الدار من غير رضا المشتري بحق سابق والقضاء بالشراء إن كان ينفذ ظاهراً وباطناً عند أبي حنيفة، فالقضاء بالملك المرسل لا ينفذ باطناً، فلا ينفذ القضاء بالشفعة ظاهراً أو باطناً بالشك.
فلهذا قال: يسترد الدار من يد البائع، هذا إذا أخذ الشفيع الدار بقيمة العبد بقضاء القاضي، وإن كان المشتري قد سلم الدار إلى الشفيع بقيمة العبد بقضاء القاضي، وإن كان المشتري قد سلم الدار إلى الشفيع بقيمة العبد بغير قضاء إن كان قد سمى الشفيع قيمة العبد كذا كذا حتى صار الثمن معلوماً من كل وجه.
ثم استحق العبد ليس للمشتري على الدار سبيل ويجعل ذلك بيعاً مبتدأ لوجود حده وهو التملك والتمليك بالتراضي، لما تبين أنه لم يكن له شفعة، ويكون للبائع على المشتري قيمة الدار؛ لأن باستحقاق العبد تبين أن الشراء وقع فاسداً.
وإذا باع ما اشترى نفذ بيعه ويضمن للبائع قيمة ما اشترى، وإن لم يكن سمى للشفيع قيمة العبد كذا وكذا، ولكن قال سلمت الدار لك بقيمة العبد كان للمشتري أن يسترد الدار من الشفيع.
إذا اشترى داراً بعبد وهلك العبد في يد البائع قبل التسليم إلى المشتري كان للشفيع أن يأخذ الدار بالشفعة؛ وهذا لأن بهلاك العبد وإن فسد البيع لما عرف أن هناك أحد البدلين في بيع المقايضة يوجب فساد العقد، إلا أنه إنما فسد البيع بعد وقوعه بوصف الصحة، وإنه لا ينافي حق الشفعة ولو لم يمت العبد حتى أخذ الشفيع الدار بقيمة العبد إن أخذها من البائع لم يبق للبائع على العبد الذي جعله المشتري ثمناً لهذه الدار سبيل؛ لأن يأخذ الشفيع الدار من البائع ينفسخ شراء المشتري، وإن أخذها من المشتري ثم مات العبد في يد البائع قبل التسليم إلى المشتري، فالقيمة التي أخذها المشتري من الشفيع تكون للبائع.

وإذا اشترى داراً بعبد غيره، وأجاز صاحب العبد الشراء، فللشفيع الشفعة؛ لأن الإجازة في الانتهاء بمنزلة الإذن في الابتداء ويأخذها بالشفعة بقيمة العبد لما ذكرنا، وإذا وقع الشراء بمكيل أو موزون بعينه واستحق المكيل أو الموزون فقد بطلت الشفعة؛ لأن المكيل أو الموزون إذا كان بعينه فهو والعبد سواء، وإن كان المكيل أو الموزون في

(7/311)


الذمة، فأوفاه ذلك ثم استحق ذلك فشفعة الشفيع على حاله؛ لأن المكيل أو الموزون إذا كان في الذمة فهو والدراهم سواء.
في «المنتقى» : ابن سماعة عن محمد رحمه الله: في رجل اشترى من آخر داراً بالكوفة بكر حنطة بعينه أو بغير عينه وتقابضا ثم خاصمه الشفيع في الدار بمرو فقضى له عليه بالشفعة والدار بكوفة، قال: إن شاء المشتري أخر الشفيع حتى يأخذ منه حنطة مثلها بالكوفة وسلم له الدار بمرو، وإن شاء سلم له الدار وأخذ منه بمرو قيمة الطعام بالكوفة.
وقال في موضع آخر من «المنتقى» : إذا كان قيمة الكر في الموضعين سواء أعطاه الكر حيث قضي له بالشفعة، وإن كانت القيمة متفاضلة نظر في ذلك إن كان الكر في الموضع الذي يريد الشفيع أن يعطي أعلى، فذلك إلى الشفيع يعطيه ذلك حيث شاء، وإن كان أرخص فرضي به المشتري، فذلك إليه وإن شاؤوا أعطى المشتري قيمة ذلك في الموضع الذي فيه ما يساوي في موضع الشراء.

الفصل السادس عشر: في الشفعة في فسخ البيع والإقالة وما يتصل بذلك
مشتري الدار إذا وجد الدار عيباً بعدما قبضها وردها بالعيب، وكان ذلك بعد ما سلم الشفيع الشفعة فللشفيع أن يأخذها بالشفعة، وإن كان الرد بغير قضاء قاض، فإن الرد بالعيب بغير قضاء بيع جديد في حق الثالث والشفيع ثالث، فصار في حق الشفيع كأن المشتري باع الدار من البائع، ولو كان الرد بقضاء قاض فليس للشفيع أن يأخذها؛ لأن الرد بقضاء فسخ في حق الكل وليس ببيع جديد أصلاً لانعدام حده، والتملك بالتراضي وحق الشفيع إنما يثبت في العقد لا في الفسخ، وإذا كان الرد بالعيب قبل قبض الدار، فإن كان بقضاء فلا شفعة للشفيع، وإن كان بغير قضاء، فكذلك عند محمد رحمه الله؛ لأنه تعذر اعتباره بيعاً جديداً في حق الشفيع؛ لأن بيع العقار قبل القبض عنده لا يجوز، وأما على قول أبي حنيفة وأبي يوسف، فقد اختلف المشايخ بعضهم قالوا: للشفيع الشفعة؛ لأن بيع العقار قبل القبض عندهما جائز، فأمكن أن يجعل هذا الرد بيعاً جديداً في حق الشفيع وبعضهم قالوا: لا شفعة للشفيع؛ لأن رضا البائع قبل القبض لا عبرة به؛ لأن للمشتري حق الرد بالعيب قبل القبض وإن لم يرض به البائع؛ لأن الصفقة لم يتم بعد، ولو انعدم الرضا من البائع لا يمكن أن يعتبر بيعاً جديداً في حق الشفيع، فكذا إذا لم يعتبر رضاه.
كما لو سلم المشتري الدار إلى الشفيع باختياره ورضاه لا يعتبر ذلك بيعاً جديداً في حق الثالث، حتى لو كان لهذه الدار شفيع آخر وقد سلم الشفعة لا يتجدد له شفعة أخرى بهذا التسليم؛ لأن للشفيع أن يأخذ منه بغير رضاه، فلم يكن لرضاه عبرة كذا هاهنا.
وإن كان المشتري رد الدار بخيار رؤية أو بخيار شرط لا يتجدد للشفيع حق الشفعة

(7/312)


حصل الرد قبل القبض أو بعد القبض، بتراضيهما أو بغير تراضيهما؛ لأن الرد بهذه الأسباب فسخ من كل وجه في حق الناس كافة.

وإن اشترى الرجل داراً أو أرضاً فسلم الشفيع الشفعة، ثم إن البائع والمشتري تصادقا أن البيع كان تلجئة ورد المشتري على البائع لا يتجدد للشفيع حق الشفعة، وكان ينبغي أن يتجدد؛ لأن إقرارهما بالتجلئة لا يعتبر في حق الشفيع.
ألا ترى أنهما لو أقرا بذلك قبل تسليم الشفعة لا يعتبر إقرارهما في حق الشفيع حتى كان للشفيع أن يأخذ الدار كذا هاهنا.
وإذا لم يعتبر إقرارهما لم تثبت التلجئة في حق الشفيع فكان الرد بسبب التلجئة فسخاً للعقد في حقه لا رداً بالتلجئة والفسخ متى حصل بالتراضي يتجدد للشفيع حق الشفعة، والجواب إنما لم يعمل إقرارهما بالتلجئة في حق الشفيع قبل تسليم الشفعة؛ لأن البيع الصحيح ظاهر أو ثبت للشفيع حق الشفعة، فهما بهذا الإقرار يريدان إبطال حقه؛ فأما بعد تسليم الشفعة لم يبق للشفيع (177ب3) حق أصلاً، فإقرارهما لا يتضمن بطلان حقه فتثبت التلجئة بإقراره، فكان الرد بسبب التلجئة فلا يتجدد به حق الشفعة.
l

في «المنتقى» : رجل اشترى داراً وقبضها وسلم الشفيع الشفعة، ثم إن المشتري قال: إنما كنت اشتريتها لفلان، وقال الشفيع بل اشتريتها لنفسك، وهذا منك بيع مستقبل وأنا آخذها بالشفعة بهذا البيع، فالقول قول الشفيع، وإن كان فلاناً غائباً لم يكن للشفيع أن يأخذ الدار حتى يقدم الغائب من قبل أن الشفيع يدعي أن هذا باع الدار من الغائب، وليس للشفيع أن يأخذ الدار من البائع حال غيبة المشتري.
وإن قال المشتري: أنا أقيم البينة أن فلاناً كان أمرني بذلك، وإني إنما اشتريتها له لم يقبل بينته على ذلك حتى يحضر فلان.

ومما يتصل بهذا الفصل
إذا انفسخ العقد فيما بين البائع والمشتري بسبب هو فسخ من كل وجه لا يبطل حق الشفيع؛ لأن حق الشفعة يعتمد وجود البيع لا بقاؤه والله أعلم بالصواب.

الفصل السابع عشر: في شفعة أهل الكفر
الكافر والمسلم في استحقاق الشفعة سواء؛ لأنهما في سبب استحقاق الشفعة سواء. وإذا اشترى النصراني داراً بميته أو دم، فلا شفعة للشفيع؛ لأن الميت والدم ليس بمال في حقهم، فالشراء حصل بما ليس بمال فلا ينعقد، وهذا بخلاف ما لو اشترى بخمر أو خنزير؛ لأن ذلك مال في حقهم، فالشراء حصل بما هو مال فينعقد.
اشترى الذمي داراً بخمر وتقابضا ثم صار الخمر خلاً ثم أسلم البائع والمشتري، ثم استحق نصف الدار وحضر الشفيع أخذ النصف بنصف قيمة الخمر ولا يأخذ بنصف الخل؛

(7/313)


لأن الشفيع إنما يأخذ الدار بمثل الثمن الذي هو مضمون على المشتري، والمضمون على المشتري الخمر دون الخل وقد عجز الشفيع عن الأخذ بصورة الخمر، فيأخذ بمعناها وهو القيمة، ثم يرجع المشتري على البائع بنصف الخل إن كان الخل قائماً في يده.
وإن كان مستهلكاً رجع عليه بمثل نصف الخل؛ لأنه لما استحق نصف الدار ظهر أن نصف الخمر كان في يده بحكم عقد فاسد، والخمر الذي اشتراها الذمي في شراء فاسداً إذا صارت خلاً في يده لا يسعه رد الخل بعينه إن كان قائماً، وإن عجز عن رد عينه رد مثله، فإن عجز عن رد مثله حينئذ رد قيمته، كذا هاهنا.
اشترى الذمي من ذمي كنيسة أو بيعة فللشفيع الشفعة هكذا ذكر في «الأصل» ، وهذا الجواب ظاهر فيما إذا كان من ديانتهم أن الملك لا يزول عن المالك بجعله بيعة أو كنيسة إنما يشكل فيما إذا كان من ديانتهم أن الملك يزول عن المالك بهذا الصنع؛ لأنه باع ما لا يملك فلا يجوز بيعه في ديانته، ونحن أمرنا ببناء الأحكام على اعتقادهم وأن يتركهم وما يدينون إلا ما استثني عليهم في عودهم.
والوجه في ذلك: أنه لما أقدم على البيع فقد أدان بديننا؛ لأن من ديننا أن الملك لا يزول عن المالك بما بعده للمعصية والذمي إذا دان بديننا يلزمه ذلك كما في نكاح المحارم إذا طلبا الفرقة من القاضي.

اشترى المرتد داراً ثم مات أو قتل على الردة حتى بطل شراؤه عند أبي حنيفة أو أسلم حتى نفذ شراؤه فللشفيع الشفعة؛ لأن شراء المرتد بمنزلة الشراء على أن المشتري بالخيار؛ لأنه توقف لمعنى من جهة المشتري وهو ردته.
ومن اشترى داراً على أن المشتري بالخيار كان للشفيع الشفعة أجاز المشتري البيع أو فسخ، وإن باع المرتد داراً ثم مات أو قتل على الردة، فلا شفعة للشفيع وإن أسلم فله الشفعة؛ لأن بيع المرتد بمنزلة البيع على أن البائع بالخيار.

ومن باع داراً بشرط الخيار إن أجاز البيع وجبت الشفعة وإن فسخه لا تجب كذا هاهنا عند أبي حنيفة، وإذا كان الشفيع مرتداً أو طلب الشفعة من القاضي، فالقاضي لا يقضي له بالشفعة حتى يسلم عند أبي حنيفة؛ لأن القضاء بالشفعة قضاء بالشراء، وشراء المرتد موقوف عند أبي حنيفة رحمه الله، بين أن ينفذ إذا أسلم، وبين أن يبطل إذا مات أو قتل على الردة، فمتى قضي له بالشفعة صار معرضاً قضاءه للإبطال، وعلى القاضي أن يصون قضاءه عن النقض والإبطال، وإن أبطل القاضي شفعته ثم أسلم بعد ذلك، فلا شفعة له؛ لأن قضاء القاضي قد نفذ لمصادفته محلاً مجتهداً فيه، فإن من العلماء من قال: لا شفعة للمرتد لا على الكافر ولا على المسلم وهو ابن شرمه.
ومنهم من قال: لا شفعة له على المسلم، وله شفعة على الكافر، وهو عثمان اليتي،

(7/314)


فهو معنى قولنا: إن قضاءه صادف محلاً مجتهداً فيه فنفذ، وإن أوقفها القاضي حتى ينظر ثم أسلم فهو على شفعته، وإذا كان الشفيع مرتداً فمات أو قتل على الردة أو لحق بدار الحرب فلا شفعة لوارثه؛ لأن وارثه لو استحق الشفعة إما أن يستحق بحكم الإرث ولا وجه إليه؛ لأن الملك للوارث إنما يثبت من حين يموت المرتد أو يلحق بدار الحرب ويقضي القاضي بلحوقه لامن وقت الردة والبيع كان قبل الموت فكان جوار الورثة حادثاً والشفعة لا تستحق بجوار حادث.
ولو كان المرتد لحق بدار الحرب، ثم بيعت الدار قبل قسمة ميراثه كان لورثته الشفعة؛ لأنهم ملكوا ماله من وقت اللحوق بدار الحرب والبيع كان بعد ذلك، فتبين أنه كان للورثة جوار لوقت البيع، فيستحقون الشفعة ابتداء بجوارهم لا بحكم الإرث.
إذا اشترى الحربي المستأمن داراً ولحق بدار الحرب، فالشفيع على شفعته متى لقيه؛ لأن لحاقه بدار الحرب كموته، وموت المشتري لا يبطل شفعة الشفيع، وإن كان الشفيع هو الحربي، فلا شفعة له متى لحق بدار الحرب؛ لأن موت الشفيع يوجب بطلان الشفعة.
وإن كان الشفيع مسلماً أو ذمياً فدخل دار الحرب إن لم يعلم بالبيع فهو على شفعته متى علم؛ لأن دخول المسلم أو الذمي دار الحرب ليس كموته بل هو بمنزلة الغيبة وغيبة الشفيع لا تبطل شفعته، وإن دخل وهو يعلم بالبيع فلم يطلب بطلت شفعته لترك الطلب.
وإذا اشترى المسلم داراً في دار الحرب وشفيعها مسلم، ثم أسلم أهل الدار، فلا شفعة للشفيع. يجب أن يعلم أن كل حكم لا يفتقر إلى قضاء القاضي لا يثبت ذلك الحكم في حق من كان من المسلمين في دار الحرب بمباشرة سبب ذلك الحكم في دار الحرب.

نظير الأول: جواز البيع والشراء (178أ3) وصحة الاستيلاء ونفاذ العتق ووجوب الصوم والصلاة، فإن هذه الأحكام كلها من أحكام الإسلام ويجري على كل من كان في دار الحرب من المسلمين؛ لأن أحكام هذه الحقوق لا يفتقر إلى القضاء.
ونظير الثاني: الزنى فإن المسلم إذا زنى في دار الحرب، ثم صار دار الإسلام لا يقام عليه الحد؛ لأن الزنى حال وجوده لم يوجب الحد؛ لأن ما هو المقصود من الحد الإقامة والإقامة إلى الإمام، وليس للإمام ولاية الإقامة في دار الحرب فلم يجب الحد لما كانت ولاية الإقامة فائته؛ إذا ثبت هذا فنقول: المقصود من حق الشفعة التملك وذلك يفتقر إلى قضاء القاضي؛ لأن المشتري عسى يرضى وعسى لا يرضى، وقضاء القاضي لا يجري على من كان في دار الحرب.

الفصل الثامن عشر: في الشفعة في المرض
إذا باع المريض داره بألفي درهم وقيمتها ثلاثة آلاف، ولا مال له غير الدار، ثم مات المريض وابنه شفيع الدار فلا شفعة له؛ هكذا ذكر في «الكتاب» ، وهذا الجواب لا

(7/315)


يشكل عندهم جميعاً، متى أراد الشفيع الأخذ بألفي درهم قبل إجازة الورثة؛ لأن المريض كما صار بائعاً من المشتري بإيجاب حقيقة الملك له ببدل صار بائعاً من الشفيع بإيجاب حق التملك له ببدل.
ولهذا قلنا: إن الشفيع لو أقال مع البائع بعد ما أخذ الدار من المشتري بالشفعة صحت إقالته؛ لأنه أقال مع بائعه، ولو باع من وارثه من كل وجه بألفي درهم لا يجوز إجازة الورثة عندهم لما فيه من الوصية للوارث كذا هذا.
فأما إذا أراد أن يأخذ بثلاثة آلاف درهم لا شك أن على قول أبي حنيفة لا يجوز بدون إجازة الورثة لما ذكرنا أنه صار بائعاً من الشفيع من وجه، ولو باع منه من كل وجه بثلاثة ألف درهم لا يجوز عند أبي حنيفة من غير إجازة الورثة فهاهنا كذلك.
وأما على قولهما: فقد ذكر في كتاب الشفعة و «الجامع» والوصايا في رواية أبي حفص والمأذون أنه لا يأخذها بالشفعة، وذكر في الوصايا في رواية أبي سليمان: أنه يأخذها، فمن مشايخنا من قال في المسألة روايتان.
وجه ما ذكر في عامة الروايات: أن الأخذ بثلاثة آلاف يخالف موضوع الشفعة أن الشفيع يأخذ بمثل الثمن الذي هو مضمون على المشتري والمضمون على المشتري ألفا درهم، فلا يجوز أن يأخذ بثلاثة ألف درهم.
وجه ما ذكر في رواية أبي سليمان: أن المريض صار بائعاً الدار من الوارث من وجه، فيعتبر بما لو باعه منه من كل وجه ولو باع منه بألفي درهم وقيمتها ثلاثة آلاف درهم كان له الأخذ بثلاثة آلاف درهم قبل إجازة الورثة كذا هاهنا.
ومن المشايخ من وفق بين الروايتين، وقال: ما ذكر في عامة الروايات محمول على ما إذا أراد الأخذ من المشتري؛ لأن الألف الزائد حينئذ تكون للمشتري؛ لأنه يملك من جهة المشتري فلهذه العهدة تكون على المشتري، فلا تزول المحاباة في حق الوارث؛ وما ذكر في الرواية الأخرى محمول على ما إذا أراد الأخذ من الورثة؛ لأن الألف الزائدة حينئذ تكون للورثة، فتزول المحاباة في حقهم.
وأما إذا أراد الأخذ بألفين بإجازة الورثة إن كان الأخذ من المشتري لا تعمل إجازتهم؛ لأن الشفيع بهذا الأخذ يصير متملكاً من جهة المشتري ومن جهة المريض فباعتبار التملك من المريض إن كانت تعمل إجازتهم، فباعتبار التملك من المشتري لا تعمل إجازتهم، فلا تصح إجارتهم بالشك، وإن كان الأخذ من الورثة تعمل إجارتهم، فإن شراء المشتري ينفسخ ويصير متملكاً على المريض من كل وجه فتعمل إجازتهم، هذا إذا كان المشتري أجنبياً، وإن كان المشتري وارثاً، فإن كان باعها بمثل قيمتها أو بأضعاف قيمتها لا شفعة للشفيع قبل إجازة الورثة عند أبي حنيفة خلافاً لهما، إن باعها بألفي درهم وقيمتها ثلاثة آلاف درهم لا شك أن على قول أبي حنيفة لا شفعة للشفيع.

وأما على قولهما: فقد ذكر في كتاب الشفعة أنه يأخذها بثلاثة آلاف درهم إن شاء؛ لأن الشفيع قائم مقام المشتري وهو الابن أن يزيل المحاباة ويأخذها بثلاثة آلاف إن شاء،

(7/316)


فكذا للشفيع، وذكر في موضع آخر: أنه لا شفعة للشفيع ههنا؛ لأن عندهما بيع المريض من وارثة إنما يصح، إذا لم تكن فيه وصية، وفي بيع المحاباة وصيتة ولا وصية للوارث، فكان البيع فاسداً ولا شفعة في البيع الفاسد، وبأن كان المشتري يتمكن من إزالة المفسد، فذاك لا يوجب الشفعة للشفيع.
كما لو اشترى بشرط أجلٍ فاسد، وعن أبي يوسف رحمه الله: أن للشفيع أن يأخذها بألفي درهم؛ لأنه يتقدم على المشتري شرعاً، فيجعل كأن البيع من المريض كان معه بألفي درهم.

المريض إذا باع داراً بألفي درهم وقيمتها ثلاثة آلاف، وشفيعها أجنبي فله أن يأخذها بالشفعة بألفي درهم؛ لأن المحاباة كانت بقدر الثلث، وذلك صحيح من المريض الأجنبي.
فإن قيل: كيف يأخذ الشفيع الدار بألفي درهم والوصية من المريض كانت للمشتري لا للشفيع، ولا يجوز تنفيذ الوصية له لغير الوصي له.
قلنا: الوصية ما حصلت مقصودة ههنا، إنما حصلت في ضمن البيع والشفيع قد تقدم على المشتري شرعاً في البيع، فكذا فيما هو متضمن البيع على (أنه) لما أوجب البيع للمشتري بما سمى مع علمه أن الشفيع يتمكن من الأخذ بمثل ما اشترى به المشتري، كان هذه وصية للمشتري إن سلم الشفيع الشفعة، وللشفيع أن يأخذ بالشفعة إذا باعها بألفين إلى أجل، وقيمتها ثلاثة آلاف درهم، فالأجل باطل؛ لأن المحاباة بالقدر استغرقت ثلث المال، فلا يمكن تنفيذ الوصية بالأجل في شيء ولكن يتخير المشتري بين أن يفسخ البيع، أو يؤدي الألفين حالة، ليصل إلى الورثة كمال حقهم وأي ذلك ما فعل، فللشفيع الشفعة يأخذها بألفي درهم حالة، وإن باعها بثلاثة آلاف درهم إلى سنة وقيمتها ألفا درهم، ثم مات أجمعوا على أن الأجل فيما زاد على الثلث باطل؛ لأنه بمنزلة المحاباة؛ لأنه براءة مؤقته، فتعتبر بالبراءة المؤبدة، لكن اختلفوا أنه يعتبر الأجل في الثلث باعتبار الثمن أو باعتبار القيمة، قال أبو يوسف: باعتبار الثمن، فيجعل ثلثي الثمن، وذلك ألفا درهم (178ب3) إن شاء والألف الثالثة إلى أجله، وقال محمد رحمه الله: باعتبار القيمة، فيجعل ثلثا القيمة، وذلك ألف وثلثمائة وثلاثة وثلثون وثلث إن شاء، والباقي عليه إلى أجله.
إذا باع المريض داراً وحابى وابنه شفيعها فبرئ من مرضه، فإن كان الوارث الشفيع علم بالبيع، وقد طلب وقت ما علم كان له أن يأخذ بالشفعة، وإن لم يطلب فلا شفعة له؛ لأنه ترك الطلب بغير عذر، أكثر ما فيه أنه لم يكن متمكناً من الأخذ وقت البيع لمرض البائع، لكن هذا لا يمنع سقوط الشفعة عند ترك الطلب، ألا ترى أن الجار إذا لم يطلب الشفعة بعد ما علم بالبيع لمكان الشريك، ثم سلم الشريك الشفعة، فلا شفعة للجار، وإن لم يكن متمكناً من الأخذ وقت البيع.

(7/317)


الفصل التاسع عشر: في وجوه الحيل في باب الشفعة
الحيل في هذا الباب نوعان:
نوع لإسقاطه بعد الوجوب، وذلك أن يقول المشتري للشفيع: أنا أبيعها منك بما أحدث، فلا فائدة لك في الأخذ، فيقول الشفيع: نعم أو يقول المشتري للشفيع اشتراه مني بما أحدث فيقول الشفيع: نعم، أو يقول: اشتريت، فبطل به شفعته وإنه مكروه، هكذا ذكر شيخ الإسلام في «شرحه» ، وذكر شمس الأئمة السرخسي في «شرحه» : أنه لا يكره إذا لم يكن قصد المشتري الإضرار بالشفيع.
ونوع لمنع وجوبه، وقد اختلف المشايخ فيه: بعضهم قالوا على قول أبي يوسف: لا يكره، وعلى قول محمد: يكره، وهذا القائل قاس فصل الشفعة على فصل الذكاة وفي كراهية الحيل لمنع وجوب الذكاة خلاف بين أبي يوسف ومحمد، ومنهم من قال: في الشفعة لا تكره الحيلة لمنع وجوبها بلا خلاف، وإنما الخلاف في فصل الذكاة فعلى قول هذا القائل يحتاج محمد إلى الفرق بين الشفعة وبين الذكاة.
وفي «المنتقى» : قال هشام: سألت عن محمداً عن رجل جعل بيتاً من داره هبة لرجل، ثم باع بقية الدار منه هرباً من الشفعة قال: كان أبو يوسف لا يرى بذلك بأساً، وأما محمد رحمه الله، فكرهه كراهة شديدة، ولم يحفظ عن أبي حنيفة شيئاً.
وفي «فتاوى الفضلي» : سئل أبو بكر بن أبي أسعد عن ذلك، فقال: بعد البيع مكروه في الأحوال كلها إن كان الجار فاسقاً يتأذى به، فلا يكره.

وقيل: يكره في جميع الأحوال، ثم بعض الحيل يرجع إلى منع وجوب الشفعة، وبعضها يرجع إلى تقليل الرغبة في الشفعة، أما التي ترجع إلى منع وجوبها: أن يهب البائع بيتاً معلوماً من الدار بطريقه أو موضعاً آخر معلوماً من الدار بطريقه فتجوز الهبة؛ لأن ما وهب مقرر معين، والطريق وإن كان مشاعاً إلا أنه لا يحتمل القسمة، وهبة المشاع فيما لا يحتمل القسمة جائز، فيصير شريكاً في الطريق ثم يبيع بقية الدار منه بثمن الكل، فيصير أولى بالجار، إلا أن هذه الحيلة تصلح لدفع الجار أما لا يصلح لدفع الشريك في الدار.

ومن جملة ذلك
أن يتصدق بطائفة معينة من الدار على المشتري بطريقها ويسلمها، ثم يبيع الباقي منه، فلا يكون للجار الشفعة.
ومن جملة ذلك: أن يهب من المشتري قدر ذراع من الجانب الذي هو متصل بملك الجار حتى يزول جواره عن باقي الدار، ثم يبيع الباقي منه.
ومن جملة ذلك: أن يستأجر صاحب الدار من المشتري ثوباً ليلبثه يوماً إلى الليل

(7/318)


بجزء من داره التي يريد بيعها ثم يصير حتى يمضي اليوم أو بشرط التعجيل حتى يملك ذلك الجزء للحال ثم يبيع الباقي منه فلا يكون للجار الشفعة في الجزء الأول؛ لأنه ملك بعقد الإجارة، ولا في الجزء الثاني؛ لأن المشتري في الدار وقت البيع والشريك يتقدم على الجار.
ومنها: أن يؤكل الشفيع ببيعها، فإذا باعها بطلت شفعته.
ومنها: أن يبيعها بشرط أن يضمن الشفيع الدرك أو يضمن الثمن للبائع، فإذا ضمن بطلت شفعته، ومنها أن يبيعها بشرط الخيار للشفيع ثلاثة أيام فلا شفعة له قبل إسقاط الخيار بطلت شفعته.

وأما التي يرجع إلى تعليل الرغبة أن يبيع عشر الدار من المشتري بتسعة أعشار الثمن ثم يبيع تسعة أعشار الدار بعشر الثمن، فلا يرغب المشتري في أخذ العشر لكثرة الثمن، ولا حق له في الباقي؛ لأن المشتري شريك وقت شراء الباقي، فلو أن المشتري في هذه الصورة خاف أنه لو اشترى العشر بتسعة أعشار الثمن لا يبيع الباقي بعشر من الثمن.
فالحيلة في ذلك: أن يشتري العشر على خيار ثلاثة أيام حتى لو أن البائع إن أبى بيع الباقي، فالمشتري ينقض البيع في العشر بحكم الخيار، فلو أن البائع خاف في هذه الصورة أنه إن باع الباقي بعشر الثمن يفسخ المشتري البيع في العشر الأول بحكم الخيار.
فالحيلة للبائع: أن يبيع الباقي بشرط الخيار لنفسه ثلاثة أيام يجيزان البيعين معاً، فإن خاف كل واحد منهما أنه إن أجاز لم يجز صاحبه.
فالحيلة في ذلك: أن يوكل كل واحد منهما وكيلاً بإجازة البيع، ويشترط أن يجيز بشرط أن يجيزان لم يجز صاحبه.
ومنها: أن يشتري الدار بثمن كثير ثم يعطي المشتري بذلك شيئاً من خلاف جنسه هو أقل قيمة منه، فإذا أراد الشفيع أن يأخذ يأخذ بذلك الثمن الكثير، فلا يرغب فيه لكثرة الثمن.
ومنها: وهو قريب مما تقدم: أنه إذا أراد أن يشتري داراً قيمتها عشرة آلاف درهم وعشرة ينبغي أن يشتريها بعشرين ألف درهم ويعطيه عشرة آلاف درهم وديناراً بعشرة، فإذا أراد الشفيع الأخذ يأخذ بعشرين ألف درهم؛ لأن الشراء وقع بهذا القدر، وإن استحق الدينار رجع على البائع بما أدى من الدراهم والدنانير فقط؛ لأنه لما استحق الدينار رجع على البائع بما أدى من الدراهم بطل الصرف؛ لأنه ظهر أن الثمن لم يكن عليه، فصار كمن اشترى من آخر ديناراً بعشرة عليه ثم تصادقا إنه لا دين عليه، فإنه يبطل الصرف ويرد الدينار كذا هاهنا.

ومنها: أن يبيع البناء من الدار من المشتري ليقلعه بثمن قليل ويبيع الساحة بثمن كثير فلا يجب للشفيع الشفعة في البناء، ويجب في الساحة ولكن لا يرغب في الساحة لكثرة الثمن.

(7/319)


ومنها: أن قيمة الدار إذا كانت ألفاً مثلاً يبيع مشتري الدار شيئاً من أعيان ما له قيمته ألف بألفين حتى يجب للمشتري بائع الدار ألفي درهم قيمة ذلك الشيء ثم يشتري المشتري الدار وقيمتها ألف بثمن ذلك الشيء ألفي درهم، فتقع المقاصة بين الثمنين، (179أ3) ويكون ثمن الدار ألفي درهم إذا أراد المشتري أخذ الدار يأخذها بألفي درهم فلا يرغب في أخذها.

الفصل العشرون: في المتفرقات
ذكر محمد رحمه الله في «الجامع الكبير» : أن الشفيع إذا باع بعض داره التي يستحق بها الشفعة مشاعاً غير مقسوم بعد بيع الدار المشفوعة لا تبطل به شفعته، في «الأصل» في هذه المسألة وأجناسها: أن الشفيع متى أحدث في الدار التي يستحق بها الشفعة حدثاً بعد البيع والطلب قبل الأخذ، وما لو أحدثه بعد البيع قبل الطلب أو قبل البيع منع الطلب ووجوب الشفعة منع الأخذ، وما لا يمنع الطلب ووجوب الشفعة لا يمنع الأخذ بالشفعة؛ إذ المقصود من الطلب الأخذ.
إذا ثبت هذا فنقول: بيع بعض الدار التي يستحق بها الشفعة مشاعاً قبل البيع أو بعد البيع قبل الطلب لا يمنع وجوب الشفعة، وطلبها لقيام الجوار في نقص الدار، فبعد البيع والطلب لا يمنع الأخذ، وكذلك إذا باع بعضها مقسوماً مما لا يلي جانب الدار المبيعة لا تبطل به شفعته.
وإن باع بعضها مقسوماً مما يلي الدار المبيعة تبطل به شفعته؛ لأن ما أحدث لو أحدثه قبل البيع أو بعد البيع قبل الطلب يمنع وجوب الشفعة، وطلبها زوال الجوار وقت البيع ووقت الطلب، فيمنع الأخذ بالشفعة.

داران طريقهما واحد، وأحد الدارين بين رجلين، والآخر لرجل خاصة باع صاحب الخاصة داره، فللآخرين الشفعة بالطريق، فإن اقتسما الدار المشترك وأصاب أحدهما بعض الدار مع كل الطريق الذي كان لهما وأصاب الآخر بعض الدار بلا طريق، وفتح الذي لا طريق له لنصيبه باباً إلى الطريق الأعظم، وهما جميعاً جاران للدار التي بيعت، فالذي صار الطريق له أحق بشفعتها؛ لأنه بقي في شركة الطريق، فإن سلم هو الشفعة أخذه الآخر بالجوار، ولا تبطل شفعته بسبب هذه القسمة؛ لأن هذه القسمة لو وجدت قبل البيع أو بعد البيع قبل الطلب لا تمنع وجوب الشفعة وطلبها الآخر؛ لأن الجار مع الخليط شفيع إلا أن الخليط مقدم على الجار فلا يمنع الأخذ بالشفعة أيضاً.
r
في «الأصل» : إذا بنى الشفيع في الدار التي أخذها بالشفعة بناءً، ثم استحقت الدار من يده رجع على الذي الدار منه بالثمن ولم يرجع بقيمة البناء، والمشتري إذا بنى ثم استحقت الدار من يده، فإنه يرجع بقيمة البناء كما يرجع بالثمن.

(7/320)


والفرق: أن رجوع المشتري بقيمة البناء من حيث إن البائع ضمن سلامة البناء للمشتري، وهذا المعنى لا يتأتى في حق الشفيع؛ لأن المأخوذ منه الدار لم يضمن له سلامة البناء؛ لأن الشفيع أخذ الدار على كره منه وضمان السلامة لا يثبت بدون الرضا.

وفي «المنتقى» : الحسن بن زياد عن أبي حنيفة رحمه الله: أن الشفيع إن كان أخذ الدار بقضاء لا يرجع بقيمة البناء على كل حال، وهو قول أبي يوسف رحمه الله أولاً، وكان أبو يوسف يرويه عن أبي حنيفة أيضاً، وروى ابن أبي مالك عن أبي يوسف: أنه يرجع بقيمة البناء على من أخذ الدار منه، وكتب عليه عهدته؛ لأنه بمنزلة البائع ويستوي فيه الحكم وغير الحكم.

في «الأصل» : رجل زعم أنه باع داره من فلان بكذا ولم يأخذ الثمن، فقال فلان: ما اشتريتها منك كان للشفيع أن يأخذها بالشفعة؛ لأن في زعم البائع أن البيع ثابت وصدقه الشفيع في ذلك، فكان للشفيع أن يأخذ للبائع في ذلك بزعمه، هذا إذا أقر أنه باع من فلان وفلان حاضر ينكر الشراء، فأما إذا كان غائباً فلا خصومة للشفيع مع البائع حتى يحضر المشتري؛ لأن الشراء من الغائب قد ثبت بتصديق البائع والشفيع، فيعتبر بما لو كان ثابتاً معاينة وغاب المشتري، فلا خصومة للشفيع مع البائع إلى أن يحضر المشتري؛ لأن الملك يستحق عليه، فلا بد من حضرته، فكذا ها هنا.
ذكر في أول باب طلب الشفعة، قال هشام: سألت محمداً عن رجل باع داراً إلى جنب رجل وهو شفيعها، والشفيع يزعم أن الدار المبيعة له، ويخاف أنه إن ادعى رقبتها تبطل شفعته، وإن ادعى الشفعة تبطل دعوى الرقبة، فكيف يصنع؟.
فأجاب، وقال: ينبغي له أن يقول: هذه الدار داري وأنا أدعي رقبتها، فإن وصلت إليها وإلا فأنا على شفعتي فيها، فإذا قال هذا لا يبطل شفعته بدعواه الرقبة.
وفي «النوازل» : دار بيعت وفيها لرجل هو شفيعها حق فأراد أن يطلب الشفعة على وجه لا تبطل دعواه ينبغي أن يقول: طلبت الشفعة إن لم يثبت لي فيها حق الذي ادعى فيها.
وفي «المنتقى» : في آخر باب طلب الشفعة: إذا باع الرجل داره فادعى رجل أنها داري وأنا أقيم البينة، فإن لم يزك بينتي فأنا آخذها بالشفعة؛ لأن داري لزيقها فلا شفعة له فيها من قبل أنه ادعى ملكها وزعم أنه لا شفعة له فيها.

وفيه أيضاً: رجل له دار غصبها غاصب، فبيعت دار بجنبها والغاصب والمشتري جاحدان الدار للشفيع ينبغي أن يطلب الشفعة حتى إذا أقام البينة على الملك يتبين أن الشفعة كانت ثابتة له، فطلب خاصم الغاصب إلى القاضي وأخبره عن صورة الأمر، فبعد ذلك قضى القاضي له بالدار وبالشفعة في الدار الأخرى، وإن لم يقم البينة فالقاضي يحلفهما جميعاً فبعد ذلك المسألة على وجوه: إن حلفا فالقاضي لا يقضي له بإحدى الدارين، وإن نكلا فالقاضي يقضي بالدارين، وإن حلف الغاصب ونكل المشتري لا يقضي له بالدار المغصوبة، ويقضي له بالشفعة، وإن حلف المشتري ونكل الغاصب يقضي

(7/321)


له بالدار المغصوبة، ويقضي له بالشفعة؛ لأن النكول إقرار وإقرار كل مقر حجة عليه خاصة.

ذكر هشام في «نوادره» : سمعت أبا يوسف يقول في رجل صالح رجلاً من دار ادعاها في يديه على مائة درهم وهو جاحد، فأقام الشفيع البينة أنها للذي ادعاها قال: يأخذها.
في «القدوري» : اشترى داراً ولها شفيع، فبيعت دار إلى جنب هذه الدار، فطالب بالشفعة، وقضى له ثم حضر الشفيع قضي له بالدار الأولى لجواره، ويمضي الحكم في الثانية للمشتري؛ لأنه كان جاراً له البيع والحكم له، فبطلان الجوار لا يبطل حكم الواقع كما لو باع المشفوع بها.
ولو كان الأول جاراً للدارين حكم له بالدار الأولى بالجوار وبنصف الدار الثانية؛ لأن الشفيع مع المشتري جاران للدار الثانية، وروي عن أبي يوسف رحمه الله فيمن اشترى نصف دار ثم اشترى آخر نصفها الأخرى، فخاصمه المشتري الأول فقضي له بالشفعة بالشركة ثم خاصمه جار (179ب3) في الشفيعين، فالجار أحق بالشراء الأول، ولا حق له في الثاني.

وكذلك لو اشترى نصفها ثم اشترى نصفها؛ لأنه شريك وقت شراء النصف الثاني، فكان أولى بالشفعة من الجار، ولو كان المشتري للنصف الثاني غير المشتري للنصف الأول، فلم يخاصمه فيه حتى أخذ الجار النصف الأول، فالجار أحق بالنصف الثاني؛ لأن ملك المشتري الأول قد بطل قبل الأخذ بالشفعة، فيبطل حقه في الشفعة.
ولو أن رجلاً ورث داراً فبيعت دار بجنبها فأخذها بالشفعة، ثم بيعت دار أخرى بجنب الدار الثانية، ثم استحقت الدار الموروثة وطلب المستحق الشفعة، فإنه يأخذ الدار الثانية ويكون الوارث أحق بالدار الثالثة، هكذا ذكر القدوري، ولم يذكر ما إذا لم يطالب المستحق الشفعة، وذكر في القدوري: أن الدار الثانية ترد على المقضي عليه بالشفعة يعني للذي كان اشتراها والدار الثالثة تترك في يد الذي هي في يديه.
في الباب الأول من شفعة «الجامع:» رجل اشترى داراً وقبضها فأراد الشفيع أخذها فقال المشتري: بعتها من فلان وخرجت من يدي، ثم أودعينها لم يصدق، وجعله خصماً للشفيع؛ لأن الشفيع ادعى لنفسه حقاً في هذه الدار وذو اليد أقر أنه كان خصماً له ثم ادعى أنه لم يبق خصماً له، فلا يصدق، فإن أقام البينة على ذلك لا تسمع بينته.
وكذلك لو قال: وهبتها لفلان وقبضها ثم أودعينها لا يقبل قوله، ولو أقام على ذلك بينة، فإن حضر المشتري في الفصل الأول والموهوب له في الفصل الثاني، وكان ذلك بعد قضاء القاضي للشفيع، وأقام البينة على الشراء أو على الهبة لا تسمع بينته، وكان القضاء بالشفعة نقضاً للشراء والهبة؛ لأن صاحب اليد صار مقضياً عليه، فكل من ادعى تلقي الملك من جهة صاحب اليد يصير مقضياً عليه، ألا ترى أنه لو كان مكان دعوى الشفعة دعوى الملك في هذه الدار وقضي القاضي بالملك للمدعي، ثم حضر المشتري والموهوب له وأقام البينة على الشراء والهبة لا يقبل بينته كذا ها هنا.

(7/322)


وفي الأبواب المتفرقة قبيل كتاب البيوع من «الجامع» : دار في يدي رجل يدعي أنه اشتراها من فلان ونقده الثمن والدار تعرف لفلان، وادعى فلان أنه وهبها للمدعي، وله أن يرجع في الهبة، فالقول قول فلان؛ لأن التمليك صدر من فلان باتفاقهما، فيكون القول قوله في بيان جهته، فإن لم يقض القاضي للواهب بالرجوع حتى حضر شفيع الدار، فهو أحق بالدار من الواهب؛ لأن صاحب اليد أقر بحق الشفعة للشفيع، وقد صح هذا الإقرار منه؛ لأن صاحب الدار أقر أنه ملك الدار من صاحب اليد، والتمليك تسليط على التصرف، وأن يضمن ذلك إبطال حق الواهب في الرجوع، فيصح الإقرار منه بثبوت حق التملك للشفيع أيضاً، فإن لم يحضر الشفيع قضى القاضي بالرجوع للواهب؛ لأن حقه ظاهر وحق الشفيع لم يظهر بعد فإذا قضي له بالرجوع، ثم حضر الشفيع نقض الرجوع، وردت الدار على الشفيع.
ولو كان صاحب اليد ادعى أنه اشتراها من فلان على أن فلاناً بالخيار ونقده الثمن، وادعى فلان الهبة والتسليم وحضر الشفيع أخذها بالشفعة وبطل الخيار.
وفي المسألة نوع إشكال؛ لأن صاحب اليد مع صاحب الدار اتفقا على أنه لا شفعة للشفيع؛ لأن صاحب الدار يدعي الهبة وصاحب اليد يدعي البيع بشرط الخيار للبائع.
قلنا: صاحب الدار لما أقر بالهبة والتسليم إلى صاحب الدار فقد أقر بثبوت الملك له، وإقراره بثبوت الملك إسقاط منه للخيار، وصاحب اليد مقر بالشراء، فتثبت الشفعة بإقرار صاحب اليد بالشراء عند سقوط خيار صاحب الدار.
في «الأصل» : إذا كانت الدار في يد البائع، وقضى القاضي للشفيع بالشفعة على البائع، وطلب الشفيع من البائع الإقالة فأقاله البائع فالإقالة جائزة، وتعود الدار إلى ملك البائع ولا تعود إلى ملك المشتري، ويجعل في حق المشتري كأن البائع اشترى الدار من الشفيع، وكذلك إذا كانت الدار في يد (البائع) وقضى القاضي بالدار للشفيع، فقبل أن يقبض الشفيع الدار من المشتري أقال مع البائع صحت الإقالة، وصارت الدار ملكاً للبائع في قول أبي حنيفة.
في «الأصل» أيضاً: إذا مات المشتري والشفيع حي، فللشفيع الشفعة، فإن كان على الميت دين لا تباع الدار في دينه وأخذها الشفيع بالشفعة، وإن تعلق بالدار حق الغريم والشفيع؛ لأن حق الشفيع آكد من حق الغريم، فإن حق الشفعة في الصورة والمعنى، وهو المالية وحق الغريم في المالية دون الصورة، فكان حق الشفيع مقدماً.
وفي «الأصل» أيضاً: إذا حط (180أ3) البائع عن المشتري بعض الثمن، فهذه المسألة على وجهين:

إما إن كان الحط قبل الثمن من المشتري أو بعده، فإن كان قبل قبض الثمن صح الحط في حق المشتري والشفيع حتى أن الشفيع يأخذ الدار بما وراء المحطوط؛ لأن حط البعض يلتحق بأصل العقد، فصار العقد القائم للحال عقداً بما وراء المحطوط، فيأخذه الشفيع بذلك.
وكذلك لو وهب بعض الثمن من المشتري أو أبرأه عن بعض الثمن؛ لأن الهبة والإبراء قبل القبض بمنزلة الحط.

(7/323)


وأما إذا حط الكل أو وهب الكل أو أبرأه عن الكل صح في حق المشتري؛ لأنه لاقى ديناً ولكن لا يظهر في حق الشفيع حتى يأخذ الشفيع الدار بجميع الثمن إن شاء؛ لأن هذا الحط لا يلتحق؛ لأنه لو التحق بطل من حيث صح؛ لأن العقد بغير ثمن باطلٌ فلا يكون المحطوط ثمناً، فلم يلتحق بأصل العقد، وبقي العقد في حق الشفيع بجميع الثمن كما كان قبل ذلك، وإن كانت هذه التصرفات بعد قبض البائع الثمن من المشتري.

فالجواب في الحط والهبة على ما ذكرنا قبل القبض إن حط البعض أو وهب البعض صح في حق المشتري والشفيع، ووجب على البائع رد مثل ذلك على المشتري وأخذه الشفيع بما وراء المحطوط والموهوب، وإن حط الكل أو وهب الكل يصح ذلك في حق المشتري، فلا يصح في حق الشفيع.
وأما الإبراء بعد القبض لا يصح لا في حق المشتري ولا في حق الشفيع، سواء كان الإبراء عن الكل أو عن البعض.
وفي المسألة نوع إشكال، فإن الثمن بعد القبض إن اعتبر قائماً في ذمة المشتري، فينبغي أن يصح الإبراء كما تصح الهبة والحط كما قبل القبض، وإن لم يعتبر قائماً ينبغي أن لا تصح الهبة والحط كما لا يصح الإبراء، والجواب: الثمن باق في ذمة المشتري بعد القبض؛ لأن البائع ما قبض عين حقه إلا أنه ليس للبائع ولاية المطالبة؛ لأن المشتري يطالبه بمثله، فلا يفيد فمطالبة المشتري مفيد؛ لأن البائع لا يطالبه بمثل ذلك؛ لأن المشتري قد يرى، فيجب على البائع رد مثل ما قبض بعد الحط والهبة، فأما الإبراء، فإنما لم يصح؛ لأن الثمن غير باق في ذمة المشتري ولكن؛ لأن الإبراء نوعان: إبراء لإسقاط الواجب، وإبراء بالاستيفاء.
ولهذا يقال: أبرأه براءة قبض واستيفاء، كما يقال: أبرأه براءة إسقاط، فإذا أطلق البراءة إطلاقاً انصرف ذلك إلى البراءة من حيث الاستيفاء؛ لأنه أقل وصار كأنه نص عليه، فقال: أبرأتك براءة قبض واستيفاء، وهناك لا يسقط الواجب عن ذمته ولا يلزم البائع رد شيء بخلاف الحط والهبة، فإنه نوع واحد وهو الحط والهبة، بطريق إسقاط الواجب.
ولهذا لا يقال: حططت ووهبت حط استيفاء، فكأنه نص عليه، ولو زاد المشتري في الثمن زيادة بعد العقد يأخذ الشفيع الدار بالثمن الأول، ولا تظهر الزيادة في حق الشفيع.

وفرق بين الزيادة وبين الحط، فإن الحط يظهر في حق الشفيع.
والفرق: أن الزيادة تتضمن إبطال حق الشفيع، فإنه يثبت للشفيع حق الأخذ بالثمن الأول؛ لأن لو صحت الزيادة في حق الشفيع لا يتمكن من الأخذ بالثمن الأول، فلم تصح الزيادة في حقه صيانة لحقه، أما الحط لا يتضمن إبطال حق على الشفيع بل فيه منفعة للشفيع؛ لأن بالحط يخرج بعض الثمن عن العقد، فلهذا افترقا.
في «فتاوى (أهل) سمرقند» : أن رجلاً اشترى من رجل أرضاً وقبضها، فجاء الشفيع

(7/324)


وطلب شفعتها، فسلمها المشتري إليه، ثم نقد المشتري البائع الثمن فوهب البائع منه من ذلك خمسة دراهم، وقد قبض المشتري من الشفيع جميع الثمن، فعلم الشفيع بالهبة، فليس له أن يسترد شيئاً.
ولو وهب البائع خمسة دراهم من المشتري قبل قبض الثمن كان للشفيع أن يسترد؛ لأن في الوجه الأول الهبة ليست بحط؛ لأنها هبة العين بخلاف الوجه الثاني.
في «المنتقي» : جل اشترى داراً من رجل بألف درهم وتقابضا، ثم زاده في الثمن ألفاً من غير أن يتناقضا البيع، ثم علم الشفيع بالألفين ولم يعلم بالألف، فأخذها الشفيع بألفين بحكم أو بغير حكم، فإن أخذها بحكم أبطله القاضي، ثم قضى له أن يأخذها بشفعته بالألف؛ لأنه كان قضاء له بغير ما وجبت به الشفعة، وإن أخذها بغير حكم، فهذا شراء ولا ينتقض، ولو كان المشتري حين اشتراها بألف وقبضها ناقصة البيع، ثم اشتراها بألفين، ثم علم الشفيع بالبيع بألف وأخذها بالشفعة بألفين بحكم أو بغير حكم، ثم علم بالبيع بألف لم يكن له أن ينتقض أخذه؛ لأنه أخذ بما قد كان وجب له أخذها به.
إذا باع الرجل داره وعبده التاجر شفيعها، فإن لم يكن عليه دين لا يأخذها، وإن كان عليه دين أخذها، وكذلك إذا كان البائع هو العبد والمولى شفيعها.
إذا اشترى الرجل أرضاً وزرع فيها زرعاً، ثم جاء الشفيع فله أن يأخذها ويقلع الزرع قياساً.

وفي الاستحسان: لا يأخذها في الحال، وتترك في يد المشتري إلى أن يستحصد الزرع؛ لأن المشتري محق في الزراعة من وجه، فإنه زرع في ملك نفسه، وكونه محقاً في الزراعة يمنع غيره عن قلع زرعه، ويتعدى في الزراعة من وجه من حيث إنه زرع فيما هو حق الغير، وإنه مطلق القلع لصاحب الحق، الآن لو اعتبرنا كونه محقاً لا يبطل حق الشفيع أصلاً بل يتأخر؛ لأن لإدراك الزرع غاية معلومة.
ولو اعتبرنا جانب كونه متعدياً يبطل حق المشتري في الزرع أصلاً، ولا شك أن التأخير أولى من الإبطال حتى لو كان مكان الزرع بناء أو غرساً أو رطبة يؤمر المشتري بقلع هذه الأشياء؛ إذ ليس لهذه الأشياء نهاية معلومة، والتأخير لا إلى غاية معلومة إبطال، فاستوى الجانبان في معنى الإبطال، فراعينا جانب الشفيع؛ لأنه ليس بمتعد أصلاً، والمشتري متعد من وجه، ثم إذا ترك الأرض في يد المشتري تترك بغير أجر.

وروي عن أبي يوسف: أنه تترك بأجر المثل، وكان أبو يوسف رحمه الله قاس هذا على ما إذا انقضت مدة الإجارة وفي الأرض زرع لم يستحصد بعد حتى ترك في يد المستأجر يترك بأجر المثل.
وفي ظاهر الرواية فرق بينهما؛ لأن المشتري مالك للرقبة وإيجاب الآخر على مالك الرقبة لا يستقيم، وفي فصل الإجارة يجب الأجر على غير مالك الرقبة وإنه مستقيم،

(7/325)


وكان الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن حامد يحكي عن الشيخ الإمام الزاهد أبي حفص الكبير رحمه الله: أنه كان يقول: يسلم المشتري الأرض إلى الشفيع ثم يستأجر منه مدة معلومة يعلم أن الزرع يدرك في مثله نظراً للشفيع والمشتري، وكان الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن حامد هذا يقول: ما قاله الشيخ لا يصح على قول محمد؛ لأن الأرض مشغولة بزرع رب الأرض فيمنع التسليم.

وإذا منع التسليم صار الشفيع مؤجراً الأرض قبل القبض، ومن مذهبه إن إجارة العقار قبل القبض لا تجوز، وإنما يصح هذا الجواب على قولهما؛ لأن عندهما إجارة العقار قبل القبض جائزة.

ومن هذا الجنس
في «فتاوى أبي الليث» وصورتها: رجلٌ أخذ أرضاً مزارعة وزرعها، فلما صار الزرع بقلاً اشترى المزارع الأرض مع نصيب رب الأرض من الزرع، ثم جاء الشفيع، فله الشفعة في الأرض وفي نصف الزرع، ولكن لا يأخذ حتى يدرك الزرع؛ لأن نصف الأرض مشغولة بنصيب (180ب3) المزارع ولم يجب فيها الشفعة، فكان المزارع أحق بها حتى يدرك.
في «المنتقى» : رجل اشترى داراً ولها شفيع، فقال الشفيع: أجزت البيع وأنا آخذ بالشفعة أو قال: سلمت المبيع، وأنا آخذ بالشفعة فهو على شفعته إذا وصل، وإذا فصل وسكت ثم قال: أنا آخذ بالشفعة، فلا شفعة له.
في «المنتقى» أيضاً عن محمد: رجل اشترى من آخر داراً وجاء شفيع الدار، وادعى أنه كان اشترى هذه الدار من البائع قبل شراء هذا المشتري، فأقر المشتري بذلك ودفع الدار إلى الشفيع ثم قدم شفيع آخر، وأنكر شراء الشفيع أخذ الدار كلها بالشفعة؛ لأن الأول لم يأخذها بالشفعة ولم يطلب شفعته، فبطلت شفعته لترك الطلب، ولو كان الشفيع حين أقر له المشتري بما أقر به كذبه في إقراره.
معنى المسألة: إذا قال المشتري للشفيع ابتداء: قد كنتَ اشتريت هذه الدار قبل شرائي فهي لك بشرائك قبلي، وقال الشفيع: ما اشتريتها وأنا آخذها بالشفعة، فأخذها الشفيع من المشتري ثم الشفيع الآخر فليس إلا نصفها.
في «الفتاوى» : سئل أبو بكر عمن له ضيعة عليها خراج كثير ومؤن لا يشتري بشيء، فباعها مع دار قيمتها ألف درهم بألف درهم، فجاء شفيع الدار بكم يأخذ الدار؟.

قال: سئل أبو نصر عن هذا، فلم يجب، قال الفقيه أبو الليث رحمه الله: وعندي أن الضيعة إذا كانت بحال يشتريها أخذها من أصحاب السلطان بشيء يقسم الألف على ما يشتري به الضيعة وعلى قيمة الدار، وإن كانت الضيعة لا يشتريها أحد قسمت الألف على قيمة الأرض في آخر الوقت التي ذهبت عنها رغبات الناس وعلى قيمة الدار؛ لأنه لا بد للقسمة من القيمة، فإذا لم يكن لها قيمة للحال يعتبر قيمتها في آخر الوقت الذي عنها رغبات الناس، ويمكن أن يقال على قياس أبي حنيفة يجعل الألف بمقابله الدار إذا لم يكن للضيعة قيمة أصلاً.

(7/326)


أصله: إذا تزوج امرأتين على ألف درهم إحداهما تحل له والأخرى لا تحل له.
رجل ادعى قبل رجل شفعة بالجوار والمشتري لا يرى الشفعة بالجوار، فأنكر شفعته يحلف بالله ما لهذا قبلك شفعة يحلف فيفوت حق المدعي.
في «فتاوى أبي الليث» : وفي هذا الموضع أيضاً: رجل اشترى داراً ولم يقبضها حتى بيعت دار أخرى بجنبها، فللمشتري الشفعة؛ لأنه ملكها بنفس الشراء، فيثبت له الجوار.

وفي هذا الموضع أيضاً: رجل طلب الشفعة في دار، فقال له المشتري: دفعتها إليك فهذا على وجهين:
الأول: إن علم الشفيع بالثمن، وفي هذا الوجه التسليم صحيح وصارت الدار ملكاً للشفيع؛ لأن المشتري ملكها منه وصح التمليك.
الوجه الثاني: إذا لم يعلم الشفيع بالثمن، وفي هذا الوجه لا يصير الدار ملكاً للشفيع، فهو على شفعته؛ لأن التمليك لم يصح.
وفي هذا الموضع أيضاً: رجلٌ أسلم داراً في مائة قفيز حنطة وسلم، فجاء الشفيع فله الشفعة؛ لأنها ملكت بعقد المعاوضة، ولو لم يسلم الدار حتى افترقا بطل السلم لمكان الافتراق، ولا شفعة للشفيع؛ لأن هذا ليس بعقد، وإن لم يفترقا حتى تناقضا السلم ثم افترقا كان للشفيع الشفعة؛ لأن الإقالة عقد جديد في حق الثالث.

في «الجامع» : رجل في يديه دار جاء رجل وادعى شفيعها، وقال للذي في يديه الدار: اشتريتها من فلان وصدقه البائع في ذلك، وقال الذي في يديه الدار: ورثتها عن أبي، فأقام الشفيع البينة أنها كانت لأب البائع مات وترك ميراثاً للبائع، ولم يقم البينة على البيع، فالقاضي يقول للذي في يديه: إن شئت فصدق الشفيع وآخذ منه الثمن وتكون العهدة عليك وإن أبى ذلك أخذ الشفيع الدار ودفع الثمن ويرد البائع الثمن على المشتري والعهدة على البائع، وإنما قبلت بينة الشفيع على إثبات الملك للبائع؛ لأن الملك للبائع سبب ثبوت حقه في الشفعة.
ألا ترى أنه لو ادعى أن هذه الدار ملكه اشتراها من فلان، وفلان يملكه وقال ذو اليد: ورثتها عن أبي، فأقام المدعي بينة أن الدار كانت لأب البائع مات وتركها ميراثاً للبائع والبائع مقر بالبيع، وقبض الثمن من المدعي تقبل بينة المدعي، وإنما تقبل لما قلنا.
وإذا قبلت بينته صار الثابت بها كالثابت عياناً، ولو عاينا أن الدار ملك البائع والبائع يقول بعتها من فلان من ذي اليد بكذا وقبضت منه الثمن كان القول قوله.
وصارت مسألتنا دار مملوكة لإنسان في يد رجل أقر صاحب الدار بيعها من صاحب اليد وقبض الثمن منه، وأنكر صاحب اليد الشراء جاء شفيع الدار وطلب الشفعة وهناك يقال لصاحب اليد: إن شئت فصدق البائع في دعوى البيع حتى يأخذها الشفيع منك، وتكون العهدة عليك، وإن شئت فكذب البائع ورد الدار على البائع حتى يأخذها الشفيع منه وتكون العهدة عليه كذا ههنا، وكذلك لو قال الذي في يديه: وهبها لي فلان، وقال

(7/327)


الشفيع: اشتريتها من فلان وصدق البائع الشفيع فهو على ما وصفت لك.Y

وفيه أيضاً: رجل اشترى داراً بعبد فلم يتقابضا حتى اعور العبد ورضي المشتري بالقيمة أو اختار تركه كان للشفيع أن يأخذ الدار بالشفعة، أما إذا رضي به المشتري فظاهر، وأما إذا تركه؛ فلأن العقد، وإن انفسخ من كل وجه بالرد بالعيب قبل القبض إلا أن حق الشفيع لا يبطل بانفساخ البيع على ما مر، ويأخذها بقيمة العبد صحيحاً، وكان ينبغي أن يأخذها بقيمة العبد معيباً؛ لأن بائع الدار لما رضي بالعبد مع العيب، فقال: حط عن مشتري الدار بعض ثمنها وما يحط عن المشتري يحط عن الشفيع.
قلنا: هذا هكذا إذا كان ما حط على المشتري متبوعاً وأصلاً بنفسه؛ لأنه حينئذ يلتحق بأصل العقد ويجعل كالموجود لذا العقد، إما إذا كان بيعاً ووصفاً من أوصاف الثمن لا يحط عن الشفيع ما حط عن المشتري.
ألا ترى أن من اشترى داراً بألف درهم جياد ونقد ألف درهم زيوف وتجوز به البائع، ثم حضر الشفيع أخذ الدار بألف درهم جياد.
وطريقة ما قلنا: خيار الرؤية يثبت للشفيع بدون الشرط، وكذلك خيار العيب، وخيار الشرط لا يثبت له بدون الشرط حتى أن من اشترى داراً وشرط الخيار لنفسه، فأخذها الشفيع فلا خيار له؛ وهذا لأن الأخذ بالشفعة شراء حكماً، فيعتبر بالشراء حقيقة.
ولو اشتراها الشفيع حقيقة يثبت له خيار الرؤية، وخيار العيب من غير شرط، ولا يثبت خيار الشرط إلا بالشرط، فكذا إذا اشتراها حكماً رجل اشترى داراً لم يرها، فبيعت داراً بجنبها فأخذها بالشفعة لم يبطل خياره بخلاف خيار الشرط؛ وهذا لأنه لو بطل خياره إنما يبطل من حيث إن ما فعل دليل الرضا، إلا أن دليل الرضا لا يربوا على صريح الرضا، وبصريح الرضا قبل الرؤية لا يبطل خيار الرؤية، فبدليل الرضا أولى، هذا إذا كان الأخذ بالشفعة قبل رؤية الدار المشتراة، أما إذا كان بعدها يبطل خيار الرؤية؛ لأن هذا دليل الرضا وبصريح الرضا بعد الرؤية يبطل خيار الرؤية، فكذا بدليل الرضا.

في شرح الطحاوي في «الأصل» : اشترى داراً وهو شفيعها ولها شفيع غائب يصدق الشفيع يثبت منها، وطريقه على رجل، ثم باع ما بقي منها ثم قدم الشفيع الغائب، فأراد أن ينقض صدقة المشتري وبيعه، فهذا على وجهين:
الأول: إذا باع ما بقي من الدار من المتصدق عليه، وفي هذا الوجه ليس له أن ينقض صدقته في الكل إنما ينقض في النصف؛ لأن الدار مشترك بيت المشتري وبين الغائب بحق الشفعة فيعتبر بما لو كان مشتركاً بينهما بحقيقة الملك، ولو كانت مشتركة بينهما بحقيقة الملك باع أحدهما موضعاً منها بعينه، أو تصدق على رجل ثم باع الباقي منه، لم يكن للشريك (181أ3) الآخر أن ينقض تصرفه في الكل، وإنما ينقض في النصف كذا هنا.
الوجه الثاني: إذا باع باقي الدار من رجل آخر كان للغائب أن ينقض تصرفه في الكل، ألا ترى أنها لو كانت مشتركة بينهما شركة ملك، فيصير أحدهما على هذا الوجه

(7/328)


كان للآخر أن ينقض تصرفه في الكل؛ لأنه يحتاج إلى أن يقسم مع اثنين، وربما يتفرق نصيبه، فيلحقه زيادة ضرر، ولا كذلك في الوجه الأول.
في «الأصل» أيضاً: تسليم الشفعة في البيع تسليم في الهبة، بشرط العوض حتى أن الشفيع إذا أخبر بالبيع، فسلم الشفعة، ثم تبين أنه لم يكن بيعاً، وكان هبة بالعوض، فلا شفعة له، وكذلك تسليم الشفعة في الهبة بشرط العوض تسليم في البيع، وهذا لما عرف أن الهبة بشرط العوض والبيع سواء، فكان التسليم في أحدهما تسليماً في الآخر.
في «فتاوى الفضلي» : رجل اشترى داراً وهو شفيعها بالجوار، وطلب جار آخر فيها الشفعة، فسلم المشتري الدار كلها إليه كان نصف الدار له بالشفعة والنصف بالشراء.

في «فتاوى أهل سمرقند» : أجمة بين اثنين ورثا عن أبيهما، ولا يعلم أحدهما بعينه أن له فيه نصيباً، فبيعت أجمة أخرى بجوار هذه، فلم يطلب هو الشفعة، فلما أخبر أن له فيها نصيب طلب الشفعة، فلا شفعة له؛ لأنه لم يطلب طلب المواثبه عند العلم بالبيع، والجهل ليس بعذر.
في «فتاوى الفضلي» : إذا قال المشتري للشفيع: رد علي الثمن ولك الشفعة، فهذا لا يكون تسليماً للدار والشفيع على شفعته؛ لأن قوله: ولك الشفعة، إن كان اختار أن له الشفعة فهو صادق في هذا الخبر وإن كان تسليماً معلقاً بأداء الثمن، فالتسليم على هذا الوجه لا يصح يعني التمليك.
فيه أيضاً: رجل له خمس منازل في زقاق غير نافذة باع هذه المنازل، وطلب الشفيع الشفعة في واحد من المنازل، فهذا على وجهين:
الأول: أن يطلب بحق الشركة في الطريق، وفي هذا الوجه ليس له ذلك؛ لأنه تفريق من غير ضرورة؛ لأن السبب عم الكل.
الوجه الثاني: أن يطلب الشفعة بحق الجوار، وجواره في هذا المنزل لا غير، وفي هذا الوجه له ذلك؛ لأن السبب خص هذا الواحد والله أعلم.
وبه ختم كتاب الشفعة، تم الدفتر الخامس من المحيط (181ب3) .

(7/329)