بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

"كتاب الإعتاق"
 الكلام في هذا الكتاب في الأصل في مواضع: في بيان أنواع الإعتاق وفي بيان ركن الإعتاق، وفي بيان شرائط الركن، وفي بيان صفة الإعتاق، وفي بيان حكم الإعتاق، وفي بيان وقت ثبوت حكمه، وفي بيان ما يظهر به الإعتاق أما الأول: فالإعتاق في القسمة الأولى ينقسم إلى أربعة أقسام: واجب، ومندوب إليه، ومباح، ومحظور أما الواجب: فالإعتاق في كفارة القتل والظهار واليمين والإفطار إلا أنه في باب القتل والظهار والإفطار واجب على التعيين عند القدرة عليه وفي اليمين واجب على التخيير قال الله تعالى في كفارة القتل والظهار {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} وفي كفارة اليمين {أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} وإنه أمر بصيغة المصدر كقوله عز وجل {فَضَرْبَ الرِّقَابِ} وقوله عز وجل {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ} وقوله تعالى {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ} ونحو ذلك وقال النبي صلى الله عليه وسلم في كفارة الإفطار "أعتق رقبة" وأما المندوب إليه: فهو الإعتاق لوجه الله تعالى من غير إيجاب؛ لأن الشرع ندب إلى ذلك لما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "أيما مؤمن أعتق مؤمنا في الدنيا أعتق الله تعالى بكل عضو منه عضوا منه من النار" وعن واثلة بن الأسقع قال "أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في صاحب لنا قد أوجب فقال صلى الله عليه وسلم أعتقوا عنه يعتق الله تعالى بكل عضو منه عضوا منه من النار" وعن أبي نجيح السلمي قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالطائف فسمعته يقول "من رمى بسهم في سبيل الله فله درجة في الجنة ومن شاب شيبة في الإسلام كانت له نورا يوم القيامة وأيما رجل مسلم أعتق رجلا مسلما كان به وقاء كل عظم من عظام محرره من النار وأيما امرأة مسلمة أعتقت امرأة مسلمة كان بها وقاء كل عظم من عظام محررتها من النار" وعن البراء بن عازب قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله علمني عملا يدخلني الجنة فقال صلى الله عليه وسلم "أعتق النسمة وفك الرقبة فقال: أو ليسا واحدا؟ فقال صلى الله عليه وسلم: لا، عتق النسمة أن تنفرد بعتقها وفك الرقبة أن تعين في إفكاكها" وفي بعض الروايات أن تعين في ثمنها وأما المباح: فهو الإعتاق من غير نية لوجود معنى الإباحة فيه وهي تخيير العاقل بين تحصيل الفعل وتركه شرعا وأما المحظور فهو أن يقول لعبده: أنت حر لوجه الشيطان

 

ج / 4 ص -46-         ويقع العتق لوجود ركن الإعتاق وشرطه، وقوله لوجه الشيطان لبيان الغرض ونقسمه أيضا أقساما أخر نذكرها في مواضعها إن شاء الله تعالى.
"فصل" وأما ركن الإعتاق فهو اللفظ الذي جعل دلالة على العتق في الجملة أو ما يقوم مقام اللفظ فيحتاج فيه إلى بيان الألفاظ التي يثبت بها العتق في الجملة إما مع النية أو بدون النية وإلى بيان ما لا يثبت به العتق من الألفاظ رأسا أما الأول: فالألفاظ التي يثبت بها العتق في الجملة فتنقسم ثلاثة أقسام: صريح، وملحق بالصريح، وكناية أما الصريح: فهو اللفظ المشتق من العتق أو الحرية أو الولاء نحو قوله: أعتقتك أو حررتك أو أنت عتيق أو معتق أو أنت مولاي؛ لأن الصريح في اللغة اسم لما هو ظاهر المعنى مكشوف المراد عند السامع وهذه الألفاظ بهذه الصفة، أما لفظ العتق والحرية فلا شك فيه؛ لأنه لا يستعمل إلا في العتق فكان ظاهر المراد عند السامع فكان صريحا فلا يفتقر إلى النية كصريح الطلاق؛ إذ النية لتعيين المحتمل وأما لفظ الولاء فالمولى وإن كان من الألفاظ المشتركة في الأصل لوقوعه على مسميات مختلفة الحدود والحقائق بمنزلة اسم العين والقرء وغيرهما؛ فإنه يقع على الناصر قال الله تعالى
{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ} ويقع على ابن العم قال الله تبارك وتعالى خبرا عن نبيه زكريا عليه الصلاة والسلام {وإني وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائي} ويقع على المعتق والمعتق لكن ههنا لا يحتمل معنى الناصر؛ لأن المولى لا يستنصر بعبده ولا ابن العم إذا كان العبد معروف النسب ولا المعتق إذ العبد لا يعتق مولاه فتعين المعتق مرادا به، واللفظ المشترك يتعين بعض الوجوه الذي يحتمله مراده بدليل معين فكان صريحا في العتق فلا يحتاج إلى النية كقوله أنت حر أو عتيق وكذا إذا ذكر هذه الألفاظ بصيغة النداء بأن قال يا حر يا عتيق يا معتق؛ لأنه ناداه بما هو صريح في الدلالة على العتق لكون اللفظ موضوعا للعتق والحرية ولا يعتبر المعنى بالموضوعات فيثبت العتق من غير نية كقوله: أنت حر أو عتيق أو معتق، وذكر محمد أنه لو كان اسم العبد حرا وعرف بذلك الاسم فقال له: يا حر لا يعتق؛ لأنه إذا كان مسمى بذلك الاسم معروفا به لندائه يحمل على الاسم العلم لا على الصفة فلا يعتق وكذا إذا قال له: يا مولاي؛ يعتق عليه عند أصحابنا الثلاثة وقال زفر لا يعتق من غير نية، وجه قوله أن قوله: يا مولاي يحتمل التعظيم ويحتمل العتق فلا يحمل على التحقيق إلا بالنية كقوله: يا سيدي ويا مالكي، ولنا أن النداء للعبد باسم المولى لا يراد به التعظيم للعبد وإكرامه عادة وإنما يراد به الإعتاق فيحمل عليه كأن قال: أنت مولاي، ولو قال ذلك؛ يعتق عليه كذا هذا بخلاف قوله: يا سيدي ويا مالكي؛ لأن هذا قد يذكر على وجه التعظيم والإكرام؛ فلا يثبت به العتق من غير قرينة وعلل محمد لهذا فقال: لأنا إنما أعتقناه في قوله: يا مولاي لأجل الولاء لا لأجل الملك، ومعناه ما ذكرنا، والله عز وجل أعلم ولو قال في شيء من هذه الألفاظ من قوله: أعتقتك أو نحوه؛ عنيت به الخبر كذبا لا يصدق في القضاء لعدوله عن الظاهر؛ لأنه يستعمل في إنشاء العتق في عرف اللغة والشرع كما يستعمل في الإخبار فإن العرب قبل ورود الشرع كانوا يعتقون عبيدهم بهذه الصيغة وفي الحمل على الخبر حمل على الكذب، وظاهر حال العاقل بخلافه فلا يصدق في القضاء كما لو قال لامرأته: طلقتك ونوى به الإخبار كذبا لا يصدق في القضاء ويصدق به فيما بينه وبين الله عز وجل؛ لأنه نوى ما يحتمله كلامه؛ لأنه يحتمل الإخبار وإن كان إرادته الخبر خلاف الظاهر، ولو قال: عنيت به أنه كان خبرا فإن كان موكدا لا يصدق أصلا؛ لأنه كذب محض وإن كان إنشاء لا يصدق قضاء؛ لأن الظاهر إرادة الإنشاء من هذه الألفاظ فلا يصدق في العدول عن الظاهر ويصدق ديانة؛ لأن اللفظ يحتمل الإخبار عن الماضي، ولو قال: أنت حر من عمل كذا أو أنت حر اليوم من هذا العمل عتق في القضاء؛ لأن العتق بالنسبة إلى الأعمال والأزمان لا يتجزأ لاستحالة أن يعتق اليوم ويسترق غدا أو يعتق في عمل ويرق في عمل فكان الإعتاق في عمل دون عمل وفي زمان دون زمان إعتاقا من الأعمال كلها وفي الأزمان بأسرها فإذا نوى بعض الأعمال والأزمان فقد نوى خلاف الظاهر فلا يصدقه القاضي وكذا إذا قال: أنت مولاي وقال: عنيت به الموالاة في الدين لا يصدق في القضاء؛ لأنه خلاف الظاهر؛ إذ هو يستعمل لولاء العتق ظاهرا

 

ج / 4 ص -47-         ويصدق ديانة؛ لأن اللفظ يحتمل ما نوى، ولو قال: ما أنت إلا حر عتق؛ لأن قوله: ما أنت إلا حر آكد من قوله: أنت حر؛ لأنه إثبات بعد النفي كقولنا: لا إله إلا الله، ولو قال أنت حر لوجه الله تعالى عتق؛ لأن اللام في قوله لوجه الله تعالى لام الغرض فقد نجز الحرية وبين أن غرضه من التحرير وجه الله عز وجل، وكذا لو قال لعبده: أنت حر لوجه الشيطان؛ عتق ذكره محمد في الأصل؛ لأنه أعتقه بقوله أنت حر وبين غرضه الفاسد من الإعتاق فلا يقدح في العتق، ولو دعا عبده سالما فقال: يا سالم فأجابه مرزوق فقال: أنت حر ولا نية له عتق الذي أجابه؛ لأن قوله أنت حر خطاب والمتكلم أولى بصرف الخطاب إليه من الساكت، ولو قال: عنيت سالما عتقا في القضاء أما مرزوق فلأن الإشارة مصروفة إليه لما بينا فلا يصدق في أنه ما عناه وأما سالم فبإقراره وأما فيما بينه وبين الله تعالى فإنما يعتق الذي عناه خاصة؛ لأن الله تعالى يطلع على سره، ولو قال: يا سالم أنت حر فإذا هو عبد آخر له أو لغيره عتق سالم؛ لأنه لا مخاطب ههنا إلا سالم فيصرف قوله أنت حر إليه، والله عز وجل أعلم. وأما الذي هو ملحق بالصريح فهو أن يقول لعبده: وهبت لك نفسك أو وهبت نفسك منك أو بعت نفسك منك ويعتق سواء قبل أو لم يقبل نوى أو لم ينو؛ لأن الإيجاب من الواهب أو البائع إزالة الملك من الموهوب أو المبيع وإنما الحاجة إلى القبول من الموهوب له والمشتري لثبوت الملك لهما وههنا لا يثبت للعبد في نفسه؛ لأنه لا يصلح مملوكا لنفسه فتبقى الهبة، والبيع إزالة الملك عن الرقيق لا إلى أحد وهذا معنى الإعتاق ولهذا لا يفتقر إلى القبول فلا يحتاج إلى النية أيضا؛ لأن اللفظ صريح في الدلالة على زوال الملك عن الموهوب والمبيع، والإعتاق إزالة الملك وقد قال أبو حنيفة: إذا قال لعبده: وهبت لك نفسك وقال: أردت وهبت له عتقه أي: لا أعتقه؛ لم يصدق في القضاء؛ لأن الهبة وضعت لإزالة الملك عن الموهوب وهبة العتق استبقاء الملك على الموهوب فقد عدل عن ظاهر الكلام فلا يصدق في القضاء ويصدق فيما بينه وبين الله عز وجل؛ لأنه نوى ما يحتمله كلامه وروي عن أبي يوسف فيمن قال لعبده: أنت مولى فلان أو عتيق فلان؛ أنه يعتق في القضاء؛ لأنه أخبر أنه معتق فلان ولا يكون معتق فلان إلا وأن يكون مملوكا لفلان فأعتقه فإن أعتقك فلان فليس بشيء؛ لأن قوله: أعتقك فلان يحتمل أنه أراد أن فلانا أنشأ العتق فيك ولا يكون ذلك إلا بعد الملك ويحتمل أنه أراد به أنه قال لك للحال: أنت حر ولا ملك له فيه فلا يعتق بالشك والله عز وجل أعلم ومن هذا القبيل إذا اشترى أباه أو أمه أو ابنه؛ عتق عليه، نوى أو لم ينو عند عامة العلماء؛ لأن شراءه جعل إعتاقا شرعا حتى تتأدى به الكفارة إذا اشترى أباه ناويا عن الكفارة في قول أصحابنا الثلاثة خلافا لزفر والشافعي وعند مالك لا يعتق إلا بإعتاق مبتدأ والأصل أن كل من يملك ذا رحم محرم منه بالشراء أو بقبول الهبة أو الصدقة أو الوصية أو بالإرث يعتق عليه، وقال مالك: لا يعتق ما لم يعتقه، وقال الشافعي: لا يعتق بالملك إلا من له أولاد فأما من لا أولاد له فلا يعتق إلا بإعتاق مبتدأ، أما مالك فإنه احتج بما روى أبو داود في سننه بإسناده عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال "لن يجزي ولد والده إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه" حقق صلى الله عليه وسلم الإعتاق عقيب الشراء، ولو كان الشراء نفسه إعتاقا لم يتحقق الإعتاق عقيبه؛ لأن إعتاق المعتق لا يتصور فدل أن شراء القريب ليس بإعتاق ولأن الشراء إثبات الملك والإعتاق إزالة الملك وبينهما منافاة فكيف يكون اللفظ الواحد إثباتا وإزالة ولنا ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من ملك ذا رحم محرم منه فهو حر" وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني دخلت السوق فوجدت أخي يباع فاشتريته وأنا أريد أن أعتقه فقال له صلى الله عليه وسلم إن الله تعالى قد أعتقه"، والحديثان حجة على مالك والشافعي ومعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة فتعتقه أي: تعتقه بالشراء يحمل على هذا عملا بالأحاديث كلها صيانة لها عن التناقضوأما قوله: الشراء إثبات الملك والإعتاق إزالة الملك فنعم ولكن الممتنع إثبات حكم وضده بلفظ واحد في زمان واحد وأما في زمانين فلا؛ لأن علل الشرع في الحقيقة دلائل وأعلام على المحكومات الشرعية فيجوز أن يكون لفظ الشراء السابق علما على ثبوت الملك في الزمان الأول وذلك اللفظ بعينه علما على ثبوت العتق في الزمان الثاني؛ إذ لا تنافي عند اختلاف الزمان وأما

 

ج / 4 ص -48-         الكلام مع الشافعي فمبني على أن القرابة المحرمة للنكاح فيما سوى الولاد وهي قرابة الأخوة والعمومة والخؤولة حرام القطع عندنا وعنده لا يحرم قطعها، وعلى هذا يبنى وجوب القطع بالسرقة ووجوب النفقة في هذه القرابة أنه لا يقطع ويجب النفقة عندنا خلافا له ولا خلاف في أن قرابة الولاد حرام القطع ولا خلاف أيضا في أن القرابة التي لا تحرم النكاح كقرابة بني الأعمام غير محرمة القطع فالشافعي يلحق هذه القرابة بقرابة بني الأعمام ونحن نلحقها بقرابة الولاد، وجه قوله أن العتق إنما يثبت بالقرابة لكون العتق صلة وكون القرابة مستدعية للصلة، والإحسان إلى القريب والعتق من أعلى الصلات فلا يثبت إلا بأعلى القرابات وهي قرابة الولاد لما فيها من الجزئية والبعضية ولا يوجد ذلك في هذه القرابة فلا يلحق بها بل يلحق بالقرابة البعيدة وهي قرابة بني الأعمام ولهذا ألحق بها في كثير من الأحكام وهي جريان القصاص في النفس والطرف وقبول الشهادة والحبس بالدين وجواز الاستئجار ونكاح الحليلة وعدم التكاتب ولنا أن قرابة الولاد إنما أوجبت العتق عند الملك لكونها محرمة القطع وإبقاء الملك في القريب يفضي إلى قطع الرحم؛ لأن الملك نفسه من باب الذل والهوان فيورث وحشة وإنها توجب التباعد بين القريبين وهو تفسير قطيعة الرحم وشرع السبب المفضي إلى القطع مع تحريم القطع متناقض فلا يبقى الملك دفعا للتناقض فلا يبقى الرق ضرورة؛ لأنه لم يشرع بقاؤه في المسلم والذمي إلا لأجل الملك المحترم للمالك المعصوم وإذا زال الرق ثبت العتق ضرورة، والقرابة المحرمة للنكاح محرمة القطع؛ لأن النصوص المقتضية لحرمة قطع الرحم عامة أو مطلقة قال الله تبارك وتعالى {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ} معناه: واتقوا الله الذي تساءلون به فلا تعصوه واتقوا الأرحام فلا تقطعوها ويحتمل أن يكون معناه واتقوا الله وصلوا الأرحام وقد روي في الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال "صلوا الأرحام فإنه أبقى لكم في الدنيا وخير لكم في الآخرة" والأمر بالوصل يكون نهيا عن القطع؛ لأنه ضده والأمر بالفعل نهي عن ضده وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال "الرحم شجنة من الله تعالى معلقة بالعرش تقول يا رب هذا مقام العائذ بك قطعت ولم أوصل فيقول الله تبارك وتعالى أما يكفيك أني شققت لك اسما من اسمي أنا الرحمن وأنت الرحم فمن وصلك وصلته ومن قطعك بتته" ومثل هذا الوعيد لا يكون إلا بارتكاب المحرم فدل أن قطع الرحم حرام والرحم هو القرابة سميت القرابة رحما إما باعتبار أن الرحم مشتق من الرحمة كما جاء في الحديث والقرابة سبب الرحمة والشفقة على القريب طبعا وإما باعتبار العضو المخصوص من النساء المسمى بالرحم محل السبب الذي يتعلق به وجود القرابات فكان كل قرابة أو مطلق القرابة محرمة القطع بظاهر النصوص إلا ما خص أو قيد بدليل ثم نخرج الأحكام، أما جريان القصاص فلا يفضي إلى قطع الرحم؛ لأن القصاص جزاء الفعل، وجزاء الفعل يضاف إلى الفاعل فكان الأخ القاتل أو القاطع هو قاطع الرحم فكأنه قتل نفسه أو قطع طرفه باختياره، وكذا الحبس بالدين؛ لأنه جزاء المطل الذي هو جناية فكان مضافا إليه وأما الإجارة فهي عقد معاوضة وهو تمليك المنفعة بالمال وإنه حصل باختياره فلا يفضي إلى القطع إلا أنه لا يجوز استئجار الأب ابنه في الخدمة التي يحتاج إليها الأب لا لأنه يفضي إلى قطيعة الرحم بل لأن ذلك يستحق على الابن شرعا فلا يجوز أن يستحق الأجر في مقابلته فلا يدخل في العقد، ولو استأجر الابن أباه يصح ولكن يفسخ احتراما للأب ونحن نسلم أن للأب زيادة احترام شرعا يظهر في حق هذا وفي حق القصاص والحبس، ولا كلام  فيه وأما  نكاح الحليلة فإنه وإن كان فيه نوع غضاضة لكن هذا النوع من الغضاضة غير معتبر في تحريم القطع فلأن الجمع بين الأختين حرم للصيانة عن قطيعة الرحم ثم يجوز نكاح الأخت بعد طلاق أختها وانقضاء عدتها وإن كان لا يخلو عن نوع غضاضة وأما التكاتب فعند أبي يوسف ومحمد يتكاتب الأخ كما في قرابة الولاد وعن أبي حنيفة فيه روايتان، ثم نقول عدم تكاتب الأخ لا يفضي إلى قطيعة الرحم؛ لأن ملكه لا يصلح للتكاتب؛ لأنه من باب الصلة والتبرع وملك المكاتب ملك ضروري لا يظهر في حق التبرع والعتق فإذا لم يتكاتب عليه لم يقدر الأخ على إزالة الذل عنه وهو الملك؛ فلا يفضي إلى الغضاضة بخلاف الولد؛ لأن ملك المكاتب وإن كان ضروريا لم يشرع إلا في حق حرية نفسه لكن

 

ج / 4 ص -49-         حرية أبيه وابنه في معنى حرية نفسه؛ لأن المرء يسعى لحرية أولاده وآبائه مثل ما يسعى لحرية نفسه فهو الفرق والله عز وجل أعلم وسواء كان المالك لذي الرحم المحرم بالغا أو صبيا عاقلا أو مجنونا؛ يعتق عليه إذا ملكه لعموم قوله صلى الله عليه وسلم "من ملك ذا رحم محرم منه فهو حر" ولأنه علق الحكم وهو الحرية بالملك فيقتضي أن كل من كان من أهل الملك؛ كان من أهل هذا الحكم والصبي والمجنون من أهل الملك فكانا من أهل هذا الحكم فإن قيل: إن الصبي العاقل إذا اشترى أباه يعتق عليه وشراء القريب إعتاق عند أصحابنا حتى تتأدى به الكفارة والصبي وإن كان عاقلا فليس من أهل الإعتاق فينبغي أن لا يعتق أو لا يكون الشراء إعتاقا قيل: إن كون شراء الأب إعتاقا عرفناه بالنص وهو ما رويناه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه والنص قابل للتخصيص والتقييد وقد قام الدليل على أن الصبي ليس بمراد؛ لأنه ليس من أهل الإعتاق فلا يكون الشراء من الصبي وإن كان عاقلا إعتاقا بل يكون تمليكا فقط فيعتق عليه بالملك شرعا لقول النبي صلى الله عليه وسلم "من ملك ذا رحم محرم منه فهو حر" لا بالإعتاق ولو ملك حليلة ابنه أو منكوحة أبيه أو أمه من الرضاع لا يعتق عليه وكذا إذا ملك ابن العم أو العمة أو ابنتها أو ابن الخال أو الخالة أو بنتيهما لا يعتق؛ لأن شرط العتق ملك ذي رحم محرم فلا بد من وجودهما أعني الرحم المحرم ففي الأول وجد المحرم بلا رحم وفي الثاني وجد الرحم بلا محرم فلا يثبت العتق وأهل الإسلام وأهل الذمة في ذلك سواء لاستوائهم في حرمة قطع الرحم وأهلية الإعتاق وأهلية الملك ولعموم قوله صلى الله عليه وسلم "من ملك ذا رحم محرم فهو حر وولاء المعتق لمن عتق عليه"؛ لأن العتق إن وقع بالشراء فالشراء إعتاق وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم "الولاء لمن أعتق" وإن وقع بالملك شرعا فالملك للمعتق عليه فكان الولاء له ولو اشترى أمة وهي حبلى من أبيه والأمة لغير الأب؛ جاز الشراء وعتق ما في بطنها ولا تعتق الأمة، ولا يجوز بيعها قبل أن تضع وله أن يبيعها إذا وضعت، أما جواز الشراء فلا شك فيه؛ لأن شراء الأخ جائز كشراء الأب وسائر ذوي الرحم المحرموأما عتق الحمل فلأنه أخوه وقد ملكه فيعتق عليه ولا تعتق الأم عليه؛ لأنها أجنبية عنه لعدم القرابة بينهما؛ يحققه أنه لو ملكها أبوه لا تعتق عليه فابنه أولى وأما عدم جواز بيعها ما دام الحمل قائما فلأن في بطنها ولدا حرا ولأن بيع الحامل بدون الحمل لا يجوز؛ ألا ترى أنه لو باعها واستثنى الحمل يفسد البيع فإذا كان الولد حرا والحر لا يكون محلا للبيع يصير كأنه استثنى الولد وإذا وضعت جاز بيعها؛ لأن المانع قد زال وإذا ملك شقصا من ذي رحم محرم منه عتق عليه قدر ما ملك في قول أبي حنيفة وعند أبي يوسف ومحمد وزفر يعتق كله كما لو أعتق شقصا من عبد له أجنبي؛ لأن العتق يتجزأ عنده وعندهم لا يتجزأ، ولو ملك رجلان ذا رحم محرم من أحدهما حتى عتق عليه فهذا لا يخلو: إما أن ملكاه بسبب لهما فيه صنيع، وإما إن ملكاه بسبب لا صنيع لهما فيه فإن ملكاه بسبب لهما فيه صنع بأن ملكاه بالشراء أو بقبول الهبة أو الصدقة أو الوصية لا يضمن من عتق عليه لشريكه شيئا موسرا كان أو معسرا في قول أبي حنيفة ولكن يسعى له العبد في نصيبه وعند أبي يوسف ومحمد يضمن الذي عتق عليه نصيبه إن كان موسرا وعلى هذا الخلاف إذا باع رجل نصف عبده من ذي رحم محرم من عبده أو وهبه له حتى عتق عليه؛ لا يضمن المشتري نصيب البائع عند أبي حنيفة موسرا كان القريب أو معسرا، ولكن يسعى العبد في نصف قيمته للبائع وعندهما يضمن إن كان موسرا وإن كان معسرا يسعى العبد ولو قال الرجل لعبد ليس بقريب له: إن ملكته فهو حر ثم اشتراه الحالف وغيره صفقة واحدة ذكر الجصاص أنه على هذا الخلاف أنه لا ضمان عليه في قول أبي حنيفة وعندهما يضمن وذكر الكرخي أني لا أعرف الرواية في هذه المسألة، وأجمعوا على أن العبد إذا كان بين اثنين فباع أحدهما نصيبه من قريب العبد حتى عتق عليه؛ أن المشتري يضمن نصيب الشريك الساكت إن كان موسرا، ولا يضمن البائع شيئا والكلام في هذه المسائل بناء على أن الإعتاق يتجزأ عند أبي حنيفة وعندهما لا يتجزأ، ووجه البناء على هذا الأصل أن الإعتاق لما لم يكن متجزئا عندهما وشراء القريب إعتاق فكان شراء نصيبه إعتاقا لنصيبه وإعتاق نصيبه إعتاق لنصيب صاحبه فيعتق كله كالعبد المشترك بين اثنين أعتقه أحدهما وهو موسر ولما كان متجزئا عنده كان شراء نصيبه

 

ج / 4 ص -50-         إعتاقا لنصيبه خاصة فلم يكن إفسادا لنصيب شريكه ولا تمليكا لنصيبه أيضا؛ لأن ذلك ثبت لضرورة تكميل الإعتاق لضرورة عدم التجزئة فإذا كان متجزئا عنده فلا ضرورة إلى التكميل فلا حاجة إلى التمليك والدليل عليه أنه لا ضمان إذا كان معسرا وضمان الإتلاف والتمليك لا يسقط بالإعسار وكان ينبغي أن لا يجب الضمان على الشريك المعتق إلا أنا عرفنا وجوب الضمان ثمة مخالفا للأصول بالنص نظرا للشريك الساكت وهو مستحق للنظر؛ إذ لم يوجد منه الرضا بمباشرة الإعتاق من الشريك ولا بمباشرة شرطه وههنا وجد؛ لأن كل واحد من المشتريين راض بشراء صاحبه وكيف لا يكون راضيا به، وإن شراء كل واحد منهما شرط لصحة شراء صاحبه حتى لو أوجب البائع لهما فقبل أحدهما دون صاحبه لم يصح وكذا البائع نصف عبده من ذي رحم محرم راض بشرائه ومن رضي بالضرر لا ينظر له فلم تكن هذه المواضع نظير المنصوص عليه فبقي الحكم فيها على الأصل بخلاف العبد المشترك بين اثنين باع أحدهما نصيبه من ذي رحم محرم منه؛ لأن هناك لم يوجد دليل الرضا من الشريك الساكت بشراء القريب أصلا حتى يوجب سقوط حقه في الضمان فكان في معنى المنصوص عليه فيلحق به ثم وجه الكلام لأبي حنيفة على طريق الابتداء أنه وإن سلم أن شراء نصيبه إعتاق لنصيبه وإفساد لنصيب شريكه لكن هذا إفساد مرضي به من جهة الشريك؛ لأنه رضي بشراء نفسه وإثبات الملك له في نصيبه ولا يمكنه ذلك بدون شراء صاحبه؛ لأن الخلاف فيما إذا أوجب البائع البيع لهما صفقة واحدة فلا بد وأن يكون القبول موافقا للإيجاب؛ إذ البائع ما رضي إلا به ألا ترى أنه لو قال: بعت منكما فقبل أحدهما ولم يقبل الآخر؛ لم يصح البيع فكان الرضا بشراء نفسه رضا بشراء صاحبه فكان شراء القريب إفسادا لنصيب الشريك برضا الشريك فلا يوجب الضمان كما إذا كان العبد مشتركا بين اثنين فقال أحدهما لصاحبه: أعتق نصيبك أو رضيت بإعتاق نصيبك فأعتق؛ لا يضمن، كذا هذا فإن قيل: هذه النكتة لا تتمشى في الهبة فإن أحدهما إذا قبل الهبة دون الآخر يثبت له الملك فلم يكن الرضا بقبول الهبة في نصيبه رضا بقبول صاحبه فلم يكن هذا إفسادا مرضيا به من جهة الشريك وكذا لا تتمشى فيما إذا لم يعلم الشريك الأجنبي أن شريكه قريب العبد؛ لأنه إذا لم يعلم به لم يعلم كون شراء الشريك إعتاقا لنصيبه فلا يعلم كونه إفسادا لنصيب شريكه فلا يثبت رضاه بالإفساد؛ لأن الرضا بالشيء بدون العلم به محال فالجواب أن هذا من باب عكس العلة؛ لأنه أراه الحكم مع عدم العلة وهذا تفسير العكس والعكس ليس بشرط في العلل الشرعية لجواز أن يكون لحكم واحد شرعي علل فنحن نفينا وجوب الضمان في بعض الصور بما ذكرنا ونبقيه في غيره بعلة أخرى ثم نقول: أما فصل الهبة فنقول: كل واحد منهما وإن لم يكن قبوله شرط صحة قبول الآخر حتى ينفرد كل واحد منهما بالقبول لكنهما إذا قبلا جميعا كان قبولهما بمنزلة شيء واحد؛ لأنه جواب إيجاب واحد مثاله: إذا قرأ المصلي آية واحدة قصيرة أو طويلة على الاختلاف يتعلق به الجواز، ولو قرأ عشر آيات أو أكثر يتعلق الجواز بالكل ويجعل الكل كآية واحدة كذا هذا وأما فصل العلم فتخريجه على جواب ظاهر الرواية وهو أن عند أبي حنيفة لا يجب الضمان سواء علم أو لم يعلم وعندهما يجب علم أو لم يعلم نص عليه في الجامع الصغير أما على أصلهما فظاهر؛ لأن الضمان عندهما يجب مع العلم فمع الجهل أولى وأما على أصل أبي حنيفة فلأن سقوط ضمان الإتلاف عند الإذن والرضا به لا يقف على العلم فإن من قال لرجل: كل هذا الطعام والآذن لا يعلم أنه طعام نفسه فأكله الرجل لا يستحق الضمان عليه وإن لم يعلم به وهذا لأن حقيقة العلم ليست بشرط في بناء الأحكام عليه بل المعتبر هو سبب حصول العلم والطريق الموصل إليه ويقام ذلك مقام حقيقة العلم كما يقام سبب القدرة مقام حقيقة القدرة وطريق حصول العلم ههنا في يده وهو السؤال والفحص عن حقيقة الحال فإذا لم يفعل فقد قصر فلا يستحق الضمان، وروى بشر عن أبي يوسف أنه فصل بين العلم والجهل فقال: إن كان الأجنبي يعرف ذلك فإن العبد يعتق ويسعى للأجنبي في قول أبي حنيفة وأبي يوسف وإن كان لا يعلم فهو بالخيار إن شاء نقض البيع وإن شاء تم عليه وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف، ووجه هذه الرواية أن الشراء مع شركة الأب عيب فكان بمنزلة سائر العيوب أنه إن علم به المشتري يلزمه البيع كما في سائر العيوب، وإن لم يعلم به؛ لم يلزمه مع العيب، وإذا لم يلزمه العقد

 

ج / 4 ص -51-         في حق أحد الشريكين؛ لم يلزم في حق الآخر فلا يعتق العبد ويثبت للمشتري حق الفسخ وذكر في الجامع الصغير: لو اشترى رجل نصف عبد ثم اشترى أب العبد النصف الباقي وهو موسر فالمشتري بالخيار بمنزلة عبد بين اثنين أعتقه أحدهما فالمشتري بالخيار؛ لأنه لم يوجد من المشتري الأجنبي ما هو دليل الرضا في سقوط الضمان عن الأب فلا يسقط وروي عن أبي يوسف أنه قال لو أن عبدا اشترى نفسه هو وأجنبي من مولاه فالبيع باطل في حصة الأجنبي؛ لأنه اجتمع العتق، والبيع في عقد واحد في زمان واحد؛ لأن بيع نفس العبد منه إعتاق على مال فلا يصح البيع بخلاف الرجلين اشتريا ابن أحدهما أنه يصح، وإن اجتمع الشراء والعتق في عقد واحد؛ لأن شراء القريب تملك في الزمان الأول وإعتاق في الزمان الثاني، وإنه جائز لما بيناوروي عن أبي يوسف أنه قال: إذا قال: إن ملكت من هذا العبد شيئا فهو حر ثم اشتراه الحالف وأبوه صفقة واحدة عتق على الأب وهذا على أصله؛ لأن العتق عنده لا يتجزأ، وقد اجتمع للعتق سببان: القرابة واليمين إلا أن القرابة سابقة على اليمين فإذا ملكاه صار كأن عتق الأب أسبق فيعتق النصيبان عليه ولهذا قال في رجل قال: إن اشتريت فلانا أو بعضه فهو حر فادعى رجل آخر أنه ابنه ثم اشترياه عتق عليهما، ونصف ولائه للذي أعتقه وهو ابن للذي ادعاه؛ لأن النسب ههنا لم يسبق اليمين فيعتق نصيب كل واحد منهما عليه وولاؤه بينهما؛ لأنه عتق عليهما والولاء للمعتق وإن ملك اثنان ذا رحم محرم من أحدهما بسبب لا صنع لهما فيه بأن ورثا عبدا وهو قريب أحدهما حتى عتق عليه لا يضمن نصيب شريكه موسرا كان أو معسرا ولكن يسعى العبد في نصف قيمته لشريكه في قولهم جميعا؛ لأن العتق ههنا ثبت بالملك شرعا من غير إعتاق من جهة أحد من العباد إذ لا صنع لأحد من العباد في الإرث ووجوب الضمان على المرء يعتمد شرعا صنعا من جهته ولم يوجد من القريب؛ فلا يضمن، والله الموفق ومن هذا القبيل ألفاظ النسب وذكرها لا يخلو: إما أن يكون على وجه الصفة وإما أن يكون على سبيل الفداء فإن ذكرها على طريق الصفة بأن قال لمملوكه: هذا ابني فهو لا يخلو: إما إن كان يصلح ابنا له بأن كان يولد مثله لمثله، وإما إن كان لا يصلح، ولا يخلو: إما إن كان مجهول النسب أو معروف النسب من الغيرفإن كان يصلح ابنا له فإن كان مجهول النسب يثبت النسب والعتق بالإجماع وإن كان معروف النسب من الغير لا يثبت النسب بلا شك ولكن يثبت العتق عندنا، وعند الشافعي لا يثبت العتق والأصل عنده أن العتق بناء على النسب فإن ثبت النسب ثبت العتق وإلا فلا، وإن كان لا يصلح ابنا له فلا يثبت النسب بلا شك وهل يعتق؟ قال أبو حنيفة: يعتق سواء كان مجهول النسب أو معروف النسب، وقال أبو يوسف ومحمد: لا يعتق والأصل عندهما أن العتق مبني على تصور النسب واحتمال ثبوته فإن تصور ثبوته؛ ثبت العتق وإلا فلا والأصل عند أبي حنيفة أن ثبوت العتق لا يقف على ثبوت النسب ولا على تصور ثبوته وكذلك لو قال لمملوكته: هذه بنتي فهو على هذا التفصيل والاتفاق والاختلاف الذي ذكرنا في الابن، وجه قولهم: أن العتق لو ثبت لا يخلو: إما إن ثبت ابتداء أو بناء على ثبوت النسب لا وجه للأول؛ لأنه لم يوجد الإعتاق ابتداء ولا سبيل للثاني، أما عند الشافعي فلأن النسب لم يثبت في المسألتين جميعا فلا يثبت العتق بناء عليه وأما عندهما فلأن في المسألة الثانية لا يتصور ثبوت النسب فلا يثبت العتق وفي المسألة الأولى يتصور ثبوت النسب منه حقيقة بالزنا والاشتهار من غيره بناء على النسب الظاهر فيعتق ولأبي حنيفة أن كلام العاقل المتدين يحمل على الصحة والسداد ما أمكن لاعتبار عقله ودينه دلالة وأمكن تصحيح هذا الكلام من وجهين: الكناية والمجاز أما الكناية فلوجود طريق الكناية في اللغة وهو الملازمة بين الشيئين أو المجاورة بينهما غالبا على وجه يكون بينهما تعلق الوجود به أو عنده أو تعلق البقاء وتكون الكناية كالتابع للمكنى، والمكنى هو المقصود فيترك اسم الأصل صريحا ويكنى عنه باسم الملازم إياه التابع له كما في قوله عز وجل {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} والغائط اسم للمكان الخالي المطمئن من الأرض كنى به عن الحدث لملازمة بين هذا المكان وبين الحدث غالبا وعادة؛ إذ العادة أن الحدث يوجد في مثل هذا المكان تسترا عن الناس، وكذا الاستنجاء والاستجمار كناية عن تطهير موضع الحدث؛ إذ الاستنجاء طلب النجو والاستجمار طلب الجمار

 

ج / 4 ص -52-         وكذا العرب تقول: مازلنا نطأ السماء حتى أتيناكم أي نطأ المطر؛ إذ المطر ينزل من السماء ونحو ذلك من مواضع الاستعمال، والبنوة في الملك ملازمة للحرية فجاز أن يكني بقوله: هذا ابني عن قوله: هذا معتقي وذكر الصريح والكناية في الكلام سواء، ولو صرح فقال: هذا معتقي عتق فكذا إذا كنى به وأما المجاز فلأن من طرقه المشابهة بين الذاتين في المعنى الملازم المشهور في محل الحقيقة فيطلق اسم المستعار عنه على المستعار له لإظهار المعنى الذي هو ظاهر في المستعار عنه خفي في المستعار له كما في الأسد مع الشجاع، والحمار مع البليد ونحو ذلك وقد وجد هذا الطريق ههنا من وجهين: أحدهما أن الابن في اللغة اسم للمخلوق من ماء الذكر والأنثى وفيه معنى ظاهر لازم وهو كونه منعما عليه من جهة الأب بالإحياء لاكتساب سبب وجوده وبقائه بالتربية والمعتق منعم عليه من جهة المعتق؛ إذ الإعتاق إنعام على المعتق وقال الله عز وجل {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ} قيل في التفسير: أنعم الله تعالى عليه بالإسلام وأنعمت عليه بالإعتاق فكان بينهما مشابهة في هذا المعنى وإنه معنى لازم مشهور فيجوز إطلاق اسم الابن على المعتق مجازا لإظهار نعمة العتق كإطلاق اسم الأسد على الشجاع والحمار على البليد، والثاني: أن بين معتق الرجل وبين ابنه الداخل في ملكه مشابهة في معنى الحرية وهو معنى لازم للابن الداخل في ملكه بحيث لا ينفك عنه وإنه مشهور فيه فوجد طريق الاستعارة فصحت الاستعارة وقد خرج الجواب عن قولهم: إن العتق إما إن ثبت ابتداء أو بناء على النسب؛ لأنا نقول: ابتداء لكن بأحد الطريقين وهو الكناية أو المجاز على ما بينا ولا يلزم على أبي حنيفة ما إذا قال لامرأته: هذه بنتي ومثله لا يلد مثلها أنه لا تقع الفرقة بينهما؛ لأن إقراره بكونها بنتا له نفى النكاح لأجل النسب وههنا لم يثبت النسب فلا ينتفي النكاح فأما ثبوت العتق فليس يقف على ثبوت النسب، والدليل على التفرقة بين المسألتين أنه لو قال لزوجته وهي معروفة النسب من الغير: هذه بنتي لم تقع الفرقة، ولو قال لأمته: هذه بنتي وهي معروفة النسب تعتق وما افترقا إلا لما قلنا، وكذا لو قال لزوجته: هذه بنتي وهي تصلح بنتا له ثم قال: أوهمت أو أخطأت لا تقع الفرقة، ولو قال لأمته: هذه بنتي وهي تصلح بنتا ثم قال: أوهمت أو أخطأت يقع العتق فدل على التفرقة بينهما وكذلك لو قال: هذا أبي فإن كان يصلح أبا له وليس للقائل أب معروف يثبت النسب والعتق بلا خلاف، وإن كان يصلح أبا له ولكن للقائل أب معروف لا يثبت النسب ويعتق عندنا خلافا للشافعي وإن كان لا يصلح أبا له لا يثبت النسب بلا شك ولكن يعتق عند أبي حنيفة وعندهما لا يعتق، وكذلك لو قال: هذه أمي فالكلام فيه كالكلام في الأبوأما الكلام في الحرية بأن كان المملوك أمة؛ ففي كل موضع يثبت النسب تثبت الحرية وإلا فلا، ولو قال لعبده: هذه بنتي أو قال لأمته: هذا ابني اختلف المشايخ فيه: قال بعضهم: يعتق وقال بعضهم: لا يعتق، ولو قال لمملوكه: هذا عمي أو خالي يعتق بلا خلاف بين أصحابنا، ولو قال: هذا أخي أو أختي ذكر في الأصل أنه لا يعتق بخلاف قوله: هذا ابني أو أبي أو عمي أو خالي، وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه يعتق كما في قوله: عمي أو خالي وجه هذه الرواية أنه وصف مملوكه بصفة من يعتق عليه إذا ملكه فيعتق عليه كما إذا قال: هذا عمي أو خالي، وجه رواية الأصل أن قوله: هذا أخي يحتمل تحقيق العتق ويحتمل الإكرام والتخفي به؛ لأنه يستعمل في ذلك عرفا وشرعا قال الله تعالى {فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ} فلا يحمل على العتق من غير نية بخلاف اسم الخال والعم فإنه لا يستعمل في الإكرام عرفا وعادة فلا يقال: هذا خالي أو عمي على إرادة الإكرام فكان ذكره للتحقيق وبخلاف قوله: هذا ابني أو هذا أبي؛ لأنه لا يستعمل في الإكرام عرفا وشرعا وقد منع الشرع من ذلك قال الله تعالى {وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ} وقال سبحانه وتعالى {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ} وروي أنهم كانوا يسمون زيد بن حارثة زيد بن محمد فنزل قوله تعالى {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} فكفوا عن ذلك، وإن لم يكن مستعملا في الإكرام يحمل على التحقيق وأما النداء فهو أن يقول: يا بني يا أبي يا ابنتي يا أمي يا خالي يا عمي أو يا أختي أو يا أخي على رواية الحسن لا يعتق في هذه الفصول؛ لأن الغرض بذكر اسم النداء هو استحضار المنادى لا تحقيق معنى الاسم فيه إلا إذا كان الاسم موضوعا له على ما بينا

 

ج / 4 ص -53-         فاحتمل أنه أراد النداء على طريق الإكرام دون تحقيق العتق فلا يحمل على العتق من غير نية، ولو قال لعبده: يا ابن أو لأمته: يا ابنة لا يعتق لعدم الإضافة إلى نفسه، ولو قال: يا بني أو يا بنية؛ يعتق لوجود الإضافة وأما الكناية فنحو قوله: لا سبيل لي عليك أو لا ملك لي عليك أو خليت سبيلك أو خرجت من ملكي فإن نوى العتق يعتق وإلا فلا؛ لأن كل واحدة من هذه الألفاظ يحتمل العتق ويحتمل غيره فإن قوله: لا سبيل لي عليك يحتمل سبيل اللوم والعقوبة أي: ليس لي عليك سبيل اللوم والعقوبة لوفائك بالخدمة والطاعة ويحتمل: لا سبيل لي عليك لأني كاتبتك فزالت يدي عنك ويحتمل: لا سبيل لي عليك لأني أعتقتك فلا يحمل على العتق إلا بالنية ويصدق إذا قال: عنيت به غير العتق إلا إذا قال: لا سبيل لي عليك إلا سبيل الولاء فإنه يعتق في القضاء ولا يصدق أنه أراد به غير العتق؛ لأنه نفى كل سبيل وأثبت سبيل الولاء وإطلاق الولاء يراد به ولاء العتق، وذلك لا يكون إلا بعد العتق، ولو قال: إلا سبيل الموالاة دين في القضاء؛ لأن مطلق الموالاة يراد بها الموالاة في الدين أو يستعمل في ولاء الدين وولاء العتق فأي ذلك نوى؛ يصدق في القضاء وقوله: لا ملك لي عليك يحتمل ملك اليد أي: كاتبتك فزالت يدي عنك ويحتمل: لا ملك لي عليك؛ لأني بعتك ويحتمل: لا ملك لي عليك؛ لأني أعتقتك فتقف على النية وقوله: خليت سبيلك يحتمل سبيل الاستخدام أي: لا أستخدمك ويحتمل أعتقتك، ولو قال له: أمرك بيدك أو قال له: اختر، وقف على النية؛ لأنه يحتمل العتق وغيره فكان كناية، ولو قال له: أمر عتقك بيدك أو جعلت عتقك في يدك أو قال له: اختر العتق أو خيرتك في عتقك أو في العتق لا يحتاج فيه إلى النية؛ لأنه صريح ولكن لا بد من اختيار العبد العتق ويقف على المجلس؛ لأنه تمليك وقوله: خرجت عن ملكي يحتمل ملك التصرف فيكون بمعنى كاتبتك ويحتمل أعتقتك، ولو قال لمملوكه نسبك حر أو أصلك حر فإن كان يعلم أنه سبي لا يعتق، وإن لم يكن سبي يعتق؛ لأن الأصل أن حرية الأبوين تقتضي حرية الولد؛ لأن المتولد من الحرين يكون حرا إلا أن حرية المسبي بطلت بالسبي فبقي الحكم في غير المسبي على الأصل، ولو قال لعبده: أنت لله تعالى؛ لم يعتق في قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف: إن نوى العتق يعتق، وجه قوله أن قوله: لله تعالى يحتمل أن يكون بيان جهة القربة للإعتاق المحذوف، فإذا نوى العتق يعتق كما لو قال: أنت حر لله ولأبي حنيفة أن الإعتاق إثبات صفة لمملوك لم تكن ثابتة قبل الإعتاق؛ لأنه إثبات العتق ولم يوجد؛ لأن كونه لله تعالى كان ثابتا قبل الإعتاق فلم يكن ذلك إعتاقا فلا يعتق، ولو قال: أنت عبد الله لم يعتق بلا خلاف أما على قول أبي حنيفة فظاهر لما ذكرنا أن الإعتاق إنشاء العتق فيقتضي أن لا يكون ثابتا قبله وكونه عبد الله صفة ثابتة له قبل هذه المقالة وأما على قول أبي يوسف فلأن قوله عبد الله لا يحتمل أن يكون جهة القربة للإعتاق وقوله: لله تعالى يحتمل ذلك وروي عن أبي يوسف أنه قال: إذا قال لعبده: قد جعلتك لله تعالى في صحته أو مرضه، وقال: لم أنو العتق ولم يقل شيئا حتى مات قبل أن يبين لا يعتق، وإن نوى العتق عتق وكذلك إذا قال هذا في مرضه فمات قبل أن يبين فهو عبد أيضا؛ لأنه يحتمل أنه أراد بهذا اللفظ النذر ويحتمل أنه أراد به العتق فلا يعتق إلا بالنية ولا يلزم الورثة بعد الموت الصدقة؛ لأن النذر يسقط بالموت عندنا وروي عن أبي يوسف أنه قال: إذا قال لأمته: أطلقتك يريد به العتق تعتق؛ لأن الإطلاق إزالة اليد والمرء يزيل يده عن عبده بالعتق وبغير العتق بالكتابة فإذا نوى به العتق تعتق كما لو قال: لها خليت سبيلك، ولو قال لها: طلقتك يريد به العتق؛ لا تعتق عندنا لما نذكر، ولو قال فرجك علي حرام يريد العتق لم تعتق؛ لأن حرمة الفرج مع الرق يجتمعان كما لو اشترى أخته من الرضاعة أو جارية قد وطئ أمها أو بنتها أو جارية مجوسية أنها لا تعتقوروي عن أبي يوسف أنه قال: إذا قال لعبده: أنت حر، أو قال لزوجته: أنت طالق فتهجى ذلك هجاء إن نوى العتق أو الطلاق وقع؛ لأنه يفهم من هذه الحروف عند انفرادها ما يفهم عند التركيب والتأليف إلا أنها ليست بصريحة في الدلالة على المعنى؛ لأنها عند انفرادها لم توضع للمعنى فصارت بمنزلة الكناية فتقف على النية وأما ما يقوم مقام اللفظ في الدلالة على العتق فالكتابة المستبينة؛ لأنها في الدلالة على المراد بمنزلة اللفظ إلا أن فيها ضرب استتار وإبهام؛ لأن الإنسان قد يكتب ذلك لإرادة العتق وقد

 

ج / 4 ص -54-         يكتب لتجويد الخط فالتحق بسائر الكنايات فافتقر إلى النية، والكلام في هذا كالكلام في الطلاق وقد ذكرناه في الطلاق وكذا الإشارة من الأخرس إذا كانت معلمة مفهومة المراد؛ لأنها في الدلالة على المراد في حقه كالعبارة في الطلاق، والأصل في قيام الإشارة مقام العبارة قوله تعالى خطابا لمريم عليها السلام {فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً} أي: صمتا وإمساكا وذلك على الإشارة لا على القول منها، وقد سماها الله تعالى قولا فدل أنها تعمل عمل القول وأما الألفاظ التي يقع بها العتق أصلا نوى أو لم ينو فنحو أن يقول لعبده: قم أو اقعد أو اسقني ونوى به العتق؛ لأن هذه الألفاظ لا تحتمل العتق فلا تصح فيها نية العتق وكذا لو قال: لا سلطان لي عليك؛ لأن السلطنة عبارة عن نفاذ المشيئة على وجه القهر فانتفاؤها لا يقتضي انتفاء الرق كالمكاتب فلا يقتضي العتق بخلاف قوله: لا سبيل لي عليك؛ لأنه نفى السبل كلها ولا ينتفي السبيل عليها مع قيام الرقألا ترى أن للمولى على مكاتبه سبيل المطالبة ببدل الكتابة وكذا السلطان يحتمل الحجة أيضا، فقوله: لا سلطان لي عليك أي: لا حجة لي عليك وانتفاء حجته على عبده لا يوجب حريته وكذا لو قال لعبده: اذهب حيث شئت أو توجه حيث شئت من بلاد الله تعالى يريد به العتق أو قال له: أنت طالق أو طلقتك أو أنت بائن أو أبنتك أو قال: لأمته أنت طالق أو طلقتك أو أنت بائن أو أبنتك أو أنت علي حرام أو حرمتك أو أنت خلية أو برية أو بتة أو اذهبي أو اخرجي أو اعزبي أو تقنعي أو استبرئي أو اختاري ونوى العتق فاختارت وغير ذلك مما ذكرنا في الطلاق وهذا عندنا وعند الشافعي يقع العتق بها إذا نوى ولقب المسألة أن صريح الطلاق وكناياته لا يقع بها العتاق عندنا خلافا له وجه قوله: إن قوله لمملوكته: أنت طالق أو طلقتك إثبات الانطلاق أو إزالة القيد وأنه نوعان: كامل وذلك بزوال الملك والرق وهو تفسير العتق، وناقص وذلك بزوال اليد لا غير كما في المكاتب والمأذون فإذا نوى به العتق فقد نوى أحد النوعين فنوى ما يحتمله كلامه فصحت نيته ولهذا إذا قال لزوجته: أنت حرة ونوى به الطلاق؛ طلقت كذا هذا، ولنا أن هذه الألفاظ المضافة إلى المملوك عبارات عن زوال يد المالك عنه أما قوله: أنت طالق فلأن الطلاق عبارة عن رفع القيد، والقيد عبارة عن المنع عن العمل لا عن الملك والمانع يد المالك فرفع المانع يكون بزوال يده، وزوال يد المالك عن المملوك لا يقتضي العتق كالمكاتب وكذا قوله: اذهب حيث شئت أو توجه إلى أين شئت؛ لأنه عبارة عن رفع اليد عنه وأنه لا ينفي الرق كالمكاتب وبه تبين أن القيد ليس بمتنوع، بل هو نوع واحد وزواله عن المملوك لا يقتضي زوال الملك كالمكاتب وكذا قوله: أنت بائن أو أبنتك؛ لأنه ينبئ عن الفصل والتبعيد وكذا التحريم بجامع الرق كالأخت من الرضاعة والأمة المجوسية ونحو ذلك بخلاف قوله لامرأته: أنت حرة؛ لأن التحريم تخليص والقيد ثبوت فينافيه ولأن ملك اليمين لا يثبت بلفظ النكاح وما لا يملك بلفظ النكاح لا يزول الملك عنه بلفظ الطلاق كسائر الأعيان وهذا؛ لأن الطلاق رفع ما يثبت بالنكاح فإذا لم يثبت ملك اليمين بلفظ النكاح لا يتصور رفعه بلفظ الطلاق بخلاف قوله لامرأته: أنت حرة ونوى به الطلاق؛ لأن ملك المتعة لا يختص ثبوته بلفظ النكاح فإنه كما يثبت بغير النكاح يثبت بغيره من الشراء وغيره فلا يختص زواله بلفظ الطلاق؛ ألا ترى أنه يزول بردة المرأة، وكذا بشرائها بأن اشترى الزوج امرأته فجاز أن يزول بلفظ التحرير، ولو قال لعبده: رأسك رأس حر أو بدنك بدن حر أو فرجك فرج حر لم يعتق؛ لأن هذا تشبيه لكن بحذف حرف التشبيه وإنه جائز من باب المبالغة قال الله تعالى {وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ} أي كمر السحاب وقال الشاعر:

وعيناك عيناها وجيدك جيدها            سوى أن عظم الساق منك دقيق

 فتشبيه الشيء بالشيء لا يقتضي المشاركة بينهما في جميع الصفات وهذا معنى قولهم: كلام التشبيه لا عموم له قال الله عز وجل {كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ} وقال تعالى {كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ} فلا يعتق، ولو نون فقال: رأسك رأس حر وبدنك بدن حر وفرجك فرج حر فهو حر؛ هذا ليس بتشبيه بل هو وصف وقد وصف جملة أو ما يعبر به عن جملة بالحرية فيعتق، ولو قال: ما أنت إلا مثل الحر أو أنت مثل الحر؛ لم يعتق في القضاء ولا فيما بينه وبين الله تعالى كذا ذكر في الأصل

 

ج / 4 ص -55-         لأن هذا تشبيه بحرف التشبيه والتشبيه لا يقتضي المشاركة في جميع الصفات بخلاف قوله: ما أنت إلا حر؛ لأن ذاك ليس بتشبيه بل هو تحرير؛ لأنه نفى وأثبت والنفي ما زاده إلا تأكيدا كقول القائل لغيره: ما أنت إلا فقيه وروي عن أبي يوسف أنه قال: إذا قال: كل مالي حر وله عبيد لم يعتقوا؛ لأنه جمع بين العبيد وغيرهم من الأموال ووصف الكل بالحرية بقوله: كل مالي حر ومعلوم أن غير العبيد من الأموال لا يحتمل الوصف بالحرية التي هي العتق فينصرف الوصف بالحرية إلى الحرية التي يحتملها الكل وهي أن تكون جميع أمواله خالصة صافية له لا حق لأحد فيها فلا تعتق عبيده، والله عز وجل الموفق

"فصل" وأما شرائط الركن فأنواع: بعضها يرجع إلى المعتق خاصة، وبعضها يرجع إلى المعتق خاصة وبعضها يرجع إليهما جميعا، وبعضها يرجع إلى نفس الركن أما الذي يرجع إلى المعتق خاصة فمنها: أن يكون عاقلا حقيقة أو تقديرا حتى لا يصح الإعتاق من الصبي الذي لا يعقل والمجنون كما لا يصح الطلاق منهما وأما المجنون الذي يجن في حال ويفيق في حال فما يوجد منه حال إفاقته فهو فيه بمنزلة سائر العقلاء وما يوجد منه في حال جنونه فهو بمنزلة المجنون المطبق اعتبارا للحقيقة وأما السكران فإعتاقه كطلاقه وقد مر ذلك في كتاب الطلاق ومنها: أن لا يكون معتوها ولا مدهوشا ولا مبرسما ولا مغمى عليه ولا نائما حتى لا يصح الإعتاق من هؤلاء كما لا يصح الطلاق منهم لما ذكرنا في الطلاق ومنها: أن يكون بالغا فلا يصح الإعتاق من الصبي وإن كان عاقلا كما لا يصح الطلاق منه، ولو قال رجل: أعتقت عبدي وأنا صبي أو قال: وأنا نائم؛ كان القول قوله، والأصل فيه أنه إذا أضاف الإعتاق إلى حال معلوم الكون وهو ليس من أهل الإعتاق فيها يصدق بأن قال: أعتقته وأنا صبي أو وأنا نائم أو مجنون وقد علم جنونه أو وأنا حربي في دار الحرب على أصل أبي حنيفة ومحمد، وقد علم ذلك منه؛ لأنه إذا أضاف الإعتاق إلى زمان لا يتصور منه الإعتاق علم إن أراد به صيغة الإعتاق لا حقيقة الإعتاق فلم يصر معترفا بالإعتاق، ولو قال: أعتقته وأنا مجنون ولم يعلم له جنون لا يصدق؛ لأنه إذا أضافه إلى حالة لا يتيقن وجودها فالظاهر أنه أراد الرجوع عما أقر به فلا يقبل منه، ولو قال: أعتقته قبل أن أخلق أو قبل أن يخلق؛ لا يعتق؛ لأن زمان ما قبل انخلاقه وانخلاق العبد معلوم فقد أضاف الإعتاق إلى زمان معلوم الكون ولا يتصور منه فيه الإعتاق فلا يعتق وأما كونه طائعا فليس بشرط عندنا خلافا للشافعي والمسألة مرت في كتاب الطلاق وكونه جادا ليس بشرط بالإجماع حتى يصح إعتاق الهازل وكذا كونه عامدا حتى يصح إعتاق الخاطئ لما ذكرنا في الطلاق وكذا التكلم باللسان ليس بشرط فيصح الإعتاق بالكتابة المستبينة والإشارة المفهومة وكذا الخلو عن شرط الخيار ليس بشرط في الإعتاق بعوض وبغير عوض إذا كان الخيار للمولى حتى يقع العتق ويبطل الشرط أما إذا كان بغير عوض فظاهر؛ لأن ثبوت الخيار لفائدة الفسخ، والإعتاق بغير العوض لا يحتمل الفسخ وكذا إن كان بعوض؛ لأن العوض من جانب المولى هو العتق وإنه لا يقبل الفسخ فلا معنى للخيار فيه وإن كان الخيار للعبد فخلوه عن خياره شرط صحته حتى لو رد العبد العقد في مدة الخيار فينفسخ العقد ولا يعتق؛ لأن العوض في جانبه هو المال فكان محتملا للفسخ فيصح شرط الخيار فيه كما في الطلاق على مال وقد ذكرناه في كتاب الطلاق وعلى هذا الصلح من دم العمد بشرط الخيار وأن الخيار إن كان مشروطا للمولى؛ يبطل الخيار ويصح الصلح؛ لأن الخيار لثبوت الفسخ والذي من جانب المولى وهو العفو لا يحتمل الفسخ وإن كان الخيار للقاتل جاز؛ لأن ما هو العوض من جانبه وهو المال قابل للفسخ ثم إذا جاز الخيار وفسخ القاتل العقد هل يبطل العفو فالقياس أن يبطل؛ لأنه تعلق بشرط المال ولم يسلم المال وفي الاستحسان لا يبطل ويلزم القاتل الدية كذا روي عن محمد أما صحة العفو وسقوط القصاص فلأن عفو الولي يصير شبهة والقصاص يسقط بالشبهاتوأما وجوب الدية فلأن الولي لم يرض بإسقاطه بغير عوض ولا عوض إلا الدية؛ إذ هي قيمة النفس ثم فرق بين الإعتاق على مال وبين الكتابة فإنه يجوز فيها شرط الخيار للمولى؛ لأنها عقد معاوضة يلحقها الفسخ فيجوز شرط الخيار في طرفيها كالبيع بخلاف الإعتاق على مال، والله عز وجل

 

ج / 4 ص -56-         الموفق، وكذا إسلام المعتق ليس بشرط فيصح الإعتاق من الكافر إلا أن إعتاق المرتد لا ينفذ في الحال في قول أبي حنيفة بل هو موقوف وعندهما نافذ وإعتاق المرتد نافذ بلا خلاف والمسألة نذكرها في كتاب السير إن شاء الله تعالى وكذا صحة المعتق فيصح الإعتاق من المريض مرض الموت؛ لأن دليل الجواز لا يوجب الفصل إلا أن الإعتاق من المريض يعتبر من الثلث؛ لأنه يكون وصية ومنها: النية في أحد نوعي الإعتاق وهو الكناية دون الصريح، ويستوي في صريح الإعتاق وكناياته أن يكون ذلك بمباشرة المولى بنفسه على طريق الأصالة أو بغيره على طريق النيابة عن المولى بإذنه وأمره وذلك أنواع ثلاثة: تفويض، وتوكيل، ورسالة فالتفويض: هو التخيير والأمر باليد صريحا وكناية على ما بينا، والأمر بالإعتاق كقوله: أعتق نفسك وقوله: أنت حر إن شئت والتوكيل هو أن يأمر غيره بالإعتاق بأن يقول لغيره: أعتق عبدي فلانا من غير التقييد بالمشيئة، والرسالة معروفة وقد فسرناها في كتاب الطلاق والحكم في هذه الفصول في العتاق كالحكم فيها في الطلاق، وقد استوفينا الكلام فيها في كتاب الطلاق بتوفيق الله عز وجل، ومنها: عدم الشك في الإعتاق وهو شرط الحكم بثبوت العتق فإن كان شاكا فيه لا يحكم بثبوته لما ذكرنا في الطلاق وأما الذي يرجع إلى المعتق خاصة فنوعان: أحدهما: الإضافة فمنها أن يكون المضاف إليه العتق موجودا بيقين فإن لم يكن؛ لم تصح الإضافة بأن قال لجارية مملوكة له: حمل هذه الجارية حر أو ما في بطن هذه الجارية حر فإن ولدت لأقل من ستة أشهر من وقت التكلم؛ عتق وإن ولدت لستة أشهر فصاعدا لم يعتق؛ لأنها إذا ولدت لأقل من ستة أشهر من وقت اليمين تيقنا بوجوده في ذلك الوقت؛ لأن المرأة لا تلد من ستة أشهر فإن ولدت واحدا لأقل منها بيوم ثم ولدت آخر لأكثر منها بيوم عتقا جميعا؛ لأن الأول عتق لكونه في البطن يوم الكلام فإذا عتق الأول عتق الثاني؛ لأنهما توأمان وأما إذا جاءت به لستة أشهر فصاعدا من وقت التكلم فلا نستيقن بوجوده وقت التكلم لاحتمال حدوثه بعد ذلك فوقع الشك في ثبوت الحرية فلا تثبت مع الشك، ومنها: الإضافة إلى بدن المعتق أو إلى جزء جامع منه وهو الذي يعبر به عن جميع البدن أو إلى جزء شائع عندنا خلافا للشافعي حتى لو أضاف إلى جزء معين لا يعبر به عن جميع البدن؛ لا يصح عندنا وعنده يصح كما في الطلاق غير أنه إذا أضاف العتق إلى جزء شائع منه لا يعتق كله عند أبي حنيفة وإنما يعتق قدر ما أضاف إليه لا غير، وعند أبي يوسف ومحمد يعتق كله وفي الطلاق تطلق كلها بلا خلاف بناء على أن العتق يتجزأ عند أبي حنيفة وعندهما لا يتجزأ والطلاق لا يتجزأ بالإجماع فأبو حنيفة يحتاج إلى الفرق بين الطلاق والعتاق، ووجه الفرق له أن ملك النكاح لا يراد به إلا الوطء والاستمتاع وذلك لا يتحقق في البعض دون البعض؛ فلا يكون إثبات حكم الطلاق في البعض دون البعض مفيدا؛ فلزم القول بالتكامل فأما ملك اليمين فلم يوضع للاستمتاع والوطء فإنه يثبت مع حرمة الوطء والاستمتاع كالأمة المجوسية والمحرمة بالرضاع والمصاهرة وإنما وضع للاسترباح أو الاستخدام وذلك يتحقق مع قيام الملك في البعض دون البعض؛ فكان ثبوت العتق في البعض دون البعض مفيدا فهو الفرق، فلا ضرورة إلى التكامل وأما كون المضاف إليه العتق معلوما فليس بشرط لصحة الإضافة عند عامة العلماء فيصح إضافته إلى المجهول بأن قال لعبديه: أحدكما حر أو قال: هذا حر أو قال ذلك لأمتيه وقال نفاة القياس: شرط حتى لا تصح الإضافة إلى المجهول عندهم والكلام في العتاق على نحو الكلام في الطلاق وقد ذكرناه في كتاب الطلاق وسواء كانت الجهالة مقارنة أو طارئة بأن عتق واحدا من عبيده عينا ثم نسي المعتق لما ذكرنا في كتاب الطلاق ومنها قبول العبد في الإعتاق على مال فما لم يقبل؛ لا يعتق، ومنها: المجلس وهو مجلس الإعتاق إن كان العبد حاضرا ومجلس العلم إن كان غائبا لما نذكر في موضعه إن شاء الله تعالى وأما الذي يرجع إليهما جميعا فهو الملك؛ إذ المالك والمملوك من الأسماء الإضافية والعلاقة التي تدور عليها الإضافة من الجانبين هي الملك فكون المعتق مملوك المعتق رقبة وقت ثبوت العتق شرط ثبوته فيحتاج في هذا الفصل إلى بيان كون المعتق مملوك المعتق رقبة وقت ثبوت العتق شرط ثبوته وإلى بيان أنه: هل يشترط أن يكون مملوكه وقت الإعتاق وهو التكلم بالعتق أم لا؟ وإلى بيان من

 

ج / 4 ص -57-         يدخل تحت مطلق اسم المملوك في الإعتاق المضاف إليه ومن لا يدخل أما الأول: فالدليل على اعتبار هذا الشرط قول النبي صلى الله عليه وسلم "لا عتق فيما لا يملكه ابن آدم" ولأن زوال ملك المحل شرط ثبوت العتق فيه ولا بد للزوال من سابقة الثبوت وعلى هذا يخرج إعتاق عبد الغير بغير إذنه؛ إذ لا ينفذ لعدم الملك ولكن يتوقف على إجازة المالك عندنا وعند الشافعي لا يتوقف وهي مسألة تصرفات الفضولي وموضعها كتاب البيوع وكذا العبد المأذون لا يملك الإعتاق وكذا المكاتب؛ لانعدام ملك الرقبة وكذا لو اشترى العبد المأذون أو المكاتب ذا رحم منه؛ لا يعتق عليه لما قلنا، ولو اشترى العبد المأذون ذا رحم محرم من مولاه فإن لم يكن عليه دين مستغرق لرقبته عتق عليه؛ لأنه إذا لم يكن عليه دين فقد ملكه المولى فيعتق عليه كما لو اشتراه بنفسه وإن كان عليه دين مستغرق لرقبته؛ لا يعتق عند أبي حنيفة وعند أبي يوسف ومحمد يعتق بناء على أن المولى لا يملك كسب عبده المأذون المديون عنده وعندهما يملك وهي من مسائل المأذون، ولو اشترى المكاتب ابنه من مولاه أو ذا رحم محرم من مولاه؛ لم يعتق في قولهم جميعا؛ لأن المولى لم يملكه؛ لأنه من كسب المكاتب والمولى لا يملك أكساب مكاتبه فلا يعتق، ولو اشترت المكاتبة ابنها من سيدها عتق؛ لأن إعتاق المولى ينفذ في المكاتبة وولدها فيعتق من طريق الحكم لأجل النسب ويجوز إعتاق المولى المكاتب والعبد المأذون والمشترى قبل القبض والمرهون والمستأجر لقيام ملك الرقبة وكذا العبد الموصى برقبته لإنسان وبخدمته لآخر إذا أعتقه الموصى له بالرقبة لما قلنا، وعلى هذا الأصل يخرج قول أبي يوسف في الحربي إذا أعتق عبدا حربيا له في دار الحرب أنه يعتق لقيام الملك وأما عند أبي حنيفة ومحمد فلا يعتق ولا خلاف في أنه إذا أعتقه وخلى سبيله يعتق منهم من قال: لا خلاف في العتق أنه يعتق، وإنما الخلاف في الولاء أنه هل يثبت منه أم لا؟ ذكر الطحاوي عن أبي حنيفة أن للعبد أن يوالي من شاء ولا يكون ولاؤه للمعتق، والصحيح أن الخلاف ثابت في العتق فإنهم قالوا في الحربي إذا دخل إلينا ومعه مماليك فقال: هم مدبرون: إنه لا يقبل قوله، وإن قال: هم أولادي أو هن أمهات أولادي قبل قوله؛ فهذا يدل على أن التدبير لا يثبت في دار الحرب، ورواية الطحاوي عن أبي حنيفة محمولة على ما إذا خرج إلى دار الإسلام، وإذا خرج إلى دار الإسلام فلا ولاء له عليه عندهما؛ لأنه لم يعتق بإعتاقه وإنما عتق بخروجه إلى دار الإسلام وعند أبي يوسف عتق بإعتاق مولاه له، وجه قول أبي يوسف في مسألة العتق أنه أعتق ملك نفسه فيعتق كما لو باعه وكما لو كان في دار الإسلام فأعتق عبدا له حربيا أو مسلما أو ذميا وكالمسلم إذا أعتق عبده المسلم في دار الحرب ولا شك أنه أعتق ملك نفسه؛ لأن أموال أهل الحرب أملاكهم حقيقة ألا ترى أنهم يرثون ويورث عنهم، ولو كانت جارية يصح من الحربي استيلاؤها إلا أنه ملك غير معصوم ولهما أن إعتاق الحربي عبده الحربي في دار الحرب بدون التخلية لا يفيد معنى العتق؛ لأن العتق عبارة عن قوة حكمية تثبت للمحل يدفع بها يد الاستيلاء والتملك عن نفسه، وهذا لا يحصل بهذا الإعتاق بدون التخلية؛ لأن يده عليه تكون قائمة حقيقة وملك أهل الحرب في دار الحرب في ديانتهم بناء على القهر الحسي والغلبة الحقيقية حتى إن العبد إذا قهر مولاه فاستولى عليه؛ ملكه، وإذا لم توجد التخلية كان تحت يده وقهره حقيقة فلا يظهر معنى العتقهذا معنى قول المشايخ معتق بلسانه مسترق بيده بخلاف ما إذا أعتق في دار الإسلام؛ لأن يد الاستيلاء والتملك تنقطع بثبوت العتق في دار الإسلام فيظهر معنى العتق وهو القوة الدافعة يد الاستيلاء وبخلاف المسلم إذا أعتق عبده المسلم في دار الحرب؛ لأن المسلم لا يدين الملك بالاستيلاء والغلبة الحقيقية، ولو كان عبده حربيا فأعتقه المسلم في دار الحرب يعتق من غير تخلية استحسانا، والقياس أن لا يعتق عندهما كالحربي إذا أعتق عبده الحربي في دار الحرب ومنهم من جعل المسألة على الاختلاف وعلى هذا الخلاف إذا ملك الحربي في دار الحرب ذا رحم محرم منه أنه لا يعتق عند أبي حنيفة ومحمد وعند أبي يوسف يعتق؛ لأن ملك القريب يوجب العتق فكان الخلاف فيه كالخلاف في الإعتاق
وأما الثاني: فالإعتاق لا يخلو: إما أن يكون تنجيزا، وإما أن يكون تعليقا بشرط، وإما أن يكون إضافة إلى وقت فإن كان تنجيزا يشترط قيام الملك وقت وجوده؛ لأن التنجيز إثبات

 

ج / 4 ص -58-         العتق للحال ولا عتق بدون الملك وإن كان تعليقا فالتعليق في الأصل نوعان: تعليق محض ليس فيه معنى المعاوضة وتعليق فيه معنى المعاوضة فيكون تعليقا من وجه ومعاوضة من وجه، والتعليق المحض نوعان أيضا: تعليق بما سوى الملك وسببه من الشروط، وتعليق بالملك أو بسبب الملك وكل واحد منهما على ضربين: تعليق صورة ومعنى، وتعليق معنى لا صورة، فيقع الكلام في الحاصل في موضعين: أحدهما: في بيان أنواع التعليق، ما يشترط لصحته قيام الملك وقت وجوده وما لا يشترط والثاني: في بيان ما يظهر به وجود الشرط أما الأول: فالتعليق المحض بما سوى الملك وسببه من الشروط فنحو التعليق بدخول الدار وكلام زيد وقدوم عمرو ونحو ذلك بأن يقول لعبده: إن دخلت الدار فأنت حر أو إن كلمت فلانا أو إذا قدم فلان ونحو ذلك فإنه تعليق صورة ومعنى لوجود حرف التعليق والجزاء، وهذا النوع من التعليق لا يصح إلا في الملك حتى لو قال لعبد لا يملكه: إن دخلت الدار فأنت حر ثم اشتراه فدخل الدار لا يعتق؛ لأن تعليق العتق بالشرط ليس إلا إثبات العتق عند وجود الشرط لا محالة، ولا عتق بدون الملك ولا يوجد الملك عند وجود الشرط إلا إذا كان موجودا عند التعليق؛ لأن الظاهر بقاؤه إلى وقت الشرط، وإذا لم يكن موجودا وقت التعليق؛ كان الظاهر عدمه عند وجود الشرط فلا يثبت العتق عند وجوده لا محالة ولأن اليمين بغير الله عز وجل شرط وجزاء والجزاء ما يكون غالب الوجود عند وجود الشرط أو متيقن الوجود عند وجوده لتحصيل معنى اليمين وهو التقوي على الامتناع أو على التحصيل فإذا كان الملك ثابتا وقت التعليق؛ كان الجزاء غالب الوجود عند وجود الشرط؛ لأن الظاهر بقاء الملك إلى وقت وجود الشرط فيحصل معنى اليمين، وكذا إذا أضاف اليمين إلى الملك أو سببه كان الجزاء متيقن الوجود عند وجود الشرط فيحصل معنى اليمين فتنعقد اليمين، ثم إذا وجد التعليق في الملك حتى صح؛ فالعبد على ملكه في جميع الأحكام قبل وجود الشرط، وإذا وجد الشرط وهو في ملكه يعتق، وإن لم يكن في ملكه تنحل اليمين لا إلى جزاء حتى لو قال لعبده: إن دخلت الدار فأنت حر فباعه قبل دخول الدار فدخل الدار وهو ليس في ملكه يبطل اليمين، ولو لم يدخل حتى اشتراه ثانيا فدخل الدار عتق؛ لأن اليمين لا يبطل بزوال الملك؛ لأن في بقائها فائدة لاحتمال العود بالشراء وغيره من أسباب الملك إلا أنه لم ينزل الجزاء عند الشرط لعدم الملك فإذا عاد الملك واليمين قائم؛ عتق على ما ذكرنا في الطلاق ولو قال لعبده: إن بعتك فأنت حر فباعه بيعا صحيحا لا يعتق لعدم الملك له فيه عند الشرط، ولو باعه بيعا فاسدا وهو في يده؛ حنث لوجود الملك له فيه، ولو كان التعليق في الملك بشرطين يراعى قيام الملك عند وجود الشرط الأخير عندنا خلافا لزفر حتى لو قال لعبده: إن دخلت هذين الدارين فأنت حر فباعه قبل الدخول فدخل إحدى الدارين ثم اشتراه فدخل الدار الأخرى يعتق عندنا، وعند زفر لا يعتق والمسألة مرت في كتاب الطلاق ولو قال لعبده: إن دخلت الدار فأنت حر إن كلمت فلانا يعتبر قيام الملك عند الدخول أيضا؛ لأنه جعل الدخول شرط انعقاد اليمين واليمين بالعتاق لا تنعقد إلا في الملك أو مضافة إلى الملك أو بسببه كأنه قال له عند الدخول: إن كلمت فلانا فأنت حر، ولو قال لعبده أنت حر إن شئت أو أحببت أو رضيت أو هويت أو قال لأمته: إن كنت تحبيني أو تبغضيني أو إذا حضت فأنت حرة فالجواب فيه كالجواب في الطلاق وقد ذكرنا هذه المسائل وأخواتها في كتاب الطلاق ولو قال: أنت حر إن لم يشأ فلان فإن قال فلان: شئت في مجلس علمه لا يعتق لعدم شرطه، وإن قال: لا أشاء؛ يعتق لكن لا بقول: لا أشاء؛ لأن له أن يشاء في المجلس بل لبطلان المجلس بإعراضه واشتغاله بشيء آخر بقوله لا أشاءألا ترى أنه إذا قال: إن لم يشأ فلان اليوم؛ فأنت حر فقال فلان: شئت لا يعتق، ولو قال: لا أشاء لا يعتق؛ لأن له أن يشاء بعد ذلك ما دامت المدة باقية إلا إذا مضى اليوم ولم يشأ فحينئذ يعتق، ولو علق بمشيئة نفسه فقال: أنت حر إن شئت أنا فما لم توجد المشيئة منه في عمره لا يعتق، ولا يقتصر على المجلس؛ لأن هذا ليس بتفريق؛ إذ العتاق بيده، ولو قال: أنت حر إن لم تشأ فإن قال: شئت لا يعتق؛ لعدم الشرط وإن قال: لا أشاء لا يعتق؛ لأن العدم لا يتحقق بقوله: لا أشاء؛ إذ له أن يشاء بعد ذلك إلى أن يموت بخلاف الفصل الأول؛ لأن هناك اقتصر على المجلس فإذا قال: لا أشاء فقد أعرض عن المجلس وههنا لا يقتصر على

 

ج / 4 ص -59-         المجلس فله أن يشاء بعد ذلك حتى يموت فإذا مات فقد تحقق العدم فيعتق قبل موته بلا فصل ويعتبر من ثلث المال كوقوع العتق في المرض إذ الموت لا يخلو عن مقدمة مرض ولو قال: أنت حر غدا إن شئت فالمشيئة في الغد فإن شاء في الحال لا يعتق ما لم يشأ في الغد ولو قال: أنت حر إن شئت غدا فالمشيئة إليه في الحال فإذا شاء في الحال عتق غدا لأن في الفصل الأول علق الإعتاق المضاف إلى الغد بالمشيئة فيقتضي المشيئة في الغد وفي الفصل الثاني أضاف الإعتاق المعلق بالمشيئة إلى الغد فيقتضي تقدم المشيئة على الغد وروي عن أبي حنيفة أنه قال: المشيئة في الغد في الفصلين جميعا وقال زفر: المشيئة إليه للحال في الفصلين جميعا ومن هذا القبيل قول الرجل لعبده إن أديت إلي ألفا فأنت حر؛ لأنه تعليق صورة ومعنى لوجود الشرط والجزاء فيصح في الملك ويتعلق العتق بوجود الشرط وهو الأداء إليه في ملكه فإذا جاء بألف وهو في ملكه وخلى بينه وبين الألف شاء المولى أو أبى وهو تفسير الجبر على القول إلا أن القاضي يجبره على القبض بالحبس كذا فسره محمد فقال: إن العبد إذا أحضر المال بحيث يتمكن المولى من القبض عتق وهذا استحسان، والقياس أن لا يعتق ما لم يقبض أو يقبل، وهو قول زفر" وجه " القياس أنه علق العتق بشرط الأداء إليه ولا يتحقق الأداء إليه إلا بالقبض ولم يوجد فلا يعتق كما لو قال: إن أديت إلي عبدا فأنت حر فجاء بعبد رديء وخلى بينه وبينه لا يعتق، ولو قبل يعتق، وكذا إذا قال: إن أديت إلي كرا من حنطة فأنت حر فأدى كرا من حنطة رديئة ولو قبل يعتق، وكذا إذا قال: إن أديت إلي ثوبا أو دابة فأتى بثوب مطلق أو دابة مطلقة لا يعتق بدون القبول، وكذا إذا قال: إن أديت إلي ألفا أحج بها أو حججت بها لا يعتق بتسليم الألف ما لم يقبل، وكذا إذا قال: إن أديت إلي هذا الدن من الخمر لا يعتق بالتخلية بدون القبول" وجه " الاستحسان أن أداء المال إلى الإنسان عبارة عن تسليمه إليه قال الله تبارك وتعالى {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} أي: تسلموا وقال سبحانه وتعالى خبرا عن نبيه موسى عليه الصلاة والسلام {أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ} أي سلموا وتسليم الشيء عبارة عن جعله سالما خالصا لا ينازعه فيه أحد وهذا يحصل بالتخلية ولهذا كانت التخلية تسليما في الكتابة وكذا في المعاوضات المطلقة فلا يحتاج فيه إلى القبض كما لا يحتاج إليه في الكتابة والمعاوضات المطلقة مع ما أن التخلية تتضمن القبض؛ لأنها تفيد التمكن من التصرف وهو تفسير القبض لا الجعل البراجم كما في سائر المواضع وأما المسائل فهناك لم يوجد الشرط أما مسألة العبد فلأنه وإن ذكر العبد مطلقا فإنما أراد به المقيد وهو العبد المرغوب فيه لا ما ينطلق عليه اسم العبد علم ذلك بدلالة حاله فلا يعتق بأداء الرديء فإذا قبل يعتق؛ لأنه إذا قبل تبين أنه ما أراد به المقيد بل المطلق وعلم أن له فيه غرضا آخر في الجملة فلا تعتبر الدلالة مع الصريح بخلافه حتى لو أتى بعبد جيد أو وسط وخلى يعتق وهو الجواب في مسألة الكر وأما مسألة الثوب فثم لا يعتق ما لم يقبل ولا يعتق بأداء الوسط لأن الثياب أجناس مختلفة وأنواع متفاوتة واسم الثوب يقع على كل ذلك على الانفراد من الديباج والخز والكتان والكرباس والصوف وكل جنس تحته أنواع فكان الوسط مجهولا جهالة متفاحشة ولا يقع على أدنى الوسط من هذه الأجناس كما لا يقع على أدنى الرديء؛ لأن قيمة أدنى الوسط وهو الكرباس وهو ثوب تستر به العورة مما لا يرغب فيه بمقابلة إزالة الملك عن عبد قيمته ألف، ومتى بقي مجهولا لا تنقطع المنازعة فلا يتحقق التسليم والتخلية حتى لو قال: إن أديت إلي ثوبا هرويا فأنت حر يقع على الوسط وإذا جاء به يجبر على القبول وكذا الجواب عن مسألة الدابة؛ لأن الدواب أجناس مختلفة تحتها أنواع متفاوتة واسم الدابة يقع على كل ذلك على الانفراد حتى لو قال: إن أديت إلي فرسا فأنت حر فقد قالوا: إنه يقع على الوسط ويجبر على القبول وأما مسألة الحج ففيها تفصيل إن قال: إن أديت إلي ألفا فحججت بها أو قال: وحججت بها فأتى بالألف لا يعتق؛ لأنه علق العتق بشرطين فلا يعتق بوجود أحدهما ولو قال: إن أديت إلي ألفا أحج بها يعتق إذا خلى ويكون قوله أحج بها لبيان الغرض ترغيبا للعقد في الأداء حيث يصير كسبه مصروفا إلى طاعة الله تعالى لا على سبيل الشرط ومسألة الخمر لا رواية فيها ولكن ذكر في الكتابة أنه إذا كاتب عبده على دن من خمر أو على كذا عدد من الخنازير على أنه متى أتى

 

ج / 4 ص -60-         بها فهو حر فقبل؛ يكون كتابة فاسدة فلو جاء بها المكاتب وخلى بينه وبينها يعتق لوجود الشرط ويلزمه قيمة نفسه فيجوز أن يقاس عليه ويقال: يعتق ههنا بالتخلية أيضا وقال بعض المشايخ: إن العتق في هذا الفصل ثبت من طريق المعاوضة لا بوجود الشرط حقيقة كما في الكتابة والصحيح أنه ثبت بوجود الشرط حقيقة كما في سائر التعليقات بشروطها لا بطريق المعاوضة ومسألة الخمر لا رواية فيها ولكن ذكر في الكتابة أنه إذا كاتب عبده على دن من خمر أو على كذا عدد من الخنازير على أنه متى أتى بها فهو حر فقبل؛ يكون كتابة فاسدة فلو جاء بها المكاتب وخلى بينه وبينها يعتق لوجود الشرط ويلزمه قيمة نفسه فيجوز أن يقاس عليه ويقال: يعتق ههنا بالتخلية أيضا وقال بعض المشايخ: إن العتق في هذا الفصل ثبت من طريق المعاوضة لا بوجود الشرط حقيقة كما في الكتابة والصحيح أنه ثبت بوجود الشرط حقيقة كما في سائر التعليقات بشروطها لا بطريق المعاوضة ولو قال لعبدين له: إن أديتما إلي ألفا فأنتما حران فإن أدى أحدهما حصته لم يعتق أحدهما؛ لأنه علق العتق بأداء الألف ولم يوجد وكذا إذا أدى أحدهما الألف كلها من عنده؛ لأنه جعل شرط عتقهما أداءهما جميعا الألف ولم يوجد الألف فلا يعتقان كما إذا قال لهما: إن دخلتما هاتين الدارين فأنتما حران فدخل أحدهما لا يعتق ما لم يدخل الآخر وإن أدى أحدهما الألف كلها وقال: خمسمائة من عندي وخمسمائة أخرى بعث بها صاحبي ليؤديها إليك عتقا لوجود الشرط وهو أداء الألف منهما: حصة أحدهما بطريق الأصالة، وحصة الآخر بطريق النيابة؛ لأن هذا باب تجزئ فيه النيابة فقام أداؤه مقام أداء صاحبه، ولو أدى عنهما رجل آخر لم يعتقا؛ لعدم الشرط وهو أداؤهما وأما إذا أدى الأجنبي الألف وقال: أؤديها إليك على أنهما حران فقبلها المولى على ذلك عتقا؛ لأن هذا بمنزلة التعليق بشرط آخر مع الأجنبي كأنه قال له: إن أديت إلي ألفا فعبدي حر ويرد المال إلى المولى؛ لأن المولى لا يستحق المال بعتق عبده قبل الغير ولأن منفعة هذا العتق تحصل له فلا يجوز أن يستحق بذلك على الغير مالا بخلاف ما إذا قال لآخر: طلق امرأتك على ألفي هذه ودفع إليه فطلق أن الألف تكون للمطلق؛ لأن الزوج لم يحصل له بالطلاق منفعة إذ هو إسقاط حق الأجنبي صار متبرعا عنها بذلك فأشبه ما إذا قضى عنها دينا بخلاف العتق؛ لأنه حصلت للمولى منفعة وهو الولاء فلا يجوز أن يستحق بدلا على الغير ولو أداها الأجنبي وقال: هما أمراني أن أؤديها عنهما فقبلها المولى عتقا لوجود الشرط لأنه يجوز أن يكون الرجل رسولا عنهما فأداء الرسول أداء المرسل فإن أدى العبد من مال اكتسبه قبل القبول عتق؛ لوجود الشرط ويرجع المولى عليه بمثله؛ لأن المولى ما أذن له بالأداء من هذا الكسب؛ لأن الإذن ثبت بمقتضى القبول، والكسب كان قبل القبول فصار بمنزلة المغصوب بأن غصب ألفا من رجل وأدى ولم يجز المغصوب منه أداءه فإن العبد يعتق لوجود الشرط وللغاصب أن يسترد المغصوب وللمولى أن يرجع على العبد بمثلها وإن أدى من مال اكتسبه بعد القبول؛ صح الأداء وعتق العبد ولا يرجع المولى على العبد بمثله بعد العتق استحسانا، والقياس أن يرجع؛ لأنه أدى مال المولى فيرجع عليه كما لو اكتسبه قبل القبول بخلاف المكاتب؛ لأنه أدى من مال نفسه لأن اكتسابه ملكه إلا أنهم استحسنوا فقالوا: إنه لا يرجع؛ لأنه أدى بإذن المولى فكان إقدامه على هذا القبول إذنا له بالتجارة دلالة؛ لأنه لا يتوصل إلى أداء الألف إلا بالتجارة فيصير مأذونا في التجارة فقد حصل الأداء من كسب هو مأذون في الأداء منه من جهة المولى فلا يستحق الرجوع عليه أو نقول: الكسب الحاصل بعد القبول ليس على حكم ملك المولى في القدر الذي يؤدي ككسب المكاتب فصار من هذا الوجه كالمكاتب، ولو كانت هذه أمة فولدت ثم أدت لم يعتق ولدها بخلاف المكاتبة إذا ولدت ثم أدت فعتقت أنه يعتق ولدها ولو قال العبد للمولى: حط عني مائة فحط عنه فأدى تسعمائة لم يعتق؛ لأن الشرط لم يوجد بخلاف

 

ج / 4 ص -61-         الكتابة، فإن العتق فيها يثبت بطريق المعاوضة، والحط يلتحق بأصل العفو في المعاوضات كالبيع، وكذا لو أدى مكان الدراهم دنانير لا يعتق وإن قبل لعدم الشرط
ولو قال لعبده: إن خدمتني سنة فأنت حر فخدمه أقل من سنة لم يعتق حتى يكمل خدمته، وكذا إن صالحه من الخدمة على دراهم أو من الدراهم التي جعل عليه على دنانير، وكذا إذا قال: اخدم أولادي سنة وأنت حر فمات بعضهم قبل تمام السنة لم يعتق وهذا كله دليل على أن العتق ثبت بوجود الشرط حقيقة فلا يختلف الحكم فيه بالرضا وعدمه وإسقاط بعض الشرط كما في سائر الأزمان ألا يرى أنه إذا قال له: إن دخلت هاتين الدارين فأنت حر فدخل إحداهما وقال المولى: أسقطت عنك دخول الأخرى لا يسقط كذا هذا ولو أبرأ المولى العبد من الألف لم يعتق لعدم الشرط وهو الأداء ولو أبرأ المكاتب عن بدل الكتابة يعتق وذكر محمد في الزيادات أنه إذا قال: إن أديت لي ألفا في كيس أبيض فأنت حر فأداها في كيس أسود؛ لا يعتق وفي الكتابة يعتق وهذا نص على أن ههنا يثبت بوجود الشرط لا من طريق المعاوضة بخلاف الكتابة وإن باع هذا العبد ثم اشتراه وأدى إليه يجبر على القبول عند أبي يوسف وقال محمد في الزيادات: لا يجبر على قبولها فإن قبلها عتق، وذكر القاضي في شرحه مختصر الطحاوي أنه لا يجبر على القبول ولم يذكر الخلاف وعلى هذا إذا رده عليه بعيب أو خيار، وجه قول أبي يوسف ظاهر مطرد على الأصل؛ لأن عتقه تعلق بالشرط، والجزاء لا يتقيد بالملك القائم فكان حكمه في الملك الثاني كحكمه في الملك الأول كما في قوله: إن دخلت الدار فأنت حر فباعه ثم اشتراه فدخلوأما الوجه لمحمد فهو أن دلالة الحال دلت على التقييد بالملك القائم ظاهرا لأن غرضه من التعليق بالأداء تحريضه على الكسب ليصل إليه المال وذلك في المال القائم وأكد ذلك بوجود العتق المرغب له في الكسب مع احتمال أن المراد منه مطلق الملك فإذا أتى بالمال بعد ما باعه واشتراه فلم يقبل لا يعتق لتقيده بالملك القائم ظاهرا بدلالة الحال وإذا قبل يعتق؛ لأنه تبين أن المراد منه المطلق ولو قال لأمته: إذا أديت إلي ألفا كل شهر مائة فأنت حرة فقبلت ذلك فليس هذا بكتابة وله أن يبيعها ما لم تؤد وإن كسرت شهرا لم تؤد إليه ثم أدت إليه في غير ذلك الشهر لم تعتق كذا ذكر في رواية أبي حفص وهشام، وذكر في رواية أخرى وقال: هذه مكاتبة وليس له أن يبيعها، وإن كسرت شهرا واحدا ثم أدت في غير ذلك الشهر؛ كان جائزا وجه هذه الرواية أنه أدخل فيه الأجل فدل أنه كتابة، وجه رواية أبي حفص أن هذا تعليق العتق بشرط في وقت وهذا لا يدل على أنه كتابة كما لو قال لها: إن دخلت دار فلان اليوم أو دار فلان غدا فأنت حرة لا يكون ذلك كتابة وإن أدخل الأجل فيه؛ والدليل على أن الصحيح هذه الرواية أنه إذا قال لها: إذا أديت إلي ألفا في هذا الشهر فأنت حرة فلم تؤدها في ذلك الشهر وأدتها في غيره؛ لم تعتق، ولو كان ذلك كتابة لما بطل ذلك إلا بحكم الحاكم أو بتراضيهما فدل أن هذا ليس بكتابة بل هو تعليق بشرط لكن بوقت دون وقت ثم التعليق بالأداء هل يقتصر على المجلس؟ فإن قال: متى أديت أو متى ما أديت أو إذا ما أديت فلا شك أن هذا كله لا يقتصر على المجلس؛ لأن في هذه الألفاظ معنى الوقت وإن قال: إن أديت إلي ذكر في الأصل أنه يقتصر على المجلس، وظاهر ما رواه بشر عن أبي يوسف يدل أنه لا يقتصر على المجلس فإنه قال في رواية عن أبي يوسف: إنه قال في رجل قال لعبده: إن أديت إلي ألفا فأنت حر أو متى أديت أو إن أديت فقد سوى بين هذه الكلمات ثم في كلمة: إذا أو متى لا يقتصر على المجلس فكذا في كلمة إن وكذا ذكر بشر ما يدل عليه فإنه قال عطفا على روايته عن أبي يوسف: إن المولى إذا باعه ثم اشتراه فأدى المال عتق ويبعد أن ينفذ البيع والشراء وأداء المال في مجلس واحد وهذا يدل على أن العتق لا يقتصر على المجلس في الألفاظ كلها والوجه فيه ظاهر؛ لأنه عتق معلق بالشرط فلا يقف على المجلس كالتعليق بسائر الشروط من قوله: إن دخلت الدار فأنت حر وغير ذلك، وجه رواية الأصل أن العتق المعلق بالأداء معلق باختيار العبد فصار كأنه قال: أنت حر إن شئت ولو قال: إن شئت يقتصر على المجلس ولو قال: إذا شئت أو متى شئت لا يقتصر على المجلس كذا ههنا، وسواء أدى الألف جملة واحدة أو على التفاريق: خمسة وعشرة وعشرين أنه يجبر على القبول حتى إذا تم الألف يعتق؛ لأنه علق

 

ج / 4 ص -62-         العتق بأداء الألف مطلقا وقد أدى، وروى ابن رستم عن محمد فيمن قال لعبده في مرضه: إذا أديت إلي ألفا فأنت حر وقيمة العبد ألف فأداها من مال اكتسبه بعد القول فإنه يعتق من جميع المال استحسن أبو حنيفة ذلك، وقال زفر: يعتق من الثلث وهو القياس، ووجهه أن الكسب حصل على ملك المولى؛ لأنه كسب عبده فإذا أسقط حقه عن الرقبة كان متبرعا فيعتبر من الثلث كما لو أعتقه ابتداء بخلاف الكتابة؛ لأن المولى لا يملك أكساب العبد المكاتب فكان كسبه عوضا عن الرقبة فيعتق من جميع المال، وجه الاستحسان أن القدر الذي يؤدى من الكسب الحاصل بعد القول ليس على ملك المولى ككسب المكاتب؛ لأن المولى أطمعه العتق بأدائه إليه فصار تعليق العتق به سببا داعيا إلى تحصيله فصار كسبه من هذا الوجه بمنزلة كسب المكاتب، ولو قال له: أد إلي ألفا وأنت حر فما لم يؤد لا يعتق؛ لأنه أتى بجواب الأمر لأن جواب الأمر بالواو فيقتضي وجوب ما تعلق بالأمر وهو الأداء ولو قال: أد إلي ألفا فأنت حر فلا رواية في هذا وقيل هذا والأول سواء لا يعتق إلا بأداء المال إليه لأن جواب الأمر قد يكون بحرف الفاء ولو قال: أد إلي ألفا أنت حر يعتق للحال أدى أو لم يؤد؛ لأنه لم يوجد ههنا ما يوجب تعلق العتق بالأداء حيث لم يأت بحرف الجواب، والله عز وجل أعلم ومن هذا القبيل إذا قال لأمته: إن ولدت ولدا فهو حر أو قال: إذا ولدت ولدا فهو حر ويعتبر لصحة قيام الملك في الأمة وقت التعليق كما في قوله: إن ولدت ولدا فأنت حرة؛ لأن الملك إذا كان ثابتا في الأمة وقت التصرف فالظاهر بقاؤه إلى وقت الولادة فلا حاجة إلى إضافة الولادة إلى الملك فيصح فإذا صح التعليق فكل ولد تلده في ملكه يعتق وإن ولدت في غير ملكه لا يعتق وتبطل اليمين بأن ولدت بعد ما مات المولى أو بعد ما باعها ولو ضرب ضارب بطنها فألقت جنينا ميتا؛ كان فيه ما في جنين الأمة لأن الحرية تحصل بعد الولادة، والضرب حصل قبل الولادة فكان عبدا فلا يجب ضمان الحر، ولو قال: إذا حملت بولد فهو حر كان فيه ما في جنين الحرة؛ لأن الحرية تحصل منها للحمل فالضرب صادفه وهو حر إلا أنا لا نحكم به ما لم تلد؛ لأنا لا نعلم بوجوده فإذا ألقت فقد علمنا بوجوده وقت الضرب فإن قيل: الحرية لا تثبت إلا بعد حدوث الحياة فيه ولا نعلم ذلك فكيف يحكم بحريته؟ فالجواب أنه: لما حكم الشرع بالأرش على الضارب فقد صار محكوما بحدوث الحياة فيه؛ لأن الأرش لا يجب إلا بإتلاف الحي ولو باعها المولى فولدت عند المشتري قبل مضي ستة أشهر كان الولد حرا والبيع باطل؛ لأنا تيقنا أنه باعها والحمل موجود والحرية ثابتة فيه وحرية الحمل تمنع جواز بيع الأم لما مر، وإن ولدته لستة أشهر فصاعدا؛ لم يعتق لأنا لم نتيقن بحصول الولد يوم البيع فلا يجوز فسخ البيع وإثبات الحرية ولو قال لأمته: إن كان أول ولد تلدينه غلاما فأنت حرة فولدت غلاما وجارية فهذا لا يخلو من أوجه: إما إن علم أيهما ولد أولا بأن اتفق المولى والأمة على أنهما يعلمان ذلك، وإما إن لم يعلم بأن اتفقا على أنهما لا يعلمان، وإما إن اختلفا في ذلك فإن علم أيهما ولد أولا فإن كان الغلام هو الأول فهو رقيق؛ لأن المعلق بولادته عتق الأم وهي إنما تعتق بعد الولادة فكان انفصال الولد على حكم الرق فلا يؤثر فيه عتق الأم وتعتق الأم بوجود الشرط وتعتق الجارية بعتقها وإن كانت الجارية هي الأولى لم يعتق واحد منهم لعدم شرط العتق وإن لم يعلم فالغلام رقيق على كل حال؛ لأنه لا حال له في الحرية أصلا سواء كان متقدما في الولادة أو متأخرا؛ لأنه إن كان أولا فذاك شرط عتق أمه لا شرط عتقه، وعتق أمه لا يؤثر فيه لما بينا، وإن كانت الجارية أولا فولادتها لم تجعل شرط العتق في حق أحد؛ فلم يكن للغلام حال في الحرية رأسا فكان رقيقا على كل حالوأما الجارية والأم فيعتق من كل واحدة منهما نصفها وتسعى في نصف قيمتها؛ لأن كل واحدة منهما تعتق في حال وترق في حال؛ لأن الغلام إن كان أولا عتقت الأم والجارية أما الأم فلوجود شرط العتق فيها وأما الجارية فلعتق الأم؛ لأن الأم إذا عتقت؛ عتقت الجارية بعتق الأم تبعا لها فعتقتا جميعا وإن كانت الجارية أولا لا يعتقان؛ لأنه لم يوجد شرط العتق في الأم، وإذا لم تعتق الأم؛ لا تعتق الجارية لأن عتقها بعتقها فإذا هما يعتقان في حال ويرقان في حال فيتنصف العتق فيهما فيعتق من كل واحدة منهما نصفها على الأصل المعهود لأصحابنا في اعتبار الأحوال عند اشتباهها، والعمل بالدليلين بقدر الإمكان وروي عن محمد أنه يستحلف

 

ج / 4 ص -63-         المولى على علمه بالله تعالى ما يعلم الغلام ولد أولا فإن نكل عن اليمين عتقت الأم وابنتها وكان الغلام عبدا وإن حلف؛ كانوا جميعا أرقاء وكذلك إذا لم يخاصم المولى حتى مات وخوصم وارثه بعده فأقر أنه لا يدري وحلف بالله تعالى ما يعلم الغلام ولد أولا رقوا،، ووجه هذه الرواية أن الأحوال إنما تعتبر عند تعذر البيان والبيان ههنا ممكن بالرجوع إلى قول الحالف فلا تعتبر الأحوال والجواب أنه لا سبيل إلى البيان باليمين ههنا؛ لأن الخصمين متفقان على أنهما لا يعلمان الأول منهما فلا يجوز للقاضي أن يكلف المولى الحلف على أنه لا يعلم الأول منهما مع تصادقهما على ذلك، وإن اختلفا فالقول قول المولى: إن الجارية هي الأولى لأنه ينكر العتق، ولو قال لأمته: إن كان أول ولد تلدينه غلاما فأنت حرة وإن كانت جارية فهي حرة فولدت غلاما وجارية فإن علم أن الغلام كان أولا عتقت الأم والجارية لا غير أما الأم: فلوجود الشرط وأما الجارية: فلعتق الأموأما رق الغلام فلانفصاله على حكم الرق فلا يؤثر فيه عتق الأم وإن علم أن الجارية كانت هي الأولى عتقت هي لا غير لأن المعلق بولادتها عتقها لا غير وعتقها لا يؤثر في غيرها وإن لم يعلم أيهما أول فالجارية حرة على كل حال والغلام عبد على كل حال ويعتق نصف الأم وتسعى في نصف قيمتها أما حرية الجارية على كل حال فلأنه لا حال لها في الرق؛ لأن الغلام إن كان أولا عتقت الجارية؛ لأن أمها تعتق فتعتق هي بعتق الأم وإن كانت الجارية أولا فقد عتقت لوجود شرط العتق في حقها فكانت حرة على كل حالوأما رق الغلام على كل حال: فلأنه ليس له حال في الحرية سواء ولد أولا أو آخرا وأما الأم فإنما يعتق نصفها؛ لأنها تعتق في حال وترق في حال لأن الغلام إن كان هو الأول تعتق الأم والجارية أيضا بعتق الأم، وإن كانت الجارية أولا تعتق الجارية لا غير؛ لأن المعلق به عتقها لا غير وعتقها لا يتعدى إلى عتق الأم فإذا تعتق الأم في حال ولا تعتق في حال فيعتق نصفها اعتبارا للأحوال وإن اختلفا فالقول قول المولى لما بينا ولو قال لها: إن كان أول ولد تلدينه غلاما فهو حر وإن كان جارية فأنت حرة فولدت غلاما وجارية فإن علم أن الغلام ولد أولا عتق هو لا غير وإن علم أن الجارية ولدت أولا عتقت الأم والغلام لا غير وإن لم يعلم أيهما ولد أولا فالغلام حر على كل حال؛ لأنه لا حال له في الرق سواء كان أولا أو آخرا، والجارية رقيقة على كل حال؛ لأنه لا حال لها في الحرية تقدمت في الولادة أو تأخرت لأن الغلام إن كان هو الأول لا يعتق إلا هو وإن كانت الجارية هي الأولى لا تعتق إلا الأم والغلام فلم يكن للجارية حال في الحرية فبقيت رقيقة والأم يعتق منها نصفها وتسعى في نصف قيمتها؛ لأن الجارية إن كانت هي الأولى تعتق الأم كلها وإن كان الغلام هو الأول لا يعتق شيء منها فتعتق في حال ولا تعتق في حال فيعتق نصفها وتسعى في النصف اعتبارا للحالين وعملا بهما بقدر الإمكان وإن اختلفا فالقول قول المولى لما ذكرناهذا إذا ولدت غلاما وجارية فأما إذا ولدت غلامين وجاريتين والمسألة بحالها فإن علم أولهم أنه ابن يعتق هو لا غير؛ لأن المعلق عتقه لا غير يعتق هو لا غير عند وجود الشرط، وإن علم أنه جارية فهي رقيقة ومن سواها أحرار؛ لأنه جعل ولادتها أولا شرط حرية الأم فإذا وجد الشرط عتقت الأم ويعتق كل من ولد بعد ذلك بعتق الأم تبعا لها وإن لم يعلم من كان أولهم يعتق من الغلامين كل واحد منهما ثلاثة أرباعه ويسعى في ربع قيمته ويعتق من الأم نصفها وتسعى في نصف قيمتها ويعتق من البنتين من كل واحدة منهما ربعها وتسعى في ثلاثة أرباع قيمتها، وإنما كان كذلك أما الغلامان فلأن أول من ولدت إن كان غلاما عتق الغلام كله لوجود الشرط وإن كان جارية عتق الغلامان لأن الأم تعتق ويعتق كل من ولد بعد ذلك وهم الغلامان والجارية الأخرى وقد تيقنا بحرية أحد الغلامين وشككنا في الآخر وله حالتان: يعتق في حال، ولا يعتق في حال فيجعل ذلك نصفين فيعتق غلام واحد ونصف من الآخر ولا يعلم أيهما عتق كله وأيهما عتق نصفه فاستويا في ذلك وليس أحدهما في ذلك بأولى من الآخر فيعتق من كل واحد منهما ثلاثة أرباعه ويسعى في ربع قيمته وأما الأم فإنها تعتق في حال ولا تعتق في حال؛ لأن أول ما ولدت إن كان غلاما لا تعتق أصلا وإن كان جارية تعتق فتعتق في حال وترق في حال فيعتق نصفها وتسعى في نصفها وأما الجاريتان فإحداهما أمة بلا شك؛ لأن أول ما ولدت إن كان غلاما فهما رقيقان

 

ج / 4 ص -64-         وإن كانت جارية فإن الأولى لا تعتق وتعتق الأخرى بعتق الأم فإذا في حالة لهما حرية واحدة وفي حالة لا شيء لهما فيثبت لهما نصف ذلك وليست إحداهما بأولى من الأخرى فيصير ذلك بينهما نصفين وهو ربع الكل فيعتق من كل واحدة منهما ربعها وتسعى في ثلاثة أرباع قيمتها والله عز وجل أعلم ولو قال لأمته: إن ولدت غلاما ثم جارية فأنت حرة وإن ولدت جارية ثم غلاما فالغلام حر فولدت غلاما وجارية فإن كان الغلام أولا عتقت الأم لوجود شرط عتقها والغلام والجارية رقيقان لانفصالهما على حكم الرق وعتق الأم لا يؤثر فيهما وإن كانت الجارية أولا عتق الغلام لوجود الشرط، والأم والجارية رقيقتان لأن عتق الغلام لا يؤثر فيهما وإن لم يعلم أيهما أولا واتفقا على أنهما لا يعلمان ذلك فالجارية رقيقة؛ لأنه لا حال لها في الحرية؛ لأنها ترق في جميع الأحوال وأما الغلام والأم فإنه يعتق من كل واحد منهما نصفه ويسعى في نصف قيمته؛ لأن كل واحد منهما يعتق في حال ويرق في حال فيعتق نصفه ويسعى في نصف قيمته وإذا اختلفا فالقول قول المولى مع يمينه على علمه هذا إذا ولدت غلاما وجارية فأما إذا ولدت غلامين وجاريتين والمسألة بحالها فإن ولدت غلامين ثم جاريتين؛ عتقت الأم لوجود الشرط وعتقت الجارية الثانية بعتقها وبقي الغلامان والجارية الأولى أرقاء، وإن ولدت غلاما ثم جاريتين ثم غلاما؛ عتقت الأم لوجود الشرط والجارية الثانية والغلام الثاني بعتق الأم، وإن ولدت غلاما ثم جارية، ثم غلاما ثم جارية عتقت الأم لوجود الشرط، والغلام الثاني والجارية الثانية بعتق الأم، وإن ولدت جاريتين ثم غلامين عتق الغلام الأول لوجود الشرط، والغلام الثاني والجارية الثانية بعتق الأم، وإن ولدت جاريتين ثم غلامين عتق الغلام الأول لوجود الشرط وبقي من سواه رقيقا وكذلك إذا ولدت جارية ثم غلامين ثم جارية عتق الغلام الأول لا غير لوجود شرط العتق في حقه لا غير، وكذلك إذا ولدت جارية ثم غلاما ثم جارية ثم غلاما عتق الغلام الأول لا غير؛ لما قلنا، وإن لم يعلم بأن اتفقوا على أنهم لا يعلمون أيهم الأول يعتق من الأولاد من كل واحد ربعه؛ لأن أحد الغلامين مع إحدى الجاريتين رقيقان على كل حال لأنه ليس لهما حال في الحرية والجارية الأخرى والغلام الآخر يعتق كل واحد منهما في حال ويرق في حال فيعتق من كل واحد نصفه فما أصاب الجارية يكون بينها وبين الجارية الأخرى نصفين إذ ليست إحداهما بأولى من الأخرى فيعتق من كل واحدة ربعها وكذلك ما أصاب الغلام يكون بينه وبين الغلام الآخر نصفين لما قلنا وأما الأم فيعتق منها نصفها لأنه إن سبق ولادة الغلام فتعتق لوجود الشرط وإن سبقت ولادة الجارية لا تعتق فيعتق نصفها وتسعى في نصف قيمتها، وإن اختلفوا فالقول قول المولى مع يمينه على علمه لما قلنا ولو قال لها: إن ولدت ما في بطنك فهو حر فإن جاءت به لأقل من ستة أشهر من يوم حلف عتق ما في بطنها وإن جاءت به لستة أشهر فصاعدا لا يعتق؛ لأنها إذا جاءت به لأقل من ستة أشهر تيقنا بكونه موجودا وقت التعليق لأن الولد لا يولد لأقل من ستة أشهر فتيقنا بكونه داخلا تحت الإيجاب وإذا جاءت به لستة أشهر فصاعدا لم نتيقن بوجوده بل يحتمل أن لا يكون موجودا ثم وجد بعد فلا يدخل تحت الإيجاب مع الشك وكذا إذا قال لها: ما في بطنك حر إلا أن ههنا يعتق من يوم حلف وفي الفصل الأول: يوم تلد لأن هناك شرط الولادة ولم تشترط ههنا ولو قال لها: إذا حملت فأنت حرة فولدت لأقل من سنتين أو لسنتين من وقت الكلام لا تعتق وإن ولدت لأكثر من سنتين تعتق؛ لأن يمينه تقع على حمل يحدث بعد اليمين فإذا ولدت لأقل من سنتين أو لسنتين؛ يحتمل أنها كانت حبلى من وقت الكلام لا تعتق وإن ولدت لأكثر من سنتين أو لسنتين يحتمل أنها كانت حبلى وقت اليمين ويحتمل أنه حدث الحمل بعد اليمين فيقع الشك في شرط ثبوت الحرية فلا تثبت الحرية مع الشك، فأما إذا ولدت لأكثر من سنتين فقد تيقنا أن الحمل حصل بعد اليمين لأن الولد لا يبقى في البطن أكثر من سنتين فقد وجد شرط العتق وهو الحمل بعد اليمين فيعتق فإن قيل: أليس أن من أصلكم أن الوطء إذا كان مباحا تقدر مدة الحبل بستة أشهر فهلا قدرتم ههنا كذلك؟ فالجواب أن: هذا من أصلنا فيما لم يكن فيه إثبات رجعة أو إعتاق بالشك ولو جعلنا مدة الحمل ههنا ستة أشهر لكان فيه إثبات العتق بالشك وهذا لا يجوز ثم إن ولدت بعد المقالة لأكثر من سنتين

 

ج / 4 ص -65-         حتى عتقت وقد كان وطئها قبل الولادة فإن وطئها قبل الولادة لأقل من ستة أشهر؛ فعليه العقر وإن وطئها قبل الولادة لستة أشهر فصاعدا لا عقر عليه؛ لأنها إذا ولدت لأقل من ستة أشهر منذ وطئها علم أنه وطئها وهي حامل؛ لأن الحمل لا يكون أقل من ستة أشهر فإذا وضعت لأقل من ستة أشهر بعد الوطء؛ علم أن العلوق حصل قبل هذا الوطء فيجب عليه العقر؛ لأنه علم أنه وطئها بعد ثبوت الحرية، فإذا ولدت لستة أشهر فصاعدا من وقت الوطء يحتمل أن الحمل حصل بذلك الوطء فلا يجب العقر؛ لأن الوطء لم يصادف الحرية ويحتمل أنه حصل بوطء قبله فيجب العقر فيقع الشك في وجوب العقر فلا يجب مع الشك وينبغي في الورع والتنزه إذا قال لها هذه المقالة ثم وطئها أن يعتزلها حتى يعلم أحامل أم لا فإن حاضت وطئها بعد ما طهرت من حيضها لجواز أنها قد حملت بذلك الوطء فعتقت فإذا وطئها بعد ذلك كان وطء الحرة فيكون حراما فيعتزلها صيانة لنفسه عن الحرام، فإذا حاضت تبين أن الحمل لم يوجد إذ الحامل لا تحيض ولهذا تستبرأ الجارية المشتراة بحيضة لدلالتها على فراغ الرحم، ولو باع هذه الجارية قبل أن تلد ثم ولدت في يد المشتري ينظر: إن ولدت لأقل من سنتين أو لسنتين بعد اليمين؛ يصح البيع لجواز أن الولد حدث بعد اليمين فلا يبطل البيع بالشك وإن ولدت لأقل من سنتين بعد اليمين ينظر: إن كان ذلك لأقل من ستة أشهر قبل البيع لا يجوز البيع؛ لأنه حدث الولد قبل البيع فعتقت هي وولدها، وبيع الحر لا يجوز وإن كان ذلك لستة أشهر فصاعدا من وقت البيع فإنها لا تعتق؛ لأن من الجائز أن الولد حدث بعد البيع والبيع قد صح فلا يفسخ بالشك، ولو قال لها: إن كان حملك غلاما فأنت حرة وإن كان جارية فهي حرة فكان حملها غلاما وجارية لم يعتق أحد منهم؛ لأن الحمل اسم لجميع ما في الرحم قال الله تعالى {وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} والمراد منه: جميع ما في البطن حتى لا تنقضي العدة إلا بوضع جميع ما في الرحم وليس كل الحمل الغلام وحده ولا الجارية وحدها بل بعضه غلام وبعضه جارية فصار كأنه قال: إن كان كل حملك غلاما فأنت حرة، وإن كان كل حملك جارية فهي حرة فولدت غلاما وجارية فلا يعتق أحدهم، وكذلك لو قال: إن كان ما في بطنك لأن هذا عبارة عن جميع ما في بطنها ولو قال: إن كان في بطنك عتق الغلام والجارية لأن قوله: إن كان في بطنك غلام ليس عبارة عن جميع ما في البطن بل يقتضي وجوده وقد وجد غلام ووجد أيضا جارية فعتقا ولو قال لها: إن كنت حبلى فأنت حرة فولدت لأقل من ستة أشهر فهي حرة وولدها، وإن ولدت لستة أشهر أو أكثر لم يعتق لأن أقل مدة الحمل ستة أشهر فإذا أتت لأقل من ستة أشهر علم أن الحمل كان موجودا وقت اليمين فتعتق الأم لوجود شرط عتقها وهو كونها حاملا وقت اليمين ويعتق الحمل بعتقها تبعا لها، وإذا أتت لستة أشهر أو أكثر يحتمل أن يكون بحمل حادث بعد اليمين فلا يعتق ويحتمل أن يكون بحمل موجود وقت اليمين فيعتق فوقع الشك في العتق فلا يعتق مع الشك ومن هذا القبيل التدبير والاستيلاد؛ لأن كل واحد منهما تعليق العتق بشرط الموت إلا أن التدبير: تعليق بالشرط قولا، والاستيلاد: تعليق بالشرط فعلا لكن الشرط فيهما يدخل على الحكم لا على السبب ولكل واحد منهما كتاب مفرد وأما التعليق المحض بما سوى الملك وسببه معنى لا صورة فنحو أن يقول لأمته: كل ولد تلدينه فهو حر، وهذا ليس بتعليق من حيث الصورة؛ لانعدام حرف التعليق وهو " إن " وإذا ونحو ذلك؛ لأن كلمة كل ليست كلمة تعليق بل هي كلمة الإحاطة بما دخلت عليه لكنه تعليق من حيث المعنى لوجود معنى التعليق فيه؛ لأنه أوقع العتق على موصوف بصفة وهو الولد الذي تلده فيتوقف وقوع العتق على اتصافه بتلك الصفة كما يتوقف على وجود الشرط المعلق به صريحا في قوله: إن ولدت ولدا أو إن دخلت الدار ونحو ذلك فكان معنى التعليق موجودا فيه فلا يصح إلا إذا كانت الأمة في ملكه وقت التعليق حتى لو قال لأمة لا يملكها: كل ولد تلدينه فهو حر لا يصح، حتى لو اشتراها فولدت منه ولدا لا يعتق الولد لعدم الملك وقت التعليق وعدم الإضافة إلى الملك وسببه، ويصح إذا كانت الأمة في ملكه وقت التعليق وقيام الملك في الأمة يكفي لصحته ولا يشترط إضافة الولادة إلى الملك للصحة بأن يقول كل ولد تلدينه وأنت في ملكي فهو حر لما بينا فيما تقدم ثم إن ولدت في ملكه يعتق الولد لوجود الشرط في الملك، وإن ولدت في غير ملكه

 

ج / 4 ص -66-         لا يعتق لعدم الملك وتبطل اليمين لوجود الشرط كما إذا قال لعبده: إن دخلت الدار فأنت حر فباعه فدخل الدار يبطل اليمين حتى لو اشتراه ثانيا فدخل الدار؛ لا يعتق كذا هذا، وعلى هذا إذا قال لعبد يملكه أو لا يملكه: كل ولد يولد لك فهو حر فولد له ولد من أمة فإن كانت الأمة ملك الحالف يوم حلف عتق الولد وإلا فلا وينظر في ذلك إلى ملك الأمة لا إلى ملك العبد لأن الولد في الرق والحرية يتبع الأم لا الأب، فإذا كانت الأمة على ملكه وقت التكلم فالظاهر بقاء الملك فيها إلى وقت الولادة وملك الأم سبب ثبوت ملك الولد فصار كأنه قال: كل ولد يولد لك من أمة لي فهو حر فإذا لم تكن الأمة مملوكة في الحال فالظاهر بقاؤه على العدم لا يوجد ملك الولد وقت الولادة ظاهرا فلم يوجد التعليق في الملك ولا الإضافة إلى الملك فلا يصح هذا إذا ولد الولد من أمة مملوكة للحالف من نكاح فأما إذا ولد منها من سفاح بأن زنى الغلام بها فولدت منه هل يعتق أم لا؟ فقد اختلف المشايخ فيه وهي من مسائل الجامع ولو قال لأمته: أول ولد تلدينه فهو حر وإن ولدت ولدا فهو حر فولدت ولدا ميتا ثم ولدت ولدا حيا لا شك في أنه لا يعتق الولد الميت وإن كان الولد الميت ولدا حقيقة، وهل يعتق الولد الحي؟ قال أبو حنيفة: يعتق، وقال أبو يوسف ومحمد: لا يعتق وحاصل الكلام يرجع إلى كيفية الشرط أن الشرط ولادة ولد مطلق أو ولادة ولد حي فعندهما: الشرط ولادة ولد مطلق فإذا ولدت ولدا ميتا فقد وجد الشرط فينحل اليمين فلا يتصور نزول الجزاء بعد ذلك وعند أبي حنيفة: الشرط ولادة ولد حي فلم يتحقق الشرط بولادة ولد ميت فيبقى اليمين فينزل الجزاء عند وجود الشرط وهو ولادة ولد حي، وجه قولهما أن الحالف جعل الشرط ولادة ولد مطلق؛ لأنه أطلق اسم الولد ولم يقيده بصفة الحياة والموت، والولد الميت ولد حقيقة حتى تصير المرأة به نفساء وتنقضي به العدة وتصير الجارية أم ولد له، ولهذا لو كان المعلق عتق عبد آخر أو طلاق امرأة نزل عند ولادة ولد ميت وكذا إذا قال لها: إن ولدت ولدا فهو حر وعبدي فلان فولدت ولدا ميتا عتق عبده ولو لم تكن هذه الولادة شرطا لما عتق فإذا ولدت ولدا ميتا فقد وجد الشرط لكن المحل غير قابل للجزاء فينحل اليمين لا إلى جزاء وتبطل كما إذا قال لعبده: إن دخلت الدار فأنت حر فباعه قبل الدخول ثم دخل تنحل اليمين لكن لا إلى جزاء حتى لو اشتراه ودخل لا يعتق وإن أمكن تقييد التعليق بالملك كأنه قال: إن دخلت الدار وأنت في ملكي مع ذلك لم يتقيد به كذا ههنا ولأبي حنيفة إن الإيجاب أضيف إلى محل قابل للحرية؛ إذ العاقل الذي لا يقصد إيجاب الحرية فيما لا يحتمل الحرية؛ لأنه سفه والقابل للحرية هو الولد الحي فيتقيد به كأنه قال: أول ولد ولدتيه حيا فهو حر كما إذا قال لآخر: إن ضربتك فعبدي حر أنه يتقيد بحال الحياة للمضروب حتى لو ضربه بعد موته لا يحنث لعدم قبول المحل للضرب كذا ههنا، ولا فرق سوى أن ههنا تقيد لنزول الجزاء وهناك تقيد لتحقق الشرط بخلاف ما إذا علق بالولادة عتق عبد آخر أو طلاق امرأته؛ لأن هناك المحل المضاف إليه الإيجاب قابل للعتاق والطلاق فلا ضرورة إلى التقييد بحياة الولد كما إذا قال لها: إن ولدت ولدا فأنت حرة أو قال: أول ولد تلدينه فأنت حرة فولدت ولدا ميتا عتقت وههنا بخلافه وهو الجواب عن قوله: إذا ولدت ولدا فهو حر وعبدي فلان، أن ولادة الولد الميت تصلح شرطا في عتق عبد آخر لكون المحل قابلا للتعليق ولا تصلح شرطا في عتق الولد لعدم قبول المحل ويجوز أن يعلق بشرط واحد جزاءان ثم ينزل عند وجود أحدهما دون الآخر لمانع كمن قال لامرأته: إذا حضت فأنت طالق وفلانة معك فقالت: حضت فكذبها؛ يقع الطلاق عليها ولا يقع على الأخرى وإن كان الشرط واحدا كذا هذا وأما التعليق بدخول الدار فإنما لم يتقيد بالملك؛ لأن التقييد للتصحيح والإيجاب هناك صحيح بدون الملك لقبول المحل العتق عند وجود الشرط ألا ترى أنه يقف على إجازة المالك، والباطل لا يقف على الإجازة وإنما الملك شرط النفاذ أما ههنا فلا وجه لتصحيح الإيجاب في الميت رأسا لعدم احتمال المحل؛ إذ لا سبيل إلى إعتاق الميت بوجه فدعت الضرورة إلى التقييد بصفة الحياة، وذكر محمد في الأصل: إذا قال: أول عبد يدخل فهو حر فأدخل عليه عبد ميت ثم حي عتق الحي ولم يذكر خلافا فمن أصحابنا من قال: هذا قول أبي حنيفة خاصة؛ لأن ما أضيف إليه الإيجاب وهو العبد لا يحتمل الوجوب إلا بصفة الحياة فصار

 

ج / 4 ص -67-         كأنه قال: أول عبد يدخل علي حيا فهو حر كما في الولادة فأما على قولهما فلا يعتق؛ لأن الحالف أطلق اسم العبد فيجري على إطلاقه ولا يقيد بحياة العبد كما في الولادة ومنهم من قال: هذا قولهم جميعا قال القدوري: وهو الصحيح لأنه علق العتق باسم العبد والعبد اسم للمرقوق وقد بطل الرق بالموت فلم يوجد الشرط بإدخاله عليه فيعتق الثاني لوجود الشرط في حقه بخلاف الولد؛ لأن الولد اسم للمولود والميت مولود حقيقة فإن قيل: الرق لا يبطل بالموت بدليل أنه يجب على المولى كفن عبده الميت فالجواب: إن وجوب الكفن لا يدل على الملك ألا ترى أن من مات ولم يترك شيئا فكفنه على أقاربه وإن لم يكن هناك ملك، وإذا زال ملكه عن الميت؛ صار الثاني أول عبد من عبيده أدخل عليه فوجد الشرط فيعتق ومن هذا القبيل قول الرجل: كل مملوك لي فهو حر ويقع على ما في ملكه في الحال حتى لو لم يكن يملك شيئا يوم الحلف؛ كان اليمين لغوا حتى لو ملكه في المستقبل لا يعتق؛ لأن هذا الكلام لا يستعمل إلا للحال فلا يتعلق به عتق ما ليس بمملوك له في الحال وكذا إذا علق بشرط قدم الشرط أو أخر بأن قال: إن دخلت هذه الدار فكل مملوك لي حر أو قال: إذا دخلت أو إذا ما دخلت أو متى دخلت أو متى ما دخلت أو قال: كل مملوك لي حر إن دخلت الدار فهذا كله على ما في ملكه يوم حلف وكذا إذا قال: كل مملوك أملكه ولا نية له؛ لأن صيغة أفعل وإن كانت تستعمل للحال والاستقبال لكن عند الإطلاق يراد به الحال عرفا وشرعا ولغة أما العرف: فإن من قال: فلان يأكل أو يفعل كذا يريد به الحال أو يقول الرجل: أنا أملك ألف درهم يريد به الحال وأما الشرع: فإن من قال أشهد أن لا إله إلا الله يكون مؤمنا ولو قال: أشهد أن لفلان على فلان كذا يكون شاهدا، ولو قال: أقر أن لفلان علي كذا صح إقرارهوأما اللغة: فإن هذه الصيغة موضوعة للحال على طريق الأصالة؛ لأنه ليس للحال صيغة أخرى وللاستقبال السين وسوف، فكانت الحال أصلا فيها والاستقبال دخيلا فعند الإطلاق يصرف إلى الحال ولو قال: عنيت به ما استقبل ملكه؛ عتق ما في ملكه للحال وما استحدث الملك فيه لما ذكرنا أن ظاهر هذه الصيغة للحال فإذا قال: أردت به الاستقبال فقد أراد صرف الكلام عن ظاهره فلا يصدق فيه، ويصدق في قوله: أردت ما يحدث ملكي فيه في المستقبل فيعتق عليه بإقراره كما إذا قال: زينب طالق وله امرأة معروفة بهذا الاسم ثم قال: لي امرأة أخرى بهذا الاسم عنيتها طلقت المعروفة بظاهر هذا اللفظ والمجهولة باعترافه كذا ههنا وكذا لو قال: كل مملوك أملكه الساعة فهو حر أن هذا يقع على ما في ملكه وقت الحلف ولا يعتق ما يستفيده بعد ذلك إلا أن يكون نوى ذلك فيلزمه ما نوى لأن المراد من الساعة المذكورة هي الساعة المعروفة عند الناس وهي الحال لا الساعة الزمانية التي يذكرها المنجمون؛ فيتناول هذا الكلام من كان في ملكه وقت التكلم لا من يستفيده بعده فإن قال: أردت به من أستفيده في هذه الساعة الزمانية يصدق فيه لأن اللفظ يحتمله وفيه تشديد على نفسه ولكن لا يصدق في صرفه اللفظ عمن يكون في ملكه للحال سواء أطلق أو علق بشرط قدم الشرط أو أخر بأن قال: إن دخلت الدار؛ فكل مملوك أملكه حر أو قال: كل مملوك أملكه حر إن دخلت الدار فهذا والأول سواء في أن اليمين إنما يتعلق بما في ملكه يوم حلف؛ لأنه علق العتق بشرط فيتناول ما في ملكه لا ما يستفيده كما إذا قال: كل عبد يدخل الدار فهو حر فإن قال: أردت به ما استحدث ملكه؛ عتق ما في ملكه إذا وجد الشرط باليمين وما يستحدث بإقراره؛ لأنه لا يصدق في صرف الكلام عن ظاهره ويصدق في التشديد على نفسه فإن لم يكن في ملكه يوم حلف مملوك فاليمين لغو؛ لأنها تتناول الحال فإذا لم يكن له مملوك للحال لا تنعقد اليمين لانعدام المحلوف عليه بخلاف قوله: إن كلمت فلانا أو إن دخلت الدار فكل مملوك أشتريه فهو حر أو كل امرأة أتزوجها فهي طالق؛ لأن قوله أشتري أو أتزوج لا يحتمل الحال فاقتضى ملكا مستأنفا وقد جعل الكلام أو الدخول شرطا لانعقاد اليمين فيمن يشتري أو يتزوج فيعتبر ذلك بعد اليمين ولو قال: كل مملوك أملكه اليوم فهو حر ولا نية له وله مملوك فاستفاد في يومه ذلك مملوكا آخر؛ عتق ما في ملكه وما استفاد ملكه في اليوم لو قال: هذا الشهر أو هذه السنة؛ لأنه لما وقت باليوم أو الشهر أو السنة فلا بد أن يكون التوقيت مقيدا ولو لم يتناول إلا ما في ملكه يوم الحلف؛ لم يكن مقيدا فإن قال: عنيت به أحد الصنفين دون الآخر؛ لم يدين في القضاء لأنه

 

ج / 4 ص -68-         نوى تخصيص العموم وأنه خلاف الظاهر فلا يصدق في القضاء ويصدق فيما بينه وبين الله عز وجل؛ لأن الله مطلع على نيته ولو قال: كل مملوك أملكه غدا فهو حر ولا نية له ذكر محمد في الجامع أنه يعتق من ملكه في غد، ومن كان في ملكه قبله وهو قوله في الإملاء أيضا وهو إحدى روايتي أبي سماعة عنه وقال أبو يوسف: لا يعتق إلا من استفاد ملكه في غد ولا يعتق من جاء غد وهو في ملكه وهو إحدى روايتي ابن سماعة عن محمد وجه قول محمد أنه أوجب العتق لكل من يضاف إليه الملك في غد فيتناول الذي ملكه في غد والذي ملكه قبل الغد كأنه قال: في الغد كل مملوك أملكه اليوم فهو حر فيتناول الكل، وجه قول أبي يوسف أن قوله: أملك إن كان للحال عند الإطلاق ولكنه لما أضاف العتق إلى زمان في المستقبل انصرف إلى الاستقبال بهذه القرينة كما ينصرف إليه بقرينة السين فلا يتناول الحال وعلى هذا الخلاف إذا قال: كل مملوك أملكه رأس شهر كذا فهو حر، ورأس الشهر الليلة التي يهل فيها الهلال ومن الغد إلى الليل، وكان القياس أن يكون رأس الشهر أول ساعة منه؛ لأن رأس كل شهر ما رأس عليه وهو أوله إلا أنهم جعلوه اسما لما ذكرنا للعرف والعادة فإنه يقال في العرف والعادة لأول يوم من الشهر: هذا رأس الشهر، وروى ابن سماعة عن أبي يوسف فيمن قال: كل مملوك أملكه يوم الجمعة فهو حر قال: ليس هذا على ما في ملكه إنما هو ما يملكه يوم الجمعة فهذا على أصل أبي يوسف صحيح؛ لأنه أضاف العتق إلى زمان مستقبل فإن قال: كل مملوك لي حر يوم الجمعة فهذا على من في ملكه يعتقون يوم الجمعة ليس هو على ما يستقبل؛ لأنه عقد يمينه على من في ملكه في الحال وجعل عتقهم موقتا بالجمعة فلا يدخل فيه الاستقبال فأما إذا قال: كل مملوك أملكه إذا جاء غد هو حر فهذا على ما في ملكه في قولهم: لأنه جعل مجيء الغد شرطا لثبوت العتق لا غير فيعتق من في ملكه لكن عند مجيء غد والله عز وجل أعلم ومن هذا القبيل الإعتاق المضاف إلى المجهول عند بعض مشايخنا؛ لأنه تعليق معنى لا صورة ولا يثبت العتق في أحدهما قبل الاختيار وإنما ثبت عند الاختيار في أحدهما عينا وهو الذي يختار العتق فيه مقصورا على الحال كأنه علق عتق أحدهما بشرط اختيار العتق فيه كالتعليق بسائر الشروط ومن دخول الدار وغير ذلك إلا أنه ثمة الشرط يدخل على السبب والحكم جميعا وههنا يدخل على الحكم لا على السبب كالتدبير والبيع بشرط الخيار كذا قال بعض مشايخنا في كيفية الإعتاق المضاف إلى المجهول وبعضهم نسب هذا القول لأبي يوسف ويقال: إنه قول أبي حنيفة أيضا وقال بعضهم: هو تنجيز العتق في غير العتق للحال واختيار العتق في أحدهما بيان وتعيين لمن وقع عليه العتق بالكلام السابق من حين وجوده وبعضهم نسب هذا القول إلى محمد والحاصل أن الخلاف في كيفية هذا التصرف على الوجه الذي وصفنا غير منصوص عليه من أصحابنا لكنه مدلول عليه ومشار إليه أما الدلالة فإنه ظهر الاختلاف بين أبي يوسف ومحمد في الطلاق فيمن قال لامرأتيه: إحداكما طالق أن العدة تعتبر من وقت الاختيار في قول أبي يوسف، والعدة إنما تجب من وقت وقوع الطلاق فيدل على أن الطلاق لم يكن واقعا وإنما يقع عند الاختيار مقصورا عليه وفي قول محمد تعتبر من وقت الكلام السابق وهذا يدل على أن الطلاق قد وقع من حيث وجوده، وإنما الاختيار بيان وتعيين لمن وقع عليها الطلاق وأما الإشارة فإنه روي عن أبي يوسف أنه قال: إذا أعتق أحد عبديه تعلق العتق بذمته ويقال له: أعتق، وهذا إشارة إلى أن العتق غير نازل في المحل؛ إذ لو كان نازلا لما كان معلقا بالذمة ومعنى قوله: يقال له أعتق أي: اختر العتق لإجماعنا على أنه لا يكلف بإنشاء الإعتاق، وذكر محمد في الزيادات يقال له: بين، وهذا إشارة إلى الوقوع في غير المعين؛ لأن البيان للموجود لا للمعدوم وإلى هذا ذهب الكرخي والقدوري وحققا الاختلاف بين أبي يوسف ومحمد إلا أن القدوري حكى عن الكرخي أنه كان يفرق بين العتاق والطلاق فيجعل الاختيار بيانا في الطلاق بالإجماع من قبل أن العتاق يحتمل الثبوت في الذمة والطلاق لا يحتمل قال: وكان غيره من أصحابنا يسوي بينهما؛ لأن الطلاق أيضا يحتمل الثبوت في الذمة في الجملةألا ترى أن الفرقة واجبة على العنين وإنما يقوم القاضي مقامه في التفريق وهو الصحيح أنهما يستويان؛ لأن تعلق العتق بالذمة ليس معناه إلا انعقاد سبب الوقوع من غير وقوع وهو معنى حق الحرية دون

 

ج / 4 ص -69-         الحقيقة وهما في هذا المعنى مستويان، وجه القول الأول أن قوله أحدكما حر تنجيز الحرية في أحدهما وليس بتعليق حقيقة لانعدام حرف التعليق إلا أنه تنجيز في غير المعين فيتعين بالاختيار، ووجه القول الثاني أن العتق إما أن يثبت باختيار العتق وإما أن يثبت بالكلام السابق، والثاني لا سبيل إليه؛ لأن اختيار العتق لم يعرف إعتاقا في الشرع؛ ألا ترى أنه لو قال لعبده: اخترت عتقك لا يعتق فلا بد وأن يثبت بالكلام السابق فلا يخلو: إما أن يثبت حال وجوده في أحدهما غير عين ويتعين باختياره وإما أن يثبت عند وجود الاختيار في أحدهما عينا وهو تفسير التعليق بشرط الاختيار لا وجه للأول؛ لأنه ربما يختار غير الحر فيلزم القول بانتقال الحرية من الحر إلى الرقيق، أو انتقال الرق من الرقيق إلى الحر أو استرقاق الحر والأول محال والثاني غير مشروع فتعين الثاني ضرورة وهي أن يثبت العتق عند وجود الاختيار بالكلام السابق مقصورا على حال الاختيار وهو تفسير التعليق ثم القائلون بالبيان اختلفوا في كيفية البيان منهم من قال: البيان إظهار محض ومنهم من قال: هو إظهار من وجه وإنشاء من وجه واستدلوا بما ذكر محمد في الزيادات في موضع يقال له: بين، وفي موضع يقال له: أعتق، وزعموا أن المسائل تتخرج عليه وهذا غير سديد؛ لأن القول الواحد لا يكون إظهارا وإنشاء؛ إذ الإنشاء إثبات أمر لم يكن والإظهار إبداء أمر قد كان وبينهما تناف وثمرة هذا الاختلاف تظهر في الأحكام وإنها في الظاهر متعارضة: بعضها يدل على صحة القول الأول وبعضها يدل على صحة القول الثاني ونحن نشير إلى ذلك إذا انتهينا إلى بيان حكم الإعتاق وبيان وقت ثبوت حكمه فأما ترجيح أحد القولين على الآخر وتخرج المسائل عليه فمذكوران في الخلافيات وأما التعليق بالملك أو بسببه صورة ومعنى فنحو أن يقول لعبد لا يملكه: إن ملكتك فأنت حر أو إن اشتريتك فأنت حر وإنه صحيح عندنا حتى لو ملكه أو اشتراه يعتق وإن لم يكن الملك موجودا وقت التعليق وقال الشافعي لا يصح ولا يعتق وقال بشر المريسي يصح التعليق بالملك، ولا يصح بسبب الملك وهو الشراء أما الكلام مع الشافعي فعلى نحو ما ذكرنا في كتاب الطلاق وأما مع بشر فوجه قوله أن اليمين بالطلاق والعتاق لا يصح إلا في الملك أو مضافا إلى الملك ولم توجد الإضافة إلى الملك؛ لأن الشراء قد يفيد الملك للمشتري وقد لا يفيد كالشراء بشرط الخيار وشراء الوكيل؛ فلم توجد الإضافة إلى الملك فلا يصح بخلاف قوله: إن ملكتك، ولنا أن مطلق الشراء ينصرف إلى الشراء المتعارف وهو الشراء لنفسه ومن غير شرط الخيار وإنه من أسباب الملك فكان ذكره ذكرا للملك، والإضافة إليه إضافة إلى الملك كأنه قال: إن ملكتك فأنت حر؛ ولأنه لما علق العتق بالشراء ولا بد من الملك عند الشراء لثبوت العتق كان هذا تعليق العتق بالشراء الموجب للملك كأنه قال: إن اشتريتك شراء موجبا للملك فأنت حر فإذا اشتراه شراء موجبا للملك فقد وجد الشرط فيعتق ولو قال: إن تسريت جارية فهي حرة فاشترى جارية فتسراها لا تعتق عند أصحابنا الثلاثة وعند زفر تعتق ولو تسرى جارية كانت في ملكه يوم حلف عتقت بالإجماع، وجه قول زفر أنه وجدت الإضافة إلى الملك؛ لأن التسري لا يصح بدون الملك فكانت الإضافة إلى التسري إضافة إلى الملك فيصح التعليق، ولنا أنه لم يوجد الملك وقت التعليق ولا الإضافة إلى الملك والكلام فيه ولا إلى سبب الملك؛ لأن التسري ليس من أسباب الملك؛ألا ترى أنه يتحقق في غير الملك كالجارية المغصوبة، واليمين بالعتاق والطلاق لا يصح إلا في الملك أو مضافا إلى الملك أو سببه ولم يوجد شيء من ذلك وأما قوله: إن التسري لا صحة له بدون الملك فهذا مسلم أن الملك شرط صحة التسري، وجوازه لكن الحالف جعل وجوده شرط العتق، والتسري نفسه يوجد من غير ملك فلم يكن التعليق به تعليقا بسبب الملك فلم يصح ثم اختلف في تفسير التسري: قال أبو حنيفة ومحمد: هو أن يطأها ويحصنها ويمنعها من الخروج والبروز سواء طلب منها الولد أو لم يطلب وقال أبو يوسف: طلب الولد مع التحصين شرط، وجه قوله: إن الإنسان يطأ جاريته ويحصنها ولا يقال لها: سرية وإنما يقال ذلك إذا كان يطلب منها الولد أو تكون أم ولدههذا هو العرف والعادة، ولهما أنه ليس في لفظ التسري ما يدل على طلب الولد؛ لأنه لا يخلو: إما أن يكون مأخوذا من السرو وهو الشرف فتسمى الجارية سرية بمعنى أنه أسرى الجواري أي: أشرفهن وإما

 

ج / 4 ص -70-         أن يكون مأخوذا من السر وهو الجماع قال الله تعالى {وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّاً} قيل جماعا وليس في أحدهما ما ينبئ عن طلب الولد، ولو وطئ جارية كانت في ملكه يوم الحلف فعلقت منه لم تعتق لعدم التسري؛ لأنه لم يوجد منه إلا الوطء والوطء وحده لا يكون تسريا بلا خلاف فلم يوجد شرط العتق فلا تعتق ولو قال لامرأة حرة: إن ملكتك فأنت حرة أو قال لها: إن اشتريتك فأنت حرة فارتدت عن الإسلام ولحقت بدار الحرب ثم سبيت فاشتراها الحالف ذكر محمد في الجامع أن على قياس قول أبي حنيفة لا تعتق وعند أبي يوسف ومحمد تعتق يعني به قياس قوله في المكاتب والعبد المأذون إذا قال: كل عبد أملكه فيما استقبل فهو حر وقال: كل عبد أشتريه فهو حر فيعتق ثم ملك عبدا أو اشترى عبدا على قول أبي حنيفة لا يعتق وعلى قولهما يعتق والمسألة تأتي في موضعها
ولو قال لأمة لا يملكها: إن اشتريتك فأنت حرة بعد موتي فاشتراها صارت مدبرة؛ لأنه علق تدبيرها بسبب الملك وهو الشراء؛ لأن قوله: أنت حرة بعد موتي صورة التدبير وقد علقه بالشراء فيصير عند الشراء قائلا أنت حرة بعد موتي وأما التعليق بالملك أو بسببه معنى لا صورة فهو أن يقول الحر: كل مملوك أملكه فيما يستقبل فهو حر ويتعلق العتق بملك يستفيده؛ لأنه نص على الاستقبال، وروى ابن سماعة عن محمد في النوادر إذا قال: كل جارية أشتريها إلى سنة فهي حرة فكل جارية يشتريها إلى سنة فهي حرة ساعة يشتريها قال: وإن قال: كل جارية أشتريها فهي حرة إلى سنة فاشترى جارية لم تعتق إلى سنة؛ لأن في الفصل الأول عقد يمينه على الشراء في السنة فتعتق كل جارية يشتريها في السنة ساعة الشراء كأنه قال عند الشراء: أنت حرة فتعتق وفي الفصل الثاني جعل الشراء شرطا لعتق مؤقت بالسنة فكأنه قال بعد الشراء: أنت حرة إلى سنة، قال: ولو قال: كل مملوك أشتريه فهو حر غدا فهذا عندي على كل مملوك يشتريه قبل الغد وإن اشترى مملوكا غدا لا يعتق؛ لأنه جعل الشراء شرطا لزوال حرية مؤقتة بوجود الغد فلا بد من تقدم الملك على الغد لينزل العتق المؤقت به ولو قال: كل مملوك أملكه إلى ثلاثين سنة فهذا على ما يستقبل ملكه في الثلاثين سنة أولها: من حين حلف بعد سكوته في قولهم جميعا ولا يكون على ما في ملكه قبل ذلك؛ لأنه لما أضاف العتق إلى الاستقبال تعين اللفظ للمستقبل وإذا انصرف إلى الاستقبال لا يحمل على الحال إذ اللفظ الواحد لا ينتظم معنيين مختلفين بخلاف قوله: غدا عند محمد؛ لأن ذاك ليس أصلا إلى الاستقبال بل هو إيقاع عتق على موصوف بصفة فيتناول كل من كان على تلك الصفة، وكذلك إذا قال: كل مملوك أملكه ثلاثين سنة أو في ثلاثين سنة أو قال: أملكه إلى سنة أو سنة أو في سنة أو قال: أملكه أبدا أو إلى أن أموت فهذا كله باب واحد يدخل فيه ما يستقبل دون ما كان في ملكه؛ لأنه أضاف الحرية إلى المستقبل فإن قال: أردت بقولي كل مملوك أملكه سنة أن يكون ما في ملكه يوم حلف مستداما سنة دين فيما بينه وبين الله تعالى، ولم يدين في القضاء؛ لأن الظاهر أنه إنما وقت السنة لاستفادة الملك لا لاستمرار الملك القائم فلا يصدق في العدول عن الظاهر ولو قال: إن دخلت الدار فكل مملوك أملكه يومئذ فهو حر أو قال: إذا قدم فلان فكل مملوك أملكه يومئذ فهو حر ولا نية له عتق ما في ملكه يوم دخل الدار؛ لأنه علق عتق كل عبد يكون مملوكا له يوم الدخول بالدخول؛ لأن معنى قوله: يومئذ أي: يوم الدخولهذا هو مقتضى اللغة؛ لأن تقديره يوم إذا دخل الدار؛ لأنه حذف الفعل وعوض عنه بالتنوين فيعتق كل ما كان مملوكا له يوم الدخول فكأنه قال عند الدخول: كل مملوك لي فهو حر وسواء دخل الدار ليلا أو نهارا؛ لأن اليوم يذكر ويراد به الوقت المطلق قال الله سبحانه وتعالى
{وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} وهذا الوعد يلحق المولي دبره ليلا ونهارا ولأن غرض الحالف الامتناع من تحصيل الشرط فلا يختص بوقت دون وقت ولو قال: كل مملوك اشتريته فهو حر إن كلمت أو إذا كلمت فلانا أو إذا جاء غد ولا نية له فهذا يقع على ما يشتريه قبل الكلام فكل مملوك اشتراه قبل الكلام ثم تكلم عتق وما اشتراه بعد الكلام لا يعتق ولو قدم الشرط فقال: إن كلمت فلانا أو إذا كلمت فلانا أو إذا جاء غد فكل مملوك اشتريته فهو حر فهذا على ما يشتريه بعد الكلام لا قبله حتى لو كان اشترى مماليك قبل الكلام ثم كلم لا يعتق واحد منهم وما اشترى بعده يعتق، ووجه الفرق أن في

 

ج / 4 ص -71-         الفصل الأول جعل الكلام شرط انحلال اليمين؛ لأن قوله: كل مملوك أشتريه فهو حر يمين تامة لوجود الشرط والجزاء فإذا قال: إن كلمت فلانا فقد جعل كلام فلان غاية لانحلالها فإذا كلمه انحلت فلا يدخل ما بعد الكلام كقوله كل مملوك لي حر إن دخلت الدار وفي الفصل الثاني جعل كلام فلان شرط انعقاد اليمين فإذا كلمه الآن انعقدت اليمين فيدخل فيه ما بعده لا ما قبله فيصير كأنه قال عند الكلام: كل مملوك أشتريه فهو حر، وذلك يتناول المستقبل ولو قال: كل مملوك أشتريه إذا دخلت الدار فهو حر أو قال: إن قدم فلان فهذا على ما يشتري بعد الفعل الذي حلف عليه ولا يعتق ما اشترى قبل ذلك إلا أن يعينهم؛ لأنه جعل دخول الدار شرطا لانعقاد اليمين فيصير عند دخول الدار كأنه قال: كل مملوك أشتريه فهو حر، والدليل على أنه جعل دخول الدار شرط انعقاد اليمين أن قوله: كل مملوك أشتريه شرط، وقوله: إذا دخلت الدار شرط آخر ولا يمكن أن يجعلا شرطا واحدا لعدم حرف العطف ولا سبيل إلى إلغاء الشرط الثاني؛ لأن إلغاء تصرف العاقل مع إمكان تصحيحه خارج عن العقل ولتصحيحه وجهان: أحدهما: أن يجعل الشرط الثاني مع جزائه يمينا وجزاء الشرط الأول وحينئذ لا بد من إدراج حرف الفاء؛ لأن الجزاء المتعقب للشرط لا يكون بدون حرف الفاء وفيه تغيير، والثاني: أن يجعل شرط الانعقاد وفيه تغيير أيضا بجعل المقدم من الشرطين مؤخرا إلا أن التغيير فيه أقل؛ لأن فيه تبديل محل الكلام لا غير وفي الأول إثبات ما ليس بثابت فكان الثاني أقل تغييرا فكان التصحيح به أولى وتسمى هذه اليمين اليمين المعترضة لاعتراض شرط بين الشرط والجزاء، ولو نوى الوجه الأول صحت نيته؛ لأن اللفظ يحتمله ولهذا قال محمد: إلا أن يعني غير ذلك فيكون على ما عنى ولو قال المكاتب أو العبد المأذون: كل عبد أملكه فهو حر فعتق ثم ملك عبدا لا يعتق؛ لأن قوله: أملك للحال لما يتناوله للحال نوع ملك إلا أنه غير صالح للإعتاق فتنحل اليمين لا إلى جزاء، ولو قال: كل مملوك أملكه إذا أعتقت فهو حر فعتق فملك عبدا عتق؛ لأنه علق العتق بالملك الحاصل له بعد عتقه وإنه ملك صالح للإعتاق فصحت الإضافة بخلاف الصبي إذا قال: كل مملوك أملكه بعد البلوغ فهو حر ثم بلغ فملك عبدا أنه لا يعتق؛ لأن الصبي ليس من أهل الإعتاق تنجيزا وتعليقا لكونه من التصرفات الضارة المحضة فأما العبد فهو من أهله لكونه عاقلا بالغا إلا أنه لا ينفذ تنجيز العتق منه لعدم شرطه وهو الملك الصالح فإذا علق بملك يصلح شرطا له صح ولو قال: كل مملوك أملكه فيما استقبل فهو حر أو قال: كل مملوك أشتريه فهو حر فعتق فملك بعد ذلك عبدا أو اشترى عبدا لا يعتق عند أبي حنيفة وعند أبي يوسف ومحمد يعتق، وجه قولهما أن قوله: أملكه فيما استقبل يتناول كل ما يملكه إلى آخر عمره فيعمل بعموم اللفظ كما في الحر؛ ولأن في الحمل على الاستقبال تصحيح تصرفه وفي الحمل على الحال إبطال فكان الحمل على الاستقبال أولى ولأبي حنيفة أن للمكاتب نوع ملك ضروري ينسب إليه في حالة الرق في حالة الكتابة بمنزلة المجاز لمقابلة الملك المطلق ألا ترى إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم "من باع عبدا وله مال" الحديث أضاف المال إليه فاللام الملك دل أن له نوع ملك فهو مراد بهذا الإيجاب بالإجماع بدليل أنه لو قال: إن ملكت هذا العبد بعينه في المستقبل فهو حر فملكه في حال الكتابة فباعه ثم اشتراه بعدما صار حرا لا يعتق وتنحل اليمين بالشراء الأول؛ لأن الملك المجازي مراد فخرجت الحقيقة عن الإرادة كي لا يؤدي إلى الجمع بين الحقيقة والمجاز في لفظ واحد وقد قالوا في عبد قال: لله تعالى علي عتق نسمة أو إطعام مسكين: لزمه ذلك وكان عليه إذا عتق؛ لأن هذا إيجاب الإعتاق، والإطعام في الذمة وذمته تحتمل الإيجاب فيصح ويلزمه الخروج عنه بعد العتق ولو قال: إن اشتريت هذا العبد فهو حر أو إن اشتريت هذه الشاة فهي هدي لم يلزمه ذلك في قياس قول أبي حنيفة حتى يضيف إلى ما بعد العتق فيقول: إن اشتريته بعد العتق، وقال أبو يوسف ومحمد: يلزمانه؛ لأن من أصل أبي حنيفة أن العبد يضاف إليه الشراء في الحال وإن كان بمنزلة المجاز بمقابلة الشراء بعد الحرية، والمجاز مراد فلا تكون الحقيقة مرادة ومن أصلهما أن هذا يتناول ما يستقبل من الشراء في عمره وتصحيح اليمين أيضا أولى من إبطالها وقد قالوا جميعا في مكاتب أو عبد قال: إن دخلت هذه الدار فعبدي هذا حر ثم أعتق فدخل الدار لم يعتق العبد؛ لأن هذا الملك غير صالح للعتق ولم توجد

 

ج / 4 ص -72-         الإضافة إلى ما يصلح وقالوا في حر قال لامرأة حرة: إذا ملكتك فأنت حرة أو إذا اشتريتك فأنت حرة فارتدت ولحقت بدار الحرب ثم سبيت فاشتراها الحالف: أنها لا تعتق في قياس قول أبي حنيفة وعندهما تعتق بناء على أن من أصل أبي حنيفة أنه يحمل الملك أو الشراء على ما يقبله المحل في الحال وهو ملك النكاح ههنا والشراء أيضا يصلح عبارة عن سبب هذا الملك وهو النكاح، والحرية أيضا تصلح عبارة عما يبطله وهو الطلاق وكلام أبي حنيفة في هذا الفصل ظاهر؛ لأن اليمين تحمل على ما يسبق إلى الأوهام ولا تنصرف الأوهام إلى ارتدادها ولحوقها بدار الحرب وسبيها؛ لأن ذلك غير مظنون بالمسلمة فكان صرف كلامه إلى ما ذكرنا أولى من صرفه إلى ما تسبق إليه الأوهام ومن أصلهما أنه يحمل مطلق الملك على الملك الحقيقي الصالح للإعتاق وهو الذي يوجد بعد السبي، ولو قال لها: إذا ارتددت وسبيت فملكتك أو اشتريتك فأنت حرة فكان ذلك؛ عتقت في قولهم؛ لأنه أضاف العتق إلى الملك الحقيقي فيضاف إليه والله عز وجل أعلم. ومن هذا القبيل إذا قال: أول عبد أشتريه فهو حر فاشترى عبدا عتق؛ لأن الأول اسم لفرد سابق وقد وجد ولو اشترى عبدين معا لم يعتق أحدهما؛ لأنه إن وجد معنى السبق فلم يوجد معنى التفردفإن اشترى عبدين معا ثم اشترى آخر لم يعتق الثالث؛ لأنه إن وجد فيه معنى التفرد فقد انعدم معنى السبق وقد استشهد محمد في الكتاب لبيان الثالث ليس بأول أنه لو قال: آخر عبد اشتريته فهو حر، فاشترى عبدين معا ثم اشترى آخر ثم مات المولى أنه يعتق الثالث فدل أنه آخر، وإذا كان آخرا لا يكون أولا ضرورة لاستحالة كونه ذاتا واحدة من المخلوقين أولا وآخرا، ولو قال: أول عبد أشتريه واحدا فهو حر؛ عتق الثالث؛ لأنه أعتق عبدا يتصف بكونه فردا سابقا في حال الشراء وقد وجد هذا الوصف في العبد الثالث، ولو قال: آخر عبد أشتريه فهو حر فاشترى عبدا ثم لم يشتر غيره حتى مات المولى لم يعتق؛ لأن الآخر اسم لفرد لاحق وهذا فرد سابق فكان أولا لا آخرا، ولو اشترى عبدا ثم عبدا ثم مات المولى عتق الثاني؛ لأنه آخر عبد اشتراه واختلف في وقت ثبوت العتق فعند أبي حنيفة يعتق يوم اشتراه وعند أبي يوسف ومحمد يوم مات، وجه قولهما أنه علق العتق بصفة الآخرية وإنما يتحقق عند موته إذا لم يشتر آخرألا ترى أنه لو اشترى بعده عبدا آخر حرم هو من أن يكون آخرا فيتوقف اتصافه بكونه آخرا على عدم الشراء بعده ولا يتحقق ذلك إلا بالموت لأبي حنيفة أنه لما لم يشتر آخر بعده حتى مات؛ تبين أنه كان آخرا يوم اشتراه إلا أنا كنا لا نعرف ذلك لجواز أن يشتري آخر بعده فتوقفنا في تسميته آخرا فإذا لم يشتر آخر حتى مات زال التوقف وتبين أنه كان آخرا من وقت الشراء ولو اشترى عبدا ثم عبدين معا؛ لم يعتق أحدهم أما الأول فلا شك فيه؛ لأنه أول فلا يكون آخرا وأما الآخران فلأن الآخر اسم لفرد لاحق ولم يوجد معنى التفرد فلا يعتق أحدهما وأما بيان ما يظهر به وجود الشرط فالحالف لا يخلو: إما أن يكون مقرا بوجود الشرط وإما أن يكون منكرا وجوده فإن كان مقرا يظهر بإقراره كائنا ما كان من الشرط وإن كان منكرا فإن كان الشرط مما لا يعرف إلا من قبل المحلوف بعتقه كمشيئة ومحبة وبغضة والحيض ونحو ذلك يظهر بقوله: وإذا اختلفا كان القول قوله؛ لأنه إذا كان أمرا لا يعرف إلا من قبله كان الظاهر شاهدا له فكان القول قوله، وإن كان أمرا يمكن الوصول إليه من قبل غيره كدخول الدار وكلام زيد وقدوم عمرو ونحو ذلك إذا اختلفا لا يظهر إلا ببينة تقوم عليه من العبد ويكون القول عند عدم البينة قول المولى؛ لأن العبد يدعي عليه العتق وهو ينكر فكان القول قول المنكر مع يمينه، ولو كان الشرط ولادة الأمة بأن قال لها: إن ولدت فأنت حرة فقالت: ولدت فكذبها المولى فشهدت امرأة على الولادة لا تعتق عند أبي حنيفة حتى يشهد بالولادة رجلان أو رجل وامرأتان وعندهما تعتق بشهادة امرأة واحدة ثقة والمسألة مرت في فصول العدة من كتاب الطلاق وأما الثالث: وهو بيان من يدخل تحت مطلق اسم المملوك في الإعتاق المضاف إليه ومن لا يدخل فنقول وبالله التوفيق : يدخل تحته عبد الرهن، الوديعة والآبق والمغصوب والمسلم والكافر والذكر والأنثى لانعدام الخلل في الملك والإضافة ولو قال: عنيت به الذكور دون الإناث لم يدين في القضاء؛ لأنه أدخل كلمة الإحاطة على المملوك فإذا نوى به البعض؛ فقد نوى تخصيص العموم وإنه خلاف الظاهر فلا

 

ج / 4 ص -73-         يصدق في القضاء ويصدق فيما بينه وبين الله تعالى؛ لأنه نوى ما يحتمله كلامه، ويدخل فيه المدبر والمدبرة وأم الولد وولداهما لما قلنا ألا ترى أن للمولى أن يطأ المدبرة وأم الولد مع أن حل الوطء منفي شرعا إلا بأحد نوعي الملك مطلقا بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} ولا يدخل فيه المكاتب إلا أن يعينه؛ لأنه خرج عن يده بعقد الكتابة وصار حرا يدا فاختل الملك والإضافة، فلا يدخل تحت إطلاق اسم المملوك، ولهذا لا يحل له وطؤها، ولو وطئها يلزمه العقر، وإن عنى المكاتبين عتقوا؛ لأن الاسم يحتمل ما عنى، وفيه تشديد على نفسه فيصدق، وكذا لا يدخل فيه العبد الذي أعتق بعضه؛ لأنه حر عندهما وعنده بمنزلة المكاتبة، ويدخل عبده المأذون سواء كان عليه دين أو لم يكن لما قلنا وأما عبيد عبده المأذون إذا لم يكن عليه دين فهل يدخلون؟ قال أبو حنيفة وأبو يوسف: لا يدخلون إلا أن ينويهم، وقال محمد: يدخلون من غير نية، وجه قوله أنه إذا لم يكن على العبد دين فعبد عبده ملكه بلا خلاف فيعتق، ولهما أن في الإضافة إليه قصورا، ألا ترى أنه يقال: هذا عبد فلان، وهذا عبد عبده، فلا يدخل تحت مطلق الإضافة إلا بالنية؛ لأنه لما نوى فقد اعتبر الملك دون الإضافة، والحاصل أن محمدا يعتبر نفس الملك ولا خلل في نفسه، وهما يعتبران معه الإضافة وفي الإضافة خلل، واعتبارهما أولى؛ لأن الحالف اعتبر الأمرين جميعا بقوله: كل مملوك لي، فما لم يوجدا على الإطلاق لا يعتق، وإن كان على عبده دين محيط برقبته وبما في يده لم يعتق عبيده عند أبي حنيفة، وإن نواهم بناء على أصله أن المولى لا يملك عبد عبده المأذون المديون دينا مستغرقا لرقبته وكسبه، وقال أبو يوسف إن نواهم عتقوا؛ لأنهم مماليكه إلا أنهم لا يضافون إليه عند الإطلاق، فإذا نوى وفيه تشديد على نفسه عتقوا، وعند محمد يعتقون، وإن لم ينوهم بناء على ما ذكرنا أن محمدا لا ينظر إلا إلى الملك، وهما ينظران إلى الملك والإضافة جميعا، ولا يدخل فيه مملوك بينه وبين أجنبي، كذا قال أبو يوسف؛ لأن بعض المملوك لا يسمى مملوكا حقيقة، وإن نواه عتق استحسانا؛ لأنه نوى ما يحتمله لفظه في الجملة وفيه تشديد على نفسه فيصدق وهل يدخل فيه الحمل إن كان أمة في ملكه يدخل ويعتق بعتقها، وإن كان في ملكه الحمل دون الأمة بأن كان موصى له بالحمل لم يعتق؛ لأنه لا يسمى مملوكا على الإطلاق؛ لأن في وجوده خطرا، ولهذا لا يجب على المولى صدقة الفطر عنه، والدليل عليه أنه لو قال: إن اشتريت مملوكين فهما حران، فاشترى جارية حاملا لم يعتقا؛ لأن شرط الحنث شراء مملوكين، والحمل لا يسمى مملوكا على الإطلاق، وكذا لو قال لأمته: كل مملوك لي غيرك حر، لم يعتق حملها، فثبت أن إطلاق اسم المملوك لا يتناول الحمل، فلا يعتق إلا إذا كانت أمة في ملكه فيعتق بعتقها؛ لأنه في حكم أجزائها
وأما التعليق الذي فيه معنى المعاوضة فهو الكتابة والإعتاق على مال: أما الكتابة فلها كتاب مفرد، وأما الإعتاق على مالفالكلام فيه في مواضع: في بيان ألفاظه، وفي بيان ماهية الإعتاق على مال، وفي بيان ما يصح تسميته فيه من البدل وما لا يصح، وفي بيان حكم صحة التسمية وفسادها أما الأول فنحو أن يقول لعبده: أنت حر على ألف درهم، أو بألف درهم، أو على أن تعطيني ألفا، أو على أن تؤدي إلي ألفا، أو على أن تجيئني بألف، أو على أن لي عليك ألفا، أو على ألف تؤديها إلي، وكذا لو قال: بعت نفسك منك على كذا، ووهبت لك نفسك على أن تعوضني كذا فهذا وقوله: أنت حر على كذا، أو أعتقك على كذا سواء، إذا قبل عتق لما ذكر فيما تقدم أن البيع إزالة ملك البائع عن المبيع، والهبة إزالة ملك الواهب عن الموهوب، ثم لو كان المشتري والموهوب له ممن يصح له الملك في المبيع والموهوب يثبت الملك لهما، والعبد ممن لا يصح أن يملك نفسه لما فيه من الاستحالة، فنفي البيع والهبة إزالة الملك لا إلى أحد ببدل على العبد، وهذا تفسير الإعتاق على مال، ولو قال: أنت حر وعليك ألف درهم يعتق من غير قبول ولا يلزمه المال عند أبي حنيفة، وعندهما لا يعتق إلا بالقبول، فإذا قبل عتق ولزمه المال، وعلى هذا الخلاف إذا قال العبد لمولاه: أعتقني ولك ألف درهم فأعتقه، والمسألة ذكرت في كتاب الطلاق وأما بيان ماهيته: فالإعتاق على مال من جانب المولى تعليق، وهو تعليق العتق بشرط قبول العوض، فيراعى فيه من جانبه أحكام التعليق، حتى لو ابتدأ المولى فقال: أنت حر على ألف درهم، ثم أراد أن يرجع عنه قبل قبول العبد لا يملك الرجوع

 

ج / 4 ص -74-         عنه، ولا الفسخ، ولا النهي عن القبول، ولا يبطل بقيامه عن المجلس قبل قبول العبد، ولا يشترط حضور العبد حتى لو كان غائبا عن المجلس يصح، ويصح تعليقه بشرط وإضافته إلى وقت بأن يقول له: إن دخلت الدار، وإن كلمت فلانا فأنت حر على ألف درهم، أو يقول إن دخلت، أو إن كلمت فلانا فأنت حر على ألف درهم غدا، أو رأس شهر كذا ونحو ذلك، ولا يصح شرط الخيار فيه بأن قال: أنت حر على ألف على أني بالخيار ثلاثة أيام، ومن جانب العبد معاوضة وهو معاوضة المال بالعتق؛ لأنه من جانبه تمليك المال بالعوض، وهذا معنى معاوضة المال فيراعى فيه من جانبه أحكام معاوضة المال كالبيع ونحوه، حتى لو ابتدأ العبد فقال: اشتريت نفسي منك بكذا، فله أن يرجع عنه، ويبطل بقيامه عن المجلس قبل قبول المولى وبقيام المولى أيضا، ولا يقف على الغائب عن المجلس، ولا يحتمل التعليق بالشرط والإضافة إلى الوقت، بأن قال: اشتريت نفسي منك بكذا إذا جاء غد، أو قال: عند رأس شهر كذا، ولو قال: إذا جاء غد فأعتقني على كذا جاز؛ لأن هذا توكيل منه بالإعتاق حتى يملك العبد عزله قبل وجود الشرط وبعده، وقبل أن يعتق، ولو لم يعزله حتى أعتقه نفذ إعتاقه، ويجوز بشرط الخيار لهما عند أبي حنيفة على ما ذكرنا في كتاب الطلاق في فصل الخلع والطلاق على مال، ولا يصح الإعتاق على مال إلا في الملك؛ لأن التعليق بما سوى الملك وسببه من الشروط لا صحة له بدون الملك، وكذا المعاوضة، ويعتق العبد بنفس القبول؛ لأنه من جانبه تعليق العتق بشرط قبول العوض، وقد وجد الشرط فينزل المعلق، كالتعليق بدخول الدار وغيره ومن جانب العبد معاوضة، وزوال الملك عن المعوض يتعلق بنفس قبول العوض في المعاوضات كالبيع ونحوه، بخلاف قوله: إن أديت إلي ألفا فأنت حر؛ لأنه ليس فيه معنى المعاوضة رأسا، بل هو تعليق محض، وقد علقه بشرط الأداء، فلا يعتق قبله، والعتق ههنا تعلق بالقبول، فإذا قبل عتق ولو قال المولى: أعتقتك أمس بألف درهم فلم يقبل، وقال العبد: قبلت، فالقول قول المولى مع يمينه؛ لأنه من جانب المولى تعليق بشرط القبول، والعبد يدعي وجود الشرط والمولى ينكر، فكان القول قول المولى كما لو قال لعبده: إن دخلت الدار فأنت حر فمضى اليوم والعبد يدعي الدخول وأنكر المولى كان القول قول المولى كذا ههنا، ولو كان الاختلاف في البيع كان القول قول المشتري، بأن قال البائع: بعتك عبدي أمس بألف درهم، فلم تقبل، وقال المشتري: بل قبلت، فالقول قول المشتري، والفرق أن البيع لا يكون بيعا إلا بعد قبول المشتري، فإذا قال: بعتك فقد أقر بالقبول، فبقوله لم تقبل، يريد الرجوع عما أقر به، وإبطال ذلك فلم يقبل، بخلاف الإعتاق على مال؛ لأن كونه تعليقا لا يقف على وجود القبول من العبد، إنما ذاك شرط وقوع العتق، فكان الاختلاف واقعا في ثبوت العتق وعدمه، فكان القول قول المولى، ولو اختلف المولى والعبد في مقدار البدل فالقول قول العبد؛ لأنه هو المستحق عليه المال، فكان القول قوله في القدر المستحق كما في سائر الديون، ولأنه لو وقع الاختلاف في أصل الدين كان القول قول المنكر، فكذا إذا وقع في القدر، وإن أقاما بينة فالبينة بينة المولى؛ لأنها تثبت زيادة، بخلاف التعليق بالأداء إذا اختلفا في مبلغ المال أن القول فيه قول المولى؛ لأن الاختلاف هناك وقع في شرط ثبوت العتق إذ هو تعليق محض، فالعبد يدعي العتق على المولى وهو ينكر فكان القول قوله، وإن أقاما البينة فالبينة بينة العبد؛ لأن الأصل هو العمل بالبينتين ما أمكن إذ هو عمل بالدليلين، وههنا أمكن الجمع بينهما لعدم التنافي؛ لأنا نجعل كأن المولى علق عتقه بكل واحد من الشرطين على حياله، فأيهما وجد عتق، ثم إذا قبل العبد عتق وصار البدل المذكور دينا في ذمته إذا كان مما يحتمل الثبوت في الذمة في الجملة على ما تبين، ويسعى وهو حر في جميع أحكامه، وذكر علي الرازي أصلا فقال: المستسعى على ضربين، كل من يسعى في تخليص رقبته فهو في حكم المكاتب عند أبي حنيفة، وكل من يسعى في بدل رقبته الذي لزمه بالعتق، أو في قيمة رقبته لأجل بدل شرط عليه، أو لدين ثبت في رقبته فهو بمنزلة الحر في أحكامه، مثل أن يعتق الراهن عبده المرهون وهو معسر، وكذلك العبد المأذون إذا أعتق وعليه دين، وكذلك أمة أعتقها سيدها على أن تتزوجه فقبلت، ثم أبت، فإنها تسعى في قيمتها وهي بمنزلة الحرة، وكذلك إذا قال لعبده: أنت حر رقبتك، فقبل ذلك فهو بمنزلة الحر، وإنما كان كذلك؛ لأن السعاية في هذه الفصول لزمت بعد ثبوت الحرية وفي الفصل الأول قبل ثبوتها، وإنما يسعى ليتوسل بالسعاية إلى الحرية عند أبي حنيفة، وعلى هذا لو أبرأ المولى

 

ج / 4 ص -75-         المكاتب من مال الكتابة فلم يقبل فهو حر، وعليه أن يؤدي الكتابة؛ لأن الإبراء يصح من غير قبول إلا أنه يرتد بالرد لكن فيما يحتمل الرد، والعتق لا يحتمل الرد فلم يرتد بالرد، والمال يحتمل الرد فيرتد بالرد فيعتق ويلزمه المال ولو قال لأمته: أنت حرة على ألف درهم فقبلت، ثم ولدت، ثم ماتت لم يكن على الولد أن يسعى في شيء مما أعتقت عليه؛ لأنها عتقت بالقبول، ودين الحرة لا يلزم ولدها، وسواء أعتق عبده على عوض فقبل، أو نصف عبده على عوض فقبل، أنه يصح، غير أنه إذا أعتق نصفه على عوض فقبل يعتق نصفه بالعوض ويسعى العبد في نصف قيمته عن النصف الآخر، فإذا أدى بالسعاية عتق باقيه، وهو قبل الأداء بمنزلة المكاتب في جميع أحكامه إلا أنه لا يرد في الرق، وهذا قول أبي حنيفة، وعلى قول أبي يوسف ومحمد يعتق كله ولا سعاية عليه، بناء على أن العتق يتجزأ عنده فعتق البعض يوجب عتق الباقي، فيجب تخريجه إلى العتاق، فيلزمه السعاية، وعندهما لا يتجزأ، فكان عتق البعض عتقا للكل بذلك العوض وذكر محمد في الزيادات فيمن قال لعبده: أنت حر على ألف درهم، أنت حر على مائة دينار، فقال العبد: قد قبلت عتق، وكان عليه المالان جميعا، وكذا لو قال لامرأته: أنت طالق ثلاثا على ألف درهم، أنت طالق ثلاثا على مائة دينار، فقالت: قد قبلت، طلقت ثلاثا بالمالين جميعا، وهذا قول محمد، وقال أبو يوسف في مسألة الطلاق: القبول على الكلام الأخير، وهي طالق ثلاثا بمائة دينار، قال الكرخي: وكذلك قياس قوله في العتق ووجهه أنه لما أوجب العتق بعوض، ثم أوجبه بعوض آخر، فقد انفسخ الإيجاب الأول فتعلق القبول بالثاني كما في البيع ولمحمد أن الإعتاق والطلاق على مال تعليق من جانب المولى والزوج، وأنه لا يحتمل الانفساخ، فلم يتضمن الإيجاب الثاني انفساخ الأول، فيصح الإيجابان وينصرف القبول إليهما جميعا، إذ هو يصلح جوابا لهما جميعا، فيلزم المالان جميعا بخلاف البيع؛ لأن إيجاب البيع يحتمل الفسخ، فيتضمن الثاني انفساخ الأول، ولو باع المولى العبد من نفسه، أو وهب له نفسه على عوض، فله أن يبيع العوض قبل القبض؛ لأنه مملوك بسبب لا ينفسخ بهلاكه، فجاز التصرف فيه قبل قبضه كالميراث، وله أن يعتقه على مال مؤجل ويكون ذلك دينا عليه مؤجلا وله أن يشتري منه شيئا يدا بيد ولا خير فيه نسيئة؛ لأن من أصل أصحابنا أن جميع الديون يجوز التصرف فيها قبل القبض كأثمان البياعات والعروض والغصوب إلا بدل الصرف والسلم، إلا أنه لا بد من القبض في المجلس لئلا يكون افتراقا عن دين بدين، ولو أعطاه كفيلا بالمال الذي أعتقه عليه فهو جائز؛ لأنه صار حرا بالقبول والكفالة بدين على حر جائزة، كالكفالة بسائر الديون، وولاؤه يكون للمولى؛ لأنه عتق على ملكه، والمال دين على العبد؛ لأنه في جانبه معاوضة، والمولى أيضا لم يرض بخروجه عن ملكه إلا ببدل وقد قبله العبد والله عز وجل أعلم وأما بيان ما تصح تسميته من البدل وما لا تصح، وبيان حكم التسمية وفسادها: فالبدل لا يخلو إما أن يكون عين مال، وإما أن يكون منفعة وهي الخدمة، فإن كان عين مال، فإما أن يكون بعينه بأن كان معينا مشارا إليه، وإما إن كان بغير عينه بأن كان مسمى غير مشار إليه، فإن كان بعينه عتق إذا قبل؛ لأن عدم ملكه لا يمنع صحة تسميته عوضا؛ لأنه مال معصوم متقوم معلوم، ثم إن أجاز المالك سلم عينه إلى المولى، وإن لم يجز فعلى العبد قيمة العين؛ لأن تسميته قد صحت، ثم تعذر تسليمه لحق الغير فتجب قيمته إذ الإعتاق على القيمة جائز، كما إذا قال: أعتقتك على قيمة رقبتك، أو على قيمة هذا الشيء فقبل يعتق، وكذا عدم الملك في باب البيع لا يمنع صحة التسليم أيضا، حتى لو اشترى شيئا بعبد مملوك لغيره صح العقد، إلا أن هناك إن لم يجز المالك يفسخ العقد، إذ لا سبيل إلى إيقاعه على القيمة، إذ البيع على القيمة بيع فاسد، وههنا لا يفسخ لإمكان الإيقاع على القيمة، إذ الإعتاق على القيمة إعتاق صحيح فتجب قيمته كما في النكاح والخلع والطلاق على مال، وإن كان بغير عينه، فإن كان المسمى معلوم الجنس والنوع والصفة كالمكيل والموزون فعليه المسمى، وإن كان معلوم الجنس والنوع مجهول الصفة كالثياب الهروية، والحيوان من الفرس والعبد والجارية فعليه الوسط من ذلك، وإذا جاء بالقيمة يجبر المولى على القبول؛ لأن جهالة الصفة لا تمنع صحة التسمية فيما وجب بدلا عما ليس بمال كالمهر، وبدل الخلع والصلح من دم العمد، وإن كان مجهول الجنس كالثوب والدابة والدار فعليه قيمة نفسه؛ لأن الجهالة متفاحشة ففسدت التسمية، والأصل فيه أن كل

 

ج / 4 ص -76-         جهالة تزيد على جهالة القيمة توجب فساد التسمية كالجهالة الزائدة على جهالة مهر المثل في باب النكاح، والكلام فيه كالكلام في المهر، وقد ذكرناه على سبيل الاستقصاء في كتاب النكاح، إلا أن هناك إذا فسدت التسمية يجب مهر المثل وههنا تجب قيمة العبد؛ لأن الموجب الأصلي هناك مهر المثل؛ لأن قيمة البضع وهو العدل والمصير إلى المسمى عند صحة التسمية، فإذا فسدت صير إلى الموجب الأصلي، والموجب الأصلي ههنا قيمة العبد؛ لأن الإعتاق على مال معاوضة من جانب العبد، ومبنى المعاوضة على المعادلة، وقيمة الشيء هي التي تعادله إلا أن عند صحة التسمية يعدل عنها إلى المسمى، فإذا فسدت وجب العوض الأصلي وهو قيمة نفس العبد، وإن كان البدل منفعة وهي خدمته بأن قال لعبده: أنت حر على أن تخدمني سنة، فقبل فهو حر حين قبل ذلك، والخدمة عليه يؤخذ بها؛ لأن تسمية الخدمة قد صحت فيلزمه المسمى، كما إذا أعتقه على مال عين، فإن مات المولى قبل الخدمة بطلت الخدمة؛ لأنه قبل الخدمة للمولى، وقد مات المولى لكن للورثة أن يأخذوا العبد بقيمة نفسه، وإن كان قد خدم بعض السنة، فلهم أن يأخذوه بقدر ما بقي من الخدمة، وهذا قول أبي حنيفة، وأبي يوسف، وقال محمد: يؤخذ العبد بقيمة تمام الخدمة إن كان لم يخدم، وإن كان قد خدم بعض الخدمة يؤخذ بقيمة ما بقي من الخدمة، وكذلك إذا قال: أنت حر على أن تخدمني أربع سنين فمات المولى قبل الخدمة، على قولهما على العبد قيمة نفسه، وعلى قول محمد عليه قيمة خدمته أربع سنين، ولو كان العبد خدمه، ثم مات المولى، فعلى قولهما على العبد ثلاثة أرباع قيمة نفسه، وعلى قول محمد عليه قيمة خدمته ثلاث سنين، وكذلك لو مات العبد وترك مالا يقضى لمولاه في ماله بقيمة نفسه عندهما، وعنده يقضى بقيمة الخدمة، وأصل المسألة أن من باع العبد من نفسه بجارية بعينها، ثم استحقت الجارية، فعلى قولهما يرجع على العبد بقيمة نفسه، وعلى قول محمد يرجع عليه بقيمة الجارية، وكذلك لو لم تستحق ولكنه وجد بها عيبا فردها فهو على هذا الاختلاف، وجملة الكلام فيه أن المولى إذا قبض العوض، ثم استحق من يده، فإن كان العوض بغير عينه كالمكيل والموزون الموصوفين في الذمة، أو العروض والحيوان كالثوب الهروي والفرس والعبد والجارية فعلى العبد مثله في المكيل والموزون والوسط في الفرس والحيوان؛ لأن العقد وقع على مال في الذمة، وإنما المقبوض عوض عما في الذمة، فإذا استحق المقبوض، فقد انفسخ فيه القبض فبقي موجب العقد على حاله، فله أن يرجع على العبد بذلك، وإن كان عينا في العقد وهو مكيل، أو موزون فكذلك يرجع المولى على العبد بمثله لما قلنا، وإن كان عرضا، أو حيوانا، فقد قال أبو حنيفة وأبو يوسف: يرجع على العبد بقيمة نفسه، وقال محمد يرجع عليه بقيمة المستحق" وجه " قول محمد: أن العقد لم يفسخ باستحقاق العوض؛ لأنه لا يحتمل الفسخ، فيبقى موجبا لتسليم العوض، وقد عجز عن تسليمه فيرجع عليه بقيمته كالخلع والصلح عن دم العمد، ولهما أن العقد قد انفسخ في حق أحد العوضين وهو المستحق؛ لأنه تبين أنه وقع على عين هي ملك المستحق ولم يجز، وإذا انفسخ العقد في حقه لم يبق موجبا على العبد تسليمه، فلا يجب عليه قيمته، وانفساخه في حق أحد العوضين يقتضي انفساخه في حق العوض الآخر، وهو نفس العبد إلا أنه تعذر إظهاره في صورة العبد، فيجب إظهاره في معناه وهو قيمته، فتجب عليه إذ قيمته قائمة مقام رد عينه، كمن باع عبدا بجارية فأعتقها ومات العبد قبل التسليم أنه يجب على البائع رد قيمة العبد لا رد قيمة الجارية كذا ههنا، ثم ما ذكرنا من الاختلاف في العيب إذا كان العيب فاحشا؛ لأن العيب الفاحش في هذا الباب يوجب الرد بلا خلاف كما في باب النكاح، فأما إذا كان غير فاحش فكذلك عندهما وأما عند محمد فلا يملك ردها؛ لأنه مبادلة المال بمال ليس بمال فأشبه النكاح، والمرأة في باب النكاح لا تملك رد المهر إلا في العيب الفاحش، وكذا المولى ههنا ولو قال عبد رجل لرجل اشتر لي نفسي من مولاي بألف درهم فاشتراه فالوكيل لا يخلو إما أن يبين وقت الشراء أنه يشتري نفس العبد للعبد وأما إن لم يبين، فإن بين الشراء وعتق العبد بقبول الوكيل، ويجب الثمن؛ لأنه أتى بما وكل به فنفذ على الموكل، ثم ذكر في الجامع أن المولى يطالب الوكيل، ثم الوكيل يطالب العبد، فقد جعل هذا التصرف في حكم معاوضة المال بالمال كالبيع ونحوه؛ لأن حقوق العبد إنما ترجع إلى الوكيل في مثل هذه

 

ج / 4 ص -77-         المعاوضة، وذكر في كتاب الوكالة أنه يطالب العبد ولا يطالب الوكيل، واعتبره معاوضة المال بما ليس بمال كالنكاح والخلع والطلاق على مال والصلح عن دم العمد، وإن لم يبين يصير مشتريا لنفسه لا للعبد؛ لأنه إذا لم يبين فالبائع رضي بالبيع لا بالإعتاق، فلو قلنا: إنه يصير مشتريا للعبد ويعتق لكان فيه إثبات الولاية على البائع من غير رضاه، وهذا لا يجوز، وكذلك لو بين، لكنه لو خالف في الثمن بأن اشترى بزيادة بأن يكون مشتريا لنفسه لما قلناهذا إذا أمر العبد رجلا، فأما إذا أمر رجل العبد بأن يشتري نفسه من مولاه بألف درهم فاشترى، فإن بين وقت الشراء أنه يشتري للآمر فيكون للآمر ولا يعتق؛ لأنه اشترى للآمر لا لنفسه، فيقع الشراء للآمر ويصير قابضا لنفسه بنفس العقد؛ لأنه في يد نفسه، وليس للبائع أن يحبسه لاستيفاء الثمن؛ لأنه صار مسلما إياه حيث عقد على شيء هو في يده وهو نفسه، ولو وجد الآخر به عيبا له أن يرده ولكن العبد هو الذي يتولى الرد؛ لأنه وكيل وحقوق هذا العقد ترجع إلى العاقد، وإن لم يبين وقال لمولاه بع نفسي مني بألف درهم فباع صار مشتريا لنفسه وعتق؛ لأن بيع نفس العبد منه إعتاق، وكذا إذا بين وخالف أمره يصير مشتريا لنفسه ويعتق ولو قال لعبد واحد: أنت حر على ألف درهم، فقبل أن يقبل قال له: أنت حر على مائة دينار، فإن قال: قبلت بالمالين عتق ويلزمه المالان جميعا بلا خلاف، وإن قال: قبلت مبهما ولم يبين فكذلك في قول محمد، وكذلك ولو قال لامرأته: أنت طالق ثلاثا على ألف درهم أنت طالق ثلاثا على مائة دينار، أنها إن قالت: قبلت بالمالين طلقت بالمالين بلا خلاف، وإن أبهمت بأن قالت: طلقت ثلاثا بالمالين جميعا في قول محمد وأما عند أبي يوسف فالقبول على الكلام الأخير في المسألتين، ووجهه أن القبول خرج عقب الإيجاب الأخير فينصرف إليه، ولأنه لما أوجب بعوض، ثم أوجب بعوض آخر تضمن الثاني انفساخ الأول كما في البيع، فيتعلق القبول بالثاني كما في البيع ولمحمد: الفرق بين الإعتاق والطلاق على مال وبين البيع وهو أن الإعتاق والطلاق على مال تعليق من جانب المولى والزوج وأنه لا يحتمل الانفساخ فلم يوجب الثاني رفع الأول بخلاف البيع؛ لأنه يحتمل الرفع والفسخ، فيوجب الثاني ارتفاع الأول، هذا إذا قبل بالمالين، أو قبل على الإبهام، فأما إذا قبل بأحد المالين، بأن قال: قبلت بالدراهم، أو قال: قبلت بالدنانير، ذكر القاضي في شرحه مختصر الطحاوي أنه لا يعتق، وعلل بأن للمولى أن يقول أعتقتك بالمالين جميعا، فلا يعتق بقبول أحدهما مع الشك، وذكر أبو يوسف في الأمالي أنه يعتق، ووجهه أن المولى أتى بإيجابين مختلفين، فكان للعبد أن يقبل بأيهما شاء ولو قال أنت حر على ألف درهم، أو مائة دينار فإن قبل بأحد المالين عينا عتق بأن قال: قبلت بالدراهم، أو قال: قبلت بالدنانير؛ لأنه أعتقه بأحد المالين، وإن قبل بأحد المالين غير عين عتق أيضا لوجود الشرط، ويلزمه أحد المالين، والبيان إليه، كما إذا قال لفلان: علي ألف درهم، أو مائة دينار يلزمه أحدهما، والبيان إليه كذا، ولو قال: قبلت بالمالين لا شك أنه يعتق؛ لأن في قبول المالين قبول أحدهما فوجد شرط العتق فيعتق ويلزمه أحد المالين؛ لأنه أعتقه على أحد المالين، فلا تلزمه الزيادة، والبيان إلى العبد يختار أيهما شاء، وكذلك إذا قال: قبلت ولم يبين يعتق ويلزمه أحد المالين، وخيار التعيين إليه لأن قوله: قبلت يصلح جواب الإيجاب فيصير كأنه قال قبلت بأحدهما ولم يعين أو قبلت بهما، وهناك يعتق وخيار التعيين إليه كذا ههنا، وعلى هذا إذا قال لامرأته: أنت طالق على ألف درهم، أو على مائة دينار فقبلت بأحدهما عينا، أو غير عين، أو قبلت بالمالين، أو أبهمت لما قلنا في العتق، وكذلك لو قال: أنت حر على ألف درهم، أو على ألفين، إلا أن ههنا إذا قبل بالمالين يعتق بألف ولا يخير؛ لأن الجنس متحد والتخيير بين الأكثر والأقل في الجنس الواحد لا يفيد؛ لأنه لا يختار إلا الأقل بخلاف الفصل الأول؛ لأن هناك اختلف الجنس فكان التخيير مفيدا، هذا كله إذا أضاف العتق إلى معين فإن أضافه إلى مجهول بأن قال لعبديه: أحدكما حر بألف درهم لا يعتق واحد منهما ما لم يقبلا جميعا، حتى لو قبل أحدهما ولم يقبل الآخر لا يعتق؛ لأن قوله أحدكما كما يقع على القابل يقع على غير القابل، فمن الجائز أنه عنى به غير القابل ألا ترى أن له أن يقول: عنيت به غير القابل، فلو حكمنا بعتق القابل لكان فيه إثبات العتق بالشك، وإن قبلا جميعا، فإن قبل كل واحد منهما بخمسمائة لا يعتق واحد منهما؛ لأنه أعتق أحدهما بألف لا بخمسمائة، وإن قبل كل واحد منهما

 

ج / 4 ص -78-         بألف بأن قال كل واحد منهما: قبلت بألف درهم، أو قال: قبلت ولم يقل بألف، أو قالا: ما قبلنا بألف، أو قالا: قبلنا ولم يذكرا الألف عتق أحدهما بألف لوجود شرط العتق وهو قبول كل واحد منهما الألف، ويقال للمولى اختر العتق في أحدهما؛ لأنه هو الذي أجمل العتق فكان البيان إليه، فأيهما اختار عتق ولزمته الألف، فإن مات قبل البيان يعتق من كل واحد منهما نصفه بخمسمائة ويسعى في نصف قيمته؛ لأنه لما مات قبل البيان وقد شاع عتق رقبة فيهما فيقسم عليهما نصفين ولو قال: أحدكما حر بألف درهم فقبلا، ثم قال: أحدكما حر بألف درهم، أو قال: أحدكما حر بغير شيء، فاللفظ الثاني لغو؛ لأنهما لما قبلا العتق بالإيجاب الأول، فقد نزل العتق في أحدهما لوجود شرط النزول وهو قبولهما، فالإيجاب الثاني يقع جمعا بين حر وعبد، فلا يصح، ولو لم يقبلا، ثم قال: أحدكما حر بغير شيء عتق أحدهما باللفظ الثاني بغير شيء؛ لأنهما لما لم يقبلا لم ينزل العتق بالإيجاب الأول، فصح الإيجاب الثاني وهو تنجيز العتق على أحدهما غير عين، فيقال للمولى: اصرف اللفظ الثاني إلى أحدهما، فإذا صرفه إلى أحدهما عتق ذلك بغير شيء؛ لأن التنجيز حصل بغير بدلوأما الآخر فإن قبل البدل في المجلس يعتق وإلا فلا؛ لأن الإيجاب الأول وقع صحيحا لحصوله بين عبدين، وتعلق العتق بشرط القبول، وقد وجد فيه ضرب إشكال، وهو أن شرط وجوب الحرية لأحدهما هو قبولهما، ولم يوجد ههنا إلا قبول أحدهما فينبغي أن لا يعتق العبد الآخر، والجواب أن الإيجاب أضيف إلى أحدهما ألا يرى أنه قال: أحدكما حر وقد وجد القبول من أحدهما ههنا، إلا أنه إذا لم ينجز عتق أحدهما يتوقف عتق أحدهما على قبولهما جميعا لاحتمال أنه أراد به الآخر، فإذا عينه في التخيير علم أنه ما أراده بالإيجاب الأول؛ لأن الإعتاق من المعتق لا يتصور فتعين الآخر للقبول، وقد قبل فيعتق، ولو قبلا جميعا قبل البيان عتقا؛ لأن العتق لم ينزل بالإيجاب الأول؛ لأنه تعليق العتق بشرط القبول، فلا ينزل قبل وجود الشرط فيصح الإيجاب الثاني، فإذا قبلا جميعا، فقد تيقنا بعتقهما؛ لأن أيهما أريد بالإيجاب الأول عتق بالقبول، وأيهما أريد بالإيجاب الثاني عتق من غير قبول؛ لأنه إيجاب بغير بدل، فكان عتق كل واحد منهما متيقنا به لكن عتق أحدهما بالإيجاب الأول وعتق الآخر بالإيجاب الثاني فيعتقان، ولا يقضى عليهما بشيء؛ لأن أحدهما وإن عتق بالإيجاب ببدل إلا أنه مجهول، والقضاء بإيجاب المال على المجهول متعذر كرجلين قالا لرجل: لك على أحدنا ألف درهم أنه لا يلزمهما بهذا الإقرار شيء لكون المقضي عليه مجهولا كذا هذا، ولو لم يقبلا جميعا ولكن قبل أحدهما لا يعتق إلا أحدهما لوجود شرط عتق أحدهما، وهو قبول أحدهما في هذه الصورة لما بينا من الفقه، ثم إن صرف المولى اللفظ الثاني إلى غير القابل عتق غير القابل بغير شيء وعتق القابل بألف، وإن صرف اللفظ الثاني إلى القابل عتق القابل بغير شيء وعتق غير القابل باللفظ الأول بألف إن قبل في المجلس؛ لأن القابل منهما يعتق بالإيجاب الأول، وإنه إيجاب ببدل فيعتق ببدل، وغير القابل يعتق بالإيجاب الثاني، وإنه إيجاب بغير بدل فيعتق بغير بدل ولو قال لعبديه أحدكما حر بغير شيء، ثم قال أحدكما حر بألف درهم، فالكلام الثاني لغو؛ لأن أحدهما عتق بالإيجاب الأول لوجود تنجيز العتق في أحدهما، فالثاني يقع جمعا بين الحر والعبد فيبطل ولو قال أحدكما حر بألف درهم فقبل أن يقبلا قال: أحدكما حر بمائة دينار، فإن قبل كل واحد منهما العتق بأحد المالين بأن قبل أحدهما بألف درهم وقبل الآخر بمائة دينار، أو قبل أحدهما بالمالين ولم يقبل الآخر، أو قبل أحدهما بالمالين وقبل الآخر بمال واحد لا يعتق واحد منهما؛ لأن للمولى أن يجمع المالين على أحدهما فيقول: عنيتك بالمالين، أو يقول: عنيت غيرك، فلا يثبت العتق مع الشك، فإن قبلا جميعا بالمالين، بأن قال كل واحد منهما: قبلت بالمالين، أو قالا جميعا: قد قبلنا يخير المولى فيقال له: إما أن تصرف اللفظين إلى أحدهما فتجمع المالين عليه فيعتق بالمالين ويبقى الآخر رقيقا، وإما أن تصرف أحد اللفظين إلى أحدهما والآخر إلى صاحبه، فيعتق أحدهما بألف درهم والآخر بمائة دينار؛ لأن الإيجابين وقعا صحيحين أما الأول، فلا شك فيه، ولأنه أضيف إلى أحد العبدين، وكذا الثاني؛ لأن الإيجاب الأول لم يتصل به القبول والعتق معلق بالقبول، فالإيجاب الثاني حصل مضافا إلى أحد عبدين فيصح، ومتى صح الإيجاب الثاني فيحتمل أنه عنى به من عناه بالإيجاب الأول، ويحتمل أنه عنى به العبد الآخر؛ لذلك

 

ج / 4 ص -79-         خير المولى فإن مات قبل البيان عتق من كل واحد ثلاثة أرباعه بنصف المالين؛ لأن أحدهما حر بيقين؛ لأنه أراد بالإيجاب الثاني غير من أراده بالأول، فكان الثابت بالكلامين عتقين بكل كلام عتق، وإن أراد بالثاني عين من أراده بالأول كان الثابت بالكلامين عتق واحد، فإذا عتق واحد ثابت بيقين، والعتق الآخر يثبت في حال ولا يثبت في حال فينصف فثبت عتق ونصف عتق بالمالين وليس، أحدهما بكمال العتق بأولى من الآخر فينقسم عتق ونصف عتق بينهما، فيصيب كل واحد منهما ثلاثة أرباع العتق بنصف المالين ويسعى في ربع قيمته ولو قال لعبد له بعينه أنت حر على ألف درهم، فقبل أن يقبل جمع بين عبد له آخر وبينه، فقال: أحدكما حر بمائة دينار، فقالا: قبلنا، يخير المولى فإن شاء صرف اللفظين إلى المعين وعتق بالمالين جميعا، وإن شاء صرف أحد اللفظين إلى أحدهما والآخر إلى الآخر، وعتق المعين بألف درهم وغير المعين بمائة دينار؛ لأن الإيجابين صحيحان لما قلنا، فيحتمل أنه أراد بالثاني المعين أيضا، ويحتمل أنه أراد به غير المعين، فيقال له: بين، فأيهما بين فالحكم للبيان، فإن مات قبل البيان عتق المعين كله؛ لأنه دخل تحت الإيجابين جميعا، أما الإيجاب الأول: فلا شك فيه؛ لأنه خصه به فلا يشاركه فيه غيرهوأما الإيجاب الثاني فلأن قوله: أحدكما يقع على كل واحد منهما، فإذا قبل الإيجابين وجد شرط عتقه فيعتق فيلزمه ألف درهم وخمسون دينارا، أما الألف؛ فلأنه لا مشاركة للثاني فيهما وأما نصف المائة الدينار؛ فلأنه في حال يلزمه مائة دينار وهي ما عناه باللفظين، وفي حال لا يلزمه منها شيء، وهي ما إذا عنى باللفظ الثاني غيره فيتنصف ذلك فيلزمه خمسون دينارا وأما غير المعين فإنه يعتق نصفه بنصف المائة؛ لأنه يعتق في حال ولا يعتق في حال؛ لأنه إن عناه بالإيجاب الثاني يعتق كله بكل المائة، وإن لم يعنه لا يعتق شيء منه ولا يلزمه شيء، فيعتق في حال ولم يعتق في حال فتعبر الأحوال، ويعتق نصفه بنصف المائة وهو خمسون، هذا إذا عرف المعين من غير المعين، فإن لم يعرف وقال كل واحد منهما أنا المعين يعتق من كل واحد منهما ثلاثة أرباعه بنصف المالين، وهو نصف الألف ونصف المائة الدينار؛ لاستوائهما في ذلك، والثابت عتق ونصف عتق فيصيب كل واحد منهما ثلاثة أرباع العتق ويسعى في ربع قيمته
ولو قال لعبديه: أحدكما حر على ألف درهم والآخر على خمسمائة، فإن قالا جميعا: قبلنا، أو قال كل واحد منهما: قبلت بالمالين، أو قال كل واحد منهما: قبلت بأكثر المالين عتقا جميعا، فيلزم كل واحد منهما خمسمائة، أما عتقهما فلأن الإيجابين خرجا على الصحة بخروج كل واحد منهما بين عبدين، والمراد بالإيجاب الثاني ههنا غير المراد بالإيجاب الأول، فإذا قبلا، فقد وجد شرط بزوال العتق فيهما جميعا، وانقطع خيار المولى ههنا فيعتقان جميعا، وعلى كل واحد منهما خمسمائة؛ لأن أحدهما عتق بألف والآخر بخمسمائة لكنا لا ندري الذي عليه الألف والذي عليه خمسمائة، إلا أنا تيقنا بوجوب خمسمائة على كل منهما، وفي الفصل الثاني شك فيجب المتيقن ولا يجب المشكوك فيه، كاثنين قالا لرجل: لك على أحدنا ألف درهم وعلى الآخر خمسمائة، لا يطالب كل واحد منهما إلا بخمسمائة لما قلنا فكذا هذا، ولو قبل أحدهما بأقل المالين والآخر بأكثر المالين عتق الذي قبل العتق بأكثر المالين؛ لأنه لا يخلو إما إن عناه المولى بالإيجاب بالأقل، أو بالإيجاب بالأكثر فتيقنا بعتقه، ثم في الأكثر قدر الأقل وزيادة فيلزمه خمسمائة كأنه قال: قبلت بالمالين فيلزمه الأقل وهو خمسمائة ويصير بعد العتق كأنه قال لك علي ألف درهم أو خمسمائة، ولو قال ذلك لزمه الأقل كذا ههنا، ولو قبل كل واحد منهما بأقل المالين لا يعتقان؛ لأن حجة المولى لم تنقطع؛ لأن له أن يقول: لم أعتقك بهذا المال، بخلاف ما إذا قبل أحدهما بأكثر المالين؛ لأن الأقل داخل في الأكثر ولو قال أحدكما حر بألف والآخر بألفين فإن قبلا بأن قال كل واحد منهما: قبلت بالمالين، أو قالا: قبلنا عتقا لوجود شرط عتقهما وعلى كل واحد منهما ألف؛ لأنه أعتق أحدهما بألف والآخر بألفين فتيقنا بوجوب الألف على كل واحد منهما، كرجلين قالا لرجل: لك على أحدنا ألف وعلى الآخر ألفان يلزم كل واحد منهما ألف لكون الألف تيقنا بها كذا هذا، وإن قبل أحدهما المالين جميعا بأن قال: قبلت بالمالين، أو قال: قبلت، أو قبل بأكثر المالين بأن قال: قبلت بالمالين، أو قال: قبلت بألفين يعتق لوجود شرط العتق وهو القبول

 

ج / 4 ص -80-         أما إذا قبل بالمالين، أو قال: قبلت، فلا شك فيه، وكذا إذا قبل بأكثر المالين لوجود القبول المشروط بيقين فيعتق، وقيل هذا على قياس قولهما، فأما على قياس قول أبي حنيفة ينبغي أن لا يعتق وهو القياس على مسألة الشهادة بالألف والألفين، والصحيح أنه يعتق بلا خلاف، وإذا عتق لا يلزمه الألف درهم؛ لأن الواجب أحد المالين وأحدهما أقل والآخر أكثر والجنس متحد فيتعين بالأقل للوجوب، ولا يخير العبد ههنا؛ لأن التخيير بين الأقل والأكثر عند اتحاد الجنس غير مفيد؛ لأنه يختار الأقل لا محالة، وإن قبل أحدهما الألف لا يعتق؛ لأن للمولى أن يصرف العتق إلى الآخر، كما إذا قال: أحدكما حر بألفين فقبل أحدهما ولو قال أحدكما حر بألف أحدكما حر بمائة دينار فإن قبلا عتقا لوجود شرط العتق، ولا شيء عليهما؛ لأن المقضي عليه مجهول إذ لا يدرى الذي عليه الألف منهما والذي عليه المائة الدينار، كاثنين قالا لرجل: لك على أحدنا ألف درهم وعلى الآخر مائة دينار أنه لا يلزم أحدهما شيء كذا هذا، وكذا هذا في الطلاق بأن قال لامرأتيه: إحداكما طالق بألف والأخرى بمائة دينار فقبلتا جميعا طلقت كل واحدة منهما طلقة بائنة ولا يلزمهما شيء لما قلنا، وإن قبل أحدهما العتق بألف درهم أو بمائة دينار، أو قبل أحدهما العتق بأحد المالين والآخر بالمال الآخر لا يعتق واحد منهما؛ لأن للمولى أن يقول: لم أعنك بهذا المال الذي قبلت، ولو قبل أحدهما بالمالين عتق ويلزمه أي المالين اختاره؛ لأن الواجب أحدهما وهما جنسان مختلفان فكان التخيير مفيدا فيخير، بخلاف الفصل الأول فإن قبل الآخر في المجلس عتقا وسقط المال عن القابل الأول؛ لأن المقضي عليه مجهول، هذا إذا كان قبل البيان من الأول، فإن قبل بعد البيان عتق الثاني بغير شيء وعتق الأول بالمالين؛ لأن بيانه في حق نفسه صحيح وفي حق الآخر لم يصح
ولو قال: أحدكما حر بألف والآخر حر بغير شيء، فإن قبلا جميعا عتقا لوجود شرط عتقهما وهو قبولهما ولا شيء عليهما؛ لأن الذي دل عليه البدل مجهول ولا يمكن القضاء على المجهول، كرجلين قالا لرجل: لك على أحدنا ألف درهم ولا شيء على الآخر، لا يجب على أحدهما شيء لجهالة من عليه الواجب كذا ههنا، وإن قبل أحدهما بألف ولم يقبل الآخر يقال للمولى: اصرف اللفظ الذي هو إعتاق بغير بدل إلى أحدهما، فإن صرفه إلى غير القابل عتق غير القابل بغير شيء، وعتق القابل بألف، وإن صرفه إلى القابل عتق القابل بغير شيء ويعتق الآخر بالإيجاب الذي هو يبدل إذا قبل في المجلس، وكذا لو لم يقبل واحد منهما حتى صرف الإيجاب الذي هو بغير بدل إلى أحدهما يعتق هو، ويعتق الآخر إن قبل البدل في المجلس، وإلا فلا، وإن مات المولى قبل البيان عتق القابل كله وعليه خمسمائة وعتق نصف الذي لم يقبل ويسعى في نصف قيمته، أما عتق القابل كله، فلأن عتقه ثابت بيقين؛ لأنه إن أريد بالإيجاب الأول عتق، وإن أريد بالإيجاب الثاني عتق فكان عتقه متيقنا به وأما لزوم خمسمائة؛ لأنه إن أعتق بالإيجاب الأول يعتق بألف، وإن أعتق بالإيجاب الثاني يعتق بغير شيء فينصف الألف فيلزمه خمسمائة وأما عتق النصف من غير القابل فلأنه إن أريد باللفظ الأول لا يعتق، وإن أريد باللفظ الثاني يعتق فيعتق في حال دون حال، فيتنصف عتقه فيعتق نصفه ويسعى في نصف قيمته، هذا إذا كان الإعتاق تنجيزا، أو تعليقا بشرط فأما إذا كان أضافه إلى وقت، فلا يخلو إما إن أضافه إلى وقت واحد وإما إن أضافه إلى وقتين، فإن أضافه إلى وقت واحد، فإما إن أضافه إلى مطلق الوقت، وإما إن أضافه إلى وقت موصوف بصفة وفي الوجوه كلها يشترط وجود الملك وقت الإضافة؛ لأن إضافة الإعتاق إلى وقت إثبات العتق في ذلك الوقت لا محالة ولا ثبوت للعتق بدون الملك، ولا يوجد الملك في ذلك الوقت إلا إذا كان موجودا وقت الإضافة؛ لأنه إن كان موجودا وقت الإضافة فالظاهر أنه يبقى إلى الوقت المضاف إليه فيثبت العتق، وإذا لم يكن موجودا كان الظاهر بقاءه على العدم، فلا يثبت العتق في الوقت المضاف إليه لا محالة فيكون خلاف تصرفه، والأصل اعتبار تصرف العاقل على الوجه الذي أوقعه أما الإضافة إلى وقت مطلق فنحو أن يقول لعبده: أنت حر غدا، أو رأس شهر كذا، فيعتق إذا جاء غد أو رأس الشهر؛ لأنه جعل الغد، أو رأس الشهر ظرفا للعتق، فلا بد من وقوع العتق عنده ليكون ظرفا له، وليس هذا تعليقا بشرط لانعدام أدوات التعليق وهي كلمات الشرط، ولهذا لو حلف لا يحلف فقال

 

ج / 4 ص -81-         هذه المقالة لا يحنث، بخلاف ما إذ قال أنت حر إذا جاء غد؛ لأن ذلك تعليق بشرط لوجود كلمة التعليق، فإن قيل كيف يكون تعليقا بشرط، والشرط ما في وجوده خطر ومجيء الغد كائن لا محالة، قيل له من مشايخنا من قال: إن الغد في مجيئه خطر لاحتمال قيام الساعة في كل ساعة، قال الله سبحانه وتعالى: {وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ} فيصلح مجيء الغد شرطا لكن هذا الجواب ليس بسديد؛ لأن الساعة لا تقوم إلا عند وجود أشراطها من خروج يأجوج ومأجوج ودابة الأرض وخروج الدجال وطلوع الشمس من مغربها ونحو ذلك مما دل عليه الكتاب ووردت به الأخبار، والجواب الصحيح أن يقال إن مجيء الغد، وإن كان متيقن الوجود يمكن كونه شرطا لوقوع العتق، وليس بمتيقن الوجود بل له خطر الوجود والعدم لاحتمال موت العبد قبل مجيء الغد، أو موت المولى، أو موتهما وحينئذ لا يكون شرطا لعدم تصور الجزاء، على أن الشرط اسم لما جعل علما لنزول الجزاء سواء كان موهوم الوجود، أو متيقن الوجود
وأما الإضافة إلى وقت موصوف فنحو أن يقول لعبده أنت حر قبل دخولك الدار بشهر، أو قبل قدوم فلان بشهر، أو قبل موت فلان بشهر، ولا شك أنه لا يعتق قبل وجود الوقت الموصوف، حتى لو وجد شيء من هذه الحوادث قبل تمام الشهر لا يعتق؛ لأنه أضاف العتق إلى الوقت الموصوف، فلا يثبت قبله، ويشترط تمام الشهر وقت التكلم، وإن كان العبد في ملكه قبل ذلك بشهور بل بسنين؛ لأن إضافة العتق إلى وقت إيجاب العتق فيه غير إيجاب العتق في الزمان الماضي، وإيجاب العتق في الزمان الماضي لا يتصور فلا يحمل كلام العاقل عليه، ولا شك أن العتق ثبت عند وجود هذه الحوادث لتمام الشهر، واختلف في كيفية ثبوته، فقال زفر: يثبت من أول الشهر بطريق الظهور، وقال أبو يوسف ومحمد: يثبت مقتصرا على حال وجود الحوادث، وأبو حنيفة فرق بين القدوم والدخول وبين الموت، فقال في القدوم والدخول كما قالا، وفي الموت كما قال زفر، حتى لو كان المملوك أمة فولدت في وسط الشهر يعتق الولد في قول أبي حنيفة وزفر، وعندهما لا يعتقوجه قول زفر أنه أوقع العتق في وقت موصوف بكونه متقدما على هذه الحوادث بشهر، فإذا وجدت بعد شهر متصلة به علم أن الشهر من أوله كان موصوفا بالتقدم عليها لا محالة، فتبين أن العتق كان واقعا في أول الشهر كما إذا قال: أنت حر قبل رمضان بشهر، ولا فرق سوى أن هناك يحكم بالعتق من أول هلال شعبان ولا يتوقف على مجيء شهر رمضان، وههنا لا يحكم بالعتق من أول الشهر؛ لأن ثمة رمضان يتصل بشعبان لا محالة، وههنا وجود هذه الحوادث يحتمل أن يتصل بهذا الشهر ويحتمل أن لا يتصل لجواز أنها لا توجد أصلافأما في ثبوت العتق في المسألتين من ابتداء الشهر، فلا يختلفان، ولهذا قال أبو حنيفة: ثبوت العتق بطريق الظهور في الموتوجه قولهما أن هذا في الحقيقة تعليق العتق بهذه الحوادث؛ لأنه أوقع العتق في شهر متصف بالتقدم على هذه الحوادث، ولا يتصف بالتقدم عليها إلا باتصالها به، ولا تتصل به إلا بعد وجودها، فكان ثبوت العتق على هذا التدريج متعلقا بوجود هذه الحوادث، فيقتصر على حال وجودها، ولهذا قال أبو حنيفة: هكذا في الدخول والقدوم كذا في الموت بخلاف شعبان؛ لأن اتصاف شعبان بكونه متقدما على رمضان لا يقف على مجيء رمضان ووجه الفرق لأبي حنيفة بين الدخول والقدوم وبين الموت أن في مسألة القدوم والدخول بعد ما مضى شهر من وقت التكلم يبقى الشهر الذي أضيف إليه العتق هو موهوم الوجود، قد يوجد وقد لا يوجد؛ لأن قدوم فلان موهوم الوجود قد يوجد وقد لا يوجد، فإن وجد يوجد هذا الشهر، وإلا فلا؛ لما ذكرنا أن هذا الشهر لا وجود له بدون الاتصاف ولا اتصاف بدون الاتصال ولا اتصال بدون القدوم، إذ الاتصال إنما يتصور بين موجودين لا بين موجود ومعدوم فصار العتق، وإن كان مضافا إلى الشهر متعلقا بوجود القدوم فكان هذا تعليقا ضرورة فيقتصر الحكم المتعلق به على حال وجود الشرط كما في سائر التعليقات، فأما في مسألة الموت فبعد ما مضى شهر من زمن الكلام لم يبق ذات الشهر الذي أضيف إليه العتق موهوم الوجود، بل هو كائن لا محالة؛ لأن الموت كائن لا محالة، فصار هذا الشهر متحقق الوجود بلا شك بخلاف الشهر المتقدم على الدخول والقدوم، غير أنه مجهول الذات، فلا يحكم بالعتق قبل وجود الموت، وإذا وجد، فقد وجد المعرف للشهر، بخلاف الشهر

 

ج / 4 ص -82-         المتقدم على شهر رمضان فإنه معلوم الذات؛ لأنه كما وجد شعبان علم أنه موصوف بالتقدم على رمضان، وههنا بخلافه وبخلاف القدوم والدخول، فإن بعد مضي شهر من وقت الكلام بقي ذات الشهر الذي أضيف إليه العتق موهوم الوجود، فلم يكن القدوم معرفا للشهر بل كان محصلا للشهر الموصوف بهذه الصفة بحيث لولا وجوده لما وجد هذا الشهر ألبتة، فكان الموت مظهرا معينا للشهر فيظهر من الأصل من حين وجودهثم اختلف مشايخنا في كيفية الظهور: على مذهب أبي حنيفة قال بعضهم: هو ظهور محض، فتبين أن العتق كان واقعا من أول الشهر من غير اعتبار حالة الموت، وهو أن يعتبر الوقوع، أو لا ثم يسري إلى أول الشهر؛ لأن الأصل اعتبار التصرف على الوجه الذي أثبته المتصرف والمتصرف أضاف العتق إلى أول الشهر المتقدم على الموت، فيقع في أول الشهر لا في آخره، فكان وقت وقوع الطلاق أول الشهر، فيظهر أن العتق وقع من ذلك الوقت، كما إذا قال: إن كان فلان في الدار فعبده حر، فمضت مدة، ثم علم أنه كان في الدار يوم التكلم يقع العتق من وقت التكلم لا من وقت الظهور، وهؤلاء قالوا: لو كان مكان العتاق طلاق ثلاث فالعدة تعتبر من أول الشهر في قول أبي حنيفة، حتى لو حاضت في الشهر حيضتين، ثم مات فلان كانت الحيضتان محسوبتين من العدة، ولو كان قال: أنت طالق قبل موت فلان بشهرين، أو ثلاثة أشهر، ثم مات فلان لتمام المدة، أو كانت المرأة رأت ثلاثة حيض في المدة، تبين عند موته أن الطلاق كان واقعا، وأن العدة قد انقضتكما لو قال: إن كان زيد في الدار فامرأتي طالق، ثم علم بعدما حاضت المرأة ثلاثة حيض أنه كان في الدار يوم التكلم به تبين أنها قد طلقت من ذلك الوقت، وأنها منقضية العدة كذا هذا، وكذلك لو قال: إن كان حمل فلانة غلاما فأنت طالق، فولدت غلاما يقع الطلاق على طريق التبيين كذا هذا، والذي يؤيد ما قلنا: إن رجلا لو قال: آخر امرأة أتزوجها فهي طالق فتزوج امرأة، ثم أخرى، ثم ماتت طلقت الثانية على وجه التبيين المحض عند أبي حنيفة، وإن كان لا يحكم بطلاقها ما لم يمت كذا ههنا، وقالوا لو خالعها في وسط الشهر، ثم مات فلان لتمام الشهر فالخلع باطل ويؤمر الزوج برد بدل الخلع سواء كانت عند الموت معتدة، أو منقضية العدة، أو كانت ممن لا عدة عليها بأن كانت غير مدخول بها، وهؤلاء طعنوا فيما ذكر محمد في الكتاب لتخريج قول أبي حنيفة أنه إن مات فلان وهي في العدة يحكم ببطلان الخلع ويؤمر الزوج برد بدل الخلع، وإن كانت غير معتدة وقت موت فلان بأن كان بعد الخلع قبل موت فلان أسقطت سقطا أو كانت غير مدخول بها لا يبطل الخلع ولا يؤمر الزوج برد بدل الخلع، وقالوا: هذا التخريج لا يستقيم على قول أبي حنيفة؛ لأن هذا ظهور محض فتبين عند وجود الجزء الأخير أن هذا الشهر من ابتداء وجوده موصوف بالتقدم، فتبين أن الطلقات الثلاث كانت واقعة من ذلك الوقت سواء كانت معتدة، أو غير معتدة، كما لو قال: إن كان فلان في الدار فامرأته طالق، ثم خالعها، ثم تبين أنه كان يوم الحلف في الدار أنه يتبين أن الخلع كان باطلا على الإطلاق سواء كانت معتدة، أو لم تكن كذا ههنا، والفقه أن وقت الموت إذا لم يكن وقت وقوع الطلاق لا يعتبر فيه قيام الملك والعدة، وعامة مشايخنا قالوا: إن العتق، أو الطلاق يقع وقت الموت، ثم يستند إلى أول الشهر، إلا أنه يظهر أنه كان واقعا من أول الشهر، ووجهه مما لا يمكن الوصول إليه إلا بمقدمة وهي أن ما كان الدليل على وجوده قائما يجعل موجودا في حق الأحكام؛ لأن إقامة الدليل مقام المدلول أصل في الشرع والعقلألا ترى أن الخطاب يدور مع دليل القدرة وسببها دون حقيقة القدرة، ومع دليل العلم وسببه دون حقيقة العلم، حتى لا يعذر الجاهل بالله عز وجل لقيام الآيات الدالة على وجود الصانع، ولا بالشرائع عند إمكان الوصول إلى معرفتها بدليلها، ثم الدليل، وإن خفي بحيث يتعذر الوصول إليه يكتفى به إذا كان ممكن الحصول في الجملة، إذ الدلائل تتفاوت في نفسها في الجلاء والخفاء، والمستدلون أيضا يتفاوتون في الغباوة والذكاء، فالشرع أسقط اعتبار هذا التفاوت فكانت العبرة لأصل الإمكان في هذا البابوأما ما كان الدليل في حقه منعدما فهو في حق الأحكام ملحق بالعدم، وإذا عرف هذا فنقول: الشهر الذي يموت فلان في آخره فإن اتصف بالتقدم من وقت وجوده لكن كان دليل اتصافه منعدما أصلا فلم يكن لهذا الاتصاف عدة، ويبقى ملك النكاح إلى آخر جزء من أجزاء الشهر فيعلم

 

ج / 4 ص -83-         كونه متقدما على موته، ومن ضرورة اتصاف هذا الجزء بالتقدم اتصاف جميع الأجزاء المتقدمة عليه إلى تمام الشهر، ولا يظهر أن دليل الاتصاف كان موجودا في أول الشهر، إذ الدليل هو آخر جزء من أجزاء الشهر، ووجود الجزء الأخير من الشهر مقارنا لأول الشهر محال، فلم يكن دليل اتصاف الشهر بكونه متقدما موجودا فلم يعتبر هذا الاتصاف، فبقي ملك النكاح إلى وقت وجود الجزء الأخير فيحكم في هذا الجزء بكونها طالقا، ومن ضرورة كونها طالقا في هذا الجزء ثبوت الانطلاق من الأصل؛ لأنها تكون طالقا بذلك الطلاق المضاف إلى أول الشهر الموصوف بالتقدم على الموت، فلأجل هذه الضرورة حكم بالطلاق من أول الشهر، لكن بعد ما كان النكاح إلى هذا الوقت قائما لعدم دليل الاتصاف بالتقدم على ما بينا، ثم لما حكم بكونها طالقا للحال وثبت الانطلاق فيما مضى من أول الشهر ضرورة، جعل كأن الطلاق يقع للحال، ثم بعد وقوعه يسري إلى أول الشهر، هكذا يوجب ضرورة ما بينا من الدليل، وإذا جعل هكذا يخرج عليه المسائل أما العدة فإنها تجب في آخر جزء من أجزاء حياة فلان الميت؛ لأنها مما يحتاط في إيجابها فوجبت للحال، وجعل كأن الطلاق وقع للحالوأما الخلع فإن كانت العدة باقية وقت الموت لم يصح، وإن كانت منقضية العدة صح؛ لأنها إذا كانت باقية كان النكاح باقيا من وجه ويحكم ببقائه إلى هذه الحالة لضرورة عدم الدليل، ثم يحكم للحال بكونها طالقا بذلك الطلاق المضاف وسرى واستند إلى أول الشهر علم أنه خالعها وهي بائنة عنه فلم يصح الخلع ويؤمر الزوج برد بدل الخلع، وإذا كانت منقضية العدة وقت الموت فالنكاح الذي كان يبقى إلى آخر جزء من أجزاء حياته لضرورة عدم الدليل لا يبقى لارتفاعه بالخلع، فبقي النكاح إلى وقت الخلع ولم يظهر أنه كان مرتفعا عند الخلع، فحكم بصحة الخلع ولا يؤمر الزوج برد بدل الخلع، بخلاف ما إذا قال إن كان زيد في الدار؛ لأن دليل الوقوف على كون زيد في الدار موجود حالة التكلم فانعقد الطلاق تنجيزا لو كان هو في الدار؛ لأن التعليق بالموجود تحقق، وبخلاف ما إذا قال: إن كان حمل فلانة غلاما؛ لأن الولد في البطن يمكن الوقوف في الجملة على صفة الذكورة والأنوثة فإنه ما من ساعة إلا ويجوز أن يسقط الحمل، فانعقد الطلاق تنجيزا، ثم علمنا بعد ذلك، وبخلاف ما إذا قال: آخر امرأة أتزوجها فهي طالق فتزوج امرأة، ثم أخرى، ثم مات أنه يقع الطلاق على الثانية من طريق التبيين؛ لأن هناك لما تزوج الثانية اتصفت بكونها آخر الوجود حدا لآخر وهو الفرد اللاحق وهي فرد وهي لاحقة ألا ترى أنه يقول: امرأتي الأولى وامرأتي الأخيرة إلا أنه لا يحكم بوقوع الطلاق للحال لاحتمال أنه يتزوج بثالثة فتسلب صفة الآخرية عن الثانية، فإذا مات قبل أن يتزوج بثالثة تقررت صفة الآخرية للثانية من الأصل، فحكم بوقوع الطلاق من ذلك الوقت، وههنا دليل اتصاف الشهر بالتقدم منعدم في أول الشهر وما لا دليل عليه يلحق بالعدم وهو هذا، بخلاف ما إذا قال لامرأته: إن لم أتزوج عليك فأنت طالق، ولم يتزوج حتى مات أنه يقع الطلاق على امرأته مقتصرا على الحال؛ لأن هناك علق الطلاق صريحا بعدم التزوج، والعدم يستوعب العمر ألا ترى أنه لو تزوج في العمر مرة لا يوصف بعدم التزوج؛ لأن الوجود قد تحقق والعدم يقابل الوجود، فلا يتحقق مع الوجود فيتم ثبوته عند الموت، والمعلق بشرط ينزل عند تحقق الشرط بتمامه فوقع مقتصرا على حال وجود الشرطوأما هذا فليس بتعليق الطلاق بشرط بل هو إضافة الطلاق إلى وقت موصوف بصفة فيتحقق الطلاق عند تحقق الصفة بدليله على التقدير الذي ذكرنا، والله عز وجل الموفق ولو قال لامرأته: أنت طالق قبل موتي بشهر، أو قبل موتك بشهر فمات لتمام الشهر، أو ماتت لا يقع الطلاق عندهما، وعند أبي حنيفة يقع، فهما فرقا بين الطلاق والعتاق، فقالا: العتاق يقع والطلاق لا يقع؛ لأن عندهما هذا تصرف تعليق الطلاق والعتاق بالشرط، والمعلق بالشرط ينزل بعد وجود الشرط، والزوج بعد الموت ليس من أهل إيقاع الطلاق، ولا المرأة بعد موتها محل لوقوع الطلاق عليها، بخلاف العتق؛ لأنه يقع بعد الموت كما في التدبير، والله عز وجل أعلم ولو قال لعبده: أنت حر قبل موت فلان وفلان بشهر، أو قبل قدوم فلان وفلان بشهر، فإن مات أحدهما، أو قدم قبل مضي شهر لا يعتق أبدا؛ لأنه أضاف العتق إلى شهر موصوف بالتقدم على موتيهما، أو قدومهما، ولم يوجد، ولا يتصور

 

ج / 4 ص -84-         وجوده بعد ذلك؛ لأنه لو تم الشهر بعد موت أحدهما، أو قدوم أحدهما كان موصوفا بالتقدم على موت أحدهما، أو قدوم أحدهما، وهو ما أضاف العتق إلى هذا الشهر بل إلى شهر موصوف بالتقدم على موتيهما، أو قدومهما جميعا، وهذا غير ذاك، وإن مضى شهر، ثم مات أحدهما عتق العبد، وإن لم يمت الآخر بعد، بخلاف ما إذا قال: أنت حر قبل قدوم فلان وفلان بشهر، ثم قدم أحدهما لتمام الشهر أنه لا يعتق ما لم يقدم الآخر، ووجه الفرق على ما بينا فيما تقدم، وهو أنه إذا مات أحدهما تحقق كون الشهر سابقا على موتهما، وإذا قدم أحدهما لم يتحقق كون الأول سابقا على قدومهما، وإنما يتحقق عند وجود قدومهما جميعا، فكان القياس أن لا يعتق ما لم يموتا جميعا في لحظة واحدة بعد مضي شهر، فكذا في القدوم وهو قول علي الرازي؛ لأن العتق أضيف إلى شهر موصوف بالتقدم على موتهما، أو قدومهما متصل بهما لأنه أضاف العتق إلى شهر متقدم على موتهما أو قدومهما ومن ضرورة ذلك وجود موتهما أو قدومهما جميعا، وعند ثبوت التراخي فيما بين الموتين، أو القدومين، يكون العتق واقعا قبل موت أحدهما، أو قدوم أحدهما بشهر وقبل موت الآخر، أو قدوم الآخر بشهر، وأنه خلاف ما أضاف، فلا يقع بخلاف ما إذا قال: أنت حر قبل يوم الفطر والأضحى بشهر حيث يعتق كما أهل هلال رمضان؛ لأن وجود وقت متصف بالتقدم عليهما بشهر مستحيل، والعاقل لا يقصد بكلامه المستحيل فعلم أنه أراد به إضافة العتق إلى وقت موصوف بالتقدم على أحد اليومين بشهر وعلى الآخر بمدة غير مقدرة، وفيما نحن فيه لا استحالة فيراعى عين ما أضاف إليه وجوب الاستحالة عن هذا أن الأصل في أحكام الشرع أن المستحيل عادة يلحق بالمستحيل حقيقة، وقدوم شخص في جزء لا يتجزأ من الزمان بحيث لا يتقدم أحدهما على صاحبه مستحيل عادة، وكذا موت شخصين على هذا الوجه والجواب في المستحيل حقيقة وهو مسألة الفطر والأضحى هكذا، فكذا في المستحيل عادة، وكذا لو قال: أنت حر قبل قدوم فلان وموت فلان بشهر، فإن مات أحدهما أو قدم أحدهما قبل مضي الشهر لا يعتق أبدا لما قلنا، وإن مات أحدهما لتمام الشهر لا يعتق حتى يقدم الآخر، وإن قدم أحدهما بعد مضي الشهر عتق ولا ينتظر موت الآخر، إلا أنه لا يستدل لما ذكرنا أن الموت كائن لا محالة والقدوم موهوم الوجود، ولو قال: أنت حر الساعة إن كان في علم الله عز وجل أن فلانا يقدم إلى شهر، فهذا وقوله: قبل قدوم فلان بشهر سواء؛ لأنه لا يراد بهذا علم الله تعالى الأزلي القائم بذاته عز وجل، وإنما يراد به ظهور هذا القدوم المعلوم لنا، وقد يظهر لنا وقد لا يظهر، فكان شرطا فيقتصر العتق على حال وجود الشرط كما في سائر التعليقات بشروطها، والله عز وجل أعلم ولو قال: أنت حر بعد موتي بشهر فكاتبه في نصف الشهر، ثم مات لتمام الشهر، فإن كان اسوكذا موت شخصين على هذا الوجه والجواب في المستحيل حقيقة وهو مسألة الفطر والأضحى هكذا، فكذا في المستحيل عادة، وكذا لو قال: أنت حر قبل قدوم فلان وموت فلان بشهر، فإن مات أحدهما أو قدم أحدهما قبل مضي الشهر لا يعتق أبدا لما قلنا، وإن مات أحدهما لتمام الشهر لا يعتق حتى يقدم الآخر، وإن قدم أحدهما بعد مضي الشهر عتق ولا ينتظر موت الآخر، إلا أنه لا يستدل لما ذكرنا أن الموت كائن لا محالة والقدوم موهوم الوجود، ولو قال: أنت حر الساعة إن كان في علم الله عز وجل أن فلانا يقدم إلى شهر، فهذا وقوله: قبل قدوم فلان بشهر سواء؛ لأنه لا يراد بهذا علم الله تعالى الأزلي القائم بذاته عز وجل، وإنما يراد به ظهور هذا القدوم المعلوم لنا، وقد يظهر لنا وقد لا يظهر، فكان شرطا فيقتصر العتق على حال وجود الشرط كما في سائر التعليقات بشروطها، والله عز وجل أعلم ولو قال: أنت حر بعد موتي بشهر فكاتبه في نصف الشهر، ثم مات لتمام الشهر، فإن كان استوفى بدل الكتابة، ثم مات لتمام الشهر كان العتق حاصلا بجهة الكتابة، وإن كان لم يستوف بعد بدل الكتابة عتق بالإعتاق السابق وسقط اعتبار الكتابة عند أبي حنيفة، وهذا يدل على أن العتق يثبت بطريق الاستناد عنده، وقال أبو القاسم الصفار إنه تبطل الكتابة من الأصل سواء كان استوفى بدل الكتابة، أو لم يستوف، وهو قياس قول من يقول بثبوت العتق من طريق الظهور المحض؛ لأنه تبين أن العتق يثبت من أول الشهر، فيتبين أن الكتابة لم تصح، وقد ذكرنا تصحيح ما ذكر في الكتاب وهو العتق بطريق الاستناد فيما تقدم فلا نعيده، وعندهما إن استوفى بدل الكتابة فالأمر ماض؛ لأن العتق عندهما يثبتتوفى بدل الكتابة، ثم مات لتمام الشهر كان العتق حاصلا بجهة الكتابة، وإن كان لم يستوف بعد بدل الكتابة عتق بالإعتاق السابق وسقط اعتبار الكتابة عند أبي حنيفة، وهذا يدل على أن العتق يثبت بطريق الاستناد عنده، وقال أبو القاسم الصفار إنه تبطل الكتابة من الأصل سواء كان استوفى بدل الكتابة، أو لم يستوف، وهو قياس قول من يقول بثبوت العتق من طريق الظهور المحض؛ لأنه تبين أن العتق يثبت من أول الشهر، فيتبين أن الكتابة لم تصح، وقد ذكرنا تصحيح ما ذكر في الكتاب وهو العتق بطريق الاستناد فيما تقدم فلا نعيده، وعندهما إن استوفى بدل الكتابة فالأمر ماض؛ لأن العتق عندهما يثبت مقتصرا على حال الموت وهو حر في هذه الحالة لوصوله إلى الحرية بسبب الكتابة عند أداء البدل، وإن كان لم يستوف بعد بدل الكتابة، فإن كان العبد يخرج من الثلث عتق من جميع المال، وإن لم يكن له مال غيره عتق ثلثه بالتدبير؛ لأنه مدبر مقيد؛ لأن عتقه علق بموت موصوف بصفة قد يوجد على تلك الصفة وقد لا يوجد، ويسعى في الأقل من ثلثي قيمته، ومن جميع بدل الكتابة عند أبي يوسف وعند محمد يسعى في الأقل من ثلثي بدل الكتابة، ومن ثلثي قيمته، وأصل المسألة أن من دبر عبده، ثم كاتبه، ثم مات المولى ولا مال له غيره يعتق ثلثه مجانا بالتدبير، ثم يسعى في الأقل من ثلثي قيمته، ومن جميع بدل الكتابة عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وعند محمد في الأقل من ثلثي قيمته، ومن ثلثي بدل الكتابة، فهذا على ذاك إلا أن عند أبي حنيفة يخير بين أن يسعى في هذا وبين أن يسعى في ذاك، وعندهما يسعى في الأقل

 

ج / 4 ص -85-         منها بدون التخيير، ثم عند أبي حنيفة في مسألة الكتابة، يعتبر صحة المالك ومرضه في أول الشهر هكذا ذكر في النوادر؛ لأنه يصير معتقا من ذلك الوقت، وقيل: هذا هو الحيلة لمن أراد أن يدبر عبده، ويعتق من جميع المال، وإن كان لا يخرج من الثلث بأن يقول: أنت حر قبل موتي بشهر أو شهرين أو ثلاثة أشهر أو ما شاء من المدة؛ ليعتق من ذلك الوقت وهو فيه صحيح فيعتق من جميع المال، وعندهما كيف ما كان يعتبر عتقه من الثلث؛ لأنه يصير عندهما معتقا بعد الموت، والله عز وجل المستعان وأما الإضافة إلى وقتين فالأصل فيه أن المضاف إلى وقتين ينزل عند أولهما، والمعلق بشرطين ينزل عند آخرهما، والمضاف إلى أحد الوقتين غير عين؛ فينزل عند أحدهما والمعلق بأحد شرطين غير عين ينزل عند أولهما، ولو جمع بين فعل ووقت يعتبر فيه الفعل، وينزل عند وجوده في ظاهر الرواية وروي عن أبي يوسف أنه ينزل عند أولهما أيهما كان،، وبيان هذه الجملة، إذا قال لعبده: أنت حر اليوم وغدا، يعتق في اليوم؛ لأنه جعل الوقتين جميعا ظرفا للعتق، فلو توقف وقوعه على أحدهما، لكان الظرف واحدا لوقتين لا كلاهما، وأنه إيقاع تصرف العاقل لا على الوجه الذي أوقعه، ولو قال: أنت حر اليوم غدا، أعتق في اليوم؛ لأنه أضاف الإعتاق إلى اليوم، ثم وصف اليوم بأنه غد وأنه محال ويبطل وصفه، وبقيت الإضافة إلى اليوم، ولو قال: أنت حر غدا اليوم، يعتق في الغد؛ لأنه أضاف العتق إلى الغد، ووصف الغد باليوم وهو محال فلم يصح وصفه، وبقيت إضافته العتق إلى الغد فيعتق في الغد، ولو قال: أنت حر إن قدم فلان وفلان فما لم يقدما جميعا، لا يعتق؛ لأنه علق عتقه بشرطين فلا ينزل إلا عند آخرهما، إذ لو نزل عند أولهما لبطل التعليق بهما ولكان ذلك تعليقا بأحدهما، وهو علق بهما جميعا لا بأحدهما، ولو قال: أنت حر اليوم أو غدا يعتق في الغد؛ لأنه جعل أحد الوقتين ظرفا، فلو عتق في اليوم، لكان الوقتان جميعا ظرفا، وهذا خلاف تصرفه، ولو قال: أنت حر إن قدم فلان أو غدا فإن قدم فلان قبل مجيء الغد، عتق، وإن جاء الغد قبل قدوم فلان، لا يعتق ما لم يقدم في جواب ظاهر الرواية وروي عن أبي يوسف أن أيهما سبق مجيئه؛ يعتق عند مجيئه، والأصل فيه أنه ذكر شرطا ووقتا في تصرف واحد ولا يمكن الجمع بينهما؛ لما بين التعليق بشرط وبين الإضافة إلى وقت من التنافي، فلا بد من اعتبار أحدهما وترجيحه على الآخر، فأبو يوسف رجح جانب الشرط؛ لأن الشرط لا يصلح ظرفا والظرف قد يصلح شرطا، فكان الرجحان لجانب الشرط، فاعتبره تعليقا بأحد الشرطين فينزل عند وجود أولهما أيهما كان كما إذا نص على ذلك، ونحن رجحنا السابق منهما في اعتبار التعليق والإضافة، فإن كان الفعل هو السابق، يعتبر التصرف تعليقا واعتباره تعليقا يقتضي نزول العتق عند أول الشرطين، كما إذا علقه بأحد شرطين نصا، وإن كان الوقت هو السابق، يعتبر إضافته واعتبارها يقتضي نزول العتق عند آخر الوقتين، كما إذا أضاف إلى آخر الوقتين نصا، والله عز وجل أعلم وأما الذي يرجع إلى نفس الركن فهو ما ذكرنا في الطلاق، وهو أن يكون الركن عاريا عن الاستثناء رأسا كيفما كان الاستثناء وضعيا كان أو عرفيا عند عامة العلماء، والكلام في الاستثناء في العتاق وبيان أنواعه وماهية كل نوع وشرائط صحته، على نحو الكلام في باب الطلاق وقد ذكرنا ذلك كله في كتاب الطلاق ولا يختلفان إلا في شيء واحد وهو أنه يتصور استثناء بعض العدد في الطلاق ولا يتصور في العتاق؛ لأن الطلاق ذو عدد فيتصور فيه استثناء بعض العدد، والعتق لا عدد له فلا يتصور فيه استثناء بعض العدد، وإنما يتصور استثناء بعض الجملة الملفوظة، نحو أن يقول لعبيده: أنتم أحرار إلا سالما؛ لأن نص الاستثناء مع نص المستثنى منه تكلم بالباقي، ولو استثنى عتق بعض العبد يصح عند أبي حنيفة، ولا يصح عندهما؛ بناء على أن العتق يتجزأ عنده فيكون استثناء البعض من الكل فيصح، وعندهما لا يتجزأ فيكون استثناء الكل من الكل فلا يصح، وذكر ابن سماعة في نوادره عن محمد فيمن قال: غلاماي حران سالم وبريع إلا بريعا، أن استثناءه جائز؛ لأنه ذكر جملة ثم فصلها بقوله: سالم وبريع، فانصرف الاستثناء إلى الجملة الملفوظ بها فكان استثناء البعض من الجملة الملفوظة فصح، وليس كذلك ما إذا قال: سالم حر وبريع إلا سالما؛ لأنه لما ذكر كل واحد منهما بانفراده كان هذا استثناء عن كل واحد منهما، فكان استثناء الكل من الكل فلا يصح، ولو قال

 

ج / 4 ص -86-         أنت حر، وحر إن شاء الله تعالى بطل الاستثناء في قول أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمد: الاستثناء جائز، وجه قولهما إن هذا كلام واحد معطوف بعضه على بعض بحرف العطف، فلا يقع به الفصل بين المستثنى والمستثنى منه، كما لو قال: أنت حر لله، إن شاء الله تعالى ولأبي حنيفة إن قوله: حر وحر، لغو؛ لثبوت الحرية باللفظ الأول فكان فاصلا بمنزلة السكوت، بخلاف قوله: أنت حر لله، إن شاء الله تعالى، ليس بلغو فلا يكون فاصلا، وروى ابن سماعة في نوادره عن محمد في رجل له خمسة من الرقيق، فقال: عشرة من مماليكي إلا واحدا أحرار أنه يعتق الخمسة جميعا؛ لأنه لما قال: عشرة من مماليكي أحرار إلا واحدا، فقد استثنى الواحد من العشرة، والاستثناء تكلم بالباقي فصار كأنه قال: تسعة من مماليكي أحرار، وله خمسة، ولو قال، ذلك عتقوا جميعا كذا هذا، ولو قال: مماليكي العشرة أحرار إلا واحدا، عتق منهم أربعة؛ لأن هذا رجل ذكر مماليكه وغلط في عددهم بقوله: العشرة فيلغو هذا القول ويبقى قوله: مماليكي أحرار إلا واحدا، ولو قال ذلك، وله خمسة مماليك، يعتق أربعة منهم كذا هذا، والله عز وجل أعلم.

"فصل" وأما صفة الإعتاق فهي أن الإعتاق هل يتجزأ أم لا؟ وقد اختلف فيه قال أبو حنيفة: يتجزأ سواء كان المعتق موسرا أو معسرا، وقال أبو يوسف ومحمد: لا يتجزأ كيف ما كان المعتق، وقال الشافعي: إن كان معسرا يتجزأ، وإن كان موسرا لا يتجزأ، والمسألة مختلفة بين الصحابة رضي الله عنهم، قال بعضهم فيمن أعتق نصف عبد بينه وبين غيره: إنه يعتق نصفه ويبقى الباقي رقيقا، يجب تخريجه إلى العتاق وهو مذهب عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وقال بعضهم: يعتق كله وليس للشريك إلا الضمان، وقال علي وابن عباس رضي الله عنهما: عتق ما عتق ورق ما رق هما احتجا بالنص والمعقول والأحكام، أما النص: فما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال "من أعتق شقصا له من عبد، عتق كله ليس لله فيه شريك" وهذا نص على عدم التجزي، وفي رواية: من أعتق شركا له في عبد، فقد عتق كله ليس لله فيه شريك وأما المعقول: فهو أن العتق في العرف اسم لقوة حكمية دافعة يد الاستيلاء، والرق اسم لضعف حكمي يصير به الآدمي محلا للتملك فيعتبر الحكمي بالحقيقي، وثبوت القوة الحقيقية والضعف الحقيقي في النصف شائعا مستحيل فكذا الحكمي؛ ولأن للعتق آثارا من المالكية والولاية والشهادة والإرث ونحوها، وثبوت هذه الآثار لا يحتمل التجزي؛ ولهذا لم يتجزأ في حال الثبوت حتى لا يضرب الإمام الرق في أنصاف السبايا ويمن عليهم بالإنصاف، كذا في حالة البقاء وأما الأحكام: فإن إعتاق النصف قد تعدى إلى النصف الباقي في الأحكام، حتى امتنع جواز التصرفات الناقلة للملك فيه من البيع والهبة والصدقة والوصية عند أصحابنا، وكذا يجب تخريجه إلى عتق الكل بالضمان أو بالسعاية، حتى يجبره القاضي على ذلك، وهذا من آثار عدم التجزي، وكذا الاستيلاد لا يتجزأ حتى لو استولد جارية بينه وبين شريكه وادعاه، تصير كلها أم ولد له بالضمان، ومعلوم أن الاستيلاد يوجب حق الحرية لا حقيقة الحرية، فالحق إذا لم يتجزأ فالحقيقة أولى، وكذا لو عتق نصف أم ولده أو أم ولد بينه وبين شريكه، عتق كلها، وإذا لم يكن الإعتاق متجزئا لم يكن المحل في حق العتق متجزئا، وإضافة التصرف إلى بعض ما لا يتجزأ في حقه يكون إضافة إلى الكل، كالطلاق والعفو عن القصاص، والله أعلم ولأبي حنيفة النصوص والمعقول والحكم، أما النص: فما روي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من أعتق نصيبا له من مملوك، كلف عتق بقيته، وإن لم يكن عنده ما يعتقه فيه، جاز ما صنع" وروي: كلف عتق ما بقي، وروي: وجب عليه أن يعتق ما بقي، وذلك كله نص على التجزي؛ لأن تكليف عتق الباقي لا يتصور بعد ثبوت العتق في كله، وقوله صلى الله عليه وسلم: جاز ما صنع، إشارة إلى عتق البعض إذ هو الذي صنعه لا غير وروي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أيضا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من أعتق شركا له في عبد، وكان له مال يبلغ ثمن العبد قوم عليه قيمة عدل، وأعطى شركاءه حصصهم وعتق عليه العبد وإلا عتق ما عتق" والحديث يدل على تعلق عتق الباقي بالضمان إذا كان المعتق موسرا، وعلى عتق البعض إن كان معسرا، فيدل على التجزي في حالة اليسار والإعسار  وروي عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه

 

ج / 4 ص -87-         قال "من كان له شقص في مملوك فأعتقه فعليه خلاصه من ماله إن كان له مال، وإن لم يكن له مال استسعى العبد في رقبته غير مشقوق عليه" وفي رواية "من أعتق شقصا له من مملوك فعليه أن يعتقه كله إن كان له مال، وإن لم يكن له مال استسعى العبد غير مشقوق عليه" وأما المعقول: فهو أن الإعتاق إن كان تصرفا في الملك والمالية بالإزالة، فالملك متجزئ وكذا المالية بلا شك، حتى تجري فيه سهام الورثة ويكون مشتركا بين جماعة كثيرة من الغانمين وغيرهم، وإن كان تصرفا في الرق فالرق متجزئ أيضا؛ لأن محله متجزئ وهو العبد وإذا كان محله متجزئا، كان هو متجزئا ضرورة وأما حكم الاثنين إذا أعتقا عبدا مشتركا بينهما، كان الولاء بينهما نصفين والولاء من أحكام العتق فدل تجزؤه على تجزؤ العتق، وأما الحديث: فقد قيل: إنه غير مرفوع بل هو موقوف على عمر رضي الله عنه وقد روي عنه خلافه، فإنه روي أنه قال في عبد بين صبي وبالغ أعتق البالغ نصيبه قال: ينتظر بلوغ الصبي، فإذا بلغ إن شاء أعتق وإن شاء استسعى، ولئن ثبت رفعه فتأويله من وجهين: أحدهما أن معنى قوله: عتق كله أي: استحق عتق كله؛ لأنه يجب تخريج الباقي إلى العتق لا محالة فيعتق الباقي لا محالة بالاستسعاء أو بالضمان، وما كان مستحق الوجود يسمى باسم الكون والوجود قال الله تعالى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} والثاني أنه يحتمل أن المراد منه عتق كله للحال، ويحتمل أن المراد منه عتق كله عند الاستسعاء والضمان، فنحمله على هذا عملا بالأحاديث كلها وأما قولهما: إن العتق قوة حكمية فيعتبر بالقوة الحقيقية وثبوتها في البعض شائعا ممتنع، فكذا الحكمية، فنقول: لم قلتم: إن اعتبار الحكم بالحقيقة لازم؟ أليس أن الملك عبارة عن القدرة الحكمية والقوة والقدرة سواء، ثم الملك يثبت في النصف شائعا وهذا؛ لأن الأمر الشرعي يعرف بدليل الشرع وهو النص والاستدلال لا بالحقائق، وما ذكر من الآثار فليست من لوازم العتقألا ترى أنه يتصور ثبوت العتق بدونها كما في الصبي والمجنون، بل هي من الثمرات وفوات الثمرة لا يخل بالذات، ثم إنها من ثمرات حرية كل الشخص لا من ثمرات حرية البعض فإن الولايات والشهادات شرعت قضاء حق العاجزين؛ شكرا لنعمة القدرة، وذلك عند كمال النعمة وهو أن ينقطع عنه حق المولى ليصل إلى إقامة حقوق الغير، وقولهما: لا يتجزأ ثبوته كذا زواله من مشايخنا من منع وقال: إن الإمام إذا ظهر على جماعة من الكفرة وضرب الرق على أنصافهم ومن على الأنصاف جاز، ويكون حكمهم حكم معتق البعض في حالة البقاء، ثم إن سلمنا، فالرق متجزئ في نفسه حالة الثبوت، لكنه تكامل لتكامل سببه وهو الاستيلاء إذ لا يتصور وروده على بعض المحل دون بعض، وفي حالة البقاء وجود سبب زواله كاملا وقاصرا فيثبت كاملا وقاصرا على حسب السببوأما التخريج إلى الإعتاق وامتناع جواز التصرفات فليس لعدم التجزؤ بل لمعنى آخر نذكره إن شاء الله تعالى وأما الاستيلاد، فممنوع؛ أنه لا يتجزأ بل هو متجزئ، فإن الأمة المشتركة بين اثنين إذا جاءت بولد فادعياه جميعا، صارت أم ولد لهما، إلا أنه إذا ادعى أحدهما، صارت كلها أم ولد له؛ لوجود سبب التكامل وهو نسبة كل أم الولد إليه بواسطة الولد على ما نذكره في كتاب الاستيلاد وما من متجزئ إلا وله حال الكمال إذا وجد السبب بكمال يتكامل، وإذا وجد قاصرا، لا يتكامل بل يثبت بقدره، وفي مسألتنا وجد قاصرا فلم يتكامل، وكذا إعتاق أم الولد متجزئ والثابت له عتق النصف، وإنما يثبت له العتق في النصف الباقي لا بإعتاقه؛ بل لعدم الفائدة في بقاء نصيب الشريك كما في الطلاق والعفو عن القصاص، على ما عرف في مسائل الخلاف، والله أعلم وإذا عرف هذا الأصل، يبنى عليه مسائل: عبد بين رجلين أعتق أحدهما نصيبه، يعتق نصيبه لا غير عند أبي حنيفة؛ لأن الإعتاق عنده متجرئ، وإعتاق البعض لا يوجب إعتاق الكل بل يعتق بقدر ما أعتق ويبقى الباقي رقيقا، وللشريك الساكت خمس خيارات: إن شاء أعتق نصيبه وإن شاء دبره، وإن شاء كاتبه وإن شاء استسعاه معسرا كان المعتق أو موسرا ويسعى وهو رقيق، وإن شاء ضمن المعتق قيمة نصيبه إن كان موسرا وليس له خيار الترك على حاله؛ لأنه لا سبيل إلى الانتفاع به مع ثبوت الحرية في جزء منه، وترك المال من غير انتفاع أحد به سبب له وإنه حرام فلا بد من تخريجه إلى العتق وله الخيار في ذلك من الوجوه التي وصفنا أما خيار الإعتاق والتدبير والكتابة؛ فلأن نصيبه باق

 

ج / 4 ص -88-         على ملكه وأنه يحتمل لهذه التصرفات كما في حال الابتداء وأما خيار السعاية؛ فلأن نصيبه صار محتسبا عند العبد لحقه لثبوت العتق في نصفه فيصير مضمونا عليه، كما إذا انصبغ ثوب إنسان بصبغ غيره من غير صنع أحد، فاختار صاحب الثوب الثوب أنه يجب عليه ضمان الصبغ؛ لصيرورة الصبغ محتسبا عنده لقيامه بثوب مملوك له لا يمكنه التمييزكذا ههنا؛ ولأن في السعاية سلامة نفسه ورقبته له وإن لم تصر رقبته مملوكة له، ويجوز إيجاب الضمان بمقابلة سلامة الرقبة من غير تملك كالمكاتب وشراء العبد نفسه من مولاه؛ ولأن منفعة الإعتاق حصلت فكان عليه ضمانه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم "الخراج بالضمان" ثم خيار السعاية مذهبنا، وقال الشافعي: لا أعرف السعاية في الشريعة، والوجه لقوله إن ضمان السعاية إما أن يكون ضمان إتلاف وإما أن يكون ضمان تملك، ولا إتلاف من العبد بوجه إذ لا صنع له في الإعتاق رأسا، ولا ملك يحصل للعبد في نفسه بالضمان؛ ولأن المولى لا يجب له على عبده دين؛ لما فيه من الاستحالة وهي كون الشيء الواحد واجبا عليه وله؛ ولأن العبد معسر، والضمان في هذا الباب لا يجب على المعسرألا ترى أنه لا يجب على المعتق إذا كان معسرا مع وجود الإعتاق منه فالعبد أولى، ولنا ما روينا من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وروى محمد بن الحسن عن أبي يوسف عن الحجاج بن أرطاة عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال "من أعتق عبدا بينه وبين شريكه يقوم نصيب شريكه قيمة عدل، فإن كان موسرا ضمن نصيب شريكه، وإن كان معسرا سعى العبد غير مشقوق عليه" فدل أن القول بالسعاية لازم في الجملة عرفها الشافعي أو لم يعرفها وكذا ما ذكرنا من المعاني وبه يتبين أن ضمان السعاية ليس ضمان إتلاف ولا ضمان تملك بل هو ضمان احتباس وضمان سلامة النفس والرقبة وحصول المنفعة؛ لأن كل ذلك من أسباب الضمان على ما بينا، وقوله: لا يجب للمولى على عبده دين، قلنا: وقد يجب كالمكاتب والمستسعى في حكم المكاتب عنده، إلى أن يؤدي السعاية إلى الشريك الساكت إذا اختار السعاية أو إلى المعتق إذا ضمنه الشريك الساكت؛ لأنه يسعى لتخليص رقبته عن الرق كالمكاتب، وتثبت فيه جميع أحكام المكاتب من الإرث والشهادة والنكاح، فلا يرث ولا يورث ولا يشهد ولا يتزوج إلا اثنتين لا يفترقان إلا في وجه واحد، وهو أن المكاتب إذا عجز يرد في الرق والمستسعى لا يرد في الرق إذا عجز؛ لأن الموجب للسعاية موجود قبل العجز وبعده وهو ثبوت الحرية في جزء منه؛ ولأن رده في الرق ههنا لا يفيد؛ لأنا لو رددناه إلى الرق، لاحتجنا إلى أن نجبره على السعاية عليه ثانيا فلا يفيد الرق، فإن قيل: بدل الكتابة لا يلزم العبد إلا برضاه والسعاية تلزمه من غير رضاه فأنى يستويان؟ فالجواب أنه إنما كان كذلك؛ لأن بدل الكتابة يجب بحقيقة العقد إذ المكاتبة معاوضة من وجه، فافتقرت إلى التراضي، والسعاية لا تجب بعقد الكتابة حقيقة بل بكتابة حكمية ثابتة بمقتضى اختيار السعاية، فلا يقف وجوبها على الرضا؛ لأن الرضا إنما شرط في الكتابة المبتدأة؛ لأنه يجوز أن يرضى بها العبد ويجوز أن لا يرضى بها، ويختار البقاء على الرق فوقفت على الرضا، وههنا لا سبيل إلى استبقائه على الرق شرعا إذ لا يجوز ذلك فلم يشرط رضاه للزوم السعاية ثم اختلف أصحابنا فقال أبو حنيفة: هذا الخيار يثبت للشريك الذي لم يعتق سواء كان المعتق معسرا أو موسرا، وقال أبو يوسف ومحمد: لا يثبت إلا إذا كان معسرا؛ لأن الإعتاق لما لم يكن متجزئا عندهما، كان المعتق متلفا نصيب الشريك فوجب عليه الضمان، ووجوب الضمان يمنع وجوب السعاية فكان ينبغي أن لا يجب حال الإعسار أيضا وأن لا يكون الواجب إلا الضمان في الحالين جميعا وهو قول بشر بن غياث المريسي وهو القياس؛ لأن ضمان الإتلاف لا يختلف بالإعسار واليسار، إلا أنا عرفنا وجوبها على خلاف القياس بالنص الذي روينا، والنص ورد فيها في حال الإعسار، فحال اليسار يقف على أصل القياس، ولما كان متجزئا عنده، لم يكن الإعتاق إتلافا لنصيب الشريك حتى يوجب ضمان الإتلاف، لكن بقي نصيبه محتسبا عند العبد بحقه بحيث لا يمكن استخلاصه منه، وهذا يوجب الضمان على ما بينا وهذا المعنى لا يوجب الفصل بين حال اليسار وبين حال الإعسار فيثبت خيار السعاية في الحالين، وإذا عتق بالإعتاق أو بالسعاية أو ببدل الكتابة، فالولاء بينهما؛ لأن الولاء للمعتق والإعتاق حصل منهما وأما خيار التضمين حال يسار

 

ج / 4 ص -89-         المعتق فأمر ثبت شرعا غير معقول المعنى بالأحاديث التي روينا؛ لأن الإعتاق إذا كان متجزئا عنده، كان المعتق متصرفا في ملك نفسه على طريق الاقتصار، ومن تصرف في ملك نفسه لا يؤاخذ بما حدث في ملك غيره عند تصرفه، لا بتصرفه كمن أحرق دار نفسه فاحترقت دار جاره، أو سقى أرض نفسه فنزت أرض جاره، أو حفر بئرا في دار نفسه فوقع فيها إنسان ونحو ذلك، إلا أن وجوب الضمان حالة اليسار ثبت بالنصوص تعبدا غير معقول فتبقى حالة الإعسار على أصل القياس، أو ثبت معقولا بمعنى النظر للشريك؛ كي لا يتلف ماله بمقابلة مال في ذمة المفلس من غير صنع من المعتق في نصيب شريكه، فصلح أن يكون موجبا للضمان ومن غير أن يكون في مقابلته عوض فيكون ضمان صلة وتبرع، كنفقة المحارم، وضمان الصلة والتبرع إنما يجب حالة اليسار كما في نفقة الأقارب أو وجب نظرا للعبد؛ لأنه تبرع عليه بإعتاق نصفه فلم يتم غرضه في إيصال ثمرات العتق إلى العبد، فوجب عليه الضمان تتميما لغرضه فيختص وجوبه بحالة اليسار، ومن مشايخنا من سلك طريقة أخرى لأبي حنيفة في ضمان العتق فقال: هذا ضمان إفساد عنده؛ لأن المعتق بإعتاقه نصيبه أفسد نصيب شريكه حيث أخرجه من أن يكون منتفعا به في حقه، حتى لا يملك فيه سائر التصرفات المزيلة للملك عقيب فعله، وإنما يملك الإعتاق والسعاية والحكم متى ثبت عقيب وصف مؤثر يضاف إليه، إلا أنه لا يجب على المعسر نصا بخلاف القياس، ومنهم من قال: هو ضمان تملك؛ لأنه بوجوب الضمان على المعتق يصير نصيب شريكه ملكا له، حتى كان له أن يعتق نصيبه مجانا بغير عوض، وإن شاء استسعى العبد، وهذا تفسير ضمان التملك أن يكون بمقابلة الضمان ملك العوض، وهذا كذلك؛ ولهذا كان ضمان الغصب ضمان تملك، وضمان التملك لا يستدعي وجود الإتلاف كضمان الغصب، فإن قيل: كيف يكون ضمان التملك، والمضمون وهو نصيب الشريك لا يحتمل النقل من ملك إلى ملك؟ قيل: يحتمل النقل إلى ملك المعتق بالضمان إن كان لا يحتمل النقل إلى ملك غيره، ويجوز بيعه منه أيضا في القياس، هكذا ذكر في الأصل وقال: إن باع الذي لم يعتق نصيبه من المعتق أو وهبه له على عوض أخذه منه، وهذا واختياره الضمان سواء في القياس، غير أن هذا أفحشهما، والبيع: هو نقل الملك بعوض، إلا أن في الاستحسان لا يجوز بيعه من المعتق كما لا يجوز في غيره، لكن هذا لا ينفي جواز النقل لا على وجه البيع، فإن الشيء قد يحتمل النقل إلى إنسان بالضمان، وإن كان لا يحتمله بجهة البيع، فإن الخمر تنتقل إلى المسلم بالضمان بأن أتلف على ذمي خمره وإن كانت لا تنتقل إليه بالبيع، على أن قبول المحل لانتقال الملك فيه بشرط حال انعقاد السبب لا حال أداء الضمان؛ لأنه لا يملكه من ذلك الوقت فيراعى قبول المحل في ذلك الوقت، ألا ترى أن من غصب من آخر عبدا فهلك في يده ثم أدى الضمان أنه يملكه، ومعلوم أن الهالك لا يقبل الملك، لكن لما كان قابلا وقت انعقاد السبب والملك يثبت من ذلك الوقت، يعتبر قبول المحل فيه، وكذا ههنا ثم إذا ضمن الذي أعتق، فالمعتق بالخيار إن شاء أعتق ما بقي وإن شاء دبر وإن شاء كاتب وإن شاء استسعى؛ لما ذكرنا في الشريك الذي لم يعتق؛ لأن نصيبه انتقل إليه فقام مقامه وبأي وجه عتق من الإعتاق أو السعاية فولاء العبد كله له؛ لأنه عتق كله على ملكه، هذا إذا كان المعتق موسرا فأما إن كان معسرا، فللشريك أربع خيارات: إن شاء أعتق وإن شاء دبر وإن شاء كاتب وإن شاء استسعى؛ لما ذكرنا وأما على قول أبي يوسف ومحمد فيعتق كله؛ لأن الإعتاق عندهما لا يتجزأ فكان إعتاق بعضه إعتاقا لكله ولا خيار للشريك عندهما، وإنما له الضمان لا غير إن كان المعتق موسرا، وإن كان معسرا فله السعاية لا غير؛ لما ذكرنا أن المعتق صار متلفا نصيب الشريك فكان ينبغي أن يكون الواجب هو الضمان في حالة اليسار والإعسار، إلا أن وجوب السعاية حال الإعسار ثبت بخلاف القياس بالنص وأما على قول الشافعي إن كان المعتق موسرا، عتق كله وللشريك أن يضمنه لا غير كما قالا وإن كان معسرا يعتق ما أعتق ويبقى الباقي محلا لجميع التصرفات المزيلة للملك من البيع والهبة وغير ذلك؛ لأن الإعتاق عنده لا يتجزأ في حالة اليسار، وفي حالة الإعسار يتجزأ؛ لما ذكرنا من الدلائل لأبي حنيفة، فيقتصر حكم تصرف المعتق على نصيبه فيبقى نصيبه على ما كان من مشايخنا من قال: لا خلاف بين أصحابنا في أن العتق لا يتجزأ وإنما اختلفوا في الإعتاق وهذا غير سديد؛ لأن الإعتاق لما كان

 

ج / 4 ص -90-         متجزئا عند أبي حنيفة، كان العتق متجزئا ضرورة إذ هو حكم الإعتاق، والحكم يثبت على وفق العلة، ولما لم يكن متجزئا عندهما لم يكن الإعتاق متجزئا أيضا؛ لما قلنا؛ ولأن القول بهذا قول بتخصيص العلة؛ لأنه يوجد الإعتاق في النصف ويتأخر العتق فيه إلى وقت الضمان أو السعاية، وأنه قول بوجود العلة ولا حكم وهو تفسير تخصيص العلة وأنه باطل، ولنا أن العتق وإن ثبت في نصيب المعتق على طريق الاقتصار عليه، لكن في الإعتاق حق الله عز وجل وحق العبد بالإجماع وإنما اختلفوا في الرجحان فالقول بالتمليك إبطال الحقين وهذا لا يجوز، وكذا فيه إضرار بالمعتق بإهدار تصرفه من حيث الثمرة للحال، وإضرار بالعبد من حيث إلحاق الذل به في استعمال النصف الحر والضرر منفي شرعا فإن قيل: إن كان في التمليك إضرار بالمعتق، ففي المنع من التمليك إضرار بالشريك الساكت؛ لما فيه من منعه من التصرف في ملكه فوقع التعارض، فالجواب: إنا لا نمنعه من التمليك أصلا ورأسا فإن له أن يضمن المعتق ويستسعي العبد ويكاتبه، وفي التضمين تمليكه من المعتق بالضمان، وفي الاستسعاء والمكاتبة إزالة الملك إلى عوض وهو السعاية وبدل الكتابة، فكان فيما قلنا رعاية الجانبين فكان أولى فإن اختار التدبير فدبر نصيبه صار نصيبه مدبرا عند أبي حنيفة لأن نصيبه باق على ملكه؛ فيحتمل التخريج إلى العتق، والتدبير تخرج إلى العتق إلا أنه لا يجوز له أن يتركه على حاله ليعتق بعد الموت بل يجب عليه السعاية للحال فيؤدي فيعتق، لأن تدبيره اختيار منه للسعاية وله أن يعتق لأن المدبر قابل للإعتاق، وليس له أن يضمن المعتق؛ لأن التضمين يقتضي تملك المضمون والمدبر لا يحتمل النقل من ملك إلى ملك؛ لأن تدبيره اختيار منه للسعاية، واختيار السعاية يسقط ولاية التضمين على ما نذكر إن شاء الله تعالى وإن اختار الكتابة، فكاتب نصيبه يصير نصيبه مكاتبا عند أبي حنيفة؛ لما ذكرنا، وكانت مكاتبته اختيارا منه للسعاية، حتى لا يملك تضمين المعتق بعد ذلك؛ ولأن ملك المكاتب وهو مكاتب لا يحتمل النقل أيضا؛ فتعذر التضمين ويملك إعتاقه؛ لأن الكتابة لا تمنع من الإعتاق ثم معتق البعض إذا كوتب فالأمر لا يخلو إما إن كاتبه على الدراهم والدنانير، وإما إن كاتبه على العروض، وإما إن كاتبه على الحيوانفإن كاتبه على الدراهم والدنانير فإن كانت المكاتبة على قدر قيمته جازت؛ لأنه قد ثبت له اختيار السعاية، فإذا كاتبه على ذلك فقد اختار السعاية وتراضيا عليها، وإن كاتبه على أقل من قيمته يجوز أيضا؛ لأنه رضي بإسقاط بعض حقه وله أن يرضى بإسقاط الكل؛ فهذا أولى، وإن كاتبه على أكثر من قيمته فإن كانت الزيادة مما يتغابن الناس في مثلها، جازت أيضا؛ لأنها ليست زيادة متحققة لدخولها تحت تقويم أحد المقومين، وإن كانت مما لا يتغابن الناس في مثلها، جازت أيضا؛ لأنها ليست زيادة متحققة لدخولها تحت تقويم أحد المقومين، وإن كانت مما لا يتغابن الناس في مثلها، يطرح عنه الفضل؛ لأن مكاتبته اختيار للسعاية، والسعاية من جنس الدراهم والدنانير، فلا يجوز أخذ الزيادة على القدر المستحق؛ لأنه يكون ربا، وإن كانت المكاتبة على العروض، جازت بالقليل والكثير؛ لأن الثابت له عليه وهو السعاية من جنس الدراهم بالعروض جائز قلت العروض أو كثرت، وإن كانت على الحيوان جازت؛ لأن الحيوان يثبت دينا في الذمة عوضا عما ليس بمال؛ ولهذا جاز ابتداء الكتابة على حيوان ويجب الوسط، كذا هذا ولو صالح الذي لم يعتق العبد أو المعتق على مال، فهذا لا يخلو عن الأقسام التي ذكرناها في المكاتبة فإن كان الصلح على الدراهم والدنانير على نصف قيمته لا شك أنه جائز، وكذا إذا كان على أقل من نصف قيمته؛ لأنه يستحق نصف القيمة، فإذا رضي بدونه فقد أسقط بعض حقه فيجوز، وكذا إن كان على أكثر من نصف قيمته مما يتغابن الناس في مثله؛ لما قلنا، فأما إذا كان على أكثر من نصف قيمته مما لا يتغابن الناس في مثله فالفضل باطل في قولهم جميعا، أما على أصل أبي يوسف ومحمد فظاهر؛ لأن نصف القيمة قد وجب على العبد أو على المعتق، والقيمة من الدراهم والدنانير، فالزيادة على القدر المستحق تكون فضل مال لا يقابله عوض في عقد المعاوضة؛ فيكون ربا كمن كان له على آخر ألف درهم فصالحه على ألف وخمسمائة، أن الصلح يكون باطلا كذا هذا، وهذا على أصلهما مطرد؛ لأن عندهما أن من أتلف على آخر ما لا مثل له، أو غصب منه ما لا مثل له فهلك في يده؛ فالثابت في ذمته القيمة حتى لو صالح على أكثر من قيمته، لا يجوز عندهما فكذا ضمان العتق؛ لأنه ضمان إتلاف عندهما وأما عند أبي حنيفة فالصلح عن المتلف أو المغصوب على

 

ج / 4 ص -91-         أضعاف قيمته جائز وههنا نقول: لا يجوز فيحتاج إلى الفرق بين المسألتين والفرق له من وجوه: أحدها أن الواجب بالإتلاف والغصب فيما لا مثل له من جنسه في ذمة المتلف، والغاصب هو المتلف لا قيمته، فإذا صالح على أكثر من قيمة المتلف والمغصوب، كان ذلك عوضا عن المتلف فجاز، وضمان العتق ليس بضمان إتلاف ولا ضمان غصب عنده؛ لثبوت المتلف والمغصوب في الذمة فكان الثابت في الذمة هو القيمة وهي دراهم ودنانير فلا يجوز الصلح على أكثر منها، والثاني: أن الغاصب إنما يملك المغصوب عند اختيار الضمان لا قبله بدليل أن له أن لا يضمنه ليهلك على ملكه فيثاب على ذلك ويخاصم الغاصب يوم القيامة فكان المغصوب قبل اختيار الضمان على ملك المغصوب منه فكان هذا صلحا عن العبد على هذا القدر من المالين، فكأنه ملكه منه به وأنه محتمل للملك فصح، ومعتق البعض لا يحتمل التمليك مقصودا فكان الصلح عن قيمته فلا يجوز؛ لما بينا، والثالث: أن الضمان في باب الغصب يجب وقت الغصب؛ لأنه هو السبب الموجب للضمان فيثبت الملك إلى الغاصب في المغصوب في ذلك الوقت وأنه في ذلك الوقت قابل للتمليك فيصح الصلح على القليل والكثير، والضمان في باب العتق يجب وقت الإعتاق والعبد في ذلك الوقت لا يحتمل التمليك مقصودا، فالصلح لا يقع عن العبد وإنما يقع عن قيمته فلا تجوز الزيادة من قيمته وإن كان الصلح على عرض، جاز بالقليل والكثير؛ لأن ذلك بيع العرض بالدراهم والدنانير وذلك جائز كيفما كان، وإن صالحه على شيء من الحيوان كالعبد والفرس ونحوهما فإن صالح العبد، جاز وعليه الوسط وإن صالح المعتق، لم يجز؛ لأن في الفصل الأول جعل الحيوان بدلا عن العتق وأنه ليس بمال والحيوان يثبت دينا في الذمة بدلا عما ليس بمال كالإعتاق على مال، والكتابة، والنكاح والصلح عن دم العمد، ولأن الصلح مع العبد في معنى مكاتبته وإن كاتبه على عبد مطلق أو فرس، يصح ويجب الوسط كذا هذا، وأما في الفصل الثاني فإنما جعل الحيوان بدلا عن القيمة وأنها مال والحيوان لا يثبت دينا في الذمة بدلا عن المال كالبيع ونحوه ولو كان المعتق في العبد صبيا أو مجنونا له أب أو جد أو وصي، فوليه، أو وصيه بالخيار إن شاء ضمن المعتق وإن شاء استسعى العبد وإن شاء كاتبه وليس له أن يعتق أو يدبر؛ لأن التدبير إعتاق والصبي والمجنون لا يملكان الإعتاق فلا يملكه من يلي عليهما، وإنما ملك الأب والوصي الاستسعاء والتضمين؛ لأن الاستسعاء مكاتبة والأب والوصي يملكان مكاتبة عبد الصبي والمجنون، والتضمين فيه نقل الملك إلى المعتق فيشبه البيع وهما يملكان بيع مال الصبي والمجنون وكذلك لو كان الشريك مكاتبا أو مأذونا عليه دين، أنه يتخير بين الضمان والسعاية والمكاتبة إلا أنهما لا يملكان الإعتاق؛ لانعدام ملك الرقبة أما ثبوت الخيار للمكاتب فلا شك فيه؛ لأنه أخص بالتصرف فيما في يده من المولى وأما المأذون والذي عليه دين فكذلك؛ لأن المولى لا يملك ما في يده على أصل أبي حنيفة فيكون الخيار للعبد وعلى أصلهما إن كان يملك، لكن العبد أخص بالتصرف فيما في يده من المولى فإن لم يكن عليه دين، فالخيار للمولى كما في الحرية؛ لأنه إذا لم يكن عليه دين فهو وما في يده ملك المولى فكان الخيار للمولى، فإن اختار الشريك السعاية ففي الصبي والمجنون الولاء لهما؛ لأنهما من أهل الولاء لكونهما حرين، وفي المكاتب والمأذون الولاء للمولى؛ لكونهما رقيقين والولاء لا يثبت إلا للحر وإن لم يكن للصغير والمجنون ولي ولا وصي فإن كان هناك حاكم، نصب الحاكم من يختار لهما أصلح الأمور من التضمين والاستسعاء والمكاتبة، وإن لم يكن هناك حاكم، وقف الأمر حتى يبلغ الصبي ويفيق المجنون فيستوفيان حقوقهما من الخيارات الخمس ثم إذا اختلف حكم اليسار والإعسار في الضمان لا بد من معرفتهما، فاليسار هو أن يملك المعتق قدر قيمة ما بقي من العبد قلت أو كثرت، والإعسار هو أن لا يملك هذا القدر لا ما يتعلق به حرمة الصدقة وحلها، حتى لو ملك هذا القدر كان للشريك ولاية تضمينه وإلا فلا إلى هذا وقعت الإشارة فيما روينا من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال "من كان له شقص في مملوك فأعتقه فعليه خلاصه من ماله إن كان له مال، وإن لم يكن له مال، استسعى العبد في رقبته غير مشقوق عليه" اعتبر مطلق المال لا النصاب، وأشار صلى الله عليه وسلم إلى أن الواجب تخليص العبد وبهذا القدر يحصل التخليص، وبدونه لا يحصل

 

ج / 4 ص -92-         ثم يسار المعتق وإعساره يعتبر وقت الإعتاق حتى لو كان معسرا وقت الإعتاق لا يضمن وإن أيسر بعد ذلك؛ لأن ذلك وقت وجوب الضمان فيعتبر ذلك الوقت كضمان الإتلاف والغصب، ولو اختلفا في اليسار والإعسار فإن كان اختلافهما حال الإعتاق، فالقول قول المعتق؛ لأن الأصل هو الفقر والغنى عارض فكان الظاهر شاهدا للمعتق والبينة بينة الآخر؛ لأنها تثبت زيادة، وإن كان الإعتاق متقدما واختلفا فقال المعتق: أعتقت عام الأول وأنا معسر ثم أيسرت، فيعتبر ذلك الوقت، وقال الآخر: بل أعتقته عام الأول وأنت موسر فالقول قول المعتق وعلى الشريك إقامة البينة؛ لأن حالة اعتبار اليسار والإعسار شاهد للمعتق فيحكم الحال، كما إذا اختلف صاحب الرحى والطحان في انقطاع الماء وجريانه، أنه يحكم الحال، كذا ههنا وقد قال أبو يوسف في عبدين بين رجلين قال أحدهما: أحدكما حر وهو فقير، ثم استغنى ثم اختار أن يوقع العتق على أحدهما، ضمن نصف قيمته يوم العتق، وكذلك لو كان مات قبل أن يختار وقد استغنى قبل موته، ضمن ربع قيمة كل واحد منهما إنما أنظر إلى حاله يوم أوقع بمنزلة من كاتب نصيبه من العبد ثم أدى العبد فيعتق ثم إنما أنظر إلى حال مولاه يوم عتق المكاتب ولا أنظر إلى حاله يوم كاتب وهذا على أصله صحيح؛ لأن إضافة العتق إلى المجهول تعليق لعتق عبده بشرط الاختيار كأنه علقه به نصا فيعتبر حاله يوم الاختيار؛ لأنه يوم العتق كما لو قال لعبد مشترك بينه وبين غيره: إن دخلت الدار فأنت حر، فدخل أنه يضمن نصف قيمته يوم دخل الدار لا يوم اليمين؛ لأن يوم الدخول هو يوم العتق وأما على أصل محمد فإضافة العتق إلى المجهول تنجيز، وإنما الاختيار تعيين لمن وقع عليه العتق فيعتبر صفة العتق في يساره وإعساره يوم التكلم بالعتق وكذا يعتبر قيمة العبد في الضمان والسعاية يوم الإعتاق حتى لو علمت قيمته يوم أعتق ثم ازدادت أو انتقصت أو كاتب أمة فولدت لم يلتفت إلى ذلك ويضمنه قيمته يوم أعتقه؛ لأنه يوم وجوب الضمان فيعتبر قيمته يومئذ كما في الغصب والإتلاف، وإن لم يعلما ذلك واختلفا فجملة الكلام فيه أن العبد لا يخلو إما أن يكون قائما وقت الخصومة وإما أن يكون هالكا اتفقا على حال المعتق أو اختلفا فيها، والأصل في هذه الجملة أن الحال إن كانت تشهد لأحدهما، فالقول قوله؛ لأن الحال شاهد صادق أصله مسألة الطاحونة وإن كانت لا تشهد لأحدهما، فالقول قول المعتق؛ لأنه منكر، فإن كان العبد قائما وقت الخصومة واتفقا على العتق في الحال واختلفا في قيمته بأن قال المعتق: قد أعتقته اليوم وقيمته كذا، وقال شريكه: نعم أعتقته اليوم إلا أن قيمته أكثر من ذلك يرجع إلى قيمته للحال ولا يعتبر التحالف والبينة؛ لأن الحال أصدق، وكذا لو اختلفا في حال العتق فقال المعتق: أعتقته قبل هذا وكانت قيمته كذا، وقال الآخر: أعتقته اليوم وقيمته أكثر، أو قال المعتق: أعتقته اليوم وقيمته كذا، وقال الآخر: بل أعتقته قبل ذلك وقيمته كانت أكثر رجع إلى قيمته في الحال؛ لأن الحال إذا شهدت لأحدهما فالظاهر أن قيمته كانت كذلك وقت الإعتاق، إذ الأصل دوام الحال والتغير خلاف الأصل فكان الظاهر شاهدا له فأشبه اختلاف صاحب الطاحونة مع الطحان في انقطاع الماء وجريانه أنه يحكم الحال فيه، كذا هذاوإن اتفقا على أن العتق كان متقدما على زمان الخصومة لكن قال المعتق: قيمته كانت كذا شهدت وقال الشريك: بل كانت أكثر، فههنا لا يمكن تحكيم الحال الرجوع إلى قيمة العبد في الحال لأنها تزيد وتنقص في المدة ويكون القول قول المعتق؛ لأن الشريك يدعي عليه زيادة ضمان وهو ينكر؛ فكان القول قوله كالمتلف والغاصب، وقالوا في الشفعة: إذا احترق البناء واختلف الشفيع والمشتري في قيمته وقيمة الأرض: إن المرجع إلى قيمة الأرض في الحال، والقول قول المشتري في البناء؛ لأن الشفيع يريد أن يتملك عليه الأرض بالشفعة فلا يجوز أن يتملكها إلا بقوله، فأما المعتق فلا يريد أن يتملك على شريكه وإنما شريكه يدعي عليه زيادة ضمان، وهو ينكر وكذلك إذا كان العبد هالكا فالقول قول المعتق؛ لما قلنا: إنه منكر للزيادة، والله عز وجل أعلم فإن هلك العبد قبل أن يختار الشريك الذي لم يعتق شيئا هل له أن يضمن المعتق إذا كان موسرا؟ اختلفت الرواية فيه عن أبي حنيفة روى محمد عنه وهو رواية الحسن وإحدى روايتي أبي يوسف، أن له أن يضمن المعتق وروى أبو يوسف رواية أخرى عنه أنه لا ضمان على المعتق، وجه هذه الرواية أن تضمين المعتق ثبت نصا

 

ج / 4 ص -93-         بخلاف القياس؛ لما بينا فيما تقدم أن الشريك بالإعتاق تصرف في نصيب نفسه على وجه الاقتصار عليه؛ لبقاء نصيب الشريك على ملكه ويده بعد الإعتاق، إلا أن ولاية التضمين ثبتت شرعا بشريطة نقل ملك المضمون إلى الضمان، فإذا هلك لم يبق الملك فلا يتصور نقله فتبقى ولاية التضمين على أصل القياس، وجه رواية محمد أن ولاية التضمين قد ثبتت بالإعتاق فلا تبطل بموت العبد، كما إذا مات العبد المغصوب في يد الغاصب وأما قوله: ملك الشريك بهلاك العبد خرج عن احتمال النقل فنقول: الضمان يستند إلى وقت الإعتاق فيستند ملك المضمون إلى ذلك الوقت كما في باب الغصب وهو في ذلك الوقت كان محتملا للنقل فأمكن إيجاب الضمان، وإذا ضمن المعتق يرجع المعتق بما ضمنه في تركة العبد إن كان له تركة وإن لم يكن، فهو دين عليه؛ لما ذكرنا من أصل أبي حنيفة أن نصيب الشريك يبقى على ملكه وله أن يضمن المعتق إن كان موسرا، وإذا ضمنه ملك المعتق نصيبه بالسبب السابق وهو الإعتاق وكان له أن يرجع بذلك في تركة العبد كما كان له أن يأخذ منه لو كان حيا وإن كان معسرا فله أن يرجع في تركة العبد وإن لم يترك شيئا فلا شيء للشريك؛ لأن حقه عليه وهو قد مات مفلسا؛ هذا إذا مات العبد وأما إذا مات أحد الشريكين فإن مات المعتق فلا يخلو إما أن يكون الإعتاق منه في حال صحته وإما أن يكون في حال مرضه، فإن كان في حال صحته يؤخذ نصف قيمة العبد من تركته بلا خلاف، وإن كان في حال مرضه لم يضمن شيئا حتى لا يؤخذ من تركته، وهذا قول أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمد: يستوفي الشريك من ماله قيمة نصيبه وهذا مبني على الأصل الذي ذكرنا أن الإعتاق لا يتجزأ عندهما، وعنده يتجزأ ووجه البناء على هذا الأصل أن الإعتاق لما لم يكن متجزئا عندهما، كان ضمان العتق ضمان إتلاف، وضمان الإتلاف لا يختلف بالصحة والمرض، ولما كان متجزئا عنده كان المعتق متصرفا في ملك نفسه على طريق الاقتصار ومثل هذا لا يوجب الضمان في أصول الشرع، ولهذا لو كان معسرا لا يجب الضمان ولو كان إعتاقه إتلافا أو إفسادا لنصيب شريكه معنى لوجب الضمان؛ لأن ضمان الإتلاف لا يختلف باليسار والإعسار، إلا أنا عرفنا وجوب الضمان بالنص، وأنه ورد في حال اليسار المطلق وذلك في حالة الصحة؛ لأنها حال خلوص أمواله، وفي مرض الموت يتعلق بها حق الورثة حتى لا يصح إقراره للورثة أصلا ولا يصح تبرعه على الأجنبي إلا من الثلث ولا تصح كفالته ولا إعتاقه إلا من الثلث فلم يكن حال المرض حال يسار مطلق ولا ملك، فبقي الأمر فيها على أصل القياس؛ ولأن ضمان العتق ضمان صلة وتبرع لوجوبه من غير صنع من جهة المعتق في نصيب الشريك، ألا ترى أنه لا يجب على المعسر، والصلات إذا لم تكن مقبوضة تسقط بالموت كنفقة الأقارب والزكاة وغير ذلك، وإلى هذا أشار محمد لأبي حنيفة أنه لو وجب الضمان على المريض ويؤخذ من تركته يكون هذا من مال الوارث، والمعنى فيه أن الشرع جعل الثلث للمريض في حال مرض موته والثلثين للورثة قال النبي صلى الله عليه وسلم "إن الله تعالى تصدق عليكم بثلث أموالكم في آخر أعماركم زيادة على أعمالكم" وهكذا نقول في حالة الصحة: إنه يجب صلة، ثم قد ينقلب معاوضة في حالة البقاء فإنه يثبت به الملك في المضمون في حق الإعتاق والاستسعاء، كالهبة بشرط العوض أنه ينعقد صلة ثم ينقلب معاوضة وكذا الكفالة تنعقد تبرعا حتى لا تصح إلا ممن هو أهل التبرع، ثم تنقلب معاوضة وإنما انقلبت معاوضة؛ لأنه يوجب الملك في رقبة الغير مجازاة لصلته أو تحملا عن العبد؛ لأن الضمان عليه في الحقيقة لحصول النفع له ثم له حق الرجوع في مالية العبد بالسعاية، كما في الكفالة أن الكفيل يكون متبرعا في التحمل عن المكفول عنه، ثم إذا صح تحمله وملك ما في ذمته بالأداء إلى المكفول له انقلبت معاوضة، ألا ترى أن من قال في حال الصحة: ما كان لك على فلان فهو علي، ثم كان له على فلان في مرضه فأخذ ذلك من المريض، فإنه يعتبر من جميع المال لا من الثلث ويؤخذ من تركته، ولو وجد ابتداء الكفالة في المرض يكون المؤدى معتبرا من الثلث؛ فدل على التفرقة بين الفصلين، وإن مات الشريك الذي لم يعتق ثبت الخيار لورثته فإن اجتمعوا على شيء من الإعتاق أو التضمين أو الاستسعاء وغير ذلك فلهم ذلك بلا خلاف؛ لأنهم يخلفون الميت ويقومون مقامه، وكان للمورث ذلك قبل موته فكذا لهم، وإن انفردوا فأراد بعضهم الإعتاق

 

ج / 4 ص -94-         وبعضهم التضمين ذكر في الأصل أن لهم ذلك، وقال الحسن بن زياد: إنه ليس لهم ذلك إلا أن يعتقوا أو يستسعوا أو يضمنوا، والظاهر أنه رواية عن أبي حنيفة؛ لأن الإعتاق عند الحسن لا يتجزأ، كما لا يتجزأ عند أبي يوسف ومحمد؛ فلا يصح هذا التفريع على مذهبه، وجه ما ذكر في الأصل أن نصيب الشريك قد بقي على ملكه عند أبي حنيفة لتجزيء الإعتاق عنده، وقد انتقل نصيبه إلى الورثة بموته فصاروا كالشركاء في الأصل في العبد أعتق أحدهم نصيبه، أن للباقين أن يختار كل واحد منهم ما يشاء، كذا هذا وجه رواية الحسن أن الورثة انتقل إليهم ما كان للميت، وما كان له أن يختار الضمان في البعض والسعاية في البعض، فكذا لهم؛ ولأن المستسعى بمنزلة المكاتب عند أبي حنيفة ومن كاتب عبده ثم مات، ليس لورثته أن ينفردوا بأن يختار بعضهم الإعتاق وبعضهم التضمين وبعضهم الاستسعاء، بل ليس لهم إلا أن يجتمعوا على شيء واحد إما العتق، وإما الضمان كذا هذا، ثم على رواية الحسن لو أعتق بعضهم، كان إعتاقه باطلا ما لم يجتمعوا على الإعتاق؛ لأن المستسعى كالمكاتب على أصل أبي حنيفة، ولو مات المولى فأعتق بعض الورثة المكاتب، كان إعتاقه باطلا ما لم يجتمعوا عليه كذا هذا، فإذا اجتمعوا على عتقه يعتق بلا خلاف والولاء يكون للميت حتى ينتقل إلى الذكور من ورثته دون الإناث وهو فائدة كونه للميت؛ لأن من أصل أبي حنيفة أن المعتق بعضه في معنى المكاتب، والمكاتب لا ينتقل فيه بالإرث فكان ولاؤه للميت كذا هذا وإذا كان المعتق موسرا يوم أعتقه فاختار الشريك تضمينه ثم أراد أن يرجع عن ذلك ويختار السعاية، ذكر في الأصل أنه ليس له ذلك ولم يفصل بين ما إذا رضي المعتق بالضمان أو حكم به الحاكم، أو لم يرض به المعتق ولا حكم به الحاكم، وروى ابن سماعة عن محمد أن له ذلك ما لم يقبل المعتق منه التضمين، أو يحكم به الحاكم فإن قبل أو حكم به الحاكم فليس له ذلك، من المشايخ من لم يجعل في المسألة اختلاف الرواية، وجعل ما ذكره ابن سماعة عن محمد من التفصيل تفسيرا لما ذكره في ظاهر الرواية، وإليه ذهب الجصاص وقال: أراد بما ذكر في الكتاب إذا قضى به القاضي أو رضي به الشريك، وحكى عن الكرخي والجصاص أنهما جعلا مسألة الغاصب وغاصب الغاصب على هذا أنه إذا اختار المغصوب منه تضمين أحدهما، ثم بدا له واختار تضمين الآخر فله ذلك إلا أن يرضى به المضمن أو يقضي به القاضي، ومنهم من جعل في المسألة روايتين، وجه ما ذكر في الأصل أن له خيار التضمين وخيار السعاية، والمخير بين شيئين إذا اختار أحدهما سقط حقه من الآخر فكان اختياره للتضمين إبراء للعبد عن السعاية، ولهذا لو اختار السعاية لم يكن له أن يختار الضمان وكانت نفس اختيار السعاية إبراء له عن الضمان من غير قضاء ولا رضا كذا إذا اختار الضمان، وجه رواية ابن سماعة أن اختيار الشريكين تضمين المعتق إيجاب الملك له في المضمون بعوض وهو الضمان وذلك لا يتم إلا بالرضا أو بالقضاء فما لم يوجد أحدهما لا يتم له الاختيار، وكان له الرجوع عنه إلى السعاية، بخلاف ما إذا اختار الشريك السعاية، أنه لا يكون له خيار التضمين بعد ذلك رضي بذلك العبد أو لم يرض؛ لأن اختيار السعاية على العبد ليس فيه إيجاب الملك للعبد بعوض حتى يقف ذلك على رضاه فلا يقف عليه، فإن أعتق أحدهما نصيب صاحبه، لم يعتق منه شيء أما على أصل أبي حنيفة فظاهر؛ لأن العتق يتجزأ فيقتصر العتق على نصيب المعتق، فإذا صادف ملك غيره لم ينفذوأما على أصلهما فالعتق وإن كان لا يتجزأ لكن لا بد من ثبوت العتق في نصيبه، ثم يسري إلى نصيب شريكه فإذا أضاف الإعتاق إلى نصيب شريكه، لم يثبت العتق في نصيب نفسه فلا يتعدى إلى نصيب الشريك وإن كان المعتق جارية حاملا لا يضمن المعتق من قيمة الولد شيئا؛ لأن الحمل بمنزلة طرف من أطرافها والأطراف بمنزلة الأوصاف، والأوصاف لا تفرد بالضمان إلا بعد وجود سبب وجوب الضمان فيها مقصودا؛ لأن الحمل في الآدمية نقصان فكيف يلزمه بنقصان المتلف زيادة ضمان؟ وكذلك كل حمل يعتق أمه إذا كان المعتق مالكهما كما في الرهن، وإن لم يكن مالكا للولد في الجارية الموصى برقبتها لرجل وبحملها لآخر، فأعتق صاحب الرقبة الأم يعتق الحمل ويضمن قيمته لصاحبه؛ لأن الولد انفرد عن الأم في الملك فجاز أن ينفرد بالضمان وإن كان العبد بين جماعة فأعتق أحدهما نصيبه فاختار بعض الشركاء الضمان وبعضهم السعاية

 

ج / 4 ص -95-         وبعضهم العتق فذلك لهم، ولكل واحد منهم ما اختار في قول أبي حنيفة؛ لأن إعتاق نصيبه أوجب لكل واحد منهم الخيارات ونصيب كل واحد لا يتعلق بنصيب الآخر، فكان لكل واحد منهم ما اختار وعلى هذا الأصل قال أبو حنيفة في عبد بين ثلاثة أعتق أحدهم نصيبه، ثم أعتق الآخر بعده، فللثالث أن يضمن المعتق الأول إن كان موسرا وإن شاء أعتق أو دبر أو كاتب أو استسعى؛ لأن نصيبه بقي على ملكه فثبت له الخيارات للتخريج إلى الإعتاق، وليس له أن يضمن المعتق الثاني وإن كان موسرا؛ لأن تضمين الأول ثبت على مخالفة القياس؛ لما ذكرنا أنه لا صنع للمعتق في نصيب الشريك بإتلاف نصيبه، وإنما عرفناه بالنص نظرا للشريك وأنه يحصل بتضمين الأول؛ ولأن ضمان العتق ضمان معاوضة في الأصل، فإذا أعتق الأول فقد ثبت للشريك حق نقل الملك المضمون إليه باختيار الضمان، وتعلق بذلك النقل حق الولاء، والولاء لا يلحقه الفسخ فلا يملك نقل حق التضمين إلى غيره، فإن اختار تضمين الأول فالأولى أن يعتق وإن شاء دبر وإن شاء كاتب وإن شاء استسعى؛ لأنه قام مقام المضمن وليس له أن يضمن المعتق الثاني؛ لأن الأول لم يكن له أن يضمنه فكذا من قام مقام هوأما على أصلهما فلما أعتق الأول، أعتق جميع العبد فلم يصح إعتاق الثاني وليس للثاني والثالث إلا التضمين إن كان المعتق موسرا والسعاية إن كان معسرا، وعلى هذا من كان له عبد فأعتق نصفه فعلى قول أبي حنيفة: يعتق نصفه ويبقى الباقي رقيقا، يجب تخريجه إلى العتاق فإن شاء أعتق وإن شاء دبر وإن شاء كاتب وإن شاء استسعى، وإذا أدى السعاية أو بدل الكتابة يعتق كله وليس له أن يتركه على حاله، وعلى قولهما: يعتق كله سواء كان المعتق موسرا أو معسرا من غير سعاية، وكذا إذا أعتق جزءا من عبده أو شقصا منه، يمضي منه ما شاء ويبقى الباقي رقيقا يخرج إلى العتاق بالخيارات التي وصفنا في قول أبي حنيفة؛ لأن الإعتاق عنده متجزئ، إلا أن ههنا أضاف العتق إلى مجهول فيرجع في البيان إليه، كما لو قال: أحد عبيدي حر، وقيل: ينبغي في قياس قول أبي حنيفة في السهم أن يعتق منه سدسه؛ لأن السهم عبارة عن السدس في عرف الشرع؛ لما روي عن ابن مسعود رضي الله عنه أن "رجلا أوصى في زمن النبي صلى الله عليه وسلم بسهم من ماله لرجل فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم سدس ماله" جماعة من أهل اللسان أن السهم عبارة عن السدس في اللغة، وعندهما يعتق كله؛ لأن العتق لا يتجزأ عبد بين رجلين دبره أحدهما صار نصيبه مدبرا ثم إن كان المدبر موسرا، فللشريك خيارات: إن شاء أعتق، وإن شاء دبر، وإن شاء كاتب، وإن شاء ضمن، وإن شاء استسعى، وإن شاء تركه على حاله وإن كان معسرا فلشريكه خمس خيارات: إن شاء أعتق، وإن شاء دبر، وإن شاء كاتب، وإن شاء استسعى، وإن شاء تركه على حاله وليس له أن يضمن وهذا قول أبي حنيفة؛ لأن التدبير عنده متجزئ كالإعتاق، فيثبت له الخيارات أما خيار العتق والتدبير والمكاتبة والسعاية؛ فلأن نصيبه بقي على ملكه في حق التخريج إلى العتاق وأما خيار التضمين؛ فلأنه بالتدبير أخرجه من أن يكون محلا للتمليك مطلقا بالبيع والهبة والرهن ونحو ذلك، فقد أتلفه في حق هذه التصرفات فكان للشريك ولاية التضمين، وأما خيار الترك على حاله؛ فلأن الحرية لم تثبت في جزء منه فجاز بقاؤه على الرق، وإنه مفيد؛ لأن له أن ينتفع به منفعة الاستخدام فلا يكلف تخريجه إلى الحرية ما لم يمت المدبر، فإن اختار تضمين المدبر فللمدبر أن يرجع بما ضمن على العبد؛ لأن الشريك كان له أن يستسعيه فلما ضمن شريكه، قام مقامه فيما كان له فإذا أدى عتق والولاء كله للمدبر؛ لأن كله عتق على ملكه؛ لانتقال نصيب شريكه إليه، وإن اختار الاستسعاء أو الإعتاق كان الولاء بينهما؛ لأن نصيب كل واحد منهما عتق على ملكه، وأما إذا كان معسرا فلا حق له في الضمان؛ لأن ضمان التدبير لا يجب مع الإعسار كما لا يجب ضمان الإعتاق فبقي أربع خيارات وأما على قول أبي يوسف ومحمد صار كله مدبرا؛ لأن التدبير على أصلهما لا يتجزأ كالإعتاق المعجل، وليس للشريك إلا التضمين موسرا كان المدبر أو معسرا على الرواية المشهورة عنهما؛ لأن ضمان النقل والتمليك لا يختلف باليسار والإعسار كالبيع ولو كان العبد بين ثلاثة رهط دبره أحدهم وهو موسر ثم أعتقه الثاني وهو موسر، فللشريك الثالث أن يضمن المدبر ثلث قيمته ويرجع به المدبر على العبد، وليس له أن يضمن المعتق، وللمدبر أن يضمن المعتق ثلث

 

ج / 4 ص -96-         قيمته مدبرا، وليس له أن يضمنه ما انتقل إليه من نصيب الثالث، وهذا قول أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمد: العبد كله مدبر للذي دبره ويضمن ثلثي قيمته لشريكه موسرا كان أو معسرا؛ لأن التدبير لما كان متجزئا عند أبي حنيفة فلما دبره أحدهم فقد ثبت لكل واحد من الشريكين ست خيارات، فلما أعتقه الثاني فقد استوفى ما كان له فلم تبق له ولاية تضمين المدبر وللساكت أن يضمنه؛ لأنه أتلف عليه نصيبه فكان له ولاية التضمين، وليس له أن يضمن المعتق؛ لأن ضمان المعتق ضمان معاوضة في الأصل، وهو ضمان التملك، وهو أن يكون بمقابلة الضمان ملك المضمون كضمان الغاصب، ولو ضمن المعتق لا يملك المعتق المضمون؛ لأن التدبير انعقد سببا لوجوب الضمان على المدبر وأنه يوجب ملك المضمون، فصار ذلك النصيب بحال لا يحتمل النقل إلى غير المدبر فتعذر تضمين المعتق؛ ولأن المدبر بالتدبير قد ثبت له حق الولاء، والولاء لا يلحقه الفسخ فلا يجوز أن ينقله إلى الغير ولو كان العبد بين ثلاثة رهط دبره أحدهم وهو موسر ثم أعتقه الثاني وهو موسر، فللشريك الثالث أن يضمن المدبر ثلث قيمته ويرجع به المدبر على العبد، وليس له أن يضمن المعتق، وللمدبر أن يضمن المعتق ثلثقيمته مدبرا، وليس له أن يضمنه ما انتقل إليه من نصيب الثالث، وهذا قول أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمد: العبد كله مدبر للذي دبره ويضمن ثلثي قيمته لشريكه موسرا كان أو معسرا؛ لأن التدبير لما كان متجزئا عند أبي حنيفة فلما دبره أحدهم فقد ثبت لكل واحد من الشريكين ست خيارات، فلما أعتقه الثاني فقد استوفى ما كان له فلم تبق له ولاية تضمين المدبر وللساكت أن يضمنه؛ لأنه أتلف عليه نصيبه فكان له ولاية التضمين، وليس له أن يضمن المعتق؛ لأن ضمان المعتق ضمان معاوضة في الأصل، وهو ضمان التملك، وهو أن يكون بمقابلة الضمان ملك المضمون كضمان الغاصب، ولو ضمن المعتق لا يملك المعتق المضمون؛ لأن التدبير انعقد سببا لوجوب الضمان على المدبر وأنه يوجب ملك المضمون، فصار ذلك النصيب بحال لا يحتمل النقل إلى غير المدبر فتعذر تضمين المعتق؛ ولأن المدبر بالتدبير قد ثبت له حق الولاء، والولاء لا يلحقه الفسخ فلا يجوز أن ينقله إلى الغير وعلى هذا إذا شهد أحد الشريكين على الآخر بالإعتاق بأن كان العبد بين رجلين وشهد أحدهما على صاحبه أنه أعتقه وأنكر صاحبه لا تقبل شهادته على صاحبه ويجوز إقراره على نفسه ولم يجز على صاحبه، ولا يعتق نصيب الشاهد ولا يضمن لصاحبه ويسعى العبد في قيمته بينهما موسرين كانا أو معسرين في قول أبي حنيفة، وعندهما: إن كان المشهود عليه موسرا فلا سعاية للشاهد على العبد، وإن كان معسرا فله السعاية عليه، أما عدم قبول شهادته؛ فلأن شهادة الفرد في هذا الباب غير مقبولة، ولو كانا اثنين لكان لا تقبل شهادتهما أيضا؛ لأنهما بشهادتهما يجران المغنم إلى أنفسهما؛ لأنهما يثبتان به حق التضمين لأنفسهما، ولا شهادة لجار المغنم على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أنه بشهادته على صاحبه صار مقرا بفساد نصيبه بإقراره على صاحبه بإعتاق نصيبه، فشهادته على صاحبه وإقراره عليه إن لم يجز فإقراره بفساد نصيب نفسه جائز؛ لأن الإنسان يصدق بإقراره على نفسه خصوصا فيما يتضرر به، ولا يعتق نصيب الشريك الشاهد؛ لأنه لم يوجد منه الإقرار بعتق نصيبه بل بفساد نصيبه وإنما أقر بالعتق في نصيب شريكه، إلا أن إقراره بالعتق في نصيب شريكه في حق شريكه لم ينفذ، فينفذ إقراره بالعتق في نصيب شريكه في حقه ولا يضمن الشاهد لشريكه؛ لأنه لم يعتق نصيب نفسه وأما السعاية؛ فلأن فساد نصيبه يوجب التخريج إلى العتق بالسعاية، ويسعى العبد لهما في قيمته بينهما فيسعى للشاهد في نصف قيمته ويسعى للمنكر في نصف قيمته، سواء كان المنكر موسرا أو معسرا في قول أبي حنيفة؛ لأن السعاية ثبتت مع اليسار والإعسار على أصله أما حق الاستسعاء للشاهد وإن كان المشهود عليه موسرا؛ فلأن في زعمه أن شريكه قد أعتق وأن له حق التضمين أو الاستسعاء إلا أنه تعذر التضمين؛ لأن إقراره لم يجز عليه في حقه فبقي له حق الاستسعاءوأما المنكر؛ فلأن في زعمه أن نصيبه على ملكه، وقد تعذر

 

ج / 4 ص -97-         عليه التصرف فيه بإقرار شريكه فكان له أن يستسعىوأما عندهما فإن كان المنكر موسرا فلا سعاية للشاهد على العبد؛ لأنه يزعم أنه عتق بإعتاق شريكه وأنه لا يستحق إلا الضمان؛ لأن السعاية لا تثبت مع اليسار على أصلهما، وإن كان معسرا فللشاهد أن يستسعىوأما المنكر فيستسعى على كل حال بالإجماع معسرا كان أو موسرا؛ لأن نصيبه على ملكه ولم يوجد منه الإقرار بسقوط حقه عن السعاية، فإن أعتق كل واحد منهما بعد ذلك نصيبه قبل الاستسعاء جاز في قول أبي حنيفة؛ لأن نصيب المنكر على ملكه، وكذلك نصيب الشاهد عنده؛ لأن الإعتاق يتجزأ، فإذا أعتقا نفذ عتقهما والولاء بينهما؛ لأن العتق منهما، وكذلك إن استسعيا وأدى السعاية فالولاء لهما وأما على قولهما فالولاء في نصيب الشاهد موقوف؛ لأن في زعم الشاهد أن جميع الولاء لشريكه؛ لأن الإعتاق لا يتجزأ على أصلهما، وشريكه يجحد ذلك فيسلم له النصف ويوقف له النصف وإن شهد كل واحد منهما على صاحبه وأنكر الآخر يحلف أولا كل واحد منهما على دعوى صاحبه؛ لأن كل واحد منهما بدعوى العتق على صاحبه يدعي وجوب الضمان على صاحبه أو السعاية على العبد، وصاحبه ينكر؛ فيحلف كل واحد منهما لصاحبه وهذا؛ لأن فائدة الاستخلاف النكول ليقضي به، والنكول إما بذل أو إقرار، والضمان مما يصح بذله والإقرار به، وإذا تحالفا سعى العبد لكل واحد منهما في نصف قيمته في قول أبي حنيفة؛ لأن في زعم كل واحد منهما أن شريكه قد أعتق وأن له الضمان أو السعاية، وتعذر التضمين حيث لم يصدقه الآخر فبقي الاستسعاء، ولا فرق عند أبي حنيفة بين حال اليسار والإعسار وأما على قولهما: فإن كانا موسرين، فلا سعاية لواحد منهما؛ لأن كل واحد منهما يدعي الضمان على شريكه، ويزعم أن لا سعاية له مع اليسار فلم يثبت له ما أبرأ العبد عنه وإن كانا معسرين يسعى العبد لكل واحد منهما؛ لأن كل واحد منهما يزعم أن شريكه أعتق وهو معسر فلا حق إلا السعاية، وإن كان أحدهما موسرا والآخر معسرا يسعى العبد للموسر ولم يسع للمعسر؛ لأن الموسر يزعم أن لا ضمان على شريكه وإنما له السعاية على العبد، والمعسر إنما يزعم أن الضمان على الشريك وأنه قد أبرأ العبد، ثم هو عبد في قول أبي حنيفة ويسعى وهو رقيق إلى أن يؤدي ما عليه؛ لأن المستسعى في حكم المكاتب على أصله، وعندهما هو حر عليه دين حين شهد الموليان فيسعى وهو حر؛ لأن في زعم كل واحد منهما أنه حر من جهة صاحبه، ومن أقر بحرية عبد في ملكه عتق عليه عبد بين رجلين قال أحدهما: إن كنت دخلت هذه الدار أمس فأنت حر، وقال الآخر: إن لم تكن دخلتها أمس فأنت حر، ولا يدري أكان دخل أو لم يدخل؟ عتق نصف العبد بينهما ويسعى في نصف قيمته بين الموليين موسرين أو معسرين في قول أبي حنيفة، وقال أبو يوسف: إن كانا معسرين سعى في نصف قيمته بينهما، وإن كانا موسرين فلا يسعى لأحد، وإن كان أحدهما موسرا والآخر معسرا سعى للمعسر في ربع قيمته ولا يسعى للموسروقال محمد: إن كانا موسرين لا يسعى، وإن كانا معسرين يسعى لهما في جميع قيمتهوجه قول محمد أن كل واحد منهما يدعي على صاحبه أنه أعتقه؛ فصار كشهادة كل واحد منهما على صاحبه؛ ولأن من عتق عليه نصف العبد مجانا بغير سعاية مجهول؛ لأن الحانث منهما مجهول، فكان من يقضى عليه بسقوط نفس السعاية مجهولا فلا يمكن القضاء به ولأبي حنيفة وأبي يوسف أن نصف العبد قد عتق بيقين؛ لأن أحد الشريكين حانث بيقين إذ العبد لا يخلو من أن يكون دخل الدار أو لم يدخل، إذ لا واسطة بين الدخول والعدم وليس أحدهما بتعيينه للحنث أولى من الآخر، والمقضي له بالعتق يتعين فيقسم نصف العتق بينهما فإذا أعتق نصف العبد بيقين، تعذر إيجاب كل السعاية عليه فتجب نصف السعاية، ثم على أصل أبي حنيفة يسعى في نصف قيمته بينهما سواء كانا موسرين أو معسرين؛ لأن ضمان السعاية عنده لا يختلف باليسار والإعسار، وعند أبي يوسف يختلف فإن كانا معسرين سعى لهما، وإن كانا موسرين لا يسعى لهما، وإن كانا أحدهما موسرا والآخر معسرا يسعى للمعسر ولا يسعى للموسر، وما ذكره محمد أن هذا كشهادة كل واحد منهما على الآخر غير سديد؛ لأن ههنا تيقنا بحرية نصف العبد لما بينا، وفي مسألة الشهادة لم نستيقن بالحرية؛ لاحتمال أن تكون الشهادتان كاذبتين وأما قوله: إن الذي يقضى عليه بالعتق بغير سعاية مجهول، فنعم لكن هذا

 

ج / 4 ص -98-         لا يمنع القضاء إذا كان المقضي له معلوما؛ لأن المقضي له إذا كان معلوما، يمكن رفع الجهالة التي من جانب المقضي له بالقسمة والتوزيع، وإذا كان مجهولا لا يمكن فإن حلف رجلان على عبدين كل واحد منهما لأحدهما، فقال أحدهما لعبده: إن كان زيد قد دخل هذه الدار اليوم فأنت حر، وقال الآخر لعبده: إن لم يكن زيد دخل هذه الدار اليوم فأنت حر، فمضى اليوم ولا يدري أدخل الدار أم لم يدخل؟ لم يعتق واحد من العبدين؛ لأن ههنا المقضي له وعليه كل واحد منهما مجهول، ولا وجه للقضاء عند تمكن الجهالة في الطرفين، وفي الفصل الأول المقضي له بالعتق متيقن معلوم والقضاء في مثله جائز، كمن أعتق واحدة من جواريه العشر ثم جهلها، وعلى هذا قال أبو يوسف في عبدين بين رجلين قال أحدهما لأحد العبدين: أنت حر إن لم يدخل فلان هذه الدار اليوم وقال الآخر للعبد الآخر: إن دخل فلان هذه الدار اليوم فأنت حر، فمضى اليوم وتصادقا على أنهما لا يعلمان دخل أو لم يدخل؟ فإن هذين العبدين يعتق من كل واحد منهما ربعه، ويسعى في ثلاثة أرباع قيمته بين الموليين نصفين، وقال محمد: قياس قول أبي حنيفة أن يسعى كل واحد منهما في جميع قيمته بينهما نصفين، وجه قول أبي يوسف أن نصف أحد العبدين غير عين قد عتق بيقين؛ لأن فلانا لا يخلو من أن يكون دخل الدار اليوم أو لم يكن دخل فكان نصف أحدهما حرا بيقين، وليس أحدهما بذلك أولى من الآخر فيقسم نصف الحرية بينهما، فيعتق من كل واحد منهما ربعه ويسعى كل واحد منهما في ثلاثة أرباع قيمته للتخريج إلى العتق كما في المسألة المتقدمة إلا أن هناك العبد واحد فيعتق منه نصفه ويسعى في النصف الباقي، وههنا عبدان فيعتق نصف أحدهما غير عين ويقسم بين الموليين فيعتق على كل واحد منهما الربع، ويسعى كل واحد منهما في الباقي وذلك ثلاثة أرباع قيمتهوجه قياس قول أبي حنيفة أن المقضي له وعليه مجهولان ولا سبيل إلى القضاء بالحرية مع جهالتهما، فيسعى كل واحد منهما في جميع قيمته بخلاف المسألة المتقدمة؛ لأن ثمة المقضي له غير مجهول، ومن هذا النوع ما ذكره ابن سماعة عن أبي يوسف في عبد بين رجلين زعم أحدهما أن صاحبه أعتقه منذ سنة وأنه هو أعتقه اليوم، وقال شريكه: لم أعتقه وقد أعتقت أنت اليوم، فاضمن لي نصف القيمة لعتقك فلا ضمان على الذي زعم أن صاحبه أعتقه منذ سنة؛ لأن قوله: أنا أعتقته اليوم ليس بإعتاق بل هو إقرار بالعتق وأنه حصل بعد إقراره على شريكه بالعتق فلم يصح، وكذا لو قال: أنا أعتقته أمس وأعتقه صاحبي منذ سنة، وإن لم يقر بإعتاق نفسه لكن قامت عليه بينة أنه أعتقه أمس فهو ضامن لشريكه؛ لظهور الإعتاق منه بالبينة فدعواه على شريكه العتق المتقدم لا يمنع ظهور الإعتاق منه بالبينة ويمنع ظهوره بإقراره، والله عز وجل الموفق

 "فصل" وأما بيان حكم الإعتاق وبيان وقت ثبوت حكمه فللإعتاق أحكام بعضها أصلي وبعضها من التوابعأما الحكم الأصلي للإعتاق: فهو ثبوت العتق؛ لأن الإعتاق إثبات العتق والعتق في اللغة: عبارة عن القوة، يقال: عتق الطائر، إذا قوي فطار عن وكره، وفي عرف الشرع: اسم لقوة حكمية للذات يدفع بها يد الاستيلاء والتملك عن نفسه؛ ولهذا كان مقابله وهو الرق عبارة عن الضعف في اللغة يقال: ثوب رقيق أي: ضعيف وفي متعارف الشرع يراد به الضعف الحكمي الذي يصير به الآدمي محلا للتملك، وعلى عبارة التحرير الحكم الأصلي للتحرير: هو ثبوت الحرية؛ لأن التحرير هو إثبات الحرية وهي الخلوص يقال: طين حر أي: خالص وأرض حرة، إذا لم يكن عليها خراج، وفي عرف الشرع يراد بها الخلوص عن الملك والرق، وهذا الحكم يعم جميع أنواع الإعتاق غير أنه إن كان تنجيزا ثبت هذا الحكم للحال وإن كان تعليقا بشرط أو إضافة إلى وقت يثبت بعد وجود الشرط والوقت، ويكون المحل قبل ذلك على حكم ملك المالك في جميع الأحكام إلا في التعليق بشرط الموت المطلق وهو التدبير عندنا، وكذا الاستيلاد، ثم هذا الحكم قد يثبت في جميع ما أضيف إليه وقد يثبت في بعض ما أضيف إليه، وجملة الكلام فيه أن الإعتاق لا يخلوإما إن كان في الصحة وإما إن كان في المرض فإن كان في الصحة عتق كله سواء كان له مال آخر أو لم يكن، وسواء كان عليه دينا أو لم يكن؛ لأن حق الورثة أو الغريم لا يتعلق بالمال حالة الصحة فالإعتاق صادف خالص ملكه

 

ج / 4 ص -99-         لا حق لأحد فيه فنفذ وإن كان في المرض فإن كان له مال آخر سوى العبد، والعبد كله يخرج من ثلث المال يعتق كله؛ لأن الثلث خالص حقه لا حق للورثة فيه وإنما تعلق حقهم في الثلثين، والأصل فيه ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال "إن الله تعالى تصدق عليكم بثلث أموالكم في آخر أعماركم زيادة على أعمالكم" وإن كان لا يخرج كله من ثلث المال وأجازت الورثة الزيادة فكذلك؛ لأن المانع حق الورثة فإذا أجازوا فقد زال المانع؛ فيعتق كله، وإن لم يجيزوا الزيادة يعتق منه بقدر ثلث ماله ويسعى في الباقي للورثة، وإن لم يكن له مال سوى العبد فإن أجازت الورثة عتق كله؛ لما قلنا، وإن لم يجيزوا يعتق ثلثه ويسعى في الثلثين للورثة؛ لما قلنا، والدليل عليه أيضا ما روي في حديث أبي قلابة أن "رجلا أعتق عبدا له عند موته ولا مال له غيره، فأجاز النبي صلى الله عليه وسلم ثلثه واستسعاه في ثلثي قيمته" فدل الحديث على جواز الإعتاق في مرض الموت حيث أجاز النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، على أن الإعتاق في مرض الموت وصية حيث اعتبره من الثلث، وعلى بطلان قول من يقول: لا سعاية في الشريعة حيث استسعى العبد هذا إذا لم يكن عليه دين، فإن كان عليه دين فإن كان مستغرقا لقيمته ولا مال له سوى العبد أو له مال آخر لكن الدين مستغرق لماله فأعتق يسعى في جميع قيمته للغريم ردا للوصية؛ لأن الدين مقدم على الوصية إلا أن العتق لا يحتمل النقض فتجب السعاية وروي عن أبي الأعرج "أن رجلا أعتق عبدا له عند الموت وعليه دين فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يسعى في الدين"، وهكذا روي عن علي وابن مسعود رضي الله عنهما، وإن كان الدين غير مستغرق لقيمة العبد بأن كان الدين ألف درهم وقيمة العبد ألفان يسعى في نصف قيمته للغريم ردا للوصية في قدر الدين ثم نصفه الثاني عتق بطريق الوصية، فإن أجازت الورثة عتق جميع نصفه الثاني، وإن لم تجز يعتق ثلث النصف الثاني مجانا بغير شيء وهو سدس الكل ويسعى في ثلثي النصف فالحاصل أنه يعتق سدسه مجانا بغير شيء ويسعى في خمسة أسداسه: ثلاثة أسهم للغريم وسهمان للورثة ولو كان له عبدان فأعتقهما وهو مريض، فهو على التفاصيل التي ذكرنا أنه إن كان له مال سواهما وهما يخرجان من الثلث، عتقا جميعا بغير شيء؛ لما ذكرنا، وإن لم يخرجا من الثلث وأجازت الورثة الزيادة فكذلك؛ لما قلنا، وإن لم يجيزوا الزيادة يعتق من كل واحد منهما بقدر ثلث ماله ويسعى في الباقي للورثة، وإن لم يكن له مال سواهما فإن أجازت الورثة عتقا جميعا بغير شيء، وإن لم يجيزوا يعتق من كل واحد منهما ثلثه مجانا ويسعى في الثلثين للورثة، فيجعل كل رقبة على ثلاثة أسهم؛ لحاجتنا إلى الثلث فيصير جملة المال وهو العبدان على ستة أسهم فيخرج منها سهام العتق وسهام السعاية للعبدين: سهمان من ستة، وللورثة أربعة أسهم؛ فاستقام الثلث والثلثان فإن مات أحدهما قبل السعاية، يجعل هو مستوفيا لوصيته متلفا لما عليه من السعاية، والتلف يدخل على الورثة وعلى العبد الباقي فيجمع نصيب الورثة وذلك أربعة أسهم، ونصيب العبد الحي وذلك سهم فيكون خمسة؛ فيعتق من العبد الحي خمسه، ويسعى في أربعة أخماسه فيحصل للورثة أربعة أسهم وللحي سهم، والميت قد استوفى سهما فحصل للورثة أربعة أسهم وللوصية سهمان؛ فاستقام الثلث والثلثان ولو كان العبيد ثلاثة ولم يكن له مال سواهم، يعتق من كل واحد ثلثه ويسعى في ثلثي قيمته فيصير كل واحد على ثلاثة أسهم فتصير العبيد على تسعة أسهم: ستة أسهم للورثة وثلاثة أسهم للعبيد، فإن مات أحدهم قبل السعاية صار متلفا لما عليه من السعاية مستوفيا لوصيته، فيجمع نصيب الورثة وذلك ستة أسهم، ونصيب العبدين سهمان فيكون ثمانية أسهم، فيجعل كل عبد على أربعة أسهم فيعتق من كل واحد ربعه ويسعى في ثلاثة أرباعه؛ فيحصل للورثة ستة أسهم وللعبدين سهمان والميت استوفى سهما؛ فاستقام الثلث والثلثان فإن مات اثنان يجمع نصيب الورثة ستة وللحي سهم فيكون سبعة فيعتق من الحي سبعه ويسعى في ستة أسباع قيمته؛ فيحصل للورثة ستة وللحي سهم والميتان استوفيا سهمين؛ فحصلت الوصية ثلاثة أسهم والسعاية ستة فاستقام الثلث والثلثان هذا كله إذا لم يكن على الميت دين فإن كان عليه دين مستغرق، يسعى كل واحد في قيمته للغرماء ردا للوصية؛ لأن العتق في مرض الموت وصية ولا وصية إلا بعد قضاء الدين وإن كان الدين غير مستغرق بأن كان ألفا وقيمة كل واحد منهما ألف يسعى

 

ج / 4 ص -100-       كل واحد في نصف قيمته ثم نصف كل واحد منهما وصية، فإن أجازت الورثة عتق النصف الباقي من كل واحد، وإن لم تجز الورثة يعتق من كل واحد ثلث نصف الباقي مجانا وهو السدس ويسعى في ثلثي النصف، ففي الحاصل عتق من كل واحد سدسه مجانا ويسعى في خمسة أسداسه، والله عز وجل أعلم المريض إذا أعتق عبده ولا مال له غيره، فأمر العبد في الحال في أحكام الحرية من الشهادة وغيرها موقوف فإن برئ تبين أنه صار حرا من حين أعتق، وإن مات فهو بمنزلة المكاتب في قول أبي حنيفة؛ لأن الإعتاق يتجزأ عنده، وعندهما هو حر وعليه دين؛ لأن الإعتاق لا يتجزأ وأما الذي هو من التوابع فنحو المالكية والولاية والشهادة والإرث وغير ذلك لكن هذه ليست من الأحكام الأصلية للإعتاق بل هي من التوابع، والثمرات تثبت في بعض أنواعه دون بعض كالإعتاق المضاف إلى الصبي والمجنون ونحو ذلك، ومن هذا القبيل: الإعتاق المضاف إلى المجهول، وجملة الكلام فيه أن جهالة المعتق إما إن كانت أصلية وإما إن كانت طارئة، فإن كانت أصلية وهي أن تكون الصيغة من الابتداء مضافة إلى أحد المذكورين غير عين فيجهل المضاف إليه؛ لمزاحمة صاحبه إياه في الاسم، فصاحبه المزاحم لا يخلو إما أن يكون محتملا للإعتاق أو لا يكون محتملا له، والمحتمل لا يخلو من أن يكون ممن ينفذ إعتاقه فيه أو ممن لا ينفذ، فإن كان محتملا للإعتاق وهو ممن ينفذ إعتاقه فيه، نحو أن يقول لعبديه: أحدكما حر، أو يقول: هذا حر أو هذا، أو يقول سالم حر أو بريع، لا ينوي أحدهما بعينه فالكلام في هذا الفصل في موضعين: أحدهما فيبيان كيفية هذا التصرف، والثاني في بيان الأحكام المتعلقة به الكيفية، فقد ذكرنا الاختلاف فيها فيما تقدموأما الكلام في الأحكام المتعلقة به في الأصل فنوعان: نوع يتعلق به في حال حياة المولى، ونوع يتعلق به بعد وفاته أما الأول فنقول ولا قوة إلا بالله تعالى: إن للمولى أن يستخدمهما قبل الاختيار، وهذا يدل على أن العتق غير نازل في أحدهما؛ لأنه لا سبيل إلى استخدام الحر من غير رضاه وله أن يستعملهما ويستكسبهما وتكون الغلة والكسب للمولى، وهذا أيضا يدل على ما قلنا ولو جنى عليهما قبل الاختيار، فالجناية لا تخلو إما إن كانت من المولى وإما إن كانت من الأجنبي، ولا تخلو إما إن كانت على النفس أو على ما دون النفس، فإن كانت الجناية من المولى فإن كانت على ما دون النفس بأن قطع يد العبدين فلا شيء عليه، وهذا أيضا يدل على عدم نزول العتق حيث جعلهما في حكم المملوكين قبل الاختيار، وسواء قطعهما معا أو على التعاقب؛ لأن القطع لا يبطل الخيار ولا يكون ثابتا، بخلاف القتل؛ لما نذكر، وإن كانت جناية على النفس بأن قتلهما فإن قتلهما على التعاقب، فالأول عبد والثاني حر؛ لأنه لما أقدم على قتل الأول فقد تعين الثاني للعتق فإذا قتله فقد قتل حرا، فعليه الدية وتكون لورثته؛ لأن الدية تصير ميراثا للورثة ولا يكون للمولى من ذلك شيء؛ لأنه قاتل والقاتل لا يرث، وإن قتلهما معا بضربة واحدة فعليه نصف دية كل واحد منهما لورثته؛ لأن المضمون على المولى أحدهما وهو الحر منهما، وليس أحدهما بأولى من الآخر فشاعت حرية واحدة فيهما، وهذا يؤيد القول بنزول العتق في غير العين، وإن كانت الجناية من الأجنبي فإن كانت فيما دون النفس بأن قطع إنسان يد العبدين فعليه أرش العبيد، وذلك نصف قيمة كل واحد منهما لكن يكون أرشهما للمولى سواء قطعهما معا أو على التعاقب؛ لأن القطع لا يبطل خيار المولى، وهذا يوجب القول بعدم نزول العتق إذ لو نزل، لكان الواجب أرش يد عبد وحر وهو نصف قيمة عبد ونصف دية حر، وإن كانت في النفس فالقاتل لا يخلو إما إن كان واحدا وإما إن كان اثنين، فإن كان واحدا فإن قتلهما معا فعلى القاتل نصف قيمة كل واحد منهما، نصف قيمة هذا ونصف قيمة ذاك ويكون للمولى، وعليه نصف دية كل واحد منهما نصف دية هذا ونصف دية ذاك وتكون لورثتهما، وهذا دليل على أن العتق نازل في غير العين إذ لو لم يكن، لكان الواجب في قتلهما معا قيمة عبدين ومع ذلك لم يجب بل وجب دية حر وقيمة عبد؛ لأن أحدهما حر وقد قتل حرا وعبدا، والواجب بقتل الحر الدية وبقتل العبد القيمة، والدية للورثة والقيمة للمولى وإنما انقسم؛ لأن كل واحد منهما تجب ديته في حال وقيمته في حال؛ لاحتمال أنه حر وعبد فينقسم ذلك على اعتبار الأحوال كما هو أصل أصحابنا، وإن قتلهما على التعاقب يجب على

 

 

ج / 4 ص -101-       القاتل قيمة الأول للمولى ودية الثاني للورثة؛ لأن قتل الأول يوجب تعين الثاني للعتق؛ فيتعين الأول للمولى وقد قتل حرا وعبدا خطأ، وإن كان القاتل اثنين فقتل كل واحد منهما رجلا فإن وقع قتل كل واحد منهما معا فعلى كل واحد من القاتلين القيمة نصفها للورثة ونصفها للمولى، وإيجاب القيمتين يوجب قيمة ودية على قول من يقول: إن العتق غير نازل ظاهرا؛ لأن كل واحد منهما قتل عبدا خطأ وأنه يوجب القيمة وأما على قول من يقول بنزول العتق فإنما لم تجب الدية؛ لأن من تجب الدية عليه منهما مجهول إذ لا يعلم من الذي تجب عليه منهما فلا يمكن إيجاب الدية مع الشك، والقيمة متيقنة فتجب، بخلاف ما إذا كان القاتل واحدا؛ لأن هناك من عليه معلوم لا جهالة فيه، وإنما الجهالة فيمن له وأما انقسام القيمتين؛ فلأن المستحق لأحد البدلين هو المولى والمستحق للبدل الآخر هو الوارث، وكل واحد منهما يستحق في حال ولا يستحق في حال فوجوب القيمتين حجة أحد القولين وانقسامهما حجة القول الآخر وإن وقع قتل كل واحد منهما على التعاقب فعلى قاتل الأول القيمة للمولى وعلى قاتل الثاني الدية للورثة؛ لأن أحدهما قتل عبدا والآخر قتل حرا؛ لأن قتل الأول أوجب تعين الثاني للحرية والأول للرق ولو كان المملوكان أمتين فولدت كل واحدة منهما ولدا أو ولدت إحداهما ولدا فاختار المولى عتق إحداهما عتقت هي وعتق ولدها، سواء كان للأخرى ولدا أو لم يكنأما على قول التخيير فظاهر؛ لأن العتق كان نازلا في غير العين منهما، والبيان تعيين لمن وقع عليه؛ فعتقت المعينة وعتق ولدها تبعا لها وأما على قول التعليق؛ فلأن العتق إن لم ينزل، فقد انعقد سبب النزول في إحداهما فيسري إلى ولدها كالاستيلاد والكتابة ولو كان المملوكان أمتين فولدت كل واحدة منهما ولدا أو ولدت إحداهما ولدا فاختار المولى عتق إحداهما عتقت هي وعتق ولدها، سواء كان للأخرى ولدا أو لم يكن أما على قول التخيير فظاهر؛ لأن العتق كان نازلا في غير العين منهما، والبيان تعيين لمن وقع عليه؛ فعتقت المعينة وعتق ولدها تبعا لها وأما على قول التعليق؛ فلأن العتق إن لم ينزل، فقد انعقد سبب النزول في إحداهما فيسري إلى ولدها كالاستيلاد والكتابة ولو قتل الأمتين معا رجل، خير المولى في الولدين؛ لما قلنا في الموت، وأيهما اختار عتقه فعتق، لا يرث من أرش أمه شيئا؛ لأنه إنما عتق باختيار العتق فيه وذلك يتأخر عن الموت فلا يرث شيئا بل يكون الكل للمولى، وهذا نص مذهب التعليق؛ لأن العتق لو كان نازلا في إحداهما لحدوثهما على وصف الأم، لكان الاختيار تعيينا لمن وقع عليه العتق فكان عتقه متقدما على موت الأم؛ فينبغي أن يرث، والله عز وجل أعلم ولو وطئت الأمتان بشبهة قبل اختيار المولى، يجب عقر أمتين، ويكون للمولى كالأرش، وهذا يؤيد قول التعليق إذ لو كان تنجيزا، لكان الواجب عقر حرة وأمة ولكان نصف ذلك للأمتين والنصف للمولى، ولما كان كسبهما له والأرش فالعقر أولى؛ لأنهما لا يملكان بدون ملك الأصل، وقد يملك الكسب بدون ملك الأصل كالغاصب فلما كان الكسب له فالأرش والعقر أولى، ولو باعهما صفقة واحدة كان البيع فاسدا، أما على قول التنجيز فظاهر؛ لأن العتق إذا نزل في غير العين منهما صار جامعا بين حر وعبد في البيع من غير بيان حصة كل واحد منهما؛ لأنه غير جائز بالإجماعوأما على قول التعليق فلأن حق الحرية قد ثبت وهو انعقاد سبب الحرية لأحدهما فيمنع جواز البيع، كما لو جمع بين قن ومدبر في البيع ولم يبين حصة كل واحد منهما من الثمن ولو أنه باعهما صفقة واحدة وسلمهما إلى المشتري فأعتقهما المشتري فيقال للبائع: اختر العتق في أحدهما، وأيهما اختار عتقه، عتق الآخر على المشتري؛ لأن المشتري لما قبضهما بعقد فاسد فقد ملك أحدهما ونفذ إعتاقه فيه، فإذا عين البائع أحدهما للعتق، تعين الآخر للملك الفاسد، فينفذ فيه إعتاق المشتري، وإنما بدئ بتخيير البائع؛ لأن التمليك منه حصل في مجهول، فما لم يتعين أحدهما للحرية لا يتعين الآخر للملك الفاسد، فإن مات البائع قبل البيان قامت الورثة مقامه، ويقال لهم: بينوا فإن بينوا في أحدهما، عتق الآخر على المشتري، ولا يقال: ينبغي أن ينقسم العتق بموت المولى كما إذا مات قبل البيع؛ لأن شرط الانقسام أن لا يزول الملك عن أحدهما لاستحالة انقسام الحرية على الحر، والملك قد زال عن أحدهما؛ فتعذر الانقسام وبقي الخيار فقام الوارث مقام المورث فإن قيل: الخيار عندكم لا يورث

 

ج / 4 ص -102-       فكيف ورثتم هذا الخيار وهذا منكم تناقض؟ فالجواب أن هذا الخيار لا يورث عندنا بل يثبت للورثة ابتداء لا بطريق الإرث بل؛ لأنهم استحقوا قيمة أحد العبدين فكان لهم التعيين كما كان للبائع، وهذا كما قالوا فيمن باع أحد عبديه، على أنه بالخيار وقبضهما المشتري فماتا في يده ثم مات البائع، أن لورثة البائع الاختيار ابتداء لا بطريق الإرث كذا هذا، فإن لم يعتق المشتري حتى مات البائع، لم ينقسم العتق فيهما حتى يفسخ القاضي البيع، فإذا فسخه انقسم وعتق من كل واحد منهما نصفه وإنما كان كذلك؛ لما ذكرنا من فوات شرط الانقسام وهو عدم زوال الملك في أحدهما، والملك قد زال عن أحد العبدين فتعذر التقسيم والتوزيع، إلا أن البيع الفاسد واجب الفسخ حقا للشرع رفعا للفساد، وفسخه بفعل القاضي أو بتراضي المتعاقدين، فإذا فسخ عاد إلى ملك البائع وشاع العتق فيهما وعتق من كل واحد منهما نصفه ولو وهبهما قبل الاختيار أو تصدق بهما أو تزوج عليهما يخير فيختار العتق في أيهما شاء وتجوز الهبة والصدقة والإمهار في الآخر؛ لأن حرية أحدهما أو حق الحرية وهو انعقاد سبب الحرية في أحدهما على اختلاف الكيفيتين لا يوجب بطلان هذه التصرفات ألا ترى أنه لو جمع في الهبة أو في الصدقة أو في النكاح بين حر وعبد يصح في العبد، وكذا إذا جمع فيها بين مدبر وقن يصح في القن وهذا؛ لأن الجمع بين الحر والعبد في البيع إنما يوجب فساد البيع؛ لأنه إذا جمع بينهما فقد جعل قبول البيع في كل واحد منهما شرطا لصحة قبوله في الآخر وأنه شرط فاسد، وهذه التصرفات لا تبطلها الشروط الفاسدة فإن قيل: إذا قبضهما الموهوب له أو المتصدق عليه أو المرأة، فقد زال الملك عن أحدهما فكيف يخير المولى؟ فالجواب أنا لا نقول بزوال الملك عن أحدهما قبل الاختيار بل زواله موقوف على وجود الاختيار، فإذا تعين أحدهما للعتق باختياره العتق يزول الملك عن أحدهما، وإن مات المولى قبل أن يبين العتق في أحدهما بطلت الهبة والصدقة فيهما وبطل إمهارها؛ لأنه لما مات فقد شاع العتق فيهما لوجود شرط الشياع؛ فيعتق من كل واحد منهما نصفه ومعتق البعض لا يحتمل التمليك من الغير ولو أسرهما أهل الحرب كان للمولى أن يختار عتق أحدهما، ويكون الآخر لأهل الحرب؛ لأن أهل الحرب لم يملكوهما بالأسر؛ لأن أحدهما حر أو حق الحرية لأحدهما ثابت وكل ذلك يمنع من التملك بالأسر؛ ولهذا لا يملكون المكاتب والمدبر بالأسر كما لا يملكون الحر، وإذا لم يملكا بالأسر بقيا على ملك المولى وله خيار العتق، فإذا اختار أحدهما بقي الآخر عبدا فيملكه أهل الحرب فإن لم يختر المولى حتى مات بطل ملك أهل الحرب بينهما؛ لأنه لما مات المولى شاعت الحرية وعتق من كل واحد منهما نصفه فتعذر التملك، ولو أسر أهل الحرب أحدهما لم يملكوه؛ لأن أحدهما حر أو ثبت له حق الحرية وكل ذلك يمنع من التملك، بخلاف ما إذا باع أحدهما؛ لأن بيعه إياه اختيار منه للملك فقد باع ملكه باختياره فصح ولو اشتراهما من أهل الحرب تاجر فللمولى أن يختار عتق أيهما شاء ويأخذ الآخر بحصته من الثمن؛ لأن الخيار كان ثابتا للمولى قبل البيع، فإذا باعوا فقد ثبت للمشتري ما كان ثابتا قبل خيار العمل فإذا اختار عتق أحدهما صح ملك أهل الحرب والمشتري منهم في الآخر؛ فيأخذه بحصته من الثمن فإن اشترى التاجر أحدهما فاختار المولى عتقه، عتق وبطل الشراء؛ لما ذكرنا أن ولاية الاختيار قائمة للمولى، فإن أخذه المولى من الذي اشتراه بالثمن عتق الآخر؛ لأن أخذه إياه إعادة له إلى قديم ملكه فيتعين الآخر للعتق كأنه أعتقه ولو قال في صحته لعبديه: أحدكما حر ثم مرض مرض الموت فاختار عتق أحدهما يعتق من جميع المال، وإن كانت قيمته أكثر من الثلث بأن كانت قيمة أحدهما ألفا وقيمة الآخر ألفين فبين العتق في الذي قيمته ألفان، وهذا يدل على أن إضافة العتق إلى المجهول إيقاع وتنجيز، إذ لو كان تعليقا واقتصر العتق على حالة المرض ينبغي أن يعتبر من الثلث، كما لو أنشأ العتق في المرض، والله عز وجل الموفق وللعبدين حق مخاصمة المولى فلهما أن يرفعاه إلى القاضي ويستعديا عليه، وإذا استعديا عليه أعداهما القاضي وأمره القاضي، بالبيان أعني اختيار أحدهما وجبره عليه بالحبس لو امتنع أما على مذهب التنجيز؛ فلأن العتق نازل في أحد منهما غير عين، وكل واحد منهما يجوز أن يكون هو الحر والحرية حقه وله فيها حق وأما على مذهب التعليق؛ فلأن الحرية إن لم تثبت في أحدهما فقد يثبت حق

 

ج / 4 ص -103-       الحرية أعني العقد سبب ثبوت الحرية من غير ثبوت الحرية أصلا وهذا حقه وله فيه حق، والبيان طريق استيفاء هذا الحق فكان كل واحد منهما بسبيل من الخصومة والمطالبة بالبيان، وإنما كان البيان إلى المولى؛ لأن الإجمال منه فكان البيان إليه، كما في بيان المجمل والمشترك في النصوص وكمن أقر بشيء مجهول أو باع قفيزا من صبرة كان البيان إليهكذا هذا البيان أنواع ثلاثة: نص ودلالة وضرورة أما النص: فنحو أن يقول المولى لأحدهما عينا: إياك عنيت أو نويت أو أردت بذلك اللفظ الذي ذكرت، أو اخترت أن تكون حرا باللفظ الذي قلت، أو أنت حر بذلك اللفظ الذي قلت أو بذلك الإعتاق، أو أعتقتك بالعتق السابق، وغير ذلك من الألفاظ، فلو قال: أنت حر أو أعتقتك بالعتق السابق فإن أراد به عتقا مستأنفا، عتقا جميعا، وهذا بالإعتاق المستأنف وذاك باللفظ السابق؛ لأن إنشاء العتق في أحدهما قبل الاختيار اختيار العتق في الآخر دلالة؛ لما نذكر إن شاء الله تعالى وإن قال: عنيت به الذي لزمني بقولي: أحدكما حر يصدق في القضاء، ويحمل قوله: أعتقتك على اختيار العتق، أي اخترت عتقك وأما الدلالة فهي أن يخرج المولى أحدهما عن ملكه بالبيع أو بالهبة أو بالصدقة أو بإنشاء العتق، أو يرهن أحدهما أو يؤاجر أو يكاتب أو يدبر أو يستولد إن كانت أمة؛ لأن الأصل أن من خير بين أمرين ففعل ما يستدل به على اختياره أحدهما، يجعل ذلك اختيارا منه دلالة ويقوم ذلك مقام النص كأنه قال: اخترت، والأصل فيه ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لبريرة: "إن وطئك زوجك، فلا خيار لك" لما أن تمكينها زوجها من الوطء دليل اختيارها زوجها لا نفسها؛ فصار هذا أصلا في الباب، وهذه التصرفات كلها في أحدهما دليل اختيار العتق في الآخر؛ لأن منها ما ينافي اختيار العتق المبهم في المتصرف فيه وهي التصرفات المزيلة للملك ومنها ما لا ينافي اختيار العتق المبهم في المتصرف فيه، لكن اختيار العتق المبهم فيه يبطله: وهو الرهن والإجارة والكتابة والتدبير والاستيلادوالعاقل يقصد صحة تصرفاته وسلامتها عن الانتقاض والبطلان؛ فكان إقدامه على كلا النوعين من التصرفات في أحدهما دليلا على اختياره العتق المبهم في الآخر، واختياره العتق المبهم في أحدهما عينا شرط لنزول العتق فيه بالكلام السابق وهذا التخريج على قول من يقول: إن العتق غير نازل في العين فيهما فأما على قول من يقول بنزول العتق في أحدهما غير عين فهو أن هذه التصرفات لا صحة لها بدون الملك فالإقدام عليها يكون اختيارا للملك في المتصرف فيه فتعين الآخر؛ فيعتق ضرورة من غير اختيار المولى نصا ودلالة، كما إذا مات أحدهما قبل الاختيار أو قتل، وسواء كان البيع بتا أو فيه خيار للبائع أو للمشتري أما على مذهب التنجيز؛ فلأنه لا صحة للبيع إلا بالملك فكان إقدامه على بيع أحدهما اختيارا إياه للملك؛ فيتعين الآخر للعتق ضرورة وأما على مذهب التعليق، أما خيار المشتري فلا يمنع زوال المبيع عن ملكه بلا خلاف فينا في اختيار العتق المبهم فيه وأما اختيار البائع؛ فلأن اختيار العتق المبهم يبطل شرط الخيار، وسواء كان البيع صحيحا أو فاسدا إذا قبض المشتري؛ لأنه وقع مزيلا للملك فيتعين الآخر للعتق دلالة أو ضرورة، وأما إذا لم يقبض فقد ذكر في الأصل إذا باع أحدهما بيعا فاسدا وقبض المشتري، عتق الباقي ولم يذكر أنه إذا لم يقبض ماذا حكمه؟ وهكذا ذكر محمد في الإملاء إذا وهب أحدهما وأقبضه أو تصدق وأقبض، عتق الآخر عند أبي حنيفة وأبي يوسف وعندنا، ولم يذكر حال عدم القبض، وذكر الجصاص أن القبض ليس بشرط ويتعين العتق في الآخر سواء قبض المشتري أو لم يقبض، وهكذا ذكر القدوري وقال: قد ظهر القول من أصحابنا أنه إذا ساوم بأحد العبدين، وقع العتق في الآخر، وهكذا روى ابن سماعة عن أبي يوسف أنه لو أوصى بأحدهما أو ساوم، عتق الآخر ومعلوم أن المساومة دون البيع الفاسد فالسوم لما كان بيانا فالبيع أولى، وبه تبين أن ذكر القبض في الأصل ليس على سبيل الشرط بل وقع ذكره اتفاقا أو إشعارا، أنه مع القبض من التصرفات المزيلة للملك، ولو علق عتق أحدهما عينا بشرط بأن قال له: إن دخلت الدار فأنت حر، عتق الآخر أما على مذهب التنجيز؛ فلأن التعليق بما سوى الملك وسببه لا يصح إلا في الملك؛ فكان الإقدام على تعليق عتقه اختيارا للملك فيه فيتعين الآخر للعتق ضرورة

 

ج / 4 ص -104-       كما لو نجز العتق في أحدهما وأما على مذهب التعليق؛ فلأن اختيار العتق المبهم فيه يبطل التعليق بالشرط فصار كما لو دبر أحدهما، وذكر ابن سماعة عن محمد أنه إذا قال لأحدهما: إن دخلت الدار فأنت حر، ثم قال: أحدكما حر، ثم دخل الذي علق عتقه بدخول الدار حتى عتق، الآخر؛ لأن ملك المولى زال عن أحدهما لسبب من جهته فصار كما لو أعتقه ابتداء أو باعه ولو كان المملوكان أختين فوطئ المولى إحداهما فإن علقت منه، عتقت الأخرى بالإجماع؛ لأنها صارت أم ولد له، وقد ذكرنا أن الاستيلاد يكون معينا للعتق في الأخرى، وإن لم تعلق لا تعتق الأخرى في قول أبي حنيفة، وعند أبي يوسف ومحمد تعتق، وروى ابن سماعة عن أبي يوسف أنه قال: وكذلك لو قبل إحداهما بشهوة أو لمس بشهوة أو نظر إلى فرجها عن شهوة ولو استخدم إحداهما لا تعتق الأخرى في قولهم جميعا؛ لأن الاستخدام تصرف لا يختص بالملك إذ قد يستخدم الحرة" وجه " قولهما أن الظاهر من حال العاقل المتدين الإقدام على الوطء الحلال لا الحرام، وحل الوطء لا يثبت إلا بأحد نوعي الملك ولم يوجد ههنا ملك النكاح؛ فتعين ملك اليمين للحل، وإذا تعينت الموطوءة للملك تعينت الأخرى للعتق؛ ولأن الوطء لو لم يجعل بيانا فمن الجائز أن يقع اختياره على الموطوءة؛ فيتبين أنه وطئ حرة من غير نكاح فيجعل الوطء بيانا ضرورة التحرج عن الحرام حالا ومآلا، حتى لو قال: إحداكما مدبرة، ثم وطئ إحداهما، لا يكون بيانا بالإجماع؛ لأن التدبير لا يزيل ملك الاستمتاع فلا حاجة إلى التحرز بالبيان؛ ولهذا جعل الوطء بيانا في الطلاق المبهم حتى لو قال لامرأتيه: إحداكما طالق، فوطئ إحداهما طلقت الأخرى، كذا ههنا ولأبي حنيفة أن كون الوطء بيانا للعتق في غير الموطوءة يستدعي نزول العتق؛ ليكون العتق تعيينا للمعتقة منهما، والعتق بالكلام السابق غير نازل؛ لما بينا من الدلائل، وهكذا نقول في الطلاق المبهم: إنه غير واقع في غير المعين منهما بل هو معلق بشرط الاختيار، إلا أن هناك جعل الوطء دلالة الاختيار ولم يجعل ههنا؛ لأن الوطء في باب النكاح مستحق على الزوج شرعا؛ لقوله عز وجل {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} قيل في التفسير: إن الإمساك بالمعروف هو الوطء والنفقة، وإذا كان الوطء مستحقا بالنكاح عند اختيار الإمساك فإذا قصد وطء إحداهما صار مختارا لإمساكها فيلزمه إيفاء المستحق شرعا ضرورة اختيار الإمساك فيصير مختارا طلاق الأخرى، والوطء في الأمة غير مستحق بحال فلا يكون وطء إحداهما اختيارا للعتق في الأخرى لو صار مختارا للإمساك إنما يصير؛ ليقع وطؤه حلالا تحرجا عن الحرمة ووطؤه إياهما جميعا حلال، وباختيار إحداهما لا يظهر أن وطء الموطوءة كان حراما؛ لأن العتق ثبت حال الاختيار مقصورا عليها وأما الضرورة فنحو أن يموت أحد العبدين قبل الاختيار فيعتق الآخر؛ لأنه بالموت خرج من أن يكون محلا لاختيار العتق المبهم فتعين الآخر ضرورة من غير تعيين المولى لا نصا ولا دلالة، وهذا يدل على أن العتق غير نازل إذ لو كان نازلا، لما تعين الآخر للعتق؛ لأن التعيين للضرورة وهي ضرورة عدم المحل ولا ضرورة؛ لأن الميت كان محلا للبيان إذ البيان تعيين لمن وقع عليه العتق بالإيجاب السابق وقت وجوده وكان حيا في ذلك الوقت، وهذا بخلاف ما إذا باع أحد عبديه على أن المشتري بالخيار ثلاثة أيام، فمات أحدهما أن ملك المشتري يتعين في الميت منهما ولا يتعين في الحي؛ لأن هناك وجد المسقط للخيار في الميت قبل الموت وهو حدوث العيب فيه، إذ الموت لا يخلو عن مقدمة مرض عادة، فحدوث العيب فيه يبطل خيار المشتري فيه؛ فيتعين بالبيع فيتعين الحي للرد، وههنا حدوث العيب في أحدهما لا يوجب تعيينه للملك قبل الموت فيتعين للموت فيتعين الآخر للعتق ضرورة، بخلاف ما إذا قال: أحد هذين ابني أو أحد هاتين أم ولدي، فمات أحدهما لم يتعين الآخر للحرية والاستيلاد، كذا روى ابن سماعة عن محمد؛ لأن قوله: أحد هاتين أم ولدي، أو أحد هذين ابني، ليس بإنشاء بل هو إخبار عن أمر سابق والإخبار يصح في الحي والميت فيقف على بيانه، وقوله: أحدكما حر، أو أحد هذين حر إنشاء للحرية في أحدهما، والإنشاء لا يصح إلا في الحي، فإذا مات أحدهما تعين الآخر للحرية، وكذا إذا قتل أحدهما سواء قتله المولى أو أجنبي؛ لما قلنا، غير أن القتل إن كان من المولى فلا شيء عليه وإن كان من الأجنبي فعليه قيمة العبد المقتول للمولى، فإن اختار المولى عتق المقتول لا يرتفع العتق عن الحي ولكن قيمة المقتول

 

ج / 4 ص -105-       تكون لورثته؛ لأن المولى قد أقر بحريته فلا يستحق شيئا من قيمته، فإن قطعت يد أحدهما لا يعتق الآخر سواء كان القطع من المولى أو من أجنبي؛ لأن القطع لا يقطع خيار المولى لبقاء محل الخيار بخلاف القتل فإن قطع أجنبي يد أحدهما ثم بين المولى العتق فإن بينه في غير المجني عليه فالأرش للمولى بلا شك، وإن بينه في المجني عليه ذكر القدوري في شرحه أن الأرش للمولى أيضا ولا شيء للمجني عليه من الأرش وذكر القاضي في شرحه مختصر الطحاوي إن الأرش يكون للمجني عليه، وهكذا ذكر القاضي فيما إذا قطع المولى، ثم بين العتق أنه إن بينه في المجني عليه يجب عليه أرش الأحرار ويكون للعبد، وعلل بأنه أقر على نفسه بأنه جنى على حر، وإن بينه في غير المجني عليه فلا شيء على المولى ولم يذكر القدوري هذا الفصل وإنما ذكر فصل الأجنبي، وما ذكره القاضي قياس مذهب التنجيز؛ لأن البيان يكون تعيينا لمن وقع عليه العتق فيتبين أنه كان حرا وقت ورود الجناية عليه؛ فيوجب أرش الأحرار على المولى للعبد، وما ذكره القدوري قياس مذهب التعليق؛ لأن العتق ثبت وقت الاختيار مقصورا عليه فلا يظهر؛ لأن الجناية صادفت يد حر، والله عز وجل أعلم ولو قال: عبدي حر، وليس له إلا عبد واحد عتق؛ لأنه تعين بالإيجاب فانصرف إليه، فإن قال: لي عبد آخر عنيته، لم يصدق في القضاء؛ لأنه إذا لم يعرف له عبد آخر انصرف إيجابه إلى هذا العبد ظاهرا، فلا يصدق في العدول عن الظاهر إلا ببينة تقوم على أن له عبدا آخر، ويصدق فيما بينه وبين الله عز وجل؛ لأنه نوى ما يحتمله لفظه ولو قال: أحد عبيدي حر، أو أحد عبدي حر وليس له إلا عبد واحد عتق؛ لأن لفظة " أحد " لا تقتضي آحادا، ألا ترى أن الله تعالى موصوف بأنه أحد قال سبحانه وتعالى {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ولا مثل له ولا شريك، ولا أحد غيره في الأزل وروى بشر عن أبي يوسف فيمن كان له ثلاثة أعبد فقال: أحد عبيدي حر، أحد عبيدي حر، أحد عبيدي حر قال ذلك ثلاثا عتقوا؛ لأن أحدهم عتق باللفظ الأول؛ لأنه أحد عبيده وعتق الآخر باللفظ الثاني لهذا المعنى، وقد بقي له عبدان فيعتق أحدهما، وعتق الثالث باللفظ الثالث وإن لم يبق إلا عبد واحد، كما لو قال ابتداء: أحد عبيدي حر، وليس له إلا عبد واحد، ولو قال: أحدكم حر، أحدكم حر أحدكم حر لم يعتق إلا واحد؛ لأن أحدهم عتق باللفظ الأول، ثم باللفظ الثاني جمع بين حر وعبدين فقال: أحدكم حر، لم يصح، ثم باللفظ الثالث جمع بين عبد وحرين فلم يصح ذلك أيضا؛ لأنه يحمل على الإخبار وهو صادق فيما أخبر ولو قال لعبده: أنت حر أو مدبر، يؤمر بالبيان فإن قال: عنيت به الحرية، عتق، وإن قال: عنيت به التدبير، صار مدبرا، وهذا ظاهر فإن مات قبل البيان والقول في الصحة، عتق نصفه بالإعتاق البات ونصفه بالتدبير لشيوع العتقين فيه، إلا أن نصفه يعتق مجانا من جميع المال؛ لأنه يعتق بالإعتاق البات في حالة الصحة، ونصفه يعتق من الثلث؛ لأنه يعتق بالتدبير، والعتق بالتدبير يثبت من طريق الوصية فيعتبر من الثلث سواء كان التدبير في المرض أو في الصحة، إن خرج من الثلث عتق كل النصف وإن لم يكن له مال غيره عتق ثلث النصف مجانا؛ لأن هذا القدر لم يتعلق به حق الورثة، ويسعى في ثلثي النصف وهو ثلث الكل ولو كانا عبدين فقال: أحدكما حر أو مدبر يؤمر بالبيان فإن مات قبل البيان ولا مال له غيرهما والقول في الصحة عتق نصف كل واحد منهما للشيوع إلا أن الربع من كل واحد منهما يعتق مجانا من جميع المال لحصوله بالإعتاق البات في حالة الصحة، والربع يعتق من أصوله بالتدبير كل واحد منهما في نصف قيمته على كل حال ولو قال: أنتما حران أو مدبران والمسألة بحالها، عتق نصف كل واحد منهما بالإعتاق البات ونصف كل واحد منهما بالتدبير، وهذا كله إذا كان القول في الصحة فإن كان في المرض يعتبر ذلك من الثلث ولو كان لرجل ثلاثة أعبد فقال: هذا حر، أو هذا، وهذا عتق الثالث ويؤمر بالبيان في الأولين، ولو قال: هذا حر، وهذا، أو هذا، عتق الأول ويؤمر بالبيان في الآخرين وكذلك هذا في الطلاق ووجه الفرق أن كلمة " أو " في الفصل الأول دخلت بين الأول والثاني؛ فأوجبت حرية أحدهما غير عين ثم الثالث عطف على الحر منهما أيهما كان فصار كأنه قال: أحدكما حر، وهذاوفي الفصل الثاني أوجب الحرية للأول عينا، ثم أدخل كلمة " أو " في الثاني والثالث فأوجبت حرية أحدهما غير عين فعتق الأول، ويؤمر بالبيان في الثاني والثالث، وهذا بخلاف ما إذا قال: إن كلمت هذا

 

ج / 4 ص -106-       أو هذا وهذا فعبدي حر، أنه إن كلم الأول وحده حنث، وإن كلم الثاني أو الثالث وحده لا يحنث ما لم يكلمهما جميعا ولو قال: إن كلمت هذا وهذا، أو هذا فعبدي حرفإن كلم الثالث وحده حنث، وإن كلم الأول أو الثاني وحده لا يحنث ما لم يكلمهما جميعا؛ لأن في الفصل الأول جعل شرط الحنث كلام الأول وحده أو كلام الثاني والثالث جميعا؛ لأنه جعل الثالث معطوفا على الثاني بحرف العطف فقد أدخل كلمة " أو " بين الأول وحده وبين الثاني والثالث جميعا وأما في الفصل الثاني فقد جعل شرط الحنث كلام الأول والثاني جميعا أو كلام الثالث وحده؛ لأنه عطف الثاني على الأول بحرف العطف وأدخل كلمة " أو " بين الأول والثاني جميعا، والثالث وحده، والله عز وجل أعلم ولو اختلط حر بعبد كرجل له عبد فاختلط بحر، ثم كل واحد منهما يقول: أنا حر، والمولى يقول: أحدكما عبدي، كان لكل واحد منهما أن يحلفه بالله تعالى ما يعلم أنه حر فإن حلف لأحدهما ونكل للآخر، فالذي نكل له حر دون الآخر، وإن نكل لهما فهما حران وإن حلف لهما فقد اختلط الأمر، فالقاضي يقضي بالاختلاط ويعتق من كل واحد منهما نصفه بغير شيء ونصفه بنصف القيمة، وكذا لو كانوا ثلاثة يعتق من كل واحد منهم ثلثه ويسعى في ثلثي قيمته، كذا ذكره الكرخي، وكذلك لو كانوا عشرة فهو على هذا الاعتبار، وهذا كرجل أعتق أحد عبديه بعينه ثم نسيه فإن بين فهو على ما بين، فإن لم يبين وقال: لا أدري أيهما حر لا يجبر على البيان ولكن يعتق من كل واحد منهما نصفه مجانا ونصفه بنصف القيمة، كذلك ههنا وأما النوع الثاني وهو ما يتعلق به بعد موت المولىفهو أن المولى إذا قال لعبديه: أحدكما حر لا ينوي أحدهما بعينه ثم مات قبل الاختيار عتق من كل واحد منهما نصفه؛ لأنه وقع اليأس عن البيان والاختيار، إذ لا يمكنه ذلك بنفسه وهذا الخيار لا يورث حتى يقوم الوارث فيه مقامه فيشيع العتق فيهما، إذ ليس أحدهما بأولى من الآخر فيعتق من كل واحد منهما نصفه مجانا ويسعى كل واحد منهما في نصف قيمته، وفصل الشيوع دليل نزول العتق في أحدهما، إذ الثابت تشييع والموت ليس بإعتاق، علم أن الكلام السابق وقع تنجيزا للعتق في أحدهما ثم فرق بين هذا الخيار وبين خيار التعيين في باب البيع؛ لأن الوارث هناك يقوم مقام الموت في البيان، وههنا لاووجه الفرق أن هناك ملك المشتري أحد العبدين مجهولا، إذ كل واحد منهما محل للملك، فإذا مات فالوارث ورث منه عبدا مجهولا، فمتى جرى الإرث ثبت ولاية التعيين، أما ههنا فأحدهما حر أو استحق الحرية وذلك يمنع جريان الإرث في أحدهما فيمنع ولاية التعيين، هذا إذا كان المزاحم له محتملا للعتق وهو ممن ينفذ إعتاقه فيه، فأما إذا كان ممن لا ينفذ إعتاقه فيه بأن جمع بين عبده وعبد غيره فقال: أحدكما حر لا يعتق عبده إلا بالنية؛ لأن قوله أحدكما يحتمل كل واحد منهما؛ لأن عبد الغير قابل للعتق في نفسه ومحتمل لنفوذ الإعتاق فيه في الجملة فلا ينصرف إلى عبد نفسه إلا بالنية، وإن كان المزاحم ممن لا يحتمل العتق أصلا، كما إذا جمع بين عبده وبين بهيمة أو حائط أو حجر فقال: أحدكما حر، أو قال: عبدي حر، أو هذا وهذا فإن عبده يعتق في قول أبي حنيفة نوى أو لم ينو، وقال أبو يوسف ومحمد: لا يعتق إلا بالنية، وكذا إذا جمع بين عبده وبين ميت وقد ذكرنا الكلام في هذه الجملة في كتاب الطلاق وعلى هذا إذا جمع بين عبده وبين حر فقال: أحدكما حر، أنه لا يعتق عبده إلا بالنية؛ لأن صيغته صيغة الخبر فيحمل على الإخبار وهو صادق في إخباره مع ما في الحمل عليه تصحيح تصرفه وأنه أصل عند الإمكان فيحمل عليه، إلا إذا نوى فيحمل على الإنشاء بقرينة النية، والحر لا يحتمل إنشاء الحرية فينصرف إلى العبد ولو جمع بين عبده ومدبره فقال: أحدكما حر لا يصير عبده مدبرا إلا بالنية ويحمل على الإخبار كما في الجمع بين الحر والعبد ولو جمع بين عبديه ومدبره فقال: اثنان منكم مدبران صار أحد عبديه مدبرا ويؤمر بالبيان؛ لأن قوله: اثنان منكم، يصرف أحدهما إلى المدبر ويكون إخبارا عن تدبيره، إذ الصيغة للخبر في الوضع وهو صادق في هذا الإخبار، والآخر يصرف إلى أحد العبدين فيكون إنشاء للتدبير في أحدهما إذ لا يمكن حمله على الخبر؛ لأنه يكون كذبا فيحمل على الإنشاء كأنه قال للمدبر: هذا مدبر، وأحد العبدين مدبر؛ فيؤمر بالبيان كما لو قال ذلك ابتداء لعبديه: أحدكما مدبر، فإن مات المولى قبل البيان انقسم تدبير رقبة بين العبدين نصفين، فيعتق المدبر المعروف من الثلث ويعتق نصف كل واحد من العبدين من

 

ج / 4 ص -107-       الثلث؛ لأن التدبير وصية والوصية تعتبر من الثلث سواء كان في المرض أو في الصحةوهذا كما لو جمع بين عبدين وحر فقال: اثنان منكم حران، أنه يصرف أحدهما إلى الإخبار عن حرية أحدهم والآخر إلى إنشاء الحرية في أحد العبدين لا غير، كأنه قال للحران: هذا حر، وأحد العبدين حر، فيؤمر بالبيان، فإن مات قبل البيان عتق من كل واحد منهما نصفه لشيوع العتق فيهما، كذا هذا ولو كان له ثلاثة أعبد دخل عليه اثنان فقال: أحدكما حر ثم خرج أحدهما ودخل الآخر فقال: أحدكما حر فالكلام في هذه المسألة في الأصل يقع في موضعين: أحدهما يتعلق في حال الحياة، والثاني يتعلق بحال الموت أما الأول فما دام المولى حيا يؤمر بالبيان ثم إن بدأ بالبيان للإيجاب الأول فإن عنى به الخارج عتق الخارج بالإيجاب الأول وتبين أن إيجاب الثاني بين الثابت والداخل وقع صحيحا؛ لوقوعه بين عبدين فيؤمر بالبيان لهذا الإيجاب، وإن عنى بالإيجاب الأول الثابت عتق الثابت بالإيجاب الأول وتبين أن الإيجاب الثاني وقع لغوا؛ لحصوله بين حر وعبد في ظاهر الرواية وروي عن أبي يوسف أنه قال: الكلام الثاني ينصرف إلى الداخل وهذا غير سديد؛ لأن على قوله إذا جمع بين حر وعبد فقال: أحدكما حر ينبغي أن ينصرف إلى العبد وليس كذلك بالإجماع، وإن بدأ بالبيان للإيجاب الثاني فإن عنى به الداخل عتق الداخل عتق بالإيجاب الثاني، وبقي الإيجاب الأول بين الخارج والثابت على حاله كما كان، فيؤمر بالبيان كما كان وإن عنى به الثابت عتق الثابت بالإيجاب الثاني وعتق الخارج بالإيجاب الأول؛ لتعيينه للعتق بإعتاق الثابت وأما الذي يتعلق بما بعد الموت فههنا حالان: حال ما بعد موت العبدين وحال ما بعد موت المولى أما موت العبدين: فإن مات الخارج عتق الثابت بالإيجاب الأول وتبين أن الإيجاب الثاني وقع باطلا، وإن مات الثابت عتق الخارج بالإيجاب الأول والداخل بالإيجاب الثاني؛ لأن الثابت قد أعيد عليه الإيجاب فعتقه يوجب تعيين كل واحد منهما للعتق، وإن مات الداخل يؤمر المولى بالبيان للإيجاب الأول، فإن عنى به الخارج عتق الخارج بالإيجاب الأول وبقي الإيجاب الثاني بين الداخل والثابت، فيؤمر بالبيان، وإن عنى به الثابت تبين أن الإيجاب الثاني وقع باطلا وأما موت المولى قبل البيان فإن كان القول منه في الصحة يعتق من الخارج نصفه، ومن الثابت ثلاثة أرباعه بلا خلاف بين أصحابنا، واختلفوا في الداخل قال أبو حنيفة وأبو يوسف: يعتق من الداخل نصفه، وقال محمد: ربعه أما في مسألة الوفاق؛ فلأن المولى إن كان عنى بالإيجاب الأول الخارج عتق كله ولم يعتق به الثابت، وإن كان عنى به الثابت عتق الثابت كله ولم يعتق به الخارج، وكل واحد منهما يعتق في حال ولا يعتق في حال فيتنصف فيعتق من كل واحد منهما نصفه بالإيجاب الأول، ثم الثابت بالإيجاب الثاني يعتق نصفه الباقي في حال ولا يعتق في حال، فيتنصف ذلك النصف فيعتق ربعه بالإيجاب الثاني وقد عتق نصفه بالإيجاب الأول؛ فيعتق ثلاثة أرباعه وأما مسألة الخلاف، فأما وجه قول محمد فهو أن الإيجاب الثاني يصح في حال ولا يصح في حال؛ لأنه إن كان المولى عنى بالإيجاب الأول الخارج يصح الإيجاب الثاني؛ لأن الثابت يبقى رقيقا فيقع الإيجاب الثاني جمعا بين العبدين فيصح، وإن كان عنى به الثابت لا يصح؛ لأنه يقع جمعا بين الحر والعبد فيلغو؛ فيصح الإيجاب الثاني في حال ولم يصح في حال فلا يثبت إلا نصف حرية فيقسم بين الثابت والداخل، فيصيب كل واحد منهما الربع، ولهما أن الإيجاب الثاني إنما يدور بين الصحة والبطلان إذا نزل العتق بالإيجاب الأول في غير المعين منهما ولم ينزل؛ لما ذكرنا من الدلائل فيما تقدم فكان الإيجاب الثاني صحيحا في الحالين جميعا، فلما مات المولى قبل البيان أصاب الداخل من هذا الإيجاب نصف حرية، ثم إن كان عنى به الثابت عتق به النصف الباقي ولا يعتق الداخل، وإن كان عنى به الداخل عتق كله ولا يعتق شيء من النصف الباقي من الثابت، فكل واحد منهما يثبت في حال ولا يثبت في حال فيتنصف فيعتق من الثابت ربعه ومن الداخل نصفه، والدليل على أن ما ذكره محمد غير سديد أن الإيجاب الثاني لو كان تردد بين الصحة وعدم الصحة لبطل أصلا ورأسا؛ لأن من جمع بين حر وعبد، وقال: أحدكما حر، يبطل أصلا ورأسا ومحمد اعتبر الإيجاب الثاني حيث قال بثبوت نصف حرية بين الثابت والداخل، هذا

 

ج / 4 ص -108-       إذا كان القول منه في الصحة، فإن كان في المرض فإن كان له مال آخر، يخرجون من الثلث أو لا يخرجون، لكن إن أجازت الورثة فكذلك الجواب، وإن لم يكن له مال سوى هؤلاء ولم تجز الورثة، يقسم الثلث بينهم على قدر وصيتهم؛ لأن الإعتاق في مرض الموت وصية والوصية نفاذها من الثلث؛ فيضرب كل واحد منهم بمقدار وصيته، فوصية الخارج نصف الرقبة ووصية الثالث ثلاثة أرباع الرقبة ووصية الداخل نصف الرقبة على أصلهما، فيجعل كل واحد على أربعة أسهم؛ لحاجتنا إلى ثلاثة الأرباع، فالخارج يضرب بنصف الرقبة وذلك سهمان والثابت يضرب بثلاثة أرباع الرقبة وذلك ثلاثة أسهم، والداخل يضرب بنصف الرقبة وذلك سهمان، فتجمع وصاياهم فتصير سبعة أسهم، فيجعل ثلث المال مبلغ الوصايا وذلك سبعة أسهم، فيكون ثلثا المال أربعة عشر سهما ضرورة فيكون جميع المال أحد وعشرين، فصار كل عبد سبعة أسهم؛ لأن ماله ثلاثة أعبد وقد صار ماله كله أحد وعشرين سهما، فيخرج منه سهام العتق وسهام السعاية فالخارج يعتق منه سهمان من سبعة ويسعى في خمسة أسهم، والثابت يعتق منه ثلاثة أسهم من سبعة ويسعى في أربعة أسهم والداخل يعتق منه سهمان من سبعة ويسعى في خمسة أسهم كالخارج، وإذا صار سهام الوصايا سبعة تصير سهام الورثة أربعة عشر ضرورة، فاستقام الثلث والثلثان، وهذا التخريج على قولهما وأما على قول محمد فالخارج يضرب بسهمين والثابت بثلاثة والداخل بسهم فذلك ستة أسهم، فصار ثلث المال ستة أسهم فيكون ثلثاه مثليه وذلك اثني عشر، فيصير جميع المال ثمانية عشر، فصار كل عبد ستة أسهم يخرج منها سهام العتق وسهام السعاية، فيعتق من الخارج سهمان ويسعى في أربعة أسهم، ويعتق من الثابت ثلاثة أسهم ويسعى في ثلاثة ويعتق من الداخل سهم واحد ويسعى في خمسة أسهم، فصار للورثة اثني عشر ولأصحاب الوصايا ستة، فاستقام الثلث والثلثان، والله عز وجل أعلم وأما الجهالة الطارئة بأن أضاف صيغة الإعتاق إلى أحدهما بعينه ثم نسيه فالكلام في هذا الفصل أيضا في موضعين أحدهما فيكيفية هذا التصرف والثاني في الأحكام المتعلقة به أما الأول فلا خلاف في أن أحدهما حر قبل البيان لأن الصيغة أضيفت إلى معين والمعين محل لنزول العتق فيه فكان البيان في هذا النوع إظهارا وتعيينا لمن نزل فيه العتق وأما الثاني فالأحكام المتعلقة به ضربان أيضا: ضرب يتعلق به فيحال حياة المولى، وضرب يتعلق به بعد موته أما الأول فنقول: إذا أعتق إحدى جاريتيه بعينها ثم نسيها أو أعتق إحدى جواريه العشرة بعينها ثم نسي المعتقة فإنه يمنع من وطئهن واستخدامهن؛ لأن واحدة منهن حرة بيقين فكل واحدة يحتمل أن تكون هي الحرة ووطء الحرة من غير نكاح حرام فلو قرب واحدة منهن ربما يقرب الحرة فيمنع من ذلك صيانة عن الحرام، والأصل في هذا الباب ما روينا من حديث وابصة بن معبد رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال "ألا إن لكل ملك حمى، وإن حمى الله محارمه، فمن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه" ولا يجوز أن يطأ واحدة منهن بالتحري؛ لما ذكرنا في كتاب الطلاق، فلو أنه وطئ واحدة منهن فحكمه نذكره هنا، والحيلة في أن يباح له وطؤهن أن يعقد عليهن عقد النكاح فتحل له الحرة منهن بالنكاح والرقيقة بملك اليمين ولو خاصم العبدان المولى إلى القاضي وطلبا منه البيان أمره القاضي بالبيان ولو امتنع حبسه ليبين، كذا ذكره الكرخي؛ لأن أحدهما حر بيقين والحرية حقه أو له فيها حق، ولكل صاحب حق أن يطلب حقه، وإذا امتنع من الإيفاء يجبر عليه ولو ادعى كل واحد منهما أنه هو الحر ولا بينة له وجحد المولى فطلبا يمينه استحلفه القاضي لكل واحد منهما بالله عز وجل ما أعتقه؛ لأن الاستحلاف لفائدة النكول والنكول بذل أو إقرار، والعتق يحتمل كل ذلك، ثم إن نكل لهما عتقا؛ لأنه بذل لهما الحرية أو أقر بها لهما، وإن حلف لهما يؤمر بالبيان؛ لأن أحدهما حر بيقين وحريته لا ترتفع باليمين، وما ذكرنا من رواية ابن سماعة عن محمد في الطلاق يكون ذلك رواية في العتاق وهو أنهما إذا استحلفا فحلف المولى للأول، يعتق الذي لم يحلف له؛ لأنه لما حلف للأول: والله ما أعتقه فقد أقر برقه فيتعين الآخر للحرية، كما إذا قال ابتداء لأحدهما عينا: هذا عبد، وإن لم يحلف له عتق هو؛ لأنه بذل له الحرية أو أقروإن تشاحا في اليمين حلف لهما جميعا بالله عز وجل ما أعتق واحدا منهما فإن حلف

 

ج / 4 ص -109-       لهما فإن كانا أمتين يحجب منهما حتى يبين؛ لما ذكرنا أن حرية إحداهما لا ترتفع بالحلف، وذكر القاضي في شرحه مختصر الطحاوي أن المولى لا يجبر على البيان في الجهالة الطارئة إذا لم يتذكر لما فيه من استرقاق الحر؛ لأن أحدهما حر بيقين بخلاف الجهالة الأصلية؛ لأن ثمة الحرية غير نازلة في المحل في أصح القولين فلم يكن في البيان استرقاق الحر ثم البيان في هذه الجهالة نوعان: نص، ودلالة أو ضرورة أما نص: فنحو أن يقول المولى لأحدهما عينا: هذا الذي كنت أعتقته ونسيت وأما الدلالة أو الضرورة: فهي أن يقول أو يفعل ما يدل على البيان، نحو أن يتصرف في أحدهما تصرفا لا صحة له بدون الملك من البيع والهبة والصدقة والوصية والإعتاق والإجارة والرهن والكتابة والتدبير والاستيلاد إذا كانتا جاريتين؛ لأن هذه التصرفات لا صحة لها إلا في الملك فكان إقدامه دليل اختياره الملك في التصرف فيه، وتعين الآخر للعتق، وكذا إذا كانا أمتين فوطئ إحداهما، عتقت الأخرى بلا خلاف؛ لأن إحداهما حرة بيقين فكان وطء إحداهما تعينا لها للرق، والأخرى للعتق، وتعيين الأخرى للعتق ضرورة انتفاء المزاحم، بخلاف الجهالة الأصلية على أصل أبي حنيفة؛ لأن العتق غير نازل في إحداهما فكانت كل واحدة منهما حلال الوطء، وإن كن عشرا فوطئ إحداهن تعينت الموطوءة للرق حملا لأمره على الصلاح، وتعينت الباقيات؛ لكون المعتقة فيهن دلالة أو ضرورة فيتعين البيان نصا أو دلالة، وكذا لو وطئ الثانية والثالثة إلى التاسعة، فتتعين الباقية وهي العاشرة للعتق؛ لأن فعله يحمل على الجواز ولا جواز له إلا في الملك فكان، الإقدام على وطئهن تعيينا لهن للرق، والباقية للعتق أو تتعين الباقية ضرورة وإلا حسن أن لا يطأ واحدة منهن؛ لاحتمال أن تكون الموطوءة هي الحرة فلو أنه وطئ، فحكمه ما ذكرنا ولو ماتت واحدة منهن قبل البيان، فالأحسن أن لا يطأ الباقيات قبل البيان؛ لاحتمال أن تكون المعتقة فيهن، فلو أنه وطئهن قبل البيان جاز؛ لأن فعل المسلم العدل محمول على الجواز ما أمكن، وأمكن ههنا بأن يحمل على أنه قد تذكر أن المعتقة منهن هي الميتة؛ لأن البيان في هذا النوع من الجهالة إظهار وتعيين لمن نزلت فيه الحرية من الأصل فلم تكن الحياة شرطا لمحلية البيان، وكان إقدامه على وطئهن تعيينا للميتة للعتق، والباقيات للرق دلالة أو تتعين الباقيات للرق ضرورة، بخلاف الجهالة الأصلية إذا ماتت واحدة منهن أن الميتة لا تتعين للحرية؛ لأن الحرية هناك غير نازلة في إحداهن وإنما تنزل عند وجود الشرط وهو الاختيار مقصورا عليه والمحل ليس بقابل للحرية وقت الاختيار فهو الفرق، ولو كانتا اثنتين فماتت واحدة منهما لا تتعين الباقية للعتق؛ لأن الميتة لم تتعين للرق لانعدام دليل يوجب التعيين فلا تتعين الأخرى للعتق ضرورة، فوقف تعيينها للعتق على البيان نصا أو دلالة، إذ الميتة لم تخرج عن كونها محلا للبيان إذ البيان في هذا النوع إظهار وتعيين، بخلاف النوع الأول في أصح القولين ولو قال المولى: هذا مملوك، وأشار إلى أحدهما، يتعين الآخر للعتق دلالة أو ضرورة ولو باعهما جميعا صفقة واحدة كان البيع فاسدا؛ لأنه باع حرا وعبدا صفقة واحدة ولم يبين حصة كل واحد منهما من الثمن، وكذا لو كانوا عشرة فباعهم صفقة واحدة، ويفسخ البيع في الكل، ولو باعهم على الانفراد جاز البيع في التسعة ويتعين العاشر للعتق كذا ذكر الكرخي؛ لأن بيع كل واحد منهم اختيار إياه للرق ويتعين الباقي للعتق دلالة أو يتعين ضرورة عدم المزاحم، كما لو وطئ عشرة نفر لكل واحد منهم جارية فأعتق واحد منهم جاريته ولا يعرف المعتق فلكل واحد منهم أن يطأ جاريته وأن يتصرف فيها تصرف الملاك؛ لأن الجهالة تمكنت في الجانبين جميعا المعتق والمعتق فوقع الشك في الطرفين، فلا يزال اليقين بالشك، بخلاف ما إذا كانت الجواري لواحد فأعتق واحدة منهن ثم نسيها، أنه يمنع من وطء الكل؛ لأن الجهالة هناك لم تقع إلا في أحد الجانبين فلم يقع الشك إلا في أحد الجانبين، إذ المعتق على يقين من حرية إحداهن وكل واحدة تحتمل أن تكون هي الحرة فيمنع من وطئهن، ولو دخل الكل في ملك أحدهم، صار كأن الكل كن في ملكه فأعتق واحدة منهن ثم جهلها وأما الثاني فهو أن المولى إذا مات قبل البيان يعتق من كل واحدة منهما نصفه مجانا بغير شيء ونصفه بالقيمة، فتسعى كل واحدة منهما في نصف قيمتها للورثة؛ لما ذكرنا في الجهالة الأصلية، والله عز وجل أعلم

 

ج / 4 ص -110-       "فصل" وأما بيان ما يظهر به حكمه فالمظهر له شيئان: أحدهما الإقرار، والثاني البينة أما الأول فلا شك أن الإقرار من المولى بإعتاق عبده يظهر به العتق؛ لأن الظاهر أن الإنسان لا يقر على نفسه كاذبا فيصدق في إقراره على نفسه، ولا يقبل على غيره لكونه شهادة على الغير، وشهادة الفرد غير مقبولة، ولو أقر بحرية عبد غيره ثم اشتراه، عتق عليه؛ لأن إقراره على نفسه مقبول ولا يقبل على غيره لكونه شهادة على الغير وشهادة الفرد غير مقبولة، فإذا اشتراه فقد زال المانع من تقييده في حقه فيعتق عليه وأما البينة: فجملة الكلام فيها أنه لا خلاف في أنها تقبل على عتق المملوك إذا ادعى المملوك العتق وأنكر المولى سواء كان المملوك عبدا أو جارية، فأما إذا لم يدع وأنكر العتق، والمولى أيضا منكر فهل تقبل الشهادة على عتقه من غير دعواه؟ فإن كان المملوك جارية تقبل بالإجماع، وإن كان عبدا لا تقبل في قول أبي حنيفة، وعند أبي يوسف ومحمد تقبل من أصحابنا من حمل المسألة على أن عتق العبد حق العبد عند أبي حنيفة والشهادة على حقوق العباد لا تقبل من غير دعاويهم كالأموال وسائر حقوق العباد، وعندهما هي حق الله تعالى والشهادة على حقوق الله عز وجل مقبولة من غير دعوى أحد، كالشهادة على إعتاق الإنسان أمته وتطليقه امرأته، والشهادة على أسباب الحدود الخالصة لله عز وجل من الزنا والشرب والسكر، إلا السرقة فإنه شرط فيها الدعوى لتحقيق السبب، إذ لا يظهر كون الفعل سرقة شرعا بدون الدعوى؛ لما نذكر في كتاب السرقة فنتكلم في المسألة بناء وابتداء، أما البناء، فوجه قولهما أن في الإعتاق تحريم الاسترقاق وحرمة الاسترقاق حق الله تعالى قال النبي صلى الله عليه وسلم "ثلاثة أنا خصمهم، ومن كنت خصمه خصمته يوم القيامة، وذكر من جملتها رجلا باع حرا وأكل ثمنه" وكذا يتعلق به أهلية وجوب حقوق الله عز وجل من الكفارات والزكوات والجمع والجماعات، فثبت أن العتق حق الله تعالى، فلا يشترط فيه الدعوى لقبول الشهادة القائمة عليه، كما في عتق الأمة وطلاق المرأة وكما في الحدود الخالصة، وكذا الأحكام تدل على أن الدعوى ليست بشرط فإن الشهادة على حرية الأصل للعبد تقبل من غير دعواه، وكذا الشهادة على نسب صبي صغير من رجل وأنكر الرجل، وكذا الشهادة على المولى باستيلاد جاريته وهما منكران، وكذا التناقض في العتق لا يمنع صحة الدعوى بأن قال عبد لإنسان: اشترني فإني عبد فلان، فاشتراه، ثم ادعى العبد حرية الأصل، تسمع دعواهولو كانت الدعوى فيه شرطا لكان التناقض مانعا من صحة الدعوى كما في سائر الدعاوىولأبي حنيفة أن الإعتاق إثبات العتق، والعتق في عرف اللغة والشرع اسم لقوة حكمية تثبت للعبد تندفع بها يد الاستيلاد والتملك عنه، والحرية حقه إذ هو المنتفع بها مقصودا، ألا ترى أنه هو الذي يتضرر بانتفائها مقصودا بالاسترقاق، وكذا التحرير إثبات الحرية، والحرية في متعارف الشرع واللغة تنبئ عن خلوص نفس العبد له عن الرق والملك وذلك حقه؛ لأنه هو المنتفع به دون غيره مقصودا وحق الإنسان ما ينتفع هو به دون غيره، فإذا ثبت أن العتق حق العبد فالشهادة القائمة على عتق العبد لا تقبل من غير دعواه، كسائر الشهادات القائمة على سائر حقوق العباد، والجامع بينهما من وجهين: أحدهما أن المشهود به إذا كان حقا للعبد كان العبد مشهودا له، فإذا أنكر فقد كذب شهوده، والمشهود له إذا كذب شهوده لا تقبل شهادتهم له والثاني أن إنكار المشهود له حقه مع حاجته إلى استيفاء حقه لينتفع به يوجب تهمة في الشهادة؛ لأن المشهود به لو كان ثابتا لتبادر إلى الدعوى ولا شهادة لمتهم وأما قوله: في الإعتاق تحريم الاسترقاق، فنقول: الإعتاق لا ينبئ عن ذلك وإنما ينبئ عن إثبات القوة والخلوص على ما بينا وذلك حقه، ثم إذا ثبت حقه بالإعتاق حرم الاسترقاق؛ لما فيه من إبطال حقه وهذا لا يدل على أن حرمة الاسترقاق حق الله عز وجل ألا ترى أن سائر الحقوق الثابتة للعباد يحرم إبطالها ولا يدل على أن حرمة إبطالها حق الله تعالى على أنا إن سلمنا أن في العتق حق الله تعالى فالمقصود حاصل؛ لأنه من حيث إنه حق الله تعالى تقبل الشهادة عليه من غير دعوى العبد، ومن حيث إنه حق العبد لا تقبل فدارت الشهادة بين القبول وعدم القبول فلا تقبل مع الشك؛ ولهذا لم تقبل الشهادة على القذف من غير دعوى المقذوف، وإن كان حد القذف حق الله تعالى من وجه وحق العبد من وجه، كذا ههنا وأما الأحكام، فأما عتق الأمة فثمة هكذا نقول: إن تلك الشهادة لا تقبل على العتق

 

ج / 4 ص -111-       من حيث ذات العتق؛ لما قلنا في العبد، وإنما تقبل من حيث إن عتق الأمة حق الله تعالى على الخلوص من حيث إنه سبب لتحريم الفرج ووسيلة إليه، والشيء من حيث التسبب والتوسل غير ومن حيث الذات غير، كما قلنا في كفر المحارب: إنه يوجب القتل من حيث إنه سبب للحراب لا من حيث ذاته بل ذات الكفر غير موجب؛ لأنهما غيران، كذا هذا ألا ترى أنه ينفصل أحدهما عن الآخر، فإن العتق قد لا يكون وسيلة إلى تحريم الفرج وهو عتق العبد، ثم متى قبلت على العتق من حيث إنه سبب حرمة الفرج تقبل من حيث ذات العتق وكذا في طلاق المرأة من غير دعواها، وليس للعتق في محل النزاع سببية تحريم الفرج، فلو قبل لقبل على ذات العتق ولا وجه إليه؛ لما بينا فإنه قيل: ما ذكرتم من العذر في فصل الأمة والطلاق لا يصح؛ لأن الشهادة على عتق الأمة المجوسية والأخت من الرضاعة مقبولة من غير دعوى، وهذه الشهادة لا تتضمن حرمة الفرج؛ لأن الحرمة كانت ثابتة قبل ذلك، وكذا الشهادة على الطلاق الرجعي والطلاق المضاف إلى الملك يقبل من غير دعوى، ولا تتضمن هذه الشهادة تحريم الفرج، فالجواب أن من أصحابنا من يمنع المسألتين الأولتين فقالوا: لا تقبل الشهادة فيهما من غير دعوى؛ لأنها لا تتضمن تحريم الفرج ومنهم من سلم مسألة المجوسية ومنع مسألة الأخت من الرضاعة، وفرق بينهما من حيث إن وطء الأمة المجوسية مملوك للمولى وإنما منع من الاستيفاء لخبثها كما يمنع من الوطء حالة الحيض؛ ولهذا لو وطئها لا يسقط إحصانه، وبعد العتق لو وطئها يسقط إحصانه، فالشهادة على عتقها تضمنت تحريم الفرج فقبلت من غير دعوى، فأما الأخت من الرضاعة فحرام الوطء حقيقة، حتى لو وطئها يسقط إحصانه مع قيام ملك اليمين والمعتبر في الباب تحريم الفرج لا الأنوثة، والشهادة على النسب قط لا تقبل من غير دعوى، وفيما ذكر من المسألة وهي ما إذا كان صغيرا فلا تقبل عند أبي حنيفة ما لم ينصب القاضي خصما عن الصغير ليدعي النسب له بطريق النيابة شرعا؛ نظرا للصغير العاجز عن إحياء حقه بنفسه والقاضي نصب ناظرا للمسلمين وكان ذلك شهادة على خصموأما الاستيلاد فهو سبب لتحريم الفرج والدعاوى في الجملة؛ لأنه يوجب حقيقة الحرية عند الموت، والحرمة لازمة للحرية حتى لا يباح لها مس المولى وغسله بسبب الحرية، فكان الاستيلاد في الحال سببا لثبوت الحرية فكان سببا لحق الله تعالى في الحال فيقام السبب مقام الحقيقة في حق التحريم احتياطا وهو الجواب عن الطلاق الرجعي، والطلاق المضاف إلى الحرية ثمة ثبت في الجملة أيضا عند وجود زوال الحل، فيعتبر السبب قائما مقام المسبب في حق الحرمة احتياطا وأما الابتداء فوجه قولهما إن عدالة الشاهد دلالة صدقه في شهادته من حيث الظاهر؛ فيثبت المشهود به ظاهرا والقاضي مكلف بالقضاء بالظاهر فكان ينبغي أن لا تشترط الدعوى لقبول الشهادة أصلا ولهذا لم تشرط في عتق الأمة وطلاق المرأة وأسباب الحدود، إلا أنا عرفنا اشتراطها فيما وراء العتق من حقوق العباد بالإجماع فيقتصر على مورد الإجماع " وجه " قول أبي حنيفة إن خبر من ليس بمعصوم عن الكذب محتمل للكذب فلا يفيد العلم للقاضي بالمشهود به، والأصل أن لا يجوز القضاء بما لا علم للقاضي به وبما ليس بثابت قطعا؛ لقوله عز وجل {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} وإنه اسم للثابت قطعا وقوله سبحانه وتعالى {يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ} والحق اسم للكائن الثابت، ولا ثبوت مع احتمال العدم فكان ينبغي أن لا يجوز القضاء به أصلا إلا أن الشرع جاء بالجواز؛ لحاجة العباد إلى دفع الفساد وهو المنازعة القائمة بينهما بالدعوى، والمنازعة سبب الفساد، أو لدفع فساد الزنا كما في حد الزنا وعتق الأمة وطلاق المرأة، أو لدفع فساد السكر في حد الشارب والسكر فألحق المحتمل بالمتيقن أو اكتفى بظاهر الصدق مع الاحتمال دفعا للفساد، فبقي الحكم فيما وراء ذلك على الأصل وعلى هذا شاهدان شهدا على رجل أنه أعتق أحد عبديه والعبدان يدعيان العتق أو يدعيه أحدهما، فإن شهدا في حال حياة المولى وصحته لا تقبل شهادتهما في قول أبي حنيفة، وعندهما تقبل؛ لأن الدعوى شرط قبول الشهادة على عتق العبد عنده، والمدعي مجهول فجهالة المدعي منعته صحة الدعوى فامتنع قبول الشهادة، وعندهما الدعوى ليست بشرط فجهالة المدعي لا تكون أقل من عدم الدعوى فلا تمنع قبول الشهادة فتقبل ويجبر على البيان، وإن شهدا بعد وفاته على أنه

 

ج / 4 ص -112-       أعتق أحدهما في حال صحته فهو على هذا الخلاف، وإن شهدا على ذلك وهو مريض فمات، أو شهدا بعد موته على أنه قال ذلك في المرض لا تقبل في قياس قول أبي حنيفة، وفي الاستحسان تقبل ولا خلاف في أنهما إذا شهدا على أنه طلق إحدى امرأتيه، تقبل ويخير فيختار طلاق إحداهما، وجه قياس قول أبي حنيفة ما ذكرنا أن الدعوى شرط، والمدعي مجهول، وجه الاستحسان أن المدعي ههنا معلوم؛ لأن الإعتاق في مرض الموت وصية، والخصم في تنفيذ الوصية هو الموصي، فكان الميت المشهود له لوقوع الشهادة له فكان المدعي معلوما فجازت الشهادة له، بخلاف حال الصحة فإن الشهادة هناك وقعت لأحد العبدين فكان المشهود له مجهولا فلم تجز الشهادة؛ ولأن المولى لما مات فقد شاع العتق فيهما جميعا فصار كل واحد منهما خصما في حق نفسه، متعينا فتقبل الشهادة بخلاف حال الحياة والصحة وكذلك جواب أبي حنيفة في هذه المسألة في الأمتين بأن شهدا بأنه أعتق إحدى أمتيه، أنها لا تقبل؛ لأن انعدام اشتراط الدعوى بقبول الشهادة على عتق الأمة لكونه سببا لحرمة الفرج وهي حق الله تعالى ولا تثبت حرمة الفرج بالعتق المبهم عند أبي حنيفة، فكان الجواب في العبدين والأمتين ههنا عنده على السواء، بخلاف ما إذا شهدا على أنه طلق إحدى امرأتيه، أنها تقبل؛ لأنها قامت على سبب حرمة الفرج، والدعوى فيها ليست بشرط ولو شهدا أن أحد هذين الرجلين أعتق عبده فلانا، لم تجز شهادتهما؛ لأن المدعى عليه مجهول ولو شهدا أنه أعتق عبدا له وسماه ونسيناه، أن الشهادة باطلة؛ لأن الشاهد إذا نسي ما تحمل لا تقبل شهادته، ولو شهدا أنه أعتق عبده سالما ولا يعرفان سالما، وله عبد اسمه سالم ليس له غيره تقبل شهادتهما، ولو شهدا به في البيع لا تقبل، ووجه الفرق أن البيع لا يحتمل الجهالة أصلا والعتق يحتمل ضربا من الجهالة، ألا ترى أنه لا يجوز بيع أحد العبدين ويجوز إعتاق أحد العبدين ولو اختلف الشاهدان في الشرط الذي علق به العتق، لم تجز شهادتهما؛ لأنهما شهدا بعقدين كل عقد لا يثبت إلا بشهادة شاهدين ولم يوجد، والأصل فيه أنه إذا اختلفت شهادة الشاهدين، فإن كان ذلك في دعوى العتق لا تقبل أصلا، وإن كان في دعوى المال ففيه تفصيل ووفاق واختلاف، نذكر ذلك كله في كتاب الشهادات، إن شاء الله تعالى والله عز وجل أعلم