بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

"كتاب المأذون"
الكلام في هذا الكتاب يقع في مواضع في بيان ركن الإذن بالتجارة, وفي بيان شرائط الركن وفي بيان ما يظهر به الإذن بالتجارة وفي بيان ما يملك المأذون من التصرف وما لا يملك حكم تصرفه وفي بيان ما يملك المولى من التصرف في المأذون وكسبه, وما لا يملك حكم تصرفه, وفي بيان حكم الغرور في العبد المأذون وفي بيان حكم الدين الذي يلحق المأذون, وفي بيان ما يبطل به الإذن ويصير محجورا وفي بيان حكم تصرف المحجور. "أما" الأول فنقول وبالله التوفيق ركن الإذن بالتجارة نوعان: صريح ودلالة, والصريح نوعان: خاص وعام, وكل واحد منهما أنواع ثلاثة: منجز ومعلق بشرط ومضاف إلى وقت. "أما" الخاص المنجز فهو أن يأذن له في شيء بعينه مما لا يؤذن في مثله للتجارة عادة بأن يقول له اشتر لي بدرهم لحما أو اشتر لي طعاما رزقا لي أو لأهلي أو لك أو اشتر لي ثوبا أو لأهلي أو لأهلك أو اشتر ثوبا اقطعه قميصا, ونحو ذلك مما لا يقصد به التجارة عادة ويصير مأذونا فيما تناوله الإذن خاصة استحسانا, والقياس أن يصير مأذونا بالتجارات كلها؛ لأن الإذن بالتجارة مما لا يجزي فكان الإذن في تجارة إذنا في الكل وجه الاستحسان أن الإذن على هذا الوجه لا يوجد إلا على وجه الاستخدام عرفا وعادة فيحمل على المتعارف وهو الاستخدام دون الإذن بالتجارة مع ما أنه لو جعل الإذن بمثله إذنا

 

ج / 7 ص -192-       بالتجارات كلها لصار المأذون بشراء البقل مأذونا في التجارة, وفيه سد باب استخدام المماليك وبالناس حاجة إليه فاقتصر على مورد الضرورة. "وأما" العام المنجز فهو أن يقول أذنت لك في التجارات أو في التجارة ويصير مأذونا في الأنواع كلها بالإجماع. "وأما" إذا أذن له في نوع بأن قال: اتجر في البر أو في الطعام أو في الدقيق يصير مأذونا في التجارات كلها عندنا, وعند زفر والشافعي رحمهما الله لا يصير مأذونا إلا في النوع الذي تناوله ظاهر الإذن, وكذلك إذا قال له اتجر في البر ولا تتجر في الخبز لا يصح نهيه وتصرفه ويصير مأذونا في التجارات كلها, وعلى هذا إذا أذن له في ضرب من الصنائع بأن قال له: اقعد قصارا أو صباغا يصير مأذونا في التجارات والصنائع كلها حتى كان له أن يقعد صيرفيا وصائغا, وكذلك إذا أذن له أن يتجر شهرا أو سنة يصير مأذونا أبدا ما لم يحجر عليه وجه قولهما أن العبد متصرف عن إذن فلا يتعدى تصرفه مورد الإذن كالوكيل والمضارب, ولهذا يثبت حكم تصرفه لمولاه. "ولنا" أن تقييد الإذن بالنوع غير مفيد فيلغو استدلالا بالمكاتب وهذا؛ لأن فائدة الإذن بالتجارة تمكين العبد من تحصيل النفع المطلوب من التجارة وهو الربح, وهذا في النوعين على نمط واحد, وكذا الضرر الذي يلزمه في العقد عسى لا يتفاوت فكان الرضا بالضرر في أحد النوعين رضا به في النوع الآخر فلم يكن التقييد بالنوع مفيدا فيلغو, ويبقى الإذن بالتجارة عاما فيتناول الأنواع كلها مع ما أنه وجد الإذن في النوع الآخر دلالة؛ لأن الغرض من الإذن هو حصول الربح, والنوعان في احتمال الربح على السواء فكان الإذن بأحدهما إذنا بالآخر دلالة, ولهذا يملك قبول الهبة والصدقة من غير إذن المولى صريحا لوجوده دلالة كذا ههنا. "وأما" الخاص المعلق بشرط فهو أن يقول: إن قدم فلان فاشتر لي بدرهم لحما ونحو ذلك, والمضاف إلى وقت أن يقول: اشتر لي بدرهم لحما غدا أو رأس شهر كذا. "وأما" العام المعلق بشرط فهو أن يقول: إن قدم فلان فقد أذنت لك بالتجارة, والمضاف إلى وقت أن يقول: أذنت لك بالتجارة غدا أو رأس شهر كذا, وكل واحد من النوعين يصح معلقا ومضافا كما يصح مطلقا بخلاف الحجر أنه لا يصح تعليقه بشرط ولا إضافة إلى وقت بأن يقول للمأذون: إن قدم فلان فأنت محجور أو فقد حجرت عليك غدا أو رأس شهر كذا, ووجه الفرق أن الإذن تصرف إسقاط؛ لأن انحجار العبد ثبت حقا لمولاه وبالإذن أسقطه والإسقاطات تحتمل التعليق والإضافة كالطلاق والعتاق ونحوهما, فأما الحجر فإثبات الحق وإعادته, والإثبات لا يحتمل التعليق والإضافة كالرجعة ونحوها, ولهذا قال أصحابنا: إن الإذن لا يحتمل التوقيت حتى لو أذن لعبده بالتجارة شهرا أو سنة يصير مأذونا أبدا ما لم يوجد المبطل للإذن كالحجر وغيره إلا أن يؤقت الإذن إلى وقت إضافة الحجر إليه؛ لأن معناه إذا مضى شهر أو سنة فقد حجرت عليك أو حجرت عليك رأس شهر كذا, والحجر لا يحتمل الإضافة إلى الوقت فلغت الإضافة وبقي الإذن بالتجارة مطلقا إلى أن يوجد المبطل. "وأما" الإذن بطريق الدلالة فنحو أن يرى عبده يبيع ويشتري فلا ينهاه ويصير مأذونا في التجارة عندنا إلا في البيع الذي صادفه السكوت. وأما في الشراء فيصير مأذونا, وعند زفر والشافعي رحمهما الله لا يصير مأذونا وجه قولهما أن السكوت يحتمل الرضا ويحتمل السخط فلا يصلح دليل الإذن مع الاحتمال, ولهذا لم ينفذ تصرفه الذي صادفه السكوت. "ولنا" أنه يرجح جانب الرضا على جانب السخط؛ لأنه لو لم يكن راضيا لنهاه إذ النهي عن المنكر واجب, فكان احتمال السخط احتمالا مرجوحا فكان ساقط الاعتبار شرعا. "وأما" التصرف الذي صادفه السكوت, فإن كان شراء ينفذ, وإن كان بيعا قائما لم ينفذ لانعدام المقصود من الإذن بالتجارة على ما نذكره إن شاء الله تعالى وسواء رآه يبيع بيعا صحيحا أو بيعا فاسدا إذا سكت ولم ينهه يصير مأذونا؛ لأن وجه دلالة السكوت على الإذن لا يختلف, وكذلك لو رآه المولى يبيع مال أجنبي فسكت يصير مأذونا, وإن لم يجز البيع لما قلنا, وكذلك لو باع مال مولاه والمولى حاضر فسكت لم يجز ذلك البيع ويصير مأذونا في التجارة؛ لأن غرض المولى من الإذن بالتجارة حصول المنفعة دون المضرة, وذلك باكتساب ما لم يكن لا بإزالة الملك عن مال كائن, ولا ينجبر هذا الضرر بالثمن؛ لأن الناس رغائب في الأعيان ما ليس في أبدالها حتى لو كان شراء ينفذ؛ لأنه نفع محض, ثم لا حكم للسكوت إلا في مواضع

 

ج / 7 ص -193-       منها سكوت المولى عند تصرف العبد بالبيع والشراء, وقد ذكرناه. "ومنها" سكوت البالغة البكر عند استئمار الولي أنه يكون إذنا وقت العقد وبعده يكون إجازة. "ومنها" سكوت الشفيع إذا علم بالشراء أنه يكون تسليما للشفعة. "ومنها" سكوت الواهب أو المتصدق عند قبض الموهوب له والمتصدق عليه بحضرته أن يكون إذنا بالقبض. "ومنها" سكوت المجهول النسب إذا باعه إنسان بحضرته, وقال له: قم فاذهب مع مولاك فقام وسكت أنه يكون إقرارا منه بالرق حتى لا تسمع دعواه الحرية بعد ذلك. "وأما" سكوت البائع بيعا صحيحا بثمن حال عند قبض المشتري بحضرته هل يكون إذنا بالقبض؟ ذكر في ظاهر الرواية أنه لا يكون إذنا بالقبض وذكر الطحاوي رحمه الله أنه يكون إذنا كما في البيع الفاسد, ودلائل هذه المسائل نذكرها في موضعها إن شاء الله تعالى وعلى هذا إذا قال لعبده: أد إلي كل يوم كذا أو كل شهر كذا يصير مأذونا؛ لأنه لا يتمكن من أداء الغلة إلا بالكسب فكان الإذن بأداء الغلة إذنا بالتجارة, وكذلك لو قال لعبده: أد إلي ألفا وأنت حر أو قال: إن أديت إلي ألفا فأنت حر يصير مأذونا؛ لأن غرضه حمل العبد على العتق بواسطة تحصيل الشرط ولا يتمكن من تحصيله إلا بالتصرف فكان التعليق دليلا على الإذن, وكذلك إذا قال له: أد إلي ألفا وأنت حر, فهذا والأول سواء؛ لأنه يستعمل في التعليق عرفا وعادة ولو قال له: أد وأنت حر لا يصير مأذونا ويعتق للحال؛ لأن هذا تنجيز وليس بتعليق, وعلى هذا إذا كاتب عبده يصير مأذونا؛ لأنه لما كاتبه فقد جعله أحق بكسبه ولا يكون ذلك إلا بالتجارة, والله تعالى أعلم.

"فصل": وأما شرائط الركن فأنواع منها أن يكون الإذن لمن يعقل التجارة؛ لأن الإذن بالتجارة لمن لا يعقل سفه, فأما البلوغ فليس بشرط لصحة الإذن فيصح الإذن للعبد بالغا كان أو صبيا بعد أن كان يعقل البيع والشراء لما روي أن النبي عليه الصلاة والسلام "كان يجيب دعوة المملوك من غير فصل" فدل الحديث على جواز الإذن بالتجارة؛ لأنه عليه الصلاة والسلام ما كان ليجيب دعوة المحجور ويأكل من كسبه فتعين المأذون, وكذا الإذن للأمة والمدبرة وأم الولد بعد أن عقلوا التجارة؛ لأن اسم المملوك يتناول الكل, وكذا يجوز الإذن للصبي الحر بالتجارة إذا كان يعقل التجارة وهذا عندنا, وقال الشافعي رحمه الله لا يجوز الإذن للصبي بالتجارة بحال حرا كان أو عبدا, وكذا سلامة العقل عن الفساد أصلا ليس بشرط لصحة الإذن عندنا حتى يجوز الإذن للمعتوه الذي يعقل البيع والشراء بالتجارة وعنده شرط. "وجه" قوله أن الصبي ليس من أهل التجارة فلا يصح الإذن له بالتجارة وهذا؛ لأن أهلية التجارة بالعقد الكامل؛ لأنه تصرف دائر بين الضرر والنفع فلا بد لها من كمال العقل وعقل الصبي ناقص فلا يكفي لأهلية التجارة, ولهذا لم يعتبر عقله في الهبة والصدقة والطلاق والعتاق كذا ههنا. "ولنا" قوله تبارك وتعالى {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} أمر سبحانه وتعالى الأولياء بابتلاء اليتامى, والابتلاء هو الإظهار فابتلاء اليتيم إظهار عقله بدفع شيء من أمواله إليه؛ لينظر الولي أنه هل يقدر على حفظ أمواله عند النوائب ولا يظهر ذلك إلا بالتجارة فكان الأمر بالابتلاء إذنا بالتجارة, ولأن الصبي إذا كان يعقل التجارة يعقل النافع من الضار فيختار المنفعة على المضرة ظاهرا فكان أهلا للتجارة كالبالغ بخلاف الهبة والصدقة والطلاق ونحوها؛ لأنها من التصرفات الضارة المحضة لكونها إزالة ملك لا إلى عوض فلم يجعل الصبي أهلا لها نظرا دفعا للضرر عنه ومنها العلم بالإذن بالتجارة في أحد نوعي الإذن بلا خلاف. وبيان ذلك أن الإذن بالإضافة إلى الناس ضربان: إذن إسرار وإذن إعلان وهو المسمى بالخاص والعام في الكتاب, فالخاص أن يقول أذنت لعبدي في التجارة لا على وجه ينادي أهل السوق فيقول: بايعوا عبدي فلانا فإني قد أذنت له في التجارة ولا خلاف في أن العلم بالإذن شرط لصحة الإذن في هذا النوع؛ لأن الإذن هو الإعلام قال الله تعالى: {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} أي إعلام, والفعل لا يعرف إعلاما إلا بعد تعلقه بالعلم, ولأن إذن العبد يعتبر بإذن الشرع ثم حكم الإذن من الشرع لا يثبت في حق المأذون إلا بعد علمه به فعلى ذلك إذن العبد, ولهذا كان العلم بالوكالة شرطا لصحتها على ما ذكرنا في كتاب الوكالة كذا هذا حتى لم يصح تصرف الوكيل قبل العلم بالوكالة. وأما في الإذن العام فقد ذكرنا في كتاب المأذون أنه يصير مأذونا, وإن لم يعلم به العبد, وذكر في الزيادات فيمن قال: لأهل السوق بايعوا ابني فلانا فبايعوه والصبي لا يعلم

 

ج / 7 ص -194-       بالإذن أنه لا يصير مأذونا ما لم يعلم بإذن الأب منهم من أثبت اختلاف الروايتين في جواز الإذن القائم من غير علم العبد ومنهم من لم يثبت الاختلاف وفرق بين العبد والصبي فجعل العلم شرطا في الصبي دون العبد. "ووجه" الفرق أن انحجار العبد لحق مولاه, فإذا أذن انفك بمبايعته فقد أسقط حق نفسه فانفك الحجر فصار مأذونا بخلاف الصبي؛ لأن انحجاره عن التصرف لحق نفسه لا لحق أبيه ألا ترى أن العهدة تلزمه دون أبيه, فشرط علمه بالإذن الذي هو إزالة الحجر ليكون لزوم العهدة في التجارة مضافا إليه, ويحتمل أن يفرق بينهما من وجه آخر وهو أن الإذن على سبيل الاستفاضة سبب لحصول العلم لهما جميعا إلا أن السبب لا يقام مقام المسبب إلا لضرورة, والضرورة في حق العبد دون الصبي؛ لأن الناس يحتاجون إلى مبايعة العبد المأذون؛ لأن الإذن للعبد بالتجارة من عادات التجار وإذا وجد الإذن على الاستفاضة وأنه سبب لحصول العلم غالبا فالناس يعاملونه بناء على هذه الدلالة ثم يظهر أنه ليس بمأذون؛ لانعدام العلم حقيقة فتتعلق ديونهم بذمة المفلس وتتأخر إلى ما بعد العتق فيؤدي إلى الضرر بهم بخلاف الصبيان؛ لأن إذن الصبي بالتجارة ليس من عادة التجار, والناس أيضا لا يعاملون الصبيان عادة, ولو توقف الإذن على حقيقة العلم لا يلحقهم الضرر إلا على سبيل الندرة, والنادر ملحق بالعدم, والله سبحانه وتعالى أعلم.

"فصل": وأما بيان ما يظهر به الإذن بالتجارة فنقول ما يظهر به الإذن بالتجارة نوعان: أحدهما من جهة المولى والثاني من جهة العبد, أما الذي من جهة المولى فهو تشهيره الإذن وإشاعته بأن ينادي أهل السوق: إني قد أذنت لعبدي فلانا بالتجارة فبايعوه, وهو المسمى بالإذن العام. وأما الذي من جهة العبد فهو إخباره عن كونه مأذونا بالتجارة بأن لم يكن الإذن من المولى عاما أو قدم مصرا لم يشتهر فيه إذن المولى فقال: إن مولاي أذن لي في التجارة, والإذن بالتجارة يظهر بكل واحد من النوعين. أما الأول فلا شك فيه لحصول العلم للسامعين بحس السمع من الإذن ولغير السامعين بالنقل بطريق التواتر. وأما الثاني فلأن خبر الواحد مقبول في المعاملات, ولا يشترط فيه العدد ولا العدالة ألا ترى أنه لو جاء عبد أو أمة إلى إنسان فقال: هذه هدية بعثني بها مولاي إليك جاز له القبول كذا هذا وهذا؛ لأن هذه المعاملات في العادات يتعاطاها العبيد والخدم, والفسق فيهم غالب فلو لم يقبل خبرهم فيها لوقع الناس في الحرج, وإذا قبل خبره ظهر الإذن فيسع الناس أن يعاملوه غير أنهم إن بنوا معاملاتهم على الإذن العام فعاملوه, فلحقه دين يباع فيه كسبه ورقبته بدين التجارة, وإن عاملوه بناء على إخباره فلحقه دين يباع كسبه بالدين ولا تباع رقبته ما لم يحضر المولى فيقر بإذنه, والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.

"فصل": وأما بيان ما يملكه المأذون من التصرف, وما لا يملكه فنقول وبالله تعالى التوفيق كل ما كان من باب التجارة أو توابعها أو ضروراتها يملكه المأذون وما لا فلا؛ لأن كل ذلك داخل في الإذن بالتجارة فيملك الشراء والبيع بالنقد والنسيئة والعروض؛ لأن كل ذلك من التجارة ومن عادة التجار, وكذلك يملك البيع والشراء بغبن يسير بالإجماع؛ لأنه من التجارة ولا يمكن التحرز عنه حتى ملكه الأب والوصي, وكذا بالغبن الفاحش عند أبي حنيفة رضي الله عنه, وعندهما لا يملك. "وجه" قولهما أن البيع بغبن فاحش في معنى التبرع ألا يرى أنه لو فعله المريض يعتبر من الثلث كما في سائر التبرعات والمأذون لا يملك التبرع. "وجه" قول أبي حنيفة رحمه الله أن هذا بيع وشراء على الإطلاق؛ لوقوع اسم الشراء والبيع عليه مطلقا فكان تجارة مطلقة فدخلت تحت الإذن بالتجارة ثم فرق أبو حنيفة رحمه الله بين المأذون وبين الوكيل حيث سوى بين البيع والشراء في المأذون وفرق بينهما في الوكيل حيث قال: إن المأذون يملك البيع والشراء بالغبن الفاحش والوكيل لا يملك الشراء بالغبن الفاحش بالإجماع. "ووجه" الفرق له أن امتناع جواز الشراء بالغبن الفاحش في باب الوكالة لمكان التهمة لجواز أنه اشترى لنفسه فلما ظهر الغبن أظهر الشراء لموكله فلم يجز للتهمة حتى أن الوكيل لو كان وكل بشراء شيء بعينه ينفذ على الموكل لانعدام التهمة؛ لأنه لا يملك الشراء لنفسه ومعنى التهمة لا يتقدر في المأذون؛ لأنه لا يملك الشراء لنفسه فاستوى فيه البيع والشراء. وهل يملك المأذون أن

 

ج / 7 ص -195-       يبيع شيئا من مولاه, فإن لم يكن عليه دين لا يتصور البيع من المولى لاستحالة بيع مال الإنسان منه, وإن كان عليه دين, فإن باعه بمثل قيمته أو أكثر جاز, وإن باعه بأقل من قيمته لم يجز عند أبي حنيفة أصلا, وعندهما لا يجوز بقدر المحاباة, وكذلك لو باع المولى شيئا منه, فإن لم يكن عليه دين لم يكن بيعا لما قلنا, وإن كان عليه دين, فإن باعه بمثل قيمته أو بأقل من قيمته جاز, وإن باعه بأكثر من قيمته لم يجز البيع عند أبي حنيفة, وعندهما يجوز وتبطل الزيادة, وعلى هذا إذا اشترى المولى دارا بجنب دار العبد إن لم يكن على العبد دين فالشفعة له؛ لأنه إذا لم يكن عليه دين فالدار التي في يد العبد خالص ملك المولى فلو أخذها بالشفعة لأخذها هو فكيف يأخذ ملك نفسه بالشفعة من نفسه وإن كان على العبد دين فله أن يأخذها بالشفعة, ولو اشترى العبد دارا بجنب دار المولى, فإن لم يكن على العبد دين فلا حاجة للمولى إلى الأخذ بالشفعة؛ لأنها خالص ملكه, وإن كان عليه دين فله أن يأخذها بالشفعة, وكذلك الصبي المأذون في الشراء والبيع بالنقد والنسيئة والعروض والغبن اليسير والبيع بالغبن الفاحش بمنزلة العبد المأذون على الاتفاق والاختلاف, وهذا إذا باع من أجنبي أو اشترى منه, فإن باع من أبيه شيئا أو اشترى منه, فإن باع بمثل القيمة أو أكثر واشترى بمثل القيمة أو أقل جاز, ولو كان فيه غبن, فإن كان مما يتغابن الناس فيه جاز؛ لأن الاحتراز عنه غير ممكن, وإن كان مما لا يتغابن الناس فيه لم يجز؛ لأنه يتصرف بولاية مستفادة من قبل أبيه كأنه نائبه في التصرف فصار كما لو اشترى الأب شيئا من مال ابنه بنفسه لنفسه أو اشترى شيئا من ماله بنفسه لابنه الصغير كان الجواب فيه هكذا كذا هذا. ولو باع من وصيه أو اشترى منه فإن لم يكن فيهما نفع ظاهر له لا يجوز بالإجماع, وإن كان فيهما نفع ظاهر, فإن كان بأكثر من قيمته بما لا يتغابن الناس في مثله فكذلك عند محمد رحمه الله وعندهما يجوز وللمأذون أن يسلم فيما يجوز فيه السلم ويقبل السلم فيه؛ لأن السلم من قبل المسلم إليه بيع الدين بالعين ومن قبل رب السلم شراء الدين بالعين, وكل ذلك تجارة, وله أن يوكل غيره بالبيع والشراء؛ لأن ذلك من عادات التجار, أو التاجر لا يمكنه أن يتولى ذلك كله بنفسه فكان توكيله فيه من أعمال التجارة, وكذا له أن يتوكل عن غيره بالبيع بالإجماع وتكون العهدة عليه, ولو توكل عن غيره بالشراء ينظر إن وكله أن يشتري أشياء بالنقد جاز استحسانا دفع إليه الثمن أو لم يدفع وتكون العهدة عليه, والقياس أن لا تجوز هذه الوكالة. "ووجهه" أنها لو جازت للزمته العهدة وهي تسليم الثمن فيصير في معنى الكفيل بالثمن, ولا تجوز كفالته فلا تجوز وكالته. "وجه" الاستحسان أن التوكيل بالشراء بالنقد في معنى التوكيل بالبيع ألا ترى أنه لا يجب عليه تسليم المبيع فكان هذا في معنى البيع لا في معنى الكفالة, ولو توكل عن غيره بشراء شيء نسيئة فاشترى لم يجز حتى كان الشراء للعبد دون الآخر؛ لأن الثمن إذا كان نسيئة لا يملك حبس المشتري لاستيفائه بل يلزمه التسليم إلى الموكل فكانت وكالته في هذه الصورة التزام الثمن فكانت كفالة معنى فلا يملكها المأذون, وله أن يستأجر إنسانا يعمل معه أو مكانا يحفظ فيه أمواله أو دواب يحمل عليها أمتعته؛ لأن استئجار هذه الأشياء من توابع التجارة وكذا له أن يؤاجر الدواب والرقيق ونفسه لما قلنا, ولأن الإجارة من التجارة حتى كان الإذن بالإجارة إذنا بالتجارة, وله أن يرهن ويرتهن ويعير ويودع ويقبل الوديعة؛ لأن ذلك كله من عادات التجار ويحتاج إليه التاجر أيضا, وله أن يدفع المال مضاربة ويأخذ من غير مضاربة لما قلنا, ولأن الأخذ والدفع من باب الإجارة والاستئجار, والمأذون يملك ذلك كله وله أن يشارك غيره شركة عنان؛ لأنها من صنيع التجار ويحتاج إليه التاجر, وليس له أن يشارك شركة مفاوضة؛ لأن المفاوضة تتضمن الكفالة له, ولا يملك الكفالة فلا يملك المفاوضة فإذا فاوض تنقلب شركة عنان؛ لأن هذا حكم فساد المفاوضة, ولو اشترك عبدان مأذونان شركة عنان على أن يشتريا بالنقد والنسيئة جاز ما اشتريا بالنقد, وما اشتريا بالنسيئة فهو له خاصة؛ لأن الشركة تتضمن الوكالة. وقد ذكرنا أنه يجوز أن يتوكل المأذون عن غيره بالشراء نقدا, ولا يجوز أن يتوكل لغيره بالشراء نسيئة ويملك الإقرار بالدين؛ لأن هذا من ضرورات التجارة إذ لو لم يملك لامتنع الناس عن مبايعته خوفا من تواء أموالهم بالإنكار عند تعذر إقامة البينة فكان إقراره بالدين من ضرورات التجارة فيصح ويملك الإقرار بالعين؛ لأن العادة قد جرت بشراء

 

ج / 7 ص -196-       كثير من الأشياء بظروفها فلو علم الناس أنه لا يصح إقراره بالعين لامتنعوا عن تسليم الأعيان إليه فلا يلتئم أمر التجارة ولا يملك الإقرار بالجناية؛ لأن الإقرار بالجناية ليس من ضرورات التجارة فلا يتناوله الإذن بالتجارة فلا يصح منه ولا يطالب بها بعد العتاق أيضا؛ لأن موجب الجناية يلزم المولى دون العبد فكان ذلك شهادة على المولى لا إقرارا على نفسه فلم يصح أصلا إلا إذا صدقه المولى فيجوز عليه, ولا يجوز على الغرماء. وهل يصح إقراره بافتضاض أمة بأصبعه غصبا قال أبو حنيفة ومحمد رضي الله عنهما لا يصح وقال أبو يوسف رحمه الله يصح سواء كان عليه دين أو لا ويضرب مولى الأمة مع الغرماء في ثمن العبد, وهذا الخلاف مبني على أن هذا الإقرار بالجناية أم بالمال, فعندهما هذا إقرار بالجناية فلا يصح من غير تصديق المولى, وعنده هذا إقرار بالمال فيصح من غير تصديقه, وعلى هذا إذا أقر بمهر وجب عليه بنكاح جائز أو فاسد أو شبهة, فإن لم يصدقه المولى لم يصح إقراره حتى لا يؤاخذ به للحال؛ لأن المهر يجب بالنكاح, وأنه ليس بتجارة ولا هو في معنى التجارة فيستوي فيه إقرار المأذون والمحجور, وإن صدقه المولى جاز ذلك عليه, ولم يجز على الغرماء؛ لأن تصديقه يعتبر في حق نفسه لا في إبطال حق الغير فيباع في دين الغرماء, فإن فضل شيء منه يصرف إلى دين المرأة وإلا فيتأخر إلى ما بعد العتق, ويملك الإقرار بالحدود والقصاص؛ لأن المحجور يملك فالمأذون أولى, وإذا أقر به فلا يشترط حضرة المولى للاستيفاء بلا خلاف. وهل يشترط حضور المولى عند قيام البينة عليها؟ فيه خلاف نذكره في موضعه وهل يملك تأخير دين له وجب على إنسان, فإن وجب له وحده يملك بالإجماع؛ لأن التأخير يحتاج إليه, وكذا هو من عادة التجار, وإن وجب له ولرجل آخر دين على إنسان فأخر المأذون نصيب نفسه فالتأخير باطل عند أبي حنيفة رحمه الله وعندهما جائز. "وجه" قولهما أن التأخير منه تصرف في ملك نفسه فيصح كما لو كان كل الدين له فأخره. "وجه" قول أبي حنيفة رحمه الله أن التأخير لو صح لا يخلو إما أن يصح في نصيب شريكه, وإما أن يصح في نصيب نفسه لا سبيل إلى الأول لانعدام الملك والولاية, وتصرف الإنسان لا يصح في غير ملك ولا ولاية ولا سبيل إلى الثاني؛ لأنه قسمة الدين قبل القبض ألا ترى أن شريكه لو قبض شيئا من نصيبه قبل حلول الأجل يختص بالمقبوض ولا يشاركه فيه, ومعنى القسمة هو الاختصاص بالمقسوم, وقد وجد فثبت أن هذا قسمة الدين قبل القبض وإنها غير جائزة؛ لأن الدين اسم لفعل واجب وهو فعل تسليم المال, والمال حكمي في الذمة, وكل ذلك عدم حقيقة إلا أنه أعطي له حكم الوجود لحاجة الناس؛ لأن كل أحد لا يملك ما يدفع به حاجته من الأعيان القائمة فيحتاج إلى الاستقراض والشراء بثمن دين فأعطي له حكم الوجود لهذه الحاجة, ولا حاجة إلى قسمته فبقي في حق القسمة على أصل العدم, والعدم لا يحتمل القسمة وإذا لم يصح التأخير عند أبي حنيفة رحمه الله فلو أخذ شريكه من الدين كان المأخوذ بينهما على الشركة كما قبل التأخير, وعندهما كان المأخوذ له خاصة ولا يشاركه حتى يحل الأجل؛ لأنه بالتأخير أسقط حق نفسه والمطالبة, فإذا حل الأجل فهو بالخيار إن شاء شاركه في المقبوض, وإن شاء أخذ حقه من الغريم؛ لأن الدين حل بحلول الأجل, ولو كان الدين في الأصل منهما جميعا مؤجلا فأخذ أحدهما شيئا قبل حل الأجل شاركه فيه صاحبه؛ لأنه لما أخذ شيئا قبل حل الأجل فقد سقط الأجل عن قدر المقبوض وصار حالا فصار المقبوض من النصيبين جميعا فيشاركه فيه صاحبه كما في الدين الحال ولو كان الدين كله بينهما مؤجلا إلى سنة فأخره العبد سنة أخرى لم يجز التأخير عند أبي حنيفة. وعندهما يجوز حتى لو أخذ شريكه من الغريم شيئا في السنة الأولى شاركه فيه عنده, وعندهما لا يشاركه حتى يحل دينه فإذا حل فله الخيار على ما ذكرنا, والله سبحانه وتعالى أعلم ولا يملك الإبراء عن الدين بالإجماع؛ لأنه ليس من التجارة بل هو تبرع فلا يملكه المأذون وهل يملك الحط, فإن كان الحط من غير عيب لا يملكه أيضا لما قلنا, وإن كان الحط من عيب بأن باع شيئا ثم حط من ثمنه ينظر إن حط بالمعروف بأن حط مثل ما يحطه التجار عادة جاز؛ لأن مثل هذا الحط من توابع التجارة, وإن لم يكن بالمعروف بأن كان فاحشا جاز عند أبي حنيفة, وعندهما لا يجوز, وقد ذكرنا أصل المسألة فيما قبل, وهل يملك الصلح بأن وجب له على إنسان دين فصالحه على بعض

 

ج / 7 ص -197-       حقه . فإن كان له عليه بينة لا يملكه؛ لأنه حط بعض الدين, والحط من غير عيب ليس من التجارة بل هو تبرع فلا يملكه المأذون, وإن لم يكن له عليه بينة جاز؛ لأنه إذا لم يكن له عليه بينة فلا حق له إلا الخصومة والحلف, والمال خير من ذلك فكان في هذا الصلح منفعة فيصح, وكذا الصلح على بعض الحق عند تعذر استيفاء كله من عادات التجار فكان داخلا تحت الإذن بالتجارة, ويملك الإذن بالتجارة بأن يشتري عبدا فيأذن له بالتجارة؛ لأن الإذن بالتجارة من عادات التجار بخلاف الكتابة أنه لا يملكها المأذون؛ لأن الكتابة ليست من التجارة بل هي إعتاق معلق بشرط أداء بدل الكتابة فلا يملكها ويملك الاستقراض؛ لأنه تجارة حقيقة وفيه منفعة وهو من عادات التجار وليس للمأذون أن يقرض؛ لأن القرض تبرع للحال, ولهذا لم يلزم فيه الأجل. ولا يكفل بمال ولا بنفس؛ لأن الكفالة تبرع إلا إذا أذن له المولى بالكفالة, ولم يكن عليه دين بخلاف المكاتب أنه لا تجوز كفالته أصلا على ما مر في كتاب الكفالة ولا يهب درهما تاما لا بغير عوض ولا بعوض, وكذا لا يتصدق بدرهم ولا يكسو ثوبا؛ لأنه تبرع ويجوز تبرعه بالطعام اليسير إذا وهب أو أطعم استحسانا, والقياس أن لا يجوز؛ لأنه تبرع, وإن قل إلا أنا استحسنا الجواز لما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "كان يجيب دعوة المملوك", ولأن هذا من ضرورات التجارة عادة فكان الإذن فيه ثابتا بطريق الدلالة فيملكه ولهذا ملكت المرأة التصدق بشيء يسير كالرغيف ونحوه من مال زوجها لكونها مأذونة في ذلك دلالة كذا هذا, ولا يتزوج من غير إذن مولاه؛ لأن التزوج ليس من باب التجارة وفيه ضرر بالمولى ولا يتسرى جارية من إكسابه؛ لأنه لا ملك للعبد حقيقة, وحل الوطء بدون أحد الملكين منفي شرعا. وسواء أذن له المولى بالتسري أو لم يأذن له لما ذكرنا أن العبد لا يملك شيئا؛ لأنه مملوك فيستحيل أن يكون مالكا وبالإذن لا يخرج عن كونه مملوكا فلا تندفع الاستحالة ولا يزوج عبده بالإجماع؛ لأن التزويج ليس من التجارة وفيه أيضا ضرر بالمولى وهل له أن يزوج أمته قال أبو حنيفة: ومحمد لا يزوج, وقال أبو يوسف: يزوج. "وجه" قوله أن هذا تصرف نافع في حق المولى؛ لأنه مقابلة ما ليس بمال فكان أنفع من البيع؛ لأنه يملك البيع فالنكاح أولى وجه قولهما أن الداخل تحت الإذن هو التجارة, وإنكاح الأمة وإن كان نافعا في حق المولى فليس بتجارة إذ التجارة مبادلة مال بمال, ولم توجد فلا يملكه ولا يعتق, وإن كان على مال؛ لأنه ليس بتجارة بل هو تبرع للحال ألا ترى أنه يعتق بنفس القبول فأشبه القرض ولا يملك القرض فلا يملك الإعتاق على مال, وإن أعتق على مال, فإن لم يكن عليه دين وقف على إجازة المولى بالإجماع, فإن أجاز جاز؛ لأنه إذا لم يكن عليه دين يملك المولى إنشاء العتق فيه فيملك الإجازة بالطريق الأولى, وولاية قبض العوض للمولى لا للعبد لما نذكر, وإن لحقه دين بعد ذلك لم يكن للغرماء حق في هذا المال؛ لأنه كسب الحر, وإن كان عليه دين لم يجز الإعتاق. وإن أجاز المولى عند أبي حنيفة رحمه الله, وعندهما يجوز ويضمن المولى قيمة العبد للغرماء ولا سبيل للغرماء على العوض بخلاف ما إذا كان مكان الإعتاق كتابة أن عندهما يتعلق حق الغرماء بالبدل, وههنا لا يتعلق؛ لأن هذا كسب الحر وذاك كسب الرقيق وحق الغريم يتعلق بكسب الرقيق, ولا يتعلق بكسب الحر ولا يكاتب سواء كان عليه دين أو لم يكن؛ لأن الكتابة ليست بتجارة فلا يملكها المأذون, ولأنها إعتاق معلق بالشرط وهو لا يملك الإعتاق, فإن كاتب, فإن لم يكن عليه دين وقف على إجازة المولى؛ لأنه إذا لم يكن عليه دين فكسبه خالص ملك المولى لا حق لأحد فيه فيملك الإجازة ألا ترى أنه يملك الإنشاء, فالإجازة أولى. فإن أجاز نفذ وصار مكاتبا للمولى, وولاية قبض بدل الكتابة للمولى لا للعبد؛ لأن الإجازة اللاحقة بمنزلة الوكالة السابقة فكان العبد بمنزلة وكيل المولى في الكتابة, وحقوق الكتابة ترجع إلى المولى لا إلى الوكيل لذلك لم يملك المأذون قبض بدل الكتابة وملكه المولى, ولو لحق العبد بعد ذلك دين فليس للغرماء فيما على المكاتب حق؛ لأنه لما صار مكاتبا للمولى فقد صار كسبا منتزعا من يد المأذون فلا يكون للغرماء عليه سبيل. وإن كان المكاتب قد أدى جميع بدل الكتابة إلى المأذون قبل إجازة المولى لم يعتق؛ لأن الكتابة لم تنفذ لانعدام شرط النفاذ وهو الإجازة, وإن كان عليه دين محيط برقبته وبما في يده لا تصح إجازة المولى عند أبي حنيفة رحمه الله حتى لا يعتق إذا أدى البدل

 

ج / 7 ص -198-       لأن كسب العبد المأذون الذي عليه دين محيط لا يكون ملكا للمولى عنده ولهذا لا يملك إنشاء الكتابة فلا يملك الإجازة, وعندهما تصح إجازته كما يصح إنشاء الكتابة منه ويعتق إذا أدى ويضمن المولى قيمته للغرماء لتعلق حقهم به فصار متلفا عليهم حقهم, وما قبض المأذون من بدل الكتابة قبل الإجازة يستوفى منه الدين عندهما لتعلق حق الغرماء به قبل الإجازة بخلاف الإعتاق على مال, وقد ذكرنا وجه الفرق لهما فكانت الإجازة في المعنى إنشاء الكتابة, ولو أنشأ ضمن القيمة عندهما كذا هذا, وإن لم يكن الدين محيطا برقبته وبما في يده جازت إجازته بالإجماع ويضمن قيمته للغرماء لإتلاف حقهم, والله الموفق للصواب.

"فصل": وأما بيان ما يملكه المولى من التصرف في المأذون وكسبه, وما لا يملك وبيان حكم تصرفه. فنقول وبالله التوفيق إن المولى يملك إعتاق عبده المأذون سواء لم يكن عليه دين أو كان عليه دين؛ لأن صحة الإعتاق تقف على ملك الرقبة, وقد وجد إلا أنه إذا لم يكن على العبد دين لا شيء على المولى, وإن كان عليه دين فالغرماء بالخيار إن شاءوا اتبعوا المولى بالأقل من قيمته ومن الدين؛ لأنه تصرف في ملك نفسه وأتلف حق الغير لتعلق الغرماء بالرقبة فيراعى جانب الحقيقة بتنفيذ الإعتاق, ويراعى جانب الحق بإيجاب الضمان مراعاة للجانبين عملا بالدليلين فينظر إن كانت قيمة العبد مثل الدين غرم ذلك وإن كانت أكثر منه غرم قيمة الدين, وإن كانت أقل منه غرم ذلك القدر؛ لأنه ما أتلف عليهم بالإعتاق إلا القدر المتعلق برقبة العبد فيؤاخذ المولى بذلك ويتبع الغرماء العبد بالباقي, وإن شاءوا اتبعوا العبد بكل الدين فيستسعوه فيه؛ لأن كل الدين كان واجبا عليه لمباشرة سبب الوجوب منه حقيقة وهو المعاملة إلا أن رقبته تعينت لاستيفاء قدر ما يحتمله من الدين منها بتعيين المولى أو شرعا على ما نذكر في موضعه إن شاء الله تعالى فبقيت الزيادة على ذلك في ذمة العبد, وقد عتق فيطالب به, وأيهما اختاروا اتباعه لا يبرأ الآخر؛ لأن اختيار التضمين في باب الغصب يتضمن المغصوب, والتمليك بعوض لا يحتمل الرجوع عنه, فأما اختيار اتباع أحدهما ههنا لا يوجب ملك الدين منه, ولو لم يكن على العبد دين ولكنه قتل عبدا آخر خطأ وعلم المولى به فأعتقه وهو عالم به يصير مختارا للفداء يغرم المولى تمام قيمة العبد المقتول إن كان قليل القيمة, وإن كان كثير القيمة بأن كانت قيمته عشرة آلاف أو أكثر غرم عشرة آلاف إلا عشرة فرق بين الجناية والدين إذا أعتقه, وعليه دين وهو عالم به لا يلزمه تمام الدين بل الأقل من قيمته ومن الدين علم بالدين أو لم يعلم. وههنا يلزمه تمام القيمة إذا كان عالما بالجناية, ووجه أن الفرق موجب جناية العبد على المولى وهو الدفع لكن جعل له سبيل الخروج عنه بالفداء بجميع الأرش فإذا أعتقه مع العلم بالجناية فقد صار مختارا للفداء فيلزمه الفداء بجميع قيمة العبد المقتول إلا أن تكون عشرة آلاف أو أكثر فينقص منه عشرة إذ لا مزيد لدية العبد على هذا القدر, فأما موجب معاملة العبد وهو الدين فعلى العبد حقا للغرماء إلا أن القيمة التي في مالية الرقبة فإنها تعلق بها وبالإعتاق ما أبطل عليهم إلا ذلك القدر من حقهم فيضمنه, والزيادة بقيت في ذمة العبد فيطالب به بعد العتق, وكذلك إن كان قتل حرا خطأ فأعتقه المولى وهو عالم به غرم المولى دية الحر؛ لأن الإعتاق مع العلم بالجناية دليل اختيار الفداء. ودية الحر مقدرة بعشرة آلاف درهم فيغرمها المولى هذا إذا أعتقه المولى وهو عالم بالجناية, فأما إذا لم يكن عالما بالجناية يغرم قيمة عبده لأولياء الجناية؛ لأنه إذا لم يكن عالما بالجناية وقت الإعتاق لم يكن إعتاقه دليل اختيار الفداء؛ لأن هذا النوع من الاختيار لا يتحقق بدون العلم ويلزمه قيمة عبده؛ لأن الواجب الأصلي على المولى هو دفع العبد بالجناية ألا ترى أنه لو هلك العبد قبل اختيار الفداء لا شيء على المولى, وإنما ينتقل من العين إلى الفداء باختيار الفداء, فإذا لم يكن الإعتاق قبل العلم دليل الاختيار بقي الدفع واجبا وتعذر عليه دفع عينه فيلزمه دفع ماليته إذ هو دفع العين من حيث الصورة. ولو كان على العبد المأذون دين محيط برقبته وجنى جنايات تحيط بقيمته فأعتقه المولى وهو لا يعلم بالجناية فإنه يغرم لأصحاب الدين قيمته كاملة ويغرم لأصحاب الجناية قيمة أخرى إلا أن تكون قيمته عشرة آلاف أو أكثر فينقص منها عشرة؛ لأن حق أصحاب الدين قد تعلق بمالية العين, وحق أصحاب الجناية قد تعلق بالعين, والمولى بالإعتاق

 

ج / 7 ص -199-       أبطل الحقين جمعا فيضمنها ولو قتله أجنبي يضمن قيمة واحدة؛ لأن الضمان الواجب بالقتل ضمان إتلاف النفس, والنفس واحدة فلا يتعدد ضمانها, فأما الضمان الواجب بالإعتاق فضمان إبطال الحق فيتعدد ضمانه فهو الفرق, والله تعالى الموفق فإن قيل لم لا يشارك أصحاب الدين أصحاب الجناية فالجواب لاختلاف محل الحقين فالدفع يتعلق بالعين, والدين يتعلق بمالية العين وهما محلان مختلفان فتعذرت المشاركة والله تعالى أعلم. وكذلك يملك إعتاق المدبر وأم الولد المأذونين في التجارة لما قلنا ولو أعتقهما وعليهما دين فلا ضمان على المولى من الدين ولا من قيمة المدبر وأم الولد؛ لأن دين التجارة لم يتعلق برقبتهما فخروجهما عن احتمال الاستيفاء منهما بالتدبير والاستيلاء فلم يوجد منه إتلاف حق الغرماء فلا يضمن, وهل يملك إعتاق كسب عبده المأذون؟ لا خلاف في أنه إذا لم يكن على المأذون دين أصلا يملك وينفذ إعتاقه ولا شيء عليه؛ لأن الإعتاق صادف محلا هو خالص ملكه لا حق لأحد فيه فينفذ, ولا يضمن شيئا, وإن كان عليه دين, فإن كان كثيرا يحيط برقبته وكسبه لا يملك ولا ينفذ إعتاقه عند أبي حنيفة رضي الله عنه إلا أن يسقط حق الغرماء بأن يقضي المولى دينهم أو تبرئه الغرماء من الدين أو يشتريه المولى من الغرماء. وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله يملك وينفذ إعتاقه ويضمن قيمته إن كان موسرا, وإن كان معسرا سعى العبد فيه ويرجع على المالك, والمسألة تعرف بأن المولى يملك كسب عبده المأذون المديون دينا مستغرقا لرقبته وكسبه عنده لا يملك, وعندهما يملك وجه قولهما أن رقبة المأذون وإن تعلق بها حق الغرماء فهي ملك المولى ألا ترى أنه ملك إعتاقه, وملك الرقبة علة ملك الكسب فيملك الكسب كما يملك الرقبة وجه قول أبي حنيفة رضي الله عنه أن شرط ثبوت الملك للمولى في كسب العبد فراغه عن حاجة العبد ولم يوجد فلا يثبت الملك له فيه كما لا يثبت للوارث في التركة المستغرقة بالدين والدليل على أن الفراغ شرط أن الملك للمولى في كسب العبد ثبت معدولا به عن الأصل أنه لم يحصل بكسبه حقيقة, وقال الله تبارك وتعالى {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى}. وهذا ليس من سعيه حقيقة فلا يكون له بظاهر النص إلا أن الكسب الفارغ عن حاجة العبد خص عن عموم النص وجعل ملكا للمولى فبقي الكسب المشغول بحاجته على ظاهر النص هذا إذا كان الدين محيطا بالرقبة والكسب, فإن لم يكن محيطا بهما فلا شك أنه لا يمنع الملك عندهما؛ لأن المحيط عندهما لا يمنع فغير المحيط أولى. "وأما" أبو حنيفة رضي الله عنه فقد كان يقول أولا يمنع حتى لا يصح إعتاقه شيئا من كسبه, ثم رجع وقال: لا يمنع وجه قوله الأول ما ذكرنا أن الفراغ شرط ثبوت الملك له, فالشغل وإن قل يكون مانعا وجه قوله الآخر أن المانع من ملك المولى كون الكسب مشغولا لحاجة العبد وبعضه مشغول وبعضه فارغ. "فإما" أن يعتبر جانب الشغل في المنع من ثبوت الملك له في كله. "وإما" أن يعتبر جانب الفراغ في إيجاب الملك له في كله, واعتبار جانب الفراغ أولى؛ لأنا إذا اعتبرنا جانب الفراغ فقد راعينا حق الملك بإثبات الملك له وحق الغرماء بإثبات الحق لهم فإذا اعتبرنا جانب الشغل فقد راعينا جانب الغرماء وأبطلنا حق المالك أصلا فقضينا حق المالك بتنفيذ إعتاقه, وقضينا حق الغرماء بالضمان صيانة للحقين عن الإبطال عملا بالدليلين بقدر الإمكان, ولهذا أثبت الملك للوارث في كل التركة إذا لم يكن الدين محيطا بها كذا هذا, ولو أعتقه ثم قضى المولى دين الغرماء من خالص ملكه أو أبرأه الغرماء نفذ إعتاقه عند عامة أصحابنا رحمهم الله تعالى وقال الحسن بن زياد رحمه الله لا ينفذ وجه قول الحسن أن الإعتاق صادف كسبا مشغولا بحاجة العبد؛ لأن الملك ثبت مقصورا على حال القضاء والإبراء فيمنع النفاذ كما إذا أعتق عبد مكاتبه ثم عجز المكاتب أنه لا ينفذ إعتاقه كذا هذا. "ولنا" أن النفاذ كان موقوفا على سقوط حق الغرماء, وقد سقط حقهم بالقضاء والإبراء فظهر النفاذ من حين وجوده من كل وجه بخلاف ما إذا أعتق عبدا من أكساب مكاتبه؛ لأن المكاتب أحق بأكسابه من المولى؛ لأنه فيما يرجع إلى أكسابه كالحر وبالعجز لا يتبين أنه لم يكن أحق بكسبه فلم ينفذ إعتاق المولى, وعلى هذا الخلاف لو أعتق الوارث عبدا من التركة المستغرقة بالدين, ثم قضى الوارث الدين من مال نفسه أو أبرأ الغرماء الميت من الدين أنه ينفذ إعتاقه خلافا للحسن, ولو وطئ المولى جارية العبد المأذون وعليه دين محيط فجاءت بولد فادعاه ثبت نسبه منه وصارت

 

ج / 7 ص -200-       الجارية أم ولد له وغرم قيمة الجارية للغرماء, ولا يغرم لهم شيئا من عقرها قليلا ولا كثيرا أما صحة الدعوة فلأن ملك المولى إن لم يظهر في الكسب في الحال عند أبي حنيفة رضي الله عنه فله فيه حق الملك فصحت دعوته. "وأما" لزوم قيمة الجارية للغرماء فلأنه بالدعوة أبطل حقهم. "وأما" عدم وجوب العقر فلأن المانع من ظهور ملكه في الكسب حق الغرماء, وقد سقط حقهم بالضمان فيظهر الملك له فيه من حين اكتسبه العبد فتبين أنه وطئ ملك نفسه فلا يلزمه العقر, ولو أعتق المولى جارية العبد المأذون, وعليه دين محيط ثم وطئها فجاءت بولد فادعاه المولى صحت دعوته والولد حر, ويضمن قيمة الجارية للغرماء لما قلنا؛ لأن الإعتاق السابق منه لم يحكم بنفاذه للحال فكان حق الملك ثابتا له إلا أن الجارية ههنا تصير حرة بالإعتاق السابق, وعلى المولى العقر للجارية أما صيرورتها حرة بالإعتاق السابق فلأن الإعتاق السابق كان نفاذه موقوفا على سقوط حق الغرماء, وقد سقط بدعوة المولى فنفذ فصارت حرة بذلك الإعتاق. "وأما" لزوم العقر للجارية فلأن الوطء صادف الحرة من وجه, والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب ويملك المولى بيع العبد المأذون إذا لم يكن عليه دين؛ لأنه خالص ملكه, وإن كان عليه دين لا يملك بيعه إلا بإذن الغرماء أو بإذن القاضي بالبيع للغرماء أو بقضاء الدين ولو أذن له بعض الغرماء بالبيع لا يملك بيعه إلا بإجازة الباقين لما نذكره في بيان حق تعلق الدين ويملك أخذ كسب العبد من يده إذا لم يكن عليه دين؛ لأنه فارغ عن حاجته فكان خالص ملكه, ولو لحقه دين بعد ذلك فالمأخوذ سالم للمولى؛ لأن شرط خلوص الملك له فيه كونه فارغا عند الأخذ, وقد وجد. ولو كان الكسب في يد العبد ولا دين عليه فلم يأخذ المولى حتى لحقه دين ثم أراد أن يأخذه لا يملك أخذه؛ لأنه لم يوجد الفراغ عند الأخذ فلم يوجد الشرط, وإن كان عليه دين وفي يده كسب لا يملك أخذه؛ لأنه مشغول بحاجته لتعلق حق الغرماء به, ولو أخذه المولى فللغرماء أن يأخذوه منه إن كان قائما وقيمته إن كان هالكا؛ لتعلق حقهم بالمأخوذ فعليه رد عينه أو بدله, ولو لحقه دين آخر بعدما أخذه المولى اشترك الغرماء الأولون والآخرون في المأخوذ وأخذوا عينه أو قيمته؛ لأن زمان الإذن مع تعدده حقيقة في حكم زمان واحد كزمان المرض فكان زمان تعلق الديون كلها واحدا لذلك اشتركوا فيه ولو كان المولى يأخذ الغلة من العبد في كل شهر فلحقه دين محيط برقبته وكسبه فهل يجوز له قبض الغلة مع قيام الدين؟ ينظر إن كان يأخذ عليه مثله جاز له ذلك استحسانا. والقياس أن لا يجوز؛ لأن حقهم يتعلق بالغلة إلا أنا استحسنا الجواز نظرا للغرماء؛ لأن الغلة لا تحصل إلا بالتجارة فلو منع المولى عن أخذ غلة المثل لحجره عن التجارة فلا يتمكن من الكسب فيتضرر به الغرماء فكان إطلاق هذا القدر وسيلة إلى غرضهم فكان تحصيلا للغلة من حيث المعنى, وليس له أن يأخذ أكثر من غلة المثل, ولو أخذ رد الفضل على الغرماء؛ لأن امتناع ظهور حقهم في غلة المثل للضرورة ولا ضرورة في الزيادة فيظهر حقهم فيها مع ما أن في إطلاق ذلك إضرارا بالغرماء؛ لأن المولى يوظف عليه غلة تستغرق كسب الشهر فيتضرر به الغرماء, وعلى هذا إذا كان على العبد دين وفي يده مال فاختلف العبد والمولى فالقول قول العبد ويقضي منه الدين؛ لأن الكسب في يده والمأذون في إكسابه التي في يده كالحر, ولو كان المال في يدهما فهو بينهما لاستوائهما في اليد. وإن كان ثمة ثالث فهو بينهم أثلاثا لما قلنا, ولو لم يكن عليه دين فاختلف العبد والمولى وأجنبي فهو بين المولى والأجنبي؛ لأنه إذا لم يكن عليه دين فلا عبرة ليده فكانت يده ملحقة بالعدم فبقيت يد المولى والأجنبي فكان الكسب بينهما نصفين, وهذا إذا لم يكن العبد في منزل المولى, فإن كان في منزل المولى وفي يده ثوب فاختلفا, فإن كان الثوب من تجارة العبد فهو له؛ لأنهما استويا في ظاهر اليد وترجح يد العبد بالتجارة, وإن لم يكن من تجارته فهو للمولى؛ لأن الظاهر شاهد للمولى, ولو كان العبد راكبا على دابة أو لابسا ثوبا فهو للعبد سواء كان من تجارته أو لم يكن؛ لأنه ترجح يده بالتصرف فكانت أولى من يد المولى, ولو تنازع المأذون وأجنبي فيما في يده من المال فالقول قول العبد لما ذكرنا أنه فيما يرجع إلى السيد كالحر, ولو آجر الحر أو المأذون نفسه من خياط يخيط معه أو من تاجر يعمل معه, وفي يد الأجير ثوب واختلفا فقال المستأجر: هو لي, وقال الأجير: هو لي, فإن كان الأجير في حانوت التاجر والخياط فهو للتاجر والخياط

 

 

ج / 7 ص -201-       وإن لم يكن في منزله وكان في السكة فهو للأجير؛ لأن الأجير إذا كان في دار الخياط, ودار الخياط في يد الخياط كان الأجير مع ما في يده في يد الخياط ضرورة, وإذا كان في السكة لم يكن هو في يده فكذا ما في يده كما لو كان مكان الأجير أجنبي, ولو آجر المولى عبده المحجور من رجل ومعه ثوب فادعاه المولى والمستأجر فهو للمستأجر سواء كان العبد في منزل المستأجر أو لم يكن بخلاف الأجير إذا لم يكن في منزل المستأجر أنه يكون للأجير دون المستأجر, ووجه الفرق بأن يد العبد يد نيابة عن المولى, وقد صار مع ما في يده بالإجارة في يد المستأجر فكان القول قول صاحب اليد, فأما يد الأجير فيد أصالة إذ هو في حق اليد كالحر فلا يصير بنفس الإجارة في يد المستأجر, ولو كان المحجور في منزل المولى فهو للمولى؛ لأنه إذا كان في منزل المولى كان في يده لكون منزله في يده فتزول يد المستأجر, والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.

"فصل": وأما بيان حكم الغرور في العبد المأذون فنقول وبالله التوفيق إذا جاء رجل بعبد إلى السوق وقال: هذا عبدي أذنت له بالتجارة فبايعوه فبايعه أهل السوق فلحقه دين ثم استحق أو تبين أنه كان حرا أو مدبرا أو أم ولد فهذا لا يخلو من أحد وجهين: إما أن كان الرجل حرا وإما إن كان عبدا, فإن كان حرا فعليه الأقل من قيمة العبد ومن الدين أما وجوب أصل الضمان عليه فلأنه غرهم بقوله: هذا عبدي فبايعوه حيث أضاف العبد إلى نفسه وأمرهم بمبايعته فيلزمه ضمان الغرور وهذا لأن أمره إياهم بالمبايعة إخبار منه عن كونه مأذونا في التجارة, وإضافة العبد إلى نفسه إخبار عن كونه ملكا له, والإذن بالتجارة مع عبد الإذن يوجب تعلق الدين برقبته فكان الإذن مع الإضافة دليلا على الكفالة بما يتعلق برقبته التي هي مملوكة له فيؤخذ بضمان الكفالة إذ ضمان الغرور في الحقيقة ضمان الكفالة, والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب. "وأما" وجوب الأقل من قيمة العبد ومن الدين فلأن الداخل تحت الكفالة هذا القدر, وللغرماء أن يرجعوا على الذي ولي مبايعتهم إن كان حرا؛ لأنه الذي باشر سبب الوجوب حقيقة, وإن كان مستحقا أو مدبرا أو مكاتبا أو أم ولد يرجع عليهم بعد العتاق؛ لأن رقابهم لا تحتمل الاستيفاء قبل العتاق وسواء قال: أذنت له بالتجارة أو لم يقل؛ لأن الأمر بالمبايعة يغني عن التصريح بالإذن, وسواء أمر بتجارة عامة أو خاصة؛ لأن التخصيص لغو عندنا بخلاف ما إذا قال: ما بايعت فلانا من البز فهو على أنه لا يصير كفيلا بغيره؛ لأن هناك التخصيص صحيح لوقوع التصرف في كفالة مقصودة, والكفالة المقصودة محتملة للتخصيص, فأما ههنا فالكفالة له ما ثبتت مقصودة, وإنما ثبتت مقتضى الأمر بالمبايعة, والأمر لا يحتمل التخصيص فكذا الكفالة هذا إذا أضاف العبد نفسه وأمرهم بمبايعته, فأما إذا وجد أحدهما دون الآخر لا ضمان عليه؛ لأن معنى الكفالة لا يثبت بأحدهما دون الآخر فلا بد من وجودهما. ولو كان هذا العبد الذي أضافه إلى نفسه وأمر الناس بمبايعته ملكا للآمر فدبره المولى ثم لحقه دين بعد التدبير لم يضمن المولى شيئا؛ لأنه لم يغرهم حيث لم يظهر الأمر بخلافه فلا يلزمه ضمان الغرور, وكذا لم يتلف عليهم حقهم بالتدبير لانعدام الدين عنده, وكذا لو أعتقه المولى ثم بايعوه لما قلنا هذا إذا كان الآمر حرا, فأما إذا كان عبدا, فإن كان محجورا فلا ضمان عليه حتى يعتق؛ لأن هذا ضمان كفالة وكفالة العبد المحجور لا تنفذ للحال, وإن كان مأذونا أو مكاتبا وكان المأذون حرا لا ضمان على الآمر في شيء, وكذا لو كان الآمر صبيا مأذونا؛ لأن المأذون والمكاتب لا تنفذ كفالتهما للحال, ولكنها تنعقد فيؤاخذن به بعد العتق والصبي لا تنعقد كفالته فلا يؤاخذ بالضمان, والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.

"فصل": وأما بيان حكم الدين الذي يلحق المأذون فنقول وبالله التوفيق حكمه تعلقه بمحل يستوفى منه إذا ظهر فلا بد من بيان سبب تعلق الدين وبيان سبب ظهور الدين وبيان حكم التعلق أما بيان سبب تعلق الدين فلتعلق الدين أسباب منها: التجارة من البيع والشراء والإجارة والاستئجار والاستدانة, ومنها ما هو في معنى التجارة كالغصب وجحود الأمانات من الودائع ونحوها؛ لأن الغصب وجحود الأمانة سبب لوجوب الملك في المغصوب والمجحود فكان في معنى التجارة, وكذا الاستهلاك مأذونا كان أو محجورا بأن عقر دابة أو خرق ثوبا خرقا فاحشا

 

ج / 7 ص -202-       لأنه سبب لثبوت الملك في العين قبل الهلاك فكان في معنى التجارة, وكذلك عقر الجارية المستحقة بأن اشترى جارية فوطئها ثم استحقت؛ لأن الواجب, وإن كان قيمة منافع البضع لكن منافع البضع لا تتقوم إلا بالعقد فتلحق بالواجب بالعقد فكان في حكم ضمان التجارة, والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب, ومنها: النكاح بإذن المولى؛ لأنه لم يشرع بدون المهر.

"فصل": وأما بيان سبب ظهور الدين فسبب ظهوره شيئان: أحدهما إقراره بالدين وبكل ما هو سبب لتعلق الدين بمحل يستوفى منه وهو ما ذكرنا؛ لأن إظهار ذلك بالإقرار من ضرورات التجارة على ما بينا فيملكه المأذون, والثاني قيام البينة على ذلك عند الإنكار؛ لأن البينة حجة مظهرة للحق ولا ينتظر حضور المولى بل يقضى عليه ولو كان محجورا فقامت البينة عليه بالغصب لم يقض عليه حتى يحضر المولى. "ووجه" الفرق أن الشهادة في المأذون قامت عليه لا على المولى؛ لأن يد التصرف له لا للمولى فيملك الخصومة فكانت الشهادة قائمة عليه لا على المولى فلا معنى لشرط حضور المولى بخلاف المحجور؛ لأنه لا يد له فلا يملك الخصومة فكانت الشهادة قائمة على المولى فشرط حضوره لئلا يكون قضاء على الغائب, ولو ادعى على العبد المحجور وديعة مستهلكة أو بضاعة أو شيئا كان أصله أمانة لا يقضى بها للحال عند أبي حنيفة ومحمد عليهما الرحمة وعند أبي يوسف رحمه الله يقضى بها للحال بناء على أن العبد لا يؤاخذ بضمان وديعة مستهلكة للحال عندهما, وإنما يؤاخذ به بعد العتاق فيتوقف القضاء بالضمان إليه, وعنده يؤاخذ به للحال فلا يتوقف, والله سبحانه وتعالى أعلم. وكذلك لو أقامت البينة على إقرار المأذون بذلك قضي عليه ولا يشترط حضور المولى, ولو قامت البينة على إقرار المحجور بالغصب لم يقض عليه, وإن كان المولى حاضرا؛ لأن المحجور لو أقر بذلك لما نفذ على مولاه للحال كذا إذا قامت البينة على إقراره بخلاف المأذون, ولو قامت البينة على العبد المأذون أو المحجور على سبب قصاص أو حد من القتل والقذف والزنا والشرب لم يقض بها حتى يحضر المولى عند أبي حنيفة ومحمد, وعند أبي يوسف يقضى بها, وإن كان غائبا وأجمعوا على أنه لو أقر بالحدود والقصاص فإنها تقام من غير حضرة المولى. "وجه" قول أبي يوسف أن العبد أجنبي عن المولى فيما يرجع إلى الحدود والقصاص ألا ترى أنه يصح إقراره بهما من غير تصديق المولى ولا يصح إقرار المولى من غير تصديقه فكانت هذه شهادة قائمة عليه لا على المولى فلا يشترط حضوره؛ ولهذا لم يشترط حضرة المولى في الإقرار. "وجه" قولهما أن العبد بجميع أجزائه مال المولى, وإقامة الحدود والقصاص إتلاف ماله عليه فيصان حقه عن الإتلاف ما أمكن, وفي شرط الحضور صيانة حقه عن الإتلاف بقدر الإمكان؛ لأنه لو كان حاضرا عسى يدعي شبهة مانعة من الإقامة, وحق المسلم تجب صيانته عن البطلان ما أمكن ومثل هذه الشبهة مما لا يعد في الإقرار بعد صحته لذلك افترقا, وكذلك إذا قامت البينة على عبد أنه سرق عشرة دراهم وهو يجحد ذلك أنه لو كان المولى حاضرا يقطع ولا يضمن السرقة مأذونا كان أو محجورا بلا خلاف؛ لأن القطع مع الضمان لا يجتمعان, وإن كان غائبا فإذا كان العبد مأذونا يضمن السرقة ولا يقطع؛ لأن غيبة المولى لا تمنع القضاء بالضمان في حق المأذون ومتى وجب الضمان امتنع القطع؛ لأنهما لا يجتمعان وعلى قياس أبي يوسف هذا والفصل الأول سواء يقطع ولا يضمن السرقة, ولأن حضرة المولى عنده ليس بشرط للقضاء بالقطع والقطع يمنع الضمان, وإن كان محجورا لا تسمع البينة على السرقة فلا يقضى عليه بقطع ولا ضمان عندهما. "أما" القطع فلأن حضرة المولى شرط ولم يوجد "وأما" الضمان فلأن غيبة المولى تمنع القضاء بالضمان في حق المحجور وعنده يقطع ولا يضمن لما قلنا, ولو قامت البينة على سرقة ما دون النصاب, فإن كان مأذونا قبلت ولزمه الضمان دون القطع سواء حضر المولى أو غاب؛ لأن سرقة ما دون النصاب لا توجب القطع فبقي دعوى السرقة ودعوى الضمان على المأذون وحضرة المولى ليست بشرط للقضاء بالضمان على المأذون, وإن كان محجورا لا تسمع بينته أصلا. "أما" على القطع فظاهر. وأما على المال فلأن حضور المولى شرط القضاء على

 

ج / 7 ص -203-       المحجور بالمال, ولو قامت البينة على إقرار المأذون أو المحجور بسبب القصاص أو الحد لزمه القود وحد حد القذف حضر المولى أو غاب ولا يلزمه ما سواهما من الحدود, وإن كان المولى حاضرا؛ لأن القصاص حق العبد, وكذا حد القذف فيه حق العبد, وسائر الحدود حقوق الله سبحانه وتعالى خالصا فالبينة, وإن أظهرت الإقرار فالإنكار منه رجوع عن الإقرار, والرجوع عن الإقرار يصح في حقوق الله تبارك وتعالى لا في حقوق العباد فيجب القصاص وحد القذف ويسقط ما سواهما غير أنه إذا قامت البينة على إقراره بالسرقة يلزمه الضمان إن كان مأذونا سواء بلغ نصابا أو لم يبلغ حضر المولى أو غاب؛ لأن سقوط القطع للرجوع, والرجوع في حق المال لم يصح فيجب الضمان سواء كان المولى حاضرا أو غائبا؛ لأن القضاء بالمال على المأذون لا يقف على حضور المولى, ولو كان محجورا لا قطع عليه ولا ضمان أما القطع فلمكان الرجوع. وأما الضمان فلأن إقرار المحجور بالمال غير نافذ في الحال فلا تصح إقامة البينة عليه, ولو قامت البينة على الصبي المأذون أو المعتوه المأذون على قتل أو سبب حد قبلت على القتل, وتجب الدية على العاقلة ولا تقبل على الحد لتصور سبب وجوب الدية منه وهو القتل الخطأ؛ لأن عمد الصبي خطأ, وانعدام تصور سبب وجوب الحد منه من الزنا وغيره غير أنه إذا قامت البينة عليه على السرقة قبلت على المال وضمنه القاضي؛ لأن الصبي المأذون من أهل القضاء عليه بالمال, ولو قامت البينة على إقراره بالقتل لم تقبل؛ لأن إقرار الصبي غير صحيح فلا تقبل البينة عليه والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.

"فصل": وأما بيان محل التعلق فنقول وبالله التوفيق لا خلاف في أن الدين يتعلق بكسب العبد؛ لأن المولى بالإذن بالتجارة عينه للاستيفاء أو تعين شرعا نظرا للغرماء سواء كان كسب التجارة أو غيره من الهبة والصدقة والوصية وغيرها, وهذا قول علمائنا الثلاثة رضي الله عنهم وقال زفر رحمه الله لا يتعلق إلا بكسب التجارة وتكون الهبة وغيرها للمولى. "وجه" قول زفر أن التعلق حكم الإذن, والإذن بالتجارة لا لغيرها, وهذه ليست من كسب التجارة فلا يتعلق بها الدين. "ولنا" أن شرط ثبوت الملك للمولى في كسب العبد أي كسب كان فراغه عن حاجة العبد للفقه الذي ذكرنا من قبل ولم يوجد الفراغ فلا يثبت الملك له, وسواء حصل الكسب بعد لحوق الدين أو كان حاصلا قبله إلا الولد والأرش فإن ما ولدت المأذونة من غير مولاها بعد لحوق الدين يتعلق به, وما ولدته قبل ذلك لا يتعلق الدين به ويكون للمولى, وكذلك الأرش بأن فقئت عينها فوجب الأرش على الفاقئ. "ووجه" الفرق أن التعلق بالولد بحكم السراية من الأم إليه؛ لأن الولد يحدث على وصف الأم ومعنى السراية إنما يتحقق في الحادث بعد لحوق الدين لا قبله؛ لأنه كان ولا دين على الأم فلما حدث حدث على ملك المولى, وكذلك الأرش في حكم الولد لأن الولد جزء منفصل من الأصل والأرش بدل جزء منفصل من الأصل وحكم البدل حكم الأصل وأما تعلقه بغيرهما فليس بحكم السراية بل الشغل بحاجة العبد فإذا لم ينزعه المولى من يده حتى لحقه دين محيط فقد صار مشغولا بحاجته فلا يظهر ملك المولى فيه فهو الفرق, والله سبحانه وتعالى أعلم, وههنا فرق آخر وهو أن الولد المولود بعد لحوق الدين يدخل في الدين وولد الجناية لا يدخل في الجناية؛ لأن دخوله في الدين بحكم السراية؛ لأن الدين يتعلق برقبة الأم فسرى ذلك إلى الولد فحدث على وصف الأم, والجناية لا تحتمل التعلق بالرقبة فلا تحتمل السراية فهو الفرق, ولو أذن له المولى دفع إليه مالا ليعمل به فباع واشترى ولحقه دين لا يتعلق الدين بالمال المدفوع إليه؛ لأن الدين يتعلق بكسب العبد, وذا ليس كسبه أصلا فلا يتعلق به. وأما رقبة العبد فهل يتعلق الدين بها اختلف فيه قال علماؤنا الثلاثة رضي الله تعالى عنهم: يتعلق وقال زفر والشافعي رحمهما الله تعالى لا يتعلق. "وجه" قولهما أن هذا إن كان دين العبد فالرقبة ملك المولى, ودين الإنسان لا يقضى من مال مملوك لغيره إلا بإذنه ولم يوجد, وإن كان دين المولى فلا يتعين له مال دون مال كسائر ديون المولى, وإنما يقضى من الكسب لوجود التعيين فالإذن من المولى دلالة الإذن بالتجارة؛ لأنه قضاء دين التجارة من كسب التجارة فكان مأذونا فيه دلالة, ومثل هذه الدلالة لم يوجد في الرقبة؛ لأن رقبة العبد ليست من كسب التجارة. "ولنا" أن نقول هذا دين العبد لكن ظهر وجوبه عند

 

ج / 7 ص -204-       المولى, ودين العبد إذا ظهر وجوبه عند المولى يقضى من رقبته التي هي مال المولى كدين الاستهلاك أو نقول هذا دين المولى فيقضى من المال الذي عينه المولى للقضاء منه كالرهن والمولى بالإذن عين الرقبة لقضاء الدين منها فيتعين بتعيين المولى والله سبحانه وتعالى أعلم وإذا كانت الرقبة والكسب كل واحد منهما محلا لتعلق الدين به فإذا اجتمع الكسب والرقبة يبدأ بالاستيفاء من الكسب؛ لأن الكسب محل للتعلق قطعا, ومحلية الرقبة لتعلق محل الاجتهاد فكانت البدلية بالكسب أولى فإذا قضي الدين منه, فإن فضل من الكسب شيء فهو للمولى؛ لأنه كسب فارغ عن حاجة العبد, وإن فضل الدين يستوفى من الرقبة عندنا, فإن فضل على الثمن يتبع العبد به بعد العتاق على ما نذكره.

"فصل": وأما بيان حكم التعلق فنقول وبالله تعالى التوفيق إن لتعلق الدين أحكاما منها ولاية طلب البيع للغرماء من القاضي؛ لأن معنى تعلق الدين منه ليس إلا تعينه لاستيفاء الدين منه وهو في الحقيقة تعين ماليته للاستيفاء؛ لأن استيفاء الدين من جنسه يكون, وذلك ماليته لا عينه وذلك بيعه وأخذ ثمنه إلا أن يقضي المولى ديونهم فتخلص له الرقبة؛ لأن حقهم في المالية دون العين, وقد قضى حقهم فبطل التعلق, ومنها أنه إذا بيع العبد كان ثمنه بين الغرماء بالحصص؛ لأن الثمن بدل الرقبة فيكون لهم على قدر تعلق حقهم بالمبدل وهو الرقبة, وكان ذلك بالحصص فكذا الثمن كثمن التركة إذا بيعت ثم إذا بيع العبد, فإن فضل شيء من ثمنه فهو للمولى وإن فضل الدين لا يطالب المولى به؛ لأنه لا دين على المولى ويتبع العبد به بعد العتاق؛ لأن الدين كان عليه إلا أن القدر الذي تعلق برقبته صار مقضيا فبقي الفاضل عليه, وإنما يباع العبد في الدين إذا كان حالا, فإن كان مؤجلا لا يباع إلى حل الأجل؛ لأن البيع يتبع التعلق, والتعلق يتبع الوجوب, والوجوب على التضييق لا يثبت إلا بعد حل الأجل فكذا التعلق, ولو كان بعضه حالا وبعضه مؤجلا فطلب أصحاب الحال البيع باعه القاضي وأعطى أصحاب الحال قدر حصتهم وأمسك حصة أصحاب الأجل؛ لأن التعليق على التضييق ثبت في حق أصحاب الحال لا في حق أصحاب الأجل, وكذلك لو كان الغرماء بعضهم حضورا وبعضهم غيبا فطلب الحضور البيع من القاضي باعه القاضي وأعطى الحضور حصتهم, ووقف حصة الغيب؛ لأن لكل واحد منهم على الانفراد دينا متعلقا بالرقبة, وذا يوجب التحويج إلى البيع فغيبة البعض لا تكون مانعة, وكذلك إذا كان بعض الديون ظاهرا, والبعض لا يظهر لكن ظهر سبب وجوبه بأن كان عليه دين فحفر بئرا على طريق المسلمين فطلب الغريم البيع باعه القاضي في دينه وأعطاه دينه. وإن كان لا يفضل الثمن عن دينه شيئا؛ لأن ظهور دينه أوجب التعلق برقبته فلا يجوز ترك العمل بالظاهر بما لم يظهر ثم إذا وقعت فيها بهيمة فعطبت رجع صاحب البهيمة على الغريم فيتضاربان, فيضرب صاحب البهيمة بقيمتها ويضرب الغريم بدينه فيكون الثمن بينهما بالحصص؛ لأن الحكم مستند إلى وقت وجود سببه فيتبين أنه كان شريكه في الرقبة في تعلق الدين فيتشاركان في بدلها بالحصص ولو كان عليه دين فأقر قبل أن يباع لغائب يصدق في ذلك صدقه المولى والغرماء أو كذبوه؛ لأن إقرار المأذون بالدين صحيح من غير تصديق المولى لما بينا, وإذا بيع وقف القاضي من ثمنه حصة الغائب, ولو أقر بدين لغائب بعد ما بيع في الدين لم يجز إقراره. وإن صدقه المولى؛ لأنه إذا بيع فقد صار محجورا عليه, وإقرار المحجور بالدين لا يصح, وإن صدقه المولى, فإن قدم الغائب وأقام بينة على الدين أتبع الغرماء بحصته من الثمن؛ لأنه بإقامة البينة ظهر إن كان شريكهم في الرقبة في تعلق الدين فشاركهم في بدلها ولا سبيل له على العبد ولا على المشتري؛ لأن حقه في الدين, ومحل تعلقه الرقبة لا غير فلا سبيل له على غيرها, والله سبحانه وتعالى أعلم ومنها أنه لا يجوز للمولى بيع العبد الذي عليه دين إلا بإذن الغرماء أو بقضاء الدين أو بإذن القاضي بالبيع للغرماء, ولو باع لا ينفذ إلا إذا وصل إليهم الثمن وفيه وفاء بديونهم؛ لأن حق الغرماء متعلق برقبته وفي البيع إبطال هذا الحق عليهم فلا ينفذ من غير رضاهم كبيع المرهون إلا أن يصل ثمنه إليهم وفيه وفاء بديونهم فينفذ لما بينا أن حقهم في معنى الرقبة لا في صورتها فصار كما لو قضى المولى الدين من خالص ماله, ودل إطلاق هذه الرواية على أن الدين حال قيام الكسب يتعلق بالكسب والرقبة جميعا؛ لأنه بقي جواز بيع المولى مطلقا عن شرط عدم الكسب, ولو كان قيام الكسب مانعا من التعلق بالرقبة

 

ج / 7 ص -205-       لجاز؛ لأن الرقبة إذ ذاك تكون خالص ملك المولى, وتصرف الإنسان في خالص ملكه نافذ إلا أن يحمل على حال عدم الكسب حملا للمطلق على المقيد, والله سبحانه وتعالى أعلم. ولو أذن له بعض الغرماء بالبيع لم يجز إلا أن يجيزه الباقون لتعلق حق كل واحد بالرقبة فكان البيع تصرفا في حق الكل فلا ينفذ من غير إجازتهم ثم فرق بين بيع المولى وبين بيع الوصي التركة في الدين من غير إذن الغرماء أنه ينفذ هناك, وهنا لا ينفذ. "ووجه" الفرق أن للغرماء حق استسعاء المأذون, وهذا الحق يبطل بالبيع فكان امتناع النفاذ مفيدا, وليس للغرماء ولاية استسعاء التركة لما فيه من تأخير قضاء دين الميت فكان عدم النفاذ للوصول إلى الثمن خاصة, وأنه يحصل ببيع الوصي فلم يكن التوقف مفيدا فلا يتوقف هذا إذا كان الدين حالا, فإن كان مؤجلا نفذ البيع في ظاهر الرواية؛ لأن المانع من النفاذ هو التعلق عن التضييق ولم يوجد ثم إذا حل الأجل, فإن كانت ديونهم مثل الثمن أو أقل أخذوا منه, وإن كانت ديونهم أكثر من الثمن ضمنوا المولى إلى تمام قيمة العبد وروي عن محمد رحمه الله في النوادر أنه لا ينفذ بيع المولى لوجود أصل التعليق هذا إذا كان العبد قائما في يد المشتري, فإن كان هالكا, فالغرماء بالخيار إن شاءوا ضمنوا المولى. وإن شاءوا ضمنوا المشتري قيمة العبد؛ لأن كل واحد منهما غاصب لحقهم فكان لهم تضمين أيهما شاءوا, فإن اختاروا تضمين المولى نفذ بيعه؛ لأنه خلص ملكه فيه عند البيع باختيار الضمان فكأنهم باعوه منه بثمن هو قدر قيمته واشتراه منهم به حتى لو وجد المشتري به عيبا بعد هلاكه له أن يرجع بالنقصان على المولى, وللمولى أن يرجع به على الغرماء, وإن اختاروا تضمين المشتري بطل البيع؛ لأنه يمكن تمليكه منه بالضمان فبطل واسترد الثمن, ولو لم يهلك العبد في يد المشتري ولكن غاب المولى, فإن وجدوه ضمنوه القيمة, وإن لم يجدوه فلا خصومة بينهم وبين المشتري عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله وعند أبي يوسف رحمه الله هذا وما إذا كان المولى حاضرا سواء, والله أعلم بالصواب. هذا الذي ذكرنا حكم تعلق الدين بالرقبة عند الانفراد, فأما حكم تعلقه عند الاجتماع بأن اجتمع الدين والجناية فنقول وبالله التوفيق إذا اجتمع الدين والجناية بأن قتل العبد المأذون رجلا خطأ وعليه دين لا يبطل الدين بالجناية؛ لأن حكم الجناية في الأصل وجوب الدفع وله سبيل الخروج عنه بالفداء أو التخيير بين الدفع والفداء وهذا لا ينافي الدين؛ لأنه يمكنه دفعه متعلقا رقبته بالدين, وكذا لا ينافيه الفداء لا شك فيه, فإن اختار الدفع فهذا لا يخلو من ثلاثة أوجه: إما أن حضر أصحاب الدين والجناية معا وإما إن حضر أصحاب الجناية وإما إن حضر أصحاب الدين, فإن حضر أصحاب الدين والجناية جميعا يدفع العبد إلى أولياء الجناية ثم يبيعه القاضي للغرماء في دينهم, فإنا إذا دفعناه بالجناية فقد راعينا حق أصحاب الجناية بالدفع إليهم وراعينا حق الغرماء بالبيع بدينهم وإذا دفعناه إلى أصحاب الدين أبطلنا حق أصحاب الجناية لتعذر الدفع بعد البيع إذ الثابت للمشتري ملك جديد خال عن الجناية فكانت البداية بالجناية مراعاة الحقين من الجانبين فكان أولى ثم في الدفع إلى أصحاب الجناية ثم البيع بالدين فائدة وهي الاستخلاص بالفداء؛ لأن للناس في أعيان الأشياء رغائب ما ليس في إبدالها, وإذا دفعه المولى إلى أصحاب الجناية فالقياس أن يضمن قيمته للغرماء؛ لأنه يصير ملكا لهم بالدفع فكان الدفع منه تمليكا منهم بمنزلة البيع وفي الاستحسان لا يضمن؛ لأن الدفع واجب عليه ومن أتى بفعل واجب عليه لا يضمن؛ لأن الضمان يمنعه عن إقامة الواجب فيتناقض, ثم إذا دفعه إليهم فبيع للغرماء, فإن فضل عن دينهم شيء من الثمن صرف إلى أصحاب الجناية؛ لأن العبد صار ملكا لهم بالدفع إليهم, وإنما بيع على ملكهم إلا أن أصحاب الدين أولى بثمنه بقدر دينهم فبقي الفاضل من دينهم على ملك أصحاب الجناية كما إذا لم يكن هناك جناية فباعه القاضي للغرماء وفضل من ثمنه شيء أن الفاضل يكون للمولى كذا هذا. ولو دفعه المولى إلى أصحاب الدين بدينهم إن كان عالما بالجناية لزمه الأرش؛ لأنه صار مختارا للفداء, وإن لم يكن عالما بها يلزمه قيمة العبد؛ لأن الواجب الأصلي دفع عين العبد, وإنما الفداء للخروج عنه بطريق الرخصة على ما بينا, والدفع من غير علم لا يصلح دليل اختيار الفداء فبقي دفع العين واجبا, وقد تعدد دفع عينه بالدفع إلى أصحاب الدين فيجب دفع قيمته إذ هو دفع العين معنى, وإن حضر أصحاب الجناية أولا فكذلك يدفع العبد إليهم ولا

 

ج / 7 ص -206-       ينتظر حضور الغرماء؛ لأنهم لو كانوا حضورا لكان الحكم هكذا فلا معنى للانتظار, وإن حضر أصحاب الدين أولا, فإن كان القاضي عالما بالجناية لا يبيعه في ديونهم؛ لأن في البيع إبطال حق أصحاب الجناية, وإن لم يكن عالما بها فباعه بطل حق أصحاب الجناية حتى لو حضروا بعد ذلك لا ضمان على القاضي ولا على المولى أما القاضي فلأنه لا عهدة تلزم القاضي فيما يفعله لكونه أمينا. وأما المولى فلأنه باعه بأمر القاضي فكان مضافا إلى القاضي, ولو كان باعه بغير إذن القاضي, فإن باعه مع علمه بالجناية يلزمه الأرش؛ لأنه صار مختارا للفداء, وإن لم يكن عالما بالجناية يلزمه الأقل من قيمة العبد ومن الأرش لما بينا, والله تعالى أعلم.

"فصل": وأما بيان ما يبطل به الإذن بعد وجوده فنقول إن الإذن بالتجارة يبطل بضده وهو الحجر فيحتاج إلى بيان ما يصير العبد به محجورا وذلك أنواع بعضها يرجع إلى المولى وبعضها إلى العبد أما الذي يرجع إلى المولى فثلاثة أنواع: صريح ودلالة وضرورة, والصريح نوعان: خاص وعام أما العام فهو الحجر باللسان على سبيل الإشهار والإشاعة بأن يحجره في أهل سوقه بالنداء بالحجر, وهذا النوع من الحجر يبطل به الإذن الخاص والعام جميعا؛ لأن الإذن بالتجارة غير لازم فكان محتملا للبطلان والشيء يبطل بمثله وبما هو فوقه. وأما الخاص فهو أن يكون بين العبد وبين المولى ولا يكون على سبيل الاستفاضة والاشتهار وهذا النوع لا يبطل به الإذن العام؛ لأن الشيء لا يبطل بما هو دونه, ولأن الحجر إذا لم يشتهر فالناس يعاملونه بناء على الإذن العام ثم يظهر الحجر فيلحقهم ضرر الغرور وهو إتلاف ديونهم في ذمة المفلس. ومعنى التغرير لا يتحقق في الإذن العام؛ لأن الناس يمتنعون عن معاملته فلا يلحقهم ضرر الغرور ويبطل به الإذن الخاص؛ لأن الحجر صحيح في حقهما حسب صحة الإذن فجاز أن يبطل به؛ لأن الشيء يحتمل البطلان بمثله ومن شرط صحة هذين النوعين علم العبد بهما, فإن لم يعلم لا يصير محجورا؛ لأن الحجر منع من تصرف شرعي, وحكم المنع في الشرائع لا يلزم الممنوع إلا بعد العلم كما في سائر الأحكام الشرعية, ولو أخبره بالحجر رجلان أو رجل وامرأتان عدلا كان أو غير عدل صار محجورا بالإجماع, وكذلك إذا أخبره واحد عدل رجلا كان أو امرأة حرا كان أو عبدا أو أخبره واحد غير عدل وصدقه؛ لأن خبر الواحد في المعاملات مقبول من غير شرط العدد والعدالة والذكورة والحرية إذا صدقه فيه. وأما إذا كذبه فلا يصير محجورا عند أبي حنيفة رحمه الله, وإن ظهر صدق المخبر, وعندهما يصير محجورا صدقه أو كذبه إذا ظهر صدق المخبر, ولو كان المخبر رسولا يصير محجورا بالإجماع صدقه أو كذبه, ولو اشترى المأذون عبدا فأذن له بالتجارة فحجر المولى على أحدهما, فإن حجر على الأسفل لم يصح سواء كان على الأعلى دين أو لم يكن؛ لأنه مأذون من جهة الأعلى لا من جهة المولى, وإن حجر على الأعلى ينظر إن لم يكن عليه دين لا يصير الأسفل محجورا عليه؛ لأنه إذا لم يكن عليه دين فهما عبدان مملوكان للمولى فيصير كأنه أذن لهما ثم حجر على أحدهما, ولو كان كذلك ينحجر أحدهما بحجر الآخر كذا هذا, وإن كان على الأعلى دين يصير محجورا عند أبي حنيفة, وعندهما لا يصير محجورا بناء على أن المولى لا يملك كسب عبده المأذون المديون عنده, وعندهما يملك. "ووجه" البناء أنه لما لم يملك عبده, وقد استفاد الإذن من جهة الأعلى لا من جهة المولى صار حجر الأعلى كموته, ولو مات لصار الثاني محجورا كذا هذا, ولما ملك عندهما صار الجواب في هذا وفي الأول سواء, والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب وأما الدلالة فأنواع منها البيع وهو أن يبيعه المولى ولا دين عليه؛ لأنه زال ملكه بالبيع وحدث للمشتري فيه ملك جديد فيزول إذن البائع لزوال ملكه ولم يوجد الإذن من المشتري فيصير محجورا ومنها الاستيلاد بأن كان المأذون جارية فاستولدها المولى استحسانا, والقياس أن لا يبطل به الإذن؛ لأنها قادرة على التصرف بعد الاستيلاد. "وجه" الاستحسان أن التجارة لا بد لها من الخروج إلى الأسواق, وأمهات الأولاد ممنوعات عن الخروج في العادات فكان الاستيلاد حجرا دلالة. وأما التدبير فلا يكون حجرا؛ لأنه لا ينفي الإذن إذ الإذن إطلاق والتدبير لا ينافيه, ومنها لحوقه بدار الحرب مرتدا؛ لأن الردة مع اللحوق توجب زوال الملك وذا يمنع بقاء الإذن فكان حجرا دلالة, فإن لم يلحق بدار الحرب فعلى قياس قول  أبي

 

ج / 7 ص -207-       حنيفة رضي الله عنه ينبغي أن يقف تصرف المأذون بعد الردة وعلى قياس قولهما ينفذ, والله تعالى أعلم بالصواب وأما الضرورة فأنواع أيضا: منها موته؛ لأن الموت مبطل للملك وبطلان الملك يوجب بطلان الإذن على ما بينا ومنها جنونه جنونا مطبقا؛ لأن أهلية الإذن شرط بقاء الإذن؛ لأن الإذن بالتجارة غير لازم فكان لبقائه حكم الابتداء ثم ابتداء الإذن لا يصح من غير الأهل فلا يبقى أيضا والجنون المطبق مبطل للأهلية فصار محجورا. فإن أفاق يعد مأذونا؛ لأن بطلان الإذن لبطلان الأهلية مع احتمال العود فإذا أفاق عادت الأهلية فعاد مأذونا, وصار كالموكل إذا أفاق بعد جنونه أنه تعود الوكالة كذا هذا. وأما الإغماء فلا يوجب الحجر؛ لأنه لا يبطل الأهلية لكونه على شرف الزوال ساعة فساعة عادة, ولهذا لا يمنع وجوب سائر العبادات. وأما الذي يرجع إلى العبد فأنواع أيضا: منها إباقه؛ لأنه بالإباق تنقطع منافع تصرفه عن المولى فلا يرضى به المولى وهذا ينافي الإذن؛ لأن تصرف المأذون برضا المولى, ومنها جنونه جنونا مطبقا؛ لأنه مبطل أهلية التجارة على وجه لا يحتمل العود إلا على سبيل الندرة لزوال ما هو مبني عليه وهو العقل فلم يكن في بقاء الإذن فائدة فيبطل, ولو أفاق بعد ذلك لا يعود مأذونا بخلاف الموكل, والله سبحانه وتعالى أعلم وأما الجنون الذي هو غير مطبق فلا يوجب الحجر؛ لأن غير المطبق منه ليس بمبطل للأهلية لكونه على شرف الزوال فكان في حكم الإغماء ومنها ردته عند أبي حنيفة, وعندهما لا توجب الحجر بناء على وقوف تصرفاته عنده ونفوذها عندهما, ومنها لحوقه بدار الحرب مرتدا؛ لأن اللحوق بدار الحرب مرتدا بمنزلة الموت فكان مبطلا للأهلية فيصير محجورا لكن عند أبي حنيفة رحمه الله من وقت الردة, وعندهما من وقت اللحوق والله تعالى أعلم.

"فصل": وأما حكم الحجر فهو انحجار العبد في حق المولى عن كل تصرف كان يملكه بسبب الإذن فلا يملك الإقرار بالدين إذا لم يكن في يده مال؛ لأن صحة إقرار المأذون بالدين لكونه من ضرورات التجارة على ما بينا ولا يملك التجارة فلا يملك الإقرار بما هو من ضروراتها في حق المولى لكن يتبع به بعد العتاق؛ لأن إقراره صحيح في نفسه لصدوره من الأهل لكن لم يظهر للحال لحق المولى فإذا عتق فقد زال المانع فيظهر, وإن كان في يده مال ينفذ إقراره فيما في يده عند أبي حنيفة, وعندهما لا ينفذ؛ لأنه إقرار المحجور فكيف ينفذ, ولأبي حنيفة رضي الله عنه أنه غير محجور فيما في يده ولم يصح الحجر في حق ما في يده؛ لأنه لو صح لتبادر الموالي إلى حجر عبيدهم المأذونين في التجارة إذا علموا أن عليهم دينا لتسلم لهم أكسابهم التي في أيديهم. وقد لا يكون للغرماء بينة على ذلك فيتضرر به الغرماء لتعلق ديونهم بذمة العبد المفلس فكان إقراره فيما في يده من المال من ضرورات التجارة فأشبه إقرار المأذون بخلاف ما إذا لم يكن في يده مال؛ لأن الحجر من المولى للوصول إلى الكسب فإذا لم يكن في يده كسب فلا يحجر فهو الفرق بين الفصلين, ولو ظهر عليه الدين بالبينة أو المعاينة وفي يده كسب فحجره المولى لا سبيل للمولى على الكسب؛ لأن حق الغرماء متعلق به ويملك الإقرار على نفسه بالحدود والقصاص صدقه المولى أو كذبه؛ لأنه لا ملك للمولى في نفسه في حق الحدود والقصاص فاستوى فيه تصديقه وتكذيبه ولا يحتاج في إقامتها إلى حضور المولى بالإجماع, وفيما إذا ثبت ذلك ببينة قام عليه اختلاف ذكرناه فيما قبل والمحجور في الجناية عمدا أو خطأ والمأذون سواء, وموضع معرفة حكم جنايتهما كتاب الديات وسنذكره فيه إن شاء الله تعالى.