الهداية
في شرح بداية المبتدي ج / 1 ص -40-
كتاب الصلاة
باب المواقيت
"أول
وقت الفجر إذا طلع الفجر الثاني وهو البياض
المعترض في الأفق وآخر وقتها ما لم تطلع الشمس"
لحديث إمامة جبريل عليه السلام فإنه أم رسول
الله عليه الصلاة والسلام فيها في اليوم الأول
حين طلع الفجر وفي اليوم الثاني حين أسفر جدا
وكادت الشمس أن تطلع ثم قال في آخر الحديث "ما
بين هذين الوقتين وقت لك ولأمتك" ولا
معتبر بالفجر الكاذب وهو البياض الذي يبدو
طولا ثم يعقبه الظلام لقوله عليه الصلاة
والسلام "لا يغرنكم أذان
بلال ولا الفجر المستطيل، وإنما الفجر
المستطير في الأفق" أي المنتشر فيه "وأول وقت الظهر إذا زالت الشمس"
لإمامة جبريل عليه السلام في اليوم الأول حين
زالت الشمس "وآخر
وقتها عند أبي حنيفة رحمه الله إذا صار ظل كل
شيء مثليه سوى فيء الزوال وقالا إذا صار الظل
مثله" وهو رواية عن أبي حنيفة
رحمه الله وفيء الزوال هو الفيء الذي يكون
للأشياء وقت الزوال لهما إمامة جبريل عليه
السلام في اليوم الأول في هذا الوقت ولأبي
حنيفة رحمه الله قوله عليه الصلاة والسلام "أبردوا بالظهر فإن شدة الحر من فيح جهنم" وأشد الحر في ديارهم في هذا الوقت وإذا تعارضت الآثار لا ينقضي
الوقت بالشك "وأول
وقت العصر إذ خرج وقت الظهر على القولين وآخر
وقتها مالم تغرب الشمس" لقوله
عليه الصلاة والسلام "من
أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد
أدركها"
"وأول
وقت المغرب إذا غربت الشمس وآخر وقتها مالم
يغب الشفق" وقال الشافعي رحمه
الله مقدار ما يصلى فيه ثلاث ركعات لأن جبريل
عليه السلام أم في اليومين في وقت واحد.
ولنا قوله عليه الصلاة والسلام "أول
وقت المغرب حين تغرب الشمس وآخر وقتها حين
يغيب الشفق" وما رواه كان للتحرز عن الكراهة "ثم
الشفق هو البياض الذي في الأفق بعد الحمرة عند
أبي حنيفة رحمه الله تعالى وعندهما هو الحمرة"
وهو رواية عن أبي حنيفة وهو قول الشافعي لقوله
عليه الصلاة والسلام "الشفق الحمرة"
ولأبي حنيفة رحمه الله تعالى قوله عليه الصلاة
والسلام "وآخر وقت المغرب إذا اسود الأفق" وما رواه موقوف على
ج / 1 ص -41-
ابن
عمر رضي الله عنهما ذكره مالك رحمه الله في
الموطأ وفيه اختلاف الصحابة "وأول
وقت العشاء إذا غاب الشفق وآخر وقتها مالم
يطلع الفجر الثاني" لقوله
عليه الصلاة والسلام "وآخر وقت
العشاء حين يطلع الفجر" وهو حجة على الشافعي رحمه الله تعالى في تقديره بذهاب ثلث الليل "وأول
وقت الوتر بعد العشاء وآخره مالم يطلع الفجر"
لقوله عليه الصلاة والسلام في الوتر "فصلوها
ما بين العشاء إلى طلوع الفجر" قال
رضي الله عنه: هذا عندهما وعند أبي حنيفة رحمه
الله تعالى وقته وقت العشاء إلا أنه لا يقدم
عليه عند التذكر للترتيب.
فصل
"ويستحب
الإسفار بالفجر" لقوله عليه
الصلاة والسلام "أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر" وقال الشافعي رحمه الله يستحب التعجيل في كل صلاة والحجة عليه ما
رويناه وما نرويه.
قال: "والإبراد
بالظهر في الصيف وتقديمه في الشتاء
"لما روينا ولرواية أنس رضي الله عنه قال كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان في
الشتاء بكر بالظهر وإذا كان في الصيف أبرد بها
"وتأخير
العصر مالم تتغير الشمس في الصيف والشتاء"
لما فيه من تكثير النوافل لكراهتها بعده
والمعتبر تغير القرص وهو أن يصير بحال لا تحار
فيه الأعين هو الصحيح والتأخير إليه مكروه "و"
يستحب "تعجيل
المغرب" لأن تأخيرها مكروه
لما فيه من التشبه باليهود وقال عليه الصلاة
والسلام "لا
تزال أمتي بخير ما عجلوا المغرب وأخروا العشاء"
قال "وتأخير
العشاء إلى ما قبل ثلث الليل"
لقوله عليه الصلاة والسلام "لولا أن اشق على أمتي لأخرت العشاء إلى ثلث الليل" ولأن فيه قطع السمر المنهي عنه بعده وقيل في الصيف تعجل كيلا
تتقلل الجماعة والتأخير إلى نصف الليل مباح
لأن دليل الكراهة وهو تقليل الجماعة عارضه
دليل الندب وهو قطع السمر بواحدة فتثبت
الإباحة وإلى النصف الأخير مكروه لما فيه من
تقليل الجماعة وقد انقطع السمر قبله "ويستحب
في الوتر لمن يألف صلاة الليل أن يؤخره إلى
آخر الليل فإن لم يثق بالانتباه أوتر قبل
النوم" لقوله عليه الصلاة
والسلام "من
خاف أن لا يقوم آخر الليل فليوتر أوله، ومن
طمع أن يقوم آخر الليل فليوتر آخره" "فإذا
كان يوم غيم فالمستحب في الفجر والظهر والمغرب
تأخيرها وفي العصر والعشاء تعجيلهما"
لأن في تأخير العشاء تقليل الجماعة على اعتبار
المطر، وفي
ج / 1 ص -42-
تأخير
العصر توهم الوقوع في الوقت المكروه ولا توهم
في الفجر لأن تلك المدة مديدة وعن أبي حنيفة
رحمه الله تعالى التأخير في الكل للاحتياط ألا
ترى أنه يجوز الأداء بعد الوقت لا قبله.
فصل في الأوقات
التي تكره فيها الصلاة
"لا تجوز الصلاة عند طلوع الشمس ولا عند
قيامها في الظهيرة ولا عند غروبها"
لحديث عقبة بن عامر رضي الله عنه قال ثلاثة
أوقات نهانا رسول الله عليه الصلاة والسلام أن
نصلي فيها وأن نقبر فيها موتانا عند طلوع
الشمس حتى ترتفع وعند زوالها حتى تزول وحين
تضيف للغروب حتى تغرب والمراد بقوله وأن نقبر
صلاة الجنازة لأن الدفن غير مكروه والحديث
بإطلاقه حجة على الشافعي رحمه الله تعالى في
تخصيص الفرائض وبمكة في حق النوافل وحجة على
أبي يوسف رحمه الله تعالى في إباحة النفل يوم
الجمعة وقت الزوال. قال: "ولا
صلاة جنازة" لما روينا "ولا
سجدة تلاوة" لأنها في معنى
الصلاة إلا عصر يومه عند الغروب لأن السبب هو
الجزء القائم من الوقت لأنه لو تعلق بالكل
لوجب الأداء بعده ولو تعلق بالجزء الماضي
فالمؤدى في آخر الوقت قاض وإذا كان كذلك فقد
أداها كما وجبت بخلاف غيرها من الصلوات لأنها
وجبت كاملة فلا تتأدى بالنقص.
قال رضي الله عنه: والمراد بالنفي المذكور في
صلاة الجنازة وسجدة التلاوة الكراهة حتى لو
صلاها فيه أو تلا فيه آية السجدة فسجدها جاز
لأنها أديت ناقصة كما وجبت إذ الوجوب بحضور
الجنازة والتلاوة.
"ويكره
أن يتنفل بعد الفجر حتى تطلع الشمس وبعد العصر
حتى تغرب" لما روي أنه عليه
الصلاة والسلام نهى عن ذلك "ولا
بأس بأن يصلي في هذين الوقتين الفوائت ويسجد
للتلاوة ويصلي على الجنازة"
لأن الكراهة كانت لحق الفرض ليصير الوقت
كالمشغول به لا لمعنى في الوقت فلم تظهر في حق
الفرائض وفيما وجب لعينه كسجدة التلاوة وظهرت
في حق المنذور لأنه تعلق وجوبه بسبب من جهته
وفي حق ركعتي الطواف وفي الذي شرع فيه ثم
أفسده لأن الوجوب لغيره وهو ختم الطواف وصيانة
المؤدي عن البطلان "ويكره أن يتنفل بعد طلوع الفجر بأكثر
من ركعتي الفجر" لأنه عليه
الصلاة والسلام لم يزد عليهما مع حرصه على
الصلاة "ولا
يتنفل بعد الغروب قبل الفرض"
لما فيه من تأخير المغرب "ولا
إذا
ج / 1 ص -43-
خرج الإمام للخطبة يوم الجمعة إلى أن يفرغ من
خطبته" لما فيه من الاشتغال عن استماع الخطبة.
باب الأذان
"الأذان سنة للصلوات الخمس والجمعة دون
ما سواها" للنقل المتواتر "وصفة
الأذان معروفة" وهو كما أذن
الملك النازل من السماء "ولا
ترجيع فيه" وهو أن يرجع فيرفع
صوته بالشهادتين بعد ما خفض بهما وقال الشافعي
رحمه الله تعالى فيه ذلك لحديث أبي محذورة رضي
الله عنه
أن النبي عليه الصلاة والسلام أمره بالترجيع
ولنا أنه لا ترجيع في المشاهير وكان ما رواه
تعليما فظنه ترجيعا "ويزيد
في أذان الفجر بعد الفلاح الصلاة خير من النوم
مرتين" لأن بلالا رضي الله
عنه قال الصلاة خير من النوم مرتين حين وجد
النبي عليه الصلاة والسلام راقدا فقال عليه
الصلاة والسلام "ما أحسن هذا يا
بلال اجعله في أذانك" وخص الفجر
به لأنه وقت نوم وغفلة "والإقامة
مثل الأذان إلا أنه يزيد فيها بعد الفلاح قد
قامت الصلاة مرتين" هكذا فعل
الملك النازل من السماء وهو المشهور ثم هو حجة
على الشافعي رحمه الله تعالى في قوله إنها
فرادى فرادى إلا قوله قد قامت الصلاة مرتين "ويترسل
في الأذان ويحدر في الإقامة"
لقوله عليه الصلاة والسلام لبلال "إذا
أذنت فترسل وإذا أقمت فاحدر" وهذا
بيان الاستحباب "ويستقبل
بهما القبلة" لأن الملك
النازل من السماء أذن مستقبل القبلة ولو ترك
الاستقبال جاز لحصول المقصود ويكره لمخالفته
السنة "ويحول
وجهه للصلاة والفلاح يمنة ويسرة"
لأنه خطاب للقوم فيواجههم به "وإن
استدار في صومعته فحسن" مراده
إذا لم يستطع تحويل الوجه يمينا وشمالا "مع
ثبات قدميه" مكانهما كما هو
السنة بأن كانت الصومعة متسعة فأما من غير
حاجة فلا "والأفضل
للمؤذن أن يجعل أصبعيه في أذنيه"
بذلك أمر النبي عليه الصلاة والسلام بلالا رضي
الله عنه ولأنه أبلغ في الإعلام "فإن
لم يفعل فحسن" لأنها ليست
بسنة أصلية "والتثويب
في الفجر: حي على الصلاة حي على الفلاح مرتين
بين الأذان والإقامة حسن"
لأنه وقت نوم وغفلة "وكره
في سائر الصلوات" ومعناه
العود إلى الإعلام بعد الإعلام وهو على حسب ما
تعرفوه وهذا التثويب أحدثه علماء الكوفة بعد
عهد الصحابة رضي الله عنهم لتغير أحوال الناس
وخصوا الفجر به لما ذكرنا والمتأخرون استحسنوه
في الصلوات كلها لظهور التواني في الأمور
الدينية.
وقال أبو يوسف رحمه الله: لا أرى بأسا أن يقول
المؤذن للأمير في الصلوات كلها:
ج / 1 ص -44-
السلام
عليك أيها الأمير ورحمة الله وبركاته حي على
الصلاة حي على الفلاح الصلاة يرحمك الله
واستبعده محمد رحمه الله لأن الناس سواسية في
أمر الجماعة. وأبو يوسف رحمه الله خصهم بذلك
لزيادة اشتغالهم بأمور المسلمين كيلا تفوتهم
الجماعة وعلى هذا القاضي والمفتي "ويجلس
بين الأذان والإقامة إلا في المغرب وهذا عند
أبي حنيفة رحمه الله وقالا يجلس في المغرب
أيضا جلسة خفيفة" لأنه لا بد
من الفصل إذ الوصل مكروه ولا يقع الفصل
بالسكتة لوجودها بين كلمات الأذان فيفصل
بالجلسة كما بين الخطبتين ولأبي حنيفة رحمه
الله أن التأخير مكروه فيكتفى بأدنى الفصل
احترازا عنه والمكان في مسألتنا مختلف وكذا
النغمة فيقع الفصل بالسكتة ولا كذلك الخطبة
وقال الشافعي رحمه الله يفصل بركعتين اعتبارا
بسائر الصلوات والفرق قد ذكرناه "قال
يعقوب رأيت أبا حنيفة رحمه الله يؤذن في
المغرب ويقيم ولا يجلس بين الأذان والإقامة"
وهذا يفيد ما قلناه وأن المستحب كون المؤذن
عالما بالسنة لقوله عليه الصلاة والسلام "ويؤذن لكم خياركم"
"ويؤذن
للفائتة ويقيم" لأنه عليه
الصلاة والسلام قضى الفجر غداة ليلة التعريس
بأذان وإقامة وهو حجة على الشافعي رحمه الله
في اكتفائه بالإقامة "فإن فاتته صلوات أذن للأولى وأقام"
لما روينا "وكان
مخيرا في الباقي إن شاء أذن وأقام"
ليكون القضاء على حسب الأداء "وإن
شاء اقتصر على الإقامة" لأن
الأذان للاستحضار وهم حضور.
قال رضي الله عنه: وعن محمد رحمه الله أنه
يقيم لما بعدها ولا يؤذن قالوا يجوز أن يكون
هذا قولهم جميعا "وينبغي
أن يؤذن ويقيم على طهر فإن أذن على غير وضوء
جاز" لأنه ذكر وليس بصلاة
فكان الوضوء فيه استحبابا كما في القراءة "ويكره
أن يقيم على غير وضوء" لما
فيه من الفصل بين الإقامة والصلاة.
ويروى أنه لا تكره الإقامة أيضا لأنها أحد
الأذانين ويروى أنه يكره الأذان أيضا لأنه صير
داعيا إلى مالا يجيب بنفسه "ويكره
أن يؤذن وهو جنب" رواية واحدة
ووجه الفرق على إحدى الروايتين أن للأذان شبها
بالصلاة فتشترط الطهارة عن أغلظ الحدثين لا
دون أخفهما عملا بالشبهين.
وفي الجامع الصغير: إذا أذن وأقام على غير
وضوء لا يعيد والجنب أحب إلى أن يعيد "ولو
لم يعد أجزأه" أما الأول
فلخفة الحدث وأما الثاني ففي الإعادة بسبب
الجنابة روايتان والأشبه أن يعاد الأذان دون
الإقامة لأن تكرار الأذان مشروع دون الإقامة
وقوله لو لم يعد أجزأه يعني الصلاة لأنها
جائزة بدون الأذان والإقامة. قال "وكذلك
المرأة تؤذن" معناه يستحب أن
يعاد ليقع على وجه السنة.
ج / 1 ص -45-
"ولا يؤذن لصلاة قبل دخول وقتها ويعاد
في الوقت" لأن الأذان للإعلام
وقبل الوقت تجهيل "وقال ابو يوسف" وهو
قول الشافعي رحمه الله "يجوز
للفجر في النصف الأخير من الليل"
لتوارث أهل الحرمين. والحجة على الكل قوله
عليه الصلاة والسلام لبلال رضي الله عنه "لا تؤذن حتى يستبين لك الفجر هكذا ومد يده عرضا" "والمسافر
يؤذن ويقيم" لقوله عليه
الصلاة والسلام لابني أبي مليكة رضي الله
عنهما "إذا
سافرتما فأذنا وأقيما" "فإن
تركهما جميعا يكره" ولو اكتفى
بالإقامة جاز لأن الأذان لاستحضار الغائبين
والرفقة حاضرون والإقامة لإعلام الإفتتاح وهم
إليه محتاجون "فإن
صلى في بيته في المصر يصلي بأذان وإقامة"
ليكون الأداء على هيئة الجماعة "وإن
تركهما جاز" لقول ابن مسعود
رضي الله عنه أذان الحي يكفينا.
باب شروط الصلاة
التي تتقدمها
"يجب على المصلي أن يقدم الطهارة من
الأحداث والأنجاس على ما قدمناه"
قال الله تعالى:
{وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر:4] وقال الله تعالى:
{وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] "ويستر
عورته" لقوله تعالى:
{خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [لأعراف: 31] أي ما يواري عورتكم عند كل صلاة وقال عليه الصلاة
والسلام "لا صلاة لحائض
إلا بخمار" أي لبالغة "وعورة
الرجل ما تحت السرة إلى الركبة"
لقوله عليه الصلاة والسلام "عورة الرجل ما
بين سرته إلى ركبته" ويروى "ما
دون سرته حتى تجاوز ركبته"
وبهذا تبين أن السرة ليست من العورة خلافا لما
يقول الشافعي رحمه الله "والركبة من العورة"
خلافا له أيضا وكلمة إلى تحملها على كلمة مع
عملا بكلمة حتى أو عملا بقوله عليه الصلاة
والسلام "الركبة من
العورة".
"وبدن
الحرة كلها عورة إلا وجهها وكفيها"
لقوله عليه الصلاة والسلام "المرأة عورة مستورة"
واستثناء العضوين للابتلاء بإبدائهما.
قال رضي الله عنه: وهذا تنصيص على أن القدم
عورة ويروى أنها ليست بعورة وهو الأصح "فإن
صلت وربع ساقها أو ثلثه مكشوف تعيد الصلاة"
عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله "وإن
كان أقل من الربع لا تعيد وقال أبو يوسف رحمه
الله لا تعيد إن كان أقل من النصف"
لأن الشيء إنما يوصف بالكثرة إذا كان ما
يقابله أقل منه إذ هما من أسماء المقابلة "وفي
النصف عنه روايتان" فاعتبر
الخروج عن حد القلة أو عدم الدخول في ضده
ولهما أن الربع يحكي حكاية الكمال كما في مسح
الرأس والحلق في الإحرام. ومن رأى
فصل في القراءة
قال: "ويجهر بالقراءة في الفجر وفي الركعتين
الأوليين من المغرب والعشاء إن كان إماما
ويخفى في الأخريين" هذا هو
المأثور المتوارث "وإن
كان منفردا فهو مخير إن شاء جهر وأسمع نفسه"
لأنه إمام في حق نفسه "وإن
شاء خافت" لأنه ليس خلفه من
يسمعه والأفضل هو الجهر ليكون الأداء على هيئة
الجماعة "ويخفيها
الإمام في الظهر والعصر وإن كان بعرفة"
لقوله عليه الصلاة والسلام "صلاة النهار عجماء"
أي ليست فيها قراءة مسموعة وفي عرفة خلاف مالك
رحمه الله والحجة عليه ما رويناه "ويجهر
في الجمعة والعيدين" لورود
النقل المستفيض بالجهر وفي التطوع بالنهار
يخافت وفي الليل يتخير اعتبارا بالفرد في حق
المنفرد وهذا لأنه مكمل له فيكون تبعا له "ومن
فاتته العشاء فصلاها بعد طلوع الشمس إن أم
فبها جهر" كما فعل رسول الله
صلى الله عليه وسلم حين قضى الفجر غداة ليلة
التعريس بجماعة "وإن
كان وحده خافت حتما ولا يتخير هو الصحيح"
لأن الجهر يختص إما بالجماعة حتما، أو
ج / 1 ص -46-
وجه
غيره يخبر عن رؤيته وإن لم ير إلا أحد جوانبه
الأربعة "والشعر
والبطن والفخذ كذلك" يعني على
هذا الاختلاف لأن كل واحد عضو على حدة والمراد
به النازل من الرأس هو الصحيح وإنما وضع غسله
في الجنابة لمكان الحرج والعورة الغليظة على
هذا الاختلاف والذكر يعتبر بانفراده وكذا
الأنثيان وهذا هو الصحيح دون الضم "وما
كان عورة من الرجل فهو عورة من الأمة وبطنهاه
وظهرها عورة وما سوى ذلك من بدنها ليس بعورة"
لقول عمر رضي الله عنه ألق عنك الخمار يا دفار
أتتشبهين بالحرائر ولأنها تخرج لحاجة مولاها
في ثياب مهنتها عادة فاعتبر حالها بذوات
المحارم في حق جميع الرجال دفعا للحرج.
قال: "ومن
لم يجد ما يزيل به النجاسة صلى معها ولم يعد"
وهذا على وجهين إن كان ربع الثوب أو أكثر منه
طاهرا يصلي فيه ولو صلى عريانا لا يجزئه لأن
ربع الشيء يقوم مقام كله وإن كان الطاهر أقل
من الربع فكذلك عند محمد رحمه الله وهوأحد
قولي الشافعي رحمه الله لأن في الصلاة فيه ترك
فرض واحد وفي الصلاة عريانا ترك لفروض وعند
أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله يتخير بين أن
يصلي عريانا وبين أن يصلى فيه وهو الأفضل لأن
كل واحد منهما مانع جواز الصلاة حالة الاختيار
ويستويان في حق المقدار فيستويان في حكم
الصلاة وترك الشيء إلى خلف لا يكون تركا
والأفضلية لعدم اختصاص الستر بالصلاة واختصاص
الطهارة بها "ومن لم يجد ثوبا صلى عريانا قاعدا يومئ
بالركوع والسجود" هكذا فعله
أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام "فإن صلى قائما أجزأه" لأن في القعود ستر العورة الغليظة وفي القيام أداء هذه الأركان
فيميل إلى أيهما شاء "إلا
أن الأول أفضل" لأن الستر وجب
لحق الصلاة وحق الناس ولأنه لا خلف له
والإيماء خلف عن الأركان.
قال: "وينوي
الصلاة التي يدخل فيها بنية لا يفصل بينها
وبين التحريمة بعمل" والأصل
فيه قوله عليه الصلاة والسلام "الأعمال بالنيات"
ولأن ابتداء الصلاة بالقيام وهو متردد بين
العادة والعبادة ولا يقع التمييز بالنية
والمتقدم على التكبير كالقائم عنده إذا لم
يوجد ما يقطعه وهو عمل لا يليق بالصلاة ولا
معتبرة بالمتأخرة منها عنه لأن ما مضى لا يقع
عبادة لعدم النية وفي الصوم جوزت للضرورة
والنية هي الإرادة والشرط أن يعلم بقلبه أي
صلاة يصلي أما الذكر باللسان فلا معتبر به
ويحسن ذلك لاجتماع عزيمته ثم إن كانت الصلاة
نفلا يكفيه مطلق النية وكذا إن كانت سنة في
الصحيح وإن كانت فرضا فلا بد من تعيين الفرض
كالظهر مثلا لاختلاف الفروض "وإن
كان مقتديا بغيره ينوي الصلاة ومتابعته"
لأنه يلزمه فساد الصلاة من جهته فلا بد من
التزامه.
ج / 1 ص -47-
قال: "ويستقبل
القبلة" لقوله تعالى:
{فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ}
[البقرة: 144] ثم من كان بمكة ففرضه إصابة
عينها ومن كان غائبا ففرضه إصابة جهتها هو
الصحيح لأن التكليف بحسب الوسع ومن كان خائفا
يصلي إلى أي جهة قدر لتحقق العذر فأشبه حالة
الاشتباه "فإن
اشتبهت عليه القبلة وليس بحضرته من يسأله عنها
اجتهد وصلى" لأن الصحابة
رضوان الله عليهم تحروا وصلوا ولم ينكر عليهم
رسول الله عليه الصلاة والسلام ولأن العمل
بالدليل الظاهر واجب عند انعدام دليل فوقه
والاستخبار فوق التحري "فإن
علم أنه أخطأ بعد ما صلى لا يعيدها"
وقال الشافعي رحمه الله تعالى يعيدها إذا
استدبر لتيقنه بالخطأ ونحن نقول ليس في وسعه
إلا التوجه إلى جهة التحري والتكليف مقيد
بالوسع "وإن
علم ذلك في الصلاة استدار إلى القبلة وبنى
عليه" لأن أهل قباء لما سمعوا
بتحول القبلة استداروا كهيئتهم في الصلاة
واستحسنه النبي عليه الصلاة والسلام وكذا إذا
تحول رأيه إلى جهة أخرى توجه إليها لوجوب
العمل بالاجتهاد فيما يستقبل من غير نقض
المؤدي قبله.
قال: "ومن
أم قوما في ليلة مظلمة فتحرى القبلة وصلى إلى
المشرق وتحرى من خلفه فصلى كل واحد منهم إلى
جهة وكلهم خلفه ولا يعلمون ما صنع الإمام
أجزأهم" لوجود التوجه إلى جهة
التحري وهذه المخالفة غير مانعة كما في جوف
الكعبة "ومن
علم منهم بحال إمامه تفسد صلاته"
لأنه اعتقد أن إمامه على الخطأ "وكذا
لو كان متقدما على الإمام"
لتركه فرض المقام.
باب صفة الصلاة
"فرائض الصلاة ستة: التحريمة"
لقوله تعالى: {وَرَبَّكَ
فَكَبِّرْ} [المدثر:3] والمراد تكبيرة الافتتاح "والقيام"
لقوله تعالى: {وَقُومُوا
لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] "والقراءة"
لقوله تعالى:
{فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ}
[المزمل: 20] والركوع والسجود لقوله تعالى:
{ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا}
[الحج: 77] "والقعدة
في آخر الصلاة مقدار التشهد"
لقوله عليه الصلاة والسلام لابن مسعود رضي
الله عنه حين علمه التشهد "إذا قلت هذا أو فعلت هذا فقد تمت صلاتك" علق التمام بالفعل قرأ أو لم يقرأ.
قال: "وما
سوى ذلك فهو سنة" أطلق اسم
السنة وفيها واجبات كقراءة الفاتحة وضم السورة
إليها ومراعاة الترتيب فيما شرع مكررا من
الأفعال والقعدة الأولى وقراءة التشهد في
القعدة الأخيرة والقنوت في الوتر وتكبيرات
العيدين والجهر فيما يجهر فيه والمخافتة فيما
يخافت فيه ولهذا تجب عليه سجدتا السهو بتركها
هذا هو الصحيح
ج / 1 ص -48-
وتسميتها سنة في الكتاب لما أنه ثبت وجوبها
بالسنة.
قال: "وإذا
شرع في الصلاة كبر" لما تلونا
وقال عليه الصلاة والسلام "تحريمها التكبير"
وهو شرط عندنا خلافا للشافعي رحمه الله حتى إن
من تحرم للفرض كان له أن يؤدي بها التطوع
عندنا وهو يقول إنه يشترط لها ما يشترط لسائر
الأركان وهذا آية الركنية ولنا أنه عطف الصلاة
عليه في قوله تعالى:
{وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى:15] ومقتضاه المغايرة ولهذا لا يتكرر كتكرار الأركان
ومراعاة الشرائط لما يتصل به من القيام "ويرفع يديه مع التكبير وهو سنة"
لأن النبي عليه الصلاة والسلام واظب عليه وهذا
اللفظ يشير إلى اشتراط المقارنة وهو المروي عن
أبي يوسف والمحكي عن الطحاوي والأصح أنه يرفع
يديه أولا ثم يكبر لأن فعله نفي الكبرياء عن
غير الله تعالى والنفي مقدم على الإثبات "ويرفع
يديه حتى يحاذي بإبهاميه شحمتي أذنيه"
وعند الشافعي رحمه الله يرفع إلى منكبيه وعلى
هذا تكبيرة القنوت والأعياد والجنازة له حديث
أبي حميد الساعدي رضي الله عنه قال
كان النبي عليه الصلاة والسلام إذا كبر رفع يديه إلى منكبيه ولنا رواية وائل بن حجر والبراء وأنس رضي الله عنهم أن النبي عليه
الصلاة والسلام
كان إذا كبر
رفع يديه حذاء أذنيه ولأن رفع اليد لإعلام الأصم وهو بما قلناه وما رواه يحمل على حالة
العذر "والمرأة
ترفع يديها حذاء منكبيها" هو
الصحيح لأنه أستر لها "فإن
قال بدل التكبير الله أجل أو أعظم أو الرحمن
أكبر أو لا إله إلا الله أو غيره من أسماء
الله تعالى أجزأه عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما
الله تعالى وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى إن
كان يحسن التكبير لم يجزئه إلا قوله الله أكبر
أو الله الأكبر أو الله الكبير
"وقال الشافعي رحمه الله: لا يجوز إلا
بالأولين وقال مالك رحمه الله تعالى لا يجوز
إلا بالأول لأنه هو المنقول والأصل فيه
التوقيف والشافعي رحمه الله يقول إدخال الألف
واللام فيه أبلغ في الثناء فقام مقامه وأبو
يوسف رحمه الله تعالى يقول إن أفعل وفعيلا في
صفات الله تعالى سواء بخلاف ما إذا كان لا
يحسن لأنه لا يقدر إلا على المعنى ولهما أن
التكبير هو التعظيم لغة وهو حاصل "فإن
افتتح الصلاة بالفارسية أو قرأ فيها بالفارسية
أو ذبح وسمى بالفارسية وهو يحسن العربية أجزأه
عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى وقالا لا يجزئه
إلا في الذبيحة وإن لم يحسن العربية أجزأه"،
أما الكلام في الافتتاح فمحمد مع أبي حنيفة
رحمه الله تعالى في العربية ومع أبي يوسف في
الفارسية لأن لغة العرب لها من المزية ما ليس
لغيرها.
وأماالكلام في القراءة فوجه قولهما إن القرآن
اسم لمنظوم عربي كما نطق به النص إلا أن عند
العجز يكتفى بالمعنى كالإيماء بخلاف التسمية
لأن الذكر يحصل بكل لسان.
ج / 1 ص -49-
ولأبي
حنيفة رحمه الله تعالى قوله تعالى:
{وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ}
[الشعراء:196] ولم يكن فيها بهذه اللغة ولهذا
يجوز عند العجز إلا أنه يصير مسيئا لمخالفته
السنة المتوارثة ويجوز بأي لسان كان سوى
الفارسية هو الصحيح لما تلونا.
والمعنى: لا يختلف باختلاف اللغات والخلاف في
الاعتداد ولا خلاف في أنه لا فساد ويروى رجوعه
في أصل المسألة إلى قولهما وعليه الاعتماد
والخطبة والتشهد على هذا الاختلاف وفي الأذان
يعتبر التعارف "ولو
افتتح الصلاة باللهم اغفر لي لا يجوز"
لأنه مشوب بحاجته فلم يكن تعظيما خالصا ولو
افتتح بقوله اللهم فقد قيل يجزئه لأن معناه يا
الله وقيل لا يجزئه لأن معناه ياألله آمنا
بخير فكان سؤالا.
قال: "ويعتمد
بيده اليمنى على اليسرى تحت السرة"
لقوله عليه الصلاة والسلام "إن من السنة
وضع اليمين على الشمال تحت السرة" وهو حجة
على مالك رحمه الله تعالى في الإرسال وعلى
الشافعي رحمه الله تعالى في الوضع على الصدر
لأن الوضع تحت السرة أقرب إلى التعظيم وهو
المقصود ثم الاعتماد سنة القيام عند أبي حنيفة
وأبي يوسف رحمهما الله تعالى حتى لا يرسل حالة
الثناء والأصل أن كل قيام فيه ذكر مسنون يعتمد
فيه ومالا فلا هو الصحيح فيعتمد في حالة
القنوت وصلاة الجنازة ويرسل في القومة وبين
تكبيرات الأعياد "ثم
يقول سبحانك اللهم وبحمدك إلى آخره"
وعن أبي يوسف رحمه الله أنه يضم إليه قوله:
{إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ}
[الأنعام: 79] إلى آخره لرواية علي رضي الله
عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يقول
ذلك ولهما رواية أنس رضي الله عنه أن النبي
عليه الصلاة والسلام
كان إذا افتتح الصلاة كبر وقرأ سبحانك الله وبحمدك إلى آخره ولم يزد
على هذا وما رواه
محمول على التهجد وقوله وجل ثناؤك لم يذكر في
المشاهير فلا يأتي به في الفرائض والأولى أن
لا يأتي بالتوجه قبل التكبير لتتصل النية به
هو الصحيح "ويستعيذ
بالله من الشيطان الرجيم"
لقوله تعالى:
{فَإِذَا
قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ
مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل:98] معناه إذا أردت قراءة القرآن والأولى أن يقول أستعيذ
بالله ليوافق القرآن ويقرب منه أعوذ بالله ثم
التعوذ تبع للقراءة دون الثناء عند أبي حنيفة
ومحمد رحمهما الله تعالى لما تلونا حتى يأتي
به المسبوق دون المقتدي ويؤخر عن تكبيرات
العيد خلافا لأبي يوسف رحمه الله تعالى.
قال: "ويقرأ
بسم الله الرحمن الرحيم" هكذا
نقل في المشاهير "ويسر
بهما" لقول ابن مسعود رضي
الله عنه أربع يخفيهن الإمام وذكر منها التعوذ
والتسمية وآمين وقال الشافعي رحمه الله تعالى
يجهر بالتسمية عند الجهر بالقراءة لما روي أن
النبي عليه الصلاة
ج / 1 ص -50-
والسلام جهر في صلاته بالتسمية"
قلنا: هو محمول على التعليم لأن أنسا رضي الله
عنه أخبر أنه عليه الصلاة والسلام كان لا يجهر
بها ثم عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى أنه لا
يأتي بها في أول كل ركعة كالتعوذ وعنه أنه
يأتي بها احتياطا وهو قولهما ولا يأتي بها بين
السورة والفاتحة إلا عند محمد رحمه الله تعالى
فإنه يأتي بها في صلاة المخافتة "ثم
يقرأ فاتحة الكتاب وسورة أو ثلاث آيات من أي
سورة شاء" فقراءة الفاتحة لا
تتعين ركنا عندنا وكذا ضم السورة إليها خلافا
للشافعي رحمه الله تعالى في الفاتحة ولمالك
رحمه الله تعالى فيهما له قوله عليه الصلاة
والسلام "لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب وسورة معها"
وللشافعي رحمه الله تعالى قوله عليه الصلاة
والسلام "لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب"
ولنا قوله تعالى:
{فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] والزيادة عليه بخبر الواحد لا تجوز لكنه يوجب العمل
فقلنا بوجوبهما "وإذا
قال الإمام ولا الضالين قال آمين ويقولها
المؤتم" لقوله عليه الصلاة
والسلام "إذا أمن
الإمام فأمنوا" ولا متمسك لمالك رحمه الله تعالى في قوله عليه الصلاة والسلام "إذا قال الإمام
ولا الضالين فقولوا آمين" من حيث القسمة لأنه
قال في آخره "فإن
الإمام يقولها".
قال: "ويخفونها"
لما روينا من حديث ابن مسعود رضي الله عنه
ولأنه دعاء فيكون مبناه على الإخفاء والمد
والقصر فيه وجهان والتشديد فيه خطأ فاحش قال:
"ثم
يكبر ويركع" وفي الجامع
الصغير: ويكبر مع الانحطاط لأن النبي عليه
الصلاة والسلام كان يكبر عند كل خفض ورفع "ويحذف
التكبير حذفا" لأن المد في
أوله خطأ من حيث الدين لكونه استفهاما وفي
آخره لحن من حيث اللغة "ويعتمد
بيديه على ركبتيه ويفرج بين أصابعه"
لقوله عليه الصلاة والسلام لأنس رضي الله عنه
"إذا
ركعت فضع يديك على ركبتيك وفرج بين أصابعك"
ولا يندب إلى التفريج إلا في هذه الحالة ليكون
أمكن من الأخذ ولا إلى الضم إلا في حالة
السجود وفيما وراء ذلك يترك على العادة "ويبسط ظهره" لأن النبي
عليه الصلاة والسلام كان إذا ركع بسط ظهره "ولا
يرفع رأسه ولا ينكسه" لأن
النبي عليه الصلاة والسلام كان إذا ركع لا
يصوب رأسه ولا يقنعه ويقول "سبحان
ربي العظيم ثلاثا وذلك أدناه"
لقوله عليه الصلاة والسلام "إذا ركع أحدكم
فليقل في ركوعه سبحان ربي العظيم ثلاثا وذلك
أدناه"
أي أدنى كمال الجمع "ثم
يرفع رأسه ويقول سمع الله لمن حمده ويقول
المؤتم ربنا لك الحمد ولا يقولها الإمام عند
أبي حنيفة رحمه الله تعالى وقالا يقولها في
نفسه" لما روى أبو هريرة رضي
الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يجمع بين الذكرين
ج / 1 ص -51-
ولأنه
حرض غيره فلا ينسى نفسه. لأبي حنيفة رحمه الله
تعالى قوله عليه الصلاة والسلام "إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا لك الحمد" هذه قسمة وإنها تنافي الشركة ولهذا لا يأتي المؤتم بالتسميع عندنا
خلافا للشافعي رحمه الله تعالى ولأنه يقع
تحميده بعد تحميد المقتدي وهو خلاف موضوع
الإمامة وما رواه محمول على حالة الانفراد "والمنفرد
يجمع بينهما في الأصح" وإن
كان يروى الاكتفاء بالتسميع ويروى بالتحميد
والإمام بالدلالة عليه آت به معنى.
قال: "ثم
إذا استوى قائما كبر وسجد"
أما التكبير والسجود فلما بينا وأما الاستواء
قائما فليس بفرض وكذا الجلسة بين السجدتين
والطمأنينة في الركوع والسجود وهذا عند أبي
حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى وقال أبو يوسف
يفترض ذلك كله وهو قول الشافعي رحمه الله
تعالى لقوله عليه الصلاة والسلام "قم فصل فإنك لم تصل"
قاله لأعرابي حين أخف الصلاة ولهما أن الركوع
هو الانحناء والسجود هو الانخفاض لغة فتتعلق
الركنية بالأدنى فيهما وكذا في الانتقال إذ هو
غير مقصود وفي آخر ما روي تسميته إياه صلاة
حيث قال "وما
نقصت من هذا شيئا فقد نقصت من صلاتك"
ثم القومة والجلسة سنة عندهما
وكذا الطمأنينة في تخريج الجرجاني رحمه الله
تعالى وفي تخريج الكرخي رحمه الله واجبة حتى
تجب سجدتا السهو بتركها ساهيا عنده "ويعتمد
بيديه على الأرض" لأن وائل بن
حجر رضي الله عنه وصف صلاة رسول الله صلى الله
عليه وسلم فسجد وأدعم على راحتيه ورفع عجيزته
قال: "ووضع
وجهه بين كفيه ويديه حذاء أذنيه"
لما روي أنه عليه الصلاة والسلام فعل كذلك.
قال: "وسجد
على أنفه وجبهته" لأن النبي
عليه الصلاة والسلام واظب عليه "فإن اقتصر على أحدهما جاز عند أبي
حنيفة رحمه الله تعالى وقالا لا يجوز الاقتصار
على الأنف إلا من عذر" وهو
رواية عنه لقوله عليه الصلاة والسلام "أمرت
أن أسجد على سبعة أعظم وعد منها الجبهة"
ولأبي حنيفة رحمه الله تعالى أن السجود يتحقق
بوضع بعض الوجه وهو المأمور به إلا أن الخد
والذقن خارج بالإجماع والمذكور فيما روي الوجه
في المشهور ووضع اليدين والركبتين سنة عندنا
لتحقق السجود بدونهما وأما وضع القدمين فقد
ذكر القدوري رحمه الله تعالى أنه فريضة في
السجود.
قال: "فإن
سجد على كور عمامته أو فاضل ثوبه جاز"
لأن النبي عليه الصلاة والسلام كان يسجد على
كور عمامته ويروى أنه عليه الصلاة والسلام صلى
في ثوب واحد يتقي بفضوله حر الأرض وبردها "ويبدي
ضبعيه" لقوله عليه الصلاة
والسلام "وأبد ضبعيك"
ويروى "وأبد"
من الإبداد وهو المد والأول من الإبداء وهو
الإظهار "ويجافي
بطنه عن
ج / 1 ص -52-
فخذيه" لأنه عليه الصلاة والسلام كان إذا سجد جافى حتى إن بهمة لو أرادت
أن تمر بين يديه لمرت وقيل إذا كان في الصف لا
يحافي كيلا يؤذي جاره "ويوجه
أصابع رجليه نحو القبلة"
لقوله عليه الصلاة والسلام "إذا
سجد المؤمن سجد كل عضو منه فليوجه من أعضائه
القبلة ما استطاع" "ويقول
في سجوده سبحان ربي الأعلى ثلاثا وذلك أدناه"
لقوله عليه الصلاة والسلام "وإذا سجد
أحدكم فليقل في سجوده سبحان ربي الأعلى ثلاثا
وذلك أدناه" أي أدنى كمال الجمع.
ويستحب أن يزيد على الثلاث في الركوع والسجود
بعد أن يختم بالوتر لأنه عليه الصلاة والسلام
كان يختم بالوتر وإن كان إماما لا يزيد على
وجه يمل القوم حتى لا يؤدي إلى التنفير ثم
تسبيحات الركوع والسجود سنة لأن النص تناولهما
دون تسبيحاتهما فلا يزاد على النص "والمرأة
تنخفض في سجودها وتلزق بطنها بفخذيها"
لأن ذلك استر لها.
قال: "ثم
يرفع رأسه ويكبر" لما روينا "فإذا اطمأن جالسا كبر وسجد"
لقوله عليه الصلاة والسلام في حديث الأعرابي "ثم ارفع رأسك حتى تستوي جالسا" ولو لم يستو جالسا وكبر وسجد أخرى أجزأه عند أبي حنيفة ومحمد
رحمهما الله وقد ذكرناه وتكلموا في مقدار
الرفع والأصح أنه إذا كان إلى السجود أقرب لا
يجوز لأنه يعد ساجدا وإن كان إلى الجلوس أقرب
جاز لأنه يعد جالسا فتتحقق الثانية.
قال: "فإذا
اطمأن ساجدا كبر" وقد ذكرناه
"واستوى
قائما على صدور قدميه ولا يقعد ولا يعتمد
بيديه على الأرض".
وقال الشافعي رحمه الله: يجلس جلسة خفيفة ثم
ينهض معتمدا على الأرض لما روي أن النبي عليه
الصلاة والسلام فعل ذلك ولنا حديث أبي هريرة
رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام
كان ينهض في الصلاة على صدور قدميه وما رواه
محمول على حالة الكبر ولأن هذه قعدة استراحة
والصلاة ما وضعت لها "ويفعل
في الركعة الثانية مثل ما فعل في"
الركعة "الأولى"
لأنه تكرار الأركان "إلا
أنه لا يستفتح ولا يتعوذ"
لأنهما لم يشرعا إلا مرة واحدة "ولا
يرفع يديه إلا في التكبيرة الأولى"
خلافا للشافعي رحمه الله في الركوع وفي الرفع
منه لقوله عليه الصلاة والسلام "لا ترفع الأيدي إلا في سبع مواطن تكبيرة الافتتاح وتكبيرة القنوت
وتكبيرات العيدين وذكر الأربع في الحج"
والذي يرو من الرفع محمول على الابتداء كذا
نقل عن ابن الزبير رضي الله عنه "وإذا
رفع رأسه من السجدة الثانية في الركعة الثانية
افترش رجله اليسرى فجلس عليها ونصب اليمنى
نصبا ووجه أصابعه نحو
ج / 1 ص -53-
القبلة" هكذا وصفت عائشة رضي الله عنها قعود رسول الله عليه الصلاة
والسلام في الصلاة "ووضع
يديه على فخذيه وبسط أصابعه وتشهد"
يروى ذلك في حديث وائل بن حجر رضي الله عنه
ولأن فيه توجيه أصابع يديه إلى القبلة "فإن
كانت امرأة جلست على أليتها اليسرى وأخرجت
رجليها من الجانب الأيمن"
لأنه أستر لها.
"والتشهد:
التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك
أيها النبي إلى آخره" وهذا
تشهد عبدالله بن مسعود رضي الله عنه فإنه قال
أخذ رسول الله عليه الصلاة والسلام بيدي
وعلمني التشهد كما كان يعلمني سورة من القرآن
وقال "قل التحيات لله إلى آخره"
والأخذ بهذا أولى من الأخذ بتشهد ابن عباس رضي
الله عنهما وهو قوله التحيات المباركات
الصلوات الطيبات لله سلام عليك أيها النبي
ورحمة الله وبركاته سلام علينا إلى آخره لأن
فيه الأمر وأقله الاستحباب والألف واللام وهما
للاستغراق وزيادة الواو وهي لتجديد الكلام كما
في القسم وتأكيد التعليم "ولا
يزيد على هذا في القعدة الأولى"
لقول ابن مسعود رضي الله عنه علمني رسول الله
صلى الله عليه وسلم التشهد في وسط الصلاة
وآخرها فإذا كان وسط الصلاة نهض إذا فرغ من
التشهد وإذا كان آخر الصلاة دعا لنفسه بما شاء
"ويقرأ
في الركعتين الأخريين بفاتحة الكتاب وحدها"
لحديث أبي قتادة رضي الله عنه أن النبي عليه
الصلاة والسلام قرأ في الأخريين بفاتحة الكتاب
وهذا بيان الأفضل هو الصحيح لأن القراءة فرض
في الركعتين على ما يأتيك من بعد إن شاء الله
تعالى "وجلس
في الأخيرة كما جلس في الأولى"
لما روينا من حديث وائل وعائشة رضي الله عنهما
ولأنها أشق على البدن فكان أولى من التورك
الذي يميل إليه مالك رحمه الله والذي يرويه
أنه عليه الصلاة والسلام قعد متوركا ضعفه
الطحاوي رحمه الله أو يحمل على حالة الكبر "وتشهد"
وهو واجب عندنا "وصلى
على النبي عليه الصلاة والسلام"
وهو ليس بفريضة عندنا خلافا للشافعي رحمه الله
فيهما لقوله صلى الله عليه وسلم "إذا قلت هذا أو فعلت فقد تمت صلاتك إن شئت أن تقوم فقم وإن شئت أن تقعد
فاقعد" والصلاة
على النبي عليه الصلاة والسلام خارج الصلاة
واجبة إما مرة واحدة كما قاله الكرخي أو كلما
ذكر النبي عليه الصلاة والسلام كما اختاره
الطحاوي فكفينا مؤنة الأمر والفرض المروي في
التشهد هو التقدير.
قال: "ودعاء
بماشاء مما يشبه ألفاظ القرآن والأدعية
المأثورة" لما روينا من حديث
ابن مسعود رضي الله عنه قال له النبي عليه
الصلاة والسلام "ثم اختر من الدعاء أطيبه وأعجبه إليك" ويبدأ بالصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام ليكون أقرب إلى
الإجابة "ولا
يدعو بما يشبه كلام الناس"
تحرزا عن الفساد ولهذا يأتي بالمأثور المحفوظ،
ج / 1 ص -54-
ومالا
يستحيل سؤاله من العباد كقوله اللهم زوجني
فلأنه يشبه كلامهم وما يستحيل كقوله اللهم
اغفر ليس ليس من كلامهم وقوله اللهم ارزقني من
قبيل الأول هو الصحيح لاستعمالها فيما بين
العباد يقال رزق الأمير الجيش "ثم
يسلم عن يمينه فيقول السلام عليكم ورحمة الله
وعن يساره مثل ذلك" لما روى
ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة
والسلام
كان يسلم عن يمينه حتى يرى بياض خده الأيمن وعن يساره حتى يرى بياض خده
الأيسر "وينوي
بالتسليمة الأولى من عن يمينه من الرجال
والنساء والحفظة وكذلك في الثانية"
لأن الأعمال بالنيات ولا ينوي النساء في
زماننا ولا من لا شركة له في صلاته هو الصحيح
لأن الخطاب حظ الحاضرين "ولا
بد للمقتدي من نية إمامه فإن كان الإمام من
الجانب الأيمن أو الأيسر نواه فيهم"
وإن كان بحذائه نواه في الأولى عند أبي يوسف
رحمه الله ترجيحا للجانب الأيمن وعند محمد
رحمه الله وهو رواية عن أبي حنيفة رحمه الله
نواه فيهما لأنه ذو حظ من الجانبين "والمنفرد
ينوي الحفظة لا
غير" لأنه ليس معه سواهم "والإمام
ينوي بالتسليمتين" هو الصحيح
ولا ينوي في الملائكة عددا محصورا لأن الأخبار
في عددهم قد اختلفت فأشبه الإيمان بالأنبياء
عليهم السلام ثم إصابة لفظة السلام واجبة
عندنا وليست بفرض خلافا للشافعي رحمه الله هو
يتمسك بقوله عليه الصلاة والسلام "تحريمها
التكبير وتحليلها التسليم" ولنا
ما رويناه من حديث ابن مسعود رضي الله عنه
والتخبير ينافي الفرضية والوجوب إلا أنا
أثبتنا الوجوب بما رواه احتياطا وبمثله لا
تثبت الفرضية والله أعلم.
ج / 1 ص -55-
بالوقت
في حق المنفرد على وجه التخيير ولم يوجد
أحدهما "ومن
قرأ في العشاء في الأوليين السورة ولم يقرأ
بفاتحة الكتاب لم يعد في الأخريين وإن قرأ
الفاتحة ولم يزد عليها قرأ في الأخريين
الفاتحة والسورة وجهر" وهذا
عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله وقال أبو
يوسف رحمه الله لا يقضي واحدة منهما لأن
الواجب إذا فات عن وقته لا يقضى إلا بدليل
ولهما وهو الفرق بين الوجهين أن قراءة الفاتحة
شرعت على وجه يترتب عليها السورة فلو قضاها في
الأخريين تترتب الفاتحة على السورة وهذا خلاف
الموضوع بخلاف ما إذا ترك السورة لأنه أمكن
قضاؤها على الوجه المشروع ثم ذكر ههنا ما يدل
على الوجوب وفي الأصل بلفظة الاستحباب لأنها
إن كانت مؤخرة فغير موصولة بالفاتحة فلم يمكن
مراعاة موضوعها من كل وجه "ويجهر
بهما" هو الصحيح لأن الجمع
بين الجهر والمخافتة في ركعة واحدة شنيع
وتغيير النقل وهو الفاتحة أولى ثم المخافتة أن
يمسع نفسه والجهر أن يسمع غيره وهذا عند
الفقيه أبي جعفر الهندواني رحمه الله لأن مجرد
حركة اللسان لا يسمى قراءة بدون الصوت وقال
الكرخي أدنى الجهر أن يسمع نفسه وأدنى
المخافتة تصحيح الحروف لأن القراءة فعل اللسان
دون الصماخ وفي لفظ ا لكتاب إشارة إلى هذا
وعلى هذا الأصل كل ما يتعلق بالنطق كالطلاق
والعتاق والاستثناء وغير ذلك "وأدنى
ما يجزئ من القراءة في الصلاة آية عند أبي
حنيفة رحمه الله وقالا ثلاث آيات قصار أو آية
طويلة" لأنه لا يسمى قارئا
بدونه فأشبه قراءة ما دون الآية وله قوله
تعالى:
{فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] من غير فصل إلا أن ما دون الآية خارج والآية ليست في
معناه "وفي
السفر يقرأ بفاتحة الكتاب وأي سورة شاء"
لما روي أن النبي عليه الصلا والسلام قرأ في
صلاة الفجر في سفر بالمعوذتين ولأن السفر أثر
في إسقاط شطر الصلاة فلأن يؤثر في تخفيف
القراءة أولى وهذا إذا كان على عجلة من السير
وإن كان في أمنة وقرار يقرأ في الفجر نحو سورة
البروج وانشقت لأنه يمكنه مراعاة السنة مع
التخفيف "ويقرأ
في الحضر في الفجر في الركعتين بأربعين آية أو
خمسين آية سوى فاتحة الكتاب".
ويروى من أربعين إلى ستين ومن ستين إلى مائة
وبكل ذلك ورد الأثر ووجه التوفيق أنه يقرأ
بالراغبين مائة وبالكسالى أربعين وبالأوساط ما
بين خمسين إلى ستين وقيل ينظر إلى طول الليالي
وقصرها وإلى كثرة الأشغال وقلتها.
قال: "وفي
الظهر مثل ذلك" لاستوائهما في
سعة الوقت وقال في الأصل أو دونه لأنه وقت
الاشتغال فينقص عنه تحرزا عن الملال "والعصر
والعشاء سواء يقرأ فيهما بأوساط المفصل وفي
المغرب دون ذلك يقرأ فيها بقصار
المفصل" والأصل فيه كتاب عمر
رضي
ج / 1 ص -56-
الله
عنه إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: أن
اقرأ في الفجر والظهر بطوال المفصل وفي العصر
والعشاء بأوساط المفصل وفي المغرب بقصار
المفصل ولأن مبنى المغرب على العجلة والتخفيف
أليق بها والعصر والعشاء يستحب فيهما التأخير
وقد يقعان بالتطويل في وقت غير مستحب فيوقت
فيهما بالأوساط "ويطيل
الركعة الأولى من الفجر على الثانية"
إعانة للناس على إدراك الجماعة.
قال: "وركعتا
الظهر سواء" وهذا عند أبي
حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى وقال محمد
رحمه الله أحب إلي أن يطيل الركعة الأولى على
غيرها في الصلوات كلها لما روي أن النبي عليه
الصلاة والسلام كان يطيل الركعة الأولى على
غيرها في الصلوات كلها ولهما أن الركعتين
استويا في استحقاق القراءة فيستويان في
المقدار بخلاف الفجر لأنه وقت نوم وغفلة
والحديث محمول على الإطالة من حيث الثناء
والتعوذ والتسمية ولا معتبر بالزيادة والنقصان
بما دون ثلاث آيات لعدم إمكان الاحتراز عنه من
غير حرج "وليس
في شيء من الصلوات قراءة سورة بعينها"
بحيث لا تجوز بغيرها لإطلاق ما تلونا.
"ويكره
أن يوقت بشيء من القرآن لشيء من الصلوات"
لما فيه من هجر الباقي وإبهام التفضيل "ولا
يقرأ المؤتم خلف الإمام"
خلافا للشافعي رحمه الله في الفاتحة له أن
القراءة ركن من الأركان فيشتركان فيه.
ولنا قوله عليه الصلاة والسلام "من
كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة"
وعليه إجماع الصحابة رضي الله عنهم وهو ركن
مشترك بينهما لكن حظ المقتدي الإنصات
والاستماع قال عليه الصلاة والسلام "وإذا قرأالإمام فأنصتوا"
ويستحسن على سبيل الاحتياط فيما يروى عن محمد
رحمه الله ويكره عندهما لما فيه من الوعيد "ويستمع
وينصت وإن قرأالإمام آية الترغيب والترهيب"
لأن الاستماع والإنصات فرض بالنص والقراءة
وسؤال الجنة والتعوذ من النار كل ذلك مخل به "وكذلك
في الخطبة وكذلك إن صلى على النبي عليه الصلاة
والسلام" لفرضية الاستماع إلا
أن يقرأ الخطيب قوله تعالى:
{أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا
عَلَيْهِ}
[الأحزاب: 56] الآية فيصلي السامع في نفسه
واختلفوا في النائي عن المنبر، والأحوط هو
السكوت إقامة لفرض الإنصات، والله أعلم
بالصواب.
باب الإمامة
"الجماعة
سنة مؤكدة" لقوله عليه الصلاة
والسلام "الجماعة
سنة من سنن الهدى لا يتخلف عنها إلا منافق"
"وأولى
الناس بالإمامة أعلمهم بالسنة".
ج / 1 ص -57-
وعن
أبي يوسف رحمه الله: أقرؤهم لأن القراءة لا بد
منها والحاجة إلى العلم إذا نئبت نائبة ونحن
نقول القراءة مفتقر إليها لركن واحد والعلم
لسائر الأركان "فإن
تساووا فأقرؤهم" لقوله عليه
الصلاة والسلام "يؤم
القوم أقرؤهم لكتاب الله فإن كانوا سواء
فأعلمهم بالسنة وأقرؤهم كان أعلمهم" لأنهم كانوا يتلقونه بأحكامه فقدم في الحديث ولا كذلك في زماننا
فقدمنا الأعلم "فإن
تساووا فأورعهم" لقوله عليه
الصلاة والسلام "من صلى خلف عالم تقي فكأنما صلى خلف نبي" "فإن
تساووا فأسنهم" لقوله عليه
الصلاة والسلام لابني أبي مليكة "وليؤمكما
أكبركما سنا" ولأن في تقديمه تكثير الجماعة "ويكره
تقديم العبد" لأنه لا يتفرغ
للتعلم "والأعرابي"
لأن الغالب فيهم الجهل "والفاسق"
لأنه لا يهتم لأمر دينه "والأعمى"
لأنه لا يتوقى النجاسة "وولد
الزنا" لأنه ليس له أب يثقفه
فيغلب عليه الجهل ولأن في تقديم هؤلاء تنفير
الجماعة فيكره "وإن
تقدموا جاز" لقوله عليه
الصلاة والسلام "صلوا خلف كل بر وفاجر"
"ولا
يطول الإمام بهم الصلاة"
لقوله عليه الصلاة والسلام "من
أم قوما فليصل بهم صلاة أضعفهم فإن فيهم
المريض والكبير وذا الحاجة" "ويكره
للنساء أن يصلين وحدهن الجماعة"
لأنها لا تخلو عن ارتكاب محرم وهو قيام الإمام
وسط الصف فيكره كالعراة "فإن
فعلن قامت الإمام وسطهن" لأن
عائشة رضي الله عنها فعلت كذلك وحمل فعلها
الجماعة على ابتداء الإسلام ولأن في التقدم
زيادة الكشف "ومن
صلى مع واحد أقامه عن يمينه"
لحديث ابن عباس رضي الله عنهما فإنه عليه
الصلاة والسلام صلى به وأقامه عن يمينه ولا
يتأخر عن الإمام وعن محمد رحمه الله أنه يضع
أصابعه عند عقب الإمام والأول هو الظاهر فإن
صلى خلفه أو في يساره جاز وهو مسيء لأنه خالف
السنة "وإن
أم اثنين تقدم عليهما" وعن
أبي يوسف رحمه الله يتوسطهما ونقل ذلك عن
عبدالله بن مسعود رضي الله عنه.
ولنا أنه عليه الصلاة والسلام تقدم على أنس
واليتيم حين صلى بهما فهذا للأفضلية والأثر
دليل الإباحة "ولا
يجوز للرجال أن يقتدوا بامرأة أو صبي".
أما المرأة فلقوله عليه الصلاة والسلام "أخروهن من حيث أخرهن الله"
فلا يجوز تقديمها وأما الصبي فلأنه متنفل فلا
يجوز اقتداء المفترض به وفي التراويح والسنن
المطلقة جوزه مشايخ بلخ رحمهم الله ولم يجوزه
مشايخنا رحمهم الله ومنهم من حقق الخلاف في
النفل المطلق بين أبي يوسف ومحمد رحمهما الله
والمختار أنه لا يجوز في الصلوات كلها لأن نفل
الصبي دون نفل البالغ حيث لا يلزمه القضاء
بالإفساد بالإجماع ولا يبني القوي على الضعيف
بخلاف المظنون لأنه مجتهد فيه فاعتبر العارض
عدما.
ج / 1 ص -58-
وبخلاف
اقتداء الصبي بالصبي لأن الصلاة متحدة "ويصف
الرجال ثم الصبيان ثم النساء"
لقوله عليه الصلاة والسلام "ليليني منكم
أولو الأحلام والنهى" ولأن المحاذاة مفسدة فيؤخرن "وإن
حاذته امرأة وهما مشتركان في صلاة واحدة فسدت
صلاته إن نوى الإمام إمامتها"
والقياس أن لا تفسد وهو قول الشافعي رحمه الله
اعتبارا بصلاتها حيث لا تفسد وجه الاستحسان ما
رويناه وأنه من المشاهير وهو المخاطب به
دونهها فيكون هو التارك لفرض المقام فتفسد
صلاته دون صلاتها كالمأموم إذا تقدم على
الإمام "وإن لم ينو إمامتها لم تضره ولا تجوز
صلاتها" لأن الاشتراك لا يثبت
دونها عندنا خلافا لزفر رحمه الله.
ألا ترى أنه يلزمه الترتيب في المقام فيتوقف
على التزامه كالاقتداء وإنما يشترط نية
الإمامة إذا ائتمت محاذية وإن لم يكن بجنبها
رجل ففيه روايتان والفرق على إحداهما أن
الفساد في الأول لازم وفي الثاني محتمل.
"ومن
شرائط المحاذاة أن تكون الصلاة مشتركة وأن
تكون مطلقة وأن تكون المرأة من أهل الشهوة وأن
لا يكون بينهما حائل" لأنها
عرفت مفسدة بالنص بخلاف القياس فيراعى جميع ما
ورد به النص "ويكره
لهن حضور الجماعات" يعني
الشواب منهن لما فيه من خوف الفتنة "ولا
بأس للعجوز أن تخرج في الفجر والمغرب والعشاء"
وهذا عند أبي حنيفة رحمه الله "وقالا
يخرجن في الصلوات كلها" لأنه
لا فتنة لقلة الرغبة إليها فلا يكره كما في
العيد وله أن فرط الشبق حامل فتقع الفتنة غير
أن الفساق انتشارهم في الظهر والعصر والجمعة
أما في الفجر والعشاء فهم نائمون وفي المغرب
بالطعام مشغولون والجبانة متسعة فيمكنها
الاعتزال عن الرجال فلا يكره.
قال: "ولا
يصلي الطاهر خلف من هو في معنى المستحاضة ولا
الطاهرة خلف المستحاضة" لأن
الصحيح أقوى حالا من المعذور والشيء لا يتضمن
ما هو فوقه والإمام ضامن بمعنى أنه تضمن صلاته
صلاة المقتدي "ولا"
يصلي "القارئ
خلف الأمي ولا المكتسي خلف العاري"
لقوة حالهما "ويجوز
أن يؤم المتيمم المتوضئين"
وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله.
وقال محمد رحمه الله: لا يجوز لأنه طهارة
ضرورية والطهارة بالماء أصلية ولهما أنه طهارة
مطلقة ولهذا لا يتقدر بقدر الحاجة "ويؤم الماسح الغاسلين"
لأن الخلف مانع سراية الحدث في القدم وما حل
بالخف يزيله المسح بخلاف المستحاضة لأن الحدث
لم يعتبر شرعا مع قياسه حقيقة "ويصلي
القائم خلف القاعد" وقال محمد
رحمه الله تعالى: لا يجوز
ج / 1 ص -59-
وهو
القياس لقوة حال القائم ونحن تركناه بالنص وهو
ما روي أن النبي عليه الصلاة والسلام صلى آخر
صلاته قاعدا والقوم خلفه قيام "ويصلي
المومئ خلف مثله" لاستوائهما
في الحال إلا أن يومئ المؤتم قاعدا والإمام
مضطجعا لأن القعود معتبر فتثبت به القوة "ولا
يصلي الذي يركع ويسجد خلف المومئ"
لأن حال المقتدي أقوى، وفيه خلاف زفر رحمه
الله تعالى "ولا
يصلي المفترض خلف المتنفل"
لأن الاقتداء بناء ووصف الفرضية معدوم في حق
الإمام فلا يتحقق البناء على المعدوم.
قال: "ولا
من يصلي فرضا خلف من يصلي فرضا آخر"
لأن الاقتداء شركة وموافقة فلا بد من الاتحاد
وعند الشافعي رحمه الله تعالى يصح في جميع ذلك
لأن الاقتداء عنده أداء على سبيل الموافقة
وعندنا معنى التضمن مراعى "ويصلي
المتنفل خلف المفترض" لأن
الحاجة في حقه إلى أصل الصلاة وهو موجود في حق
الإمام فيتحقق البناء "ومن
اقتدى بإمام ثم علم أن إمامه محدث أعاد"
لقوله عليه الصلاة والسلام "من أم قوما ثم ظهر أنه كان محدثا أو جنبا أعاد صلاته وأعادوا" وفيه خلاف الشافعي رحمه الله تعالى بناء على ما تقدم ونحن نعتبر
معنى التضمن وذلك في الجواز والفساد "وإذا صلى أمي بقوم يقرءون وبقوم أميين
فصلاتهم فاسدة عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى"
وقالا صلاة الإمام ومن لا يقرأ تامة لأنه
معذور أم قوما معذورين وغير معذورين فصار كما
إذا أم العاري عراة ولابسين وله أن الإمام ترك
فرض القراءة مع القدرة عليها فتفسد صلاته وهذا
لأنه لو اقتدى بالقارئ تكون قراءته قراءة له
بخلاف تلك المسئلة وأمثالها لأن الموجود في حق
الإمام لا يكون موجودا في حق المقتدي "ولو كان يصلي الأمي وحده والقارئ وحده
جاز" هو الصحيح لأنه لم تظهر
منهما رغبة في الجماعة "فإن
قرأ الإمام في الأوليين ثم قدم في الأخريين
أميا فسدت صلاتهم" وقال زفر
رحمه الله تعالى لا تفسد لتأدي فرض القراءة.
ولنا أن كل ركعة صلاة فلا تخلى عن القراءة إما
تحقيقا أو تقديرا ولا تقدير في حق الأمي
لانعدام الأهلية وكذا على هذا لو قدمه في
التشهد والله تعالى أعلم بالصواب.
باب الحدث في
الصلاة
"ومن سبقه الحدث في الصلاة انصرف فإن
كان إماما استخلف وتوضأ وبنى"
والقياس أن يستقبل وهو قول الشافعي رحمه الله
تعالى لأن الحدث ينافيها والمشي والانحراف
يفسدانها فأشبه الحدث العمد.
ولنا قوله عليه الصلاة والسلام "من
قاء أو رعف أو أمذى في صلاته فلينصرف
ج / 1 ص -60-
وليتوضأ
وليبن على صلاته مالم يتكلم" وقال عليه
الصلاة والسلام "إذا صلى أحدكم
فقاء أو رعف فليضع يده على فمه وليقدم من لم
يسبق بشيء"
والبلوى فيما يسبق دون ما يعتمده فلا يلحق به
"والاستئناف
أفضل" تحرزا عن شبهة الخلاف
وقيل إن المنفرد يستقبل والإمام والمقتدي يبني
صيانة لفضيلة الجماعة "والمنفرد
إن شاء أتم في منزله وإن عاد إلى مكانه"
والمقتدي يعود إلى مكانه إلا أن يكون إمامه قد
فرغ أولا يكون بينهما حائل "ومن
ظن أنه أحدث فخرج من المسجد ثم علم أنه لم
يحدث استقبل الصلاة وإن لم يكن خرج من المسجد
يصلي ما بقي" والقياس فيهما
الاستقبال وهو رواية عن محمد رحمه الله لوجود
الانصراف من غير عذر وجه الاستحسان أنه انصرف
على قصد الإصلاح ألا ترى أنه لو تحقق ما توهمه
بنى على صلاته فألحق قصد الإصلاح بحقيقته مالم
يختلف المكان بالخروج وإن كان استخلف فسدت
لأنه عمل كثير من غير عذر وهذا بخلاف ما إذا
ظن أنه افتتح الصلاة على غير وضوء فانصرف ثم
علم أنه على وضوء حيث تفسد وإن لم يخرج لأن
الانصراف على سبيل الرفض ألا ترى أنه لو تحقق
ما توهمه يستقبله فهذا هو الحرف ومكان الصفوف
في الصحراء له حكم المسجد ولو تقدم قدامه
فالحد هو السترة وإن لم تكن فمقدار الصفوف
خلفه وإن كان منفردا فموضع سجوده من كل جانب "وإن
جن أو نام فاحتلم أو أغمي عليه استقبل"
لأنه يندر وجود هذه العوارض فلم يكن معنى ما
ورد به النص وكذلك إذا قهقه لأنه بمنزلة
الكلام وهو قاطع "وإن
حصر الإمام عن القراءة فقدم غيره أجزأهم عند
أبي حنيفة رحمه الله وقالا لا يجزئهم"
لأنه يندر وجوده فأشبه الجنابة في الصلاة وله
أن الاستخلاف لعلة العجز وهو هنا ألزم والعجز
عن القراءة غير نادر فلا يلحق بالجنابة "ولو
قرأ مقدار ما تجوز به الصلاة لا يجوز
الاستخلاف بالإجماع" لعدم
الحاجة إلى الاستخلاف "وإن
الحدث بعد التشهد توضأوسلم"
لأن التسليم واجب فلا بد من التوضي ليأتي به "وإن
لحدث في هذه الحالة أو تكلم أو عمل عملا ينافي
الصلاة تمت صلاته" لأنه يتعذر
البناء لوجود القاطع لكن لا إعادة عليه لأنه
لم يبق عليه شيء من الأركان "فإن
رأى المتيمم الماء في صلاته بطلت"
وقد مر من قبل "وإن
رآه بعد ما قعد قدر التشهد أو كان ماسحا
فانقضت مدة مسحه او خلع خفيه بعمل يسير أو كان
أميا فتعلم سورة أو عريانا فوجد ثوبا أو موميا
فقدر على الركوع والسجود أو تذكر فائتة عليه
قبل هذه أو أحدث الإمام القارئ فاستخلف أميا
أو طلعت الشمس في الفجر أو دخل وقت العصر وهو
في الجمعة أو كان ماسحا على الجبيرة فسقطت عن
برء أو كان صاحب عذر فانقطع عذره كالمستحاضة
ومن بمعناها بطلت صلاته في قول أبي حنيفة رحمه
الله وقالا
ج / 1 ص -61-
تمت صلاته" وقيل الأصل فيه أن الخروج عن الصلاة بصنع المصلي فرض عند أبي
حنيفة رحمه الله وليس بفرض عندهما فاعتراض هذه
العوارض عنده في هذه الحالة كاعتراضها في خلال
الصلاة وعندهما كاعتراضها بعد التسليم لهما ما
روينا من حديث ابن مسعود رضي الله عنه وله أنه
لا يمكنه أداء صلاة أخرى إلا بالخروج من هذه
وما لا يتوصل إلى الفرض إلا به يكون فرضا
ومعنى قوله تمت قاربت التمام والاستخلاف ليس
بمفسد حتى يجوز في حق القارى ء وإنما الفساد
ضرورة حكم شرعي وهو عدم صلاحية الإمامة "ومن
اقتدى بإمام بعد ما صلى ركعة فأحدث الإمام
فقدمة أجزأه" لوجود المشاركة
في التحريمة والأولى للإمام أن يقدم مدركا
لأنه أقدر على إتمام صلاته وينبغي لهذا
المسبوق أن لا يتقدم لعجزه عن التسليم "فلو
تقدم يبتدئ من حيث انتهى إليه الإمام"
لقيامه مقامه "وإذا إنتهى إلى السلام يقدم مدركا يسلم
بهم فلو أنه حين أتم صلاة الإمام قهقه أو أحدث
متعمدا أو تكلم أو خرج من المسجد فسدت صلاته
وصلاة القوم تامة" لأن المفسد
في حقه وجد في خلال الصلاة وفي حقهم بعد تمام
أركانها "والإمام الأول إن كان فرغ لا تفسد
صلاته وإن لم يفرغ تفسد" وهو الأصح "فإن
لم يحدث الإمام الأول وقعد قدر التشهد ثم قهقه
أو أحدث متعمدا فسدت صلاة الذي لم يدرك أول
صلاته عند أبي حنيفة رحمه الله وقالا لا تفسد
وإن تكلم أو خرج من المسجد لم تفسد في قولهم
جميعا" لهما أن صلاة المقتدى
بناء على صلاة الإمام جوازا وفسادا ولم تفسد
صلاة الإمام فكذا صلاته وصار كالسلام والكلام
وله أن القهقهة مفسدة الجزء الذي يلاقيه من
صلاة الإمام فيفسد مثله من صلاة المقتدى غير
أن الإمام لا يحتاج إلى البناء والمسبوق محتاج
إليه والبناء على الفاسد فاسد بخلاف السلام
لأنه منه والكلام في معناه وينتقض وضوء الإمام
لوجود القهقهة في حرمة الصلاة "ومن
أحدث في ركوعه أو سجوده توضأ وبنى ولا يعتد
بالتي أحدث فيها" لأن إتمام
الركن بالانتقال ومع الحدث لا يتحقق فلا بد من
الاعادة ولو كان إمام فقدم غيره دام المقدم
على الركوع لأنه يمكنه الإتمام بالاستدامة "ولو
تذكر وهو راكع أو ساجد أن عليه سجدة فانحط من
ركوعه أو رفع رأسه من سجوده فسجدها يعيد
الركوع والسجود" وهذا بيان
الأولى لتقع أفعال الصلاة مرتبة بالقدر الممكن
وإن لم يعد أجزأه لأن الإنتقال مع الطهارة شرط
وقد وجد وعن أبي يوسف رحمه الله أنه تلزمه
إعادة الركوع لأن القومة فرض عنده.
قال: "ومن
أم رجلا واحدا فأحدث وخرج من المسجد فالمأموم
إمام نوى أو لم ينو" لما فيه
من صيانة الصلاة وتعيين الأول لقطع المزاحمة
ولا مزاحمة ههنا ويتم الأول صلاته
ج / 1 ص -62-
مقتديا
بالثاني كما إذا إستخلفه حقيقة "ولو
لم يكن خلفه إلا صبي أو إمرأة قيل تفسد صلاته"
لاستخلاف من يصلح للإمامة "وقيل
لا تفسد" لأنه لم يوجد
الاستخلاف قصدا وهو لا يصلح للإمامة والله
أعلم.
باب ما يفسد
الصلاة وما يكره فيها
"ومن تكلم في صلاته عامدا أو ساهيا بطلت
صلاته" خلافا للشافعي رحمه
الله في الخطأ والنسيان ومفزعة الحديث
المعروف.
ولنا قوله عليه الصلاة والسلام "إن
صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس
وإنما هي التسبيح والتهليل وقراءة القرآن" وما رواه محمول على رفع الإثم بخلاف السلام ساهيا لأنه من الأذكار
فيعتبر ذكرا في حالة النسيان وكلاما في حالة
التعمد لما فيه من كاف الخطاب "فان
أن فيها أو تأوه أو بكى فارتفع بكاؤه فإن كان
من ذكر الجنة أو النار لم يقطعها"
لأنه يدل على زيادة الخشوع "وإن
كان من وجع أو مصيبة قطعها"
لأن فيه إظهار الجزع والتأسف فكان من كلام
الناس وعن أبي يوسف رحمه الله أن قوله آه لا
يفسد في الحالين وأوه يفسد وقيل الأصل عنده أن
الكلمة إذا إشتملت على حرفين وهما زائدان أو
إحداهما لا تفسد وإن كانتا أصليتين تفسد وحروف
الزوائد جمعوها في قولهم اليوم تنساه وهذا لا
يقوى لأن كلام الناس في متفاهم العرف يتبع
وجود حروف الهجاء وإفهام المعنى ويتحقق ذلك في
حروف كلها زوائد "وإن
تنحنح بغير عذر" بأن لم يكن
مدفوعا إليه "وحصل
به الحروف ينبغي أن يفسد عندهما وإن كان بعذر
فهو عفو كالعطاس" والجشاء إذا
حصل به حروف "ومن
عطس فقال له آخر يرحمك الله وهو في الصلاة
فسدت صلاته" لأنه يجري في
مخاطبات الناس فكان من كلامهم بخلاف ما إذا
قال العاطس أو السامع الحمد لله على ما قالوا
لأنه لم يتعارف جوابا "وإن
إستفتح ففتح عليه في صلاته تفسد"
ومعناه أن يفتح المصلي على غير إمامه لأنه
تعليم وتعلم فكان من جنس كلام الناس ثم شرط
التكرار في الأصل لأنه ليس من أعمال الصلاة
فيعفى القليل منه ولم يشترط في الجامع الصغير
لأن الكلام بنفسه قاطع وإن قل "وإن
فتح على إمامه لم يكن كلاما فاسدا"
استحسانا لأنه مضطر إلى إصلاح صلاته فكان هذا
من أعمال صلاته معنى "وينوي الفتح على إمامه دون القراءة"
هو الصحيح لأنه مرخص فيه وقراءته ممنوع عنها "ولو
كان الإمام إنتقل إلى آية أخرى تفسد صلاة
الفاتح وتفسد صلاة الإمام لو أخذ بقوله"
لوجود التلقين والتلقن من غير ضرورة وينبغي
للمقتدي أن لا يعجل بالفتح وللإمام أن لا
يلجئهم إليه
ج / 1 ص -63-
بل
يركع إذا جاء أوانه أو ينتقل إلى آية أخرى "ولو
أجاب رجلا في الصلاة بلا إله إلا الله فهذا
كلام مفسد عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله
تعالى وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى لا يكون
مفسدا" وهذا الخلاف فيما إذا
أراد به جوابه له أنه ثناء بصيغته فلا يتغير
بعزيمته ولهما أنه أخرج الكلام مخرج الجواب
وهو يحتمله فيجعل جوابا كالتشميت والاسترجاع
على الخلاف في الصحيح "وإن
أراد" به "إعلامه
أنه في الصلاة لم تفسد بالاجماع"
لقوله عليه الصلاة والسلام "إذا نابت أحدكم
نائبة في الصلاة فليسبح".
"ومن
صلى ركعة من الظهر ثم افتتح العصر أو التطوع
فقد نقض الظهر" لأنه صح شروعه
في غيره فيخرج عنه "ولو
افتتح الظهر بعد ما صلى منها ركعة فهي هي
ويجتزأ بتلك الركعة" لأنه نوى
الشروع في عين ما هو فيه فلغت نيته وبقى
المنوي على حاله "وإذا
قرأ الإمام من المصحف فسدت صلاته عند أبي
حنيفة رحمه الله تعالى وقالا هي تامة"
لأنها عبادة انضافت إلى عبادة أخرى "إلا
أنه يكره" لأنه تشبه بصنيع
أهل الكتاب ولأبي حنيفة رحمه الله تعالى أن
حمل المصحف والنظر فيه وتقليب الأوراق عمل
كثير ولأنه تلقن من المصحف فصار كما إذا تلقن
من غيره وعلى هذا لا فرق بين المحمول والموضوع
وعلى الأول يفترقان ولو نظر إلى مكتوب وفهمه
فالصحيح انه لا تفسد صلاته بالإجماع بخلاف ما
إذا حلف لا يقرأ كتاب فلان حيث يحنث بالفهم
عند محمد رحمه الله تعالى لأن المقصود هنالك
الفهم أما فساد الصلاة فبالعمل الكثير ولم
يوجد "وإن
مرت إمرأة بين يدي المصلي لم تقطع صلاته"
لقوله عليه الصلاة والسلام "لا يقطع الصلاة مرور شيء"
"إلا
أن المار آثم" لقوله عليه
الصلاة والسلام "لو
علم المار بين يدي المصلي ماذا عليه من الوزر
لوقف أربعين" وإنما يأثم إذا مر في موقع سجوده على ما قيل ولا يكون بينهما حائل
وتحاذى أعضاء المار أعضاءه لو كان يصلي على
الدكان "وينبغي
لمن يصلي في الصحراء أن يتخذ أمامه سترة"
لقوله عليه الصلاة والسلام "إذا صلى أحدكم في الصحراء فليجعل بين يديه سترة" "ومقدارها
ذراع فصاعدا" لقوله عليه
الصلاة والسلام "أيعجز أحدكم إذا صلى في الصحراء أن يكون أمامه مثل مؤخرة الرحل" "وقيل
ينبغي أن تكون في غلظ الأصبع"
لأن ما دونه لا يبدو للناظر من بعيد فلا يحصل
المقصود "ويقرب
من السترة" لقوله عليه الصلاة
والسلام "من صلى إلى سترة فليدن منها"
"ويجعل
السترة على حاجبه الأيمن أو على الأيسر به"
ورد الأثر ولا بأس بترك السترة إذا أمن المرور
ولم يواجه الطريق "وسترة الإمام سترة للقوم"
لأنه عليه الصلاة والسلام
صلى ببطحاء مكة
إلى عنزة ولم يكن للقوم سترة "ويعتبر
الغرز دون الالقاء والخط" لأن
المقصود لا يحصل به "ويدرأ
المار إذا لم يكن بين
ج / 1 ص -64-
يديه سترة أو مر بينه وبين السترة"
لقوله عليه الصلاة والسلام "ادرءوا
ما استطعتم" "ويدرأ
بالاشارة" كما فعل رسول الله
صلى الله عليه وسلم بولد أم سلمة رضي الله
عنها "أو
يدفع بالتسبيح" لما روينا من
قبل "ويكره
الجمع بينهما" لأن بأحدهما
كفاية.
فصل
"ويكره للمصلي أن يعبث بثوبه أو بجسده" لقوله عليه الصلاة والسلام "إن الله تعالى كره لكم ثلاثا وذكر منها العبث في الصلاة" ولأن العبث خارج الصلاة حرام فما ظنك في الصلاة "ولا
يقلب الحصا" لأنه نوع عبث "إلا
أن لا يمكنه السجود فيسويه مرة واحدة"
لقوله عليه الصلاة والسلام "مرة يا أبا ذر
وإلا فذر" ولأن فيه إصلاح صلاته "ولا
يفرقع أصابعه" لقوله عليه
الصلاة والسلام "لا
تفرقع أصابعك وأنت تصلي" "ولا
يتخصر" وهو وضع اليد على
الخاصرة لأنه عليه الصلاة والسلام نهى عن
الاختصار في الصلاة ولأن فيه ترك الوضع
المسنون "ولا
يلتفت" لقوله عليه الصلاة
والسلام "لو علم المصلي من يناجي ما التفت" "ولو
نظر بمؤخر عينيه يمنة ويسرة من غير أن يلوي
عنقه لا يكره" لأنه عليه
الصلاة والسلام كان يلاحظ أصحابه في صلاته
بموق عينيه "ولا
يقعى ولا يفترش ذراعيه" لقول
أبي ذر رضي الله عنه نهاني خليلي عن ثلاث أن
أنقر نقر الديك وأن أقعى إقعاء الكلب وأن
أفترش افتراش الثعلب والإقعاء أن يضع أليتيه
على الأرض وينصب ركبتيه نصبا هو الصحيح "ولا
يرد السلام بلسانه" لأنه كلام
"ولا
بيده" لأنه سلام معنى حتى لو
صافح بنية التسليم تفسد صلاته "ولا
يتربع إلا من عذر" لأن فيه
ترك سنة القعود "ولا
يعقص شعره" وهو أن يجمع شعره
على هامته ويشده بخيط أو بصمغ ليتلبد فقد روي
أنه عليه الصلاة والسلام نهى أن يصلي الرجل
وهو معقوص "ولا
يكف ثوبه" لأنه نوع تجبر "ولا
يسدل ثوبه" لأنه عليه الصلاة
والسلام نهى عن السدل وهو أن يجعل ثوبه على
رأسه وكتفيه ثم يرسل أطرافه من جوانبه "ولا
يأكل ولا يشرب" لأنه ليس من
أعمال الصلاة "فإن
أكل أو شرب عامدا أو ناسيا فسدت صلاته"
لأنه عمل كثير وحالة الصلاة مذكرة
ولا بأس بأن يكون مقام الإمام في المسجد
وسجوده في الطاق ويكره أن يقوم في الطاق"
لأنه يشبه صنيع أهل الكتاب من حيث تخصيص
الإمام بالمكان بخلاف ما إذا كان سجوده في
الطاق "ويكره
أن يكون الإمام وحده على الدكان"
لما قلنا "وكذا
على القلب في ظاهر الرواية"
لأنه ازدراء بالإمام "ولا
بأس بأن يصلي إلى ظهر رجل قاعد يتحدث"
لأن ابن عمر رضي الله عنهما ربما كان يستتر
بنافع في بعض أسفاره "ولا بأس بأن يصلي وبين يديه مصحف معلق
أو سيف معلق" لأنهما لا
يعبدان وباعتباره تثبت الكراهة "ولا بأس بأن يصلي على بساط فيه تصاوير"
لأن فيه استهانة بالصور
ج / 1 ص -65-
"ولا يسجد على التصاوير"
لأنه يشبه عبادة الصورة وأطلق الكراهة في
الأصل لأن المصلى معظم "ويكره
أن يكون فوق رأسه في السقف أو بين يديه أو
بحذائه تصاوير أو صورة معلقة"
لحديث جبريل إنا لا ندخل بيتا فيه كلب أو صورة
ولو كانت الصورة صغيرة بحيث لا تبدو للناظر لا
يكره لأن الصغار جدا لا تعبد "وإذا
كان التمثال مقطوع الرأس" أي
ممحو الرأس "فليس
بتمثال" لأنه لا يعبد بدون
الرأس وصار كما إذا صلى إلى شمع أو سراج على
ما قالوا "ولو
كانت الصورة على وسادة ملقاة أو على بساط
مفروش لا يكره" لأنها تداس
وتوطأ بخلاف ما إذا كانت الوسادة منصوبة أو
كانت على السترة لأنه تعظيم لها وأشدها كراهة
أن تكون أمام المصلي ثم من فوق رأسه ثم على
يمينه ثم على شماله ثم خلفه "ولو
لبس فيه ثوبا فيه تصاوير يكره"
لأنه يشبه حامل الصنم والصلاة جائزة في جميع
ذلك لاستجماع شرائطها وتعاد على وجه غير مكروه
وهذا الحكم في كل صلاة أديت مع الكراهة "ولا
يكره تمثال غير ذي الروح"
لأنه لا يعبد "ولا
بأس بقتل الحية والعقرب في الصلاة"
لقوله عليه الصلاة والسلام "اقتلوا
الأسودين ولو كنتم في الصلاة" ولأن فيه
إزالة الشغل فأشبه درءالمار ويستوي جميع أنواع
الحيات هو الصحيح لإطلاق ما روينا "ويكره
عد الآي والتسبيحات باليد في الصلاة"
وكذلك عد السور لأن ذلك ليس من أعمال الصلاة
وعن أبي يوسف ومحمد رحمهما الله أنه لا بأس
بذلك في الفرائض والنوافل جميعا مراعاة لسنة
القراءة والعمل بما جاءت به السنة قلنا يمكنه
أن يعد ذلك قبل الشروع فيستغنى عن العد بعده
والله أعلم.
فصل
"ويكره استقبال القبلة بالفرج في الخلاء"
لأنه عليه الصلاة والسلام نهى عن ذلك
والاستدبار يكره في رواية لما فيه من ترك
التعظيم ولا يكره في رواية لأن المستدبر فرجه
غير مواز للقبلة وما ينحط منه ينحط إلى الأرض
بخلاف المستقبل لأن فرجه موازلها وما ينحط منه
ينحط إليها "وتكره
المجامعة فوق المسجد والبول والتخلي"
لأن سطح المسجد له حكم المسجد حتى يصح
الاقتداء منه بمن تحته ولا يبطل الاعتكاف
بالصعود إليه ولا يحل للجنب الوقوف عليه "ولا
بأس بالبول فوق بيت فيه مسجد"
والمراد ما أعد للصلاة في البيت لأنه لم يأخذ
حكم المسجد وإن ندبنا إليه "ويكره
أن يغلق باب المسجد" لأنه
يشبه المنع من الصلاة وقيل لا بأس به إذا خيف
على متاع المسجد في غير أوان الصلاة "ولا
بأس بأن ينقش المسجد بالجص والساج وماء الذهب"
وقوله لا بأس يشير إلى أنه لا يؤجر عليه لكنه
لا يأثم به وقيل هو قربة وهذا إذا فعل من مال
نفسه أما المتولي
ج / 1 ص -66-
فيفعل
من مال الوقف ما يرجع إلى أحكام البناء دون ما
يرجع إلى النقش حتى لو فعل يضمن والله أعلم
بالصواب.
باب صلاة الوتر
"الوتر
واجب عند أبي حنيفة رحمه الله وقالا سنة"
لظهور آثار السنن فيه حيث لا يكفر جاحده ولا
يؤذن له ولأبي حنيفة رحمه الله تعالى قوله
عليه الصلاة والسلام "إن الله تعالى
زادكم صلاة ألا وهي الوتر فصلوها ما بين
العشاء إلى طلوع الفجر"
أمر وهو للوجوب ولهذا وجب القضاء بالإجماع
وإنما لا يكفر جاحده لأن وجوبه ثبت بالسنة وهو
المعني بما روي عنه أنه سنة وهو يؤدى في وقت
العشاء فاكتفي بأذانه وإقامته.
قال: "الوتر ثلاث
ركعات لا يفصل بينهن بسلام" لما روت
عائشة رضي الله عنها أن النبي عليه الصلاة
والسلام كان يوتر بثلاث وحكى الحسن رحمه الله
إجماع المسلمين على الثلاث وهذا أحد أقوال
الشافعي رحمه الله تعالى وفي قول يوتر
بتسليمتين وهو قول مالك رحمه الله تعالى
والحجة عليهما ما رويناه "ويقنت
في الثالثة قبل الركوع" وقال
الشافعي رحمه الله تعالى بعده لما روي
أنه عليه الصلاة والسلام
قنت في آخر الوتر
وهو بعد الركوع.
ولنا ما روي
أنه عليه
الصلاة والسلام قنت قبل الركوع وما زاد
على نصف الشيء آخره ويقنت في جميع السنة خلافا
للشافعي رحمه الله تعالى في غير النصف الأخير
من رمضان لقوله عليه الصلاة والسلام للحسن بن
علي رضي الله عنهما حين علمه دعاء القنوت "اجعل هذا في
وترك من غير فصل" "ويقرأ
في كل ركعة" من الوتر "فاتحة الكتاب وسورة"
لقوله تعالى:
{فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] "وإن
أراد أن يقنت كبر" لأن الحالة
قد اختلفت "ورفع
يديه وقنت" لقوله عليه الصلاة
والسلام "لا
ترفع الأيدي إلا في سبع مواطن وذكر منها
القنوت"
"ولا
يقنت في صلاة غيره" خلافا
للشافعي رحمه الله تعالى في الفجر لما روى ابن
مسعود رضي الله عنه أنه عليه الصلاة والسلام قنت في صلاة الفجر شهرا ثم تركه "فإن
قنت الإمام في صلاة الفجر يسكت من خلفه عند
أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى وقال أبو
يوسف رحمه الله تعالى يتابعه"
لأنه تبع لإمامه والقنوت مجتهد فيه ولهما أنه
منسوخ ولا متابعة فيه ثم قيل يقف قائما
ليتابعه فيما تجب متابعته وقيل يقعد تحقيقا
للمخالفة لأن الساكت شريك الداعي والأول أظهر
ودلت المسئلة على جواز الاقتداء بالشفعوية
وعلى المتابعة في قراءة القنوت في الوتر وإذا
علم
ج / 1 ص -67-
المقتدي منه ما يزعم به فساد صلاته كالفصد
وغيره لا يجزئه الاقتداء به والمختار في
القنوت الإخفاء لأنه دعاء والله أعلم.
باب النوافل
"السنة
ركعتان قبل الفجر وأربع قبل الظهر وبعدها
ركعتان وأربع قبل العصر وإن شاء ركعتين
وركعتان بعد المغرب وأربع قبل العشاء وأربع
بعدها وإن شاء ركعتين" والأصل
فيه قوله عليه الصلاة والسلام "من
ثابر على ثنتي عشرة ركعة في اليوم والليلة بنى
الله له بيتا في الجنة" وفسر على نحو ما ذكر في الكتاب غير أنه لم يذكر الأربع قبل العصر
فلهذا سماه في الأصل حسنا وخير لاختلاف الآثار
والأفضل هو الأربع
ولم يذكر الأربع قبل العشاء فلهذا كان مستحبا
لعدم المواظبة وذكر فيه ركعتين بعد العشاء وفي
غيره ذكر الأربع فلهذا خير إلا أن الأربع أفضل
خصوصا عند أبي حنيفة على ما عرف من مذهبه
والأربع قبل الظهر بتسليمة واحدة عندنا كذا
قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه خلاف
للشافعي.
قال: "ونوافل
النهار إن شاء صلى بتسليمة ركعتين وإن شاء
أربعا وتكره الزيادة على ذلك وأما نافلة الليل
قال أبو حنيفة رحمه الله إن صلى ثمان ركعات
بتسليمة جاز وتكره الزيادة على ذلك وقالا لا
يزيد بالليل على ركعتين بتسليمة"
وفي الجامع الصغير لم يذكر الثماني في صلاة
الليل ودليل الكراهة أنه عليه الصلاة والسلام
لم يزد على ذلك ولولا الكراهة لزاد تعليما
للجواز والأفضل في الليل عند أبي يوسف ومحمد
رحمهما الله مثنى مثنى وفي النهار أربع أربع
وعند الشافعي رحمه الله فيهما مثنى مثنى" وعند
أبي حنيفة فيهما أربع أربع للشافعي رحمه الله
قوله عليه الصلا والسلام "صلاة
الليل والنهار مثنى مثنى ولهما الاعتبار بالتراويح ولأبي حنيفة رحمه الله
أنه عليه الصلاة والسلام كان يصلي بعد العشاء أربعا أربعا روته عائشة رضي الله عنها وكان عليه الصلاة والسلام يواظب على
الأربع في الضحى ولأنه أدوم تحريمة فيكون أكثر
مشقة وأزيد فضيلة ولهذا لو نذر أن يصلي أربعا
بتسليمة لا يخرج عنه بتسليمتين وعلى القلب
يخرج والتراويح تؤدى بجماعة فيراعى فيها جهة
التيسير ومعنى ما رواه شفعا لا وترا والله
أعلم.
فصل في القراءة
"القراءة في الفرض واجبة في الركعتين"
وقال الشافعي رحمه الله في الركعات كلها لقوله
ج / 1 ص -68-
عليه
الصلاة والسلام "لا صلاة إلا
بقراءة وكل ركعة صلاة" وقال مالك رحمه الله في ثلاث ركعات إقامة للأكثر مقام الكل
تيسيرا.
ولنا قوله تعالى:
{فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ}[المزمل: 20] والأمر بالفعل لا يقتضي التكرار وإنما أوجبنا في
الثانية استدلالا بالأولى لأنهما يتشاكلان من
كل وجه فأما الأخريان فيفارقانهما في حق
السقوط بالسفر وصفة القراءة وقدرها فلا يلحقان
بهما والصلاة فيما روي مذكورة صريحا فتنصرف
إلى الكاملة وهي الركعتان عرفا كمن حلف لا
يصلى صلاة بخلاف ما إذا حلف لا يصلى "وهو
مخير في الأخريين" معناه إن
شاء سكت وإن شاء قرأ وإن شاء سبح كذا روي عن
أبي حنيفة رحمه الله وهو المأثور عن علي وابن
مسعود وعائشة رضي الله عنهم إلا أن الأفضل أن
يقرأ لأنه عليه الصلاة والسلام داوم على ذلك
ولهذا لا يجب السهو بتركها في ظاهر الرواية "والقراءة
واجبة في جميع ركعات النفل وفي جميع الوتر"
أما النفل فلأن كل شفع منه صلاة على حدة
والقيام إلى الثالثة كتحريمة مبتدأة ولهذا لا
يجب بالتحريمة الأولى إلا ركعتان في المشهور
عن أصحابنا رحمهم الله ولهذا قالوا يستفتح في
الثالثة أي يقول سبحانك اللهم وأما الوتر
فللاحتياط.
قال: "ومن
شرع في نافلة ثم أفسدها قضاها"
وقال الشافعي رحمه الله لا قضاء عليه لأنه
متبرع فيه ولا لزوم على المتبرع ولنا أن
المؤدي وقع قربة فيلزم الإتمام ضرورة صيانته
عن البطلان "وإن
صلى أربعا وقرأ في الأوليين وقعد ثم أفسد
الأخريين قضى ركعتين" لأن
الشفع الأول قد تم والقيام إلى الثالثة بمنزلة
تحريمة مبتدأة فيكون ملزما هذا إذا أفسد
الأخريين بعد الشروع فيهما ولو أفسد قبل
الشروع في الشفع الثاني لا يقضي الأخريين وعن
أبي يوسف رحمه الله أنه يقضي اعتبارا للشروع
بالنذر ولهما أن الشروع يلزم ما شرع فيه ومالا
صحة له إلا به وصحة الشفع الأول لا تتعلق
بالثاني بخلاف الركعة الثانية وعلى هذا سنة
الظهر لأنها نافلة وقيل يقضي أربعا احتياطا
لأنها بمنزلة صلاة واحدة "وإن
صلى أربعا ولم يقرأفيهن شيئا أعاد ركعتين"
وهذا عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله وعند
أبي يوسف رحمه الله يقضي أربعا وهذه المسئلة
على ثمانية أوجه.
والأصل فيها أن عند محمد رحمه الله ترك
القراءة في الأوليين أو في إحداهما يوجب بطلان
التحريمة لأنها تعقد للأفعال وعند أبي يوسف
رحمه الله ترك القراءة في الشفع الأول لا يوجب
بطلان التحريمة وإنما يوجب فساد الأداء لأن
القراءة ركن زائد.
ج / 1 ص -69-
ألا
ترى أن للصلاة وجودا بدونها غير أنه لا صحة
للأداء إلا بها وفساد الأداء لا يزيد على تركه
فلا يبطل التحريمة وعند أبي حنيفة رحمه الله
ترك القراءة في الأوليين يوجب بطلان التحريمة
وفي إحداهما لا يوجب لأن كل شفع من التطوع
صلاة على حدة وفسادها بترك القراءة في ركعة
واحدة مجتهد فيه فقضينا بالفساد في حق وجوب
القضاء وحكمنا ببقاء التحريمة في حق لزوم
الشفع الثاني احتياطا إذا ثبت هذا نقول إذا لم
يقرأ في الكل قضى ركعتين عندهما لأن التحريمة
قد بطلت بترك القراءة في الشفع الأول عندهما
فلم يصح الشروع في الشفع الثاني وبقيت عند أبي
يوسف رحمه الله فصح الشروع في الشفع الثاني ثم
إذا فسد الكل بترك القراءة فيه فعليه قضاء
الأربع عنده "ولو
قرأ في الأوليين لا غير فعليه قضاء الأخريين
بالإجماع" لأن التحريمة لم
تبطل فصح الشروع في الشفع الثاني ثم فساده
بترك القراءة لا يوجب فساد الشفع الأول "ولو
قرأ في الأخريين لا غير فعليه قضاء الأوليين
بالإجماع" لأن عندهما لم يصح
الشروع في الشفع الثاني وعند أبي يوسف رحمه
الله إن صح فقد أداها "ولو
قرأ في الأوليين وإحدى الأخريين فعليه قضاء
الأخريين بالإجماع ولو قرأ في الأخريين وإحدى
الأوليين فعليه قضاء الأوليين بالإجماع ولو
قرأ في إحدى الأوليين وإحدى الأخريين على قول
أبي يوسف رحمه الله عليه قضاء الأربع وكذا عند
أبي حنيفة رحمه الله" لأن
التحريمة باقية وعند محمد رحمه الله عليه قضاء
الأوليين لأن التحريمة قد ارتفعت عنده وقد
أنكر أبو يوسف رحمه الله هذه الرواية عنه وقال
رويت لك عن أبي حنيفة رحمه الله أنه يلزمه
قضاء ركعتين ومحمد رحمه الله لم يرجع عن
روايته عنه "ولو
قرأ في إحدى الأوليين لا غير قضى أربعا عندهما
وعند محمد رحمه الله قضى ركعتين ولو قرأ في
إحدى الأخريين لا غير قضى أربعا عند أبي يوسف
رحمه الله وعندهما ركعتين".
قال: "وتفسير
قوله عليه الصلاة والسلام "لا يصلي بعد صلاة مثلها"
يعني ركعتين بقراءة وركعتين بغير قراءة فيكون
بيان فرضية القراءة في ركعات النفل كلها ويصلي
النافلة قاعدا مع القدرة على القيام"
لقوله عليه الصلاة والسلام "صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم" ولأن الصلاة خير موضوع وربما يشق عليه القيام فيجوز له تركه كيلا
ينقطع عنه.
واختلفوا في كيفية القعود والمختار أن يقعد
كما يقعد في حالة التشهد لأنه عهد مشروعا في
الصلاة "وإن
افتتحها قائما ثم قعد من غير عذر جاز عند أبي
حنيفة رحمه الله" وهذا
استحسان وعندهما لا يجزيه وهو قياس لأن الشروع
معتبر بالنذر له أنه لم يباشر القيام فيما بقي
ولما باشر صحت بدونه بخلاف النذر لأنه التزمه
نصا حتى لو لم ينص على القيام
ج / 1 ص -70-
لا
يلزمه القيام عند بعض المشايخ رحمهم الله "ومن
كان خارج المصر تنفل على دابته إلى أي جهة
توجهت يومئ إيماء" لحديث ابن
عمر رضي الله عنهما قال رأيت رسول الله عليه
الصلاة والسلام يصلي على حمار وهو متوجه إلى
خيبر يومئ إيماء ولأن النوافل غير مختصة بوقت
فلو ألزمناه النزول والاستقبال تنقطع عنه
القافلة أو ينقطع هو عن القافلة.
أما الفرائض فمختصة بوقت والسنن الرواتب نوافل
وعن أبي حنيفة رحمه الله أنه ينزل لسنة الفجر
لأنها آكد من سائرها والتقييد بخارج المصر
ينفي اشتراط السفر والجواز في المصر وعن أبي
يوسف رحمه الله أنه يجوز في المصر أيضا ووجه
الظاهر أن النص ورد خارج المصر والحاجة إلى
الركوب فيه أغلب "فإن افتتح التطوع راكبا ثم يبني وإن
صلى ركعة نازلا ثم ركب استقبل"
لأن إحرام الراكب انعقد مجوزا للركوع والسجود
لقدرته على النزول فإذا أتى بهما صح وإحرام
النازل انعقد لوجوب الركوع والسجود فلا يقدر
على ترك ما لزمه من غير عذر وعن أبي يوسف رحمه
الله أنه يستقبل إذا نزل أيضا وكذا عن محمد
رحمه الله إذا نزل بعد ما صلى ركعة والأصح هو
الأول وهو الظاهر.
فصل في قيام شهر
رمضان
"يستحب
أن يجتمع الناس في شهر رمضان بعد العشاء فيصلي
بهم إمامهم خمس ترويحات كل ترويحة بتسليمتين
ويجلس بين كل ترويحتين مقدار ترويحة ثم يوتر
بهم" ذكر لفظ الاستحباب
والأصح أنها سنة كذا روى الحسن عن أبي حنيفة
رحمه الله لأنه واظب عليها الخلفاء الراشدون
رضي الله عنهم والنبي عليه الصلاة والسلام بين
العذر في تركه المواظبة وهو خشية أن تكتب
علينا "والسنة
فيها الجماعة" لكن على وجه
الكفاية حتى لو امتنع أهل المسجد كلهم عن
إقامتها كانوا مسيئين ولو أقامها البعض
فالمتخلف عن الجماعة تارك للفضيلة لأن أفراد
الصحابة رضي الله عنهم روي عنهم التخلف
والمستحب في الجلوس بين الترويحتين مقدار
الترويحة وكذا بين الخامسة وبين الوتر لعادة
أهل الحرمين واستحسن البعض الاستراحة على خمس
تسليمات وليس بصحيح وقوله ثم يوتر بهم يشير
إلى أن وقتها بعد العشاء قبل الوتر وبه قال
عامة المشايخ رحمهم الله والأصح أن وقتها بعد
العشاء إلى آخر الليل قبل الوتر وبعده لأنها
نوافل سنت بعد العشاء ولم يذكر قدر القراءة
فيها وأكثر المشايخ رحمهم الله على أن السنة
فيها الختم مرة فلا يترك لكسل القوم بخلاف ما
بعد التشهد من الدعوات حيث يتركها لأنها ليست
بسنة "ولا
يصلي الوتر بجماعة في غير"
شهر "رمضان"
وعليه إجماع المسلمين والله أعلم.
ج / 1 ص -71-
باب إدراك الفريضة
"ومن
صلى ركعة من الظهر ثم أقيمت يصلي أخرى"
صيانة للمؤدي عن البطلان "ثم
يدخل مع القوم" إحرازا لفضيلة
الجماعة "وإن
لم يقيد الأولى بالسجدة يقطع ويشرع مع الإمام
هو الصحيح" لأنه بمحل الرفض
وهذا القطع للإكمال بخلاف ما إذا كان في النفل
لأنه ليس للإكمال ولو كان في السنة قبل الظهر
والجمعة فأقيم أو خطب يقطع على رأس الركعتين
يروى ذلك عن أبي يوسف رحمه الله وقد قيل يتمها
"وإن كان قد صلى ثلاثا من الظهر يتمها"
لأن للأكثر حكم الكل فلا يحتمل النقض بخلاف ما
إذا كان في الثالثة بعد ولم يقيدها بالسجدة
حيث يقطعها لأنه محل الرفض ويتخير إن شاء عاد
فقعد وسلم وإن شاء كبر قائما ينوي الدخول في
صلاة الإمام "وإذا
أتمها يدخل مع القوم والذي يصلي معهم نافلة"
لأن الفرض لا يتكرر في وقت واحد "فإن
صلى من الفجر ركعة ثم أقيمت يقطع ويدخل معهم"
لأنه لو أضاف إليها أخرى تفوته الجماعة وكذا
إذا قام إلى الثانية قبل أن يقيدها بالسجدة
وبعد الإتمام لا يشرع في صلاة الإمام لكراهة
التنفل بعد الفجر وكذا بعد العصر لما قلنا
وكذا بعد المغرب في ظاهر الرواية لأن التنفل
بالثلاث مكروه وفي جعلها أربعا مخالفة لإمامه
"ومن
دخل مسجدا قد أذن فيه يكره له أن يخرج حتى
يصلي" لقوله عليه الصلاة
والسلام "لا يخرج
من المسجد بعد النداء إلا منافق" أو رجل
يخرج لحاجة يريد الرجوع.
قال: "إلا
إذا كان ممن ينتظم به أمر جماعة"
لأنه ترك صورة تكميل معنى "وإن
كان قد صلى وكانت الظهر أو العشاء فلا بأس بأن
يخرج" لأنه أجاب داعي الله
مرة "إلا
إذا أخذ المؤذن في الإقامة"
لأنه يتهم بمخالفة الجماعة عيانا "وإن
كانت العصر أو المغرب أو الفجر خرج وإن أخذ
المؤذن فيها" لكراهة التنفل
بعدها "ومن
انتهى إلى الإمام في صلاة الفجر وهو لم يصل
ركعتي الفجر إن خشي أن تفوته ركعة ويدرك
الأخرى يصلي ركعتي الفجر عند باب المسجد ثم
يدخل" لأنه أمكنه الجمع بين
الفضيلتين "وإن
خشي فوتهما دخل مع الإمام"
لأن ثواب الجماعة أعظم والوعيد بالترك ألزم
بخلاف سنة الظهر حيث يتركها في الحالتين لأنه
يمكنه أداؤها في الوقت بعد الفرض هو الصحيح
وإنما الاختلاف بين أبي يوسف ومحمد رحمهما
الله في تقديمها على الركعتين وتأخيرها عنهما
ولا كذلك سنة الفجر على ما نبين إن شاء الله
تعالى والتقييد بالأداء عند باب المسجد يدل
على الكراهة
ج / 1 ص -72-
في
المسجد إذا كان الإمام في الصلاة والأفضل في
عامة السنن والنوافل المنزل هو المروي عن
النبي عليه الصلاة والسلام.
قال: "وإذا
فاتته ركعتا الفجر لا يقضيهما قبل طلوع الشمس"
لأنه يبقى نفلا مطلقا وهو مكروه بعد الصبح "ولا
بعد ارتفاعها عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما
الله تعالى وقال محمد رحمه الله تعالى أحب إلي
أن يقضيهما إلى وقت الزوال"
لأنه عليه الصلاة والسلام قضاهما بعد ارتفاع
الشمس غداة ليلة التعريس ولهما أن الأصل في
السنة أن لا تقضى لاختصاص القضاء بالواجب
والحديث ورد في قضائها تبعا للفرض فبقي ما
رواه على الأصل وإنما تقضى تبعا له وهو يصلي
بالجماعة أو وحده إلى وقت الزوال وفيما بعده
اختلاف المشايخ رحمهم الله تعالى وأما سائر
السنن سواها فلا تقضى بعد الوقت وحدها واختلف
المشايخ رحمهم الله تعالى في قضائها تبعا
للفرض "ومن
أدرك من الظهر ركعة ولم يدرك الثلاث فإنه لم
يصل الظهر بجماعة وقال محمد رحمه الله تعالى
قد أدرك فضل الجماعة" لأن من
أدرك آخر الشيء فقد أدركه فصار محرزا ثواب
الجماعة لكنه لم يصلها بالجماعة حقيقة ولهذا
يحنث به في يمينه لا يدرك الجماعة ولا يحنث في
يمينه لا يصلي الظهر بالجماعة "ومن
أتى مسجدا قد صلى فيه فلا بأس بأن يتطوع قبل
المكتوبة ما بدا له ما دام في الوقت"
ومراده إذا كان في الوقت سعة وإن كان فيه ضيق
تركه قيل هذا في غير سنة الظهر والفجر لأن
لهما زيادة مزية قال عليه الصلاة والسلام في
سنة الفجر "صلوها ولو طردتكم الخيل"
وقال في الأخرى "من ترك
الأربع قبل الظهر لم تنله شفاعتي" وقيل هذا
في الجميع لأنه عليه الصلاة والسلام واظب
عليها عند أداء المكتوبات بجماعة ولا سنة دون
المواظبة والأولى أن لا يتركها في الأحوال
كلها لكونها مكملات الفرائض إلا إذا خاف فوت
الوقت "ومن
انتهى إلى الإمام في ركوعه فكبر ووقف حتى رفع
الإمام رأسه لا يصير مدركا لتلك الركعة خلافا
لزفر رحمه الله" هو يقول أدرك
الإمام فيما له حكم القيام فصار كما لو أدركه
في حقيقة القيام ولنا أن الشرط هو المشاركة في
أفعال الصلاة ولم يوجد لا في القيام ولا في
الركوع "ولو
ركع المقتدي قبل إمامه فأدركه الإمام فيه جاز"
وقال زفر رحمه الله: لا يجزئه لأن ما أتى به
قبل الإمام غير معتد به فكذا ما يبنيه عليه
ولنا أن الشرط هو المشاركة في جزء واحد كما في
الطرف الأول والله أعلم.
باب قضاء
الفوائت
"ومن فاتته صلاة قضاها إذا ذكرها وقدمها
على فرض الوقت" والأصل فيه أن
الترتيب
ج / 1 ص -73-
بين
الفوائت وفرض الوقت عندنا مستحق وعند الشافعي
رحمه الله مستحب، لأن كل فرض أصل بنفسه فلا
يكون شرطا لغيره، ولنا قوله عليه الصلاة
والسلام "من نام عن صلاة أو نسيها فلم يذكرها إلا وهو مع الإمام فليصل التي هو
فيها ثم ليصل التي ذكرها ثم ليعد التي صلى مع
الإمام" "ولو
خاف فوت الوقت يقدم الوقتية ثم يقضيها"
لأن الترتيب يسقط بضيق الوقت وكذا بالنسيان
وكثرة الفوائت كيلا يؤدي إلى تفويت الوقتية
ولو قدم الفائتة جاز لأن النهي عن تقديمها
لمعنى في غيرها بخلاف ما إذا كان في الوقت سعة
وقدم الوقتية حيث لا يجوز لأنه أداها قبل
وقتها الثابت بالحديث "ولو
فاتته صلوات رتبها في القضاء كما وجبت في
الأصل" لأن النبي عليه الصلاة
والسلام شغل عن أربع صلوات يوم الخندق فقضاهن
مرتبا ثم قال "صلوا كما رأيتموني أصلي"
"إلا
أن تزيد الفوائت على ست صلوات"
لأن الفوائت قد كثرت "فيسقط
الترتيب فيما بين الفوائت"
نفسها كما سقط بينها وبين الوقتية وحد الكثرة
أن تصير الفوائت ستا لخروج وقت الصلاة السادسة
وهو المراد بالمذكور في الجامع الصغير وهو
قوله "وإن
فاتته أكثر من صلاة يوم وليلة أجزأته التي
بدأبها" لأنه إذا زاد على يوم
وليلة تصير ستا وعن محمد رحمه الله أنه اعتبر
دخول وقت السادسة والأول هو الصحيح لأن الكثرة
بالدخول في حد التكرار وذلك في الأول ولو
اجتمعت الفوائت القديمة والحديثة قيل تجوز
الوقتية مع تذكر الحديثة لكثرة الفوائت وقيل
لا تجوز ويجعل الماضي كأن لم يكن زجرا له عن
التهاون ولو قضى بعض الفوائت حتى قل ما بقي
عاد الترتيب عند البعض وهو الأظهر فإنه روي عن
محمد رحمه الله فيمن ترك صلاة يوم وليلة وجعل
يقضي من الغد مع كل وقتية فائتة فالفوائت
جائزة على كل حال والوقتيات فاسدة إن قدمها
لدخول الفوائت في حد القلة وإن أخرها فكذلك
إلا العشاء الأخيرة لأنه لا فائتة عليه في ظنه
حال أدائها "ومن
صلى العصر وهو ذاكر أنه لم يصل الظهر فهي
فاسدة إلا إذا كان في آخر الوقت"
وهي مسئلة الترتيب "وإذا
فسدت الفرضية لا يبطل أصل الصلاة عند أبي
حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله وعند محمد رحمه
الله يبطل" لأن التحريمة عقدت
للفرض فإذا بطلت الفرضية بطلت التحريمة أصلا
ولهما أنها عقدت لأصل الصلاة بوصف الفرضية فلم
يكن من ضرورة بطلان الوصف بطلان الأصل "ثم
العصر يفسد فسادا موقوفا حتى لو صلى ست صلوات
ولم يعد الظهر انقلب الكل جائزا عند أبي حنيفة
رحمه الله وعندهما يفسد فسادا باتا لا جواز له
بحال" وقد عرف ذلك في موضعه "ولو
صلى الفجر وهو ذاكر أنه لم يوتر فهي فاسدة عند
أبي حنيفة رحمه الله" خلافا
لهما وهذا بناء على أن الوتر واجب عنده سنة
عندهما ولا ترتيب فيما بين الفرائض والسنن
وعلى هذا
ج / 1 ص -74-
إذا
صلى العشاء ثم توضأوصلى السنة والوتر ثم تبين
أنه صلى العشاء بغير طهارة فعنده يعيد العشاء
والسنة دون الوتر لأن الوتر فرض على حدة عنده
وعندهما يعيد الوتر أيضا لكونه تبعا للعشاء
والله أعلم.
باب سجود السهو
"يسجد
للسهو في الزيادة والنقصان سجدتين بعد السلام
ثم يتشهد ثم يسلم" وعند
الشافعي رحمه الله يسجد قبل السلام لما روي
أنه عليه الصلاة والسلام سجد للسهو قبل السلام
ولنا قوله عليه الصلاة والسلام "لكل سهو سجدتان بعد السلام"
وروي أنه عليه الصلاة والسلام سجد سجدتي السهو
بعد السلام فتعارضت روايتا فعله فبقي التمسك
بقوله سالما ولأن سجود السهو مما لا يتكرر
فيؤخر عن السلام حتى لو سها عن السلام ينجبر
به وهذا الخلاف في الأولوية ويأتي بتسليمتين
هو الصحيح صرفا للسلام المذكور إلى ما هو
المعهود ويأتي بالصلاة على النبي عليه الصلاة
والسلام والدعاء في قعدة السهو هو الصحيح لأن
الدعاء موضعه آخر الصلاة.
قال: "ويلزمه
السهو إذا زاد في صلاته فعلا من جنسها ليس
منها" وهذا يدل على أن سجدة
السهو واجبة هو الصحيح لأنها تجب لجبر نقص
تمكن في العبادة فتكون واجبة كالدماء في الحج
وإذا كان واجبا لا يجب إلا بترك واجب أو
تأخيره أو تأخير ركن ساهيا هذا هو الأصل وإنما
وجب بالزيادة لأنها لا تعرى عن تأخير ركن أو
ترك واجب.
قال: "ويلزمه
إذا ترك فعلا مسنونا" كأنه
أراد به فعلا واجبا إلا أنه أراد بتسميته سنة
أن وجوبها ثبت بالسنة. قال: "أو ترك قراءة الفاتحة"
لأنها واجبة "أو
القنوت أو التشهد أو تكبيرات العيدين"
لأنها واجبات فإنه عليه الصلاة والسلام واظب
عليها من غير تركها مرة وهي أمارة الوجوب
ولأنها تضاف إلى جميع الصلاة فدل على أنها من
خصائصها وذلك بالوجوب ثم ذكر التشهد يحتمل
القعدة الأولى والثانية والقراءة فيهما وكل
ذلك واجب وفيها سجدة السهو هو الصحيح "ولو
جهر الإمام فيما يخافت أو خافت فيما يجهر
تلزمه سجدتا السهو" لأن الجهر
في موضعه والمخافتة في موضعها من الواجبات
واختلفت الرواية في المقدار والأصح قدر ما
تجوز به الصلاة في الفصلين لأن اليسير من
الجهر والإخفاء لا يمكن الاحتراز عنه وعن
الكثير ممكن وما يصح به الصلاة كثير غير أن
ذلك عنده آية واحدة وعندهما ثلاث آيات وهذا في
حق الإمام دون المنفرد لأن الجهر والمخافتة من
خصائص الجماعة.
ج / 1 ص -75-
قال: "وسهو
الإمام يوجب على المؤتم السجود"
لتقرر السبب الموجب في حق الأصل ولهذا يلزمه
حكم الإقامة بنية الإمام "فإن
لم يسجد الإمام لم يسجد المؤتم"
لأنه يصير مخالفا لإمامه وما التزم الأداء إلا
متابعا "فإن
سها المؤتم لم يلزم الإمام ولا المؤتم السجود"
لأنه لو سجد وحده كان مخالفا لإمامه ولو تابعه
الإمام ينقلب الأصل تبعا "ومن
سها عن القعدة الأولى ثم تذكر وهو إلى حالة
القعود أقرب عاد وقعد وتشهد"
لأن ما يقرب من الشيء يأخذ حكمه ثم قيل يسجد
للسهو للتأخير والأصح أنه لا يسجد كما إذا لم
يقم "ولو
كان إلى القيام أقرب لم يعد"
لأنه كالقائم معنى "ويسجد
للسهو" لأنه ترك الواجب "وإن
سها عن القعدة الأخيرة حتى قام إلى الخامسة
رجع إلى القعدة مالم يسجد"
لأن فيه إصلاح صلاته وأمكنه ذلك لأن ما دون
الركعة بمحل الرفض.
قال: "وألغى
الخامسة" لأنه رجع إلى شيء
محله قبلها فترتفض "وسجد
للسهو" لأنه أخر واجبا "وإن
قيد الخامسة بسجدة بطل فرضه"
عندنا خلافا للشافعي رحمه الله لأنه استحكم
شروعه في النافلة قبل إكمال أركان المكتوبة
ومن ضرورته خروجه عن الفرض وهذا لأن الركعة
بسجدة واحدة صلاة حقيقة حتى يحنث بها في يمينه
لا يصلي "وتحولت
صلاته نفلا عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما
الله" خلافا لمحمد رحمه الله
على ما مر "فيضم
إليها ركعة سادسة ولو لم يضم لا شيء عليه"
لأنه مظنون ثم إنما يبطل فرضه بوضع الجبهة عند
أبي يوسف رحمه الله لأنه سجود كامل وعند محمد
رحمه الله يرفعه لأن تمام الشيء بآخره وهو
الرفع ولم يصح مع الحدث وثمرة الخلاف تظهر
فيما إذا سبقه الحدث في السجود بنى عند محمد
خلافا لأبي يوسف رحمه الله "ولو
قعد في الرابعة ثم قام ولم يسلم عاد إلى
القعدة مالم يسجد للخامسة وسلم"
لأن التسليم في حالة القيام غير مشروع وأمكنه
الإقامة على وجهه بالقعود لأن ما دون الركعة
بمحل الرفض "وإن
قيد الخامسة بالسجدة ثم تذكر ضم إليها ركعة
أخرى وتم فرضه" لأن الباقي
إصابة لفظة السلام وهي واجبة وإنما يضم إليها
أخرى لتصير الركعتان نفلا لأن الركعة الواحدة
لا تجزئه لنهيه عليه الصلاة والسلام عن
البتيراء ثم لا تنوبان عن سنة الظهر وهو
الصحيح لأن المواظبة عليها بتحريمة مبتدأة "ويسجد
لسهو استحسانا" لتمكن النقصان
في الفرض بالخروج لا على الوجه المسنون وفي
النفل بالدخول لا على الوجه المسنون ولو قطعها
لم يلزمه القضاء لأنه مظنون ولو اقتدى به
إنسان فيهما يصلي ستا عند محمد رحمه الله لأنه
المؤدي بهذه التحريمة وعندهما ركعتين لأنه
استحكم خروجه عن الفرض ولو أفسده المقتدي فلا
قضاء عليه عند
ج / 1 ص -76-
محمد
رحمه الله اعتبارا بالإمام وعند أبي يوسف رحمه
الله يقضي ركعتين لأن السقوط بعارض يخص
الإمام.
قال: "ومن
صلى ركعتين تطوعا فسها فيهما وسجد للسهو ثم
أراد أن يصلي أخريين لم يبن"
لأن السجود يبطل لوقوعه في وسط الصلاة بخلاف
المسافر إذا سجد للسهو ثم نوى الإقامة حيث
يبني لأنه لو لم يبن يبطل جميع الصلاة ومع هذا
لو أدى صح لبقاء التحريمة ويبطل سجود السهو هو
الصحيح "ومن
سلم وعليه سجدتا السهو فدخل رجل في صلاته بعد
التسليم فإن سجد الإمام كان داخلا وإلا فلا"
وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله
وقال محمد رحمه الله هو داخل سجد الإمام أو لم
يسجد لأن عنده سلام من عليه السهو لا يخرجه عن
الصلاة أصلا لأنها وجبت جبرا للنقصان فلا بد
من أن يكون في إحرام الصلاة وعندهما يخرجه على
سبيل التوقف لأنه محلل في نفسه وإنما لا يعمل
لحاجته إلى أداء السجدة فلا يظهر دونها ولا
حاجة على اعتبار عدم العود ويظهر الإختلاف في
هذا وفي انتقاض الطهارة بالقهقهة وتغير الفرض
بنية الإقامة في هذه الحالة "ومن
سلم يريد به قطع الصلاة وعليه سهو فعليه أن
يسجد لسهوه" لأن هذا السلام
غير قاطع ونيته تغيير المشروع فلغت "ومن
شك في صلاته فلم يدر أثلاثا صلى أم أربعا وذلك
أول ما عرض له استأنف" لقوله
عليه الصلاة والسلام "إذا
شك أحدكم في صلاته أنه كم صلى فليستقبل الصلاة"
"وإن
كان يعرض له كثيرا بنى على أكبر رأيه"
لقوله عليه الصلاة والسلام "من شك في صلاته فليتحر الصواب" "وإن
لم يكن له رأي بنى على اليقين"
لقوله عليه الصلاة والسلام "من شك في صلاته
فلم يدر أثلاثا صلى أم أربعا بنى على الأقل"
والاستقبال بالسلام أولى لأنه عرف محللا دون
الكلام ومجرد النية يلغو وعند البناء على
الأقل يقعد في كل موضع يتوهم آخر صلاته كيلا
يصير تاركا فرض القعدة والله أعلم.
باب صلاة المريض
"إذا
عجز المريض عن القيام صلى قاعدا يركع ويسجد"
لقوله عليه الصلاة والسلام لعمران بن حصين رضي
الله عنه "صل
قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى
الجنب تومئ إيماء" ولأن الطاعة بحسب الطاقة.
قال: "فإن
لم يستطع الركوع والسجود أومأ إيماء"
يعني قاعدا لأنه وسع مثله "وجعل
سجوده أخفض من ركوعه" لأنه
قائم مقامهما فأخذ حكمهما "ولا
يرفع إلى وجهه شيئا يسجد عليه"
لقوله عليه الصلاة والسلام "إن قدرت أن
تسجد على الأرض فاسجد وإلا فأوم
ج / 1 ص -77-
برأسك" فإن فعل ذلك وهو يخفض رأسه أجزأه لوجود الإيماء وإن وضع ذلك على
جبهته لا يجزئه لانعدامه "فإن
لم يستطع القعود استلقى على ظهره وجعل رجليه
إلى القبلة وأومأ بالركوع والسجود"
لقوله عليه الصلاة والسلام "يصلي
المريض قائما فإن لم يستطع فقاعدا فإن لم
يستطع فعلى قفاه يومئ إيماء فإن لم يستطع
فالله تعالى أحق بقبول العذر منه".
قال: "وإن
استلقى على جنبه ووجهه إلى القبلة فأومأجاز"
لما روينا من قبل إلا أن الأولى هي الأولى
عندنا خلافا للشافعي رضي الله عنه لأن إشارة
المستلقي تقع إلى هواء الكعبة وإشارة المضطجع
على جنبه إلى جانب قدميه وبه تتأدى الصلاة "فإن
لم يستطع الإيماء برأسه أخرت الصلاة عنه ولا
يومئ بعينيه ولا بقلبه ولا بحاجبيه"
خلافا لزفر رحمه الله لما روينا من قبل ولأن
نصب الأبدال بالرأي ممتنع ولا قياس على الرأس
لأنه يتأدى به ركن الصلاة دون العين وأختيها
وقوله أخرت عنه إشارة إلى أنه لا تسقط الصلاة
عنه وإن كان العجز أكثر من يوم وليلة إذا كان
مفيقا هو الصحيح لأنه يفهم مضمون الخطاب بخلاف
المغمى عليه.
قال: "وإن
قدر على القيام ولم يقدر على الركوع والسجود
لم يلزمه القيام ويصلي قاعدا يومئ إيماء"
لأن ركنية القيام للترسل به إلى السجدة لما
فيها من نهاية التعظيم فإذا كان لا يتعقبه
السجود لا يكون ركنا فيتخير والأفضل هو
الإيماء قاعدا لأنه أشبه بالسجود "وإن
صلى الصحيح بعض صلاته قائما ثم حدث به مرض
يتمها قاعدا يركع ويسجد أو يومئ إن لم يقدر"
أو مستلقيا إن لم يقدر لأنه بنى الأدنى على
الأعلى فصار كالاقتداء "ومن
صلى قاعدا يركع ويسجد لمرض ثم صح بنى على
صلاته قائما عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما
الله وقال محمد رحمه الله استقبل"
بناء على اختلافهم في الاقتداء وقد تقدم بيانه
"وإن
صلى بعض صلاته بإيماء ثم قدر على الركوع
والسجود استأنف عندهم جميعا"
لأنه لا يجوز اقتداء الراكع بالمومئ فكذا
البناء "ومن افتتح التطوع قائما ثم أعيا لا بأس
بأن يتوكأ على عصا أو حائط أو يقعد"
لأن هذا عذر وإن كان الاتكاء بغير عذر يكره
لأنه إساءة في الأدب وقيل لا يكره عند أبي
حنيفة رحمه الله لأنه لو قعد عنده بغير عذر
يجوز فكذا لا يكره الاتكاء وعندهما يكره لأنه
لا يجوز القعود عندهما فيكره الاتكاء "وإن
قعد بغير عذر يكره بالإتفاق"
وتجوز الصلاة عنده ولا تجوز عندهما وقد مر في
باب النوافل "ومن
صلى في السفينة قاعدا من غير علة أجزأه عند
أبي حنيفة رحمه الله والقيام أفضل وقالا لا
يجزئه إلا من عذر" لأن القيام
مقدور عليه فلا يترك إلا لعلة وله أن الغالب
فيها
ج / 1 ص -78-
دوران
الرأس وهو كالمتحقق إلا أن القيام أفضل لأنه
أبعد عن شبهة الخلاف والخروج أفضل إن أمكنه
لأنه أسكن لقلبه والخلاف في غير المربوطة
والمربوطة كالشط هو الصحيح "ومن
أغمي عليه خمس صلوات أو دونها قضى وإن كان
أكثر من ذلك لم يقض" وهذا
استحسان والقياس أن لا قضاء عليه إذا استوعب
الإغماء وقت صلاة كاملا لتحقق العجز فأشبه
الجنون وجه الاستحسان أن المدة إذا طالت كثرت
الفوائت فيتحرج في الأداء وإذا قصرت قلت فلا
حرج والكثير أن تزيد على يوم وليلة لأنه يدخل
في حد التكرار والجنون كالإغماء كذا ذكره أبو
سليمان رحمه الله بخلاف النوم لأن امتداده
نادر فيلحق بالقاصر ثم الزيادة تعتبر من حيث
الأوقات عند محمد رحمه الله لأن التكرار يتحقق
به وعندهما من حيث الساعات هو المأثور عن علي
وابن عمر رضي الله عنهم والله أعلم بالصواب.
باب سجود
التلاوة
قال: "سجود التلاوة في القرآن أربع عشرة سجدة
في آخر الأعراف وفي الرعد والنحل وبني إسرائيل
ومريم والأولى في الحج والفرقان والنمل وآلم
تنزيل وص وحم السجدة والنجم وإذا السماء انشقت
واقرأ" كذا كتب في مصحف عثمان
رضي الله عنه وهو المعتمد والسجدة الثانية في
الحج للصلاة عندنا وموضع السجدة في حم السجدة
عند قوله:
{لا يَسْأَمُونَ}
[فصلت: 38] في قول عمر رضي الله عنه وهو
المأخوذ للاحتياط "والسجدة
واجبة في هذه المواضع على التالي والسامع سواء
قصد سماع القرآن أو لم يقصد"
لقوله عليه الصلاة والسلام "السجدة
على من سمعها وعلى من تلاها" وهي
كلمة إيجاب وهو غير مقيد بالقصد.
"وإذا
تلا الإمام آية السجدة سجدها وسجدها المأموم
معه" لالتزامه متابعته "وإذ
تلا المأموم لم يسجد الإمام ولا المأموم في
الصلاة ولا بعد الفراغ" عند
أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله وقال محمد
رحمه الله يسجدونها إذا فرغوا لأن السبب قد
تقرر ولا مانع بخلاف حالة الصلاة لأنه يؤدي
إلى خلاف وضع الإمامة أو التلاوة ولهما أن
المقتدي محجور عن القراءة لنفاذ تصرف الإمام
عليه وتصرف المحجور لا حكم له بخلاف الجنب
والحائض لأنهما منهيان عن القراءة إلا أنه لا
يجب على الحائض بتلاوتها كما لا يجب بسماعها
لانعدام أهلية الصلاة بخلاف الجنب "ولو
سمعها رجل خارج الصلاة سجدها"
هو الصحيح لأن الحجر ثبت في حقهم فلا يعدوهم "وإن
سمعوا وهم في الصلاة سجدة من
ج / 1 ص -79-
رجل ليس معهم في الصلاة لم يسجدوها في الصلاة" لأنها ليست بصلاتية لأن سماعهم هذه السجدة ليس من أفعال الصلاة "وسجدوها
بعدها" لتحقق سببها "ولو سجدوها في الصلاة لم يجزهم"
لأنه ناقص لمكان النهي فلا يتأدى به الكامل.
قال "وأعادوها" لتقرر سببها
"ولم
يعيدوا الصلاة" لأن مجرد
السجدة لا ينافي إحرام الصلاة وفي النوادر
أنها تفسد لأنهم زادوا فيها ما ليس منها وقيل
هو قول محمد رحمه الله "فإن قرأها الإمام وسمعها رجل ليس معه
في الصلاة فدخل معه بعدما سجدها الإمام لم يكن
عليه أن يسجدها" لأنه صار
مدركا لها بإدراك الركعة "وإن
دخل معه قبل أن يسجدها سجدها معه"
لأنه لو لم يسمعها سجدها معه فههنا أولى "وإن
لم يدخل معه سجدها وحده"
لتحقق السبب "وكل
سجدة وجبت في الصلاة فلم يسجدها فيها لم تقض
خارج الصلاة" لأنها صلاتية
ولها مزية الصلاة فلا تتأدى بالناقص.
"ومن
تلا سجدة فلم يسجدها حتى دخل في صلاة فأعادها
وسجد أجزأته السجدة عن التلاوتين"
لأن الثانية أقوى لكونها صلاتية فاستتبعت
الأولى وفي النوادر يسجد أخرى بعد الفراغ لأن
للأولى قوة السبق فاستويا قلنا للثانية قوة
اتصال المقصود فترجحت بها "وإن
تلاها فسجد ثم دخل في الصلاة فتلاها سجد لها"
لأن الثانية هي المستتبعة ولا وجه إلى إلحاقها
بالأولى لأنه يؤدي إلى سبق الحكم على السبب "ومن
كرر تلاوة سجدة واحدة في مجلس واحدة أجزأته
سجدة واحدة فإن قرأها في مجلسه فسجدها ثم ذهب
ورجع فقرأها سجدها ثانية وإن لم يكن سجد
للأولى فعليه السجدتان"
فالأصل أن مبنى السجدة على التداخل دفعا للحرج
وهو تداخل في السبب دون الحكم وهذا أليق
بالعبادات والثاني بالعقوبات وإمكان التداخل
عند اتحاد المجلس لكونه جامعا للمتفرقات فإذا
اختلف عاد الحكم إلى الأصل ولا يختلف بمجرد
القيام بخلاف المخيرة لأنه دليل الإعراض وهو
المبطل هنالك وفي تسدية الثوب يتكرر الوجوب
وفي المنتقل من غصن إلى أغصن كذلك في الأصح
وكذا في الدياسة للاحتياط "ولو
تبدل مجلس السامع دون التالي يتكرر الوجوب على
السامع" لأن السبب في حقه
السماع "وكذا
إذا تبدل مجلس التالي دون السامع"
على ما قيل والأصح أنه لا يتكرر الوجوب على
السامع لما قلنا "ومن
أراد السجود كبر ولم يرفع يديه وسجد ثم كبر
ورفع رأسه" اعتبارا بسجدة
الصلاة وهو المروي عن ابن مسعود رضي الله عنه
"ولا
تشهد عليه ولا سلام" لأن ذلك
للتحلل وهو يستدعي سبق التحريمة وهي منعدمة.
قال: "ويكره
أن يقرأ السورة في الصلاة أو غيرها ويدع آية
السجدة" لأنه يشبه
ج / 1 ص -80-
الإستنكاف عنها "ولا
بأس بأن يقرأ آية السجدة ويدع ما سواها"
لأنه مبادرة إليها قال محمد رحمه الله أحب إلي
أن يقرأ قبلها آية أو آيتين دفعا لوهم التفضيل
واستحسنوا إخفاءها شفقة على السامعين والله
أعلم.
باب صلاة
المسافر
"السفر الذي يتغير به الأحكام أن يقصد
الإنسان مسيرة ثلاثة أيام ولياليها بسير الإبل
ومشي الأقدام" لقوله عليه
الصلاة والسلام "يمسح المقيم
كمال يوم وليلة والمسافر ثلاثة أيام ولياليها"
عمت الرخصة الجنس ومن ضرورته عموم التقدير
وقدر أبو يوسف رحمه الله بيومين وأكثر اليوم
الثالث والشافعي بيوم وليلة في قول وكفى
بالسنة حجة عليهما "والسير
المذكور هو الوسط" وعن أبي
حنيفة رحمه الله التقدير بالمراحل وهو قريب من
الأول ولا معتبر بالفراسخ هو الصحيح "ولا
يعتبر السير في الماء" معناه
لا يعتبر به السير في البر فأما المعتبر في
البحر فما يليق بحاله كما في الجبل.
قال: "وفرض
المسافر في الرباعية ركعتان لا يزيد عليهما"
وقال الشافعي رحمه الله فرضه الأربع والقصر
رخصة اعتبارا بالصوم ولنا أن الشفع الثاني لا
يقضى ولا يأثم على تركه وهذا آية النافلة
بخلاف الصوم لأنه يقضى "وإن
صلى أربعا وقعد في الثانية قدر التشهد أجزأته
الأوليان عن الفرض والأخريان له نافلة"
اعتبارا بالفجر ويصير مسيئا لتأخير السلام "وإن لم يقعد في الثانية قدرها بطلت"
لاختلاط النافلة بها قبل إكمال أركانها "وإذا فارق المسافر بيوت المصر صلى
ركعتين" لأن الإقامة تتعلق
بدخولها فيتعلق السفر بالخروج عنها وفيه الأثر
عن علي رضي الله عنه لو جاوزنا هذا الخص
لقصرنا "ولا
يزال على حكم السفر حتى ينوي الإقامة في بلدة
أو قرية خمسة عشر يوما أو أكثر وإن نوى أقل من
ذلك قصر" لأنه لا بد من
اعتبار مدة لأن السفر يجامعه اللبث فقدرناها
بمدة الطهر لأنهما مدتان موجبتان وهو مأثور عن
ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم والأثر في
مثله كالخبر والتقييد بالبلدة والقرية يشير
إلى أنه لا تصح نية الإقامة في المفازة وهو ا
لظاهر "ولو
دخل مصرا على عزم أن يخرج غدا أو بعد غد ولم
ينو مدة الإقامة حتى بقي على ذلك سنين قصر"
لأن ابن عمر رضي الله عنه أقام بأذربيجان ستة
أشهر وكان يقصر وعن جماعة من الصحابة رضي الله
عنهم مثل ذلك "وإذا
دخل العسكر أرض الحرب فنووا الإقامة بها قصروا
وكذا إذا حاصروا فيها مدينة أو حصنا"
لأن الداخل بين أن يهزم فيقر وبين أن ينهزم
فيفر فلم تكن دار إقامة "وكذا
إذا حاصروا أهل البغي في دار الإسلام في غير
مصر
ج / 1 ص -81-
أو حاصروهم في البحر" لأن حالهم
مبطل عزيمتهم وعند زفر رحمه الله يصح في
الوجهين إذا كانت الشوكة لهم للتمكن من القرار
ظاهرا وعند أبي يوسف رحمه الله يصح إذا كانوا
في بيوت المدر لأنه موضع إقامة "ونية
الإقامة من أهل الكلإ وهم أهل الأخبية قيل لا
تصح والأصح أنهم مقيمون" يروى
ذلك عن أبي يوسف رحمه الله لأن الإقامة أصل
فلا تبطل بالانتقال من مرعى إلى مرعى "وإن
اقتدى المسافر بالمقيم في الوقت أتم أربعا"
لأنه يتغبر فرضه إلى أربع للتبعية كما يتغير
بنية الإقامة لاتصال المغير بالسبب وهو الوقت
"وإن دخل معه في فائتة لم تجزه"
لأنه لا يتغير بعد الوقت لانقضاء السبب كما لا
يتغير بنية الإقامة فيكون اقتداء المفترض
بالمتننفل في حق القعدة أو القراءة "وإن
صلى المسافر بالمقيمين ركعتين سلم وأتم
المقيمون صلاتهم" لأن المقتدي
التزم الموافقة في الركعتين فينفرد في الباقي
كالمسبوق إلا أنه لا يقرأ في الأصح لأنه مقتد
تحريمة لا فعلا والفرض صار مؤدى فيتركها
احتياطا بخلاف المسبوق لأنه أدرك قراءة نافلة
فلم يتأد الفرض فكان الإتيان أولى.
قال: "ويستحب
للإمام إذا سلم أن يقول أتموا صلاتكم فإنا قوم
سفر" لأنه عليه الصلاة
والسلام قاله حين صلى بأهل مكة وهو مسافر "وإذا
دخل المسافر في مصره أتم الصلاة وإن لم ينو
المقام فيه" لأنه عليه الصلاة
والسلام وأصحابه رضوان الله عليهم كانوا
يسافرون ويعودون إلى أوطانهم مقيمين من غير
عزم جديد "ومن
كان له وطن فانتقل عنه واستوطن غيره ثم سافر
فدخل وطنه الأول قصر" لأنه لم
يبق وطنا له ألا ترى أنه عليه الصلاة والسلام
بعد الهجرة عد نفسه بمكة من المسافرين وهذا
لأن الأصل أن الوطن الأصلي يبطل بمثله دون
السفر ووطن الإقامة يبطل بمثله وبالسفر
وبالأصلي "وإذا
نوى المسافر أن يقيم بمكة ومنى خمسة عشر يوما
لم يتم الصلاة" لأن اعتبار
النية في موضعين يقتضي اعتبارها في مواضع وهو
ممتنع لأن السفر لا يعرى عنه إلا إذا نوى
المسافر أن يقيم بالليل في أحدهما فيصير مقيما
بدخوله فيه لأن إقامة المرء مضافة إلى مبيته "ومن
فاتته صلاة في السفر قضاها في الحضر ركعتين
ومن فاتته في الحضر قضاها في السفر أربعا"
لأن القضاء بحسب الأداء والمعتبر في ذلك آخر
الوقت لأنه المعتبر في السببية عند عدم الأداء
في الوقت "والعاصي
والمطيع في سفرهما في الرخصة سواء"
وقال الشافعي رحمه الله سفر المعصية لا يفيد
الرخصة لأنها تثبت تخفيفا فلا تتعلق بما يوجب
التغليظ ولنا إطلاق النصوص ولأن نفس السفر ليس
بمعصية وإنما المعصية ما يكون بعده أو يجاوره
فصلح بتعلق الرخصة والله أعلم.
ج / 1 ص -82-
باب صلاة الجمعة
"لا
تصح الجمعة إلا في مصر جامع أو في مصلى المصر
ولا تجوز في القرى" لقوله
عليه الصلاة والسلام "لا جمعة
ولا تشريق ولا فطر ولا أضحى إلا في مصر جامع"
والمصر الجامع كل موضع له أمير وقاض ينفذ
الأحكام ويقيم الحدود وهذا عند أبي يوسف رحمه
الله وعنه أنهم إذا اجتمعوا في أكبر مساجدهم
لم يسعهم والأول اختيار الكرخي وهو الظاهر
والثاني اختيار الثلجي والحكم غير مقصور على
المصلي بل تجوز في جميع أفنية المصر لأنها
بمنزلته في حوائج أهله "وتجوز
بمنى إن كان الأمير أمير الحجاز أو كان
الخليفة مسافرا عند أبي حنيفة وأبي يوسف
رحمهما الله وقال محمد رحمه الله لا جمعة بمنى"
لأنها من القرى حتى لا يعيد بها ولهما أنها
تتمصر في أيام الموسم وعدم التعييد للتخفيف
ولا جمعة بعرفات في قولهم جميعا لأنها فضاء
وبمنى أبنية والتقييد بالخليفة وأمير الحجاز
لأن الولاية لهما أما أمير الموسم فيلي أمور
الحج لا غير "ولا
يجوز إقامتها إلا للسلطان أو لمن أمره السلطان"
لأنها تقام بجمع عظيم وقد تقع المنازعة في
التقدم والتقديم وقد تقع في غيره فلا بد منه
تتميما لأمره.
"ومن
شرائطها الوقت فتصح في وقت الظهر ولا تصح بعده"
لقوله عليه الصلاة والسلام "إذا مالت الشمس
فصل بالناس الجمعة" "ولو
خرج الوقت وهو فيها استقبل الظهر ولا يبنيه
عليها" لاختلافهما "ومنها
الخطبة" لأن النبي صلى الله
عليه وسلم ما صلاها بدون الخطبة في عمره "وهي
قبل الصلاة بعد الزوال" به
وردت السنة "ويخطب
خطبتين يفصل بينهما بقعدة" به
جرى التوارث "ويخطب
قائما على طهارة" لأن القيام
فيهما متوارث ثم هي شرط الصلاة فيستحب فيها
الطهارة كالأذان "ولو
خطب قاعدا أو على غير طهارة جاز"
لحصول المقصود إلا أنه يكره لمخالفته التوارث
وللفصل بينهما وبين الصلاة "فإن
اقتصر على ذكر الله جاز عند أبي حنيفة رحمه
الله وقالا لا بد من ذكر طويل يسمى خطبة"
لأن الخطبة هي الواجبة والتسبيحة أو التحميدة
لا تسمى خطبة وقال الشافعي رحمه الله لا تجوز
حتى يخطب خطبتين اعتبارا للمتعارف وله قوله
تعالى:
{فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9] من غير فصل وعن عثمان رضي الله عنه أنه قال الحمد لله
فأرتج عليه فنزل وصلى. "ومن
شرائطها الجماعة" لأن الجمعة
مشتقة منها "وأقلهم
عند أبي حنيفة رحمه الله ثلاثا سوى الإمام
وقالا اثنان سواه" قال رضي
الله عنه والأصح أن هذا قول أبي يوسف رحمه
الله وحده له أن في المثنى معنى الاجتماع وهي
منبئة عنه ولهما أن الجمع الصحيح إنما هو
الثلاث لأنه
ج / 1 ص -83-
جمع
تسمية ومعنى والجماعة شرط على حدة وكذا الإمام
فلا يعتبر منهم "وإن نفر الناس قبل أن يركع الإمام
ويسجد ولم يبق إلا النساء والصبيان استقبل
الظهر عند أبي حنيفة رحمه الله وقالا إذا
نفروا عنه بعد ما افتتح الصلاة صلى الجمعة فإن
نفروا عنه بعد ما ركع ركعة وسجد سجدة بنى على
الجمعة" خلافا لزفر رحمه الله
هو يقول إنها شرط فلا بد من دوامها كالوقت
ولهما أن الجماعة شرط الانعقاد فلا يشترط
دوامها كالخطبة ولأبي حنيفة رحمه الله أن
الانعقاد بالشروع في الصلاة ولا يتم ذلك إلا
بتمام الركعة لأن ما دونها ليس بصلاة فلا بد
من دوامها إليها بخلاف الخطبة فإنها تنافي
الصلاة فلا يشترط دوامها ولا معتبر ببقاء
النسوان وكذا الصبيان لأنه لا تنعقد بهم
الجمعة فلا تتم بهم الجماعة "ولا
تجب الجمعة على مسافر ولا امرأة ولا مريض ولا
عبد ولا أعمى" لأن المسافر
يحرج في الحضور وكذا المريض والأعمى والعبد
مشغول بخدمة المولى والمرأة بخدمة الزوج
فعذروا دفعا للحرج والضرر "فإن
حضروا وصلوا مع الناس أجزأهم عن فرض الوقت"
لأنهم تحملوه فصاروا كالمسافر إذا صام "ويجوز
للمسافر والعبد المريض أن يؤم في الجمعة"
وقال زفر رحمه الله لا يجزئه لأنه لا فرض عليه
فأشبه الصبي والمرأة ولنا أن هذه رخصة فإذا
حضروا يقع فرضا على ما بيناه أما الصبي فمسلوب
الأهلية والمرأة لا تصلح لإمامة الرجال وتنعقد
بهم الجمعة لأنهم صلحوا للإمامة فيصلحون
للاقتداء بطريق الأولى "ومن
صلى الظهر في منزله يوم الجمعة قبل صلاة
الإمام ولا عذر له كره له ذلك وجازت صلاته"
وقال زفر رحمه الله لا يجزئه لأن عنده الجمعة
هي الفريضة أصالة والظهر كالبدل عنها ولا مصير
إلى البدل مع القدرة على الأصل ولنا أن أصل
الفرض هو الظهر في حق الكافة هذا هو الظاهر
إلا أنه مأمور بإسقاطه بأداء الجمعة وهذا لأنه
متمكن من أداء الظهر بنفسه دون الجمعة لتوقفها
على شرائط لا تتم به وحده وعلى التمكن بدور
التكليف "فإن
بدا له أن يحضرها فتوجه إليها والإمام فيها
بطل ظهره عند أبي حنيفة رحمه الله بالسعي
وقالا لا يبطل حتى يدخل مع الإمام"
لأن السعي دون الظهر فلا ينقضه بعد تمامه
والجمعة فوقها فينقضها وصار كما إذا توجه بعد
فراغ الإمام وله أن السعي إلى الجمعة من خصائص
الجمعة فينزل منزلتها في حق ارتفاض الظهر
احتياطا بخلاف ما بعد الفراغ منها لأنه ليس
بسعي إليها.
"ويكره
أن يصلي المعذورون الظهر بجماعة يوم الجمعة في
المصر وكذا أهل السجن" لما
فيه من الإخلال بالجمعة إذ هي جامعة للجماعات
والمعذور قد يقتدي به غيره بخلاف أهل السواد
لأنه لا جمعة عليهم "ولو
صلى قوم أجزأهم" لاستجماع
شرائطه "ومن
أدرك
ج / 1 ص -84-
الإمام يوم الجمعة صلى معه ما أدركه وبنى
عليها الجمعة" لقوله عليه الصلاة والسلام "ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا" "وإن
كان أدركه في التشهد أو في سجود السهو بنى
عليها الجمعة عندهما وقال محمد رحمه الله إن
أدرك معه أكثر الركعة الثانية بنى عليها
الجمعة وإن أدرك أقلها بنى عليها الظهر"
لأنه جمعة من وجه ظهر من وجه لفوات بعض
الشرائط في حقه فيصلي أربعا اعتبارا للظهر
ويقعد لا محالة على رأس الركعتين اعتبارا
للجمعة ويقرأ في الأخريين لاحتمال النفلية
ولهما أنه مدرك للجمعة في هذه الحالة حتى
يشترط نية الجمعة وهي ركعتان ولا وجه لما ذكر
لأنهما مختلفان فلا يبنى أحدهما على تحريمة
الآخر "وإذا
خرج الإمام يوم الجمعة ترك الناس الصلاة
والكلام حتى يفرغ من خطبته"
قال رضي الله عنه وهذا عند أبي حنيفة رحمه
الله وقالا لا بأس بالكلام إذا خرج الإمام قبل
أن يخطب وإذا نزل قبل أن يكبر لأن الكراهة
للإخلال بفرض الاستماع ولا استماع هنا بخلاف
الصلاة لأنها قد تمتد ولأبي حنيفة رحمه الله
قوله عليه الصلاة والسلام "إذا خرج الإمام
فلا صلاة ولا كلام من غير فصل" ولأن
الكلام قد يمتد طبعا فأشبه الصلاة "وإذا
أذن المؤذنون الأذان الأول ترك الناس البيع
والشراء وتوجهوا إلى الجمعة"
لقوله تعالى:
{فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا
الْبَيْعَ}
[الجمعة: 9] وإذا صعد الإمام المنبر جلس وأذن
المؤذنون بين يدي المنبر بذلك جرى التوارث ولم
يكن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا
هذا الأذان ولهذا قيل هو المعتبر في وجوب
السعي وحرمة البيع والأصح أن المعتبر هو الأول
إذا كان بعد الزوال لحصول الإعلام به والله
أعلم.
باب صلاة
العيدين
قال: "وتجب صلاة العيد على كل من تجب عليه
صلاة الجمعة" وفي الجامع
الصغير عيدان اجتمعا في يوم واحد فالأول سنة
والثاني فريضة ولا يترك واحد منهما قال وهذا
تنصيص على السنة والأول على الوجوب وهو رواية
عن أبي حنيفة رحمه الله وجه الأول مواظبة
النبي صلى الله عليه وسلم عليها ووجه الثاني
قوله صلى الله عليه وسلم في حديث الأعرابي
عقيب سؤاله قال هل علي غيرهن فقال "لا إلا أن تطوع"
والأول أصح وتسميته سنة لوجوبه بالسنة "ويستحب
في يوم الفطر أن يطعم قبل الخروج إلى المصلى
ويغتسل ويستاك ويتطيب" لما
روي أنه صلى الله عليه وسلم
كان يطعم في يوم الفطر قبل أن يخرج إلى المصلى
وكان يغتسل في العيدين ولأنه يوم اجتماع فيسن فيه الغسل والطيب كما في الجمعة.
لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان له جبة فنك
أو صوف يلبسها في الأعياد "ويؤدي
صدقة الفطر" إغناء للفقير
ليتفرغ قلبه للصلاة "ويتوجه
إلى المصلى ولا يكبر عند أبي حنيفة رحمه الله
في طريق
ج / 1 ص -85-
المصلى وعندهما يكبر"
اعتبارا بالأضحى وله أن الأصل في الثناء
الإخفاء والشرع ورد به في الأضحى لأنه يوم
تكبير ولا كذلك يوم الفطر "ولا
يتنفل في المصلى قبل صلاة العيد"
لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك مع
حرصه على الصلاة ثم قيل الكراهة في المصلى
خاصة وقيل فيه وفي غيره عامة لأنه صلى الله
عليه وسلم لم يفعله "وإذا
حلت الصلاة بارتفاع الشمس دخل وقتها إلى
الزوال فإذا زالت الشمس خرج وقتها"
لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي العيد
والشمس على قيد رمح أو رمحين ولما شهدوا
بالهلال بعد الزوال أمر بالخروج إلى المصلى من
الغد "ويصلي
الإمام بالناس ركعتين يكبر في الأولى للافتتاح
وثلاثا بعدها ثم يقرأ الفاتحة وسورة ويكبر
تكبيرة يركع بها ثم يبتدئ في الركعة الثانية
بالقراءة ثم يكبر ثلاثا بعدها ويكبر رابعة
يركع بها" وهذا قول ابن مسعود
رضي الله عنه وهو قولنا وقال ابن عباس رضي
الله عنه يكبر في الأولى للافتتاح وخمسا بعدها
وفي الثانية يكبر خمسا ثم يقرأوفي رواية يكبر
أربعا وظهر عمل العامة اليوم بقول ابن عباس
رحمه الله لأمر بنيه الخلفاء فأما المذهب
فالقول الأول لأن التكبير ورفع الأيدي خلاف
المعهود فكان الأخذ بالأقل أولى ثم التكبيرات
من أعلام الدين حتى يجهر به فكان الأصل فيه
الجمع وفي الركعة الأولى يجب إلحاقها بتكبيرة
الافتتاح لقوتها من حيث الفرضية والسبق وفي
الثانية لم يوجد إلا تكبيرة الركوع فوجب الضم
إليها والشافعي أخذ بقول ابن عباس رضي الله
عنه إلا أنه حمل المروي كله على الزوائد فصارت
التكبيرات عنده خمس عشرة أو ست عشرة.
قال: "ويرفع
يديه في تكبيرات العيدين"
يريد به ما سوى تكبيرتي الركوع لقوله صلى الله
عليه وسلم "لا
ترفع الأيدي إلا في سبع مواطن" وذكر
من جملتها تكبيرات الأعياد وعن أبي يوسف رحمه
الله أنه لا يرفع والحجة عليه ما روينا.
قال: "ثم
يخطب بعد الصلاة خطبتين" بذلك
ورد النقل المستفيض "يعلم
الناس فيها صدقة الفطر وأحكامها"
لأنها شرعت لأجله "ومن
فاتته صلاة العيد مع الإمام لم يقضها لأن
الصلاة بهذه الصفة لم تعرف قربة إلا بشرائط لا
تتم بالمنفرد فإن غم الهلال وشهدوا عند الإمام
برؤية الهلال بعد الزوال صلى العيد من الغد"
لأن هذا تأخير بعذر وقد ورد فيه الحديث "فإن حدث عذر
يمنع من الصلاة في اليوم الثاني لم يصلها بعده"
لأن الأصل فيها أن لا تقضى كالجمعة إلا أنا
تركناه بالحديث وقد ورد بالتأخير إلى اليوم
الثاني عند العذر.
"ويستحب
في يوم الأضحى أن يغتسل ويتطيب"
لما ذكرناه "ويؤخر
الأكل حتى يفرغ من الصلاة"
لما روي
أن النبي صلى
الله عليه وسلم كان لا يطعم في يوم النحر حتى
يرجع فيأكل من أضحيته "ويتوجه
إلى المصلى وهو يكبر" لأنه
صلى الله عليه وسلم كان يكبر في الطريق
"ويصلي
ركعتين
ج / 1 ص -86-
نقل "ويخطب
بعدها خطبتين" لأنه صلى الله
عليه وسلم كذلك فعل "ويعلم
الناس فيها الأضحية وتكبير التشريق"
لأنه مشروع الوقت والخطبة ما شرعت إلا لتعليمه
"فإن
كان عذر يمنع من الصلاة في يوم الأضحى صلاها
من الغد وبعد الغد ولا يصليها بعد ذلك"
لأن الصلاة مؤقتة بوقت الأضحية فتتقيد بأيامها
لكنه مسيء في التأخير من غير عذر لمخالفة
المنقول "والتعريف
الذي يصنعه الناس ليس بشيء"
وهو أن يجتمع الناس يوم عرفة في بعض المواضع
تشبيها بالواقفين بعرفة لأن الوقوف عرف عبادة
مختصة بمكان مخصوص فلا يكون عبادة دونه كسائر
المناسك.
فصل في تكبيرات
التشريق
"ويبدأ بتكبير التشريق بعد صلاة الفجر
من يوم عرفة ويختم عقيب صلاة العصر من يوم
النحر" عند أبي حنيفة رحمه
الله وقالا يختم عقيب صلاة العصر من آخر أيام
التشريق والمسئلة مختلفة بين الصحابة فأخذا
بقول علي رضي الله عنه أخذا بالأكثر إذ هو
الاحتياط في العبادات وأخذا بقول ابن مسعود
أخذا بالأقل لأن الجهر بالتكبير بدعة والتكبير
أن يقول مرة واحدة الله أكبر الله أكبر لا إله
إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد هذا
هو المأثور عن الخليل صلوات الله عليه "وهو
عقيب الصلوات المفروضات على المقيمين في
الأمصار في الجماعات المستحبة عند أبي حنيفة
رحمه الله وليس على جماعات النساء إذا لم يكن
معهن رجل ولا على جماعة المسافرين إذا لم يكن
معهم مقيم وقالا هو على كل من صلى المكتوبة"
لأنه تبع للمكتوبة وله ما روينا من قبل
والتشريق هو التكبير كذا نقل عن الخليل بن
أحمد ولأن الجهر بالتكبير خلاف السنة والشرع
ورد به عند استجماع هذه الشرائط إلا أنه يجب
على النساء إذا اقتدين بالرجال وعلى المسافرين
عند اقتدائهم بالمقيم بطريق التبعية.
قال يعقوب رحمه الله: صليت بهم المغرب يوم
عرفة فسهوت أن أكبر فكبر أبو حنيفة رضي الله
عنه دل أن الإمام وإن ترك التكبير لا يتركه
المقتدي وهذا لأنه لا يؤدي في حرمة الصلاة فلم
يكن الإمام فيه حتما وإنما هو مستحب.
باب صلاة الكسوف
قال: "إذ
اانكسفت الشمس صلى الإمام بالناس ركعتين كهيئة
النافلة في كل ركعة ركوع واحد"
وقال الشافعي ركوعان له ما روت عائشة رضي الله
عنها ولنا رواية ابن عمر رضي الله عنه وألحال
أكشف على الرجال لقربهم فكان الترجيح لروايته
"ويطول
ج / 1 ص -87-
القراءة فيهما ويخفى عند أبي حنيفة وقالا يجهر" وعن محمد مثل قول أبي حنيفة.
أما التطويل في القراءة فبيان الأفضل ويخفف إن
شاء لأن المسنون استيعاب الوقت بالصلاة
والدعاء فإذا خفف أحدهما طول الآخر وأما
الإخفاء والجهر فلهما رواية عائشة أنه صلى
الله عليه وسلم جهر فيها ولأبي حنيفة رواية
ابن عباس وسمرة بن جندب رضي الله عنهم
والترجيح قد مر من قبل كيف وأنها صلاة النهار
وهي عجماء "ويدعو
بعدها حتى تنجلي الشمس" لقوله
صلى الله عليه وسلم "إذا
رأيتم من هذه الأفزاع شيئا فارغبوا إلى الله
بالدعاء"
"والسنة
في الأدعية تأخيرها عن الصلاة"
ويصلي بهم الإمام الذي يصلي بهم الجمعة فإن لم
يحضر صلى الناس فرادى تحرزا عن الفتنة "وليس
في خسوف القمر جماعة" لتعذر
الاجتماع في الليل أو لخوف الفتنة وإنما يصلي
كل واحد بنفسه لقوله صلى الله عليه وسلم "إذا رايتم
شيئا من هذه الأهوال فافزعوا إلى الصلاة"
"وليس
في الكسوف خطبة" لأنه لم
ينقل.
باب الاستسقاء
"قال
أبو حنيفة رحمه الله ليس في الاستسقاء صلاة
مسنونة في جماعة فإن صلى الناس وحدانا جاز
وإنما الاستسقاء الدعاء والاستغفار"
لقوله تعالى:
{فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً} [نوح:10] الآية ورسول الله صلى الله عليه وسلم استسقى ولم ترو عنه
الصلاة "وقالا
يصلي الإمام ركعتين" لما روي
أن النبي صلى الله عليه وسلم
صلى فيه ركعتين كصلاة العيد
رواه ابن عباس رضي الله عنه.
قلنا فعله مرة وتركه أخرى فلم يكن سنة وقد ذكر
في الأصل قول محمد وحده "ويجهر
فيهما بالقراءة" اعتبارا
بصلاة العيد "ثم
يخطب" لما روي "أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب" ثم هي كخطبة العيد عند محمد وعند أبي يوسف خطبة واحدة "ولا
خطبة عند أبي حنيفة رحمه الله"
لأنها تبع للجماعة ولا جماعة عنده "ويستقبل
القبلة بالدعاء" لما روي أنه
صلى الله عليه وسلم استقبل القبلة وحول رداءه
"ويقلب
رداءه" لما روينا قال وهذا
قول محمد رحمه الله أما عند أبي حنيفة رحمه
الله فلا يقلب رداءه لأنه دعاء فيعتبر بسائر
الأدعية وما رواه كان تفاؤلا "ولا
يقلب القوم أرديتهم" لأنه لم
ينقل أنه أمرهم بذلك "ولا
يحضر أهل الذمة الاستسقاء"
لأنه لاستنزال الرحمة وإنما تنزل عليهم
اللعنة.
باب صلاة الخوف
"إذا
اشتد الخوف جعل الإمام الناس طائفتين طائفة
إلى وجه العدو وطائفة خلفه فيصلي بهذه الطائفة
ركعة وسجدتين فإذا رفع رأسه من السجدة الثانية
مضت هذه الطائفة
ج / 1 ص -88-
إلى وجه العدو وجاءت تلك الطائفة فيصلي بهم
الإمام ركعة وسجدتين وتشهد وسلم ولم يسلموا
وذهبوا إلى وجه العدو وجاءت الطائفة الأولى
فصلوا ركعة وسجدتين وحدانا بغير قراءة" لأنهم لاحقون "وتشهدوا
وسلموا ومضوا إلى وجه العدو وجاءت الطائفة
الأخرى وصلوا ركعة وسجدتين بقراءة"
لأنهم مسبوقون "وتشهدوا
وسلموا" والأصل فيه رواية ابن
مسعود رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة
والسلام صلى صلاة الخوف على الصفة التي قلنا
وأبو يوسف رحمه الله وإن أنكر شرعيتها في
زماننا فهو محجوج عليه بما روينا.
قال: "وإن
كان الإمام مقيما صلى بالطائفة الأولى ركعتين
وبالطائفة الثانية ركعتين"
لما روي أنه صلى الله عليه وسلم
صلى الظهر بالطائفتين ركعتين ركعتين
"ويصلي
بالطائفة الأولى من المغرب ركعتين وبالثانية
ركعة واحدة" لأن تنصيف الركعة
الواحدة غير ممكن فجعلها في الأولى أولى بحكم
السبق "ولا يقاتلون في حال الصلاة فإن فعلوا
بطلت صلاتهم" لأنه صلى الله
عليه وسلم شغل عن أربع صلوات يوم الخندق ولو
جاز الأداء مع القتال لما تركها "فإن
اشتد الخوف صلوا ركبانا فرادى يومئون بالركوع
والسجود إلى أي جهة شاءوا إذا لم يقدروا على
التوجه إلى القبلة" لقوله
تعالى:
{فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً} [البقرة: 239] وسقط التوجه للضرورة وعن محمد أنهم يصلون بجماعة
وليس بصحيح لانعدام الاتحاد في المكان.
باب الجنائز
"إذ
ااحتضر الرجل وجه إلى القبلة على شقه الأيمن"
اعتبارا بحال الوضع في القبر لأنه أشرف عليه
والمختار في بلادنا الاستلقاء لأنه أيسر لخروج
الروح والأول هو السنة "ولقن
الشهادتين" لقوله صلى الله
عليه وسلم "لقنوا موتاكم شهادة أن لا إله إلا الله" والمراد الذي قرب من الموت "فإذا
مات شد لحياه وغمص عيناه"
بذلك جرى التوارث ثم فيه تحسينه فيستحسن.
فصل في الغسل
"وإذا
أرادوا غسله وضعوه على
سرير" لينصب الماء عنه "وجعلوا
على عورته خرقة" إقامة لواجب
الستر ويكتفى بستر العورة الغليظة هو الصحيح
تيسيرا "ونزعوا
ثيابه" ليمكنهم التنظيف "ووضئوه
من غير مضمضة واستنشاق" لأن
الوضوء سنة الاغتسال غير أن إخراج الماء منه
متعذر فيتركان "ثم
يفيضون الماء عليه" اعتبارا
بحال الحياة "ويجمر
سريره وترا" لما فيه من تعظيم
الميت وإنما يوتر لقوله صلى الله عليه وسلم "إن الله
وتر يحب الوتر" "ويغلى
الماء بالسدر أو بالحرض"
مبالغة في التنظيف "فإن
لم يكن فالماء القراح" لحصول
أصل المقصود "ويغسل
رأسه ولحيته بالخطمي" ليكون
أنظف له "ثم
يضجع على شقه الأيسر فيغسل بالماء
ج / 1 ص -89-
والسدر حتى يرى أن الماء قد وصل إلى ما يلي
التخت منه ثم يضجع على شقه الأيمن فيغسل حتى
يرى أن الماء قد وصل إلى ما يلي التخت منه" لأن السنة هو البداءة بالميامن "ثم
يجلسه ويسنده إليه ويمسح بطنه مسحا رفيقا"
تحرزا عن تلويث الكفن "فإن
خرج منه شيء غسله ولا يعيد غلسه ولا وضوءه"
لأن الغسل عرفناه بالنص وقد حصل مرة "ثم
ينشفه بثوب" كيلا تبتل أكفانه
"ويجعله"
أي الميت "في
أكفانه ويجعل الحنوط على رأسه ولحيته والكافور
على مسجده" لأن التطيب سنة
والمساجد أولى بزيادة الكرامة "ولا
يسرح شعر الميت ولا لحيته ولا يقص ظفره ولا
شعره" لقول عائشة رضي الله
عنها علام تنصون ميتكم ولأن هذه الأشياء
للزينة وقد استغنى الميت عنها وفي الحي كان
تنظيفا لاجتماع الوسخ تحته وصار كالختان.
فصل في التكفين
"السنة
أن يكفن الرجل في ثلاثة أثواب إزار وقميص
ولفافة" لما روي "أنه
صلى الله عليه وسلم كفن في ثلاثة أثواب بيض
سحولية" ولأنه أكثر ما يلبسه
عادة في حياته فكذا بعد مماته "فإن
اقتصروا على ثوبين جاز والثوبان إزار ولفافة"
وهذا كفن الكفاية لقول أبي بكر رضي الله عنه
اغسلوا ثوبي هذين وكفنوني فيهما ولأنه أدنى
لباس الأحياء والإزار من القرن إلى القدم
واللفافة كذلك والقميص من أصل العنق إلى القدم
"فإذا
أرادوا لف الكفن ابتدءوا بجانبه الأيسر فلفوه
عليه ثم بالأيمن" كما في حال
الحياة وبسطه أن تبسط اللفافة أولا ثم يبسط
عليها الإزار ثم يقمص الميت ويضوع على الإزار
ثم يعطف الإزار من قبل اليسار ثم من قبل
اليمين ثم اللفافة كذلك "وإن
خافوا أن ينتشر الكفن عنه عقدوه بخرقة"
صيانة عن الكشف "وتكفن
المرأة في خمسة أثواب درع وإزار وخمار ولفافة
وخرقة تربط فوق ثدييها" لحديث
أم عطية
أن النبي عليه الصلاة والسلام أعطى اللواتي غسلن ابنته خمسة أثواب ولأنها تخرج فيها حالة الحياة فكذا بعد الممات ثم هذا بيان كفن
السنة "وإن
اقتصروا على ثلاثة أثواب جاز"
وهي ثوبان وخمار وهو كفن الكفاية "ويكره
أقل من ذلك وفي الرجل يكره الاقتصار على ثوب
واحد إلا في حالة الضرورة"
لأن مصعب بن عمير حين استشهد كفن في ثوب واحد
وهذا كفن الضرورة "وتلبس
المرأة الدرع أولا ثم يجعل شعرها ضفيرتين على
صدرها فوق الدرع ثم الخمار فوق ذلك ثم الإزار
تحت اللفافة قال وتجمر الأكفان قبل أن يدرج
فيها الميت وترا" لأنه عليه
الصلاة والسلام أمر بإجمار أكفان ابنته وترا
والإجمار هو التطييب فإذا فرغوا منه صلوا عليه
لأنها فريضة.
ج / 1 ص -90-
فصل في الصلاة على الميت
"وأولى
الناس بالصلاة على الميت السلطان إن حضر"
لأن في التقدم عليه ازدراء به "فإن
لم يحضر فالقاضي" لأنه صاحب
ولاية "فإن
لم يحضر فيستحب تقديم إمام الحي"
لأنه رضيه في حال حياته.
قال: "ثم
الولي والأولياء على الترتيب المذكور في
النكاح فإن صلى غير الولي والسلطان أعاد الولي"
يعني إن شاء لما ذكرنا أن الحق للأولياء "وإن صلى الولي لم يجز لأحد أن يصلي
بعده" لأن الفرض يتأدى
بالأولى والتنفل بها غير مشروع ولهذا رأينا
الناس تركوا عن آخرهم الصلاة على قبر النبي
عليه الصلاة والسلام وهو اليوم كما وضع "وإن
دفن الميت ولم يصل عليه صلى على قبره"
لأن النبي عليه الصلاة والسلام صلى على قبر
امرأة من الأنصار "ويصلى
عليه قبل أن يفسخ" والمعتبر
في معرفة ذلك أكبر الرأي هو الصحيح لاختلاف
الحال والزمان والمكان "والصلاة أن يكبر تكبيرة يحمد الله
عقيبها ثم يكبر تكبيرة يصلي فيها على النبي
عليه الصلاة والسلام ثم يكبر تكبيرة يدعو فيها
لنفسه وللميت وللمسلمين ثم يكبر الرابعة ويسلم"
لأنه عليه الصلاة والسلام كبر أربعا في آخر
صلاة صلاها فنسخت ما قبلها "ولو
كبر الإمام خمسا لم يتابعه المؤتم"
خلافا لزفر لأنه منسوخ لما روينا وينتظر
تسليمة الإمام في رواية وهو المختار والإتيان
بالدعوات استغفار للميت والبداءة بالثناء ثم
بالصلاة سنة الدعاء ولا يستغفر للصبي ولكن
يقول اللهم اجعله لنا فرطا واجعله لنا أجرا
وذخرا واجعله لنا شافعا مشفعا "ولو
كبر الإمام تكبيرة أو تكبيرتين لا يكبر الآتي
حتى يكبر أخرى بعد حضوره" عند
أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله وقال أبو يوسف
يكبر حين يحضر لأن الأولى للافتتاح والمسبوق
يأتي به ولهما أن كل تكبيرة قائمة مقام ركعة
والمسبوق لا يبتدئ بما فاته إذ هو منسوخ ولو
كان حاضرا فلم يكبر مع الإمام لا ينتظر
الثانية بالاتفاق لأنه بمنزلة المدرك.
قال: "ويقوم
الذي يصلي على الرجل والمرأة بحذاء الصدر"
لأنه موضع القلب وفيه نور الإيمان فيكون
القيام عنده إشارة إلى الشفاعة لإيمانه وعن
أبي حنيفة رحمه الله أنه يقوم من الرجل بحذاء
رأسه ومن المرأة بحذاء وسطها لأن أنسا رضي
الله عنه فعل كذلك وقال هو السنة قلنا تأويله
أن جنازتها لم تكن منعوشة فحال بينها وبينهم "فإن
صلوا على جنازة ركبانا أجزأهم في القياس"
لأنها دعاء وفي الاستحسان لا تجزئهم لأنها
صلاة من وجه لوجود التحريمة فلا يجوز تركه من
غير عذر احتياطا "ولا
بأس بالإذن في صلاة الجنازة"
ج / 1 ص -91-
لأن
التقدم حق الولي فيملك إبطاله بتقديم غيره وفي
بعض النسخ لا بأس بالأذان أي الإعلام وهو أن
يعلم بعضهم بعضا ليقضوا حقه "ولا
يصلي على ميت في مسجد جماعة"
لقول النبي صلى الله عليه وسلم "من صلى على
جنازة في المسجد فلا أجر له" ولأنه بنى
لأداء المكتوبات ولأنه يحتمل تلويث المسجد
وفيما إذا كان الميت خارج المسجد اختلاف
المشايخ رحمهم الله "ومن
استهل بعد الولادة سمى وغسل وصلي عليه"
لقوله صلى الله عليه وسلم "إذا استهل
المولود صلي عليه وإن لم يستهل لم يصل عليه" ولأن
الاستهلال دلالة الحياة فتحقق في حقه سنة
الموتى "وإن لم يستهل أدرج في خرقة"
كرامة لبني آدم "ولم
يصل عليه" لما روينا. ويغسل
في غير الظاهر من الرواية لأنه نفس من وجه وهو
المختار "وإذا
سبي صبي مع أحد أبويه ومات لم يصل عليه"
لأنه تبع لهما "إلا
أن يقر بالإسلام وهو يعقل"
لأنه صح إسلامه استحسانا "أو
يسلم أحد أبويه" لأنه يتبع
خير الأبوين دينا "وإن
لم يسب معه أحد أبويه صلي عليه"
لأنه ظهرت تبعية الدار فحكم بالإسلام كما في
اللقيط "وإذا
مات الكافر وله ولي مسلم فإنه يغسله ويكفنه
ويدفنه" بذلك أمر علي رضي
الله عنه في حق أبيه أبي طالب لكن يغسل غسل
الثوب النجس ويلف في خرقة وتحفر حفيرة من غير
مراعاة سنة التكفين واللحد ولا يوضع فيها بل
يلقى.
فصل في حمل الجنازة
"وإذا
حملوا الميت على سريره أخذوا بقوائمه الأربع"
بذلك وردت السنة وفيه تكثير الجماعة وزيادة
الإكرام والصيانة وقال الشافعي السنة أن
يحملها رجلان يضعها السابق على أصل عنقه
والثاني على أعلى صدره لأن جنازة سعد بن معاذ
رضي الله عنه هكذا حملت قلنا كان ذلك لازدحام
الملائكة عليه "ويمشون
به مسرعين دون الخبب" لأنه
صلى الله عليه وسلم حين سئل عنه قال "ما
دون الخبب" "وإذا
بلغوا إلى قبره يكره أن يجلسوا قبل أن يوضع عن
أعناق الرجال" لأنه قد تقع
الحاجة إلى التعاون والقيام أمكن منه.
قال: وكيفية الحمل أن تضع مقدم الجنازة على
يمينك ثم مؤخرها على يمينك ثم مقدمها على
يسارك ثم مؤخرها على يسارك إيثارا للتيامن
وهذا في حالة التناوب.
فصل في الدفن
"ويحفر القبر ويلحد"
لقوله عليه الصلاة والسلام "اللحد لنا
والشق لغيرنا" "ويدخل
الميت مما يلي القبلة" خلافا
للشافعي رحمه الله فإن عنده يسل سلا لما روي
أنه صلى الله عليه وسلم سل سلا ولنا أن جانب
القبلة معظم فيستحب الإدخال منه واضطربت
الروايات في إدخال النبي
ج / 1 ص -92-
عليه
الصلاة والسلام "فإذا
وضع في لحده يقول واضعه باسم الله وعلى ملة
رسول الله" كذا قاله رسول
الله صلى الله عليه وسلم حين وضع أبا دجانة
رضي الله عنه في القبر "ويوجه
إلى القبلة" بذلك أمر رسول
الله صلى الله عليه وسلم "وتحل العقدة" لوقوع
الأمن من الانتشار "ويسوى
اللبن على اللحد" لأنه عليه
الصلاة والسلام جعل على قبره اللبن "ويسجى
قبر المرأة بثوب حتى يجعل اللبن على اللحد ولا
يسجى قبر الرجل" لأن مبنى
حالهن على الستر ومبنى حال الرجال على
الانكشاف "ويكره
الآجر والخشب" لأنهما لأحكام
البناء والقبر موضع البلى ثم بالآجر أثر الناو
فيكره تفاؤلا "ولا
بأس بالقصب".
وفي الجامع الصغير:
ويستحب اللبن والقصب لأنه صلى الله عليه وسلم
جعل على قبره طن من قصب "ثم
يهال التراب ويسنم القبر ولا يسطح"
أي لا يربع لأنه صلى الله عليه وسلم نهى عن
تربيع القبور ومن شاهد قبره عليه الصلاة
والسلام أخبر أنه مسنم.
باب الشهيد
"الشهيد
من قتله المشركون أو وجد في المعركة وبه أثر
أو قتله المسلمون ظلما ولم يجب بقتله دية
فيكفن ويصلى عليه ولا يغسل"
لأنه في معنى شهداء أحد وقال صلى الله عليه
وسلم فيهم "زملوهم
بكلومهم ودمائهم ولا تغسلوهم" فكل
من قتل بالحديدة ظلما وهو طاهر بالغ ولم يجب
به عوض مالي فهو في معناهم فيلحق بهم والمراد
بالأثر الجراحة لأنها دلالة القتل وكذا خروج
الدم من موضع غير معتاد كالعين ونحوها
والشافعي رحمه الله يخالفنا في الصلاة ويقول
السيف محاء للذنوب فأغنى عن الشفاعة ونحن نقول
الصلاة على الميت لإظهار كرامته والشهيد أولى
بها والطاهر عن الذنوب لا يستغني عن الدعاء
كالنبي والصبي "ومن
قتله أهل الحرب أو أهل البغي أو قطاع الطريق
فبأي شيء قتلوه لم يغسل" لأن
شهداء أحد ما كان كلهم قتيل السيف والسلاح "وإذا
استشهد الجنب غسل عند أبي حنيفة رحمه الله"
وقالا لا يغسل لأن ما وجب بالجنابة سقط بالموت
والثاني لم يجب للشهادة ولأبي حنيفة رحمه الله
أن الشهادة عرفت مانعة غير رافعة فلا ترفع
الجنابة وقد صح أن حنظلة لما استشهد جنبا
غسلته الملائكة وعلى هذا الخلاف الحائض
والنفساء إذا طهرتا وكذا قبل الانقطاع في
الصحيح من الرواية وعلى هذا الخلاف الصبي لهما
أن الصبي أحق بهذه الكرامة وله أن السيف كفى
عن الغسل في حق شهداء أحد بوصف كونه طهرة ولا
ذنب على الصبي فلم يكن في معناهم "ولا
يغسل عن الشهيد دمه ولا ينزع عنه ثيابه"
لما روينا
ج / 1 ص -93-
"وينزع عنه الفرو والحشو والقلنسوة
والسلاح والخف" لأنها ليست من
جنس الكفن "ويزيدون
وينقصون ما شاءوا" إتماما
للكفن.
قال: "ومن
ارتث غسل" وهو من صار خلقا في
حكم الشهادة لنيل مرافق الحياة لأن ذلك يخف
أثر الظلم فلم يكن في معنى شهداء أحد "والارتثاث
أن يأكل أو يشرب أو ينام أو يداوى أو ينقل من
المعركة حيا" لأنه نال بعض
مرافق الحياة وشهداء أحد ماتوا عطشا والكأس
تدار عليهم فلم يقبلوا خوفا من نقصان الشهادة
إلا إذا حمل من مصرعه كيلا تطأه الخيول لأنه
ما نال شيئا من الراحة ولو آواه فسطاط أو خيمة
كان مرتثا لما بينا "ولو
بقي حيا حتى مضى وقت صلاة وهو يعقل فهو مرتث"
لأن تلك الصلاة صارت دينا في ذمته وهو من
أحكام الأحياء قال وهذا مروي عن أبي يوسف رحمه
الله ولو أوصي بشيء من أمور الآخرة كان
ارتثاثا عند أبي يوسف رحمه الله لأنه ارتفاق
وعند محمد رحمه الله لا يكون لأنه من أحكام
الأموات "ومن
وجد قتيلا في المصر غسل" لأن
الواجب فيه القسامة والدية فخف أثر الظلم "إلا
إذا علم أنه قتل بحديدة ظلما"
لأن الواجب فيه القصاص وهو عقوبة والقاتل لا
يتخلص عنها ظاهرا إما في الدنيا وإما في
العقبى وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله ما لا
يلبث بمنزلة السيف ويعرف في الجنايات إن شاء
الله تعالى "ومن
قتل في حد أو قصاص غسل وصلى عليه"
لأنه باذل نفسه لإيفاء حق مستحق عليه وشهداء
أحد بذلوا أنفسهم لابتغاء مرضاة الله تعالى
فلا يلحق بهم "ومن
قتل من البغاة أو قطاع الطريق لم يصل عليه"
لأن عليا رضي الله عنه لم يصل على البغاة.
باب الصلاة في
الكعبة
"الصلاة في الكعبة جائزة فرضها ونفلها"
خلافا للشافعي رحمه الله فيهما ولمالك في
الفرض لأنه صلى الله عليه وسلم صلى في جوف
الكعبة يوم الفتح ولأنها صلاة استجمعت شرائطها
لوجود استقبال القبلة لأن استيعابها ليس بشرط
"فان
صلى الإمام بجماعة فيها فجعل بعضهم ظهره إلى
ظهر الإمام جاز" لأنه متوجه
إلى القبلة ولا يعتقد إمامه على الخطأ بخلاف
مسئلة التحري "ومن
جعل منهم ظهره إلى وجه الإمام لم تجز صلاته"
لتقدمه على إمامه "وإذا
صلى الإمام في المسجد الحرام فتحلق الناس حول
الكعبة وصلوا بصلاة الإمام فمن كان منهم أقرب
إلى الكعبة من الإمام جازت صلاته إذا لم يكن
في جانب الإمام" لأن التقدم
والتأخر إنما يظهر عند اتحاد الجانب "ومن
صلى على ظهر الكعبة جازت صلاته"
خلافا
ج / 1 ص -94-
للشافعي رحمه الله لأن الكعبة هي العرصة
والهواء إلى عنان السماء عندنا دون البناء
لأنه ينقل ألا ترى أنه لو صلى على جبل أبي
قبيس جاز ولا بناء بين يديه إلا أنه يكره لما
فيه من ترك التعظيم وقد ورد النهي عنه عن
النبي صلى الله تعالى عليه وسلم. |