المحيط البرهاني في الفقه النعماني

محاضر وسجلات ردت بخلل فيها
ورد محضر فيه دعوى رجل زعم أنه وصي صغير من جهة أبيه ديناً لذلك الصغير على رجل، ورد المحضر بعلة أنه لم يذكر في المحضر أن الدين لهذا الصغير بأي سبب، ولا بد من بيان ذلك؛ لأن الدين إذا كان موروثاً، وللميت وارث سوى هذا الصغير، فإنما يصير الدين للصغير بالقسمة، وقسمة الدين باطلة، والشهود في شهاداتهم لم يشهدوا على موت الأب، وعلى الإيصاء إلى المدعي، ولا بد من ذلك.

ورد محضر في دعوى العقار للصغير بالإذن الحكمي

صورته: حضر وأحضر، فادعى هذا الذي حضر على هذا الذي أحضره معه بالإذن الحكمي أن الدار التي في يد هذا الذي أحضره معه، حدودها كذا ملك فلان الصغير بسبب أنها كانت ملك والد هذا الصغير فلان المسمى في المحضر، اشتراها لابنه الصغير المسمى في هذا المحضر بمال الصغير من نفسه بولاية الأبوة بثمن معلوم هو مثل قيمة الدار، واليوم هذه الدار المحدودة ملك هذا الصغير بهذا السبب المذكور فيه، وفي يد هذا الذي أحضره بغير حق، فواجب عليه تسليمها إلى هذا الذي حضر ليقبضها لهذا الصغير المسمى في هذا المحضر، فرد المحضر بعلة أنه لم يكن فيه أن الإذن الحكمي لهذا المدعي من جهة هذا القاضي، أو من جهة قاضٍ آخر، وعلى تقدير الإذن من جهة قاضٍ آخر لابد من إثبات الإذن الحكمي عند هذا القاضي يسمع خصومته، ولأنه لم يذكر في المحضر أن المدعي مأذون في القبض، إنما المذكور فيه أن المدعي ادعى بالإذن الحكمي، ولعل أنه كان مأذوناً بالدعوى والخصومة دون القبض.
H
وعلى تقدير أن لا يكون مأذوناً بالقبض لا يكون له حق القبض عند زفر؛ لأن المأذون بالدعوى والخصومة بمنزلة الوكيل بالخصومة، والوكيل بالخصومة لا يملك القبض عند زفر وعليه الفتوى، فلا بد من ذكر كونه مأذوناً بالقبض، وذكر ما يدل عليه من كونه وصياً، فإن الإيصاء يثبت ولاية القبض، ولأنه لم يذكر في المحضر أن الثمن مثل المعقود عليه وقت العقد، ولا بد لصحة هذا العقد من كون الثمن مثل المعقود عليه وقت العقد.

محضر في دعوى المرأة الميراث على وارث الزوج للميت، ودعوى الوارث الصلح عليها
رجل مات وترك ابناً وامرأة، فحضرت المرأة مجلس القاضي، وأحضر (ت) ابن الزوج معها، وطلب (ت) منه ميراثها، فادعى الابن أنها صالحته من جميع نصيبها من ميراث أبيه، وعن جميع دعاويها على كذا وكذا، وإنه قبل الصلح عن نفسه بالأصالة، وعن أخيه الصغير بالإذن الحكمي، وهذا الصلح كان خيراً للصغير، وقد قبضت بدل الصلح، ولم

(9/491)


يبق لها في تركة الزوج حق، وهي في هذه الدعاوى مبطلة، فرد المحضر بعلة أنه ليس في المحضر بيان التركة، ويجوز أن يكون في التركة ديون، وعلى هذا التقدير لا يصح الصلح إلا باستثناء الدين عن الصلح.
ولو لم يكن في التركة من جنس بدل الصلح من النقد مقدار ما يصيبها من الميراث من ذلك قدر بدل الصلح، أو زائداً عليه، وعند ذلك لا يجوز الصلح لمكان الربا، وإن لم يكن في التركة من جنس بدل الصلح يجوز أن يكون فيها من خلاف جنس بدل الصلح من النقد، وعند ذلك يشترط قبض بدل الصلح من النقد، وعند ذلك يشترط قبض بدل الصلح في المجلس، ولم يكن في المحضر ذكر قبض بدل الصلح في المجلس.
وكان الفقيه أبو جعفر رحمه الله يقول بجواز هذا الصلح، ويقول بجواز أن لا يكون في التركة دين، ويجوز أن لا يكون في التركة من جنس بدل الصلح، أو إن كان يجوز أن لا يكون نصيبها من ذلك مثل بدل الصلح أو أقل، بل يكون أزيد، ويجوز أن لا يكون في التركة شيء من نقد آخر، فما ذكروا كلها وهم هو، بالوهم لا يمكن إبطال الصلح.

محضر في دعوى تجهيل الوديعة
حضر وأحضر، فادعى هذا الذي حضر على هذا الذي أحضره أني دفعت إلى أب هذا الذي أحضرته فلان صرة مسدودة مكتوب عليها: توكلت على الله بضاعة إبراهيم الحاجي، وفيها خمسة أعداد من اللعل البد خشاني وزن كل واحد سبعة دراهم، وقيل: وكل كذا، وإن أب هذا الذي أحضرته فلان قبض ذلك كله مني قبضاً صحيحاً، وتوفي قبل رد ذلك إلى التجهيل لها من غير بيان، وصارت قيمة ذلك ديناً في تركته لي، وشهد الشهود بذلك، فرد المحضر بعلة أن المدعي في دعواه، والشهود في شهادتهم أثبتوا قيمة هذه الأشياء يوم التجهيل؛ لأن سبب الضمان في مثل هذا الموضع التجهيل، فيراعي القيمة يوم التجهيل.
قلت: وقد ذكر محمد في كفالته: لو أن رجلاً أودع رجلاً عبداً، وجحده المودع، ومات في يده، ثم أقام المودع بينته على الإيداع، وعلى قيمته يوم الجحود، قضي على المودع بقيمته يوم الجحود.
ولو قالوا: لا نعلم قيمته يوم الجحود، ولكن علمنا قيمته يوم الإيداع، وهو كذا قضى القاضي على المودع بقيمته يوم القبض بحكم الإيداع، وهذا لأن سبب الضمان على المودع في فصل الجحود الجحود، إذا علم قيمة الوديعة يوم الجحود، وإذا لم يعلم قيمته يوم الجحود، وعلم قيمته يوم الإيداع، فسبب الضمان في حقه القبض بحكم الإيداع؛ وهذا لأن الضمان إنما يجب على المودع بالجحود والقبض السابق، فإنه لو جحد الوديعة، وقال: لا وديعة لك عندي، وكان الأمر كذلك بأن لم يكن قبضها لا يجب الضمان، وإذا كان قبضها، ولم يجحد لا يجب الضمان أيضاً، قلنا: والجحود آخرهما

(9/492)


وجوداً، فيحال بالضمان عليه، فجعلنا سبب الضمان في حقه الجحود، وأوجبنا قيمته يوم الجحود.
وإذا لم يشهدوا بقيمته يوم الجحود، وشهدوا بقيمته يوم الإيداع تعذر إحالة الضمان على الجحود، فأحلناه على القبض السابق، وجعلنا سبب الضمان في حقه القبض السابق، وأوجبنا قيمته يوم القبض السابق.

وإن قال الشهود: لا نعلم قيمته أصلاً لا يوم الجحود، ولا يوم الإيداع، فإنما يقضي عليه بما يقر من قيمته يوم الغصب، فعلى قياس هذه المسألة ينبغي أن يقال في مسألة التجهيل: إذا لم يشهد الشهود بقيمة البضاعة يوم التجهيل، وشهدوا بقيمتها يوم الإيضاع أن يقضي بقيمتها يوم الإيضاع.
وإن قالوا: لا نعرف قيمتها أصلاً يقضى بما يقر من قيمتها يوم التجهيل، وهو الصحيح.
سجل لم يكتب في آخره: وحكمت بكذا في مجلس قضائي بكورة كذا تركوا ذكر الكورة، فرد السجل بعلة أن المصر شرط نفاذ القضاء في ظاهر الرواية.

قالوا: ليس أنه كتب في أول السجل حضر مجلس قضائي في كورة كذا قبل هذا حكاية أول الدعوى، ويجوز أن تكون الدعوة في الكورة، والحكم والقضاء بكورة خارج الكورة، فلابد من ذكر الكورة عند الحكم والقضاء لقطع هذا الاحتمال، ولكن هذا الطعن عندي فاسد؛ لأن على رواية «النوادر» المصر ليس شرط نفاذ القضاء، فإذا قضى القاضي بشيء خارج المصر كان قضاؤه في فصل مجتهد فيه، فينفذ قضاؤه، ويصح سجله، ويصير مجمعاً عليه.

سجل ورد من قاضي كتب في آخره
يقول فلان: كتب هذا السجل علي بأمري ومضمونه حكمي، فأخذوا عليه، وقالوا: قوله مضمونه حكمي كذب وخطأ؛ لأن مضمون السجل أشياء التسمية، وحكاية دعوى المدعي، وإنكار المدعى عليه، وشهادة الشهود، وكل ذلك ليس حكم القاضي، وإنما حكم القاضي بعض مضمون السجل، فينبغي أن يكتب: وفي مضمونه حكمي، أو يكتب: والحكم المذكور فيه حكمي، أو يكتب: والقضاء المذكور فيه قضائي نفذته لاحت عندي.

ورد محضر في دعوى الدنانير الملكية رأس مال الشركة

صورتها: حضر وأحضر، فادعى هذا الذي حضر على هذا الذي أحضره أن هذا الذي حضر مع هذا الذي أحضر اشتركا شركة عنان على أن يكون رأس مال كل واحد منهما كذا كذا عدلياً (266أ4) من ضرب كذا على أن يبيعا ويشتريا جملة، وعلى الانفراد ما بدا لهما، ولكل واحد منهما من الأمتعة والأقمشة، وأحضر كل واحد رأس ماله، وخلطاه وجعلناه في يد هذا الذي أحضره معه اشترى بهذه العدليات التي هي رأس

(9/493)


مال الشركة كلها، كذلك من الكرابيس، ثم باعها بكذا من الدنانير الملكية الموزونة بوزن مكية، فواجب عليه أداء حصته من الدنانير الملكية وذلك كذا، وهي قائمة بعينها في يده يطالبه بذلك، وسأل مسألته، فرد المحضر بعلة أن الدعوى وقع في الدنانير الملكية؛ لأن الدعوى وقع في ثمن الكربيس، وثمن الكربيس الدنانير الملكية، والدنانير الملكية نقلية، والدعوى في النقليات، والبينة حال غيبتها.
لا تسمع وهذا ليس بصواب عندنا، ولا يجوز رد المحضر بهذه العلة؛ لأن الإحضار في المنقول إنما يشترط للإشارة إليه، وفي الدنانير وما أشبهها الإشارة؛ لأن البعض يشبه البعض بحيث لا يمكن التمييز والفصل.
ثم هذا العقد لم يصح شركه عند أبي حنيفة وأبي يوسف في المشهور من قولهما؛ لأن العدلي الذي في زماننا بمنزلة الفلوس، والفلوس لا تصلح رأس مال الشركة في المشهور من قولهما، فبعد ذلك ننظر إن كان دافع العدليات قال لشريكه يوم دفع العدليات إليه اشتراها وقع مرة بعد مرة، فإذا اشترى الشريك بالعدليات الكرابيس، وباع الكرابيس بالملكي، واشترى بالملكي شيئاً بعد ذلك، وباعه هكذا مرة بعد مرة، فجميع البياعات نافذة، والمشترى في كل مرة مشترك بينهما، والثمن في كل مرة مع الربح كذلك؛ لأن هذه التصرفات إن لم تنفذ على الدافع بحكم الشركة؛ لأن الشركة لم تصح، نفدت بحكم الوكالة والأمر.

المحيط البرهانى
وإن كان الدافع قال لشريكه: اشتر هذه العدليات، ولم يقل مرة بعد أخرى، فإذا اشترى بها الكربيس، ثم باع الكربيس انتهت الوكالة بها فيها، ووجب على الشريك دفع الملكيات إلى الدافع بقدر حصة رأس المال مع حصته من الربح، فإذا اشترى بعد ذلك يصير مشترياً لنفسه، فإذا نقد الثمن من الملكي صار غاصباً لحصة الدافع من الملكي، فيصير ضامناً له ذلك القدر.

محضر فيه دعوى الوصية بثلث المال
صورته: ادعى هذا الذي حضر على هذا الذي أحضره معه أن أب هذا الذي أحضره معه أوصى لهذا الرجل الذي حضر بثلث جميع ماله في حياته وصحته، وثبات عقله وصية صحيحة، وإن هذا الذي حضر قبل منه هذه الوصاية بعد موت أب هذا الذي أحضره معه قبولاً صحيحاً، وصار ثلث جميع تركة أب هذا الذي أحضره لهذا الذي حضر بحكم هذه الوصية، وفي يد هذا الذي أحضره معه من تركة أبيه كذا وكذا، فعليه تسليم ثلث ذلك إلى هذا الذي حضر ليقبضه بحكم هذه الوصية ليقبضه.
فرد المحضر بعلة أنه لم يكن في المحضر: أوصى في حال جواز تصرفاته ونفاذها، إنما كان فيه: أوصى في حياته وصحته، وثبات عقله، وليس من ضرورة كونه صحيحاً ثابت العقل أن تصح وصيته، فإنه لو كان مجحوراً عليه على قول من يرى الحجر لا تصح وصيته.
وقد ذكر في كتاب الحجر: أن السفيه المبذر لماله إذا أوصى بوصايا، فالقياس: أن

(9/494)


لا تجوز وصاياه. وفي الاستحسان: تجوز من وصاياه ما وافق وصايا أهل الصلاح، ولا يعدون ذلك سرفاً من الموصي، ولا يستفحشونها فيما بينهم، وكذلك لم يكن في المحضر: أوصى لها طائعاً، ولا بد من ذكر الطواعية، فإن وصية المكره لا تصح، وزعم بعض مشايخنا علة أخرى لدفع المحضر، وهو ترك ذكر حرية الموصى في المحضر، وهذا وهم؛ لأن الحرية صارت مستفادة من قوله: أوصى له بثلث ماله.

محضر فيه دعوى الكفالة
صورته: ادعى هذا الذي حضر على هذا الذي أحضره أنه كفل لي بنفس فلان على أنه متى لم يسلمه إلى يوم كذا، فهو كفيل بالمال الذي لي عليه، وذلك ألف درهم مثلاً، وإني قد أجزت كفالته، ثم إنه لم يسلم نفس فلان إلي في ذلك اليوم الذي عينه؛ ليسلم النفس فيه، وصار كفيلاً بالمال الذي لي عليه، وذلك ألف، وطالبه في ذلك، وسأل مسألته، فرد المحضر بعلة أنه لم يكن في المحضر ذكر الألف التي ادعى الكفالة بها أنها ما هي، ولا بد من بيان ذلك؛ لأن من الأموال ما لا تصح الكفالة به كبدل الكتابة، والدية، وأشباه ذلك، فلا بد من بيان الألف أنها ماذا؟ حتى ننظر أنه هل تصح الكفالة؟ وإن دعوى الكفالة هل منه مسموع أم لا؟ وعلة أخرى أنه لم يكن في المحضر أنه أجاز الكفالة في مجلس الكفالة، ولا بد من إجازة الكفالة في مجلس الكفالة، فإن من كفل لغائب، ولم يقبل عنه في مجلس الكفالة، ولا خاطب عنه أجنبي في مجلس الكفالة، فبلغ الغائب ذلك، وأجاز لا تصح الكفالة عند أبي حنيفة، ومحمد، وهو قول أبي يوسف الأول.
وبعض مشايخنا قالوا: دعوى إجازة الكفالة ليس بشرط، ودعوى الكفالة يتضمن دعوى الإجازة كما أن دعوى البيع يتضمن دعوى الشراء، ثم على قول من يقول بأن دعوى الإجازة شرط يشترط دعوى الإجارة في مجلس الكفالة.
ولو قال: أجزت الكفالة في مجلس، ولم يقل: في مجلس الكفالة، وذلك لا يكفي، فلعل المكفول له لم يجز الكفالة حتى قام الكفيل عن المجلس، وذهب ثم أجاز، فذلك إجازة في مجلس المكفول له، إلا أنها ليست بمعتبرة بالإجماع.
ولو ادعى الكفالة مرة، ولم يدع الإجازة، ثم ادعى الكفالة مرة أخرى، وادعى الإجازة في مجلس الضمان كان ذلك صحيحاً.

محضر في دعوى المهر بحكم الضمان
صورته: امرأة ادعت على رجل أنها كانت منكوحة فلان، تزوجها على ألف درهم نكاحاً صحيحاً، وهذا الرجل ضمن لي جميع المهر ضماناً صحيحاً، وقد أجزت ضمانه في مجلس الضمان، ثم إني صرت محرمة على زوجي فلان حرمة غليظة، وصار مهري على زوجي فلان، وعلى هذا الضمان ضمن المهر لي عنه حالاً، فواجب عليه أداء جميع مهري، وذلك ألف درهم، وطالبه في ذلك، وسألت مسألته، فرد المحضر بعلة أنها لم

(9/495)


يتيقن سبب الحرمة أنها بأي سبب حرمت عليه.
وأسباب الحرمة نوعان: متفق عليه، ومختلف فيه، ولعل أنها زعمت الحرمة بسبب مختلف فيه، ويكون عند المفتي والقاضي بخلاف ما زعمت، ولأن الحرمة الغليظة قد تكون بمعنى من جهتها، وإنها توجب سقوط جميع الصدقات من الزوج والكفيل جميعاً إذا كان قبل الدخول بها، وقد يكون بمعنى من جهة الزوج، وإنها توجب سقوط نصف الصداق عن الزوج والكفيل إذا كان قبل الدخول بها، وهي لم تبين أن الحرمة كانت لمعنى من الزوج، أو من جهة المرأة قبل الدخول بها، أو بعد الدخول، ولا تستقيم دعوى جميع المهر على الكفيل من غير بيان.

محضر فيه دعوى الكفالة بشيء من الصداق معلقة بوقوع الفرقة
صورته: امرأة ادعت على رجل أنك كفلت لي عن زوجي فلان بدينار أحمر جيد من صداقي الذي كان لي على زوجي فلان كفالة معلقة بوقوع (266ب4) الفرقة بيننا، وقد أجزت ضمانك في مجلس الضمان، وقد وقعت الفرقة بيني وبين الزوج بسبب أن الزوج جعل أمري بيدي على أنه متى غاب عني شهراً، فأنا أطلق نفسي تطليقة بائنة متى شئت، وقد غاب عني شهراً من تاريخ الأمر، وطلقت نفسي بحكم ذلك الأمر، وصرت كفيلاً لي بدينار من صداقي، وواجب عليك أداء الدنانير إلي، وأقامت البينة على جميع ذلك، فأفتوا بصحة المحضر، وقالوا: تقبل بينتها، وبالقضاء على الكفيل بالدينار.

قالوا: ويكون ذلك قضاءً على الزوج بالفرقة؛ لأنها ادعت على الكفيل أمراً لا يتوصل إليه إلا بإثبات أمر آخر على الزوج، وهو جعل الأمر بيدها، وتطليقها نفسها بحكم ذلك الأمر عند تحقق شرطه، فينصب الكفيل خصماً عن الزوج في ذلك، وهذا أصل ممهد في قواعد الشرع، ولكن هذا مشكل عندي؛ لأن المدعي ببيان الفرقة على الغائب، والمال على الحاضر، والمدعي على الغائب ليس بسبب لثبوت المدعي على الحاضر بل هو شرطه، وفي مثل هذا لا ينتصب الحاضر خصماً عن الغائب، عليه عامة المشايخ، فينبغي أن يقضى بالمال، ولا يقضى بالفرقة على الزوج.

محضر في دعوى ملكية الأرض على رجل في يده بعض ملك
وصورته: رجل ادعى على رجل أرضاً في يديه أنها ملكه، وفي يد هذا المدعى عليه بغير حق، وأقام المدعي البينة على دعواه بعد إنكار المدعى عليه دعواه، وقضى القاضي للمدعي بالأرض كما هو الرسم، ثم ظهر أن الأرض المدعى بها كانت في يد المدعى عليه، وفي يد رجل آخر.
فقيل: المسألة على وجهين:
إن ظهر ذلك بإقرار المدعي ظهر ببطلان القضاء؛ لأن المدعي بإقراره أكذب شهوده في بعض ما شهدوا به بعد القضاء، وتكذيب المدعي شهوده في بعض ما شهدوا بعد القضاء يوجب بطلان القضاء على ما عليه إشارات «الأصل» و «الجامع» ، فأما إذا أراد المدعى عليه أن يقيم البينة على أن الدار المدعى به كان في

(9/496)


يدي، وفي يد فلان وقت الدعوى، لا تقبل بينته؛ لأن بينته على كون المدعى به في يده بعدما ثبت ذلك ببينة المدعي، فلا تقبل بينته، ولا يظهر معنى بطلان القضاء.

محضر فيه دعوى عشرة أسهم من عشرين سهماً من أرض رجل، ولم يشهد الشهود أن جميع الأرض في يد المدعى عليه
صورته: حضر وأحضر، فادعى هذا الذي حضر على هذا الذي أحضره معه أن جميع عشرة أسهم من عشرين سهماً من الأراضي التي في موضع كذا، حدها الأول والثاني والثالث، والرابع كذا ملكي، وحقي وفي يد هذا الذي أحضرته بغير حق، وشهد الشهود بذلك، فاختلفت أجوبة المفتين في ذلك، بعضهم أجابوا بفساد المحضر بعلة أن المدعي في دعواه والشهود في شهادتهم لم يذكروا أن جميع الأرض في يد المدعى عليه، وما لم يثبت كون الأرض في يده، لا يثبت كون بعض الأرض في يده، وبعضهم أفتوا بصحة المحضر، وليس من شرط إثبات اليد على بعض الشيء شائعاً إثباتها على جميع ذلك الشيء، فالقول الأول: يشير إلى أن غصب نصف العين لا يتصور، وهكذا ذكر ركن الدين أبو الفضل في «إشاراته» ، وهكذا ذكر الصدر الشهيد رحمه الله.
والقول الثاني: يشير إلى أن غصب نصف العين شائع متصور، ألا ترى أن الرجلين إذا استأجرا داراً، واشتريا داراً، وشغلا بأمتعة مشتركة كان كل واحد منهما مثبتاً يده على نصفها شائعاً.

محضر فيه دعوى شراء المحدود من والد صاحب اليد
ادعى هذا الذي حضر على هذا الذي أحضره معه أن المنزل الذي في يد هذا الذي أحضره معه حدوده كذا، وموضعه كذا؛ كان ملكاً لوالده فلان، وحقها له، وإنه باعه مني في حياته وصحته، ونفاد تصرفاته بكذا في يوم كذا، وهكذا أقر لي في حياته ببيع هذا المحدود بهذا لتاريخ (كذا) ، وجاء بشهود شهدوا على إقرار والده فلان بهذا البيع المذكور، قالوا: واليوم هذا المنزل ملك هذا المدعي بالسبب المذكور في هذا المحضر، وفي يد هذا المدعى عليه بغير حق، فزعم بعض المفتين أن في المحضر خللاً من وجهين:

أحدهما: أن الشهود شهدوا على إقرار البائع بالبيع المذكور في دعوى المدعي، والمذكور في دعوى المدعي إقرار البائع مضافاً إلى تاريخ البيع، وهو يوم كذا، ولعل هذا الإقرار كان في يوم كذا ولكن قبل البيع، فيكون الإقرار بتاريخ البيع، ولكن قبل البيع، وعلى هذا التقدير كانت الشهادة على الإقرار بالبيع قبل البيع، والإقرار بالبيع باطل، فالشهادة على الإقرار بالبيع قبل البيع يكون باطلاً أيضاً. ولأن الشهود في شهادتهم قالوا: واليوم هذا المنزل ملك هذا المدعي بالسبب المذكور في هذا المحضر، والسبب المذكور في هذا المحضر البيع لا الإقرار بالبيع؛ لأن الإقرار لا يصلح بسبب ملك، ولا شهادة لهم على البيع إنما شهادتهم على الإقرار بالبيع.
ولكن هذا الزعم فاسد لوجهين:

(9/497)


أحدهما: أن مطلق كلام العاقل، وتصرفه يحمل على وجه الصحة بقصة الأصل، وذلك هاهنا في أن يحمل دعوى المدعي الإقرار بالبيع بذلك التاريخ على دعواه الإقرار بالبيع بعد البيع بذلك التاريخ، وكذلك على هذا.
والثاني: أن مطلق كلام العاقل على المعتاد، والناس في عاداتهم يريدون بهذا الإقرار بالبيع بعد البيع بذلك التاريخ.
وأما الثاني فقلنا: هذا شهادة على الإقرار بالبيع، والبيع بسبب الملك، فتكون هذه شهادة على الإقرار بما هو سبب الملك، وإنه صحيح.

محضر في دعوى الجارية
حضر وأحضر مع نفسه جارية، وادعى أن هذه الجارية ملكه، والجارية منكر، فجاء الذي حضر بشهود شهدوا بهذه العبارة: دو ذي مروي بياند واين جارية حاضر أورده راباين حاضر آسده، فزوجت بها معلوم وبوي تسليم كرد، فرد المحضر بعلتين:

إحداهما أن الشهود شهدوا بالملك للمدعي بطريق الانتقال من بائعه، فلا بد من إثبات الملك للبائع ليثبت الانتقال إلى المدعي، ولم يثبت الملك للبائع بهذه الشهادة؛ لكون البائع مجهولاً، وإثبات الملك للمجهول لا يتحقق، وإذا لم يثبت الملك للبائع في هذه الصورة بهذه الشهادة كيف يثبت الانتقال منه إلى المدعي بهذه الشهادة؟ حتى لو كان ملك البائع معلوماً تقبل الشهادة، ويقضى بالجارية للمدعي.
العلة الثانية: أن الشهود شهدوا أن رجلاً باعها من هذا المدعي، ولم يشهدوا أن المشتري اشتراها، ويجوز أن ذلك الرجل باعها إلا أن المدعي لم يشترها، وبمجرد البيع بدون الشراء لا يثبت الملك، ولكن العلة الثانية ليست بصحيحة؛ لأن ذكر البيع يتضمن الشراء، وذكر الشراء يتضمن البيع، ألا ترى أن من ادعى على غيره أني بعت منك هذه الجارية بكذا، وطالبه بالثمن كان دعواه صحيحة، وإن لم يقل: وأنا اشتريتها منه، ذكره محمد رحمه الله في كثير من المواضع.

ورد محضر آخر أيضاً في دعوى الجارية
أحضر مع نفسه جارية، وادعى أنها جاريته اشتريتها من فلان، وطاعته واجبة عليها، والجارية تنكر دعواه، فجاء الذي حضر بشهود شهدوا أنه اشتراها، فاختلفت أجوبة المفتين، فأفتى بعضهم بصحة الدعوى في حق القضاء بالملك لا في حق وجوب الطاعة، لأن الطاعة بتسليمها نفسها إليه، وتسليم المبيع إنما يجب بعد نقد الثمن، والمدعي في دعواه لم يذكر نقده الثمن، وأفتى بعضهم بعدم صحة الدعوى أصلاً، وهو الصحيح؛ لأن الشهود ما شهدوا بملك البائع لا قضاءً، ولا دلالة، وبدون ذلك لا يقضى بالملك للمشتري، وهي مسألة كتاب «الشهادات.»

محضر في دعوى ولاء العتاقة
رجل مات فجاء رجل، وادعى أن الميت عتيق والدي فلان كان أعتقه والدي في

(9/498)


حياته، وميراثه لي لما أني ابن معتقه، لا وارث له غيري، فأفتى بعض مشايخ زماننا بفساد هذه الدعوى، وأفتى بعضهم بالصحة، والصحيح أن هذه (267أ4) الدعوى فاسدة؛ لأن المدعي لم يقل في دعواه: وهو يملكه، والإعتاق من غير المالك باطل.
الدليل على صحة ما قلنا ذكر محمد رحمه الله في دعوى «الأصل» في باب دعوى العتق: إذا أقام عبد بينة أنه أعتقه فلان، وفلان ينكر ذلك، أو يقر، فأقام آخر بينة أن هذا العبد عبده قضى القاضي للذي أقام البينة أنه عبده؛ لأن شهود العتق شهدوا بعتق باطل؛ لأنهم لم يقولوا في شهادتهم: وفلان يملكه، والملك لا يثبت لفلان من غير شهادة، والعتق بلا ملك باطل، فهو معنى قولنا: إنهم شهدوا بعتق باطل، فصار وجود هذه الشهادة وعدمها بمنزلة، ولو عدم هذه الشهادة لكان يقضي للذي أقام البينة أنه عبده كذا هاهنا
وكذلك لو شهد شهود العبد أن فلاناً أعتقه، وهو في يده يقضى للذين شهدوا أنه عبده؛ لأن صحة الإعتاق يعتمد الملك دون اليد، والشهود لم يشهدوا له بالملك، ولو شهد شهود العبد أن فلاناً أعتقه وهو يملكه، وشهد شهود الآخر أنه عبده قضي ببينة العتق؛ لأن إثبات العبد الملك لمعتقه، كإثبات المعتق الملك لنفسه.
ولو أن المعتق أقام بينة أنه عبده أعتقه قضي ببينة العتق؛ لأن البينتين استويا في إثبات الملك، وفي أحدهما زيادة إثبات العتق كذا هاهنا، فهذه المسألة دليل على أن في دعوى العتق من جهة الغير لا بد من ذكر ملك ذلك الغير.

ورد محضر في دعوى الدفع

صورته: ادعى عيناً في يدي رجل اشتراه من فلان في يوم كذا من شهر كذا، وجحد المدعى عليه دعواه، فأقام المدعي بينة على ما ادعى، وتوجه الحكم للمدعي على المدعى عليه بما ادعاه المدعي، فادعى المدعى عليه في دفع دعواه أن هذا الذي ادعيت تلقي الملك من جهته، أقر قبل تاريخ شرائك، أو قال: قبل شرائك بسنة طائعاً أن هذا العين ملك أخيه فلان، وحقه، وصدقه أخوه فلان في ذلك، وأنا اشتريت هذا العين من أخيه ذلك المقر له، فدعواك علي باطل بهذا السبب، فاتفقت أجوبة المفتين أن هذا الدفع صحيح، ثم استفتى بعد ذلك أن المدعى عليه الدفع لو طلب من يدعي الدفع بيان وقت ذلك الإقرار أنه متى كان؟ وفي أي شهر كان؟ فالقاضي هل يكلفه عليه؟ فاتفقت الأجوبة أيضاً أن القاضي لا يكلفه عليه؛ لأنه قد بين مرة بقدر ما يحتاج إليه حيث قال: قبل تاريخ شرائك، أو قال: قبل شرائك.

محضر في دعوى الميراث
صورته: حضر مجلس القضاء فلان وفلان، وفلانة كلهم أولاد فلان، فادعى هؤلاء الذين حضروا محدوداً على رجل أحضروه معهم ميراثاً عن والدتهم فلانة، وكان المكتوب في المحضر، وكان هذا المحدود ملك فلانة والدة هذين المدعيين، وحقهما ودردست

(9/499)


وي بودتا بروز مرك مرد وميراث باند فرزندان خويش را فرد المحضر بعلتين:
إحداهما؛ أن المكتوب فيه والدة هذين المدعين، وينبغي أن يكتب والدة هؤلاء المدعين، العلة الثانية: أن المكتوب إليه مرد وميراث ماند فرزندان أن خويش راو ليس جه جير ماند ميراث فرز ندان راو، ينبغي أن يكتب وميراث مانداين محدود فرز ندا نرا، أو يكتب: وميراث ماندش حتى يصير المتروك مذكوراً؛ إما بالصريح أو بالكناية، أما بدون ذكر لا بالصريح ولا بالكناية لا يتم جر الميراث فيما يقع فيه الدعوى.

وحكي عن الشيخ الإمام نجم الدين عمر النسفي رحمه الله أنه قال: كنت كتبت المحضر في جر الميراث، وبالغت في شرائط صحته، غير أني تركت الهاء عند قولي: وتركه ميراثاً، وكتبت: وترك ميراثاً، فلم يفت شيخ الإسلام علي بن عطاء بن حمزة السعدي بصحته، وقال لي: الحق به الهاء، واجعله: وتركه ميراثاً حتى أفتي بصحته.
قال الشيخ الإمام الزاهد نجم الدين عمر النسفي رحمه الله: عرض علي محضر فيه دعوى رجل على رجل أرضاً أنها ملكه وحقه، وأن موروث هذا المدعى عليه فلاناً، كان أحدث يده عليها بغير حق إلى أن مات، وفي يد وارثه هذا أيضاً بغير حق، فواجب عليه قصر يده عنها، وتسليمها إلى المدعي، وقال المدعى عليه في دفع دعواه: إن مورثاً فلاناً كان اشترى هذا المحدود من مورث هذا المدعي بيعاً باتاً، وجرى التقابض من الجانبين، وكان في يده بحق إلى أن توفي، ثم صار ميراثاً عنه لي بحق.
فقال المدعي في دفع هذا الدفع: أن مورث هذا المدعى عليه الأرض أقر أن البيع الذي جرى بيننا بيع وفاءاً ذا رد علي الثمن كان على رد الأرض، وأقام على ذلك بينة، هل يصح دفع الدفع على هذا الوجه؟ قال نجم الدين رحمه الله: وقد كان قاضي القضاة عماد الدين علي بن عبد الوهاب، والشيخ الإمام علاء الدين عمر بن عثمان المعروف بعلاء بدر أجابا بالصحة، وأنا أجيب بعدم الصحة؛ لأنه ادعى أولاً أنه كان في يده بغير حق، فإذا أقر ببيع الوفاء، فقد أقر أنه في يده بحق.

وقيل: يجب أن يصح دعوى الدفع على قول من يقول بأن لبيع الوفاء حكم الرهن؛ لأن المدعي بهذا الدفع أقر للمدعى عليه ببعض ما أنكره في الابتداء، وهو كون المحدود في يده بغير حق؛ وهذا لأنه لما كان لهذا المبيع حكم الرهن كان المبيع على ملك المدعي، إلا أن للمدعى عليه حق الحبس، وقد ادعى المدعي ذلك المحدود لنفسه، وكونه في يد المدعى عليه بعير حق، فإذا أقر بعد ذلك ببيع الوفاء، فقد ادعى ملك المحدود لنفسه، وأقر أن يد المدعى عليه بحق، فهو معنى قولنا: أقر ببعض ما أنكره له أولاً، وأما على قول عامة المشايخ إن لم يكن الوفاء مشروطاً في المبيع، فالبيع صحيح، فلا تسمع هذه الدعوى، وإن كان الوفاء مشروطاً في المبيع كان البيع فاسداً، فإن ادعى فسخ العقد صح دعواه الدفع، وما لا فلا.

محضر: فيه دعوى رجل على رجل أنك سرقت من دراهمي كذا درهماً كانت موضوعة في موضع من هذه الدار، والمدعى عليه من سكان هذه الدار، وقد

(9/500)


كان قال هذا المدعى عليه لهذا المدعي: إن حلفت أني سرقت من دراهمك هذا المقدار الذي أودعته، فأنا أعطيك مثل ملك الدراهم، فحلف المدعي على دعواه، وأعطاه المدعى عليه نصف هذه الدراهم، وأعطاه بالنصف الباقي خطاً، ثم أراد المدعى عليه استرداد ما دفع إليه من الدراهم، كيف الحكم فيه؟ وقد كان الشيخ الإمام الزاهد نجم الدين النسفي كتب في الجواب أن المدعى عليه إن أعطى النصف، والتزم النصف صلحاً عن دعوى المدعي، وأقر أنه سرق الدراهم، فعليه إعطاء الباقي، وليس له أن يسترد النصف الذي أعطى، وإن أعطى النصف، وأعطى خطاً بالباقي بناء على يمين المدعي، ووفاءً بما قال لا يلزمه شيء، وله أن يسترد ما أعطاه، وقد قيل: له أن يسترد في الوجهين جميعاً؛ لأن بيمين المدعي لا يستحق على المدعى عليه شيء.

نص محمد رحمه الله في كتاب «الصلح» : إن المدعي مع المدعى عليه إذا اصطلحا على أن يحلف المدعي على دعواه على أنه إن حلف، فالمدعى عليه ضامن المدعى به أن الصلح باطل.
عرض على الشيخ الإمام الأجل نجم الدين النسفي رحمه الله محضر فيه دعوى رجل أثبت استحقاق كرم على رجل، وطالبه بغلاتها، وبين ذلك، فادعى المدعى عليه في دفع دعواه أنه صالحه من ذلك على بدل معلوم، ولم يذكر مقدار البدل، ولم يذكر قبضه، هل يكون ذلك دفعاً؟ قال: لا، وإن ذكر القبض فهو دفع، وإن لم يتبين مقدار البدل؛ لأن ترك بيان مقدار البدل فيما لا يحتاج إلى القبض لا يضر.
واعلم أن هذه المسألة في الحاصل على وجهين:
إن وقع الصلح عن الكرم لا غير إن كان البدل معلوماً، أو لم يكن معلوماً إلا أن الشهود شهدوا (267ب4) على قبضه كان الصلح صحيحاً، وكان دعواه دفعاً.
وإن وقع الصلح عن الكرم وعن الغلات التي استهلكها المدعى عليه ببدل من خلاف جنس الواجب باستهلاك الغلة، وافترقا من غير قبض بطل الصلح في حق الغلة، سواء كان البدل معلوماً، أو لم يكن، فلا يكون هذا دفعاً في حق الغلة.

محضر في دعوى الدفع من الوارث لدعوى أرض من التركة
وصورته: رجل ادعى أرضاً من تركة ميت على وارث، فقال الوارث للمدعي في دفع دعواه: إنك مبطل في هذه الدعوى؛ لأنك قد قلت لي مرة: تواز بدر ميراث يافتة يا منكويد قد قلت لي مرة: سس بدر مال سيار كد فته من كفتم كد ام مال ميراث يا فته أم تو كفتي فلان ذمين إز توا قرار ست بملكي من ودعوى تو باطل إست هل يصح الاحتجاج منه بهذا الكلام؟ وهل يكون ذلك دفعاً لدعواه؟ وكان فيه جواب نجم الدين النسفي رحمه الله أن في قوله: ميراث يافتة يكون دفعاً؛ لأنه إقرار بالملك له، وفي قوله: كدفته لا يكون دفعاً؛ لأن هذا ليس بإقرار بالملك، وهذا الجواب ظاهر.

(9/501)


محضر في إثبات الإيصاء بثلث المال وكان الموصي امرأة
وهي بنت الأستاذ محمد النجار السمرقندي المعروف بأستاذ سارة، قد كانت أوصت بثلث مالها على أن يشتري بثلثه الحرفة، ويفرق على الفقراء لقضاء صلواتها الفائتة، ويشتري بثلثه شياه، فيضحي بها في اليوم الأول من أيام الأضحية، ويشتري بثلثه الرعانف وما يتخذ منه الحيص والكران والكرنر على ما اعتاد الناس في أيام عاشوراء، وقد كانت أوصت إلى أختها وإخوتها بتنفيذ هذه الوصية، فادعت على زوجها بمحضر منه، وكانوا كتبوا في المحضر بيان الإيصاء، وقالوا في آخره: وفي يد زوجها المدعى عليه مداخل سرح كان طوله كذا، وعرضه كذا قيمته دينار ونصف، فواجب عليه إحضار الحل مجلس الدعوى لتتمكن هي من تنفيذ الوصية فيه إن كان قادراً على إحضاره، وإن عجز عن إحضاره واستهلكه، فواجب عليه أداء نصف دينار، وذلك ثلث قيمته لتنفيذ الوصاية فيه، وكان هذا موجباً للحل من قبل أن المذكور هي القيمة لا غير، ولم يذكروا أن هذه القيمة قيمته يوم قبضه أو يوم الاستهلاك، ولا شك أن الحل يكون أمانة في يد الزوج ظاهراً إذا لم يذكروا أنه قبضه بغير حق، فإنما يصير مضموناً عليه بالاستهلاك، فيعتبر قيمته يوم الاستهلاك، وعسى كانت قيمته يوم القبض أكثر من قيمته يوم الاستهلاك، فلا يصلح مطالبته بنصف دينار في الحال ما لم يعلم أن قيمته يوم الاستهلاك كانت ديناراً أو نصفاً.
وكان ينبغي أن يذكروا أن الواجب عليه إحضار هذا الحل، وتسليمه إلى الموصى إليها حتى يبيعها، ويأخذ منه الثلث إن كان مقراً به، وإن كان منكراً كون الحل هذا في يده ملكاً للموصية هذه حتى تتمكن المدعية من إقامة البينة على ذلك، فكان الوجه الصحيح في طلب إحضار الحل هذا حتى تتمكن المدعية من إقامة تنفيذ الوصية فيه؛ لأنه لا تتمكن من تنفيذ الوصية فيه إلا بما ذكرنا، وهو البيع إن كان مقراً به، وإقامة البينة عليه إن كان منكراً.

ورد محضر آخر

كان فيه: ادعى فلان على فلان أن الكرم الذي في موضع كذا حدوده كذا، وهو في يد أم هذا المدعي أقرت أم هذا المدعي أنه ملك هذا المدعي، وبعد هذا الإقرار اشترى هذا المدعى عليه هذا الكرم من أم هذا المدعي، فواجب عليه تسليم هذا الكرم إلى هذا المدعي، وكان فيه جواب جماعة من أئمة سمرقند بالصحة، وأفتى الإمام النسفي رحمه الله بفساده، وقال: وجوه الخلل ظاهر، ولم يبين، وكان من جملة وجوه الخلل أن المدعي لم يدع الملك لنفسه، ولو كان ادعى الملك لنفسه، وادعى أن أمه أقرت له به لا يسمع دعواه به أيضاً؛ لأنه نسب ملكه إلى ما لا يصلح سبب الملك وهو الإقرار حتى لو نسبه إلى ما يصلح سبب الملك بأن قال: هذا الكرم ملكي اشتريته من أمي فلانة قبل شراء هذا المدعي تصح دعواه.

(9/502)


ورد محضر في دعوى الإرث مع دعوى العتق
فيه دعوى رجل على رجل عبداً أنه كان ملك ابن عمي فلان مات، وهو ملكه، وأنا وارثه لا وارث له غيري، وصار هذا العبد ميراثاً من جهته، وهو ممتنع عن طاعتي، فادعى المدعى عليه في دفع دعواه أن مورثه هذا أعتقني في مرضه، وأنا أخرج من ثلث ماله، وأنا اليوم حر، ولا سبيل له عليّ وأقام على ذلك بينة، فادعى هذا المدعي ثانياً أني كنت اشتريت هذا العبد من ابن عمي هذا في صحته، وكان فيه جواب نجم الدين النسفي رحمه الله: أنه لا يصح دعواه ثانياً لمكان التناقض، وتعذر التوفيق؛ لأنه ادعى الإرث، ثم ادعى الشراء في حياة المورث.

وهذا الجواب صحيح، والعلة ظاهرة، فقد ذكر محمد رحمه الله في آخر «جامع الكبير» في رجل مات أبوه، فادعى داراً في يدي رجل أنه داره اشتراها من أبيه في حياته وصحته، وأقام على ذلك بينة، فلم تزل بينته، أو لم يكن له بينة، فحلف المدعى عليه، ثم أقام المدعي بينة أنها كانت دار أبيه مات وتركها ميراثاً له لا يعلمون له وارثاً غيره، فالقاضي يقضي بالدار للمدعي؛ لأنه لا تناقض بين دعوى الشراء من الأب في حياته وصحته أولاً، وبين دعوى الإرث منه ثانياً؛ لأنه يمكنه أن يقول: اشتريت منه كما ادعيت أولاً لكن عجزت عن إثبات شرائي، وبقيت الدار على ملك أبي ظاهراً، فصار ميراثاً لي بموته في الظاهر.
وبمثله لو ادعى الإرث من الأب أولاً، ثم ادعى الشراء منه بعد ذلك لا يصح منه دعوى الشراء؛ لأن بين دعوى الإرث أولاً، وبين دعوى الشراء ثانياً تناقض إذ لا يمكنه أن يقول: ورثت من أبي كما ادعيت أولاً، فلما عجزت عن إثبات الإرث اشتريت منه يوضحه أن الشراء من جهة الأب قد يصير ميراثاً بأن يفسخ الشراء بينهما، أما في حياته، أو بعد وفاته بأن يجد به عيباً، فيرده فلا تتحقق المناقضة لا محالة، أما الموروث من الأب لا يصير مشترياً من جهته، فتتحقق المناقضة.

محضر فيه دعوى الميراث
صورته: رجل مات، فجاء رجل وادعى ميراثه بعصوبة بنوة العم، وأقام الشهود على النسب بذلك بذكر الأسامي إلى الجد، ثم إن منكر هذا النسب والميراث أقام بينة أن جد الميت فلان، وهو غير ما أثبت المدعي، هل يندفع بهذا دعوى المدعي وبينته؟ وكان جواب نجم الدين النسفي أنه إن وقع القضاء بالبينة الأولى لا يندفع، وإن لم يقع القضاء بالبينة الأولى لم يجز القضاء بإحدي البينتين لمكان التعارض.

قال: وهو نظير مسألة طلاق المرأة يوم النحر من هذه السنة بالكوفة، وعتاق العبد يوم النحر بمكة من هذه السنة، قيل: وينبغي أن لا تندفع بينة المدعي، ولا تقبل بينة المدعى عليه؛ لأنها لوقبلت إما أن تقبل على إثبات اسم الجد، ولا وجه إليه؛ لأنه ليس بخصم، وإما أن تقبل لنفي ما ادعاه المدعي، ولا وجه إليه أيضاً؛ لأن البينة على النفي غير مقبولة.

(9/503)


وهو نظير ما لو ادعى على غيره أنه أقرضه ألف درهم في يوم كذا، وأقام المدعى عليه البينة أنه في ذلك اليوم كان في مكان كذا، سمى مكاناً آخر، لا تقبل بينة المدعى عليه؛ لأنها في الحقيقة قامت على النفي.

ورد محضر في دعوى مرابحة والشهود
(268أ4) شهدوا بلفظ خافردا بمحضر بعلة أن المشهود به لم يدخل تحت دعوى المدعي؛ لأن الدعوى وقعت في مرابحه، والشهود شهدوا بخانة وسرائجه غير، والبيت غير، وهذا الجواب الصحح فيما إذا كانت الدعوى بالعربية، والشهادة بالعربية، فأما إذا كانت الدعوى بالفارسية والشهادة بالفارسية، يصح الدعوى والشهادة؛ لأن اسم خانه بالفارسية ينطلق على سرائجه بالفارسية، ولا كذلك بالعربية.

محضر فيه دعوى بيع السكنى
عرض على شيخ الإسلام السعدي رحمه الله، وكان فيه باعه بحدوده وحقوقه، فرده بعلة أن السكنى نقلى، والنقلى لا حد له، عرض عليه محضر آخر لم يذكر فيه اسم حد المدعى عليه.
صورته: حضر فلان، وأحضر مع نفسه فلاناً، فادعى هذا الذي حضر على هذا الذي أحضره معه، فأجاب بالصحة؛ لأن المدعى عليه حاضر، وفي الحاضر الإشارة تكفي، ولا يحتاج إلى ذكر اسمه واسم أبيه، ولا يحتاج إلى ذكر جده بالطريق الأولى، فأما في الغائب فلابد من ذكر الجد، وهو قول أبي حنيفة ومحمد، وكذلك في ذكر الحدود لابد من ذكر جد صاحب الحد، وكذلك في تعريف المتخاصمين لابد من ذكر الجد، وكان القاضي الإمام ركن الإسلام علي بن الحسين السعدي في الابتداء لا يشترط ذكر الجد، وفي آخر عمره كان يشترط ذلك، وهو الصحيح، وعليه الفتوى.
ورد محضر فيه دعوى الشفعة: وكان فيه بيان أنواع الطلب الثلاثة، فرد بعلة أنه لم يكن في الدعوى والشهادة أن الشفيع طلب الإشهاد على فور يمكنه من الإشهاد، وأنه أشهد على هذا المحدود، والمحدود أقرب إليه من المشتري والبائع، ولابد من بيان ذلك؛ لأن الشرط هو الإشهاد على ما هو أقرب إليه من المحدود والبائع، والمشتري يجب أن يعلم بأن مدة طلب الإشهاد مقدرة بالتمكن من الإشهاد عند حضرة أحد الأشياء الثلاثة، إما البائع أو المشتري أو المحدود، والطلب من المشتري صحيح على كل حال قبض الدار، أو لم يقبض، والطلب من البائع صحيح إذا كان الدار في يده، وإذا لم يكن في يده ذكر شيخ الإسلام في «شرحه» أن الطلب صحيح استحساناً غير صحيح قياساً.
وذكر الشيخ أبو الحسن القدوري في «شرحه» والناطفي في «أجناسه» وعصام في «مختصره» أنه ليس بصحيح من غير ذكر القياس والاستحسان، وإذا قصد الأبعد من هذه الأشياء، وترك الأقرب إن كان الكل في مصر واحد لا تبطل شفعته، هكذا ذكر شيخ

(9/504)


الإسلام في «شرحه» ، وعصام في «مختصره» ؛ لأن المصر في سائر أطرافه كمكان واحد حكماً، وذكر الخصاف في «أدب القاضي» إذا اختار على الأقرب، وترك الطلب تبطل شفعته، وهكذا ذكر الصدر الشهيد في «واقعاته» .

وإن كانوا في مصرين، أو في أمصار، فإن كان أحد هذه الأشياء مع الشفيع في مصر واحد، فتركه وذهب إلى مصر آخر بطلت شفعته، وإن كان الشفيع في مصر على حده، والمشتري والبائع والدار كل واحد في مصر على حده، فيترك الأقرب، ويذهب إلى الأبعد، فقد اختلف المشايخ فيه، بعضهم قالوا: تبطل شفعته، وهكذا ذكر عصام في «مختصره» وقال بعضهم: لا تبطل شفعته، وهكذا ذكر الناطفي في «أجناسه» ؛ وهذا لأن الشفيع قد لا يقدر على الذهاب إلى الأقرب بسبب من الأسباب، فلا يكون بالذهاب إلى الأبعد مبطلاً شفعته، وعلى هذا إذا كان إلى الأقرب طريقان، فترك الطريق الأقرب، وذهب في الطريق الأبعد، فعلى قياس ما ذكره عصام يبطل شفعته، وعلى قياس ما ذكره الناطفي لا يبطل شفعته، ثم إذا حضر المصر الذي فيه الأقرب يشترط لصحة الطلب أن يكون الطلب بحضرة ذلك الشيء الدار، والبائع والمشتري في ذلك على السواء هو المعروف والمشهور.

وكان القاضي الإمام أبو زيد الكبير يفرق بين الدار، وبين البائع والمشتري، وكان يقول: في البائع والمشتري يشترط الطلب بحضرته، وفي الدار لا يشترط الطلب بحضرته، بل إذا طلب وأشهد من غير تأخير في أي مكان أشهد من المصر الذي الدار فيه يصح الطلب، وكان يقول: إليه أشار محمد رحمه الله في باب شفعة أهل البغي، وعلى هذا إذا كان الدار في مصر الشفيع لا يشترط الطلب عند حضرة الدار على ما اختاره القاضي الإمام، ولو كان البائع والمشتري في مصر الشفيع يشترط الطلب عند حضرته بالاتفاق.

محضر ورد في دعوى الرجوع بثمن الأتان عند ورود الاستحقاق
صورته: رجل حضر مجلس قضاء بخارى يسمى حيدر الحميري، وأحضر مع نفسه رجلاً يسمى عثمان الحميري، فادعى هذا الذي حضر على هذا الذي أحضره معه أنه باع مني أتاناً تامة الجثة بكذا درهماً في شهر كذا من سنة كذا، وأني اشتريتها منه، وجرى التقابض بيننا، ثم إني بعت هذه الأتان من أحمد بن فلان بثمن معلوم، وأنه اشتراها مني بذلك الثمن، وجرى التقابض بيننا، ثم إن أحمد باع هذه الأتان من الدهقان علي بن فلان، ثم إن زيداً استحق هذه الأتان من يد الدهقان علي بن فلان في مجلس قضاء كورة نسف بين يدي الشيخ القاضي الإمام معين الدين، والقاضي معين الدين هذا يومئذ قاضي كورة نسف ونواحيها من جهة القاضي الإمام علاء الدين عمر بن عثمان المتولي لعمل القضاء، والأحكام بكورة سمرقند، وبأكثر كور المملكة بما وراء النهر بالبينة العادلة التي قامت بها عنده، وجرى الحكم له منه عليه بها، وأخرجها من يده، وسلمها إلى هذا المستحق.

(9/505)


ثم جرى الحكم من القاضي الإمام سديد الدين طاهر ثابت الحكم بخارى من جهة القاضي الإمام صدر الدين أحمد بن محمد المتولي لعمل القضاء بكورة بخارى ونواحيها لهذا المستحق عليه، وهو الدهقان علي بالرجوع على بائعه بالثمن الذي أدى إليه، وهو أحمد بن فلان، واسترد الثمن منه بكماله، ثم جرى الحكم من القاضي سديد الدين هذا لأحمد بن فلان هذا بالرجوع بالثمن على بائعه أنا بالثمن الذي أدى إليه، واسترد الثمن مني بكماله، ولي حق الرجوع على هذا الذي أحضرته بالثمن الذي أديته إليه، فسئل المدعى عليه هذا الذي أحضره هذا المدعي فأنكر، وقال: مرا باين مدعي سيح دادني نيست، فأحضر المدعي شهوداً على دعواه، واستفتى عن صحة هذه الدعوى، فقيل: في هذه الدعوى خلل من وجوه:
g
أحدها: مدعي يكتب، وكان القاضي علاء الدين مأذوناً بالاستخلاف؛ لأنه إذا لم يكن مأذوناً بالاستخلاف لا يصلح استخلافه، فلا يصير علاء الدين قاضياً.

والثاني: أنه لم يذكر تاريخ تقليد قاض معين الدين لينظر أن القاضي علاء الدين هل كان قاضياً وقت تقليد القاضي معين الدين، لينظر أنه هل صار قاضياً بتقليده؟؛ ولأنه لم يذكر أنه هل كان لعلاء الدين قاضي سمرقند ولاية نسف صريحاً، وإنما ذكر بأكثر كورها لمملكته بما وراء النهر ووراء نسف بما وراء النهر كورة كبيرة، فبهذا لا يصير نسف مذكوراً؛ ولأنه ذكر القاضي معين الدين حكم بالبينة العادلة التي قامت بها عنه، ولم يذكر أن البينة قامت على إقرار المشتري أنها ملك المستحق، أو قامت على أنها ملك المستحق، والحكم مختلف؛ ولأنه يذكر أن القاضي معين الدين حكم بالبينة العادلة، ولم يذكر أن البينة العادلة قامت بحضرة المدعى عليه، وما لم تكن البينة والحكم بحضرة المدعى عليه لا يصح الحكم، ثم قال: وجرى الحكم من القاضي (268ب4) الإمام سديد الدين نائب الحكم ببخارى لهذا المستحق عليه بالرجوع على بائعه بالثمن، ولم يذكر أن ذلك البيع كان ثابتاً عند القاضي سديد الدين، والقاضي سديد الدين حكم بفسخ ذلك البيع، وهذا يوجب خللاً؛ لأن الحكم بالرجوع بالثمن إنما يصح إذا ثبت البيع عند الحاكم، وحكم بفسخ البيع، ثم المشترى يرجع على البائع، حكم القاضي بالرجوع عليه بالثمن، أو لم يحكم.

ولم يذكر أيضاً أن القاضي الإمام صدر الإسلام كان مأذوناً في الاستخلاف، ولا بد من ذكره على ما ذكرنا، ولأن المدعي مدعي الثمن ودو دعوى ني كويد كه هل آن سبحا رابح است در شهر وآن سيمها اكر بنا بد در شهر با بايد، ولكن رابح بنا شديا يدكه قيمت دعوى كند بكويد يروي واجب است كه قيمت آن سيم كه امروز اذبدي است ثمن وسد، فأما دعوى ثمن درست بتأيد.
وحكي أن القاضي الإمام اللامسي حين قلد القضاء بسمرقند كان لا يعمل بسجل من كان قاضياً قبله، فقيل له في ذلك، فقال: إنه كتب في سجلاته، وهو اليوم قاضي القضاء بسمرقند، وبما وراء النهر وبخارى من ما وراء النهر، وقاضي سمرقند ليس قاضي

(9/506)


بخارى، فكان هذا كذباً محضاً، والكاذب كيف يكون قاضياً؟ وبعض مشايخ ذلك الزمان كانوا يجيبون عن هذا ويقولون: إن قاضي سمرقند قاضي أكثر كور المملكة بما وراء النهر، وللأكثر حكم الكل في أحكام الشرع، فجاز أن يقال: قاضي ما وراء النهر.
عرض محضر على الشيخ الإمام الزاهد نجم الدين النسفي في بيع سهم واحد شائعاً بحدود هذا السهم قال: كان مشايخنا بسمرقند يقولون: بأنه يوجب الفساد؛ ولأنه توهم الإفراز؛ لأن المفرز تكون له الحدود، أما المشاع فلا، قال: والصحيح عندي أنه لا يوجب الفساد، وقد ذكر أبو جعفر الطحاوي في «شروطه» في مواضع: اشترى منه النصف من كذا بحدود هذا النصف، قال: وسمعت السيد الإمام الأجل الحجاج محمد بن أبي شجاع يقول: لا أحفظ من والدي في هذه المسألة شيئاً، ولا رواية عن أصحابنا في ذلك، فذكرت له ما ذكر الطحاوي، فاستحسنه، وأخذ به؛ وهذا لأنه ليس في ذكر حدوده ما يدل على الإفراز، ألا ترى أن ذكر السهم لا يدل على الإفراز؟ فذكر حدوده كذلك لا يكون.
ورد دعوى الإجارة الطويلة محضر: وكان المكتوب فيه أول يوم هذه الإجارة يوم الأربعاء السادس من شهر كذا، وكتب بعد ذلك، وتقابضا في التاريخ المذكور فيه، فقيل قوله: وتقابضا في التاريخ المذكور فيه خطأ؛ لأنه يشير إلى وقوع التقابض الذي هو حكم العقد مع العقد في زمان واحد، وإنه لا يكون؛ لأن التقابض الذي هو حكم العقد ما يكون بعد العقد، ولكن يكتب: وتقابضا في اليوم الذي وقع العقد فيه، أو يكتب: وتقابضا في اليوم الذي باشر العقد فيه ليثبت التقابض بعد العقد، والصحيح عندي أنه يكتب: وتقابضا بعدما باشر العقد في اليوم الذي باشر العقد فيه.

ورد محضر في دعوى مال الإجارة
صورته: ادعى هذا الذي حضر على هذا الذي أحضره معه أن والد هذا الذي أحضره معه فلان آجر مني محدود كذا بكذا إجارة طويلة مرسومة، ثم مات وانفسخت الإجارة بموته، وصار بقية مال الإجارة ديناً في تركته، فرد المحضر بعلة أنه لم يكن في المحضر ذكر قبض مال الإجارة، وما لم يقبض للآجر مال الإجارة لا يصير شيئاً منه ديناً في تركته بموته، ولأنه لم يذكر في الدعوى تاريخ أول مدة الإجارة وتاريخ آخرها، ولا بد من ذكر ذلك حتى ينظر؛ أبقي شيء من مال الإجارة أم لا؟ وهذا؛ لأن مدة الإجارة قد تطول مبلغ ثلاثون سنة أو أكثر، فإذا بلغت هذا المبلغ تنتهي الإجارة بانتهاء المدة، ويصير جميع مال الإجارة مستحقاً للآجر بانتهاء المدة، فلا يبقى شيء حتى يصير ذلك ديناً في

(9/507)


التركة، ولو لم تبلغ مدة الإجارة هذا المبلغ لا بد وأن يعرف ما بقي من المدة ليعلم ما بقي من مال الإجارة، وإنما يعلم ذلك بذكر التاريخين.
وقد قال بعض مشايخنا: ينبغي أن يصرح بقبض مال الإجارة، ولا يكتفي بقوله: تقابضا قبضاً صحيحاً، فإن المستأجر لو أحضر مال الإجارة، ولم يدفعه إلى الآجر، وقبض المستأجر، ثم سلم المستأجر إلى الآجر، ولم يسلم مال الإجارة، فيكون قوله: وتقابضا مستقيماً على هذا الاعتبار، مع أنه لم يوجد أحد البدلين.
وبعض مشايخنا زينوا هذا القول وقالوا: المعتبر في نظر الشرع وقواعده مفهوم الناس، والمفهوم من قوله: وتقابضا قبض الآجر الأجرة، وقبض المستأجر المستأجر.
وقد قيل: لا ينبغي أن يكتب في صك الإجارة عل أن يزرع المستأجر ما بدا له؛ لأن كلمة «على» كلمة شرط، وزراعة المستأجر بنفسه ليست من قضايا العقد، فقد شرط في العقد ما لا يقتضيه العقد، ولكن يكتب لزرع ما يبدو له، وهذا لا يوجب الفساد؛ لأن هذا يرجع إلى بيان غرض المستأجر لا إلى الشرط، إلا أن هذا القول عندي في غاية الرياضة؛ لأن الإجارة في الأصل شرعت لحاجة المستأجر إلى الانتفاع، وكان انتفاع المستأجر بنفسه من قضايا عقد الإجارة، ولو لم يكن انتفاع المستأجر بنفسه من قضايا الإجارة، إلا أن اشتراط ما لا يقتضيه العقد إنما يوجب فساد العقد إذا كان لأحد المتعاقدين فيه منفعة بالإجماع، أو كان لأحدهما فيه مضرة عند أبي يوسف، أما إذا لم يكن لأحدهما فيه منفعة، ولا مضرة لا يفسد العقد، كما لو اشترى طعاماً، وشرط البائع على المشتري أن يأكله، وهاهنا لا منفعة لأحدهما في هذا الشرط ولا مضرة، ولو لم يذكر في عقد الإجارة ما يزرع في الأرض، ذكر في «الجامع الصغير» أن الإجارة فاسدة، وذكر في موضع آخر أنها صحيحة استحساناً.

ورد محضر فيه دعوى الإجارة، ودعوى استحداث الآجر يده على المستأجر

صورته: ادعى هذا الذي حضر على هذا الذي أحضر معه أن هذا الذي أحضرته معي أخذ مني عشرة وبرات أرض، حدودها كذا في ضيعة كذا، وسلمها إلي، ثم إنه أحدث يده على هذه الأراضي بغير حق، فواجب عليه قصر يده عن هذه الأراضي، وترك التعرض لها، وتسليمها إلي، ورد المحضر بعلة أنه لم يذكر فيه أنه آجر هذه الأراضي وهو يملكها، وهذا أمر لا بد من ذكره؛ لأن الإجارة من غير المالك لا تصح، وإن ملكه بعد ذلك، وكذلك لم يذكر فيه أنه أجر هذه الأراضي وهي في يده، ولا بد من ذكره؛ لأن الأراضي ربما كان مشتراة، وإجارة العقار المشترى قبل القبض لا يجوز، إما على الخلاف الذي في بيع العقار قبل القبض كما ذهب إليه بعض المشايخ، أو على الوفاق كما ذهب إليه بعض المشايخ، ولأنه لم يذكر في المحضر أن هذه الأراضي صالحة للزراعة وقت العقد؛ لأن الإجارة للانتفاع، فمحلها ما يصلح للانتفاع.
ولا يكتفي بقولها: استئجاراً صحيحاً لجواز أن الأرض لا تكون صالحة للزراعة وقت العقد، ولكن تكون بحال تصلح للزراعة لعمل المستأجر قطناً أن كون الأرض بحال

(9/508)


تصلح للزراعة بعمل المستأجر تكفي لصحة العقد، والله أعلم.

ورد محضر فيه دعوى بقية مال الإجارة المفسوخة

صورته: حضر وأحضر، وهذا الذي حضر وكيل عن أخته الكبرى المسماة فلانة بالدعوى المذكور فيه، وقيم عن أخته الصغيرة المسماة فلانة من جهة الحكم بالدعوى المذكور فيه، وهم أولاد فلان بن فلان، فادعى هذا الذي حضر على هذا الذي أحضره معه لنفسه بطريق الأصالة، ولأخته الكبيرة بحكم الوكالة، ولأخته الصغيرة بحكم الإذن الحكمي أن هذا الذي أحضر آجر من ابننا (269أ4) فلان جميع الأرض التي حدودها كذا بكذا من الدنانير إجارة طويلة مرسومة، وإن أبانا توفي قبل انفساخ الإجارة هذه، وقبل قبضه شيئاً من مال الإجارة، وانفسخت هذه الإجارة بموته، وصار مال الإجارة، وذلك كل الدنانير ميراثاً لورثته هؤلاء المسمون ما خلا ديناراً واحداً، فإنه ذهب بعضه بمضي ما مضى من مدة الإجارة، والبعض بإبراء الآجر ساعته في حياته، فواجب عليه أداء الدنانير المذكورة ما خلا ديناراً واحداً ليقبض المدعي حصة نفسه بطريق الأصالة، وحصة أخته الصغيرة فلانة بالإذن الحكمي.
فرد المحضر بعلة أن المذكور فيه أن مال الإجارة صار ميراثاً لورثته ما خلا ديناراً، فإنه ذهب بعضها بإبراء الآجر هذا في حياته، ودعوى الإبراء على هذا الوجه فاسدة؛ لأن الإبراء إنما يصح بعد الوجوب أو بعد سبب الوجوب، وحال حياة المستأجر مال الإجارة غير واجب على الآجر إذا كانت الإجارة قائمة لم تنفسخ، ولم يوجد سبب وجوبه؛ لأن سبب وجوبه انفساخ الإجارة، والإجارة لم تنفسخ بعد، وعلة أخرى أن المذكور في الدعوى: فواجب على المدعى عليه أن يدفع مال الإجارة إلى هذا المدعي ليقبض حصة نفسه بطريق الأصالة، وحصة أخته بطريق الوكالة، والوكيل بالخصومة لا يملك القبض عند زفر، وعليه الفتوى، فلا تصح مطالبته بحصة الموكل على ما عليه الفتوى.
والعلة الأولى ليست بصحيحة؛ لأن دعوى الإبراء إن لم تصح فذاك أمر عليهم، فلا يوجب ذلك خللاً في دعوى بقية مال الإجارة، وإن ذلك أمر لهم.

ورد محضر فيه دفع دعوى مال الإجارة المفسوخة بموت من ورثة الآجر، وكان الدعوى بشرائطها من غير خلل فيها، فقال المدعى عليه في دفع دعوى المدعي: إن أباك قد قبض مني في حال حياته كذا مناً من الحنطة عوضاً عن مال الإجارة الذي يدعيه، فرد المحضر بعلة أن دفع الحنطة عوضاً من مال الإجارة يستدعي وجوب مال الإجارة، ومال الإجارة لا يجب على الآجر حال حياة الآجر، إذ الإجارة حال حياة الآجر قائمة على حالها، ومال الإجارة إنما يجب على الآجر بعد انفساخ الإجارة، فكيف يتصور قبض

(9/509)


المستأجر الحنطة عوضاً من مال الإجارة في تلك الحالة؟

وعلة أخرى أنه دفع الحنطة عوضاً، وإنما ذكر أن أباك قبض الحنطة عوضاً، وبقبضه الحنطة عوضاً لا تصير الحنطة عوضاً ما لو يوجد الدفع من صاحب الحنطة بجهة العوض.
عرض صك في الإجارة، وكان المكتوب فيه: آجر فلان من فلان أرضاً حدودها كذا، وهي صالحة للزراعة على أن يزرع المستأجر فيها كذا، فقيل: الصك باطل، لأنه شرط في العقد ما لا يقتضيه العقد؛ لأن زراعة شيء بعينه ليس من مقتضيات العقد، ولأحد المتعاقدين، وهو الآجر فيه منفعة، ومثل هذا الشرط يوجب فساد العقد، وقيل: بهذا لا يبطل الصك؛ لأن قوله في هذا المقام: على أن يزرع فيها كذا، وقوله: ليزرع فيها كذا سواء، وقوله: ليزرع فيها ليس بشرط، وإنما هو لبيان الغرض، ولا يوجب الفساد، كيف وقد ذكرنا قبل هذا أن المستأجر إذا لم يبين ما يزرع مفسداً للعقد، فبذكره كيف يفسد العقد؟

عرض محضر على شيخ الإسلام: سئل شيخ الإسلام السغدي عن محضر كان في أوله: ادعى روزيه بن عبد الله الهندي على فلان، فأجاب بأنه غير صحيح؛ لأن النسبة على هذا الوجه لا تقع بها الإعلام، ويجب أن يكتب أنه عبد فلان أو مولى فلان، وكان فلان بن فلان أقر له، أو عبد لمولاه محجور عليه، فيكون الإقرار لمولاه، أو مأذون بديون، فيكون الإقرار له، فيختلف حكم الإقرار باختلاف حاله، فلا بد من ذكره.
قال: والمعتق يعرف لمولاه، وإن كان مولاه معتقاً أيضاً لا بد من أن يقال: إنه مولى فلان، وإن كان المولى الثالث معتقاً أيضاً، فلم ينسبه إلى مولاه فلا بأس؛ لأن المولى الثالث بمنزلة الجد في النسب، فيجوز الاقتصار عليه.
عرض سجل فيه حكم نائب قاضي سمرقند، فردوه لوجوه:
أحدها: أنه كان فيه حكم فلان، وهو نائب عن قاضي سمرقند فلان، ولم يذكر فيه أن قاضي سمرقند مأذون بالاستخلاف.
والثاني: أنه كان فيه قاضي سمرقند كان قاضياً من قبل الملك سنجر، ولم يكن كذلك، بل قاضي سمرقند كان من قبل الخاقان محمد، والخاقان محمد كان من قبل الملك سنجر، إلا أن هذا لا يصلح خللاً؛ لأن قاضي سمرقند قاضياً من جهة الملك سنجر، ألا ترى أن ولاية الملك سنجر كانت ظاهرة على أهل سمرقند في الابتداء.
والثالث: أن الشهود في شهادتهم قالوا: ما وقع فيه الدعوى ملك أين مدعي است واندر دردست اين مدعى عليه بنا حق است، ولم يقولوا: فواجب على هذا المدعى عليه كه دست خويش كتاه كندزين مدعى به وباين مدعي تسليم كند، وقد اختلف المشايخ في هذا، قال بعضهم: لا بد من ذكره، ونحن إن لم نقل به، ولكن لا بد من ذكره حتى لا يبقى لأحد فيه مجال الطعن.

(9/510)


والرابع: أنه كان في آخره، وجعلت حكمي هذا موقوفاً على إمضاء القاضي فلان، وهو الذي كان ولاه، وهذا يخرجه من أن يكون حكماً؛ لأن المعلق بشيء، والموقوف عليه غير ثابت قبل وجود ذلك الشيء، وهذا خلل قوي لو حصل الحكم على هذا الوجه، أما لو حصل الحكم مطلقاً، والكاتب كتب على هذا الوجه، فهذا لا يوجب خللاً في الحكم، إنما يوجب خللاً في المكتوب.

محضر ورد في المحضر دعوى إجارة العبد
صورته: ادعى فلان على فلان عبداً في يديه أني أجرت هذا العبد من هذا الذي في يديه كل يوم بدرهم، وقد مضى كذا كذا يوماً، فواجب عليه تسليم هذا العبد إلي مع كذا من الأجرة، فرد المحضر بعلة أنه ادعى أنه أجره كل يوم بدرهم، ولم يذكر للإجارة مدة تنتهي إليها، فكل يوم يجيء ينعقد فيه عقد الإجارة، وهذا اليوم الذي وقعت فيه الدعوى قد انعقد فيه عقد الإجارة، وكان للمستأجر إمساك العبد والانتفاع به، فكيف تصح مطالبة المدعي إياه بتسليمه إليه؟ ولو كان ذكر لذلك مدة، وهذا اليوم الذي وقعت فيه الدعوى من جملة تلك المدة كان كذلك. لأن هذا اليوم إذا كان من جملة تلك المدة كان داخلاً في عقد الإجارة، وكان للمستأجر حق إمساكه عند نفسه والانتفاع به؛ ولأنه ادعى كذا كذا من الأجرة، وكان في محضر الدعوى أجر العبد، وبعد ذكر كلمات كثيرة، وسلم إليه، ولم يذكر وسلم العبد إليه، وبهذا لا يثبت تسليم العبد لجواز أنه سلم شيئاً آخر، وما لم يثبت تسليم العبد لا تجب الأجرة، فلا تستقيم دعوى تسليم الآجر خط الصلح والإبراء، عوض خط الصلح والإبراء.

وكان المذكور فيه: ادعى فلان على فلان مالاً معلوماً، فصالحه فلان على ألف درهم، وقبض فلان بدل الصلح، وذكر في آخره، وأبرأه المدعي عن جميع دعاويه وخصوماته إبراءً صحيحاً، فقيل: الصلح غير صحيح إذ ليس فيه مقدار المال المدعى، ولا بد من بيان ذلك ليعلم أنه وقع معارضة، أو وقع إسقاطاً، وليعلم أنه وقع صرفاً يشترط فيه قبض البدل في المجلس أولاً، ولم يتعرض لمجلس الصلح، فمع هذه الاحتمالات لا يمكن القول بصحة الصلح، أما الإبراء على سبيل العموم، فلا تسمع دعوى المدعي بعد ذلك لمكان الإبراء العام لا لمكان الصلح.

محضر فيه دعوى مال المضاربة على ميت بحضرة وارثه (269ب/4)
صورته: حضر وأحضر مع نفسه فلاناً وفلاناً كلهم أولاد فلان، فادعى هذا الذي حضر على هذا الذي أحضرهم مع نفسه أنه دفع إلى مورثهم فلان ألف درهم مضاربة، وإنه تصرف فيها وربح أرباحاً، وإنه مات قبل قسمة هذا المال، وقبل دفع رأس المال إلى رب المال، وقبل قسمة الربح مات مجهلاً لهذا المال، وصار ذلك ديناً في تركته إلى آخره، فقبل أن وقعت الدعوى في رأس المال والربح، فلا بد من بيان قدر الربح، وتركه يصير خللاً في الدعوى، وإن ادعى رأس المال وحده، فلا بأس بترك بيان قدر الربح.

(9/511)


محضر فيه دعوى قيمة الأعيان المستهلكة
صورته: حضر وأحضر، فادعى هذا الذي حضر على هذا الذي أحضره معه ألف دينار قيمة عين استهلكه من أعيان أمواله بسمرقند، ورد المحضر بوجوه:
أحدها: أنه لم يبين المستهلك، ولا بد من بيانه؛ لأن من الأعيان ما يكون مضموناً بالقيمة عند الاستهلاك، ومنها ما يكون مضموناً بالمثل، ولعل هذا العين مضمون بالمثل، فكيف تستقيم دعوى القيمة مطلقاً؟ ولأن من أصل أبي حنيفة رحمه الله أن حق المالك لا ينقطع عن العين بنفس الاستهلاك، ولهذا جوز الصلح عن المغصوب المستهلك على أكثر من قيمته، وإنما ينتقل حقه عن العين، وينتقل إلى القيمة بقضاء القاضي وبتراضيهما، فقبل ذلك يكون حقه في العين، فتكون الدعوى واقعاً في العين، فلا بد من بيانه؛ ولأنه لم يذكر أن هذا المقدار قيمة هذا العين المستهلك بسمرقند أو ببخارى، فإن قيمة الأعيان تختلف باختلاف البلدان، والمعتبر قيمة المستهلك في مكان الاستهلاك، فلا بد من بيان ذلك.

محضر فيه دعوى الحنطة
صورته: ادعى هذا الذي حضر على هذا الذي أحضر ألف منّ من الحنطة قبضاً موجباً للرد، وبين أوصاف الحنطة، قال: وهكذا كان أفراح هذا الذي أحضر معه في حال جواز إقراره بقبض الحنطة الموصوفة، فإنه قال لهذا الذي حضر بالفارسية: ترا هزاد من كندن آبي بكيزة ميانه سرخه تيرما هي بوزن أهل بخارى با منست إقراراً صحيحاً صدقه هذا الذي حضر فيه خطاباً، وقد توفي فلان قبل أن يرد شيئاً من هذه الحنطة مجهلاً غير معين لهذه الحنطة المذكورة فيه، وصارت هذه الحنطة المذكورة مضمونة لهذا الذي حضر في تركته، وخلف من الورثة أخاً له هذا، وخلف من التركة في يد هذا الذي أحضره أموالاً، منها ألف منّ من الحنطة بالأوصاف المذكورة، فواجب على هذا الذي أحضره معه أداء مثل هذه المذكورة فيه من هذه الحنطة المتروكة المذكورة فيه، وشهد الشهود على إقرار المدعى عليه بذلك، فرد المحضر بوجوه ثلاثة:

أحدها: أنه ادعى أولاً أنه قبض من ماله قبضاً موجباً للرد، والقبض المطلق خصوصاً نصفه كونه موجباً للرد يتصرف إلى الغصب، وكذلك الأخذ المطلق، ثم قال: وهكذا أقر فإنه قال بالفارسية كذا وكذا على نحو ماكتب، وليس إقرار المدعى عليه كما ادعاه المدعي فإنه قال: ترابا منست، وهذا منه إقرار بالوديعة، فشهادتهم تكون بالوديعة، فلم تكن الشهادة موافقة للدعوى المذكورة.
والثاني: ادعى عليه الحنطة بالمنّ والوزن في مثل هذه الصورة.
والثالث: أنه قال: فواجب عليه أداء مثل هذه الحنطة المذكورة فيه من التركة.
ولا يجب على الوارث أداء الدين من غير التركة لا محالة، بل الوارث بالخيار، إن شاء أدى الدين من التركة، وإن شاء أدى الدين من مال نفسه، وإنما يشترط قيام التركة في

(9/512)


يد الوارث لتوجه المطالبة عليه لا للأداء منها.
والخلل الثالث ليس بصحيح؛ لأن أصل الوجوب في التركة، إلا أن للوارث ولاية استخلاص التركة بأداء الدين من مال نفسه، ولما كان أصل الوجوب في التركة تستقيم دعوى الأداء من التركة نظراً إلى الأصل.

محضر فيه دعوى قبض العدليات بغير حق واستهلاكها
صورته: هذا الذي حضر ادعى على هذا الذي أحضره معه أن هذا الذي أحضره قبض من هذا الذي حضر دراهم عدلية، وبين عددها وصفتها وجنسها بغير حق، واستهلكها، فواجب عليه أداء مثل هذه الدراهم العدلية إن كان يوجد مثلها، وأداء قيمتها إن لم يوجد مثلها، وقيمتها يوم القبض كان كذا واليوم كذلك، فظن بعض مشايخنا أن في هذه الدعوى نوع خلل من قبل أنه ذكر قبض هذه الدراهم بغير حق واستهلكها، ولم يذكر أنه استهلكها بغير حق، أو بغير أمر صاحبه، ويحتمل أن الاستهلاك كان بغير أمر المالك، ويحتمل أنه كان بأمره، واعترض على هذا القائل أن الاستهلاك إن كان لا يصلح سبباً لمكان الاحتمال، فالغصب السابق كافٍ، فيمكن إيجاب الضمان بالغصب السابق.

وقيل في الجواب عن هذا الاعتراض: بهذا لا يمكن إيجاب الضمان بالغصب السابق؛ لأنه يحتمل أن المالك رضي بقبضه الدراهم، والمالك إذا رضي بقبض الغاصب، وقد كان الغاصب قبض للحفظ يبرأ عن الضمان، ذكره شيخ الإسلام خواهر زاده رحمه الله في كتاب «الصرف» .
وأكثر المشايخ على أن هذا الخلل المذكور في الحقيقة ليس بخلل، وجهه أن الغصب والقبض بغير حق في نفسه صلح لوجوب الضمان، وكذلك الاستهلاك في نفسه صلح سبباً لوجوب الضمان، إلا أن أمر المالك بالاستهلاك، وإجارته قبض الغاصب مبرىء له عن الضمان، وليس على المدعي أن يتعرض للمشتري عن الضمان نفياً وإثباتاً، إلا إذا ادعى المدعى عليه شيئاً من ذلك، فحينئذٍ يكون ذلك دفعاً لدعوى المدعي لا أن يشرط بيان ذلك على المدعي.
h
ثم في هذه الدعوى لو لم يكن المدعي ذكر الاستهلاك في الدعوى إنما ذكر القبض بغير حق ينبغي أن يطلب من المدعى عليه أولاً تسليم عين تلك الدراهم؛ لأن الدراهم إذا كانت قائمة، وثبت قبضها بغير حق يجب على المدعي تسليم عينها، لما عرف أن الدراهم والدنانير تتعينان في المغصوب، فيطالب المدعي بتسليم عينها، فإن عجز عن تسليم عينها، فبتسليم مثلها، فإن لم يقدر على المثل، فبتسليم قيمتها.
ومن الأئمة من قال: ينبغي للمدعي أن يطالب المدعى عليه أولاً بإحضار تلك الدراهم ليقيم البينة عليها، ثم يطالبه بتسليمها إليه كما هو الحكم في سائر المنقولات. ولكن يقول: طلب الإحضار على الإطلاق غير مستقيم هاهنا بخلاف سائر المنقولات؛ وهذا لأن الإحضار إنما يطلب في المنقولات حتى إذا شهد الشهود، وأشاروا إلى المدعى

(9/513)


به، والشهود لا يمكنهم الإشارة هاهنا، فإنهم لا يعلمون أن هذه الدراهم هل هو عين تلك الدراهم المغصوبة؟ فإن الدراهم يشبه بعضها بعضاً، فتقع الإشارة إلى غيرها عسى بخلاف سائر المنقولات، فإنه يعرف ظاهراً إلا إذا كان على الدراهم علامة يمكن تمييزها من جنسها، فحينئذٍ يشترط الإحضار أولاً.

محضر في دعوى الثمن
صورته: ادعى رجل على غيره أنه باع ثلاثة أذرع من الأطلس المعدني، وبين طوله وعرضه بثمن معلوم، وبين ذلك، وإنه اشتراها منه هذه القطعة من الأطلس الموصوف في مجلس البيع بالثمن الذي بينه، وقلنسوتين معروفتين بالعراق، وإوزة وتكمها، بكذا ثمناً وبين ذلك وسلمها إليه، وأنه قبضها منه من غير تسليم الثمن، فواجب عليه أداء الثمن المذكور فيه، وبين شرائط البيع والشراء من البلوغ والعقل، وطالبه بالثمن، وأنكر الخصم الشراء منه، وأنكر وجوب الثمن عليه، وأقام المدعي بينة على وفق دعواه بشرائطها، وكتبوا نسخة المحضر، وطلبوا جواب الفتوى، فزعم بعض المفتين أن في هذه الدعوى خللاً من قبل أنه لم يذكر فيه أن المبيع هل كان ملك البائع أولاً؟ لجواز أنه باع مال غيره بغير أمره، فلا يستوجب عليه المطالبة بالثمن؛ ولأنه لم يذكره في المحضر (270أ4) أن هذا بذرعان أهل بخارى أو بذرعان أهل خراسان، وإنه مما يتفاوت، فبقي المبيع مجهولاً إلا أن ما زعم هذا القائل لا يوجب خللاً.
أما الأولى: فلأنه ذكر في الدعوى أنه سلمها إليه، وقوله: وسلم، نظير قوله: هو يملكه، وهي مسألة كتاب «الشهادات» .
وأما الثاني: فلأنه ذكر في الدعوى أنه يسلمها إليه، وبعد القبض والتسليم، فالمدعى به في الحقيقة هو الثمن الذي وجب بالعقد، وصار ديناً في الذمة، ولا جهالة في الثمن، وإنما الخلل في هذه الدعوى من وجه آخر.

فإن المذكور في الدعوى أنه باع منه قطعة أطلس صفتها كذا، وإنه اشتراها منه، والبائع سلمها إلى المشتري، ولم يقل: باعهن واشتراهن، وسلمهن، أو اشتراها جملة بعدما باعها منه جملة، وسلم الجملة إليه، وهو قبض الجملة حتى ينصرف إلى كل ذلك، ولعله باع قطعة الأطلس هذه والقلنسوتين، وأنه اشترى القطعة دون القلنسوتين، أو سلم القطعة دون غيرها أكثر ما في الباب أن كلمة «ما» يجوز أن يصرف إلى أحدهما أيضاً، فلا يبقى هذا الاحتمال، فلا بد من ذكر شيء يزول به ما ذكرنا من الاحتمال، وهو كلمة «هنَّ» ، أو ذكر لفظ الجملة، أما بدون ذلك لا يزول الاحتمال، وإذا لم يزل الاحتمال بقي البيع والتسليم مجهولاً، فلا تستقيم دعوى القبض؛ لأن المسلم غير معلوم حتى يستقيم دعوى الثمن بقدره.

محضر في دعوى الوكيل من موكله
ادعى على آخر بحكم الوكالة الثابتة له من جهة والده أنه دفع إلى هذا الرجل تخت

(9/514)


ديباج عدده كذا، وصفته كذا، ولونه كذا، وطول كل ديباج كذا، وعرضه كذا على سبيل الأمانة، ولم يظفر به والده حتى يأخذ منه، وقد وكل والده هذا بالخصومة في ذلك متى ظفر بهذا المدفوع إليه، ووكله بقبض ذلك منه أيضاً، وكانت الوكالة ثابتة في مجلس القضاء، فادعى عليه إحضار ذلك مجلس القضاء ليقيم الوكيل البينة عليه، فأنكر المدعى عليه القبض أصلاً، فأقام المدعي بينة على إقرار المدعى عليه أنه كان قبض، لكن رده إلى والده، فكتبوا المحضر، وطلبوا جواب المفتين، فأجابوا بالكل، وكان وجه الخلل منه لم يكن في المحضر أن المدعي كذبه في قوله: باد زد كردم، وهذا لأن المدعي لو صدقه في الرد على والده لا يبقى له حق الخصومة بعد ذلك، فلا بد من بيان ذكر التكذيب في الرد لتستقيم دعوى الإحضار، وعندي أن هذا ليس بخلل؛ لأن طلبه الإحضار تكذيب له في الرد.

محضر في دعوى امرأة منزلاً في يدي رجل شراءً من والده
امرأة ادعت منزلاً على رجل، وقالت: هذا المنزل، وذكرت موضعه وبينت حدوده، كان ملكاً وحقاً لوالدي فلان، وإنه باعه مني يوم كذا، في شهر كذا، في سنة كذا حال كونه نافذ التصرف، وإني اشتريتها منه بذلك الثمن المذكور في مجلس البيع، وذلك في حال صحة تصرفاتي، واليوم جميع هذا المنزل ملكي وحقي بهذه السبب، وإن الذي في يده المنزل أحدث فيه يده، فواجب عليه قصر يده عنه، وتسليمه إليّ، فأجاب المدعى عليه: اين منزل ملك منست وحق منست، وباين مدعي سبروني نيست كه دعوى ميكند، أحضرت المدعية نفراً ذكرت أنهم شهودها، فشهد كل واحد منهم بعد الاستشهاد، وقال: كوهي ميدهم كه اين فلان بن فلان والد هذه المدعية أقر في حال صحة إقراره، وقال: اين خانه كه حدوي درين محضر باد كرده شده است بدين دفتر خويش فلانة فروخته ام ووي ازمن خريده است بهمين نهاكه درين محضر ست بهمين تاريخ كه درين محضر باد كرده شده است فروختي وخريدني دردست، وأمرو زاين خانه ملك ابن فلانة است بدين بسبب كه أندر محضر باد كرده است واين مدعى عليه دست نو كرده است درين خانه بنا حق.
واستفتوا المفتين فزعم بعضهم أن فيه خللاً من قبل أنه ذكر في الدعوى أنه باعه منها بتاريخ كذا، وهكذا أقر البائع بهذا البيع بهذا التاريخ، وهذا يوجب خللاً من قبل أنه أضاف الإقرار إلى تاريخ البيع في يوم كذا، ولعل الإقرار كان قبل ذلك، وهذا الزعم فاسد من جهة أن الإقرار لو حمل على ما قبل البيع يكون باطلاً، ولو حمل على ما بعده يكون صحيحاً، والأصل في تصرف العاقد أن يصحح لا أن يبطل.
وزعم هذا الزاعم أيضاً أن في لفظة الشهادة خللاً؛ لأن الشهود قالوا: نشهد أنه أقر بالبيع، شهدوا على إقراره، ثم قالوا: واليوم جميع هذا المنزل ملك هذا المدعي بالسبب المذكور، وفي المحضر أو الإقرار لا يصلح سبباً ولا شهادة لهم على البيع، فكانت الشهادة باطلة، والجواب عن هذا من وجهين:

(9/515)


أحدهما: أن هذا لا يوجب خللاً في شهادتهم، وفساد؛ لأن الشهود إذا شهدوا عل إقراره بالبيع والشراء من المدعي، فقد ثبت البيع والشراء بشهادة الشهود، ولكن بناءً على الإقرار والبيع بسبب الملك.
والثاني: أنهم شهدوا على إقراره، ولا علم لنا بعدم شهادتهم على البيع، ولعل لهم شهادة على البيع، لكن لم يشهدوا في الابتداء على البيع، بل شهدوا على إقراره أولاً، ثم شهدوا على البيع، وهو السبب الموجب للملك، فلم يكن في الشهادة خللاً.

محضر في دعوى الثمن
ادعى على غيره كذا ديناراً نيسابورية جيدة ديناً لازماً، وحقاً واجباً بسبب صحيح، وذكر فيه، وأقر المدعى عليه أن هذه الدنانير عليه بسبب أنه اشترى من هذا المدعي كذا مناً من دهن السمسم الصافي، وبين أوصافه شراءً صحيحاً، وقبضه منه قبضاً صحيحاً، فواجب على المدعى عليه تسليم هذه الدنانير المذكورة فيه إلى هذا المدعي، وذكر جواب المدعى عليه بالإنكار، وذكر بعده شهادة الشهود على إقرار المدعى عليه بهذا الشراء المذكور فيه هذا المبلغ من الدهن الموصوف فيه.
وقال كل واحد من الشهود بالفارسية: كواهي سيدهم كه اين مدعى عليه، وأشار إليه مقراً مد كه بحال صحت، ورواني إقرار خويش بطوع، ورغبت وحنين كفت كه بخريده ام ازين مدعي، وأشار إلي المدعي مفتصد من روعن كنحيل باكيزة صافي خريدني دردست، وقبض كردم قبض كردني دردست، فاستفتوا عن صحة هذه الدعوى فقيل: إنها فاسدة من وجهين، والشهادة غير مطابقة للدعوى.
أما بيان أحد وجهي فساد الدعوى أن المدعي ادعى إقرار المدعى عليه بهذا المال المذكور فيه، ودعوى الإقرار بالمال غير صحيح لوجهين:
أحدهما: أن دعوى الإقرار ليس بدعوى للحق؛ لأن حق المدعي المال دون الإقرار، فإذا ادعى الإقرار فقد ادعى ما ليس له بحق له.

والثاني: أنه ظهر وجه الكذب في هذه الدعوى؛ لأن نفس الإقرار ليس بسبب لوجوب المال إنما الموجب شيء آخر، وهو المبايعة والإقراض، أو ما شاكل ذلك، فلو كان الحق ثابتاً للمدعي بسببه لادعى ذلك، ولبين سببه، فلما أعرض عن ذلك، ومال إلى الإقرار علم أنه كاذب في الدعوى.
والوجه الثاني: لفساد الدعوى أنه لما بين سبب الوجوب وشري الدهن، لا بد وأن يبين أن هذا المبلغ من الدهن (270ب4) الذي يدعي بيعه المدعى عليه كان موجوداً وقت البيع حتى يقع البيع صحيحاً؛ لأن على تقدير عدمه وقت البيع، أو عدم بعضه لا يكون البيع منعقداً في حق الكل، أو في حق البعض، فلا يكون الثمن واجباً على المدعى عليه، فلا تستقيم دعوى الثمن بسبب الشراء، والبيع أكثر ما في الباب أنه ذكر قبضه قبضاً صحيحاً، لكن هذا لا يكفي لصحة البيع ووجوب الثمن لوجهين:

(9/516)


أحدهما: أنه يحتمل أنه لم يكن موجوداً ولا مقبوضاً، لكن الكاتب هكذا كتب.
والثاني: أنه يحتمل أنه لم يكن موجوداً وقت البيع، ثم حصله البائع، وسلمه إلى المشتري، وقبضه المشتري إذ لم يكن في المحضر، وقبضه في مجلس الشراء، أو عقيب القيام عن مجلس الشراء، وعلى تقدير العدم وقت البيع لا ينفعه التسليم؛ لأن العقدحينئذٍ يقع باطلاً، والتسليم بحكم البيع الباطل لا ينفع، ولا يكون هذا بيعاً بالتعاطي؛ لأن هذا التسليم بناء على ذلك العقد الفاسد، وإنما يعتبر البيع بالتعاطي في موضع لم يكن التسليم بناءً على العقد الفاسد.

وهو نظير ما قلنا في الإجارة إذا أجر داره أو أرضه، وهي مشغولة بمتاع الآجر، أو زروعه، ثم فرغ، وسلم لا تنقلب الإجارة جائزة، ولا ينعقد بينهما إجارة مبتدأة بالتعاطي؛ لأن التسليم حصل بناءً على الإجارة الفاسدة كذا هاهنا.

ومن المشايخ من أنكر وجود الفساد في هذه الدعوى، وذكر لكل وجه من وجهي الفساد جواباً، أما الأول قوله: بأن دعوى الإقرار بالمال إنما لا يصح إذا حصل دعوى المال بحكم الإقرار بالمال بأن قال المدعي: لي عليك كذا، لأنك أقررت لي به، أو قال: هذا العين ملكي؛ لأنك أقررت لي به، وهاهنا دعوى المال ما حصل بحكم الإقرار، بل دعوى المال حصل مطلقاً إلا أنه مع دعوى المال ادعى إقراره بالمال، وهذا لا يوجب خللاً، وقوله: ظهر وجه الكذب في هذه الدعوى ممنوع أيضاً، وقوله: لم يدع السبب، قلنا: إنما لم يدع السبب لا لما قلتم، بل؛ لأنه لم يجد من يشهد على السبب، وجد من يشهد على إقرار المدعى عليه بالمال.
وأما الوجه الثاني قوله: لا بد وأن يبين أن هذا المبلغ من الدهن كان موجوداً وقت البيع، قلنا: هذا إنما يحتاج إليه في الشهادة بأن شهد الشهود أنه باع منه كذا مبلغاً من الدهن، والشهود هاهنا لا يشهدون على البيع إنما يشهدون على إقراره بالبيع، وإقراره كان بشراء صحيح، وإقرار الإنسان متى حصل بتصرف صحيح يثبت حكمه في حقه، وإن احتمل الفسادبخلاف الشهادة، والفرق بين الشهادة والإقرار عرف في موضعه.
وأما بيان أن الشهادة لا تطابق الدعوى: فإن في الشهادة ذكر إقرار المدعى عليه بالقبض مطلقاً لا بقبض المشتري، فإن الشهود قالوا: مقراً بدين مدعى عليه كه خريدم ازين مدعى مفصدين روعن كنجيد صافي باكيزه، وقبض كردم قبضي دردست، وفي دعوى القبض ذكر مع الإشارة فإنه قال: قبض منه قبضاً صحيحاً، وكان ينبغي أن يذكروا في الشهادة على إقرار المدعى عليه، وقبض كرد مش.

(9/517)


محضر: فيه دعوى السرقة من رجل خباز من رجل أجلسه على دكانه ليبيع الخبز من الناس، ويأخذ الأثمان وهو الذي يسمى صاحب دكان
وصورة الدعوى: أن الخباز ادعى عليه مبلغاً معلوماً من المال، وقال: إنك سرقت من مالي من أثمان الخبز هذا المبلغ، وادعى عليه إنك قلت: إني أخذت كل يوم خمسة دراهم من الناس، ونقصت لهم من الخبز الذي بعت منهم، إلا أني لم أحبس من مالك شيئاً، وصاحب الدكان منكر ذلك كله، وقد كتبوا في آخر المحضر: فواجب على هذا الذي أحضره معه إحضار هذه الدراهم مجلس القضاء ليتمكن المدعي من إقامة البينة عليها.
فقيل: هذه الدعوى لا تتوجه على صاحب الدكان من جهة الخباز؛ لادعائه ما في الباب أنه يريد إثبات إقراره بأخذ هذه الدراهم على الوجه الذي ذكر في الدعوى، إلا أنه لو ثبت ذلك كان حق الخصومة لأصحاب الدراهم؛ لأنه لما نقصهم من الخبز الذي باع منهم، وأخذ الثمن كان عليه رد ذلك إليهم، وكان حق الاسترداد لهم لا لهذا الرجل إذ ليس هو بخصم عنهم، وإن كان الخباز ادعى عليه إنك قلت: إني أخذت كل يوم خمسة دراهم من مالك، ونقصت الوزن للمشتري أيضاً لا تصح الدعوى؛ لأنه إذا نقص من الخبز المبيع، وأخذ الثمن تاماً كانت الدراهم التي هي بمقابلة النقصان ملك المشتري، فلا يكون للخباز ولاية الاسترداد.
وقد يكون زعم نفر من الأئمة أن صاحب الدكان لما أقر بأخذ الدراهم كان ذلك إقرار من حيث الظاهر أن الدراهم عوض إخبازه أخذها على دكانه عند البيع، فبدعواه أنه أخذ من الناس، ونقص لهم من الخبز الذي باع منهم يكون مدعياً خلاف الظاهر، فلا يصدق على المدعي ما لم يثبت ذلك، وهذا منهم مجرد ظن.

ووجه ذلك: أن الخباز يدعي أن الدراهم المأخوذة حقه، وصاحب الدكان منكر، فيكون القول قوله لا أن يكون هو المدعي حتى يكون إثبات ذلك عليه، وبيان فساد هذه الدعوى من وجه آخر أنه يريد أن يدعي عليه مالاً معلوماً مقدراً، ويقول: إنك أقررت بأخذ خمسة دراهم كل يوم، فيكون الدراهم في يده كذا كذا مبلغاً، ونحن نعلم قطعاً أو ظاهراً أن على تقدير التصور لا تجتمع الدراهم في يده ما ذكر من المبلغ؛ لأن المدة كانت طويلة خمس سنين أو ست سنين، فنعلم نفسياً أن الدكان لا يكون على العمل في هذه المدة على سبيل الدوام، بل يتعطل في بعض الأيام، ويحتاج إلى تجديد التنور والعمارة، وهذا أمر معتاد متعارف، وظاهر فيكون دعوى مبلغ معلوم مقدر بحساب كل يوم في جميع هذه المدة كذباً محضاً، ودعوى باطلة، فلا يسمع.

وكانوا كتبوا في آخر محضر الدعوى: فواجب على هذا الذي أحضره إحضار الدراهم مجلس القضاء ليتمكن المدعي من إقامة البينة عليها، وهذا كلام فاسد لغو ضائع من قبل أن الإحضار إنما يشترط للشيء المدعى به وقت الشهادة لتسيير الشهود المدعى به وقت الشهادة، وهاهنا الشهود لما كانوا يريدون الشهادة على إقراره لقبض خمسة دراهم

(9/518)


في كل يوم لا على معاينة القبض، والأخذ كيف يمكنهم الإشارة إلى دراهم معينة محضرة، فأي فائدة في ذكر إحضار الدراهم؟ وقد ذكرنا هذا الكلام غير مرة.

محضر في دعوى الوصية بالثلث
وصورته: ادعى الموصى له على واحد من الورثة أن الميت قد كان أوصى بثلث ماله حال حياته عاقلاً بالغاً، وأحضر في مجلس الدعوى خاتماً من ذهب فصه من فيروزج، وادعى على الوارث أن هذا الخاتم من جملة التركة التي خلفها الميت، وإنه في يدك، فواجب عليك دفع الثلث المشاع من هذا الخاتم إلي بحكم الوصية، وأنكر الوارث الوصية، فأقام المدعي بينة على وفق دعواه، واستفتوا عن صحة الدعوى، فأفتوا بفساد هذه الدعوى، واختلفوا في علة الفساد، بعضهم قالوا: لم يذكر في المحضر أنه أوصى طائعاً، ويحتمل أنه كان مكرهاً في الإيصاء، والوصية مع الإكراه باطلة، وبعضهم قالوا: طلب تسليم الثلث المشاع من الخاتم، وذلك لا يتصور، والصحيح هو الأول؛ لأن تسليم الجزء الشائع متصور بتسليم الكل.

محضر فيه دعوى النكاح على امرأة
وصورة ذلك: ادعى فلان على فلانة أنها منكوحته، وحلاله بسبب أنه تزوجها على مهر معلوم بمشهد من الشهود العدول بتزويجها نفسها منه، وأنها خرجت عن طاعته، فواجب عليها الانقياد له في أحكام النكاح، وقد كان جواب المرأة أن انقيادها له في أحكام الشرع غير واجب عليها من قبل أنه طلقها ثلاث تطليقات، وأنها محرمة عليه بالطلقات الثلاث، وأثبت ذلك بالبينة على سبيل دفع دعواه النكاح عليها، وقد كان أبى الرجل بدفع الدفع أنها مبطلة في دعوى الدفع، وأن دعواها الدفع ساقطة من قبل أنها أقرت قبل دعواها الدفع هذه أنها اعتدت من بعد الطلقات الثلاث، وتزوجت بزوج آخر ودخل بها ذلك الزوج، ثم طلقها، واعتدت منه أيضاً، وكان دعوى انقضاء العدتين منها في مدة يتصور في مثلها انقضاء العدتين، ثم تزوجت بهذا الزوج بمهر معلوم، بمشهد من الشهود العدول، وإنها اليوم امرأته، وكان على المحضر جواب (271أ4) مشايخ سمرقند وكتابهم بالصحة، واتفق مشايخ بخارى أن المحضر غير صحيح من المدعي، وبينوا لذلك وجهاً، فقالوا: الزوج ادعى إقرار المرأة بهذه الأشياء، ودعوى الإقرار على المدعى عليه بالشيء غير صحيح، والمدعي المذكور في شرح «أدب القاضي» ، وعندي أن ما ذكروا من بيان وجه الفساد ليس بصحيح، وهذا لأن الزوج لا يدعي النكاح عليها بحكم إقرارها، بل يدعي النكاح مطلقاً، وإنما دعوى الإقرار لبيان كونها مطلقة في دعوى الدفع، ودعوى الإقرار إنما لا يسمع لإثبات استحقاق المدعى به بالإقرار إما لأبطال الدعوى في مقام الدفع فصحيح، وإليه أشار في آخر «الجامع» وقد ذكرنا المسألة قبل مشروحه والله أعلم.

(9/519)


ورد سجل من مرو في إثبات ملكية جمل، وكتب فيه يقول القاضي فلان صاحب المظالم والأحكام الشرعية بكورة مرو ونواحيها من قبل السلطان فلان حضر في مجلس الحكم بها بتاريخ كذا رجل ذكر أنه فلان بن فلان، وأحضر معه خصماً ذكر أنه فلان بن فلان، فادعى عليه بمحضر منه، قالوا: وكان في المذكور إلى هاهنا خللاً من وجهين:
أحدهما: أنه كتب حضر في مجلس القضاء بها، وقد سبق ذكر كونه قاضياً بمرو ونواحيها، فقوله: بها يحتمل الانصراف إلى كورة مرو، ويحتمل الانصراف إلى نواحيها، وعلى تقدير الانصراف إلى النواحي، والحكم لا يكون صحيحاً فيها إذ المصر شرط صحة القضاء في ظاهر الرواية، وإليه مال أكثر المشايخ، مذكور في «أدب القاضي» للخصاف، وعندي أن هذا ليس بخلل؛ لأن المصر على رواية «النوادر» ليس بشرط، فإذا قضى القاضي خارج المصر كان قضاؤه في فصل مختلف فيه، فينفذ.

والثاني: أنه ذكر، فادعى عليه بمحضر منه، ولا من التصريح بذكر الذي حضر، والذي أحضره معه؛ لأنه يحتمل أن الدعوى صدر من غير هذا المدعي، أو من هذا المدعي على غير هذا المدعى عليه، ويكتب بمحضر من هذا المدعى عليه لاحتمال أنه يدعي عليه حال غيبته، ثم ذكر فيه جملاً صفته كذا على فخذه كيّ، صفته كذا، وقيمته كذا، سنه كذا بمحضر مجلس القضاء، وأشار إليه أنه ملكه وحقه.
قالوا: وفي بعض هذه الألفاظ خلل، وبعضها غير محتاج إلى الذكر، فبيان الصفة والقيمة والسن غير محتاج إليه، إذ هو محضر مجلس الحكم، فتصح الدعوى بالإشارة إليه من غير بيان الصفة والسن والقيمة، وفيه خلل فإنه قال: وأشار إليه أنه ملكه وحقه، وينبغي أن يقول إلى الجمل المحضر هذا أنه ملك المدعي هذا، وحقه.

ثم قال: وفي يد المدعى عليه بغير حق، فلا بد وأن يقول: في يد المدعى عليه هذا، ثم ذكر: وإن الواجب عليه قصر اليد عنه، ولا بد وأن يقول: وإن الواجب على هذا المدعي قصر يده عن الجمل المدعى هذا، ثم ذكر: وإعادته إلى يده، وعسى لم يكن في يده بأن كان ورثه، ولم يقبضه حتى غصبه المدعى عليه، وينبغي أن يذكر مكان لفظة التسليم، ويسلمه إلى المدعي هذا.
ثم ذكر بعد المسألة والإنكار، فأحضر المدعي جماعة، وكان ينبغي أن يقول: فأحضر المدعي هذا، ثم ذكر في شهادة الشهود شهدوا أن الجمل المدعى ملك المدعي وحقه، وفي يد المدعى عليه بغير حق، وقد كان ذكر عقيب ذلك، وأشار إلى المتداعيين، وأنه لا يعني عن ذكر الإشارة عقيب ذكر كل واحد منهما؛ لأن اسم المتداعيين تتناول كل واحد منهما، فعسى أشاروا إلى المدعي عند الحاجة إلى الإشارة إلى المدعى عليه، وعند ذكر الجمل يحتاج إلى ذكر الإشارة إلى الجمل، إلا إذا كان ذكر وأشار إلى المشهود به هذا، ولو لم يكن ذكر لفظة هذا عند ذكر المشهود به، وأحوج ما يكون في المحضر والسجل الإشارة في موضع الإشارة في لفظة الشهادة والدعوى، حتى يرتفع الاشتباه

(9/520)


وتصح الدعوى، وقد كان ذكر عقيب قوله: فالتمس المدعي هذا مني الحكم، فأعلمت المدعى عليه ما يوجه عليه من الحكم، ولم يكن ذكر هذا عقيب ذكر المدعى عليه لكن ليتأمل في ترك ذكر الإشارة في هذه المواضع، وإنما يبالغ في ذلك في الدعوى والشهادة.v
وقد كان فيه أيضاً: وحكمت بثبوت ملكية المذكور فيه للمدعي، وبكونه في يد المدعى عليه بغير حق بحضره المتخاصمين، ولم يكن ذكر: وبحضرة الجمل المدعى به هذا، ولابد من ذكر ذلك لا محالة؛ لأن في المنقول يحتاج القاضي وقت الحكم إلى الإشارة كما يحتاج الشاهد وقت الشهادة إلا إذا كان المدعى به القيمة، فحينئذٍ لا يحتاج ما يدعي قيمته كما في الرجوع في الاستحقاق، فالقاضي يقضي بالرجوع بالثمن من غير إحضار المستحق كذا هاهنا.

وكان القاضي كتب في آخر السجل المذكور فيه صدر من فلان، ولم يكن كتب: إني حكمت بشهادة هؤلاء الشهود، وبدليل لاح عندي، وما أشبه ذلك، ولا بد من ذلك ليعلم أن الدعوى والشهادة كانت بين يديه، وعسى كان الدعوى والشهادة بين يدي نائبه، وهو تولي الحكم بنفسه، ومثل ذلك لا يجوز القضاء به، فلا بد من بيان ما يدل على ذلك، وكان قاضي بخارى كتب في آخر هذا السجل: وصدر منه الحكم بشهادة عدلين، ولم يكن ذكر بحضرة الخصم، وعسى كان عند غيبة الخصم، فلا يكون صحيحاً، ولو كان كتب: حكمت بثبوت السجل بشرائطه لا يكفي أيضاً؛ لأن القاضي لا يقف على الشرائط، فلا بد من البيان كما قلنا في قول القاضي: شهدوا على موافقة الدعوى أنه لا يكفي بذلك؛ لأنه لا يعرف الموافقة بين الدعوى والشهادة، كذا هاهنا.

محضر في إثبات الوقفية
وكان المكتوب فيه ادعى أن فلاناً وكل فلاناً، وأقامه مقام نفسه في طلب حقوقه من الناس، وفي قبضها له منهم توكيلاً مطلقاً بشرط متحقق كائن قبل هذا التوكيل، وهو هذا الوقف، وقال بالفارسيية: اكر فلان وقف كرده است اين فلان موضع رابن براد دو خواهر خويش فلان وفلان بشرائط كذا، وسلمه إلى متولي كان ولاه يوم الوقف، وصارت وقفية ذلك الموضع مستفيضة مشهورة، وصار هذا الوقف من الأوقاف القديمة المشهورة، فأنت وكيلي بقبض الديون علمه الناس، وقد ثبتت وقفية ذلك الموضع المبين بالشرائط المذكورة فيه، وصارت من الأوقاف المشهورة فتحقق شرط الوكالة له بقبض الديون التي لفلان على الناس، ولفلان الموكل على هذا الذي أحضرته كذا كذا ديناراً، فأجاب الخصم وقال: بلى فلان ترى وكيل كرده است بران وجه كه دعوى ميكنى وكالتي معلق بآن شرط كه ياد كردي ومرا لفلان جند بن كه دعوى ميكني دادني نيست، ولكن مرا از وقفية اين موضع معلوم نيست، وإن شهرت واستفاضت أو خبرني ومرا بتواين جه دعوى ميكني داد نيست.

أحضر المدعي نفراً يشهدون له على الوقفية، فشهد الشهود بذلك على وجهها، وساقوا هذه الشهادة على سببها، وذكروا أن فلاناً وقف هذه الضياع المذكورة فيه على

(9/521)


كذا بشرط كذا، وحكم القاضي بثبوت الوقفية، وتحقق شرط الوكالة، ولزوم المال على المدعى عليه، وكلفه أداء ذلك إلى المدعي، وأمر بكتبة هذا السجل فكتبوا، ووقع القاضي على صدره، وكتب في آخره كما هو المعتاد (271ب4) ، ثم استفتوا على صحة السجل، فأجاب بعض مشايخنا بصحته، وأجاب المحققون بفساده.
واختلفوا فيما بينهم بعلة الفساد، بعضهم قالوا: لأن الشهود شهدوا على أصل الوقف، وشرائطه بالشهرة، والاستفاضة والشهادة على أصل الوقف جائزة، وعلى شرائطه لا، وإذا لم تقبل الشهادة على الشرائط، والشهود شهدوا بهما لا تقبل على أصل الوقف أيضا هاهنا. إما لأن الشهادة واحدة فإذا بطلت في البعض بطلت في الكل؛ أو لأن الشهود لما لا يحل لهم، فوجب ذلك فسقهم، والفسق يمنع قبول الشهادة، وجهلهم بذلك لا يكون عذراً؛ لأن هذا من الأحكام، والجهل بالحكم في دار الإسلام لا يكون عذراً، وإنما علم هاهنا أنهم شهدوا بالتسامع، لأنهم شهدوا بوقف قديم مضى عليه سنون كثيرة، يعلم قطعاً أنهم لم يكونوا حال حياة الواقف يعلم بالضرورة أنهم شهدوا بالتسامع، وهذا ليس بشيء عندي؛ لأن الشهود وإن شهدوا بوقف قديم مضى عليه سنون كثيرة، فهذا لا يثبت الشهادة بالشهرة والتسامع لجواز أنهم عاينوا قاضياً قضى بوقفية هذا الموضع بالشرائط المذكورة.

وطريق آخر يعلم به أنهم شهدوا بالتسامع أن يقول الشهود: شهدنا؛ لأنه اشتهر عندنا، وهذا مقبول بخلاف ما إذا قالوا: شهدنا؛ لأنا سمعنا من الناس حيث لا يقبل في ظاهر الجواب، كما لو قالا: شهدنا بملكية هذا العين لفلان؛ لأنا رأينا هذا العين في يده يتصرف تصرف الملاك، في شهادات «مختصر عصام» .

وفي رواية: تقبل، وإن فسروه بالسماع من الناس وتأكيد هذه الرواية في كتاب «الأقضية» ، وبعضهم قالوا: إنما فسد السجل؛ لأنهم لم يثبتوا المتولي، ولم يذكروا نسبه، بل ذكروا مجهولاً، والتسليم إلى المجهول لا يتحقق، والتسليم شرط صحة الوقف، ولا اعتماد على هذه العلة إنما الاعتماد على العلة الأولى.
وعندي: أن الدعوى من الوكيل ودفعه ذلك الموضع على الوجه الذي ذكر لا يصح، ولو كان الدعوى خالياً عما ذكروا من وجه آخر، لأن الوكيل بهذه الدعوى يثبت شرط حقه بإثبات فعل على الغائب، وفيه إبطال حق الغائب عما هو مملوك له، والإنسان لا يصلح خصماً في إثبات شرط حقه بإثبات فعل على الغائب إذا كان فيه إبطال حق، ألا ترى أن من علق عتق عبده بطلاق فلانة امرأته، فأقام العبد بينة أن فلاناً قد طلق امرأته، فالقاضي لا يسمع دعوى العبد، ولا يقبل بينته؟ والمعنى ما ذكرنا، هكذا ذكر المسألة في طلاق «الجامع الأصغر» ، وقد افتى بعض المتأخرين بسماع هذه الدعوى، وقبول بينته، والأول أصح.

محضر فيه دعوى ثمن أشياء أرسل بها المدعي إلى المدعى عليه ليبيعها
وصورته: حضر فلان بن فلان الفلاني، وأحضر معه فلاناً، وادعى هذا الذي حضر

(9/522)


على هذا الذي أحضره معه أن هذا الذي حضر أرسل إلى هذا الذي أحضره بيد أمين له فلان كذا عدداً من الكرباس الزندسجي البخاري الممسوح؛ طول كل واحد كذا، وعرضه كذا ليبيع ممن يرغب في شرائه بما يقوم أهل البصر في ذلك، وإن فلاناً الأمين أوصل هذه الكرابيس إلى هذا الذي أحضره، قبض ذلك كله من الأمين، وباع ممن اشترى بتقويم أهل البصر وقبض، وذلك كذا، فواجب على هذا الذي أحضره معه تسليم الثمن المذكور فيه إلى هذا المدعي إن كان قائماً بعينه في يده، وإن كان استهلكه، فواجب عليه أداء مثل ذلك الدنانير المقبوضة إلى المدعي، وسأل مسألته عن ذلك، فسئل، فأجاب الذي أحضره بالإنكار، فأحضر المدعي شهوداً، فاستغنوا عن صحة هذه الدعوى، قيل هذه الدعوى غير مسموعة، وفيها خلل من وجهين:
أحدهما: أن المدعي ادعى على المدعى عليه تسليم ثمن الكرابيس المذكورة في هذه الدعوى، وذكر في الدعوى أنه باع الكرابيس المذكورة فيه بكذا، وقبض الثمن، وطالبه بتسليم الثمن، ولم يذكر أنه باع الكرابيس المذكورة فيه، وسلمها إلى المشتري، ويحتمل أنه ملك الكرابيس في يد البائع بعد البيع قبل التسليم، وعلى هذا التقدير الثمن لا يكون لصاحب الكرابيس بل يبطل البيع، ويكون الثمن لمشتري الكرابيس، وإنما يكون الثمن لصاحب الكرابيس إذا سلم البائع الكرابيس إلى المشتري، فما لم يذكر التسليم لا تكون دعوى المطالبة بتسليم الثمن صحيحة.
والوجه الثاني: قال: فواجب على هذا الذي أحضره معه تسليم الثمن إلى هذا المدعي، وهذا النوع من المطالبة غير مستقيمة في مثل هذه الدعاوى لوجهين:

أحدهما: أنه ذكر لفظة الوجوب، وعلى تقدير صحة البيع، ووجود التسليم إلى المشتري، فالثمن يكون أمانة عند المدعى عليه؛ لكونه وكيلاً في البيع، وفي الأمانات لا يجب على الأمين تسليمها إلى صاحبها، إنما يجب عليه التخلية لا غير، فمطالبته بالتسليم لا تكون مستقيمة.
والثاني: أن الثمن لو كان قائماً في يد الأمين كان متعيناً، وفيما يتعين من المنقول إنما تستقيم المطالبة بالإحضار مجلس الحكم ليتمكن المدعي من الدعوى، وإقامة البينة بحضرته، ولا تستقيم الدعوى والمطالبة بالتسليم.
بعض مشايخنا قالوا: الوجه الثاني من الخلل ليس بصحيح، وكذا الوجه الأول قوله: لو صح البيع وتسليم المبيع، وقبض الثمن كان الثمن أمانة في يد الوكيل، ولا يجب على الأمين تسليم الأمانة قلنا: الأمين لا يجب عليه الأمانة بحقيقة أما يجب عليه التسليم بمجازه، وهو التخلية، فتحمل دعوى التسليم على دعوى التخلية تصحيحاً، وقوله: بأن الثمن في يد الوكيل لو كان قائماً كان متعيناً، فيجب الإحضار للإشارة، ولا يمكن للشهود الإشارة إلى الدراهم التي أثمان، وقد مر جنس هذا فيما تقدم.

محضر فيه دعوى ملكية حمار
صورته: ادعى فلان على فلان ملكية حمار، فحضر مجلس الحكم، وقال: الحمار

(9/523)


الذي في يد هذا المدعى عليه اشتريته من فلان، وفي يد هذا المدعى عليه بغير حق، فواجب عليه تسليمه إليّ، فاستفتوا عن صحة هذا الدعوى، فقيل: إنها فاسدة من وجهين:
أحدهما: أنه ذكر الشراء من فلان، ولم يذكروا نقد الثمن، وقد كتبنا في هذا الكتاب أن المشتري إذا وجد المشترى في يد غيره، ولم يكن نقد الثمن للبائع لا يكون له ولاية الاسترداد والاستخراج من يد ذي اليد، وأكدنا ذلك بمسألة «المنتقى» .

والثاني: أن في دعوى الملك بسبب الشراء لا بد للمدعي أن يقول: باع مني وهو يملكه، أو يذكر التسليم، أو يقول: ملكي اشتريته من فلان، ولم يوجد شيء من ذلك، والحاصل أن ذكر الملك من أحد الجانبين كافٍ لصحة الدعوى بطريق الشراء.

محضر فيه دعوى رجل بقية صداق بنته على زوجها بسبب دعوى الطلاق عليها وجهته بالحلف
وكان صورة الدعوى: كان لفلان بن فلان على ختني كذا ديناراً بسبب كذا، فقضى من ذلك كذا، وبقي عليه كذا، وكان في يد صاحب الدين خط إقرار ختني لهذا بالمال، فطعن المقر بذلك ومزقه، ثم أخذه الغريم يوماً، وطالبه بالباقي من المال، فأنكر فاستحلفه بالطلاق، فحلف بثلاث تطليقات إنه ليس عليه شيء، فهدده وحبسه، فأقر ببقية المال الذي كان عليه، وأعطاه خطاً بذلك.

وهكذا أقر المدعى عليه بالحلف، وببدل الخط، والإقرار ببقية ماله الذي كان له عليه، فأخبر بذلك امرأته وصهره، ورفعوا الأمر إلى القاضي، فادعى صهره بوكالة بنته بقية مهرها بوقوع الطلاق بسبب الحلف المذكور فيه، فأنكر الرجل الحلف والإقرار بعد ذلك، فأتى المدعي بالشهود، فشهدوا بهذا اللفظ: أن الزوج أقر أني حلفت بثلاث تطليقات أنه ليس لفلان عليَّ كذا، وهو ما كان يدعي علي من بقية الدين، ثم بدل له خطاً بكذا، فاستفتوا بصحة هذه الدعوى (272أ4) وموافقة الشهادة الدعوى، فقيل: إن هذه الشهادة غير موافقة لهذه الدعوى؛ لأن في الدعوى ذكر أنه أقر بعد الحلف ببقية المال الذي كان له عليه، وبدل له الخط بذلك، وفي الشهادة شهد الشهود أنه أقر أنه بدل الخط بعد الحلف بكذا، ولم يشهدوا أنه بدل الخط بالمال الذي كان له عليه، وعسى بدل له خط الصلح، وذلك لا يكون إقراراً أصلاً، وإن بدل خط الإقرار، وأشهد بمال آخر لا بذلك المال، فلا يوجب هذا حنثاً في يمينه، فكانت هذه الشهادة مخالفة للدعوى من هذا الوجه، ولأنه يكره في هذا الإقرار، والإقرار مكرهاً لا يجب به المال، فلا يقع الحنث، فهذا خلل ظاهر في هذا المقام.

محضر فيه دعوى استئجار الطاحونة
وكان في ذكر الحدود، الحد الأول: مصرف ماء النهر، والحد الثاني: مصب ماء النهر من الوادي، فرد المحضر بعلة أن هذا حد النهر لا حد الطاحونة، والدعوى وقع في الطاحونة وحدها، ولو وقع الدعوى في الطاحونة، والنهر، فما ذكروا يصلح حداً للنهر.

(9/524)


محضر فيه دعوى إجارة محدودة بأجرة معلومة
فرد المحضر بعلة أن الأجرة ذكر مطلقة، ولعل أنها من المكيلات، وبيان مكان الإيفاء إذا كانت الأجرة مكيلاً أو موزوناً شرط، ولم يذكر ذلك.

محضر في الإجارة المضافة إلى زمان بعينه
وقد كتب الصك قبل مجيء ذلك الزمان، وكتب فيه أنهما تقابضا قبضاً صحيحاً قبل قوله: تقابضا قبضاً صحيحاً لا يكاد يصح؛ لأن العقد لا ينعقد قبل مجيء ذلك الزمان، والتقابض قبله لا يكون صحيحاً.

محضر
سجل فيه استحقاق جارية اسمها دلبر، فحين أراد المشتري أن يثبت الاستحقاق عند القاضي ليرجع على البائع ذكر اسم الجارية بنقشه، فقال البائع: ما بعت منك جارية اسمها نقشة، وإنما بعت جارية اسمها دلبر، فقد قيل: القاضي لا يلتفت إلى دعوى المشتري، ولا يمكنه من الرجوع على بائعه؛ لأن البائع ينكر بيع الجارية بالاسم الذي ادعاه المشتري، وقد قيل: القاضي يسمع دعواه إذا قال: أرجع عليك بثمن الجارية التي اشتريتها منك، واستحقت عليّ، سمع دعواه، وإذا أقام عليه البينة، قبلت بينته، وقضى له بالثمن.

محضر في إثبات الاستحقاق والرجوع بالثمن
وصورة ذلك: جرى الحكم من القاضي فلان على فلان باستحقاق حمار كان اشتراه ببينة قامت، فرد المحضر بعلة أنه لم يكن في المحضر أن الاستحقاق كان بمطلق الملك، أو بالملك بسبب، وكذلك لم يذكر فيه أن البينة قامت على إقرار المستحق عليه، أو على نفس الدعوى، والحكم يختلف.

محضر في دعوى يمين عين مسماة
وكان المذكور في آخر الدعوى، فواجب على هذا المدعى عليه تسليم الثمن المذكور إلى هذا المدعي، فرد المحضر بعلة أنه لم يذكر في المحضر تسليم المبيع، ولا بد من ذكره ليصح دعوى المطالبة بتسليم الثمن، فإنه لو ملك البيع قبل التسليم ينتقض البيع، ولا يبقى الثمن واجباً على المشتري.
والثاني: أن المذكور في آخر الدعوى: فواجب على هذا المدعى عليه تسليم الثمن المذكور إلى هذا المدعي، والثمن على تقدير صحة البيع أمانة عند المدعى عليه، وفي الأمانات والودائع الواجب هو التخلية دون التسليم.

وكل ذلك عندي فاسد غاية الفساد، أما الأول: فلأن حكم الشرع في بيع العين بالدراهم أن المشتري هو الذي يطالبه بتسليم الثمن أولاً، وأما الثاني: فلأن الثمن واجب في ذمة المشتري، والواجب في الذمة لا يكون أمانة، وكيف يستقيم هذا القول؟ فإنه لو ملك جميع مال المشتري لا يسقط عنه الثمن.

(9/525)


ورد محضر
فيه دعوى: دنانير نيسابورية جيدة حمراء ثمن دهن مقدر معلوم، اشتراه المدعى عليه من المدعي، وقبض الدهن، وشهد الشهود بذلك، وذكروا قبض الدهن في الدعوى والشهادة جميعاً، فرد المحضر بعلة أن المدعي في دعواه، والشهود في شهادتهم لم يذكروا أن هذا القدر من الدهن هل كان في ملكه يوم البيع؟ وعلى تقدير أنه لا يكون لا يجوز البيع، ولا يجب الثمن على المشتري، وهذا ليس بخلل في الحقيقة؛ لأن هذا دعوى الدين في الحقيقة؛ لأن الدهن مقبوض، ألا ترى أنهم لو لم يذكروا مقدار الدهن تصح الدعوى؟ وإن لم يذكروا قبضه، وإنما تصح الدعوى؛ لأنه في الحقيقة دعوى الدين.

ورد محضر
صورته: ادعى فلان على فلان أنك اشتريت مني كذا كذا حنطة بخمسين ديناراً، وجاء المدعي بشاهدين شهد أحدهما بالبيع بخمسة وعشرين، وشهد الآخر بالبيع بسبعة وعشرين، فقيل: الشهادة ليست بصحيحة لاختلاف الشاهدين فيها، وقيل: لو صح الدعوى كانت الشهادة على العشرين مقبولة؛ لأنهما اتفقا على العشرين لفظاً ومعنى، والأول أصح؛ لأن كل واحد منهما شهد بعقد غير العقد الذي يشهد به صاحبه، فإن العقد بخمسة وعشرين غير العقد بعشرين، ألا ترى أنه لو وقع مثل هذا الاختلاف بين المتبايعين يتحالفان؟.

ورد محضر

ادعى فلان على فلان كذا كذا أقفزة حنطة، وقال في دعواه: اين مدعى عليه ارزمين مستأجر اين مبلغ كندم برده است بنا حق، فإن كان قائماً بعينها، فعليه أن يردها علي، وإن كان هالكاً، فعليه أن يرد مثلها، فرد المحضر بعلة أنه لم يذكر في الدعوى: اين مبلغ كندم برده است بنا حق ان مزروعه مزيا ان مزروعه مزارع من، ولا بد من ذكر ذلك ليصح منه دعوى المطالبة بالتسليم إذ يجوز أن يكون الزارع زرع في أرض غيره، فيكون الزرع لذلك الغير لا لهذا المدعي، وإذا ذكر أنه مزروع مزارعة هل يشترط ذكر اسم المزارع ونسبه؟ ففيه اختلاف المشايخ.
وفي «فتاوى النسفي» : عرض محضر فيه دعوى أربعة آلاف دينار، والمكتوب في لفظة الشهادة أربعة دنانير، قال شيخ الإسلام السغدي: المخالفة بين الدعوى والشهادة ظاهرة، فقيل: بسي هزار، فقال: أدان سي فقد فسد المكتوب، وقيل: يجب أن يقبل الشهادة على أربعة دنانير، وقد مر جنس هذا.
ورد محضر فيه دعوى: أعيان مختلفة الجنس والنوع والصفة، وذكر قيمتها جملة، ولم يبين قيمة كل عين، قال شيخ الإسلام: اختلف المشايخ فيه، منهم من اكتفى بالإجماع، ومنهم من شرط

(9/526)


التفصيل، وهذه المسألة في الحاصل على وجهين:
أما إن كانت الأعيان قائمة، أو مستهلكة، فإن كانت قائمة فلا بد من الإحضار عند الدعوى، وعند ذلك لا حاجةإلى بيان القيمة، وقد مر جنس هذا، وإن كانت مستهلكة ينبغي أن يبين قيمة كل عين؛ لأنه ربما يقر باستهلاك بعض هذه الأعيان، وينكر البعض، فلا بد من أن يعرف القاضي أنه بأي قدر يقضي، مع هذا إذا لم يبين لا يوجب ذلك خللاً في الدعوى؛ لأنه ادعى ديناً وبين قدره.

محضر في دعوى الناقة
رد بعلة الدعوى، وقع في الناقة، والمكتوب في المحضر الجمل، وإنه يوجب الفساد لمكان تجهيل في الوصف، وكذلك لو وقع الدعوى في ناقة وجمل، وكتب في المحضر (272ب4) ناقتين أو جملين يرد المحضر لما قلنا، وهذا الجواب مستقيم في دعوى الدين غير مستقيم في دعوى العين؛ لأن في دعوى العين يحتاج إلى الإشارة، وعند الإشارة لا حاجة إلى ذكر شيء من الأوصاف.

عين محضر
صورته: ادعى فلان أنه قطع من أشجار كرمه كذا كذا وقراً من الحطب، قيمتها كذا، وغصب من كرمه كذا كذا وقراً من الأعيان، فرد المحضر بعلة أنه ليس فيه بيان نوع العنب والحطب، فقيل: هذا الجواب مستقيم في العنب؛ لأنه مثله، غير مستقيم في الحطب؛ لأن الحطب من ذوات القيم، فبين مقدار قيمة الحطب، ويكتفى به، وقيل: الأول صح؛ لأن القيمة تتفاوت بتفاوت النوع والصفة، فإن قيمة الجوز والفرصاد أكثر من قيمة الخلاف، وكذلك قيمة اليابس أكثر من قيمة الرطب، فلا بد من أن يبين نوع الحطب مع مقدار القيمة حتى يعلم هل هو صادق في تعيين هذا القدر من القيمة؟.

ورد محضر فيه دعوى امرأة على زوجها
وصورتها: أنها ادعت أنه أخذ من مالها كذا كذا بغير حق، قبضاً يوجب عليه الرد عليها، وأقر فلان أنه قبض ذلك المال المذكور منها إقراراً صحيحاً، وهو طائع غير مكره، ولم يكن عند ذكر الإقرار أنه قبض ذلك بغير حق، ولا ذكر أنه قبض قبضاً يوجب عليه الرد عليها، قال شيخ الإسلام السعدي رحمه الله: مدار الأمر على هذا الإقرار، وليس فيه أنه بغير حق، ويحتمل أن يكون بحق، وليس فيه إضافة إقراره إلى ما سبق ذكره أنه أقر بذلك، أو نحوه حتى يتصرف ذلك الأول، بل هو إقرار مستأنف مطلق، وذلك لا يوجب الضمان لا محالة، فلا تصح الدعوى.

قيل: وينبغي أن تصح الدعوى، وهو الأشبه؛ لأن القبض المطلق سبب لضمان الرد والعين جميعاً، فصار وجود الرد كالمنصوص عليه في إقراره بالقبض المطلق، ألا ترى إلى ما ذكر في «الأصل» ، وفي «الجامع الصغير» أن من قال لغيره: غصبتني هذا الثوب، وقال ذلك الرجل: أخذته منك وديعة، أن القول قول المقر له، والمقر ضامن مع أن

(9/527)


المقر هناك نص على الأخذ وديعة، فهاهنا أولى.

عرض محضر على شيخ الإسلام السغدي
وصورته: ادعى رجل أعياناً من الأموال على رجل، ومنها قميص قد كانوا سواء جنسه ونوعه وقيمته وصفته، وسراويل بينوا نوعه وصفته وجنسه، وقيمته، قال: إنه ليس بصحيح؛ لأنه لم يذكر مردانه، وارنا زنانة وار خرديا كلان.
والمسألة على وجهين: إن كانت هذه الأشياء قائمة لابد من إحضارها مجلس الدعوى للإشارة إليها، وعند ذلك لا حاجة إلى بيان هذه الأشياء، وإن كانت مستهلكة، فلابد من ذكر هذه الأشياء مع ذكر القيمة.

ورد محضر فيه دعوى النحاس المنكسرة
وكان الغصب في بلد مرو، والدعوى ببخارى، فاعلم بأن الغصب على نوعين:
نوع هو من ذوات الأمثال، ونوع هو ليس من ذوات الأمثال، وكل نوع على نوعين أيضاً، نوع له حمل ومؤنة، ونوع لا حمل له ولا مؤنة، فإن لم يكن المغصوب من ذوات الأمثال نحو الدابة والخادم، أو ما أشبه ذلك، فلقي المغصوب منه الغاصب في بلدة أخرى، والمغصوب قائم في يد الغاصب، فإن كانت القيمة في هذه البلدة مثل القيمة في بلدة الغصب أو أكثر، فالمغصوب منه يأخذ عين ماله، وليس له أن يطالب الغاصب بالقيمة؛ لأن وصل إليه عين حقه من غير ضرر يلحقه.
h

وإن كان السعر في هذه البلدة أقل من القيمة في مكان الغصب، فالمغصوب منه بالخيار، إن شاء أخذ المغصوب ولا شيء له، وإن شاء أخذ القيمة في مكان الغصب، وإن شاء انتظر حتى يذهب الغاصب بالمغصوب إلى بلدة الغصب فيأخذ منه، وهذا لأنه إذا أخذ العين فقد وصل إليه عين ملكه مع ضرر يا حقه من الغاصب؛ لأن قيمة الأشياء تتفاوت بتفاوت الأمكنة، وهذا التفاوت إنما حصل لمعنى من جهة الغاصب، وهو نقله إلى هذا المكان، فكان له أن يلتزم الضرر بأخذ العين، وله أن لا يلتزم الضرر، فيأخذ القيمة يوم الخصومة في مكان الغصب، أو ينتظر بخلاف ما إذا لقيه في بلدة الغصب، وقد انتقص السعر حيث لا يكون له الخيار؛ لأن النقصان ما حصل بفعل مضاف إلى الغائب، وإنما هو لمعنى راجع إلى رغبات الناس، فلا يضمن، أما إذا نقله إلى موضع آخر فهذا النقصان حصل مستنداً إلى فعل الغاصب، وهو النقل، فأمكن إيجاب الضمان عليه.
وإن كان المغصوب قد هلك في يد الغاصب، فلقيه المغصوب منه في بلد آخر، فإن كانت قيمتها في بلدة الغاصب أكثر يطالبه بقيمتها في بلدة الغاصب يوم الخصومة إن شاء، وإن كانت قيمتها في بلدة الخصومة أكبر فالغاصب يعطيه قيمته في بلدة الغاصب؛ لأن المالك لا يستحق الرد إلا في مكان الغصب.

وإن كان المغصوب من ذوات الأمثال، وله حمل ومؤنة كالكر من الحنطة أو الشعير، وكالنحاس المنكسر وما أشبه ذلك، فإن كان المغصوب قائماً في يد الغاصب،

(9/528)


فلقيه المغصوب منه في بلدة أخرى، فإن كان الشعير في هذه البلدة مثل الشعير في بلدة الغصب، أو أكثر، يأخذ المغصوب منه بالخيار؛ إن شاء أخذ عين المغصوب، وإن شاء أخذ قيمته في مكان الغصب يوم الخصومة، وإن شاء انتظر، وإن كان المغصوب قد ملكه في يد الغاصب فإن كان الشعير في بلدة الغاصب مثل الشعير في بلدة الخصومة، فالغاصب يبرأ برد المثل، وللمغصوب منه أيضاً أن يطالبه برد المثل؛ لأنه لا ضرر على واحد منهما، وإن كان الشعير في بلدة الغصب أكثر فللمغصوب منه الخيار؛ إن شاء طالبه برد المثل، وإن شاء أخذ قيمته في بلدة الغصب يوم الخصومة، وإن شاء انتظر.

فإن كانت قيمته في مكان الغصب أكثر فللغاصب الخيار، إن شاء أعطاه مثله، وإن شاء أعطاه قيمته في مكان الغصب؛ لأن المالك لا يستحق إلا في مكان الغصب، فلو ألزمنا الغاصب تسليم المثل على التعيين يستضر به الغاصب، فإنه يلزمه زيادة قيمة لا يستحق المغصوب منه، فخيرناه بين إعطاء المثل في الحال، وبين إعطاء القيمة في مكان الغصب إلا أن يرضى المغصوب منه بالتأخير، فله ذلك، وله أن لا يأخذ القيمة في مكان الغصب للحال.
إذا عرفت جواب هذه الفصول خرج جواب المحضر، وإن كان قيمة النحاس بمرو أكثر من قيمته ببخارى مثل قيمة النحاس بمرو، فحق المغصوب منه في مثل ذلك النحاس، فإن ادعى المثل صح دعواه، وما لا فلا، وإن كانت قيمة النحاس بمرو أكثر من قيمته ببخارى، فالمغصوب منه بالخيار إن شاء طالبه بالمثل في الحال، وإن شاء طالبه بقيمة مرو يوم الخصومة، فأي ذلك شاء، وعينه وادعاه يصح دعواه، وإن كانت قيمته ببخارى أكثر من قيمته بمرو، يطالب الغاصب بأيهما شاء الغاصب، ويقول له القاضي: أدّ أيهما شئت، إما قيمته بمرو، وإما مثله في الحال.

ورد محضر
صورته: حضر فلان وأحضر معه فلان بن فلان، ولم يذكر اسم الجد فأجبت بالصحة؛ لأنه حاضر، وفي الحاضر الإشارة تكفي، ولا يحتاج إلى ذكر الاسم، فأولى أن لا يحتاج إلى ذكر الجد، وأما الغاصب فلا بد من ذكر الجد في قول أبي حنيفة ومحمد، وهو الصحيح.
ورد محضر: امرأة ادعت على ورثة زوجها بقية مهرها، الذي كان لها عليه، وأنه أقر لها بذلك طائعاً، ومات (273أ4) قبل أن يوفيها ذلك، وخلف من التركة في أيديهم ما فيه وفاء بالدين وزيادة، وفيه جواب الإمام نجم الدين النسفي بالفساد؛ لعلة أنها لم تبين أعيان التركة في أيديهم، ولا بد من بيان ذلك، وتعريفها بما يقع به المعرفة، نحو ذكر الحدود في المحدودات وأشباه ذلك.
وهذا فصل اختلف فيه المشايخ، بعضهم شرطوا بيان أعيان التركة شيئاً فشيئاً،

(9/529)


والحاكم أحمد السمرقندي في «شروطه» ذكر في سجل إثبات الدين إن أجمل كان كافياً، وإن بين وفسر كان أحوط، والفقيه أبو الليث لم يشترط بيان أعيان التركة، واكتفى بذكر الوفاء بالدين، والخصاف ذكر في «أدب القاضي» في باب اليمين على العلم مثلما ذكر الفقيه أبو الليث، والمختار للفتوى هذا أنه لا يشترط بيان أعيان التركة لإثبات الدين والقضاء به، ولكن إنما يأمر القاضي الوارث بقضاء دين الميت إذا ثبت وصول التركة إليهم، وعند إنكارهم وصول التركة إليهم لا يمكن للمدعي إثباته إلا بعد ذكر أعيان التركة في أيديهم بما يحصل به الإعلام، وهكذا حكى فتوى شمس الإسلام الأوزجندي.
ورد محضر فيه ذكر إقرار بمال، فرده الإمام النسفي بعلة أنه لم يذكر فيه أنه أقر بطوع، قال: ولا بد من ذكره، وقيل: إنه من باب الاحتياط، وليس بأمر لازم؛ لأن الإكراه فيما بين الناس ليس بظاهر، وإنما يكون بطريق الندرة، وما كان نادراً لا يلتفت إليه بالأحكام الشرعية.

محضر فيه دعوى رجلين صداق جارية مشتركة بينهما

وصورته أن المسماة فلانة التركية مشتركة بينهما، وإن لهذه التركية على هذا الرجل من صداقها كذا، وهكذا، أقر هو، وجاء بشهود شهدوا على إقرار المدعى عليه بالصداق المذكور للتركية المسماة، فرد المحضر بعلة أنه ليس فيه ذكر المزوج، وهذا لأنه يحتمل أن الجارية صارت لهما من جهة غيرهما إما بالإرث أو بالهبة أو بالبيع، أو بالصدقة، أو بالوصية، أو ما أشبه ذلك، ويحتمل أن التزويج كان من جهة ذلك الغير، فإن كان التزويج من البائع أو الواهب أو من المتصدق، كان الصداق إلا لهذين المدعيين فلا يصح دعواهما ذلك، وإن كان التزويج من مورثهما، فالصداق يجب للمورث أولاً، ثم يجب للوارث، فلا بد من بيان حق الميراث؛ ولأنهم قالوا: لها على هذا المدعى عليه من الصداق كذا، والصداق يجب لمالكها لا لها؛ ولأن الشهود شهدوا على إقرار المدعى عليه لها بالصداق على نفسه، أما ما شهدوا بكونها مملوكة لهذين المدعيين، وما لم يثبت بالحجة كونها مملوكة للمدعيين لا يثبت لهما حق المطالبة بتسليم الصداق إليها.
ورد محضر فيه: دعوى صبي بعلة أن دعوى الصبي غير صحيحة، وهذا مستقيم في حق الصبي المحجور، أما الصبي المأذون فدعواه صحيحة إن كان مدعياً، وإن كان مدعى عليه، فجوابه أيضاً صحيح.

محضر فيه: دعوى رجل على رجل أن هذا الرجل وكزه خطأ، وأصاب وجهه، وانكسر من شدة ضربه ستة من ثناياه الثماني من الأصل، ووجب لهذا المدعى عليه خمسمئة درهم، وطالبه

(9/530)


بالجواب، فرد المحضر بعلة أن الضرب إذا كان خطأ، فوجب على العاقلة لا على الضارب وحده، وإن اختلفوا أن الضارب هل هو من جملة العاقلة؟.
والاختلاف في هذا الفعل في موضعين:
أحدهما: أن الوجوب على الضارب ابتداء، والعاقلة يحملون عنه، أو الوجوب على العاقلة ابتداء.
والثاني: أن الضارب هل هو من جملة العاقلة، فلا يستقيم دعوى مطالبة بجميع الموجب.

ورد محضر في دعوى الإرث

صورته: ادعى على هذا الذي أحضره أن فلاناً مات، وخلف من الورثة، فلاناً وفلاناً، لا وارث له غيرنا، وصارت جميع تركته ميراثاً بيننا على أربعة أسهم لي، وفي يد هذا المدعى عليه من تركته دار حدودها كذا، فواجب عليه تسليم سهم واحد من أربعة أسهم من هذه الدار المحدودة إليَّ، فقال المدعى عليه: نيشت ازيازده نيراز جملة اين دار محدودة ملك منست ودردست من وبتو سبروني نيست.
فرد المحضر بعلة أن المدعى عليه إذا لم يكن يتعرض للباقي، فإنما يطالب المدعى عليه بسهم من أربعة أسهم من جملة ما أقر بكونه في يده لا بسهم من أربعة أسهم من جملة الدار؛ لأن يد المدعى عليه على الدار إنما تثبت بإقراره وهو إنما أقر بيده على هذا المقدار، وهذا ليس بخلل على الحقيقة؛ لأن المدعي إن لم يثبت يد المدعى عليه على ما ادعاه المدعي، فالقاضي لا يلتفت إلى دعواه، وإن أثبت صح دعواه، وصحت مطالبته بتسليم هذا المقدار، فلا حاجة إلى شيء آخر.
ورد محضر فيه دعوى الضمان بعلة أن المدعي قال في دعواه: وإن هذا الرجل ضمن المال المذكور فيه، ولم يقل: ضمن لي، ولا بد من ذكر ذلك ليصح مطالبة المدعي إياه بحكم الضمان، وعندي أن هذا ليس بخلل.

محضر فيه دعوى دفع الدفع
صورته: رجل مات وترك ابناً، وصنوفاً من الأموال، فادعت امرأة على ابن الميت أن أباه هذا الميت قد كان تزوجها على صداق كذا، ومات قبل أداء شيء إليها، وخلف من التركة في يد هذا الابن كذا وكذا، وإنها تفي بهذا المقدار من الصداق وزيادة، فأنكر الابن أن يكون لها على أبيه صداقاً، فأقامت البينة على ذلك، فادعى الابن عليها في دفع دعواها: إنك أبرأت أبي عن هذه الدعوى بعد موته، وأقام البينة على ذلك، فادعت المرأة على الابن في دفع دعواه الدفع: إنك مبطل في دعوى الإبراء، لما أنك طلبت مني الصلح بعد موت أبيك على كذا وكذا، فقيل: لا شك أن دفع الابن دعواها صحيحة مع ما سبق منه من إنكار الصداق على الأب؛ لأن التوفيق ممكن؛ لأنه يمكنه أن يقول: لم

(9/531)


يكن لها على الأب الصداق، ولكن لما ادعت تشفعنا إليها حتى تبرئه، فأبرأته، فأما دفع الدفع ننظر إن ادعت أنه طلب مني الصلح عن دعواي لا يصلح هذا دفعاً؛ لأن الصلح عن دعوى الشيء لا يكون إقراراً بذلك الشيء للمدعي، وكذلك طلب الصلح من الدعوى لا يكون إقراراً، فكذا هاهنا، طلب الصلح عن الابن دعوى المهر لا يكون إقراراً (273ب4) بمهرها.
وإن ادعت أنه طلب الصلح عن مهري، فالمسألة يجب أن تكون على خلاف بين أبي يوسف ومحمد رحمهما الله، وهذا لأن طلب الصلح عن الشيء إقرار بذلك الشيء للمدعي، فيثبت بينة المرأة إقرار للابن بصداقها على أبيه، وقد ثبت بينة الابن إبراء المرأة الميت عن الصداق، ولم يعرف بينهما تاريخ، فيجعل له كأنهما وقعا معاً الإبراء وطلب الصلح، فيصير الابن راداً الإبراء بطلب الصلح عن الصداق، ورب الدين إذا أبرأ الميت عن الدين، فرد الوارث إبراءه هل يرتد الإبراء برده؟ على قول أبي يوسف: يرتد، وعلى قول محمد: لا يرتد، فيصح الدفع.

سجل ورد من خوارزم في إثبات الحرية

ولم يذكروا فيه لفظة الشهادة، وإنما ذكروا أنهم شهدوا عل موافقة الدعوى، فظن بعض مشايخنا أن فيه خلل، وقد ذكرنا في أول المحاضر أن ترك لفظة الشهادة خلل في محضر الدعوى، وليس بخلل في السجل، وذكر فيه أيضاً: وقضيت لفلان على فلان بكذا، ولم يذكر فيه: بحضرتهما، فظن بعض مشايخنا أنه خلل، وليس بخلل، ويحمل ذلك على أنه كان بحضرتهما حملاً لقضائه على الصحة، وقد غلطوا في الاسم، فجعلوا اسم الوكيل للموكل، واسم الموكل للوكيل، فظن بعض مشايخنا أنه خلل.
وقال بعضهم: ليس بخلل؛ لأن الوكيل والموكل متخاصمان، وقد وجدت الإشارة، فلا حاجة إلى الاسم.
سجل عرض كتب في آخره: ثبت عندي، ولم يكتب: حكمت، فرد السجل بهذه العلة، وإنه سهو، فقول القاضي: ثبت عندي بمنزلة قوله: حكمت.

عرض سجل في دعوى الوصية
صورته: حضر فلان وأحضر مع نفسه فلاناً، وهذا الذي حضر مأذون من جهة القاضي فلان في دعوى وقفية الضيعة التي حدودها كذا، نصبه القاضي فلان ليثبت الوقفية على فلانة، وأولاد أولادها، وقفها فلان على ابنته فلانة، ثم على أولادها، ثم على أولاد أولادها، وبعد انقراضهم على مسجد جامع كذا، فادعى هذا الذي حضر على هذا الذي أحضره معه أن هذا الذي أحضره معه أثبت يده على هذه الضيعة الموقوفة على فلانة، ثم على أولادها بغير حق، فواجب عليه قصر يده عنها، وتسليمها إليّ لأقضيها بالإذن الحكمي.

(9/532)


فقيل: هذا السجل وقع فاسداً؛ لأن المدعي لم يذكر في دعواه أنه يدعي الوقفية ليصرف الغلة إلى فلانة وأولاد أولادها، أو ليصرف الغلة إلى مصالح الجامع، ولا بد من بيان ذلك؛ لأن على تقدير بقاء فلانة، أو واحد من أولادها، أو أولاد أولادها لا تصرف الغلة إلى مصالح الجامع، وعلى تقدير انقراضهم، فالمدعي ليس بخصم؛ لأن القاضي إنما نصبه ليدعي وقفية هذه الضيعة لهؤلاء لا للجامع.
وقيل: السجل صحيح، وهذا الخلل ليس بشيء؛ لأن الواقف واحد إلا أن المصارف مختلفة، والبعض مقدم على البعض، فالإذن من القاضي بدعوى وقفية هذه الضيعة لأجل البعض يكون إذناً بدعوى وقفيتها لأجل الكل، فصار مأذوناً بدعوى الوقفية لأجل الكل، فلا حاجة إلى تعيين المصارف في الدعوى، ويكفيه دعوى أصل الوقفية، ثم إذا ثبت أصلاً، فإن بقي أحد من هؤلاء تصرف الغلة إليه، ولا تصرف إلى مصالح الجامع.

عرض سجل في دعوى حرية الأصل
وكان في الدعوى أنه حر الأصل، وإنه علق حراً، وولد على فراش الحرية، وأم المدعي هذا معتقة، فشهد الشهود أنه حر الأصل ولد على فراش الحرية، ولم يشهدوا أنه علق حر الأصل، وشهدوا أنه حر الأصل، ولم يزيدوا على هذا، فأفتى كثير من مشايخنا بصحته.
فإن محمداً رحمه الله ذكر في كتاب «الولاء» : إذا شهد الشهود أن هذا حر الأصل اكتفى به، ومن المشايخ من زعم فساد السجل؛ لأن المعتوق بالولد إن كان بعد عتق الأم كان الولد حراً، وإن كان قبل ذلك لا يكون الولد حراً، فإذا لم يبينوا ذلك في الدعوى والشهادة كيف يقضي بحرية الولد وبصحة السجل؟ والله أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، تم المحاضر والسجلات.

فإن محمداً رحمه الله ذكر في كتاب «الولاء» : إذا شهد الشهود أن هذا حر الأصل اكتفى به، ومن المشايخ من زعم فساد السجل؛ لأن المعتوق بالولد إن كان بعد عتق الأم كان الولد حراً، وإن كان قبل ذلك لا يكون الولد حراً، فإذا لم يبينوا ذلك في الدعوى والشهادة كيف يقضي بحرية الولد وبصحة السجل؟ والله أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، تم المحاضر والسجلات.

(9/533)