بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

ج / 4 ص -40-          " كتاب الحضانة "
الكلام في هذا الكتاب في مواضع: في تفسير الحضانة وفي بيان من له الحضانة، وفي بيان مدة الحضانة، وفي بيان مكان الحضانة أما الأول: فالحضانة في اللغة تستعمل في معنيين: أحدهما جعل الشيء في ناحية يقال: حضن الرجل الشيء أي اعتزله فجعله في ناحية منه، والثاني: الضم إلى الجنب يقال: حضنته واحتضنته إذا ضممته إلى جنبك، والحضن الجنب فحضانة الأم ولدها هي ضمها إياه إلى جنبها واعتزالها إياه من أبيه ليكون عندها فتقوم بحفظه وإمساكه وغسل ثيابه ولا تجبر الأم على إرضاعه إلا أن لا يوجد من ترضعه فتجبر عليه وهذا قول عامة العلماء، وقال مالك: إن كانت شريفة لم تجبر وإن كانت دنية تجبر والصحيح قول العامة لقوله عز وجل
{لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا} قيل: في بعض وجوه التأويل أي: لا تضار بإلزام الإرضاع مع كراهتها وقوله عز وجل في المطلقات {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} جعل تعالى أجر الرضاع على الأب لا على الأم مع وجودها؛ فدل أن الرضاع ليس على الأم وقوله عز وجل {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} أي: رزق الوالدات المرضعات فإن أريد به المطلقات؛ ففيه أنه لا إرضاع على الأم حيث أوجب بدل الإرضاع على الأب مع وجود الأم وإن أريد به المنكوحات كان المراد منه والله عز وجل أعلم إيجاب زيادة النفقة على الأب للأم المرضعة لأجل الولد، وإلا فالنفقة تستحقها المنكوحة من غير ولد ولأن الإرضاع إنفاق على الولد ونفقة الولد يختص بها الوالد لا يشاركه فيها الأم كنفقته بعد الاستغناءفكما لا تجب عليها نفقته بعد الاستغناء؛ لا تجب عليها قبله، وهو إرضاعه وهذا في الحكم وأما في الفتوى فتفتى بأنها ترضعه لقوله تعالى {لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا} قيل في بعض تأويلات الآية: أي لا تضار بولدها بأن ترميه على الزوج بعد ما عرفها وألفها ولا ترضعه فيتضرر الولد ومتى تضرر الولد تضرر الوالد؛ لأنه يتألم قلبه بذلك، وقد قال الله تعالى {وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ} أي: لا يضار المولود له بسبب الإضرار بولده كذا قيل: في بعض وجوه التأويل ولأن النكاح عقد سكن وازدواج وذلك لا يحصل إلا باجتماعهما على مصالح النكاح ومنها إرضاع الولد فيفتى به ولكنها إن أبت لا تجبر عليه؛ لما قلنا، إلا إذا كان لا يوجد من يرضعه فحينئذ تجبر على إرضاعه؛ إذ لو لم تجبر عليه لهلك الولد، ولو التمس الأب لولده مرضعا فأرادت الأم أن ترضعه بنفسها فهي أولى؛ لأنها أشفق عليه ولأن في انتزاع الولد منها إضرارا بها وإنه منهي عنه لقوله عز وجل {لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا} قيل في بعض الأقاويل: أي لا يضارها زوجها بانتزاع الولد منها وهي تريد إمساكه وإرضاعه فإن أرادت أن تأخذ على ذلك أجرا في صلب النكاح لم يجز لها ذلك؛ لأن الإرضاع وإن لم يكن مستحقا عليها في الحكم فهو مستحق في الفتوى ولا يجوز أخذ

 

ج / 4 ص -41-         الأجر على أمر مستحق؛ لأنه يكون رشوة ولأنها قد استحقت نفقة النكاح وأجرة الرضاع، وأجرة الرضاع بمنزلة النفقة فلا تستحق نفقتين ولأن أجر الرضاع يجب لحفظ الصبي وغسله وهو من نظافة البيت، ومنفعة البيت تحصل للزوجين فلا يجوز لها أن تأخذ عوضا عن منفعة تحصل لها حتى لو استأجرها على إرضاع ولده من غيرها جاز؛ لأن ذلك غير واجب عليها فلا يكون أخذ الأجرة على فعل واجب عليها وكذا ليس في حفظه منفعة تعود إليها؛ لأنه لا يجب عليها أن تسكنه معها وكذلك إذا كانت معتدة من طلاق رجعي لا يحل لها أن تأخذ الأجرة كما لا يجوز في صلب النكاح؛ لأن النكاح بعد الطلاق الرجعي قائم من كل وجه وأما المبتوتة ففيها روايتان: في رواية: لا يجوز لها أن تأخذ الأجر؛ لأنها مستحقة للنفقة والسكنى في حال قيام العدة فلا يحل لها الأجرة كما لا يحل للزوجة، وفي رواية: يجوز؛ لأن النكاح قد زال بالإبانة فصارت كالأجنبية وأما إذا انقضت عدتها فالتمست أجرة الرضاع وقال الأب: أنا أجد من يرضعه بغير أجر أو بأقل من ذلك فذلك له لقوله تعالى {وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى} ولأن في إلزام الأب بما تلتمسه الأم إضرارا بالأب وقد قال الله سبحانه وتعالى {وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ} أي: لا يضار الأب بالتزام الزيادة على ما تلتمسه الأجنبية كذا ذكر في بعض التأويلات ولكن ترضعه عند الأم ولا يفرق بينهما لما فيه من إلحاق الضرر بالأم والله أعلم.
"فصل" وأما بيان من له الحضانة فالحضانة تكون للنساء في وقت وتكون للرجال في وقت والأصل فيها النساء؛ لأنهن أشفق وأرفق وأهدى إلى تربية الصغار ثم تصرف إلى الرجال؛ لأنهم على الحماية والصيانة وإقامة مصالح الصغار أقدر ولكل واحد منهما شرط فلا بد من بيان شرط الحضانتين ووقتهما أما التي للنساء فمن شرائطها أن تكون المرأة ذات رحم محرم من الصغار فلا حضانة لبنات العم وبنات الخال وبنات العمة وبنات الخالة؛ لأن مبنى الحضانة على الشفقة، والرحم المحرم هي المختصة بالشفقة ثم يتقدم فيها الأقرب فالأقرب فأحق النساء من ذوات الرحم المحرم بالحضانة الأم؛ لأنه لا أقرب منها ثم أم الأم ثم أم الأب؛ لأن الجدتين وإن استويتا في القرب لكن إحداهما من قبل الأم أولى وهذه الولاية مستفادة من قبل الأم فكل من يدلي بقرابة الأم كان أولى؛ لأنها تكون أشفق ثم الأخوات فأم الأب أولى من الأخت؛ لأن لها ولادا فكانت أدخل في الولاية وكذا هي أشفق، وأولى الأخوات الأخت لأب وأم ثم الأخت لأم ثم الأخت لأب؛ لأن الأخت لأب وأم تدلي بقرابتين فترجح على الأخت لأم بقرابة الأب وترجح الأخت لأم؛ لأنها تدلي بقرابة الأم فكانت أولى من الأخت لأب، واختلفت الرواية عن أبي حنيفة في الأخت لأب مع الخالة أيتهما أولى؟ روي عنه في كتاب النكاح أن الخالة أولى وهو قول محمد وزفروروي عنه في كتاب الطلاق أن الأخت لأب أولى، وجه الرواية الأولى ما روي أن بنت حمزة لما رأت عليا رضي الله عنه تمسكت به وقالت: ابن عمي فأخذها فاختصم فيها علي وجعفر وزيد بن حارثة رضي الله عنهم فقال رضي الله عنه: بنت عمي وقال جعفر: بنت عمي وخالتها عندي وقال زيد بن حارثة رضي الله عنه: بنت أخي آخيت بيني وبين حمزة يا رسول الله فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بها لخالتها وقال صلى الله عليه وسلم
"الخالة والدة" فقد سمى الخالة والدة فكانت أولى وجه الرواية الأخرى أن الأخت لأب بنت الأب والخالة بنت الجد فكانت الأخت أقرب فكانت أولى وبنت الأخت لأب وأم أولى من الخالة؛ لأنها من ولد الأبوين وكذا بنت الأخت لأم؛ لأنها من ولد الأم والخالة ولد الجد، وكذا بنت الأخت لأب أولى من الخالة على الرواية الأخيرة؛ لأنها من ولد الأب، والخالة ولد الجد فكانت أولى وأما على الرواية الأولى فلا شك أن الخالة تتقدم عليها؛ لأنها تتقدم على أمها وهي الأخت لأب فلأن تتقدم على بنتها وهي أبعد من أمها أولى، وبنات الأخت أولى من بنات الأخ لأن الأخ لا حق له في الحضانة، والأخت لها حق فيها فكان ولد الأخت أولى والخالات أولى من بنات الأخ؛ لأن بنت الأخ تدلي بقرابة الذكر والخالة تدلي بقرابة الأم؛ فكانت الخالة أولى، وبنات الأخ أولى من العمات، وإن كانت كل واحدة منهما أعني: بنت الأخ والعمة تدلي بذكر لكن بنت الأخ أقرب؛ لأنها ولد الأب والعمة ولد الجد فكانت بنت الأخ أقرب فكانت أولى ثم الخالات أولى من

 

ج / 4 ص -42-         العمات وإن تساوين في القرب؛ لأن الخالات يدلين بقرابة الأم فكن أشفق، وأولى الخالات الخالة لأب وأم؛ لأنها تدلي بقرابتين ثم الخالة لأم لإدلائها بقرابة الأم ثم الخالة لأب ثم العمات، وذكر الحسن بن زياد في كتاب الطلاق أن أم الأب أولى من الخالة في قول أبي يوسف وقال زفر: الخالة أولى، وجه قول زفر قول النبي صلى الله عليه وسلم "الخالة والدة" وجه قول أبي يوسف أن أم الأب لها أولاد والولاية في الأصل مستفادة بالولاد، وأولى العمات العمة لأب وأم؛ لأنها تدلي بقرابتين ثم العمة لأم لاتصالها بجهة الأم ثم العمة لأبوأما بنات العم والخال والعمة والخالة فلا حق لهن في الحضانة لعدم الرحم المحرم، والله أعلم، ومنها أن لا تكون ذات زوج أجنبي من الصغير فإن كانت فلا حق لها في الحضانة، وأصله ما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن امرأة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن ابني هذا كان بطني له وعاء وحجري له حواء وثديي له سقاء ويزعم أبوه أن ينزعه مني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أنت أحق به منه ما لم تنكحي" وروي عن سعيد بن المسيب أنه قال: طلق عمر رضي الله عنه أم ابنه عاصم رضي الله عنه فلقيها ومعها الصبي فنازعها وارتفعا إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه فقضى أبو بكر رضي الله عنه بعاصم بن عمر رضي الله عنهم لأمه ما لم يشب أو تتزوج وقال: إن ريحها وفراشها خير له حتى يشب أو تتزوج، وذلك بمحضر من الصحابة رضي الله عنهم ولأن الصغير يلحقه الجفاء والمذلة من قبل الأب؛ لأنه يبغضه لغيرته وينظر إليه نظر المغشي عليه من الموت ويقتر عليه النفقة فيتضرر به حتى لو تزوجت بذي رحم محرم من الصبي لا يسقط حقها في الحضانة كالجدة إذا تزوجت بجد الصبي أو الأم تزوجت بعم الصبي أنه لا يلحقه الجفاء منهما لوجود المانع من ذلك وهو القرابة الباعثة على الشفقة، ولو مات عنها زوجها أو أبانها عاد حقها في الحضانة؛ لأن المانع قد زال فيزول المنع ويعود حقها وتكون هي أولى ممن هي أبعد منها كما كانت، ومنها: عدم ردتها حتى لو ارتدت عن الإسلام بطل حقها في الحضانة؛ لأن المرتدة تحبس فيتضرر به الصبي، ولو تابت وأسلمت يعود حقها لزوال المانع، وسئل محمد عن النساء إذا اجتمعن ولهن أزواج؟ قال: يضعه القاضي حيث شاء؛ لأنه لا حق لهن فصار كمن لا قرابة له ومنها أن تكون حرة فلا حق للأمة وأم الولد في حضانة الولد الحر؛ لأن الحضانة ضرب من الولاية وهما ليستا من أهل الولاية فأما إذا أعتقتا فهما في الحضانة كالحرة؛ لأنهما استفادتا الولاية بالعتق، وأهل الذمة في هذه الحضانة بمنزلة أهل الإسلام؛ لأن هذا الحق إنما يثبت نظرا للصغير وإنه لا يختلف بالإسلام والكفر، وكذا اتحاد الدين ليس بشرط لثبوت هذا الحق حتى لو كانت الحاضنة كتابية والولد مسلم؛ كانت في الحضانة كالمسلمة كذا ذكر في الأصل لما قلنا وكان أبو بكر أحمد بن علي الرازي يقول: إنها أحق بالصغير والصغيرة حتى يعقلا فإذا عقلا؛ سقط حقها؛ لأنها تعودهما أخلاق الكفرة وفيه ضرر عليهما، والله عز وجل الموفق

"فصل" وأما وقت الحضانة التي من قبل النساء فالأم والجدتان أحق بالغلام حتى يستغني عنهن فيأكل وحده ويشرب وحده ويلبس وحده كذا ذكر في ظاهر الرواية، وذكر أبو داود بن رشيد عن محمد ويتوضأ وحده يريد به الاستنجاء أي ويستنجي وحده ولم يقدر في ذلك تقديرا وذكر الخصاف سبع سنين أو ثمان سنين أو نحو ذلك وأما الجارية فهي أحق بها حتى تحيض كذا ذكر في ظاهر الرواية وحكى هشام عن محمد حتى تبلغ أو تشتهيوإنما اختلف حكم الغلام والجارية؛ لأن القياس أن تتوقت الحضانة بالبلوغ في الغلام والجارية جميعا؛ لأنها ضرب ولاية ولأنها ثبتت للأم فلا تنتهي إلا بالبلوغ كولاية الأب في المال إلا أنا تركنا القياس في الغلام بإجماع الصحابة رضي الله عنهم لما روينا أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قضى بعاصم بن عمر لأمه ما لم يشب عاصم أو تتزوج أمه وكان ذلك بمحضر من الصحابة رضي الله عنهم ولم ينكر عليه أحد من الصحابة فتركنا القياس في الغلام بإجماع الصحابة رضي الله عنهم فبقي الحكم في الجارية على أصل القياس؛ ولأن الغلام إذا استغنى يحتاج إلى التأديب والتخلق بأخلاق الرجال وتحصيل أنواع الفضائل واكتساب أسباب العلوم والأب على ذلك أقوم وأقدر مع ما أنه لو ترك في يدها لتخلق بأخلاق النساء وتعود بشمائلهن وفيه ضرر، وهذا المعنى لا يوجد في الجارية فتترك في يد الأم بل تمس الحاجة إلى الترك في يدها إلى

 

ج / 4 ص -43-         وقت البلوغ لحاجتها إلى تعلم آداب النساء والتخلق بأخلاقهن وخدمة البيت ولا يحصل ذلك إلا وأن تكون عند الأم ثم بعد ما حاضت أو بلغت عند الأم حد الشهوة؛ تقع الحاجة إلى حمايتها وصيانتها وحفظها عمن يطمع فيها لكونها لحما على وضم فلا بد ممن يذب عنها والرجال على ذلك أقدر وأما غير هؤلاء من ذوات الرحم المحرم من الأخوات والخالات والعمات إذا كان الصغير عندهن فالحكم في الجارية كالحكم في الغلام وهو أنها تترك في أيديهن إلى أن تأكل وحدها وتشرب وحدها وتلبس وحدها ثم تسلم إلى الأب وإنما كان كذلك؛ لأنها وإن كانت تحتاج بعد الاستغناء إلى تعلم آداب النساء لكن في تأديبها استخدامها وولاية الاستخدام غير ثابتة لغير الأمهات من الأخوات والخالات والعمات فتسلمها إلى الأب احترازا عن الوقوع في المعصية وأما التي للرجال فأما وقتها فما بعد الاستغناء في الغلام إلى وقت البلوغ وبعد الحيض في الجارية إذا كانت عند الأم أو الجدتين وإن كانا عند غيرهن فما بعد الاستغناء فيهما جميعا إلى وقت البلوغ لما ذكرنا من المعنى وإنما توقت هذا الحق إلى وقت بلوغ الصغير والصغيرة؛ لأن ولاية الرجال على الصغار والصغائر تزول بالبلوغ كولاية المال غير أن الغلام إذا كان غير مأمون عليه فللأب أن يضمه إلى نفسه ولا يخلي سبيله كي لا يكتسب شيئا عليه وليس عليه نفقته إلا أن يتطوع فأما إذا بلغ عاقلا واجتمع رأيه واستغنى عن الأب وهو مأمون عليه؛ فلا حق للأب في إمساكه كما ليس له أن يمنعه من ماله فيخلي سبيله فيذهب حيث شاء والجارية إن كانت ثيبا وهي غير مأمونة على نفسها لا يخلي سبيلها ويضمها إلى نفسه وإن كانت مأمونة على نفسها؛ فلا حق له فيها ويخلي سبيلها وتترك حيث أحبت وإن كانت بكرا لا يخلي سبيلها وإن كانت مأمونة على نفسها؛ لأنها مطمع لكل طامع ولم تختبر الرجال فلا يؤمن عليها الخداع وأما شرطها فمن شرائطها العصوبة فلا تثبت إلا للعصبة من الرجال ويتقدم الأقرب فالأقرب الأب ثم الجد أبوه وإن علا ثم الأخ لأب وأم ثم الأخ لأب ثم ابن الأخ لأب وأم ثم ابن الأخ لأب ثم العم لأب وأم ثم العم لأب ثم ابن العم لأب وأم ثم ابن العم لأب، إن كان الصبي غلاما وإن كانت جارية فلا تسلم إليه؛ لأنه ليس بمحرم منها؛ لأنه يجوز له نكاحها فلا يؤمن عليها وأما الغلام فإنه عصبة وأحق به ممن هو أبعد منه ثم عم الأب لأب وأم ثم عم الأب لأب ثم عم الجد لأب وأم ثم عم الجد لأب، ولو كان لها ثلاثة إخوة كلهم على درجة واحدة بأن كانوا كلهم لأب وأم أو لأب، أو ثلاثة أعمام كلهم على درجة واحدة؛ فأفضلهم صلاحا وورعا أولى فإن كانوا في ذلك سواء؛ فأكبرهم سنا أولى بالحضانة فإن لم يكن للجارية من عصباتها غير ابن العم اختار لها القاضي أفضل المواضع؛ لأن الولاية في هذه الحالة إليه فيراعي الأصلح فإن رآه أصلح؛ ضمها إليه وإلا فيضعها عند امرأة مسلمة أمينة وكل ذكر من قبل النساء فلا حق له في الولد مثل الأخ لأم والخال وأبي الأم لانعدام العصوبة، وقال محمد: إن كان للجارية ابن عم وخال وكلاهما لا بأس به في دينه؛ جعلها القاضي عند الخال؛ لأنه محرم وابن العم ليس بمحرم فكان المحرم أولى والأخ من الأب أحق من الخال؛ لأنه عصبة وهو أيضا أقرب؛ لأنه من أولاد الأب والخال من أولاد الجد، وذكر الحسن بن زياد أن الصبي إذا لم يكن له قرابة من قبل النساء فالعم أولى به من الخال وأبي الأم؛ لأنه عصبته والأخ لأب أولى من العم وكذلك ابن الأخ؛ لأنه أقرب فإن لم تكن له قرابة أشفق من جهة أبيه من الرجال والنساء فإن الأم أولى من الخال والأخ لأم؛ لأن لها ولادا وهي أشفق ممن لا ولاد له من ذوي الأرحام ومنها: إذا كان الصغير جارية أن تكون عصبتها ممن يؤتمن عليها فإن كان لا يؤتمن لفسقه ولخيانته؛ لم يكن له فيها حق؛ لأن في كفالته لها ضررا عليها وهذه ولاية نظر فلا تثبت مع الضرر حتى لو كانت الإخوة والأعمام غير مأمونين على نفسها ومالها؛ لا تسلم إليهم وينظر القاضي امرأة من المسلمين ثقة عدلة أمينة فيسلمها إليها إلى أن تبلغ فتترك حيث شاءت وإن كانت بكراومنها: اتحاد الدين فلا حق للعصبية في الصبي إلا أن يكون على دينه كذا ذكر محمد وقال: هذا قول أبي حنيفة وقياسه؛ لأن هذا الحق لا يثبت إلا للعصبة واختلاف الدين يمنع التعصيب وقد قالوا في الأخوين إذا كان أحدهما مسلما والآخر يهوديا والصبي يهودي: إن اليهودي أولى به؛ لأنه عصبة لا المسلم، والله عز وجل الموفق
ولا خيار للغلام والجارية إذا اختلف الأبوان فيهما قبل

 

ج / 4 ص -44-         البلوغ عندنا وقال الشافعي يخير الغلام إذا عقل التخيير واحتج بما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن امرأة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: زوجي يريد أن ينتزع ابنه مني وإنه قد نفعني وسقاني من بئر أبي عنبة فقال "استهما عليه فقال الرجل: من يشاقني في ابني فقال النبي صلى الله عليه وسلم للغلام اختر أيهما شئت فاختار أمه فأعطاها إياه" ولأن في هذا نظر للصغير؛ لأنه يحتاج الأشفق ولنا ما روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال للأم "أنت أحق به ما لم تنكحي ولم يخير" ولأن تخيير الصبي ليس بحكمة؛ لأنه لغلبة هواه يميل إلى اللذة الحاضرة من الفراغ والكسل والهرب من الكتاب وتعلم آداب النفس ومعالم الدين فيختار شر الأبوين وهو الذي يهمله ولا يؤدبه وأما حديث أبي هريرة رضي الله عنه فالمراد منه التخيير في حق البالغ؛ لأنها قالت: نفعني وسقاني من بئر أبي عنبة، ومعنى قولها: نفعني أي: كسب علي والبالغ هو الذي يقدر على الكسب وقد قيل: إن بئر أبي عنبة بالمدينة لا يمكن الصغير الاستقاء منه فدل على أن المراد منه التخيير في حق البالغ ونحن به نقول: إن الصبي إذا بلغ يخير والدليل عليه ما روي عن عمارة بن ربيعة المخزومي أنه قال: غزا أبي البحرين فقتل فجاء عمي ليذهب بي فخاصمته أمي إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه ومعي أخ لي صغير فخيرني علي رضي الله عنه ثلاثا فاخترت أمي فأبى عمي أن يرضى فوكزه علي رضي الله عنه بيده وضربه بدرته وقال: لو بلغ هذا الصبي أيضا خير فهذا يدل على أن التخيير لا يكون إلا بعد البلوغ.

"فصل" وأما بيان مكان الحضانة فمكان الحضانة مكان الزوجين إذا كانت الزوجية بينهما قائمة حتى لو أراد الزوج أن يخرج من البلد وأراد أن يأخذ ولده الصغير ممن له الحضانة من النساء له ذلك حتى يستغني عنها لما ذكرنا أنها أحق بالحضانة منه فلا يملك انتزاعه من يدها لما فيه من إبطال حقها فضلا عن الإخراج من البلد وإن أرادت المرأة أن تخرج من المصر الذي هي فيه إلى غيره فللزوج أن يمنعها من الخروج سواء كان معها ولد أو لم يكن؛ لأن عليها المقام في بيت زوجها، وكذلك إذا كانت معتدة لا يجوز لها الخروج مع الولد وبدونه ولا يجوز للزوج إخراجها لقوله عز وجل {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} وأما إذا كانت منقضية العدة فأرادت أن تخرج بولدها من البلد الذي هي فيه إلى بلد فهذا على أقسام: إن أرادت أن تخرج إلى بلدها وقد وقع النكاح فيه؛ فلها ذلك مثل أن تزوج كوفية بالكوفة ثم نقلها إلى الشام فولدت أولادا ثم وقعت الفرقة بينهما وانقضت العدة فأرادت أن تنقل أولادها إلى الكوفة فلها ذلك؛ لأن المانع هو ضرر التفريق بينه وبين ولده وقد رضي به لوجود دليل الرضا وهو التزوج بها في بلدها؛ لأن من تزوج امرأة في بلدها فالظاهر أنه يقيم فيه والولد من ثمرات النكاح فكان راضيا بحضانة الولد في ذلك فكان راضيا بالتفريق إلا أن النكاح ما دام قائما يلزمها اتباع الزوج فإذا زال فقد زال المانع وإن وقع النكاح في غير بلدها لم يكن لها أن تنتقل بولدها إلى بلدها بأن تزوج امرأة كوفية بالشام فوقعت الفرقة فأرادت أن تنقل ولدها إلى الكوفة؛ لم يكن لها ذلك؛ لأنه إذا لم يقع النكاح في بلدها لم توجد دلالة الرضا بالمقام في بلدها فلم يكن راضيا بحضانة الولد فيه فلم يكن راضيا بضرر التفريق، ولو أرادت أن تنقل الولد إلى بلد ليس ذلك ببلدها ولكن وقع النكاح فيه كما إذا تزوج كوفية بالشام فنقلها إلى البصرة فوقعت الفرقة بينهما فأرادت أن تنتقل بأولادها إلى الشام ليس لها ذلك كذا ذكر في الأصل؛ لأن ذلك البلد الذي وقع فيه النكاح ليس ببلدها ولا بلد الزوج بل هو دار غربة لها كالبلد الذي فيه الزوج فلم يكن النكاح فيه دليل الرضا بالمقام فيه فلم يكن راضيا بحضانة الولد الذي هو من ثمرات النكاح فيه فلم يكن راضيا بضرر التفريق فاعتبر في الأصل شرطين: أحدهما: أن يكون البلد الذي تريد أن تنقل إليه الولد بلدها، والثاني: وقوع النكاح فيه فما لم يوجدا لا يثبت لها ولاية النقل وروي عن أبي يوسف أن لها ذلك واعتبر مكان العقد فقط، وإليه أشار محمد في الجامع الصغير فقال: وإنما أنظر في هذا إلى عقدة النكاح أين وقعت؟ وهكذا اعتبر الطحاوي والخصاف اتباعا لقول محمد في الجامع وهذا غير سديد؛ لأن محمدا وإن أجمل المسألة في الجامع فقد فصلها في الأصل على الوجه الذي وصفنا والمجمل يحمل على المفسر وقد يكون المفسر بيانا للمجمل كالنص

 

ج / 4 ص -45-         المجمل من الكتاب والسنة إذا لحق به التفسير أنه يصير مفسرا من الأصل كذا هذا، والله عز وجل الموفقهذا إذا كانت المسافة بين البلدين بعيدة، فإن كانت قريبة بحيث يقدر الأب أن يزور ولده ويعود إلى منزله قبل الليل فلها ذلك؛ لأنه لا يلحق الأب كبير ضرر بالنقل بمنزلة النقل إلى أطراف البلد وأما أهل السواد فالحكم في السواد كالحكم في المصر في جميع الفصول إلا في فصل واحدوبيانه: أن النكاح إذا وقع في الرستاق فأرادت المرأة أن تنقل الصبي إلى قريتها فإن كان أصل النكاح وقع فيها؛ فلها ذلك كما في المصر لما قلنا، وإن كان وقع في غيرها فليس لها نقله إلى قريتها ولا إلى القرية التي وقع فيها النكاح إذا كانت بعيدة لما ذكرنا في المصر وإن كانت قريبة على التفسير الذي ذكرنا ؛ فلها ذلك كما في المصر وإن كان الأب متوطنا في المصر فأرادت نقل الولد إلى القرية فإن كان تزوجها فيها وهي قريتها فلها ذلك وإن كانت بعيدة عن المصر لما ذكرنا في المصر وإن لم تكن تلك قريتها فإن كانت قريته ووقع فيها أصل النكاح فلها ذلك كما في المصر، وإن كان لم يقع النكاح فيها فليس لها ذلك، وإن كانت قريبة من المصر بخلاف المصرين؛ لأن أخلاق أهل السواد لا تكون مثل أخلاق أهل المصر بل تكون أجفى فيتخلق الصبي بأخلاقهم فيتضرر به ولم يوجد من الأب دليل الرضا بهذا الضرر؛ إذ لم يقع أصل النكاح في القرية والله عز وجل أعلم، وليس للمرأة أن تنقل ولدها إلى دار الحرب وإن كان قد تزوجها هناك وكانت حربية بعد أن يكون زوجها مسلما أو ذميا؛ لأن في ذلك إضرارا بالصبي؛ لأنه يتخلق بأخلاق الكفرة فيتضرر به وإن كان كلاهما حربيين فلها ذلك؛ لأن الصبي تبع لهما وهما من أهل دار الحرب، والله عز وجل أعلم وهو الموفق.