متن بداية المبتدي في فقه الإمام أبي حنيفة

= كتاب المعاقل
وَالدية فِي شبه الْعمد وَالْخَطَأ وكل دِيَة تجب بِنَفس الْقَتْل على الْعَاقِلَة والعاقلة الَّذين يعْقلُونَ والعاقلة أهل الدِّيوَان إِن كَانَ الْقَاتِل من أهل الدِّيوَان يُؤْخَذ من عطاياهم فِي ثَلَاث سِنِين فَإِن خرجت العطايا فِي أَكثر من ثَلَاث سِنِين أَو أقل أَخذ مِنْهَا وَمن لم يكن من أهل الدِّيوَان فعاقلته قبيلته وتقسم عَلَيْهِم فِي ثَلَاث سِنِين لَا يُزَاد الْوَاحِد على أَرْبَعَة دَرَاهِم فِي كل سنة وَينْقص مِنْهَا وَإِن لم يكن تتسع الْقَبِيلَة لذَلِك ضم إِلَيْهِم أقرب الْقَبَائِل على تَرْتِيب الْعَصَبَات وَلَو كَانَت عَاقِلَة الرجل أَصْحَاب الرزق يقْضى بِالدِّيَةِ فِي أَرْزَاقهم فِي ثَلَاث سِنِين فِي كل سنة الثُّلُث وَأدْخل الْقَاتِل مَعَ الْعَاقِلَة فَيكون فِيمَا يُؤدى كأحدهم وَلَيْسَ على النِّسَاء والذرية مِمَّن كَانَ لَهُ حَظّ فِي الدِّيوَان عقل وَلَا يعقل أهل مصر عَن مصر آخر وَيعْقل أهل كل مصر عَن أهل سوادهم وَمن كَانَ منزله بِالْبَصْرَةِ وديوانه بِالْكُوفَةِ عقل عَنهُ أهل الْكُوفَة وَمن جنى جِنَايَة من أهل الْمصر وَلَيْسَ لَهُ فِي الدِّيوَان عَطاء وَأهل الْبَادِيَة أقرب إِلَيْهِ ومسكنه الْمصر عقل عَنهُ أهل الدِّيوَان من ذَلِك الْمصر وَلَو كَانَ البدوي نازلا فِي الْمصر لَا مسكن لَهُ فِيهِ

(1/257)


لَا يعقله أهل الْمصر وَإِن كَانَ لأهل الذِّمَّة عواقل مَعْرُوفَة يتعاقلون بهَا فَقتل أحدهم قَتِيلا فديته على عَاقِلَته بِمَنْزِلَة الْمُسلم وَإِن لم تكن لَهُم عَاقِلَة مَعْرُوفَة فَالدِّيَة فِي مَاله فِي ثَلَاث سِنِين من يَوْم يقْضى بهَا عَلَيْهِ وَلَا يعقل كَافِر عَن مُسلم وَلَا مُسلم عَن كَافِر وعاقلة الْمُعْتق قَبيلَة مَوْلَاهُ وَمولى الْمُوَالَاة يعقل عَنهُ مَوْلَاهُ وقبيلته وَلَا تعقل الْعَاقِلَة أقل من نصف عشر الدِّيَة وتتحمل نصف الْعشْر فَصَاعِدا وَمَا نقص من ذَلِك يكون فِي مَال الْجَانِي وَلَا تعقل الْعَاقِلَة جِنَايَة الْعمد وَلَا مَا لزم بِالصُّلْحِ أَو باعتراف الْجَانِي إِلَّا أَن يصدقوه وَمن أقرّ بقتل خطأ وَلم يرفعواإلى القَاضِي إِلَّا بعد سِنِين قضي عَلَيْهِ بِالدِّيَةِ فِي مَاله فِي ثَلَاث سِنِين من يَوْم يقْضى وَلَو تصادق الْقَاتِل وَولى الْجِنَايَة على أَن قَاضِي بلد كَذَا قضى بِالدِّيَةِ على عَاقِلَته بِالْكُوفَةِ بِالْبَيِّنَةِ وكذبهما الْعَاقِلَة فَلَا شَيْء على الْعَاقِلَة وَلم يكن عَلَيْهِ شَيْء فِي مَاله إِلَّا أَن يكون لَهُ عَطاء مَعَهم فَحِينَئِذٍ يلْزمه بِقدر حِصَّته وَإِذا جنى الْحر على العَبْد فَقتله خطأ كَانَ على عَاقِلَته قِيمَته وَابْن الْمُلَاعنَة تعقله عَاقِلَة أمه فَإِن عقلوا عَنهُ ثمَّ ادَّعَاهُ الْأَب رجعت عَاقِلَة الْأُم بِمَا أدَّت على عَاقِلَة الْأَب فِي ثَلَاث سِنِين من يَوْم يقْضى القَاضِي لعاقلة الْأُم على عَاقِلَة الْأَب = كتاب الْوَصَايَا
بَاب فِي صفة الْوَصِيَّة مَا يجوز من ذَلِك وَمَا يسْتَحبّ مِنْهُ وَمَا يكون رُجُوعا عَنهُ
الْوَصِيَّة غير وَاجِبَة وَهِي مُسْتَحبَّة وَلَا تجوز بِمَا زَاد على الثُّلُث إِلَّا أَن يجيزها الْوَرَثَة بعد مَوته وهم كبار وَلَا مُعْتَبر بإجازتهم فِي حَال حَيَاته وكل مَا جَازَ بِإِجَازَة الْوَارِث يَتَمَلَّكهُ الْمجَاز لَهُ من قبل الْمُوصي وَلَا تجوز للْقَاتِل عَامِدًا كَانَ أَو خاطئا بعد أَن كَانَ مباشرا وَلَو إجازتها الْوَرَثَة جَازَ عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد رحمهمَا الله وَقَالَ أَبُو يُوسُف رَحمَه الله لَا تجوز وَلَا تجوز لوَارِثه وَالْهِبَة من الْمَرِيض للْوَارِث فِي هَذَا نَظِير الْوَصِيَّة إِلَّا أَن تجيزها الْوَرَثَة وَيجوز أَن يُوصي الْمُسلم للْكَافِرِ

(1/258)


وَالْكَافِر للْمُسلمِ وَفِي الْجَامِع الصَّغِير الْوَصِيَّة لأهل الْحَرْب بَاطِلَة وَقبُول الْوَصِيَّة بعد الْمَوْت فَإِن قبلهَا الْمُوصى لَهُ حَال الْحَيَاة أَو ردهَا فَذَلِك بَاطِل وَيسْتَحب أَن يُوصي الْإِنْسَان بِدُونِ الثُّلُث وَالْمُوصى بِهِ يملك بِالْقبُولِ إِلَّا فِي مَسْأَلَة وَاحِدَة وَهُوَ أَن يَمُوت الْمُوصي ثمَّ يَمُوت الْمُوصى لَهُ قبل الْقبُول فَيدْخل الْمُوصى بِهِ فِي ملك ورثته وَمن أوصى وَعَلِيهِ دين يُحِيط بِمَالِه لم تجز الْوَصِيَّة إِلَّا أَن يُبرئهُ الْغُرَمَاء وَلَا تصح وَصِيَّة الصَّبِي وَلَا تصح وَصِيَّة الْمكَاتب وَإِن ترك وَفَاء وَتجوز الْوَصِيَّة للْحَمْل وبالحمل إِذا وضع لأَقل من سِتَّة أشهر وَمن وَقت الْوَصِيَّة وَمن أوصى بِجَارِيَة إِلَّا حملهَا صحت الْوَصِيَّة وَالِاسْتِثْنَاء وَيجوز للْمُوصي الرُّجُوع عَن الْوَصِيَّة وَإِذا صرح بِالرُّجُوعِ أَو فعل مَا يدل على الرُّجُوع كَانَ رُجُوعا وَإِن جحد الْوَصِيَّة لم يكن رُجُوعا وَلَو قَالَ كل وَصِيَّة أوصيت بهَا لفُلَان فَهِيَ حرَام وَربا لَا يكون رُجُوعا بِخِلَاف مَا إِذا قَالَ فَهِيَ بَاطِلَة وَلَو قَالَ أخرتها لَا يكون رُجُوعا بِخِلَاف مَا إِذا قَالَ تركت وَلَو قَالَ العَبْد الَّذِي أوصيت بِهِ لفُلَان فَهُوَ لفُلَان كَانَ رُجُوعا بِخِلَاف مَا غذا أوصى بِهِ لرجل ثمَّ أوصى بِهِ لآخر وَكَذَا إِذا قَالَ فَهُوَ فلَان وارثي يكون رُجُوعا عَن الأول وَلَو كَانَ فلَان الآخر مَيتا حِين أوصى فَالْوَصِيَّة الأولى على حَالهَا وَلَو كَانَ فلَان حِين قَالَ ذَلِك حَيا ثمَّ مَاتَ قبل موت الْمُوصي فَهِيَ للْوَرَثَة
بَاب الْوَصِيَّة بِثلث المَال
وَمن أوصى لرجل بِثلث مَاله وَلآخر بِثلث مَاله وَلم تجز الْوَرَثَة فَالثُّلُث بَينهمَا وَإِن أوصى لأَحَدهمَا بِالثُّلثِ وَللْآخر بالسدس فَالثُّلُث بَينهمَا أَثلَاثًا وَإِن أوصى لأَحَدهمَا بِجَمِيعِ مَاله وَللْآخر بِثلث مَاله وَلم تجز الورثه فَالثُّلُث بَينهمَا على أَرْبَعَة أسْهم عِنْدهمَا وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله الثُّلُث بَينهمَا نِصْفَانِ وَلَا يضْرب أَبُو حنيفَة للْمُوصى لَهُ بِمَا زَاد على الثُّلُث إِلَّا فِي الْمُحَابَاة والسعاية وَالدَّرَاهِم الْمُرْسلَة وَإِذا أوصى بِنَصِيب ابْنه فَالْوَصِيَّة بَاطِلَة وَلَو اوصى بِمثل نصيب ابْنه جَازَ وَمن اوصى بِسَهْم

(1/259)


من مَاله فَلهُ أخس سِهَام الْوَرَثَة إِلَّا أَن ينقص عَن السُّدس فَيتم لَهُ السُّدس وَلَا يُزَاد عَلَيْهِ وَهَذَا عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله وَقَالا لَهُ مثل نصيب أحد الْوَرَثَة وَلَا يُزَاد على الثُّلُث إِلَّا أَن يُجِيز الْوَرَثَة وَلَو أوصى بِجُزْء من مَاله قيل للْوَرَثَة أَعْطوهُ مَا شِئْتُم وَمن قَالَ سدس مَالِي لفُلَان ثمَّ قَالَ فِي ذَلِك الْمجْلس أَو فِي مجْلِس آخر لَهُ ثلث مَالِي وأجازت الْوَرَثَة فَلهُ ثلث المَال وَيدخل السُّدس فِيهِ وَمن قَالَ سدس مَالِي لفُلَان ثمَّ قَالَ فِي ذَلِك الْمجْلس أَو فِي غَيره سدس مَالِي لفُلَان فَلهُ سدس وَاحِد وَمن أوصى بِثلث دَرَاهِمه أَو بِثلث غنمه فَهَلَك ثلثا ذَلِك وَبَقِي ثلثه وَهُوَ يخرج من ثلث مَا بَقِي من مَاله فَلهُ جَمِيع مَا بَقِي وَلَو أوصى بِثلث ثِيَابه فَهَلَك ثلثاها وَبَقِي ثلثهَا وَهُوَ يخرج من ثلث مَا بَقِي من مَاله لم يسْتَحق إِلَّا ثلث مَا بَقِي من الثِّيَاب وَلَو أوصى بِثلث ثَلَاثَة من رَقِيقه فَمَاتَ اثْنَان لم يكن لَهُ إِلَّا ثلث الْبَاقِي وَكَذَا الدّور الْمُخْتَلفَة وَمن أوصى لرجل بِأَلف دِرْهَم وَله مَال عين وَدين فَإِن خرج الْألف من ثلث الْعين دفع إِلَى الْمُوصى لَهُ وَمن أوصى لزيد وَعَمْرو بِثلث فَإِذا مَاله عَمْرو ميت فَالثُّلُث كُله لزيد وَمن أوصى بِثلث مَاله وَلَا مَال لَهُ واكتسب مَالا اسْتحق الْمُوصى لَهُ ثلث مَا يملكهُ عِنْد الْمَوْت وَمن أوصى بِثلث مَاله لأمهات أَوْلَاده وَهن ثَلَاث وللفقراء وَالْمَسَاكِين فَلَهُنَّ ثَلَاثَة أسْهم من خسمة أسْهم وَلَو أوصى بِثُلثِهِ لفُلَان وللمساكين فنصفه لفُلَان وَنصفه للْمَسَاكِين عِنْدهمَا وَعند مُحَمَّد ثلثه لفُلَان وَثلثا للْمَسَاكِين وَلَو أوصى للْمَسَاكِين لَهُ صرفه إِلَى مِسْكين وَاحِد عِنْدهمَا وَعِنْده لَا يصرف إِلَّا إِلَى مسكينين وَمن أوصى لرجل بِمِائَة دِرْهَم وَلآخر بِمِائَة ثمَّ قَالَ لآخر قد أَشْرَكتك مَعَهُمَا فَلهُ ثلث كل مائَة وَمن قَالَ لفُلَان عَليّ دين فصدقوه فَإِنَّهُ يصدق إِلَى الثُّلُث وَإِن أوصى بوصايا غير ذَلِك يعْزل الثُّلُث لأَصْحَاب الْوَصَايَا وَالثُّلُثَانِ للْوَرَثَة وَإِذا عزل يُقَال لأَصْحَاب الْوَصَايَا صدقوه فِيمَا شِئْتُم وَيُقَال للْوَرَثَة صدقوه فِيمَا شِئْتُم فَيُؤْخَذ أَصْحَاب الثُّلُث بِثلث مَا أقرُّوا وَالْوَرَثَة بِثُلثي مَا أقرُّوا وَمن أوصى لأَجْنَبِيّ ولوارثه فللأجنبي نصف الْوَصِيَّة وَتبطل وَصِيَّة الْوَارِث وَمن كَانَ لَهُ ثَلَاثَة أَثوَاب

(1/260)


جيد ووسط ورديء فأوصى بِكُل وَاحِد لرجل فَضَاعَ ثوب وَلَا يدْرِي أَيهَا هُوَ وَالْوَرَثَة تجحد ذَلِك فَالْوَصِيَّة بَاطِلَة إِلَّا أَن يسلم الْوَرَثَة الثَّوْبَيْنِ الباقيين فَإِن سلمُوا زَالَ الْمَانِع وَهُوَ الْجُحُود فَيكون لصَاحب الْجيد ثلثا الثَّوْب الأجود وَلِصَاحِب الْأَوْسَط ثلث الْجيد وَثلث الأدون فَثَبت الأدون وَلِصَاحِب الأدون ثلثا الثَّوْب الأدون وَإِذا كَانَت الدَّار بَين رجلَيْنِ فأوصى أَحدهمَا بِبَيْت بِعَيْنِه لرجل فَإِنَّهَا تقسم فَإِن وَقع الْبَيْت فِي نصيب الْمُوصي فَهُوَ للْمُوصى لَهُ وَإِن وَقع فِي نصيب الآخر فللموصى لَهُ مثل ذرع الْبَيْت وَمن أوصى من مَال رجل لآخر بِأَلف بِعَيْنِه فَأجَاز صَاحب المَال بعد موت الْمُوصي فَإِن دَفعه فَهُوَ جَائِز وَله أَن يمْنَع وَإِذا اقتسم الإبنان تَرِكَة الْأَب الْفَا ثمَّ أقرّ أَحدهمَا لرجل أَن الْأَب أوصى بِثلث مَاله فَإِن الْمقر يُعْطِيهِ ثلث مَا فِي يَده وَمن أوصى لرجل بِجَارِيَة فَولدت بعد موت الْمُوصي ولدا وَكِلَاهُمَا يخرجَانِ من الثُّلُث فهما للْمُوصى لَهُ وَإِن لم يخرجَا من الثُّلُث ضرب بِالثُّلثِ وَأخذ مَا يَخُصُّهُ مِنْهُمَا جَمِيعًا فِي قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد وَقَالَ أَبُو حنيفَة يَأْخُذ ذَلِك من الْأُم فَإِن فضل شَيْء أَخذه من الْوَلَد وَهَذَا إِذا ولدت قبل الْقِسْمَة فَإِن ولدت بعد الْقِسْمَة فَهُوَ للْمُوصى لَهُ
فصل فِي اعْتِبَار حَالَة الْوَصِيَّة
وَإِذا أقرّ الْمَرِيض لامْرَأَة بدين أَو أوصى لَهَا بِشَيْء أَو وهب لَهَا ثمَّ تزَوجهَا ثمَّ مَاتَ جَازَ الْإِقْرَار وَبَطلَت الْوَصِيَّة وَالْهِبَة وَإِذا أقرّ الْمَرِيض لِابْنِهِ بدين وَابْنه نَصْرَانِيّ أَو وهب لَهُ أَو أوصى لَهُ فَأسلم الابْن قبل مَوته بَطل ذَلِك كُله والمقعد والمفلوج والأشل والمسلول إِذا تطول ذَلِك وَلَا يخَاف مِنْهُ الْمَوْت فهبته من جَمِيع المَال وَإِن وهب عِنْدَمَا أَصَابَهُ ذَلِك وَمَات من أَيَّامه فَهُوَ من الثُّلُث إِذا صَار صَاحب فرَاش

(1/261)


بَاب الْعتْق فِي مرض الْمَوْت
وَمن أعتق فِي مَرضه عبدا أَو بَاعَ وحابى أَو وهب فَذَلِك كُله جَائِز وَهُوَ مُعْتَبر من الثُّلُث وَيضْرب بِهِ مَعَ أَصْحَاب الْوَصَايَا وَإِن حابى ثمَّ أعتق وضاق الثُّلُث عَنْهُمَا فالمحاباة أولى عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله وَمن أعتق ثمَّ حابى فهما سَوَاء وَقَالا الْعتْق أولى فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَمن أوصى بِأَن يعْتق عَنهُ بِهَذِهِ الْمِائَة عبد فَهَلَك مِنْهَا دِرْهَم لم يعْتق عَنهُ بِمَا بَقِي عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله وَإِن كَانَت وَصيته بِحجَّة يحجّ عَنهُ بِمَا بَقِي من حَيْثُ يبلغ وَإِن لم يهْلك مِنْهَا وَبَقِي شَيْء من الْحجَّة يرد على الْوَرَثَة وَقَالا يعْتق عَنهُ بِمَا بَقِي وَمن ترك ابْنَيْنِ وَمِائَة دِرْهَم وعبدا قِيمَته مائَة دِرْهَم وَقد كَانَ أعْتقهُ فِي مَرضه فَأجَاز الوارثان ذَلِك لم يسع فِي شَيْء وَمن أوصى بِعِتْق عَبده ثمَّ مَاتَ فجنى جِنَايَة وَدفع بهَا بطلت الْوَصِيَّة وَمن أوصى بِثلث مَاله لآخر فَأقر الْمُوصى لَهُ الوراث أَن الْمَيِّت أعتق هَذَا العَبْد فَقَالَ الْمُوصى لَهُ أعْتقهُ فِي الصِّحَّة وَقَالَ الْوَارِث أعْتقهُ فِي الْمَرَض فَالْقَوْل قَول الْوَارِث وَلَا شَيْء للْمُوصى بِهِ إِلَّا أَن يفضل من الثُّلُث شَيْء أَو تقوم لَهُ الْبَيِّنَة أَن الْعتْق فِي الصِّحَّة وَمن ترك عبدا فَقَالَ للْوَارِث أعتقني أَبوك فِي الصِّحَّة وَقَالَ رجل لي على أَبِيك ألف دِرْهَم فَقَالَ صدقتما فَإِن العَبْد يسْعَى فِي قِيمَته عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله وَقَالا يعْتق وَلَا يسْعَى فِي شَيْء
فصل
وَمن أوصى بوصايا من حُقُوق الله تَعَالَى قدمت الْفَرَائِض مِنْهَا قدمهَا الْمُوصي أَو أَخّرهَا مثل الْحَج وَالزَّكَاة وَالْكَفَّارَات فَإِن تَسَاوَت فِي الْقُوَّة بدىء بِمَا قدمه الْمُوصى إِذا ضَاقَ عَنْهَا الثُّلُث وَمَا لَيْسَ بِوَاجِب قدم مِنْهُ مَا قدمه الْمُوصي وَمن أوصى بِحجَّة الْإِسْلَام أحجوا عَنهُ رجلا من بَلَده يحجّ رَاكِبًا فَإِن لم تبلغ الْوَصِيَّة النَّفَقَة أحجوا عَنهُ من حَيْثُ تبلغ وَمن خرج من بَلَده حَاجا فَمَاتَ فِي الطَّرِيق وَأوصى أَن يحجّ عَنهُ يحجّ عَنهُ من بَلَده
بَاب الْوَصِيَّة للأقارب وَغَيرهم
وَمن أوصى لجيرانه فهم الملاصقون عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله وَقَالا هم الملاصقون

(1/262)


وَغَيرهم مِمَّن يسكن محلّة الْمُوصي ويجمعهم مَسْجِد الْمحلة وَمن أوصى لأصهاره فَالْوَصِيَّة لكل ذِي رحم محرم من امْرَأَته وَكَذَا يدْخل فِيهِ كل ذِي رحم محرم من زَوْجَة أَبِيه وَزَوْجَة ابْنه وَزَوْجَة كل ذِي رحم محرم مِنْهُ وَلَو مَاتَ الْمُوصي وَالْمَرْأَة فِي نِكَاحه أَو فِي عدته من طَلَاق رَجْعِيّ فالصهر يسْتَحق الْوَصِيَّة وَإِن كَانَت فِي عدته من طَلَاق بَائِن لَا يَسْتَحِقهَا وَمن أوصى لأختانه فَالْوَصِيَّة لزوج كل ذَات رحم محرم مِنْهُ وَكَذَا محارم الْأزْوَاج وَمن أوصى لأقاربه فَهِيَ للأقرب فَالْأَقْرَب من كل ذِي رحم محرم مِنْهُ وَلَا يدْخل فِيهِ الْوَالِدَان وَالْولد وَيكون ذَلِك للإثنين فَصَاعِدا وَهَذَا عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله وَقَالَ صَاحِبَاه الْوَصِيَّة لكل من ينْسب إِلَى أقْصَى أَب لَهُ فِي الْإِسْلَام وَإِذا أوصى لأقاربه وَله عمان وخالان فَالْوَصِيَّة لعميه وَلَو ترك عَمَّا وخالين فللعم نصف الْوَصِيَّة وَالنّصف للخالين وَمن أوصى لأهل فلَان فَهِيَ على زَوجته عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله وَقَالا كل من يعولهم وتضمهم نَفَقَته وَلَو أوصى لآل فلَان فَهُوَ لأهل بَيته وَلَو أوصى لأهل بَيت فلَان يدْخل فِيهِ أَبوهُ وجده وَمن أوصى لولد فلَان فَالْوَصِيَّة بَينهم وَالذكر وَالْأُنْثَى فِيهِ سَوَاء وَمن أوصى لوَرَثَة فلَان فَالْوَصِيَّة بَينهم للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ
بَاب الْوَصِيَّة بِالسُّكْنَى والخدمة وَالثَّمَرَة
وَتجوز الْوَصِيَّة بِخِدْمَة عَبده وسكنى دَاره سِنِين مَعْلُومَة وَتجوز بذلك أبدا فَإِن خرجت رَقَبَة العَبْد من الثُّلُث يسلم إِلَيْهِ ليخدمه وَإِن كَانَ لَا مَال لَهُ غَيره خدم الْوَرَثَة يَوْمَيْنِ وَالْمُوصى لَهُ يَوْمًا فَإِذا مَاتَ الْمُوصى لَهُ عَاد إِلَى الْوَرَثَة وَلَو مَاتَ الْمُوصى لَهُ فِي حَيَاة الْمُوصي بطلت وَمن أوصى لآخر بثمرة بستانه ثمَّ مَاتَ وَفِيه ثَمَرَة فَلهُ هَذِه الثَّمَرَة وَحدهَا وَإِن قَالَ لَهُ ثَمَرَة بستاني أبدا فَلهُ هَذِه الثَّمَرَة وثمرته فِيمَا يسْتَقْبل مَا عَاشَ وَإِن أوصى لَهُ بغلة بستانه فَلهُ الْغلَّة الْقَائِمَة وغلته فِيمَا يسْتَقْبل وَمن أوصى لرجل بصوف غنمه أبدا أَو بِأَوْلَادِهَا أَو بلبنها ثمَّ مَاتَ فَلهُ مَا فِي بطونها

(1/263)


من الْوَلَد وَمَا فِي ضروعها من اللَّبن وَمَا على ظُهُورهَا من الصُّوف يَوْم يَمُوت الْمُوصى سَوَاء قَالَ أبدا أَو لم يقل
بَاب وَصِيَّة الذِّمِّيّ
وَإِذا صنع يَهُودِيّ أَو نَصْرَانِيّ بيعَة أَو كَنِيسَة فِي صِحَّته ثمَّ مَاتَ فَهُوَ مِيرَاث وَلَو أوصى بذلك لقوم مسمين فَهُوَ من الثُّلُث وَأَن أوصى بداره كنسية لقوم غير مسمين جَازَت الْوَصِيَّة عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله وَقَالا الْوَصِيَّة بَاطِلَة وَإِذا دخل الْحَرْبِيّ دَارنَا بِأَمَان فأوصى لمُسلم أَو ذمِّي بِمَالِه كُله جَازَ
بَاب الْوَصِيّ وَمَا يملكهُ
وَمن أوصى إِلَى رجل فَقبل الْوَصِيّ إِلَى وَجه الْمُوصي وردهَا فِي غير وَجهه فَلَيْسَ برده فَإِن ردهَا فِي وَجهه فَهُوَ رد وَإِن لم يقبل وَلم يرد حَتَّى مَاتَ الْمُوصي فَهُوَ بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ قبل وَإِن شَاءَ لم يقبل وَإِن لم يقبل حَتَّى مَاتَ الْوَصِيّ فَقَالَ لَا أقبل ثمَّ قَالَ أقبل فَلهُ ذَلِك إِن لم يكن القَاضِي أخرجه من الْوَصِيَّة حِين قَالَ لَا أقبل وَمن أوصى إِلَى عبد أَو كَافِر أَو فَاسق أخرجهم القَاضِي عَن الْوِصَايَة وَنصب غَيرهم وَمن أوصى إِلَى عبد نَفسه وَفِي الْوَرَثَة كبار لم تصح الْوَصِيَّة وَإِن كَانُوا صغَارًا كلهم فَالْوَصِيَّة إِلَيْهِ جَائِزَة عِنْد أبي حنيفَة وَلَا تجوز عِنْدهمَا وَمن يعجز عَن الْقيام بِالْوَصِيَّةِ ضم إِلَيْهِ القَاضِي غَيره وَمن أوصى إِلَى اثْنَيْنِ لم يكن لأَحَدهمَا أَن يتَصَرَّف عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد رحمهمَا الله دون صَاحبه إِلَّا فِي شِرَاء كفن الْمَيِّت وتجهيزه وَطَعَام الصغار وكسوتهم ورد الْوَدِيعَة بِعَينهَا ورد الْمَغْصُوب وَالْمُشْتَرِي شِرَاء فَاسِدا وَحفظ الْأَمْوَال وَقَضَاء الدُّيُون وتنفيذ وَصِيَّة بِعَينهَا وَعتق عبد بِعَيْنِه وَالْخُصُومَة فِي حق الْمَيِّت وَقبُول الْهِبَة وَبيع مَا يخْشَى عَلَيْهِ التوى والتلف وَجَمِيع الْأَمْوَال الضائعة ومقاسمة الْوَصِيّ الْمُوصى لَهُ عَن الْوَرَثَة جَائِزَة ومقاسمته الْوَرَثَة عَن الْمُوصى لَهُ بَاطِلَة فَإِن قَاسم الْوَرَثَة وَأخذ نصيب الْمُوصى لَهُ فَضَاعَ رَجَعَ الْمُوصى لَهُ

(1/264)


بِثلث مَا بَقِي وَإِن كَانَ الْمَيِّت أوصى بِحجَّة فقاسم الْوَرَثَة فَهَلَك مَا فِي يَده حج عَن الْمَيِّت من ثلث مَا بَقِي وَكَذَلِكَ إِن دَفعه إِلَى رجل ليحج عَنهُ فَضَاعَ مَا فِي يَده وَمن أوصى بِثلث الف دِرْهَم فَدَفعهَا الْوَرَثَة إِلَى القَاضِي فَقَسمهَا وَالْمُوصى لَهُ غَائِب فقسمته جَائِزَة وَإِذا بَاعَ الْوَصِيّ عبدا من التَّرِكَة بِغَيْر محْضر من الْغُرَمَاء فَهُوَ جَائِز وَمن أوصى بِأَن يُبَاع عَبده وَيتَصَدَّق بِثمنِهِ على الْمَسَاكِين فَبَاعَهُ الْوَصِيّ وَقبض الثّمن فَضَاعَ فِي يَده فَاسْتحقَّ العَبْد ضمن الْوَصِيّ وَيرجع فِيمَا ترك الْمَيِّت وَإِن قسم الْوَصِيّ الْمِيرَاث فَأصَاب صَغِيرا من الْوَرَثَة عبد فَبَاعَهُ وَقبض الثّمن فَهَلَك وَاسْتحق العَبْد رَجَعَ فِي مَال الصَّغِير وَإِذا احتال الْوَصِيّ بِمَال الْيَتِيم فَإِن كَانَ خيرا للْيَتِيم جَازَ وَلَا يجوز بيع الْوَصِيّ وَلَا شِرَاؤُهُ إِلَّا بِمَا يتَغَابَن النَّاس فِي مثله وَإِذا كتب كتاب الشِّرَاء على وَصِيّ كتب كتاب الْوَصِيَّة على حِدة وَكتاب الشِّرَاء على حَده وَبيع الْوَصِيّ على الْكَبِير الْغَائِب جَائِز فِي كل شَيْء إِلَّا فِي الْعقار وَلَا يتجر فِي المَال وَالْوَصِيّ أَحَق بِمَال الصَّغِير من الْجد فَإِن لم يوص الْأَب فالجد بِمَنْزِلَة الْأَب
فصل فِي الشَّهَادَة
وَإِذا شهد الوصيان أَن الْمَيِّت أوصى إِلَى فلَان مَعَهُمَا فالشهادة بَاطِلَة إِلَّا أَن يدعيها الْمَشْهُود لَهُ وَكَذَلِكَ الابنان وَلَو شهد الْوَارِث صَغِير بِشَيْء من مَال الْمَيِّت أَو غَيره فشهادتهما بَاطِلَة وَإِن شَهدا لوَارث كَبِير فِي مَال الْمَيِّت لم يجز وَإِن كَانَ فِي غير مَال الْمَيِّت جَازَ وَإِذا شهد رجلَانِ لِرجلَيْنِ على ميت بدين ألف دِرْهَم وَشهد الْآخرَانِ للأولين بِمثل ذَلِك جَازَت شَهَادَتهمَا فَإِن كَانَت شَهَادَة كل فريق للْآخر بِوَصِيَّة ألف دِرْهَم لم تجز وَلَو شهد أَنه أوصى لهذين الرجلَيْن بِجَارِيَتِهِ وَشهد الْمَشْهُود لَهما أَن الْمَيِّت أوصى للشاهدين بِعَبْدِهِ جَازَت الشَّهَادَة بالِاتِّفَاقِ وَلَو شَهدا بِأَنَّهُ أوصى لهذين الرجلَيْن بِثلث مَاله وَشهد الشُّهُود لَهما أَنه أوصى للشاهدين بِثلث مَاله فالشهادة بَاطِلَة وَكَذَا إِذا شهد الْأَوَّلَانِ أَن الْمَيِّت أوصى لهذين الرجلَيْن بِعَبْد وَشهد الْمَشْهُود لَهما أَنه أوصى للأولين بِثلث مَاله فَهِيَ بَاطِلَة

(1/265)