الهداية
في شرح بداية المبتدي ج / 3 ص -5-
من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين
"حديث شريف"
بسم الله الرحمن
الرحيم
كتاب الشركة
"الشركة
جائزة" لأنه صلى الله عليه وسلم بعث والناس يتعاملون بها فقررهم عليه.
قال:
"الشركة ضربان: شركة أملاك، وشركة عقود. فشركة
الأملاك: العين يرثها رجلان أو يشتريانها فلا
يجوز لأحدهما أن يتصرف في نصيب الآخر إلا
بإذنه، وكل منهما في نصيب صاحبه كالأجنبي"
وهذه الشركة تتحقق في غير المذكور في الكتاب
كما إذا اتهب رجلان عينا أو ملكاها بالاستيلاء
أو اختلط مالهما من غير صنع أحدهما أو بخلطهما
خلطا يمنع التمييز رأسا أو إلا بحرج، ويجوز
بيع أحدهما نصيبه من شريكه في جميع الصور ومن
غير شريكه بغير إذنه إلا في صورة الخلط
والاختلاط فإنه لا يجوز إلا بإذنه، وقد بينا
الفرق في كفاية المنتهى.
"والضرب الثاني: شركة العقود، وركنها الإيجاب
والقبول، وهو أن يقول أحدهما شاركتك في كذا
وكذا ويقول الآخر قبلت"
وشرطه: أن يكون التصرف المعقود عليه عقد
الشركة قابلا للوكالة ليكون ما يستفاد بالتصرف
مشتركا بينهما فيتحقق حكمه المطلوب منه
"ثم هي أربعة أوجه: مفاوضة، وعنان، وشركة
الصنائع، وشركة الوجوه. فأما شركة المفاوضة
فهي أن يشترك الرجلان فيتساويان في مالهما
وتصرفهما ودينهما" لأنها شركة
عامة في جميع التجارات يفوض كل واحد منهما أمر
الشركة إلى صاحبه على الإطلاق إذ هي من
المساواة، قال قائلهم:
لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم
ولا سراة إذا جهالهم سادوا
أي متساويين. فلا بد من
تحقيق المساواة ابتداء وانتهاء وذلك في المال،
والمراد به ما تصح الشركة فيه، ولا يعتبر
التفاضل فيما لا يصح الشركة فيه، وكذا في
التصرف، لأنه لو ملك أحدهما تصرفا لا يملك
الآخر لفات التساوي، وكذلك في الدين لما نبين
إن شاء الله تعالى، وهذه الشركة جائزة عندنا
استحسانا. وفي القياس لا تجوز، وهو قول
ج / 3 ص -6-
الشافعي. وقال مالك: لا أعرف ما المفاوضة. وجه
القياس أنها تضمنت الوكالة بمجهول الجنس
والكفالة بمجهول، وكل ذلك بانفراده فاسد. وجه
الاستحسان قوله صلى الله عليه وسلم
"فاوضوا فإنه أعظم للبركة" وكذا الناس يعاملونها من غير نكير وبه يترك القياس والجهالة متحملة
تبعا كما في المضاربة
"ولا تنعقد إلا بلفظة المفاوضة"
لبعد شرائطها عن علم العوام، حتى لو بينا جميع
ما تقتضيه تجوز لأن المعتبر هو المعنى.
قال:
"فتجوز بين الحرين الكبيرين مسلمين أو ذميين
لتحقق التساوي، وإن كان أحدهما كتابيا والآخر
مجوسيا تجوز أيضا" لما قلنا "ولا تجوز بين
الحر والمملوك ولا بين الصبي والبالغ"
لانعدام المساواة، لأن الحر البالغ يملك
التصرف والكفالة، والمملوك لا يملك واحدا
منهما إلا بإذن المولى، والصبي لا يملك
الكفالة ولا يملك التصرف إلا بإذن الولي.
قال:
"ولا بين المسلم والكافر"
وهذا قول أبي حنيفة ومحمد. وقال أبو يوسف:
يجوز للتساوي بينهما في الوكالة والكفالة، ولا
معتبر بزيادة تصرف يملكه أحدهما كالمفاوضة بين
الشفعوي والحنفي فإنها جائزة. ويتفاوتان في
التصرف في متروك التسمية، إلا أنه يكره لأن
الذمي لا يهتدي إلى الجائز من العقود. ولهما
أنه لا تساوي في التصرف، فإن الذمي لو اشترى
برأس المال خمورا أو خنازير صح، ولو اشتراها
مسلم لا يصح
"ولا يجوز بين العبدين ولا بين الصبيين ولا
بين المكاتبين" لانعدام صحة
الكفالة، وفي كل موضع لم تصح المفاوضة لفقد
شرطها، ولا يشترط ذلك في العنان كان عنانا
لاستجماع شرائط العنان، إذ هو قد يكون خاصا
وقد يكون عاما.
قال:
"وتنعقد على الوكالة والكفالة"
أما الوكالة فلتحقق المقصود وهو الشركة في
المال على ما بيناه، وأما الكفالة: فلتحقق
المساواة فيما هو من مواجب التجارات وهو توجه
المطالبة نحوهما جميعا.
قال:
"وما يشتريه كل واحد منهما يكون على الشركة
إلا طعام أهله وكسوتهم" وكذا
كسوته، وكذا الإدام لأن مقتضى العقد المساواة،
وكل واحد منهما قائم مقام صاحبه في التصرف،
وكان شراء أحدهما كشرائهما، إلا ما استثناه في
الكتاب، وهو استحسان لأنه مستثنى عن المفاوضة
للضرورة، فإن الحاجة الراتبة معلومة الوقوع،
ولا يمكن إيجابه على صاحبه ولا التصرف من
ماله، ولا بد من الشراء فيختص به ضرورة.
والقياس أن يكون على الشركة لما بينا
"وللبائع أن يأخذ بالثمن أيهما شاء"
المشتري بالأصالة وصاحبه بالكفالة
ج / 3 ص -7-
ويرجع الكفيل على المشتري بحصته مما أدى لأنه
قضى دينا عليه من مال مشترك بينهما.
قال
"وما يلزم كل واحد منهما من الديون بدلا عما
يصح فيه الاشتراك فالآخر ضامن له"
تحقيقا للمساواة، فمما يصح الاشتراك فيه
الشراء والبيع والاستئجار، ومن القسم الآخر
الجناية والنكاح والخلع والصلح عن دم العمد
وعن النفقة.
قال
"ولو كفل أحدهما بمال عن أجنبي لزم صاحبه عند
أبي حنيفة، وقالا: لا يلزمه"
لأنه تبرع، ولهذا لا يصح من الصبي والعبد
المأذون والمكاتب، ولو صدر من المريض يصح من
الثلث وصار كالإقراض والكفالة بالنفس. ولأبي
حنيفة أنه تبرع ابتداء ومعاوضة بقاء لأنه
يستوجب الضمان بما يؤدي على المكفول عنه إذا
كانت الكفالة بأمره، فبالنظر إلى البقاء
تتضمنه المفاوضة، وبالنظر إلى الابتداء لم تصح
ممن ذكره وتصح من الثلث من المريض، بخلاف
الكفالة بالنفس لأنها تبرع ابتداء وانتهاء.
وأما الإقراض فعن أبي حنيفة أنه يلزم صاحبه،
ولو سلم فهو إعارة فيكون لمثلها حكم عينها لا
حكم البدل حتى لا يصح فيه الأجل فلا يتحقق
معاوضة، ولو كانت الكفالة بغير أمره لم تلزم
صاحبه في الصحيح لانعدام معنى المفاوضة. ومطلق
الجواب في الكتاب محمول على المقيد، وضمان
الغصب والاستهلاك بمنزلة الكفالة عند أبي
حنيفة لأنه معاوضة انتهاء.
قال
"وإن ورث أحدهما ما لا يصح فيه الشركة أو وهب
له ووصل إلى يده بطلت المفاوضة وصارت عنانا"
لفوات المساواة فيما يصلح رأس المال إذ هي شرط
فيه ابتداء وبقاء، وهذا لأن الآخر لا يشاركه
فيما أصابه لانعدام السبب في حقه، إلا أنها
تنقلب عنانا للإمكان، فإن المساواة ليست بشرط
فيه، ولدوامه حكم الابتداء لكونه غير لازم
"وإن ورث أحدهما عرضا فهو له ولا تفسد
المفاوضة" وكذا العقار لأنه
لا تصح فيه الشركة فلا تشترط المساواة فيه.
فصل: "ولا تنعقد
الشركة إلا بالدراهم والدنانير والفلوس
النافقة"
وقال مالك: تجوز بالعروض والمكيل والموزون
أيضا إذا كان الجنس واحدا؛ لأنها عقدت على رأس
مال معلوم فأشبه النقود، بخلاف المضاربة لأن
القياس يأباها لما فيها من ربح ما لم يضمن.
فيقتصر على مورد الشرع. ولنا أنه يؤدي إلى ربح
ما لم يضمن؛ لأنه إذا باع كل واحد منهما رأس
ماله وتفاضل الثمنان فما يستحقه أحدهما من
الزيادة في مال صاحبه ربح ما لم
ج / 3 ص -8-
يملك وما لم يضمن، بخلاف الدراهم والدنانير
لأن ثمن ما يشتريه في ذمته إذ هي لا تتعين
فكان ربح ما يضمن، ولأن أول التصرف في العروض
البيع وفي النقود الشراء، وبيع أحدهما ماله
على أن يكون الآخر شريكا في ثمنه لا يجوز،
وشراء أحدهما شيئا بماله على أن يكون المبيع
بينه وبين غيره جائز. وأما الفلوس النافقة
فلأنها تروج رواج الأثمان فالتحقت بها. قالوا:
هذا قول محمد لأنها ملحقة بالنقود عنده حتى لا
تتعين بالتعيين، ولا يجوز بيع اثنين بواحد
بأعيانها على ما عرف، أما عند أبي حنيفة وأبي
يوسف رحمهما الله تعالى لا تجوز الشركة
والمضاربة بها لأن ثمنيتها تتبدل ساعة فساعة
وتصير سلعة. وروي عن أبي يوسف مثل قول محمد،
والأول أقيس وأظهر، وعن أبي حنيفة صحة
المضاربة بها.
قال:
"ولا تجوز الشركة بما سوى ذلك إلا أن يتعامل
الناس بالتبر" والنقرة فتصح
الشركة بهما، هكذا ذكر في الكتاب
"وفي الجامع الصغير: ولا تكون المفاوضة
بمثاقيل ذهب أو فضة" ومراده
التبر، فعلى هذه الرواية التبر سلعة تتعين
بالتعيين فلا تصلح رأس المال في المضاربات
والشركات. وذكر في كتاب الصرف أن النقرة لا
تتعين بالتعيين حتى لا ينفسخ العقد بها بهلاكه
قبل التسليم، فعلى تلك الرواية تصلح رأس المال
فيهما، وهذا لما عرف أنهما خلقا ثمنين في
الأصل، إلا أن الأول أصح؛ لأنها وإن خلقت
للتجارة في الأصل لكن الثمنية تختص بالضرب
المخصوص؛ لأن عند ذلك لا تصرف إلى شيء آخر
ظاهرا إلا أن يجري التعامل باستعمالهما ثمنا
فنزل التعامل بمنزلة الضرب فيكون ثمنا ويصلح
رأس المال. ثم قوله ولا تجوز بما سوى ذلك
يتناول المكيل والموزون والعددي المتقارب، ولا
خلاف فيه بيننا قبل الخلط، ولكل واحد منهما
ربح متاعه وعليه وضيعته، وإن خلطا ثم اشتركا
فكذلك في قول أبي يوسف، والشركة شركة ملك لا
شركة عقد. وعند محمد تصح شركة العقد. وثمرة
الاختلاف تظهر عند التساوي في المالين واشتراط
التفاضل في الربح، فظاهر الرواية ما قاله أبو
يوسف رحمه الله لأنه يتعين بالتعيين بعد الخلط
كما تعين قبله. ولمحمد أنها ثمن من وجه حتى
جاز البيع بها دينا في الذمة. ومبيع من حيث
إنه يتعين بالتعيين، فعملنا بالشبهين بالإضافة
إلى الحالين، بخلاف العروض؛ لأنها ليست ثمنا
بحال ولو اختلفا جنسا كالحنطة والشعير والزيت
والسمن فخلطا لا تنعقد الشركة بها بالاتفاق.
والفرق لمحمد أن المخلوط من جنس واحد من ذوات
الأمثال، ومن جنسين من ذوات القيم فتتمكن
الجهالة كما في العروض، وإذا لم تصح الشركة
فحكم الخلط قد بيناه في كتاب القضاء.
ج / 3 ص -9-
قال:
"وإذا أراد الشركة بالعروض باع كل واحد منهما
نصف ماله بنصف مال الآخر، ثم عقد الشركة"
قال رضي الله عنه: "وهذه
الشركة ملك" لما بينا أن
العروض لا تصلح رأس مال الشركة، وتأويله إذا
كان قيمة متاعهما على السواء، ولو كان بينهما
تفاوت يبيع صاحب الأقل بقدر ما تثبت به
الشركة.
قال:
"وأما شركة العنان فتنعقد على الوكالة دون
الكفالة، وهي أن يشترك اثنان في نوع بر أو
طعام، أو يشتركان في عموم التجارات ولا يذكران
الكفالة"، وانعقاده على
الوكالة لتحقق مقصوده كما بيناه، ولا تنعقد
على الكفالة؛ لأن اللفظ مشتق من الأعراض يقال
عن له: أي عرض، وهذا لا ينبئ عن الكفالة وحكم
التصرف لا يثبت بخلاف مقتضى اللفظ.
"ويصح التفاضل في المال"
للحاجة إليه وليس من قضية اللفظ المساواة.
"ويصح أن يتساويا في المال ويتفاضلا في الربح"
وقال زفر والشافعي: لا تجوز لأن التفاضل فيه
يؤدي إلى ربح ما لم يضمن، فإن المال إذا كان
نصفين والربح أثلاثا فصاحب الزيادة يستحقها
بلا ضمان، إذ الضمان بقدر رأس المال، ولأن
الشركة عندهما في الربح للشركة في الأصل،
ولهذا يشترطان الخلط، فصار ربح المال بمنزلة
نماء الأعيان فيستحق بقدر الملك في الأصل.
ولنا قوله صلى الله عليه وآله وسلم:
"الربح على ما شرطا، والوضيعة على قدر المالين" ولم يفصل، ولأن الربح كما يستحق بالمال يستحق بالعمل كما في
المضاربة؛ وقد يكون أحدهما أحذق وأهدى وأكثر
عملا وأقوى فلا يرضى بالمساواة فمست الحاجة
إلى التفاضل، بخلاف اشتراط جميع الربح لأحدهما
لأنه يخرج العقد به من الشركة ومن المضاربة
أيضا إلى قرض باشتراطه للعامل أو إلى بضاعة
باشتراطه لرب المال، وهذا العقد يشبه المضاربة
من حيث إنه يعمل في مال الشريك، ويشبه الشركة
اسما وعملا فإنهما يعملان فعملنا بشبه
المضاربة. وقلنا: يصح اشتراط الربح من غير
ضمان ويشبه الشركة حتى لا تبطل باشتراط العمل
عليها.
قال:
"ويجوز أن يعقدها كل واحد منهما ببعض ماله دون
البعض" لأن المساواة في المال
ليست بشرط فيه إذ اللفظ لا يقتضيه
"ولا يصح إلا بما بينا" أن
المفاوضة تصح به للوجه الذي ذكرناه
"ويجوز أن يشتركا ومن جهة أحدهما دنانير ومن
الآخر دراهم، وكذا من أحدهما دراهم بيض ومن
الآخر سود" وقال زفر
والشافعي: لا يجوز، وهذا بناء على اشتراط
الخلط وعدمه فإن عندهما شرط ولا يتحقق ذلك في
مختلفي الجنس، وسنبينه من بعد إن شاء الله
تعالى.
ج / 3 ص -10-
قال:
"وما اشتراه كل واحد منهما للشركة طولب بثمنه
دون الآخر لما بينا" أنه
يتضمن الوكالة دون الكفالة، والوكيل هو الأصل
في الحقوق.
قال:
"ثم يرجع على شريكه بحصته منه"
معناه إذا أدى من مال نفسه؛ لأنه وكيل من جهته
في حصته فإذا نقد من مال نفسه رجع عليه، فإن
كان لا يعرف ذلك إلا بقوله فعليه الحجة؛ لأنه
يدعي وجوب المال في ذمة الآخر وهو ينكر،
والقول للمنكر مع يمينه.
قال:
"وإذا هلك مال الشركة أو أحد المالين قبل أن
يشتريا شيئا بطلت الشركة" لأن
المعقود عليه في عقد الشركة المال، فإنه يتعين
فيه كما في الهبة والوصية، وبهلاك المعقود
عليه يبطل العقد كما في البيع، بخلاف المضاربة
والوكالة المفردة؛ لأنه لا يتعين الثمنان
فيهما بالتعيين، وإنما يتعينان بالقبض على ما
عرف، وهذا ظاهر فيما إذا هلك المالان، وكذا
إذا هلك أحدهما؛ لأنه ما رضي بشركة صاحبه في
ماله إلا ليشركه في ماله، فإذا فات ذلك لم يكن
راضيا بشركته فيبطل العقد لعدم فائدته، وأيهما
هلك هلك من مال صاحبه؛ إن هلك في يده فظاهر،
وكذا إذا كان هلك في يد الآخر لأنه أمانة في
يده، بخلاف ما بعد الخلط حيث يهلك على الشركة؛
لأنه لا يتميز فيجعل الهالك من المالين.
"وإن اشترى أحدهما بماله وهلك مال الآخر قبل
الشراء فالمشترى بينهما على ما شرطا"
لأن الملك حين وقع وقع مشتركا بينهما لقيام
الشركة وقت الشراء فلا يتغير الحكم بهلاك مال
الآخر بعد ذلك، ثم الشركة شركة عقد عند محمد
خلافا للحسن بن زياد، حتى إن أيهما باع جاز
بيعه؛ لأن الشركة قد تمت في المشترى فلا ينتقض
بهلاك المال بعد تمامها.
قال:
"ويرجع على شريكه بحصة من ثمنه"
لأنه اشترى نصفه بوكالته ونقد الثمن من مال
نفسه وقد بيناه، هذا إذا اشترى أحدهما بأحد
المالين أولا ثم هلك مال الآخر. أما إذا هلك
مال أحدهما ثم اشترى الآخر بمال الآخر، إن
صرحا بالوكالة في عقد الشركة فالمشترى مشترك
بينهما على ما شرطا؛ لأن الشركة إن بطلت
فالوكالة المصرح بها قائمة فكان مشتركا بحكم
الوكالة، ويكون شركة ملك ويرجع على شريكه
بحصته من الثمن لما بيناه، وإن ذكرا مجرد
الشركة ولم ينصا على الوكالة فيها كان المشترى
للذي اشتراه خاصة؛ لأن الوقوع على الشركة حكم
الوكالة التي تضمنتها الشركة، فإذا بطلت يبطل
ما في ضمنها، بخلاف ما إذا صرح بالوكالة لأنها
مقصودة.
قال:
"وتجوز الشركة وإن لم يخلطا المال"
وقال زفر والشافعي: لا تجوز لأن الربح فرع
المال، ولا يقع الفرع على الشركة إلا بعد
الشركة في الأصل وأنه
ج / 3 ص -11-
بالخلط، وهذا لأن المحل هو المال ولهذا يضاف
إليه، ويشترط تعيين رأس المال، بخلاف
المضاربة؛ لأنها ليست بشركة، وإنما هو يعمل
لرب المال فيستحق الربح عمالة على عمله، أما
هنا بخلافه، وهذا أصل كبير لهما حتى يعتبر
اتحاد الجنس. ويشترط الخلط ولا يجوز التفاضل
في الربح مع التساوي في المال.
ولا تجوز شركة التقبل والأعمال لانعدام المال.
ولنا أن الشركة في الربح مستندة إلى العقد دون
المال؛ لأن العقد يسمى شركة فلا بد من تحقق
معنى هذا الاسم فيه فلم يكن الخلط شرطا، ولأن
الدراهم والدنانير لا يتعينان فلا يستفاد
الربح برأس المال، وإنما يستفاد بالتصرف لأنه
في النصف أصيل وفي النصف وكيل. وإذا تحققت
الشركة في التصرف بدون الخلط تحققت في
المستفاد به وهو الربح بدونه، وصار كالمضاربة
فلا يشترط اتحاد الجنس والتساوي في الربح،
وتصح شركة التقبل.
قال:
"ولا تجوز الشركة إذا شرط لأحدهما دراهم مسماة
من الربح" لأنه شرط يوجب
انقطاع الشركة فعساه لا يخرج إلا قدر المسمى
لأحدهما، ونظيره في المزارعة.
قال:
"ولكل واحد من المتفاوضين وشريكي العنان أن
يبضع المال" لأنه معتاد في
عقد الشركة، ولأن له أن يستأجر على العمل،
والتحصيل بغير عوض دونه فيملكه، وكذا له أن
يودعه لأنه معتاد ولا يجد التاجر منه بدا.
قال:
"ويدفعه مضاربة"؛ لأنها دون
الشركة فتتضمنها. وعن أبي حنيفة أنه ليس له
ذلك لأنه نوع شركة، والأصح هو الأول، وهو
رواية الأصل؛ لأن الشركة غير مقصودة، وإنما
المقصود تحصيل الربح كما إذا استأجره بأجر بل
أولى؛ لأنه تحصيل بدون ضمان في ذمته، بخلاف
الشركة حيث لا يملكها لأن الشيء لا يستتبع
مثله.
قال:
"ويوكل من يتصرف فيه" لأن
التوكيل بالبيع والشراء من توابع التجارة
والشركة انعقدت للتجارة، بخلاف الوكيل بالشراء
حيث لا يملك أن يوكل غيره لأنه عقد خاص طلب
منه تحصيل العين فلا يستتبع مثله.
قال:
"ويده في المال يد أمانة"
لأنه قبض المال بإذن المالك لا على وجه البدل
والوثيقة فصار كالوديعة.
قال:
"وأما شركة الصنائع" وتسمى
شركة التقبل
"كالخياطين والصباغين يشتركان على أن
يتقبلا الأعمال ويكون الكسب بينهما فيجوز ذلك"
وهذا عندنا. وقال زفر والشافعي: لا تجوز لأن
هذه شركة لا تفيد مقصودها وهو التثمير؛ لأنه
لا بد من رأس المال، وهذا لأن الشركة في الربح
تبتنى على الشركة في المال على أصلهما على ما
قررناه.
ج / 3 ص -12-
ولنا
أن المقصود منه التحصيل وهو ممكن بالتوكيل،
لأنه لما كان وكيلا في النصف أصيلا في النصف
تحققت الشركة في المال المستفاد ولا يشترط فيه
اتحاد العمل والمكان خلافا لمالك وزفر فيهما؛
لأن المعنى المجوز للشركة وهو ما ذكرناه لا
يتفاوت.
"ولو شرطا العمل نصفين والمال أثلاثا جاز"
وفي القياس: لا يجوز؛ لأن الضمان بقدر العمل،
فالزيادة عليه ربح ما لم يضمن فلم يجز العقد
لتأديته إليه، وصار كشركة الوجوه، ولكنا نقول:
ما يأخذه لا يأخذه ربحا لأن الربح عند اتحاد
الجنس، وقد اختلف لأن رأس المال عمل والربح
مال فكان بدل العمل والعمل يتقوم بالتقويم
فيتقدر بقدر ما قوم به فلا يحرم، بخلاف شركة
الوجوه؛ لأن جنس المال متفق والربح يتحقق في
الجنس المتفق، وربح ما لم يضمن لا يجوز إلا في
المضاربة.
قال:
"وما يتقبله كل واحد منهما من العمل يلزمه
ويلزم شريكه" حتى إن كل واحد
منهما يطالب بالعمل ويطالب بالأجر
"ويبرأ الدافع بالدفع إليه"
وهذا ظاهر في المفاوضة وفي غيرها استحسان.
والقياس خلاف ذلك لأن الشركة وقعت مطلقة
والكفالة مقتضى المفاوضة. وجه الاستحسان أن
هذه الشركة مقتضية للضمان؛ ألا ترى أن ما
يتقبله كل واحد منهما من العمل مضمون على
الآخر، ولهذا يستحق الأجر بسبب نفاذ تقبله
عليه فجرى مجرى المفاوضة في ضمان العمل
واقتضاء البدل.
قال:
"وأما شركة الوجوه فالرجلان يشتركان ولا مال
لهما على أن يشتريا بوجوههما ويبيعا فتصح
الشركة على هذا" سميت به لأنه
لا يشتري بالنسيئة إلا من كان له وجاهة عند
الناس، وإنما تصح مفاوضة لأنه يمكن تحقيق
الكفالة والوكالة في الأبدال، وإذا أطلقت تكون
عنانا لأن مطلقه ينصرف إليه وهي جائزة عندنا
خلافا للشافعي، والوجه من الجانبين ما قدمناه
في شركة التقبل.
قال:
"وكل واحد منهما وكيل الآخر فيما يشتريه"
لأن التصرف على الغير لا يجوز إلا بوكالة أو
بولاية ولا ولاية فتتعين الوكالة "فإن شرطا أن المشترى بينهما نصفان
والربح كذلك يجوز، ولا يجوز أن يتفاضلا فيه،
وإن شرطا أن يكون المشترى بينهما أثلاثا
فالربح كذلك"، وهذا لأن الربح
لا يستحق إلا بالمال أو العمل أو بالضمان فرب
المال يستحقه بالمال، والمضارب يستحقه بالعمل،
والأستاذ الذي يلقي العمل على التلميذ بالنصف
بالضمان، ولا يستحق بما سواها؛ ألا ترى أن من
قال لغيره تصرف في مالك على أن لي ربحه لم يحز
ج / 3 ص -13-
لعدم
هذه المعاني. واستحقاق الربح في شركة الوجوه
بالضمان على ما بينا والضمان على قدر الملك في
المشترى وكان الربح الزائد عليه ربح ما لم
يضمن فلا يصح اشتراطه إلا في المضاربة والوجوه
ليست في معناها، بخلاف العنان؛ لأنه في معناها
من حيث أن كل واحد منهما يعمل في مال صاحبه
فيلحق بها، والله أعلم.
فصل: في الشركة
الفاسدة
"ولا تجوز الشركة في الاحتطاب والاصطياد، وما
اصطاده كل واحد منهما أو احتطبه فهو له دون
صاحبه"، وعلى هذا الاشتراك في
أخذ كل شيء مباح؛ لأن الشركة متضمنة معنى
الوكالة، والتوكيل في أخذ المال المباح باطل
لأن أمر الموكل به غير صحيح، والوكيل يملكه
بدون أمره فلا يصلح نائبا عنه، وإنما يثبت
الملك لهما بالأخذ وإحراز المباح، فإن أخذاه
معا فهو بينهما نصفان لاستوائهما في سبب
الاستحقاق، وإن أخذه أحدهما ولم يعمل الآخر
شيئا فهو للعامل، وإن عمل أحدهما وأعانه الآخر
في عمله بأن قلعه أحدهما وجمعه الآخر، أو قلعه
وجمعه وحمله الآخر فللمعين أجر المثل بالغا ما
بلغ عند محمد. وعند أبي يوسف لا يجاوز به نصف
ثمن ذلك، وقد عرف في موضعه.
قال:
"وإذا اشتركا ولأحدهما بغل وللآخر راوية يستقي
عليها الماء فالكسب بينهما لم تصح الشركة،
والكسب كله للذي استقى، وعليه أجر مثل الراوية
إن كان العامل صاحب البغل، وإن كان صاحب
الراوية فعليه أجر مثل البغل"
أما فساد الشركة فلانعقادها على إحراز المباح
وهو الماء، وأما وجوب الأجر فلأن المباح إذا
صار ملكا للمحرز وهو المستقي، وقد استوفى
منافع ملك الغير وهو البغل أو الراوية بعقد
فاسد فيلزمه أجره
"وكل شركة فاسدة فالربح فيهما على قدر المال،
ويبطل شرط التفاضل" لأن الربح
فيه تابع للمال فيتقدر بقدره، كما أن الريع
تابع للبذر في الزراعة، والزيادة إنما تستحق
بالتسمية، وقد فسدت فبقي الاستحقاق على قدر
رأس المال
"وإذا مات أحد الشريكين أو ارتد ولحق
بدار الحرب بطلت الشركة"
لأنها تتضمن الوكالة، ولا بد منها لتتحقق
الشركة على ما مر، والوكالة تبطل بالموت، وكذا
بالالتحاق مرتدا إذا قضى القاضي بلحاقه؛ لأنه
بمنزلة الموت على ما بيناه من قبل، ولا فرق
بين ما إذا علم الشريك بموت صاحبه أو لم يعلم؛
لأنه عزل حكمي، وإذا بطلت الوكالة بطلت
الشركة، بخلاف ما إذا فسخ أحد الشريكين الشركة
ومال الشركة دراهم ودنانير حيث يتوقف على علم
الآخر لأنه عزل قصدي، والله أعلم.
ج / 3 ص -14-
فصل: "وليس لأحد الشريكين أن يؤدي زكاة مال
الآخر إلا بإذنه"
لأنه ليس من
جنس التجارة،
"فإن أذن كل واحد منهما لصاحبه أن يؤدي زكاته.
فإن أدى كل واحد منهما فالثاني ضامن علم بأداء
الأول أو لم يعلم"، وهذا عند
أبي حنيفة. وقالا: لا يضمن إذا لم يعلم وهذا
إذا أديا على التعاقب، أما إذا أديا معا ضمن
كل واحد منهما نصيب صاحبه. وعلى هذا الاختلاف
المأمور بأداء الزكاة إذا تصدق على الفقير
بعدما أدى الآمر بنفسه. لهما أنه مأمور
بالتمليك من الفقير، وقد أتى به فلا يضمن
للموكل، وهذا لأن في وسعه التمليك لا وقوعه
زكاة لتعلقه بنية الموكل، وإنما يطلب منه ما
في وسعه وصار كالمأمور بذبح دم الإحصار إذا
ذبح بعدما زال الإحصار وحج الآمر لم يضمن
المأمور علم أو لا. ولأبي حنيفة أنه مأمور
بأداء الزكاة والمؤدى لم يقع زكاة فصار
مخالفا، وهذا لأن المقصود من الأمر إخراج نفسه
عن عهدة الواجب؛ لأن الظاهر أنه لا يلتزم
الضرر إلا لدفع الضرر، وهذا المقصود حصل
بأدائه وعرى أداء المأمور عنه فصار معزولا علم
أو لم يعلم؛ لأنه عزل حكمي. وأما دم الإحصار
فقد قيل هو على هذا الاختلاف، وقيل بينهما
فرق. ووجهه أن الدم ليس بواجب عليه فإنه يمكنه
أن يصبر حتى يزول الإحصار. وفي مسألتنا الأداء
واجب فاعتبر الإسقاط مقصودا فيه دون دم
الإحصار.
قال:
"وإذا أذن أحد المتفاوضين لصاحبه أن يشتري
جارية فيطأها ففعل فهي له بغير شيء عند أبي
حنيفة، وقالا: يرجع عليه بنصف الثمن"
لأنه أدى دينا عليه خاصة من مال مشترك فيرجع
عليه صاحبه بنصيبه كما في شراء الطعام والكسوة
"وهذا" لأن الملك واقع له خاصة والثمن بمقابلة
الملك. وله أن الجارية دخلت في الشركة على
البتات جريا على مقتضى الشركة إذ هما لا
يملكان تغييره فأشبه حال عدم الإذن، غير أن
الإذن يتضمن هبة نصيبه منه؛ لأن الوطء لا يحل
إلا بالملك، ولا وجه إلى إثباته بالبيع لما
بينا أنه مخالف مقتضى الشركة فأثبتناه بالهبة
الثابتة في ضمن الإذن، بخلاف الطعام والكسوة؛
لأن ذلك مستثنى عنها للضرورة فيقع الملك له
خاصة بنفس العقد فكان مؤديا دينا عليه من مال
الشركة. وفي مسألتنا قضى دينا عليهما لما بينا
"وللبائع أن يأخذ بالثمن أيهما شاء"
بالاتفاق لأنه دين وجب بسبب التجارة،
والمفاوضة تضمنت الكفالة فصار كالطعام
والكسوة. |