متن
بداية المبتدي في فقه الإمام أبي حنيفة = كتاب الشَّهَادَات
الشَّهَادَة فرض تلْزم الشُّهُود وَلَا يسعهم كتمانها إِذا طالبهم
الْمُدَّعِي وَالشَّهَادَة فِي الْحُدُود يُخَيّر فِيهَا الشَّاهِد بَين
السّتْر والإظهار والستر أفضل إِلَّا أَنه يجب أَن يشْهد بِالْمَالِ فِي
السّرقَة فَيَقُول أَخذ وَلَا يَقُول سرق وَالشَّهَادَة على مَرَاتِب
مِنْهَا الشَّهَادَة فِي الزِّنَا يعْتَبر فِيهَا أَرْبَعَة من الرِّجَال
وَلَا تقبل فِيهَا شَهَادَة النِّسَاء وَمِنْهَا الشَّهَادَة
(1/153)
بِبَقِيَّة الْحُدُود وَالْقصاص تقبل
فِيهَا شَهَادَة رجلَيْنِ وَلَا تقبل فِيهَا شَهَادَة النِّسَاء وَمَا سوى
ذَلِك من الْحُقُوق يقبل فِيهَا شَهَادَة رجلَيْنِ أَو رجل وَامْرَأَتَيْنِ
سَوَاء كَانَ الْحق مَالا أَو غير مَال وَتقبل فِي الْولادَة والبكارة
والعيوب بِالنسَاء فِي مَوضِع لَا يطلع عَلَيْهِ الرِّجَال شَهَادَة
امْرَأَة وَاحِدَة وَلَا بُد فِي ذَلِك كُله من الْعَدَالَة وَلَفْظَة
الشَّهَادَة فَإِن لم يذكر الشَّاهِد لَفْظَة الشَّهَادَة وَقَالَ أعلم أَو
أتيقن لم تقبل شَهَادَته قَالَ أَبُو حنيفَة يقْتَصر الْحَاكِم على ظَاهر
الْعَدَالَة فِي الْمُسلم وَلَا يسْأَل عَن حَال الشُّهُود حَتَّى يطعن
الْخصم إِلَّا فِي الْحُدُود وَالْقصاص فَإِنَّهُ يسْأَل عَن الشُّهُود
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد رحمهمَا الله لَا بُد أَن يسْأَل عَنْهُم
فِي السِّرّ وَالْعَلَانِيَة فِي سَائِر الْحُقُوق ثمَّ التَّزْكِيَة فِي
السِّرّ أَن يبْعَث المستورة إِلَى الْمعدل فِيهَا النّسَب والحلى والمصلى
ويردها الْمعدل وَفِي الْعَلَانِيَة لَا بُد أَن يجمع بَين الْمعدل
وَالشَّاهِد وَفِي قَول من رأى أَن يسْأَل عَن الشُّهُود لم يقبل قَول
الْخصم أَنه عدل وَإِذا كَانَ رَسُول القَاضِي الَّذِي يسْأَل عَن
الشُّهُود وَاحِدًا جَازَ والإثنان أفضل وَلَا يشْتَرط أَهْلِيَّة
الشَّهَادَة فِي المزكى فِي تَزْكِيَة السِّرّ
فصل
وَمَا يتحمله الشَّاهِد على ضَرْبَيْنِ أَحدهمَا مَا يثبت حكمه بِنَفسِهِ
مثل البيع وَالْإِقْرَار وَالْغَصْب وَالْقَتْل وَحكم الْحَاكِم فَإِذا سمع
ذَلِك الشَّاهِد أَو رَآهُ وَسعه أَن يشْهد عَلَيْهِ وَيَقُول أشهد أَنه
بَاعَ وَلَا يَقُول أشهدني وَلَو سمع من وَرَاء الْحجاب لَا يجوز لَهُ أَن
يشْهد وَلَو فسر للْقَاضِي لَا يقبله إِلَّا إِذا كَانَ دخل الْبَيْت وَعلم
أَنه لَيْسَ فِيهِ أحد سواهُ ثمَّ جلس على الْبَاب وَلَيْسَ فِي الْبَيْت
مَسْلَك غَيره فَسمع إِقْرَار الدَّاخِل وَلَا يرَاهُ لَهُ أَن يشْهد
وَمِنْه مَالا يثبت حكمه فِيهِ بِنَفسِهِ مثل الشَّهَادَة على الشَّهَادَة
فَإِذا سمع شَاهدا يشْهد بِشَيْء لم يجز لَهُ أَن يشْهد على شَهَادَته
إِلَّا أَن يشهده عَلَيْهَا وَكَذَا لَو سَمعه يشْهد الشَّاهِد على
شَهَادَته لم يسع السَّامع أَن يشْهد وَلَا يحل للشَّاهِد إِذا رأى خطه أَن
يشْهد إِلَّا أَن يتَذَكَّر الشَّهَادَة وَلَا يجوز للشَّاهِد أَن يشْهد
بِشَيْء لم يعاينه إِلَّا النّسَب وَالْمَوْت وَالنِّكَاح وَالدُّخُول
(1/154)
وَولَايَة القَاضِي فَإِنَّهُ يَسعهُ أَن
يشْهد بِهَذِهِ الْأَشْيَاء إِذا أخبرهُ بهَا من يَثِق بِهِ وَمن كَانَ فِي
يَده شَيْء سوى العَبْد وَالْأمة وسعك أَن تشهد أَنه لَهُ
بَاب من تقبل شَهَادَته وَمن لَا تقبل
وَلَا تقبل شَهَادَة الْأَعْمَى وَلَا الْمَمْلُوك وَلَا الْمَحْدُود فِي
الْقَذْف وَإِن تَابَ وَلَو حد الْكَافِر فِي قذف ثمَّ أسلم تقبل شَهَادَته
وَلَا تقبل شَهَادَة الْوَالِد لوَلَده وَولده ووالده وَلَا شَهَادَة
الْوَلَد لِأَبَوَيْهِ وأجداده وَلَا تقبل شَهَادَة أحد الزَّوْجَيْنِ
للْآخر وَلَا شَهَادَة الْمولى لعَبْدِهِ وَلَا لمكاتبه وَلَا شَهَادَة
الشَّرِيك لشَرِيكه فِيمَا هُوَ من شركتهما وَتقبل شَهَادَة الرجل
لِأَخِيهِ وَعَمه وَلَا تقبل شَهَادَة مخنث وَلَا نائحة وَلَا مغنية وَلَا
مدمن الشّرْب على اللَّهْو وَلَا من يلْعَب بالطيور وَلَا من يُغني للنَّاس
وَلَا من يَأْتِي بَابا من الْكَبَائِر الَّتِي يتَعَلَّق بهَا الْحَد
وَلَا من يدْخل الْحمام من غير إِزَار أَو يَأْكُل الرِّبَا أَو يقامر
بالنرد وَالشطْرَنْج وَلَا من يفعل الْأَفْعَال المستحقرة كالبول على
الطَّرِيق وَالْأكل على الطَّرِيق وَلَا تقبل شَهَادَة من يظْهر سبّ السّلف
وَتقبل شَهَادَة أهل الْأَهْوَاء إِلَّا الخطابية وَتقبل شَهَادَة أهل
الذِّمَّة بَعضهم على بعض وَإِن اخْتلفت مللهم وَلَا تقبل شَهَادَة
الْحَرْبِيّ على الذِّمِّيّ وَتقبل شَهَادَة المستأمنين بَعضهم على بعض
إِذا كَانُوا من أهل دَار وَاحِدَة فَإِن كَانُوا من دارين كالروم
وَالتّرْك لَا تقبل وَإِن كَانَت الْحَسَنَات أغلب من السَّيِّئَات وَالرجل
مِمَّن يجْتَنب الْكَبَائِر قبلت شَهَادَته وَإِن ألم بِمَعْصِيَة وَتقبل
شَهَادَة الأقلف والخصي وَولد الزِّنَا وَشَهَادَة الْخُنْثَى جَائِزَة
وَشَهَادَة الْعمَّال جَائِزَة وَإِذا شهد الرّجلَانِ أَن أباهما أوصى
إِلَى فلَان وَالْوَصِيّ يدعى ذَلِك فَهُوَ جَائِز استحساناوإن أنكر
الْوَصِيّ لم يجز وَإِن شَهدا أَن أباهما الْغَائِب وَكله بِقَبض دُيُونه
بِالْكُوفَةِ فَادّعى الْوَكِيل أَو أنكرهُ لم تقبل شَهَادَتهمَا وَلَا
يسمع القَاضِي الشَّهَادَة على جرح مُجَرّد وَلَا يحكم بذلك إِلَّا إِذا
شهدُوا على إِقْرَار الْمُدَّعِي بذلك تقبل وَلَو أَقَامَ الْمُدَّعِي
الْبَيِّنَة أَن الْمُدعى اسْتَأْجر الشُّهُود لم تقبل وَمن شهد وَلم يبرح
حَتَّى قَالَ أوهمت بعض شهادتي فَإِن كَانَ عدلا جَازَت شَهَادَته
(1/155)
بَاب الِاخْتِلَاف فِي الشَّهَادَة
الشَّهَادَة إِذا وَافَقت الدَّعْوَى قبلت وَإِن خالفتها لم تقبل وَيعْتَبر
اتِّفَاق الشَّاهِدين فِي اللَّفْظ وَالْمعْنَى عِنْد أبي حنيفَة فَإِن شهد
أَحدهمَا بِأَلف وَالْآخر بِأَلفَيْنِ لم تقبل الشَّهَادَة عِنْده
وَعِنْدَهُمَا تقبل على الْألف إِذا كَانَ الْمُدَّعِي يَدعِي هَذَا
الْأَلفَيْنِ وعَلى الْمِائَة والمائتان والطلقة والطلقتان وَالثَّلَاث
وَإِن شهد أَحدهمَا بِأَلف وَالْآخر بِأَلف وَخَمْسمِائة وَالْمُدَّعِي
يَدعِي ألفا وَخَمْسمِائة قبلت الشَّهَادَة على الْألف وَنَظِيره الطَّلقَة
والطلقة وَالنّصف وَالْمِائَة وَالْمِائَة وَالْخَمْسُونَ وَإِن قَالَ
الْمُدَّعِي لم يكن لي عَلَيْهِ إِلَّا الْألف فشهادة الَّذِي شهد بِالْألف
والخمسمائة بَاطِلَة وَإِذا شَهدا بِأَلف وَقَالَ أَحدهمَا قَضَاهُ مِنْهَا
خَمْسمِائَة قبلت شَهَادَتهمَا بِالْألف وَلم يسمع قَوْله أَنه قَضَاهُ
خَمْسمِائَة إِلَّا أَن يشْهد مَعَه آخر وَيَنْبَغِي للشَّاهِد أَن لَا
يشْهد بِأَلف حَتَّى يقر الْمُدَّعِي أَنه قبض خَمْسمِائَة وَقَالَ فِي
الْجَامِع الصَّغِير رجلَانِ شَهدا على رجل بقرض ألف دِرْهَم فَشهد
أَحدهمَا أَنه قد قَضَاهَا فالشهادة جَائِزَة على الْقَرْض وَإِذا شهد
شَاهِدَانِ أَنه قتل زيدا يَوْم النَّحْر بِمَكَّة وَشهد آخرَانِ أَنه
قَتله يَوْم النَّحْر بِالْكُوفَةِ واجتمعوا عِنْد الْحَاكِم لم يقبل
الشَّهَادَتَيْنِ فَإِن سبقت إِحْدَاهمَا وَقضى بهَا ثمَّ حضرت الْأُخْرَى
لم تقبل وَإِذا شَهدا على رجل أَنه سرق بقرة وَاخْتلفَا فِي لَوْنهَا قطع
وَإِن قَالَ أَحدهمَا بقرة وَالْآخر ثورا لم يقطع عِنْد أبي حنيفَة وَقَالا
لَا يقطع فِي الْوَجْهَيْنِ وَمن شهد لرجل أَنه اشْترى عبدا من فلَان
بِأَلف وَشهد آخر أَنه اشْتَرَاهُ بِأَلف وَخَمْسمِائة فالشهادة بَاطِلَة
وَكَذَلِكَ الْكِتَابَة وَكَذَا الْخلْع وَالْإِعْتَاق على مَال وَالصُّلْح
عَن دم الْعمد إِذا كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الْمَرْأَة أَو العَبْد أَو
الْقَاتِل وَإِن كَانَت الدَّعْوَى من جَانب آخر فَهُوَ بِمَنْزِلَة
دَعْوَى الدّين وَفِي الرَّهْن إِن كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الرَّاهِن لَا
يقبل وَإِن كَانَ الْمُرْتَهن فَهُوَ بِمَنْزِلَة دَعْوَى الدّين فَأَما
النِّكَاح فَإِنَّهُ يجوز بِأَلف اسْتِحْسَانًا وَقَالا هَذَا بَاطِل فِي
النِّكَاح أَيْضا
(1/156)
فصل فِي الشَّهَادَة على الْإِرْث
وَمن أَقَامَ بَيِّنَة على دَار أَنَّهَا كَانَت لِأَبِيهِ أعارها أَو
أودعها الَّذِي هِيَ فِي يَده فَإِنَّهُ يَأْخُذهَا وَلَا يُكَلف
الْبَيِّنَة أَنه مَاتَ وَتركهَا مِيرَاثا لَهُ وَإِن شهدُوا أَنَّهَا
كَانَت فِي يَد فلَان مَاتَ وَهِي فِي يَده جَازَت الشَّهَادَة وَإِن
قَالُوا لرجل حَيّ نشْهد أَنَّهَا كَانَت فِي يَد الْمُدَّعِي مُنْذُ أشهر
لم تقبل وَإِن أقرّ بذلك الْمُدعى عَلَيْهِ دفعت إِلَى الْمُدَّعِي وَإِن
شهد شَاهِدَانِ أَنه أقرّ أَنَّهَا كَانَت فِي يَد الْمُدَّعِي دفعت
إِلَيْهِ
بَاب الشَّهَادَة على الشَّهَادَة
الشَّهَادَة على الشَّهَادَة جَائِزَة فِي كل حق لَا يسْقط بِالشُّبْهَةِ
وَتجوز شَهَادَة شَاهِدين على شَهَادَة شَاهِدين وَلَا تقبل شَهَادَة
وَاحِد على شَهَادَة وَاحِد وَصفَة الْإِشْهَاد أَن يَقُول شَاهد الأَصْل
لشاهد الْفَرْع أشهد على شهادتي أَنِّي أشهد أَن فلَان بن فلَان أقرّ
عِنْدِي بِكَذَا وأشهدني على نَفسه وَإِن لم يقل أشهدني على نَفسه جَازَ
وَيَقُول شَاهد الْفَرْع عِنْد الْأَدَاء أشهد أَن فلَانا أشهدني على
شَهَادَته أَن فلَانا أقرّ عِنْده بِكَذَا وَقَالَ لي أشهد على شهادتي بذلك
وَمن قَالَ اشهدني فلَان على نَفسه لم يشْهد السَّامع على شَهَادَته حَتَّى
يَقُول لَهُ اشْهَدْ على شهادتي وَلَا تقبل شَهَادَة شُهُود الْفَرْع
إِلَّا أَن يَمُوت شُهُود الأَصْل أَو يغيبوا مسيرَة ثَلَاثَة أَيَّام
فَصَاعِدا أَو يمرضوا مَرضا لَا يَسْتَطِيعُونَ مَعَه حُضُور مجْلِس
الْحَاكِم فَإِن عدل شُهُود الأَصْل شُهُود الْفَرْع جَازَ وَكَذَا إِذا
شهد شَاهِدَانِ فَعدل أَحدهمَا الآخر صَحَّ وَإِن سكتوا عَن تعديلهم جَازَ
وَينظر القَاضِي فِي حَالهم وَإِن أنكر شُهُود الأَصْل الشَّهَادَة لم تقبل
شَهَادَة شُهُود الْفَرْع وَإِذا شهد رجلَانِ على شَهَادَة رجلَيْنِ على
فُلَانَة بنت فلَان الْفُلَانِيَّة بِأَلف دِرْهَم وَقَالا أخبرانا
أَنَّهُمَا يعرفانها فجَاء بِامْرَأَة وَقَالا لَا نَدْرِي أَهِي هَذِه أم
لَا فَإِنَّهُ يُقَال للْمُدَّعِي هَات شَاهِدين يَشْهَدَانِ أَنَّهَا
فُلَانَة وَكَذَا كتاب القَاضِي إِلَى القَاضِي وَلَو قَالُوا فِي هذَيْن
الْبَابَيْنِ التميمية لم يجز حَتَّى ينسبوها إِلَى فَخذهَا
(1/157)
فصل
قَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله شَاهد الزُّور أشهره فِي السُّوق وَلَا
أعزره وَقَالا نوجعه ضربا ونحبسه وَفِي الْجَامِع الصَّغِير شَاهِدَانِ
أقرا أَنَّهُمَا شَهدا بزور لم يضربا وَقَالا يعزران = كتاب الرُّجُوع عَن
الشَّهَادَة
وَإِذا رَجَعَ الشُّهُود عَن شَهَادَتهم قبل الحكم بهَا سَقَطت وَلَا
ضَمَان عَلَيْهِمَا فَإِن حكم بِشَهَادَتِهِم ثمَّ رجعُوا لم يفْسخ الحكم
وَعَلَيْهِم ضَمَان مَا أتلفوا بِشَهَادَتِهِم وَلَا يَصح الرُّجُوع إِلَّا
بِحَضْرَة الْحَاكِم وَإِذا شَهدا شَاهِدَانِ بِمَال فَحكم الْحَاكِم بِهِ
ثمَّ رجعا ضمنا المَال للْمَشْهُود عَلَيْهِ فَإِن رَجَعَ أَحدهمَا ضمن
النّصْف وَإِن شهد بِالْمَالِ ثَلَاثَة فَرجع أَحدهمَا فَلَا ضَمَان
عَلَيْهِ فَإِن رَجَعَ آخر ضمن الراجعان نصف الْحق وَإِن شهد رجل
وَامْرَأَتَانِ فَرَجَعت امْرَأَة ضمنت ربع الْحق وَإِن رجعتا ضمنتا نصف
الْحق وَإِن شهد رجل وَعشر نسْوَة ثمَّ رَجَعَ ثَمَان فَلَا ضَمَان
عَلَيْهِنَّ فَإِن رجعت أُخْرَى كَانَ عَلَيْهِنَّ ربع الْحق وَإِن رَجَعَ
الرجل وَالنِّسَاء فعلى الرجل سدس الْحق وعَلى النسْوَة خَمْسَة أسداسه
عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله وَقَالا على الرجل النّصْف وعَلى النسْوَة
النّصْف فَإِن رَجَعَ النسْوَة الْعشْرَة دون الرجل كَانَ عَلَيْهِنَّ نصف
الْحق على الْقَوْلَيْنِ وَلَو شهد رجلَانِ وَامْرَأَة بِمَال ثمَّ رجعُوا
فَالضَّمَان عَلَيْهِمَا دون الْمَرْأَة وَإِن شهد شَاهِدَانِ على امْرَأَة
بِالنِّكَاحِ بِمِقْدَار مهر مثلهَا ثمَّ رجعا فَلَا ضَمَان عَلَيْهِمَا
وَكَذَلِكَ إِذا شَهدا بِأَقَلّ من مهر مثلهَا وَكَذَلِكَ إِذا شَهدا على
رجل بتزويج امْرَأَة بِمِقْدَار مهر مثلهَا وَإِن شَهدا بِأَكْثَرَ من مهر
الْمثل ثمَّ رجعا ضمنا الزِّيَادَة وَإِن شَهدا بِبيع شَيْء بِمثل الْقيمَة
أَو أَكثر ثمَّ رجعا لم يضمنا وَإِن كَانَ بِأَقَلّ من الْقيمَة ضمنا
النُّقْصَان وَإِن شَهدا على رجل أَنه طلق امْرَأَته قبل الدُّخُول بهَا
ثمَّ رجعا ضمنا نصف الْمهْر وَإِن شَهدا على أَنه أعتق عَبده ثمَّ رجعا
ضمنا قِيمَته وَإِن شهدُوا بقصاص ثمَّ رجعُوا بعد الْقَتْل ضمنُوا الدِّيَة
وَلَا يقْتَصّ مِنْهُم
(1/158)
وَإِذا رَجَعَ شُهُود الْفَرْع ضمنُوا
وَلَو رَجَعَ شُهُود الأَصْل وَقَالُوا لم نشْهد شُهُود الْفَرْع على
شهادتنا فَلَا ضَمَان عَلَيْهِم وَإِن قَالُوا أشهدناهم وغلطنا ضمنُوا
وَهَذَا عِنْد مُحَمَّد رَحمَه الله وَعند أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف رحمهمَا
الله لَا ضَمَان عَلَيْهِم وَلَو رَجَعَ الْأُصُول وَالْفُرُوع جَمِيعًا
يجب الضَّمَان عِنْدهمَا على الْفُرُوع لَا غير وَإِن قَالَ شُهُود
الْفَرْع كذب شُهُود الأَصْل أَو غلطوا فِي ذَلِك لم يلْتَفت إِلَى ذَلِك
وَإِن رَجَعَ المزكون عَن التَّزْكِيَة ضمنُوا وَهَذَا عِنْد أبي حنيفَة
وَقَالا لَا يضمنُون وَإِذا شهد شَاهِدَانِ بِالْيَمِينِ وشاهدان بِوُجُود
الشَّرْط ثمَّ رجعُوا فَالضَّمَان على شُهُود الْيَمين خَاصَّة = كتاب
الْوكَالَة
كل عقد جَازَ أَن يعقده الْإِنْسَان بِنَفسِهِ جَازَ أَن يُوكل بِهِ غَيره
وَتجوز الْوكَالَة بِالْخُصُومَةِ فِي سَائِر الْحُقُوق وَكَذَا بإيفائها
واستيفائها إِلَّا فِي الْحُدُود وَالْقصاص فَإِن الْوكَالَة لَا تصح
باستيفائها مَعَ غيبَة الْمُوكل عَن الْمجْلس وَقَالَ أَبُو يُوسُف رَحمَه
الله لَا تجوز الْوكَالَة بِإِثْبَات الْحُدُود وَالْقصاص بِإِقَامَة
الشُّهُود أَيْضا كَمَا فِي الشَّهَادَة على الشَّهَادَة وكما فِي
الِاسْتِيفَاء وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا يجوز التَّوْكِيل
بِالْخُصُومَةِ من غير رضَا الْخصم إِلَّا أَن يكون الْمُوكل مَرِيضا أَو
غَائِبا مسيرَة ثَلَاثَة أَيَّام فَصَاعِدا وَقَالا يجوز التَّوْكِيل
بِغَيْر رضَا الْخصم وَمن شَرط الْوكَالَة أَن يكون الْمُوكل مِمَّن يملك
التَّصَرُّف وَتلْزَمهُ الْأَحْكَام وَالْوَكِيل مِمَّن يعقل العقد ويقصده
وَإِذا وكل الْحر الْعَاقِل الْبَالِغ أَو الْمَأْذُون مثلهمَا جَازَ وَإِن
وكلا صَبيا مَحْجُورا يعقل البيع وَالشِّرَاء أَو عبدا مَحْجُورا جَازَ
وَلَا يتَعَلَّق بهما الْحُقُوق وتتعلق بموكلهما وَالْعقد الَّذِي يعقده
الوكلاء على ضَرْبَيْنِ كل عقد يضيفه الْوَكِيل إِلَى نَفسه كَالْبيع
وَالْإِجَارَة فحقوقه تتَعَلَّق بالوكيل دون الْمُوكل يسلم الْمَبِيع
وَيقبض الثّمن وَيُطَالب بِالثّمن إِذا اشْترى وَيقبض الْمَبِيع ويخاصم فِي
الْعَيْب ويخاصم فِيهِ وكل عقد يضيفه إِلَى مُوكله كَالنِّكَاحِ وَالْخلْع
وَالصُّلْح عَن دم الْعمد فَإِن حُقُوقه تتَعَلَّق بالموكل دون الْوَكِيل
فَلَا
(1/159)
يُطَالب وَكيل الزَّوْج بِالْمهْرِ وَلَا
يلْزم وَكيل الْمَرْأَة تَسْلِيمهَا وَإِذا طَالب الْمُوكل المُشْتَرِي
بِالثّمن فَلهُ أَن يمنعهُ إِيَّاه فَإِن دَفعه إِلَيْهِ جَازَ وَلم يكن
للْوَكِيل أَن يُطَالِبهُ بِهِ ثَانِيًا
بَاب الْوكَالَة بِالْبيعِ وَالشِّرَاء
فصل فِي الشِّرَاء
وَمن وكل رجلا بشرَاء شَيْء فَلَا بُد من تَسْمِيَة جنسه وَصفته أَو جنسه
ومبلغ ثمنه إِلَّا أَن يُوكله وكَالَة عَامَّة فَيَقُول ابتع لي مَا
رَأَيْت ثمَّ إِن كَانَ اللَّفْظ يجمع أجناسا أَو مَا هُوَ فِي معنى
الْأَجْنَاس لَا يَصح التَّوْكِيل وَإِن بَين الثّمن وَإِن كَانَ جِنْسا
يجمع أنواعا لَا يَصح إِلَّا بَيَان الثّمن أَو النَّوْع وَفِي الْجَامِع
الصَّغِير وَمن قَالَ لآخر اشْتَرِ لي ثوبا أَو دَابَّة أَو دَارا فالوكالة
بَاطِلَة وَإِن سمى ثمن الدَّار وَوصف جنس الدَّار وَالثَّوْب جَازَ وَمن
دفع إِلَى آخر دَرَاهِم وَقَالَ اشْتَرِ لي بهَا طَعَاما فَهُوَ على
الْحِنْطَة ودقيقها وَإِذا اشْترى الْوَكِيل وَقبض ثمَّ اطلع على عيب فَلهُ
أَن يردهُ بِالْعَيْبِ مَا دَامَ الْمَبِيع فِي يَده فَإِن سلمه إِلَى
الْمُوكل لم يردهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ وَيجوز التَّوْكِيل بِعقد الصّرْف
وَالسّلم فَإِن فَارق الْوَكِيل صَاحبه قبل الْقَبْض بَطل العقد وَلَا
يعْتَبر مُفَارقَة الْمُوكل وَإِذا دفع الْوَكِيل بِالشِّرَاءِ الثّمن من
مَاله وَقبض الْمَبِيع فَلهُ أَن يرجع بِهِ على الْمُوكل فَإِن هلك
الْمَبِيع فِي يَده قبل حَبسه هلك من مَال الْمُوكل وَلم يسْقط الثّمن وَله
أَن يحْبسهُ حَتَّى يَسْتَوْفِي الثّمن فَإِن حَبسه فَهَلَك كَانَ
مَضْمُونا ضَمَان الرَّهْن عِنْد أبي يُوسُف رَحمَه الله وَضَمان الْمَبِيع
عِنْد مُحَمَّد وَإِذا وَكله بشرَاء عشرَة أَرْطَال لحم بدرهم فَاشْترى
عشْرين رطلا بدرهم من لحم يُبَاع مِنْهُ عشرَة أَرْطَال بدرهم لزم الْمُوكل
مِنْهُ عشرَة بِنصْف دِرْهَم عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله وَقَالا يلْزمه
الْعشْرُونَ بدرهم وَلَو وَكله بشرَاء شَيْء بِعَيْنِه فَلَيْسَ لَهُ أَن
يَشْتَرِيهِ لنَفسِهِ وَإِن وَكله بشرَاء عبد بِغَيْر عينه فَاشْترى عبدا
فَهُوَ للْوَكِيل إِلَّا أَن يَقُول نَوَيْت الشِّرَاء للْمُوكل أَو
يَشْتَرِيهِ بِمَال الْمُوكل وَمن أَمر رجلا بشرَاء عبد بِأَلف فَقَالَ قد
فعل وَمَات عِنْدِي وَقَالَ الْآمِر
(1/160)
اشْتَرَيْته لنَفسك فَالْقَوْل قَول
الْآمِر فَإِن كَانَ دفع إِلَيْهِ الْألف قالقول قَول الْمَأْمُور وَمن
قَالَ لآخر يَعْنِي هَذَا العَبْد لفُلَان فَبَاعَهُ ثمَّ أنكر أَن يكون
فلَان أمره ثمَّ جَاءَ فلَان وَقَالَ أَنا أَمرته بذلك فَإِن فلَانا
يَأْخُذهُ فَإِن قَالَ فلَان لم آمره لم يكن ذَلِك لَهُ إِلَّا أَن يُسلمهُ
المُشْتَرِي لَهُ يكون بيعا عَنهُ وَعَلِيهِ الْعهْدَة وَمن أَمر رجلا
بِأَن يَشْتَرِي لَهُ عَبْدَيْنِ بأعيانهما وَلم يسم لَهُ ثمنا فَاشْترى
لَهُ أَحدهمَا جَازَ إِلَّا فِيمَا لَا يتَغَابَن النَّاس فِيهِ وَلَو أمره
بِأَن يشتريهما بِأَلف وقيمتهما سَوَاء فَعِنْدَ أبي حنيفَة رَحمَه الله
أَن اشْترى أَحدهمَا بِخَمْسِمِائَة أَو أقل جَازَ وَإِن اشْترى بِأَكْثَرَ
لم يلْزم الْآمِر إِلَّا أَن يَشْتَرِي الْبَاقِي بِبَقِيَّة الْألف قبل
أَن يختصما اسْتِحْسَانًا وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد أَن اشْترى
أَحدهمَا بِأَكْثَرَ من نصف الْألف بِمَا يتَغَابَن النَّاس فِيهِ وَقد
بَقِي من الْألف مَا يَشْتَرِي بِمثلِهِ الْبَاقِي جَازَ وَمن لَهُ على آخر
ألف دِرْهَم فَأمره بِأَن يَشْتَرِي بهَا هَذَا العَبْد فَاشْتَرَاهُ جَازَ
وَإِن أمره أَن يَشْتَرِي بهَا عبدا بِغَيْر عينه فَاشْتَرَاهُ فَمَاتَ فِي
يَده قبل أَن يقبضهُ الْآمِر مَاتَ من مَال المُشْتَرِي وَإِن قَبضه
الْآمِر فَهُوَ لَهُ عِنْد أبي حنيفَة وَقَالا هُوَ لَازم للْآمِر إِذا
قَبضه الْمَأْمُور وَمن دفع إِلَى آخر ألفا وَأمره ان يَشْتَرِي بهَا
جَارِيَة فاشتراها فَقَالَ الْآمِر اشْتَرَيْتهَا بِخَمْسِمِائَة وَقَالَ
الْمَأْمُور اشْتَرَيْتهَا بِأَلف فَالْقَوْل قَول الْمَأْمُور وَإِن لم
يكن دفع إِلَيْهِ الْألف فَالْقَوْل قَول الْآمِر وَلَو أمره أَن يَشْتَرِي
لَهُ هَذَا العَبْد وَلم يسم لَهُ ثمنا فَاشْتَرَاهُ فَقَالَ الْآمِر
اشْتَرَيْته بِخَمْسِمِائَة وَقَالَ الْمَأْمُور بِأَلف وَصدق البَائِع
الْمَأْمُور فَالْقَوْل قَول الْمَأْمُور مَعَ يَمِينه
فصل فِي التَّوْكِيل بشرَاء نفس العَبْد
وَإِذا قَالَ العَبْد لرجل اشْتَرِ لي نَفسِي من مولَايَ بِأَلف وَدفعهَا
إِلَيْهِ فَإِن قَالَ الرجل للْمولى اشْتَرَيْته لنَفسِهِ فَبَاعَهُ على
هَذَا فَهُوَ حر وَالْوَلَاء للْمولى وَإِن لم يعين للْمولى فَهُوَ عبد
للْمُشْتَرِي وَالْألف للْمولى وعَلى المُشْتَرِي ألف مثله وَمن قَالَ لعبد
اشْتَرِ لي نَفسك من مَوْلَاك فَقَالَ لمَوْلَاهُ بِعني نَفسِي لفُلَان
بِكَذَا فَفعل فَهُوَ للْآمِر وَإِن عقد لنَفسِهِ فَهُوَ حر وَكَذَا لَو
قَالَ يَعْنِي وَلم يقل لفُلَان فَهُوَ حر
(1/161)
فصل فِي البيع وَالْوَكِيل بِالْبيعِ
وَالشِّرَاء لَا يجوز لَهُ أَن يعْقد مَعَ أَبِيه وجده وَمن لَا تقبل
شَهَادَته لَهُ عِنْد أبي حنيفَة وَقَالا يجوز بَيْعه مِنْهُم بِمثل
الْقيمَة إِلَّا من عَبده أَو مُكَاتبَة وَالْوَكِيل بِالْبيعِ يجوز بَيْعه
بِالْقَلِيلِ وَالْكثير وَالْعرض عِنْد أبي حنيفَة وَقَالا لَا يجوز بَيْعه
بِنُقْصَان لَا يتَغَابَن النَّاس فِيهِ وَلَا يجوز إِلَّا بِالدَّرَاهِمِ
وَالدَّنَانِير وَالْوَكِيل بِالشِّرَاءِ يجوز عقده بِمثل الْقيمَة
وَزِيَادَة يتَغَابَن النَّاس فِي مثلهَا وَلَا يجوز بِمَا لَا يتَغَابَن
النَّاس فِي مثله وَالَّذِي لَا يتَغَابَن النَّاس فِيهِ مَا لَا يدْخل
تَحت تَقْوِيم المقومين وَقيل فِي الْعرُوض (ده ينم) وَفِي الْحَيَوَانَات
(ده يازده) وَفِي العقارات (ده دوازده) وَإِذا وَكله بِبيع عبد لَهُ
فَبَاعَ نصفه جَازَ عِنْد أبي حنيفَة وَقَالا لَا يجوز إِلَّا أَن يَبِيع
النّصْف الآخر قبل أَن يختصما وَإِن وَكله بشرَاء عبد فَاشْترى نصفه
فالشراء مَوْقُوف فَإِن اشْترى بَاقِيه لزم الْمُوكل وَمن أَمر رجلا بِبيع
عَبده فَبَاعَهُ وَقبض الثّمن أَو لم يقبض فَرده المُشْتَرِي عَلَيْهِ
بِعَيْب لَا يحدث مثله بِقَضَاء القَاضِي بِبَيِّنَة أَو باباء يَمِين أَو
باقرار فَإِنَّهُ يردهُ على الْآمِر وَكَذَلِكَ إِن رده عَلَيْهِ بِعَيْب
يحدث مثله بَيِّنَة أَو بَابا يَمِين فَإِن كَانَ ذَلِك بِإِقْرَارِهِ لزم
الْمَأْمُور وَمن قَالَ لآخر أَمرتك بِبيع عَبدِي بِنَقْد فَبِعْته بنسيئة
وَقَالَ الْمَأْمُور أَمرتنِي بِبيعِهِ وَلم تقل شَيْئا فَالْقَوْل قَول
الْآمِر وَإِن اخْتلف فِي ذَلِك الْمضَارب وَرب المَال فَالْقَوْل قَول
الْمضَارب وَمن أَمر رجلا بِبيع عَبده فَبَاعَهُ وَأخذ بِالثّمن رهنا
فَضَاعَ فِي يَده أَو أَخذ بِهِ كَفِيلا فَتْوَى المَال عَلَيْهِ فَلَا
ضَمَان عَلَيْهِ
فصل
وَإِذا وكل وكيلين فَلَيْسَ لأَحَدهمَا أَن يتَصَرَّف فِيمَا وكلا بِهِ دون
الآخر إِلَّا أَن يوكلهما بِالْخُصُومَةِ أَو بِطَلَاق زَوجته بِغَيْر عوض
أَو بعق عَبده بِغَيْر عوض أَو برد وَدِيعَة عِنْده أَو قَضَاء دين
عَلَيْهِ وَلَيْسَ للْوَكِيل أَن يُوكل فِيمَا وكل بِهِ إِلَّا أَن يَأْذَن
لَهُ الْمُوكل أَو يَقُول لَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِك فَإِن وكل يُغير إِذن
مُوكله
(1/162)
فعقد وَكيله بِحَضْرَتِهِ جَازَ وَإِن عقد
فِي حَال غيبته لم يجز إِلَّا أَن يبلغهُ فيجيزه وَلَو قدر الأول الثّمن
للثَّانِي فعقد بغيبته يجوز وَإِذا زوج الْمكَاتب اَوْ العَبْد أَو
الذِّمِّيّ ابْنَته وَهِي صَغِيرَة حرَّة مسلمة أَو بَاعَ أَو اشْترى لَهَا
لم يجز قَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد الْمُرْتَد إِذا قتل على ردته
وَالْحَرْبِيّ كَذَلِك
بَاب الْوكَالَة بِالْخُصُومَةِ وَالْقَبْض
الْوَكِيل بِالْخُصُومَةِ وَكيل بِالْقَبْضِ فَإِن كَانَا وكيلين
بِالْخُصُومَةِ لَا يقبضان إِلَّا مَعًا وَالْوَكِيل بِقَبض الدّين يكون
وَكيلا بِالْخُصُومَةِ عِنْد أبي حنيفَة وَقَالا لَا يكون خصما وَالْوَكِيل
بِقَبض الْعين لَا يكون وَكيلا بِالْخُصُومَةِ بالِاتِّفَاقِ حَتَّى أَن من
وكل وَكيلا بِقَبض عبد لَهُ فَأَقَامَ الَّذِي هُوَ فِي يَده للبينة على
أَن الْمُوكل بَاعه إِيَّاه وقف الْأَمر حَتَّى يحضر الْغَائِب وَكَذَلِكَ
الْعتاق وَالطَّلَاق وَغير ذَلِك وَإِذا أقرّ الْوَكِيل بِالْخُصُومَةِ على
مُوكله عِنْد القَاضِي جَازَ إِقْرَاره عَلَيْهِ وَلَا يجوز عِنْد غير
القَاضِي وَمن كفل بِمَال عَن رجل فوكله صَاحب المَال بِقَبْضِهِ عَن
الْغَرِيم لم يكن وَكيلا فِي ذَلِك أبدا وَمن ادّعى أَنه وَكيل الْغَائِب
فِي قبض دينه فَصدقهُ الْغَرِيم أَمر بِتَسْلِيم الدّين إِلَيْهِ فَإِن حضر
الْغَائِب فَصدقهُ وَإِلَّا دفع إِلَيْهِ الْغَرِيم الدّين ثَانِيًا وَيرجع
بِهِ على الْوَكِيل إِن كَانَ بَاقِيا فِي يَده وَإِن كَانَ ضَاعَ فِي يَده
لم يرجع عَلَيْهِ إِلَّا أَن يكون ضمنه عِنْد الدّفع وَمن قَالَ أَنِّي
وَكيل بِقَبض الْوَدِيعَة فَصدقهُ الْمُودع لم يُؤمر بِالتَّسْلِيمِ
إِلَيْهِ فَإِن وكل وَكيلا بِقَبض مَاله فَادّعى الْغَرِيم أَن صَاحب
المَال قد اسْتَوْفَاهُ فَإِنَّهُ يدْفع المَال إِلَيْهِ وَيتبع رب المَال
فيستحلفه وَإِن وَكله بِعَيْب فِي جَارِيَة فَادّعى البَائِع رضَا
المُشْتَرِي لم يرد عَلَيْهِ حَتَّى يحلف المُشْتَرِي بِخِلَاف مَسْأَلَة
الدّين وَمن دفع إِلَى رجل عشرَة دَرَاهِم لينفقها على أَهله فأنفق
عَلَيْهِم عشرَة من عِنْده فالعشرة بِالْعشرَةِ
بَاب عزل الْوَكِيل
وللموكل أَن يعْزل الْوَكِيل عَن الْوكَالَة فَإِن لم يبلغهُ الْعَزْل
فَهُوَ على وكَالَته
(1/163)
وتصرفه جَائِز حَتَّى يعلم وَتبطل الْوكَالَة بِمَوْت الْمُوكل وجنونه
جنونا مطبقا ولحاقه بدار الْحَرْب مُرْتَدا وَإِذا وكل الْمكَاتب ثمَّ عجز
أَو الْمَأْذُون لَهُ ثمَّ حجر عَلَيْهِ أَو الشريكان فَافْتَرقَا فَهَذِهِ
الْوُجُوه تبطل الْوكَالَة عل الْوَكِيل علم أَو لم يعلم وَإِذا مَاتَ
الْوَكِيل أَو جن جنونا مطبقا بطلت الْوكَالَة وَإِن لحق بدار الْحَرْب
مُرْتَدا لم يجز لَهُ التَّصَرُّف إِلَّا أَن يعود مُسلما وَمن وكل آخر
بِشَيْء ثمَّ تصرف بِنَفسِهِ فِيمَا وكل بِهِ بطلت الْوكَالَة |