الهداية في شرح بداية المبتدي

ج / 1 ص -15-         كتاب الطهارات
قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6] الآية، "ففرض الطهارة غسل الأعضاء الثلاثة ومسح الرأس" بهذا النص والغسل هو الإسالة والمسح هو الإصابة وحد الوجه من قصاص الشعر إلى أسفل الذقن وإلى شحمتي الأذن لأن المواجهة تقع بهذه الجملة وهو مشتق منها "والمرفقان والكعبان يدخلان في الغسل" عندنا خلافا لزفر رحمه الله تعالى هو يقول الغاية لا تدخل تحت المغيا كالليل في باب الصوم.
ولنا أن هذه الغاية لإسقاط ما وراءها إذ لولاها لاستوعبت الوظيفة الكل وفي باب الصوم لمد الحكم إليها إذ الاسم يطلق على الإمساك ساعة والكعب هو العظم الناتئ هو الصحيح ومنه الكاعب.
قال: "والمفروض في مسح الرأس مقدار الناصية وهو ربع الرأس" لما روى المغيرة بن شعبة أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى سباطة قوم فبال وتوضأ ومسح على ناصيته وخفيه والكتاب مجمل فالتحق بيانا به وهو حجة على الشافعي في التقدير بثلاث شعرات وعلى مالك في اشتراط الاستيعاب وفي بعض الروايات قدره بعض أصحابنا رحمهم الله تعالى بثلاث أصابع من أصابع اليد لأنها أكثر ما هو الأصل في آلة المسح.
قال: "وسنن الطهارة: غسل اليدين قبل إدخالهما الإناء إذا استيقظ المتوضئ من نومه" لقوله عليه الصلاة والسلام: "
إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يغمسن يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا فإنه لا يدري أين باتت يده" ولأن اليد آلة التطهير فتسن البداءة بتنظيفها وهذا الغسل إلى الرسغ لوقوع الكفاية به في التنظيف.
قال: "وتسمية الله تعالى في ابتداء الوضوء" لقوله عليه الصلاة والسلام: "
لا وضوء لمن لم يسم الله" والمراد به نفي الفضيلة. والأصح أنها مستحبة وإن سماها في الكتاب سنة ويسمى قبل الاستنجاء وبعده هو الصحيح.
قال: "والسواك" لأنه عليه الصلاة والسلام كان يواظب عليه وعند فقده يعالج

 

ج / 1 ص -16-         بالأصبع، لأنه عليه الصلاة والسلام فعل كذلك والأصح أنه مستحب.
قال: "والمضمضة والاستننشاق" لأنه عليه الصلاة والسلام فعلهما على المواظبة.
وكيفيته أن يمضمض ثلاثا يأخذ لكل مرة ماء جديدا ثم يستنشق كذلك هو المحكي عن وضوئه صلى الله عليه وسلم "ومسح الأذنين" وهو سنة بماء الرأس عندنا خلافا للشافعي رحمه الله تعالى لقوله عليه الصلاة والسلام: "
الأذنان من الرأس" والمراد بيان الحكم دون الخلقة.
قال: "وتخليل اللحية" لأن النبي عليه الصلاة والسلام أمره جبريل عليه السلام بذلك وقيل هو سنة عند أبي يوسف رحمه الله جائز عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى لأن السنة إكمال الفرض في محله والداخل ليس بمحل الفرض.
قال: "وتخليل الأصابع" لقوله عليه الصلاة والسلام: "
خللوا أصابعكم كي لا تتخللها نار جهنم" ولأنه إكمال الفرض في محله.
قال: "وتكرار الغسل إلى الثلاث" لأن النبي عليه الصلاة والسلام توضأ مرة مرة وقال: "
هذا وضوء لا يقبل الله تعالى الصلاة إلا به" وتوضأ مرتين مرتين وقال: "هذا وضوء من يضاعف الله له الأجر مرتين" وتوضأ ثلاثا ثلاثا وقال: "هذا وضوئي ووضوء الأنبياء من قبلي فمن زاد على هذا أو نقص فقد تعدى وظلم" والوعيد لعدم رؤيته سنة.
قال: "ويستحب للمتوضئ أن ينوي الطهارة" فالنية في الوضوء سنة عندنا وعند الشافعي رحمه الله تعالى فرض لأنه عبادة فلا تصح بدون النية كالتيمم ولنا أنه لا يقع قربة إلا بالنية ولكنه يقع مفتاحا للصلاة لوقوعه طهارة باستعمال المطهر بخلاف التيمم لأن التراب غير مطهر إلا في حال إرادة الصلاة أو هو ينبئ عن القصد "ويستوعب رأسه بالمسح" وهو سنة. وقال الشافعي رحمه الله تعالى: السنة التثليث بمياه مختلفة اعتبارا بالمغسول ولنا أن أنسا رضي الله عنه توضأ ثلاثا ثلاثا ومسح برأسه مرة واحدة وقال هذا وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي يروى من التثليث محمول عليه بماء واحد وهو مشروع على ما روى الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى ولأن المفروض هو المسح وبالتكرار يصير غسلا ولا يكون مسنونا فصار كمسح الخف بخلاف الغسل لأنه لا يضره التكرار.
قال: "ويرتب الوضوء فيبدأ بما بدأ الله تعالى بذكره وبالميامن" فالترتيب في الوضوء سنة عندنا وقال الشافعي رحمه الله تعالى فرض لقوله تعالى:
{فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ}[المائدة:6] الآية والفاء للتعقيب ولنا أن المذكور فيها حرف الواو وهي لمطلق الجمع بإجماع أهل اللغة فتقتضي إعقاب غسل جملة الأعضاء والبداءة بالميامن

 

ج / 1 ص -17-         فضيلة لقوله عليه الصلاة والسلام: "إن الله تعالى يحب التيامن في كل شيء حتى التنعل والترجل".

فصل في نواقض الوضوء
"المعاني الناقضة للوضوء كل ما يخرج من السبيلين" لقوله تعالى:
{أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} [النساء:43] وقيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما الحدث قال: "ما يخرج من السبيلين" وكلمة ما عامة فتتناول المعتاد وغيره "والدم والقيح إذا خرجا من البدن فتجاوزا إلى موضع يلحقه حكم التطهير والقي ملء الفم" وقال الشافعي رحمه الله: الخارج من غير السبيلين لا ينقض الوضوء لما روي أنه عليه الصلاة والسلام قاء فلم يتوضأ ولأن غسل غير موضع الإصابة أمر تعبدي فيقتصر على مورد الشرع وهو المخرج المعتاد ولنا قوله عليه الصلاة والسلام: "الوضوء من كل دم سائل" وقوله عليه الصلاة والسلام: "من قاء أو رعف في صلاته فلينصرف وليتوضأ وليبن على صلاته مالم يتكلم" ولأن خروج النجاسة مؤثر في زوال الطهارة وهذا القدر في الأصل معقول والاقتصار على الأعضاء الأربعة غير معقول لكنه يتعدى ضرورة تعدي الأول غير أن الخروج إنما يتحقق بالسيلان إلى موضع يلحقه حكم التطهير وبملء الفم في القيء لأن بزوال القشرة تظهر النجاسة في محلها فتكون بادية لا خارجة بخلاف السبيلين لأن ذلك الموضع ليس بموضع النجاسة فيستدل بالظهور على الانتقال والخروج وملء الفم أن يكون بحال لا يمكن ضبطه إلا بتكلف لأنه يخرج ظاهرا فاعتبر خارجا وقال زفر رحمه الله تعالى قليل الفيء وكثيره سواء وكذا لا يشترط السيلان عنه اعتبارا بالمخرج المعتاد ولإطلاق قوله عليه الصلاة والسلام: "القلس حدث" ولنا قوله عليه الصلاة والسلام: "ليس في القطرة والقطرتين من الدم وضوء إلا أن يكون سائلا" وقول علي رضي الله تعالى عنه حين عد الأحداث جملة أو دسعة تملأ الفم وإذا تعارضت الأخبار يحمل ما رواه الشافعي رحمه الله على القليل وما رواه زفر رحمه الله على الكثير والفرق بين المسلكين قد بيناه ولو قاء متفرقا بحيث لو جمع يملأ الفم فعند أبي يوسف رحمه الله يعتبر اتحاد المجلس وعند محمد رحمه الله يعتبر اتحاد السبب وهو الغثيان ثم مالا يكون حدثا لا يكون نجسا يروى ذلك عن أبي يوسف رحمه الله تعالى وهو الصحيح لأنه ليس بنجس حكما حيث لم تنتقض به الطهارة "وهذا إذا قاء مرة أو طعاما أو ماء فإن قاء بلغما فغير ناقض" عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله. وقال أبو يوسف رحمه الله: ناقض إذا كان ملء الفم والخلاف في المرتقى من الجوف أما النازل من الرأس فغير ناقض بالاتفاق لأن الرأس ليس بموضع النجاسة لأبي يوسف رحمه الله أنه نجس بالمجاورة

 

ج / 1 ص -18-         ولهما أنه لزج لا تتخلله النجاسة وما يتصل به قليل والقليل في القيء غير ناقض "ولو قاء دما هو علق يعتبر فيه ملء الفم لأنه سودءا محترقة" وإن كان مائعا فكذلك عند محمد رحمه الله اعتبارا بسائر أنواعه وعندهما إن سال بقوة نفسه ينتقض الوضوء وإن كان قليلا لأن المعدة ليست بمحل الدم فيكون من قرحه في الجوف "ولو نزل" من الرأس "إلى ما لأن من الأنف نقض بالإتفاق" لوصوله إلى موضع يلحقه حكم التطهير فيتحقق الخروج "والنوم مضطجعا أو متطئا أو مستندا إلى شيء لو أزيل عنه لسقط" لأن الاضطجاع سبب لاسترخاء المافصل فلا يعرى عن خروج شيء عادة والثابت عادة كالمتيقن به والاتكاء يزيل مسكة اليقظة لزوال المقعد عن الأرض ويبلغ الاسترخاء عايته بهذا النوع من الاستناد غير أن السند يمنعه من السقوط بخلاف النوم حالة القيام والقعود والركوع والسجود في الصلاة وغيرهما في الصحيح لأن بعض الاستمساك باق إذ لو زال لسقط فلم يتم الإسترخاء والأصل فيه قوله عليه الصلاة والسلام: "لا وضوء على من نام قائما أو قاعدا أو راكعا أو ساجدا إنما الوضوء على من نام مضطجعا" فإنه إذا نام مضطجعا استرخت مفاصلة "والغلبة على العقل بالإغماء والجنون" لأنه فوق النوم مضطجعا في الاسترخاء والإغماء حدث في الأحوال كلها وهو القياس في النوم إلا أنا عرفناه بالأثر والإغماء فوقه فلا يقاس عليه "والقهقهة في كل صلاة ذات ركوع وسجود" والقياس أنها لا تنقض وهو قول الشافعي رحمه الله تعالى لأنه ليس بخارج نجس ولهذا لم يكن حدثا في صلاة الجنازة وسجدة التلاوة وخارج الصلاة ولنا قوله عليه الصلاة والسلام: "ألا من ضحك منكم قهقهة فليعد الوضوء والصلاة جميعا" وبمثله يترك القياس والأثر ورد في صلاة مطلقة فيقتصر عليها والقهقهة ما يكون مسموعا له ولجيرانه والضحك ما يكون مسموعا له دون جيرانه وهو على ما قيل يفسد الصلاة دون الوضوء "والدابة تخرج من الدبر ناقضة فإن خرجت من رأس الجرح أو سقط اللحم لا تنقض" والمراد بالدابة الدودة وهذا لأن النجس ما عليها وذلك قليل وهو حدث في السبيلين دون غيرهما فأشبه الجشاء والفساء بخلاف الريح الخارجة من قبل المرأة وذكر الرجل لأنها لا تنبعث عن محل النجاسة حتى لو كانت المرأة مفضاة يستحب لها الوضوء لاحتمال خروجها من الدبر "فإن قشرت نقطة فسال منها ماء أو صديد أو غيره إن سال عن رأس الجرح نقض وإن لم يسل لا ينقض" وقال زفر رحمه الله تعالى ينقض في الوجهين. وقال الشافعي رحمه الله تعالى: لا ينقض في الوجهين وهي مسألة الخارج من غير السبيلين، وهذه الجملة نجسة لأن الدم ينضج فيصير قيحا ثم يزداد نضجا فيصير صديدا ثم يصير ماء، هذا

 

ج / 1 ص -19-         إذا قشرها فخرج بنفسه أما إذا عصرها فخرج بعصره لا ينقض لأنه مخرج وليس بخارج والله أعلم.

فصل في الغسل
"وفرض الغسل: المضمضة والاستنشاق وغسل سائر البدن" وعند الشافعي رحمه الله تعالى هما سنتان فيه لقوله عليه الصلاة والسلام: "
عشر من الفطرة" أي من السنة وذكر منها "المضمضة والاستنشاق" ولهذا كانا سنتين في الوضوء ولنا قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا} [المائدة:6] وهو أمر بتطهير جميع البدن إلا أن ما يتعذر إيصال الماء إليه خارج عن النص بخلاف الوضوء لأن الواجب فيه غسل الوجه والمواجهة فيهما منعدمة والمواد بما روي حالة الحدث بدليل قوله عليه الصلاة والسلام: "إنهما فرضان في الجنابة سنتان في الوضوء".
قال: "وسنته أن يبدأ المغتسل فيغسل يديه وفرجه ويزيل نجاسة إن كانت على بدنه ثم يتوضأوضوءه للصلاة إلا رجليه ثم يفيض الماء على رأسه وسائر جسده ثلاثا ثم يتنحى عن ذلك المكان فيغسل رجليه" هكذا حكت ميمونة رضي الله عنها اغتسال رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما يؤخر غسل رجليه لأنهما في مستنقع الماء المستعمل فلا يفيد الغسل حتى لو كان على لوح لا يؤخر وإنما يبدأ بإزالة النجاسة الحقيقية كيلا تزداد بإصابة الماء "وليس على المرأة أن تنقض ضفائرها في الغسل إذا بلغ الماء أصول الشعر" لقوله عليه الصلاة والسلام لأم سلمة رضي الله عنها: "
أما يكفيك إذا بلغ الماء أصول شعرك" وليس عليها بل ذوائبها هو الصحيح بخلاف اللحية لأنه لا حرج في إيصال الماء إلى أثنائها.
قال: "والمعاني الموجبة للغسل إنزال المني على وجه الدفق والشهوة من الرجل والمرأة حالة النوم واليقظة" وعند الشافعي رحمه الله تعالى خروج المني كيفما كان يوجب الغسل لقوله عليه الصلاة والسلام: "
الماء من الماء" أي الغسل من المني ولنا أن الأمر بالتطهير يتناول الجنب والجنابة في اللغة خروج المني على وجه الشهوة يقال أجنب الرجل إذا قضى شهوته من المرأة والحديث محمول على خروج المني عن شهوة ثم المعتبر عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى انفصاله عن مكانه على وجه الشهوة وعند أبي يوسف رحمه الله تعالى ظهوره أيضا اعتبارا للخروج بالمزايلة إذ الغسل يتعلق بهما ولهما أنه مني وجب من وجه فالاحتياط في الإيجاب "والتقاء الختانين من غير إنزال" لقوله عليه الصلاة والسلام: "إذا التقى الختانان وتوارت الحشفة وجب الغسل أنزل أو لم ينزل"

 

ج / 1 ص -20-         ولأنه سبب الإنزال ونفسه يتغيب عن بصره وقد يخفى عليه لقلته فيقام مقامه وكذا الإيلاج في الدبر لكمال السببية ويجب على المفعول به احتياطا بخلاف البهيمة وما دون الفرج لأن السببية ناقصة. قال: "والحيض" لقوله تعالى: {حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] بالتشديد وكذا النفاس للإجماع.
قال: "وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم الغسل للجمعة والعيدين وعرفة والإحرام" نص على السنية وقيل هذه الأربعة مستحبة وسمى محمد رحمه الله تعالى الغسل يوم الجمعة حسنا في الأصل وقال مالك رحمه الله هو واجب لقوله عليه الصلاة والسلام: "
من أتى الجمعة فليغتسل" ولنا قوله عليه الصلاة والسلام: "من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت ومن اغتسل فهو أفضل" وبهذا يحمل ما رواه على الاستحباب أو على النسخ ثم هذا الغسل للصلاة عند أبي يوسف رحمه الله تعالى هو الصحيح لزيادة فضيلتها على الوقت واختصاص الطهارة بها وفيه خلاف الحسن والعيدان بمنزلة الجمعة لأن فيهما الاجتماع فيستحب الاغتسال دفعا للتأذي بالرائحة وأما في عرفة والإحرام فسنبينه في المناسك إن شاء الله تعالى قال: "وليس في المذي والودي غسل وفيهما الوضوء" لقوله عليه الصلاة والسلام: "كل فحل يمذي وفيه الوضوء"، والودي الغليظ من البول يتعقب الرقيق منه خروجا فيكون معتبرا به. والمني خاثر أبيض ينكسر منه الذكر والمذي رقيق يضرب إلى البياض يخرج عند ملاعبة الرجل أهله والتفسير مأثور عن عائشة رضي الله تعالى عنها.

باب الماء الذي يجوز به الوضوء ومالا يجوز
"الطهارة من الأحداث جائزة بماء السماء والأودية والعيون والآبار والبحار" لقوله تعالى:
{وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً}[الفرقان: 48] وقوله عليه الصلاة والسلام "الماء طهور لا ينجسه شيء إلا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه" وقوله عليه الصلاة والسلام في البحر "هو الطهور ماؤه الحل ميتته" ومطلق الاسم ينطلق على هذه المياه قال: "ولا يجوز بما اعتصر من الشجر والثمر" لأنه ليس بماء مطلق والحكم عند فقده منقول إلى التيمم والوظيفة في هذه الأعضاء تعبدية فلا تتعدى إلى غير المنصوص عليه وأما الماء الذي يقطر من الكرم فيجوز التوضي به لأنه ماء يخرج من غير علاج ذكره في جوامع أبي يوسف رحمه الله وفي الكتاب إشارة إليه حيث شرط الاعتصار. قال: "ولا" يجوز "بماء غلب عليه غيره فأخرجه عن طبع الماء كالأشربة والخل وماء الباقلا والمرق وماء الورد وماء

 

ج / 1 ص -21-         الزردج" لأنه لا يسمى ماء مطلقا والمراد بماء الباقلا وغيره ما تغير بالطبخ فإن تغير بدون الطبخ يجوز التوضي به.
قال: "وتجوز الطهارة بماء خالطه شيء طاهر فغير أحد أوصافه كماء المد والماء الذي اختلط به اللبن أو الزعفران أو الصابون أو الأشنان" قال الشيخ الإمام: أجري في المختصر ماء الزردج مجرى المرق والمروي عن أبي يوسف رحمه الله تعالى أنه بمنزلة ماء الزعفران وهو الصحيح كذا اختاره الناطفي والإمام السرخسي رحمه الله تعالى وقال الشافعي رحمه الله تعالى لا يجوز التوضي بماء الزعفران وأشباهه مما ليس من جنس الأرض لأنه ماء مقيد ألا ترى أنه يقال ماء الزعفران بخلاف أجزاء الأرض لأن الماء لا يخلو عنها عادة ولنا أن اسم الماء باق على الإطلاق ألا ترى أنه لم يتجدد له اسم على حدة وإضافته إلى الزعفران كإضافته إلى البئر والعين ولأن الخلط القليل لا معتبر به لعدم إمكان الإحتراز عنه كما في أجزاء الأرض فيعتبر الغالب والغلبة بالأجزاء لا بتغير اللون هو الصحيح "فإن تغير بالطبخ بعدما خلط به غيره لا يجوز التوضي به" لأنه لم يبق في معنى المنزل من السماء إذ النار غيرته إلا إذا طبخ فيه ما يقصد به المبالغة في النظافة كالأشنان ونحوه لأن الميت قد يغسل بالماء الدي أغلى بالسدر بذلك وردت السنة إلا أنيغلب ذلك على الماء فيصير كالسويق المخلوط لزوال اسم الماء عنه "وكل ماء وقعت فيها لنجاسة لم يجز الوضوء به قليلا كانت النجاسة أو كثيرا" وقال مالك رحمه الله: يجوز ما لم يتغير أحد أوصافه لما روينا وقال الشافعي رحمه الله يجوز إذا كان الماء قلتين لقوله عليه الصلاة والسلام "
إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل خبثا" ولنا حديث المستيقظ من منامه، وقوله عليه الصلاة والسلام "لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ولا يغتسلن فيه من الجنابة" من غير فصل والذي رواه مالك رحمه الله تعالى ورد في بئر بضاعة وماؤها كان جاريا في البساتين وما رواه الشافعي رحمه الله ضعفه أبو داود وهو يضعف عن احتمال النجاسة "والماء الجاري إذا وقعت فيه نجاسة جاز الوضوء منه إذا لم ير لها أثر لأنها لا تستقر مع جريان الماء" والأثر: هو الرائحة أو الطعم أو اللون والجاري: مالا يتكرر استعماله، وقيل ما يذهب بتبنة قال: "والغدير العظيم الذي لا يتحرك أحد طرفيه بتحريك الطرف الآخر إذا وقعت نجاسة في أحد جانبيه جاز الوضوء من الجانب الآخر، لأن الظاهر أن النجاسة لا تصل إليه" إذ أثر التحريك في السراية فوق أثر النجاسة ثم عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى أنه يعتبر التحريك بالاغتسال وهو قول أبي يوسف رحمه الله تعالى وعنه التحريك باليد وعن محمد رحمه الله تعالى بالتوضي ووجه الأول أن الحاجة إلى الاغتسال في الحياض أشد منها إلى التوضي،

 

ج / 1 ص -22-         وبعضهم قدروا بالمساحة عشرا في عشر بذراع الكرباس توسعة للأمر على الناس وعليه الفتوى والمعتبر في العمق أن يكون بحال لا ينحسر بالاغتراف هو الصحيح وقوله في الكتاب جاز الوضوء من الجانب الآخر إشارة إلى أنه ينجس موضع الوقوع وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى أنه لا ينجس إلا بظهور أثر النجاسة فيه كالماء الجاري.
قال: "وموت ما ليس له نفس سائلة في الماء لا ينجسه كالبق والذباب والزنابير والعقرب ونحوها" وقال الشافعي رحمه الله تعالى يفسده لأن التحريم لا بطريق الكرامة آية النجاسة بخلاف دود الخل وسوس الثمار لأن فيه ضرورة ولنا قوله عليه الصلاة والسلام فيه "
هذا هو الحلال أكله وشربه والوضوء منه" ولأن المنجس هو اختلاط الدم المسفوح بأجزائه عند الموت حتى حل المذكى لانعدام الدم فيه ولا دم فيها والحرمة ليست من ضرورتها النجاسة كالطين. قال: "وموت ما يعيش في الماء فيه لا يفسده كالسمك والضفدع والسرطان" وقال الشافعي رحمه اله يفسده إلا السمك لما مر ولنا أنه مات في معدنه فلا يعطى له حكم النجاسة كبيضة حال محها دما ولأنه لا دم فيها إذ الدموي لا يسكن الماء والدم هو المنجس وفي غير الماء قيل غير السمك يفسده لانعدام المعدن وقيل لا يفسده لعدم الدم وهو الأصح والضفدع البحري والبري فيه سواء وقيل البري مفسد لوجود الدم وعدم المعدن وما يعيش في الماء ما يكون توالده ومثواه في الماء ومائي المعاش دون مائي المولد مفسد.
قال: "والماء المستعمل لا يجوز استعماله في طهارة الأحداث" خلافا لمالك والشافعي رحمهما الله هما يقولان إن الطهور ما يطهر غيره مرة بعد أخرى كالقطوع وقال زفر رحمه الله وهو أحد قولي الشافعي رحمه الله إن كان المستعمل متوضئا فهو طهور وإن كان محدثا فهو طاهر غير طهور لأن العضو طاهر حقيقة وباعتباره يكون الماء طاهرا لكنه نجس حكما وباعتباره يكون الماء نجسا فقلنا بانتفاء الطهورية وبقاء الطهارة عملا بالشبهين وقال محمد رحمه الله وهو رواية عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى هو طاهر غير طهور لأن ملاقاة الطاهر لا توجب التنجس إلا أنه أقيمت به قربة فتغيرت به صفته كمال الصدقة وقال أبو حنيفة وأبو يوسف رحمهما الله تعالى هو نجس، لقوله عليه الصلاة والسلام "
لا يبولن أحدكم في الماء الدائم" الحديث، ولأنه ماء أزيلت به النجاسة الحكمية فيعتبر بماء أزيلت به النجاسة الحقيقية ثم في رواية الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله أنه نجس نجاسة غليظة اعتبارا بالماء المستعمل في النجاسة الحقيقية وفي رواية أبي يوسف عنه رحمه الله تعالى وهو قوله إنه نجس نجاسة خفيفة لمكان الاختلاف.

 

ج / 1 ص -23-         قال: "والماء المستعمل: هو ماء أزيل به حدث أو استعمل في البدن على وجه القربة" قال رضي الله عنه: وهذا عند أبي يوسف رحمه الله وقيل هو قول أبي حنيفة رحمه الله أيضا وقال محمد رحمه الله لا يصير مستعملا إلا بإقامة القربة لأن الاستعمال بانتقال نجاسة الآثام إليه وأنها تزال بالقرب وأبو يوسف رحمه الله يقول إسقاط الفرض مؤثر أيضا فيثبت الفساد بالأمرين ومتى يصير الماء مستعملا الصحيح أنه كما زايل العضو صار مستعملا لأن سقوط حكم الاستعمال قبل الانفصال للضرورة ولا ضرورة بعده والجنب إذا انغمس في البئر لطلب الدلو فعند أبي يوسف رحمه الله تعالى الرجل بحاله لعدم الصب وهو شرط عنده لإسقاط الفرض والماء بحاله لعدم الأمرين وعند محمد رحمه الله تعالى كلاهما طاهران الرجل لعدم اشتراط الصب والماء لعدم نية القربة وعند أبي حنيفة رحمه الله تعالى كلاهما نجسان الماء لإسقاط الفرض عن البعض بأول الملاقاة والرجل لبقاء الحدث في بقية الأعضاء وقيل عنده نجاسة الرجل بنجاسة الماء المستعمل وعنه أن الرجل طاهر لأن الماء لا يعطى له حكم الاستعمال قبل الانفصال وهو أوفق الروايات عنه.
قال: "وكل إهاب دبغ فقد طهر وجازت الصلاة فيه والوضوء منه إلا جلد الخنزير والآدمي" لقوله عليه الصلاة والسلام "
أيما إهاب دبغ فقد طهر" وهو بعمومه حجة على مالك رحمه الله في جلد الميتة ولا يعارض بالنهي الوارد عن الإنتفاع من الميتة بإهاب وهو قوله عليه الصلاة والسلام "لا تنتفعوا من الميتة بإهاب" لأنه اسم لغير المدبوغ وحجة على الشافعي رحمه الله تعالى في جلد الكلب وليس الكلب بنجس العين ألا يرى أنه ينتفع به حراسة واصطيادا بخلاف الخنزير لأنه نجس العين إذ الهاء في قوله تعالى: {فَإِنَّهُ رِجْسٌ} [الأنعام: 145] منصرف إليه لقربه وحرمة الإنتفاع بأجزاء الآدمي لكرامته فخرجا عما روينا ثم ما يمنع النتن والفساد فهو دباغ وإن كان تشميسا أو تتريبا لأن المقصود يحصل به فلا معنى
لاشتراط غيره ثم ما يطهر جلده بالدباغ يطهر بالذكاة لأنها تعمل عمل الدباغ في إزالة الرطوبات النجسة وكذلك يطهر لحمه هو الصحيح وإن لم يكن مأكولا. قال: "وشعر الميتة وعظمها طاهر" وقال الشافعي رحمه الله تعالى نجس لأنه من أجزاء الميتة ولنا أنه لا حياة فيهما ولهذا لا يتألم بقطعهما فلا يحلهما الموت إذ الموت زوال الحياة "وشعر الإنسان وعظمه طاهر" وقال الشافعي نجس لأنه لا ينتفع به ولا يجوز بيعه ولنا أن عدم الإنتفاع والبيع لكرامته فلا يدل على نجاسته والله أعلم.

 

ج / 1 ص -24-         فصل في البئر
"وإذا وقعت في البئر نجاسة نزحت وكان نزح ما فيها من الماء طهارة لها" بإجماع السلف ومسائل الآبار مبنية على اتباع الآثار دون القياس "فإن وقعت فيها بعرة أو بعرتان من بعر الإبل أو الغنم لم تفسد الماء" استحسانا. والقياس أن تفسده لوقوع النجاسة في الماء القليل وجه الاستحسان أن آبار الفلوات ليست لها رؤوس حاجزة والمواشي تبعر حولها فتلقيها الريح فيها فجعل القليل عفوا للضرورة ولا ضرورة في الكثير وهو ما يستكثره الناظر إليه في المروي عن أبي حنيفة رحمه الله وعليه الاعتماد ولا فرق بين الرطب واليابس والصحيح والمنكسر والروث والخثى والبعر لأن الضرورة تشمل الكل وفي الشاة تبعر في المحلب بعرة أو بعرتين قالوا ترمى البعرة ويشرب اللبن لمكان الضرورة ولا يعفى القليل في الإناء على ما قيل لعدم الضرورة وعن أبي حنيفة رحمه الله له أنه كالبئر في حق البعرة والبعرتين "فإن وقع فيها خرء الحمام أو العصفور لا يفسده" خلافا للشافعي رحمه الله له أنه استحال إلى نتن وفساد فأشبه خرء الدجاج ولنا إجماع المسلمين على اقتناء الحمامات في المساجد مع ورود الأمر بتطهيرها واستحالته لا إلى نتن رائحة فأشبه الحمأة "فإن بالت فيها شاة نزح الماء كله عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله وقال محمد رحمه الله لا ينزح إلا إذا غلب على الماء فيخرج من أن يكون طهورا" وأصله أن بول ما يؤكل لحمه طاهر عنده نجس عندهما له
أن النبي عليه الصلاة والسلام أمر العرنيين بشرب ابوال الإبل وألبانها ولهما قوله عليه الصلاة والسلام "استنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه" من غير فصل ولأنه يستحيل إلى نتن وفساد فصار كبول مالا يؤكل لحمه وتأويل ما روي أنه عليه الصلاة والسلام عرف شفاءهم فيه وحيا ثم عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى لا يحل شربه للتداوي ولا لغيره لأنه لا يتيقن بالشفاء فيه فلا يعرض عن الحرمة وعند أبي يوسف رحمه الله تعالى يحل للتداوي للقصة وعند محمد يحل للتداوي وغيره لطهارته عنده، قال: "وإن ماتت فيها فأرة أو عصفورة أو صعوة أو سودانية أو سام أبرص نزح منها ما بين عشرين دلوا إلى ثلاثين بحسب كبر الدلو وصغرها" يعني بعد إخراج الفأرة لحديث أنس رضي الله عنه أنه قال في الفأرة إذا ماتت في البئر وأخرجت من ساعتها نزح منها عشرون دلوا والعصفورة ونحوها تعادل الفأرة في الجثة فأخذت حكمها والعشرون بطريق الإيجاب والثلاثون بطريق الاستحباب. قال: "فإن ماتت فيها حمامة أو نحوها كالدجاجة والسنور نزح منها ما بين أربعين دلوا إلى ستين وفي الجامع الصغير أربعون أو خمسون" وهو الأظهر، لما روي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه

 

ج / 1 ص -25-         قال في الدجاجة: إذا ماتت في البئر نزح منها أربعون دلوا وهذا لبيان الإيجاب والخمسون بطريق الاستحباب ثم المعتبر في كل بئر دلوها الذي يستقى به منها وقيل دلو يسع فيها صاع ولو نزح منها بدلو عظيم مرة مقدار عشرين دلوا جاز لحصول المقصود. قال: "وإن ماتت فيها شاة أو كلب أو آدمي نزح جميع ما فيها من الماء" لأن ابن عباس وابن الزبير رضي الله عنهما أفتيا بنزح الماء كله حين مات زنجي في بئر زمزم "فإن انتفخ الحيوان فيها أو تفسخ نزح جميع ما فيها صغر الحيوان أو كبر" لانتشار البلة في أجزاء الماء. قال: "وإن كانت البئر معينا لا يمكن نزحها أخرجوا مقدار ما كان فيها من الماء" وطريق معرفته أن تحفر حفرة مثل موضع الماء من البئر ويصب فيها ما ينزح منها إلى أن تمتلئ أو ترسل فيها قصبة ويجعل لمبلغ الماء علامة ثم ينزح منها عشر دلاء مثلا ثم تعاد القصبة فينظر كم انتقص فينزح لكل قدر منها عشر دلاء وهذان عن أبي يوسف رحمه الله وعن محمد رحمه الله نزح مائتا دلو إلى ثلثمائة فكأنه بنى قوله على ما شاهد في بلده وعن أبي حنيفة رحمه الله في الجامع الصغير في مثله ينزح حتى يغلبهم الماء ولم يقدر الغلبة بشيء كما هو دأبه وقيل يؤخذ بقول رجلين لهما بصارة في أمر الماء وهذا أشبه بالفقه. قال: "وإن وجدوا في البئر فأرة أو غيرها ولا يدري متى وقعت ولم تنتفخ ولم تتفسخ أعادوا صلاة يوم وليلة إذا كانوا توضئوا منها وغسلوا كل شيء أصابه ماؤها وإن كانت قد إنتفخت أو تفسخت أعادوا صلاة ثلاثة أيام ولياليها وهذا عند أبي حنيفة رحمه الله وقالا ليس عليهم إعادة شيء حتى يتتحققوا متى وقعت" لأن اليقين لا يزول بالشك وصار كن رأى في ثوبه نجاسة ولا يدري متى أصابته ولأبي حنيفة رحمه الله تعالى أن للموت سببا ظاهرا وهو الوقوع في الماء فيحال به عليه إلا أن الانتفاخ والتفسخ دليل التقادم فيقدر بالثلاث وعدم الإنتفاخ والتفسخ دليل قرب العهد فقدرناه بيوم وليلة لأن ما دون ذلك ساعات لا يمكن ضبطها وأما مسألة النجاسة فقد قال المعلى هي على الخلاف فيقدر بالثلاث في البالي وبيوم وليلة في الطري ولو سلم فالثوب بمرأى عينه والبئر عائبة عن بصره فيفترقان.

فصل في الأسآر وغيرها
"وعرق كل شيء معتبر بسؤره" لأنهما يتولدان من لحمه فأخذ أحدهما حكم صاحبه.
قال: "وسؤر الآدمي وما يؤكل لحمه طاهر" لأن المختلط به اللعاب وقد تولد من لحم طاهر فيكون طاهرا ويدخل في هذا الجواب الجنب والحائض والكافر "وسؤر الكلب نجس" ويغسل الإناء من ولوغه ثلاثا لقوله عليه الصلاة والسلام "
يغسل الإناء من ولوغ

 

ج / 1 ص -26-         الكلب ثلاثا" ولسانه يلاقي الماء دون الإناء فلما تنجس الإناء فالماء أولى وهذا يفيد النجاسة والعدد في الغسل وهو حجة على الشافعي رحمه الله في اشتراط السبع ولأن ما يصيبه بوله يطهر بالثلاث فما يصيبه سؤره وهو دونه أولى والأمر الوارد بالسبع محمول على ابتداء الإسلام "وسؤر الخنزير نجس" لأنه نجس العين على ما مر "وسؤر سباع البهائم نجس" خلافا للشافعي رحمه الله فيما سوى الكلب والخنزير لأن لحمها نجس ومنه يتولد اللعاب وهو المعتبر في الباب "وسؤر الهرة طاهر مكروه" وعن أبي يوسف رحمه الله أنه غير مكروه لأن النبي عليه الصلاة والسلام كان يصغي لها الإناء فتشرب منه ثم يتوضأ به ولهما قوله عليه الصلاة والسلام "الهرة سبع" والمراد بيان الحكم دون الخلقة والصورة إلا أنه سقطت النجاسة لعلة الطوف فبقيت الكراهة وما رواه محمول على ما قبل التحريم ثم قيل كراهته لحرمة اللحم وقيل لعدم تحاميها النجاسة وهذا يشير إلى التنزه والأول إلى القرب من التحريم ولو أكلت فأرة ثم شربت على فوره الماء تنجس إلا إذا مكثت ساعة لغسلها فمها بلعابها والاستثناء على مذهب أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله ويسقط اعتبار الصب للضرورة "و"سؤر "الدجاجة المخلاة" مكروه لأنها تخالط النجاسة ولو كانت محبوسة بحيث لا يصل منقارها إلى ما تحت قدميها لا يكره لوقوع الأمن عن المخالطة "و" كذا سؤر "سباع الطير" لأنها تأكل الميتات فأشبه المخلاة وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى أنها إذا كانت محبوسة ويعلم صاحبها أنه لا قذر على منقارها لا يكره واستحسن المشايخ هذه الرواية "و"سؤر "ما يسكن البيوت كالحية والفأرة مكروه" لأن حرمة اللحم أوجبت نجاسة السؤر إلا أنه سقطت النجاسة لعلة الطوف فبقيت الكراهة والتنبيه على العلة في الهرة. قال "وسؤر الحمار والبغل مشكوك فيه" قيل الشك في طهارته لأنه لو كان طاهرا لكان طهورا ما لم يغلب اللعاب على الماء وقيل الشك في طهوريته لأنه لو وجد الماء المطلق لا يجب عليه غسل رأسه وكذا لبنه طاهر وعرقه لا يمنع جواز الصلاة وإن فحش فكذا سؤره وهو الأصح ويروى نص محمد رحمه الله على طهارته وسبب الشك تعارض الأدلة في إباحته وحرمته أو اختلاف الصحابة رضي الله عنهم في نجاسته وطهارته وعن أبي حنيفة رحمه الله أنه نجس ترجيحا للحرمة والنجاسة والبغل من نسل الحمار فيكون بمنزلته "فإن لم يجد غيرهما يتوضأ بهما ويتيمم ويجوز أيهما قدم" وقال زفر رحمه الله: لا يجوز إلا أن يقدم الوضوء لأنه ماء واجب الاستعمال فأشبه الماء المطلق ولنا أن المطهر أحدهما فيفيد الجمع دون الترتيب "وسؤر الفرس طاهر عندهما" لأن لحمه مأكول "وكذا عنده في الصحيح" لأن الكراهة لإظهار شرفه "فإن لم يجد

 

ج / 1 ص -27-         إلا نبيذ التمر. قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى يتوضأبه ولا يتيمم" لحديث ليلة الجن فإن النبي عليه الصلاة والسلام توضأ به حين لم يجد الماء وقال أبو يوسف رحمه الله يتيمم ولا يتوضأ به وهو رواية عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى وبه قال الشافعي رحمه الله عملا بآية التيمم لأنها أقوى أو هو منسوخ بها لأنها مدنية وليلة الجن كانت مكية وقال محمد رحمه الله تعالى يتوضأبه ويتيمم لأن في الحديث اضطرابا وفي التاريخ جهالة فوجب الجمع احتياطا قلنا ليلة الجن كانت غير واحدة فلا يصح دعوى النسخ والحديث مشهور عملت به الصحابة رضي الله عنهم وبمثله يزاد على الكتاب وأما الاغتسال به فقد قيل يجوز عنده اعتبارا بالوضوء وقيل لا يجوز لأنه فوقه والنبيذ المختلف فيه أن يكون حلوا رقيقا يسيل على الأعضاء كالماء وما اشتد منها صار حراما لا يجوز التوضي به وإن غيرته النار فما دام حلوا رقيقا فهو على الخلاف وإن اشتد فعند أبي حنيفة رحمه الله يجوز التوضي به لأنه يحل شربه عنده وعند محمد رحمه الله لا يتوضأبه لحرمة شربه عنده ولا يجوز التوضي بما سواه من الأبنذة جريا على قضية القياس.

باب التيمم
"ومن لم يجد ماء وهو مسافر أو خارج المصر بينه وبين المصر نحو ميل أو أكثر يتيمم بالصعيد" لقوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً} [النساء: 43] وقوله عليه الصلاة والسلام "التراب طهور المسلم ولو إلى عشر حجج ما لم يجد الماء" والميل هو المختار في المقدار لأنه يلحقه الحرج بدخول المصر والماء معدوم حقيقة والمعتبر المسافة دون خوف الفوت لأن التفريط يأتي من قبله "ولو كان يجد الماء إلا أنه مريض يخاف إن استعمل الماء اشتد مرضه يتيمم" لما تلونا، ولأن الضرر في زيادة المرض فوق الضرر في زيادة ثمن الماء وذلك يبيح التيمم فهذا أولى ولا فرق بين أن يشتد مرضه بالتحرك أو بالاستعمال واعتبر الشافعي رحمه الله تعالى خوف التلف وهو مردود بظاهر النص "ولو خاف الجنب إن اغتسل أن يقتله البرد أو يمرضه يتيمم بالصعيد" وهذا إذا كان خارج المصر لما بينا ولو كان في المصر فكذلك عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى خلافا لهما هما يقولان إن تحقق هذه الحالة نادر في المصر فلا يعتبر وله أن العجز ثابت حقيقة فلا بد من اعتباره.
"والتيمم ضربتان: يمسح بإحداهما وجهه وبالأخرى يديه إلى المرفقين" لقوله عليه الصلاة والسلام "
التيمم ضربتان: ضربة للوجه، وضربة لليدين" وينفض يديه بقدر ما يتناثر التراب كيلا يصير مثلة ولا بد من الإستيعاب في ظاهر الرواية لقيامه مقام الوضوء ولهذا

 

ج / 1 ص -28-         قالوا: يخلل الأصابع وينزع الخاتم ليتم المسح "والحديث والجنابة فيه سواء" وكذا الحيض والنفاس لما روي أن قوما جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا إنا قوم نسكن هذه الرمال ولا نجد الماء شهرا أو شهرين وفينا الجنب والحائض والنفساء فقال عليه الصلاة والسلام "عليكم بأرضكم".
"ويجوز التيمم عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله بكل ما كان من جنس الأرض كالتراب والرمل والحجر والجص والنورة والكحل والزرنيخ وقال أبو يوسف لا يجوز إلا بالتراب والرمل" وقال الشافعي رحمه الله: لا يجوز إلا بالتراب المنبت وهو رواية عن أبي يوسف رحمه الله لقوله تعالى:
{فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً} [النساء: 43] أي ترابا منبتا قاله ابن عباس رضي الله عنه غير أن أبا يوسف زاد عليه الرمل بالحديث الذي رويناه ولهما أن الصعيد اسم لوجه الأرض سمي به لصعوده والطيب يحتمل الطاهر فحمل عليه لأنه
أليق بموضع الطهارة أو هو مراد بالإجماع "ثم لا يشترط أن يكون عليه غبار عند أبي حنيفة رحمه الله" لإطلاق ما تلونا "وكذا يجوز بالغبار مع القدرة على الصعيد عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله" لأنه تراب رقيق.
"والنية فرض في التيمم" وقال زفر رحمه الله تعالى: ليست بفرض لأنه خلف عن الوضوء فلا يخالفه في وصفه ولنا أنه ينبئ عن القصد فلا يتحقق دونه أو جعل طهورا في حالة مخصوصة والماء طهور بنفسه على ما مر "ثم إذا نوى الطهارة أو استباحة الصلاة أجزأه ولا يشترط نية التيمم للحدث أو للجنابة" هو الصحيح من المذهب "فإن تيمم نصراني يريد به الإسلام ثم أسلم لم يكن متيمما عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله وقال أبو يوسف رحمه الله هو متيمم" لأنه نوى قربة مقصودة بخلاف التيمم لدخول المسجد ومس المصحف لأنه ليس بقربة مقصودة ولهما أن التراب ما جعل طهورا إلا في حال إرادة قربة مقصودة لا تصح بدون الطهارة والإسلام قربة مقصودة تصح بدونها بخلاف سجدة التلاوة لأنها قربة مقصودة لا تصح بدون الطهارة "وإن توضأ لا يريد به الإسلام ثم أسلم فهو متوضئ" خلافا للشافعي رحمه الله بناء على اشتراط النية "فإن تيمم مسلم ثم ارتد ثم أسلم فهو على تيممه" وقال زفر رحمه الله: بطل تيممه لأن الكفر ينافيه فيستوي فيه الإبتداء والبقاء كالمحرمية في النكاح ولنا أن الباقي بعد التيمم صفة كونه طاهرا فاعتراض الكفر عليه لا ينافيه كما لو اعترض على الوضوء وإنما لا يصح من الكافر ابتداء لعدم لعدم النية منه.
"وينقض التيمم كل شيء ينقض الوضوء" لأنه خلف عنه فأخذ حكمه "وينقضه أيضا رؤية الماء إذا قدر على استعماله" لأن القدرة هي المراد بالوجود الذي هو غاية لطهورية

 

ج / 1 ص -29-         التراب، وخائف السبع والعدو والعطش عاجز حكما والنائم عند أبي حنيفة رحمه الله قادر تقديرا حتى لو مر النائم المتيمم على الماء بطل تيممه عنده والمراد ماء يكفي للوضوء لأنه لا معتبر بما دونه ابتداء فكذا انتهاء "ولا يتيمم إلا بصعيد طاهر" لأن الطيب أريد به الطاهر في النص ولأنه آلة التطهير فلا بد من طهارته في نفسه كالماء.
"ويستحب لعادم الماء وهو يرجوه أن يؤخر الصلاة إلى آخر الوقت فإن وجد الماء توضأ وإلا تيمم وصلى" ليقع الأداء بأكمل الطهارتين فصار كالطامع في الجماعة وعن أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى في غير رواية الأصول أن التأخير حتم لأن غالب الرأي كالمتحقق وجه الظاهر أن العجز ثابت حقيقة فلا يزول حكمه إلا بيقين مثله "ويصلى بتيممه ما شاء من الفرائض والنوافل" وعند الشافعي رحمه الله تعالى يتيمم لكل فرض لأنه طهارة ضرورية ولنا أنه طهور حال عدم الماء فيعمل عمله ما بقي شرطه.
"ويتيمم الصحيح في المصر إذا حضرت جنازة والولي غيره فخاف إن اشتغل بالطهارة أن تفوته الصلاة" لأنها لا تقضى فيتحقق العجز "وكذا من حضر العبد فخاف إن اشتغل بالطهارة أن يفوته العيد يتيمم" لأنها لا تعاد وقوله والولي غيره إشارة إلى أنه لا يجوز للولي وهو رواية الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى هو الصحيح لأن للولي حق الإعادة فلا فوات في حقه "وإن أحدث الإمام أو المقتدي في صلاة العيد تيمم وبنى عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى وقالا لا يتيمم" لأن اللاحق يصلي بعد فراغ الإمام فلا يخاف الفوت وله أن الخوف باق لأنه يوم زحمة فيعتريه عارض يفسد عليه صلاته والخلاف فيما إذا شرع بالوضوء ولو شرع بالتيمم تيمم وبنى بالاتفاق لأنا لو أوجبنا الوضوء يكون واجدا للماء في صلاته فيفسد "ولا يتيمم للجمعة وإن خاف الفوت لو توضأ فإن أدرك الجمعة صلاها وإلا صلى الظهر أربعا" لأنها تفوت إلى خلف وهو الظهر بخلاف العيد "وكذا إذا خاف فوت الوقت لو توضأ لم يتيمم ويتوضأ ويقضي ما فاته" لأن الفوات إلى خلف وهو القضاء.
"والمسافر إذا نسي الماء في رحله فتيمم وصلى ثم ذكر الماء لم يعدها عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى: يعيدها" والخلاف فيما إذا وضعه بنفسه أو وضعه غيره بأمره وذكره في الوقت وبعده سواء له أنه واجد للماء فصار كما إذا كان في رحله ثوب فنسيه ولأن رحل المسافر معدن للماء عادة فيفترض الطلب عليه ولهما أنه لا قدرة بدون العلم وهو المراد بالوجود وماء الرحل معد للشرب لا للاستعمال ومسألة الثوب على الاختلاف ولو كان على الاتفاق ففرض الستر يفوت

 

ج / 1 ص -30-         لا إلى خلف والطهارة بالماء تفوت إلى خلف وهو التيمم "وليس على المتيمم طلب الماء إذا لم يغلب على ظنه أن بقربه ماء" لأن الغالب عدم الماء في الفلوات ولا دليل على الوجود فلم يكن واجدا للماء "وإن غلب على ظنه أن هناك ماء لم يجز له أن يتيمم حتى يطلبه" لأنه واجد للماء نظرا إلى الدليل ثم يطلب مقدار الغلوة ولا يبلغ ميلا كيلا ينقطع عن رفقته "وإن كان مع رفيقه ماء طلب منه قبل أن يتيمم" لعدم المنع غالبا فإن منعه منه تيمم لتحق العجز "ولو تيمم قبل الطلب أجزأه عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى" لأنه لا يلزمه الطلب من ملك الغير وقالا لا يجزئه لأن الماء مبذول عادة "ولو أبي أن يعطيه إلا بثمن المثل وعنده ثمنه لا يجزئه التيمم" لتحقق القدرة ولا يلزمه تحمل الغبن الفاحش لأن الضرر مسقط والله أعلم.

 

ج / 1 ص -31-         من الأصابع استحباب اعتبارا بالأصل وهو الغسل "وفرض ذلك مقدار ثلاث أصابع من أصابع اليد" وقال الكرخي رحمه الله تعالى من أصابع الرجل والأول أصح اعتبارا لآلة المسح "ولا يجوز المسح على خف فيه خرق كبير يبين منه قدر ثلاث أصابع من أصابع الرجل فإن كان أقل من ذلك جاز" وقال زفر والشافعي رحمهما الله تعالى لا يجوز وإن قل لأنه لما وجب غسل البادي وجب غسل الباقي ولنا أن الخفاف لا تخلو عن قليل خرق عادة فيلحقهم الحرج في النزع وتخلو عن الكبير فلا حرج والكبير أن ينكشف قدر ثلاثة أصابع من أصابع الرجل أصغرها هو الصحيح لأن الأصل في القدم هو الأصابع والثلاث أكثرها فيقام مقام الكل واعتبار الأصغر للاحتياط ولا معتبر بدخول الأنامل إذا كان لا ينفرج عند المشي ويعتبر هذا المقدار في كل خف على حدة فيجمع الخرق في خف واحد ولا يجمع في خفين لأن الخرق في أحدهما لا يمنع قطع السفر بالآخر بخلاف النجاسة المتفرقة لأنه حامل للكل وانكشاف العورة نظير النجاسة.
"ولا يجوز المسح لمن وجب عليه الغسل" لحديث صفوان بن عسال رضي الله عنه أنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا كنا سفرا أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليها لا عن جنابة ولكن من بول أو غائط أو نوم ولأن الجنابة لا تتكرر عادة فلا حرج في النزع بخلاف الحدث لأنه يتكرر.
"وينقض المسح كل شيء ينقض الوضوء" لأنه بعض الوضوء "وينقضه أيضا نزع الخف" لسراية الحدث إلى القدم حيث زال المانع "وكذا نزع أحدهما" لتعذر الجمع بين الغسل والمسح في وظيفة واحدة "وكذا مضي المدة" لما روينا "وإذا تمت المدة نزع خفيه وغسل رجليه وصلى وليس عليه إعادة بقية الوضوء" وكذا إذا نزع قبل المدة لأن عند النزع يسري الحدث السابق إلى القدمين كأنه لم يغسلهما وحكم النزع يثبت بخروج القدم إلى الساق لأنه لا معتبر به في حق المسح وكذا بأكثر القدم هو الصحيح "ومن ابتدأ المسح وهو مقيم فسافر قبل تمام يوم وليلة مسح ثلاثة أيام ولياليها" عملا بإطلاق الحديث ولأنه حكم متعلق بالوقت فيعتبر فيه آخره بخلاف ما إذا استكمل المدة للإقامة ثم سافر لأن الحدث قد سرى إلى القدم والخلف ليس برافع "ولو أقام وهو مسافر إن استكمل مدة الاقامة نزع" لأن رخصة السفر لا تبقى بدونه "وإن لم يستكمل أتمها" لأن هذه مدة الاقامة وهو مقيم.
قال: "ومن لبس الجرموق فوق الخف مسح عليه" خلافا للشافعي رحمه الله تعالى فإنه يقول البدل لا يكون له بدل.

 

ج / 1 ص -32-         ولنا أن النبي عليه الصلاة والسلام مسح على الجرموقين ولأنه تبع للخف استعمالا وغرضا فصارا كخف ذي طاقين وهو بدل عن الرجل لا عن الخف بخلاف ما إذا لبس الجرموق بعد ما أحدث لأن الحدث حل بالخف فلا يتحول إلى غيره ولو كان الجرموق من كرباس لا يجوز المسح عليه لأنه لا يصلح بدلا عن الرجل إلا أن تنفد البلة إلى الخف "ولا يجوز المسح على الجوربين عند أبي حنيفة إلا أن يكونا مجلدين أو منعلين وقالا يجوز إذا كانا ثخينين لا يشفان" لما روي أن النبي عليه الصلاة والسلام مسح على جوربيه ولأنه يمكنه المشي فيه إذا كان ثخينا وهو أن يستمسك على الساق من غير أن يربط بشيء فأشبه الخف وله أنه ليس في معنى الخف لأنه لا يمكن مواظبة المشي فيه إلا إذا كان منعلا وهو محمل الحديث وعنه أنه رجع إلى قولهما وعليه الفتوى "ولا يجوز المسح على العمامة والقلنسوة والبرقع والقفازين" لأنه لا حرج في نزع هذه الأشياء والرخصة لدفع الحرج "ولا يجوز المسح على الجبائر وإن شدها على غير وضوء" لأنه عليه الصلاة والسلام فعله وأمر عليا رضي الله عنه به ولأن الحرج فيه فوق الحرج في نزع الخف فكان أولى بشرع المسح ويكتفى بالمسح على أكثرها ذكره الحسن رحمه الله تعالى ولا يتوقت لعدم التوقيف بالتوقيت "وإن سقطت الجبيرة عن غير برء لا يبطل المسح" لأن العذر قائم والمسح عليها كالغسل لما تحتها ما دام العذر باقيا وإن سقطت عن برء بطل لزوال العذر وإن كان في الصلاة استقبل لأنه قدر على الأصل قبل حصول المقصود بالبدل والله أعلم.

باب الحيض والاستحاضة
"أقل الحيض ثلاثة ايام ولياليها وما نقص من ذلك فهو استحاضة" قوله عليه الصلاة والسلام "أقل الحيض للجارية البكر والثيب ثلاثة أيام ولياليها وأكثره عشرة أيام" وهو حجة على الشافعي رحمه الله تعالى في التقدير بيوم وليلة.
وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى: أنه يومان والأكثر من اليوم الثالث إقامة للأكثر مقام الكل قلنا هذا نقص عن تقدير الشرع "وأكثره عشرة أيام ولياليها والزائد استحاضة" لما روينا وهو حجة على الشافعي رحمه الله تعالى في التقدير بخمسة عشر يوما ثم الزائد والناقص استحاضة لأن تقدير الشرع يمنع إلحاق غيره به "وما تراه المرأة من الحمرة والصفرة والكدرة في أيام الحيض حيض" حتى ترى البياض خالصا "وقال أبو يوسف رحمه الله: لا تكون الكدرة حيضا إلا بعد الدم" لأنه لو كان من الرحم لتأخر خروج الكدر عن الصافي ولهما ما روي أن عائشة رضي الله عنها جعلت ما سوى البياض الخالص حيضا وهذا لا يعرف

 

ج / 1 ص -33-         إلا سماعا، وفم الرحم منكوس فيخرج الكدر أولا كالجرة إذا ثقب أسفلها.
وأما الخضرة فالصحيح أن المرأة إذا كانت من ذوات الأقراء تكون حيضا ويحمل على فساد الغداء وإن كانت كبيرة لا ترى غير الخضرة تحمل على فساد المنبت فلا تكون حيضا "والحيض يسقط عن الحائض الصلاة ويحرم عليها الصوم وتقضي الصوم ولا تقضي الصلاة" لقول عائشة رضي الله عنها كانت إحدانا على عهد رسول الله عليه الصلاة والسلام إذا طهرت من حيضها تقضي الصيام ولا تقضي الصلاة ولأن في قضاء الصلاة حرجا لتضاعفها ولا حرج في قضاء الصوم "ولا تدخل المسجد" وكذا الجنب لقوله عليه الصلاة والسلام "
فإني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب" وهو بإطلاقه حجة على الشافعي رحمه الله في إباحة الدخول على وجه العبور والمرور "ولا تطوف بالبيت" لأن الطواف في المسجد "ولا يأتيها زوجها" لقوله تعالى: {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ}[البقرة: 222] "وليس للحائض والجنب والنفساء قراءة القرآن" لقوله صلى الله عليه وسلم "لا تقرأ الحائض والجنب شيئا من القرآن" وهو حجة على مالك رحمه الله في الحائض وهو بإطلاقه يتناول ما دون الآية فيكون حجة على الطحاوي في إباحته "وليس لهم مس المصحف إلا بغلافه ولا أخذ درهم فيه سورة من القرآن إلا بصرته وكذا المحدث لا يمس المصحف إلا بغلافه" لقوله عليه الصلاة والسلام "لا يمس القرآن إلا طاهر" ثم الحدث والجنابة حلا اليد فيستويان في حكم المس والجنابة حلت الفم دون الحدث فيفترقان في حكم القراءة وغلافه ما يكون متجافيا عنه دون ما هو متصل به كالجلد المشرز هو ا لصحيح ويكره مسه بالكم هو الصحيح لأنه تابع له بخلاف كتب الشريعة لأهلها حيث يرخص في مسها بالكم لأن فيه ضرورة ولا بأس بدفع المصحف إلى الصبيان لأن في المنع تضييع حفظ القرآن وفي الأمر بالتطهير حرجا بهم وهذا هو الصحيح.
قال: "وإذا انقطع دم الحيض لأقل من عشرة أيام لم يحل وطؤها حتى تغتسل" لأن الدم يدر تارة وينقطع أخرى فلا بد من الاغتسال ليترجح جانب الانقطاع "ولو لم تغتسل ومضى عليها أدنى وقت الصلاة بقدر أن تقدر على الاغتسال والتحريمة حل وطؤها" لأن الصلاة صارت دينا في ذمتها فطهرت حكما "ولو كان انقطع الدم دون عادتها فوق الثلاث لم يقربها حتى تمضي عادتها وإن إغتسلت" لأن العود في العادة غالب فكان الاحتياط في الاجتناب "وإن انقطع الدم لعشرة أيام حل وطؤها قبل الغسل" لأن الحيض لا مزيد له على العشرة إلا أنه لا يستحب قبل الاغتسال للنهي في القراءة بالتشديد.
قال: "والطهر إذا تخلل بين الدمين في مدة الحيض فهو كالدم المتوالي". قال

 

ج / 1 ص -34-         رضي الله تعالى عنه: وهذه إحدى الروايات عن أبي حنيفة رحمه الله ووجهه أن استيعاب الدم مدة الحيض ليس بشرط بالإجماع فيعتبر أوله وآخره كالنصاب في باب الزكاة وعن أبي يوسف رحمه الله وهو روايته عن أبي حنيفة رحمه الله وقيل هو آخر أقواله إن الطهر إذا كان أقل من خمسة عشر يوما لا يفصل وهو كله كالدم المتوالي لأنه طهر فاسد فيكون بمنزلة الدم والأخذ بهذا القول أيسر وتمامه يعرف في كتاب الحيض "وأقل الطهر خمسة عشر يوما" هكذا نقل عن إبراهيم النخعي وأنه لا يعرف إلا توقيفا "ولا غاية لأكثره" لأنه يمتد إلى سنة وسنتين فلا يتقدر بتقدير إلا إذا استمر بها الدم فاحتيج إلى نصب العادة ويعرف ذلك في كتاب الحيض "ودم الاستحاضة كالرعاف الدائم لا يمنع الصوم ولا الصلاة ولا الوطء" لقوله عليه الصلاة والسلام "توضئي وصلي وإن قطر الدم على الحصير" وإذا عرف حكم الصلاة ثبت حكم الصوم والوطء بنتيجة الإجماع "ولو زاد الدم على عشرة أيام ولها عادة معروفة دونها ردت إلى أيام عادتها والذي زاد استحاضة" لقوله عليه الصلاة والسلام "المستحاضة تدع الصلاة أيام أقرائها" ولأن الزائد على العادة يجانس ما زاد على العشرة فيلحق به وإن ابتدأت مع البلوغ مستحاضة فحيضها عشرة أيام من كل شهر والباقي استحاضة لأنا عرفناه حيضا فلا يخرج عنه بالشك والله أعلم.

فصل في الاستحاضة
"والمستحاضة ومن به سلس البول والرعاف الدائم والجرح الذي لا يرقأ يتوضئون لوقت كل صلاة فيصلون بذلك الوضوء في الوقت ما شاءوا من الفرائض والنوافل" وقال الشافعي رحمه الله تتوضأ المستحاضة لكل مكتوبة لقوله عليه الصلاة والسلام "المستحاضة تتوضأ لكل صلاة" ولأن اعتبار طهارتها ضرورة أداء المكتوبة فلا تبقى بعد الفراغ منها.
ولنا قوله عليه الصلاة والسلام "
المستحاضة تتوضأ لوقت كل صلاة" وهو المراد بالأول لأن اللام تستعار للوقت يقال آتيك لصلاة الظهر أي وقتها ولأن الوقت أقيم مقام الأداء تيسيرا فيدار الحكم عليه "وإذا خرج الوقت بطل وضوؤهم واستأنفوا الوضوء لصلاة أخرى" وهذا عند أصحابنا الثلاثة رضي الله عنهم وقال زفر رضي الله عنه استأنفوا إذا دخل الوقت "فإن توضئوا حين تطلع الشمس أجزأهم عن فرض الوقت حتى يذهب وقت الظهر" وهذا عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله وقال أبو يوسف وزفر رحمهما الله أجزأهم حتى يدخل وقت الظهر.
وحاصله: أن طهارة المعذور تنتقض بخروج الوقت أي عنده بالحدث السابق عند

 

ج / 1 ص -35-         أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله وبدخوله عند زفر وبأيهما كان عند أبي يوسف رحمه الله وفائدة الاختلاف لا تظهر إلا فيمن توضأ قبل الزوال كما ذكرنا أو قبل طلوع الشمس لزفر رحمه الله أن اعتبار الطهارة مع المنافي للحاجة إلى الأداء ولا حاجة قبل الوقت فلا تعتبر ولأبي يوسف أن الحاجة مقصورة على الوقت فلا تعتبر قبله ولا بعده ولهما أنه لا بد من تقديم الطهارة على الوقت ليتمكن من الأداء كما دخل الوقت وخروج الوقت دليل زوال الحاجة فظهر اعتبار الحدث عنده والمراد بالوقت وقت المفروضة حتى لو توضأ المعذور لصلاة العيد له أن يصلي الظهر به عندهما وهو الصحيح لأنها بمنزلة صلاة الضحى ولو توضأ مرة للظهر في وقته وأخرى فيه للعصر فعندهما ليس له أن يصلي العصر به لانتقاضه بخروج وقت المفروضة والمستحاضة هي التي لا يمضي عليها وقت صلاة إلا والحدث الذي ابتليت به يوجد فيه وكذا كل من هو في معناها وهو من ذكرناه ومن به استطلاق بطن وانفلات ريح لأن الضرورة بهذا تتحقق وهي تعمم الكل.

فصل في النفاس
"النفاس هو الدم الخارج عقيب الولادة" لأنه مأخوذ من تنفس الرحم بالدم أو من خروج النفس بمعنى الولد "أو بمعنى الدم والدم الذي تراه الحامل ابتداء أو حال ولادتها قبل خروج الولد استحاضة" وإن كان ممتدا وقال الشافعي رحمه الله حيض اعتبارا بالنفاس إذ هما جميعا من الرحم.
ولنا أن بالحبل ينسد فم الرحم كذا العادة والنفاس بعد انفتاحه بخروج الولد ولهذا كان نفاسا بعد خروج بعض الولد فيما روي عن أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله لأنه ينفتح فيتنفس به "والسقط الذي استبان بعد خلقه ولد" حتى تصير المرأة به نفساء وتصير الأمة أم ولد به وكذا العدة تنقضي به "وأقل النفاس لا حد له" لأن تقدم الولد علم الخروج من الرحم فأغنى عن امتداد جعل علما عليه كما في الحيض "وأكثره أربعون يوما والزائد عليه استحاضة" لحديث أم سلمة رضي الله عنها
أن النبي عليه الصلاة والسلام وقت للنفساء أربعين يوما وهو حجة على الشافعي رحمه الله في اعتبار الستين "فإن جاوز الدم الأربعين وقد كانت ولدت قبل ذلك ولها عادة في النفاس ردت إلى أيام عادتها" لما بينا في الحيض "وإن لم تكن لها عادة فابتداء نفاسها أربعون يوما" لأنه أمكن جعله نفاسا "فإن ولدت ولدين في بطن واحد فنفاسها من الولد الأول عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله وإن كان بين الولدين اربعون يوما وقال محمد رحمه الله من الولد الأخير" وهو قول زفر رحمه الله، لأنها

 

ج / 1 ص -36-         حامل بعد وضع الأول فلا تصير نفساء كما أنها لا تحيض ولهذا تنقضي العدة بالولد الأخير بالاجماع ولهما أن الحامل إنما لا تحيض لانسداد فم الرحم على ما ذكرنا وقد انفتح بخروج الأول وتنفس بالدم فكان نفاسا والعدة تعلقت بوضع حمل مضاف إليها فيتناول الجميع.

باب الأنجاس وتطهيرها
"تطهير النجاسة واجب من بدن المصلي وثوبه والمكان الذي يصلي عليه" لقوله تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر:4] وقال عليه الصلاة والسلام "حتيه ثم اقرصيه ثم اغسليه بالماء، ولا يضرك أثره" وإذا وجب التطهير بما ذكرنا في الثوب وجب في البدن والمكان فإن الإستعمال في حالة الصلاة يشمل الكل "ويجوز تطهيرها بالماء وبكل مائع طاهر يمكن إزالتها به كالخل وماء الورد ونحوه مما إذا عصر إنعصر" وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله وقال محمد وزفر والشافعي رحمهم الله لا يجوز إلا بالماء لأنه يتنجس بأول الملاقاة والنجس لا يفيد الطهارة إلا أن هذا القياس ترك في الماء للضرورة ولهما أن المائع قالع والطهورية بعلة القلع والإزالة والنجاسة للمجاورة فإذا إنتهت أجزاء النجاسة يبقى طاهرا وجواب الكتاب لا يفرق بين الثوب والبدن وهذا قول أبي حنيفة رحمه الله وإحدى الروايتين عن أبي يوسف رحمه الله وعنه أنه فرق بينهما فلم يجوز في البدن بغير الماء "وإذا أصاب الخف نجاسة لها جرم كالروث والعذرة والدم والمني فجفت فدلكه بالأرض جاز" وهذا استحسان "وقال محمد رحمه الله: لا يجوز" وهو القياس "إلا في المني خاصة" لأن المتداخل في الخف لا يزيله الجفاف والدلك بخلاف المني على ما نذكره ولهما قوله عليه الصلاة والسلام "فإن كان بهما أذى فليمسحهما بالأرض فإن الأرض لهما طهور" ولأن الجلد لصلابته لا تتداخله أجزاء النجاسة إلا قليلا ثم يجتذبه الجرم إذا جف فإذا زال زال ما قام به "وفي الرطب لا يجوز حتى يغسله" لأن المسح بالأرض يكثره ولا يطهره وعن أبي يوسف رحمه الله أنه إذا مسحه بالأرض حتى لم يبق أثر النجاسة يطهر لعموم البلوى وإطلاق ما يروى وعليه مشايخنا رحمهم الله "فإن أصابه بول فيبس لم يجز حتى يغسله" وكذا كل ما لا جرم له كالخمر لأن الأجزاء تتشرب فيه ولا جاذب يجذبها وقيل ما يتصل به من الرمل والرماد جرم له "والثوب لا يجزي فيه إلا الغسل وإن يبس" لأن الثوب لتخلخله يتداخله كثير من أجزاء النجاسة فلا يخرجها إلا الغسل "والمني نجس يجب غسله إن كان رطبا فإذا جف على الثوب أجزأ فيه الفرك" لقوله عليه الصلاة والسلام لعائشة رضي الله عنها "فاغسليه إن كان رطبا وافركيه إن كان

 

ج / 1 ص -37-         يابسا" وقال الشافعي رحمه الله المني طاهر والحجة عليه ما رويناه وقال عليه الصلاة والسلام إنما يغسل الثوب من خمس وذكر منها المني ولو أصاب البدن.
قال مشايخنا رحمهم الله: يطهر بالفرك لأن البلوى فيه أشد وعن أبي حنيفة رحمه الله أنه لا يطهر إلا بالغسل لأن حرارة البدن جاذبة فلا يعود إلى الجرم والبدن لا يمكن فركه "والنجاسة إذا أصابت المرآة أو السيف إكتفى بمسحهما" لأنه لا تتداخله النجاسة وما على ظاهره يزول بالمسح "وإن أصابت الأرض نجاسة فجفت بالشمس وذهب أثرها جازت الصلاة على مكانها" وقال زفر والشافعي رحمهما الله لا تجوز لأنه لم يوجد المزيل "و" لهذا "لا يجوز التيمم به" ولنا قوله عليه الصلاة والسلام "
زكاة الأرض يبسها" وإنما لا يجوز التيمم به لأن طهارة الصعيد ثبتت شرطا بنص الكتاب فلا تتأذى بما ثبت بالحديث "وقدر الدرهم وما دونه من النجس المغلظ كالدم والبول والخمر وخرء الدجاجة وبول الحمار جازت الصلاة معه وإن زاد لم تجز" وقال زفر والشافعي رحمهما الله: قليل النجاسة وكثيرها سواء لأن النص الموجب للتطهير لم يفصل ولنا أن القليل لا يمكن التحرز عنه فيجعل عفوا وقدرناه بقدر الدرهم أخذا عن موضع الاستنجاء ثم يروى اعتبار الدرهم من حيث المساحة وهو قدر عرض الكف في الصحيح ويروى من حيث الوزن وهو الدرهم الكبير المثقال وهو ما يبلغ وزنه مثقالا وقيل في التوفيق بينهما إن الأولى في الرقيق والثانية في الكثيف وإنما كانت نجاسة هذه الأشياء مغلظة لأنها ثبتت بدليل مقطوع به "وإن كانت مخففة كبول ما يؤكل لحمه جازت الصلاة معه حتى يبلغ ربع الثوب" يروى ذلك عن أبي حنيفة رحمه الله لأن التقدير فيه بالكثير الفاحش والربع ملحق بالكل في حق بعض الأحكام وعنه ربع أدنى ثوب تجوز فيه الصلاة كالمئزر وقيل ربع الموضع الذي اصابه كالذيل والدخريص وعن أبي يوسف رحمه الله شبر في شبر وإنما كان مخففا عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله لمكان الاختلاف في نجاسته أو لتعارض النصين على اختلاف الأصلين "وإذا أصاب الثوب من الروث أو" من "أخثاء البقر أكثر من قدر الدرهم لم تجز الصلاة فيه عند أبي حنيفة رحمه الله" لأن النص الوارد في نجاسته وهو ما روي أنه عليه الصلاة والسلام رمى بالروثة وقال "هذا رجس أو ركس" لم يعارضه غيره وبهذا يثبت التغليظ عنده والتخفيف بالتعارض "وقالا يجزئه حتى يفحش" لأن للاجتهاد فيه مساغا وبهذا يثبت التخفيف عندهما ولأن فيه ضرورة لامتلاء الطرق بها هي مؤثرة في التخفيف بخلاف بول الحمار لأن الأرض تنشفه.
قلنا الضرورة في النعال قد أثرت في التخفيف مرة حتى تطهر بالمسح فتكفي مؤنتها.

 

ج / 1 ص -38-         ولا فرق بين مأكول اللحم وغير مأكول اللحم. وزفر رحمه الله فرق بينما فوافق أبا حنيفة رحمه الله في غير مأكول اللحم ووافقهما في المأكول وعن محمد رحمه الله أنه لما دخل الري ورأى البلوى أفتى بأن الكثير الفاحش لا يمنع أيضا وقاسوا عليه طين بخارى وعند ذلك رجوعه في الخف يروى "وإن أصابه بول الفرس لم يفسده حتى يفحش عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله وعند محد رحمه الله لا يمنع وإن فحش" لأن بول ما يؤكل لحمه طاهر عنده مخفف نجاسته عند أبي يوسف رحمه الله ولحمه مأكول عندهما وأما عند أبي حنيفة رحمه الله فالتخفيف لتعارض الآثار "وإن أصابه خرء مالا يؤكل لحمه من الطيور أكثر من قدر الدرهم جازت الصلاة فيه عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى وقال محمد رحمه الله تعالى لا تجوز" فقد قيل إن الاختلاف في النجاسة وقد قيل في المقدار وهو الأصح هو يقول إن التخفيف للضرورة ولا ضرورة لعدم المخالطة فلا يخفف ولهما أنها تذرق من الهواء والتخامي عنه متعذر فتحققت الضرورة ولو وقع في الإناء قيل يفسده وقيل لا يفسده لتعذر صون الأواني عنه "وإن أصابه من دم السمك أو" من "لعاب البغل أو الحمار أكثر من قدر الدرهم أجزأت الصلاة فيه" أما دم السمك فلأنه ليس بدم على التحقيق فلا يكون نجسا وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى أنه اعتبر فيه الكثير الفاحش فاعتبره نجسا وأما لعاب البغل والحمار فلأنه مشكوك فيه فلا يتنجس به الطهر "فإن انتضح عليه البول مثل رءوس الإبر فذلك ليس بشيء" لأنه لا يستطاع الامتناع عنه.
قال: "والنجاسة ضربان مرئية وغير مرئية فما كان منها مرئيا فطهارته زوال عينها" لأن النجاسة حلت المحل باعتبار العين فتزول بزوالها "إلا أن يبقى من أثرها ما تشق إزالته" لأن الحرج مدفوع وهذا يشير إلى أنه لا يشترط الغسل بعد زوال العين وإن زال بالغسل مرة واحدة و فيه كلام "وما ليس بمرئي فطهارته أن يغسل حتى يغلب على ظن الغاسل أنه قد طهر" لأن التكرار لا بد منه للاستخراج ولا يقطع بزواله فاعتبر غالب الظن كما في أمر القبلة وإنما قدروا بالثلاث لأن غالب الظن يحصل عنده فأقيم السبب لظاهر مقامه تيسيرا ويتأيد ذلك بحديث المستيقظ من منامه ثم لا بد من العصر في كل مرة في ظاهر الرواية لأنه هو المستخرج.

فصل في الاستنجاء
"الاستنجاء سنة" لأن النبي عليه الصلاة والسلام واظب عليه "ويجوز فيه الحجر وما قام مقامه يمسحه حتى ينقيه" لأن المقصود هو الإنقاء فيعتبر ما هو المقصود وليس فيه

 

ج / 1 ص -39-         عدد مسنون" وقال الشافعي رحمه الله: لا بد من الثلاث لقوله عليه الصلاة والسلام: "وليستنج بثلاثة أحجار".
ولنا قوله عليه الصلاة والسلام "
من استجمر فليوتر فمن فعل فحسن ومن لا فلا حرج" والإيتار يقع على الواحد وما رواه متروك الظاهر فإنه لو استنجى بحجر له ثلاثة أحرف جاز بالإجماع "وغسله بالماء أفضل" لقوله تعالى: {فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا} [التوبة: 108] نزلت في أقوام كانوا يتبعون الحجارة الماء ثم هو أدب وقيل هو سنة في زماننا ويستعمل الماء إلى أن يقع في غالب ظنه أنه قد طهر ولا يقدر بالمرات إلا إذا كان موسوسا فيقدر بالثلاث في حقه وقيل بالسبع "ولو جاوزت النجاسة مخرجها لم يجز فيه إلا الماء" وفي بعض النسخ إلا المائع وهذا يقق اختلاف الروايتين في تطهير العضو بغير الماء على ما بينا وهذا لأن المسح غير مزيل إلا أنه اكتفي به في موضع الاستنجاء فلا يتعداه ثم يعتبر المقدار المانع وراء موضع الاستنجاء عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله لسقوط اعتبار ذلك الموضع وعند محمد رحمه الله مع موضع الاستنجاء اعتبارا بسائر المواضع "ولا يستنجى بعظم ولا بروث" لأن النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن ذلك ولو فعل يجزيه لحصول المقصود ومعنى النهي في الروث النجاسة وفي العظم كونه زاد الجن، "ولا" يستنجى "بطعام" لأنه إضاعة وإسراف "ولا بيمينه" لأن النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن الاستنجاء باليمين.