تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشِّلْبِيِّ

(كِتَابُ الطَّلَاقِ) .
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (هُوَ رَفْعُ الْقَيْدِ الثَّابِتِ شَرْعًا بِالنِّكَاحِ) وَهَذَا فِي الشَّرِيعَةِ ، وَقَوْلُهُ شَرْعًا يُحْتَرَزُ بِهِ عَنْ رَفْعِ الْقَيْدِ الثَّابِتِ حِسًّا وَهُوَ حَلُّ الْوَثَاقِ ، وَقَوْلُهُ بِالنِّكَاحِ يُحْتَرَزُ بِهِ مِنْ الْعِتْقِ ؛ لِأَنَّهُ رَفْعُ قَيْدٍ ثَابِتٍ شَرْعًا لَكِنَّهُ لَا يَثْبُتُ ذَلِكَ الْقَيْدُ بِالنِّكَاحِ وَفِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ رَفْعِ الْقَيْدِ مُطْلَقًا يُقَالُ أَطْلَقَ الْفَرَسَ وَالْأَسِيرَ وَلَكِنْ اُسْتُعْمِلَ فِي النِّكَاحِ بِالتَّفْعِيلِ وَفِي غَيْرِهِ بِالْأَفْعَالِ وَلِهَذَا فِي قَوْلِهِ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ مُطَلَّقَةٌ بِتَشْدِيدِ اللَّامِ لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى النِّيَّةِ وَبِتَخْفِيفِهَا يَحْتَاجُ
، ثُمَّ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَرَعَ النِّكَاحَ لِمَصْلَحَةِ الْعِبَادِ ؛ لِأَنَّهُ يَنْتَظِمُ بِهِ مَصَالِحَهُمْ الدِّينِيَّةَ وَالدُّنْيَوِيَّةَ . ثُمَّ شُرِعَ الطَّلَاقُ إكْمَالًا لِلْمَصْلَحَةِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يُوَافِقُهُ النِّكَاحُ فَيَطْلُبُ الْخَلَاصَ فَمَكَّنَهُ مِنْ ذَلِكَ وَجَعَلَهُ عَدَدًا وَحُكْمَهُ مُتَأَخِّرًا لِيُجَرِّبَ نَفْسَهُ فِي الْفِرَاقِ كَمَا جَرَّبَهَا فِي النِّكَاحِ ، ثُمَّ حَرَّمَهَا عَلَيْهِ بَعْدَ فَرَاغِ الْعَدَدِ قَبْلَ أَنْ تَتَزَوَّجَ بِزَوْجٍ آخَرَ لِيَتَأَدَّبَ بِمَا فِيهِ غَيْظُهُ وَهُوَ الزَّوْجُ الثَّانِي عَلَى مَا عَلَيْهِ جِبِلَّةُ الْفُحُولَةِ بِحِكْمَتِهِ وَلُطْفِهِ بِعِبَادِهِ ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ يَحْتَاجُ هُنَا إلَى مَعْرِفَةِ سَبْعَةِ أَشْيَاءَ مَعْنَى الطَّلَاقِ لُغَةً وَشَرِيعَةً ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُمَا وَرُكْنُهُ وَهُوَ اللَّفْظُ وَسَبَبُهُ وَهُوَ الْحَاجَةُ إلَيْهِ وَشَرْطُهُ وَهُوَ الْأَهْلِيَّةُ وَالْمَحَلُّ بِأَنْ يَكُونَ بَالِغًا عَاقِلًا وَالْمَرْأَةُ فِي النِّكَاحِ أَوْ فِي الْعِدَّةِ وَحُكْمُهُ وَهُوَ زَوَالُ الْمِلْكِ عَنْ الْمَحَلِّ مَعَ انْتِقَاصِ الْعَدَدِ وَالسَّابِعُ أَنْوَاعُهُ عَلَى مَا يَجِيءُ فِي بَابِ إيقَاعِ الطَّلَاقِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (تَطْلِيقُهَا وَاحِدَةً فِي طُهْرٍ لَا وَطْءَ فِيهِ وَتَرْكُهَا حَتَّى تَمْضِيَ عِدَّتُهَا أَحْسَنُ) لِمَا رُوِيَ عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
كِتَابُ الطَّلَاقِ) .
لَمَّا فَرَغَ مِنْ النِّكَاحِ وَبَيَانِ أَحْكَامِهِ اللَّازِمَةِ عِنْدَ وُجُودِهِ وَالْمُتَأَخِّرَةِ عَنْهُ وَهِيَ أَحْكَامُ الرَّضَاعِ شَرَعَ فِيمَا بِهِ يَرْتَفِعُ ؛ لِأَنَّهُ فَرْعٌ تَقَدَّمَ وُجُودُهُ وَاسْتِعْقَابُ أَحْكَامَهُ وَأَيْضًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّضَاعِ مُنَاسَبَةٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُوجِبُ الْحُرْمَةَ إلَّا أَنَّ مَا بِالرَّضَاعِ حُرْمَةٌ مُؤَبَّدَةٌ وَمَا بِالطَّلَاقِ حُرْمَةٌ مُغَيَّاةٌ بِغَايَةٍ مَعْلُومَةٍ فَقَدَّمَ بَيَانَ الْحُكْمِ الْأَشَدِّ اهْتِمَامًا بِشَأْنِهِ ، ثُمَّ ثَنَّى بِالْآخَرِ وَأَيْضًا التَّرْتِيبُ الْوُجُودِيُّ يُنَاسِبُ التَّرْتِيبَ الْوَضْعِيَّ ، وَالنِّكَاحُ ثَابِتٌ فِي الْوُجُودِ بِأَحْكَامِهِ وَيَتْلُوهُ الطَّلَاقُ فَأَوْجَدَهُ فِي التَّعْلِيمِ كَذَلِكَ وَالطَّلَاقُ اسْمٌ بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ الَّذِي هُوَ التَّطْلِيقُ كَالسَّلَامِ وَالسَّرَاحِ بِمَعْنَى التَّسْلِيمِ وَالتَّسْرِيحِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة : 229] أَيْ التَّطْلِيقُ أَوْ هُوَ مَصْدَرُ طَلُقَتْ الْمَرْأَةُ بِضَمِّ اللَّامِ أَوْ فَتْحِهَا كَالْفَسَادِ ، وَعَنْ الْأَخْفَشِ نَفْيُ الضَّمِّ وَفِي دِيوَانِ الْأَدَبِ أَنَّهُ لُغَةٌ ا هـ . كَمَالٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : هُوَ رَفْعُ الْقَيْدِ الثَّابِتِ شَرْعًا إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : وَفِي الشَّرْعِ رَفْعُ قَيْدِ النِّكَاحِ بِلَفْظٍ مَخْصُوصٍ وَهُوَ مَا اشْتَمَلَ عَلَى مَادَّةِ ط ل ق صَرِيحًا كَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ كِنَايَةً كَمُطْلَقَةٍ بِالتَّخْفِيفِ وَهِجَاءِ طَالِقٍ بِلَا تَرْكِيبٍ كَأَنْتِ ط ا ل ق عَلَى مَا سَيَأْتِي وَغَيْرِهِمَا كَقَوْلِ الْقَاضِي فَرَّقْت بَيْنَهُمَا عِنْدَ إبَاءِ الزَّوْجِ الْإِسْلَامَ ، وَالْعُنَّةِ وَاللِّعَانِ وَسَائِرِ الْكِنَايَاتِ الْمُفِيدَةِ لِلرَّجْعَةِ وَالْبَيْنُونَةِ وَلَفْظِ الْخُلْعِ فَخَرَجَ تَفْرِيقُ الْقَاضِي فِي إبَائِهَا وَرِدَّةُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ وَتَبَايُنُ الدَّارَيْنِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا وَخِيَارُ الْبُلُوغِ وَالْعِتْقُ وَعَدَمُ الْكَفَاءَةِ وَنُقْصَانُ الْمَهْرِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ طَلَاقًا فَقَوْلُ بَعْضِهِمْ رَفْعُ قَيْدِ النِّكَاحِ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ غَيْرُ مُطَّرِدٍ لِصِدْقِهِ عَلَى الْفُسُوخِ وَمُشْتَمِلٌ عَلَى مَا لَا حَاجَةَ إلَيْهِ فَإِنَّ كَوْنَهُ مِنْ الْأَهْلِ فِي الْمَحَلِّ مِنْ شَرْطِ وُجُودِهِ لَا دَخْلَ لَهُ فِي حَقِيقَتِهِ وَالتَّعْرِيفُ لِمُجَرَّدِهَا ا هـ .
(قَوْلُهُ : وَلَكِنْ اُسْتُعْمِلَ فِي النِّكَاحِ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ وَاسْتُعْمِلَ فِعْلُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِ نِكَاحِ الْمَرْأَةِ مِنْ الْأَفْعَالِ أَطْلَقْت بَعِيرِي وَأَسِيرِي وَفِيهِ مِنْ التَّفْعِيلِ طَلَّقْت امْرَأَتِي يُقَالُ ذَلِكَ إخْبَارًا عَنْ أَوَّلِ طَلْقَةٍ أَوْقَعَهَا ، فَلَيْسَ فِيهِ إلَّا التَّأْكِيدُ ، أَمَّا إذَا قَالَهُ فِي الثَّالِثَةِ فَلِلتَّكْثِيرِ كَغَلَّقَتْ الْأَبْوَابَ ا هـ . فَتْحٌ (قَوْلُهُ : وَهُوَ زَوَالُ الْمِلْكِ عَنْ الْمَحَلِّ) أَيْ مُؤَجَّلًا بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فِي الرَّجْعِيِّ وَبِدُونِهِ فِي الْبَائِنِ ا هـ . فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : تَطْلِيقُهَا وَاحِدَةً فِي طُهْرٍ لَا وَطْءَ فِيهِ) أَيْ وَلَا فِي الْحَيْضِ الَّذِي قَبْلَهُ وَلَمْ يُطَلِّقْهَا فِيهِمَا ، وَهَذَا عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ عَلَى مَا سَيَأْتِي ا هـ . فَتْحٌ (قَوْلُهُ : وَتَرْكُهَا حَتَّى تَمْضِيَ عِدَّتُهَا أَحْسَنُ) أَيْ بِلَا طَلَاقٍ آخَرَ ا هـ . وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَمَالُ وَلِمَا ذَكَرْنَا مِنْ قِلَّةِ ضَرَرِ هَذَا وَاسْتِحْبَابِهِ عِنْدَ الصَّحَابَةِ كَانَ أَحْسَنَ ا هـ . وَكَتَبَ أَيْضًا مَا نَصُّهُ قِيلَ الْأَصْلُ فِي الطَّلَاقِ الْحَظْرُ فَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ حَسَنٌ وَأَحْسَنُ ، وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْحَظْرَ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ ، وَأَمَّا كَوْنُهُ حَسَنًا وَأَحْسَنُ فَمِنْ حَيْثُ الْوَقْتُ ا هـ .
وَاعْلَمْ أَنَّ الطَّلَاقَ فِي الْأَصْلِ عَلَى نَوْعَيْنِ طَلَاقُ

(2/188)


أَنْ لَا يَزِيدُوا فِي الطَّلَاقِ عَلَى وَاحِدَةٍ حَتَّى تَمْضِيَ عِدَّتُهَا وَأَنَّ هَذَا أَفْضَلُ عِنْدَهُمْ ؛ وَلِأَنَّهُ أَبْعَدُ مِنْ النَّدَمِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ التَّدَارُكِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} [الطلاق : 1] وَأَقَلُّ ضَرَرًا بِالْمَرْأَةِ حَيْثُ لَمْ تَطُلْ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَلَمْ تَبْطُلْ مَحَلِّيَّتُهَا ؛ لِأَنَّ اتِّسَاعَ الْمَحَلِّيَّةِ نِعْمَةٌ فِي حَقِّهِنَّ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّهُ مَكْرُوهٌ إذَا كَانَ لِحَاجَةٍ وَفِي النِّهَايَةِ لِلسِّغْنَاقِيِّ أَنَّ إيقَاعَ الطَّلَاقِ مُبَاحٌ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ لَا يُبَاحُ إلَّا لِلضَّرُورَةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَعَنَ اللَّهُ كُلَّ ذَوَّاقٍ مِطْلَاقٍ» . وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَبْغَضُ الْحَلَالِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى الطَّلَاقُ» ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «تَزَوَّجُوا وَلَا تُطَلِّقُوا» ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تُطَلِّقُوا النِّسَاءَ إلَّا مِنْ رِيبَةٍ إنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الذَّوَّاقِينَ وَلَا الذَّوَّاقَاتِ» وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق : 1] ، وَقَالَ تَعَالَى {لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} [البقرة : 236] وَهَذَا يَقْتَضِي الْإِبَاحَةَ «وَطَلَّقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَفْصَةَ» وَالصَّحَابَةُ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - كَانُوا يُطَلِّقُونَ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ حَتَّى رُوِيَ أَنَّ مُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ كَانَ لَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ فَأَقَامَهُنَّ بَيْنَ يَدَيْهِ صَفًّا فَقَالَ أَنْتُنَّ حَسَنَاتُ الْأَخْلَاقِ نَاعِمَاتُ الْأَرْزَاقِ طَوِيلَاتُ الْأَعْنَاقِ اذْهَبْنَ فَأَنْتُنَّ الطَّلَاقُ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَثَلَاثًا فِي أَطْهَارٍ حَسَنٌ وَسُنِّيٌّ) أَيْ تَطْلِيقُهَا ثَلَاثًا مُتَفَرِّقَةً فِي ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ حَسَنٌ وَسُنِّيٌّ ، وَقَالَ مَالِكٌ هُوَ بِدْعَةٌ ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ مَحْظُورٌ فَلَا يُبَاحُ الْإِقْدَامُ عَلَيْهِ إلَّا لِدَفْعِ حَاجَةِ التَّخَلُّصِ عَنْهَا بِتَنَافُرِ الْأَخْلَاقِ وَهُوَ يَحْصُلُ بِالْوَاحِدَةِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الزِّيَادَةِ وَلَنَا «قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعُمَرَ مُرْ ابْنَك
ـــــــــــــــــــــــــــــ
سُنَّةٍ وَطَلَاقُ بِدْعَةٍ وَالْأَوَّلُ عَلَى قِسْمَيْنِ حَسَنٌ وَأَحْسَنُ وَالثَّانِي وَهُوَ الْبِدْعِيُّ عَلَى قِسْمَيْنِ أَيْضًا بِحَسَبِ الْعَدَدِ وَهُوَ أَنْ يُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ وَجُمْلَةٍ أَوْ عَلَى التَّفْرِيقِ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ وَبِحَسَبِ الْوَقْتِ وَهُوَ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي حَالَةِ الْحَيْضِ أَوْ فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ ا هـ . وَكَتَبَ أَيْضًا مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَاعْلَمْ أَنَّ السُّنِّيَّ الْمَسْنُونَ وَهُوَ كَالْمَنْدُوبِ فِي اسْتِعْقَابِ الثَّوَابِ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الْمُبَاحُ ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَيْسَ عِبَادَةً فِي نَفْسِهِ لِيَثْبُتَ لَهُ ثَوَابٌ فَمَعْنَى الْمَسْنُونِ مِنْهُ مَا ثَبَتَ عَلَى وَجْهٍ لَا يَسْتَوْجِبُ عِتَابًا نَعَمْ لَوْ وَقَعَتْ لَهُ دَاعِيَةٌ أَنْ يُطَلِّقَهَا عَقِيبَ جِمَاعِهَا أَوْ حَائِضًا أَوْ ثَلَاثًا فَمَنَعَ نَفْسَهُ إلَى الطُّهْرِ الْآخَرِ وَالْوَاحِدَةُ تَقُولُ إنَّهُ يُثَابُ عَلَيْهَا لَا عَلَى الطَّلَاقِ فِي الطُّهْرِ الْخَالِي ، بَلْ عَلَى كَفِّ نَفْسِهِ عَنْ ذَلِكَ الْإِيقَاعِ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ امْتِنَاعًا عَنْ الْمَعْصِيَةِ وَذَلِكَ الْكَفُّ غَيْرُ فِعْلِ الْإِيقَاعِ ، وَلَيْسَ الْمَسْنُونُ يَلْزَمُ تِلْكَ الْحَالَةَ ؛ لِأَنَّهُ أَوْقَعَ وَاحِدَةً فِي الطُّهْرِ الْخَالِي مِنْ غَيْرِ أَنْ يَخْطِرَ لَهُ دَاعِيَةُ ذَلِكَ الْإِيقَاعِ سَمَّيْنَاهُ طَلَاقًا مَسْنُونًا مَعَ انْتِفَاءِ سَبَبِ الثَّوَابِ وَهُوَ كَفُّ النَّفْسِ عَنْ الْمَعْصِيَةِ بَعْدَ تَهَيُّؤِ أَسْبَابِهَا وَقِيَامِ دَاعِيَتِهَا ، وَهَذَا كَمَنْ اسْتَمَرَّ عَلَى عَدَمِ الزِّنَا مِنْ غَيْرِ أَنْ تَخْطِرَ لَهُ دَاعِيَتُهُ وَتَهَيُّؤُهُ لَهُ مَعَ الْكَفِّ عَنْهُ لَا يُثَابُ عَلَيْهِ ، وَلَوْ وَقَعَتْ لَهُ دَاعِيَتُهُ وَطَلَبُ النَّفْسِ لَهُ وَتَهَيُّؤُهُ لَهُ وَكَفَّ تَجَافِيًا عَنْ الْمَعْصِيَةِ أُثِيبَ ا هـ .
(قَوْلُهُ : لِتَمَكُّنِهِ مِنْ التَّدَارُكِ) أَيْ حَيْثُ يُمْكِنُهُ التَّزَوُّجُ بِهَا فِي الْعِدَّةِ أَوْ بَعْدَهَا بِلَا تَخَلُّلِ زَوْجٍ آخَرَ ا هـ . فَتْحٌ (قَوْلُهُ : {لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} [الطلاق : 1] أَيْ تَبْدُو لَهُ مُرَاجَعَتُهَا ا هـ . (قَوْلُهُ : وَلَمْ تَبْطُلْ مَحَلِّيَّتُهَا) أَيْ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ ا هـ . فَتْحٌ (قَوْلُهُ : إنَّ إيقَاعَ الطَّلَاقِ مُبَاحٌ إلَخْ) رَجُلٌ أَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ بِغَيْرِ ذَنْبٍ مِنْهَا يَسَعُهُ ذَلِكَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى إذَا سَرَّحَهَا بِالْإِحْسَانِ وَهُوَ أَنْ يُعْطِيَ لَهَا مَهْرَهَا وَنَفَقَةَ عِدَّتِهَا لِمَا رُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ أَنَّهُ كَانَ كَثِيرَ النِّكَاحِ كَثِيرَ الطَّلَاقِ فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ لِأَنِّي أُحِبُّ الْغِنَى ، وَاَللَّهُ تَعَالَى جَمَعَ الْغِنَى فِي هَذَيْنِ يَعْنِي النِّكَاحَ وَالطَّلَاقَ ، أَمَّا النِّكَاحُ فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور : 32] . وَأَمَّا الطَّلَاقُ فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلا مِنْ سَعَتِهِ} [النساء : 130] ا هـ .
كُبْرَى وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ قَاضِي خَانْ فِي بَابِ النَّفَقَةِ فِي فَصْلِ حُقُوقِ الزَّوْجَيْنِ رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ بِغَيْرِ ذَنْبٍ إنْ أَوْفَاهَا الْمَهْرَ وَنَفَقَةَ الْعِدَّةِ وُسِّعَ لَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ا هـ . (قَوْلُهُ : «وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبْغَضُ الْحَلَالِ» إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - : وَأَمَّا وَصْفُهُ فَهُوَ أَبْغَضُ الْمُبَاحَاتِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى عَلَى مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «إنَّ أَبْغَضَ الْمُبَاحَاتِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى الطَّلَاقُ» فَنَصَّ عَلَى إبَاحَتِهِ وَكَوْنِهِ مَبْغُوضًا وَهُوَ لَا يَسْتَلْزِمُ تَرَتُّبَ لَازِمِ الْمَكْرُوهِ الشَّرْعِيِّ إلَّا لَوْ كَانَ مَكْرُوهًا بِالْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيِّ وَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ مِنْ وَصْفِهِ بِالْبُغْضِ إلَّا لَوْ لَمْ يَصِفْهُ بِالْإِبَاحَةِ لَكِنَّهُ وَصَفَهُ بِهَا ؛ لِأَنَّ أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ بَعْضُ مَا أُضِيفَ إلَيْهِ وَغَايَةُ مَا فِيهِ أَنَّهُ مَبْغُوضٌ إلَيْهِ سُبْحَانَهُ وَلَمْ يُرَتِّبْ عَلَيْهِ مَا رَتَّبَ عَلَى الْمَكْرُوهِ ا هـ .
قَوْلُهُ : وَلَمْ يُرَتِّبْ عَلَيْهِ إلَخْ يَعْنِي مِنْ اللَّوْمِ عَلَى التَّرْكِ فِي التَّنْزِيهِ وَالْعِقَابِ فِي كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ ا هـ . (قَوْلُهُ : وَالصَّحَابَةُ كَانُوا يُطَلِّقُونَ إلَخْ) فَإِنَّ عُمَرَ طَلَّقَ أُمَّ عَاصِمٍ وَابْنُ عَوْفٍ طَلَّقَ تَمَاضُرَ ا هـ .

(قَوْلُهُ : وَتَطْلِيقُهَا ثَلَاثًا مُتَفَرِّقَةً إلَخْ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ الزَّوْجَةُ مُسْلِمَةً أَوْ غَيْرَ مُسْلِمَةٍ ؛ لِأَنَّهُ الْمُخَاطَبُ بِإِيقَاعِهِ كَذَلِكَ وَيَجِبُ عَلَى الْغَائِبِ إذَا أَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَ أَنْ يَكْتُبَ إذَا جَاءَك كِتَابِي هَذَا وَأَنْتِ طَاهِرَةٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَإِنْ كُنْت حَائِضًا فَإِذَا طَهُرْت فَأَنْتِ طَالِقٌ ا هـ . كَمَالٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ ، ثُمَّ إذَا أَوْقَعَ الثَّلَاثَ فِي ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ فَقَدْ مَضَى مِنْ عِدَّتِهَا حَيْضَتَانِ إنْ كَانَتْ حُرَّةً فَإِذَا حَاضَتْ حَيْضَةً انْقَضَتْ وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً فَبِالطُّهْرِ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّانِيَةِ بَانَتْ وَوَقَعَ عَلَيْهَا ثِنْتَانِ ا هـ . كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ : وَقَالَ مَالِكٌ هُوَ بِدْعَةٌ) أَيْ الطَّلَاقُ الْمُفَرَّقُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا بِدْعَةٌ ا هـ . (قَوْلُهُ : وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعُمَرَ مُرْ ابْنَك إلَخْ) ، ثُمَّ الْوُجُوبُ لَيْسَ بِمُرَادٍ مِنْ الْأَمْرِ الْمَذْكُورِ فِي النَّصِّ بِالْإِجْمَاعِ فَيَتَعَيَّنُ مَا دُونَهُ وَهُوَ السُّنَّةُ فَإِذَا كَانَ الطَّلَاقُ الْمُفَرَّقُ عَلَى الْأَطْهَارِ سُنَّةً فَيَكُونُ الطَّلَاقُ الْمُوقَعُ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ جُمْلَةً أَوْ عَلَى التَّفْرِيقِ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ أَوْ فِي الْحَيْضِ أَوْ فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ بِدْعَةٌ ؛ لِأَنَّهَا نَقِيضُ السُّنَّةِ ، وَقَدْ «شَرَطَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التَّطْلِيقَ قَبْلَ الْمَسِيسِ» كَمَا تَرَى وَإِنَّمَا ثَبَتَ الْحُسْنُ فِي طَلَاقِ السُّنَّةِ ؛ لِأَنَّ الْحُسْنَ فِي الْمَأْمُورِ بِهِ مِنْ قَضِيَّةِ حُكْمِ الْأَمْرِ ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي التَّبْيِينِ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - .

(2/189)


فَلْيُرَاجِعْهَا ، ثُمَّ يَدَعْهَا حَتَّى تَحِيضَ وَتَطْهُرَ ، ثُمَّ يُطَلِّقُهَا ، ثُمَّ تَحِيضُ وَتَطْهُرُ ، ثُمَّ يُطَلِّقُهَا إنْ أَحَبَّ» .
«وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِابْنِهِ إنَّك أَخْطَأَتْ السُّنَّةَ مَا هَكَذَا أَمَرَك اللَّهُ تَعَالَى إنَّ مِنْ السُّنَّةِ أَنْ تَسْتَقْبِلَ الطُّهْرَ اسْتِقْبَالًا وَتُطَلِّقَ لِكُلِّ قُرْءٍ وَاحِدَةً فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ تُطَلِّقَ لَهَا النِّسَاءَ» يُرِيدُ بِهِ قَوْله تَعَالَى {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق : 1] وَبَيَانُهُ أَنَّهُ تَعَالَى قَابَلَ الطَّلَاقَ بِالْعِدَّةِ وَهُمَا ذُو عَدَدٍ فَيُقْسَمُ آحَادُ أَحَدِهِمَا عَلَى آحَادِ الْآخَرِ كَقَوْلِهِ أَعْطِ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةَ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ فَكَانَ هَذَا أَمْرًا بِالتَّفْرِيقِ وَأَقَلُّهُ الْإِبَاحَةُ وَقَوْلُهُ : لِأَنَّ الطَّلَاقَ مَحْظُورٌ قُلْنَا لَا نُسَلِّمُ ، بَلْ مُبَاحٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَلَئِنْ سَلَّمْنَا فَنَقُولُ إنَّهُ يُسْتَبَاحُ لِلْحَاجَةِ وَالْحَاجَةُ إلَى إيقَاعِ الثَّلَاثِ ثَابِتَةٌ لِيَتَخَلَّصَ مِنْهَا وَلَا يَقَعُ فِي عِدَّتِهَا بِالْمُرَاجَعَةِ وَلَا يُمْكِنُ الِاطِّلَاعُ عَلَى حَقِيقَةِ الْحَاجَةِ لِخَفَاءِ تَنَافُرِ الطِّبَاعِ وَتَبَايُنِ الْأَخْلَاقِ فَأُقِيمَ دَلِيلُ الْحَاجَةِ وَهُوَ الْإِقْدَامُ عَلَى الطَّلَاقِ فِي زَمَنِ تَجَدُّدِ الرَّغْبَةِ مَقَامَهَا كَمَا فِي الطَّلْقَةِ الْأُولَى وَالْحَاجَةُ مُتَكَرِّرَةٌ نَظَرًا إلَى دَلِيلِهَا فَيُدَارُ عَلَيْهِ ، ثُمَّ قِيلَ يُؤَخِّرُ الطَّلْقَةَ الْأُولَى إلَى آخِرِ الطُّهْرِ كَيْ لَا تَتَضَرَّرَ بِتَطْوِيلِ الْعِدَّةِ ، وَقِيلَ يُطَلِّقُهَا عَقِيبَ الطُّهْرِ كَيْ لَا يُبْتَلَى بِالْإِيقَاعِ عَقِيبَ الْوَقَاعِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ .
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

(وَثَلَاثًا فِي طُهْرٍ أَوْ بِكَلِمَةٍ بِدْعِيٌّ) أَيْ تَطْلِيقُهَا ثَلَاثًا فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ أَوْ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ طَلَاقٌ بِدْعِيٌّ ، وَكَذَلِكَ الثِّنْتَانِ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ أَوْ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ ثَلَاثًا فِي طُهْرٍ إذَا لَمْ يَتَخَلَّلْ بَيْنَ التَّطْلِيقَتَيْنِ رَجْعَةٌ وَإِنْ تَخَلَّلَتْ فَلَا يُكْرَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِنْ تَخَلَّلَ التَّزَوُّجُ بَيْنَهُمَا فَلَا يُكْرَهُ بِالْإِجْمَاعِ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَكُونُ الثَّلَاثُ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ أَوْ بِكَلِمَةٍ بِدْعَةً ؛ لِأَنَّهُ مَشْرُوعٌ وَهُوَ لَا يُجَامِعُ الْحَظْرَ عِنْدَهُ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ أَوْ فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ ؛ لِأَنَّ الْحَظْرَ فِيهِ لِغَيْرِهِ .
وَلَنَا مَا تَلَوْنَا وَمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَ بِالتَّفْرِيقِ وَالْإِيقَاعُ جُمْلَةً يُضَادُّهُ ، فَيَكُونُ مُفَوِّتًا لِلْمَأْمُورِ بِهِ ، فَيَكُونُ بِدْعَةً ضَرُورَةً وَفِي مُصَنَّفِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي حَدِيثِ «ابْنِ عُمَرَ قَالَ قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ : أَرَأَيْت لَوْ طَلَّقْتهَا ثَلَاثًا ، قَالَ : إذًا قَدْ عَصَيْت رَبَّك وَبَانَتْ مِنْك امْرَأَتُك» ؛ وَلِأَنَّ الطَّلَاقَ إنَّمَا جُعِلَ مُتَعَدِّدًا لِيُمْكِنَهُ التَّدَارُكُ عِنْدَ النَّدَمِ فَلَا يَحِلُّ لَهُ تَفْوِيتُهُ كَمَا قُلْنَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي حَالَةِ الْحَيْضِ ؛ لِأَنَّهَا زَمَانُ النَّفْرَةِ فَلَعَلَّهُ يَنْدَمُ فِي زَمَانِ الطُّهْرِ عِنْدَ تَوَقَانِ النَّفْسِ إلَى الْجِمَاعِ فَلَا يَمْلِكُ تَفْوِيتَ مَا جَعَلَ الشَّرْعُ نَظَرًا لَهُ وَلَا يُقَالُ إنَّمَا كُرِهَ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ لِأَجْلِ تَطْوِيلِ الْعِدَّةِ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَوْ طَلَّقَهَا فِي حَالَةِ الْحَيْضِ بَعْدَ مَا طَلَّقَهَا فِي طُهْرٍ لَمْ يُجَامِعْهَا فِيهِ كَانَ مَكْرُوهًا ، وَلَيْسَ فِيهِ تَطْوِيلُ الْعِدَّةِ .
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ «أُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ جَمِيعًا فَقَامَ غَضْبَانَ ، ثُمَّ قَالَ أَيُلْعَبُ بِكِتَابِ اللَّهِ وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ» ، ذَكَرَهُ الْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ الْمُوَطَّإِ ، رَوَاهُ النَّسَائِيّ ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لِرَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا يُطَلِّقُ أَحَدُكُمْ ، ثُمَّ يَرْكَبُ الْحَمُوقَةَ ، ثُمَّ يَقُولُ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ اللَّهُ {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} [الطلاق : 2] ، وَإِنَّك لَمْ تَتَّقِ اللَّهَ فَلَمْ أَجِدْ لَك مَخْرَجًا عَصَيْت رَبَّك وَبَانَتْ مِنْك امْرَأَتُك ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ : وَهُوَ الْإِقْدَامُ عَلَى الطَّلَاقِ فِي زَمَنِ تَجَدُّدِ الرَّغْبَةِ) أَيْ وَهُوَ الطُّهْرُ الْخَالِي عَنْ الْجِمَاعِ ا هـ . قَالَ الْأَتْقَانِيُّ : وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّ الطُّهْرَ الْخَالِي عَنْ الْجِمَاعِ زَمَانُ تَجَدُّدِ الرَّغْبَةِ ؛ لِأَنَّ الْحَيْضَ زَمَانُ النَّفْرَةِ ، وَكَذَا الطُّهْرُ إذَا وُجِدَ فِيهِ الْجِمَاعُ تَفْتُرُ رَغْبَةُ الرَّجُلِ فِيهَا فَلَا يَكُونُ الْإِقْدَامُ عَلَى الطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ أَوْ فِي الطُّهْرِ بَعْدَ الْجِمَاعِ دَلِيلُ الْحَاجَةِ فَلَا يَكُونُ مُبَاحًا ا هـ . (قَوْلُهُ : ثُمَّ قِيلَ يُؤَخِّرُ الطَّلْقَةَ الْأُولَى إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ : ثُمَّ قِيلَ الْأَوْلَى أَنْ يُؤَخِّرَ الْإِيقَاعَ إلَى آخِرِ الطُّهْرِ احْتِرَازًا عَنْ تَطْوِيلِ الْعِدَّةِ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يُطَلِّقُهَا كَمَا طَهُرَتْ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَخَّرَ رُبَّمَا يُجَامِعُهَا ، وَمَنْ قَصْدُهُ التَّطْلِيقُ فَيُبْتَلَى بِالْإِيقَاعِ عَقِيبَ الْوِقَاعِ ا هـ .
فَقَوْلُهُ : يُطَلِّقُهَا كُلَّمَا طَهُرَتْ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ عَقِيبَ الطُّهْرِ إذْ رُبَّمَا أَوْهَمَ قَوْلُهُ : عَقِيبَ الطُّهْرِ الْحَيْضَ إذْ لَا يَعْقُبُ الطُّهْرَ إلَّا الْحَيْضُ لَكِنْ هَذَا لَيْسَ بِمُرَادٍ ، بَلْ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ عَقِيبَ الطُّهْرِ عَقِيبَ أَوَّلِ الطُّهْرِ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ ا هـ . ا ك (قَوْلُهُ : كَيْ لَا يُبْتَلَى بِالْإِيقَاعِ إلَخْ) يَعْنِي لَوْ أَخَّرَ الطَّلَاقَ إلَى آخِرِ الطُّهْرِ يُحْتَمَلُ أَنْ يُجَامِعَ ؛ لِأَنَّ الطُّهْرَ زَمَانُ تَجَدُّدِ الرَّغْبَةِ فَإِذَا جَامَعَ ، وَمَنْ قَصْدُهُ تَطْلِيقُهَا يُبْتَلَى الزَّوْجُ بِالطَّلَاقِ الْبِدْعِيِّ ضَرُورَةً ا هـ . (قَوْلُهُ : وَهُوَ الْأَظْهَرُ) أَيْ الْأَظْهَرُ مِنْ قَوْلِ مُحَمَّدٍ حَيْثُ قَالَ إذَا أَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا طَلَّقَهَا وَاحِدَةً إذَا طَهُرَتْ وَرَجَّحَهُ بِأَنَّهُ لَوْ أَخَّرَ رُبَّمَا يُجَامِعُهَا فِيهِ ، وَمَنْ قَصْدُهُ تَطْلِيقُهَا فَيُبْتَلَى بِالْإِيقَاعِ عَقِيبَ الْوِقَاعِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْأَوَّلَ أَقَلُّ ضَرَرًا فَكَانَ أَوْلَى وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ا هـ .
فَتْحٌ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى وَاخْتَارَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا تَأْخِيرَ الطَّلَاقِ إلَخْ ، ثُمَّ قَالَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ا هـ .

(قَوْلِهِ : وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَكُونُ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا أَعْرِفُ فِي الْجَمْعِ بِدْعَةً وَلَا فِي التَّفْرِيقِ سُنَّةً ، بَلْ الْكُلُّ مُبَاحٌ وَرُبَّمَا يَقُولُ إيقَاعُ الثَّلَاثِ جُمْلَةً سُنَّةٌ حَتَّى إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ وَقَعَ الْكُلُّ فِي الْحَالِ عِنْدَهُ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ عِنْدَنَا يُعْتَبَرُ فِي طَلَاقِ السُّنَّةِ التَّفْرِيقُ كَالْوَقْتِ ، وَعِنْدَ مَالِكٍ تُعْتَبَرُ الْوَاحِدَةُ وَالْوَقْتُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُعْتَبَرُ الْوَقْتُ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى الْعَدَدِ ا هـ .
(قَوْلُهُ : لِأَنَّ الْحَظْرَ فِيهِ لِغَيْرِهِ) أَيْ وَهُوَ تَطْوِيلُ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا فِي الْأَوَّلِ وَتَلْبِيسُ وَجْهِ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا أَهُوَ بِالْأَقْرَاءِ أَوْ الْوَضْعِ لِاحْتِمَالِ الْحَبَلِ فِي الثَّانِي قَوْلُهُ : وَهُوَ تَطْوِيلُ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا فِي الْأَوَّلِ أَيْ لِأَنَّ الْحَيْضَ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ الطَّلَاقُ لَيْسَ بِمَحْسُوبٍ مِنْ الْعِدَّةِ بِالْإِجْمَاعِ ا هـ . أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ : لِأَنَّهَا زَمَانُ النَّفْرَةِ) أَيْ نَفْرَةِ الطَّبِيعَةِ لِتَلَوُّثِهَا بِالدَّمِ (قَوْلُهُ : كَانَ مَكْرُوهًا) أَيْ بِاتِّفَاقٍ ، وَلَيْسَ ثَمَّ تَطْوِيلٌ وَلَا تَلْبِيسٌ ا هـ . أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ : «أَيُلْعَبُ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى» وَاللَّعِبُ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ تَرْكُ الْعَمَلِ بِهِ حَرَامٌ فَيَكُونُ إيقَاعُ الثَّلَاثِ جُمْلَةً حَرَامًا ا هـ أَتْقَانِيٌّ

(2/190)


وَالدَّارَقُطْنِيّ عَنْ مُجَاهِدٍ وَذَهَبَ أَهْلُ الظَّاهِرِ وَجَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الشِّيعَةُ أَنَّ الطَّلَاقَ الثَّلَاثَ جُمْلَةً لَا يَقَعُ إلَّا وَاحِدَةً لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ «كَانَ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ وَسَنَتَيْنِ مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ وَاحِدَةً فَأَمْضَاهُ عَلَيْهِمْ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -» ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ وَرَوَى ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ «طَلَّقَ رُكَانَةُ بْنُ عَبْدٍ يَزِيدَ زَوْجَتَهُ ثَلَاثًا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ فَحَزِنَ عَلَيْهَا حُزْنًا شَدِيدًا فَسَأَلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَيْفَ طَلَّقْتهَا قَالَ طَلَّقْتهَا ثَلَاثًا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ قَالَ إنَّمَا تِلْكَ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ فَارْتَجِعْهَا» .
وَلَنَا مَا رَوَيْنَا وَمَا رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ الْعَجْلَانِيُّ وَفِيهِ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلَمْ يُنْقَلْ إنْكَارُهُ ، وَكَذَا حَدِيثُ عَائِشَةَ أَنَّ «امْرَأَةً قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ رِفَاعَةَ طَلَّقَنِي وَبَتَّ طَلَاقِي» ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلَمْ يُنْكِرْهُ ، وَكَذَا حَدِيثُ «بِنْتِ قَيْسٍ أَنَّ زَوْجَهَا أَرْسَلَ لَهَا بِثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ» ، وَرُوِيَ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى ابْنِ مَسْعُودٍ فَقَالَ : إنِّي طَلَّقْت امْرَأَتِي ثَمَانِي تَطْلِيقَاتٍ فَقَالَ مَاذَا قِيلَ لَك فَقَالَ قِيلَ لِي بَانَتْ مِنْك قَالَ صَدَقُوا هُوَ مِثْلُ مَا يَقُولُونَ ، ذَكَرَهُ فِي الْمُوَطَّإِ وَقَوْلُ الرَّجُلِ قِيلَ لِي بَانَتْ مِنْك وَقَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ صَدَقُوا دَلِيلٌ عَلَى إجْمَاعِهِمْ عَلَى ذَلِكَ ، وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ أَيْضًا عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ أَجْمَعِينَ ، وَالْجَوَابُ عَنْ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ مِنْ وَجْهَيْنِ : .
أَحَدُهُمَا أَنَّهُ إنْكَارٌ عَلَى مَنْ يَخْرُجُ عَنْ سُنَّةِ الطَّلَاقِ بِإِيقَاعِ الثَّلَاثِ وَإِخْبَارٍ عَنْ تَسَاهُلِ النَّاسِ فِي مُخَالَفَةِ السُّنَّةِ فِي الزَّمَانِ الْمُتَأَخِّرِ عَنْ الْعَصْرَيْنِ كَأَنَّهُ قَالَ الطَّلَاقُ الْمُوقَعُ الْآنَ ثَلَاثًا كَانَ فِي ذَيْنِك الْعَصْرَيْنِ وَاحِدَةً كَمَا يُقَالُ كَانَ الشُّجَاعُ الْآنَ جَبَانًا فِي عَصْرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ وَالثَّانِي أَنَّ قَوْلَ الزَّوْجِ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ كَانَتْ طَلْقَةً وَاحِدَةً فِي الْعَصْرَيْنِ لِقَصْدِهِمْ التَّأْكِيدَ وَالْإِخْبَارَ وَصَارَ النَّاسُ بَعْدَهُمْ يَقْصِدُونَ بِهِ التَّجْدِيدَ وَالْإِنْشَاءَ فَأَلْزَمَهُمْ عُمَرُ ذَلِكَ لِعِلْمِهِ بِقَصْدِهِمْ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ عُمَرَ قَدْ اسْتَعْجَلُوا فِي أَمْرٍ كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ أَنَاةٌ .
وَالْجَوَابُ عَنْ الثَّانِي أَنَّهُ مُنْكَرٌ قَالَهُ أَبُو جَعْفَرٍ فَإِنَّهُ رَوَى جَمَاعَةٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ فِيمَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا قَدْ عَصَى رَبَّهُ وَبَانَتْ مِنْهُ امْرَأَتُهُ لَا يَنْكِحُهَا إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ مِنْهُمْ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٌ وَعَطَاءٌ وَنَافِعٌ وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ وَمَالِكُ بْنُ الْحَارِثِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ أَنَّ «رُكَانَةَ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ أَلْبَتَّةَ فَحَلَّفَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ مَا أَرَادَ إلَّا وَاحِدَةً فَرَدَّهَا إلَيْهِ فَطَلَّقَهَا الثَّانِيَةَ فِي زَمَنِ عُمَرَ وَالثَّالِثَةَ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ» . وَقَالَ أَبُو دَاوُد وَهَذَا أَصَحُّ
وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي الْوَاحِدَةِ الْبَائِنَةِ قَالَ فِي الْأَصْلِ إنَّهُ أَخْطَأَ السُّنَّةَ إذْ لَا حَاجَةَ إلَى إثْبَاتِ زِيَادَةِ صِفَةٍ فِي الْخَلَاصِ وَفِي زِيَادَاتِ الزِّيَادَاتِ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ لِلْحَاجَةِ إلَى الْخَلَاصِ نَاجِزًا أَلَا تَرَى أَنَّ الْخُلْعَ مَشْرُوعٌ سُنِّيٌّ وَهُوَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَغَيْرُ الْمَوْطُوءَةِ تَطْلُقُ لِلسُّنَّةِ ، وَلَوْ حَائِضًا) أَيْ الَّتِي لَمْ يُدْخَلْ بِهَا جَازَ أَنْ يُطَلِّقَهَا لِلسُّنَّةِ وَهِيَ الطَّلْقَةُ الْوَاحِدَةُ وَإِنْ كَانَتْ حَائِضًا ، وَقَالَ زُفَرُ لَا يُطَلِّقُهَا فِي حَالَةِ الْحَيْضِ لِلْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَا بَعْدَ الدُّخُولِ وَلَنَا أَنَّ الرَّغْبَةَ فِيهَا صَادِقَةٌ مَا لَمْ يَحْصُلْ غَرَضُهُ مِنْهَا بِالْوَطْءِ عَادَةً فَصَارَ إقْدَامُهُ عَلَى الطَّلَاقِ دَلِيلَ الْحَاجَةِ فَيُبَاحُ لَهُ مُطْلَقًا بِخِلَافِ الْمَدْخُولِ بِهَا فَإِنَّ الرَّغْبَةَ فِيهَا تَتَجَدَّدُ بِالطُّهْرِ فَلَمْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ : وَذَهَبَ أَهْلُ الظَّاهِرِ إلَخْ) ، وَعَنْ الْإِمَامِيَّةِ لَا يَقَعُ بِلَفْظِ الثَّلَاثِ وَلَا فِي حَالَةِ الْحَيْضِ ؛ لِأَنَّهُ بِدْعَةٌ مُحَرَّمَةٌ ، وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» ا هـ .
فَتْحٌ (قَوْلُهُ : كَأَنَّهُ قَالَ الطَّلَاقُ الْمُوقَعُ الْآنَ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمَا قِيلَ فِي تَأْوِيلِهِ إنَّ الثَّلَاثَ الَّتِي يُوقِعُونَهَا الْآنَ إنَّمَا كَانَتْ فِي الزَّمَانِ الْأَوَّلِ وَاحِدَةً ، تَنْبِيهٌ عَلَى تَغَيُّرِ الزَّمَانِ وَمُخَالَفَةِ السُّنَّةِ فَيُشْكِلُ إذْ لَا يُتَّجَهُ حِينَئِذٍ قَوْلُهُ : فَأَمْضَاهُ عُمَرُ ا هـ . (قَوْلُهُ : كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ أَنَاةٌ إلَخْ) أَنَاةٌ عَلَى وَزْنِ حَصَاةٍ . ا هـ . مِصْبَاحٌ وَالْأَنَاةُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ أَيْ مُهْمَلَةٌ . ا هـ . شَرْحُ مُسْلِمٍ (قَوْلُهُ : وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي الْوَاحِدَةِ الْبَائِنَةِ) أَيْ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَصْحَابِنَا فِيمَا إذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فِي طُهْرٍ لَمْ يُجَامِعْهَا فِيهِ طَلْقَةً وَاحِدَةً بَائِنَةٌ فَعَلَى رِوَايَةِ كِتَابِ الطَّلَاقِ مِنْ الْأَصْلِ يُكْرَهُ ؛ لِأَنَّهُ قَالَ أَخْطَأَ السُّنَّةَ ا هـ . أَتْقَانِيٌّ قَالَ الْعِمَادِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْفَصْلِ الثَّانِي وَالْعِشْرِينَ ، وَلَوْ قَالَ خوشتين خُوَيْدِم فَقَالَ مَنْ يَكُ طَلَاقٌ بِسَبَبٍ وَآدَم وَأَنَّهَا مَدْخُولٌ بِهَا تَقَعْ رَجْعِيَّةً عَلَى رِوَايَةِ الْأَصْلِ ؛ لِأَنَّ عَلَى رِوَايَتِهِ الْبَائِنُ لَيْسَ بِسُنِّيٍّ وَيَقَعُ بَائِنًا عَلَى رِوَايَةِ الزِّيَادَاتِ فَإِنَّ الْبَائِنَ عَلَى تِلْكَ الرِّوَايَةِ سُنِّيٌّ ا هـ .
(قَوْلُهُ : قَالَ فِي الْأَصْلِ) يَعْنِي أَصْلَ الْمَبْسُوطِ وَهُوَ الْكَافِي لِلْحَاكِمِ أَبِي الْفَضْلِ ا هـ . فَتْحٌ (قَوْلُهُ : أَخْطَأَ السُّنَّةَ) أَيْ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ ا هـ . فَتْحٌ (قَوْلُهُ : لَا يُكْرَهُ لِلْحَاجَةِ إلَى الْخَلَاصِ نَاجِزًا إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا أَنَّ «رُكَانَةَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ أَلْبَتَّةَ وَالْوَاقِعُ بِهَا بَائِنٌ وَلَمْ يُنْكِرْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهِ» ذَلِكَ وَالْقِيَاسُ عَلَى الْخُلْعِ ، وَالْجَوَابُ تَجْوِيزُ أَنْ يَكُونَ رُكَانَةُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ أَنَّهُ أَخَّرَ الْإِنْكَارَ عَلَيْهِ لِحَالٍ اقْتَضَتْ تَأْخِيرَهُ إذْ ذَاكَ وَالْخُلْعُ لَا يَكُونُ إلَّا عِنْدَ تَحَقُّقِ الْحَاجَةِ وَبُلُوغِهَا النِّهَايَةَ وَلِهَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْخُلْعَ لَا يُكْرَهُ حَالَةَ الْحَيْضِ ا هـ .

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَلَوْ حَائِضًا) فَإِنْ قُلْت الْعِبْرَةُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ ، وَقَدْ «قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا هَكَذَا أَمَرَك اللَّهُ تَعَالَى إنَّمَا السُّنَّةُ أَنْ تَسْتَقْبِلَ الطُّهْرَ اسْتِقْبَالًا» فَكَيْفَ فَرَّقْتُمْ بَيْنَ الْحَائِضِ وَغَيْرِ الْحَائِضِ بِالدُّخُولِ وَعَدَمِهِ فِي الْكَرَاهَةِ وَعَدَمِهَا قُلْت الْمُرَادُ مِنْهُ الْمَدْخُولُ بِهَا بِدَلِيلِ مَا رَوَيْنَا مِنْ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فِي أَوَائِلِ الْبَابِ حَيْثُ قَالَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ «فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ يُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ» وَلَا عِدَّةَ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا فَيُكْرَهُ فَلَا تَكُونُ مُرَادَةً إلَّا أَنَّ زُفَرَ يَقِيسُهَا عَلَى الْمَدْخُولِ بِهَا فَيَكْرَهُ طَلَاقَهَا وَجَوَابُهُ أَنَّ الْقِيَاسَ مَعَ وُجُودِ الْفَارِقِ فَاسِدٌ ا هـ .
أَتْقَانِيٌّ

(2/191)


يُوجَدْ دَلِيلُ الْحَاجَةِ فَلَا يُبَاحُ لَهُ وَعَلَى هَذَا لَا يُكْرَهُ لَهُ تَخْيِيرُهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ وَأَنْ تَخْتَارَ نَفْسَهَا وَأَنْ يُفَرِّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا بِخِيَارِ الْبُلُوغِ وَغَيْرِهِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفَرَّقَ عَلَى الْأَشْهُرِ فِيمَنْ لَا تَحِيضُ) أَيْ فَرَّقَ الزَّوْجُ الطَّلَاقَ عَلَى أَشْهُرِ الْعِدَّةِ إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ مِمَّنْ لَا تَحِيضُ لِصِغَرٍ أَوْ كِبَرٍ أَوْ حَمْلٍ ؛ لِأَنَّ الْأَشْهُرَ فُصُولُ عِدَّةِ الصَّغِيرَةِ وَالْكَبِيرَةِ لِإِقَامَتِهَا مَقَامَ فُصُولِ الْعِدَّةِ وَهِيَ الْحَيْضُ فِي حَقِّ مَنْ تَحِيضُ فَيُفَرِّقُ عَلَيْهَا ، وَكَذَا فِي حَقِّ الْحَامِلِ يُفَرِّقُ عَلَى الْأَشْهُرِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْأَشْهُرُ مِنْ فُصُولِ عِدَّتِهَا لِتَتَجَدَّدَ الرَّغْبَةُ عَلَى مَا يَجِيءُ مِنْ قَرِيبٍ ، ثُمَّ قِيلَ : الْأَشْهُرُ قَائِمَةٌ مَقَامَ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا قَائِمَةٌ مَقَامَ الْحَيْضِ لَا غَيْرُ ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي ذَوَاتِ الْحَيْضِ الْحَيْضُ دُونَ الطُّهْرِ إلَّا أَنَّ تَكَرُّرَ الْحَيْضِ لَا يُتَصَوَّرُ بِدُونِ تَخَلُّلِ الطُّهْرِ فَاحْتِيجَ إلَيْهِ ضَرُورَةً وَانْعَدَمَ هَذَا الْمَعْنَى فِي حَقِّهِمَا فَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ فَلَا يُعْتَبَرُ وَلِهَذَا يُعْتَبَرُ الِاسْتِبْرَاءُ بِالشَّهْرِ وَهُوَ بِحَيْضَةٍ .
وَكَذَا الْفَصْلُ بَيْنَ التَّطْلِيقَتَيْنِ يَكُونُ بِحَيْضَةٍ بِدَلِيلِ جَوَازِ الْإِيقَاعِ قُبَيْلَ الْحَيْضَةِ وَبَعْدَهَا فَيُقَامُ مَقَامَ مَا هُوَ الْمُعْتَبَرُ وَلَا يُقَالُ عَلَى هَذَا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الطَّلَاقُ وَاقِعًا فِي حَالَةِ الْحَيْضِ فِي أَيِّ شَهْرٍ وَقَعَ مِنْ الْأَشْهُرِ الثَّلَاثَةِ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْخُلْفُ تَبَعٌ لِلْأَصْلِ بِحَالِهِ لَا بِذَاتِهِ فَإِنَّ ذَاتَه طُهْرٌ حَقِيقَةً وَإِنَّمَا أُقِيمَ مَقَامَ الْحَيْضِ فِي حَقِّ بَعْضِ الْأَحْكَامِ وَإِلَّا لَزِمَ الطَّلَاقُ فِي حَيْضٍ قَدْ جَامَعَهَا فِيهِ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ وَلَا تَظْهَرُ ثَمَرَةُ الْخِلَافِ إلَّا فِي حَقِّ لُزُومِ الْحُجَّةِ حَتَّى يَكُونَ أَحَدُهُمَا مَحْجُوجًا ، وَلَوْ طَلَّقَ الصَّغِيرَةَ ، ثُمَّ حَاضَتْ وَطَهُرَتْ قَبْلَ مُضِيِّ الشَّهْرِ فَلَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا أُخْرَى لِلسُّنَّةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَكَذَا لَوْ طَلَّقَ الْحَائِضَ ، ثُمَّ أَيِسَتْ فَلَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا أُخْرَى لِتَبَدُّلِ الْحَالِ ذَكَرَهُ فِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ ، ثُمَّ إنْ كَانَ الطَّلَاقُ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ تُعْتَبَرُ الشُّهُورُ بِالْأَهِلَّةِ وَإِنْ كَانَ فِي وَسَطِهِ فَبِالْأَيَّامِ فِي حَقِّ التَّفْرِيقِ وَالْعِدَّةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ ، وَعِنْدَهُمَا يَكْمُلُ الْأَوَّلُ بِالْأَخِيرِ وَالْمُتَوَسِّطَاتُ بِالْأَهِلَّةِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْإِجَارَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَصَحَّ طَلَاقُهُنَّ بَعْدَ الْوَطْءِ) أَيْ جَازَ طَلَاقُ ذَوَاتِ الْأَشْهُرِ وَالْحَامِلِ عَقِيبَ الْوَطْءِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ ، وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي ذَوَاتِ الْأَشْهُرِ يُفْصَلُ بَيْنَهُمَا بِشَهْرٍ كَمَا يُفْصَلُ بَيْنَ التَّطْلِيقَتَيْنِ بِهِ ، وَهَذَا لِأَنَّهُ بِالْجِمَاعِ تَفْتُرُ الرَّغْبَةُ فَلَا بُدَّ مِنْ مُضِيِّ الْمُدَّةِ لِتَجَدُّدِهَا كَذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ بِخِلَافِ الْحَامِلِ ؛ لِأَنَّ الرَّغْبَةَ فِيهَا وَإِنْ فَتَرَتْ مِنْ وَجْهٍ بَقِيَتْ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ ؛ لِأَنَّ الْحَبَلَ يَدْعُو إلَى إمْسَاكِهَا لِمَكَانِ الْوَلَدِ مِنْهَا . وَلَنَا أَنَّ الْكَرَاهِيَةَ فِي ذَوَاتِ الْحَيْضِ بِاعْتِبَارِ تَوَهُّمِ الْحَبَلِ ؛ لِأَنَّ عِنْدَ ذَلِكَ يُشْتَبَهُ وَجْهُ الْعِدَّةِ لِاحْتِمَالِ الْعُلُوقِ وَلَمْ يُوجَدْ هَذَا الْمَعْنَى هُنَا وَصَارَتْ كَالْحَامِلِ ، وَالرَّغْبَةُ وَإِنْ فَتَرَتْ مِنْ وَجْهٍ كَثُرَتْ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ ؛ لِأَنَّهُ يَرْغَبُ فِي وَطْءٍ غَيْرِ مُعَلَّقٍ ؛ لِأَنَّ الطِّبَاعَ تَمِيلُ إلَيْهِ فَصَارَتْ كَالْحَامِلِ عَلَى مَا مَرَّ .
وَفِي الذَّخِيرَةِ قِيلَ إذَا كَانَتْ الصَّغِيرَةُ يُرْجَى مِنْهَا الْحَيْضُ أَوْ الْحَبَلُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ : إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ مِمَّنْ لَا تَحِيضُ لِصِغَرٍ) أَيْ بِأَنْ لَمْ تَبْلُغْ سِنَّ الْحَيْضِ وَهُوَ تِسْعٌ عَلَى الْمُخْتَارِ ، وَقِيلَ ثَمَانٌ وَسَبْعٌ ا هـ . فَتْحٌ (قَوْلُهُ : أَوْ كِبَرٍ) بِأَنْ كَانَتْ آيِسَةً بِنْتَ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ عَلَى الْأَظْهَرِ أَوْ لَا لَهُمَا بِأَنْ بَلَغَتْ بِالسِّنِّ وَلَمْ تَرَ دَمًا أَصْلًا . ا هـ . فَتْحٌ (قَوْلُهُ : ثُمَّ قِيلَ الْأَشْهُرُ قَائِمَةٌ مَقَامَ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ) وَإِلَيْهِ ذَهَبَ صَاحِبُ الْمَنَافِعِ وَغَيْرُهُ ا هـ . أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ : وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا قَائِمَةٌ مَقَامَ الْحَيْضِ لَا غَيْرُ) وَإِلَيْهِ ذَهَبَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ تَبَعًا لِشَمْسِ الْأَئِمَّةِ فِي الْمَبْسُوطِ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ ، وَهَذَا الْخِلَافُ قَلِيلُ الْجَدْوَى لَا ثَمَرَةَ لَهُ فِي الْفُرُوعِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَقُولُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الشَّهْرَ قَائِمٌ مَقَامَ الْحَيْضِ وَحْدَهُ وَلَئِنْ كَانَ ذَلِكَ لَمْ يَحْتَجْ إلَى إقَامَةِ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ مَقَامَ ثَلَاثِ حِيَضٍ ، بَلْ يَكْفِي إقَامَةُ شَهْرٍ وَاحِدٍ مَقَامَ ثَلَاثِ حِيَضٍ ؛ لِأَنَّ الْحَيْضَ أَكْثَرُهُ عَشْرَةُ أَيَّامٍ وَمُدَّةُ ثَلَاثِ حِيَضٍ تَحْصُلُ فِي شَهْرٍ وَاحِدٍ (قَوْلُهُ : وَلِهَذَا يُعْتَبَرُ الِاسْتِبْرَاءُ بِالشَّهْرِ) أَيْ فِيمَنْ لَا تَحِيضُ لِصِغَرٍ أَوْ كِبَرٍ ا هـ . (قَوْلُهُ : حَتَّى يَكُونَ أَحَدُهُمَا مَحْجُوجًا) أَيْ أَحَدُ الْمُخْتَلِفَيْنِ ا هـ .
(قَوْلُهُ : ثُمَّ إنْ كَانَ الطَّلَاقُ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ) أَيْ وَهُوَ أَنْ يَقَعَ فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ رُئِيَ فِيهَا الْهِلَالُ تُعْتَبَرُ الشُّهُورُ بِالْأَهِلَّةِ اتِّفَاقًا فِي التَّفْرِيقِ وَالْعِدَّةِ وَإِنْ كَانَ وَقَعَ فِي وَسَطِهِ فَبِالْأَيَّامِ فِي التَّفْرِيقِ أَيْ تَفْرِيقِ الطَّلْقَاتِ بِالِاتِّفَاقِ فَلَا يُطَلِّقُ الثَّانِيَةَ فِي الْيَوْمِ الْمُوفِي ثَلَاثِينَ مِنْ الطَّلَاقِ الْأَوَّلِ ، بَلْ فِي الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ فَمَا بَعْدَهُ ؛ لِأَنَّ كُلَّ شَهْرٍ مُعْتَبَرٌ ثَلَاثِينَ يَوْمًا فَلَوْ طَلَّقَهَا فِي الْيَوْمِ الْمُوفِي ثَلَاثِينَ كَانَ جَامِعًا بَيْنَ طَلَاقَيْنِ فِي شَهْرٍ وَاحِدٍ وَفِي حَقِّ الْعِدَّةِ كَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تُعْتَبَرُ بِالْأَيَّامِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فَلَا تَنْقَضِي عِدَّتُهَا إلَّا بِمُضِيِّ تِسْعِينَ يَوْمًا ، وَعِنْدَهُمَا يَكْمُلُ الْأَوَّلُ بِالْأَخِيرِ وَالشَّهْرَانِ الْمُتَوَسِّطَانِ بِالْأَهِلَّةِ وَقَوْلُهُ : فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى تُعْتَبَرُ فِي الْعِدَّةِ بِالْأَهِلَّةِ بِالْإِجْمَاعِ يُخَالِفُ نَقْلَ الْخِلَافَ ا هـ . فَتْحٌ (تُعْتَبَرُ الشُّهُورُ بِالْأَهِلَّةِ) أَيْ بِالِاتِّفَاقِ نَاقِصًا كَانَ الشَّهْرُ أَوْ كَامِلًا ا هـ .
أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ : وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْإِجَارَةِ) يَعْنِي إذَا اسْتَأْجَرَ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ فِي رَأْسِ الشَّهْرِ اُعْتُبِرَ بِالْأَهِلَّةِ اتِّفَاقًا نَاقِصَةً كَانَتْ أَوْ كَامِلَةً وَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا فِي أَثْنَاءِ شَهْرٍ تُعْتَبَرُ الْأَشْهُرُ الثَّلَاثَةُ بِالْأَيَّامِ عِنْدَهُ ، وَعِنْدَهُمَا يَكْمُلُ الشَّهْرُ الْأَوَّلُ بِالْأَخِيرِ وَفِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ بِالْأَهِلَّةِ ، وَقِيلَ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا ؛ لِأَنَّهُ أَسْهَلُ ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَوُجِّهَ بِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَشْهُرِ الْأَهِلَّةُ فَلَا يُعْدَلُ عَنْهُ إلَّا لِضَرُورَةٍ وَهِيَ مُنْدَفِعَةٌ بِتَكْمِيلِ الْأَوَّلِ بِالْأَخِيرِ وَيُمْكِنُ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ فِي الْأَشْهُرِ الْعَرَبِيَّةِ وَهِيَ الْمُسَمَّاةُ بِالْأَسْمَاءِ وَهُوَ لَمْ يَسْتَأْجِرْ مُدَّةَ جُمَادَيَيْنِ وَرَجَبٍ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ مَثَلًا ، وَلَيْسَ يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ الْأَهِلَّةُ وَحِينَئِذٍ فَلَا بُدَّ مِنْ تِسْعِينَ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَلْزَمْ مِنْ مُسَمَّى اللَّفْظِ الْأَهِلَّةُ صَارَ مَعْنَاهُ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ مِنْ هَذَا الْيَوْمِ فَلَا يَنْقَضِي هَذَا الشَّهْرُ حَتَّى يَدْخُلَ مِنْ الْآخَرِ أَيَّامٌ ثُمَّ يَبْتَدِئُ الْآخَرُ مِنْ حِينِ انْتِهَاءِ الْأَوَّلِ فَيَلْزَمُ كَذَلِكَ فِي الثَّلَاثَةِ ا هـ .
فَتْحٌ (قَوْلُهُ : وَقَالَ زُفَرُ فِي ذَوَاتِ الْأَشْهُرِ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ الْوَطْءِ وَالطَّلَاقِ ا هـ . (قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ يَرْغَبُ فِي وَطْءٍ غَيْرِ مُعَلَّقٍ) أَيْ فِرَارًا عَنْ مُؤَنِ الْوَلَدِ ا هـ . فَتْحٌ

(2/192)


فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَهُمَا بِشَهْرٍ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ طَلَاقَ الْحَامِلِ مُفْرَدًا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَهَا بِقَوْلِهِ وَفَرَّقَ عَلَى الْأَشْهُرِ فِيمَنْ لَا تَحِيضُ أَيْ فَرَّقَ طَلَاقَ الْآيِسَةِ وَالصَّغِيرَةِ وَالْحَامِلِ عَلَى الْأَشْهُرِ ؛ لِأَنَّ الْحَامِلَ لَا تَحِيضُ وَحُكْمُهَا أَيْضًا عِنْدَهُمَا كَحُكْمِ مَنْ لَا تَحِيضُ فِي حَقِّ إيقَاعِ الطَّلَاقِ ابْتِدَاءً وَفِي حَقِّ التَّفْرِيقِ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ لَا يُطَلِّقُهَا لِلسُّنَّةِ إلَّا وَاحِدَةً ؛ لِأَنَّ إبَاحَةَ الْعَدَدِ عِنْدَ التَّفْرِيقِ عَلَى فُصُولِ الْعِدَّةِ وَالشَّهْرِ فِي حَقِّهَا لَيْسَ مِنْ فُصُولِ الْعِدَّةِ فَلَا يُبَاحُ فَصَارَتْ كَالْمُمْتَدِّ طُهْرُهَا وَلَنَا أَنَّ الْحَاجَةَ إلَى إيقَاعِ الثَّلَاثِ مَاسَّةٌ لِمَا ذَكَرْنَا وَلَا بُدَّ مِنْ دَفْعِهَا فَأُقِيمَ دَلِيلُهَا وَهُوَ مُضِيُّ الشَّهْرِ مَقَامَهَا كَمَا فِي ذَوَاتِ الْأَشْهُرِ وَلِهَذَا لَا يَفْصِلُ بَيْنَ وَطْئِهَا وَطَلَاقِهَا بِزَمَانٍ كَمَا لَا يَفْصِلُ فِي حَقِّ مَنْ لَا تَحِيضُ بِخِلَافِ الْمُمْتَدِّ طُهْرُهَا ؛ لِأَنَّ عِدَّتَهَا بَاقِيَةٌ مَا دَامَ حَيْضُهَا مَرْجُوًّا فَأَمْكَنَ التَّفْرِيقُ عَلَى الْأَطْهَارِ ، ثُمَّ قِيلَ لَا يُطَلِّقُهَا حَتَّى يَسْتَبِينَ حَمْلُهَا

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَطَلَاقُ الْمَوْطُوءَةِ) حَائِضًا (بِدْعِيٌّ) لِمَا ذَكَرْنَا ، وَقَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ لَا يَقَعُ ؛ لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فَلَا يَكُونُ مَشْرُوعًا وَلَنَا «قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعُمَرَ مُرْ ابْنَك فَلْيُرَاجِعْهَا» وَكَانَ طَلَاقُهَا فِي حَالَةِ الْحَيْضِ ، وَالْمُرَاجَعَةُ بِدُونِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ مُحَالٌ ؛ وَلِأَنَّ النَّهْيَ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ وَهُوَ تَطْوِيلُ الْعِدَّةِ فَلَا يُنَافِي الْمَشْرُوعِيَّةَ كَالسَّوْمِ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَيُرَاجِعُهَا وَيُطَلِّقُهَا فِي طُهْرٍ ثَانٍ) يَعْنِي إذَا طَهُرَتْ مِنْ تِلْكَ الْحَيْضَةِ الَّتِي وَقَعَ فِيهَا الطَّلَاقُ ، ثُمَّ حَاضَتْ ، ثُمَّ طَهُرَتْ وَهُوَ الطُّهْرُ الثَّانِي وَالْكَلَامُ فِيهِ مِنْ وَجْهَيْنِ : .
أَحَدُهُمَا فِي صِفَةِ الْمُرَاجَعَةِ ، وَالثَّانِي فِي وَقْتِهَا أَمَّا الْأَوَّلُ فَقَدْ ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ بِلَفْظِ الِاسْتِحْبَابِ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ عَلَى مَا مَرَّ وَالْأَمْرُ قَدْ يَكُونُ لِلنَّدْبِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ أَدْنَى ، أَوْ لِأَنَّهُ شُرِعَ نَظَرًا لَهُ فَلَوْ حُمِلَ عَلَى الْوُجُوبِ لَعَادَ عَلَى مَوْضُوعِهِ بِالنَّقْضِ ، وَذَكَرَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ عَمَلًا بِحَقِيقَةِ الْأَمْرِ وَدَفْعًا لِلْمَعْصِيَةِ بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ بِرَفْعِ أَثَرِهِ وَهُوَ الْعِدَّةُ وَدَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهَا بِتَطْوِيلِ الْعِدَّةِ وَصَارَ كَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ ، وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ وَقْتُ الْمُرَاجَعَةِ فَالْمَذْكُورُ هُنَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْأَصْلِ .
وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ يُطَلِّقُهَا فِي الطُّهْرِ الَّذِي يَلِي الْحَيْضَةَ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ مَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْأَصْلِ قَوْلُهُمَا وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ مُضْطَرِبٌ ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْكَرْخِيُّ مَعَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ، وَوَجْهُ الْمَذْكُورِ فِي الْأَصْلِ مَا رَوَاهُ نَافِعٌ عَنْ «ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ» وَفِي رِوَايَةٍ «تَطْلِيقَةً عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَأَلَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا ، ثُمَّ لِيُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ وَتَحِيضَ ، ثُمَّ تَطْهُرَ إنْ شَاءَ أَمْسَكَ وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ يُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ ؛
وَلِأَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يُفْصَلَ بَيْنَ كُلِّ تَطْلِيقَتَيْنِ بِحَيْضَةٍ وَالْفَاصِلُ هُنَا بَعْضُ الْحَيْضَةِ فَيَكْمُلُ بِالثَّانِيَةِ وَهِيَ لَا تَتَجَزَّأُ فَتَتَكَامَلُ ؛ وَلِأَنَّ بَعْضَ الْحَيْضَةِ بِمَنْزِلَةِ الطُّهْرِ الَّذِي بَعْدَهَا وَلِهَذَا لَا يُعْتَدُّ بِهِ فِي الْعِدَّةِ فَكَذَا فِي حَقِّ الْفَصْلِ بَيْنَ الطَّلْقَتَيْنِ فَإِذَا لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ صَارَ بِمَنْزِلَةِ طُهْرٍ وَاحِدٍ ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُوقِعَ بِهِ طَلْقَتَيْنِ وَوَجْهُ مَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ مَا رَوَى سَالِمٌ عَنْ «ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ فَذَكَرَ ذَلِكَ عُمَرُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا ، ثُمَّ لِيُطَلِّقْهَا إذَا طَهُرَتْ أَوْ وَهِيَ حَامِلٌ» ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَأَحْمَدُ . قَالَ الْبَيْهَقِيُّ أَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ عَنْ «ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا حَتَّى تَطْهُرَ ، ثُمَّ إنْ شَاءَ طَلَّقَ وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَ»
؛ وَلِأَنَّ أَثَرَ الطَّلَاقِ قَدْ انْعَدَمَ بِالْمُرَاجَعَةِ فَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يُطَلِّقْهَا وَلِهَذَا لَوْ طَلَّقَهَا فِي طُهْرٍ ، ثُمَّ رَاجَعَهَا فِيهِ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِيهِ أُخْرَى عِنْدَهُ لِارْتِفَاعِ الْأَوَّلِ بِالْمُرَاجَعَةِ وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ وَهُوَ يَمَسُّهَا بِشَهْوَةٍ وَقَعَتْ الثَّلَاثُ لِلسُّنَّةِ مُتَعَاقِبًا عِنْدَهُ ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُرَاجِعًا بِالْمَسِّ بِشَهْوَةٍ وَبَعْدَ تَخَلُّلِ النِّكَاحِ لَا يُكْرَهُ اتِّفَاقًا ، وَقِيلَ عِنْدَهُ خَاصَّةً ، وَقِيلَ فِي تَخَلُّلِ الرَّجْعَةِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَ اتِّفَاقًا ، ثُمَّ جُمْلَةُ الْأَمْرِ أَنَّ النِّسَاءَ صِنْفَانِ ، مَدْخُولٌ بِهَا وَغَيْرُ مَدْخُولٍ بِهَا وَالْمَدْخُولُ بِهَا نَوْعَانِ حَبَالَى وَحَيَالَى ، وَالْحَيَالَى نَوْعَانِ ذَوَاتُ الْأَقْرَاءِ وَذَوَاتُ الْأَشْهُرِ وَالطَّلَاقُ نَوْعَانِ سُنِّيٌّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ : فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ وَطْئِهَا وَطَلَاقِهَا ا هـ . (قَوْلُهُ : وَقَالَ مُحَمَّدٌ) وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ هُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ ا هـ . فَتْحٌ (قَوْلُهُ : فَصَارَتْ كَالْمُمْتَدِّ طُهْرُهَا) أَيْ وَفِيهَا لَا يُفَرَّقُ الطَّلَاقُ عَلَى الْأَشْهُرِ ا هـ . فَتْحٌ (قَوْلُهُ : كَمَا لَا يَفْصِلُ فِي حَقِّ مَنْ لَا تَحِيضُ) قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ الْحَامِلُ لَا تَحِيضُ وَالشَّهْرُ فِي حَقِّ مَنْ لَا تَحِيضُ فَصْلٌ مِنْ فُصُولِ الْعِدَّةِ فِي حَقِّ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَتَفْرِيقِ الطَّلَاقِ ، وَلَكِنْ هَهُنَا فِي حَقِّ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَجَدْنَا مَا هُوَ أَقْوَى مِنْ الشَّهْرِ وَهُوَ وَضْعُ الْحَمْلِ وَفِي حَقِّ تَفْرِيقِ الطَّلَاقِ لَمْ نَجِدْ مَا هُوَ أَقْوَى مِنْ الشَّهْرِ فَبَقِيَ الشَّهْرُ فَصْلًا مِنْ فُصُولِ الْعِدَّةِ فَلَا يُفَرَّقُ الطَّلَاقُ عَلَى الْأَشْهُرِ (قَوْلُهُ : بِخِلَافِ الْمُمْتَدِّ طُهْرُهَا إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَإِنَّمَا قَيَّدَ الْقُدُورِيُّ بِالصَّغِيرَةِ وَالْآيِسَةِ ؛ لِأَنَّ الَّتِي يَمْتَدُّ طُهْرُهَا لَا تَطْلُقُ لِلسُّنَّةِ إلَّا وَاحِدَةً ؛ لِأَنَّ الشَّهْرَ لَيْسَ مِنْ فُصُولِ عِدَّتِهَا ا هـ .

(قَوْلُهُ وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ يُطَلِّقُهَا فِي الطُّهْرِ إلَخْ) قَالَ فِي التُّحْفَةِ مَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ الْقِيَاسُ ا هـ . أَتْقَانِيٌّ ، وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ مَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ فِي الْكَافِي ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُطَلِّقُهَا فِي الطُّهْرِ الَّذِي يَلِي الْحَيْضَةَ الَّتِي طَلَّقَهَا فِيهَا ؛ لِأَنَّ أَثَرَ الطَّلَاقِ الْأَوَّلِ قَدْ انْتَفَى بِالرَّجْعَةِ فَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ لَمْ يُطَلِّقْهَا ، وَإِذَا لَمْ يُطَلِّقْهَا جَازَ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي هَذَا الطُّهْرِ كَذَا هُنَا وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَهُوَ قَوْلُهُمَا : لَا يُطَلِّقُهَا حَتَّى تَطْهُرَ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّانِيَةِ ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الطَّلَاقِ الْأَوَّلِ لَمْ يَضْمَحِلَّ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ا هـ . (قَوْلُهُ : حِينَ تَطْهُرُ) الَّذِي فِي خَطِّ الشَّارِحِ حَتَّى تَطْهُرَ ا هـ .

(2/193)


وَبِدْعِيٌّ فَالسُّنِّيُّ مِنْ وَجْهَيْنِ : .
أَحَدُهُمَا مِنْ جِهَةِ الْعَدَدِ وَالْآخَرُ مِنْ جِهَةِ الْوَقْتِ فَالسُّنَّةُ مِنْ حَيْثُ الْعَدَدِ شَامِلٌ لِلْكُلِّ حَتَّى لَا يَجُوزَ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِ تَخَلُّلِ رَجْعَةٍ ، أَوْ نِكَاحُ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ وَالسُّنَّةُ مِنْ حَيْثُ الْوَقْتِ يَخْتَصُّ بِالْمَدْخُولِ بِهَا الْحَائِلِ ذَاتِ الْأَقْرَاءِ وَالْبِدْعِيُّ أَنْوَاعٌ أَنْ يُطَلِّقَهَا بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِ تَخَلُّلٍ مَا ذَكَرْنَا أَوْ يُطَلِّقُ الْمَدْخُولَ بِهَا فِي حَالَةِ الْحَيْضِ أَوْ فِي طُهْرٍ قَدْ جَامَعَهَا فِيهِ وَهِيَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ فَكُلُّ ذَلِكَ مَذْكُورٌ فِي الْمَتْنِ فَتَأَمَّلْهُ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ قَالَ لِمَوْطُوءَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ وَقَعَ عِنْدَ كُلِّ طُهْرٍ طَلْقَةٌ) ؛ لِأَنَّهُ مُطْلَقٌ فَيَتَنَاوَلُ الْكَامِلَ هَذَا إذَا لَمْ يَنْوِ شَيْئًا أَوْ نَوَى أَنْ يَقَعَ عِنْدَ كُلِّ طُهْرٍ طَلْقَةٌ وَكَانَتْ هِيَ مِنْ ذَوَاتِ الْحَيْضِ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَشْهُرِ يَقَعُ لِلْحَالِ طَلْقَةٌ وَبَعْدَ شَهْرٍ أُخْرَى وَبَعْدَ شَهْرٍ أُخْرَى ، وَكَذَلِكَ الْحَامِلُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ أَوْ نَوَى كَذَلِكَ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا وَقَعَتْ لِلْحَالِ طَلْقَةٌ ، ثُمَّ لَا يَقَعُ عَلَيْهَا قَبْلَ التَّزَوُّجِ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّ تَقْدِيرَ هَذَا الْكَلَامِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لِوَقْتِ السُّنَّةِ فَيَنْصَرِفُ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ نَوَى أَنْ يَقَعَ الثَّلَاثُ السَّاعَةَ أَوْ عِنْدَ كُلِّ شَهْرٍ وَاحِدَةٌ صَحَّتْ) .
وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّهُ نَوَى ضِدَّ السُّنَّةِ وَالشَّيْءُ لَا يَحْتَمِلُ ضِدَّهُ وَلَنَا أَنَّهُ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ فَصَحَّتْ نِيَّتُهُ ، وَهَذَا لِأَنَّهُ سُنِّيٌّ وُقُوعًا مِنْ حَيْثُ إنَّ وُقُوعَ الثَّلَاثِ جُمْلَةً عُرِفَ بِالسُّنَّةِ لَا إيقَاعًا فَلَمْ يَتَنَاوَلْهُ مُطْلَقُ كَلَامِهِ إذْ الْمُطْلَقُ يَنْصَرِفُ إلَى الْكَامِلِ وَهُوَ السُّنِّيُّ وُقُوعًا وَإِيقَاعًا وَيَنْتَظِمُهُ عِنْدَ نِيَّتِهِ كَمَا إذَا قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ أَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا لَا يَتَنَاوَلُ الْمُكَاتَبَ وَلَا لَحْمَ السَّمَكِ إلَّا بِالنِّيَّةِ لِقُصُورٍ فِيهِ ، وَقَدْ عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ فَإِذَا صَحَّتْ نِيَّتُهُ لِلْحَالِ فَأَوْلَى أَنْ تَصِحَّ عِنْدَ كُلِّ شَهْرٍ ؛ لِأَنَّهُ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ سُنِّيًّا مُطْلَقًا بِأَنْ يُصَادِفَ طُهْرَ الْإِجْمَاعِ فِيهِ فَإِنْ قِيلَ لَمَّا كَانَ اللَّامُ لِلْوَقْتِ كَانَ تَقْدِيرُهُ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا أَوْقَاتَ السُّنَّةِ فَلَوْ قَالَ ذَلِكَ وَنَوَى الْوُقُوعَ جُمْلَةً لَا تَصِحُّ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ هُنَا كَذَلِكَ قُلْنَا اللَّامُ هُنَا لَيْسَتْ بِصَرِيحٍ لِلْوَقْتِ ، بَلْ هِيَ مُحْتَمِلَةٌ تَحْتَمِلُ الْعِلَّةَ وَإِنَّمَا حَمَلْنَاهَا عَلَى الْوَقْتِ بِذِكْرِ السُّنَّةِ .
وَالسُّنَّةُ الْمُطْلَقَةُ هِيَ الْكَامِلَةُ فَإِذَا نَوَى مُحْتَمَلَهُ صَحَّتْ نِيَّتُهُ ، وَأَمَّا ذِكْرُ أَوْقَاتِ السُّنَّةِ صَرِيحًا فَلَا يَحْتَمِلُ خِلَافَهُ فَلَا تَصِحُّ نِيَّةُ الْوُقُوعِ جُمْلَةً ، بَلْ يَقَعُ مُتَفَرِّقًا عَلَى الْأَطْهَارِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا فَإِنْ قِيلَ إذَا كَانَ سُنِّيًّا مِنْ حَيْثُ الْوُقُوعُ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ سُنِّيًّا مِنْ حَيْثُ الْإِيقَاعُ وَلَا يَكُونُ بِدْعَةً ؛ لِأَنَّ الْوُقُوعَ بِدُونِ الْإِيقَاعِ مُمْتَنِعٌ ، قُلْنَا الْوُقُوعُ لَا يُوصَفُ بِالْحُرْمَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِفِعْلٍ لِلْحَالِفِ فَلَا يَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ سُنِّيًّا بِخِلَافِ الْإِيقَاعِ ، فَيَكُونُ تَقْدِيرُهُ بَعْدَ هَذَا التَّحْرِيرِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا جُمْلَةً لِأَجْلِ أَنَّا عَرَفْنَا وُقُوعَهُ جُمْلَةً بِالسُّنَّةِ ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ وَنَوَى ثَلَاثًا جُمْلَةً أَوْ مُتَفَرِّقًا عَلَى الْأَطْهَارِ صَحَّ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لِلسُّنَّةِ عِبَارَةٌ عَنْ زَمَانِ وَقْتِ الْوُقُوعِ ، وَوَقْتُ الْوُقُوعِ أَنْوَاعُ مُسْتَحَبٌّ وَبِدْعَةٌ وَكِلَاهُمَا عُرِفَ بِالسُّنَّةِ فَأَيُّهُمَا نَوَى صَحَّ هَكَذَا ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَشَيْخُ الْإِسْلَامِ وَصَاحِبُ الْأَسْرَارِ ، وَذَكَرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَالصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَجَمَاعَةٌ مِنْهُمْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ نِيَّةُ الْجُمْلَةِ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا صَحَّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ فِيهِ مِنْ حَيْثُ إنَّ اللَّامَ فِيهِ لِلْوَقْتِ فَيُفِيدُ تَعْمِيمَ الْوَقْتِ وَمِنْ ضَرُورَةِ تَعْمِيمِ الْوَقْتِ أَنْ يَتَعَمَّمَ الْوَاقِعُ فِيهِ ، فَيَكُونُ نَاوِيًا مُحْتَمِلَ لَفْظِهِ فَيَجُوزُ أَمَّا لَوْ نَوَى وُقُوعَ الثَّلَاثِ جُمْلَةً فَقَدْ لَغَا قَضِيَّةَ اللَّامِ وَهُوَ عُمُومُ الْوَقْتِ الْمُسْتَفَادِ مِنْهَا ، فَيَكُونُ هَذَا إيقَاعًا لِلْحَالِ بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ فَلَا تَصِحُّ فِيهِ نِيَّةُ الثَّلَاثِ بِخِلَافِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ الْعَدَدَ ثَمَّ ثَبَتَ نَصًّا وَأَلْفَاظُ السُّنَّةِ أَنْ يَقُولَ أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ أَوْ فِي السُّنَّةِ أَوْ مَعَ السُّنَّةِ أَوْ عَلَى السُّنَّةِ أَوْ طَلَاقَ السُّنَّةِ أَوْ طَلَاقَ الْعِدَّةِ أَوْ لِلْعِدَّةِ أَوْ الدِّينِ أَوْ الْإِسْلَامِ أَوْ الْحَقِّ أَوْ الْقُرْآنِ أَوْ الْكِتَابِ أَوْ أَحْسَنِ الطَّلَاقِ أَوْ أَجْمَلِهِ أَوْ أَعْدَلِهِ ، وَلَوْ قَالَ فِي كِتَابِ اللَّهِ أَوْ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى إنْ نَوَى السُّنَّةَ فَهُوَ سُنَّةٌ

. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَقَعُ طَلَاقُ كُلِّ زَوْجٍ عَاقِلٍ بَالِغٍ ، وَلَوْ مُكْرَهًا وَسَكْرَانَ وَأَخْرَسَ بِإِشَارَتِهِ حُرًّا أَوْ عَبْدًا) لَا طَلَاقُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَالنَّائِمِ وَالسَّيِّدِ عَلَى امْرَأَةِ عَبْدِهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كُلُّ طَلَاقٍ جَائِزٌ إلَّا طَلَاقَ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ» ؛ وَلِأَنَّهُ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ مُضَافًا إلَى مَحَلِّهِ عَنْ وَلَايَةٍ شَرْعِيَّةٍ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِوُقُوعِهِ ، وَقَوْلُهُ يَقَعُ طَلَاقُ كُلِّ زَوْجٍ لَا يُنْتَقَضُ بِالْمُبَانَةِ حَيْثُ لَا يَلْحَقُهَا الْبَائِنُ ؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَهُ لِعَارِضٍ لِاسْتِحَالَةِ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ حَتَّى لَوْ كَانَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ : مِنْ حَيْثُ إنَّ وُقُوعَ الثَّلَاثِ جُمْلَةً عُرِفَ بِالسُّنَّةِ) لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ أَلْفًا بَانَتْ بِثَلَاثٍ» ا هـ . كَافِي وَلِهَذَا مَنْ أَنْكَرَ وُقُوعَ الثَّلَاثِ جُمْلَةً يُنْسَبُ إلَى مَذْهَبِ الرَّفْضِ وَالْبِدْعَةِ وَهُوَ خِلَافُ السُّنَّةِ ا هـ . أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ : فَإِذَا صَحَّتْ نِيَّتُهُ لِلْحَالِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ : وَكَذَا تَصِحُّ نِيَّتُهُ إذَا نَوَى أَنْ يَقَعَ عِنْدَ رَأْسِ كُلِّ شَهْرٍ وَاحِدَةٌ ؛ لِأَنَّهُ إذَا نَوَى السُّنِّيَّ فِي الْوُقُوعِ دُونَ الْإِيقَاعِ يَصِحُّ عِنْدَنَا وَهُنَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ سُنِّيًّا فِي الْوُقُوعِ وَالْإِيقَاعِ ؛ لِأَنَّ رَأْسَ الشَّهْرِ جَائِزٌ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ فِيهِ طَاهِرَةً فَيَكُونُ الطَّلَاقُ سُنِّيًّا وُقُوعًا وَإِيقَاعًا وَجَائِزٌ أَنْ تَكُونَ حَائِضًا فَيَكُونُ سُنِّيًّا وُقُوعًا لَا إيقَاعًا وَنِيَّةُ السُّنِّيِّ الَّذِي لَا يَحْتَمِلُ الْإِيقَاعَ بِحَسَبِ السُّنَّةِ تَصِحُّ كَمَا إذَا نَوَى الثَّلَاثَ جُمْلَةً فَمَا يَحْتَمِلُهُ أَوْلَى ا هـ .
(قَوْلُهُ : وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ وَنَوَى ثَلَاثًا) فَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا يَقَعُ وَاحِدَةً إذَا طَهُرَتْ مِنْ الْحَيْضِ ا هـ . أَتْقَانِيٌّ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَلَوْ مُكْرَهًا وَسَكْرَانَ) وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَصْحَابِنَا فِي وُقُوعِ طَلَاقِ الْمُكْرَهِ كَذَا قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَطَلَاقُ السَّكْرَانِ وَاقِعٌ قَالَ الْكَمَالُ : وَكَذَا إعْتَاقُهُ وَخُلْعُهُ وَهُوَ مَنْ لَا يَعْرِفُ الرَّجُلَ مِنْ الْمَرْأَةِ وَلَا السَّمَاءَ مِنْ الْأَرْضِ ، وَلَوْ كَانَ مَعَهُ مِنْ الْعَقْلِ مَا يَقُومُ بِهِ التَّكْلِيفُ فَهُوَ كَالصَّاحِي ا هـ . (قَوْلُهُ : لَا يُنْتَقَضُ إلَخْ) هَذَا مَأْخُوذٌ مِنْ كَلَامِ الشَّيْخِ الْإِمَامِ بَدْرِ الدِّينِ حَيْثُ قَالَ لَا يُنْتَقَضُ بِإِلْحَاقِ الْبَائِنِ الْبَائِنَ حَيْثُ لَا يُعْمَلُ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ أَمْرٍ خَارِجٍ

(2/194)


صَرِيحًا لِحَقِّهَا ؛ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِزَوْجٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَالْمُرَادُ هُوَ الزَّوْجُ مُطْلَقًا وَالْمَعْتُوهُ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ كَالنَّائِمِ وَالْمَجْنُونِ لِعَدَمِ التَّمْيِيزِ أَوْ الْعَقْلِ ، وَالْمَعْتُوهُ مَنْ كَانَ قَلِيلَ الْفَهْمِ مُخْتَلِطَ الْكَلَامِ فَاسِدَ التَّدْبِيرِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَضْرِبُ وَلَا يَشْتُمُ كَمَا يَفْعَلُ الْمَجْنُونُ ، وَقِيلَ فِي الْفَاصِلِ بَيْنَهُمْ أَنَّ الْعَاقِلَ مَنْ يَسْتَقِيمُ كَلَامُهُ وَأَفْعَالُهُ وَغَيْرُهُ نَادِرٌ وَالْمَجْنُونُ ضِدُّهُ وَالْمَعْتُوهُ مَنْ يَكُونُ ذَلِكَ مِنْهُ عَلَى السَّوَاءِ ، وَقِيلَ الْمَجْنُونُ مَنْ يَفْعَلُ مَا يَفْعَلُهُ لَا عَنْ قَصْدٍ وَالْعَاقِلُ قَدْ يَفْعَلُ مَا يَفْعَلُهُ الْمَجَانِينُ أَحْيَانًا لَا عَنْ قَصْدٍ عَلَى ظَنِّ الصَّلَاحِ ، وَالْمَعْتُوهُ مَنْ يَفْعَلُ مَا يَفْعَلُهُ الْمَجَانِينُ عَنْ قَصْدٍ مَعَ ظُهُورِ الْفَسَادِ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : طَلَاقُ الْمُكْرَهِ لَا يَقَعُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» ، وَالْمُرَادُ حُكْمُهُ فَيَشْمَلُ حُكْمَ الدَّارَيْنِ ؛ وَلِأَنَّهُ يَسْلُبُ الِاخْتِيَارَ وَالتَّصَرُّفَ الشَّرْعِيَّ لَا يُعْتَبَرُ بِدُونِ الِاخْتِيَارِ فَصَارَ كَالْإِكْرَاهِ عَلَى الْإِقْرَارِ بِالطَّلَاقِ بِخِلَافِ الْهَازِلِ ؛ لِأَنَّهُ مُخْتَارٌ فِي التَّكَلُّمِ بِهِ ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَا وَلَا نُسَلِّمُ عَدَمَ الِاخْتِيَارِ ، بَلْ لَهُ اخْتِيَارٌ ؛ لِأَنَّهُ عَرَفَ الشَّرَّيْنِ فَاخْتَارَ أَهْوَنَهُمَا إلَّا أَنَّهُ فَاتَ رِضَاهُ وَذَلِكَ لَا يُخِلُّ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ كَالْهَازِلِ ؛ وَلِأَنَّهُ مُخَاطَبٌ أَمَّا فِي غَيْرِ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ فَظَاهِرٌ ، وَكَذَا فِيمَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ أُبِيحَ لَهُ الْفِعْلُ تَارَةً وَفُرِضَ عَلَيْهِ أُخْرَى وَحُرِّمَ عَلَيْهِ تَارَةً وَالْخِطَابُ بِدُونِ الْأَهْلِيَّةِ لَا يُتَصَوَّرُ بِخِلَافِ الْإِكْرَاهِ عَلَى الْإِقْرَارِ ؛ لِأَنَّهُ خَبَرٌ مُحْتَمِلٌ لِلصِّدْقِ وَالْكَذِبِ وَقِيَامُ السَّيْفِ عَلَى رَأْسِهِ يُرَجِّحُ جَانِبَ الْكَذِبِ وَالْمُرَادُ بِمَا رَوَاهُ أَحْكَامُ الْآخِرَةِ ؛ لِأَنَّ نَفْسَهُ لَيْسَ بِمُرَادٍ لِوُجُودِهِ حَقِيقَةً .
وَحُكْمُهُ نَوْعَانِ دُنْيَوِيٌّ وَأُخْرَوِيٌّ فَلَا يَتَنَاوَلُهُمَا اللَّفْظُ الْوَاحِدُ ؛ لِأَنَّهُمَا كَالْمُشْتَرَكِ وَحُكْمُ الْآخِرَةِ مُرَادٌ بِالْإِجْمَاعِ فَانْتَفَى الْأُخَرُ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا وَاسْتَدَلَّ الطَّحَاوِيُّ عَلَى أَنَّ طَلَاقَهُ وَاقِعٌ بِحَدِيثِ «حُذَيْفَةَ وَابْنِهِ حِينَ حَلَّفَهُمَا الْمُشْرِكُونَ فَقَالَ لَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : نَفِي لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ وَنَسْتَعِينُ بِاَللَّهِ عَلَيْهِمْ» فَقَالَ الطَّحَاوِيُّ بَيَّنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ الْيَمِينَ عَلَى الطَّوَاعِيَةِ وَالْإِكْرَاهِ سَوَاءٌ ، فَكَذَا الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ لِعَدَمِ الْقَائِلِ بِالْفَرْقِ ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «ثَلَاثٌ جَدُّهُنَّ جَدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جَدٌّ النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالرَّجْعَةُ» ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَجَمَاعَةٌ ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ ، وَقَالَ هَذَا صَحِيحُ الْإِسْنَادِ .
وَقَالَ فِي الْغَايَةِ الْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَدَلَّ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ الرِّضَا ، ثُمَّ جُمْلَةُ مَا يَصِحُّ مِنْ الْأَحْكَامِ مَعَ الْإِكْرَاهِ عَشْرَةٌ الْعَتَاقُ وَالطَّلَاقُ وَالنِّكَاحُ وَالْعَفْوُ عَنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَهُوَ إثْبَاتُ الثَّابِتِ وَهُوَ الْبَيْنُونَةُ حَتَّى لَوْ كَانَ صَرِيحًا يُعْمَلُ وَلَا نَقُولُ إنَّهُ يَقَعُ كُلُّ طَلَاقِ كُلِّ زَوْجٍ ، بَلْ نَقُولُ يَقَعُ طَلَاقُ كُلِّ زَوْجٍ وَطَلَاقُ هَذَا الزَّوْجِ مِمَّا يَقَعُ فِي الْجُمْلَةِ ا هـ .
(قَوْلُهُ : وَقِيلَ فِي الْفَاصِلِ إلَخْ) نَقَلَهُ الْأَتْقَانِيُّ عَنْ الْوَلْوَالِجِيِّ ا هـ . وَذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ أَيْضًا (قَوْلُهُ : وَغَيْرُهُ نَادِرٌ) أَيْ غَيْرُ الْمُسْتَقِيمِ مِنْ كَلَامِهِ وَأَفْعَالِهِ نَادِرٌ ا هـ . (قَوْلُهُ : وَقِيلَ الْمَجْنُونُ مَنْ يَفْعَلُ مَا يَفْعَلُهُ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : وَفِيهِ أَيْضًا أَيْ فِي فَتَاوَى الْوَلْوَالِجِيِّ إذَا طَلَّقَ إنْسَانٌ امْرَأَةَ الصَّبِيِّ فَبَلَغَ الصَّبِيُّ بَعْدَ الطَّلَاقِ فَقَالَ أَجَزْت لَا يَقَعُ ، وَلَوْ قَالَ أَوْقَعْت عَلَيْهَا الطَّلَاقَ الَّذِي أَوْقَعَهُ فُلَانٌ يَقَعُ ، وَقَالَ فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى : النَّائِمُ إذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فِي الْمَنَامِ لَا يَقَعُ ، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ قَالَ لِامْرَأَتِهِ طَلَّقْتُك فِي الْمَنَامِ لَا يَقَعُ ، وَلَوْ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ أَجَزْت ذَلِكَ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ ، وَلَوْ قَالَ أَوْقَعْت ذَلِكَ الطَّلَاقَ يَقَعُ ، وَكَذَا الصَّبِيُّ لَوْ قَالَ أَوْقَعْت مَا تَلَفَّظْت بِهِ فِي حَالِ النَّوْمِ لَا يَقَعُ ، وَقَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ ، وَلَوْ أَنَّ الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ لَمْ يَقَعْ طَلَاقُهُ ، وَكَذَا الْمُغْمَى عَلَيْهِ وَالْمُبَرْسَمُ وَالْمَدْهُوشُ وَالنَّائِمُ وَالْمُعْتَقَلُ وَاَلَّذِي شَرِبَ الدَّوَاءَ مِثْلَ الْبَنْجِ وَنَحْوِهِ فَتَغَيَّرَ عَقْلُهُ إذَا طَلَّقَ وَاحِدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ زَوْجَتَهُ لَمْ يَقَعْ طَلَاقُهُ ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ طَلَاقَ الصَّغِيرِ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَسْتَثْنِهِ .
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ إذَا كَانَ الصَّبِيُّ يَعْقِلُ الصَّلَاةَ جَازَ طَلَاقُهُ إلَى هُنَا لَفْظُ أَبِي بَكْرٍ الرَّازِيّ ، وَعِنْدَ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ إذَا عَقَلَ الصَّبِيُّ الطَّلَاقَ فَطَلَّقَ لَزِمَهُ ا هـ . (قَوْلُهُ : وَقِيَامُ السَّيْفِ عَلَى رَأْسِهِ يُرَجِّحُ جَانِبَ الْكَذِبِ) أَيْ فِيمَا كَانَ كَذِبًا فَلَا يَكُونُ صِدْقًا بِخِلَافِ الْإِنْشَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الْكَذِبَ وَلِهَذَا لَوْ أَقَرَّ بِالطَّلَاقِ هَازِلًا لَمْ يَقَعْ ، وَإِذَا أَنْشَأَ بِهِ هَازِلًا يَقَعُ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ : ثُمَّ جُمْلَةُ مَا يَصِحُّ مِنْ الْأَحْكَامِ مَعَ الْإِكْرَاهِ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : وَقَدْ جَمَعْتهَا لِتَسْهِيلِ حِفْظِهَا فِي قَوْلِي
يَصِحُّ مَعَ الْإِكْرَاهِ عِتْقٌ وَرَجْعَةُ ... نِكَاحٌ وَإِيلَاءٌ طَلَاقُ مُفَارِقٍ
وَفَيْءٌ ظِهَارٌ وَالْيَمِينُ وَنَذْرُهُ ... وَعَفْوٌ لِقَتْلِ شَابٍّ عَنْهُ مُفَارِقِيٌّ
، وَهَذَا فِي الْإِكْرَاهِ عَلَى غَيْرِ الْإِسْلَامِ وَإِلَّا فَبِالْإِكْرَاهِ عَلَى الْإِسْلَامِ تَتِمُّ أَحَدَ عَشَرَ ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَصِحُّ مَعَهُ ا هـ .
قَوْلُهُ : وَهَذَا فِي الْإِكْرَاهِ عَلَى غَيْرِ الْإِسْلَامِ قَالَ قَاضِيخَانْ فِي فَتَاوِيهِ فِيمَا يَكُونُ كُفْرًا مِنْ الْمُسْلِمِ وَمَا لَا يَكُونُ مَا نَصُّهُ ، وَكَذَا إسْلَامُ الْمُكْرَهِ إسْلَامٌ عِنْدَنَا إنْ كَانَ حَرْبِيًّا وَإِنْ كَانَ ذِمِّيًّا لَا يَكُونُ إسْلَامًا ا هـ . فَلْيُحْفَظْ هَذَا فَإِنَّهُ مُقَيَّدٌ لِمَا أَطْلَقُوهُ مِنْ قَوْلِهِمْ إسْلَامُ الْمُكْرَهِ صَحِيحٌ ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ ، وَالْعَجَبُ أَنَّ قَاضِي خَانْ فِي بَابِ الْإِكْرَاهِ أَطْلَقَ كَمَا أَطْلَقُوا فَقَالَ : وَإِذَا أُجْبِرَ الْكَافِرُ عَلَى الْإِسْلَامِ صَحَّ إسْلَامُهُ فَشَمِلَ كَمَا تَرَى الْحَرْبِيَّ وَالذِّمِّيَّ لَكِنْ قَالَ الشَّيْخُ جَلَالُ الدِّينِ الْخَبَّازِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْمُحِيطِ مَا نَصُّهُ : أُكْرِهَ الذِّمِّيُّ عَلَى الْإِسْلَامِ فَأَسْلَمَ يَصِحُّ إسْلَامُهُ اسْتِحْسَانًا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ قِيَاسًا ، وَلَوْ أُكْرِهَ الْحَرْبِيُّ عَلَى الْإِسْلَامِ فَأَسْلَمَ صَحَّ إسْلَامُهُ بِالْإِجْمَاعِ ا هـ . وَقَالَ فِي الِاخْتِيَارِ أُكْرِهَ الذِّمِّيُّ عَلَى الْإِسْلَامِ فَأَسْلَمَ يَصِحُّ إسْلَامُهُ ا هـ .
فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ مِنْ قَوْلِهِ وَإِنْ كَانَ ذِمِّيًّا لَا يَكُونُ أَصْلًا مَا هُوَ جَوَابُ الْقِيَاسِ ، وَالِاسْتِحْسَانُ يَكُونُ إسْلَامًا وَعَلَى هَذَا فَالْمَذْهَبُ الْإِطْلَاقُ وَلِهَذَا لَمْ تُقَيِّدْهُ الْمَشَايِخُ بِالْحَرْبِيِّ ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ ، وَقَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ فِي بَابِ الْإِكْرَاهِ : وَلَوْ أُكْرِهَتْ الْمَرْأَةُ عَلَى إرْضَاعِ صَغِيرٍ أَوْ أُكْرِهَ الرَّجُلُ عَلَى أَنْ يَرْضَعَ مِنْ لَبَنِ امْرَأَتِهِ صَغِيرًا فَفَعَلَ يَثْبُتُ أَحْكَامُ الرَّضَاعِ ا هـ .
(فَرْعٌ) السُّلْطَانُ إذَا أَكْرَهَ رَجُلًا لِيُوَكِّلَهُ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ فَقَالَ الرَّجُلُ مَخَافَةَ الضَّرْبِ وَالْحَبْسِ أَنْتِ

(2/195)


الْقِصَاصِ وَالرَّجْعَةُ وَالْإِيلَاءُ وَالْفَيْءُ فِي الْإِيلَاءِ وَالظِّهَارُ وَالْيَمِينُ وَالنَّذْرُ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ تَصَرُّفَاتٌ لَا يَفْتَقِرُ وُقُوعُهَا إلَى الرِّضَا بِدَلِيلِ أَنَّهَا تَصِحُّ مَعَ الْهَزْلِ وَالْخَطَأِ وَاخْتَارَ الْكَرْخِيُّ وَالطَّحَاوِيُّ أَنَّ طَلَاقَ السَّكْرَانِ لَا يَقَعُ ؛ لِأَنَّهُ لَا قَصْدَ لَهُ كَالنَّائِمِ ، وَهَذَا لِأَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ التَّصَرُّفِ الْعَقْلُ ، وَقَدْ زَالَ فَصَارَ كَزَوَالِهِ بِالْبَنْجِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمُبَاحَاتِ وَلَنَا أَنَّهُ مُخَاطَبٌ شَرْعًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} [النساء : 43] فَوَجَبَ نُفُوذُ تَصَرُّفِهِ ؛ وَلِأَنَّهُ زَالَ عَقْلُهُ بِسَبَبٍ هُوَ مَعْصِيَةٌ فَيُجْعَلُ بَاقِيًا زَجْرًا لَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا زَالَ بِالْمُبَاحِ حَتَّى لَوْ صُدِعَ رَأْسُهُ وَزَالَ بِالصُّدَاعِ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ وَبِخِلَافِ رِدَّتِهِ حَيْثُ لَا تَعْتَبِرُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى تَبَدُّلِ الِاعْتِقَادِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَاَلَّذِي يُوَضِّحُهُ أَنَّ عَقْلَهُ بَاقٍ فِي حَقِّ حُكْمٍ لَا يَثْبُتُ مَعَ الشُّبْهَةِ كَحَدِّ الْقَذْفِ وَالْقِصَاصِ فَأَوْلَى أَنْ يُجْعَلَ بَاقِيًا فِي حَقِّ حُكْمٍ يَثْبُتُ مَعَ الشُّبْهَةِ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا شَرِبَ الْخَمْرَ مُكْرَهًا فَسَكِرَ وَطَلَّقَ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا يَقَعُ ؛ لِأَنَّ عَقْلَهُ زَالَ بِالْمُبَاحِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَقَعُ لِوُجُودِ التَّلَذُّذِ بِهِ وَلَا إكْرَاهَ عِنْدَهُ ، وَمِثْلُهُ إذَا شَرِبَهَا لِلضَّرُورَةِ ، وَلَوْ سَكِرَ مِنْ الْأَنْبِذَةِ الْمُتَّخَذَةِ مِنْ الْحُبُوبِ أَوْ الْعَسَلِ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ عِنْدَهُمَا ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَقَعُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ حَرَامٌ أَمْ لَا ، وَلَوْ زَالَ عَقْلُهُ بِالْبَنْجِ لَا يَقَعُ ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ إنْ كَانَ يَعْلَمُ حِينَ يَشْرَبُ أَنَّهُ بَنْجٌ يَقَعُ وَإِلَّا فَلَا وَطَلَاقُ الْأَخْرَسِ بِالْإِشَارَةِ إنْ كَانَتْ تُعْرَفُ ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ النَّاطِقُ ، وَلَوْ لَمْ تُجْعَلْ إشَارَتُهُ كَعِبَارَةِ النَّاطِقِ لَأَدَّى إلَى الْحَرَجِ وَهُوَ مَدْفُوعٌ بِالنَّصِّ وَعَلَى هَذَا جَمِيعُ تَصَرُّفَاتِهِ بِالْإِشَارَةِ إنْ كَانَتْ تُعْرَفُ كَإِعْتَاقِهِ وَبَيْعِهِ وَشِرَائِهِ وَغَيْرِهَا لِمَا ذَكَرْنَا وَفِي الْيَنَابِيعِ هَذَا إذَا وُلِدَ أَخْرَسَ أَوْ طَرَأَ عَلَيْهِ وَدَامَ وَإِنْ لَمْ يَدُمْ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ وَإِنَّمَا وَقَعَ طَلَاقُ الْعَبْدِ عَلَى امْرَأَتِهِ دُونَ طَلَاقِ مَوْلَاهُ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ «جَاءَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلٌ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ سَيِّدِي زَوَّجَنِي أَمَتَهُ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنِي وَبَيْنَهَا فَصَعِدَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمِنْبَرَ فَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ مَا بَالُ أَحَدِكُمْ يُزَوِّجُ عَبْدَهُ مِنْ أَمَتِهِ ، ثُمَّ يُرِيدُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا إنَّمَا الطَّلَاقُ لِمَنْ أَخَذَ بِالسَّاقِ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ لَهِيعَةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ . وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضًا عَنْ غَيْرِهِ
وَفِي الْمَنَافِعِ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ وَلَا الْمُكَاتَبُ شَيْئًا إلَّا الطَّلَاقَ» ؛ وَلِأَنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ مِنْ خَصَائِصِ الْآدَمِيَّةِ وَالْعَبْدُ دَخَلَ فِي مِلْكِ الْمَوْلَى مِنْ حَيْثُ الْمَالِيَّةِ دُونَ الْآدَمِيَّةِ وَلِهَذَا يَمْلِكُ الْإِقْرَارَ بِالدَّمِ وَالْحُدُودِ وَلَا يَمْلِكُهُ الْمَوْلَى عَلَيْهِ فَوَقَعَ طَلَاقُهُ لِكَوْنِهِ مَالِكًا لِإِطْلَاقِ مَوْلَاهُ عَلَى امْرَأَتِهِ لِاسْتِحَالَةِ وُقُوعِهِ بِدُونِ الْمِلْكِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَاعْتِبَارُهُ بِالنِّسَاءِ) أَيْ اعْتِبَارُ عَدَدِ الطَّلَاقِ بِالنِّسَاءِ حَتَّى كَانَ طَلَاقُ الْحُرَّةِ ثَلَاثًا وَطَلَاقُ الْأَمَةِ ثِنْتَيْنِ حُرًّا كَانَ زَوْجُهَا أَوْ عَبْدًا ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ عَدَدُ الطَّلَاقِ مُعْتَبَرٌ بِحَالِ الرَّجُلِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الطَّلَاقُ بِالرِّجَالِ وَالْعِدَّةُ بِالنِّسَاءِ» ؛ وَلِأَنَّ صِفَةَ الْمَالِكِيَّةِ كَرَامَةٌ وَالْآدَمِيَّةُ مُسْتَدْعِيَةٌ لَهَا وَمَعْنَى الْآدَمِيَّةِ فِي الْحُرِّ أَكْمَلُ فَكَانَتْ مَالِكِيَّتُهُ أَبْلَغَ وَأَكْثَرَ وَلَنَا مَا رَوَتْهُ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «طَلَاقُ الْأَمَةِ ثِنْتَانِ وَعِدَّتُهَا حَيْضَتَانِ» وَيُرْوَى قُرْآنٌ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيّ . قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ غَرِيبٌ وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَغَيْرِهِمْ وَفِي الدَّارَقُطْنِيّ قَالَ الْقَاسِمُ وَسَالِمٌ عَمِلَ بِهِ الْمُسْلِمُونَ وَهَذَا إجْمَاعٌ ، وَقَالَ مَالِكٌ شُهْرَةُ الْحَدِيثِ بِالْمَدِينَةِ تُغْنِي عَنْ صِحَّةِ سَنَدِهِ
وَلَا يُقَالُ أَرَادَ بِهِ الْأَمَةَ الَّتِي تَحْتَ الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ عِدَّةُ الْإِمَاءِ لَا تَخْتَلِفُ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ تَحْتَ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ وَتَقْيِيدُهُ فِي حَقِّ الطَّلَاقِ يُوجِبُ تَقْيِيدَهُ فِي حَقِّ الْعِدَّةِ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ فَكَانَ بَاطِلًا ؛ وَلِأَنَّ حِلَّ الْمَحَلِّيَّةِ نِعْمَةٌ فِي حَقِّهَا وَلِلرِّقِّ أَثَرٌ فِي تَنْصِيفِ النِّعْمَةِ فَالْحُرَّةُ تَمْلِكُ التَّزَوُّجَ بِرَجُلٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَوَجَبَ أَنْ تَمْلِكَ الْأَمَة مَرَّةً وَنِصْفًا ، إلَّا أَنَّ الْعِدَّةَ لَا تَتَجَزَّأُ فَتَتَكَامَلُ ، وَمَا رَوَاهُ مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ غَيْرُ مَرْفُوعٍ ذَكَرَهُ أَبُو الْفَرَجِ وَتَأْوِيلُهُ عَلَى تَقْدِيرِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَكِيلِي فَطَلَّقَ الْوَكِيلُ امْرَأَتَهُ فَقَالَ لَمْ أُرِدْ بِقَوْلِي أَنْتَ وَكِيلِي الطَّلَاقَ لَا يُصَدَّقُ وَتَطْلُقُ امْرَأَتُهُ ؛ لِأَنَّ كَلَامَ الرَّجُلِ خَرَجَ جَوَابًا لِقَوْلِ السُّلْطَانِ وَكِّلْنِي بِطَلَاقِ امْرَأَتِك ا هـ . قَاضِي خَانْ فِي الْوَكَالَةِ (قَوْلُهُ : فَأَوْلَى أَنْ يُجْعَلَ بَاقِيًا فِي حَقِّ حُكْمِ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ وَعَلَى هَذَا لَوْ شَرِبَهَا مُكْرَهًا أَوْ لِإِسَاغَةِ لُقْمَةٍ لَا يَقَعُ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ وَبِهِ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ عَلَى أَنَّهُ يَقَعُ ؛ لِأَنَّ عَقْلَهُ زَالَ عِنْدَ كَمَالِ التَّلَذُّذِ ، وَعِنْدَ ذَلِكَ لَمْ يَبْقَ مُكْرَهًا وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ ؛ لِأَنَّهُ مُوجِبٌ الْوُقُوعَ عِنْدَ زَوَالِ الْعَقْلِ لَيْسَ إلَّا التَّسَبُّبُ فِي زَوَالِهِ بِسَبَبٍ مَحْظُورٍ وَهُوَ مُنْتَفٍ وَالْحَاصِلُ أَنَّ السُّكْرَ بِسَبَبٍ مُبَاحٍ كَمَنْ أُكْرِهَ عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ أَوْ الْأَشْرِبَةِ الْأَرْبَعَةِ الْمُحَرَّمَةِ أَوْ اُضْطُرَّ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ وَعَتَاقُهُ ، وَمَنْ سَكِرَ مِنْهَا مُخْتَارًا اُعْتُبِرَتْ عِبَارَتُهُ .
وَأَمَّا مَنْ شَرِبَ مِنْ الْأَشْرِبَةِ الْمُتَّخَذَةِ مِنْ الْحُبُوبِ وَالْعَسَلِ فَسَكِرَ وَطَلَّقَ لَا يَقَعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَيُفْتَى بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ ؛ لِأَنَّ السُّكْرَ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ مُحَرَّمٌ ا هـ . وَقَالَ قَاضِيخَانْ فِي فَتَاوِيهِ : أَمَّا إذَا شَرِبَهُ مُكْرَهًا وَسَكِرَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَقَعُ كَمَا لَا يُحَدُّ ا هـ . وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ فِي التُّحْفَةِ الْمُكْرَهُ عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ أَوْ الْمُضْطَرُّ إذَا شَرِبَ فَسَكِرَ فَإِنَّ طَلَاقَهُ لَا يَقَعُ فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ ، ثُمَّ قَالَ وَبَعْضُ الْمَشَايِخِ قَالُوا يَقَعُ وَفِي الْإِيضَاحِ يَقَعُ ؛ لِأَنَّ الزَّوَالَ حَصَلَ بِفِعْلٍ هُوَ مَحْظُورٌ فِي الْأَصْلِ وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحِ ا هـ .
قَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ فِي طَلَاقِ مَنْ لَا يَعْقِلُ : وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ أَوْ شَرِبَ الْخَمْرَ لِضَرُورَةٍ وَسَكِرَ فَطَلَّقَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ كَمَا لَا يَلْزَمُهُ الْحَدُّ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ وَلَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ ا هـ . (قَوْلُهُ : وَلَوْ زَالَ بِالْبَنْجِ) قَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ : وَمَنْ زَالَ عَقْلُهُ بِالْبَنْجِ وَلَبَنِ الرِّمَاكِ لَا يَنْفُذُ طَلَاقُهُ وَعَتَاقُهُ ا هـ . قَالَ فِي بَابِ حَدِّ الشُّرْبِ مِنْ النِّهَايَةِ : الْفَتْوَى فِي زَمَانِنَا عَلَى أَنَّ مَنْ سَكِرَ مِنْ الْبَنْجِ يَقَعُ طَلَاقُهُ وَيُحَدُّ شَارِبُهُ لِفُشُوِّ هَذَا الْفِعْلِ فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ ، وَكَذَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ ا هـ

(2/196)


الثُّبُوتِ أَنَّ إيقَاعَهُ بِالرِّجَالِ دُونَ عَدَدِهِ وَظَاهِرُ قَوْله تَعَالَى {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} [البقرة : 228] يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ زَوْجُ الْحُرَّةِ الْمُطَلَّقَةِ ثِنْتَيْنِ مُتَمَكِّنًا مِنْ رَجْعَتِهَا حُرًّا كَانَ زَوْجُهَا أَوْ عَبْدًا وَلَا يُرَدُّ عَلَيْنَا الْأَمَةُ تَحْتَ الْحُرِّ لِاخْتِصَاصِ الْمُطَلَّقَاتِ بِالْحَرَائِرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة : 228] إذْ الْأَمَةُ تَعْتَدُّ بِقُرْأَيْنِ ، وَكَذَا قَوْله تَعَالَى {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة : 229] يَقْتَضِي أَنْ يَتَمَكَّنَ مِنْ الرَّجْعَةِ بَعْدَ الطَّلْقَتَيْنِ حُرًّا كَانَ زَوْجُهَا أَوْ عَبْدًا ؛ وَلِأَنَّ الْحُرَّ لَوْ مَلَكَ ثَلَاثًا عَلَى الْأَمَةِ لَمَلَكَ إيقَاعَهُ عَلَيْهَا عَلَى وَجْهِهِ الْمَشْرُوعِ وَهُوَ إيقَاعُهُ فِي أَوْقَاتِ السَّنَةِ ؛ لِأَنَّ مَنْ مَلَكَ الطَّلْقَاتِ يَمْلِكُ إيقَاعَهُ فِي أَوْقَاتِ السَّنَةِ وَبِهِ أَفْحَمَ عِيسَى بْنُ أَبَانَ بْنِ صَدَقَةَ الشَّافِعِيَّ فَقَالَ أَيُّهَا الْفَقِيهُ إذَا مَلَكَ الْحُرُّ عَلَى الْأَمَةِ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ كَيْفَ يُطَلِّقُهَا لِلسُّنَّةِ فَقَالَ يُوقِعُ عَلَيْهَا وَاحِدَةً فَإِذَا حَاضَتْ وَطَهُرَتْ يُوقِعُ عَلَيْهَا وَاحِدَةً فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَقُولَ فَإِذَا حَاضَتْ وَطَهُرَتْ قَالَ أَمْسِكْ حَسْبُك فَإِنَّ عِدَّتَهَا قَدْ انْقَضَتْ بِالْحَيْضَتَيْنِ فَلَمَّا تَحَيَّرَ رَجَعَ فَقَالَ لَيْسَ فِي الْجَمْعِ بِدْعَةٌ وَلَا فِي التَّفْرِيقِ سُنَّةٌ . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَطَلَاقُ الْحُرَّةِ ثَلَاثٌ وَالْأَمَةُ ثِنْتَانِ) لِمَا بَيَّنَّا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

[بَابُ الطَّلَاقِ ضَرْبَانِ]
(بَابُ الطَّلَاقِ)
الطَّلَاقُ ضَرْبَانِ صَرِيحٌ وَكِنَايَةٌ فَالصَّرِيحُ مَا ظَهَرَ الْمُرَادُ مِنْهُ ظُهُورًا بَيِّنًا حَتَّى صَارَ مَكْشُوفَ الْمُرَادِ بِحَيْثُ يَسْبِقُ إلَى فَهْمِ السَّامِعِ بِمُجَرَّدِ السَّمَاعِ حَقِيقَةً كَانَ أَوْ مَجَازًا وَمِنْهُ الصَّرْحُ لِلْقَصْرِ لِظُهُورِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (الصَّرِيحُ هُوَ كَأَنْتِ طَالِقٌ وَمُطَلَّقَةٌ وَطَلَّقْتُك) لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ يُرَادُ بِهَا الطَّلَاقُ وَتُسْتَعْمَلُ فِيهِ لَا فِي غَيْرِهِ فَكَانَتْ صَرِيحًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَقَعُ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة : 229] فَأَثْبَتَ الرَّجْعَةَ بَعْدَ الطَّلَاقِ الصَّرِيحِ ، وَقَالَ تَعَالَى {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} [البقرة : 228] وَإِنَّمَا يَكُونُ هُوَ أَوْلَى إذَا كَانَ النِّكَاحُ بَاقِيًا فَدَلَّ عَلَى بَقَاءِ النِّكَاحِ ، وَتَسْمِيَتُهُ بَعْلًا أَيْضًا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَلَا يُقَالُ الرَّدُّ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ خُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِهِ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الرَّدِّ الْخُرُوجُ عَنْ مِلْكِهِ كَمَا يُقَالُ رَدَّ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ إذَا فَسَخَ الْبَيْعَ بَعْدَمَا بَاعَهُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ وَلَمْ يَخْرُجْ بِهِ عَنْ مِلْكِهِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ نَوَى الْأَكْثَرَ أَوْ الْإِبَانَةَ أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا) يَعْنِي ، وَلَوْ نَوَى أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ أَوْ نَوَى وَاحِدَةً بَائِنَةً لَا يَقَعُ بِهِ إلَّا وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ كُلِّهَا ؛ لِأَنَّهُ ظَاهِرُ الْمُرَادِ فَتَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِعَيْنِ الْكَلَامِ وَقَامَ مَقَامَ مَعْنَاهُ فَاسْتَغْنَى عَنْ النِّيَّةِ وَبِنِيَّتِهِ الْإِبَانَةَ قَصْدُ تَنْجِيزِ مَا عَلَّقَهُ الشَّارِعُ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَيَلْغُو قَصْدُهُ كَمَا إذَا سَلَّمَ يُرِيدُ قَطْعَ الصَّلَاةِ وَعَلَيْهِ سَهْوٌ ، وَكَذَا نِيَّةُ الثَّلَاثِ تَغْيِيرٌ لِمُقْتَضَى اللَّفْظِ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ فَيَلْغُو ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَزُفَرُ يَقَعُ مَا نَوَى ؛ لِأَنَّهُ مُحْتَمَلٌ لَفْظُهُ فَإِنَّ ذِكْرَ الطَّالِقِ ذِكْرٌ لِلطَّلَاقِ لُغَةً كَذِكْرِ الْعَالِمِ ذِكْرٌ لِلْعِلْمِ لُغَةً فَصَارَ كَالتَّصْرِيحِ بِهِ ، وَلِهَذَا يَصِحُّ تَفْسِيرُهُ بِهِ فَصَارَ كَالْبَائِنِ بَلْ أَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ وَالْبَائِنُ كِنَايَةٌ عَنْهُ ، وَلِهَذَا لَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيٍّ طَلِّقْهَا وَنَوَى الثَّلَاثَ صَحَّتْ نِيَّتُهُ ، وَكَذَا إذَا قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَكِ وَنَوَى الثَّلَاثَ وَلَنَا أَنَّهُ نَوَى مَا لَا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ فَتَلْغُو نِيَّتُهُ ، وَهَذَا لِأَنَّ قَوْلَهُ أَنْتِ طَالِقٌ خَبَرٌ وَاقْتِضَاؤُهُ أَنْ يَكُونَ صَادِقًا إنْ كَانَ مُطَابِقًا أَوْ كَاذِبًا إنْ لَمْ يَكُنْ مُطَابِقًا كَقَوْلِهِ أَنْتِ قَائِمَةٌ وَنَحْوِهِ .
وَأَمَّا الْوُقُوعُ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ فَلَا يَقْتَضِيهِ اللَّفْظُ لُغَةً وَإِنَّمَا ثَبَتَ بِالشَّرْعِ اقْتِضَاءً كَيْ لَا يَكُونَ كَاذِبًا وَالْمُقْتَضَى لَا عُمُومَ لَهُ ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَهُ لِلضَّرُورَةِ وَقَدْ انْدَفَعَتْ بِوَاحِدَةٍ فَلَا حَاجَةَ إلَى أَزْيَدَ مِنْهَا بِخِلَافِ الْبَائِنِ ؛ لِأَنَّ الْبَيْنُونَةَ مُتَنَوِّعَةٌ إلَى غَلِيظَةٍ وَخَفِيفَةٍ فَكَانَ اللَّفْظُ صَالِحًا لَهُمَا فَتَعْمَلُ نِيَّتُهُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَسْأَلْ ابْنَ عُمَرَ هَلْ أَرَادَ ثَلَاثًا أَمْ لَا حِينَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فِي الْحَيْضِ ، وَلَوْ كَانَ مِنْ مُحْتَمَلَاتِ لَفْظِهِ لَسَأَلَهُ كَمَا سَأَلَ رُكَانَةَ حِينَ أَبَانَ امْرَأَتَهُ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ إلَّا وَاحِدَةً وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْبَائِنَ كِنَايَةٌ عَنْ الطَّلَاقِ عَلَى مَا نَذْكُرُ وَبِخِلَافِ قَوْلِهِ طَلِّقْهَا أَوْ طَلِّقِي نَفْسَكِ حَيْثُ يَصِحُّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ فِيهِ ؛ لِأَنَّ الْمَصْدَرَ فِيهِ ثَابِتٌ لُغَةً فَكَانَ مَحْذُوفًا وَهُوَ كَالْمَنْطُوقِ فَتَصِحُّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ عَلَى اعْتِبَارِ الْجِنْسِ
وَلَا تَصِحُّ نِيَّةُ الثِّنْتَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ عَدَدٌ مَحْضٌ فَلَا يَدُلُّ عَلَيْهِ لَفْظُ الْجِنْسِ كَسَائِرِ الْأَجْنَاسِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْعَدَدَ الْمَذْكُورَ بَعْدَهُ تَفْسِيرٌ بَلْ هُوَ تَغْيِيرٌ ؛ لِأَنَّهُ نَعْتٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ طَلَاقًا ثَلَاثًا كَمَا يُقَالُ أَعْطَيْتُهُ جَزِيلًا أَيْ عَطَاءً جَزِيلًا وَذِكْرُ طَالِقٍ يَكُونُ ذِكْرًا لِطَلَاقٍ هُوَ صِفَةٌ لِلْمَرْأَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(بَابُ الطَّلَاقِ)
لَمَّا ذَكَرَ أَصْلَ الطَّلَاقِ وَوَصْفَهُ شَرَعَ فِي بَيَانِ تَنْوِيعِهِ مِنْ حَيْثُ الْإِيقَاعُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ بِالصَّرِيحِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بِالْكِنَايَةِ ، وَالصَّرِيحُ مَا كَانَ ظَاهِرَ الْمُرَادِ لِغَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ وَالْكِنَايَةُ مَا كَانَ مُسْتَتِرَ الْمُرَادِ فَيَحْتَاجُ فِيهِ إلَى النِّيَّةِ ثُمَّ الطَّلَاقُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مُرْسَلًا أَوْ مُضَافًا إلَى وَقْتٍ أَوْ يَكُونَ مُعَلَّقًا بِشَرْطٍ فَالْمُرْسَلُ يَقَعُ مِنْ سَاعَتِهِ سَوَاءٌ كَانَ سُنِّيًّا أَوْ بِدْعِيًّا وَالْمُضَافُ إلَى وَقْتٍ كَمَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا أَوْ رَأْسَ الشَّهْرِ أَوْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوْ مَا شَاكَلَهُ لَا يَقَعُ إلَّا بِوُجُودِ الْوَقْتِ وَالْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ أَوْ إنْ كَلَّمْتِ فُلَانًا لَا يَقَعُ إلَّا بِوُجُودِ الشَّرْطِ ، وَكَذَلِكَ فِي أَلْفَاظِ الْكِنَايَةِ وَسَيَجِيءُ أَلْفَاظُهَا . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (قَوْلُهُ وَمِنْهُ الصَّرْحُ لِلْقَصْرِ لِظُهُورِهِ) أَيْ وَارْتِفَاعِهِ عَلَى سَائِرِ الْأَبْنِيَةِ
. ا هـ .

(قَوْلُهُ وَبِنِيَّتِهِ الْإِبَانَةَ قَصْدُ تَنْجِيزِ مَا عَلَّقَهُ الشَّارِعُ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ) أَيْ ؛ لِأَنَّ الْإِبَانَةَ مُعَلَّقَةٌ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَهُوَ بِنِيَّتِهِ أَرَادَ تَنْجِيزَ مَا عَلَّقَهُ الشَّارِعُ بِانْقِضَائِهَا ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ تَقْدِيمَ مَا أَخَّرَ الشَّرْعُ إلَى وَقْتٍ فَيَرُدُّ عَلَيْهِ قَصْدَهُ . ا هـ . (قَوْلُهُ ، وَلِهَذَا يَصِحُّ تَفْسِيرُهُ بِهِ) أَيْ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا . ا هـ . (قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّهُ نَوَى مَا لَا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ) أَيْ ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ فَرْدٌ فَلَا يَحْتَمِلُ الْعَدَدَ فَتَلْغُو نِيَّتُهُ . ا هـ . رَازِيٌّ .
(قَوْلُهُ هُوَ صِفَةٌ لِلْمَرْأَةِ) أَيْ لَا لِلطَّلَاقِ الَّذِي هُوَ صِفَةٌ لِلرَّجُلِ وَهُوَ فِعْلُ التَّطْلِيقِ . ا هـ . رَازِيٌّ

(2/197)


لَا لِطَلَاقٍ يُوقِعُهُ الزَّوْجُ ، لِأَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ يَدُلُّ عَلَى مَصْدَرٍ قَائِمٍ بِالْفَاعِلِ لُغَةً لَا عَلَى مَصْدَرٍ يُوقِعُهُ الْوَاصِفُ فَإِنْ قِيلَ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ مَا ذَكَرْت مِنْ الْمَعْنَى أَنْ لَوْ كَانَ خَبَرًا وَقَدْ جَعَلَهُ الشَّارِعُ إنْشَاءً فَلَا يَسْتَقِيمُ قُلْنَا فَإِذَا كَانَ إنْشَاءً صَارَ ابْتِدَاءَ فِعْلٍ وَالْفِعْلُ الْوَاحِدُ لَا يَحْتَمِلُ التَّعَدُّدَ بِالنِّيَّةِ كَالضَّرْبَةِ وَالْخُطْوَةِ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ الْإِيقَاعُ الْوَاحِدُ إيقَاعَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ وَلَا يَلْزَمُنَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ لِلسَّنَةِ حَيْثُ تَصِحُّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ فِيهِ ؛ لِأَنَّ السَّنَةَ صِفَةٌ لِتَطْلِيقٍ مَحْذُوفٍ إذْ الْفِعْلُ هُوَ الَّذِي يُوصَفُ بِالسَّنَةِ وَذِكْرُ الصِّفَةِ ذِكْرٌ لِلْمَوْصُوفِ تَقْدِيرُهُ أَنْتِ طَالِقٌ تَطْلِيقًا لِلسَّنَةِ عَلَى أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ فِيهِ وَقَوْلُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ إنَّهُ نَعْتُ فَرْدٍ لَا يَسْتَقِيمُ ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الطَّلَاقِ لَا فِي الْمَرْأَةِ
وَلَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ وَنَوَى بِهِ الطَّلَاقَ عَنْ وَثَاقٍ لَمْ يُصَدَّقْ قَضَاءً وَيُدَيَّنُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَالْمَرْأَةُ كَالْقَاضِي لَا يَحِلُّ لَهَا أَنْ تُمَكِّنَهُ إذَا سَمِعَتْ مِنْهُ ذَلِكَ أَوْ شَهِدَ بِهِ شَاهِدُ عَدْلٍ عِنْدَهَا ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ عَنْ وَثَاقٍ لَمْ يَقَعْ فِي الْقَضَاءِ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ بِمَا يَحْتَمِلُهُ اللَّفْظُ فَيُصَدَّقُ دِيَانَةً وَقَضَاءً ، وَكَذَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ هَذَا الْقَيْدِ لِمَا بَيَّنَّا ، وَلَوْ نَوَى بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ الطَّلَاقَ مِنْ الْعَمَلِ لَمْ يُصَدَّقْ دِيَانَةً وَلَا قَضَاءً لِعَدَمِ الِاسْتِعْمَالِ فِيهِ حَقِيقَةً وَمَجَازًا ، وَهَذَا لِأَنَّهُ لِرَفْعِ الْقَيْدِ وَهِيَ غَيْرُ مُقَيَّدَةٍ بِالْعَمَلِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُدَيَّنُ دِيَانَةً لَا قَضَاءً ؛ لِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ لِلتَّخْلِيصِ لَكِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَلَا يُصَدَّقُ قَضَاءً
وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ عَمَلِ كَذَا أَوْ مِنْ هَذَا الْعَمَلِ دُيِّنَ دِيَانَةً لِوُجُودِ الْبَيَانِ الْمَوْصُولِ صُورَةً وَلَا يُدَيَّنُ قَضَاءً لِعَدَمِ الِاسْتِعْمَالِ فِيهِ وَفِي الِاخْتِيَارِ لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا مِنْ هَذَا الْعَمَلِ طَلُقَتْ ثَلَاثًا وَلَا يُصَدَّقُ قَضَاءً أَنَّهُ لَمْ يَنْوِ الطَّلَاقَ ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ مُطْلَقَةٌ بِتَسْكِينِ الطَّاءِ لَا يَقَعُ إلَّا بِالنِّيَّةِ ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُسْتَعْمَلَةٍ فِيهِ عُرْفًا فَلَمْ يَكُنْ صَرِيحًا

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ قَالَ أَنْتِ الطَّلَاقُ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ الطَّلَاقَ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ طَلَاقًا تَقَعُ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ بِلَا نِيَّةٍ أَوْ نَوَى وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ وَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا فَثَلَاثٌ) ، وَكَذَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَلَاقٌ فَوُقُوعُ الطَّلَاقِ بِاللَّفْظَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ ظَاهِرٌ ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ النَّعْتِ وَحْدَهُ يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ وَمَعَ الْمَصْدَرِ الْمُؤَكِّدِ لَهُ أَوْلَى . وَأَمَّا وُقُوعُهُ بِاللَّفْظَةِ الْأُولَى وَالرَّابِعَةِ فَلِأَنَّ الْمَصْدَرَ يُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ الِاسْمُ يُقَالُ رَجُلٌ عَدْلٌ أَيْ عَادِلٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ عَلَمٌ أَيْ عَالِمٌ ، وَقَالَ قَائِلُهُمْ
فَإِنَّمَا هِيَ إقْبَالٌ وَإِدْبَارٌ
أَيْ مُقْبِلَةٌ وَمُدْبِرَةٌ ، وَقَالَ آخَرُ
فَأَنْتِ الطَّلَاقُ وَأَنْتِ الطَّلَاقُ ... وَأَنْتِ الطَّلَاقُ ثَلَاثًا تَمَامًا
أَنَوَّهْت بِاسْمِي فِي الْعَالَمِينَ ... وَأَفْنَيْت عُمْرِي عَامًا فَعَامَا
فَصَارَ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ فَلَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى النِّيَّةِ ؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِيهِ وَيَكُونُ رَجْعِيًّا لِمَا تَلَوْنَا وَتَصِحُّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ ؛ لِأَنَّ الْمَصْدَرَ جِنْسٌ فَيَحْتَمِلُ الْأَدْنَى مَعَ احْتِمَالِ الْكُلِّ فَإِذَا نَوَاهُ فَقَدْ نَوَى مُحْتَمَلَ كَلَامِهِ فَصَحَّتْ نِيَّتُهُ وَلَا تَصِحُّ نِيَّةُ الثِّنْتَيْنِ خِلَافًا لِزُفَرَ هُوَ يَقُولُ إنَّهَا بَعْضُ الثَّلَاثِ فَتَصِحُّ ضَرُورَةَ صِحَّةِ الثَّلَاثِ وَنَحْنُ نَقُولُ إنَّهُ عَدَدٌ مَحْضٌ وَلَفْظُ الْجِنْسِ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ فَتَلْغُو نِيَّتُهُ وَنِيَّةُ الثَّلَاثِ إنَّمَا صَحَّتْ لِكَوْنِهَا جَمِيعَ الْجِنْسِ ، وَهَذَا لِأَنَّ اللَّفْظَ مُفْرَدٌ فَلَا بُدَّ مِنْ مُرَاعَاتِهِ غَيْرَ أَنَّ الْفَرْدَ نَوْعَانِ فَرْدٌ حَقِيقِيٌّ وَهُوَ أَدْنَى الْجِنْسِ وَفَرْدٌ حُكْمِيٌّ وَهُوَ جَمِيعُ الْجِنْسِ فَأَيَّهُمَا نَوَى صَحَّتْ نِيَّتُهُ ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَحْتَمِلُهُ وَلَا كَذَلِكَ التَّثْنِيَةُ حَتَّى لَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ أَمَةً تَصِحُّ نِيَّةُ الثِّنْتَيْنِ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ جَمِيعُ الْجِنْسِ فِي حَقِّهَا كَالثَّلَاثِ فِي حَقِّ الْحُرَّةِ فَإِنْ قِيلَ ذِكْرُ الْمَصْدَرِ ظَاهِرٌ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ طَلَاقًا أَوْ طَالِقٌ الطَّلَاقَ .
وَأَمَّا فِي قَوْلِهِ أَنْتِ الطَّلَاقُ أَوْ أَنْتِ طَلَاقٌ فَقَدْ أَقَمْته مَقَامَ أَنْتِ طَالِقٌ وَفِيهِ لَا يَصِحُّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا كَذَلِكَ لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ قُلْنَا هُوَ مَصْدَرٌ فِي أَصْلِهِ فَيُلَاحَظُ فِيهِ جَانِبُ الْمَصْدَرِيَّةِ كَمَا يُلَاحَظُ فِيهِ جَانِبُ الْمَصْدَرِيَّةِ فِي حَقِّ غَيْرِهِ حَتَّى اسْتَوَى فِيهِ الْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ ، وَكَذَا الْمُفْرَدُ وَالتَّثْنِيَةُ وَالْجَمْعُ فَكَذَا فِي احْتِمَالِ الْجِنْسِ كُلِّهِ أَوْ يَكُونُ مَعْنَاهُ أَنْتِ ذَاتُ الطَّلَاقِ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ فَيَنْتَفِي الْإِيرَادُ رَأْسًا أَوْ يَجْعَلُ ذَاتَهَا طَلَاقًا لِلْمُبَالَغَةِ فَلَا يَرِدُ ، وَذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ أَنَّ الْكِسَائِيَّ كَتَبَ إلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ فَتْوَى فَدَفَعَهَا إلَيَّ فَقَرَأْتهَا عَلَيْهِ مَا قَوْلُ الْقَاضِي الْإِمَامِ فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ
فَإِنْ تَرْفُقِي يَا هِنْدُ فَالرِّفْقُ أَيْمَنُ ... وَإِنْ تَخْرُقِي يَا هِنْدُ فَالْخُرْقُ أَشْأَمُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ وَنَوَى بِهِ الطَّلَاقَ عَنْ وَثَاقٍ) أَيْ عَنْ قَيْدٍ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ وَالْوَثَاقُ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِهَا وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ .
(قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ لِلتَّخْلِيصِ) أَيْ الطَّلَاقُ . ا هـ . (قَوْلُهُ لِوُجُودِ الْبَيَانِ الْمَوْصُولِ) يُحْتَرَزُ مِنْ الْمَفْصُولِ بِأَنْ سَكَتَ ثُمَّ قَالَ ذَلِكَ ا هـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ . (قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُسْتَعْمَلَةٍ فِيهِ عُرْفًا) أَيْ بَلْ فِي الِانْطِلَاقِ عَنْ الْقَيْدِ الْحِسِّيِّ ا هـ فَتْحٌ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ الطَّلَاقَ) ضَبَطَهُ الشَّارِحُ الرَّازِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِالْقَلَمِ بِالنَّصْبِ كَمَا شَاهَدْتُهُ فِي خَطِّهِ ، وَكَذَا الْعَيْنِيُّ وَمُقْتَضَى كَلَامِ الشَّارِحِ الرَّفْعُ عَلَى مَا سَيَأْتِي فِي آخِرِ هَذِهِ الْمَقَالَةِ مِنْ قَوْلِهِ ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَصْلُحُ لِلْإِيقَاعِ بِإِضْمَارِ أَنْتِ إلَخْ وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ لَا يَقْتَضِي الرَّفْعَ ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مَنْصُوبًا فَهُوَ بِالْجُمْلَةِ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مَرْفُوعًا ، وَلِأَنَّ الْعَوَامَّ لَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ وُجُوهِ الْإِعْرَابِ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَيَكُونُ رَجْعِيًّا لِمَا تَلَوْنَا) أَيْ فِي قَوْله تَعَالَى {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة : 229] . ا هـ . (قَوْلُهُ وَفَرْدٌ حُكْمِيٌّ وَهُوَ جَمِيعُ الْجِنْسِ) أَيْ ؛ لِأَنَّهُ فَرْدٌ مَحْضٌ فَلَا يَجُوزُ نِيَّتُهُ غَيْرَ أَنَّهُ عِنْدَ إطْلَاقِ النِّيَّةِ يَنْصَرِفُ إلَى الْوَاحِدِ لِسَعَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ أَدْنَى وَيَكُونُ فَرْدًا حَقِيقَةً وَحُكْمًا . ا هـ . رَازِيٌّ .
(قَوْلُهُ وَلَا كَذَلِكَ التَّثْنِيَةُ) أَيْ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْمُحْتَمَلَاتِ ا هـ

(2/198)


فَأَنْتِ طَلَاقٌ وَالطَّلَاقُ عَزِيمَةٌ ... ثَلَاثٌ وَمَنْ يَخْرُقُ أَعَقُّ وَأَظْلَمُ

كَمْ يَقَعُ عَلَيْهَا فَكَتَبَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - جَوَابَهُ إنْ رُفِعَ ثَلَاثٌ يَقَعُ وَاحِدَةٌ
وَإِنْ نُصِبَ يَقَعُ ثَلَاثٌ ؛ لِأَنَّهُ إذَا رَفَعَ ثَلَاثًا فَقَدْ تَمَّ الْكَلَامُ بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَلَاقٌ ثُمَّ ابْتَدَأَ أَوْ الطَّلَاقُ عَزِيمَةٌ ثَلَاثٌ وَالطَّلَاقُ مُبْتَدَأٌ وَثَلَاثٌ خَبَرُهُ وَعَزِيمَةٌ إنْ رَفَعَهَا خَبَرٌ وَإِنْ نَصَبَهَا حَالٌ وَإِذَا نَصَبَ ثَلَاثًا فَكَأَنَّهُ قَالَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا ثُمَّ ابْتِدَاءً وَالطَّلَاقُ عَزِيمَةٌ ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ الطَّلَاقَ فَقَالَ أَرَدْتُ بِقَوْلِي طَالِقٌ وَاحِدَةً وَبِقَوْلِي الطَّلَاقُ أُخْرَى يَقَعُ ثِنْتَانِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تَصْلُحُ لِلْإِيقَاعِ بِإِضْمَارِ أَنْتِ فَصَارَ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ فَيَقَعُ رَجْعِيَّتَانِ إذَا كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ فِي الشِّعْرِ فَأَنْتِ طَلَاقٌ) فِيهِ وَجْهَانِ الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ مَصْدَرًا مَوْضُوعًا مَوْضِعَ اسْمِ الْفَاعِلِ كَرَجُلٍ عَدْلٍ وَصَوْمٍ وَنَذْرٍ وَفِطْرٍ أَيْ مُفْطِرٍ قَالَ تَعَالَى {مَاؤُكُمْ غَوْرًا} [الملك : 30] وَقَدْ يَقَعُ مَوْقِعَ الْمَفْعُولِ كَرَجُلٍ رِضًا ، وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ كَمَا قِيلَ صَلَّى الْمَسْجِدُ أَيْ أَهْلُهُ وَكَمَا قَالَتْ الْخَنْسَاءُ فَإِنَّمَا هِيَ إقْبَالٌ وَإِدْبَارٌ . ا هـ . (قَوْلُهُ فِي الشِّعْرِ أَعَقُّ) قَالَ الْعَيْنِيُّ فِي فَوَائِدِهِ يُرِيدُ فَهُوَ أَعَقُّ فَحَذَفَ فَهُوَ وَهُوَ مِنْ قَبِيلِ الضَّرُورَاتِ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَعَزِيمَةٌ إنْ رَفَعَهَا خَبَرٌ) أَيْ خَبَرٌ أَوَّلٌ وَثَلَاثٌ خَبَرٌ ثَانٍ . ا هـ .
(قَوْلُهُ وَإِنْ نَصَبَهَا حَالٌ) قَالَ الْعَيْنِيُّ فِي الدُّرَّةِ أَيْ إذَا كَانَ عَزِيمَةً . ا هـ . وَفِي الْمُغْنِي لِابْنِ هِشَامٍ نَقْلًا عَنْ بَعْضِ التَّوَارِيخِ أَنَّ الرَّشِيدَ كَتَبَ إلَى أَبِي يُوسُفَ مَا قَوْلُ الْقَاضِي الْإِمَامِ فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ
فَإِنْ تَرْفُقِي يَا هِنْدُ فَالرِّفْقُ أَيْمَنُ ... وَإِنْ تَخْرُقِي يَا هِنْدُ فَالْخُرْقُ أَشْأَمُ
فَأَنْتِ طَلَاقٌ وَالطَّلَاقُ عَزِيمَةٌ ... ثَلَاثٌ وَمَنْ يَخْرُقُ أَعَقُّ وَأَظْلَمُ
فَقَالَ مَاذَا يَلْزَمُهُ إذَا رَفَعَ الثَّلَاثَ وَإِذَا نَصَبَهَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ هَذِهِ مَسْأَلَةٌ نَحْوِيَّةٌ فِقْهِيَّةٌ وَلَا آمَنُ مِنْ الْغَلَطِ فِيهَا فَأَتَى إلَى الْكِسَائِيّ فَسَأَلَهُ فَأَجَابَ عَنْهَا بِمَا سَنَذْكُرُهُ وَهُوَ بَعْدَ كَوْنِهِ غَلَطًا فِيهِ بَعُدَ عَنْ مَعْرِفَةِ مَقَامِ الِاجْتِهَادِ فَإِنَّ مِنْ شَرْطِهِ مَعْرِفَةَ الْعَرَبِيَّةِ وَأَسَالِيبِهَا ؛ لِأَنَّ الِاجْتِهَادَ يَقَعُ فِي الْأَدِلَّةِ السَّمْعِيَّةِ الْعَرَبِيَّةِ وَاَلَّذِي نَقَلَهُ أَهْلُ الثَّبَتِ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَمَّنْ قَرَأَ الْفَتْوَى حِينَ وَصَلَتْ خِلَافُ هَذَا وَأَنَّ الْمُرْسِلَ بِهَا الْكِسَائِيُّ إلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَلَا دَخْلَ لِأَبِي يُوسُفَ أَصْلًا وَلَا لِلرَّشِيدِ وَلَمَقَامُ أَبِي يُوسُفَ أَجَلُّ مِنْ أَنْ يَحْتَاجَ فِي مِثْلِ هَذَا التَّرْكِيبِ مَعَ إمَامَتِهِ وَاجْتِهَادِهِ وَبَرَاعَتِهِ فِي التَّصَرُّفَاتِ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْأَلْفَاظِ فَفِي الْمَبْسُوطِ ذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ أَنَّ الْكِسَائِيَّ بَعَثَ إلَى مُحَمَّدٍ بِفَتْوَى فَدَفَعَهَا إلَيَّ فَقَرَأْتهَا عَلَيْهِ فَقَالَ مَا قَوْلُ قَاضِي الْقُضَاةِ الْإِمَامِ فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ
فَإِنْ تَرْفُقِي يَا هِنْدُ فَالرِّفْقُ أَيْمَنُ ... وَإِنْ تَخْرُقِي يَا هِنْدُ فَالْخُرْقُ أَشْأَمُ
فَأَنْتِ طَلَاقٌ وَالطَّلَاقُ عَزِيمَةٌ ... ثَلَاثٌ وَمَنْ يَخْرُقُ أَعَقُّ وَأَظْلَمُ
فَمَا يَقَعُ عَلَيْهِ فَكَتَبَ فِي جَوَابِهِ إنْ قَالَ ثَلَاثٌ مَرْفُوعًا كَانَ ابْتِدَاءً فَيَبْقَى قَوْلُهُ أَنْتِ طَلَاقٌ فَيَقَعُ وَاحِدَةٌ وَإِذَا قَالَ ثَلَاثًا مَنْصُوبًا عَلَى مَعْنَى الْبَدَلِ أَوْ التَّفْسِيرِ فَيَقَعُ بِهِ ثَلَاثٌ كَأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ طَلَاقٌ ثَلَاثًا وَالطَّلَاقُ عَزِيمَةٌ ؛ لِأَنَّ الثَّلَاثَ فِي تَفْسِيرِ الْوَاقِعِ فَاسْتَحْسَنَ الْكِسَائِيُّ جَوَابَهُ ثُمَّ قَالَ الشَّيْخُ جَمَالُ الدِّينِ بْنُ هِشَامٍ بَعْدَ الْجَوَابِ الْمَذْكُورِ وَالصَّوَابُ أَنَّ كُلًّا مِنْ الرَّفْعِ وَالنَّصْبِ يَحْتَمِلُ وُقُوعَ الثَّلَاثِ وَالْوَاحِدَةِ
أَمَّا الرَّفْعُ فَلِأَنَّ " أَلْ " فِي الطَّلَاقِ إمَّا لِمَجَازِ الْجِنْسِ نَحْوُ زَيْدٌ الرَّجُلُ أَيْ الْمُعْتَدُّ بِهِ وَإِمَّا لِلْعَهْدِ الذِّكْرِيِّ أَيْ ، وَهَذَا الطَّلَاقُ الْمَذْكُورُ عَزِيمَةً ثَلَاثٌ وَلَا يَكُونُ لِلْجِنْسِ الْحَقِيقِيِّ لِئَلَّا يَلْزَمَ الْإِخْبَارُ بِالْخَاصِّ عَنْ الْعَامِّ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ إذْ لَيْسَ كُلُّ طَلَاقٍ عَزِيمَةً ثَلَاثًا فَعَلَى الْعَهْدِيَّةِ تَقَعُ الثَّلَاثُ وَعَلَى الْجِنْسِيَّةِ وَاحِدَةٌ . وَأَمَّا النَّصْبُ فَيَحْتَمِلُ كَوْنَهُ عَلَى الْمَفْعُولِ الْمُطْلَقِ فَيَقَعُ الثَّلَاثُ إذْ الْمَعْنَى حِينَئِذٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا ثُمَّ اعْتَرَضَ بَيْنَهُمَا بِالْجُمْلَةِ وَكَوْنُهُ حَالًا مِنْ الضَّمِيرِ فِي عَزِيمَةٍ فَلَا يَلْزَمُ وُقُوعُ الثَّلَاثِ ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى وَالطَّلَاقُ عَزِيمَةٌ إذَا كَانَ ثَلَاثًا فَإِنَّمَا يَقَعُ مَا نَوَاهُ هَذَا مَا يَقْتَضِيهِ اللَّفْظُ .
وَأَمَّا الَّذِي أَرَادَهُ الشَّاعِرُ فَالثَّلَاثُ ؛ لِأَنَّهُ قَالَ بَعْدَهُ
فَبِينِي بِهَا إنْ كُنْتِ غَيْرَ رَفِيقَةٍ ... وَمَا لِامْرِئٍ بَعْدَ الثَّلَاثِ مُقَدَّمٌ
ا هـ وَتَخْرُقِي بِضَمِّ الرَّاءِ مُضَارِعُ خَرُقَ بِضَمِّهَا أَوْ بِفَتْحِ الرَّاءِ مُضَارِعُ خَرِقَ بِكَسْرِهَا وَالْخُرْقُ بِالضَّمِّ الِاسْمُ وَهُوَ ضِدُّ الرِّفْقِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الظَّاهِرَ فِي النَّصْبِ كَوْنُهُ عَلَى الْمَفْعُولِ الْمُطْلَقِ نِيَابَةً عَنْ الْمَصْدَرِ لِقِلَّةِ الْفَائِدَةِ فِي إرَادَةِ الطَّلَاقِ عَزِيمَةً إذَا كَانَ ثَلَاثًا . وَأَمَّا الرَّفْعُ فَلِامْتِنَاعِ الْجِنْسِ الْحَقِيقِيِّ كَمَا ذَكَرَ بَقِيَ أَنْ يُرَادَ مَجَازُ الْجِنْسِ فَيَقَعُ وَاحِدَةٌ أَوْ الْعَهْدُ الذِّكْرِيُّ وَهُوَ أَظْهَرُ الِاحْتِمَالَيْنِ فَيَقَعُ الثَّلَاثُ ، وَلِهَذَا ظَهَرَ مِنْ الشَّاعِرِ أَنَّهُ أَرَادَهُ كَمَا أَفَادَهُ الْبَيْتُ الْأَخِيرُ فَجَوَابُ مُحَمَّدٍ بِنَاءً عَلَى مَا هُوَ الظَّاهِرُ كَمَا يَجِبُ فِي مِثْلِهِ حَمَلَ اللَّفْظَ عَلَى الظَّاهِرِ وَعَدَمِ الِالْتِفَاتِ إلَى الِاحْتِمَالِ . ا هـ . كَمَالٌ .
(قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ الطَّلَاقَ فَقَالَ أَرَدْتُ بِقَوْلِي طَالِقٌ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّهُ ذَكَرَ قَبْلَ هَذَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ الطَّلَاقَ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ طَلَاقًا وَنَوَى بِهِ ثِنْتَيْنِ لَا يَصِحُّ عِنْدَنَا إلَّا إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ أَمَةً ثُمَّ ذَكَرَ هَاهُنَا صِحَّةَ نِيَّةِ الثِّنْتَيْنِ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ بِعَيْنِهَا إذَا أَرَادَ الثِّنْتَيْنِ عَلَى التَّقْسِيمِ فَقَالَ إذَا نَوَى طَلْقَةً وَاحِدَةً بِقَوْلِهِ طَالِقٌ وَطَلْقَةً أُخْرَى بِقَوْلِهِ طَلَاقًا أَوْ الطَّلَاقَ يُصَدَّقُ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ اللَّفْظَيْنِ صَالِحٌ لِلْإِيقَاعِ فَيَصِيرُ طَالِقٌ مُقْتَضِيًا وَطَلَاقًا دَلِيلًا عَلَى نَعْتٍ مَحْذُوفٍ فَيَقَعُ تَطْلِيقَتَانِ رَجْعِيَّتَانِ إذَا كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ هَكَذَا نَقَلُوهُ فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَنْ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ وَذَلِكَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمَنَعَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ ؛ لِأَنَّ طَالِقٌ نَعْتٌ وَطَلَاقًا مَصْدَرُهُ فَلَا يَقَعُ إلَّا وَاحِدَةً ، وَكَذَلِكَ أَنْتِ طَالِقٌ الطَّلَاقَ فَأَقُولُ إنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ إذَا نَوَى الثِّنْتَيْنِ عَلَى الْجَمْعِ لَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّ لَفْظَهُ لَا يَحْتَمِلُ الْعَدَدَ فَكَذَا إذَا نَوَاهُمَا عَلَى التَّقْسِيمِ قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ . ا هـ ..

(2/199)


وَإِلَّا لَغَا الْكَلَامُ الثَّانِي

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى جُمْلَتِهَا أَوْ إلَى مَا يُعَبِّرُ بِعَنْهَا كَالرَّقَبَةِ وَالْعُنُقِ وَالرُّوحِ وَالْبَدَنِ وَالْجَسَدِ وَالْفَرْجِ وَالْوَجْهِ أَوْ إلَى جُزْءٍ شَائِعٍ مِنْهَا كَنِصْفِهَا أَوْ ثُلُثِهَا تَطْلُقُ) ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَهُ إلَى مَحَلِّهِ أَمَّا إذَا أَضَافَهُ إلَى جُمْلَتِهَا بِأَنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فَظَاهِرٌ ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ أَنْتِ ضَمِيرُ الْمُخَاطَبَةِ ، وَكَذَلِكَ الرُّوحُ وَالْبَدَنُ وَالْجَسَدُ . وَأَمَّا غَيْرُهَا فَلِأَنَّهَا تُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهَا جُمْلَتُهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ} [الشعراء : 4] وَالْمُرَادُ ذَاتُهُمْ ، وَلِهَذَا جُمِعَ هَذَا الْجَمْعَ ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء : 92] ، وَقَالَ تَعَالَى {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ} [الرحمن : 27] ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَعَنَ اللَّهُ الْفُرُوجَ عَلَى السُّرُوجِ» وَيُقَالُ أَمْرِي حَسَنٌ مَا دَامَ رَأْسُك أَيْ مَا دُمْت بَاقِيًا وَهَؤُلَاءِ رُءُوسُ الْقَوْمِ وَالْجُزْءُ الشَّائِعُ مَحَلٌّ لِسَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ كَالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ فَكَذَا يَكُونُ مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ فِي حَقِّ الطَّلَاقِ فَيَثْبُتُ فِي الْكُلِّ بِخِلَافِ الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّ النَّفْسَ تَتَجَزَّأُ فِي حَقِّهِ فَيُقْتَصَرُ عَلَى الْجُزْءِ الْمُضَافِ إلَيْهِ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى التَّعَدِّي .
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِلَى الْيَدِ وَالرِّجْلِ وَالدُّبُرِ لَا) أَيْ إنْ أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى هَذِهِ الْأَعْضَاءِ لَا يَقَعُ ؛ لِأَنَّهَا لَا يُعَبَّرُ بِهَا عَنْ الْجُمْلَةِ وَبِاعْتِبَارِهِ كَانَ الْوُقُوعَ فِيمَا تَقَدَّمَ حَتَّى لَوْ قَالَ الرَّأْسُ مِنْك طَالِقٌ أَوْ الْوَجْهُ أَوْ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى الرَّأْسِ أَوْ الْعُنُقِ ، وَقَالَ هَذَا الْعُضْوُ طَالِقٌ لَمْ يَقَعْ فِي الْأَصَحِّ ، وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ يَقَعُ إذَا أَضَافَهُ إلَى الْيَدِ أَوْ الرِّجْلِ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْجُمْلَةِ ؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مُسْتَمْتَعٌ بِهِ بِعَقْدِ النِّكَاحِ فَيَكُونُ مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ فَتَثْبُتُ فِيهِ قَضِيَّةُ الْإِضَافَةِ ثُمَّ يَسْرِي إلَى الْكُلِّ كَمَا فِي الْجُزْءِ الشَّائِعِ بِخِلَافِ إضَافَةِ النِّكَاحِ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ فِي غَيْرِهِ تَغْلِبُ الْحِلَّ فِيهِ لِمَا عُرِفَ فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ طَلَّقْتُك شَهْرًا تَطْلُقُ دَهْرًا ، وَلَوْ قَالَ تَزَوَّجْتُك شَهْرًا لَا يَصِحُّ وَلَنَا أَنَّ الطَّلَاقَ شُرِعَ لِرَفْعِ الْقَيْدِ فَيَخْتَصُّ بِمَحَلِّ الْقَيْدِ وَمَحَلُّهُ مَا يَجُوزُ إضَافَةُ النِّكَاحِ إلَيْهِ لَا مَا يَدْخُلُ تَبَعًا كَمِلْكِ الرَّقَبَةِ تَدْخُلُ فِيهِ الْأَطْرَافُ تَبَعًا وَلَا يَجُوزُ إضَافَةُ الشِّرَاءِ إلَيْهَا بِخِلَافِ الْجُزْءِ الشَّائِعِ ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ إضَافَةُ النِّكَاحِ إلَيْهِ فَيَكُونُ مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ وَحِلُّ الِاسْتِمْتَاعِ بِهِ تَبَعٌ لِوُرُودِ الْحِلِّ فِي جَمِيعِهَا فَلَا يُجْعَلُ أَصْلًا كَمَا فِي إضَافَةِ النِّكَاحِ إلَيْهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَقَعُ فِي الظَّهْرِ وَالْبَطْنِ وَالْبُضْعِ
وَذُكِرَ فِي الدَّمِ رِوَايَتَانِ هُنَا ، وَقَالَ فِي الْعَتَاقِ إذَا قَالَ دَمُك حُرٌّ لَا يَعْتِقُ وَصَحَّ فِي كِتَابِ الْكَفَالَةِ صِحَّةُ التَّكْفِيلِ بِهِ فَعُلِمَ بِمَجْمُوعِ مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا يَقَعُ إلَّا بِمَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا الْيَدُ وَالْقَلْبُ ؛ لِأَنَّهُمَا يُعَبَّرُ بِهِمَا عَنْ الْجَمِيعِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [المسد : 1] وَبِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ» وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} [البقرة : 283] وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى {مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ} [الأنفال : 63] أَيْ بَيْنَهُمْ ، وَلِهَذَا قَالَ {وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ} [الأنفال : 63] لِأَنَّا نَقُولُ لَمْ يُعْرَفْ اسْتِمْرَارُ اسْتِعْمَالِهِ لُغَةً وَلَا عُرْفًا وَإِنَّمَا جَاءَ بِهَا عَلَى وَجْهِ النُّدْرَةِ حَتَّى إذَا كَانَ عِنْدَ قَوْمٍ يُعَبِّرُونَ بِهِ عَنْ الْجُمْلَةِ وَقَعَ بِهِ الطَّلَاقُ أَيَّ شَيْءٍ كَانَ ذَلِكَ الْعُضْوُ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَنِصْفُ التَّطْلِيقَةِ أَوْ ثُلُثُهَا طَلْقَةٌ) أَيْ إذَا طَلَّقَهَا نِصْفَ التَّطْلِيقَةِ أَوْ ثُلُثَهَا وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ ، وَكَذَا فِي كُلِّ جُزْءٍ شَائِعٍ ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ بَعْضِ مَا لَا يَتَجَزَّأُ كَذِكْرِ كُلِّهِ صِيَانَةً لِكَلَامِ الْعَاقِلِ عَنْ الْإِلْغَاءِ وَتَغْلِيبًا لِلْمُحَرَّمِ عَنْ الْمُبِيحِ وَإِعْمَالًا لِلدَّلِيلِ بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَتَكَامَلْ يُؤَدِّي إلَى إبْطَالِ الدَّلِيلِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَثَلَاثَةُ أَنْصَافِ تَطْلِيقَتَيْنِ ثَلَاثٌ) أَيْ إذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثَةَ أَنْصَافِ تَطْلِيقَتَيْنِ يَقَعُ ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ ؛ لِأَنَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ كَالرَّقَبَةِ وَالْعُنُقِ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ الْعُنُقُ الرَّقَبَةُ وَهُوَ مُذَكَّرٌ وَالْحِجَازُ تُؤَنِّثُ فَيُقَالُ هِيَ الْعُنُقُ وَالنُّونُ بِالضَّمِّ لِلِاتِّبَاعِ فِي لُغَةِ الْحِجَازِ وَسَاكِنَةٌ فِي لُغَةِ تَمِيمٍ وَالْجَمْعُ أَعْنَاقٌ . ا هـ . (قَوْلُهُ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) أَيْ مَمْلُوكَةٍ . ا هـ . (قَوْلُهُ لَعَنَ اللَّهُ الْفُرُوجَ) أَيْ النِّسَاءَ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَإِلَى الْيَدِ وَالرِّجْلِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنْ قُلْت سَلَّمْنَا أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَثْبُتُ فِي الْبَدَنِ ابْتِدَاءً وَلَا بِنَاءَ عَلَى ثُبُوتِهِ فِي الْيَدِ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ وَلَكِنْ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ بِأَنْ يُرَادَ بِالْيَدِ الْبَدَنُ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ} [آل عمران : 182] . وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تَرُدَّهُ» قُلْت ثُبُوتُ الْمَجَازِ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ إذَا وُجِدَتْ النِّيَّةُ وَالْإِرَادَةُ وَإِلَّا فَالْكَلَامُ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَكَلَامُنَا فِيمَا إذَا لَمْ يَخْطِرْ بِبَالِ الْمُتَكَلِّمِ ذَلِكَ حَتَّى إذَا ذَكَرَ الْيَدَ وَأَرَادَ بِهَا كُلَّ الْبَدَنِ يَصِحُّ كَذَا ذَكَرَهُ عَلَاءُ الدِّينِ الْعَالِمُ فِي طَرِيقَةِ الْخِلَافِ ا هـ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ وَإِنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ يَدُك وَرِجْلُك طَالِقٌ عِبَارَةً عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ كَانَ لَنَا أَنْ نَقُولَ إنَّهَا تَطْلُقُ . ا هـ . (قَوْلُهُ ، وَقَالَ هَذَا الْعُضْوُ طَالِقٌ لَمْ يَقَعْ فِي الْأَصَحِّ) وَوَجْهُهُ أَنْ لَا يُرَادَ بِهِ الذَّاتُ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ وَقِيلَ يَقَعُ وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُوَ الْإِضَافَةُ إلَى الْجُمْلَةِ أَوْ إلَى مَا يَبْقَى الْإِنْسَانُ حَيًّا بَعْدَ قَطْعِهِ وَالْأَصَحُّ الْأَوَّلُ ا هـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ . (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْجُزْءِ الشَّائِعِ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ بِخِلَافِ الْجُزْءِ الشَّائِعِ ؛ لِأَنَّهُ مَحَلٌّ لِلنِّكَاحِ عِنْدَنَا حَتَّى تَصِحَّ إضَافَتُهُ إلَيْهِ فَكَذَا يَكُونُ مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ ا هـ وَمِثْلُهُ فِي الْكَافِي . ا هـ . (قَوْلُهُ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَقَعُ فِي الظَّهْرِ وَالْبَطْنِ إلَخْ) وَفِي الظَّهْرِ وَالدَّمِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ قَالَ فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى وَالْمُخْتَارُ أَنْ لَا يَقَعَ بِهِمَا . ا هـ . (قَوْلُهُ وَذُكِرَ فِي الدَّمِ رِوَايَتَانِ هُنَا) أَيْ فِي الطَّلَاقِ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَنِصْفُ التَّطْلِيقَةِ إلَخْ) قَالَ الْعَيْنِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِالرَّفْعِ وَالنَّصْبِ أَمَّا الرَّفْعُ فَعَلَى أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ . وَأَمَّا النَّصْبُ فَعَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ تَطْلِيقًا نِصْفَ التَّطْلِيقَةِ هَذَا مِنْ حَيْثُ التَّرْكِيبُ . وَأَمَّا مِنْ حَيْثُ الْإِيقَاعُ فَهُوَ أَنْ يَقُولَ أَنْتِ طَالِقٌ نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ أَوْ ثُلُثَهَا أَيْ أَوْ ثُلُثَ التَّطْلِيقَةِ بِأَنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثُلُثَ تَطْلِيقَةٍ وَيَجُوزُ فِيهَا الْوَجْهَانِ أَيْضًا الرَّفْعُ عَلَى الْعَطْفِ وَالنَّصْبُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا . وَقَوْلُهُ طَلْقَةٌ بِالرَّفْعِ لَيْسَ إلَّا ؛ لِأَنَّهُ إمَّا خَبَرٌ عَنْ قَوْلِهِ وَنِصْفُ التَّطْلِيقَةِ أَوْ خَبَرٌ عَنْ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ نِصْفُ تَطْلِيقَةٍ أَوْ ثُلُثُ تَطْلِيقَةٍ هُوَ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ . ا هـ ..

(قَوْلُهُ وَثَلَاثَةُ أَنْصَافِ تَطْلِيقَتَيْنِ) قَالَ الْعَيْنِيُّ بِالرَّفْعِ وَالنَّصْبِ أَيْضًا عَلَى مَا ذَكَرْنَا . وَقَوْلُهُ ثَلَاثٌ أَيْ : ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ بِالرَّفْعِ لَيْسَ إلَّا أَيْضًا كَمَا ذَكَرْنَا . ا هـ . (فَائِدَةٌ) الطَّلَاقُ عِنْدَ الْمُوَافَقَةِ لَا يَتَجَزَّأُ وَعِنْدَ الْمُخَالَفَةِ يَتَجَزَّأُ

(2/200)


نِصْفَ التَّطْلِيقَتَيْنِ تَطْلِيقَةٌ فَإِذَا جَمَعَ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَنْصَافِ تَطْلِيقَتَيْنِ يَقَعُ ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ ضَرُورَةً ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثَةَ أَنْصَافِ تَطْلِيقَةٍ قِيلَ يَقَعُ تَطْلِيقَتَانِ ؛ لِأَنَّهَا طَلْقَةٌ وَنِصْفٌ فَتَتَكَامَلُ وَقِيلَ يَقَعُ ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ ؛ لِأَنَّ كُلَّ نِصْفٍ يَتَكَامَلُ فِي نَفْسِهِ فَيَصِيرُ ثَلَاثًا ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ وَثُلُثَ تَطْلِيقَةٍ وَسُدُسَ تَطْلِيقَةٍ وَهِيَ مَدْخُولٌ بِهَا طَلُقَتْ ثَلَاثًا ؛ لِأَنَّهُ أَوْقَعَ مِنْ كُلِّ تَطْلِيقَةٍ جُزْءًا فَيَتَكَامَلُ كُلُّ جُزْءٍ ، وَهَذَا لِأَنَّهُ ذَكَرَ كُلَّ طَلْقَةٍ مُنَكَّرًا وَالْمُنَكَّرُ إذَا أُعِيدَ مُنَكَّرًا كَانَ الثَّانِي غَيْرَ الْأَوَّلِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ وَثُلُثَهَا وَسُدُسَهَا حَيْثُ تَطْلُقُ وَاحِدَةً ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ وَالثَّالِثَ مُعَرَّفٌ فَيَكُونُ عَيْنَ الْأَوَّلِ فَتَكُونُ الْأَجْزَاءُ مِنْ طَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ فَيُضَمُّ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ حَتَّى تَكْمُلَ ثُمَّ إذَا تَمَّتْ وَاحِدَةٌ وَفَضَلَ شَيْءٌ وَقَعَتْ ثَانِيَةٌ ثُمَّ لَا تَقَعُ ثَالِثَةٌ حَتَّى تَزِيدَ الْأَجْزَاءُ عَلَى الثَّانِيَةِ ، وَهَذَا هُوَ الْحَرْفُ وَيَتَبَيَّنُ ذَلِكَ فِيمَا إذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ طَلْقَةٍ أَوْ أَرْبَعَةَ أَرْبَاعِ حَيْثُ تَقَعُ وَاحِدَةٌ فِي الْمُعَرَّفِ وَثَلَاثَةٌ فِي الْمُنَكَّرِ لِمَا ذَكَرْنَا ، وَلَوْ قَالَ خَمْسَةُ أَرْبَاعٍ يَقَعُ ثِنْتَانِ فِي الْمُعَرَّفِ وَثَلَاثٌ فِي الْمُنَكَّرِ وَعَلَى هَذَا فِي كُلِّ جُزْءٍ سَمَّاهُ كَالْأَخْمَاسِ وَالْأَعْشَارِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمِنْ وَاحِدَةٍ أَوْ مَا بَيْنَ وَاحِدَةٍ إلَى ثِنْتَيْنِ وَاحِدَةٌ وَإِلَى ثَلَاثٍ ثِنْتَانِ) مَعْنَاهُ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثِنْتَيْنِ أَوْ بَيْنَ وَاحِدَةٍ إلَى ثِنْتَيْنِ تَطْلُقُ وَاحِدَةً ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ أَوْ بَيْنَ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ تَطْلُقُ ثِنْتَيْنِ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَدْخُلُ الْغَايَةُ الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ ، وَقَالَا تَدْخُلُ الْغَايَتَانِ حَتَّى يَقَعَ فِي الْأُولَى ثِنْتَانِ وَفِي الثَّانِيَةِ ثَلَاثٌ ، وَقَالَ زُفَرُ لَا تَدْخُلُ الْغَايَتَانِ حَتَّى لَا يَقَعَ فِي الْأُولَى شَيْءٌ وَفِي الثَّانِيَةِ تَقَعُ وَاحِدَةٌ وَهُوَ الْقِيَاسُ ؛ لِأَنَّ الْغَايَةَ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْمَضْرُوبِ لَهُ الْغَايَةُ كَمَا إذَا قَالَ بِعْتُك مِنْ هَذَا الْحَائِطِ إلَى هَذَا الْحَائِطِ ، وَجْهُ قَوْلِهِمَا وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ إنَّ مِثْلَ هَذَا الْكَلَامِ مَتَى ذُكِرَ فِي الْعُرْفِ يُرَادُ بِهِ الْكُلُّ يُقَالُ خُذْ مِنْ مَالِي مِنْ دِرْهَمٍ إلَى مِائَةٍ وَيُقَالُ كُلْ مِنْ مَالِي مِنْ الْمِلْحِ إلَى الْحُلْوِ وَيُرَادُ بِهِ الْإِذْنُ فِي الْكُلِّ وَيُقَالُ اشْتَرِ لِي عَبْدًا بِدَرَاهِمَ مِنْ مِائَةٍ إلَى أَلْفٍ يَكُونُ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ بِأَلْفٍ وَالْمُطْلَقُ مَحْمُولٌ عَلَى الْعُرْفِ ، وَلِأَنَّ الْغَايَةَ لَا بُدَّ مِنْ وُجُودِهَا وَهُوَ بِالْوُقُوعِ هُنَا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ مِثْلَ هَذَا الْكَلَامِ يُرَادُ بِهِ الْأَكْثَرُ مِنْ الْأَقَلِّ وَالْأَقَلُّ مِنْ الْأَكْثَرِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَصُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ لِزَوْجَتِهِ طَلِّقِي نَفْسَك نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ فَقَالَتْ طَلَّقْت نَفْسِي طَلْقَةً فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ شَيْءٌ لِمَا قُلْنَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَتْ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا طَلَّقْت نَفْسِي نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ حَيْثُ يَقَعُ وَاحِدَةٌ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَثَلَاثُ أَنْصَافِ تَطْلِيقَتَيْنِ ثَلَاثٌ) هَذِهِ مِنْ خَوَاصِّ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَإِنَّمَا أَوْرَدَهَا مُحَمَّدٌ إشْكَالًا يَتَرَاءَى وَهُوَ أَنَّ ثَلَاثَ أَنْصَافِ تَطْلِيقَتَيْنِ وَاحِدَةٌ وَنِصْفٌ ؛ لِأَنَّ كُلَّ طَلْقَةٍ إذَا نَصَّفْتهَا تَكُونُ نِصْفَيْنِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ الطَّلْقَتَانِ لَا الثَّلَاثُ كَمَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَنِصْفًا وَجَوَابُهُ أَنَّ النِّصْفَ الْوَاحِدَ مِنْ تَطْلِيقَتَيْنِ وَاحِدَةٌ فَإِذَا كَانَ نِصْفُ وَاحِدَةٍ طَلْقَةً وَاحِدَةً يَكُونُ ثَلَاثَةُ أَنْصَافٍ ثَلَاثَ طَلْقَاتٍ ضَرُورَةً . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ يَكُونُ ثَلَاثُ أَنْصَافٍ ثَلَاثَ طَلْقَاتٍ ضَرُورَةً قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَقَعَ الثَّالِثَةُ ؛ لِأَنَّ فِي إيقَاعِهَا شَكًّا ؛ لِأَنَّ ثَلَاثَةَ أَنْصَافِ تَطْلِيقَتَيْنِ يَحْتَمِلُ مَا ذَكَرْنَا وَيَحْتَمِلُ كَوْنَهُ طَلْقَةً وَنِصْفًا ؛ لِأَنَّ التَّطْلِيقَتَيْنِ إذَا نُصِّفَتَا صَارَتَا أَرْبَعَةَ أَنْصَافٍ فَثَلَاثَةٌ مِنْهَا طَلْقَةٌ وَنِصْفٌ فَتَكْمُلُ طَلْقَتَيْنِ ، وَهَذَا غَلَطٌ مِنْ اشْتِبَاهِ قَوْلِنَا نَصَّفْنَا تَطْلِيقَتَيْنِ وَنَصَّفْنَا كُلًّا مِنْ تَطْلِيقَتَيْنِ وَالثَّانِي هُوَ الْمُوجِبُ لِلْأَرْبَعَةِ الْأَنْصَافِ وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي ثَلَاثَةِ أَنْصَافِ تَطْلِيقَتَيْنِ فَيَثْبُتُ بِالنِّيَّةِ لَا فِي الْقَضَاءِ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ هُوَ أَنَّ نِصْفَ التَّطْلِيقَتَيْنِ تَطْلِيقَةٌ لَا نِصْفَا تَطْلِيقَتَيْنِ . ا هـ . (قَوْلُهُ قِيلَ يَقَعُ تَطْلِيقَتَانِ) ، وَهَذَا هُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ النَّافِعُ فِي الْأَجْنَاسِ وَالْعَتَّابِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْعَتَّابِيُّ هُوَ الصَّحِيحُ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ . (قَوْلُهُ وَبِتَبَيُّنِ ذَلِكَ فِيمَا إذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثَةَ أَرْبَاعٍ) أَيْ بِأَنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ رُبْعَ تَطْلِيقَةٍ وَرُبْعَ تَطْلِيقَةٍ وَرُبْعَ تَطْلِيقَةٍ يَقَعُ ثَلَاثٌ هَذَا فِي الْمُنَكَّرِ وَفِي الْمُعَرَّفِ كَمَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ رُبْعَ تَطْلِيقَةٍ وَرُبْعَهَا وَرُبْعَهَا يَقَعُ وَاحِدَةٌ ا هـ . (قَوْلُهُ ، وَلَوْ قَالَ خَمْسَةُ أَرْبَاعٍ) أَيْ لَوْ ذَكَرَ خَمْسَةَ أَرْبَاعٍ بِأَنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ رُبْعَ تَطْلِيقَةٍ وَرُبْعَهَا وَرُبْعَهَا وَرُبْعَهَا وَرُبْعَهَا يَقَعُ ثِنْتَانِ هَذَا فِي الْمُعَرَّفِ وَفِي الْمُنَكَّرِ ثَلَاثٌ وَصُورَتُهُ ظَاهِرَةٌ.

(قَوْلُهُ ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ إلَخْ) ، وَكَذَا الْخِلَافُ أَيْضًا لَوْ قَالَ مِنْ ثَلَاثٍ إلَى وَاحِدَةٍ أَوْ مَا بَيْنَ ثَلَاثٍ إلَى وَاحِدَةٍ ؛ لِأَنَّ الْغَايَةَ الْأُولَى أَقَلُّهُمَا مِقْدَارًا لَا الَّتِي بَدَأَ بِهَا أَوَّلًا . ا هـ . قُنْيَةٌ (قَوْلُهُ ، وَقَالَ زُفَرُ إلَخْ) وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا قَالَ لَك مِنْ دِرْهَمٍ إلَى عَشَرَةٍ فَعِنْدَهُ يَلْزَمُهُ تِسْعَةٌ وَعِنْدَهُمَا عَشَرَةٌ وَعِنْدَ زُفَرَ ثَمَانِيَةٌ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ . (قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ الْغَايَةَ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْمَضْرُوبِ لَهُ الْغَايَةُ) أَيْ وَإِلَّا فَلَا تَكُونُ الْغَايَةُ غَايَةً . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَجْهُ قَوْلِهِمَا وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ إلَخْ) مُقْتَضَى قَوْلِهِ وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ أَنْ يَكُونَ الْمُفْتَى بِهِ ا هـ
قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَجْهُ قَوْلِهِمَا وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ أَنَّ الشَّيْءَ مَتَى جُعِلَ غَايَةً وَحَدًّا لَا بُدَّ مِنْ وُجُودِهِ لِيَصِحَّ كَوْنُهُ غَايَةً وَوُجُودُ الطَّلَاقِ بِوُقُوعِهِ وَالطَّلَاقُ بَعْدَ الْوُقُوعِ لَا يَحْتَمِلُ الرَّفْعَ فَيَقَعُ الْكُلُّ ضَرُورَةَ أَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الرَّفْعَ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ مِثْلَ هَذَا الْكَلَامِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ ؛ لِأَنَّ الْأَكْثَرَ مِنْ الْأَقَلِّ لَا يُرَادُ فِي قَوْلِهِ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثِنْتَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَكَذَا فِي قَوْلِهِ مَا بَيْنَ وَاحِدَةٍ إلَى ثِنْتَيْنِ . ا هـ . وَقَالَ الرَّازِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمِنْ خَطِّهِ نُقِلَتْ فَإِذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ أَوْ مَا بَيْنَ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ الْوَاحِدَةِ وَالْأَقَلَّ مِنْ الثَّلَاثِ وَذَلِكَ ثِنْتَانِ وَفِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثِنْتَيْنِ أَوْ مَا بَيْنَ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ الْوَاحِدَةِ وَالْأَقَلَّ مِنْ الثَّلَاثِ وَذَلِكَ ثِنْتَانِ وَفِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثِنْتَيْنِ أَوْ مَا بَيْنَ وَاحِدَةٍ إلَى ثِنْتَيْنِ الْأَقَلُّ مِنْ الْأَكْثَرِ مَوْجُودًا وَالْأَكْثَرُ مِنْ الْأَقَلِّ لَيْسَ بِمَوْجُودٍ فَيَقَعُ الْأَقَلُّ مِنْ الْأَكْثَرِ لِإِمْكَانِهِ وَلَا يَقَعُ الْأَكْثَرُ

(2/201)


عُرْفًا يُقَالُ سِنُّ فُلَانٍ مِنْ سَنَتَيْنِ إلَى سَبْعِينَ أَوْ مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إلَى السَّبْعِينَ وَيُرَادُ بِهِ أَكْثَرُ مِنْ سِتِّينَ وَأَقَلُّ مِنْ سَبْعِينَ
وَقَدْ حَاجَّ الْأَصْمَعِيُّ زُفَرَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عِنْدَ بَابِ هَارُونَ الرَّشِيدِ فَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ مَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مَا بَيْنَ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ قَالَ تَطْلُقُ وَاحِدَةً ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ مَا بَيْنَ لَا تَتَنَاوَلُ الْحَدَّيْنِ ، وَكَذَلِكَ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ ؛ لِأَنَّ الْغَايَةَ لَا تَدْخُلُ فَقَالَ لَهُ مَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ قِيلَ لَهُ كَمْ سِنُّك فَقَالَ مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إلَى سَبْعِينَ أَيَكُونُ ابْنَ تِسْعِ سِنِينَ فَتَحَيَّرَ فَقَالَ أَسْتَحْسِنُ فِي مِثْلِ هَذَا وَإِرَادَةُ الْكُلِّ فِيمَا طَرِيقُهُ الْإِبَاحَةُ كَمَا ذَكَرَ وَالْقِيَاسُ مَا قَالَهُ زُفَرُ إلَّا أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الْغَايَةُ الْأُولَى مَوْجُودَةً لِيَتَرَتَّبَ عَلَيْهَا الثَّانِيَةُ لِتَعَذُّرِ الثَّانِيَةِ بِدُونِ الْأُولَى وَوُجُودِهَا بِوُقُوعِهَا فَتَثْبُتُ ضَرُورَةً بِخِلَافِ الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّ الْغَايَةَ فِيهِ مَوْجُودَةٌ قَبْلَ الْبَيْعِ فَلَا حَاجَةَ إلَى إدْخَالِهَا وَلَا يُقَالُ إنَّهُ لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ تَطْلِيقَةً ثَانِيَةً لَا يَقَعُ إلَّا وَاحِدَةٌ وَمُقْتَضَى مَا ذَكَرْتُمْ مِنْ تَعَذُّرِ الثَّانِيَةِ بِدُونِ الْأُولَى أَنْ تَقَعَ ثِنْتَانِ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّ قَوْلَهُ ثَانِيَةً وَقَعَ لَغْوًا فَلَا يُعْتَبَرُ . وَقَوْلُهُ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ كَلَامٌ صَحِيحٌ مُعْتَبَرٌ بِإِيقَاعِ الثَّانِيَةِ فَأَوْقَعْنَا الْأُولَى ضَرُورَةً ، وَلَوْ نَوَى وَاحِدَةً فِي قَوْلِهِ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ أَوْ مَا بَيْنَ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ يُدَيَّنُ دِيَانَةً لَا قَضَاءً ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُهُ وَهُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَفِيهِ تَخْفِيفٌ عَلَى نَفْسِهِ ، وَلَوْ قَالَ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى عَشْرٍ يَقَعُ ثِنْتَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقِيلَ ثَلَاثٌ ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ مُعْتَبَرٌ فِي الطَّلَاقِ حَتَّى لَوْ قَالَتْ طَلِّقْنِي سِتًّا بِأَلْفٍ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا يَقَعُ الثَّلَاثُ بِخَمْسِمِائَةٍ ، وَلَوْ قَالَ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى وَاحِدَةٍ قِيلَ عَلَى الْخِلَافِ وَقِيلَ يَقَعُ وَاحِدَةٌ بِالِاتِّفَاقِ لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ الْوَاحِدُ حَدًّا أَوْ مَحْدُودًا فَيَلْغُو وَيَبْقَى قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ ، وَلَوْ قَالَ مَا بَيْنَ وَاحِدَةٍ وَثَلَاثٍ يَقَعُ وَاحِدَةٌ يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ غَايَةً

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَوَاحِدَةٌ فِي ثِنْتَيْنِ وَاحِدَةٌ إنْ لَمْ يَنْوِ أَوْ نَوَى الضَّرْبَ وَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً وَثِنْتَيْنِ فَثَلَاثٌ) يَعْنِي إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً فِي ثِنْتَيْنِ تَقَعُ وَاحِدَةٌ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ أَوْ نَوَى الضَّرْبَ وَالْحِسَابَ وَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً وَثِنْتَيْنِ يَقَعُ ثَلَاثٌ أَمَّا إذَا نَوَى الضَّرْبَ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَلِأَنَّ عَمَلَ الضَّرْبِ أَثَرُهُ فِي تَكْثِيرِ الْأَجْزَاءِ بِعَدَدِ الْمَضْرُوبِ فِيهِ لَا فِي زِيَادَةِ الْمَضْرُوبِ إذْ لَوْ أَفَادَهَا مَا وُجِدَ فِي الدُّنْيَا فَقِيرٌ ، وَتَكْثِيرُ أَجْزَاءِ الطَّلْقَةِ الْوَاحِدَةِ لَا يُوجِبُ تَعَدُّدَهَا مَا لَمْ تَزِدْ الْأَجْزَاءُ عَلَى الْوَاحِدَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ، وَلِأَنَّ قَوْلَهُ فِي ثِنْتَيْنِ ظَرْفٌ حَقِيقَةً وَهُوَ لَا يَصْلُحُ لَهُ فَيَقَعُ الْمَظْرُوفُ لَا مَا جَعَلَهُ ظَرْفًا وَعِنْدَ زُفَرَ يَقَعُ ثِنْتَانِ لِعُرْفِ الْحِسَابِ وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَقَدْ بَيَّنَّا الْمَعْنَى . وَأَمَّا إذَا نَوَى وَاحِدَةً وَثِنْتَيْنِ فَلِأَنَّ بَيْنَ الْحَرْفَيْنِ مُنَاسَبَةً لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي إفَادَةِ مَعْنَى الْجَمْعِ فَإِنَّ الظَّرْفَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مِنْ الْأَقَلِّ لِعَدَمِ إمْكَانِهِ . ا هـ .
(قَوْلُهُ وَيُرَادُ بِهِ أَكْثَرُ مِنْ سِتِّينَ) أَيْ الَّتِي هِيَ الْأَقَلُّ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَأَقَلُّ مِنْ سَبْعِينَ) أَيْ الَّتِي هِيَ الْأَكْثَرُ ا هـ . (قَوْلُهُ وَقَدْ حَاجَّ الْأَصْمَعِيُّ زُفَرَ) الَّذِي فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ لِلشُّمُنِّيِّ رُوِيَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ لِزُفَرَ كَمْ سِنُّك قَالَ مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إلَى السَّبْعِينَ إلَخْ ا هـ فَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ مَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ مَا بَيْنَ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ قَالَ تَطْلُقُ وَاحِدَةً ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ مَا بَيْنَ لَا تَتَنَاوَلُ الْحَدَّيْنِ ، وَكَذَلِكَ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثَةٍ ؛ لِأَنَّ الْغَايَةَ لَا تَدْخُلُ فَقَالَ لَهُ الْأَصْمَعِيُّ مَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ إلَخْ . ا هـ . (قَوْلُهُ كَمَا ذَكَرَ) أَيْ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ . ا هـ . كَاكِيٌّ .
(قَوْلُهُ وَالْقِيَاسُ مَا قَالَهُ زُفَرُ) إنَّ الْغَايَةَ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْمُغَيَّا ا هـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْحَدَّ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْمَحْدُودِ وَهُوَ الْقِيَاسُ عَلَى مَا قَالَ زُفَرُ إلَّا أَنَّ فِي إدْخَالِ الْغَايَةِ الْأُولَى ضَرُورَةً وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ أَوْقَعَ الثَّانِيَةَ وَلَا بُدَّ لِلثَّانِيَةِ مِنْ الْأُولَى لِتَرَتُّبِ الثَّانِيَةِ عَلَيْهَا فَتَقَعُ الْأُولَى لِأَجْلِ هَذِهِ الضَّرُورَةِ وَلَا ضَرُورَةَ فِي الْغَايَةِ الثَّانِيَةِ فَبَقِيَتْ عَلَى الْقِيَاسِ فَلَمْ تَدْخُلْ تَحْتَ الْمُغَيَّا ، وَلِأَنَّ الْغَايَةَ الَّتِي يَنْتَهِي إلَيْهَا الْكَلَامُ قَدْ تَدْخُلُ كَالْمَرَافِقِ وَالْكِعَابِ فِي الْوُضُوءِ وَقَدْ لَا تَدْخُلُ كَاللَّيْلِ فِي الصَّوْمِ وَالطَّلَاقُ لَا يَقَعُ بِالشَّكِّ فَلَا يَدْخُلُ الْمُنْتَهَى إلَيْهَا . ا هـ .
(قَوْلُهُ يَقَعُ ثِنْتَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) هَكَذَا هُوَ فِي غَايَةِ السُّرُوجِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهَكَذَا وَقَفْت عَلَيْهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِخَطِّ الْعَلَّامَةِ ابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ مَقْرُوءًا عَلَى مُؤَلَّفِهِ خَاتِمَةُ الْمُحَقِّقِينَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ، وَقَالَ فِي الْقُنْيَةِ بَعْدَ أَنْ رَقَّمَ لِبُرْهَانِ الدِّينِ صَاحِبِ الْمُحِيطِ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى عَشْرٍ يَقَعُ ثِنْتَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا إذَا قَالَ إلَى ثَلَاثٍ ثُمَّ رَقَّمَ إلَى قَاضِي بَدِيعٍ ، وَقَالَ يَقَعُ الثَّلَاثُ بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ فِي الطَّلَاقِ مُعْتَبَرٌ حَتَّى لَوْ قَالَتْ طَلِّقْنِي سِتًّا بِأَلْفٍ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا يَقَعُ الثَّلَاثُ بِخَمْسِمِائَةٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ، وَهَذَا أَحْسَنُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى . ا هـ . (قَوْلُهُ ، وَلَوْ قَالَ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى وَاحِدَةٍ قِيلَ عَلَى الْخِلَافِ) أَيْ فَلَا يَقَعُ شَيْءٌ عِنْدَ زُفَرَ وَيَقَعُ عِنْدَهُمَا ثِنْتَانِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَاحِدَةٌ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافُ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى أُخْرَى ا هـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ .
(قَوْلُهُ وَقِيلَ يَقَعُ وَاحِدَةٌ بِالِاتِّفَاقِ) قَالَ فِي الْحَقَائِقِ . وَقَوْلُهُ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى وَاحِدَةٍ قِيلَ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافُ قَالَ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ الْأَصَحُّ أَنَّهُ يَقَعُ وَاحِدَةً عِنْدَهُمْ ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يَكُونُ غَايَةَ نَفْسِهِ فَيَلْغُو قَوْلُهُ إلَى وَاحِدَةٍ . ا هـ . (قَوْلُهُ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ الْوَاحِدُ حَدًّا) وَفِيهِ إشْكَالٌ ؛ لِأَنَّ النَّكِرَتَيْنِ لَيْسَا بِشَيْءٍ وَاحِدٍ ا هـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ وَأَخَذَهُ مِنْ غَايَةِ السُّرُوجِيِّ.

. ا هـ . (قَوْلُهُ وَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً وَثِنْتَيْنِ فَثَلَاثٌ) أَيْ فَالْوَاقِعُ ثَلَاثٌ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً وَثِنْتَيْنِ يَقَعُ ثَلَاثٌ) أَيْ بِالِاتِّفَاقِ . (قَوْلُهُ بِعَدَدِ الْمَضْرُوبِ) فَمَعْنَى قَوْلِنَا وَاحِدَةً فِي ثِنْتَيْنِ وَاحِدَةٌ ذُو جُزْأَيْنِ ، وَكَذَا مَعْنَى قَوْلِنَا وَاحِدَةً فِي ثَلَاثٍ وَاحِدَةٌ ذُو أَجْزَاءٍ ثَلَاثَةٍ وَالطَّلْقَةُ الْوَاحِدَةُ وَإِنْ كَثُرَتْ أَجْزَاؤُهَا لَا تَصِيرُ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ كَمَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ وَثُلُثَهَا وَسُدُسَهَا لَمْ يَقَعْ إلَّا وَاحِدَةً . ا هـ . (قَوْلُهُ إذْ لَوْ أَفَادَهَا مَا وُجِدَ فِي الدُّنْيَا فَقِيرٌ) أَيْ ؛ لِأَنَّهُ يَضْرِبُ مَا مَلَكَهُ مِنْ دِرْهَمٍ فِي مِائَةٍ فَيَصِيرُ مِائَةً وَيَضْرِبُ الْمِائَةَ فِي أَلْفٍ فَيَصِيرُ مِائَةَ أَلْفٍ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَعِنْدَ زُفَرَ) أَيْ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَالشَّافِعِيِّ

(2/202)


يُقَارِنُ الْمَظْرُوفَ وَيَتَّصِلُ بِهِ وَالْعَطْفُ يَتَّصِلُ بِالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ وَفِيهِ تَشْدِيدٌ عَلَى نَفْسِهِ فَتَقَعُ الثَّلَاثُ إنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا وَإِلَّا فَوَاحِدَةٌ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَثِنْتَيْنِ ، وَلَوْ نَوَى وَاحِدَةً مَعَ ثِنْتَيْنِ يَقَعُ الثَّلَاثُ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ فِي تَأْتِي بِمَعْنَى مَعَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي} [الفجر : 29] {وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر : 30] وَلَوْ نَوَى الظَّرْفَ يَقَعُ وَاحِدَةٌ ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ ظَرْفًا لِلطَّلَاقِ فَيُلْغَى الثَّانِي

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَثِنْتَيْنِ فِي ثِنْتَيْنِ ثِنْتَانِ وَإِنْ نَوَى الضَّرْبَ) أَيْ وَإِنْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ فِي ثِنْتَيْنِ يَقَعُ ثِنْتَانِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ أَوْ نَوَى الضَّرْبَ لِمَا ذَكَرْنَا وَالِاعْتِبَارُ لِلْمَذْكُورِ أَوَّلًا ، وَلَوْ نَوَى ثِنْتَيْنِ مَعَ ثِنْتَيْنِ أَوْ ثِنْتَيْنِ وَثِنْتَيْنِ وَهِيَ مَدْخُولٌ بِهَا فَهِيَ ثَلَاثٌ لِمَا بَيَّنَّا ، وَلَوْ نَوَى الضَّرْبَ أَوْ الظَّرْفَ يَقَعُ ثِنْتَانِ لِمَا قَدَّمْنَا وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ عَلَى مَا مَرَّ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمِنْ هَاهُنَا إلَى الشَّأْمِ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ) أَيْ إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ هَاهُنَا إلَى الشَّأْمِ تَقَعُ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ ، وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هِيَ بَائِنَةٌ ؛ لِأَنَّهُ وَصَفَ الطَّلَاقَ بِالطُّولِ وَلَا يُقَالُ إنَّهُ لَوْ صَرَّحَ بِالطُّولِ لَا تَكُونُ بَائِنًا عِنْدَهُ فَكَيْفَ يُمْكِنُ إيقَاعُ الْبَائِنِ عِنْدَهُ بِهَذَا الْقَوْلِ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْكِنَايَةُ أَقْوَى مِنْ الصَّرِيحِ فَجَازَ أَنْ يَخْتَلِفَ ، أَلَا تَرَى أَنَّ قَوْلَهُمْ فَلِأَنَّ كَثِيرَ الرَّمَادِ أَبْلَغُ فِي الْوَصْفِ بِالْكَرَمِ مِنْ قَوْلِهِمْ جَوَادٌ ، وَلِأَنَّ قَوْلَهُ إلَى الشَّأْمِ يُفِيدُ الطُّولَ وَالْعَرْضَ فَجَازَ أَنْ يَقَعَ بِهِ الْبَيْنُونَةُ عِنْدَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا وَصَفَهُ بِالطُّولِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسْتَعْظَمُ عَادَةً ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ لَهُ رِوَايَتَانِ وَفِي الْغَايَةِ يَحْتَمِلُ أَنْ يُسْتَفَادَ مِنْ قَوْلِهِ مِنْ هَاهُنَا إلَى الشَّأْمِ الْمُبَالَغَةُ فِي الطُّولِ أَيْ بِالطُّولِ الْكَثِيرِ فَحَذَفَ الصِّفَةَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا} [الكهف : 79] أَيْ كُلَّ سَفِينَةٍ صَحِيحَةٍ أَوْ صَالِحَةٍ أَوْ سَلِيمَةٍ وَلَنَا أَنَّهُ وَصَفَهُ بِالْقَصْرِ ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ مَتَى وَقَعَ وَقَعَ فِي الْأَمَاكِنِ كُلِّهَا وَنَفْسُهُ لَا يَحْتَمِلُ الْقَصْرَ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِجِسْمٍ وَقَصْرُ حُكْمِهِ بِكَوْنِهِ رَجْعِيًّا ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ قَوْلَهُ إلَى الشَّأْمِ لِلْمَرْأَةِ دُونَ الطَّلَاقِ حَتَّى لَوْ قَالَ تَطْلِيقَةً إلَى الشَّأْمِ يَكُونُ بَائِنًا

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِمَكَّةَ أَوْ فِي مَكَّةَ أَوْ فِي الدَّارِ تَنْجِيزٌ) أَيْ إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ بِمَكَّةَ أَوْ فِي مَكَّهْ أَوْ فِي الدَّارِ يَقَعُ لِلْحَالِ ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا اخْتِصَاصَ لَهُ بِالْمَكَانِ ؛ لِأَنَّهُ وَصْفٌ حُكْمِيٌّ فَيُعْتَبَرُ بِالْحَقِيقِيِّ ، وَلَوْ عَنَى بِهِ إذَا دَخَلْت مَكَّةَ صُدِّقَ دِيَانَةً لَا قَضَاءً ؛ لِأَنَّ الْإِضْمَارَ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَلَا يُصَدِّقُهُ الْقَاضِي ، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فِي ثَوْبِ كَذَا يَقَعُ فِي الْحَالِ وَلَوْ نَوَى إذَا لَبِسْت يُصَدَّقُ دِيَانَةً لَا قَضَاءً لِمَا ذَكَرْنَا وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فِي الشَّمْسِ أَوْ فِي الظِّلِّ يَقَعُ فِي الْحَالِ بِخِلَافِ الْإِضَافَةِ إلَى الزَّمَانِ الْمُسْتَقْبَلِ حَيْثُ لَا يَقَعُ فِي الْحَالِ ؛ لِأَنَّهُ كَالتَّعْلِيقِ بِالْفِعْلِ لِمُنَاسَبَةٍ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ التَّجَدُّدُ وَالْحُدُوثُ وَفِيمَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إلَى الشِّتَاءِ أَوْ إلَى رَأْسِ الشَّهْرِ وَنَحْوِهِ خِلَافُ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَيْثُ يُوقِعُ فِيهَا فِي الْحَالِ ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَحْتَمِلُ التَّأْجِيلَ ؛ لِأَنَّهُ إذَا وَقَعَ فِي وَقْتٍ يَقَعُ فِي الدَّهْرِ كُلِّهِ وَلَنَا أَنَّ الْوَاقِعَ يَحْتَمِلُ التَّأْجِيلَ فَإِذَا جَعَلْنَا إذَا دَاخِلَةً عَلَى الْإِيقَاعِ كَانَ عَمَلُهَا فِي تَأْخِيرِ الْوُقُوعِ وَلَمْ يَكُنْ لَغْوًا فَكَأَنَّهُ قَالَ بَعْدَ شَهْرٍ وَاسْتِعْمَالُ كَلِمَةٍ مَكَانَ كَلِمَةٍ شَائِعٌ عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِذَا دَخَلْت مَكَّةَ تَعْلِيقٌ) أَيْ إذَا قَالَ لَهَا إذَا دَخَلْت مَكَّةَ فَأَنْتِ طَالِقٌ يَكُونُ تَعْلِيقًا بِدُخُولِ مَكَّةَ لِوُجُودِ حَقِيقَةِ التَّعْلِيقِ ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فِي دُخُولِك الدَّارَ أَوْ فِي لُبْسِك ثَوْبَ كَذَا يَتَعَلَّقُ بِالْفِعْلِ فَلَا تَطْلُقُ حَتَّى تَفْعَلَ ؛ لِأَنَّ حَرْفَ فِي لِلظَّرْفِ وَالْفِعْلُ لَا يَصْلُحُ ظَرْفًا عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ شَاغِلٌ لَهُ فَيُحْمَلُ عَلَى مَعْنَى الشَّرْطِ لِمُنَاسَبَةٍ بَيْنَ الشَّرْطِ وَالظَّرْفِ وَهُوَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلْجَمْعِ فَإِنَّ الْمَظْرُوفَ يُجَامِعُ الظَّرْفَ وَلَا يُوجَدُ بِدُونِهِ ، وَكَذَا الْمَشْرُوطُ يُجَامِعُ الشَّرْطَ وَلَا يُوجَدُ بِدُونِهِ وَالشَّرْطُ يَكُونُ سَابِقًا عَلَى الْمَشْرُوطِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فِي قَوْلٍ ا هـ ع . (قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ فِي تَأَتَّى بِمَعْنَى مَعَ إلَخْ) يُقَالُ دَخَلَ الْأَمِيرُ الْبَلَدَ فِي جُنْدِهِ أَيْ مَعَ جُنْدِهِ . (قَوْلُهُ وَلَوْ نَوَى الظَّرْفَ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ، وَلَوْ نَوَى الظَّرْفَ يَقَعُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَاحِدَةٌ وَفِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ ثِنْتَانِ بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَصْلُحُ ظَرْفًا لِلطَّلَاقِ ؛ لِأَنَّهُ عَرْضٌ فَصَارَ ذِكْرُ الثَّانِي لَغْوًا ا هـ وَأَرَادَ بِالصُّورَةِ الْأُولَى وَاحِدَةً فِي ثِنْتَيْنِ وَبِالصُّورَةِ الثَّانِيَةِ ثِنْتَيْنِ فِي ثِنْتَيْنِ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَهِيَ مَدْخُولٌ بِهَا) قَيْدٌ فِي الْمِثَالِ الثَّانِي وَهُوَ قَوْلُهُ أَوْ ثِنْتَيْنِ وَثِنْتَيْنِ لَا فِي الْمِثَالِ الْأَوَّلِ وَهُوَ قَوْلُهُ ، وَلَوْ نَوَى ثِنْتَيْنِ مَعَ ثِنْتَيْنِ إذْ لَا فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ الْمَدْخُولِ بِهَا وَغَيْرِهَا كَمَا تَقَدَّمَ فِي آخِرِ الْمَقَالَةِ الَّتِي قَبْلَهَا فِي قَوْلِهِ ، وَلَوْ نَوَى وَاحِدَةً مَعَ ثِنْتَيْنِ إلَخْ . ا هـ ..

(قَوْلُهُ وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ) أَيْ يَقَعُ ثَلَاثٌ عِنْدَهُ . ا هـ ..

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمِنْ هَاهُنَا إلَى الشَّأْمِ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ) أَيْ ، وَلَوْ نَوَى الْإِبَانَةَ ؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ لَمْ يُوصَفْ بِالزِّيَادَةِ أَوْ الشِّدَّةِ . ا هـ ..

(قَوْلُهُ وَبِمَكَّةَ أَوْ فِي مَكَّةَ إلَخْ) بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ فِي دُخُولِ الدَّارِ عَلَى مَا سَيَأْتِي . (قَوْلُهُ فَيُعْتَبَرُ بِالْحَقِيقِيِّ) أَيْ الْحَقِيقِيُّ لَا يَخْتَصُّ بِالْمَكَانِ فَكَذَا الْحُكْمِيُّ ا هـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ . (قَوْلُهُ وَفِيمَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إلَى الشِّتَاءِ أَوْ إلَى رَأْسِ الشَّهْرِ وَنَحْوِهِ خِلَافُ زُفَرَ) قَالَ السُّرُوجِيُّ ، وَقَالَ زُفَرُ تَطْلُقُ فِي الْحَالِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ ا هـ قَالَ الشُّمُنِّيُّ ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إلَى الشِّتَاءِ أَوْ إلَى رَأْسِ الشَّهْرِ يَقَعُ فِي الْحَالِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَفِي انْتِهَاءِ الشِّتَاءِ أَوْ الشَّهْرِ عِنْدَهُمَا وَإِنْ نَوَى التَّنْجِيزَ يَقَعُ فِي الْحَالِ اتِّفَاقًا . (قَوْلُهُ فَإِذَا جَعَلْنَا إذَا) هَكَذَا هُوَ فِي خَطِّ الشَّارِحِ وَصَوَابُهُ أَنْ يُقَالَ إلَى بَدَلِ إذَا إذْ لَا ذِكْرَ لِإِذَا فِي كَلَامِ الشَّارِحِ وَاَلَّذِي أَوْقَعَ الشَّارِحُ فِي التَّعْبِيرِ بِإِذَا مَا قَالَهُ السُّرُوجِيُّ فِي شَرْحِهِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ بَعْدَ قَوْلِهِ أَوْ إلَى الشِّتَاءِ أَوْ إلَى الصَّيْفِ قَوْلَهُ إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ أَوْ رَأْسُ السَّنَةِ وَإِذَا جَاءَ رَمَضَانُ أَوْ إذَا طَهُرْت مِنْ حَيْضَتِك يَقَعُ فِي الْحَالِ عِنْدَ زُفَرَ ثُمَّ قَالَ وَلَنَا أَنَّ الْوَاقِعَ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ا هـ فَتَنَبَّهْ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ . ا هـ ..

(قَوْلُهُ فِي دُخُولِك الدَّارَ إلَخْ) وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فِي مَرَضِك أَوْ وَجَعِك أَوْ صَلَاتِك لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَمْرَضَ أَوْ تُصَلِّيَ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ . (قَوْلُهُ وَلَا يُوجَدُ بِدُونِهِ) أَوْ تُحْمَلُ فِي عَلَى مَعْنَى مَعَ كَمَا فِي قَوْلِهِ فَادْخُلِي فِي عِبَادِي . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ.

(2/203)


وَكَذَا الظَّرْفُ يَكُونُ سَابِقًا عَلَى الْمَظْرُوفِ فَتَقَارَبَا فَجَازَتْ الِاسْتِعَارَةُ

(فَصْلٌ فِي إضَافَةِ الطَّلَاقِ إلَى الزَّمَانِ)
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا أَوْ فِي غَدٍ تَطْلُقُ عِنْدَ الصُّبْحِ) ، وَقَالَ مَالِكٌ يَقَعُ لِلْحَالِ ؛ لِأَنَّهُ إضَافَةٌ إلَى وَقْتٍ كَائِنٍ لَا مَحَالَةَ فَيَقَعُ فِي الْحَالِ ، وَهَذَا بَاطِلٌ بِالتَّدْبِيرِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَنِيَّةُ الْعَصْرِ تَصِحُّ فِي الثَّانِي) يَعْنِي نِيَّةُ آخِرِ النَّهَارِ تَصِحُّ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ فِي غَدٍ وَلَا تَصِحُّ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا وَمُرَادُهُ فِي الْقَضَاءِ . وَأَمَّا دِيَانَةً فَيُصَدَّقُ فِيهِمَا ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ، وَقَالَا لَا يُصَدَّقُ فِيهِمَا قَضَاءً وَيُصَدَّقُ فِيهِمَا دِيَانَةً ؛ لِأَنَّهُ وَصَفَهَا بِالطَّلَاقِ فِي جَمِيعِ الْغَدِ فَيَقَعُ فِي أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْهُ ضَرُورَةً فَإِذَا نَوَى الْبَعْضَ فَقَدْ نَوَى التَّخْصِيصَ فِي الْعُمُومِ وَفِيهِ تَخْفِيفٌ عَلَيْهِ فَلَا يُصَدَّقُ كَمَا فِي الْفَصْلِ الثَّانِي وَكَمَا إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ طَعَامًا فَنَوَى طَعَامًا دُونَ طَعَامٍ ، وَهَذَا لِأَنَّ حَذْفَ حَرْفِ فِي وَعَدَمَ حَذْفِهِ بِمَنْزِلَةٍ ، وَلِهَذَا يَقَعُ فِيهِمَا فِي أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْهُ عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِهِ صُمْت يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَبَيْنَ قَوْلِهِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ ؛ لِأَنَّهُ ظَرْفٌ فِي الْحَالَيْنِ وَلَهُ وَهُوَ الْفَرْقُ أَنَّ كَلِمَةَ فِي لِلظَّرْفِ وَالظَّرْفُ لَا يَقْتَضِي الِاسْتِيعَابَ بَلْ إذَا شَغَلَ جُزْءًا مِنْهُ يَكْفِي كَمَا يُقَالُ قَعَدْتُ فِي الْمَسْجِدِ وَنَحْوِهِ فَإِذَا نَوَى الْبَعْضَ فَقَدْ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ فَيُصَدَّقُ قَضَاءً وَإِنْ كَانَ فِيهِ تَخْفِيفٌ بِخِلَافِ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا فَإِنَّهُ وَصَفَهَا بِالطَّلَاقِ فِي جَمِيعِ الْغَدِ وَهُوَ الْحَقِيقَةُ فَإِذَا نَوَى الْبَعْضَ فَقَدْ نَوَى التَّخْصِيصَ فِي الْعَامِّ وَهُوَ مَجَازٌ فَلَا يُصَدَّقُ إذَا كَانَ فِيهِ تَخْفِيفٌ وَنَظِيرُهُ مَا إذَا قَالَ لَأَصُومَنَّ عُمْرِي أَوْ فِي عُمْرِي أَوْ الدَّهْرَ أَوْ فِي الدَّهْرِ وَسِرْتُ فَرْسَخًا أَوْ فِي فَرْسَخٍ وَانْتَظَرْته يَوْمًا أَوْ فِي يَوْمٍ بِخِلَافِ مَا اسْتَشْهَدَ بِهِ ؛ لِأَنَّ الْيَوْمَ لَا يَتَجَزَّأُ فِي حَقِّ الصَّوْمِ فَاسْتَوَى فِيهِ الْحَذْفُ وَعَدَمُهُ وَقَدْ يَخْتَلِفُ الشَّيْءُ بَيْنَ تَقْدِيرِهِ وَالتَّصْرِيحِ بِهِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا حَلَفَ لَا تَخْرُجُ امْرَأَتُهُ إلَّا بِإِذْنِهِ يَحْتَاجُ إلَى الْإِذْنِ فِي كُلِّ خَرْجَةٍ وَلَوْ قَالَ إلَّا أَنْ آذَنَ لَك يُكْتَفَى بِإِذْنٍ وَاحِدٍ وَإِنْ كَانَتْ الْبَاءُ فِيهِ مُقَدَّرَةً وَلَا يُقَالُ هُوَ ظَرْفٌ فِي الْحَالَيْنِ ؛ لِأَنَّا نَمْنَعُ ظَرْفِيَّتَهُ مَعَ ظُهُورِ فِي

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي الْيَوْمِ غَدًا أَوْ غَدًا الْيَوْمَ يُعْتَبَرُ الْأَوَّلُ) يَعْنِي إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ غَدًا أَوْ غَدًا الْيَوْمَ يُعْتَبَرُ الْوَقْتُ الْمَذْكُورُ أَوَّلًا حَتَّى يَقَعَ فِي الْأَوَّلِ فِي الْيَوْمِ وَفِي الثَّانِي غَدًا ؛ لِأَنَّهُ حِينَ ذَكَرَهُ ثَبَتَ حُكْمُهُ تَنْجِيزًا أَوْ تَعْلِيقًا فَلَا يَحْتَمِلُ التَّغْيِيرَ بِذِكْرِ الثَّانِي ؛ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(فَصْلٌ فِي إضَافَةِ الطَّلَاقِ إلَى الزَّمَانِ)
الْفَرْقُ بَيْنَ الْإِضَافَةِ وَالتَّعْلِيقِ نُقِلَ عَنْ الْقَاضِي الْإِمَامِ ظَهِيرِ الدِّينِ أَنَّ مَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ لَيْلَةَ الْعِيدِ أَنْتَ حُرٌّ غَدًا يَعْتِقُ مُقَارَنًا لِلْغَدِ حَتَّى لَا يَجِبَ عَلَيْهِ صَدَقَةُ الْفِطْرِ . وَأَمَّا إذَا قَالَ إذَا جَاءَ غَدٌ فَأَنْتَ حُرٌّ يَثْبُتُ الْعِتْقُ بَعْدَ تَحَقُّقِ مَجِيءِ أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْغَدِ لِكَوْنِ مَجِيءِ الْغَدِ شَرْطًا لِثُبُوتِ الْعِتْقِ حَتَّى تَجِبَ صَدَقَةُ الْفِطْرِ ؛ لِأَنَّ الْغَدَ جَاءَ وَهُوَ عَبْدُهُ ، وَقَالَ الْأَكْمَلُ إضَافَةُ الطَّلَاقِ تَأْخِيرُ حُكْمِهِ عَنْ وَقْتِ التَّكَلُّمِ إلَى زَمَانٍ يُذْكَرُ بَعْدَهُ بِغَيْرِ كَلِمَةِ شَرْطٍ . ا هـ . (قَوْلُهُ ، وَهَذَا بَاطِلٌ بِالتَّدْبِيرِ) أَيْ فَإِنَّ مَوْتَ الْمَوْلَى كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ مَعَ أَنَّ الْعِتْقَ لَا يَتَنَجَّزُ ا هـ (قَوْلُهُ فَقَدْ نَوَى التَّخْصِيصَ فِي الْعُمُومِ) تَنْزِيلٌ لِلْأَجْزَاءِ مَنْزِلَةَ الْأَفْرَادِ وَإِلَّا فَلَفْظُ غَدًا نَكِرَةٌ فِي الْإِثْبَاتِ فَلَيْسَ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ . ا هـ . فَتْحٌ . (قَوْلُهُ فَلَا يُصَدَّقُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اعْلَمْ أَنَّ قَوْلَ الرَّجُلِ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ فِي رَمَضَانَ مِثْلُ مَا ذَكَرْنَا فِي أَنْتِ طَالِقٌ فِي غَدٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَهِيَ طَالِقٌ حِينَ تَغِيبُ الشَّمْسُ مِنْ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ شَعْبَانَ ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يُوجَدُ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ مِنْ رَمَضَانَ وَإِنْ نَوَى آخِرَ رَمَضَانَ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ وَهَذِهِ مَسْأَلَةُ الْأَصْلِ ذَكَرْنَاهَا تَكْثِيرًا لِلْفَائِدَةِ . ا هـ .
(قَوْلُهُ كَمَا فِي الْفَصْلِ الثَّانِي) أَيْ الْمُضَافُ إلَى الْوَقْتِ يَقَعُ بِأَوَّلِهِ وَالْمُضَافُ إلَى الْفِعْلِ يَقَعُ بِآخِرِهِ مِثَالُ الْأَوَّلِ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ فِي غَدٍ وَغَدًا وَمِثَالُ الثَّانِي أَنْتِ طَالِقٌ فِي ثَلَاثِ دَخَلَاتٍ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا جَعَلَ الْيَوْمَ ظَرْفًا وَقَعَ الطَّلَاقُ مِنْ أَوَّلِهِ حَتَّى يَسْتَوْعِبَ الْيَوْمَ كُلَّهُ وَلَمَّا عَلَّقَ بِالْفِعْلِ لَا يَقَعُ إلَّا عِنْدَ وُجُودِ كَمَالِ الشَّرْطِ ا هـ شَرْحُ التَّلْخِيصِ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ يَعْنِي بِهِ أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا وَإِنَّمَا قَالَ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي وَإِنْ كَانَ الْمُصَنِّفُ ذَكَرَهُ أَوَّلًا نَظَرًا لِتَقْرِيرِهِ فَإِنَّهُ بَدَأَ أَوَّلًا بِشَرْحِ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ فِي غَدٍ وَثَنَّى بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا . ا هـ . (قَوْلُهُ وَالظَّرْفُ لَا يَقْتَضِي الِاسْتِيعَابَ) أَيْ غَيْرَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْوِ شَيْئًا يَقَعُ فِي الْجُزْءِ الْأَوَّلِ لِعَدَمِ الْمُزَاحِمِ وَإِذَا عَيَّنَ جُزْءًا فَهُوَ أَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ قَصْدِيًّا وَالْجُزْءُ الْأَوَّلُ ضَرُورِيٌّ . ا هـ . رَازِيٌّ (قَوْلُهُ وَنَظِيرُهُ مَا لَوْ قَالَ لَأَصُومَنَّ عُمُرِي) أَيْ فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ الْعُمُرِ حَتَّى لَا يَبَرَّ إلَّا بِصَوْمِ جَمِيعِ الْعُمُرِ . ا هـ . كَاكِيٌّ . (قَوْلُهُ أَوْ فِي عُمُرِي) يَتَنَاوَلُ سَاعَةً مِنْ عُمُرِهِ حَتَّى لَوْ صَامَ سَاعَةً بَرَّ فِي يَمِينِهِ . ا هـ . كَاكِيٌّ وَنَظِيرُهُ قَوْله تَعَالَى {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ} [غافر : 51] ذَكَرَ نُصْرَتَهُمْ فِي الدُّنْيَا مَقْرُونَةً بِحَرْفِ فِي ، وَذَكَرَ نُصْرَتَهُمْ فِي الْآخِرَةِ غَيْرَ مَقْرُونَةٍ بِفِي ؛ لِأَنَّ نُصْرَةَ اللَّهِ إيَّاهُمْ فِي الْآخِرَةِ مُسْتَوْعِبَةٌ لِجَمِيعِ الْأَوْقَاتِ دَائِمَةٌ ؛ لِأَنَّهَا دَارُ جَزَاءٍ فَأَمَّا نُصْرَتُهُ إيَّاهُمْ فِي الدُّنْيَا فَقَدْ تَقَعُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ دُونَ الْبَعْضِ ؛ لِأَنَّهَا دَارُ ابْتِلَاءٍ ا هـ آخِرُ التَّحْقِيقِ . (قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّا نَمْنَعُ ظَرْفِيَّتَهُ مَعَ ظُهُورِ فِي) أَيْ ؛ لِأَنَّك إذَا قُلْت خَرَجْتَ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَهَذَا لَا يُسَمَّى ظَرْفًا عِنْدَ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ وَجَلَسْت فِي الدَّارِ فِي تَسْمِيَتِهِ ظَرْفًا اصْطِلَاحًا خِلَافُ ابْنِ عَقِيلٍ . ا هـ ..

. (قَوْلُهُ حَتَّى يَقَعَ فِي الْأَوَّلِ فِي الْيَوْمِ) أَيْ وَصَارَ قَوْلُهُ غَدًا لَغْوًا ؛ لِأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَجْعَلَ الْوَاقِعَ فِي الْحَالِ وَاقِعًا غَدًا وَهُوَ مُسْتَحِيلٌ فَيَلْغُو ذِكْرُ الْغَدِ . ا هـ . رَازِيٌّ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ فِي الْيَوْمِ فِي لَيْسَتْ فِي خَطِّ الشَّارِحِ وَالْمَعْنَى عَلَيْهَا ا هـ . (قَوْلُهُ وَفِي الثَّانِي فِي غَدٍ) لَفْظَةُ فِي لَيْسَتْ فِي خَطِّ الشَّارِحِ وَالْمَعْنَى عَلَيْهَا . ا هـ . وَقَوْلُهُ وَفِي الثَّانِي فِي غَدٍ أَيْ وَصَارَ قَوْلُهُ الْيَوْمَ لَغْوًا ؛ لِأَنَّ الْإِيقَاعَ فِي الْغَدِ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ إيقَاعًا فِي الْيَوْمِ فَلَغَا قَوْلُهُ الْيَوْمَ ؛ لِأَنَّهُ جُعِلَ قَوْلُهُ الْيَوْمَ صِفَةً لِغَدٍ وَهُوَ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ صِفَةً لَهُ فَيَلْغُو ذِكْرُ الْيَوْمِ ا هـ رَازِيٌّ . (قَوْلُهُ تَنْجِيزًا أَوْ تَعْلِيقًا) فِيهِ

(2/204)


لَا يَقْبَلُ التَّنْجِيزَ وَلَا الْمُنَجَّزُ يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ إذَا جَاءَ غَدٌ حَيْثُ لَا يَقَعُ قَبْلَ غَدٍ ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ بِمَجِيءِ غَدٍ فَلَا يَقَعُ قَبْلَهُ ، وَذَكَرَ الْيَوْمَ لِبَيَانِ وَقْتِ التَّعْلِيقِ فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ فِي غَدٍ طَلْقَةٌ أُخْرَى فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ غَدًا ؛ لِأَنَّهُ وَصَفَهَا بِهِ فِيهِمَا قُلْنَا وُقُوعُ الطَّلَاقِ بِالْخَبَرِ ضَرُورِيٌّ وَقَدْ انْدَفَعَتْ بِالْوَاحِدَةِ ؛ لِأَنَّ الْوَاقِعَ فِي الْيَوْمِ يَتَّصِفُ بِهِ غَدًا فَلَا حَاجَةَ إلَى أُخْرَى وَلَا يَلْزَمُنَا الْعَكْسُ وَهُوَ مَا إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا الْيَوْمَ حَيْثُ يَقَعُ فِيهِ وَاحِدَةٌ أَيْضًا مَعَ انْعِدَامِ ذَلِكَ الْمَعْنَى ؛ لِأَنَّا نَقُولُ جَعَلَ الْيَوْمَ فِيهِ صِفَةً لِغَدٍ وَهُوَ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ صِفَةً لَهُ فَيَلْغُوَ ذِكْرُ الْيَوْمِ ، وَلَوْ ذَكَرَهُمَا بِالْوَاوِ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا بِأَنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ وَغَدًا أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا وَالْيَوْمَ تَقَعُ وَاحِدَةٌ فِي الْأُولَى وَفِي الثَّانِيَةِ ثِنْتَانِ ؛ لِأَنَّ الْمَعْطُوفَ غَيْرُ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ غَيْرَ أَنَّا لَا حَاجَةَ لَنَا إلَى إيقَاعِ الْأُخْرَى فِي الْأُولَى لِإِمْكَانِ وَصْفِهَا غَدًا بِطَلَاقٍ وَقَعَ عَلَيْهَا الْيَوْمَ وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ فِي الثَّانِيَةِ فَيَقَعَانِ وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ آخِرَ النَّهَارِ وَأَوَّلَهُ تَطْلُقُ ثِنْتَيْنِ وَلَوْ قَالَ أَوَّلَ النَّهَارِ وَآخِرَهُ تَطْلُقُ وَاحِدَةً

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك أَوْ أَمْسِ وَنَكَحَهَا الْيَوْمَ لَغْوٌ) يَعْنِي لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك أَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ وَقَدْ نَكَحَهَا الْيَوْمَ لَا تَطْلُقُ ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى وَقْتٍ لَمْ يَكُنْ مَالِكًا لَهُ فِيهِ فَلَغَا كَمَا إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ أَوْ قَبْلَ أَنْ تُخْلَقِي أَوْ طَلَّقْتُك وَأَنَا صَبِيٌّ أَوْ نَائِمٌ أَوْ مَجْنُونٌ وَجُنُونُهُ كَانَ مَعْهُودًا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ قَبْلَ أَنْ أَشْتَرِيَك أَوْ أَنْتَ حُرٌّ أَمْسِ وَقَدْ اشْتَرَاهُ الْيَوْمَ حَيْثُ يَعْتِقُ لِإِقْرَارِهِ لَهُ بِالْحُرِّيَّةِ قَبْلَ مِلْكِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ قَالَ لِعَبْدِ الْغَيْرِ أَعْتَقَك مَوْلَاك ثُمَّ اشْتَرَاهُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ لِمَا قُلْنَا ، وَلِأَنَّ إضَافَةَ الطَّلَاقِ إلَى أَمْسِ يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ إخْبَارًا عَنْ عَدَمِ النِّكَاحِ أَوْ عَنْ كَوْنِهَا مُطَلَّقَةً بِتَطْلِيقِ غَيْرِهِ مِنْ الْأَزْوَاجِ وَجَعْلُهُ إنْشَاءً ضَرُورِيٌّ فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ عِنْدَ إمْكَانِ الْحَقِيقَةِ كَمَا إذَا قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ مِرَارًا يَقَعُ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ لِإِمْكَانِ حَقِيقَةِ الْخَبَرِ فِيمَا عَدَا الْأُولَى ، وَكَذَا لَوْ قَالَ لَهَا يَا طَالِقُ يَا مُطَلَّقَةُ وَنَوَى بِهِ أَنَّهَا مُطَلَّقَةٌ مِنْ غَيْرِهِ وَقَدْ كَانَ طَلَّقَهَا غَيْرُهُ يُصَدَّقُ قَضَاءً فِي رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ وَلَا يُصَدَّقُ فِي رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ ، وَلَوْ كَرَّرَ قَوْلَهُ أَنْتِ طَالِقٌ فِي الْمُعَيَّنَةِ يَتَكَرَّرُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمُنَكَّرَةِ أَنَّ قَوْلَهُ أَنْتِ طَالِقٌ غَالِبٌ فِي الْإِنْشَاءِ فِي الْمُعَيَّنَةِ وَلَعَلَّ الْحَاجَةَ لَمْ تَنْدَفِعْ بِالْأُولَى وَالثَّانِيَةِ فَلَا يَعْدِلُ عَنْ الْغَالِبِ بِخِلَافِ الْمُنَكَّرَةِ إذْ الدَّوَاعِي إلَى الطَّلَاقِ مِنْ اللَّجَاجِ وَالْبَغْضَاءِ وَالنَّشْرِ يَتَحَقَّقُ فِي الْمُعَيَّنَةِ دُونَ الْمُنَكَّرَةِ وَلَمْ يُوجَدْ دَلِيلُ التَّكْرَارِ فِيهَا

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ نَكَحَهَا قَبْلَ أَمْسِ وَقَعَ الْآنَ) أَيْ ، وَلَوْ كَانَ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ أَمْسِ فِيمَا إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ وَقَعَ الطَّلَاقُ السَّاعَةَ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسْنِدْهُ إلَى حَالَةٍ مُنَافِيَةٍ وَلَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ إخْبَارًا عَنْ طَلَاقِ نَفْسِهِ وَلَا عَنْ طَلَاقِ غَيْرِهِ لِانْعِدَامِهِمَا فِيهِ فَتَعَيَّنَ الْإِنْشَاءُ وَلَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى الْإِسْنَادِ فَتَعَيَّنَ الْإِنْشَاءُ فِي الْحَالِ

قَالَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لَفٌّ وَنَشْرٌ فَقَوْلُهُ تَنْجِيزًا رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ الْيَوْمَ غَدًا . وَقَوْلُهُ تَعْلِيقًا رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ غَدًا الْيَوْمَ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ أَوَّلُ الْوَقْتَيْنِ حَتَّى وَقَعَ الطَّلَاقُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَهِيَ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ غَدًا فِي الْيَوْمِ وَفِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ وَهِيَ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا الْيَوْمَ فِي الْغَدِ ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ وَقْتَيْنِ وَلَمْ يَعْطِفْ أَحَدَهُمَا عَلَى الْآخَرِ فَصَارَ ذِكْرُ الثَّانِي لَغْوًا وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ فِي الْأُولَى مُنَجَّزٌ وَالْوَاقِعُ مُنَجَّزًا لَا يَحْتَمِلُ الْإِضَافَةَ وَفِي الثَّانِيَةِ الطَّلَاقُ مُضَافٌ إلَى الْغَدِ فَلَا يَتَنَجَّزُ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَنَجَّزَ لَا يَبْقَى الْمُضَافُ مُضَافًا . وَقَوْلُهُ الْيَوْمَ ثَانِيًا لَيْسَ بِنَاسِخٍ لِحُكْمِ الْمَذْكُورِ أَوَّلًا فَكَانَ ذِكْرُ الْيَوْمِ لَغْوًا ا هـ وَتَعْبِيرُهُ بِالْإِضَافَةِ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ الشَّارِحِ بِالتَّعْلِيقِ فَتَأَمَّلْ ا هـ . (قَوْلُهُ انْعِدَامُ ذَلِكَ الْمَعْنَى) أَيْ وَهُوَ اتِّصَافُهَا فِي الْيَوْمِ بِطَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ . ا هـ . (قَوْلُهُ ، وَلَوْ ذَكَرَهُمَا بِالْوَاوِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَمَّا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا وَالْيَوْمَ فَكَذَلِكَ عِنْدَ زُفَرَ وَعِنْدَنَا يَقَعُ الْيَوْمَ وَاحِدَةً وَغَدًا أُخْرَى لِزُفَرَ أَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ بِكَلِمَةِ التَّكْرَارِ فَلَا يَتَكَرَّرُ الْوُقُوعُ ا هـ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ السَّاعَةَ غَدًا بِدُونِ الْعَطْفِ طَلُقَتْ السَّاعَةَ وَاحِدَةً وَذِكْرُ الْغَدِ لَغْوٌ لِمَا بَيَّنَّا . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ.

(قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ أَوْ قَبْلَ أَنْ تُخْلَقِي) قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ إذَا تَزَوَّجْتُك قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك فَتَزَوَّجَهَا طَلُقَتْ ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى وَقْتَيْنِ لَيْسَ بَيْنَهُمَا حَرْفُ الْعَطْفِ فَيَقَعُ فِي أَوَّلِهِمَا وَيَبْطُلُ الثَّانِي كَمَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إذَا تَزَوَّجْتُك قَبْلَ أَنْ تُخْلَقِي يَقَعُ بِالتَّزَوُّجِ وَيَبْطُلُ قَوْلُهُ قَبْلَ أَنْ تُخْلَقِي . ا هـ . كَيْ . (قَوْلُهُ حَيْثُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ) أَيْ ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ حُرًّا أَمْسِ يَقْتَضِي تَحْرِيمَ اسْتِرْقَاقِهِ الْيَوْمَ وَبَعْدَهُ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ أَنْتَ حُرُّ الْأَصْلِ أَوْ مُعْتَقُ الْغَيْرِ كَذَا فِي فُرُوقِ الْكَرَابِيسِيِّ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَجَعْلُهُ إنْشَاءً ضَرُورِيٌّ) يَعْنِي أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ إخْبَارٌ بِوَضْعِهِ وَإِنَّمَا يُجْعَلُ إنْشَاءً فِي مَوْضِعٍ تَعَذَّرَ جَعْلُهُ إخْبَارًا فَإِذَا أَمْكَنَ جَعْلُهُ إخْبَارًا لَا يُجْعَلُ إنْشَاءً ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ بِحَقِيقَةِ كُلِّ كَلَامٍ وَاجِبٌ مَا أَمْكَنَ . ا هـ ..

(قَوْلُهُ فَتَعَيَّنَ الْإِنْشَاءُ فِي الْحَالِ) أَيْ فَيَقَعُ السَّاعَةَ وَعَلَى هَذِهِ النُّكْتَةِ حُكْمُ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ مَشَايِخِنَا فِي مَسْأَلَةِ الدَّوْرِ الْمَنْقُولَةِ عَنْ مُتَأَخِّرِي الشَّافِعِيَّةِ وَهِيَ إنْ طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا وَحَكَمَ أَكْثَرُهُمْ أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ بِتَنْجِيزِ طَلَاقِهَا ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَنَجَّزَ وَقَعَ الْمُعَلَّقُ قَبْلَهُ ثَلَاثًا وَوُقُوعُ الثَّلَاثِ سَابِقًا عَلَى التَّنْجِيزِ يَمْنَعُ الْمُنَجَّزَ بِوُقُوعِ الْمُنَجَّزِ وَالْمُعَلَّقِ ؛ لِأَنَّ الْإِيقَاعَ فِي الْمَاضِي إيقَاعٌ فِي الْحَالِ وَنَقُولُ إنَّ هَذَا تَغْيِيرٌ لِحُكْمِ اللُّغَةِ ؛ لِأَنَّ الْأَجْزِيَةَ تَنْزِلُ بَعْدَ الشَّرْطِ أَوْ مَعَهُ لَا قَبْلَهُ وَلِحُكْمِ الْعَقْلِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ مَدْخُولَ أَدَاةِ الشَّرْطِ سَبَبٌ وَالْجَزَاءُ مُسَبِّبٌ عَنْهُ وَلَا يَعْقِلُ تَقَدُّمُ الْمُسَبِّبِ عَلَى السَّبَبِ فَكَانَ قَوْلُهُ قَبْلَهُ لَغْوًا أَلْبَتَّةَ فَيَبْقَى الطَّلَاقُ جَزَاءً لِلشَّرْطِ غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِالْقَبْلِيَّةِ وَلِحُكْمِ الشَّرْعِ ؛ لِأَنَّ النُّصُوصَ نَاطِقَةٌ بِشَرْعِيَّةِ الطَّلَاقِ ، وَهَذَا يُؤَدِّي إلَى رَفْعِهَا فَيَتَفَرَّعُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ وُقُوعُ ثَلَاثِ الْوَاحِدَةِ الْمُنَجَّزَةِ وَثِنْتَانِ مِنْ الْمُعَلَّقَةِ ، وَلَوْ طَلَّقَهَا ثِنْتَيْنِ وَقَعَتَا وَوَاحِدَةً مِنْ الْمُعَلَّقَةِ أَوْ ثَلَاثًا وَقَعْنَ فَيَصِيرُ الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ لَا يُصَادِفُ أَهْلِيَّةً فَيَلْغُو ، وَلَوْ كَانَ قَالَ إنْ طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً وَقَعَ ثِنْتَانِ الْمُنَجَّزَةُ وَالْمُعَلَّقَةُ

(2/205)


- رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَنْتِ طَالِقٌ مَا لَمْ أُطَلِّقْك أَوْ مَتَى لَمْ أُطَلِّقْك أَوْ مَتَى لَمْ أُطَلِّقْك وَسَكَتَ طَلُقَتْ) ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى زَمَانٍ خَالٍ عَنْ التَّطْلِيقِ وَقَدْ وُجِدَ حِينَ سَكَتَ ، وَهَذَا لِأَنَّ مَتَى صَرِيحٌ لِلْوَقْتِ لِكَوْنِهَا مِنْ ظُرُوفِ الزَّمَانِ . وَأَمَّا مَا فَلِأَنَّهَا قَدْ تُسْتَعْمَلُ فِي الْوَقْتِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - {مَا دُمْتُ حَيًّا} [مريم : 31] أَيْ مُدَّةَ حَيَّاتِي وَقَدْ تُسْتَعْمَلُ فِي الشَّرْطِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ} [فاطر : 2] قَالَ حَافِظُ الدِّينِ هَذَا مَوْضِعُ الْوَقْتِ ؛ لِأَنَّ التَّطْلِيقَ يَسْتَدْعِي الْوَقْتَ لَا مَحَالَةَ فَتَرَجَّحَتْ جِهَةُ الْوَقْتِ ، وَهَذَا تَحَكُّمٌ ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ يَتَعَلَّقُ بِالشَّرْطِ أَيْضًا فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ أَوْلَى كَيْ لَا يَقَعَ بِالشَّكِّ وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ كُلَّمَا لَمْ أُطَلِّقْك فَأَنْتِ طَالِقٌ وَسَكَتَ يَقَعُ الثَّلَاثُ مُتَتَابِعًا وَلَا يَقَعُ جُمْلَةً ؛ لِأَنَّهَا تَقْتَضِي عُمُومَ الِانْفِرَادِ لَا عُمُومَ الِاجْتِمَاعِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا وَقَعَتْ عَلَيْهَا وَاحِدَةٌ لَا غَيْرُ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي إنْ لَمْ أُطَلِّقْك أَوْ إذَا أُطَلِّقُك أَوْ إذَا مَا لَمْ أُطَلِّقْك لَا حَتَّى يَمُوتَ أَحَدُهُمَا) أَيْ إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ أُطَلِّقْك أَوْ إذَا لَمْ أُطَلِّقْك أَوْ إذَا مَا لَمْ أُطَلِّقْك لَا تَطْلُقُ حَتَّى يَمُوتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ أَنْ يُطَلِّقَ فَأَمَّا حَرْفُ إنْ فَلِأَنَّهَا لِلشَّرْطِ حَقِيقَةً وَقَدْ عَلَّقَهُ بِعَدَمِ الْفِعْلِ وَتَحَقُّقُهُ بِالْيَأْسِ عَنْ الْوُقُوعِ وَذَلِكَ بِالْمَوْتِ كَمَا إذَا قَالَ لَهَا إنْ لَمْ آتِ الْبَصْرَةَ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ إنْ لَمْ أَدْخُلْ الدَّارَ ثُمَّ إذَا مَاتَ الزَّوْجُ وَقَعَ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ قُبَيْلَ الْمَوْتِ لِتَحَقُّقِ عَجْزِهِ عَنْ إيقَاعِ الطَّلَاقِ فَتَرِثُهُ وَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ ثَلَاثًا إنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْفَارِّ وَجَعَلَ مَوْتَهَا كَمَوْتِهِ وَفِي النَّوَادِرِ لَا يَقَعُ بِمَوْتِهَا ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ قَادِرٌ عَلَى الْإِيقَاعِ مَا لَمْ تَمُتْ فَإِذَا مَاتَتْ بَطَلَتْ الْمَحَلِّيَّةُ كَمَا إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ أَدْخُلْ الدَّارَ أَوْ إنْ لَمْ آتِ الْبَصْرَةَ تَطْلُقُ بِمَوْتِهِ قَبْلَ الْإِتْيَانِ وَالدُّخُولِ لِتَحَقُّقِ الْيَأْسِ وَلَا تَطْلُقُ بِمَوْتِهَا ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الْإِتْيَانِ وَالدُّخُولِ إلَى أَنْ يَمُوتَ
وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ وَهُوَ رِوَايَةُ الْأَصْلِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ إنْ لَمْ آتِ الْبَصْرَةَ وَنَحْوِهِ أَنَّ الْعَجْزَ عَنْ إيقَاعِ الطَّلَاقِ قَدْ تَحَقَّقَ قُبَيْلَ مَوْتِهَا فَوُجِدَ الشَّرْطُ وَهِيَ مَحَلٌّ لِلطَّلَاقِ وَفِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ وَأَمْثَالِهَا لَا يَثْبُتُ الْعَجْزُ مَا لَمْ تَمُتْ وَبَعْدَ الْمَوْتِ لَيْسَتْ بِمَحَلٍّ ثُمَّ الزَّوْجُ لَا يَرِثُهَا إنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ كَانَ ثَلَاثًا ؛ لِأَنَّهُ مِنْهُ وُجِدَ . وَأَمَّا إذَا وَإِذَا مَا فَالْمَذْكُورُ هُنَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّهُمَا مِثْلُ إنْ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا مِثْلُ مَتَى وَنَحْوِهَا فَتَطْلُقُ حِينَ يَسْكُتُ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ وَإِنْ نَوَى الشَّرْطَ يَكُونُ كَانَ وَإِنْ نَوَى الْوَقْتَ يَكُونُ كَمَتَى إجْمَاعًا لَهُمَا أَنَّ كَلِمَةَ إذَا لِلْوَقْتِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} [الليل : 1] وَلَيْسَ الْقَسَمُ مُعَلَّقًا بِالشَّرْطِ ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى يَفْسُدُ بِهِ ، وَلِهَذَا يُسْتَعْمَلُ فِيمَا هُوَ كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ كَقَوْلِهِمْ إذَا احْمَرَّ الْبُسْرُ آتِيك وَنَحْوِهِ
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} [التكوير : 1] وَالشَّرْطُ يَكُونُ فِي الْمُتَرَدِّدِ ، وَلِهَذَا لَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ إذَا شِئْتِ لَا يَخْرُجُ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا كَقَوْلِهِ مَتَى شِئْتِ ، وَلِهَذَا تَطْلُقُ حِينَ يَسْكُتُ فِي قَوْلِهِ إذَا سَكَتَ عَنْ طَلَاقِك فَأَنْتِ طَالِقٌ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا تُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى الشَّرْطِ قَالَ الشَّاعِرُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَقِسْ عَلَى ذَلِكَ . ا هـ . كَمَالٌ.

(قَوْلُهُ أَوْ مَتَى مَا لَمْ أُطَلِّقْك وَسَكَتَ) إنَّمَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ وَسَكَتَ ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَالَ مَوْصُولًا أَنْتِ طَالِقٌ عَقِيبَ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ مَا لَمْ أُطَلِّقْك ثُمَّ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مَوْصُولًا بِكَلَامِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَقَعَتْ تَطْلِيقَةً وَبَرَّ فِي يَمِينِهِ ، وَقَالَ زُفَرُ يَقَعُ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ ، وَقَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي مُخْتَصَرِ الْكَافِي ، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهَا ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ حِينَ سَكَتَ فِيمَا بَيْنَ فَرَاغِهِ مِنْ يَمِينِهِ إلَى قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ، وَقَالَ الْحَاكِمُ أَيْضًا وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ حِينَ لَمْ أُطَلِّقْك وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَهِيَ طَالِقٌ حِينَ سَكَتَ ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ زَمَانَ لَمْ أُطَلِّقْك وَحَيْثُ لَمْ أُطَلِّقْك وَيَوْمَ لَمْ أُطَلِّقْك وَإِنْ قَالَ زَمَانَ لَا أُطَلِّقُك أَوْ حِينَ لَا أُطَلِّقُك لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى يَمْضِيَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ لَمْ مَوْضُوعٌ لِقَلْبِ الْمُضَارِعِ مَاضِيًا وَنَفْيِهِ وَقَدْ وُجِدَ زَمَانٌ لَمْ يُطَلِّقْهَا فِيهِ فَوَقَعَ الطَّلَاقُ وَحَيْثُ عِبَارَةٌ عَنْ الْمَكَانِ فَكَمْ مِنْ مَكَان لَمْ يُطَلِّقْهَا فِيهِ فَوُجِدَ شَرْطُ الطَّلَاقِ وَكَلِمَةُ لَا لِلِاسْتِقْبَالِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ لَا يَقَعُ لِلْحَالِ وَإِنَّمَا يُرَادُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ ؛ لِأَنَّهُ أَوْسَطُ اسْتِعْمَالِ الْحِينِ إذْ يُرَادُ بِهِ السَّاعَةُ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} [الروم : 17] وَيُرَادُ بِهِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ} [إبراهيم : 25] وَيُرَادُ بِهِ أَرْبَعُونَ سَنَةً كَقَوْلِهِ {حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ} [الإنسان : 1] وَالزَّمَانُ كَالْحِينِ ؛ لِأَنَّهُمَا فِي الِاسْتِعْمَالِ سَوَاءٌ تَقُولُ مَا لَقِيتُك مُنْذُ زَمَانٍ كَمَا يُقَالُ مَا لَقِيتُك مُنْذُ حِينٍ ا هـ أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حُكْمُ مَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ حِينَ لَمْ أُطَلِّقْك أَوْ حَيْثُ لَمْ أُطَلِّقْك أَوْ حِينَ لَا أُطَلِّقُك وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ وَسَيَأْتِي أَيْضًا فِي الْمَتْنِ وَالشَّرْحِ مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ وَسَكَتَ ، وَذَكَرَ الشَّارِحُ فِيهِ خِلَافَ زُفَرَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْأَتْقَانِيُّ لَكِنِّي بَادَرْت بِكِتَابَتِهِ ظَنًّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهُ . (قَوْلُهُ وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ فِي الشَّرْطِ) أَيْ وَحَمْلُهُ عَلَى الْوَقْتِ أَوْلَى لِعَدَمِ انْفِكَاكِ الطَّلَاقِ عَنْ الْوَقْتِ فَتَرَجَّحَتْ جِهَةُ الْوَقْتِ . ا هـ . رَازِيٌّ.

(قَوْلُهُ وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ) أَيْ ؛ لِأَنَّهَا إذَا أَشْرَفَتْ عَلَى الْمَوْتِ فَقَدْ بَقِيَ مِنْ حَيَاتِهَا مَا لَا يَسَعُ التَّكَلُّمَ بِالطَّلَاقِ وَذَلِكَ الْقَدْرُ مِنْ الزَّمَانِ صَالِحٌ لِوُقُوعِ الْمُعَلَّقِ فَوُجِدَ الشَّرْطُ وَالْمَحَلُّ بَاقٍ فَيَقَعُ وَالْمُعَلَّقُ كَالْمُرْسَلِ حُكْمًا لَا حَقِيقَةً فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ مَا يُشْتَرَطُ فِي حَقِيقَةِ الْإِرْسَالِ فَلِهَذَا يَقَعُ الْمُعَلَّقُ وَإِنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْإِرْسَالِ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ اللَّطِيفَةِ وَلَا مِيرَاثَ لِلزَّوْجِ مِنْهَا ؛ لِأَنَّهَا بَانَتْ قَبْلَ الْمَوْتِ فَلَمْ يَبْقَ بَيْنَهُمَا زَوْجِيَّةٌ عِنْدَ الْمَوْتِ . ا هـ . مَبْسُوطٌ . (قَوْلُهُ ثُمَّ الزَّوْجُ لَا يَرِثُهَا إنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ كَانَ ثَلَاثًا) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِذَا حَكَمْنَا بِوُقُوعِهِ قَبْلَ مَوْتِهَا لَا يَرِثُ مِنْهَا الزَّوْجُ ؛ لِأَنَّهَا بَانَتْ قَبْلَ الْمَوْتِ فَلَمْ يَبْقَ بَيْنَهُمَا زَوْجِيَّةٌ حَالَ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا حَكَمْنَا بِالْبَيْنُونَةِ وَأَنَّ الْمُعَلَّقَ صَرِيحًا لِانْتِفَاءِ الْعِدَّةِ كَغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّ الْوُقُوعَ فِي آخِرِ جُزْءٍ لَا يَتَجَزَّأُ فَلَمْ يَلِهِ إلَّا الْمَوْتُ وَبِهِ تَبِينُ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَإِنْ نَوَى الشَّرْطَ يَكُونُ كَإِنْ) أَيْ بِالِاتِّفَاقِ فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ إلَّا بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا . ا هـ . (قَوْلُهُ وَإِنْ نَوَى الْوَقْتَ يَكُونُ كَمَتَى) أَيْ فَيَقَعُ الطَّلَاقُ حِينَ سَكَتَ ا هـ

(2/206)


إذَا قَصُرَتْ أَسْيَافُنَا كَانَ وَصْلُهَا ... خُطَانَا إلَى أَعْدَائِنَا فَنُضَارِبُ
وَتُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى الْوَقْتِ قَالَ الشَّاعِرُ
وَإِذَا تَكُونُ كَرِيهَةً أَدْعَى لَهَا ... وَإِذَا يُحَاسُ الْحَيْسُ يُدْعَى جُنْدُبُ
وَإِذَا تَرَدَّدَتْ لَمْ تَطْلُقْ فِي الْحَالِ بِالشَّكِّ وَالِاحْتِمَالِ
وَلَا يَلْزَمُهُ مَسْأَلَةُ الْمَشِيئَةِ ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ صَارَ بِيَدِهَا فَلَا يَخْرُجُ بِالشَّكِّ أَيْضًا وَاسْتِعْمَالُهَا فِي الشَّرْطِ مُطْلَقًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا حَقِيقَةٌ فِيهِ ، وَلِهَذَا تَصِحُّ نِيَّتُهُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ تَخْفِيفٌ وَلَا يُقَالُ إذَا تَرَدَّدَتْ كَانَ الِاحْتِيَاطُ فِي الْوُقُوعِ تَغْلِيبًا لِجَانِبِ الْحُرْمَةِ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ يُرَجَّحُ بِالْأَصْلِ وَهُوَ أَنَّهَا فِي عِصْمَتِهِ بِيَقِينٍ فَلَا تَطْلُقُ بِالِاحْتِمَالِ كَمَا إذَا شَكَّ فِي الْوُضُوءِ أَوْ الْحَدَثِ تَرَجَّحَ بِالْأَصْلِ وَإِنْ كَانَ الْأَحْوَطُ إيجَابَ التَّوَضُّؤِ وَلَا يَلْزَمُنَا قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ حِينَ لَمْ أُطَلِّقْك حَيْثُ تَطْلُقُ فِي الْحَالِ وَإِنْ كَانَتْ تُسْتَعْمَلُ فِي الزَّمَانِ الطَّوِيلِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّمَا وَقَعَ لِلْحَالِ إذَا أُضِيفَ إلَى الزَّمَانِ الْمَاضِي حَتَّى لَوْ أَضَافَهُ إلَى الْمُسْتَقْبَلِ بِأَنْ قَالَ حِينَ لَا أُطَلِّقُك لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَمْضِيَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ لِمَا عُرِفَ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ ، وَذَكَرَ فِي الْغَايَةِ أَنَّ إذَا شَرْطِيَّةٌ عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ وَعِنْدَ الْمُبَرِّدِ مِنْ الْبَصْرِيِّينَ فَإِنْ وَلِيَهَا اسْمٌ كَانَ بِتَأْوِيلِ الْفِعْلِ كَانَ وَبَعْضُهُمْ قَالَ إذَا دَخَلَهَا مَا يُجَازِي بِهَا ؛ لِأَنَّ " مَا " تَكُفُّهَا عَنْ الْإِضَافَةِ فَيَحْصُلُ الْإِبْهَامُ وَالشَّرْطُ بَابُهُ الْإِبْهَامُ ، وَهَذَا صَحِيحٌ ؛ لِأَنَّ إذْ مَعَ كَوْنِهَا لِلْمَاضِي إذَا دَخَلَتْ عَلَيْهَا مَا جُوزِيَ بِهَا لِمَا ذَكَرْنَا فَهَذِهِ أَوْلَى ، وَلَا حُجَّةَ لَهُمَا فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إذَا شِئْتِ ؛ لِأَنَّ إذَا لَمَّا تَرَدَّدَتْ وَكَانَ الْأَمْرُ بِيَدِهَا فِي الْحَالِ بِيَقِينٍ لَا يَخْرُجُ بِالشَّكِّ ، وَكَذَا قَوْلُهُ إذَا سَكَتُّ عَنْ طَلَاقِك فَأَنْتِ طَالِقٌ لَا حُجَّةَ لَهُمَا فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ إنْ سَكَتّ عَنْ طَلَاقِك كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ وَمَا غَرَضُنَا إلَّا أَنْ تَكُونَ مِثْلَ إنْ
وَلَوْ قَالَ إذَا طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ وَإِذَا لَمْ أُطَلِّقْك فَأَنْتِ طَالِقٌ وَلَمْ يُطَلِّقْ حَتَّى مَاتَ وَقَعَ عَلَيْهَا تَطْلِيقَتَانِ ، وَلَوْ قَالَ إذَا لَمْ أُطَلِّقْك فَأَنْتِ طَالِقٌ وَإِذَا طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُطَلِّقَ وَقَعَتْ تَطْلِيقَةٌ وَاحِدَةٌ ؛ لِأَنَّهُ بِالْمَوْتِ صَارَ حَانِثًا فَيَقَعُ بِهِ طَلْقَةٌ ثُمَّ يَقَعُ طَلْقَةٌ أُخْرَى فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لِوُجُودِ الطَّلَاقِ بِكَلَامٍ وُجِدَ بَعْدَ الْيَمِينِ الْأُولَى فَيَحْنَثُ بِهِ وَلَا تَطْلُقُ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ عَلَيْهَا بِكَلَامٍ وُجِدَ قَبْلَ الْيَمِينِ الثَّانِيَةِ فَلَا تَقَعُ الْمُعَلَّقَةُ لِعَدَمِ الشَّرْطِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَنْتِ طَالِقٌ مَا لَمْ أُطَلِّقْك أَنْتِ طَالِقٌ طَلُقَتْ هَذِهِ الطَّلْقَةَ) مَعْنَاهُ إذَا قَالَ ذَلِكَ مَوْصُولًا وَالْقِيَاسُ أَنْ يَقَعَ ثِنْتَانِ إذَا كَانَ مَدْخُولًا بِهَا وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى زَمَانٍ خَالٍ عَنْ التَّطْلِيقِ وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا وَهُوَ زَمَانُ اشْتِغَالِهِ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْهُ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ زَمَانَ الْبِرِّ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي الْيَمِينِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ بِهِ وَلَا يُمْكِنُ تَحْقِيقُهُ إلَّا بِإِخْرَاجِ ذَلِكَ الْقَدْرِ عَنْ الْيَمِينِ وَأَصْلُ الْخِلَافِ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ هَذَا الثَّوْبَ وَهُوَ لَابِسُهُ وَأَخَوَاتُهَا

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَنْتِ كَذَا يَوْمَ أَتَزَوَّجُك فَنَكَحَهَا لَيْلًا حَنِثَ بِخِلَافِ الْأَمْرِ بِالْيَدِ) يَعْنِي إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ يَوْمَ أَتَزَوَّجُك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَهَا لَيْلًا حَنِثَ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ أَمْرُك بِيَدِك يَوْمَ يَقْدَمُ فُلَانٌ حَيْثُ لَا يَكُونُ أَمْرُهَا بِيَدِهَا إلَّا إذَا قَدِمَ بِالنَّهَارِ ؛ لِأَنَّ الْيَوْمَ يُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ مُطْلَقُ الْوَقْتِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ} [الأنفال : 16] ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ} [إبراهيم : 5] أَيْ بِأَوْقَاتِ نَعْمَائِهِ وَبَلَائِهِ وَيُقَالُ يَوْمٌ لَنَا وَيَوْمٌ عَلَيْنَا وَيُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ بَيَاضُ النَّهَارِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} [الجمعة : 9] وَالْمُرَادُ النَّهَارُ وَهُوَ الْحَقِيقَةُ فَإِذَا شَاعَ اسْتِعْمَالُهُ فِيهِمَا فَلَا بُدَّ مِنْ ضَابِطٍ يَمْتَازُ بِهِ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ فَنَقُولُ إذَا قُرِنَ بِهِ فِعْلٌ يَمْتَدُّ يُرَادُ بِهِ بَيَاضُ النَّهَارِ وَإِذَا قُرِنَ بِهِ فِعْلٌ لَا يَمْتَدُّ بِهِ مُطْلَقُ الْوَقْتِ وَنَعْنِي بِالْمُمْتَدِّ مَا يَقْبَلُ التَّأْقِيتَ كَالْأَمْرِ بِالْيَدِ وَالصَّوْمِ وَبِمَا لَا يَمْتَدُّ مَا لَا يَقْبَلُ التَّأْقِيتَ كَالطَّلَاقِ وَالتَّزَوُّجِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ طَلَّقْت شَهْرًا وَيُرَادُ الْإِيقَاعُ فِي جَمِيعِهِ أَوْ الِامْتِدَادُ إلَيْهِ وَلَا تَزَوَّجْت يَوْمًا بِهَذَا الْمَعْنَى فَكَانَ الْأَلْيَقُ أَنْ يُحْمَلَ الْمُمْتَدُّ عَلَى الْمُمْتَدِّ وَغَيْرُ الْمُمْتَدِّ عَلَى غَيْرِ الْمُمْتَدِّ رِعَايَةً لِلْمُنَاسَبَةِ وَاسْتِعْمَالَ أَهْلِ الْعُرْفِ ثُمَّ اخْتَلَفَتْ عِبَارَتُهُمْ فِي مَاذَا يُعْتَبَرُ الِامْتِدَادُ وَعَدَمُهُ فَمِنْهُمْ مَنْ يَعْتَبِرُهُ فِي الْمُضَافِ إلَيْهِ الْيَوْمَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَعْتَبِرُهُ فِي الْجَوَابِ ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْعَامِلُ فِيهِ فَكَانَ بِحَسَبِهِ وَالْأَوْجَهُ أَنْ يُعْتَبَرَ الْمُمْتَدُّ مِنْهُمَا وَعَلَيْهِ مَسَائِلُهُمْ ، وَلِهَذَا لَوْ قَالَ لَهَا أَمْرُك بِيَدِكِ يَوْمَ يَقْدَمُ فُلَانٌ فَقَدِمَ نَهَارًا وَلَمْ تَعْلَمْ بِالْقُدُومِ حَتَّى اللَّيْلِ بَطَلَ خِيَارُهَا لِانْصِرَافِهِ إلَى النَّهَارِ وَمُضِيِّهِ ، وَلَوْ قَالَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ فِي الشِّعْرِ فَنُضَارِبْ) جَزَمَهُ عَطْفًا عَلَى الْمَحَلِّ ا هـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ.

(قَوْلُهُ طَلُقَتْ هَذِهِ الطَّلْقَةَ) أَيْ هَذِهِ الطَّلْقَةَ الْأَخِيرَةَ لَا الْمُعَلَّقَةَ بِعَدَمِ التَّطْبِيقِ . ا هـ . (قَوْلُهُ إذَا قَالَ ذَلِكَ مَوْصُولًا) أَيْ أَمَّا لَوْ قَالَهُ مَفْصُولًا يَقَعَانِ بِالْإِجْمَاعِ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا لِوُجُودِ الزَّمَانِ الْخَالِي عَنْ التَّطْلِيقِ ا هـ (قَوْلُهُ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَقَعَ ثِنْتَانِ) أَيْ الْمُعَلَّقَةُ وَالْمُضَافَةُ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَهُوَ الْمَقْصُودُ بِهِ) أَيْ ؛ لِأَنَّ الْحَالِفَ إنَّمَا حَلَفَ لِيَبَرَّ فِي يَمِينِهِ . ا هـ . (قَوْلُهُ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ هَذَا الثَّوْبَ وَهُوَ لَابِسُهُ) أَيْ فَنَزَعَهُ فِي الْحَالِ . (قَوْلُهُ وَأَخَوَاتُهَا) أَيْ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ هَذِهِ الدَّابَّةَ وَهُوَ رَاكِبُهَا فَنَزَلَ مِنْ سَاعَتِهِ ا هـ.

(قَوْلُهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ} [الأنفال : 16] وَالْفِرَارُ مِنْ الزَّحْفِ حَرَامٌ لَيْلًا وَنَهَارًا . ا هـ . فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَكَانَ الْأَلْيَقُ أَنْ يُحْمَلَ الْمُمْتَدُّ) أَيْ وَهُوَ الْأَمْرُ بِالْيَدِ وَنَحْوِهِ . (قَوْلُهُ عَلَى الْمُمْتَدِّ) أَيْ وَهُوَ بَيَاضُ النَّهَارِ ا هـ (قَوْلُهُ وَغَيْرُ الْمُمْتَدِّ) أَيْ كَالتَّزَوُّجِ وَنَحْوِهِ ا هـ . (قَوْلُهُ عَلَى غَيْرِ الْمُمْتَدِّ) أَيْ وَهُوَ مُطْلَقُ الْوَقْتِ ا هـ . (قَوْلُهُ لِانْصِرَافِهِ إلَى النَّهَارِ) أَيْ ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْيَوْمَ مِعْيَارًا لِلْأَمْرِ بِالْيَدِ . ا هـ ..

(2/207)


فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ عَنَيْتُ بِهِ النَّهَارَ صُدِّقَ قَضَاءً ؛ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ فَيُصَدَّقُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ تَخْفِيفٌ عَلَى نَفْسِهِ ثُمَّ النَّهَارُ لِلْبَيَاضِ خَاصَّةً وَهُوَ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى غُرُوبِهَا وَاللَّيْلُ لِلسَّوَادِ خَاصَّةً وَهُوَ ضِدُّ النَّهَارِ وَالْيَوْمُ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى غُرُوبِهَا قَالَهُ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ وَعَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ وَقِيلَ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَفِي الْمُجْمَلِ لِابْنِ فَارِسٍ النَّهَارُ ضِيَاءٌ مَا بَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ وَقِيلَ مَا بَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ لَيْسَ مِنْ الْيَوْمِ وَلَا مِنْ النَّهَارِ وَلَا مِنْ اللَّيْلِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَنَا مِنْكِ طَالِقٌ لَغْوٌ وَإِنْ نَوَى وَتَبِينُ فِي الْبَائِنِ وَالْحَرَامِ) يَعْنِي إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنَا مِنْك طَالِقٌ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَإِنْ نَوَى الطَّلَاقَ وَتَبِينُ مِنْهُ بِقَوْلِهِ أَنَا مِنْكِ بَائِنٌ أَوْ عَلَيْكِ حَرَامٌ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ أَيْضًا إذَا نَوَى وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا مَلَّكَهَا الطَّلَاقَ فَطَلَّقَتْهُ هُوَ يَقُولُ إنَّ الْمِلْكَ وَقَعَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا حَتَّى مَلَكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْمُطَالَبَةَ بِحُقُوقِ النِّكَاحِ ، وَكَذَا حُكْمُ النِّكَاحِ وَهُوَ الْحِلُّ وَقَعَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا حَتَّى يَسْتَمْتِعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِصَاحِبِهِ وَيُسَمَّيَا مُتَنَاكِحَيْنِ وَيَنْتَهِي بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا وَيَرِثُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْآخَرَ وَالزَّوْجُ مُقَيَّدٌ مِنْ جِهَتِهَا حَتَّى لَا يَتَزَوَّجَ أُخْتَهَا وَلَا أَرْبَعًا سِوَاهَا وَالطَّلَاقُ وُضِعَ لِإِزَالَةِ الْمِلْكِ وَالْحِلِّ فَيَصِحُّ مُضَافًا إلَيْهِ كَمَا يَصِحُّ مُضَافًا إلَيْهَا كَمَا فِي الْإِبَانَةِ وَالتَّحْرِيمِ غَيْرَ أَنَّ إضَافَةَ الطَّلَاقِ إلَيْهِ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ فَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ وَلَنَا أَنَّ الطَّلَاقَ شُرِعَ مُضَافًا إلَى الْمَرْأَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَطَلِّقُوهُنَّ} [الطلاق : 1] وَبِقَوْلِهِ {إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} [الطلاق : 1] وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ النُّصُوصِ وَهُوَ إذَا طَلَّقَ نَفْسَهُ فَقَدْ غَيَّرَ الْمَشْرُوعَ فَيَلْغُو كَالْعِتْقِ الْمُضَافِ إلَى الْمَوْلَى ، وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي امْرَأَةٍ جَعَلَ زَوْجُهَا أَمْرَهَا بِيَدِهَا فِي الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ فَقَالَتْ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا خَطَّأَ اللَّهُ نَوْأَهَا لَوْ قَالَتْ أَنَا طَالِقٌ ثَلَاثًا لَكَانَ كَمَا قَالَتْ تَحْقِيقُهُ أَنَّ الطَّلَاقَ لِإِزَالَةِ الْقَيْدِ وَهُوَ فِيهَا دُونَهُ أَوْ لِإِزَالَةِ الْمِلْكِ وَهُوَ عَلَيْهَا دُونَهُ كَالْعِتْقِ لِإِزَالَةِ الرِّقِّ ثُمَّ الْمَوْلَى إذَا أَعْتَقَ نَفْسَهُ أَوْ أَعْتَقَ الْعَبْدُ مَوْلَاهُ لَا يَعْتِقُ الْعَبْدُ فَكَذَا الزَّوْجُ إذَا طَلَّقَ نَفْسَهُ أَوْ طَلَّقَتْهُ هِيَ لَا تَطْلُقُ الْمَرْأَةُ لِعَدَمِ إضَافَتِهِ إلَى الْمَحَلِّ
وَلِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ أَنْ يُطَلِّقَ الْإِنْسَانُ وَيَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَى غَيْرِ الْمُطَلَّقِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمِلْكَ مُشْتَرَكٌ بَلْ الْمِلْكُ لِلزَّوْجِ خَاصَّةً حَتَّى ظَهَرَ عَلَيْهَا أَثَرُهُ مِنْ الْمَنْعِ مِنْ التَّزَوُّجِ وَالْخُرُوجِ وَجَازَ لَهُ تَزَوُّجُ الْكِتَابِيَّةِ دُونَهَا وَصَارَ الْمَهْرُ لَهَا بَدَلَ مَا مَلَكَ عَلَيْهَا وَمَا ثَبَتَ لَهَا مِنْ الْحِلِّ تَبَعٌ لِثُبُوتِ الْحِلِّ لِلزَّوْجِ فَيَزُولُ بِزَوَالِهِ وَمَا يَكُونُ تَبَعًا فِي النِّكَاحِ لَا يَكُونُ مَحَلًّا لِإِضَافَةِ الطَّلَاقِ إلَيْهِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَمَا ثَبَتَ لَهَا عَلَيْهِ مِنْ الْحَقِّ كَالْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ فَالطَّلَاقُ غَيْرُ مَوْضُوعٍ لِإِزَالَتِهِ وَرَفْعِهِ وَتَسْمِيَتُهُمَا مُتَنَاكِحَيْنِ مِنْ بَابِ التَّغْلِيبِ لَا سِيَّمَا عِنْدَهُ حَيْثُ لَا يَجُوزُ الْعَقْدُ مِنْهَا .
وَأَمَّا حُرْمَةُ أُخْتِهَا وَأَرْبَعٍ سِوَاهَا فَثَابِتٌ بِالنَّصِّ لَا لِدُخُولِهِ فِي مِلْكِهَا ، أَلَا تَرَى أَنَّ حُرْمَةَ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ أَوْ بَيْنَ الْخَمْسِ ثَابِتٌ قَبْلَ التَّزَوُّجِ بِهَا بِخِلَافِ الْإِبَانَةِ وَالتَّحْرِيمِ ؛ لِأَنَّهُمَا لِإِزَالَةِ الْوَصْلَةِ وَالْحِلِّ وَهُمَا مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا فَتَصِحُّ إضَافَتُهُمَا إلَيْهِمَا وَالطَّلَاقُ لِرَفْعِ الْقَيْدِ فَلَا يُضَافُ إلَّا إلَى الْمُقَيَّدِ . وَقَوْلُهُ إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ فَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ قُلْنَا إنَّهُ صَرِيحٌ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَى النِّيَّةِ إجْمَاعًا وَكَوْنُهُ غَيْرَ مُتَعَارَفٍ إيقَاعُهُ لَا يُخْرِجُهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ صَرِيحًا كَقَوْلِهِ عُشْرُكِ طَالِقٌ أَوْ فَرْجُكِ طَالِقٌ أَوْ طَلَّقْتُكِ نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ وَنَحْوِهِ ، وَلَوْ قَالَ أَنَا بَائِنٌ وَلَمْ يَقُلْ مِنْك أَوْ حَرَامٌ وَلَمْ يَقُلْ عَلَيْك لَمْ تَطْلُقْ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ أَنْتِ بَائِنٌ أَوْ حَرَامٌ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ حَيْثُ تَطْلُقُ إذَا نَوَى وَالْفَرْقُ أَنَّ الْبَيْنُونَةَ أَوْ الْحَرَامَ إذَا كَانَ مُضَافًا إلَيْهَا تَعَيَّنَ لِإِزَالَةِ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْوَصْلَةِ وَالْحِلِّ وَإِذَا أَضَافَهُ إلَيْهِ لَا يَتَعَيَّنُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لَهُ امْرَأَةٌ أُخْرَى فَيُرِيدُ بِقَوْلِهِ أَنَا بَائِنٌ مِنْهَا أَوْ حَرَامٌ عَلَيْهَا

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً أَوَّلًا أَوْ مَعَ مَوْتِي أَوْ مَعَ مَوْتِك لَغْوٌ) أَيْ إذَا قَالَ لَهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَنَا مِنْك طَالِقٌ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ هَذِهِ مَسْأَلَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَصُورَتُهَا فِيهِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رَجُلٍ يَقُولُ لِامْرَأَتِهِ أَنَا مِنْك طَالِقٌ يَنْوِي الطَّلَاقَ قَالَ لَا يَكُونُ طَلَاقًا ، وَلَوْ قَالَ أَنَا مِنْك بَائِنٌ فَنَوَى الطَّلَاقَ كَانَتْ طَالِقًا قَالَ ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ أَنَا عَلَيْك حَرَامٌ يَنْوِي الطَّلَاقَ كَانَتْ طَالِقًا ، وَهَذَا مَذْهَبُنَا ا هـ وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ فِي قَوْلِهِ أَنَا مِنْك بَائِنٌ وَعَلَيْك حَرَامٌ وَاسْتُفِيدَ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْمَتْنِ وَتَبِينُ فِي الْبَائِنِ وَالْحَرَامِ أَنَّ الْوَاقِعَ بِهِمَا بَائِنٌ لَا رَجْعِيٌّ وَلَزِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهِمَا مِنْ النِّيَّةِ ؛ لِأَنَّ الْكِنَايَةَ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ النِّيَّةِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ . ا هـ . (قَوْلُهُ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ إلَخْ) وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ ا هـ ع . (قَوْلُهُ خَطَّأَ اللَّهُ نَوْأَهَا) يُقَالُ لِمَنْ طَلَبَ حَاجَةً فَلَمْ يَنْجَحْ أَخْطَأَ نَوْأَك أَرَادَ جَعَلَ اللَّهُ نَوْأَهَا مُخْطِئًا لِمَا لَا يُصِيبُهَا مَطَرُهُ وَيُرْوَى خَطَّى اللَّهُ نَوْأَهَا بِلَا هَمْزٍ مِنْ خَطَّى اللَّهُ عَنْك النَّوْءَ أَيْ جَعَلَهُ يَتَخَطَّاك يُرِيدُ يَتَعَدَّاهَا فَلَا يُمْطِرُهَا وَيَكُونُ مِنْ بَابِ الْمُعْتَلِّ اللَّامِ كَذَا فِي نِهَايَةِ ابْنِ الْأَثِيرِ وَصَاحِبُ الطِّلْبَةِ صَحَّحَ الثَّانِيَ وَخَطَّأَ الْأَوَّلَ ا هـ . (قَوْلُهُ وَلَمْ يَقُلْ عَلَيْك لَمْ تَطْلُقْ) أَيْ وَإِنْ نَوَى ا هـ قَالَ فِي الْوَجِيزِ ، وَلَوْ قَالَ أَنَا بَائِنٌ أَوْ حَرَامٌ وَلَمْ يَقُلْ مِنْكِ أَوْ عَلَيْكِ لَا يَقَعُ شَيْءٌ وَإِنْ نَوَى ذِكْرَهُ فِي الْكِنَايَاتِ وَفِي غَايَةِ السُّرُوجِيِّ ، وَلَوْ قَالَ أَنَا بَائِنٌ أَوْ حَرَامٌ وَلَمْ يَقُلْ مِنْك وَلَا عَلَيْك لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ وَإِنْ نَوَاهُ بِخِلَافِ أَنْتِ بَائِنٌ أَوْ حَرَامٌ وَنَوَى الطَّلَاقَ ذَكَرَهُ فِي الْوَجِيزِ وَمِثْلُهُ فِي الْمَبْسُوطِ ا هـ وَفِي النِّهَايَةِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنَا بَائِنٌ يَعْنِي مِنْك وَلَمْ يَقُلْ مِنْك لَا يَقَعُ بِهِ شَيْءٌ وَإِنْ عَنَى بِهِ الطَّلَاقَ ، وَكَذَا لَوْ قَالَ أَنَا حَرَامٌ وَلَمْ يَقُلْ عَلَيْك ا هـ وَقَوْلُ الْعَيْنِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِهِ ، وَلَوْ قَالَ أَنَا بَائِنٌ أَوْ حَرَامٌ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ تَطْلُقُ إذَا نَوَى غَيْرُ صَحِيحٍ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ النُّقُولِ . ا هـ ..

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً) أَيْ أَوْ ثِنْتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا . (قَوْلُهُ أَوْ لَا) أَيْ ، وَكَذَا طَالِقٌ أَوْ غَيْرُ طَالِقٍ أَوْ وَطَالِقٌ أَوْ لَا وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ قَالَ الْمُصَنِّفُ هَكَذَا ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ . ا هـ . فَتْحٌ

(2/208)


أَنْتَ طَالِقٌ وَاحِدَةً أَوَّلًا أَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ مَعَ مَوْتِي أَوْ مَعَ مَوْتِكَ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ أَمَّا الْأَوَّلُ فَالْمَذْكُورُ هُنَا قَوْلُهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَوَّلًا تَطْلُقُ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً ذَكَرَ قَوْلَ مُحَمَّدٍ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ مِنْ الْمَبْسُوطِ لَهُ أَنَّهُ أَدْخَلَ الشَّكَّ فِي الْوَاحِدَةِ لِدُخُولِ حَرْفِهِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ النَّفْيِ فَيَسْقُطُ اعْتِبَارُ الْوَاحِدَةِ لِلشَّكِّ وَيَبْقَى قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ سَالِمًا عَنْ الشَّكِّ بِخِلَافِ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَوَّلًا أَوْ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ غَيْرُ طَالِقٍ ؛ لِأَنَّهُ أَدْخَلَ الشَّكَّ فِي أَصْلِ الْإِيقَاعِ وَلَهُمَا أَنَّ الْوَصْفَ مَتَى قُرِنَ بِالْمَصْدَرِ أَوْ وَصْفِهِ كَانَ الْوُقُوعُ بِهِ لَا بِالْوَصْفِ فَكَانَ الشَّكُّ دَاخِلًا فِي الْإِيقَاعِ فَصَارَ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ لَا شَيْءَ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْوُقُوعَ بِالْمَصْدَرِ أَوْ وَصْفِهِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَقَعَ عَلَيْهَا الثَّلَاثُ ، وَلَوْ كَانَ الْوُقُوعُ بِالْوَصْفِ لَمَا وَقَعَ لِكَوْنِهَا أَجْنَبِيَّةً عِنْدَهُ ، وَكَذَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً فَمَاتَتْ قَبْلَ قَوْلِهِ وَاحِدَةً أَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً إنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ ، وَلَوْ كَانَ الْوُقُوعُ بِالْوَصْفِ لَوَقَعَ وَاسْتَحَقَّتْ نِصْفَ الْمَهْرِ إذَا كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ قَبْلَ الْمَوْتِ وَلَمَا وَرِثَهَا لِمَا قُلْنَا ، وَكَذَا صِحَّةُ الِاسْتِثْنَاءِ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إنْ شَاءَ اللَّهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْوُقُوعَ بِهِ لَا بِالْوَصْفِ إذْ لَوْ كَانَ الْوُقُوعُ بِهِ لَمَا صَحَّ لِدُخُولِ الْفَاصِلِ وَهُوَ قَوْلُهُ ثَلَاثًا . وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ مَعَ مَوْتِي أَوْ مَعَ مَوْتِكَ فَلِأَنَّهُ أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى حَالَةٍ مُنَافِيَةٍ لَهُ ؛ لِأَنَّ مَوْتَهُ يُنَافِي الْأَهْلِيَّةَ وَمَوْتَهَا يُنَافِي الْمَحَلِّيَّةَ وَلَا بُدَّ مِنْهُمَا ، وَهَذَا لِأَنَّ مَعَ لِلْقِرَانِ حَقِيقَةً وَحَالُ مَوْتِ أَحَدِهِمَا حَالُ ارْتِفَاعِ النِّكَاحِ وَالطَّلَاقُ لَا يَقَعُ إلَّا فِي حَالِ الِاسْتِقْرَارِ أَوْ نَقُولُ إنَّهُ عَلَّقَهُ بِالْمَوْتِ ؛ لِأَنَّ مَعَ تَكُونُ لِلشَّرْطِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مَعَ دُخُولِكِ الدَّارَ تَعَلَّقَ بِهِ فَلَوْ وَقَعَ لَوَقَعَ بَعْدَ الْمَوْتِ وَهُوَ مُحَالٌ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ مَلَكَهَا أَوْ شِقْصَهَا أَوْ مَلَكَتْهُ أَوْ شِقْصَهُ بَطَلَ الْعَقْدُ) يَعْنِي لَوْ مَلَكَ الزَّوْجُ امْرَأَتَهُ بِأَنْ كَانَتْ أَمَةً أَوْ مَلَكَ جُزْءًا مِنْهَا أَوْ كَانَتْ هِيَ الْمَالِكَةُ لِزَوْجِهَا أَوْ لِجُزْئِهِ بَطَلَ النِّكَاحُ . وَأَمَّا مِلْكُهَا إيَّاهُ فَلِلِاجْتِمَاعِ بَيْنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْمَمْلُوكِيَّةِ فَلَا يَنْتَظِمُ الْمَصَالِحُ وَهُوَ مَا شُرِعَ إلَّا لِمَصَالِحِهِ . وَأَمَّا مِلْكُهُ إيَّاهَا فَلِأَنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ ضَرُورِيٌّ وَقَدْ اسْتَغْنَى عَنْهُ بِالْأَقْوَى لِثُبُوتِ الْحِلِّ بِهِ وَلَا يُقَالُ الْحِلُّ لَا يَثْبُتُ بِالشِّقْصِ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ مِلْكُ الْيَمِينِ دَلِيلُ الْحِلِّ فَقَامَ مَقَامَ الْحِلِّ تَيْسِيرًا وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا الْمُكَاتَبِ إذَا اشْتَرَى زَوْجَتَهُ حَيْثُ لَا يَبْطُلُ النِّكَاحُ وَإِنْ وُجِدَ مَا ذَكَرْنَا ؛ لِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ لَهُ مِلْكًا بَلْ لَهُ حَقُّ الْمِلْكِ وَهُوَ لَا يَمْنَعُ بَقَاءَ النِّكَاحِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَلَوْ اشْتَرَاهَا وَطَلَّقَهَا لَمْ يَقَعْ) يَعْنِي لَوْ اشْتَرَى امْرَأَتَهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ يَسْتَدْعِي قِيَامَ النِّكَاحِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ أَوْ مِنْ وَجْهٍ وَلَمْ يُوجَدْ ، وَكَذَا إذَا مَلَكَتْهُ أَوْ شِقْصًا مِنْهُ لَا يَقَعُ لِمَا قُلْنَا وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَقَعُ ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ وَاجِبَةٌ هُنَا اتِّفَاقًا وَقِيَامُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ بِخِلَافِ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ لَا) أَيْ بِلَا ذِكْرِ الْوَاحِدَةِ . (قَوْلُهُ أَوْ غَيْرُ طَالِقٍ) أَيْ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ لَا شَيْءَ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِالِاتِّفَاقِ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ . (قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ أَدْخَلَ الشَّكَّ إلَخْ) كَمَا إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ أَوْ عَبْدٌ لَا يَعْتِقُ بِالِاتِّفَاقِ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ . (قَوْلُهُ لِدُخُولِ الْفَاصِلِ وَهُوَ قَوْلُهُ ثَلَاثًا) أَيْ بَيْنَ الْمُسْتَثْنَى وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ . ا هـ . (قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ مَوْتَهُ يُنَافِي الْأَهْلِيَّةَ إلَخْ) أَلَا تَرَى أَنَّ الصَّبِيَّ أَوْ الْمَجْنُونَ إذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ لَا يَقَعُ لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ وَإِذَا قَالَ الْعَاقِلُ الْبَالِغُ لِلْحِمَارِ أَوْ لِلْجِدَارِ أَنْتَ طَالِقٌ لَا يَثْبُتُ حُكْمُ الطَّلَاقِ لِعَدَمِ الْمَحَلِّيَّةِ فَعُلِمَ أَنَّ الْأَهْلِيَّةَ وَالْمَحَلِّيَّةَ شَرْطٌ لِصِحَّةِ التَّصَرُّفِ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ ، وَلَوْ مَلَكَهَا أَوْ شِقْصَهَا) أَيْ سَهْمًا بِأَنْ كَانَ تَزَوَّجَ أَمَةً لِغَيْرِهِ ثُمَّ اشْتَرَاهَا جَمِيعَهَا مِنْهُ أَوْ سَهْمًا مِنْهَا أَوْ وَهَبَهَا لَهُ أَوْ وَرِثَهَا . ا هـ . فَتْحٌ قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ يُقَالُ فِي هَذَا الْمَالِ شِقْصٌ أَيْ سَهْمٌ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ . (قَوْلُهُ . وَأَمَّا مِلْكُهَا إيَّاهُ) كَذَا فِي خَطِّ الشَّارِحِ ا هـ اعْلَمْ أَنَّ أَحَدَ الزَّوْجَيْنِ إذَا مَلَكَ صَاحِبَهُ بِشِرَاءٍ أَوْ إرْثٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ تَقَعُ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا لِمُنَافَاةٍ بَيْنَ مِلْكِ الْيَمِينِ وَمِلْكِ النِّكَاحِ أَمَّا إذَا مَلَكَتْهُ فَلِأَنَّهَا مَالِكَةٌ لَهُ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا بِحُكْمِ مِلْكِ الْيَمِينِ فَلَوْ بَقِيَ النِّكَاحُ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ بِضْعُهَا مَمْلُوكًا لِلرَّجُلِ وَالْمَالِكِيَّةُ أَثَرُ الْقَاهِرِيَّةِ وَالْمَمْلُوكِيَّةُ أَثَرُ الْمَقْهُورِيَّةِ فَمُحَالٌ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ الْوَاحِدُ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ مَالِكًا وَمَمْلُوكًا قَاهِرًا وَمَقْهُورًا فَيَلْزَمُ التَّنَافِي لَا مَحَالَةَ وَالْمُنَافِي لِلشَّيْءِ إذَا وُجِدَ وَطَرَأَ عَلَيْهِ يُبْطِلُهُ كَالرِّدَّةِ . وَأَمَّا إذَا مَلَكَهَا فَلِأَنَّ مِلْكَ الْيَمِينِ لَيْسَ بِضَرُورِيٍّ وَمِلْكَ النِّكَاحِ ضَرُورِيٌّ وَبَيْنَ السَّلْبِ وَالْإِيجَابِ مُنَافَاةٌ فَيَلْزَمُ التَّنَافِي لَا مَحَالَةَ فَمِنْ ثُبُوتِ الضِّدِّ يَلْزَمُ ارْتِفَاعُ الضِّدِّ الْآخَرِ . (قَوْلُهُ . وَأَمَّا مِلْكُهُ إيَّاهَا فَلِأَنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ ضَرُورِيٌّ) ؛ لِأَنَّ إثْبَاتَ الْمِلْكِ عَلَى الْحُرَّةِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ . وَإِنَّمَا يَثْبُتُ ضَرُورَةَ الْحِلِّ لِبَقَاءِ النَّسْلِ فَلَمَّا طَرَأَ الْحِلُّ الْقَوِيُّ بَطَلَ الْحِلُّ الضَّعِيفُ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَقَدْ اسْتَغْنَى عَنْهُ بِالْأَقْوَى) أَيْ وَهُوَ مِلْكُ الْيَمِينِ . ا هـ . (قَوْلُهُ فَقَامَ مَقَامَ الْحِلِّ) أَيْ ؛ لِأَنَّهُ سَبَبٌ احْتِيَاطًا . ا هـ . فَتْحٌ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَلَوْ اشْتَرَاهَا) تَفْرِيعٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ . ا هـ . (قَوْلُهُ أَوْ مِنْ وَجْهٍ) أَيْ مِنْ حَيْثُ الْعِدَّةُ . ا هـ . (قَوْلُهُ أَوْ مِنْ وَجْهٍ) قَالَ فِي الْفَتْحِ ، وَلَوْ اشْتَرَاهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ يَسْتَدْعِي قِيَامَ النِّكَاحِ وَلَا بَقَاءَ لَهُ مَعَ الْمُنَافِي لَا مِنْ وَجْهٍ كَمَا فِي مِلْكِ الْبَعْضِ وَلَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَمَا فِي مِلْكِ الْكُلِّ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَلَمْ يُوجَدْ) أَيْ بِنَفْسِ الشِّرَاءِ . ا هـ . رَازِيٌّ (قَوْلُهُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِنَّمَا قُلْنَا وَعَنْ مُحَمَّدٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْفَصْلَيْنِ فِي عَدَمِ الْوُقُوعِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَالْمَنْقُولُ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي هَذَا الْفَصْلِ فِي الْمَنْظُومَةِ مِنْ الْوُقُوعِ فِيمَا إذَا أَعْتَقَتْهُ أَمَّا إذَا لَمْ تَعْتِقْهُ حَتَّى طَلَّقَهَا لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِالِاتِّفَاقِ وَتَفْصِيلُ مُحَمَّدٍ عَلَى هَذَا أَنَّهُ لَا عِدَّةَ هُنَاكَ عَلَيْهَا يَعْنِي مِنْهُ حَتَّى حَلَّ لَهُ وَطْؤُهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَحِلُّ تَزْوِيجُهُ إيَّاهَا كَمَا حَلَّ لَهُ وَطْؤُهَا لِعَدَمِ الْعِدَّةِ وَقَدْ قِيلَ بِهِ نَقَلَهُ فِي الْكَافِي قَالَ ، وَلَوْ زَوَّجَهَا سَيِّدَهَا الَّذِي كَانَ زَوْجَهَا جَازَ ثُمَّ قَالَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَزْوِيجُهَا مِنْ آخَرَ قَالَ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا تَجِبُ الْعِدَّةُ عَلَيْهَا فِي حَقِّ مَنْ اشْتَرَاهَا وَفِي حَقِّ غَيْرِهِ رِوَايَتَانِ ، وَهَذَا لِأَنَّ الْعِدَّةَ إنَّمَا تَجِبُ لِاسْتِبْرَاءِ

(2/209)


الْقَيْدِ مِنْ وَجْهٍ يَكْفِي لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا بِخِلَافِ مَا إذَا مَلَكَهَا هُوَ ؛ لِأَنَّهُ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا هُنَاكَ حَتَّى حَلَّ لَهُ وَطْؤُهَا قُلْنَا الْعِدَّةُ وَاجِبَةٌ فِي الْأُولَى أَيْضًا حَتَّى لَا يَجُوزَ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ غَيْرِهِ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا ، وَلَوْ أَعْتَقَهَا ظَهَرَتْ الْعِدَّةُ وَإِنَّمَا لَا تَظْهَرُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ لِحِلِّ وَطْئِهَا لَهُ بِمِلْكِ الْيَمِينِ فَتَبَيَّنَ أَنَّ هَذَا الْفَرْقَ غَيْرُ صَحِيحٍ وَلَوْ اشْتَرَتْ زَوْجَهَا ثُمَّ أَعْتَقَتْهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا وَقَعَ طَلَاقُهُ عَلَيْهَا لِزَوَالِ الْمُنَافِي لِمَالِكِيَّةِ الطَّلَاقِ ، وَلِهَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى وَفِي الْكَافِي جَعَلَ هَذَا قَوْلَ مُحَمَّدٍ وَفَرَّقَ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ الطَّلَاقُ بَعْدَ الْعِتْقِ وَقَبْلَهُ بِهَذَا الْفَرْقِ ، وَهَذَا سَهْوٌ فَإِنَّ عِنْدَهُ الطَّلَاقُ وَاقِعٌ عَلَيْهَا قَبْلَ الْعِتْقِ وَقَدْ ذَكَرَهُ هُوَ بِنَفْسِهِ قُبَيْلَهُ فَلَا مَعْنَى لِهَذَا الْفَرْقِ وَعَلَى هَذَا لَوْ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ ثُمَّ أَعْتَقَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ وَقَعَ طَلَاقُهُ لِزَوَالِ الْمَانِعِ ، وَلَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِشَرْطٍ أَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ لِلسَّنَةِ أَوْ إلَى مِنْهَا قَبْلَ الشِّرَاءِ فَوُجِدَ الشَّرْطُ أَوْ جَاءَ وَقْتُ السَّنَةِ أَوْ مَضَتْ مُدَّةُ الْإِيلَاءِ بَعْدَ الشِّرَاءِ وَالْعِتْقِ وَقَعَ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ وَإِنْ وُجِدَ ذَلِكَ بَعْدَ الشِّرَاءِ قَبْلَ الْعِتْقِ لَمْ يَقَعْ فِي الْوَجْهَيْنِ وَالْبَيْعُ بَعْدَ الشِّرَاءِ كَالْعِتْقِ فِيمَا ذَكَرْنَا لِزَوَالِ الْمَانِعِ وَنَظِيرُهُ مَا لَوْ ارْتَدَّ الزَّوْجُ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ وَطَلَّقَهَا لَمْ يَقَعْ ، وَلَوْ أَسْلَمَ ثُمَّ طَلَّقَهَا فِي دَارِ الْحَرْبِ وَقَعَ ، وَلَوْ أَسْلَمَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَخَرَجَ إلَيْنَا مُسْلِمًا وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا لِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ فَلَوْ طَلَّقَهَا وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا لِانْعِدَامِ أَحْكَامِ النِّكَاحِ مِنْ وُجُوبِ النَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى وَالْعِدَّةِ عِنْدَهُ ثُمَّ الْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ كُلَّ فُرْقَةٍ هِيَ فَسْخٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَالْفُرْقَةِ بِخِيَارِ الْبُلُوغِ أَوْ الْعِتْقِ أَوْ بِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ أَوْ كُلُّ فُرْقَةٍ هِيَ تَحْرِيمٌ عَلَى التَّأْبِيدِ فَطَلَّقَهَا فِيهِ لَمْ يَقَعْ طَلَاقُهُ وَفِي الْعُنَّةِ وَاللِّعَانِ يَقَعُ طَلَاقُهُ ؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ فِيهِمَا طَلَاقٌ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ مَعَ عِتْقِ مَوْلَاكِ إيَّاكِ فَأَعْتَقَ لَهُ الرَّجْعَةُ) أَيْ إذَا قَالَ الرَّجُلُ لِزَوْجَتِهِ الْأَمَةِ أَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ مَعَ إعْتَاقِ مَوْلَاك إيَّاكَ فَأَعْتَقَهَا الْمَوْلَى طَلُقَتْ ثِنْتَيْنِ وَيَمْلِكُ الزَّوْجُ الرَّجْعَةَ فَالْعِتْقُ حُكْمُ الْإِعْتَاقِ فَاسْتُعِيرَ لِسَبَبِهِ وَإِنَّمَا يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الطَّلْقَتَيْنِ بِالْإِعْتَاقِ وَالْمُعَلَّقُ يُوجَدُ بَعْدَ الشَّرْطِ فَتَطْلُقُ وَهِيَ حُرَّةٌ وَالْحُرَّةُ لَا تَحْرُمُ بِالطَّلْقَتَيْنِ حُرْمَةً غَلِيظَةً وَإِنَّمَا قُلْنَا بِأَنَّهُ مُعَلَّقٌ بِهِ لِوُجُودِ مَعْنَاهُ ، وَهَذَا لِأَنَّ الشَّرْطَ مَا يَكُونُ مَعْدُومًا عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ وَالْحُكْمُ يَتَعَلَّقُ بِهِ وَيُضَافُ إلَيْهِ وُجُودًا لَا وُجُوبًا ، وَهَذَا الْمَعْنَى قَدْ وُجِدَ فِيهِ فَإِذَا صَارَ مُعَلَّقًا بِهِ يَصِيرُ تَطْلِيقًا عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ لِدُخُولِهِ عَلَى السَّبَبِ عِنْدَنَا فَيُوجَدُ التَّطْلِيقُ بَعْدَ الْإِعْتَاقِ كَأَنَّهُ أَرْسَلَهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مُقَارِنًا لِلْعِتْقِ الَّذِي هُوَ حُكْمُ الْإِعْتَاقِ فَتَصِيرُ حُرَّةً بِهِ ثُمَّ يَقَعُ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ الَّذِي هُوَ حُكْمُ التَّطْلِيقِ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ فَلَا تَحْرُمُ بِهِ حُرْمَةً غَلِيظَةً وَلَا يُقَالُ إنَّ كَلِمَةَ مَعَ لِلْقِرَانِ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ مَا ذَكَرْتُمْ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ قَدْ تُذْكَرُ لِلتَّأَخُّرِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح : 5] وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ} [النمل : 44] أَيْ بَعْدَهُ فَإِنْ قِيلَ عَلَى مَا ذَكَرْتُمْ يَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ قَوْلُهُ لِأَجْنَبِيَّةٍ أَنْتِ طَالِقٌ مَعَ نِكَاحِك عَلَى مَعْنَى إنْ تَزَوَّجْتُك وَالْحُكْمُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ إذَا تَزَوَّجَهَا ذَكَرَهُ فِي الْجَامِعِ قُلْنَا إنَّمَا تَرَكْنَا الْحَقِيقَةَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الزَّوْجَ مَالِكٌ لِلطَّلَاقِ تَنْجِيزًا أَوْ تَعْلِيقًا وَتَصَرُّفُهُ نَافِذٌ فَلَزِمَ مِنْ صِحَّتِهِ تَعَلُّقُهُ بِهِ . وَأَمَّا الْأَجْنَبِيُّ فَلَا يَمْلِكُ الطَّلَاقَ تَنْجِيزًا وَلَا تَعْلِيقًا وَلَكِنْ يَمْلِكُ الْيَمِينَ فَإِنْ صَحَّ التَّرْكِيبُ بِذِكْرِ حُرُوفِهِ بِأَنْ قَالَ إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ صَحَّ ضَرُورَةَ صِحَّةِ الْيَمِينِ مَعَ الْمُنَافِي فِيمَا لَمْ يَلْزَمْ الْعُدُولُ فِيهِ عَنْ الْحَقِيقَةِ وَفِيمَا لَمْ يُؤَدِّ إلَى التَّنَافِي وَالطَّلَاقُ مَعَ النِّكَاحِ يَتَنَافَيَانِ ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ رَفْعُ الْقَيْدِ وَالنِّكَاحُ إثْبَاتُهُ فَلَا يَقْتَرِنَانِ فَيَلْغُو ضَرُورَةً بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ وَالْعِتْقَ لَا يَتَنَافَيَانِ وَنَظِيرُهُ مَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ فِي دُخُولِك الدَّارَ يَتَعَلَّقُ بِالدُّخُولِ ، وَلَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ أَنْتِ طَالِقٌ فِي نِكَاحِك يَلْغُو لِمَا ذَكَرْنَا

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ تَعَلَّقَ عِتْقُهَا وَطَلْقَتَاهَا بِمَجِيءِ الْغَدِ فَجَاءَ لَا وَعِدَّتُهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ) وَمَعْنَاهُ إذَا قَالَ الْمَوْلَى لِأَمَتِهِ إذَا جَاءَ غَدٌ فَأَنْتِ حُرَّةٌ ، وَقَالَ زَوْجُهَا إذَا جَاءَ غَدٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ فَجَاءَ الْغَدُ لَا يَمْلِكُ الزَّوْجُ الرَّجْعَةَ وَعِدَّتُهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ زَوْجُهَا يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْعِلَّةَ وَالْمَعْلُولَ يَقْتَرِنَانِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ كَالِاسْتِطَاعَةِ مَعَ الْفِعْلِ وَعِنْدَ الْبَعْضِ يَتَعَاقَبَانِ ؛ لِأَنَّ الْعِلَلَ الشَّرْعِيَّةَ لَهَا بَقَاءٌ ؛ لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الْأَعْيَانِ وَالْأَصْلُ تَقَدُّمُ الْمُؤَثِّرِ عَلَى الْأَثَرِ فَأَمْكَنَ ذَلِكَ فِيهَا فَيُصَارُ إلَيْهِ فِيهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الرَّحِمِ عَنْ الْمَاءِ وَيَسْتَحِيلُ اسْتِبْرَاءُ رَحِمِهَا مِنْ مَاءِ نَفْسِهِ مَعَ بَقَاءِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ لِلْحِلِّ ا هـ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . (قَوْلُهُ لِزَوَالِ الْمُنَافِي) أَيْ وَهُوَ مِلْكُ الْيَمِينِ إذْ لَا قَيْدَ حِينَئِذٍ فَلَا يُتَصَوَّرُ رَفْعُهُ فَإِذَا أَعْتَقَتْهُ ظَهَرَ أَحْكَامُ النِّكَاحِ فَتَحَقَّقَ الْقَيْدُ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَفِي الْكَافِي جَعَلَ هَذَا قَوْلَ مُحَمَّدٍ) ، وَكَذَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمَنْظُومَةِ فِي بَابِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ عَلَى خِلَافِ مُحَمَّدٍ وَلَا قَوْلَ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ مُصَنِّفُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ . ا هـ . (قَوْلُهُ فَإِنَّ عِنْدَهُ الطَّلَاقَ وَاقِعٌ عَلَيْهَا قَبْلَ الْعِتْقِ) أَيْ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا طَلَاقٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْهُ وَإِنَّمَا ذَاكَ فِي رِوَايَةٍ ذَكَرَهَا صَاحِبُ الْهِدَايَةِ . ا هـ . (قَوْلُهُ لَمْ يَقَعْ فِي الْوَجْهَيْنِ) يَعْنِي فِيمَا إذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ أَوْ اشْتَرَتْ هِيَ زَوْجَهَا ا هـ . (قَوْلُهُ وَالْعِدَّةُ عِنْدَهُ) أَيْ لَا تَجِبُ الْعِدَّةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خَاصَّةً . ا هـ ..

(قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الطَّلْقَتَيْنِ بِالْإِعْتَاقِ) فِيهِ نَظَرٌ ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الثِّنْتَيْنِ إلَى الْإِعْتَاقِ بِكَلِمَةِ مَعَ وَلَا تَعْلِيقَ هُنَاكَ لِعَدَمِ أَدَاةِ التَّعْلِيقِ وَالْمُضَافُ إلَى الْعِتْقِ يُقَارِنُهُ وَلَا يَتَأَخَّرُ عَنْهُ ؛ لِأَنَّ الْمُضَافَ سَبَبٌ فِي الْحَالِ فَيُقَارِنُ الْمُضَافَ إلَيْهِ وَلَا يَتَأَخَّرُ عَنْهُ وَالْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ يَتَأَخَّرُ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِيرُ سَبَبًا عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ . ا هـ . سَرُوجِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

(2/210)


بِخِلَافِ الِاسْتِطَاعَةِ مَعَ الْفِعْلِ ؛ لِأَنَّهَا عَرْضٌ فَلَوْ تَقَدَّمَتْ كَانَ الْفِعْلُ بِلَا اسْتِطَاعَةٍ وَهُوَ مُحَالٌ ثُمَّ لِتَخْرِيجِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَوْجُهٌ : الْأَوَّلُ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنَّهُ اخْتَارَ قَوْلَ مَنْ يَقُولُ بِالْقِرَانِ فِي الْعِتْقِ وَبِالتَّعَاقُبِ فِي الطَّلَاقِ : وَالْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّ الْمُعَلَّقَ كَالْمُرْسَلِ عِنْدَ الشَّرْطِ فَيَكُونُ كَأَنَّ الْمَوْلَى وَالزَّوْجَ أَرْسَلَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَيَقَعُ أَوْجَزُ الْقَوْلَيْنِ أَوَّلًا وَهُوَ الْعِتْقُ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَنْتِ حُرَّةٌ أَوْجَزُ مِنْ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ ثُمَّ يَقَعُ الطَّلَاقُ وَهِيَ حُرَّةٌ فَلَا تَحْرُمُ بِهِمَا حُرْمَةً غَلِيظَةً وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ أَنَّ الْعِتْقَ وَالطَّلَاقَ وَإِنْ كَانَا يَقْتَرِنَانِ مَعَ عِلَّتِهِمَا أَوْ يَتَعَاقَبَانِ عَلَى اخْتِلَافِ الْمَذْهَبَيْنِ لَكِنَّ حُكْمَ التَّطْلِيقِ يَتَأَخَّرُ عَنْ حُكْمِ الْإِعْتَاقِ فِي الْوُجُودِ لِكَوْنِ الطَّلَاقِ مَحْظُورًا وَالْإِعْتَاقِ مَنْدُوبًا إلَيْهِ شَرْعًا كَمَا فِي الْبَيْعِ إذَا كَانَ صَحِيحًا يُفِيدُ الْحُكْمَ وَهُوَ الْمِلْكُ لِلْحَالِّ وَإِذَا كَانَ فَاسِدًا يَتَأَخَّرُ إلَى وُجُودِ الْقَبْضِ لِكَوْنِهِ مَحْظُورًا : وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ : وَهُوَ مُعْتَمَدُهُ أَنَّهُمَا لَمَّا تَعَلَّقَا بِشَرْطٍ وَاحِدٍ وَجَبَ أَنْ تَطْلُقَ زَمَنَ نُزُولِ الْحُرِّيَّةِ فَيُصَادِفُهَا وَهِيَ حُرَّةٌ لِاقْتِرَانِهِمَا وُجُودًا فَلَا تَحْرُمُ بِهِمَا حُرْمَةً غَلِيظَةً : وَالْوَجْهُ الْخَامِسُ : أَنَّ الِاحْتِيَاطَ بَقَاءُ مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ أَوْ الْحِلَّ كَانَ ثَابِتًا بِيَقِينٍ فَلَا يَزُولُ بِالشَّكِّ احْتِيَاطًا ، وَلِهَذَا كَانَ عِدَّتُهَا ثَلَاثَ حِيَضٍ وَلَهُمَا أَنَّهُمَا تَعَلَّقَا بِشَرْطٍ وَاحِدٍ ثُمَّ الْعِتْقُ يُصَادِفُهَا وَهِيَ أَمَةٌ فَكَذَا الطَّلْقَتَانِ فَتَحْرُمُ بِهِمَا حُرْمَةً غَلِيظَةً ، وَهَذَا لِأَنَّ زَمَانَ ثُبُوتِ الْعِتْقِ هُوَ زَمَانُ ثُبُوتِ الطَّلَاقِ ضَرُورَةَ تَعَلُّقِهِمَا بِشَرْطٍ وَاحِدٍ وَالْعِتْقُ فِي زَمَانِ ثُبُوتِهِ لَيْسَ بِثَابِتٍ لِإِطْبَاقِ الْعُقَلَاءِ عَلَى أَنَّ الشَّيْءَ فِي زَمَانِ ثُبُوتِهِ لَيْسَ بِثَابِتٍ فَلَا يُصَادِفُهَا تَطْلِيقَتَانِ وَهِيَ حُرَّةٌ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ ثَمَّ شَرْطٌ فَيَقَعُ الطَّلَاقُ بَعْدَهُ وَبِخِلَافِ الْعِدَّةِ ؛ لِأَنَّهَا حُكْمُ الطَّلَاقِ فَتَعْقُبُهُ أَوْ ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَاطُ فِيهَا ، وَكَذَا الْحُرْمَةُ الْغَلِيظَةُ يُحْتَاطُ فِيهَا

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَنْتِ طَالِقٌ هَكَذَا وَأَشَارَ بِثَلَاثِ أَصَابِعَ فَهِيَ ثَلَاثٌ) ؛ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ بِالْأَصَابِعِ تُفِيدُ الْعِلْمَ بِالْعَدَدِ عُرْفًا وَشَرْعًا إذَا اقْتَرَنَتْ بِالِاسْمِ الْمُبْهَمِ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا وَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ الْعَشَرَةِ» يَعْنِي ثَلَاثِينَ يَوْمًا قَالَ الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا وَخَنَسَ إبْهَامَهُ فِي الثَّالِثَةِ يَعْنِي تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا ، وَلَوْ أَشَارَ بِالْوَاحِدَةِ طَلُقَتْ وَاحِدَةً ، وَلَوْ أَشَارَ بِالثِّنْتَيْنِ طَلُقَتْ ثِنْتَيْنِ وَالْإِشَارَةُ تَقَعُ بِالْمَنْشُورَةِ مِنْهَا دُونَ الْمَضْمُومَةِ لِلْعُرْفِ وَالسُّنَّةِ ، وَلَوْ نَوَى الْإِشَارَةَ بِالْمَضْمُومَتَيْنِ صُدِّقَ دِيَانَةً لَا قَضَاءً ، وَكَذَا لَوْ نَوَى الْإِشَارَةَ بِالْكَفِّ ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُهُ لَكِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَقِيلَ إذَا أَشَارَ بِظُهُورِهَا فَبِالْمَضْمُومَةِ مِنْهَا وَهُوَ أَنْ يَجْعَلَ ظَهْرَ الْكَفِّ إلَيْهَا وَبُطُونَ الْأَصَابِعِ إلَى نَفْسِهِ وَقِيلَ إنْ كَانَ بَطْنُ كَفِّهِ إلَى السَّمَاءِ فَالْعِبْرَةُ لِلنَّشْرِ وَإِنْ كَانَ إلَى الْأَرْضِ فَالْعِبْرَةُ لِلضَّمِّ وَقِيلَ إنْ كَانَ نَشْرًا عَنْ ضَمٍّ فَالْعِبْرَةُ لِلنَّشْرِ وَإِنْ كَانَ ضَمًّا عَنْ نَشْرٍ فَالْعِبْرَةُ لِلضَّمِّ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ إصْبَعٍ وَإِصْبَعٍ ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ وَلَمْ يَقُلْ هَكَذَا فَهِيَ وَاحِدَةٌ ؛ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ تَفْسِيرٌ لِلْعَدَدِ الْمُبْهَمِ وَلَمْ يُوجَدْ فَلَغَتْ فَيَكُونُ الْعَامِلُ فِيهِ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ وَهُوَ لَا يَحْتَمِلُ الْعَدَدَ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَنْتِ طَالِقٌ بَائِنٌ أَوْ أَلْبَتَّةَ أَوْ أَفْحَشَ الطَّلَاقِ أَوْ طَلَاقَ الشَّيْطَانِ أَوْ الْبِدْعَةَ أَوْ كَالْجَبَلِ أَوْ أَشَدَّ الطَّلَاقِ أَوْ كَأَلْفٍ أَوْ مِلْءَ الْبَيْتِ أَوْ تَطْلِيقَةً شَدِيدَةً أَوْ طَوِيلَةً أَوْ عَرِيضَةً فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ إنْ لَمْ يَنْوِ ثَلَاثًا) ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَقَعُ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ إنْ دَخَلَ بِهَا وَكَانَ بِغَيْرِ بَدَلٍ ؛ لِأَنَّهَا حُكْمُ الطَّلَاقِ بَعْدَ الدُّخُولِ فَلَا يَمْلِكُ تَبْدِيلَهُ كَسَائِرِ أَحْكَامِ الشَّرْعِ فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى أَنْ لَا رَجْعَةَ لِي عَلَيْك وَلَنَا أَنَّهُ وَصَفَ الطَّلَاقَ بِمَا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ وَهُوَ الْبَيْنُونَةُ ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْبَيْنُونَةَ تَثْبُتُ بِهِ لِلْحَالِّ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ
وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ فِي الْأَصْلِ هُوَ الْمُوجِبُ لِلْبَيْنُونَةِ ؛ لِأَنَّهُ شُرِعَ لِرَفْعِ النِّكَاحِ وَقَطْعِهِ وَلَا تَأْثِيرَ لِمُضِيِّ الْمُدَّةِ فِيهَا لَكِنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِالتَّأْخِيرِ إلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فِي صَرِيحِ الطَّلَاقِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَوْصُوفًا بِالْبَيْنُونَةِ فَبَقِيَ مَا وَرَاءَهُ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ وَهُوَ اتِّصَالُ الْحُكْمِ بِعِلَّتِهِ فِي الْحَالِ فَتَقَعُ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ أَوْ نَوَى وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ وَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا فَثَلَاثٌ لِمَا مَرَّ فِي أَوَائِلِ بَابِ إيقَاعِ الطَّلَاقِ فِي مُقَابَلَةِ قَوْلِ زُفَرَ مِنْ أَنَّهُ جِنْسٌ وَهُوَ لَا يَحْتَمِلُ الْعَدَدَ وَمَسْأَلَةُ الرَّجْعَةِ مَمْنُوعَةٌ ، وَلَوْ نَوَى بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَبِقَوْلِهِ بَائِنٌ وَنَحْوِهِ أُخْرَى يَقَعُ ثِنْتَانِ وَيَكُونُ بَائِنًا ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ اللَّفْظَيْنِ يَصْلُحُ لِلْإِيقَاعِ وَقِيَاسُهُ أَنْ تَكُونَ إحْدَاهُمَا رَجْعِيَّةً لَكِنْ لَا فَائِدَةَ فِيهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ أَوْ الْحِلَّ كَانَ ثَابِتًا) أَيْ مِلْكَ النِّكَاحِ وَالْحِلَّ بِهِ ا هـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ.

(قَوْلُهُ الْمَضْمُومَةُ لِلْعُرْفِ وَالسُّنَّةِ) ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمَّا خَنَسَ إبْهَامَهُ فِي الْمَرَّةِ الثَّالِثَةِ فُهِمَ مِنْهُ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا ، وَلَوْ اُعْتُبِرَتْ الْمَضْمُومَةُ لَكَانَ الْمَفْهُومُ أَحَدًا وَعِشْرِينَ يَوْمًا ا هـ (قَوْلُهُ ، وَكَذَا لَوْ نَوَى الْإِشَارَةَ بِالْكَفِّ) وَصُورَةُ الْإِشَارَةِ بِالْكَفِّ أَنْ تَكُونَ جَمِيعُ الْأَصَابِعِ مَنْشُورَةً قَالَهُ فِي الدِّرَايَةِ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَهُوَ أَنْ يَجْعَلَ ظَهْرَ الْكَفِّ إلَيْهَا) أَيْ إلَى الْمَرْأَةِ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ إصْبَعٍ وَإِصْبَعٍ) يَعْنِي بَيْنَ الْأَصَابِعِ الَّتِي اعْتَادَ النَّاسُ الْإِشَارَةَ بِهَا وَبَيْنَ الْأَصَابِعِ الْأُخَرِ . ا هـ ..

(قَوْلُهُ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى أَنْ لَا رَجْعَةَ) سَيَأْتِي بَعْدَ أَسْطُرٍ أَنَّ مَسْأَلَةَ الرَّجْعَةِ مَمْنُوعَةٌ يَعْنِي أَنَّ الطَّلَاقَ فِيهَا بَائِنٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا فَثَلَاثٌ) ، وَكَذَا ذَكَرَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ ، وَقَالَ الْعَتَّابِيُّ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ نِيَّتُهُ الثَّلَاثَ فِي طَالِقٍ تَطْلِيقَةً شَدِيدَةً أَوْ عَرِيضَةً أَوْ طَوِيلَةً ؛ لِأَنَّهُ نَصَّ عَلَى التَّطْلِيقَةِ وَأَنَّهَا تَتَنَاوَلُ الْوَاحِدَةَ وَنَسَبَهُ إلَى شَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَرَجَّحَ بِأَنَّ النِّيَّةَ إنَّمَا تَعْمَلُ فِي الْمُحْتَمَلِ وَتَطْلِيقَةً بِتَاءِ الْوَحْدَةِ لَا تَحْتَمِلُ الثَّلَاثَ كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ وَاحِدٌ اعْتِبَارِيٌّ لَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ عَدَدٌ . ا هـ . رَازِيٌّ

(2/211)


لِثُبُوتِ الْبَيْنُونَةِ فِي الْأُخْرَى فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَفْحَشَ الطَّلَاقِ أَوْ أَشَدَّهُ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ لِلتَّفْضِيلِ وَبِقَوْلِهِ شَدِيدَةً أَوْ فَاحِشَةً تَقَعُ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ فَوَجَبَ أَنْ يَزِيدَ عَلَى ذَلِكَ قُلْنَا هَذِهِ الصِّيغَةُ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ التَّفْضِيلِ وَبَيْنَ مُطْلَقِ الزِّيَادَةِ أَوْ مُطْلَقِ الْإِثْبَاتِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} [البقرة : 228] ، وَقَالَ الشَّاعِرُ
إنَّ الَّذِي سَمَكَ السَّمَاءَ بَنَى لَنَا ... بَيْتًا دَعَائِمُهُ أَعَزُّ وَأَطْوَلُ
أَيْ عَزِيزَةٌ طَوِيلَةٌ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ إذَا قَالَ طَلَاقَ الْبِدْعَةِ لَا يَكُونُ بَائِنًا إلَّا بِالنِّيَّةِ ؛ لِأَنَّ الْبِدْعَةَ قَدْ تَكُونُ مِنْ حَيْثُ الْإِيقَاعُ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ فَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ إذَا قَالَ لِلْبِدْعَةِ أَوْ طَلَاقَ الشَّيْطَانِ يَكُونُ رَجْعِيًّا لِمَا ذَكَرْنَا لِأَبِي يُوسُفَ
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إذَا قَالَ كَالْجَبَلِ أَوْ مِثْلَ الْجَبَلِ يَكُونُ رَجْعِيًّا ؛ لِأَنَّ الْجَبَلَ شَيْءٌ وَاحِدٌ فَكَانَ تَشْبِيهًا لَهُ فِي تَوَحُّدِهِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ فِي قَوْلِهِ كَأَلْفٍ أَنَّهُ يَقَعُ ثَلَاثٌ عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ ؛ لِأَنَّهُ عَدَدٌ فَيُرَادُ بِهِ التَّشْبِيهُ فِي الْعَدَدِ ظَاهِرًا فَصَارَ كَقَوْلِهِ كَعَدَدِ أَلْفٍ وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ كَالنُّجُومِ يَقَعُ وَاحِدَةٌ وَكَعَدَدِ النُّجُومِ ثَلَاثٌ فَيَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ كَأَلْفٍ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْأَلْفَ مَوْضُوعٌ لِلْعَدَدِ فَيَكُونُ التَّشْبِيهُ بِهِ لِلْكَثْرَةِ بِخِلَافِ النُّجُومِ ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ التَّشْبِيهَ فِي الضِّيَاءِ وَالنُّورِ
وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مِثْلَ التُّرَابِ تَقَعُ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ ، وَلَوْ قَالَ عَدَدَ التُّرَابِ يَقَعُ ثَلَاثًا عِنْدَهُ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ هُوَ يَقُولُ لَا عَدَدَ لِلتُّرَابِ ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ كَثَلَاثٍ فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَثَلَاثٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ كَمَا لَوْ قَالَ كَعَدَدِ ثَلَاثٍ ثُمَّ الْأَصْلُ أَنَّهُ مَتَى وَصَفَ الطَّلَاقَ إنْ كَانَ وَصْفًا لَا يُوصَفُ بِهِ الطَّلَاقُ يَلْغُو الْوَصْفُ وَيَقَعُ رَجْعِيًّا مِثْلَ أَنْ يَقُولَ أَنْتِ طَالِقٌ طَلَاقًا لَمْ يَقَعْ عَلَيْك أَوْ عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ وَمَتَى وَصَفَهُ بِصِفَةٍ يُوصَفُ بِهَا الطَّلَاقُ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ لَا يُنْبِئَ عَنْ زِيَادَةٍ كَقَوْلِهِ أَحْسَنَ الطَّلَاقِ أَوْ أَفْضَلَهُ أَوْ أَسَنَّهُ أَوْ أَجْمَلَهُ أَوْ أَعْدَلَهُ أَوْ خَيْرَهُ أَوْ يُنْبِئَ عَنْ زِيَادَةٍ كَقَوْلِهِ أَشَدَّ الطَّلَاقِ وَنَحْوِهِ فَالْأَوَّلُ رَجْعِيٌّ وَالثَّانِي بَائِنٌ عَلَى أُصُولِهِمْ فَأَصْلُ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ مَتَى شَبَّهَ الطَّلَاقَ بِشَيْءٍ يَقَعُ بَائِنًا أَيَّ شَيْءٍ كَانَ الْمُشَبَّهُ بِهِ لِلزِّيَادَةِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إنْ ذَكَرَ الْعِظَمَ فَكَذَلِكَ وَإِلَّا فَرَجْعِيٌّ أَيَّ شَيْءٍ كَانَ الْمُشَبَّهُ بِهِ ؛ لِأَنَّ التَّشْبِيهَ قَدْ يَكُونُ فِي التَّوْحِيدِ عَلَى التَّجْرِيدِ وَذِكْرُ الْعِظَمِ لِلزِّيَادَةِ لَا مَحَالَةَ
وَعِنْدَ زُفَرَ إنْ كَانَ الْمُشَبَّهُ بِهِ مِمَّا يُوصَفُ بِالْعِظَمِ عِنْدَ النَّاسِ يَقَعُ بَائِنًا وَإِلَّا فَرَجْعِيٌّ ذَكَرَ الْعِظَمَ أَوْ لَا . وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ مُضْطَرِبٌ يُرْوَى مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَعَ أَبِي يُوسُفَ وَثَمَرَتُهُ تَظْهَرُ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ مِثْلَ سِمْسِمَةٍ أَوْ عِظَمَ سِمْسِمَةٍ أَوْ كَالْجَبَلِ أَوْ عِظَمَ الْجَبَلِ ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَقْبَحَ الطَّلَاقِ أَوْ أَفْحَشَهُ أَوْ أَخْشَنَهُ أَوْ أَسْوَأَهُ أَوْ أَغْلَظَهُ أَوْ أَشَرَّهُ أَوْ أَطْوَلَهُ أَوْ أَكْبَرَهُ أَوْ أَعْرَضَهُ أَوْ أَعْظَمَهُ وَلَمْ يَنْوِ شَيْئًا أَوْ نَوَى وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ فِي غَيْرِ الْأَمَةِ كَانَتْ وَاحِدَةً بَائِنَةً وَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا فَثَلَاثٌ ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ إنَّمَا يُوصَفُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ بِاعْتِبَارِ أَثَرِهِ وَهُوَ الْبَيْنُونَةُ وَهِيَ مُتَنَوِّعَةٌ إلَى خَفِيفَةٍ وَغَلِيظَةٍ فَأَيَّهُمَا نَوَى صَحَّتْ نِيَّتُهُ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا يَثْبُتُ الْأَدْنَى لِلتَّيَقُّنِ بِهِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ أَفْضَلَ الطَّلَاقِ أَوْ أَكْمَلَهُ أَوْ أَعْدَلَهُ أَوْ أَحْسَنَهُ أَوْ أَجْمَلَهُ حَيْثُ تَقَعُ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ أَوْ نَوَى وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ وَيَحْتَمِلُ الثَّلَاثَ لِذِكْرِ الْمَصْدَرِ ، وَلَوْ قَالَ كَالثَّلْجِ كَانَ بَائِنًا لِلزِّيَادَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا إنْ أَرَادَ بِهِ بَيَاضَهُ فَرَجْعِيٌّ وَإِنْ أَرَادَ بِهِ بَرْدَهُ فَبَائِنٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ لِمَا ذَكَرْنَا لِأَبِي يُوسُفَ) وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْفُحْشَ وَالْبِدْعَةَ وَطَلَاقَ الشَّيْطَانِ أَوْصَافٌ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ تَأْثِيرٍ وَتَأْثِيرُهُ بِأَنْ يَكُونَ قَاطِعًا لِلنِّكَاحِ فِي الْحَالِ . ا هـ . (قَوْلُهُ فَكَانَ تَشْبِيهًا لَهُ فِي تَوَحُّدِهِ) وَلَنَا أَنَّ التَّشْبِيهَ بِهِ يُوجِبُ زِيَادَةً لَا مَحَالَةَ وَذَا بِوَصْفِ الْبَيْنُونَةِ .
وَأَمَّا شِدَّةُ الطَّلَاقِ فَلَا يَكُونُ إلَّا بِوَصْفِ الْبَيْنُونَةِ ؛ لِأَنَّهُ بِهَا يَكُونُ مَأْمُونًا عَنْ الِانْتِقَاضِ . وَأَمَّا قَوْلُهُ كَأَلْفٍ فَلِأَنَّهُ تَشْبِيهٌ بِالْعَدَدِ وَقَدْ يُشَبَّهُ بِهِ مِنْ حَيْثُ الْقُوَّةُ وَأَيُّهُمَا نَوَى صَحَّتْ نِيَّتُهُ وَعِنْدَ عَدَمِهَا يَثْبُتُ أَقَلُّهُمَا وَهُوَ الْوَاحِدَةُ الْبَائِنَةُ . ا هـ . رَازِيٌّ ثُمَّ قَالَ الرَّازِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - . وَأَمَّا قَوْلُهُ فَلِأَنَّ الشَّيْءَ قَدْ يَمْلَأُ الْبَيْتَ لِعِظَمِهِ أَوْ لِكَثْرَتِهِ فَأَيُّهُمَا نَوَى صَحَّتْ نِيَّتُهُ وَعِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ يَثْبُتُ أَقَلُّهُمَا وَهِيَ الْوَاحِدَةُ الْبَائِنَةُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَزُفَرَ فِي قَوْلِهِ طَوِيلَةً أَوْ عَرِيضَةً الْوَاقِعُ بِهِمَا رَجْعِيَّةٌ ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يُوصَفُ بِهِمَا فَيَلْغُو وَقُلْنَا الطُّولُ وَالْعَرْضُ عِبَارَتَانِ عَنْ الْكَمَالِ وَالْقُوَّةِ وَهُمَا فِي الْبَيْنُونَةِ ، وَلَوْ نَوَى الثَّلَاثَ فِي هَذِهِ الْفُصُولِ صَحَّتْ نِيَّتُهُ ؛ لِأَنَّ الْوَاقِعَ بِهَا بَائِنٌ وَالْبَيْنُونَةُ تَتَنَوَّعُ إلَى غَلِيظَةٍ وَخَفِيفَةٍ فَصَحَّتْ نِيَّتُهُ أَيَّهمَا كَانَتْ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ أَفْضَلُ الطَّلَاقِ أَوْ أَكْمَلُهُ أَوْ أَعْدَلُهُ أَوْ أَحْسَنُهُ حَيْثُ يَقَعُ بِهِ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ أَوْ نَوَى وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ وَيَحْتَمِلُ الثَّلَاثَ لِذِكْرِ الْمَصْدَرِ . ا هـ . (قَوْلُهُ كَانَ الْمُشَبَّهُ بِهِ لِلزِّيَادَةِ) أَيْ لِاقْتِضَاءِ التَّشْبِيهِ الزِّيَادَةَ . (قَوْلُهُ وَثَمَرَتُهُ تَظْهَرُ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ مِثْلَ سِمْسِمَةٍ) تَقَعُ وَاحِدَةً بَائِنَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَزُفَرَ رَجْعِيَّةٌ ا هـ . (قَوْلُهُ أَوْ عِظَمَ سِمْسِمَةٍ) تَقَعُ بَائِنَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ زُفَرَ رَجْعِيَّةٌ . ا هـ . (قَوْلُهُ أَوْ كَالْجَبَلِ) بَائِنَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ رَجْعِيَّةٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ا هـ . (قَوْلُهُ أَوْ عِظَمَ الْجَبَلِ) بَائِنَةٌ اتِّفَاقًا ا هـ هَذَا كُلُّهُ عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ أَمَّا لَوْ نَوَى الثَّلَاثَ فِي هَذِهِ الْفُصُولِ صَحَّتْ نِيَّتُهُ ؛ لِأَنَّ الْوَاقِعَ بِهَا بَائِنٌ وَالْبَيْنُونَةُ مُتَنَوِّعَةٌ إلَى غَلِيظَةٍ وَخَفِيفَةٍ . ا هـ . كَمَالٌ . (قَوْلُهُ ، وَلَوْ قَالَ كَالثَّلْجِ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ أَبَا يُوسُفَ لَا يَقْصُرُ الْبَيْنُونَةَ فِي التَّشْبِيهِ عَلَى ذِكْرِ الْعِظَمِ بَلْ يَقَعُ بِدُونِهِ عِنْدَ قَصْدِ الزِّيَادَةِ ، وَكَذَا يَبْعُدُ كُلَّ الْبُعْدِ أَنْ يَقَعَ بَائِنٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ كَأَعْدَلِ الطَّلَاقِ وَكَأَسَنِّهِ وَكَأَحْسَنِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ

(2/212)


(فَصْلٌ فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ)
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (طَلَّقَ غَيْرَ الْمَوْطُوءَةِ ثَلَاثًا وَقَعْنَ) ، وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ إذَا قَالَ أَوْقَعْتُ عَلَيْكِ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ وَقَعْنَ عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّهَا تَبِينُ بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ لَا إلَى عِدَّةٍ . وَقَوْلُهُ ثَلَاثًا يُصَادِفُهَا وَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ فَصَارَ كَمَا لَوْ عَطَفَ بِخِلَافِ قَوْلِهِ أَوْقَعْت عَلَيْك ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ وَلَنَا أَنَّهُ مَتَى ذَكَرَ الْعَدَدَ كَانَ الْوُقُوعُ بِالْعَدَدِ عَلَى مَا مَرَّ بِفُرُوعِهِ بِخِلَافِ الْعَطْفِ ، وَلِأَنَّ الْكُلَّ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ فَلَا يُفْصَلُ بَعْضُهَا عَنْ بَعْضٍ بِخِلَافِ الْعَطْفِ وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَجُمْهُورِ التَّابِعِينَ وَفُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ فَرَّقَ بَانَتْ بِوَاحِدَةٍ) أَيْ إنْ فَرَّقَ الطَّلَاقَ بَانَتْ بِطَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً ، أَوْ يَقُولَ أَنْتِ طَالِقٌ طَالِقٌ طَالِقٌ أَوْ يَقُولَ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ ، وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ تَطْلُقُ ثَلَاثًا إذَا كَانَ بِعَطْفٍ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَرَبِيعَةَ وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْقَدِيمِ ؛ لِأَنَّ الْوَاوَ لِلْجَمْعِ الْمُطْلَقِ بِغَيْرِ تَرْتِيبٍ وَالْمَلْفُوظُ بِحَرْفِ الْجَمْعِ كَالْمَلْفُوظِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ ، وَلِهَذَا لَوْ زَوَّجَهُ فُضُولِيٌّ أُخْتَيْنِ فِي عُقْدَتَيْنِ فَقَالَ أَجَزْت نِكَاحَ هَذِهِ وَهَذِهِ بَطَلَا ، وَكَذَا لَوْ مَاتَ شَخْصٌ وَتَرَكَ ثَلَاثَةَ أَعْبُدٍ قِيمَتُهُمْ عَلَى السَّوَاءِ فَقَالَ ابْنُهُ أَعْتَقَ أَبِي هَذَا ، وَهَذَا ، وَهَذَا حَيْثُ يَكُونُ الثَّلَاثُ بَيْنَهُمْ عَلَى السَّوَاءِ ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ كَالْمَلْفُوظِ بِهِ جُمْلَةً لَاخْتَصَّ بِهِ الْأَوَّلُ كَمَا إذَا سَكَتَ بَيْنَ الْكَلِمَاتِ ، وَكَذَا إذَا قَالَ لِغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَنِصْفًا أَوْ وَاحِدَةً وَأُخْرَى يَقَعُ ثِنْتَانِ ، وَكَذَا لَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَعِشْرِينَ تَطْلُقُ ثَلَاثًا لِمَا قُلْنَا وَلَنَا أَنَّهَا بَانَتْ بِالْأُولَى لَا إلَى عِدَّةٍ فَلَا يَقَعُ مَا بَعْدَهَا بِخِلَافِ الْمَجْمُوعِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ فَإِنَّهَا تَقَعُ جُمْلَةً وَاحِدَةً فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَتَوَقَّفَ صَدْرُ الْكَلَامِ لِيَتَحَقَّقَ الْجَمْعُ قُلْنَا لَوْ تَوَقَّفَ لَصَارَ لِلْقِرَانِ وَالْوَاوُ لَا تُوجِبُهُ فَإِنْ قِيلَ لَوْ لَمْ يَتَوَقَّفْ لَصَارَ لِلتَّرْتِيبِ قُلْنَا الْوَاوُ لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ أَيَّ جَمْعٍ كَانَ وَلَا تَنَافِي إلَّا أَنَّ الْمَحَلَّ لَا يَقْبَلُ هَذَا الْجَمْعَ لِعَدَمِ الْعِدَّةِ . وَقَوْلُهُ وَاحِدَةً وَنِصْفَهَا أَوْ وَاحِدَةً وَعِشْرِينَ لَيْسَ لَهُمَا عِبَارَةٌ أَخْصَرُ مِنْهُمَا فَكَانَ فِيهِمَا ضَرُورَةٌ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ تَثْنِيَتُهُ أَوْ جَمْعُهُ وَإِنَّمَا وَقَعَ ثِنْتَانِ فِي قَوْلِهِ وَاحِدَةً وَأُخْرَى لِعَدَمِ اسْتِعْمَالِ أُخْرَى ابْتِدَاءً وَاسْتِقْلَالًا . وَأَمَّا نِكَاحُ الْأُخْتَيْنِ وَمَسْأَلَةُ الْوَارِثِ فَلِأَنَّ آخِرَ كَلَامِهِ مُغَيِّرٌ لِصَدْرِهِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى آخِرِهِ كَمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الشَّرْطِ وَالِاسْتِثْنَاءِ ، وَهَذَا لِأَنَّ نِكَاحَ الْمَرْأَةِ مَتَى صَحَّ أَبْطَلَ نِكَاحَ أُخْتِهَا فَكَانَ مُغَيِّرًا ، وَكَذَا إقْرَارُ الْوَارِثِ بِالْعِتْقِ لِلثَّانِي وَالثَّالِثِ مُغَيِّرٌ لِصَدْرِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ سَكَتَ عَنْ إقْرَارِهِ لِلْأَوَّلِ كَانَ لَهُ الثُّلُثُ كُلُّهُ فَإِذَا أَقَرَّ لِغَيْرِهِ مَعَهُ شَارَكَهُ فِيهِ فَنَقَصَ حَقُّهُ فَكَانَ مُغَيِّرًا

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ مَاتَتْ بَعْدَ الْإِيقَاعِ قَبْلَ الْعَدَدِ لَغَا) أَيْ إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا أَوْ نَحْوَهُ مِنْ الْعَدَدِ فَمَاتَتْ بَعْدَ قَوْلِهِ طَالِقٌ قَبْلَ قَوْلِهِ ثَلَاثًا وَنَحْوَهُ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّ الْوَاقِعَ هُوَ الْعَدَدُ عَلَى مَا مَرَّ فَإِذَا مَاتَتْ قَبْلَ ذِكْرِهِ بَطَلَ الْمَحَلُّ قَبْلَ الْإِيقَاعِ فَلَا يَقَعُ بِدُونِهِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُجَانِسُ مَا قَبْلَهَا مِنْ حَيْثُ فَوَاتُ الْمَحَلِّ عِنْدَ الْإِيقَاعِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَبْطُلَ الْمَحَلِّيَّةُ بِالطَّلَاقِ أَوْ بِالْمَوْتِ وَلَا يُقَالُ لَوْ كَانَ الْوَاقِعُ هُوَ الْعَدَدُ لَمَا وَقَعَ عَلَيْهَا عِنْدَ اقْتِصَارِهِ عَلَى قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَلَمْ يَذْكُرْ الْعَدَدَ مَاتَتْ بَعْدَهُ أَوْ لَمْ تَمُتْ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ تُقَدَّرُ الطَّلْقَةُ الْوَاحِدَةُ عِنْدَ عَدَمِ ذِكْرِهَا اقْتِضَاءً وَعِنْدَ وُجُودِ ذِكْرِ الْعَدَدِ يَقَعُ الْمَذْكُورُ فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّقْدِيرِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً أَوْ قَبْلَ وَاحِدَةٍ أَوْ بَعْدَهَا وَاحِدَةٌ تَقَعُ وَاحِدَةً) ، وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي الْعَطْفِ ؛ لِأَنَّهَا بَانَتْ بِالْأُولَى لِعَدَمِ الْعِدَّةِ فَلَا يَلْحَقُهَا الثَّانِيَةُ لِعَدَمِ تَوَقُّفِ صَدْرِ الْكَلَامِ عَلَى آخِرِهِ عِنْدَ عَدَمِ الْمُغَيِّرِ فَصَارَ كُلُّ وَاحِدٍ إيقَاعًا عَلَى حِدَةٍ وَلَا يَنْتَقِضُ بِمَا إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إنْ شِئْت فَقَالَتْ شِئْت وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً حَيْثُ يَقَعُ عَلَيْهَا ثَلَاثٌ مَعَ التَّفْرِيقِ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّمَا وَقَعَ عَلَيْهَا الثَّلَاثُ ثَمَّةَ ؛ لِأَنَّ تَمَامَ الشَّرْطِ بِآخِرِ كَلَامِهَا فَمَا لَمْ يَتِمَّ الشَّرْطُ لَا يَنْزِلُ الْجَزَاءُ . وَأَمَّا قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً قَبْلَ وَاحِدَةٍ أَوْ بَعْدَهَا وَاحِدَةٌ فَلِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الْقَبْلِيَّةَ وَالْبَعْدِيَّةَ صِفَةٌ لِلْمَذْكُورِ أَوَّلًا إنْ لَمْ يُقْرَنْ بِالْكِنَايَةِ وَإِنْ قُرِنَ بِهَا يَكُونُ صِفَةً لِلْمَذْكُورِ آخِرًا كَقَوْلِك جَاءَنِي زَيْدٌ قَبْلَ عَمْرٍو يَقْتَضِي سَبْقَ زَيْدٍ ، وَلَوْ قُلْت جَاءَنِي زَيْدٌ قَبْلَهُ عَمْرٌو اقْتَضَى سَبْقَ عَمْرٍو فَالْقَبْلِيَّةُ فِي قَوْلِهِ وَاحِدَةً قَبْلَ وَاحِدَةٍ صِفَةُ الْأُولَى فَوَقَعَتْ قَبْلَ الثَّانِيَةِ فَلَا تَلْحَقُهَا الثَّانِيَةُ لِمَا قُلْنَا وَالْبَعْدِيَّةُ فِي قَوْلِهِ وَاحِدَةً
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فَصْلٌ فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ) (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ طَلَّقَ غَيْرَ الْمَوْطُوءَةِ ثَلَاثًا وَقَعْنَ) أَيْ ؛ لِأَنَّهُ إيقَاعٌ بِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ طَلَاقًا بَائِنًا فَيَقَعْنَ جُمْلَةً . ا هـ . عَيْنِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - . (قَوْلُهُ مَا مَرَّ بِفُرُوعِهِ) أَيْ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً أَوْ لَا . ا هـ ..

(قَوْلُهُ بَانَتْ بِطَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ) أَيْ ؛ لِأَنَّهُ مَا لَمْ يُعَلِّقْ الْكَلَامَ بِشَرْطٍ أَوْ يَذْكُرْ فِي آخِرِهِ مَا يُغَيِّرُ صَدْرَهُ كَانَ كُلُّ لَفْظٍ إيقَاعًا عَلَى حِدَةٍ فَيَقَعُ بِالْأَوَّلِ وَتَبِينُ لَا إلَى عِدَّةٍ فَيُصَادِفُهَا الثَّانِي وَهِيَ بَائِنٌ فَلَا يَقَعُ قَالَهُ الْعَيْنِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - . (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ تَثْنِيَتُهُ أَوْ جَمْعُهُ) مِنْ هُنَا إلَى قَوْلِهِ فِي بَابِ الْمَرِيضِ وَالْمَرْأَةُ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا كَالرَّجُلِ سَاقِطٌ مِنْ نُسْخَةِ الْمُصَنِّفِ الَّتِي بِخَطِّ يَدِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

(قَوْلُهُ أَوْ بَعْدَهَا وَاحِدَةٌ تَقَعُ وَاحِدَةً) أَيْ بَائِنَةً فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ . ا هـ . عَيْنِيٌّ . (قَوْلُهُ كَقَوْلِك جَاءَنِي زَيْدٌ قَبْلَ عَمْرٍو) أَيْ أَوْ جَاءَنِي زَيْدٌ بَعْدَهُ عَمْرٌو . ا هـ . (قَوْلُهُ ، وَلَوْ قُلْت جَاءَنِي زَيْدٌ قَبْلَهُ عَمْرٌو) أَيْ أَوْ بَعْدَهُ عَمْرٌو . ا هـ ..

(2/213)


بَعْدَهَا وَاحِدَةٌ صِفَةُ الْأَخِيرَةِ فَوَقَعَتْ الْأُولَى قَبْلَهَا ضَرُورَةً فَلَا تَلْحَقُهَا الثَّانِيَةُ لِمَا ذَكَرْنَا

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي بَعْدَ وَاحِدَةٍ أَوْ قَبْلَهَا وَاحِدَةٌ أَوْ مَعَ وَاحِدَةٍ أَوْ مَعَهَا ثِنْتَانِ) يَعْنِي فِيمَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً بَعْدَ وَاحِدَةٍ أَوْ قَالَ وَاحِدَةً قَبْلَهَا وَاحِدَةٌ أَوْ قَالَ وَاحِدَةً مَعَ وَاحِدَةٍ أَوْ مَعَهَا وَاحِدَةٌ يَقَعُ ثِنْتَانِ أَمَّا فِي قَوْلِهِ وَاحِدَةً بَعْدَ وَاحِدَةٍ أَوْ قَبْلَهَا وَاحِدَةٌ فَلِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْقَبْلِيَّةَ وَالْبَعْدِيَّةَ صِفَةٌ لِلْمَذْكُورِ أَوَّلًا لَمْ يَقْرُنْ الظَّرْفَ بِالْكِنَايَةِ وَإِنْ قَرَنَهُ بِهَا يَكُونُ صِفَةً لِلْمَذْكُورِ آخِرًا فَالْبَعْدِيَّةُ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً بَعْدَ وَاحِدَةٍ صِفَةٌ لِلْأُولَى لِعَدَمِ الْقِرَانِ بِالْكِنَايَةِ فَيَسْتَدْعِي تَقَدُّمَ الثَّانِيَةِ وُقُوعًا وَلَيْسَ فِي وُسْعِهِ ذَلِكَ فَيَقْتَرِنَانِ وَالْقَبْلِيَّةُ فِي قَوْلِهِ قَبْلَهَا وَاحِدَةٌ صِفَةٌ لِلْأَخِيرَةِ لِقَرْنِ الظَّرْفِ بِالْكِنَايَةِ فَيَقْتَضِي تَقَدُّمَهَا عَلَى الْأُولَى وَلَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ فَيَقْتَرِنَانِ ؛ لِأَنَّ الْإِيقَاعَ فِي الْمَاضِي إيقَاعٌ فِي الْحَالِ لِاسْتِحَالَةِ حَقِيقَتِهِ كَمَا إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ يَقَعُ فِي الْحَالِ . وَأَمَّا فِي قَوْلِهِ مَعَ وَاحِدَةٍ أَوْ مَعَهَا وَاحِدَةٌ فَلِأَنَّ كَلِمَةَ مَعَ لِلْقِرَانِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى الثَّانِيَةِ تَحْقِيقًا لِمَعْنَاهَا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي قَوْلِهِ مَعَهَا وَاحِدَةٌ تَقَعُ وَاحِدَةٌ ؛ لِأَنَّ الْكِنَايَةَ تَقْتَضِي سَبْقَ الْمَكْنِيِّ عَنْهُ وُجُودًا

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً فَدَخَلَتْ تَقَعُ وَاحِدَةٌ وَإِنْ أَخَّرَ الشَّرْطَ فَثِنْتَانِ) يَعْنِي إذَا قَالَ لَهَا إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً فَدَخَلَتْ تَطْلُقُ طَلْقَةً وَاحِدَةً ، وَلَوْ أَخَّرَ الشَّرْطَ بِأَنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَدَخَلَتْ يَقَعُ ثِنْتَانِ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَهُمَا يَقَعُ ثِنْتَانِ فِيهِمَا ؛ لِأَنَّهُ أَوْقَعَهُمَا عِنْدَ الشَّرْطِ وَحَالُ وُجُودِ الشَّرْطِ حَالَةٌ وَاحِدَةٌ فَوَقَعَا جُمْلَةً ضَرُورَةً كَمَا إذَا أَخَّرَ الشَّرْطَ ، وَهَذَا لِأَنَّ الْوَاوَ لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ دُونَ التَّرْتِيبِ فَيَقْتَضِي الِاجْتِمَاعَ فِي الْوُقُوعِ ، وَلِأَنَّ الْجُمْلَةَ الثَّانِيَةَ نَاقِصَةٌ فَشَارَكَتْ الْأُولَى فِي التَّعَلُّقِ بِالشَّرْطِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ كَالْمُنَجَّزِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ ، وَلَوْ نَجَّزَهُ حَقِيقَةً لَمْ تَقَعْ الثَّانِيَةُ فَكَذَا إذَا صَارَ كَالْمُنَجَّزِ حُكْمًا بِخِلَافِ مَا إذَا أَخَّرَ الشَّرْطَ ؛ لِأَنَّ صَدْرَ الْكَلَامِ تَوَقَّفَ عَلَى آخِرِهِ لِوُجُودِ الْمُغَيِّرِ فِي آخِرِهِ فَكَانَ فِي حُكْمِ الْبَيَانِ وَلَا كَذَلِكَ إذَا تَقَدَّمَ الشَّرْطُ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ مَا يُوجِبُ التَّوَقُّفَ مِنْ شَرْطٍ وَغَيْرِهِ
فَإِنْ قِيلَ أَلَيْسَ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهَا إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً لَا بَلْ ثِنْتَيْنِ فَدَخَلَتْ الدَّارَ طَلُقَتْ ثَلَاثًا ، وَلَوْ نَجَّزَهُ بِهَذَا اللَّفْظِ لَمْ يَقَعْ إلَّا وَاحِدَةٌ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ وُقُوعَهُ مُرَتَّبًا فِي الْمُنَجَّزِ لَا يَدُلُّ عَلَى وُقُوعِهِ كَذَلِكَ فِي الْمُعَلَّقِ قُلْنَا قَوْلُهُ لَا بَلْ لِاسْتِدْرَاكِ الْغَلَطِ بِإِقَامَةِ الثَّانِي مُقَامَ الْأَوَّلِ فَصَحَّ ذَلِكَ فِي التَّعْلِيقِ لِبَقَاءِ الْمَحَلِّ بَعْدَمَا تَعَلَّقَ الْأَوَّلُ بِالشَّرْطِ فَتَتَعَلَّقُ الثَّانِيَةُ بِذَلِكَ الشَّرْطِ بِلَا وَاسِطَةٍ كَأَنَّهُ أَعَادَ ذِكْرَ الشَّرْطِ فَإِذَا وُجِدَ الشَّرْطُ نَزَلَا جُمْلَةً وَاحِدَةً ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ الْوَاحِدَ يُنْحَلُ بِهِ أَيْمَانٌ كَثِيرَةٌ بِخِلَافِ مَا إذَا نَجَزَهُ بِقَوْلِهِ لَا بَلْ ؛ لِأَنَّهَا بَانَتْ بِالْأُولَى لَا إلَى عِدَّةٍ فَلَمْ يَصِحَّ التَّكَلُّمُ مِنْهُ بِالثِّنْتَيْنِ لِعَدَمِ الْمَحَلِّ وَفِي الْمَدْخُولِ بِهَا تَقَعُ الثَّانِيَةُ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا لِقِيَامِ الْمَحَلِّيَّةِ بَعْدَ وُقُوعِ الْأُولَى
وَلَوْ عَطَفَ بِالْفَاءِ قَالَ الْكَرْخِيُّ وَالطَّحَاوِيُّ إنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ ؛ لِأَنَّهَا لِلْعَطْفِ كَالْوَاوِ ، وَذَكَرَ أَبُو اللَّيْثِ أَنَّهُ تَقَعُ وَاحِدَةً عِنْدَ الْكُلِّ إنْ قَدَّمَ الشَّرْطَ وَهُوَ الْأَصَحُّ ؛ لِأَنَّ الْفَاءَ لِلتَّعْقِيبِ فَصَارَتْ كَكَلِمَةِ ثُمَّ وَبَعْدَ بِخِلَافِ الْوَاوِ ، وَلَوْ عَطَفَ بِثُمَّ وَأَخَّرَ الشَّرْطَ فَإِنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا يَقَعُ فِي الْحَالِ ثِنْتَانِ وَتَتَعَلَّقُ الثَّالِثَةُ بِالشَّرْطِ وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا يَقَعُ فِي الْحَالِ وَاحِدَةٌ وَيَلْغُو الْبَاقِي وَإِنْ قَدَّمَ الشَّرْطَ تَعَلَّقَ الْأَوَّلُ بِالشَّرْطِ وَوَقَعَتْ الثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ إنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَدْخُولًا بِهَا تَعَلَّقَ الْأَوَّلُ وَوَقَعَ الثَّانِي وَلَغَا الثَّالِثُ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا تَعَلَّقَ الْكُلُّ بِالشَّرْطِ قَدَّمَ الشَّرْطَ أَوْ أَخَّرَهُ إلَّا أَنَّ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ تَطْلُقُ ثَلَاثًا إنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا وَإِلَّا تَطْلُقُ وَاحِدَةً ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ أَثَرَ التَّرَاخِي يَظْهَرُ فِي التَّعْلِيقِ عِنْدَهُ فَكَأَنَّهُ سَكَتَ بَيْنَ كَلِمَتَيْنِ وَعِنْدَهُمَا يَظْهَرُ فِي الْوُقُوعِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ لَا فِي التَّعْلِيقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ

(بَابُ الْكِنَايَاتِ)
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا تَطْلُقُ بِهَا إلَّا بِنِيَّتِهِ أَوْ دَلَالَةِ الْحَالِ) أَيْ لَا تَطْلُقُ بِالْكِنَايَاتِ إلَّا بِأَحَدِ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ ؛ لِأَنَّ أَلْفَاظَ الْكِنَايَاتِ غَيْرُ مُخْتَصَّةٍ بِالطَّلَاقِ بَلْ تَحْتَمِلُهُ وَغَيْرَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْمُرَجِّحِ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا اعْتِبَارَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(قَوْلُهُ أَوْ مَعَهَا ثِنْتَانِ) أَيْ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ الْأَرْبَعِ . ا هـ . (قَوْلُهُ فَلِأَنَّ كَلِمَةَ مَعَ لِلْقِرَانِ) أَيْ اقْتَرَنَتْ بِالضَّمِيرِ أَوَّلًا . ا هـ . عَيْنِيٌّ.

(قَوْلُهُ وَعِنْدَهُمَا يَقَعُ ثِنْتَانِ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - . وَقَوْلُهُمَا أَرْجَحُ . ا هـ . (قَوْلُهُ بِإِقَامَةِ الثَّانِي مَقَامَ الْأَوَّلِ) أَيْ وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ فِي الطَّلَاقِ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَفِي الْمَدْخُولِ بِهَا تَقَعُ الثَّانِيَةُ) أَيْ فِي مَسْأَلَةِ الْمَتْنِ وَهِيَ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً لَا فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً لَا بَلْ ثِنْتَيْنِ فَإِنَّهَا إذَا كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا وَقَعَ عَلَيْهَا الثَّلَاثُ اَ هـ . (قَوْلُهُ ، وَلَوْ عَطَفَ بِالْفَاءِ) أَيْ بِأَنْ قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً فَوَاحِدَةً . ا هـ . (قَوْلُهُ قَالَ الْكَرْخِيُّ وَالطَّحَاوِيُّ إنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ) فَعِنْدَهُ تَبِينُ بِوَاحِدَةٍ وَيَسْقُطُ مَا بَعْدَهَا وَعِنْدَهُمَا يَقَعُ الثَّلَاثُ . ا هـ . كَمَالٌ . (قَوْلُهُ ، وَلَوْ عَطَفَ بِثُمَّ وَأَخَّرَ الشَّرْطَ) أَيْ بِأَنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً ثُمَّ وَاحِدَةً ثُمَّ وَاحِدَةً إنْ دَخَلْت الدَّارَ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَإِنْ قَدَّمَ الشَّرْطَ) أَيْ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً ثُمَّ وَاحِدَةً ثُمَّ وَاحِدَةً . ا هـ .

(بَابُ الْكِنَايَاتِ)
لَمَّا ذَكَرَ أَحْكَامَ الصَّرِيحِ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْكِنَايَاتِ وَقَدَّمَ الصَّرِيحَ إذْ هُوَ الْأَصْلُ فِي الْكَلَامِ ؛ لِأَنَّهُ وُضِعَ لِلْإِفْهَامِ فَمَا كَانَ أَدْخَلَ وَأَظْهَرَ إفْهَامًا كَانَ أَصْلًا بِالنِّسْبَةِ لِمَا وُضِعَ لَهُ وَحِينَ كَانَ الصَّرِيحُ مَا ظَهَرَ الْمُرَادُ مِنْهُ لِاشْتِهَارِهِ فِي الْمَعْنَى كَانَ الْكِنَايَةُ مَا خَفِيَ الْمُرَادُ بِهِ لِتَوَارُدِ الِاحْتِمَالَاتِ عَلَيْهِ . ا هـ . فَتْحٌ

(2/214)


بِالدَّلَالَةِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ ؛ لِأَنَّهُ مُخْتَارٌ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُضْمِرَ خِلَافَ الظَّاهِرِ وَلَنَا أَنَّ الْحَالَ أَقْوَى دَلَالَةً مِنْ النِّيَّةِ ؛ لِأَنَّهَا ظَاهِرَةٌ وَالنِّيَّةُ بَاطِنَةٌ وَمَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ يَا عَفِيفُ أَوْ يَا عَتِيقُ أَوْ يَا بَرِيًّا مِنْ الْعُيُوبِ وَنَحْوِهِ يَكُونُ مَدْحًا لَهُ فِي حَالِ تَعْظِيمِهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ كَمَا قَالَ حَسَّانُ يَمْدَحُ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -
فَمَا حَمَلَتْ مِنْ نَاقَةٍ فَوْقَ رَحْلِهَا ... أَبَرَّ وَأَوْفَى ذِمَّةً مِنْ مُحَمَّدٍ
وَفِي حَالِ الشَّتْمِ وَالْغَضَبِ يَكُونُ ذَمًّا كَمَا قَالَ النَّجَاشِيُّ يَهْجُو قَوْمًا
قَبِيلَتُهُ لَا يَغْدِرُونَ بِذِمَّةٍ ... وَلَا يَظْلِمُونَ النَّاسَ حَبَّةَ خَرْدَلٍ
، وَكَذَلِكَ فِي الْأَفْعَالِ الْحِسِّيَّةِ حَتَّى لَوْ أَنَّ رَجُلًا سَلَّ سَيْفَهُ وَقَصَدَ إنْسَانًا وَالْحَالُ يَدُلُّ عَلَى الْمَزْحِ وَاللَّعِبِ لَمْ يَجُزْ قَتْلُهُ وَلَا يُعْتَبَرُ احْتِمَالُ الْجِدِّ وَإِظْهَارُ الْمَزْحِ لِلتَّمَكُّنِ ، وَلَوْ دَلَّ الْحَالُ عَلَى الْجِدِّ جَازَ قَتْلُهُ دَفْعًا فَكَانَتْ الْحَالَةُ الظَّاهِرَةُ مُغْنِيَةً عَنْ النِّيَّةِ وَمُعِينَةً لِلْجِهَةِ ظَاهِرًا فَإِذَا قَالَ لَمْ أُرِدْ بِهِ الطَّلَاقَ فَقَدْ أَرَادَ بُطْلَانَ حُكْمِ الظَّاهِرِ فَلَا يُصَدَّقُ قَضَاءً كَمَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ، وَقَالَ نَوَيْت بِهِ الطَّلَاقَ عَنْ وَثَاقٍ وَعَلَى هَذَا أَحْكَامٌ جَمَّةٌ تَتَعَلَّقُ بِظَاهِرِ الْحَالِ فَلَا يُنْكِرُهَا إلَّا مُكَابِرٌ كَتَعْيِينِ غَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ عِنْدَ إطْلَاقِ الثَّمَنِ مَعَ اخْتِلَافِ النُّقُودِ وَصَرْفِ مُطْلَقِ النِّيَّةِ فِي الْحَجِّ إلَى حَجَّةِ الْإِسْلَامِ لِلضَّرُورَةِ بِدَلَالَةِ حَالِهِمَا ، وَأَوْضَحُ مِنْهُ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا قَالَ لِغَيْرِهِ لِي عَلَيْك أَلْفٌ فَقَالَ نَعَمْ لَزِمَهُ ، وَلَوْ قَالَ أَعْتَقْت عَبْدَك فَقَالَ نَعَمْ عَتَقَ لِإِقْرَارِهِ بِهِ دَلَالَةً

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَتَطْلُقُ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً فِي اعْتَدِّي وَاسْتَبْرِئِي رَحِمَك وَأَنْتِ وَاحِدَةٌ) يَعْنِي لَا يَقَعُ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ إلَّا وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ ، وَلَوْ نَوَى ثَلَاثًا أَوْ ثِنْتَيْنِ كَمَا فِي الصَّرِيحِ إذَا لَمْ يَذْكُرْ الْمَصْدَرَ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِمَا رُوِيَ أَنَّهُ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ لِسَوْدَةِ اعْتَدِّي ثُمَّ رَاجَعَهَا» ، وَلِأَنَّ حَقِيقَتَهَا أَمْرٌ بِالْحِسَابِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهَا اعْتِدَادُ نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهَا أَوْ مَا أَنْعَمَ عَلَيْهَا الزَّوْجُ أَوْ الِاعْتِدَادُ مِنْ النِّكَاحِ فَإِذَا نَوَاهُ زَالَ الْإِبْهَامُ وَوَجَبَ الطَّلَاقُ بَعْدَ الدُّخُولِ اقْتِضَاءً فَيَكُونُ الْمُقْتَضَى صَرِيحَ الطَّلَاقِ كَأَنَّهُ قَالَ لَهَا طَلَّقْتُك فَاعْتَدِّي وَهُوَ رَجْعِيٌّ وَلَا يَقْبَلُ الْعَدَدَ وَقَبْلَ الدُّخُولِ جُعِلَ مُسْتَعَارًا عَنْ الطَّلَاقِ ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُهُ فِي الْجُمْلَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَبَبًا لَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَاسْتُعِيرَ الْحُكْمُ لِسَبَبِهِ فَجَازَ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ السَّبَبُ عِلَّةً لِكَوْنِهِ مُخْتَصًّا بِهِ مِثْلَ قَوْله تَعَالَى {إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا} [يوسف : 36] أَيْ عِنَبًا فَصَارَ مَجَازًا عَنْ صَرِيحِ الطَّلَاقِ وَهُوَ يَعْقُبُ الرَّجْعَةَ . وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ صَرِيحٌ بِمَا هُوَ الْمَقْصُودُ فِي الِاعْتِدَادِ وَهُوَ بَرَاءَةُ الرَّحِمِ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَتِهِ غَيْرَ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ الِاسْتِبْرَاءَ لِيُطَلِّقَهَا أَوْ بَعْدَمَا طَلَّقَهَا فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِدُونِ الْقَرِينَةِ . وَأَمَّا الثَّالِثُ فَلِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ نَعْتًا لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ أَيْ أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً وَاحِدَةً وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ نَعْتًا لِلْمَرْأَةِ أَيْ أَنْتِ وَاحِدَةٌ عِنْدَ قَوْمِك أَوْ عِنْدِي أَوْ لِعَدَمِ نَظِيرِهَا فِي الْجَمَالِ وَالْكَمَالِ أَوْ فِي الْقُبْحِ فَإِذَا زَالَ الْإِبْهَامُ بِالنِّيَّةِ أَوْ بِدَلَالَةِ الْحَالِ كَانَ الْوَاقِعُ بِهِ صَرِيحَ الطَّلَاقِ وَهُوَ يَعْقُبُ الرَّجْعَةَ وَالنَّصُّ عَلَى الْوَاحِدَةِ يُنَافِي الْعَدَدَ وَلَا مُعْتَبَرَ بِإِعْرَابِ الْوَاحِدَةِ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنْ نَصَبَ الْوَاحِدَةِ وَقَعَ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ ؛ لِأَنَّهُ نَعْتٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ وَإِنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ فَلَا يُصَدَّقُ قَضَاءً) أَيْ . وَأَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَيُصَدِّقُهُ سُبْحَانَهُ إذَا نَوَى خِلَافَ مُقْتَضَى ظَاهِرِ الْحَالِ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ لَا يَقَعُ بِهَا الطَّلَاقُ إلَّا بِالنِّيَّةِ أَوْ بِدَلَالَةِ الْحَالِ يُحْمَلُ عَلَى حُكْمِ الْقَاضِي بِالْوُقُوعِ أَمَّا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَلَا يَقَعُ إلَّا بِالنِّيَّةِ مُطْلَقًا ، أَلَا تَرَى أَنَّ أَنْتِ طَالِقٌ إذْ قَالَ أَرَدْت عَنْ وَثَاقٍ لَا يُصَدِّقُهُ وَفِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ هِيَ زَوْجَتُهُ إذَا كَانَ نَوَاهُ . ا هـ . كَمَالٌ.

(قَوْلُهُ فَيَكُونُ الْمُقْتَضَى صَرِيحَ الطَّلَاقِ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْقَوْلَ بِالِاقْتِضَاءِ وَثُبُوتِ الرَّجْعَةِ فِيمَا إذَا قَالَهُ بَعْدَ الدُّخُولِ أَمَّا قَبْلَهُ فَهُوَ مَجَازٌ عَنْ كُونِي طَالِقًا بِاسْمِ الْحُكْمِ عَنْ الْعِلَّةِ لَا الْمُسَبِّبِ عَنْ السَّبَبِ لِيَرِدَ أَنَّ شَرْطَهُ اخْتِصَاصُ الْمُسَبِّبِ بِالسَّبَبِ وَالْعِدَّةُ لَا تَخْتَصُّ بِالطَّلَاقِ لِثُبُوتِهَا فِي أُمِّ الْوَلَدِ إذْ أَعْتَقَتْ وَيُجَابُ بِأَنَّ ثُبُوتَهَا فِيمَا ذَكَرَ لِوُجُودِ سَبَبِ ثُبُوتِهَا فِي الطَّلَاقِ وَهُوَ الِاسْتِبْرَاءُ لَا بِالْأَصَالَةِ وَهُوَ غَيْرُ دَافِعِ سُؤَالِ عَدَمِ الِاخْتِصَاصِ (وَاعْلَمْ) أَنَّهُ كَمَا يَجِبُ كَوْنُهَا مَجَازًا عَنْ كُونِي طَالِقًا فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا يَجِبُ كَوْنُ اسْتَبْرِئِي كَذَلِكَ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا إذَا كَانَتْ آيِسَةً أَوْ صَغِيرَةً
وَمَا فِي النَّوَادِرِ مِنْ أَنَّ وُقُوعَ الرَّجْعِيِّ بِهَا اسْتِحْسَانٌ لِحَدِيثِ سَوْدَةَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهَا «اعْتَدِّي ثُمَّ رَاجَعَهَا» وَالْقِيَاسُ أَنْ يَقَعَ الْبَائِنُ كَسَائِرِ الْكِنَايَاتِ بَعِيدٌ بَلْ ثُبُوتُ الرَّجْعِيِّ بِهَا قِيَاسٌ وَاسْتِحْسَانٌ ؛ لِأَنَّ عِلَّةَ الْبَيْنُونَةِ فِي غَيْرِ الثَّلَاثَةِ مُنْتَفِيَةٌ فِيهَا فَلَا يَتَّجِهُ الْقِيَاسُ أَصْلًا نَعَمْ الِاعْتِدَادُ يَقْتَضِي فُرْقَةً بَعْدَ الدُّخُولِ وَهِيَ أَعَمُّ مِنْ رَجْعِيٍّ وَبَائِنٍ لَكِنْ لَا يُوجِبُ ذَلِكَ تَعَيُّنَ الْبَائِنِ بَلْ يَتَعَيَّنُ الْأَخَفُّ لِعَدَمِ الدَّلَالَةِ عَلَى الزَّائِدِ عَلَيْهِ ا هـ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . (قَوْلُهُ لِيُطَلِّقَهَا) أَيْ فِي حَالِ فَرَاغِ رَحِمِهَا ا هـ . (قَوْلُهُ فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِدُونِ الْقَرِينَةِ) وَلَا يَخْفَى أَيْضًا أَنَّهَا قَبْلَ الدُّخُولِ مَجَازٌ عَنْ كُونِي طَالِقًا كَاعْتَدِّي ، وَكَذَا فِي الْآيِسَةِ وَالصَّغِيرَةِ الْمَدْخُولِ بِهَا كَمَا ذَكَرْنَاهُ . ا هـ . فَتْحٌ (قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً وَاحِدَةً) أَيْ فَإِذَا نَوَاهُ فَكَأَنَّهُ قَالَهُ يَعْنِي إذَا نَوَاهُ مَعَ الْوَصْفِ الْمَذْكُورِ فَكَأَنَّهُ قَالَهُ لِظُهُورِ أَنَّ مُجَرَّدَ نِيَّةِ الطَّلَاقِ لَا يُوجِبُ الْحُكْمَ . ا هـ . كَمَالٌ . (قَوْلُهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ نَعْتًا) أَيْ بِالرَّفْعِ ا هـ قَالَ الْكَمَالُ فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ الطَّلَاقَ فِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ الثَّلَاثَةِ مُقْتَضًى كَمَا هُوَ فِي اعْتَدِّي وَاسْتَبْرِئِي رَحِمَك ؛ لِأَنَّهُ يَقَعُ شَرْعًا بِهَا فَهُوَ ثَابِتٌ اقْتِضَاءً وَمُضْمَرٌ فِي وَاحِدَةٍ ، وَلَوْ كَانَ مُظْهَرًا لَا يَقَعُ إلَّا وَاحِدَةً فَإِذَا كَانَ مُضْمَرًا وَأَنَّهُ أَضْعَفُ مِنْهُ أَوْلَى أَنْ لَا يَقَعَ إلَّا وَاحِدَةً وَفِي وَاحِدَةٍ وَإِنْ كَانَ الْمَصْدَرُ مَذْكُورًا بِذِكْرِ صِفَتِهِ لَكِنَّ التَّنْصِيصَ عَلَى الْوَاحِدَةِ يَمْنَعُ إرَادَةَ الثَّلَاثِ ؛ لِأَنَّهَا صِفَةٌ لِلْمَصْدَرِ الْمَحْدُودِ بِالْهَاءِ فَلَا يَتَجَاوَزُ الْوَاحِدَةَ ا هـ

(2/215)


رَفَعَ لَا يَقَعُ شَيْءٌ وَإِنْ نَوَى ؛ لِأَنَّهُ نَعْتٌ لِلْمَرْأَةِ وَإِنْ سَكَّنَهَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ لِاحْتِمَالِ الْأَمْرَيْنِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ ؛ لِأَنَّ الْعَوَامَّ لَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ وُجُوهِ الْإِعْرَابِ ، وَلِأَنَّ الرَّفْعَ لَا يُنَافِي الطَّلَاقَ ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّ نَفْسَ الْمَرْأَةِ جَعَلَهَا طَلَاقًا لِلْمُبَالَغَةِ أَيْ أَنْتِ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ كَمَا يُقَالُ رَجُلٌ عَدْلٌ ، وَلِهَذَا قُلْنَا يَقَعُ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ الطَّلَاقُ أَوْ أَنْتِ طَلَاقٌ وَالنَّصْبُ لَا يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ نَعْتًا لِمَصْدَرِ الطَّلَاقِ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَصْدَرُ فِعْلٍ آخَرَ كَقَوْلِهِ أَنْتِ ضَارِبَةٌ ضَرْبَةً وَاحِدَةً وَنَحْوِهِ فَصَارَ الِاحْتِمَالُ مَوْجُودًا فِي الْكُلِّ فَلَا يَتَعَيَّنُ الْبَعْضُ مُرَادًا مَعَ الِاحْتِمَالِ إلَّا بِدَلِيلٍ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي غَيْرِهَا بَائِنَةٌ وَإِنْ نَوَى ثِنْتَيْنِ وَتَصِحُّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ) أَيْ فِي غَيْرِ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ تَقَعُ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ إنْ نَوَى وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ وَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا فَثَلَاثٌ وَقَدْ ذَكَرْنَا مِرَارًا أَنَّ نِيَّةَ الْعَدَدِ فِي الْجِنْسِ لَا تَصِحُّ وَنِيَّةَ الثِّنْتَيْنِ نِيَّةُ الْعَدَدِ فَلَا يَصِحُّ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ أَمَةً فَحِينَئِذٍ يَصِحُّ نِيَّةُ الثِّنْتَيْنِ فِي حَقِّهَا لِكَوْنِهِمَا جَمِيعَ جِنْسِ طَلَاقِهَا كَالثَّلَاثِ فِي حَقِّ الْحُرَّةِ وَلَا تَصِحُّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ فِي قَوْلِهِ اخْتَارِي لِمَا نَذْكُرُ مِنْ قَرِيبٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَبَطَلَ إطْلَاقُهُ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَهِيَ) أَيْ غَيْرُ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ مِنْ الْكِنَايَاتِ (بَائِنٌ بَتَّةً بَتْلَةٌ حَرَامٌ خَلِيَّةٌ بَرِيَّةٌ حَبْلُك عَلَى غَارِبِك الْحَقِي بِأَهْلِك وَهَبْتُكِ لِأَهْلِكِ سَرَّحْتُكِ فَارَقْتُكِ أَمْرُكِ بِيَدِكِ اخْتَارِي أَنْتِ حُرَّةٌ تَقَنَّعِي تَخَمَّرِي اسْتَتِرِي اُغْرُبِي اُخْرُجِي اذْهَبِي قُومِي ابْتَغِي الْأَزْوَاجَ) ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ تَحْتَمِلُ الطَّلَاقَ وَغَيْرَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّعْيِينِ لِيَتَبَيَّنَ الْحَالُ أَمَّا الْبَائِنُ فَلِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ وُجُوهَ الْبَيْنُونَةِ عَنْ وَصْلَةِ النِّكَاحِ وَعَنْ الْمَعَاصِي وَعَنْ الْخَيْرَاتِ أَوْ بَائِنٌ مِنِّي نَسَبًا ؛ لِأَنَّ الْبَيْنُونَةَ ضِدُّ الِاتِّصَالِ وَالِاتِّصَالُ مُتَنَوِّعٌ وَالْبَتُّ الْقَطْعُ فَيَحْتَمِلُ الِانْقِطَاعَ عَنْ النِّكَاحِ أَوْ عَنْ الْخَيْرَاتِ أَوْ عَنْ الْأَقَارِبِ ، وَكَذَلِكَ الْبَتْلُ ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ الْقَطْعُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلا} [المزمل : 8] أَيْ انْقَطِعْ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَمِنْهُ سُمِّيَتْ مَرْيَمَ بَتُولًا لِانْقِطَاعِهَا إلَى اللَّهِ «وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ التَّبَتُّلِ» وَهُوَ الِانْقِطَاعُ عَنْ النِّكَاحِ فَيَحْتَمِلُ مَا يَحْتَمِلُهُ الْبَتُّ مِنْ الْوُجُوهِ فَلَا يَكُونُ طَلَاقًا مَعَ الِاحْتِمَالِ إلَّا بِمُعَيَّنٍ لَهُ مِنْ نِيَّةٍ أَوْ دَلَالَةِ حَالٍ وَالْحَرَامُ هُوَ الْمَمْنُوعُ فَيَحْتَمِلُ مَا يَحْتَمِلُهُ أَلْبَتَّةَ وَالْخَلِيَّةُ مِنْ الْخُلُوِّ فَيَحْتَمِلُ الْخُلُوَّ عَنْ الْخَيْرَاتِ أَوْ عَنْ قَيْدِ النِّكَاحِ وَالْبَرِيَّةُ مِثْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْبَرَاءَةِ فَيَحْتَمِلُ الْبَرَاءَةَ عَنْ حُسْنِ الثَّنَاءِ أَوْ عَنْ قَيْدِ النِّكَاحِ وَحَبْلُك عَلَى غَارِبِك يُنْبِئُ عَنْ التَّخْلِيَةِ ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا إذَا أَرْسَلُوا النُّوقَ يُخْلُونَ حَبْلَهَا أَيْ مِقْوَدَهَا عَلَى غَارِبِهَا وَيُخَلُّونَ سَبِيلَهَا وَهُوَ كَالْخَلِيَّةِ وَالْغَارِبُ مَا بَيْنَ الْعُنُقِ وَالسَّنَامِ أَيْ اذْهَبِي حَيْثُ شِئْت وَالْحَقِي بِأَهْلِك ؛ لِأَنِّي طَلَّقْتُك أَوْ سِيرِي بِسِيرَةِ أَهْلِك أَوْ ؛ لِأَنِّي أَذِنْت لَك أَنْ تَلْحَقِي بِهِمْ وَوَهَبْتُك لِأَهْلِك أَيْ عَفَوْتُ عَنْكِ لِأَجْلِ أَهْلِك أَوْ وَهَبْتُك لَهُمْ ؛ لِأَنِّي طَلَّقْتُك وَسَرَّحْتُك وَفَارَقْتُك ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ التَّسْرِيحَ وَالْمُفَارَقَةَ بِالطَّلَاقِ أَوْ بِغَيْرِهِ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ هُمَا صَرِيحَانِ لَا يَحْتَاجَانِ إلَى النِّيَّةِ قُلْنَا الصَّرِيحُ مَا تَعَيَّنَ اسْتِعْمَالُهُ فِي شَيْءٍ وَمَا لَمْ يَتَعَيَّنْ لَا يَكُونُ صَرِيحًا وَهُمَا لَمْ يَتَعَيَّنَا فِي النِّسَاءِ يُقَالُ سَرَّحْت إبِلِي وَفَارَقْت مَالِي وَأَصْحَابِي وَصَارَ كَسَائِرِ الْكِنَايَاتِ وَأَمْرُك بِيَدِك أَيْ عَمَلُك بِيَدِك إذْ الْمُرَادُ بِالْأَمْرِ الْعَمَلُ هُنَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ} [هود : 97] أَيْ فِعْلُهُ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ لَهَا عَمَلُك بِيَدِك ثُمَّ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْأَمْرَ بِالْيَدِ فِي حَقِّ الطَّلَاقِ فَيَكُونُ تَفْوِيضًا لَهُ إلَيْهَا وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْأَمْرَ بِالْيَدِ فِي حَقِّ تَصَرُّفٍ آخَرَ وَاخْتَارِي مُحْتَمَلٌ أَيْضًا أَيْ اخْتَارِي نَفْسَك بِالْفَرْقِ فِي النِّكَاحِ أَوْ اخْتَارِي نَفْسَك فِي أَمْرٍ آخَرَ وَفِي هَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ لَا تَطْلُقُ حَتَّى تُطَلِّقَ نَفْسَهَا ؛ لِأَنَّهُمَا تَفْوِيضَانِ وَأَنْتِ حُرَّةٌ عَنْ حَقِيقَةِ الرِّقِّ أَوْ رِقِّ النِّكَاحِ وَتَقَنَّعِي وَتَخَمَّرِي وَاسْتَتِرِي ؛ لِأَنَّك بِنْتِ مِنِّي بِالطَّلَاقِ وَحَرُمَ عَلَيَّ نَظَرُك أَوْ لِئَلَّا يَنْظُرَ إلَيْك أَجْنَبِيٌّ وَاغْرُبِي أَيْ اُبْعُدِي عَنِّي ؛ لِأَنِّي طَلَّقْتُك أَوْ لِزِيَارَةِ أَهْلِك وَيُرْوَى اُعْزُبِي مِنْ الْعُزُوبَةِ وَاخْرُجِي وَاذْهَبِي وَقُومِي مِثْلُ اُغْرُبِي وَابْتَغِي الْأَزْوَاجَ ؛ لِأَنِّي قَدْ طَلَّقْتُك أَوْ الْأَزْوَاجَ مِنْ النِّسَاءِ ؛ لِأَنَّهُ لَفْظٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ . وَقَوْلُهُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ لَا تَطْلُقُ بِهَا أَيْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَصْدَرُ فِعْلٍ آخَرَ) ، وَهَذَا الْوَجْهُ يَعُمُّ الْعَوَامَّ وَالْخَوَاصَّ ، وَلِأَنَّ الْخَاصَّةَ لَا تَلْتَزِمُ التَّكَلُّمَ الْعُرْفِيَّ عَلَى صِحَّةِ الْإِعْرَابِ بَلْ تِلْكَ صِنَاعَتُهُمْ وَالْعُرْفُ لُغَتُهُمْ فَلِذَا تَرَى أَهْلَ الْعِلْمِ فِي مَجَارِي كَلَامِهِمْ لَا يُقِيمُونَهُ . ا هـ . فَتْحٌ.

(قَوْلُهُ لِكَوْنِهِمَا جَمِيعَ جِنْسِ طَلَاقِهَا) أَيْ فَيَكُونُ فَرْدًا حُكْمًا فَتَصِحُّ نِيَّتُهُ . ا هـ . رَازِيٌّ . (قَوْلُهُ لِمَا نَذْكُرُ مِنْ قَرِيبٍ) أَيْ فِي بَابِ التَّفْوِيضِ ا هـ . (قَوْلُهُ فَبَطَلَ إطْلَاقُهُ) أَيْ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ حَيْثُ قَالَ وَفِي غَيْرِهَا تَصِحُّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ . ا هـ ..

(قَوْلُهُ مِقْوَدُهَا عَلَى غَارِبِهَا) كَيْ لَا تَتَعَقَّلَ بِهِ إذَا كَانَ مَطْرُوحًا . ا هـ . فَتْحٌ . (قَوْلُهُ وَيُخَلُّونَ سَبِيلَهَا إلَخْ) شَبَّهَ بِهَذِهِ الْهَيْئَةِ الْإِطْلَاقِيَّةِ إطْلَاقَ الْمَرْأَةِ عَنْ قَيْدِ النِّكَاحِ أَوْ الْعَمَلِ أَوْ التَّصَرُّفِ مِنْ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْإِجَارَةِ وَالِاسْتِئْجَارِ وَصَارَ كِنَايَةً فِي الطَّلَاقِ لِتَعَدُّدِ صُوَرِ الْإِطْلَاقِ . ا هـ . كَمَالٌ (قَوْلُهُ وَالْحَقِي بِأَهْلِك) بِوَصْلِ الْهَمْزَةِ . ا هـ . فَتْحٌ قَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى وَهُوَ مِنْ حَدِّ عَلِمَ وَفَتْحُ الْأَلِفِ وَكَسْرُ الْحَاءِ خَطَأٌ . ا هـ . وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ الْحَقِي مِنْ اللُّحُوقِ لَا مِنْ الْإِلْحَاقِ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَوَهَبْتُك لِأَهْلِك) وَفِي وَهَبْتُك لِأَهْلِك إذَا نَوَى يَقَعُ وَإِنْ لَمْ يَقْبَلُوهَا ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ كَوْنُ وَهَبْتُك لِأَهْلِك مَجَازًا عَنْ رَدَدْتُك عَلَيْهِمْ فَيَصِيرُ إلَى الْحَالَةِ الْأُولَى وَهِيَ الْبَيْنُونَةُ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى قَبُولِهِمْ إيَّاهَا فِي ثُبُوتِ الْبَيْنُونَةِ . ا هـ . فَتْحٌ . (قَوْلُهُ لَا تَطْلُقُ حَتَّى تُطَلِّقَ نَفْسَهَا) وَإِنَّمَا هُمَا كِنَايَتَانِ عَنْ التَّفْوِيضِ حَتَّى لَا يَدْخُلَ الْأَمْرُ فِي يَدِهَا بِالنِّيَّةِ . ا هـ . كَمَالٌ . (قَوْلُهُ وَاغْرُبِي) بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ مِنْ الْغُرْبَةِ . ا هـ . فَتْحٌ . (قَوْلُهُ وَيُرْوَى اُعْزُبِي) بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالزَّايِ ا هـ . (قَوْلُهُ وَاذْهَبِي) قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي الْمَبْسُوطِ لَوْ قَالَ اذْهَبِي وَنَوَى بِهِ الطَّلَاقَ كَانَ طَلَاقًا مُوجِبًا لِلْبَيْنُونَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهَا الذَّهَابُ إلَّا بَعْدَ زَوَالِ الْمِلْكِ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ

(2/216)


بِالْكِنَايَاتِ إلَّا بِنِيَّةٍ أَوْ بِدَلَالَةِ حَالٍ أَرَادَ بِدَلَالَةِ الْحَالِ حَالَ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ أَوْ حَالَةَ الْغَضَبِ وَأَشَارَ بِإِطْلَاقِهِ أَنَّ الْكِنَايَاتِ كُلَّهَا يَقَعُ بِهَا الطَّلَاقُ بِدَلَالَةِ الْحَالِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا يَقَعُ بِبَعْضِهَا دُونَ بَعْضٍ وَجُمْلَةُ الْأَمْرِ أَنَّ الْأَحْوَالَ ثَلَاثَةٌ حَالَةٌ مُطْلَقَةٌ وَهِيَ حَالَةُ الرِّضَا وَحَالَةُ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ وَحَالَةُ الْغَضَبِ

[أَقْسَام الْكِنَايَات]
وَالْكِنَايَاتُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ قِسْمٌ مِنْهَا يَصْلُحُ جَوَابًا وَلَا يَصْلُحُ رَدًّا وَلَا شَتْمًا وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَلْفَاظٍ أَمْرُك بِيَدِك اخْتَارِي وَاعْتَدِّي وَمُرَادِفُهَا وَقِسْمٌ يَصْلُحُ جَوَابًا وَشَتْمًا وَلَا يَصْلُحُ رَدًّا وَهِيَ خَمْسَةُ أَلْفَاظٍ خَلِيَّةٌ بَرِيَّةٌ بَتَّةٌ بَائِنٌ حَرَامٌ وَمُرَادِفُهَا ، وَقِسْمٌ يَصْلُحُ جَوَابًا وَرَدًّا وَلَا يَصْلُحُ سَبًّا وَشَتِيمَةً وَهِيَ خَمْسَةُ أَلْفَاظٍ اُخْرُجِي وَاذْهَبِي اُغْرُبِي قُومِي تَقَنَّعِي وَمُرَادِفُهَا فَفِي حَالَةِ الرِّضَا لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِشَيْءٍ مِنْهَا إلَّا بِالنِّيَّةِ لِلِاحْتِمَالِ وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ فِي عَدَمِ النِّيَّةِ وَفِي حَالِ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ وَهِيَ أَنْ تَسْأَلَهُ الْمَرْأَةُ طَلَاقَهَا أَوْ يَسْأَلَهُ أَجْنَبِيٌّ يَقَعُ فِي الْقَضَاءِ بِكُلِّ لَفْظٍ لَا يَصْلُحُ لِلرَّدِّ وَهِيَ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي وَلَا يُصَدَّقُ قَوْلُهُ فِي عَدَمِ النِّيَّةِ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْجَوَابَ ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَيْنِ لَا يَصْلُحَانِ لِلرَّدِّ وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ وَإِنْ كَانَ يَصْلُحُ لِلشَّتْمِ لَكِنَّ الظَّاهِرَ يُخَالِفُهُ ؛ لِأَنَّ السَّبَّ غَيْرُ مُنَاسِبٍ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَتَعَيَّنَ الْجَوَابُ وَلَا يُقَالُ وَجَبَ أَنْ يُصَدَّقَ فِي غَيْرِ الطَّلَاقِ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ حَقِيقَةٍ فِيهِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّمَا يُصَدَّقُ فِي الْحَقِيقَةِ لَمَّا أَنَّهُ يَخْطِرُ بِالْبَالِ وَهُنَا لِمَا ذَكَرَ فَقَدْ خَطَرَ بِالْبَالِ فَكُلَّمَا كَانَ أَشَدَّ خَطْرًا بِالْبَالِ كَانَ أَوْلَى
وَلِهَذَا قُلْنَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يَقَعُ بِمَا يَقْصِدُ بِهِ الرَّدَّ وَهُوَ الْقِسْمُ الثَّالِثُ لِاحْتِمَالِ الرَّدِّ لِخَطَرَانِهِ بِالْبَالِ وَفِي حَالَةِ الْغَضَبِ لَا يَقَعُ بِكُلِّ لَفْظٍ يَصْلُحُ لِلسَّبِّ وَالرَّدِّ وَهُوَ الْقِسْمُ الثَّانِي وَالثَّالِثُ ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الرَّدَّ وَالشَّتْمَ وَلَا يُنَافِيهِ حَالَةُ الْغَضَبِ وَيَقَعُ بِكُلِّ لَفْظٍ لَا يَصْلُحُ لَهُمَا بَلْ يَصْلُحُ لِلْجَوَابِ فَقَطْ وَهُوَ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ لِظَاهِرِ حَالِهِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي قَوْلِهِ لَا مِلْكَ لِي عَلَيْك وَلَا سَبِيلَ لِي عَلَيْك وَخَلَّيْتُ سَبِيلَكِ وَفَارَقْتُك أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ لِمَا فِيهَا مِنْ مَعْنَى السَّبِّ أَيْ لَا مِلْكَ لِي عَلَيْك ؛ لِأَنَّك أَدْوَنُ مِنْ أَنْ تَمْلِكِي وَلَا سَبِيلَ لِي عَلَيْك لِشَرِّكِ وَسُوءِ خُلُقِك وَخَلَّيْت سَبِيلَك لِهَوَانِك عَلَيَّ وَفَارَقْتُك اتِّقَاءَ شَرِّك ثُمَّ وُقُوعُ الْبَائِنِ بِمَا سِوَى الثَّلَاثِ الْأَوَّلُ مَذْهَبُنَا ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْكِنَايَاتُ كُلُّهَا رَوَاجِعُ لِكَوْنِهَا كِنَايَاتٍ عَنْ الطَّلَاقِ ، وَلِهَذَا يُشْتَرَطُ فِيهَا نِيَّةُ الطَّلَاقِ فَيَكُونُ الْوَاقِعُ بِهَا طَلَاقًا حَتَّى يَنْتَقِضَ بِهِ الْعَدَدُ وَهُوَ يَعْقُبُ الرَّجْعَةَ وَلَنَا أَنَّهُ أَتَى بِالْإِبَانَةِ بِلَفْظٍ صَالِحٍ لَهَا وَهُوَ مِنْ أَهْلِهَا وَالْمَحَلُّ قَابِلٌ لَهَا وَالْوِلَايَةُ ثَابِتَةٌ عَلَيْهَا فَوَجَبَ أَنْ يَعْمَلَ وَيَتَعَجَّلَ أَثَرَهَا كَمَا لَوْ كَانَ بِعِوَضٍ أَوْ قَبْلَ الدُّخُولِ
وَهَذَا لِأَنَّ الْإِبَانَةَ تَصَرُّفٌ مَشْرُوعٌ إذْ هِيَ رَفْعُ وَصْلَةِ النِّكَاحِ وَهُوَ مَشْرُوعٌ وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ بِقَوْلِهِ {سَرِّحُوهُنَّ} [البقرة : 231] وَبِقَوْلِهِ أَوْ فَارِقُوهُنَّ ، وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ مَاسَّةٌ إلَى إثْبَاتِ الْبَيْنُونَةِ فِي الْحَالِ كَيْ يَنْسَدَّ عَلَيْهِ بَابُ التَّدَارُكِ حَتَّى لَا يَقَعَ فِي مُرَاجَعَتِهَا فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَشْرُوعًا دَفْعًا لِلْحَاجَةِ وَكَانَ الْقِيَاسُ فِي الصَّرِيحِ أَنْ يَكُونَ بَائِنًا إلَّا أَنَّ الرَّجْعَةَ فِيهِ ثَبَتَتْ نَصًّا بِخِلَافِهِ فَلَا يَلْحَقُ بِهِ مَا لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ ؛ لِأَنَّهَا أَبْلَغُ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْمَقْصُودِ وَهِيَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ وَهِيَ حَالَةُ الرِّضَا) أَيْ حَالَةُ ابْتِدَاءِ الزَّوْجِ بِالطَّلَاقِ لَيْسَتْ بِحَالَةِ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ وَلَيْسَتْ بِحَالِ الْغَضَبِ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ.

(قَوْلُهُ وَالْكِنَايَاتُ) أَيْ مُطْلَقُ الْكِنَايَاتِ ا هـ . (قَوْلُهُ قِسْمٌ مِنْهَا يَصْلُحُ جَوَابًا) أَيْ لِطَلَبِهَا الطَّلَاقَ أَيْ التَّطْلِيقَ . ا هـ . فَتْحٌ . (قَوْلُهُ وَلَا يَصْلُحُ رَدًّا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْقِسْمُ الثَّانِي مَا يَصْلُحُ جَوَابًا لَا رَدًّا وَهُوَ قَوْلُهُ أَنْتِ وَاحِدَةٌ اعْتَدِّي وَاسْتَبْرِئِي وَأَمْرُك بِيَدِك وَاخْتَارِي وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ لَا تَصْلُحُ إلَّا لِجَوَابِ سُؤَالِ الطَّلَاقِ ؛ لِأَنَّهَا لَا تَصْلُحُ لِلرَّدِّ وَالتَّبْعِيدِ وَلَا لِلشَّتْمِ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَقِسْمٌ يَصْلُحُ جَوَابًا وَشَتْمًا وَلَا يَصْلُحُ رَدًّا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ تَصْلُحُ جَوَابًا لِسُؤَالِ الطَّلَاقِ عَلَى مَعْنَى أَنْتِ خَلِيَّةٌ ؛ لِأَنِّي طَلَّقْتُك ، وَكَذَا الْبَاقِي وَيَحْتَمِلُ الشَّتِيمَةَ عَلَى مَعْنَى أَنْتِ خَلِيَّةٌ عَنْ الْخَيْرِ خَلِيعَةُ الْعِذَارِ لَا حَيَاءَ لَكِ بَرِيَّةٌ عَنْ الطَّاعَاتِ وَالْمَحَامِدِ أَوْ عَنْ الْإِسْلَامِ بَائِنٌ بَتَّةً عَنْ كُلِّ رُشَدٍ أَوْ بَائِنٌ عَنْ الدِّينِ بَتَّةً عَنْ الْأَخْلَاقِ الْحَسَنَةِ حَرَامُ الصُّحْبَةِ وَالْعِشْرَةِ وَيُقَالُ حَرَامٌ مَكْرُوهٌ مُسْتَخْبَثٌ قَبِيحٌ . ا هـ .
(قَوْلُهُ وَقِسْمٌ يَصْلُحُ جَوَابًا وَرَدًّا) أَيْ رَدًّا لِكَلَامِ الْمَرْأَةِ عِنْدَ سُؤَالِهَا الطَّلَاقَ ا هـ وَمَعْنَى الرَّدِّ فِي هَذِهِ أَيْ اشْتَغِلِي بِالتَّقَنُّعِ الَّذِي هُوَ أَهَمُّ لَك مِنْ الْقِنَاعِ ، وَكَذَا أَخَوَاهُ وَيَجُوزُ فِيهِ بِخُصُوصِهِ كَوْنُهُ مِنْ الْقَنَاعَةِ . ا هـ . فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَهِيَ خَمْسَةُ أَلْفَاظٍ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَهُوَ سَبْعَةُ أَلْفَاظٍ ذَكَرَهَا الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ اُخْرُجِي اذْهَبِي قُومِي اُغْرُبِي تَقَنَّعِي اسْتَبْرِئِي تَخَمَّرِي ، وَذَكَرَ فِي شَرْحِ أَبِي نَصْرٍ تَزَوَّجِي أَيْضًا وَهُوَ فِي مَعْنَى ابْتَغِي الْأَزْوَاجَ وَأَلْحَقَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ بِهَذَا الْقِسْمِ الْحَقِي بِأَهْلِك حَبْلُك عَلَى غَارِبِك لَا سَبِيلَ لِي عَلَيْك لَا نِكَاحَ بَيْنِي وَبَيْنَك لَا مِلْكَ لِي عَلَيْك وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ كَمَا تَصْلُحُ جَوَابًا لِلطَّلَاقِ أَيْ اُخْرُجِي وَاذْهَبِي ؛ لِأَنِّي طَلَّقْتُك تَصْلُحُ لِلرَّدِّ وَتَبْعِيدِ الْمَرْأَةِ عَنْ نَفْسِهِ ، وَكَذَا الْأَلْفَاظُ الْبَاقِيَةُ . وَقَوْلُهُ تَزَوَّجِي كَوْنُهُ جَوَابًا ظَاهِرٌ وَكَوْنُهُ رَدًّا لِكَلَامِهَا بِحَسَبِ التَّهْدِيدِ ، وَكَذَا لَا نِكَاحَ بَيْنِي وَبَيْنَك . ا هـ . (قَوْلُهُ وَمُرَادِفُهَا) أَيْ نَحْوُ تَخَمَّرِي اسْتَبْرِئِي . ا هـ . كَافِي . (قَوْلُهُ لِلِاحْتِمَالِ) أَيْ وَعَدَمِ دَلَالَةِ الْحَالِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ . (قَوْلُهُ وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ فِي عَدَمِ النِّيَّةِ) أَيْ إذَا قَالَ لَمْ أُرِدْ الطَّلَاقَ ؛ لِأَنَّهُ لَا ظَاهِرَ يُكَذِّبُهُ . ا هـ . فَتْحٌ (قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْجَوَابَ) فَيَقَعُ الطَّلَاقُ بِدَلَالَةِ الْحَالِ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ . ا هـ . (قَوْلُهُ لَا يَقَعُ بِمَا يَقْصِدُ بِهِ الرَّدَّ إلَخْ) وَهُوَ الْقِسْمُ الثَّالِثُ أَيْ وَيُصَدَّقُ فِي أَنَّهُ لَمْ يَنْوِ الطَّلَاقَ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا احْتَمَلَ الْوَجْهَيْنِ ثَبَتَ الرَّدُّ وَهُوَ الْأَدْنَى لِكَوْنِهِ مُتَيَقَّنًا وَلَمْ يَتَعَيَّنْ الْجَوَابُ بِالشَّكِّ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ . (قَوْلُهُ وَيَقَعُ بِكُلِّ لَفْظٍ إلَخْ) قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي إذَا قَالَ لَهَا اعْتَدِّي سُئِلَ عَنْ نِيَّتِهِ فَإِنْ لَمْ يَنْوِ الطَّلَاقَ فَهِيَ امْرَأَتُهُ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ ، وَكَذَا كُلُّ شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْت إذَا قَالَ لَمْ أَنْوِ فِيهِ الطَّلَاقَ فَعَلَيْهِ الْيَمِينُ وَإِنْ نَوَى بِاعْتَدِّي الطَّلَاقَ فَهِيَ وَاحِدَةٌ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ وَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا فَهِيَ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ إلَى هُنَا لَفْظُ الْحَاكِمِ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

(2/217)


الْبَيْنُونَةُ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهَا كِنَايَاتٌ عَنْ الطَّلَاقِ ؛ لِأَنَّهَا تَعْمَلُ عَمَلَ نَفْسِهَا لَا عَمَلَ الْمَكْنِيِّ عَنْهُ وَتَسْمِيَتُهَا كِنَايَاتٍ مَجَازٌ وَإِنَّمَا اُحْتِيجَ فِيهَا إلَى النِّيَّةِ ؛ لِأَنَّ الْبَيْنُونَةَ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ الْحِسِّيَّةِ وَالْمَعْنَوِيَّةِ فَإِذَا تَعَيَّنَتْ الْمَعْنَوِيَّةُ فَهِيَ أَيْضًا مُتَنَوِّعَةٌ بَيْنَ الْخَفِيفَةِ وَالْغَلِيظَةِ فَاشْتُرِطَتْ النِّيَّةُ لِتَعْيِينِ إحْدَى الْبَيْنُونَتَيْنِ لَا لِتَعْيِينِ الْمَكْنِيِّ عَنْهُ وَهُوَ الطَّلَاقُ فَيَعْمَلُ بِمُوجِبَاتِهَا وَعِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ لَا يَقَعُ لِلِاحْتِمَالِ وَعِنْدَ وُجُودِهَا يَقَعُ الْأَقَلُّ مَا لَمْ يَنْوِ الْأَكْثَرَ لِلتَّيَقُّنِ بِهِ وَانْتِقَاصُ الْعَدَدِ ضَرُورَةُ ثُبُوتِ الطَّلَاقِ بِنَاءً عَلَى زَوَالِ وَصْلَةِ النِّكَاحِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ قَالَ اعْتَدِّي ثَلَاثًا وَنَوَى بِالْأَوَّلِ طَلَاقًا وَبِمَا بَقِيَ حَيْضًا صُدِّقَ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ بِمَا بَقِيَ شَيْئًا فَهِيَ ثَلَاثٌ) يَعْنِي إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ اعْتَدِّي اعْتَدِّي اعْتَدِّي ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ، وَقَالَ نَوَيْتُ بِالْأُولَى طَلَاقًا وَبِالْبَاقِي حَيْضًا صُدِّقَ قَضَاءً ؛ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ ، وَلِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَأْمُرُ امْرَأَتَهُ بِالِاعْتِدَادِ عَادَةً بَعْدَ الطَّلَاقِ فَكَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لَهُ وَإِنْ قَالَ لَمْ أَنْوِ بِالْبَاقِي شَيْئًا فَهِيَ ثَلَاثٌ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا نَوَى بِالْأُولَى الطَّلَاقَ صَارَ الْحَالُ حَالَ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ فَتَعَيَّنَ الْبَاقِيَتَانِ لِلطَّلَاقِ بِهَذِهِ الدَّلَالَةِ فَلَا يُصَدَّقُ فِي نَفْيِ النِّيَّةِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لَمْ أَنْوِ بِالْكُلِّ شَيْئًا حَيْثُ لَا يَقَعُ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا ظَاهِرَ يُكَذِّبُهُ وَبِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ نَوَيْت بِالثَّالِثَةِ الطَّلَاقَ دُونَ الْأُولَيَيْنِ حَيْثُ لَا يَقَعُ إلَّا وَاحِدَةٌ ؛ لِأَنَّ الْحَالَ عِنْدَ الْأُولَيَيْنِ لَمْ يَكُنْ حَالَ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ وَعَلَى هَذَا إذَا نَوَى بِالثَّانِيَةِ الطَّلَاقَ دُونَ الْأُولَى وَالثَّالِثَةِ يَقَعُ ثِنْتَانِ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا نَوَى عِنْدَ الثَّانِيَةِ صَارَ الْحَالُ حَالَ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ فَتَعَيَّنَتْ الثَّالِثَةُ لَهُ
وَجُمْلَةُ الْأَمْرِ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ وَجْهًا أَحَدُهَا : أَنْ يَقُولَ لَمْ أَنْوِ بِالْكُلِّ شَيْئًا فَلَا يَقَعُ شَيْءٌ وَثَانِيهَا : أَنْ يَقُولَ نَوَيْتُ الطَّلَاقَ بِالْأُولَى لَا غَيْرُ أَوْ قَالَ نَوَيْته بِالْأُولَى وَالثَّانِيَةِ وَلَمْ أَنْوِ بِالثَّالِثَةِ شَيْئًا أَوْ قَالَ نَوَيْت بِالْأُولَى وَالثَّالِثَةِ الطَّلَاقَ وَلَمْ أَنْوِ بِالثَّانِيَةِ شَيْئًا أَوْ قَالَ نَوَيْت بِكُلِّهَا الطَّلَاقَ فَفِي هَذِهِ الْوُجُوهِ تَطْلُقُ ثَلَاثًا وَسَادِسُهَا : أَنْ يَقُولَ نَوَيْت بِالْأُولَى الطَّلَاقَ وَبِالْبَاقِيَتَيْنِ الْحَيْضَ يُدَيَّنُ قَضَاءً فَتَقَعُ وَاحِدَةً وَسَابِعُهَا : أَنْ يَقُولَ نَوَيْت بِالْأُولَى وَالثَّانِيَةِ الطَّلَاقَ وَبِالثَّالِثَةِ الْحَيْضَ فَهُوَ كَمَا قَالَ يَقَعُ ثِنْتَانِ : وَثَامِنُهَا وَتَاسِعُهَا : أَنْ يَقُولَ نَوَيْتُ بِالْأُولَى الطَّلَاقَ وَلَمْ أَنْوِ بِالثَّانِيَةِ شَيْئًا وَنَوَيْتُ بِالثَّالِثَةِ الْحَيْضَ أَوْ يَقُولَ نَوَيْت بِالْأُولَى الطَّلَاقَ وَبِالثَّانِيَةِ الْحَيْضَ وَلَمْ أَنْوِ بِالثَّالِثَةِ شَيْئًا يَقَعُ فِيهِمَا ثِنْتَانِ وَعَاشِرُهَا : أَنْ يَقُولَ لَمْ أَنْوِ بِالْأُولَى وَالثَّانِيَةِ شَيْئًا وَنَوَيْت بِالثَّالِثَةِ الطَّلَاقَ يَقَعُ وَاحِدَةٌ وَالْحَادِيَ عَشَرَ : أَنْ يَقُولَ لَمْ أَنْوِ بِالْأُولَى شَيْئًا وَنَوَيْتُ بِالثَّانِيَةِ طَلَاقًا وَبِالثَّالِثَةِ حَيْضًا يَقَعُ وَاحِدَةٌ وَالثَّانِي عَشَرَ : أَنْ يَقُولَ لَمْ أَنْوِ بِالْأُولَى شَيْئًا وَنَوَيْتُ بِالثَّالِثَةِ الطَّلَاقَ وَلَمْ أَنْوِ بِالثَّانِيَةِ شَيْئًا فَهِيَ ثِنْتَانِ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَنْوِ بِشَيْءٍ مِنْهَا لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ وَإِنْ نَوَى بِوَاحِدَةٍ مِنْهَا الطَّلَاقَ يُنْظَرُ فَإِنْ نَوَى بِمَا بَعْدَهَا الْحَيْضَ صُدِّقَ قَضَاءً وَإِلَّا وَقَعَ بِهَا الطَّلَاقُ نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ أَوْ لَمْ يَنْوِ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا نَوَى عِنْدَ وَاحِدَةٍ مِنْهَا الطَّلَاقَ صَارَ الْحَالُ حَالَ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ فَتَعَيَّنَ لِلطَّلَاقِ ، وَلَوْ قَالَ نَوَيْتُ بِهِنَّ طَلْقَةً وَاحِدَةً فَهُوَ كَمَا قَالَ دِيَانَةً ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُهُ لَا قَضَاءً ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَلَا يُصَدِّقُهُ الْقَاضِي كَمَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ طَالِقٌ طَالِقٌ ، وَقَالَ إنَّمَا أَرَدْت بِهِ التَّكْرَارَ صُدِّقَ دِيَانَةً لَا قَضَاءً فَإِنَّ الْقَاضِيَ مَأْمُورٌ بِاتِّبَاعِ الظَّاهِرِ وَاَللَّهُ يَتَوَلَّى السَّرَائِرَ وَالْمَرْأَةُ كَالْقَاضِي لَا يَحِلُّ لَهَا أَنْ تُمَكِّنَهُ إذَا سَمِعَتْ مِنْهُ ذَلِكَ أَوْ عَلِمَتْ بِهِ ؛ لِأَنَّهَا لَا تَعْلَمُ إلَّا الظَّاهِرَ وَكُلُّ مَوْضِعٍ كَانَ الْقَوْلُ فِيهِ قَوْلَهُ إنَّمَا يُصَدَّقُ مَعَ الْيَمِينِ ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فِي الْإِخْبَارِ عَمَّا فِي ضَمِيرِهِ وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَطْلُقُ بِلَسْتِ لِي بِامْرَأَةٍ أَوْ لَسْتُ لَكِ بِزَوْجٍ إنْ نَوَى طَلَاقًا) يَعْنِي تَطْلُقُ امْرَأَتُهُ بِقَوْلِهِ لَهَا لَسْتِ أَنْتِ امْرَأَتِي أَوْ قَالَ لَسْت أَنَا زَوْجَك إذَا نَوَى بِهِ طَلَاقًا ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَقَالَا لَا تَطْلُقُ ؛ لِأَنَّهُ نَفْيُ النِّكَاحِ فَلَا يَكُونُ طَلَاقًا بَلْ يَكُونُ كَذِبًا فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ لَمْ أَتَزَوَّجْك أَوْ قَالَ وَاَللَّهِ مَا أَنْتِ لِي بِامْرَأَةٍ أَوْ قِيلَ لَهُ هَلْ لَك امْرَأَةٌ فَقَالَ لَا وَنَوَى بِهِ الطَّلَاقَ وَلَهُ أَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ تَصْلُحُ إنْكَارًا لِلنِّكَاحِ وَتَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ إنْشَاءً لِلطَّلَاقِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ لَسْت لِي بِامْرَأَةٍ ؛ لِأَنِّي طَلَّقْتُكِ كَمَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ لَسْت لِي بِامْرَأَةٍ ؛ لِأَنِّي مَا تَزَوَّجْتُك فَإِذَا نَوَى الطَّلَاقَ فَقَدْ نَوَى مُحْتَمَلَ كَلَامِهِ فَيَصِحُّ كَمَا لَوْ قَالَ لَا نِكَاحَ بَيْنِي وَبَيْنَك وَمَسْأَلَةُ الْحَلِفِ مَمْنُوعَةٌ وَلَئِنْ سَلَّمَ فَنَقُولُ بِدَلَالَةِ الْيَمِينِ عُلِمَ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ النَّفْيَ فِي الْمَاضِي لَا فِي الْحَالِ ؛ لِأَنَّ الْحَلِفَ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ فِي شَيْءٍ يَدْخُلُ فِيهِ الشَّكُّ وَذَلِكَ يَسْتَقِيمُ فِي الْإِخْبَارِ لَا فِي الْإِنْشَاءِ . وَقَوْلُهُ لَمْ أَتَزَوَّجْك جُحُودٌ لِلنِّكَاحِ فَلَا يَحْتَمِلُ الْإِنْشَاءَ . وَقَوْلُهُ لَا عِنْدَ السُّؤَالِ أَلَك امْرَأَةٌ عُلِمَ بِدَلَالَةِ السُّؤَالِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهَا تَعْمَلُ عَمَلَ نَفْسِهَا إلَخْ) إلَّا فِي الْأَلْفَاظِ الثَّلَاثَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَإِنَّهَا كِنَايَاتٌ عَلَى سَبِيلِ الْحَقِيقَةِ . ا هـ . (قَوْلُهُ بِنَاءً عَلَى زَوَالِ وَصْلَةِ النِّكَاحِ) أَيْ ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ زَوَالِ وَصْلَةِ النِّكَاحِ وُقُوعُ الطَّلَاقِ . ا هـ ..

(قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ) أَيْ بِاللَّفْظَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ وَنَوَى مُحْتَمَلَ كَلَامِهِ بِالْأُولَى . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ . (قَوْلُهُ فَلَا يُصَدَّقُ فِي نَفْيِ النِّيَّةِ) أَيْ ، وَلَوْ قَالَ نَوَيْت بِالْأُولَى الطَّلَاقَ وَلَمْ أَنْوِ بِالْبَاقِيَتَيْنِ طَلَاقًا وَلَا حَيْضًا لَا يُصَدَّقُ فِي نَفْيِ النِّيَّةِ . ا هـ . (قَوْلُهُ ، وَلَوْ قَالَ نَوَيْت إلَخْ) وَهَذِهِ صُورَةٌ زَائِدَةٌ عَلَى الصُّوَرِ الِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ الْمُتَقَدِّمَةِ إلَّا أَنَّهُ إنَّمَا أَفْرَدَهَا ؛ لِأَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ فِي هَذِهِ قَضَاءً بِخِلَافِ تِلْكَ . ا هـ . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ لَسْتُ لَكِ بِزَوْجٍ) وَفِي فَتَاوَى صَاحِبِ النَّافِعِ إذَا قَالَتْ لِزَوْجِهَا لَسْتَ لِي بِزَوْجٍ فَقَالَ صَدَقْتِ يَنْوِي طَلَاقَهَا يَقَعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا قَالَ لَسْت أَوْ مَا أَنْتِ امْرَأَتِي أَوْ لَسْت أَوْ مَا أَنَا زَوْجُك عِنْدَهُ يَقَعُ بِالنِّيَّةِ وَأَلْغَيَاهُ . ا هـ . فَتْحٌ . (قَوْلُهُ أَوْ قِيلَ لَهُ هَلْ لَك امْرَأَةٌ فَقَالَ لَا) هَذَا الْفَرْعُ نَقَلَهُ قَاضِي خَانْ وَقَدْ نُقِلَتْ عِبَارَتُهُ عَلَى شَرْحِ الْمَجْمَعِ عِنْدَ قَوْلِهِ ، وَلَوْ قَالَ لَسْت امْرَأَتِي فَلْيُنْظَرْ هُنَاكَ . ا هـ ..

(قَوْلُهُ وَنَوَى بِهِ الطَّلَاقَ) أَيْ لَا يَقَعُ كَذَا هُنَا . ا هـ . فَتْحٌ.

(2/218)


أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ النَّفْيَ فِي الْمَاضِي وَعَلَى هَذَا الْخِلَافُ لَوْ قَالَ مَا أَنْتِ بِامْرَأَةٍ لِي أَوْ قَالَ مَا أَنَا زَوْجٌ لَكِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالصَّرِيحُ يَلْحَقُ الصَّرِيحَ وَالْبَائِنَ) ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الصَّرِيحُ لَا يَلْحَقُ الْبَائِنَ حَتَّى لَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ بَائِنٌ أَوْ خَالَعَهَا عَلَى مَالٍ ثُمَّ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَقَعَ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ لَا يَقَعُ بَعْدَ الْخُلْعِ ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ شُرِعَ لِإِزَالَةِ مِلْكِ النِّكَاحِ وَقَدْ زَالَ بِالْخُلْعِ أَوْ الطَّلَاقُ عَلَى مَالٍ فَلَمْ يُصَادِفْ مَحَلَّهُ وَصَارَ كَمَا إذَا طَلَّقَهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة : 229] يَعْنِي الْخُلْعَ ثُمَّ قَالَ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ وَالْفَاءُ لِلتَّعْقِيبِ مَعَ الْوَصْلِ فَيَكُونُ هَذَا نَصًّا عَلَى وُقُوعِ الثَّالِثَةِ بَعْدَ الْخُلْعِ مَرَّتَيْنِ ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْمُخْتَلِعَةُ يَلْحَقُهَا صَرِيحُ الطَّلَاقِ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ» ، وَلِأَنَّ الْقَيْدَ الْحُكْمِيَّ بَاقٍ لِبَقَاءِ أَحْكَامِ النِّكَاحِ وَإِنَّمَا فَاتَ الِاسْتِمْتَاعُ وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ التَّصَرُّفَ فِي الْمَحَلِّ كَفَوَاتِهِ بِالْحَيْضِ وَغَيْرِهِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْبَائِنُ يَلْحَقُ الصَّرِيحَ لَا الْبَائِنَ إلَّا إذَا كَانَ مُعَلَّقًا بِأَنْ قَالَ إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ بَائِنٌ ثُمَّ قَالَ أَنْتِ بَائِنٌ) ثُمَّ دَخَلَتْ الدَّارَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ فَتَطْلُقُ أَمَّا كَوْنُ الْبَائِنِ يَلْحَقُ الصَّرِيحَ فَظَاهِرٌ ؛ لِأَنَّ الْقَيْدَ الْحُكْمِيَّ بَاقٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِبَقَاءِ الِاسْتِمْتَاعِ . وَأَمَّا عَدَمُ لُحُوقِ الْبَائِنِ الْبَائِنَ فَلِأَنَّهُ أَمْكَنَ جَعْلُهُ خَبَرًا عَنْ الْأَوَّلِ وَهُوَ صَادِقٌ فِيهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى جَعْلِهِ إنْشَاءً ؛ لِأَنَّهُ اقْتِضَاءٌ ضَرُورِيٌّ حَتَّى لَوْ قَالَ عَنَيْتُ بِهِ الْبَيْنُونَةَ الْغَلِيظَةَ يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ وَتَثْبُتَ بِهِ الْحُرْمَةُ الْغَلِيظَةُ ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِثَابِتَةٍ فِي الْمَحَلِّ فَلَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ إخْبَارًا عَنْ ثَابِتٍ فَيُجْعَلُ إنْشَاءً ضَرُورَةً ، وَلِهَذَا لَوْ كَانَ مُعَلِّقًا بِأَنْ قَالَ لَهَا إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ بَائِنٌ ثُمَّ قَالَ لَهَا أَنْتِ بَائِنٌ ثُمَّ دَخَلَتْ الدَّارَ يَقَعُ الْمُعَلَّقُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ خَبَرًا لِصِحَّةِ التَّعْلِيقِ قَبْلَهُ وَعِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ هِيَ مَحَلٌّ لِلطَّلَاقِ فَيَقَعُ وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ يَقُولُ الْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ كَالْمُنَجَّزِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَجَوَابُهُ مَا بَيَّنَّا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ

(بَابُ تَفْوِيضِ الطَّلَاقِ)
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ قَالَ لَهَا اخْتَارِي يَنْوِي بِهِ الطَّلَاقَ فَاخْتَارَتْ فِي مَجْلِسِهَا بَانَتْ بِوَاحِدَةٍ) ؛ لِأَنَّ الْمُخَيَّرَةَ لَهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(قَوْلُهُ وَعِنْدَهُ لَا يَقَعُ بَعْدَ الْخُلْعِ) أَيْ ، وَلَوْ قَالَ بَائِنٌ لَمْ يَقَعْ اتِّفَاقًا . ا هـ . فَتْحٌ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْبَائِنُ يَلْحَقُ الصَّرِيحَ إلَخْ) الْمُرَادُ بِالْبَائِنِ الَّذِي لَا يَلْحَقُ الْبَائِنَ مَا كَانَ بِلَفْظِ الْكِنَايَةِ أَمَّا لَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَقَعْنَ قَالَ فِي التَّهْذِيبِ حَتَّى أَنَّ الْمُعْتَدَّةَ الْبَائِنَةَ لَا يَلْحَقُهَا شَيْءٌ مِنْ الْكِنَايَاتِ عِنْدَنَا إلَّا مَا يَقَعُ بِهِ الرَّجْعِيُّ وَفِي الذَّخِيرَةِ إذَا قَالَ لِلْمُبَانَةِ أَنْتِ بَائِنٌ لَا يَصْلُحُ لِعَدَمِ مُصَادَفَتِهِ مَحَلَّهُ ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ الْإِبَانَةِ مَنْ قَامَ بِهِ الِاتِّصَالُ ؛ لِأَنَّ الْإِبَانَةَ لِقَطْعِ الْوَصْلَةِ وَقَدْ انْقَطَعَتْ بِالْإِبَانَةِ السَّابِقَةِ ، وَلَوْ قَالَ لِلْمُبَانَةِ أَنْتِ طَالِقٌ بَائِنٌ يَلْغُو قَوْلُهُ بَائِنٌ لِعَدَمِ تَأْثِيرِهِ وَيَبْقَى قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ فَيَقَعُ ، وَلَوْ قَالَ أَبَنْتُك بِتَطْلِيقَةٍ يَلْغُو أَبَنْتُك لِمَا تَقَدَّمَ وَيَبْقَى قَوْلُهُ بِتَطْلِيقَةٍ فَلَا يَقَعُ ا هـ ق قَوْلُهُ الْمُرَادُ بِالْبَائِنِ الَّذِي لَا يَلْحَقُ الْبَائِنَ أَيْ فَلَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ بَائِنٌ ثُمَّ قَالَ لَهَا وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ أَنْتِ بَائِنٌ لَا تَطْلُقُ ثَلَاثًا إلَّا إذَا أَرَادَ بِقَوْلِهِ ثَانِيًا أَنْتِ بَائِنٌ الْبَيْنُونَةَ الْغَلِيظَةَ فَحِينَئِذٍ تَطْلُقُ ثَلَاثًا وَلَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ . ا هـ . (فَرْعٌ) ذَكَرَ صَاحِبُ الْفَوَائِدِ أَنَّ الثَّلَاثَ هَلْ تَلْحَقُ الْبَائِنَ ذَكَرَ عَنْ بَعْضِ الْمُعَاصِرِينَ أَنَّهُ رَجَّحَ الْوُقُوعَ ؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ قَالَ وَتَتَبَّعْتُ الْمَسْأَلَةَ فَلَمْ أَجِدْهَا مَنْقُولَةً ثُمَّ نُقِلَ عَنْ فَتَاوَى قَاضِي خَانْ مَا يَقْتَضِي صِحَّةَ الْجَوَابِ وَهُوَ ظَاهِرٌ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ إخْبَارًا عَنْ الْأَوَّلِ ا هـ شَرْحُ وَهْبَانِيَّةٍ قَالَ فِي الْقُنْيَةِ فِي بَابِ الْخُلْعِ مَا نَصُّهُ فِي خُلَاصَةِ الْعُزَّى خَالَعَهَا بِمَالٍ ثُمَّ خَالَعَهَا فِي الْعِدَّةِ لَمْ يَصِحَّ وَإِنْ طَلَّقَهَا بِمَالٍ بَعْدَ الْخُلْعِ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَلَا يَجِبُ الْمَالُ وَالْخُلْعُ وَالطَّلَاقُ بِمَالٍ بَعْدَ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ يَصِحُّ وَيَجِبُ الْمَالُ فَإِنْ اخْتَلَعَتْ بِمَالٍ ثُمَّ أَقَامَتْ بَيِّنَةَ أَنَّهُ كَانَ طَلَّقَهَا قَبْلَهُ بَائِنًا اسْتَرَدَّتْ الْمَالَ . ا هـ ..

(بَابُ تَفْوِيضِ الطَّلَاقِ)
لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ مُبَاشَرَةِ الْإِنْسَانِ الطَّلَاقَ بِنَفْسِهِ شَرَعَ فِي بَيَانِهَا بِغَيْرِهِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ يَتَصَرَّفَ الْإِنْسَانُ بِنَفْسِهِ وَقَدَّمَ فَصْلَ الِاخْتِيَارِ عَلَى فَصْلِ الْأَمْرِ بِالْيَدِ وَالْمَشِيئَةِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُؤَيَّدٌ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ ، وَقَالَ الْكَمَالُ لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الطَّلَاقِ بِوِلَايَةِ الْمُطَلِّقِ نَفْسَهُ شَرَعَ فِي بَيَانِهِ بِوِلَايَةٍ مُسْتَفَادَةٍ مِنْ غَيْرِهِ وَتَحْتَ هَذَا الصِّنْفِ ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ التَّفْوِيضُ بِلَفْظِ التَّخْيِيرِ وَبِلَفْظِ الْأَمْرِ بِالْيَدِ وَبِلَفْظِ الْمَشِيئَةِ . ا هـ . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لَوْ قَالَ لَهَا اخْتَارِي يَنْوِي بِهِ الطَّلَاقَ) يَعْنِي يَنْوِي تَخْيِيرَهَا فِيهِ أَوْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك فَلَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا . ا هـ . فَتْحٌ قَالَ بَعْضُهُمْ فِي شَرْحِهِ إذَا قَالَ اخْتَارِي فَقَالَتْ اخْتَرْت نَفْسِي يُشْتَرَطُ نِيَّةُ الطَّلَاقِ أَمَّا إذَا قَالَ اخْتَارِي نَفْسَك فَقَالَتْ اخْتَرْت يَقَعُ الطَّلَاقُ بِدُونِ النِّيَّةِ وَذَلِكَ خِلَافُ الرِّوَايَةِ وَالتَّحْقِيقِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ شَمْسَ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيَّ اشْتَرَطَ النِّيَّةَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ فِي الْمَبْسُوطِ ، وَكَذَا صَرَّحَ الْعَتَّابِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِاشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِيهِمَا .
وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ اخْتَارِي لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي الطَّلَاقِ وَمَا لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِيهِ فَكَيْفَ لَا يَشْتَرِطُ النِّيَّةَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ . (قَوْلُهُ فَاخْتَارَتْ فِي مَجْلِسِهَا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ اعْلَمْ أَنَّ الْقِيَاسَ أَنْ لَا يَقَعَ الطَّلَاقُ إذَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا وَإِنْ نَوَى الزَّوْجُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ لَا يَمْلِكُ إيقَاعَ الطَّلَاقِ بِهَذَا اللَّفْظِ بِنَفْسِهِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَمْلِكَ التَّفْوِيضَ إلَى غَيْرِهِ ، وَلِهَذَا لَوْ قَالَ اخْتَرْتُك مِنْ نَفْسِي أَوْ اخْتَرْت نَفْسِي مِنْك لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ وَلَكِنَّا تَرَكْنَا الْقِيَاسَ بِمَا رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْأَصْلِ ، وَقَالَ بَلَغَنَا عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَجَابِرٌ فِي الرَّجُلِ يُخَيِّرُ امْرَأَتَهُ أَنَّ لَهَا الْخِيَارَ مَا دَامَتْ فِي مَجْلِسِهَا ذَلِكَ فَإِذَا قَامَتْ مِنْ مَجْلِسِهَا فَلَا خِيَارَ لَهَا وَقَدْ صَحَّ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَالسُّنَنِ وَغَيْرِهِمَا مُسْنَدًا إلَى مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ «خَيَّرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاخْتَرْنَا اللَّهَ وَرَسُولَهُ» فَلَوْ كَانَ التَّخْيِيرُ لَا يَقَعُ بِهِ الْفُرْقَةُ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَعْنًى . ا هـ .
(قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ الْمُخَيَّرَةَ لَهَا

(2/219)


مَجْلِسُ الْعِلْمِ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ ، وَلِأَنَّهُ تَمْلِيكُ الْفِعْلِ مِنْهَا وَالتَّمْلِيكَاتُ تَقْتَضِي الْخِيَارَ فِي الْمَجْلِسِ كَمَا فِي سَائِرِ التَّمْلِيكَاتِ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يُعْتَبَرُ تَمْلِيكًا مَعَ بَقَاءِ مِلْكِهِ ، وَالشَّيْءُ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَمْلِكَهُ شَخْصَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كُلُّهُ قُلْنَا هَذَا تَمْلِيكُ الْإِيقَاعِ لَا تَمْلِيكُ الْعَيْنِ فَلَا يَسْتَحِيلُ وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي الْعَيْنِ وَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْكِنَايَاتِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ خَيَّرَهَا فِي النَّفَقَةِ أَوْ الْكُسْوَةِ أَوْ الدَّارِ لِلسُّكْنَى وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ خَيَّرَهَا فِي نَفْسِهَا فَلَا يَتَعَيَّنُ إلَّا بِالنِّيَّةِ وَالْوَاقِعُ بِهِ بَائِنٌ ؛ لِأَنَّ اخْتِيَارَهَا نَفْسَهَا بِهِ يَتَحَقَّقُ لِثُبُوتِ اخْتِصَاصِهَا بِنَفْسِهَا فِي الْبَائِنِ دُونَ الرَّجْعِيِّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَمْ تَصِحَّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ) ؛ لِأَنَّ الِاخْتِيَارَ يُنْبِئُ عَنْ الْخُلُوصِ وَهُوَ غَيْرُ مُتَنَوِّعٍ بِخِلَافِ الْبَيْنُونَةِ ؛ لِأَنَّهُ مُتَنَوِّعٌ إلَى غَلِيظَةٍ وَخَفِيفَةٍ فَأَيُّهُمَا نَوَى صَحَّ وَبِخِلَافِ الْأَمْرِ بِالْيَدِ ؛ لِأَنَّهُ يُنْبِئُ عَنْ التَّمْلِيكِ وَضْعًا بِصِيغَةِ الْعُمُومِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} [الانفطار : 19] ، وَقَالَ تَعَالَى {قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ} [آل عمران : 154] وَهُوَ مَصْدَرٌ وَالْمَصْدَرُ جِنْسٌ يَحْتَمِلُ الْعُمُومَ وَالْخُصُوصَ فَإِذَا نَوَى الثَّلَاثَ فَقَدْ نَوَى تَمْلِيكَ جَمِيعِ مَا يَمْلِكُ وَهُوَ مُحْتَمَلُ لَفْظِهِ فَيَجُوزُ . وَأَمَّا قَوْلُهُ اخْتَارِي فَلَيْسَ بِتَمْلِيكٍ وَضْعًا وَإِنَّمَا جُعِلَ تَمْلِيكًا عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ لِكَوْنِهِ لَا يُنْبِئُ عَنْ الْإِيقَاعِ وَلَا عَنْ التَّفْوِيضِ وَالْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ عَلَى الْوَاحِدَةِ وَبَقِيَ مَا وَرَاءَهُ عَلَى الْأَصْلِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ قَامَتْ أَوْ أَخَذَتْ فِي عَمَلٍ آخَرَ بَطَلَ خِيَارُهَا) ؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ فَيَبْطُلُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ مِنْ قِيَامٍ أَوْ أَخْذٍ فِي عَمَلٍ آخَرَ غَيْرِهِ كَسَائِرِ التَّمْلِيكَاتِ بِخِلَافِ الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ ؛ لِأَنَّ الْمُبْطِلَ هُنَاكَ الِافْتِرَاقُ لَا عَنْ قَبْضٍ دُونَ الْإِعْرَاضِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَذِكْرُ النَّفْسِ أَوْ الِاخْتِيَارَةِ فِي أَحَدِ كَلَامَيْهِمَا شَرْطٌ) ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا عُرِفَ كَوْنُهُ طَلَاقًا بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ وَهُوَ فِي الْمُفَسِّرَةِ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ ، وَهَذَا لِأَنَّ قَوْلَهَا اخْتَرْتُ مُبْهَمٌ فَلَا يَصْلُحُ تَفْسِيرًا لِلْمُبْهَمِ وَيُشْتَرَطُ ذِكْرُ النَّفْسِ مُتَّصِلًا وَإِنْ انْفَصَلَ فَإِنْ كَانَ فِي الْمَجْلِسِ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا وَذِكْرُ الِاخْتِيَارَةِ كَذِكْرِ النَّفْسِ ؛ لِأَنَّهَا تُنْبِئُ عَنْ الِاتِّحَادِ وَاخْتِيَارُهَا نَفْسَهَا هُوَ الَّذِي يَتَّحِدُ تَارَةً وَيَتَعَدَّدُ أُخْرَى بِأَنْ قَالَ لَهَا اخْتَارِي نَفْسَك بِمَا شِئْت أَوْ بِثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ ، وَهَذَا لِأَنَّ التَّعَدُّدَ مِنْ لَوَازِمِ الطَّلَاقِ وَذَلِكَ بِاخْتِيَارِهَا نَفْسَهَا مِرَارًا دُونَ اخْتِيَارِهَا زَوْجَهَا ، وَكَذَا ذِكْرُ التَّطْلِيقَةِ أَوْ تَكْرَارُ قَوْلِهِ اخْتَارِي يَقُومُ مَقَامَ ذِكْرِ النَّفْسِ ، وَكَذَا قَوْلُهَا أَخْتَارُ أَبِي أَوْ أُمِّي أَوْ أَهْلِي أَوْ الْأَزْوَاجَ يُغْنِي عَنْ ذِكْرِ النَّفْسِ بِخِلَافِ قَوْلِهَا اخْتَرْت أُخْتِي أَوْ عَمَّتِي وَإِنْ قَالَتْ اخْتَرْت نَفْسِي وَزَوْجِي فَالْعِبْرَةُ لِلسَّابِقِ ، وَلَوْ قَالَتْ أَوْ زَوْجِي يَبْطُلُ ، وَلَوْ قَالَ لَهَا اخْتَارِي فَقَالَ اخْتَرْتِ لَمْ يَقَعْ لِعَدَمِ التَّفْسِيرِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَهُوَ شَرْطٌ مِنْ أَحَدِهِمَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَتْ اخْتَرْتُ نَفْسِي أَوْ قَالَ هُوَ اخْتَارِي نَفْسَك فَقَالَتْ هِيَ اخْتَرْتُ حَيْثُ يَقَعُ ؛ لِأَنَّ كَلَامَهَا مُفَسِّرٌ وَمَا نَوَاهُ الزَّوْجُ مِنْ مُحْتَمَلَاتِ كَلَامِهِ أَوْ كَلَامُهُ مُفَسِّرٌ وَكَلَامُهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مَجْلِسُ الْعِلْمِ) قَالَ الشَّارِحُ عِنْدَ قَوْلِهِ فِيمَا سَيَأْتِي ، وَلَوْ مَكَثَتْ بَعْدَ التَّفْوِيضِ ثُمَّ إنْ كَانَتْ تَسْمَعُ يُعْتَبَرُ مَجْلِسُهَا ذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ لَا تَسْمَعُ فَمَجْلِسُ عِلْمِهَا ؛ لِأَنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى مَا وَرَاءَ مَجْلِسِ الزَّوْجِ . ا هـ . (قَوْلُهُ كَمَا فِي سَائِرِ التَّمْلِيكَاتِ) قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي وَإِذَا خَيَّرَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فَلَهَا الْخِيَارُ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ وَإِنْ تَطَاوَلَ يَوْمًا أَوْ أَكْثَرَ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ وَإِنْ تَطَاوَلَ يَوْمًا أَوْ أَكْثَرَ قَالَ الْكَمَالُ وَإِنْ طَالَ يَوْمًا أَوْ أَكْثَرَ مَا لَمْ يَتَبَدَّلْ بِالْأَعْمَالِ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ فِيهِ) أَمَّا إذَا خَيَّرَهَا بَعْدَ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا ثُمَّ قَالَ لَمْ أَنْوِ الطَّلَاقَ لَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ ، وَكَذَا إذَا كَانَا فِي غَضَبٍ وَإِذَا لَمْ يُصَدَّقْ فِي الْقَضَاءِ لَا يُسَوَّغُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُقِيمَ مَعَهُ إلَّا بِنِكَاحٍ مُسْتَقْبَلٍ ا هـ كَمَالٌ قَالَ فِي الشَّامِلِ فَإِنْ خَيَّرَهَا ثُمَّ قَالَ مَا أَرَدْت الطَّلَاقَ يُقْبَلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِصَرِيحٍ ، وَقَالَ فِي الشَّامِلِ أَيْضًا خَيَّرَهَا فَأَكَلَتْ طَعَامًا أَوْ امْتَشَطَتْ أَوْ أَقَامَهَا الزَّوْجُ بِيَدِهِ يَبْطُلُ خِيَارُهَا ، وَلَوْ لَبِسَتْ ثَوْبًا أَوْ شَرِبَتْ الْمَاءَ لَا يَبْطُلُ خِيَارُهَا . ا هـ . (قَوْلُهُ وَالْوَاقِعُ بِهِ بَائِنٌ) أَيْ ؛ لِأَنَّهُ يُنْبِئُ عَنْ الِاسْتِخْلَاصِ وَالصَّفَاءِ عَنْ ذَلِكَ الْمِلْكِ وَهُوَ بِالْبَيْنُونَةِ وَإِلَّا لَمْ يَحْصُلْ فَائِدَةُ التَّخْيِيرِ إذَا كَانَ لَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا شَاءَتْ أَوْ أَبَتْ . ا هـ . فَتْحٌ . (قَوْلُهُ وَبِخِلَافِ الْأَمْرِ بِالْيَدِ) أَيْ حَيْثُ تَصِحُّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ فِيهِ أَيْضًا . ا هـ . (قَوْلُهُ وَبَقِيَ مَا وَرَاءَهُ عَلَى الْأَصْلِ) أَيْ وَعِنْدَ مَالِكٍ يَقَعُ ثَلَاثٌ بِلَا نِيَّةٍ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَقَعُ ثَلَاثٌ إذَا كَانَ بِالنِّيَّةِ . ا هـ . عَيْنِيٌّ.

(قَوْلُهُ أَوْ أَخَذَ فِي عَمَلٍ آخَرَ غَيْرِهِ) أَيْ ؛ لِأَنَّ الْمَجْلِسَ قَدْ يَكُونُ مَجْلِسَ الْمُنَاظَرَةِ ثُمَّ يَنْقَلِبُ فَيَكُونُ مَجْلِسَ الْأَكْلِ إذَا اشْتَغَلُوا بِهِ فَيَكُونُ مَجْلِسَ الْقِتَالِ إذَا اقْتَتَلُوا . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَذِكْرُ النَّفْسِ أَوْ الِاخْتِيَارَةِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ النَّفْسِ فِي كَلَامِهِ أَوْ كَلَامِهَا قَالَ الْكَمَالُ يَعْنِي أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ كَالِاخْتِيَارَةِ وَالتَّطْلِيقَةِ ، وَكَذَا إذَا قَالَتْ اخْتَرْت أَبِي أَوْ أُمِّي أَوْ الْأَزْوَاجَ أَوْ أَهْلِي بَعْدَ قَوْلِهِ اخْتَارِي يَقَعُ ؛ لِأَنَّهُ مُفَسَّرٌ فِي الْأَزْوَاجِ ظَاهِرٌ ، وَكَذَا أَهْلِي ؛ لِأَنَّ الْكَوْنَ عِنْدَهُمْ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ اخْتَرْت أَهْلِي إنَّمَا يَكُونُ لِلْبَيْنُونَةِ وَعَدَمِ الْوَصْلَةِ مَعَ الزَّوْجِ وَلِذَا تَطْلُقُ بِقَوْلِ الزَّوْجِ الْحَقِي بِأَهْلِك بِخِلَافِ قَوْلِهَا اخْتَرْت قَوْمِي أَوْ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ لَا يَقَعُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا إذَا كَانَ لَهَا أَبٌ أَوْ أُمٌّ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ وَلَهَا أَخٌ يَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ ؛ لِأَنَّهَا تَكُونُ عِنْدَهُ عَادَةً عِنْدَ الْبَيْنُونَةِ إذَا عَدِمَتْ الْوَالِدَيْنِ . (قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا عُرِفَ كَوْنُهُ طَلَاقًا بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ) قَالَ الْكَمَالُ فَإِنْ قِيلَ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ عَلَى الْمُفَسَّرِ بِذِكْرِ النَّفْسِ فَيَنْبَغِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بِقَوْلِهَا اخْتَرْت اخْتِيَارَةً أَوْ أَهْلِي أَوْ نَحْوَهُ فَإِنَّ هَذِهِ لَمْ يُجْمَعْ عَلَيْهَا قُلْنَا عُرِفَ مِنْ إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ اعْتِبَارُ مُفَسَّرٍ لَفْظًا مِنْ جَانِبٍ فَيُقْتَصَرُ عَلَيْهِ فَيَنْتَفِي غَيْرُ الْمُفَسَّرِ . وَأَمَّا خُصُوصُ لَفْظِ الْمُفَسَّرِ فَمَعْلُومُ الْإِلْغَاءِ وَاعْتِبَارُ الْمُفَسَّرِ أَعَمُّ مِنْهُ حَتَّى بِقَرِينَةٍ غَيْرِ لَفْظِيَّةٍ تُوجِبُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْوُقُوعِ بِلَا لَفْظٍ صَالِحٍ . ا هـ . (قَوْلُهُ بِاخْتِيَارِهَا نَفْسَهَا مِرَارًا) يَعْنِي بِأَنْ تَخْتَارَ نَفْسَهَا كُلَّمَا فَوَّضَ إلَيْهَا (قَوْلُهُ أَوْ تَكْرَارُ قَوْلِهِ اخْتَارِي إلَخْ) وَفِي الشَّامِلِ قَالَ لَهَا اخْتَارِي ثُمَّ أَبَانَهَا فَقَالَتْ اخْتَرْت نَفْسِي لَا يَقَعُ ؛ لِأَنَّ الْمُبَانَةَ لَا تُبَانُ . ا هـ . عَيْنِيٌّ

(2/220)


خَرَجَ جَوَابًا لَهُ فَيَكُونُ الْمَذْكُورُ فِي كَلَامِهِ كَالْمُعَادِ فِي كَلَامِهَا

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ قَالَ لَهَا اخْتَارِي فَقَالَتْ أَنَا أَخْتَارُ نَفْسِي أَوْ اخْتَرْت نَفْسِي تَطْلُقُ) أَمَّا قَوْلُهَا اخْتَرْت نَفْسِي فَقَدْ ذَكَرْنَاهُ . وَأَمَّا قَوْلُهَا أَنَا أَخْتَارُ نَفْسِي فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَقَعَ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّ كَلَامَهَا مُجَرَّدُ وَعْدٍ أَوْ يَحْتَمِلُهُ لِكَوْنِهِ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْحَالِ وَالِاسْتِقْبَالِ فَلَا يَقَعُ بِالشَّكِّ فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك فَقَالَتْ أَنَا أُطَلِّقُ نَفْسِي وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ مَا رُوِيَ أَنَّهُ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ لِعَائِشَةَ حِينَ نَزَلَتْ آيَةُ التَّخْيِيرِ إنِّي مُخَيِّرُك بِشَيْءٍ فَلَا تُجِيبِينِي حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْك ثُمَّ أَخْبَرَهَا بِالْآيَةِ فَقَالَتْ أَفِي هَذَا أَسْتَأْمِرُ أَبَوَيَّ بَلْ أَخْتَارُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ» فَجَعَلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - جَوَابًا مِنْهَا ، وَلِأَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ غَلَبَ اسْتِعْمَالُهَا فِي الْحَالِ كَمَا فِي كَلِمَةِ الشَّهَادَةِ وَأَدَاءِ الشَّاهِدِ الشَّهَادَةَ يُقَالُ فُلَانٌ يَخْتَارُ كَذَا يُرِيدُونَ بِهِ تَحْقِيقَهُ فَيَكُونُ حِكَايَةً عَنْ اخْتِيَارِهَا فِي الْقَلْبِ بِخِلَافِ قَوْلِهَا أَنَا أُطَلِّقُ نَفْسِي ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ حِكَايَةً عَنْ تَطْلِيقِهَا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ لِعَدَمِ تَصَوُّرِهِ ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ فِعْلُ اللِّسَانِ فَلَا يُمْكِنُهَا أَنْ تَنْطِقَ بِهِ نُطْقَهَا بِهَذَا الْخَبَرِ بِخِلَافِ الِاخْتِيَارِ ؛ لِأَنَّهُ فِعْلُ الْقَلْبِ فَلَا يَسْتَحِيلُ اجْتِمَاعُهُمَا كَمَا فِي كَلِمَةِ الشَّهَادَةِ لَمَّا كَانَتْ حِكَايَةً عَنْ التَّصْدِيقِ بِالْقَلْبِ لَمْ يَسْتَحِلْ اجْتِمَاعُهُمَا فَجُعِلَتْ إخْبَارًا عَمَّا فِي ضَمِيرِهِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقَالُ أَمْلِكُ كَذَا ، وَكَذَا مِنْ الْمَالِ لَمَّا لَمْ يَسْتَحِلْ ذَلِكَ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ قَالَ اخْتَارِي اخْتَارِي اخْتَارِي فَقَالَتْ اخْتَرْتُ الْأُولَى أَوْ الْوُسْطَى أَوْ الْأَخِيرَةَ أَوْ اخْتِيَارَةً وَقَعَ الثَّلَاثُ بِلَا نِيَّةٍ) وَلِذَا لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى ذِكْرِ النَّفْسِ ؛ لِأَنَّ فِي لَفْظِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى إرَادَةِ الطَّلَاقِ ؛ لِأَنَّ الِاخْتِيَارَ فِي حَقِّ الطَّلَاقِ هُوَ الَّذِي يَتَكَرَّرُ فَتَعَيَّنَ بِخِلَافِ قَوْلِهِ اعْتَدِّي اعْتَدِّي اعْتَدِّي حَيْثُ لَمْ يَقَعْ بِهِ شَيْءٌ بِلَا نِيَّةٍ وَالْفَرْقُ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ اعْتِدَادَ نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى وَهِيَ لَا تُحْصَى فَلَا يَتَعَيَّنُ لِلطَّلَاقِ وَاخْتِيَارُهَا الزَّوْجَ لَا يَتَعَدَّدُ ، وَكَذَا الِاخْتِيَارُ فِي عَمَلٍ آخَرَ فَتَعَيَّنَ لِلْمُتَعَدِّدِ وَهُوَ الطَّلَاقُ هَذَا رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَفِي رِوَايَةِ الزِّيَادَاتِ تُشْتَرَطُ النِّيَّةُ وَإِنْ كَرَّرَ قَوْلَهُ اخْتَارِي وَفِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ قَالَ اخْتَارِي اخْتَارِي اخْتَارِي بِأَلْفٍ يَنْوِي الطَّلَاقَ فَقَدْ اشْتَرَطَ النِّيَّةَ مَعَ ذِكْرِ الْمَالِ وَالتَّكْرَارِ مَعَ أَنَّ ذِكْرَ الْمَالِ يُرَجِّحُ جَانِبَ الطَّلَاقِ أَيْضًا وَفِي الْكَافِي قِيلَ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ النَّفْسِ وَإِنَّمَا حُذِفَ لِشُهْرَتِهِ ؛ لِأَنَّ غَرَضَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - التَّفْرِيعُ دُونَ بَيَانِ صِحَّةِ الْجَوَابِ وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ النِّيَّةُ حُذِفَتْ لِهَذَا الْمَعْنَى أَيْضًا لَا ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِشَرْطٍ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ رِوَايَةِ الْجَامِعِ وَالزِّيَادَاتِ وَفِي الْبَدَائِعِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ لَهَا اخْتَارِي اخْتَارِي اخْتَارِي فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَقَالَ نَوَيْت بِالْأُولَى الطَّلَاقَ وَبِالْبَاقِيَتَيْنِ التَّأْكِيدَ لَمْ يُصَدَّقْ قَضَاءً ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا نَوَى بِالْأُولَى الطَّلَاقَ كَانَ الْحَالُ حَالَ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ فَكَانَ طَلَاقًا ظَاهِرًا وَمِثْلُهُ فِي الْمُحِيطِ
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ بَلْ يُصَرَّحُ بِهِ ثُمَّ وُقُوعُ الثَّلَاثِ بِقَوْلِهَا اخْتَرْت الْأُولَى أَوْ الْوُسْطَى أَوْ الْأَخِيرَةَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا تَطْلُقُ وَاحِدَةً ؛ لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ يُفِيدُ الْإِفْرَادَ وَالتَّرْتِيبَ ؛ لِأَنَّ الْأُولَى اسْمٌ لِفَرْدٍ سَابِقٍ وَالْوُسْطَى اسْمٌ لِفَرْدٍ بَيْنَ شَيْئَيْنِ مُتَسَاوِيَيْنِ وَالْأَخِيرَةُ اسْمٌ لِفَرْدٍ لَاحِقٍ وَالتَّرْتِيبُ بَاطِلٌ لِاسْتِحَالَتِهِ فِي الْمُجْتَمِعِ فِي مِلْكٍ وَإِنَّمَا التَّرْتِيبُ فِي أَفْعَالِ الْأَعْيَانِ كَمَا يُقَالُ جَاءَ هَذَا أَوَّلًا وَنَحْوُهُ لَا فِي ذَاتِهَا فَيُعْتَبَرُ فِيمَا يُفِيدُ وَهُوَ الْإِفْرَادُ فَصَارَ كَأَنَّهَا قَالَتْ اخْتَرْت الطَّلْقَةَ الَّتِي صَارَتْ إلَيَّ بِالْكَلِمَةِ الْأُولَى وَهِيَ الْوَاحِدَةُ وَلَهُ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ لِلتَّرْتِيبِ وَالْإِفْرَادُ مِنْ ضَرُورَاتِهِ فَإِذَا بَطَلَ فِي حَقِّ الْأَصْلِ بَطَلَ فِي حَقِّ التَّبَعِ ، وَهَذَا لِأَنَّ قَوْلَهَا الْأُولَى وَنَحْوَهَا نَعْتٌ وَالنَّعْتُ يَنْصَرِفُ إلَى الْمَذْكُورِ وَالِاخْتِيَارُ هُوَ الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِهِ اخْتَارِي دُونَ غَيْرِهِ لَوْ قَالَتْ اخْتَرْت
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ فَيَكُونُ الْمَذْكُورُ فِي كَلَامِهِ كَالْمُعَادِ فِي كَلَامِهَا) أَيْ فَكَأَنَّهَا قَالَتْ اخْتَرْت نَفْسِي . ا هـ . كَافِي.

(قَوْلُهُ فَقَالَتْ أَنَا أَخْتَارُ نَفْسِي) الْمَقْصُودُ أَنَّهَا ذَكَرَتْ بِلَفْظِ الْمُضَارِعِ كَأَخْتَارُ نَفْسِي سَوَاءٌ ذَكَرَتْ أَنَا أَوْ لَا . ا هـ . كَمَالٌ . (قَوْلُهُ فَقَالَتْ أَنَا أُطَلِّقُ نَفْسِي) أَيْ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ ، وَكَذَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَعْتِقْ رَقَبَتَك فَقَالَ أَنَا أَعْتِقُ لَا يَعْتِقُ . ا هـ . فَتْحٌ (قَوْلُهُ ، وَلِأَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ) أَيْ صِيغَةَ الْمُضَارِعِ . ا هـ . (قَوْلُهُ بِخِلَافِ قَوْلِهَا أَنَا طَالِقٌ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِخِلَافِ قَوْلِهَا أُطَلِّقُ نَفْسِي لَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ اخْتِيَارًا عَنْ طَلَاقٍ قَائِمٍ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَقُومُ بِاللِّسَانِ فَلَوْ جَازَ قَامَ بِهِ الْأَمْرَانِ فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ وَهُوَ مُحَالٌ ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِيقَاعَ لَا يَكُونُ بِنَفْسِ أُطَلِّقُ ؛ لِأَنَّهُ لَا تَعَارُفَ فِيهِ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ لَوْ تُعُورِفَ جَازَ وَمُقْتَضَاهُ أَنْ يَقَعَ بِهِ هُنَا إنْ تُعُورِفَ ؛ لِأَنَّهُ إنْشَاءٌ لَا إخْبَارٌ ا هـ (قَوْلُهُ فَجُعِلَتْ إخْبَارًا عَمَّا فِي ضَمِيرِهِ) أَيْ ، وَلِأَنَّ الْعَادَةَ لَمْ تَجْرِ فِي أَنَا أُطَلِّقُ بِإِرَادَةِ الْحَالِ . ا هـ . كَافِي.

(قَوْلُهُ حُذِفَتْ لِهَذَا الْمَعْنَى أَيْضًا) ، وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّ صَرِيحَ اللَّفْظِ يُخَالِفُهُ ا هـ ق . (قَوْلُهُ ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَعْدَ أَنْ نَظَرَ فِي قَوْلِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَإِنَّمَا لَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ إلَخْ وَالظَّاهِرُ أَنَّ النِّيَّةَ شَرْطٌ ؛ لِأَنَّ الِاخْتِيَارَ لَيْسَ مِنْ أَلْفَاظِ الصَّرِيحِ وَالتَّكْرَارُ لَا يَدُلُّ عَلَى الطَّلَاقِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لِلتَّأْكِيدِ ، وَلِهَذَا شَرَطَ النِّيَّةَ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ مُصَرِّحًا وَأَبُو الْمُعِينِ النَّسَفِيُّ وَغَيْرُهُ صَرَّحُوا بِاشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ مَعَ وُجُودِ تَكْرَارِ الِاخْتِيَارِ . ا هـ . (قَوْلُهُ فَيُعْتَبَرُ) أَيْ هَذَا اللَّفْظُ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَهُوَ الْإِفْرَادُ) أَيْ فِيمَا لَا يُفِيدُ وَهُوَ التَّرْتِيبُ . ا هـ . (قَوْلُهُ فَإِذَا بَطَلَ فِي حَقِّ الْأَصْلِ) أَيْ وَإِنَّمَا جُعِلَ التَّرْتِيبُ أَصْلًا ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ ذِكْرِ الْكَلَامِ لَا بَيَانُ الْإِفْرَادِ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ . (قَوْلُهُ بَطَلَ فِي حَقِّ التَّبَعِ) أَيْ فَيَبْقَى قَوْلُهَا اخْتَرْت فَيَقَعُ الثَّلَاثُ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَقَعَ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَغَا ذِكْرُ التَّرْتِيبِ بَقِيَ قَوْلُهَا اخْتَرْت وَبِهَذَا اللَّفْظِ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ مَا لَمْ تَقُلْ اخْتَرْت نَفْسِي قُلْنَا هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي لَفْظِ الزَّوْجِ مَا يَدُلُّ عَلَى تَخْصِيصِ الطَّلَاقِ وَهُنَا فِي لَفْظِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُهُ اخْتَارِي ثَلَاثَ مَرَّاتٍ . ا هـ . كَافِي . (قَوْلُهُ ، وَلَوْ قَالَتْ اخْتَرْت) أَيْ لَوْ قَالَتْ فِي جَوَابِ قَوْلِهِ اخْتَارِي

(2/221)


أَوْ اخْتَرْت اخْتِيَارَةً أَوْ مَرَّةً أَوْ بِمَرَّةٍ أَوْ دَفْعَةً أَوْ بِدَفْعَةٍ أَوْ بِوَاحِدَةٍ أَوْ اخْتِيَارَةً وَاحِدَةً يَقَعُ ثَلَاثًا فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَذْكُرَ الْأَخِيرَتَيْنِ بِالْعَطْفِ مِنْ وَاوٍ أَوْ فَاءٍ أَوْ ثُمَّ أَوْ لَمْ يَذْكُرْ
وَلَوْ كَانَ التَّخْيِيرُ بِمَالٍ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا وَقَعَ الثَّلَاثُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَزِمَهَا الْمَالُ كُلُّهُ سَوَاءٌ كَانَ التَّخْيِيرُ بِعَطْفٍ أَوْ لَا ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَغَا الْوَصْفُ عِنْدَهُ لَمْ يَخْتَلِفْ الْجَوَابُ وَعِنْدَهُمَا إنْ كَانَ بِعَطْفٍ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ إلَّا إذَا أَوْقَعَتْ الثَّلَاثَ ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ تَعَلَّقَ بِالْمَالِ فَلَوْ وَقَعَ كَمَا أَوْقَعَتْهُ لَوَقَعَ بِثُلُثِ الْمَالِ الْمُشْتَرَطِ وَهُوَ لَمْ يَرْضَ بِالْبَيْنُونَةِ إلَّا بِالْكُلِّ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ عَطْفٍ تَعَلَّقَتْ الْأَخِيرَةُ بِالْمَالِ كَالشَّرْطِ وَالِاسْتِثْنَاءِ ثُمَّ إنْ اخْتَارَتْ الْأَخِيرَةَ وَقَعَ بِالْمَالِ وَإِنْ اخْتَارَتْ غَيْرَهَا وَقَعَ بِغَيْرِ مَالٍ ، وَهَذَا ظَاهِرٌ ، وَلَوْ قَالَتْ اخْتَرْت أَوْ اخْتَرْت اخْتِيَارَةً وَنَحْوَهَا وَقَعَ الثَّلَاثُ إجْمَاعًا وَلَزِمَ الْمَالُ كُلُّهُ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ قَالَتْ طَلَّقْتُ نَفْسِي أَوْ اخْتَرْت نَفْسِي بِتَطْلِيقَةٍ بَانَتْ بِوَاحِدَةٍ) ؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ فِيهِ تَخْيِيرُ الزَّوْجِ دُونَ إيقَاعِهَا هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْجَامِعِ وَالزِّيَادَاتِ وَالْأَوْضَحِ وَشُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَجَوَامِعِ الْفِقْهِ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ مِنْ أَنَّهُ يَقَعُ رَجْعِيًّا غَلَطٌ لَا مَعْنَى لَهُ ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ أَوْقَعَتْ بِالصَّرِيحِ لَكِنَّهُ لَا عِبْرَةَ لِإِيقَاعِهَا بَلْ لِتَفْوِيضِ الزَّوْجِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ أَمَرَهَا بِالْبَائِنِ فَأَوْقَعَتْ رَجْعِيًّا أَوْ بِالْعَكْسِ أَوْ قَالَتْ طَلَّقْت نَفْسِي وَاحِدَةً فِي جَوَابِ الْأَمْرِ بِالْيَدِ وَقَعَ مَا أَمَرَ بِهِ الزَّوْجُ دُونَ مَا أَوْقَعَتْهُ هِيَ ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ فِي الْفَصْلِ الَّذِي يَلِي هَذَا الْفَصْلَ فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَقَعَ الطَّلَاقُ بِقَوْلِهَا طَلَّقْت نَفْسِي فِي جَوَابِ اخْتَارِي ؛ لِأَنَّ الْمُفَوَّضَ إلَيْهَا الِاخْتِيَارُ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ جَوَابُهُ التَّطْلِيقَ كَمَا لَوْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك فَقَالَتْ اخْتَرْت نَفْسِي قُلْنَا التَّطْلِيقُ دَخَلَ فِي ضِمْنِ التَّخْيِيرِ فَقَدْ أَتَتْ بِبَعْضِ مَا فُوِّضَ إلَيْهَا فَصَلَحَ جَوَابًا كَمَا لَوْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا فَطَلَّقَتْ وَاحِدَةً بِخِلَافِ الِاخْتِيَارِ فَإِنَّهُ لَمْ يُفَوِّضْ إلَيْهَا لَا قَصْدًا وَلَا ضِمْنًا ، وَكَذَا هُوَ لَيْسَ مِنْ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ إلَّا فِي جَوَابِ التَّخْيِيرِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَمْرُك بِيَدِك فِي تَطْلِيقَةٍ أَوْ اخْتَارِي تَطْلِيقَةً فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا طَلُقَتْ رَجْعِيَّةً) ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ إلَيْهَا الِاخْتِيَارَ لَكِنَّهُ بِتَطْلِيقَةٍ وَهِيَ مُعَقِّبَةٌ لِلرَّجْعَةِ فَإِنْ قِيلَ قَوْلُهُ أَمْرُك بِيَدِك أَوْ اخْتَارِي يُفِيدُ الْبَيْنُونَةَ فَلَا يَجُوزُ صَرْفُهَا عَنْهَا إلَى غَيْرِهَا قُلْنَا لَمَّا قَرَنَهُ بِالصَّرِيحِ عُلِمَ أَنَّهُ أَرَادَ الرَّجْعِيَّ كَمَا لَوْ قَرَنَ الصَّرِيحَ بِالْبَائِنِ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ بَائِنٌ

(فَصْلٌ فِي الْأَمْرِ بِالْيَدِ)
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَمْرُك بِيَدِك يَنْوِي ثَلَاثًا فَقَالَتْ اخْتَرْتُ نَفْسِي بِوَاحِدَةٍ وَقَعْنَ) ؛ لِأَنَّ الِاخْتِيَارَ يَصْلُحُ جَوَابًا لِلْأَمْرِ بِالْيَدِ لِكَوْنِهِ جَوَابًا لِلتَّمْلِيكِ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ ، وَهَذَا تَمْلِيكٌ وَقَوْلُهَا بِوَاحِدَةٍ أَيْ بِاخْتِيَارَةٍ وَاحِدَةٍ بِطَرِيقِ إقَامَةِ الصِّفَةِ مَقَامَ الْمَوْصُوفِ وَإِنَّمَا صَحَّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ ؛ لِأَنَّهُ جِنْسٌ يَحْتَمِلُ الْعُمُومَ وَالْخُصُوصَ فَأَيُّهُمَا نَوَى صَحَّتْ نِيَّتُهُ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا ثَبَتَ الْأَقَلُّ ، وَكَذَا إذَا نَوَى ثِنْتَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ عَدَدٌ مَحْضٌ وَالْجِنْسُ لَا يَحْتَمِلُهُ وَذِكْرُ النَّفْسِ خَرَجَ مَخْرَجَ الشَّرْطِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَذْكُرْهَا كَمَا لَا يَقَعُ فِي جَوَابِ التَّخْيِيرِ إلَّا بِهِ فَحَاصِلُهُ أَنَّ جَعْلَ الْأَمْرِ بِيَدِهَا كَالتَّخْيِيرِ فِي الْمَسَائِلِ كُلِّهَا إلَّا فِي احْتِمَالِ الثَّلَاثِ فَإِنَّهُ لَا تَصِحُّ نِيَّتُهُ فِي التَّخْيِيرِ ؛ لِأَنَّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ بِهِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ فَكَانَ ضَرُورِيًّا بِخِلَافِ الْأَمْرِ بِالْيَدِ ؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ فَيَمْلِكُ تَمْلِيكَ مَا يَمْلِكُهُ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي طَلَّقْتُ نَفْسِي وَاحِدَةً أَوْ اخْتَرْتُ نَفْسِي بِتَطْلِيقَةٍ بَانَتْ بِوَاحِدَةٍ) يَعْنِي فِي قَوْلِهَا طَلَّقْت نَفْسِي وَاحِدَةً أَوْ اخْتَرْت نَفْسِي بِتَطْلِيقَةٍ فِي جَوَابِ قَوْلِ الزَّوْجِ أَمْرُك بِيَدِك بَانَتْ بِطَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ ؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَةَ صِفَةٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ أَيْ طَلَّقْتُ نَفْسِي طَلْقَةً وَاحِدَةً فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْمَوْصُوفُ الْمَحْذُوفُ مَصْدَرَ قَوْلِهَا طَلَّقْت لِدَلَالَةِ هَذَا الْفِعْلِ عَلَيْهِ ، وَلِهَذَا كَانَ الْمَحْذُوفُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى مَصْدَرَ قَوْلِهَا اخْتَرْت لِمَا قُلْنَا وَلِتَبَادُرِ الْفَهْمِ إلَيْهِ وَذِكْرُ النَّفْسِ فِي قَوْلِهَا طَلَّقْت نَفْسِي فِي جَوَابِ الْأَمْرِ بِالْيَدِ شَرْطٌ حَتَّى لَوْ قَالَ لَهَا أَمْرُك بِيَدِك فَقَالَتْ طَلَّقْتُ وَلَمْ تَقُلْ نَفْسِي لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ وَإِنَّمَا كَانَ بَائِنًا لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْمُعْتَبَرَ تَفْوِيضُ الزَّوْجِ لَا إيقَاعُهَا فَتَكُونُ الصِّفَةُ الْمَذْكُورَةُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
اخْتَارِي اخْتَارِي اخْتَرْت أَوْ اخْتَرْت اخْتِيَارَةً إلَخْ وَقَعَ الثَّلَاثُ بِالِاتِّفَاقِ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ ا هـ . (قَوْلُهُ يَقَعُ ثَلَاثًا فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا) أَيْ ، وَلَوْ قَالَتْ اخْتَرْت التَّطْلِيقَةَ الْأُولَى يَقَعُ وَاحِدَةٌ إجْمَاعًا ا هـ ع.

(قَوْلُهُ ، وَلَوْ قَالَتْ طَلَّقْت نَفْسِي) أَيْ فِي جَوَابِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ . ا هـ . عَيْنِيٌّ . (قَوْلُهُ وَالْجَامِعِ) إذَا أُطْلِقَ الْجَامِعُ يُرَادُ بِهِ الْجَامِعُ الْكَبِيرُ ا هـ . (قَوْلُهُ وَشُرُوحُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَجَوَامِعِ الْفِقْهِ) وَعَامَّةِ الْجَوَامِعِ سِوَى جَامِعِ صَدْرِ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِيهِ كَمَا ذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ ا هـ كَاكِيٌّ . (قَوْلُهُ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ مِنْ أَنَّهُ يَقَعُ رَجْعِيًّا غَلَطٌ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أَنَّ قَوْلَ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ فَهِيَ وَاحِدَةٌ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ سَهْوٌ وَجْهُ الصَّحِيحِ أَنَّ الْوَاقِعَ بِالتَّخْيِيرِ بَائِنٌ ؛ لِأَنَّ التَّخْيِيرَ تَمْلِيكُ النَّفْسِ مِنْهَا وَلَيْسَ فِي الرَّجْعِيِّ مِلْكُهَا نَفْسَهَا وَإِيقَاعُهَا وَإِنْ كَانَ بِلَفْظِ الصَّرِيحِ لَكِنْ إنَّمَا يَثْبُتُ بِهِ الْوُقُوعُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي فَوَّضَ بِهِ إلَيْهَا وَالصَّرِيحُ لَا يُنَافِي الْبَيْنُونَةَ كَمَا فِي تَسْمِيَةِ الْمَالِ فَيَقَعُ بِهِ مَا مَلَكَتْهُ ؛ لِأَنَّهَا لَا تَمْلِكُ إلَّا مَا مَلَكَتْ . ا هـ . وَقَالَ فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ مَا ذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ مِنْ أَنَّهُ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ سَهْوٌ وَقَعَ مِنْ الْكَاتِبِ وَالْأَصَحُّ مِنْ الرِّوَايَةِ فَهِيَ وَاحِدَةٌ لَا تَمْلِكُ الرَّجْعَةَ . ا هـ . كَيْ (فَقَالَتْ اخْتَرْتُ نَفْسِي) قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ لَوْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك فَقَالَتْ قَدْ اخْتَرْت نَفْسِي كَانَ بَاطِلًا ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الِاخْتِيَارِ أَضْعَفُ مِنْ لَفْظِ الطَّلَاقِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ الزَّوْجَ يَمْلِكُ الْإِيقَاعَ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ دُونَ الِاخْتِيَارِ فَالْأَضْعَفُ لَا يَصْلُحُ جَوَابًا لِلْأَقْوَى وَالْأَقْوَى لَا يَصْلُحُ جَوَابًا لِلْأَضْعَفِ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ . (قَوْلُهُ إلَّا فِي جَوَابِ التَّخْيِيرِ) وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ لَفْظَ الِاخْتِيَارِ لَيْسَ مِنْ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ . ا هـ ..

(فَصْلٌ فِي الْأَمْرِ بِالْيَدِ)
.

(2/222)


فِي التَّفْوِيضِ مَذْكُورَةً فِي الْجَوَابِ ضَرُورَةَ الْمُوَافَقَةِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَدْخُلُ اللَّيْلُ فِي أَمْرِك بِيَدِك الْيَوْمَ وَبَعْدَ غَدٍ) يَعْنِي إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَمْرُك بِيَدِك الْيَوْمَ وَبَعْدَ غَدٍ لَا يَدْخُلُ فِيهِ اللَّيْلُ حَتَّى لَا يَكُونَ لَهَا الْخِيَارُ بِاللَّيْلِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْيَوْمَيْنِ ذُكِرَ مُفْرَدًا وَالْيَوْمُ الْمُفْرَدُ لَا يَتَنَاوَلُ اللَّيْلَ فَكَانَ الْأَمْرُ بِيَدِهَا فِي وَقْتَيْنِ مُنْفَصِلَيْنِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى حِدَةٍ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ أَمْرًا وَاحِدًا لِتَخَلُّلِ مَا يُوجِبُ الْفَصْلَ بَيْنَ الْوَقْتَيْنِ وَهُوَ الْيَوْمُ وَاللَّيْلَتَانِ فَكَانَا أَمْرَيْنِ ضَرُورَةً حَتَّى لَا يَبْطُلَ خِيَارُهَا بَعْدَ غَدٍ بِرَدِّ أَمْرِهَا الْيَوْمَ ، وَقَالَ زُفَرُ هُمَا أَمْرٌ وَاحِدٌ ؛ لِأَنَّهُ عَطْفُ أَحَدِ الْوَقْتَيْنِ عَلَى الْآخَرِ مِنْ غَيْرِ تَكْرَارِ لَفْظِ الْأَمْرِ فَيَكُونُ أَمْرًا وَاحِدًا كَقَوْلِهِ الْيَوْمَ وَغَدًا وَكَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ وَبَعْدَ غَدٍ قُلْنَا الْأَمْرُ بِالْيَدِ يَحْتَمِلُ التَّوْقِيتَ فَلَا حَاجَةَ إلَى إدْخَالِ مَا لَمْ يَدْخُلْ فِي اللَّفْظِ مَقْصُودًا وَلَا تَبَعًا فَكَانَا أَمْرَيْنِ ضَرُورَةَ الِانْفِصَالِ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ التَّوْقِيتَ فَجَازَ أَنْ يُوصَفَ فِي الْيَوْمِ وَبَعْدَ غَدٍ بِطَلَاقٍ وَاحِدٍ فَلَا حَاجَةَ إلَى إيقَاعِ طَلَاقٍ آخَرَ لِبَقَاءِ الْأَوَّلِ إلَى الْوَقْتِ الثَّانِي وَبِخِلَافِ قَوْلِهِ الْيَوْمَ وَغَدًا عَلَى مَا يَأْتِي مِنْ الْفَرْقِ وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ فِي الْكِتَابِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ رَدَّتْ الْأَمْرَ فِي يَوْمِهَا بَطَلَ أَمْرُ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَكَانَ بِيَدِهَا بَعْدَ غَدٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ أَنَّهُمَا أَمْرَانِ لِانْفِصَالِ وَقْتَيْهِمَا ثَبَتَ لَهَا الْخِيَارُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَقْتَيْنِ عَلَى حِدَةٍ فَبِرَدِّ أَحَدِهِمَا لَا يَرْتَدُّ الْآخَرُ وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِنَاءً عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ أَمْرٌ وَاحِدٌ عِنْدَهُ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي أَمْرُك بِيَدِك الْيَوْمَ وَغَدًا يَدْخُلُ) أَيْ فِي قَوْلِهِ أَمْرُك بِيَدِك الْيَوْمَ وَغَدًا يَدْخُلُ اللَّيْلُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَخَلَّلْ بَيْنَ الْوَقْتَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ وَقْتٌ مِنْ جِنْسِهِمَا لَمْ يَتَنَاوَلْهُ الْأَمْرُ فَكَانَ أَمْرًا وَاحِدًا ، وَهَذَا لِأَنَّ تَخَلُّلَ اللَّيْلَةِ لَا يَفْصِلُهُمَا ؛ لِأَنَّ الْقَوْمَ قَدْ يَجْلِسُونَ لِلْمَشُورَةِ فَيَهْجُمُ اللَّيْلُ وَلَا تَنْقَطِعُ مَشُورَتُهُمْ وَمَجْلِسُهُمْ وَلَا يُقَالُ إنَّ الْيَوْمَ هُنَا ذُكِرَ مُفْرَدًا فَوَجَبَ أَنْ لَا يَتَنَاوَلَ اللَّيْلَ كَالْمَسْأَلَةِ الْأُولَى ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِحَرْفِ الْجَمْعِ كَالْجَمْعِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ فَصَارَ كَقَوْلِهِ أَمْرُك بِيَدِك يَوْمَيْنِ وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لِتَخَلُّلِ وَقْتٍ مِنْ جِنْسِهِمَا لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ اللَّفْظِ وَهُنَا أَمْكَنَ لِعَدَمِهِ حَتَّى لَوْ قَالَ هُنَاكَ أَيْضًا أَمْرُك بِيَدِك الْيَوْمَ وَغَدًا وَبَعْدَ غَدٍ كَانَ أَمْرًا وَاحِدًا لِمَا قُلْنَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ رَدَّتْ فِي يَوْمِهَا لَمْ يَبْقَ فِي الْغَدِ) أَيْ إنْ رَدَّتْ الْأَمْرَ فِي يَوْمِهَا بِاخْتِيَارِهَا الزَّوْجَ لَمْ يَبْقَ لَهَا الْخِيَارُ فِي الْغَدِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ أَمْرٌ وَاحِدٌ فَلَا يَبْقَى لَهَا الْخِيَارُ بَعْدَ الرَّدِّ كَمَا إذَا قَالَ لَهَا أَمْرُك بِيَدِك الْيَوْمَ فَرَدَّتْهُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ لَا يَبْقَى لَهَا الْخِيَارُ فِي آخِرِهِ
وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ أَنَّ لَهَا الْخِيَارَ فِي الْغَدِ ؛ لِأَنَّهَا لَا تَمْلِكُ رَدَّ الْأَمْرِ كَمَا لَا تَمْلِكُ رَدَّ الْإِيقَاعِ وَالْجَامِعُ عَدَمُ اشْتِرَاطِ الْقَبُولِ فِيهِمَا فِي الْمَجْلِسِ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ قِيَامِهَا عَنْ الْمَجْلِسِ وَاشْتِغَالِهَا بِعَمَلٍ آخَرَ . وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ الْمُدَّةَ كُلَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْمَجْلِسِ فِيمَا لَمْ يُذْكَرْ الْوَقْتُ فِيهِ لِكَوْنِهِ أَمْرًا وَاحِدًا وَهُنَاكَ لَمْ يَثْبُتْ لَهَا الْخِيَارُ بَعْدَ الرَّدِّ فَكَذَا هُنَا ، وَلِأَنَّ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ بَيْنَ شَيْئَيْنِ إذَا اخْتَارَ أَحَدَهُمَا لَا يَكُونُ لَهُ خِيَارُ الْآخَرِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا الْيَوْمَ لَيْسَ لَهَا أَنْ تَخْتَارَ زَوْجَهَا غَدًا فَكَذَا هَذَا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إذَا قَالَ لَهَا أَمْرُك بِيَدِك الْيَوْمَ وَأَمْرُك بِيَدِك غَدًا أَنَّهُمَا أَمْرَانِ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ ، وَهَذَا صَحِيحٌ لِاسْتِقْلَالِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْكَلَامَيْنِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الِارْتِبَاطِ بِمَا قَبْلَهُ ، وَذَكَرَ قَاضِي خَانْ هَذَا الْمَسْأَلَةَ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهَا خِلَافًا وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَمْرُك بِيَدِك الْيَوْمَ كَانَ لَهَا الْخِيَارُ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ ، وَلَوْ قَالَ أَمْرُك بِيَدِك فِي الْيَوْمِ كَانَ لَهَا الْخِيَارُ فِي الْمَجْلِسِ فَإِذَا قَامَتْ بَطَلَ وَهُوَ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا وَفِي غَدٍ ، وَلَوْ قَالَ أَمْرُك بِيَدِك يَوْمَ يَقْدَمُ فُلَانٌ فَقَدِمَ نَهَارًا وَلَمْ تَعْلَمْ بِالْقُدُومِ حَتَّى جَنَّ اللَّيْلُ بَطَلَ خِيَارُهَا بِمُضِيِّ مُدَّتِهِ وَقَدْ حَقَّقْنَاهُ فِي فَصْلِ إضَافَةِ الطَّلَاقِ إلَى الزَّمَانِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ مَكَثَتْ بَعْدَ التَّفْوِيضِ يَوْمًا وَلَمْ تَقُمْ أَوْ جَلَسَتْ عَنْهُ أَوْ اتَّكَأَتْ عَنْ الْقُعُودِ أَوْ عَكَسَتْ أَوْ دَعَتْ أَبَاهَا لِلْمَشُورَةِ أَوْ شُهُودًا لِلْإِشْهَادِ أَوْ كَانَتْ عَلَى دَابَّةٍ فَوَقَفَتْ بَقِيَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ وَكَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ وَبَعْدَ غَدٍ) تَكُونُ طَالِقًا وَاحِدَةً لِاثْنَتَيْنِ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ . (قَوْلُهُ قُلْنَا الْأَمْرُ بِالْيَدِ يَحْتَمِلُ التَّوْقِيتَ) أَيْ فَتَوَقَّتَ الْأَمْرُ الْأَوَّلُ بِالْوَقْتِ الْأَوَّلِ وَجَعَلَ الثَّانِي أَمْرًا آخَرَ ؛ لِأَنَّهُ تَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا مَا لَيْسَ بِوَقْتِ الْأَمْرِ فَبِرَدِّ الْأَوَّلِ لَا يَلْزَمُ رَدُّ الْأَمْرِ الثَّانِي . ا هـ . رَازِيٌّ.

(قَوْلُهُ يَدْخُلُ اللَّيْلُ) حَاصِلُهُ أَنَّ قَوْلَهُ الْيَوْمَ وَبَعْدَ غَدٍ وَالْيَوْمَ وَغَدًا يَفْتَرِقَانِ فِي حُكْمَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهَا لَوْ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا الْيَوْمَ وَخَرَجَ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا فِيهِ تَمْلِكُهُ بَعْدَ الْغَدِ وَالثَّانِي عَدَمُ مِلْكِهَا فِي اللَّيْلِ وَفِي الْيَوْمِ وَغَدًا لَوْ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا الْيَوْمَ لَا تَمْلِكُ طَلَاقَ نَفْسِهَا غَدًا أَيْ نَهَارًا وَتَمْلِكُهُ لَيْلًا وَالْفَرْقُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ تَمْلِيكٌ وَاحِدٌ فِي الْيَوْمِ وَغَدًا وَتَمْلِيكَانِ فِي الْيَوْمِ وَبَعْدَ غَدٍ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إذَا قَالَ أَمْرُك بِيَدِك الْيَوْمَ وَأَمْرُك بِيَدِك غَدًا أَنَّهُمَا أَمْرَانِ حَتَّى لَوْ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا الْيَوْمَ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا غَدًا ؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ لَهَا فِي الْغَدِ تَخْيِيرٌ جَدِيدٌ بَعْدَ ذَلِكَ التَّخْيِيرِ الْمُنْقَضِي بِاخْتِيَارِهَا الزَّوْجَ . ا هـ . فَتْحٌ . (قَوْلُهُ ، وَذَكَرَ قَاضِي خَانْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهَا خِلَافًا) أَيْ فَلَمْ يَبْقَ تَخْصِيصُ أَبِي يُوسُفَ إلَّا ؛ لِأَنَّهُ مَخْرَجُ الْفَرْعِ الْمَذْكُورِ وَاعْلَمْ أَنَّهُ يَتَفَرَّعُ عَلَى هَذَا عَدَمُ جَوَازِ اخْتِيَارِهَا نَفْسَهَا لَيْلًا فَلَا تَغْفُلْ عَنْهُ ؛ لِأَنَّهُ أَثْبَتُ لَهَا فِي يَوْمٍ مُفْرَدٍ فَلَا يَدْخُلُ اللَّيْلُ وَالثَّابِتُ فِي الْيَوْمِ الَّذِي يَلِيهِ بِأَمْرٍ آخَرَ كَقَوْلِهِ أَمْرُك بِيَدِك الْيَوْمَ حَيْثُ يَمْتَدُّ إلَى الْغُرُوبِ فَقَطْ ا هـ وَفِي جَامِعِ التُّمُرْتَاشِيِّ أَمْرُك بِيَدِك الْيَوْمَ غَدًا بَعْدَ غَدٍ فَهُوَ أَمْرٌ وَاحِدٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ؛ لِأَنَّهَا أَوْقَاتٌ مُتَرَادِفَةٌ فَصَارَ كَقَوْلِهِ أَمْرُك بِيَدِك أَبَدًا فَيَرْتَدُّ بِرَدِّهَا مَرَّةً وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ثَلَاثَةُ أُمُورٍ ؛ لِأَنَّهَا أَوْقَاتٌ حَقِيقَةً ا هـ كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ ، وَلَوْ مَكَثَتْ بَعْدَ التَّفْوِيضِ يَوْمًا) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ . وَقَوْلُهُ مَكَثَتْ يَوْمًا لَيْسَ لِلتَّقْدِيرِ بِهِ ا هـ

(2/223)


خِيَارُهَا وَإِنْ سَارَتْ لَا) هَذَا إذَا كَانَ التَّفْوِيضُ مُطْلَقًا . وَأَمَّا إذَا كَانَ مُؤَقَّتًا فَلَا يَبْطُلُ بِالْقِيَامِ وَنَحْوِهِ وَإِنَّمَا يَبْطُلُ بِمُضِيِّ الْوَقْتِ وَإِنْ لَمْ تَقُمْ . وَقَوْلُهُ أَوْ جَلَسَتْ عَنْهُ أَيْ جَلَسَتْ عَنْ الْقِيَامِ . وَقَوْلُهُ أَوْ عَكَسَتْ أَيْ قَعَدَتْ عَنْ الِاتِّكَاءِ وَهُوَ عَكْسُهُ وَإِنَّمَا تَقَيَّدَ الْخِيَارُ بِالْمَجْلِسِ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَى ذَلِكَ ، وَلِأَنَّهُ تَمْلِيكُ التَّطْلِيقِ مِنْهَا لِتَصَرُّفِهَا بِرَأْيِهَا وَالتَّمْلِيكُ يَقْتَضِي جَوَابًا فِي الْمَجْلِسِ كَالْإِيجَابِ فِي بَابِ الْبَيْعِ ثُمَّ إنْ كَانَتْ تَسْمَعُ يُعْتَبَرُ مَجْلِسُهَا ذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ لَا تَسْمَعُ فَمَجْلِسُ عِلْمِهَا ؛ لِأَنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى مَا وَرَاءَ مَجْلِسِ الزَّوْجِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ هُنَا يَتَضَمَّنُ مَعْنَى التَّعْلِيقِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْلِيقِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ بِتَطْلِيقِهَا ، وَلِهَذَا لَزِمَ مِنْ جَانِبِهِ وَالْبَيْعُ تَمْلِيكٌ مَحْضٌ ، وَلِهَذَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مَا وَرَاءَ الْمَجْلِسِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَلَا يَلْزَمُ وَاحِدًا مِنْهُمَا قَبْلَ الْقَبُولِ
فَإِذَا اُعْتُبِرَ مَجْلِسُهَا فَالْمَجْلِسُ يَتَبَدَّلُ تَارَةً حَقِيقَةً بِالتَّحَوُّلِ إلَى مَكَان آخَرَ وَتَارَةً حُكْمًا بِالْأَخْذِ فِي عَمَلٍ آخَرَ وَالْمُرَادُ بِالْعَمَلِ مَا يَعْلَمُ بِهِ أَنَّهُ قَطْعٌ لِمَا كَانَتْ فِيهِ لَا مُطْلَقُ الْعَمَلِ حَتَّى لَوْ شَرِبَتْ مَاءً لَا يَبْطُلُ خِيَارُهَا ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَشْرَبُ لِتَتَمَكَّنَ مِنْ الْخُصُومَةِ فَإِنَّ رُطُوبَةَ الْفَمِ تَذْهَبُ بِالْمُشَاجَرَةِ فَلَا تَقْدِرُ عَلَى الْكَلَامِ مَا لَمْ تَشْرَبْ فَلَا يَكُونُ دَلِيلَ الْإِعْرَاضِ ، وَكَذَلِكَ إذَا أَكَلَتْ شَيْئًا يَسِيرًا مِنْ غَيْرِ أَنْ تَدْعُوَ بِطَعَامٍ أَوْ لَيْسَتْ ثِيَابُهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ تَقُومَ مِنْ ذَلِكَ الْمَجْلِسِ أَوْ سَبَّحَتْ أَوْ قَرَأَتْ آيَةً ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عَمَلٌ قَلِيلٌ ، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ قَائِمَةً فَقَعَدَتْ ؛ لِأَنَّهُ دَلَالَةُ الْإِقْبَالِ إذْ الْقُعُودُ أَجْمَعُ لِلرَّأْيِ ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُ الِاسْتِرَاحَةِ ، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ قَاعِدَةً فَاتَّكَأَتْ أَوْ كَانَتْ مُتَّكِئَةً فَاسْتَوَتْ قَاعِدَةً ؛ لِأَنَّهُ دَلَالَةُ الْجِدِّ فِي التَّأَمُّلِ كَمَا إذَا كَانَتْ مُحْتَبِيَةً فَتَرَبَّعَتْ
وَفِي رِوَايَةٍ يَبْطُلُ خِيَارُهَا بِالِاتِّكَاءِ ؛ لِأَنَّهُ إظْهَارُ التَّهَاوُنِ بِمَا حَزَّ بِهَا وَالْأَصَحُّ الْأَوَّلُ ، وَكَذَا إذَا ادَّعَتْ أَبَاهَا لِلْمَشُورَةِ أَوْ شُهُودًا لِلْإِشْهَادِ لَا يَبْطُلُ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِشَارَةَ لِتَحَرِّي الصَّوَابِ ، وَلِهَذَا «أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَائِشَةَ بِمُشَاوَرَةِ وَالِدَيْهَا قَبْلَ أَنْ تُجِيبَهُ» وَالْإِشْهَادُ لِلتَّحَرُّزِ عَنْ الْجُحُودِ فَصَارَ دَلِيلَ الْإِقْبَالِ بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَتْ بِطَعَامٍ فَأَكَلَتْ أَوْ قَامَتْ أَوْ اغْتَسَلَتْ أَوْ امْتَشَطَتْ أَوْ اخْتَضَبَتْ أَوْ جَامَعَهَا زَوْجُهَا حَيْثُ يَبْطُلُ خِيَارُهَا لِاشْتِغَالِهَا بِعَمَلٍ آخَرَ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فَيَكُونُ إعْرَاضًا عَنْ تِلْكَ الْجِهَةِ ، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ قَاعِدَةً فَاضْطَجَعَتْ فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ؛ لِأَنَّهُ دَلِيلُ التَّهَاوُنِ فَيَكُونُ إعْرَاضًا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ إعْرَاضًا ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَضْطَجِعُ لِلتَّأَمُّلِ فَلَا يَكُونُ دَلِيلَ الْإِعْرَاضِ ، وَذَكَرَ الْمَرْغِينَانِيُّ أَنَّهَا إنْ لَمْ تَجِدْ أَحَدًا يَدْعُو لَهَا شُهُودًا فَقَامَتْ لِتَدْعُوَ وَلَمْ تَنْتَقِلْ
قِيلَ لَا يَبْطُلُ خِيَارُهَا لِعَدَمِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ وَقِيلَ يَبْطُلُ لِتَبَدُّلِ الْمَجْلِسِ وَلَا تُعْذَرُ فِيهِ كَمَا لَا تُعْذَرُ فِيمَا إذَا أُقِيمَتْ كَرْهًا وَقِيلَ إذَا لَمْ تَنْتَقِلْ لَا يَبْطُلُ خِيَارُهَا وَإِذَا انْتَقَلَتْ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ وَإِنْ كَانَتْ قَاعِدَةً لَا يَبْطُلُ خِيَارُهَا ، وَلَوْ كَانَتْ تُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ أَوْ الْوَتْرَ فَأَتَمَّتْهَا لَا يَبْطُلُ خِيَارُهَا ، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ فِي النَّفْلِ فَأَتَمَّتْهَا رَكْعَتَيْنِ ، وَلَوْ قَامَتْ إلَى الشَّفْعِ الثَّانِي بَطَلَ خِيَارُهَا ؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَةَ مُبْتَدَأَةٌ وَعَنْ مُحَمَّدٍ فِي الْأَرْبَعِ قَبْلَ الظُّهْرِ لَا يَبْطُلُ خِيَارُهَا ؛ لِأَنَّهَا صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ وَهُوَ الصَّحِيحُ ، وَلَوْ كَانَتْ عَلَى دَابَّةٍ أَوْ مَحْمَلٍ فَوَقَفَتْ فَهِيَ عَلَى خِيَارِهَا وَإِنْ سَارَتْ بَطَلَ ؛ لِأَنَّ سَيْرَهَا مُضَافٌ إلَيْهَا ؛ لِأَنَّ الدَّابَّةَ تَسِيرُ بِاخْتِيَارِ رَاكِبِهَا وَلَوْ اخْتَارَتْ مَعَ سُكُوتِهِ وَالدَّابَّةُ تَسِيرُ طَلُقَتْ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهَا الْجَوَابُ بِأَسْرَعَ مِنْ ذَلِكَ فَلَمْ يُوجَدْ تَبَدُّلُ الْمَجْلِسِ حُكْمًا ، وَهَذَا لِأَنَّ اتِّحَادَ الْمَجْلِسِ إنَّمَا يُعْتَبَرُ لِيَصِيرَ الْجَوَابُ مُتَّصِلًا بِالْخِطَابِ وَقَدْ وُجِدَ إذَا كَانَ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ مَعَهَا عَلَى الدَّابَّةِ أَوْ الْمَحْمَلِ أَوْ لَا يَكُونَ
وَلَوْ كَانَتْ رَاكِبَةً فَنَزَلَتْ أَوْ تَحَوَّلَتْ إلَى دَابَّةٍ أُخْرَى أَوْ كَانَتْ نَازِلَةً فَرَكِبَتْ بَطَلَ خِيَارُهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ . وَأَمَّا إذَا كَانَ مُؤَقَّتًا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ . وَأَمَّا إذَا كَانَتْ غَائِبَةً وَقَدْ جَعَلَ الْأَمْرَ إلَيْهَا فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ فَإِنْ بَلَغَهَا الْأَمْرُ مَعَ بَقَاءِ شَيْءٍ كَانَ لَهَا الْخِيَارُ وَإِلَّا فَلَا . ا هـ . (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا تَقَيَّدَ الْخِيَارُ بِالْمَجْلِسِ) قَالَ الْحَاكِمُ الْجَلِيلُ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ لَهَا الْخِيَارُ أَبَدًا وَلَكِنَّا تَرَكْنَاهُ وَأَخَذْنَا بِالْأَثَرِ وَجْهُ الْقِيَاسِ إطْلَاقُ الْأَمْرِ وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ بِقَوْلِهِمْ لِلْمُخَيَّرَةِ الْمَجْلِسُ ا هـ . (قَوْلُهُ ، وَلِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ) أَيْ قَوْلُهُ أَمْرُك بِيَدِك .
وَقَوْلُهُ اخْتَارِي نَفْسَك تَمْلِيكٌ لَا إبَانَةٌ بِدَلِيلِ أَنَّهَا تَعْمَلُ لَا لِغَيْرِهَا وَالتَّمْلِيكَاتُ تَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ وَالتَّمْلِيكَاتُ تَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - ثُمَّ الِاعْتِبَارُ لِمَجْلِسِهَا لَا لِمَجْلِسِهِ حَتَّى إذَا قَامَ الرَّجُلُ بَعْدَ أَنْ جَعَلَ إلَيْهَا الْأَمْرَ لَا يَبْطُلُ خِيَارُهَا بِقِيَامِهِ ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ فِي حَقِّهِ لَازِمٌ ، وَلِهَذَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ وَيَفْسَخَ الْخِيَارَ بِخِلَافِ الْبَيْعِ حَيْثُ يُعْتَبَرُ فِيهِ مَجْلِسُهُمَا جَمِيعًا حَتَّى أَيُّهُمَا قَامَ عَنْ الْمَجْلِسِ قَبْلَ قَبُولِ الْآخَرِ بَطَلَ الْبَيْعُ ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ أَصْلًا ، وَلِهَذَا إذَا رَجَعَ أَحَدُهُمَا عَنْ كَلَامِهِ قَبْلَ قَبُولِ الْآخَرِ فَلَهُ ذَلِكَ . ا هـ . (قَوْلُهُ ثُمَّ إنْ كَانَتْ تَسْمَعُ) أَيْ تَسْمَعُ لَفْظَهُ بِالتَّخْيِيرِ . ا هـ . فَتْحٌ . (قَوْلُهُ يُعْتَبَرُ مَجْلِسُهَا) أَيْ مَجْلِسُ سَمَاعِهَا ا هـ (قَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَدْعُوَ بِطَعَامٍ) أَمَّا إذَا ادَّعَتْ بِطَعَامٍ وَأَكَلَتْ خَرَجَ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا قَلَّ الْأَكْلُ أَوْ كَثُرَ . ا هـ . عِمَادِيٌّ . (قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ إظْهَارُ التَّهَاوُنِ بِمَا حَزَبَهَا) يُقَالُ حَزَبَهُ أَمْرٌ أَيْ أَصَابَهُ مِنْ بَابِ طَلَبَ . ا هـ . مُغْرِبٌ وَيُقَالُ أَيْضًا حَزَنَهُ أَمْرٌ بِالنُّونِ . ا هـ . نِهَايَةٌ . (قَوْلُهُ فَأَكَلَتْ أَوْ قَامَتْ) أَيْ مِنْ مَجْلِسِهَا وَإِنْ لَمْ تَذْهَبْ ا هـ ابْنُ فِرِشْتَا قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ، وَلَوْ قَالَ أَمْرُك بِيَدِك فَقَالَتْ لِمَ لَا تُطَلِّقُنِي بِلِسَانِك فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا ؛ لِأَنَّ قَوْلَهَا لِمَ لَا تُطَلِّقُنِي لَيْسَ رَدًّا فَتَمْلِكُ بَعْدَهُ الطَّلَاقَ قِيلَ فِيهِ نَظَرٌ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهَا لِمَ إلَخْ كَلَامٌ زَائِدٌ فَيَتَبَدَّلُ الْمَجْلِسُ بِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ الْمُبَدِّلَ لِلْمَجْلِسِ مَا يَكُونُ قَطْعًا لِلْكَلَامِ الْأَوَّلِ وَإِفَاضَةً فِي غَيْرِهِ وَلَيْسَ هَذَا كَذَلِكَ بَلْ الْكُلُّ مُتَعَلِّقٌ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَهُوَ الطَّلَاقُ . ا هـ . (قَوْلُهُ ، وَلَوْ اخْتَارَتْ مَعَ سُكُوتِهِ) أَيْ اخْتَارَتْ مُتَّصِلًا بِتَخْيِيرِ الزَّوْجِ مِنْ غَيْرِ سُكُوتٍ بَيْنَ كَلَامِهِ وَكَلَامِهَا ا هـ

(2/224)


وَفِي الْمَحْمَلِ يَقُودُهُ الْجَمَّالُ وَهُمَا فِيهِ لَا يَبْطُلُ ذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْفُلْكُ كَالْبَيْتِ) ؛ لِأَنَّ جَرَيَانَ السَّفِينَةِ لَا يُضَافُ إلَى رَاكِبِهَا لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى الْإِيقَافِ وَالتَّسْيِيرِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ} [يونس : 22] فَأَضَافَ الْجَرْيَ إلَيْهَا فَيَثْبُتُ لَهَا الْخِيَارُ مَا دَامَتْ فِي مَجْلِسِهَا وَإِنْ تَحَوَّلَتْ بَطَلَ كَمَا فِي الْبَيْتِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ السَّفِينَةَ إذَا كَانَتْ وَاقِفَةً فَسَارَتْ بَطَلَ خِيَارُهَا

(فَصْلٌ فِي الْمَشِيئَةِ)
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك وَلَمْ يَنْوِ أَوْ نَوَى وَاحِدَةً فَطَلَّقَتْ وَقَعَتْ رَجْعِيَّةً وَإِنْ طَلَّقَتْ ثَلَاثًا وَنَوَاهُ وَقَعْنَ) ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَ بِالتَّطْلِيقِ لُغَةً فَيَقْتَضِي مَصْدَرًا وَهُوَ اسْمُ جِنْسٍ فَيَقَعُ عَلَى الْأَدْنَى مَعَ احْتِمَالِ الْكُلِّ كَسَائِرِ أَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ طَلَّقْتُك ؛ لِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِلْخَبَرِ لُغَةً فَمُقْتَضَاهُ أَنْ يَكُونَ صَادِقًا إنْ كَانَ مُطَابِقًا أَوْ كَاذِبًا إنْ لَمْ يَكُنْ مُطَابِقًا وَلَا يَقَعُ بِهِ شَيْءٌ إلَّا أَنَّ الشَّارِعَ جَعَلَهُ إيقَاعًا فَصَارَ مِنْ بَابِ الضَّرُورَةِ وَهُوَ لَا عُمُومَ لَهُ وَلَوْ نَوَى ثِنْتَيْنِ يَقَعُ وَاحِدَةٌ ؛ لِأَنَّهُ عَدَدٌ وَاللَّفْظُ لَا يَقْتَضِيهِ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْمَنْكُوحَةُ أَمَةً ؛ لِأَنَّهُ جَمِيعُ الْجِنْسِ فِي حَقِّهَا فَيَصِحُّ ، وَلَوْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا وَقَدْ نَوَى الزَّوْجُ وَاحِدَةً لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا شَيْءٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا تَقَعُ وَاحِدَةً عَلَى مَا يَأْتِي وَجْهُهُ مِنْ قَرِيبٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِأَبَنْتُ نَفْسِي طَلُقَتْ لَا بِاخْتَرْتُ) أَيْ بِقَوْلِهَا أَبَنْت نَفْسِي فِي جَوَابِ قَوْلِهِ طَلِّقِي نَفْسَك تَطْلُقُ وَلَا تَطْلُقُ بِقَوْلِهَا اخْتَرْت فِي الْجَوَابِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْإِبَانَةَ مِنْ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ وَضْعًا ؛ لِأَنَّهَا لِلْقَطْعِ وَحُكْمًا حَتَّى لَوْ قَالَ لَهَا أَبَنْتُك أَوْ قَالَتْ هِيَ أَبَنْتُ نَفْسِي وَأَجَازَ الزَّوْجُ بَانَتْ فَكَانَتْ مُوَافِقَةً لِلتَّفْوِيضِ فِي الْأَصْلِ ؛ لِأَنَّهُ فَوَّضَ إلَيْهَا طَلَاقًا تَبِينُ بِهِ فِي الثَّانِي مِنْ الزَّمَانِ وَزَادَتْ وَصْفًا وَهُوَ تَعْجِيلُ الْإِبَانَةِ فَلَمْ تَمْنَعْ الْمُوَافَقَةَ فِي الْأَصْلِ وَيَنْبَغِي أَنْ تَقَعَ تَطْلِيقَةً رَجْعِيَّةً . وَأَمَّا الِاخْتِيَارُ فَلَيْسَ مِنْ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ إذْ لَا يَقْدِرُ عَلَى إيقَاعِ الطَّلَاقِ بِهِ حَتَّى إذَا قَالَ لَهَا اخْتَرْتُك أَوْ اخْتَارِي يَنْوِي الطَّلَاقَ أَوْ قَالَتْ هِيَ اخْتَرْت نَفْسِي وَأَجَازَ الزَّوْجُ لَمْ يَقَعْ بِهِ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ بِهِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ عُرِفَ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ إذَا كَانَ جَوَابًا لِلتَّخْيِيرِ فَيَقْتَصِرُ عَلَى مَوْرِدِهِ . وَقَوْلُهُ طَلِّقِي لَيْسَ بِتَخْيِيرٍ فَيَلْغُو وَلَا يُقَالُ بِقَوْلِهَا أَبَنْت فَقَدْ خَالَفَتْ أَمْرَهُ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَقَعَ كَمَا لَوْ أَمَرَهَا بِنِصْفِ تَطْلِيقَةٍ فَطَلُقَتْ وَاحِدَةً أَوْ أَمَرَ بِثَلَاثٍ فَطَلُقَتْ أَلْفًا ؛ لِأَنَّا نَقُولُ هِيَ وَافَقَتْهُ فِي الْأَصْلِ وَالْمُخَالَفَةُ فِي الْوَصْفِ لَا تَعْدَمُ الْأَصْلَ فَلَا يُعَدُّ خِلَافًا لِكَوْنِهِ تَبَعًا بِخِلَافِ الْمُسْتَشْهَدِ بِهِ ؛ لِأَنَّهَا خَالَفَتْهُ فِي الْأَصْلِ حَيْثُ أَتَتْ بِغَيْرِهِ فَيُعْتَبَرُ خِلَافًا وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَقَعُ شَيْءٌ بِقَوْلِهَا أَبَنْت نَفْسِي ؛ لِأَنَّهَا أَتَتْ بِغَيْرِ مَا فَوَّضَ إلَيْهَا إذْ الْمُفَوَّضُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ فِي الْمَحْمَلِ يَقُودُهُ الْجَمَّالُ) أَيْ ؛ لِأَنَّهُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ كَالسَّفِينَةِ . ا هـ . فَتْحٌ . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْفُلْكُ كَالْبَيْتِ) أَيْ فِي كُلِّ مَا يُبْطِلُ الْخِيَارَ إذَا كَانَتْ فِي الْبَيْتِ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ

(فَصْلٌ فِي الْمَشِيئَةِ)
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ ، وَلَوْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك إلَخْ) فَإِنْ قُلْت كَيْفَ بَدَأَ الْمُصَنِّفُ مَسَائِلَ الْفَصْلِ بِقَوْلِ الرَّجُلِ لِامْرَأَتِهِ طَلِّقِي نَفْسَك وَالْفَصْلُ فِي الْمَشِيئَةِ وَلَيْسَ فِي طَلِّقِي نَفْسَك ذِكْرُ الْمَشِيئَةِ قُلْت الْمَشِيئَةُ وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَذْكُورَةٍ لَفْظًا مَذْكُورَةٌ مَعْنًى ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ طَلِّقِي تَفْوِيضُ الطَّلَاقِ إلَيْهَا بِمَشِيئَتِهَا وَاخْتِيَارِهَا ، وَلِهَذَا تَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ . (قَوْلُهُ أَوْ نَوَى وَاحِدَةً فَطَلَّقَتْ وَقَعَتْ رَجْعِيَّةً إلَخْ) أَمَّا وُقُوعُ الطَّلَاقِ فَلِأَنَّهُ مَلَكَهَا إيَّاهُ . وَأَمَّا كَوْنُهُ وَاحِدَةً فَلِأَنَّهُ أَمْرٌ مَعْنَاهُ فَعَلَى فِعْلِ الطَّلَاقِ وَهُوَ جِنْسٌ يَقَعُ عَلَى الْأَدْنَى الْمُتَيَقَّنِ وَيَحْتَمِلُ الْكُلَّ عِنْدَ الْإِرَادَةِ وَالنِّيَّةِ . وَأَمَّا كَوْنُهُ رَجْعِيًّا فَلِأَنَّ الْمُفَوَّضَ إلَيْهَا صَرِيحُ الطَّلَاقِ وَأَنَّهُ مُعَقِّبٌ لِلرَّجْعَةِ . ا هـ . عَيْنِيٌّ . (قَوْلُهُ وَإِنْ طَلَّقَتْ ثَلَاثًا وَنَوَاهُ وَقَعْنَ) أَيْ عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ طَلِّقِي مُخْتَصَرٌ مِنْ قَوْلِهِ افْعَلِي فِعْلَ الطَّلَاقِ وَالْمُخْتَصَرُ مِنْ الْكَلَامِ كَالْمُطَوَّلِ وَقَدْ صَحَّتْ نِيَّةُ الثَّلَاثِ فِي الْمُطَوَّلِ فَكَذَا فِي الْمُخْتَصَرِ . ا هـ . كَافِي وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَقَعْنَ مَا نَصُّهُ سَوَاءٌ أَوْقَعَتْهَا بِلَفْظٍ وَاحِدٍ أَوْ مُفْتَرِقًا . ا هـ . فَتْحٌ وَإِنَّمَا صَحَّ إرَادَةُ الثَّلَاثِ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ طَلِّقِي نَفْسَك مَعْنَاهُ افْعَلِي فِعْلَ التَّطْلِيقِ فَهُوَ مَذْكُورٌ لُغَةً ؛ لِأَنَّهُ جُزْءُ مَعْنَى اللَّفْظِ فَصَحَّ نِيَّةُ الْعُمُومِ غَيْرَ أَنَّ الْعُمُومَ فِي حَقِّ الْأَمَةِ ثِنْتَانِ وَفِي حَقِّ الْحُرَّةِ ثَلَاثٌ . ا هـ . فَتْحٌ.

(قَوْلُهُ وَالْفَرْقُ) أَيْ أَنَّ الْمُفَوَّضَ الطَّلَاقُ وَالْإِبَانَةُ مِنْ أَلْفَاظِهِ الَّتِي تُسْتَعْمَلُ فِي إيقَاعِهِ كِنَايَةً فَقَدْ أَجَابَتْ بِمَا فُوِّضَ إلَيْهَا . ا هـ . فَتْحٌ . (قَوْلُهُ وَأَجَازَ الزَّوْجُ بَانَتْ) أَيْ ، وَلَوْ قَالَتْ اخْتَرْت نَفْسِي فَهُوَ بَاطِلٌ وَلَا تَلْحَقُهُ إجَازَةٌ . ا هـ . فَتْحٌ (قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ فَوَّضَ إلَيْهَا طَلَاقًا تَبِينُ بِهِ فِي الثَّانِي مِنْ الزَّمَانِ) أَيْ فَإِذَا قَالَتْ أَبَنْت فَقَدْ أَتَتْ بِهِ . ا هـ . كَافِي (قَوْلُهُ وَزَادَتْ وَصْفًا وَهُوَ تَعْجِيلُ الْإِبَانَةِ) أَيْ فَيَلْغُو الْوَصْفُ وَيَثْبُتُ الْأَصْلُ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي) هَكَذَا عَبَّرَ فِي الْكَافِي تَبَعًا لِصَاحِبِ الْهِدَايَةِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَإِنَّمَا قَالَ بِلَفْظِ يَنْبَغِي ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مِنْ خَوَاصِّ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَمُحَمَّدٌ لَمْ يَنُصَّ فِيهِ عَلَى الرَّجْعِيِّ بَلْ قَالَ هِيَ طَالِقٌ ، وَكَذَا قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَعْنِي أَنَّهُ قَالَ وَيَنْبَغِي أَنْ تَقَعَ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِعَدَمِ تَصْرِيحِ مُحَمَّدٍ بِالرَّجْعِيِّ . ا هـ . (قَوْلُهُ رَجْعِيَّةً) أَيْ بِقَوْلِهَا أَبَنْت نَفْسِي فِي جَوَابِ قَوْلِهِ طَلِّقِي نَفْسَك . ا هـ . (قَوْلُهُ . وَأَمَّا الِاخْتِيَارُ فَلَيْسَ مِنْ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ) أَيْ لَا صَرِيحًا وَلَا كِنَايَةً . ا هـ . فَتْحٌ . (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمُسْتَشْهَدِ بِهِ ؛ لِأَنَّهَا خَالَفَتْهُ فِي الْأَصْلِ) وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَسْأَلَتَيْنِ ذَكَرَهُمَا التُّمُرْتَاشِيُّ وَالْخِلَافُ فِيهِمَا فِي الْأَصْلِ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ صُورَةِ اللَّفْظِ لَيْسَ غَيْرُ إذْ لَوْ أَوْقَعَتْ عَلَى الْمُوَافَقَةِ أَعْنِي الثَّلَاثَ وَالنِّصْفَ كَانَ الْوَاقِعُ هُوَ الْوَاقِعُ بِالتَّطْلِيقَةِ وَالْأَلْفِ وَالْخِلَافُ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى فَإِنَّ الْوَاقِعَ بِمُجَرَّدِ الصَّرِيحِ لَيْسَ هُوَ الْوَاقِعُ بِالْبَائِنِ وَقَدْ اُعْتُبِرَ الْخِلَافُ لِمُجَرَّدِ اللَّفْظِ بِلَا مُخَالَفَةٍ فِي الْمَعْنَى خِلَافًا نَظَرًا إلَى أَنَّهُ الْأَصْلُ فِي الْإِيقَاعِ وَالْخِلَافُ فِي الْمَعْنَى غَيْرُ خِلَافٍ وَفِيهِ مَا لَا يَخْفَى . ا هـ . كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - . (قَوْلُهُ فِي الْأَصْلِ)

(2/225)


إلَيْهَا الطَّلَاقُ وَالْإِبَانَةُ تُخَالِفُهُ حَقِيقَةً وَحُكْمًا فَكَانَ إعْرَاضًا مِنْهَا حَتَّى يَبْطُلَ خِيَارُهَا بِهِ كَمَا يَبْطُلُ بِقَوْلِهَا اخْتَرْت نَفْسِي لِاشْتِغَالِهَا بِمَا لَا يَعْنِيهَا

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ) أَيْ لَا يَمْلِكُ الزَّوْجُ الرُّجُوعَ بَعْدَ قَوْلِهِ طَلِّقِي نَفْسَك حَتَّى لَا يَصِحَّ نَهْيُهُ ؛ لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْيَمِينِ إذْ هُوَ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ بِتَطْلِيقِهَا وَالْيَمِينُ تَصَرُّفٌ لَازِمٌ لَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ عَنْهَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ طَلِّقِي ضَرَّتَك ؛ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ وَإِنَابَةٌ ، وَهَذَا لِأَنَّهُ أَمْرٌ بِإِيقَاعِ الطَّلَاقِ وَالْأَمْرُ لَا يَقْتَضِي الِائْتِمَارَ عَلَى الْفَوْرِ كَأَوَامِرِ الشَّرْعِ وَكَسَائِرِ الْوَكَالَاتِ وَيَقْبَلُ الرُّجُوعَ كَيْ لَا يَعُودَ عَلَى مَوْضُوعِهِ بِالنَّقْصِ ، وَهَذَا لِأَنَّهُ إنَّمَا اسْتَعَانَ بِغَيْرِهِ فِي حَاجَتِهِ لِيَكُونَ التَّصَرُّفُ لَهُ لَا عَلَيْهِ وَرُبَّمَا تَزُولُ الْحَاجَةُ فَلَوْ أَلْزَمْنَاهُ يَلْحَقُهُ ضَرَرٌ أَوْ يَلْحَقُهُ مِنَّةٌ مِنْ جِهَتِهِ وَهُوَ ضَرَرٌ أَيْضًا فَإِنْ قِيلَ لِمَ كَانَ تَمْلِيكًا وَيَمِينًا إذَا أَمَرَهَا بِتَطْلِيقِ نَفْسِهَا وَتَوْكِيلًا إذَا أَمَرَهَا بِتَطْلِيقِ غَيْرِهَا أَوْ أَمَرَ أَجْنَبِيًّا بِذَلِكَ حَتَّى صَحَّ الرُّجُوعُ فِي الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ قُلْنَا الْمَالِكُ هُوَ الَّذِي يَتَصَرَّفُ لِنَفْسِهِ وَالْوَكِيلُ لِغَيْرِهِ فَإِذَا فَوَّضَ إلَيْهَا طَلَاقَ نَفْسِهَا تَكُونُ مَالِكَةً لِكَوْنِهَا تَتَصَرَّفُ لِنَفْسِهَا وَفِيهِ مَعْنَى التَّعْلِيقِ ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَعْلِيقَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ بِتَطْلِيقِهَا فَكَانَ يَمِينًا وَهِيَ لَا تَقْبَلُ الرُّجُوعَ وَلَا خِيَارَ فِي التَّمْلِيكِ بَعْدَ الْقِيَامِ فَعَمِلْنَا بِهِمَا وَإِذَا فَوَّضَ إلَيْهَا طَلَاقَ غَيْرِهَا تَكُونُ وَكِيلَةً لِكَوْنِهَا تَعْمَلُ لِغَيْرِهَا وَالتَّوْكِيلُ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ ؛ لِأَنَّ غَرَضَهُ الْإِعَانَةُ وَقَدْ لَا تَحْصُلُ فِي الْمَجْلِسِ وَيَمْلِكُ الرُّجُوعَ كَيْ لَا يَلْحَقَهُ الضَّرَرُ فَإِنْ قِيلَ يَنْتَقِضُ هَذَا بِمَا إذَا أَمَرَ الدَّائِنُ الْمَدْيُونَ بِإِبْرَاءِ ذِمَّتِهِ عَنْ الدَّيْنِ فَإِنَّهُ يَكُونُ وَكِيلًا فِيهِ حَتَّى لَا يَقْتَصِرَ عَلَى الْمَجْلِسِ وَيَكُونُ لِلدَّائِنِ الرُّجُوعُ عَنْهُ مَعَ أَنَّهُ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْجَامِعِ وَبِمَا إذَا قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك ثُمَّ حَلَفَ لَا يُطَلِّقُ ثُمَّ طَلَّقَتْ هِيَ نَفْسَهَا حَيْثُ يَحْنَثُ ، وَلَوْ لَمْ تَكُنْ هِيَ وَكِيلَةً عَنْهُ لَمَا حَنِثَ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الزِّيَادَاتِ قُلْنَا الْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّهُ وَكِيلٌ عَامِلٌ لِغَيْرِهِ وَإِنَّمَا يَعْمَلُ لِنَفْسِهِ فِي ضِمْنِ ذَلِكَ فَلَا يُبَالِي بِهِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ ضَرُورِيَّاتِهِ ، وَلِأَنَّ جَوَازَ الرُّجُوعِ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِتَمْلِيكٍ بَلْ يَجُوزُ فِي التَّمْلِيكِ الرُّجُوعُ كَمَا فِي الْهِبَةِ وَالْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبُولِ وَإِنَّمَا لَا يَكُونُ لَهُ الرُّجُوعُ هُنَا لِمَعْنَى التَّعْلِيقِ لَا ؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ وَالْجَوَابُ عَنْ الثَّانِي أَنَّهُ مَمْنُوعٌ وَإِنَّمَا ذَلِكَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَقَيَّدَ بِمَجْلِسِهَا إلَّا إذَا زَادَ مَتَى شِئْتِ) يَعْنِي إذَا قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك يُقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ فَيَثْبُتُ لَهَا الْخِيَارُ مَا دَامَتْ فِي الْمَجْلِسِ وَإِذَا قَامَتْ بَطَلَ خِيَارُهَا ؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ إلَّا إذَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ قَوْلَهُ مَتَى شِئْت أَيْ زَادَهَا عَلَى قَوْلِهِ طَلِّقِي نَفْسَك فَيَكُونُ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا بَعْدَ الْقِيَامِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ مَتَى عَامَّةٌ فِي الْأَوْقَاتِ فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ لَهَا فِي أَيِّ وَقْتٍ شِئْت ، وَلِأَنَّهُ لَمْ يُفَوِّضْ إلَيْهَا الطَّلَاقَ إلَّا فِي وَقْتٍ شَاءَتْ فِيهِ الطَّلَاقَ فَلَا تَمْلِكُ بِدُونِ الْمَشِيئَةِ ، وَكَذَا قَوْلُهُ مَتَى مَا شِئْت أَوْ إذَا شِئْت أَوْ إذَا مَا شِئْت لِمَا ذَكَرْنَا

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ طَلِّقْ امْرَأَتِي لَمْ يَتَقَيَّدْ بِالْمَجْلِسِ إلَّا إذَا زَادَ إنْ شِئْت) ؛ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ مَحْضٌ لَا يَشُوبُهُ تَمْلِيكٌ وَلَا تَعْلِيقٌ ، وَلِهَذَا كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ فَكَذَا لَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك حَيْثُ يَلْزَمُ وَيَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ ؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ وَتَعْلِيقٌ لِكَوْنِهَا عَامِلَةً لِنَفْسِهَا فِي رَفْعِ قَيْدِ النِّكَاحِ كَمَنْ يَرْفَعُ الْقَيْدَ الْحَقِيقِيَّ عَنْ رِجْلِهِ فَالتَّمْلِيكُ يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ وَالتَّعْلِيقُ يَلْزَمُ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ فَإِنَّهُ عَامِلٌ لِغَيْرِهِ فَيَكُونُ تَوْكِيلًا مَحْضًا فَلَا يَقْتَصِرُ وَلَا يَلْزَمُ . وَأَمَّا إذَا زَادَ كَلِمَةَ إنْ شِئْت بِأَنْ قَالَ طَلِّقْ امْرَأَتِي إنْ شِئْتَ فَإِنَّهُ يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ وَيَلْزَمُ حَتَّى لَا يَكُونَ لَهُ الرُّجُوعُ ، وَقَالَ زُفَرُ هُوَ الْأَوَّلُ سَوَاءٌ ؛ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ كَالْأَوَّلِ ، وَهَذَا لِأَنَّهُ عَامِلٌ لِغَيْرِهِ وَبِذِكْرِ الْمَشِيئَةِ لَا يَكُونُ عَامِلًا لِنَفْسِهِ وَلَا مَالِكًا ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ يَتَصَرَّفُ عَنْ مَشِيئَةٍ ذَكَرَهَا الْمُوَكِّلُ أَمْ لَا فَصَارَ كَالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ إذَا قِيلَ لَهُ بِعْهُ إنْ شِئْت وَلَنَا أَنَّ الْمَأْمُورَ يَصْلُحُ وَكِيلًا وَمَالِكًا ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فِي الْأُولَى ظَاهِرٌ ، وَكَذَا فِي الثَّانِيَةِ ؛ لِأَنَّ الْإِيقَاعَ بِالْعَدَدِ عِنْدَ ذِكْرِهِ لَا بِالْوَصْفِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فَيَكُونُ خِلَافًا مُعْتَبَرًا . ا هـ . كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - . (قَوْلُهُ وَالْإِبَانَةُ تُخَالِفُهُ) أَيْ لِحُصُولِ كُلٍّ مِنْهُمَا دُونَ الْآخَرِ . ا هـ . فَتْحٌ . (قَوْلُهُ لِاشْتِغَالِهَا) يَعْنِي لَوْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك فَأَجَابَتْهُ بِاخْتَرْتُ نَفْسِي خَرَجَ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا لِاشْتِغَالِهَا بِمَا لَا يَعْنِيهَا فِي ذَلِكَ الْأَمْرِ . ا هـ ..

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَصِحُّ رُجُوعُهُ حَتَّى إذَا طَلَّقَتْ نَفْسَهَا بَعْدَ أَنْ نَهَاهَا يَقَعُ الطَّلَاقُ عِنْدَنَا خِلَافًا لَهُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ . (قَوْلُهُ إذْ هُوَ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ بِتَطْلِيقِهَا) أَيْ فَكَأَنَّهُ قَالَ إنْ طَلَّقْت نَفْسَك فَأَنْتِ طَالِقٌ وَالطَّلَاقُ مِمَّا يَحْلِفُ بِهِ فَكَانَ يَمِينًا وَلَا رُجُوعَ فِي الْيَمِينِ ؛ لِأَنَّ فَائِدَتَهُ وَهِيَ الْحَمْلُ أَوْ الْمَنْعُ لَا تَحْصُلُ إذَا صَحَّ الرُّجُوعُ فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ لَهَا إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَلَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ ثَمَّةَ فَكَذَا هُنَا . ا هـ . (قَوْلُهُ بِإِبْرَاءِ ذِمَّتِهِ) أَيْ بِأَنْ قَالَ لَهُ أَبْرَأْت ذِمَّتَك . ا هـ ..

. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَتَقَيَّدَ بِمَجْلِسِهَا) ، وَقَالَ مَالِكٌ هُوَ مُؤَبَّدٌ ؛ لِأَنَّهُ مُطْلَقٌ وَهُوَ الْقِيَاسُ عِنْدَنَا أَيْضًا كَمَا بَيَّنَّا فِي قَوْلِهِ اخْتَارِي نَفْسَك وَلَنَا أَنَّ الصَّحَابَةَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ لِلْمُخَيَّرَةِ الْمَجْلِسَ . (قَوْلُهُ لِمَا ذَكَرْنَا) أَيْ مِنْ الْعُمُومِ وَيَرِدُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي إذَا أَنَّهَا عِنْدَهُ بِمَنْزِلَةِ إنْ فَلَا تَقْتَضِي بَقَاءَ الْأَمْرِ فِي يَدِهَا وَفِيهِ جَوَابُ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّهَا يُمْكِنُ أَنْ تَعْمَلَ شَرْطًا وَأَنْ تَعْمَلَ ظَرْفًا وَالْأَمْرُ صَارَ فِي يَدِهَا فَلَا يَخْرُجُ بِالشَّكِّ وَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ فِي أَيِّ وَقْتٍ شِئْت ، وَلِأَنَّهَا إنَّمَا تَمْلِكُ مَا مَلَكَتْ وَإِنَّمَا مَلَّكَهَا الطَّلَاقَ وَقْتَ الْمَشِيئَةِ فَلَا تَمْلِكُهُ دُونَهَا وَبِهَذَا يَتَّضِحُ أَنَّ هَذَا إضَافَةٌ لِلتَّمْلِيكِ لَا تَنْجِيزٌ وَمِنْ فُرُوعِ ذَلِكَ أَنَّهَا لَوْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا بِلَا قَصْدٍ غَلَطًا لَا يَقَعُ إذَا ذَكَرَ الْمَشِيئَةَ وَيَقَعُ إذَا لَمْ يَذْكُرْهَا وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي أَوَّلِ بَابِ إيقَاعِ الطَّلَاقِ مَا يُوجِبُ حَمْلَ مَا أُطْلِقَ مِنْ كَلَامِهِمْ مِنْ الْوُقُوعِ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ غَلَطًا عَلَى الْوُقُوعِ فِي الْقَضَاءِ لَا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى . ا هـ . كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

(قَوْلُهُ ، وَقَالَ زُفَرُ هُوَ وَالْأَوَّلُ) أَيْ وَهُوَ قَوْلُهُ لِلرَّجُلِ طَلِّقْ امْرَأَتِي بِلَا ذِكْرِ مَشِيئَةٍ ا هـ . (قَوْلُهُ فَصَارَ كَالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ إذَا قِيلَ لَهُ بِعْهُ إنْ شِئْت) أَيْ لَا يَقْتَصِرُ وَلَهُ الرُّجُوعُ أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَيْسَ الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَشِيئَةِ الَّتِي بِمَعْنَى عَدَمِ الْجَبْرِ بَلْ فِي أَنَّهُ إذَا أَثْبَتَ لَهُ الْمَشِيئَةَ

(2/226)


مَنْ يَتَصَرَّفُ بِرَأْيِ غَيْرِهِ وَالْمَالِكُ مَنْ يَتَصَرَّفُ بِرَأْيِ نَفْسِهِ سَوَاءٌ تَصَرَّفَ لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ فَإِذَا قَالَ لَهُ طَلِّقْهَا إنْ شِئْت كَانَ تَمْلِيكًا ؛ لِأَنَّهُ فَوَّضَ الْأَمْرَ إلَى رَأْيِهِ وَالْمَالِكُ هُوَ الَّذِي يَتَصَرَّفُ عَنْ مَشِيئَتِهِ . وَأَمَّا الْوَكِيلُ فَمَطْلُوبٌ مِنْهُ الْفِعْلُ شَاءَ أَوْ لَمْ يَشَأْ . وَقَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ يَتَصَرَّفُ عَنْ مَشِيئَتِهِ إلَخْ قُلْنَا الْمُرَادُ بِالْمَشِيئَةِ مَشِيئَةٌ تَثْبُتُ بِالصِّيغَةِ وَمَا ذَكَرَ مِنْ الْمَشِيئَةِ لَيْسَتْ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا نَشَأَتْ مِنْ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْإِلْزَامِ وَكَلَامُنَا فِي مُوجِبِ الصِّيغَةِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا صَدَرَ مِمَّنْ لَهُ وِلَايَةُ الْإِلْزَامِ لَا يُفِيدُ الْوُجُوبَ إذَا قَالَ إنْ شِئْت وَإِلَّا أَفَادَ ، وَلِأَنَّ الْأَجْنَبِيَّ بِالْأَمْرِ بِهِ صَارَ رَسُولًا لِكَوْنِهِ سَفِيرًا وَمُعَبِّرًا فَإِذَا قَالَ لَهُ إنْ شِئْت فَقَدْ جَعَلَهُ مُتَصَرِّفًا مَالِكًا لَا رَسُولًا مُبَلِّغًا بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ نَفْسِهَا ؛ لِأَنَّهَا لَا تَصْلُحُ رَسُولًا إلَى نَفْسِهَا فَكَانَتْ مَالِكَةً كَيْفَمَا كَانَ وَالتَّمْلِيكُ يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ وَلَا يَكُونُ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهِ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى التَّعْلِيقِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا فَطَلَّقَتْ وَاحِدَةً وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ) ؛ لِأَنَّهَا مَلَكَتْ إيقَاعَ الثَّلَاثِ فَتَمْلِكُ إيقَاعَ الْوَاحِدَةِ ضَرُورَةً ؛ لِأَنَّ مَنْ مَلَكَ شَيْئًا مَلَكَ كُلَّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَائِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا فِي عَكْسِهِ) أَيْ لَا يَقَعُ شَيْءٌ فِي عَكْسِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك وَاحِدَةً فَطَلَّقَتْ ثَلَاثًا ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا تَطْلُقُ وَاحِدَةً ؛ لِأَنَّهَا أَتَتْ بِمَا تَمْلِكُهُ وَزِيَادَةً فَيَقَعُ مَا تَمْلِكُهُ وَتَلْغُو الزِّيَادَةُ كَمَا إذَا طَلَّقَهَا الزَّوْجُ أَلْفًا ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمُوَافَقَةَ فِي الْقَدْرِ الْمَأْمُورِ بِهِ مَوْجُودَةٌ فَتُعْتَبَرُ كَمَا إذَا قَالَتْ طَلَّقْت نَفْسِي وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَكَمَا إذَا قَالَتْ أَبَنْت نَفْسِي فِي قَوْلِهِ طَلِّقِي نَفْسَك حَيْثُ يَقَعُ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ لِوُجُودِ أَصْلِ الْمُوَافَقَةِ وَيَلْغُو الزَّائِدُ مِنْ الْعَدَدِ وَوَصْفِ الْبَيْنُونَةِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا وَضَرَّتَهَا أَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَعْتِقْ نَفْسَك فَأَعْتَقَ نَفْسَهُ وَصَاحِبَهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ وَالْعِتْقُ عَلَيْهِمَا دُونَ الْآخَرَيْنِ لِمَا قُلْنَا
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا أَتَتْ بِغَيْرِ مَا فَوَّضَ إلَيْهَا فَكَانَتْ مُخَالِفَةً مُبْتَدَأَةً ، وَهَذَا لِأَنَّهُ فَوَّضَ إلَيْهَا الْمُفْرَدَ وَهِيَ أَتَتْ بِالْمُرَكَّبِ فَكَانَ بَيْنَهُمَا مُغَايَرَةٌ عَلَى سَبِيلِ الْمُضَادَّةِ فَكَانَ غَيْرُهُ ضَرُورَةً بِخِلَافِ الزَّوْجِ ؛ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ بِحُكْمِ الْمِلْكِ فَيَمْلِكُ مَا شَاءَ مِنْ الْعَدَدِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ إلَّا بِقَدْرِ الْمَحَلِّ فَإِنَّ الْمَحَلَّ شَرْطُ النَّفَاذِ لَا شَرْطُ الْإِيجَابِ فَيَصِحُّ إيجَابُهُ وَيَنْفُذُ مِمَّا أَوْجَبَهُ بِقَدْرِ الْمَحَلِّ وَبِخِلَافِ مَا إذَا قَالَتْ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً ؛ لِأَنَّهَا تَكُونُ بِالْكَلَامِ الْأَوَّلِ مُمْتَثِلَةً لِمَا فَوَّضَ إلَيْهَا فَيَقَعُ وَتَكُونُ فِي الثَّانِي وَالثَّالِثِ مُبْتَدَأَةً فَيَلْغُو ، وَكَذَلِكَ طَلَاقُ ضَرَّتِهَا وَعِتْقُ الْعَبْدِ صَاحِبَهُ لِمَا ذَكَرْنَا وَلَا يُقَالُ بِقَوْلِهَا طَلَّقْت نَفْسِي تَكُونُ مُمْتَثِلَةً فَيَقَعُ وَتَبْقَى بِالزَّائِدِ مُبْتَدِئَةً فَيَلْغُو الزَّائِدُ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَا يَقَعُ شَيْءٌ بِقَوْلِهَا طَلَّقْت نَفْسِي إذَا ذَكَرَ الْعَدَدَ وَإِنَّمَا يَقَعُ بِالْعَدَدِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَصَارَتْ مُخَالِفَةً فَإِنْ قِيلَ فِي الثَّلَاثِ وَاحِدَةٌ وَهِيَ مَمْلُوكَةٌ فَوَجَبَ أَنْ يَقَعَ ؛ لِأَنَّ كَوْنَ الثَّلَاثِ مُرَكَّبًا لَا يَمْنَعُ وُقُوعَ الْوَاحِدَةِ كَمَا إذَا قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا فَطَلَّقَتْ وَاحِدَةً قُلْنَا إنَّ الْوَاحِدَةَ قَائِمَةٌ بِالْجُمْلَةِ ضِمْنًا فَإِذَا لَمْ تَثْبُتْ الْجُمْلَةُ فَكَيْفَ يَثْبُتُ مَا فِي ضِمْنِهَا وَنَظِيرُهُ رَجُلَانِ شَهِدَ أَحَدُهُمَا عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ قَالَ لِامْرَأَتِهِ خَلِيَّةٌ حَالَ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ قَالَ لَهَا بَرِيَّةٌ لَا تَثْبُتُ الْبَيْنُونَةُ لِعَدَمِ ثُبُوتِ الْمُتَضَمَّنِ بِخِلَافِ مَا إذَا فَوَّضَ إلَيْهَا ثَلَاثًا فَطَلُقَتْ وَاحِدَةً حَيْثُ تَقَعُ الْوَاحِدَةُ ؛ لِأَنَّ الثَّلَاثَ صَارَ مَمْلُوكًا لَهَا ، وَهَذَا التَّمْلِيكُ صَحَّ مِنْ الزَّوْجِ فَقَدْ أَتَتْ بِمَا فِي ضِمْنِ كَلَامِهِ فَيَصِحُّ أَنْ تَأْتِيَ بِهَا كُلِّهَا مُجْتَمِعَةً أَوْ مُتَفَرِّقَةً ؛ لِأَنَّهَا مَلَكَتْهَا فَإِنْ شَاءَتْ أَوْقَعَتْهَا جُمْلَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ وَوَاحِدَةً أَوْ وَاحِدَةً وَاحِدَةً إلَى أَنْ تَقَعَ الثَّلَاثُ وَفِي مَسْأَلَتِنَا لَمْ تَأْتِ بِمَا فِي ضِمْنِ كَلَامِهِ وَإِنَّمَا أَتَتْ بِمَا فِي ضِمْنِ كَلَامِهَا فَصَارَتْ مُبْتَدِئَةً لَا مُجِيبَةً لَهُ فَتَوَقَّفَ عَلَى إجَازَتِهِ وَلَا يَرُدُّ عَلَيْنَا مَا إذَا قَالَ لَهَا أَمْرُك بِيَدِك يَنْوِي وَاحِدَةً فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا حَيْثُ تَقَعُ الْوَاحِدَةُ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّهُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِشَيْءٍ مِنْ الْعَدَدِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ لَفْظًا صَالِحًا لِلْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ وَبِإِيقَاعِ الثَّلَاثِ لَمْ تَصِرْ مُخَالِفَةً لِوُجُودِ الْمُوَافَقَةِ فِي أَصْلِ التَّفْوِيضِ فَتَقَعُ وَنَظِيرُهُ مَا إذَا أَمَرَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا رَجْعِيًّا أَوْ بَائِنًا فَعَكَسَتْ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَطَلِّقِي نَفْسَكِ ثَلَاثًا إنْ شِئْتِ فَطَلَّقَتْ وَاحِدَةً وَعَكْسُهُ لَا) يَعْنِي إذَا قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا إنْ شِئْت فَطَلَّقَتْ وَاحِدَةً أَوْ قَالَ لَهَا عَكْسُهُ فَأَجَابَتْ بِعَكْسِهِ بِأَنْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك وَاحِدَةً فَطَلَّقَتْ ثَلَاثًا لَا يَقَعُ شَيْءٌ فِي الْوَجْهَيْنِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ مَعْنَاهُ إنْ شِئْت الثَّلَاثَ فَصَارَتْ مَشِيئَةُ الثَّلَاثِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لَفْظًا صَارَ مُوجِبُ اللَّفْظِ التَّمْلِيكَ لَا التَّوْكِيلَ ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْوَكِيلِ لِغَيْرِهِ إنَّمَا هُوَ عَنْ مَشِيئَةِ ذَلِكَ الْغَيْرِ وَإِنْ كَانَ امْتِثَالُهُ بِمَشِيئَةِ نَفْسِهِ بِخِلَافِ الْمَالِكِ فَإِنَّهُ الْمُتَصَرِّفُ بِمَشِيئَةِ نَفْسِهِ ابْتِدَاءً غَيْرَ مُعْتَبِرٍ ذَلِكَ امْتِثَالًا فَإِذَا صَرَّحَ لَهُ الْمَالِكُ بِتَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِمَشِيئَتِهِ كَانَ ذَلِكَ تَمْلِيكًا فَيَسْتَلْزِمُ حُكْمَ التَّمْلِيكِ . ا هـ . كَمَالٌ . (قَوْلُهُ سَوَاءٌ تَصَرَّفَ لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ) أَيْ كَوَلِيِّ الصَّغِيرِ وَوَصِيِّهِ إذَا بَاعَ لَهُ أَوْ اشْتَرَى مَثَلًا ا هـ ك . (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قِيلَ فِيهِ إشْكَالٌ ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ فِيهِ لَيْسَ بِمُعَلَّقٍ بِالْمَشِيئَةِ بَلْ الْمُعَلَّقُ فِيهِ الْوَكَالَةُ بِالْبَيْعِ وَهِيَ تَقْبَلُ التَّعْلِيقَ وَكَأَنَّهُ اُعْتُبِرَ التَّوْكِيلُ بِالْبَيْعِ بِنَفْسِ الْبَيْعِ ، وَهَذَا غَلَطٌ يَظْهَرُ بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ هُوَ قَوْلُهُ بِعْ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ كَوْنُ نَفْسِ قَوْلِهِ مُعَلَّقًا بِمَشِيئَةِ غَيْرِهِ بَلْ وَقَدْ تَحَقَّقَ وَفَرَغَ مِنْهُ قَبْلَ مَشِيئَةِ ذَلِكَ الْغَيْرِ وَلَمْ يَبْقَ لِذَلِكَ الْغَيْرِ سِوَى فِعْلِ مُتَعَلَّقِ التَّوْكِيلِ أَوْ عَدَمِ الْقَبُولِ وَالرَّدِّ . ا هـ . (قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ) أَيْ فَيَلْغُو وَصْفُ التَّمْلِيكِ وَيَبْقَى الْإِذْنُ وَالتَّصَرُّفُ بِمُقْتَضَى مُجَرَّدِ الْإِذْنِ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ . ا هـ . فَتْحٌ.

(قَوْلُهُ وَتَلْغُو الزِّيَادَةُ إلَخْ) فِي نُسْخَةٍ الزَّائِدُ ا هـ . (قَوْلُهُ وَوَصْفُ الْبَيْنُونَةِ) أَيْ ؛ لِأَنَّ مَعْنَى أَبَنْت نَفْسِي : طَلُقَتْ بَائِنًا . ا هـ . فَتْحٌ بِمَعْنَاهُ . (قَوْلُهُ فَكَانَتْ مُخَالِفَةً) أَيْ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الزَّوْجِ . ا هـ . فَتْحٌ.

(2/227)


شَرْطًا لِوُقُوعِ الثَّلَاثِ ؛ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا الْكَلَامِ يُفْهَمُ مِنْهُ الْبِنَاءُ عَلَى مَا سَبَقَ فَإِذَا بَنَى عَلَيْهِ تَبَيَّنَ أَنَّ الشَّرْطَ مَشِيئَةُ الثَّلَاثِ فَلَمْ يُوجَدْ إلَّا مَشِيئَةُ الْوَاحِدَةِ وَأَجْزَاءُ الشَّرْطِ لَا تَتَوَزَّعُ عَلَى أَجْزَاءِ الْمَشْرُوطِ فَلَا يَقَعُ شَيْءٌ بِخِلَافِ الْمُرْسَلَةِ وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ ؛ لِأَنَّهُ مَلَّكَهَا الثَّلَاثَ هُنَاكَ وَلَمْ يُعَلِّقْ وُقُوعَهَا بِمَشِيئَةِ الثَّلَاثِ فَلَهَا أَنْ تُوقِعَ بَعْضَ مَا مَلَكَتْ ، وَلَوْ قَالَتْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ شِئْتُ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً فَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا مُتَّصِلًا بِبَعْضٍ طَلُقَتْ ثَلَاثًا دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ ؛ لِأَنَّ مَشِيئَةَ الثَّلَاثِ قَدْ وُجِدَتْ وَالطَّلَاقُ لَا يَقَعُ إلَّا بِمَشِيئَةِ الثَّلَاثِ وَمَشِيئَةُ الثَّلَاثِ لَا تُوجَدُ إلَّا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْكُلِّ فَوُجِدَتْ مَشِيئَةُ الثَّلَاثِ وَهِيَ فِي نِكَاحِهِ فَبَانَتْ بِثَلَاثٍ جُمْلَةً وَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا مُنْفَصِلًا عَنْ بَعْضٍ بِأَنْ سَكَتَتْ عِنْدَ الْأُولَى أَوْ الثَّانِيَةِ ثُمَّ شَاءَتْ الْبَاقِيَ لَا يَقَعُ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مَشِيئَةُ الثَّلَاثِ ؛ لِأَنَّ السُّكُوتَ فَاصِلٌ . وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ الْعَكْسُ فَالْمَذْكُورُ هُنَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَقَعُ وَاحِدَةٌ ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ إيقَاعَ الثَّلَاثِ إيقَاعٌ لِلْوَاحِدَةِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ لَيْسَ بِإِيقَاعٍ لِلْوَاحِدَةِ فَكَانَتْ مَشِيئَةُ الثَّلَاثِ مَشِيئَةَ الْوَاحِدَةِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ لَيْسَ بِمَشِيئَةٍ لَهَا ، وَهَذَا ظَاهِرٌ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ أَمَرَهَا بِالْبَائِنِ أَوْ الرَّجْعِيِّ فَعَكَسَتْ وَقَعَ مَا أَمَرَ بِهِ) أَيْ عَكَسَتْ فِي الْجَوَابِ وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَقُولَ لَهَا الزَّوْجُ طَلِّقِي نَفْسَك طَلْقَةً بَائِنَةً فَتَقُولُ طَلَّقْتُ نَفْسِي وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً أَوْ يَقُولَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً فَتَقُولُ طَلَّقْت نَفْسِي وَاحِدَةً بَائِنَةً فَيَقَعُ مَا أَمَرَ بِهِ الزَّوْجُ وَيَلْغُو مَا وَصَفَتْ بِهِ لِكَوْنِهَا مُخَالِفَةً فِيهِ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ لَمَّا عَيَّنَ صِفَةَ الْمُفَوَّضِ إلَيْهَا فَحَاجَتُهَا بَعْدَ ذَلِكَ إلَى إيقَاعِ الْأَصْلِ دُونَ تَعْيِينِ الْوَصْفِ فَصَارَ كَأَنَّهَا اقْتَصَرَتْ عَلَى الْأَصْلِ فَيَقَعُ بِالصِّفَةِ الَّتِي عَيَّنَهَا الزَّوْجُ بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا وَقَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّهَا لَا تَكُونُ مُخَالِفَةً بِمِثْلِ هَذَا حَتَّى يَقَعَ الطَّلَاقُ لِمُوَافَقَتِهَا فِي الْأَصْلِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْتِ فَقَالَتْ شِئْتُ إنْ شِئْتَ فَقَالَ شِئْتُ يَنْوِي الطَّلَاقَ أَوْ قَالَتْ شِئْت إنْ كَانَ كَذَا الْمَعْدُومُ بَطَلَ) ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِالْمَشِيئَةِ الْمُرْسَلَةِ وَهِيَ أَتَتْ بِالْمُعَلَّقَةِ فَلَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ فَلَمْ يَقَعْ شَيْءٌ وَبَطَلَ أَمْرُهَا ؛ لِأَنَّهُ اشْتِغَالٌ بِمَا لَا يَعْنِيهَا فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ بِقَوْلِهِ شِئْت يَنْوِي الطَّلَاقَ ؛ لِأَنَّهُ سَبَقَ مِنْهُ ذِكْرُ الطَّلَاقِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ شِئْت طَلَاقَك بِنَاءً عَلَى الْمُتَقَدِّمِ فَيَقَعُ ابْتِدَاءً غَيْرُ الَّذِي عَلَّقَهُ بِمَشِيئَتِهَا قُلْنَا لَيْسَ فِي كَلَامِهِ وَلَا فِي كَلَامِ الْمَرْأَةِ ذِكْرُ الطَّلَاقِ فَبَقِيَ قَوْلُهُ شِئْت مُبْهَمًا وَالنِّيَّةُ لَا تَعْمَلُ فِي غَيْرِ الْمَذْكُورِ وَلَا يُمْكِنُ الْبِنَاءُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُبْنَى عَلَى السَّابِقِ إذَا اُعْتُبِرَ السَّابِقُ وَهُنَا قَدْ بَطَلَ السَّابِقُ لِاشْتِغَالِهَا بِمَا لَا يَعْنِيهَا فَخَلَا قَوْلُهُ شِئْت عَنْ ذِكْرِ الطَّلَاقِ فَلَمْ يَقَعْ بِهِ شَيْءٌ حَتَّى لَوْ قَالَ شِئْتُ طَلَاقَك يَنْوِي الْإِيقَاعَ يَقَعُ ؛ لِأَنَّهُ إيقَاعٌ مُبْتَدَأٌ ؛ لِأَنَّ الْمَشِيئَةَ تُنْبِئُ عَنْ الْوُجُودِ فَكَأَنَّهُ قَالَ أَوْجَدْت أَوْ حَصَّلْت طَلَاقَك وَتَحْصِيلُ الطَّلَاقِ وَإِيجَادَهُ بِإِيقَاعِهِ إلَّا أَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ النِّيَّةِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَقْصِدُ وُجُودَهُ وُقُوعًا وَقَدْ يَقْصِدُ وُجُودَهُ مِلْكًا فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِالشَّكِّ بِخِلَافِ قَوْلِهِ أَرَدْتُ طَلَاقَك ؛ لِأَنَّ الْإِرَادَةَ لُغَةً عِبَارَةٌ عَنْ الطَّلَبِ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْحُمَّى رَائِدُ الْمَوْتِ» أَيْ طَالِبُهُ وَفِي الْمَثَلِ السَّائِرِ لَا يَكْذِبُ الرَّائِدُ أَهْلَهُ أَيْ طَالِبُ الْكَلَأِ أَوْ الْغَيْثِ وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ الطَّلَبِ الْوُجُودُ وَلَا يَلْزَمُنَا أَنَّ الْإِرَادَةَ وَالْمَشِيئَةَ سِيَّانِ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِينَ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي صِفَاتِ الْبَارِي جَلَّتْ قُدْرَتُهُ وَكَلَامُنَا فِي إرَادَةِ الْعِبَادِ
وَجَازَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا تَفْرِقَةٌ بِالنَّظَرِ إلَيْنَا وَتَسْوِيَةٌ بِالنَّظَرِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى ؛ لِأَنَّ مَا أَرَادَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَكُونُ لَا مَحَالَةَ ، وَكَذَا سَائِرُ صِفَاتِهِ تَعَالَى مُخَالِفٌ لِصِفَاتِنَا وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ شَائِي طَلَاقَك يَنْوِي بِهِ الطَّلَاقَ فَقَالَتْ شِئْت يَقَعُ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ لَا يَقَعُ ، وَلَوْ قَالَ لَهَا أَرِيدِي طَلَاقَك يَنْوِي بِهِ الطَّلَاقَ فَقَالَتْ أَرَدْت لَا يَقَعُ لِمَا بَيَّنَّا ، وَكَذَا لَوْ قَالَ لَهَا أَحِبِّي طَلَاقَك أَوْ اهْوِي طَلَاقَك فَفَعَلَتْ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّ الْمَحَبَّةَ وَالْهَوَى نَوْعُ تَمَنٍّ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ إنْ أَرَدْتِ أَوْ أَجَبَبْت أَوْ رَضِيَتْ أَوْ هَوِيَتْ فَفَعَلَتْ حَيْثُ تَطْلُقُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَهُوَ كَقَوْلِهِ إنْ كُنْت تُحِبِّينَنِي فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَتْ أُحِبُّك وَفِي الْمُنْتَقَى لَوْ قَالَ لَهَا رَضِيت طَلَاقَك يَقَعُ يَعْنِي إذَا نَوَى فَجَعَلَهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَشِيئَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ كَانَ لِشَيْءٍ مَضَى طَلُقَتْ) أَيْ قَالَتْ شِئْت إنْ كَانَ كَذَا الْأَمْرُ قَدْ مَضَى وَالْمَسْأَلَةُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَأَجْزَاءُ الشَّرْطِ إلَخْ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَأَجْزَاءُ الْمَشْرُوطِ لَا تَتَوَزَّعُ عَلَى أَجْزَاءِ الشَّرْطِ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ) وَهِيَ مَا إذَا قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا فَطَلَّقَتْ وَاحِدَةً حَيْثُ تَقَعُ الْوَاحِدَةُ . ا هـ ..

(قَوْلُهُ فَتَقُولُ طَلَّقْت نَفْسِي وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً) أَيْ تَقَعُ رَجْعِيَّةً ؛ لِأَنَّ قَوْلَهَا رَجْعِيَّةً لَغْوٌ ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ لَمَّا عَيَّنَ صِفَةَ الْمُفَوَّضِ إلَيْهَا فِي الصُّورَتَيْنِ فَحَاجَتُهَا بَعْدَ ذَلِكَ إلَى أَصْلِ الْإِيقَاعِ لَا إلَى ذِكْرِ وَصْفِهِ فَذِكْرُهَا إيَّاهُ مُوَافِقًا أَوْ مُخَالِفًا لَا عِبْرَةَ بِهِ ؛ لِأَنَّ الْوُقُوعَ بِإِيقَاعِهَا لَيْسَ إلَّا بِنَاءً عَلَى التَّفْوِيضِ فَذِكْرُهَا كَسُكُوتِهَا عَنْهُ وَعِنْدَ سُكُوتِهَا يَقَعُ عَلَى الْوَصْفِ الْمُفَوَّضِ وَحَاصِلُ هَذَا كُلِّهِ أَنَّ الْمُخَالَفَةَ إنْ كَانَتْ فِي الْوَصْفِ لَا يَبْطُلُ الْجَوَابُ بَلْ يَبْطُلُ الْوَصْفُ الَّذِي بِهِ الْمُخَالَفَةُ وَيَقَعُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي فَوَّضَ بِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ فِي الْأَصْلِ حَيْثُ يَبْطُلُ كَمَا إذَا فَوَّضَ وَاحِدَةً فَطَلَّقَتْ ثَلَاثًا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَوْ فَوَّضَ ثَلَاثًا فَطَلَّقَتْ أَلْفًا . ا هـ . فَتْحٌ.

(قَوْلُهُ قُلْنَا لَيْسَ فِي كَلَامِهِ وَلَا فِي كَلَامِ الْمَرْأَةِ) أَيْ ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَقُلْ شِئْت طَلَاقِي إنْ شِئْت لِيَكُونَ الزَّوْجُ بِقَوْلِهِ شِئْتِ شَائِيًا طَلَاقَهَا لَفْظًا . ا هـ . فَتْحٌ . (قَوْلُهُ وَالنِّيَّةُ لَا تَعْمَلُ فِي غَيْرِ الْمَذْكُورِ) أَيْ الصَّالِحِ لِلْإِيقَاعِ وَلَا فِي الْمَذْكُورِ الَّذِي لَيْسَ بِصَالِحٍ لِلْإِيقَاعِ بِهِ نَحْوُ اسْقِينِي . ا هـ . فَتْحٌ . (قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ الْمَشِيئَةَ تُنْبِئُ عَنْ الْوُجُودِ) أَيْ ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الشَّيْءِ وَهُوَ الْمَوْجُودُ ا هـ فَتْحٌ . (قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ الْإِرَادَةَ) أَيْ لَا تُنْبِئُ عَنْ الْوُجُودِ بَلْ هِيَ طَلَبٌ لِنَفْسِ الْوُجُودِ عَنْ مَيْلٍ . ا هـ . فَتْحٌ . (قَوْلُهُ لِأَمْرٍ قَدْ مَضَى) أَيْ كَشِئْت إنْ كَانَ فُلَانٌ قَدْ جَاءَ وَقَدْ جَاءَ أَوْ لِأَمْرٍ كَائِنٍ كَشِئْت إنْ كَانَ أَبِي فِي الدَّارِ وَهُوَ فِيهَا . ا هـ . فَتْحٌ

(2/228)


بِحَالِهَا طَلُقَتْ ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ بِالشَّيْءِ الْكَائِنِ تَنْجِيزٌ وَلَا يُقَالُ لَوْ كَانَ تَنْجِيزُ الْكُفْرِ بِقَوْلِهِ هُوَ يَهُودِيٌّ إنْ كَانَ كَذَا لِأَمْرٍ قَدْ مَضَى ؛ لِأَنَّا نَقُولُ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ فَلَنَا أَنْ نَمْنَعَ أَوْ نَقُولَ إنَّهُ كِنَايَةٌ عَنْ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ إذَا كَانَ مُسْتَقْبَلًا فَكَذَا إذَا كَانَ مَاضِيًا اعْتِبَارًا بِالْمُسْتَقْبَلِ ثُمَّ الْأَصْلُ فِيهِ أَنَّهُ مَتَى عَلَّقَهُ بِمَشِيئَتِهَا أَوْ إرَادَتِهَا أَوْ رِضَاهَا أَوْ هَوَاهَا أَوْ حُبِّهَا يَكُونُ تَمْلِيكًا فِيهِ مَعْنَى التَّعْلِيقِ فَيَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى التَّنْجِيزِ فَصَارَ كَالْأَمْرِ بِالْيَدِ بِخِلَافِ مَا إذَا عَلَّقَهُ بِشَيْءٍ آخَرَ مِنْ أَفْعَالِهَا كَأَكْلِهَا وَشُرْبِهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ حَيْثُ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ مَحْضٌ وَلَيْسَ فِيهِ مَعْنَى التَّمْلِيكِ لِعَدَمِ مَعْنَى التَّنْجِيزِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَنْتِ طَالِقٌ مَتَى شِئْتِ أَوْ مَتَى مَا شِئْتِ أَوْ إذَا شِئْتِ أَوْ إذَا مَا شِئْتِ فَرَدَّتْ الْأَمْرَ لَا يَرْتَدُّ وَلَا يَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ وَلَا تَطْلُقُ إلَّا وَاحِدَةً) ؛ لِأَنَّهَا تَعُمُّ الْأَوْقَاتَ كُلَّهَا فَلَهَا أَنْ تُوقِعَ فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَتْ كَمَا لَوْ نَصَّ عَلَيْهِ فَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ وَلَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُمَلِّكْهَا الطَّلَاقَ إلَّا فِي الْوَقْتِ الَّذِي شَاءَتْ فِيهِ فَلَمْ يَكُنْ تَمْلِيكًا قَبْلَ الْمَشِيئَةِ حَتَّى يَرْتَدَّ بِالرَّدِّ وَلَا تَطْلُقُ إلَّا وَاحِدَةً ؛ لِأَنَّهَا تَعُمُّ الْأَزْمَانَ دُونَ الْأَفْعَالِ ، وَهَذَا كُلُّهُ ظَاهِرٌ فِي مَتَى وَمَتَى مَا ، وَكَذَا فِي إذَا وَإِذَا مَا عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ إذَا وَإِنْ كَانَتْ تُسْتَعْمَلُ لِلشَّرْطِ وَالْوَقْتِ لَكِنْ جَعَلَهَا هُنَا لِلْوَقْتِ ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ صَارَ بِيَدِهَا فَلَا يَخْرُجُ مِنْ يَدِهَا بِالْقِيَامِ وَالرَّدِّ بِالشَّكِّ وَقَدْ مَرَّ الْكَلَامُ فِيهَا مِنْ قَبْلُ فَإِنْ قِيلَ وَجَبَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الشَّرْطِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ تَصْحِيحًا لِلرَّدِّ قُلْنَا إنَّمَا يَجِبُ حَمْلُهَا عَلَى الشَّرْطِ أَنْ لَوْ كَانَ الرَّدُّ صَادِرًا مِمَّنْ صَدَرَ مِنْهُ التَّعْلِيقُ تَصْحِيحًا لِتَصَرُّفِهِ وَنَفْيًا لِلتَّنَاقُضِ فِي كَلَامِهِ . وَأَمَّا إذَا صَدَرَ الرَّدُّ مِنْ غَيْرِهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى هَذَا التَّأْوِيلِ لِعَدَمِ التَّنَاقُضِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي كُلَّمَا شِئْتِ لَهَا أَنْ تُفَرِّقَ الثَّلَاثَ وَلَا تَجْمَعَ) أَيْ إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ كُلَّمَا شِئْتِ لَهَا أَنْ تُوقِعَ ثَلَاثَ طَلْقَاتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تُوقِعَ الثَّلَاثَ جُمْلَةً ؛ لِأَنَّ كُلَّمَا تَعُمُّ الْأَفْعَالَ وَالْأَزْمَانَ عُمُومَ الِانْفِرَادِ لَا عُمُومَ الِاجْتِمَاعِ فَيَقْتَضِي إيقَاعَ الْوَاحِدَةِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ إلَى مَا لَا يَتَنَاهَى إلَّا أَنَّ الْيَمِينَ تَنْصَرِفُ إلَى الْمِلْكِ الْقَائِمِ ؛ لِأَنَّ صِحَّتَهَا بِاعْتِبَارِهِ فَلَا تَمْلِكُ الْإِيقَاعَ بَعْدَ وُقُوعِ الثَّلَاثِ إذَا رَجَعَتْ إلَيْهِ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ مَعَ صَلَاحِيَةِ اللَّفْظِ لَهُ ، وَلَوْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا جُمْلَةً لَا يَقَعُ شَيْءٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا تَقَعُ وَاحِدَةً بِنَاءً عَلَى أَنَّ إيقَاعَ الثَّلَاثِ إيقَاعٌ لِلْوَاحِدَةِ أَمْ لَا وَقَدْ مَرَّ بَيَانُهُ وَلَا تَرْتَدُّ بِالرَّدِّ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَوِّضْ إلَيْهَا الطَّلَاقَ إلَّا فِي الْوَقْتِ الَّذِي تَشَاءُ فِيهِ فَلَا يُعْتَبَرُ رَدُّهَا قَبْلَهُ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ طَلُقَتْ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ لَا يَقَعُ) يَعْنِي فِيمَا إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ كُلَّمَا شِئْتِ فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا وَتَزَوَّجَتْ بِزَوْجٍ آخَرَ وَعَادَتْ إلَيْهِ وَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا لَا يَقَعُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ التَّعْلِيقَ يَنْصَرِفُ إلَى الْمِلْكِ الْقَائِمِ فَلَا يَتَنَاوَلُ الْمُسْتَحْدَثَ وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ زُفَرَ يَقَعُ ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ عِنْدَهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِبَقَاءِ الْيَمِينِ ، وَلِهَذَا لَوْ قَالَ لَهَا إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا ثُمَّ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ تَدْخُلَ ثُمَّ عَادَتْ إلَيْهِ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ فَدَخَلَتْ الدَّارَ طَلُقَتْ ثَلَاثًا ، وَلَوْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا طَلْقَةً أَوْ طَلْقَتَيْنِ ثُمَّ تَزَوَّجَتْ بِزَوْجٍ آخَرَ ثُمَّ عَادَتْ إلَى الْأَوَّلِ يَمْلِكُ عَلَيْهَا الثَّلَاثَ عِنْدَهُمَا وَلَهَا أَنْ تَطْلُقَ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً إلَى أَنْ تُوقِعَ الثَّلَاثَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَسَيَأْتِي فِي مَسَائِلِ التَّنْجِيزِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي حَيْثُ شِئْتِ وَأَيْنَ شِئْت لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَشَاءُ فِي مَجْلِسِهَا) يَعْنِي إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ حَيْثُ شِئْت أَوْ أَيْنَ شِئْت لَا تَطْلُقُ إلَّا إذَا شَاءَتْ فِي الْمَجْلِسِ وَإِنْ قَامَتْ مِنْ مَجْلِسِهَا فَلَا مَشِيئَةَ لَهَا ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ حَيْثُ وَأَيْنَ مِنْ أَسْمَاءِ الْمَكَانِ فَيَكُونُ هَذَا إيقَاعَ الطَّلَاقِ فِي مَكَان تَتَحَقَّقُ فِيهِ مَشِيئَتُهَا وَالطَّلَاقُ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْمَكَانِ فَيَلْغُو وَيَبْقَى ذِكْرُ مُطْلَقِ الْمَشِيئَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ بِقَوْلِهِ هُوَ يَهُودِيٌّ) أَيْ إنْ كُنْت فَعَلْت كَذَا وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ قَدْ فَعَلَهُ . ا هـ . فَتْحٌ . (قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ إلَخْ) مِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ بِكُفْرِهِ فَاللَّازِمُ حَقٌّ وَعَلَى الْمُخْتَارِ وَهُوَ عَدَمُ كُفْرِهِ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ يُفَرَّقُ بِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ جُعِلَتْ كِنَايَةً عَنْ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى إذَا جَعَلَ تَعْلِيقَ كُفْرِهِ بِأَمْرٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَكَذَا إذَا جَعَلَهُ بِمَاضٍ تَحَامِيًا عَنْ تَكْفِيرِ الْمُسْلِمِ وَالْأَوْجَهُ أَنَّ الْكُفْرَ بِتَبَدُّلِ الِاعْتِقَادِ وَتَبَدُّلُهُ غَيْرُ وَاقِعٍ مَعَ ذَلِكَ الْفِعْلِ فَإِنْ قِيلَ لَوْ قَالَ هُوَ كَافِرٌ بِاَللَّهِ وَلَمْ يَتَبَدَّلْ اعْتِقَادُهُ يَجِبُ أَنْ يُكَفَّرَ فَلْيُكَفَّرْ هُنَا بِلَفْظِ هُوَ كَافِرٌ وَإِنْ لَمْ يَتَبَدَّلْ اعْتِقَادُهُ قُلْنَا النَّازِلُ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ حُكْمُ اللَّفْظِ لَا عَيْنُهُ فَلَيْسَ هُوَ بَعْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ مُتَكَلِّمًا بِقَوْلِهِ هُوَ كَافِرٌ حَقِيقَةً . ا هـ . كَمَالٌ.

(قَوْلُهُ فَرَدَّتْ الْأَمْرَ) أَيْ بِأَنْ قَالَتْ لَا أَشَاءُ . ا هـ . فَتْحٌ . (قَوْلُهُ حَتَّى يَرْتَدَّ بِالرَّدِّ) وَقَدْ يُقَالُ لَيْسَ هَذَا تَمْلِيكًا فِي حَالٍ أَصْلًا ؛ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِطَلَاقِهَا مُعَلِّقًا بِشَرْطِ مَشِيئَتِهَا فَإِذَا وُجِدَتْ مَشِيئَتُهَا وَقَعَ طَلَاقُهُ وَإِنَّمَا يَصِحُّ مَا ذَكَرَ فِي لَفْظِ طَلِّقِي نَفْسَك إذَا شِئْت ؛ لِأَنَّهَا تَتَصَرَّفُ بِحُكْمِ الْمِلْكِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَتْ طَلَّقْت نَفْسِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَإِنَّهُ وَإِنْ وَقَعَ الطَّلَاقُ لَكِنَّ الْوَاقِعَ طَلَاقُهُ الْمُعَلَّقُ وَقَوْلُهَا طَلَّقْت إيجَادٌ لِلشَّرْطِ الَّذِي هُوَ مَشِيئَةُ الطَّلَاقِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ الْمَشِيئَةَ تُقَارِنُ الْإِيجَادَ . ا هـ . فَتْحٌ.

(قَوْلُهُ لَا عُمُومَ الِاجْتِمَاعِ) وَعَلَى هَذَا لَا تُطَلِّقُ نَفْسَهَا ثِنْتَيْنِ . ا هـ . فَتْحٌ (قَوْلُهُ ، وَلَوْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا جُمْلَةً لَا يَقَعُ شَيْءٌ) أَوْ ثِنْتَيْنِ . ا هـ . فَتْحٌ.

(قَوْلُهُ فَدَخَلَتْ الدَّارَ طَلُقَتْ ثَلَاثًا) أَيْ عِنْدَهُ خِلَافًا لِعُلَمَائِنَا كَمَا سَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَيَبْطُلُ تَنْجِيزُ الثَّلَاثِ تَعْلِيقَهُ . ا هـ ..

(قَوْلُهُ وَالطَّلَاقُ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْمَكَانِ) ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ فِي الْكَعْبَةِ يَقَعُ فِي الْحَالِ ، وَهَذَا لِأَنَّ الطَّلَاقَ الْوَاقِعَ فِي مَكَان يُعْتَبَرُ وَاقِعًا فِي جَمِيعِ الْأَمْكِنَةِ فَلَمَّا لَمْ يَتَعَلَّقْ الطَّلَاقُ بِالْمَكَانِ صَارَ ذَلِكَ الْمَكَانُ وَعَدَمُهُ سَوَاءً فَبَقِيَ الطَّلَاقُ مُعَلَّقًا بِمَشِيئَتِهَا فَكَأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْت فَاقْتَصَرَ عَلَى الْمَجْلِسِ بِخِلَافِ الزَّمَانِ فَإِنَّ لِلطَّلَاقِ تَعَلُّقًا بِهِ ؛ لِأَنَّ الزَّمَانَ جُزْءٌ دَاخِلٌ فِي مَاهِيَّةِ الْفِعْلِ فَيَدُلُّ فِعْلُ

(2/229)


فَيَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ بِخِلَافِ الزَّمَانِ ؛ لِأَنَّ لَهُ تَعَلُّقًا بِهِ حَتَّى يَقَعَ فِي زَمَانٍ دُونَ زَمَانٍ فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُ خُصُوصًا كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا وَنَحْوَهُ وَعُمُومًا كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ فِي أَيِّ وَقْتٍ شِئْتِ وَنَحْوِهِ فَإِنْ قِيلَ لَمَّا لَغَا ذِكْرُ الْمَكَانِ بَقِيَ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ شِئْت فَيَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ فِي الْحَالِ كَمَا لَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ دَخَلْت الدَّارَ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ قُلْنَا يُحْمَلُ الظَّرْفُ عَلَى الشَّرْطِ لِمُنَاسَبَةٍ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ إنَّ الظَّرْفَ يُجَامِعُ الْمَظْرُوفَ كَمَا أَنَّ الشَّرْطَ يُجَامِعُ الْمَشْرُوطَ أَوْ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُفِيدُ ضَرْبًا مِنْ التَّأْخِيرِ فَعِنْدَ تَعَذُّرِ الظَّرْفِ حَقِيقَةً يَصِيرُ كِنَايَةً عَنْ الشَّرْطِ مَجَازًا فَإِنْ قِيلَ إذَا جُعِلَ مَجَازًا عَنْ الشَّرْطِ فَلَمْ يَبْطُلْ بِالْقِيَامِ وَفِي أَدَوَاتِهِ مَا لَا يَبْطُلُ بِالْقِيَامِ كَمَتَى وَإِذَا قُلْنَا حَمْلُهَا عَلَى إنْ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهَا عَلَى مَتَى ؛ لِأَنَّهَا صَرْفُ الشَّرْطِ بِخِلَافِ مَتَى وَنَحْوِهَا

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي كَيْفَ شِئْتِ تَقَعُ رَجْعِيَّةً فَإِنْ شَاءَتْ بَائِنَةً أَوْ ثَلَاثًا وَنَوَاهُ وَقَعَ) أَيْ فِيمَا إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ كَيْفَ شِئْت تَقَعُ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً قَبْلَ مَشِيئَتِهَا فَإِنْ قَالَتْ شِئْت وَاحِدَةً بَائِنَةً أَوْ ثَلَاثًا ، وَقَالَ الزَّوْجُ نَوَيْت ذَلِكَ فَهُوَ كَمَا قَالَ ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ تَثْبُتُ الْمُطَابَقَةُ بَيْنَ مَشِيئَتِهَا وَإِرَادَتِهِ أَمَّا إذَا اخْتَلَفَتْ بَيْنَ نِيَّتِهِ وَمَشِيئَتِهَا بِأَنْ شَاءَتْ خِلَافَ مَا نَوَى وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ ؛ لِأَنَّ مَشِيئَتَهَا لَغَتْ لِعَدَمِ الْمُوَافَقَةِ فَبَقِيَ إيقَاعُ الزَّوْجِ ، وَلَوْ لَمْ تَحْضُرْهُ النِّيَّةُ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْأَصْلِ وَيَجِبُ أَنْ تُعْتَبَرَ مَشِيئَتُهَا جَرْيًا عَلَى مُوجِبِ التَّخْيِيرِ ؛ لِأَنَّهُ أَقَامَهَا مَقَامَ نَفْسِهِ وَهُوَ يَقْدِرُ أَنْ يَجْعَلَهُ بَائِنًا أَوْ ثَلَاثًا بَعْدَمَا وَقَعَ رَجْعِيًّا فَكَذَا مَنْ قَامَ مَقَامَهُ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَقَعُ شَيْءٌ مَا لَمْ تَشَأْ فَإِنْ شَاءَتْ وَقَعَتْ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً أَوْ بَائِنَةً أَوْ ثَلَاثًا بِشَرْطِ مُطَابَقَةِ إرَادَتِهِ وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ كَيْفَ شِئْتَ يَعْتِقُ عِنْدَهُ فِي الْحَالِ وَعِنْدَهُمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مَشِيئَتِهِ لَهُمَا أَنَّ هَذَا تَفْوِيضُ الطَّلَاقِ إلَيْهَا عَلَى أَيِّ وَصْفٍ شَاءَتْ وَإِنَّمَا يَكُونُ كَذَلِكَ إذَا تَعَلَّقَ أَصْلُ الطَّلَاقِ بِمَشِيئَتِهَا وَإِلَّا لَمْ يَقَعْ كَمَا شَاءَتْ
وَهَذَا لِأَنَّ كَيْفَ لِلِاسْتِيصَافِ عَنْ الشَّيْءِ فَيَكُونُ تَعْلِيقًا بِجَمِيعِ أَوْصَافِ الطَّلَاقِ بِمَشِيئَتِهَا وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ إلَّا بِتَعْلِيقِ أَصْلِهِ لِاسْتِحَالَتِهِ بِدُونِ وَصْفٍ مِنْ أَوْصَافِهِ ، وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَتَعَلَّقْ أَصْلُهُ لَلَغَا تَخْيِيرُهُ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا وَلَهُ أَنَّ كَيْفَ لِلِاسْتِيصَافِ وَلَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ وُجُودِ أَصْلِهِ ، أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِ الْقَائِلِ
خَلِيلِي قُلْ لِي كَيْفَ صَبْرُك بَعْدَنَا ... فَقُلْتُ وَهَلْ صَبْرٌ فَتَسْأَلُ عَنْ كَيْفَ
وَإِذَا كَانَ لِلِاسْتِيصَافِ اسْتَدْعَى وُجُودَ الْمَوْصُوفِ فَيَقَعُ أَصْلُ الطَّلَاقِ قَبْلَ الْمَشِيئَةِ وَيَثْبُتُ أَدْنَى وَصْفِهِ ضَرُورَةَ أَنَّهُ لَا يَنْفَكُّ عَنْ وَصْفِهِ وُجُودًا وَيَتَعَلَّقُ مَا وَرَاءَهُ بِالْمَشِيئَةِ ، وَهَذَا لِأَنَّ كَلَامَهُ إيقَاعٌ فَلَوْ ثَبَتَ التَّعْلِيقُ بِمَشِيئَتِهَا إنَّمَا يَثْبُتُ ضَرُورَةَ التَّخْيِيرِ وَهُوَ دَاخِلٌ فِي الصِّفَةِ لَا فِي الذَّاتِ وَهَذِهِ الْأَوْصَافُ تَنْفَكُّ عَنْ الذَّاتِ فَلَمْ تَكُنْ مِنْ ضَرُورَةِ تَعَلُّقِهَا بِالْمَشِيئَةِ تَعَلُّقُ الذَّاتِ بِهَا وَمَا قَالَهُ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ إثْبَاتَ الْمَوْصُوفِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ تَخْصِيصُ بَعْضِ الْأَوْصَافِ عَنْ التَّعْلِيقِ لِيَصِحَّ الِاسْتِيصَافُ أَوْلَى مِنْ تَعْلِيقِ أَصْلِ الطَّلَاقِ بِالْمَشِيئَةِ وَتَعْمِيمِ الْأَوْصَافِ وَفِيهِ إبْطَالُ الِاسْتِيصَافِ ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ يَحْتَمِلُ التَّخْصِيصَ دُونَ التَّعْطِيلِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ حَيْثُ شِئْت وَأَيْنَ شِئْتِ ؛ لِأَنَّهُمَا عِبَارَةٌ عَنْ الْمَكَانِ وَالطَّلَاقُ إذَا وَقَعَ فِي مَكَان وَقَعَ فِي جَمِيعِ الْأَمَاكِنِ فَيَكُونُ تَعْلِيقًا لِأَصْلِ الطَّلَاقِ بِمَشِيئَتِهَا وَبِخِلَافِ قَوْلِهِ كَمْ شِئْت ؛ لِأَنَّهُ اسْتِخْبَارٌ عَنْ الْعَدَدِ فَيَكُونُ تَفْوِيضًا لِلْعَدَدِ وَالْوَاحِدُ أَصْلُ الْعَدَدِ فِي الْمَعْدُودَاتِ فَتَكُونُ الذَّاتُ مُفَوَّضًا إلَيْهَا ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَصِيرُ عَدَدًا بِانْضِمَامِهِ إلَى غَيْرِهِ فَصَارَ الْوَاحِدَةُ عَدَدًا بِهَذَا الِاعْتِبَارِ فَدَخَلَ تَحْتَ الْأَمْرِ بِخِلَافِ الذَّاتِ فَإِنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ وَصْفًا أَبَدًا فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَهُ وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي مَوْضِعَيْنِ فِيمَا إذَا قَامَتْ عَنْ الْمَجْلِسِ قَبْلَ الْمَشِيئَةِ وَفِيمَا إذَا كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَإِنَّهُ يَقَعُ عِنْدَهُ طَلْقَةً رَجْعِيَّةً وَعِنْدَهُمَا لَا يَقَعُ شَيْءٌ وَالرَّدُّ كَالْقِيَامِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي كَمْ شِئْتِ أَوْ مَا شِئْتِ تَطْلُقُ مَا شَاءَتْ فِيهِ وَإِنْ رَدَّتْ ارْتَدَّ) أَيْ فِيمَا إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ كَمْ شِئْت أَوْ مَا شِئْت تُطَلِّقُ نَفْسَهَا مَا شَاءَتْ وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ؛ لِأَنَّ كَمْ اسْمٌ لِلْعَدَدِ وَمَا عَامٌّ فَيَتَنَاوَلُ الْكُلَّ وَإِنْ رَدَّتْ الْأَمْرَ كَانَ رَدًّا ، وَكَذَا إنْ قَامَتْ بَطَلَ خِيَارُهَا ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ وَاحِدٌ وَهُوَ تَمْلِيكٌ فِي الْحَالِ وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الْوَقْتِ فَاقْتَضَى جَوَابًا فِي الْمَجْلِسِ كَسَائِرِ التَّمْلِيكَاتِ وَلَا يُقَالُ لَيْسَ لِلزَّوْجِ أَنْ يُطَلِّقَهَا أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ فَكَيْفَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الطَّلَاقِ عَلَى الزَّمَانِ وَاعْتُبِرَ خُصُوصُ الزَّمَانِ كَمَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا ، وَكَذَا اُعْتُبِرَ عُمُومُهُ كَمَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مَتَى شِئْت أَوْ زَمَانَ شِئْت أَوْ حِينَ شِئْت . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ . (قَوْلُهُ عَنْ الشَّرْطِ مَجَازًا) أَيْ وَهُوَ خَبَرٌ مِنْ إلْغَائِهِ بِالْكُلِّيَّةِ . ا هـ . فَتْحٌ.

(قَوْلُهُ بِأَنْ شَاءَتْ خِلَافَ مَا نَوَى) أَيْ بِأَنْ شَاءَتْ بَائِنَةً وَالزَّوْجُ ثَلَاثًا أَوْ عَلَى الْقَلْبِ . ا هـ . (قَوْلُهُ فَبَقِيَ إيقَاعُ الزَّوْجِ) أَيْ بِالصَّرِيحِ وَنِيَّتُهُ لَا تَعْمَلُ فِي جَعْلِهِ بَائِنًا وَلَا ثَلَاثًا . ا هـ . فَتْحٌ . (قَوْلُهُ بِدُونِ وَصْفٍ مِنْ أَوْصَافِهِ) أَيْ لِاسْتِحَالَةِ وُجُودِ الصِّفَةِ بِدُونِ الْمَوْصُوفِ . ا هـ . (قَوْلُهُ فِي الشِّعْرِ وَهَلْ صَبْرٌ فَتَسْأَلُ عَنْ كَيْفَ) أَنْكَرَ وُجُودَ الْكَيْفِيَّةِ لِعَدَمِ الصَّبْرِ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَفِيمَا إذَا كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ) صَوَابُهُ إبْدَالُ قَبْلَ بِبَعْدَ . ا هـ . (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يَقَعُ عِنْدَهُ طَلْقَةً رَجْعِيَّةً) فِيهِ نَظَرٌ إذْ الْمَذْهَبُ أَنَّهَا بَائِنَةٌ لِكَوْنِهِ طَلَاقًا قَبْلَ الدُّخُولِ وَهُوَ بَائِنٌ إجْمَاعًا . ا هـ ..

(قَوْلُهُ أَوْ ثِنْتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا) بِشَرْطِ مُطَابَقَةِ إرَادَةِ الزَّوْجِ ذَكَرَهُ شَارِحُ الْمَنَارِ ابْنُ فِرِشْتَا وَالْمَوْلَى عَبْدُ اللَّهِ . (قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ كَمْ اسْمٌ لِلْعَدَدِ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثُمَّ الْوَاحِدُ عَدَدٌ عَلَى اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ وَلَمَّا تَكَرَّرَ لَهُمْ مِنْ إطْلَاقِ الْعَدَدِ وَإِرَادَتِهِ وَمَا شِئْت تَعْمِيمُ الْعَدَدِ فَتَقْرِيرُهُ تَقْرِيرُهُ . (قَوْلُهُ ، وَكَذَا إنْ قَامَتْ) أَيْ لِوَاحِدٍ فِي عَمَلٍ آخَرَ أَوْ فِي كَلَامٍ آخَرَ . ا هـ ..

(2/230)


يَكُونُ لَهَا ذَلِكَ وَهِيَ قَائِمَةٌ مَقَامَهُ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْمُرَادُ بِالْمَشِيئَةِ مَشِيئَةُ الْقُدْرَةِ لَا مَشِيئَةُ الْإِبَاحَةِ وَهُوَ يَقْدِرُ أَنْ يُوقِعَ الثَّلَاثَ إنْ شَاءَ فَكَذَا هِيَ لِقِيَامِهَا مَقَامَهُ أَوْ نَقُولُ فِي حَقِّهَا لَا يُكْرَهُ لِلزِّيَادَةِ ؛ لِأَنَّهَا لَوْ فَرَّقَتْ يَبْطُلُ خِيَارُهَا فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إيقَاعِ الثَّلَاثِ إلَّا جُمْلَةً فَيُبَاحُ لَهَا لِعَدَمِ قُدْرَتِهَا رَوَاهُ الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ بِخِلَافِ الزَّوْجِ فَإِنَّهُ قَادِرٌ عَلَى التَّفْرِيقِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي طَلِّقِي مِنْ ثَلَاثٍ مَا شِئْتِ تَطْلُقُ مَا دُونَ الثَّلَاثِ) أَيْ فِيمَا إذَا قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك مِنْ ثَلَاثَةٍ مَا شِئْت لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ الثَّلَاثَ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَقَالَا لَهَا أَنْ تَطْلُقَ ثَلَاثًا إنْ شَاءَتْ ؛ لِأَنَّ مَا مُحْكَمَةٌ فِي التَّعْمِيمِ وَمِنْ قَدْ تَكُونُ لِلتَّبْيِينِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ} [الحج : 30] فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ كَمَا فِي قَوْلِهِ طَلِّقْ مِنْ نِسَائِي مَنْ شِئْت وَلَهُ أَنَّ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ حَقِيقَةً وَمَا لِلتَّعْمِيمِ فَيَعْمَلُ بِهِمَا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ كُلْ مِنْ طَعَامِي مَا شِئْت ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ يَنْبَنِي عَلَى الْمُسَامَحَةِ أَوْ عَلَى إظْهَارِ السَّمَاحَةِ فَيَسْقُطُ اعْتِبَارُ التَّبْعِيضِ وَفِي مَسْأَلَةِ الطَّلَاقِ أُرِيدَ بِهِ الْبَعْضُ أَيْضًا إلَّا أَنَّهُ وَصْفٌ بِصِفَةٍ عَامَّةٍ وَهِيَ الْمَشِيئَةُ فَيَسْقُطُ اعْتِبَارُ التَّبْعِيضِ لِهَذَا الْمَعْنَى كَمَنْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ إلَّا امْرَأَةً كُوفِيَّةً حَتَّى لَوْ قَالَ مَنْ شِئْت كَانَ عَلَى الْخِلَافِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

(بَابُ التَّعْلِيقِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إنَّمَا يَصِحُّ فِي الْمِلْكِ كَقَوْلِهِ لِمَنْكُوحَتِهِ إنْ زُرْت فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ مُضَافًا إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْمِلْكِ (كَإِنْ نَكَحْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَيَقَعُ بَعْدَهُ) أَيْ يَقَعُ الطَّلَاقُ بَعْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَهُوَ الزِّيَارَةُ فِي الْأَوَّلِ وَالنِّكَاحُ فِي الثَّانِي وَمَثَّلَ بِقَوْلِهِ إنْ نَكَحْتُك بَعْدَ أَنْ شَرَطَ أَنْ يَكُونَ مُضَافًا إلَى الْمِلْكِ وَالنِّكَاحُ لَيْسَ بِمِلْكٍ وَإِنَّمَا هُوَ اسْمٌ لِلْعَقْدِ لِكَوْنِهِ سَبَبًا لِلْمِلْكِ كَأَنَّهُ قَالَ إنْ مَلَكْتُك بِالنِّكَاحِ وَإِطْلَاقُ السَّبَبِ وَإِرَادَةُ الْمُسَبَّبِ طَرِيقٌ مِنْ طُرُقِ الْمَجَازِ ، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ إنْ اشْتَرَيْت عَبْدًا أَيْ إنْ مَلَكْته بِالشِّرَاءِ وَإِلَّا لَمَا انْعَقَدَ تَعْلِيقًا ثُمَّ ذَكَرَ فِي الْمُخْتَصَرِ فَصْلَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ الْحَالِفُ مَالِكًا وَتَعَلُّقُهُ بِأَيِّ شَرْطٍ كَانَ ، وَالثَّانِي أَنْ لَا يَكُونَ مَالِكًا وَلَكِنَّهُ عَلَّقَهُ بِالْمِلْكِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَائِزٌ أَمَّا الْأَوَّلُ فَظَاهِرٌ وَلَا خِلَافَ فِيهِ . وَأَمَّا الثَّانِي فَالْمَذْكُورُ هُنَا مَذْهَبُنَا وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَابْنِ عَمْرٍو وَرِوَايَةٌ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ ، وَقَالَ مَالِكٌ إنْ عَمَّمَ بِأَنْ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ وَنَحْوَهُ لَا يَجُوزُ وَإِنْ خَصَّصَ بَلَدًا أَوْ قَبِيلَةً بِأَنْ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ مِنْ مِصْرَ أَوْ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ أَوْ كُلُّ بِكْرٍ أَوْ ثَيِّبٍ أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ صَحَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) ثُمَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا طَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا لَا يَقَعُ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّ مَذْهَبَهُ أَنَّ الَّتِي فَوَّضَ إلَيْهَا الْوَاحِدَةَ إذَا طَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا لَا يَقَعُ فَكَذَا الَّتِي فَوَّضَ إلَيْهَا الثِّنْتَيْنِ إذَا طَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا لَا يَقَعُ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - . (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ كُلْ مِنْ طَعَامِي مَا شِئْت) أَيْ ؛ لِأَنَّ ثَمَّةَ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى إرَادَةِ الْمَجَازِ وَعَدَلَ عَنْ الْحَقِيقَةِ ؛ لِأَنَّ الْإِبَاحَةَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا اللُّزُومُ فَكَانَ الْأَمْرُ فِيهَا مَبْنِيًّا عَلَى التَّوَسُّعِ ؛ لِأَنَّ فِي الْعُرْفِ يُرَادُ بِمِثْلِ هَذَا الْكَلَامِ إظْهَارُ السَّخَاءِ وَالْكَرَمِ وَذَلِكَ بِالْعُمُومِ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ فَإِنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ اللُّزُومُ فَلَمْ يَعْدِلْ فِيهِ عَنْ حَقِيقَةِ كُلِّ لَفْظٍ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ . (قَوْلُهُ وَمَا لِلتَّعْمِيمِ) أَيْ حَقِيقَةً ا هـ . (قَوْلُهُ فَيَعْمَلُ بِهِمَا) أَيْ حَمْلًا لِلْكَلَامِ عَلَى الْحَقِيقَةِ إذْ الْأَصْلُ فِي الْكَلَامِ الْحَقِيقَةُ مَا لَمْ يَدُلَّ دَلِيلُ الْمَجَازِ وَالثِّنْتَانِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْوَاحِدَةِ عَامٌّ وَبِالنِّسْبَةِ إلَى الثَّلَاثِ بَعْضٌ وَلَا يُقَالُ عَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ لَا تُطَلِّقَ نَفْسَهَا وَاحِدَةً ؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَةَ لَيْسَ فِيهَا مَعْنَى الْعُمُومِ أَصْلًا وَهِيَ بَعْضٌ صِرْفٌ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَمَّا مَلَكَتْ الثِّنْتَيْنِ بِحُكْمِ الْأَمْرِ مَلَكَتْ الْوَاحِدَةَ أَيْضًا . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ . (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ قَالَ مَنْ شِئْت) أَيْ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي اسْتَشْهَدَا بِهَا طَلِّقْ مِنْ نِسَائِي مَنْ شِئْتَ ا هـ

(بَابُ التَّعْلِيقِ) بَوَّبَ لَهُ فِي الْهِدَايَةِ بِبَابِ الْأَيْمَانِ فِي الطَّلَاقِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ لَمَّا فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ الطَّلَاقِ بِالتَّنْجِيزِ بِالصَّرِيحِ وَالْكِنَايَةِ شَرَعَ فِي ذِكْرِهِ بِسَبِيلِ التَّعْلِيقِ ؛ لِأَنَّ التَّنْجِيزَ هُوَ الْأَصْلُ لِكَوْنِهِ سَبَبًا فِي الْحَالِ وَالتَّعْلِيقُ لَا يَكُونُ سَبَبًا مَا لَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ ؛ لِأَنَّ جُمْلَتَيْ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ بِمَنْزِلَةِ جُمْلَةٍ وَاحِدَةٍ ؛ لِأَنَّ جُمْلَةَ الشَّرْطِ لَا تُفِيدُ مَا لَمْ يَكُنْ مَعَهَا جُمْلَةُ الْجَزَاءِ ، وَالْأَصْلُ فِي الْجُمْلَةِ أَنْ تَكُونَ مُفِيدَةً بِنَفْسِهَا بِحَيْثُ يَصِحُّ السُّكُوتُ عَلَيْهَا وَالتَّنْجِيزُ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ لَا التَّعْلِيقُ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْحَلِفَ بِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ يَمِينٌ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالْفُقَهَاءِ جَمِيعًا أَمَّا التَّعْلِيقُ بِالشَّرْطِ فَيَمِينٌ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ وَلَا تُسَمِّيهِ أَهْلُ اللُّغَةِ يَمِينًا ا هـ . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ مُضَافًا إلَيْهِ) قَالَ الرَّازِيّ التَّعْلِيقُ إذَا كَانَ فِي الْمِلْكِ أَوْ مُضَافًا إلَى الْمِلْكِ أَوْ سَبَبِهِ يَقَعُ الطَّلَاقُ بَعْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَهُوَ الزِّيَادَةُ فِي الْأَوَّلِ وَالنِّكَاحُ أَوْ مِلْكُهُ فِي الثَّانِي ا هـ فَقَدْ جَعَلَهُ كَمَا تَرَى عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ إمَّا فِي الْمِلْكِ أَوْ مُضَافًا إلَى الْمِلْكِ أَوْ مُضَافًا إلَى سَبَبِهِ وَالْمُصَنِّفُ جَعَلَ التَّعْلِيقَ عَلَى قِسْمَيْنِ إمَّا فِي الْمِلْكِ أَوْ مُضَافًا لَهُ وَمَثَّلَ لِلْمُضَافِ لِلْمِلْكِ بِإِنْ نَكَحْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ وَأَفَادَ الشَّارِحُ بِأَنَّ هَذَا لَيْسَ مُضَافًا لِلْمِلْكِ بَلْ لِسَبَبِهِ وَهُوَ النِّكَاحُ فَحِينَئِذٍ لَمْ يُمَثِّلْ بِمَا هُوَ مُضَافٌ لِلْمِلْكِ وَيَصِحُّ أَنْ يُمَثِّلَ لَهُ بِمَا لَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ إنْ دَخَلْت فِي عِصْمَتِي فَأَنْتِ طَالِقٌ .
(قَوْلُهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ بَعْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ) هَذَا إذَا ذَكَرَ الرَّابِطَ وَهِيَ الْفَاءُ أَمَّا لَوْ لَمْ يَذْكُرْهُ بِأَنْ قَالَ إنْ زُرْت أَنْتِ طَالِقٌ يَقَعُ فِي الْحَالِ لِعَدَمِ صِحَّةِ التَّعْلِيقِ وَسَيَجِيءُ هَذَا فِي كَلَامِ الشَّارِحِ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْمَتْنِ وَلَا فِي أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ .
(قَوْلُهُ وَلَكِنَّهُ عَلَّقَهُ بِالْمِلْكِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَاعْلَمْ أَنَّ تَعْلِيقَ الطَّلَاقِ بِالْمِلْكِ أَوْ بِسَبَبِ الْمِلْكِ يَصِحُّ عِنْدَنَا وَالتَّعْلِيقُ بِالْمِلْكِ كَقَوْلِهِ إنْ مَلَكْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ وَالتَّعْلِيقُ بِسَبَبِ الْمِلْكِ كَقَوْلِهِ إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ ا هـ مَعَ حَذْفٍ .
(قَوْلُهُ صَحَّ) أَيْ ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ هُوَ الْجَهَالَةُ فَإِذَا خُصَّ ارْتَفَعَتْ فَيَصِحُّ . ا هـ . كَافِي

(2/231)


؛ لِأَنَّ فِي التَّعْمِيمِ سَدَّ بَابَ النِّكَاحِ عَلَى نَفْسِهِ فَلَا يَصِحُّ أَمَّا إذَا قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي حَيْثُ يَصِحُّ وَيَصِيرُ مُظَاهِرًا إذَا تَزَوَّجَ مَعَ الْعُمُومِ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ تَرْتَفِعُ بِكَفَّارَةٍ فَلَا سَدَّ فِيهِ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَصِحُّ هَذَا التَّعْلِيقُ أَصْلًا وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا نَذْرَ لِابْنِ آدَمَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ وَلَا طَلَاقَ لِابْنِ آدَمَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ وَلَا بَيْعَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَسُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ} [الأحزاب : 49] شَرَعَ اللَّهُ الطَّلَاقَ بَعْدَ النِّكَاحِ فَلَا طَلَاقَ قَبْلَهُ ، وَلِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ التَّنْجِيزَ لِعَدَمِ الْمَحَلِّ فَلَا يَمْلِكُ التَّعْلِيقَ بِالْمِلْكِ كَمَا لَا يَمْلِكُ التَّعْلِيقَ بِغَيْرِهِ مِنْ الشُّرُوطِ ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَحَلَّ شَرْطٌ لِلطَّلَاقِ كَالْأَهْلِيَّةِ فَكَمَا لَا يَجُوزُ التَّعْلِيقُ مِنْ غَيْرِ الْأَهْلِ بِالْأَهْلِيَّةِ كَالصَّبِيِّ يَقُولُ إذَا بَلَغْت فَامْرَأَتِي طَالِقٌ فَكَذَا فِي غَيْرِ الْمَحَلِّ فَصَارَ كَبَيْعِ مَا لَا يَمْلِكُ كَالطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ ثُمَّ مَلَكَهُ ، وَلِأَنَّهُ يُضَادُّ الْمَقْصُودَ مِنْ النِّكَاحِ وَهُوَ التَّوَالُدُ فَلَا يُشْرَعُ أَصْلًا وَلَنَا أَنَّ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ يَمِينٌ فَلَا تَتَوَقَّفُ صِحَّتُهُ عَلَى وُجُودِ مِلْكِ الْمَحَلِّ كَالْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى ، وَهَذَا لِأَنَّ الْيَمِينَ تَصَرُّفٌ مِنْ الْحَالِفِ فِي ذِمَّةِ نَفْسِهِ ؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ الْبِرَّ عَلَى نَفْسِهِ وَالْمَحْلُوفُ بِهِ لَيْسَ بِطَلَاقٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ طَلَاقًا إلَّا بَعْدَ الْوُصُولِ إلَى الْمَحَلِّ وَمَا لَمْ يَصِلْ فَهُوَ يَمِينٌ وَاشْتِرَاطُ قِيَامِ الْمِلْكِ لِأَجْلِ الطَّلَاقِ لَا لِأَجْلِ الْحَلِفِ لَكِنَّ الْمَحْلُوفَ بِهِ سَيَصِيرُ طَلَاقًا عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ بِوُصُولِهِ إلَى الْمَحَلِّ وَعِنْدَ ذَلِكَ الْمِلْكِ وَاجِبٌ ، وَلِهَذَا لَا يُكْرَهُ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ التَّعْلِيقُ وَلَوْ كَانَ إيقَاعًا يُكْرَهُ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ طَلَاقًا لِلْحَالِ لَا يُشْتَرَطُ لَهُ الْمَحَلُّ كَمَنْ قَالَ إنْ مَلَكْت عَبْدًا فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتِقَهُ ، وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يُطَلِّقَ فَعَلَّقَ الطَّلَاقَ بِالشَّرْطِ لَا يَحْنَثُ ، وَلَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَحْلِفَ يَحْنَثُ ، وَلَوْ كَانَ طَلَاقًا لَحَنِثَ بِالتَّعْلِيقِ فَعُلِمَ أَنَّهُ يَمِينٌ وَالْيَمِينُ تُعْقَدُ لِلْمَنْعِ أَوْ الْحَمْلِ إذَا احْتَمَلَ وُجُودَ الْمِلْكِ عِنْدَ الشَّرْطِ لِيَكُونَ مُحَقَّقًا عِنْدَ وُقُوعِ الْجَزَاءِ وَهُنَا الْمِلْكُ لَازِمٌ عِنْدَهُ فَكَانَ أَوْلَى بِالْجَوَازِ وَنَظِيرُهُ مِنْ الْحِسِّيَّاتِ الرَّمْيُ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِقَتْلٍ لَا يَكُونُ مَانِعًا مَا هُوَ قَتْلٌ وَلَا مُؤَخِّرًا لَهُ بَلْ يَكُونُ مَانِعًا مَا سَيَصِيرُ قَتْلًا إذَا وَصَلَ إلَى الْمَحَلِّ وَمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمْ يَصِحَّ قَالَهُ أَحْمَدُ ، وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ رُوِيَ مِنْ طُرُقٍ مُجْتَنَبَةٍ بِمَرَّةٍ ، وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ أَخْبَارُهُمْ لَيْسَ لَهَا أَصْلٌ فِي الصِّحَّةِ فَلَا يَشْتَغِلُ بِهَا وَلَئِنْ صَحَّ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى التَّنْجِيزِ وَالتَّأْوِيلُ مَنْقُولٌ عَنْ السَّلَفِ كَمَكْحُولٍ وَسَالِمٍ وَالشَّعْبِيِّ وَالزُّهْرِيِّ وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْآيَةِ إذْ الْمُطْلَقُ يَنْصَرِفُ إلَى الْكَامِلِ وَالْبَيْعُ كَالطَّلَاقِ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي الْمِلْكِ فَيَكُونُ لَغْوًا قَبْلَ الْمِلْكِ بِخِلَافِ الْيَمِينِ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لَهُ الْمِلْكُ وَهُوَ الْمَوْجُودُ هُنَا وَالْأَهْلِيَّةُ شَرْطٌ لِجَمِيعِ التَّصَرُّفَاتِ وَالْيَمِينُ مِنْهَا فَلَا يَجُوزُ مِنْ صَبِيٍّ . وَقَوْلُهُ لَا يَمْلِكُ التَّنْجِيزَ لِعَدَمِ الْمِلْكِ فَلَا يَمْلِكُ التَّعْلِيقَ يَبْطُلُ بِمَا إذَا قَالَ لِجَارِيَتِهِ إنْ وَلَدْت وَلَدًا فَهُوَ حُرٌّ حَيْثُ تَعْتِقُ إذَا وَلَدَتْ وَإِنْ كَانَ لَا يَمْلِكُ التَّنْجِيزَ فِي الْوَلَدِ الْمَعْدُومِ وَقْتَ الْيَمِينِ . وَحَاصِلُ الْخِلَافِ أَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ لَا يَنْعَقِدُ سَبَبًا لِلْحَالِ وَأَثَّرَ التَّعْلِيقُ فِي إعْدَامِهِ إلَى زَمَانِ وُجُودِ الشَّرْطِ عِنْدَنَا فَلَا يَكُونُ طَلَاقًا قَبْلَهُ فَلَا يُشْتَرَطُ الْمِلْكُ لَهُ وَعِنْدَهُ يَنْعَقِدُ سَبَبًا وَأَثَّرَ التَّعْلِيقُ فِي تَأْخِيرِ الْحُكْمِ فَكَانَ إيقَاعًا فِي الْحَالِ فَيُشْتَرَطُ لَهُ الْمِلْكُ وَقَدْ عُرِفَ الدَّلِيلُ فِي مَوْضِعِهِ وَلَا يُقَالُ لَوْ جُنَّ بَعْدَ التَّعْلِيقِ وَوُجِدَ الشَّرْطُ وَهُوَ مَجْنُونٌ تَطْلُقُ ، وَلَوْ كَانَ إيقَاعًا عِنْدَهُ لَمَا طَلُقَتْ لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ هُوَ إيقَاعٌ حُكْمًا وَالْمَجْنُونُ أَهْلٌ لِذَلِكَ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ عِنِّينًا أَوْ مَجْبُوبًا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَيُجْعَلُ طَلَاقًا وَكَذَا إذَا أَسْلَمَتْ امْرَأَتُهُ وَعَرَضَ الْإِسْلَامَ عَلَى أَبَوَيْهِ وَأَبَيَا ، وَكَذَا إذَا مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ عَتَقَ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ أَهْلًا لَهُ حُكْمًا وَقَوْلُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنَّ فِي التَّعْمِيمِ سَدَّ بَابِ النِّكَاحِ لَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْسَدُّ عَلَيْهِ بَابُهُ ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ كُلٍّ تَقْتَضِي التَّعْمِيمَ دُونَ التَّكْرَارِ فَيُمْكِنُهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بَعْدَ مَا وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا . وَقَوْلُهُ فَيَقَعُ بَعْدَهُ أَيْ بَعْدَ الشَّرْطِ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْحُكْمَ يَتَأَخَّرُ عَنْهُ وَهُوَ الْمُخْتَارُ ؛ لِأَنَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ وَعِنْدَ ذَلِكَ الْمِلْكُ وَاجِبٌ) أَيْ ثَابِتٌ ا هـ . (قَوْلُهُ ، وَلِهَذَا لَا يُكْرَهُ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ التَّعْلِيقُ) أَيْ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ الْحَائِضِ إذَا طَهُرْت فَأَنْتِ طَالِقٌ كَانَ هَذَا إطْلَاقًا لِلسُّنَّةِ وَإِنْ كَانَ لَا يَمْلِكُ تَنْجِيزَهُ فِي الْحَالِ . ا هـ . كِفَايَةٌ . (قَوْلُهُ فَعَلَّقَ الطَّلَاقَ بِالشَّرْطِ لَا يَحْنَثُ) ذَكَرَ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي بَابِ طَلَاقِ الْمَرِيضِ لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يُطَلِّقَ بَعْدَ مَا عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِشَرْطٍ ثُمَّ وُجِدَ الشَّرْطُ لَا يَحْنَثُ فَرَاجِعْهُ ا هـ . (قَوْلُهُ ، وَلَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَحْلِفَ يَحْنَثُ) هَذَا إذَا عَلَّقَهُ بِغَيْرِ الْمَشِيئَةِ ، أَمَّا إذَا عَلَّقَهُ بِالْمَشِيئَةِ بِأَنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَحْنَثُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَيَحْنَثُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ كَمَا سَيَجِيءُ عِنْدَ قَوْلِهِ وَفِي أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ . (قَوْلُهُ وَالشَّعْبِيُّ) اسْمُهُ عَامِرُ بْنُ شَرَاحِيلَ وَهُوَ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ . (قَوْلُهُ وَالزُّهْرِيُّ) هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ ا هـ وَيُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ بَعْدَ قَوْلِهِ وَالزُّهْرِيُّ وَغَيْرُهُمْ ا هـ فَإِنَّهُمْ قَالُوا كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يُطَلِّقُونَ قَبْلَ التَّزَوُّجِ تَنْجِيزًا وَيَعُدُّونَ ذَلِكَ طَلَاقًا فَنَفَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ بِقَوْلِهِ «لَا طَلَاقَ قَبْلَ النِّكَاحِ» ا هـ . (قَوْلُهُ وَلَا يُقَالُ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثُمَّ إنَّمَا وَقَعَ الطَّلَاقُ عَقِيبَ الشَّرْطِ فِي تَعْلِيقِ طَلَاقِ امْرَأَتِهِ ؛ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ كَالْمُنَجَّزِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ فَإِنْ قُلْت لَوْ كَانَ الْمُعَلَّقُ كَالْمُنَجَّزِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ لَمَا وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَى امْرَأَةِ الرَّجُلِ إذَا عَلَّقَ فِي حَالِ الصِّحَّةِ ثُمَّ وُجِدَ الشَّرْطُ فِي حَالِ جُنُونِهِ ؛ لِأَنَّ الْمَجْنُونَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلتَّنْجِيزِ قُلْت إنَّمَا وَقَعَ ذَلِكَ حُكْمًا لِكَلَامٍ صَدَرَ مِنْ الْعَاقِلِ الْبَالِغِ فَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَثْبُتُ ضِمْنًا وَلَا يَثْبُتُ قَصْدًا وَضِمْنِيَّاتُ الشَّيْءِ لَا تُعَلَّلُ ، وَلِهَذَا إذَا مَلَكَ أَقَارِبَهُ يَعْتِقُونَ عَلَيْهِ حُكْمًا لِصِحَّةِ مِلْكِ الْقَرِيبِ وَإِنْ كَانَ لَا يَصِحُّ إعْتَاقُ الْمَجْنُونِ ابْتِدَاءً ، وَكَذَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ بِسَبَبِ الْجَبِّ وَالْعُنَّةِ وَالْفُرْقَةُ طَلَاقٌ حُكْمًا لِصِحَّةِ تَفْرِيقِ الْقَاضِي وَإِنْ كَانَ لَا يَصِحُّ طَلَاقُهُ ابْتِدَاءً ا هـ ..

(2/232)


الطَّلَاقَ الْمُقَارِنَ لِلنِّكَاحِ لَا يَقَعُ ، وَلِهَذَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مَعَ نِكَاحِك أَوْ فِي نِكَاحِك لَا يَقَعُ ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ يُنَافِي النِّكَاحَ فَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَثْبُتَ الشَّيْءُ مَنْفِيًّا ، وَلِهَذَا لَوْ قَالَ لَهَا تَزَوَّجْتُك عَلَى أَنَّك طَالِقٌ صَحَّ النِّكَاحُ وَلَمْ يَقَعْ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ اعْتِبَارُهُ بَدَلًا أَوْ شَرْطًا ؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ يُقَارِنُ وَالشَّرْطَ يَتَقَدَّمُ فَلَغَا هَذَا الشَّرْطُ وَصَحَّ النِّكَاحُ بِخِلَافِ الْمُضَافِ حَيْثُ يَقَعُ مُقَارِنًا لِلْوَقْتِ الْمُضَافِ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْمُضَافَ سَبَبٌ لِلْحَالِ وَالْمُعَلَّقُ يَكُونُ سَبَبًا عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ فَيَتَأَخَّرُ الْحُكْمُ عَنْهُ ضَرُورَةً وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْمُضِيفَ يُرِيدُ الْحُكْمَ وَالْمُعَلِّقَ يُرِيدُ انْتِفَاءَهُ ؛ لِأَنَّ غَرَضَهُ الْمَنْعُ مِنْ إيجَادِ الْحُكْمِ . وَقَوْلُهُ أَوْ مُضَافًا إلَى الْمِلْكِ الْمُرَادُ التَّعْلِيقُ بِهِ ثُمَّ إنْ كَانَ التَّعْلِيقُ بِالْمِلْكِ بِصَرِيحِ الشَّرْطِ ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ إنْ تَزَوَّجْتُك وَنَحْوَهُ كَانَ مُعَلَّقًا كَيْفَمَا كَانَ وَإِنْ كَانَ بِمَعْنَى الشَّرْطِ ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ الْمَرْأَةُ الَّتِي أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ فَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ إذَا كَانَتْ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ . وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ مُعَيَّنَةٍ ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ هَذِهِ الَّتِي أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ فَلَا يَصِحُّ حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَهَا لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ لِأَنَّهُ عَرَّفَهَا بِالْإِشَارَةِ وَلَا يُرَاعَى فِيهَا الصِّفَةُ وَهِيَ التَّزَوُّجُ فَبَقِيَ قَوْلُهُ هَذِهِ الْمَرْأَةُ طَالِقٌ . وَأَمَّا الْفَصْلُ الْأَوَّلُ وَهُوَ مَا إذَا كَانَ الْحَالِفُ مَالِكًا فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ لِامْرَأَتِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ لِأَنَّ الْمِلْكَ قَائِمٌ فِي الْحَالِ وَالظَّاهِرُ بَقَاؤُهُ إلَى وَقْتِ الشَّرْطِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي كُلِّ ثَابِتٍ اسْتِمْرَارُهُ خُصُوصًا فِي النِّكَاحِ الَّذِي هُوَ عَقْدُ عُمُرٍ فَصَحَّ يَمِينًا عِنْدَنَا وَإِيقَاعًا عِنْدَهُ .

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَلَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ إنْ زُرْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَنَكَحَهَا فَزَارَتْ لَمْ تَطْلُقْ) ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى تَطْلُقُ ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ وَقْتُ وُجُودِ الشَّرْطِ لِكَوْنِهِ يَصِلُ إلَى الْمَحَلِّ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَالْمِلْكُ مَوْجُودٌ عِنْدَهُ فَيَقَعُ الطَّلَاقُ وَلَا مَعْنَى لِاشْتِرَاطِهِ قَبْلَهُ ، وَلِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ كَالْمُرْسَلِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ فَيَكُونُ كَأَنَّهُ أَرْسَلَهُ فِيهِ وَلَنَا أَنَّ الْجَزَاءَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ ظَاهِرًا أَوْ لَازِمًا لِيَكُونَ مُخِيفًا فَتُوجَدُ ثَمَرَةُ الْيَمِينِ فِيهِ وَذَلِكَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ إذَا كَانَ مَالِكًا أَوْ أَضَافَهُ إلَى الْمِلْكِ فَلَا يَنْعَقِدُ بِدُونِهِمَا وَلَا يُقَالُ يُضْمَرُ لَهُ الْمِلْكُ فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ إنْ تَزَوَّجْتُك وَدَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّ الْيَمِينَ مَذْمُومٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلافٍ مَهِينٍ} [القلم : 10] فَلَا يَحْتَاجُ لِتَصْحِيحِهِ فَيَتَحَقَّقُ عَدَمُ الْمَحْلُوفِ بِهِ فَبَطَلَ وَلَا يَنْقَلِبُ صَحِيحًا بَعْدَ ذَلِكَ بِوُجُودِ الْمِلْكِ ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ بَاطِلًا وَالْإِضَافَةُ إلَى سَبَبِ الْمِلْكِ كَالْإِضَافَةِ إلَى الْمِلْكِ ، وَقَالَ بِشْرٌ الْمَرِيسِيِّ لَا تَصِحُّ إضَافَتُهُ إلَى سَبَبِ الْمِلْكِ ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ عَقِيبَ سَبَبِهِ وَالْجَزَاءَ يَقَعُ عَقِيبَ شَرْطِهِ فَلَوْ صَحَّ تَعْلِيقُهُ بِهِ لَكَانَ الطَّلَاقُ مُقَارِنًا لِثُبُوتِ الْمِلْكِ وَالطَّلَاقُ الْمُقَارِنُ لِثُبُوتِ الْمِلْكِ أَوْ لِزَوَالِهِ لَا يَقَعُ كَمَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مَعَ نِكَاحِك أَوْ مَعَ مَوْتِي أَوْ مَعَ مَوْتِك بِخِلَافِ مَا إذَا عَلَّقَهُ بِالْمِلْكِ ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ شَرْطًا فَيَتَقَدَّمُ وَالطَّلَاقُ يَتَأَخَّرُ فَلَا يُؤَدِّي إلَى الْمَحْظُورِ وَالْجَوَابُ عَنْهُ قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَمْلُ الْكَلَامِ عَلَى الصِّحَّةِ أَوْلَى مِنْ إلْغَائِهِ فَيَكُونُ قَدْ ذَكَرَ السَّبَبَ وَأَرَادَ بِهِ الْمُسَبَّبَ فَيَكُونُ تَقْدِيرُ قَوْلِهِ إنْ تَزَوَّجْتُك إنْ مَلَكْتُك .

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَلْفَاظُ الشَّرْطِ إنْ وَإِذَا وَإِذَا مَا وَكُلُّ وَكُلَّمَا وَمَتَى وَمَتَى مَا) لِأَنَّ الشَّرْطَ مُشْتَقٌّ مِنْ الشَّرْطِ الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى الْعَلَامَةِ وَمِنْهُ أَشْرَاطُ السَّاعَةِ أَيْ عَلَامَاتُهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا} [محمد : 18] فَسُمِّيَتْ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ بِهِ لِاقْتِرَانِهَا بِالْفِعْلِ الَّذِي هُوَ عَلَامَةُ الْحِنْثِ ؛ لِأَنَّ الْجَزَاءَ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِمَا هُوَ عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ وَهُوَ الْأَفْعَالُ دُونَ الْأَسْمَاءِ لِاسْتِحَالَةِ مَعْنَى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ ، وَلِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي جَوَابِهِ قُلْت الْمُعَلَّقُ إنَّمَا يَكُونُ كَالْمُنَجَّزِ إذَا صَحَّ التَّعْلِيقُ وَلَا نُسَلِّمُ صِحَّةَ التَّعْلِيقِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ ا هـ . (قَوْلُهُ ظَاهِرًا أَوْ لَازِمًا) أَيْ غَالِبُ الْوُجُودِ أَوْ مُتَيَقَّنُ الْوُجُودِ ا هـ . (قَوْلُهُ لِيَكُونَ مُخِيفًا) أَيْ بِوُقُوعِ الْجَزَاءِ ا هـ . (قَوْلُهُ وَلَا يُقَالُ يُضْمَرُ لَهُ الْمِلْكُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فَإِنْ قُلْتَ لِمَ لَمْ يُدْرِجْ فِي كَلَامِهِ التَّزَوُّجَ تَصْحِيحًا لِكَلَامِ الْعَاقِلِ بِأَنْ يُقَدِّرَ إنْ تَزَوَّجْتُك وَدَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ؟ قُلْتُ كَلَامُهُ صَحِيحٌ بِدُونِ تَقْدِيرِ التَّزَوُّجِ ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ مَا أَفَادَ الْمُسْتَمِعَ وَقَدْ أَفَادَ ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ وَجَزَاءٌ ، غَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّ الشَّارِعَ مَا أَثْبَتَ حُكْمَهُ لِعَدَمِ شَرْطِهِ وَذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ الْكَلَامِ وَأَيْضًا يَلْزَمُ مِنْ إدْرَاجِهِ التَّكَلُّفُ فِي إثْبَاتِ الطَّلَاقِ وَهُوَ أَبْغَضُ الْمُبَاحَاتِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَجُوزُ التَّكَلُّفُ فِي إثْبَاتِ مَا كَانَ بَغِيضًا فَافْهَمْ ا هـ مَعَ حَذْفٍ . (قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ) أَيْ بِدُونِ الْمِلْكِ أَوْ سَبَبِهِ ا هـ . (قَوْلُهُ وَالْجَزَاءُ يَقَعُ عَقِيبَ شَرْطِهِ) أَيْ وَالشَّرْطُ هُنَا التَّزَوُّجُ ا هـ ..

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَأَلْفَاظُ الشَّرْطِ إلَخْ) وَإِنَّمَا قَالَ أَلْفَاظُ الشَّرْطِ وَلَمْ يَقُلْ حُرُوفَ الشَّرْطِ ؛ لِأَنَّ إنْ هُوَ الْحَرْفُ وَحْدَهُ وَالْأَلْفَاظُ الْبَاقِيَةُ أَسْمَاءٌ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الشَّرْطَ عِبَارَةٌ عَنْ أَمْرٍ مُنْتَظَرٍ عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ يُقْصَدُ نَفْيُهُ وَإِثْبَاتُهُ كَقَوْلِك إنْ زُرْتَنِي أَكْرَمْتُك وَإِنْ لَمْ تَشْتُمْنِي أَحْبَبْتُك فَعَلِمْت مِنْ هَذَا أَنَّ كَلِمَةَ إنْ هِيَ الشَّرْطُ فِي بَابِ الشَّرْطِ لِدُخُولِهِ عَلَى الْفِعْلِ وَفِيهِ خَطَرٌ بِخِلَافِ سَائِرِ الْأَلْفَاظِ فَإِنَّهَا تَدْخُلُ عَلَى الِاسْمِ وَلَيْسَ فِيهِ خَطَرٌ وَإِنَّمَا الْمُجَازَاةُ بِهَا بِاعْتِبَارِ تَضَمُّنِهَا مَعْنَى إنْ وَكَانَ يَنْبَغِي عَلَى هَذَا أَنْ لَا يُسْتَعْمَلَ كُلٌّ فِي الْمُجَازَاةِ لِدُخُولِهِ عَلَى الِاسْمِ خَاصَّةً إلَّا أَنَّ الِاسْمَ الَّذِي يَتَعَقَّبُهُ يُوصَفُ بِفِعْلٍ لَا مَحَالَةَ فَيَكُونُ ذَلِكَ الْفِعْلُ فِي مَعْنَى الشَّرْطِ كَقَوْلِك كُلُّ عَبْدٍ أَشْتَرِيهِ فَهُوَ حُرٌّ وَكُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ فَأَلْحَقَ كُلَّ بِحَرْفِ الشَّرْطِ وَلِلْمُجَازَاةِ أَسْمَاءٌ تَقَعُ مَوْقِعَ إنْ وَهِيَ ظُرُوفٌ وَغَيْرُ ظُرُوفٍ فَالظُّرُوفُ مَتَى وَأَيْنَ وَأَنَّى وَأَيُّ وَحَيْثُ وَحَيْثُمَا وَإِذْ مَا وَلَا يُجَازَى بِحَيْثُ وَلَا بِإِذَا حَتَّى يَلْزَمَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا وَغَيْرُ الظُّرُوفِ مَا وَمِنْ وَأَيُّ فَإِنْ قُلْت قَدْ اسْتَدْلَلْت عَلَى كَوْنِ إنْ أَصْلًا فِي بَابِ الشَّرْطِ بِدُخُولِهَا عَلَى الْفِعْلِ وَفِيهِ خَطَرٌ وَقَدْ جَاءَ دُخُولُهَا عَلَى الِاسْمِ أَيْضًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ} [التوبة : 6] وَقَوْلِهِ {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ} [النساء : 176] فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ أَصْلًا قُلْت الْفِعْلُ فِيهِ مُضْمَرٌ يُفَسِّرُهُ الظَّاهِرُ فَافْهَمْ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ

(2/233)


الْخَطَرِ فِيهَا وَالْأَصْلُ فِيهَا إنْ وَهِيَ صَرْفُ الشَّرْطِ وَمَا وَرَاءَهَا مُلْحَقٌ بِهَا لِمَا فِيهَا مِنْ مَعْنَى الشَّرْطِ ؛ لِأَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى الْوَقْتِ الَّذِي هُوَ عَلَمٌ عَلَيْهِ وَكَلِمَةُ كُلٍّ وَإِنْ كَانَتْ تَدْخُلُ عَلَى الْأَسْمَاءِ لَكِنَّهَا جُعِلَتْ مِنْهَا ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ الَّذِي تَدْخُلُ عَلَيْهِ يُلَازِمُهُ الْفِعْلُ فَكَانَتْ مِنْهَا بِهَذَا الِاعْتِبَارِ وَمِنْ جُمْلَةِ أَلْفَاظِ الشَّرْطِ لَوْ وَمِنْ وَأَيْ وَأَيَّانَ وَأَيْنَ وَأَنَّى ثُمَّ الْجَوَابُ إذَا تَأَخَّرَ عَنْ الشَّرْطِ يَكُونُ بِالْفَاءِ إنْ لَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ الشَّرْطُ لَا لَفْظًا وَلَا مَعْنًى وَذَلِكَ فِي سَبْعِ مَوَاضِعَ نَظَمُوهَا مَوْزُونًا فِي قَوْلِهِ
طَلَبِيَّةٌ وَاسْمِيَّةٌ وَبِجَامِدٍ ... وَبِمَا وَلَنْ وَبِقَدْ وَبِالتَّنْفِيسِ

وَإِنْ تَقَدَّمَ فَلَا تَدْخُلُ فِيهِ الْفَاءُ وَاخْتَلَفُوا فِيهِ هَلْ هُوَ الْجَزَاءُ أَوْ يُقَدَّرُ بَعْدَ الشَّرْطِ مِنْ جِنْسِهِ فَإِذَا عَرَفْنَا هَذَا فَنَقُولُ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ أَنْتِ طَالِقٌ طَلُقَتْ لِلْحَالِ لِعَدَمِ الرَّابِطِ وَهُوَ الْفَاءُ فَإِنْ نَوَى تَعْلِيقَهُ يُدَيَّنُ ، وَكَذَا إنْ نَوَى تَقْدِيمَهُ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يَتَنَجَّزُ حَمْلًا لِكَلَامِهِ عَلَى الْفَائِدَةِ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ إلْغَائِهِ فَيُضْمِرُ الْفَاءَ كَقَوْلِهِ
مَنْ يَفْعَلْ الْحَسَنَاتِ اللَّهُ يَشْكُرُهَا ... الشَّرُّ بِالشَّرِّ عِنْدَ اللَّهِ مِثْلَانِ
، وَهَذَا يَبْطُلُ بِمَا إذَا أَجَابَ بِالْوَاوِ فَإِنَّهُ يَتَنَجَّزُ وَيَلْغُو الشَّرْطُ مَعَ أَنَّهُ يُمْكِنُ تَعْلِيقُهُ حَتَّى لَوْ نَوَاهُ يُدَيَّنُ وَفِي الْحُكْمِ رِوَايَتَانِ ذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ
وَلَوْ أَخَّرَ الشَّرْطَ وَأَدْخَلَ الْفَاءَ فِي الشَّرْطِ لَا رِوَايَةَ فِيهِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ يَتَنَجَّزُ ؛ لِأَنَّ الْفَاءَ فَاصِلَةٌ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ يَتَعَلَّقُ ؛ لِأَنَّ الْفَاءَ حَرْفُ تَعْلِيقٍ ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَتَنَجَّزُ لِعَدَمِ ذِكْرِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا ؛ لِأَنَّ ذِكْرَهُ بَيَانُ إرَادَتِهِ التَّعْلِيقَ ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ دَخَلْت الدَّارَ يَتَنَجَّزُ لِعَدَمِ التَّعْلِيقِ وَالصِّفَةُ الْمُعْتَبَرَةُ كَالشَّرْطِ ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ الْمَرْأَةُ الَّتِي أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ أَوْ الْمَرْأَةُ الَّتِي تَدْخُلُ الدَّارَ طَالِقٌ وَذَلِكَ فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنَةِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَفِيهَا إنْ وُجِدَ الشَّرْطُ انْتَهَتْ الْيَمِينُ) يَعْنِي فِي الْأَلْفَاظِ الَّتِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا إذَا وُجِدَ الشَّرْطُ انْتَهَتْ الْيَمِينُ وَانْحَلَّتْ ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُقْتَضِيَةٍ لِلْعُمُومِ وَالتَّكْرَارِ لُغَةً فَبِوُجُودِ الْفِعْلِ مَرَّةً يَتِمُّ الشَّرْطُ وَلَا بَقَاءَ لِلْيَمِينِ بِدُونِ الشَّرْطِ ، وَذَكَرَ فِي الْغَايَةِ رَجُلٌ قَالَ لِنِسْوَةٍ لَهُ مَنْ دَخَلَ مِنْكُنَّ الدَّارَ فَهِيَ طَالِقٌ فَدَخَلَتْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ مِرَارًا طَلُقَتْ بِكُلِّ مَرَّةٍ تَطْلِيقَةً ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ وَهُوَ الدُّخُولُ أُضِيفَ إلَى جَمَاعَةٍ فَيُرَادُ بِهِ تَعْمِيمُ الْفِعْلِ عُرْفًا مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا} [المائدة : 95] أَفَادَ الْعُمُومَ وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِمَا ذُكِرَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ إذَا قَالَ الْإِمَامُ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ فَقَتَلَ وَاحِدٌ قَتِيلَيْنِ فَلَهُ سَلَبُهُمَا وَفِيهِ إشْكَالٌ ؛ لِأَنَّ عُمُومَ الصَّيْدِ لِكَوْنِ الْوَاجِبِ فِيهِ مُقَدَّرًا بِقِيمَةِ الْمَقْتُولِ وَفِي السَّلَبِ بِدَلَالَةِ حَالِهِ وَهُوَ أَنَّ مُرَادَهُ التَّشْجِيعُ وَكَثْرَةُ الْقَتْلِ وَذَهَبَ بَعْضُ النَّاسِ إلَى أَنَّ مَتَى تَقْتَضِي التَّكْرَارَ وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِقَوْلِ الشَّاعِرِ
مَتَى تَأْتِهِ تَعْشُو إلَى ضَوْءِ نَارِهِ ... تَجِدْ خَيْرَ نَارٍ عِنْدَهَا خَيْرُ مُوقِدِ
، وَقَالَ آخَرُ

مَتَى تَأْتِنَا تَلْمُمْ بِنَا فِي دِيَارِنَا ... تَجِدْ حَطَبًا جَزْلًا وَنَارًا تَأَجَّجَا

وَفِي الْمُحِيطِ وَجَوَامِعِ الْفِقْهِ لَوْ قَالَ أَيَّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ فَهُوَ عَلَى امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ بِخِلَافِ كُلِّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا حَيْثُ يَعُمُّ الصِّفَةَ وَهُوَ أَيْضًا مُشْكِلٌ حَيْثُ لَمْ يَعُمَّ قَوْلُهُ أَيَّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا بِعُمُومِ الصِّفَةِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إلَّا فِي كُلَّمَا لِاقْتِضَائِهِ عُمُومَ الْأَفْعَالِ كَاقْتِضَاءِ كُلٍّ عُمُومَ الْأَسْمَاءِ) ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ كُلَّمَا وَكُلَّ تُفِيدُ عُمُومَ مَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ غَيْرَ أَنَّ كُلَّمَا تَدْخُلُ عَلَى الْأَفْعَالِ وَكُلَّ تَدْخُلُ عَلَى الْأَسْمَاءِ فَيُفِيدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عُمُومَ مَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ} [المائدة : 64] ، وَقَالَ تَعَالَى {وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلا} [الإسراء : 12] فَإِذَا وُجِدَ فِعْلٌ وَاحِدٌ أَوْ اسْمٌ وَاحِدٌ فَقَدْ وُجِدَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ فَانْحَلَّتْ الْيَمِينُ فِي حَقِّهِ وَفِي حَقِّ غَيْرِهِ مِنْ الْأَفْعَالِ وَالْأَسْمَاءُ بَاقِيَةٌ عَلَى حَالِهَا فَيَحْنَثُ كُلَّمَا وُجِدَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ فِيهِمَا لَا إلَى نِهَايَةٍ وَلَا يُقَالُ إذَا كَانَتْ الْيَمِينُ بِكُلَّمَا فَتَكَرَّرَ الشَّرْطُ حَتَّى بَانَتْ بِثَلَاثٍ ثُمَّ عَادَتْ إلَيْهِ بَعْدَ زَوْجٍ فَوُجِدَ الشَّرْطُ لَا يَقَعُ شَيْءٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ وَالْأَصْلُ فِيهَا إنْ) أَيْ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ ا هـ رَازِيٌّ . (قَوْلُهُ إنْ لَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ الشَّرْطُ) أَرَادَ بِالشَّرْطِ أَدَاةَ الشَّرْطِ وَحَيْثُ لَمْ يَصِحَّ الْجَوَابُ أَنْ يَكُونَ شَرْطًا لَمْ تُؤَثِّرْ أَدَاةُ الشَّرْطِ فِيهِ . (قَوْلُهُ وَذَلِكَ فِي سَبْعِ مَوَاضِعَ) أَيْ كَوْنُهُ بِالْفَاءِ ا هـ . (قَوْلُهُ طَلَبِيَّةٌ وَاسْمِيَّةٌ إلَخْ) مِثَالُ الطَّلَبِيَّةِ {إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي} [آل عمران : 31] {فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ} [الأنعام : 150] وَمِثَالُ الِاسْمِيَّةِ {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ} [المائدة : 118] وَمِثَالُ الْفِعْلِيَّةِ الْجَامِدَةِ {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ} [البقرة : 271] {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ} [آل عمران : 28] وَمِثَالُ الْمَقْرُونَةِ بِمَا {فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ} [يونس : 72] وَمِثَالُ الْمَقْرُونَةِ بِلَنْ {وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ} [آل عمران : 115] وَمِثَالُ الْمَقْرُونَةِ بِقَدْ {إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ} [يوسف : 77] وَمِثَالُ الْمَقْرُونَةِ بِتَنْفِيسٍ {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ} [التوبة : 28] ا هـ .
(قَوْلُهُ وَذَلِكَ فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنَةِ) أَمَّا الْمُعَيَّنَةُ فَلَا تَصِحُّ ا هـ . (قَوْلُهُ فَيَحْنَثُ كُلَّمَا وُجِدَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ فِيهِمَا لَا إلَى نِهَايَةٍ) بِخِلَافِ سَائِرِ أَلْفَاظِ الشَّرْطِ فَإِنَّهَا تَدُلُّ عَلَى جِنْسِ الْفِعْلِ لَا التَّكْرَارِ وَجِنْسُ الْفِعْلِ يَتَحَقَّقُ فِي الْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ فَإِذَا وُجِدَ الْفِعْلُ مَرَّةً انْحَلَّتْ الْيَمِينُ وَلَا يَقَعُ الْجَزَاءُ إذَا وُجِدَ الْفِعْلُ ثَانِيًا لِارْتِفَاعِ الْيَمِينِ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ . (قَوْلُهُ وَلَا يُقَالُ إذَا كَانَتْ الْيَمِينُ بِكُلَّمَا) أَيْ كَمَا إذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ كُلَّمَا دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ا هـ

(2/234)


وَكَذَا إذَا كَانَتْ بِكُلٍّ فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً حَتَّى طَلُقَتْ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا شَيْءٌ فَكَيْفَ تَصِحُّ دَعْوَاهُمْ لَا إلَى نِهَايَةٍ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ كَلِمَةُ كُلَّمَا تَقْتَضِي عُمُومَ الْأَفْعَالِ وَعُمُومُ الْأَسْمَاءِ ضَرُورِيٌّ
فَإِذَا وُجِدَ الْفِعْلُ مَرَّةً حَنِثَ وَانْحَلَّتْ الْيَمِينُ فِي حَقِّهِ وَلَا يُتَصَوَّرُ عَوْدُ ذَلِكَ الْفِعْلِ بَعْدَ ذَلِكَ وَبَقِيَتْ فِي حَقِّ غَيْرِهِ فَيَحْنَثُ كُلَّمَا وُجِدَ فِعْلٌ لِأَنَّهُ غَيْرُ الْأَوَّلِ غَيْرَ أَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ طَلْقَاتُ هَذَا الْمِلْكِ وَهِيَ مُتَنَاهِيَةٌ فَيَتَنَاهَى لِأَجْلِ ذَلِكَ لَا ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ لَا يَقْتَضِيهِ حَتَّى لَوْ أَضَافَهُ إلَى سَبَبِ الْمِلْكِ بِأَنْ قَالَ كُلَّمَا تَزَوَّجْت امْرَأَةً فَهِيَ طَالِقٌ تَكَرَّرَ دَائِمًا لِأَنَّ انْعِقَادَهَا بِاعْتِبَارِ مَا سَيَحْدُثُ مِنْ الْمِلْكِ وَذَلِكَ لَا نِهَايَةَ لَهُ وَكَلِمَةُ كُلٍّ تَقْتَضِي عُمُومَ الْأَسْمَاءِ وَعُمُومُ الْأَفْعَالِ ضَرُورِيٌّ فَإِذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً حَنِثَ وَانْحَلَّتْ الْيَمِينُ فِي حَقِّهَا وَبَقِيَتْ فِي حَقِّ غَيْرِهَا فَإِذَا تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ لِعَدَمِ تَجَدُّدِ الِاسْمِ
وَإِذَا تَزَوَّجَ غَيْرَهَا حَنِثَ لِبَقَاءِ الْيَمِينِ فِي حَقِّهَا ، وَكَذَا إذَا تَزَوَّجَ أُخْرَى وَأُخْرَى بَعْدَ أُخْرَى يَقَعُ إلَى مَا لَا يَتَنَاهَى

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَلَوْ قَالَ كُلَّمَا تَزَوَّجْت امْرَأَةً يَحْنَثُ بِكُلِّ امْرَأَةٍ ، وَلَوْ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ) ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ هَذَا الْيَمِينِ بِاعْتِبَارِ مَا سَيَحْدُثُ مِنْ الْمِلْكِ وَهُوَ غَيْرُ مُتَنَاهٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ عَلَى رِوَايَةِ الْمُنْتَقَى إذَا قَالَ كُلَّمَا تَزَوَّجْت امْرَأَةً فَهِيَ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً طَلُقَتْ فَإِذَا تَزَوَّجَهَا ثَانِيًا لَمْ تَطْلُقْ وَلَا يَحْنَثُ فِي امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ مَرَّتَيْنِ فَجَعَلَهَا كَكَلِمَةِ كُلٍّ وَلَوْ كَانَتْ الْيَمِينُ عَلَى امْرَأَةٍ مُعَيَّنَةٍ بِأَنْ قَالَ كُلَّمَا تَزَوَّجْتُك أَوْ كُلَّمَا تَزَوَّجْت فُلَانَةَ تَكَرَّرَ دَائِمًا وَاسْتَوْضَحَ ذَلِكَ بِمَا إذَا قَالَ كُلَّمَا اشْتَرَيْت هَذَا الثَّوْبَ فَهُوَ صَدَقَةٌ أَوْ كُلَّمَا رَكِبْت هَذِهِ الدَّابَّةَ فَعَلَيَّ صَدَقَةُ كَذَا يَلْزَمُهُ بِكُلِّ مَرَّةٍ مَا الْتَزَمَ ، وَلَوْ قَالَ كُلَّمَا اشْتَرَيْت ثَوْبًا أَوْ كُلَّمَا رَكِبْت دَابَّةً فَعَلَيَّ كَذَا لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً وَفِي الْأَوَّلِ وَهُوَ مَا إذَا قَالَ لَهَا كُلَّمَا دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ خِلَافَ زُفَرَ حَيْثُ يَتَكَرَّرُ عِنْدَهُ دَائِمًا ، وَلَوْ بَعْدَ زَوْجٍ ؛ لِأَنَّ كُلَّمَا تَعُمُّ الْأَفْعَالَ وَقَدْ صَحَّ التَّعْلِيقُ فَلَا يُشْتَرَطُ لِبَقَائِهِ الْمِلْكُ وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهِ ابْتِدَاءً لِيَكُونَ الْجَزَاءُ مُخِيفًا بِوُجُودِهِ ظَاهِرًا عِنْدَ الْحِنْثِ ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ لَا يَكُونُ طَلَاقًا وَلَا سَبَبًا لَهُ قَبْلَ وُجُودِهِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ صَحَّ التَّعْلِيقُ بِالْمِلْكِ فِي الْمُطَلَّقَةِ الثَّلَاثِ لِتَحَقُّقِهِ عِنْدَ الشَّرْطِ وَلِحُصُولِ فَائِدَةِ الْيَمِينِ مِنْ الْإِخَافَةِ مَعَ أَنَّ الْمِلْكَ مَعْدُومٌ بَلْ الْحِلُّ الْأَصْلِيُّ مَعْدُومٌ فَلَأَنْ يَبْقَى بَعْدَ الِانْعِقَادِ أَوْلَى وَجَوَابُهُ أَنَّ التَّعْلِيقَ بِاعْتِبَارِ الْمِلْكِ الْمَوْجُودِ وَلَمْ يَبْقَ فَيَبْطُلُ التَّعْلِيقُ بِخِلَافِ الْمُسْتَشْهَدِ بِهِ ؛ لِأَنَّ انْعِقَادَهُ بِاعْتِبَارِ مَا سَيَحْدُثُ مِنْ الْمَالِكِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَنَظِيرُهُ مَا لَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ حُرَّةٌ ثُمَّ أَعْتَقَهَا بَطَلَ التَّعْلِيقُ حَتَّى لَوْ ارْتَدَّتْ وَلَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ اُسْتُرِقَّتْ لَا تَعْتِقُ بِدُخُولِهَا الدَّارَ بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَهَا حَيْثُ لَا يَبْطُلُ التَّعْلِيقُ حَتَّى لَوْ مَلَكَهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَدَخَلَتْ الدَّارَ تَعْتِقُ .

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَزَوَالُ الْمِلْكِ بَعْدَ الْيَمِينِ لَا يُبْطِلُهَا) لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ وَالْجَزَاءُ بَاقٍ لِبَقَاءِ مَحَلِّهِ فَتَبْقَى الْيَمِينُ وَالْمُرَادُ زَوَالُهُ بِطَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ طَلْقَتَيْنِ أَمَّا إذَا زَالَ بِثَلَاثِ طَلْقَاتٍ فَإِنَّهُ يُزِيلُهَا إلَّا إذَا كَانَتْ مُضَافَةً إلَى سَبَبِ الْمِلْكِ فَحِينَئِذٍ لَا تَبْطُلُ بِالثَّلَاثِ ؛ لِأَنَّ صِحَّتَهَا بِاعْتِبَارِ مِلْكٍ سَيَحْدُثُ عَلَى مَا مَرَّ مِنْ قَبْلُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ وُجِدَ الشَّرْطُ فِي الْمِلْكِ طَلَقَتْ وَانْحَلَّتْ) ؛ لِأَنَّهُ وُجِدَ الشَّرْطُ وَالْمَحَلُّ قَابِلٌ لِلْجَزَاءِ فَيَنْزِلُ وَلَمْ تَبْقَ الْيَمِينُ ؛ لِأَنَّ بَقَاءَهَا بِبَقَاءِ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ وَلَمْ يَبْقَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِلَّا لَا وَانْحَلَّتْ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ فِي الْمِلْكِ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ وَتَنْحَلُّ الْيَمِينُ وَمُرَادُهُ إذَا وُجِدَ الشَّرْطُ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ أَمَّا بِمُجَرَّدِ عَدَمِ الشَّرْطِ فِي الْمِلْكِ لَا تَنْحَلُّ الْيَمِينُ وَإِنَّمَا تَنْحَلُّ بِوُجُودِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ تَكَرَّرَ دَائِمًا) أَيْ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ إلَّا إذَا كَانَ الرَّجُلُ مَالِكًا لِلطَّلَاقِ أَوْ مُضِيفًا لَهُ إلَى الْمِلْكِ أَوْ إلَى سَبَبِ الْمِلْكِ وَقَدْ مَرَّ بَيَانُ ذَلِكَ فَيَكُونُ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ كَالْمُنَجِّزِ لِلطَّلَاقِ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ . (قَوْلُهُ وَكَلِمَةُ كُلٍّ تَقْتَضِي عُمُومَ الْأَسْمَاءِ إلَخْ) قَالَ فِي الْكَافِي . وَأَمَّا كُلٌّ فَتَسْتَدْعِي عُمُومَ الْأَسْمَاءِ فَلَا يَتَكَرَّرُ الْحِنْثُ بِتَكَرُّرِ الْفِعْلِ لِأَنَّ كَلِمَةَ التَّعْمِيمِ لَمْ تَدْخُلْ عَلَيْهِ فَلَوْ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَ نِسْوَةً طَلُقْنَ ، وَلَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِرَارًا لَمْ تَطْلُقْ إلَّا مَرَّةً ا هـ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ) قَالَ الرَّازِيّ فِي شَرْحِهِ ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ هَذَا الْيَمِينِ بِاعْتِبَارِ مَا سَيَحْدُثُ مِنْ الْمِلْكِ وَهُوَ غَيْرُ مُتَنَاهٍ فِي حَقِّ غَيْرِ الْمُطَلَّقَةِ وَفِي حَقِّهَا مُتَنَاهٍ إلَى اسْتِيفَاءِ طَلْقَاتِ هَذَا الْمِلْكِ عِنْدَنَا ، فَقَوْلُهُ فِي حَقِّ غَيْرِ الْمُطَلَّقَةِ صَوَابُهُ فِي حَقِّ غَيْرِ الْمَنْكُوحَةِ وَفِي حَقِّهَا أَيْ حَقِّ الْمَنْكُوحَةِ مُتَنَاهٍ إلَى اسْتِيفَاءِ طَلْقَاتِ هَذَا الْمِلْكِ فَإِذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ كُلَّمَا دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَتَكَرَّرَ الشَّرْطُ حَتَّى بَانَتْ بِثَلَاثٍ ثُمَّ عَادَتْ إلَيْهِ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ فَوُجِدَ الشَّرْطُ لَا يَقَعُ شَيْءٌ خِلَافًا لِزُفَرَ كَمَا قَرَّرَهُ الشَّارِحُ ، وَلَوْ قَالَ كُلَّمَا تَزَوَّجْت امْرَأَةً فَهِيَ طَالِقٌ تَكَرَّرَ دَائِمًا ، وَلَوْ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَتْنِ فَظَهَرَ لَك أَنَّ مَا قَالَهُ الرَّازِيّ فِيهِ نَظَرٌ وَصَوَابُهُ مَا قُلْنَاهُ فَتَأَمَّلْهُ ا هـ ..

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَزَوَالُ الْمِلْكِ بَعْدَ الْيَمِينِ لَا يُبْطِلُهَا) أَيْ كَمَا إذَا قَالَ لَهَا إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ أَبَانَهَا تَبْقَى الْيَمِينُ وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ تَنْعَقِدُ وَتَصِحُّ مَعَ عَدَمِ الْمِلْكِ ابْتِدَاءً كَمَا إذَا قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَلَأَنْ تَصِحَّ مَعَ عَدَمِ الْمِلْكِ بَقَاءً أَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْبَقَاءَ أَسْهَلُ مِنْ الِابْتِدَاءِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَإِنْ وُجِدَ الشَّرْطُ فِي الْمِلْكِ) أَيْ ، مِثْلُ أَنْ تَزَوَّجَهَا ثَانِيًا ثُمَّ وُجِدَ الشَّرْطُ وَهُوَ دُخُولُ الدَّارِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ . (قَوْلُهُ وَلَمْ يَبْقَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا) أَيْ ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ لَا يَدُلُّ عَلَى التَّكْرَارِ فَبِوُجُودِ الشَّرْطِ مَرَّةً انْتَهَتْ الْيَمِينُ بِخِلَافِ كَلِمَةِ كُلَّمَا وَقَدْ مَرَّ بَيَانُهَا . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِلَّا لَا وَانْحَلَّتْ) مِثْلُ مَا إذَا وُجِدَ دُخُولُ الدَّارِ بَعْدَ زَوَالِ الْمِلْكِ قَبْلَ التَّزَوُّجِ ثَانِيًا . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ .

(2/235)


فِي غَيْرِ الْمِلْكِ لِوُجُودِ الشَّرْطِ حَقِيقَةً وَلَا يَقَعُ شَيْءٌ لِعَدَمِ الْمَحَلِّيَّةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي وُجُودِ الشَّرْطِ فَالْقَوْلُ لَهُ) أَيْ لِلزَّوْجِ لِأَنَّهُ مُتَمَسِّكٌ بِالْأَصْلِ فَكَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لَهُ ، وَلِأَنَّهُ يُنْكِرُ وُقُوعَ الطَّلَاقِ وَهِيَ تَدَّعِيهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ
وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ لَهَا إنْ لَمْ تَدْخُلِي هَذِهِ الدَّارَ الْيَوْمَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَتْ لَمْ أَدْخُلْهَا ، وَقَالَ الزَّوْجُ بَلْ دَخَلْتهَا فَالْقَوْلُ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ الْمُنْكِرُ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ وَزَوَالِ الْمِلْكِ وَإِنْ كَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لَهَا وَهُوَ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الدُّخُولِ ، وَلِأَنَّ الزَّوْجَ يُنْكِرُ السَّبَبَ ؛ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ يَصِيرُ سَبَبًا عِنْدَ الشَّرْطِ فَكَانَ الْقَوْلُ لَهُ وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ إنْ لَمْ أُجَامِعْك فِي حَيْضِك فَالْقَوْلُ لَهُ مَعَ أَنَّ الظَّاهِرَ يَشْهَدُ لَهَا وَهُوَ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ وَأَنَّ الْحُرْمَةَ أَيْضًا تَمْنَعُهُ مِنْ الْوِقَاعِ وَلَوْ قَالَ لَهَا إنْ لَمْ أُجَامِعْك فِي حَيْضِك فَأَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ ثُمَّ قَالَ جَامَعْتُك فَإِنْ كَانَتْ حَائِضًا فَالْقَوْلُ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْإِنْشَاءَ فَلَا يُتَّهَمُ وَإِنْ كَانَتْ طَاهِرًا لَا يُصَدَّقُ ؛ لِأَنَّهُ يُرِيدُ إبْطَالَ حُكْمٍ وَاقِعٍ فِي الظَّاهِرِ لِوُجُودِ وَقْتِ السُّنَّةِ
وَقَدْ اعْتَرَفَ بِالسَّبَبِ ؛ لِأَنَّ الْمُضَافَ سَبَبٌ لِلْحَالِ لِكَوْنِهِ يُرِيدُ كَوْنَهُ بِخِلَافِ الْمُعَلَّقِ حَيْثُ يَتَأَخَّرُ سَبَبُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُرِيدُ كَوْنَهُ فَيَكُونُ مُنْكِرًا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إلَّا إذَا بَرْهَنَتْ) أَيْ إذَا أَقَامَتْ بَيِّنَةً ؛ لِأَنَّهَا نَوَّرَتْ دَعْوَاهَا بِالْحُجَّةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَا لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْهَا فَالْقَوْلُ لَهَا فِي حَقِّهَا كَإِنْ حِضْت فَأَنْتِ طَالِقٌ وَفُلَانَةُ أَوْ إنْ كُنْت تُحِبِّينِي فَأَنْتِ طَالِقٌ وَفُلَانَةُ فَقَالَتْ حِضْت أَوْ أُحِبُّك طَلُقَتْ هِيَ فَقَطْ) أَيْ إذَا عَلَّقَهُ بِمَا لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ جِهَتِهَا كَقَوْلِهِ إنْ حِضْت فَأَنْتِ طَالِقٌ وَفُلَانَةُ أَوْ قَالَ إنْ كُنْت تُحِبِّينِي فَأَنْتِ طَالِقٌ وَفُلَانَةُ فَقَالَ حِضْت أَوْ أُحِبُّك طَلُقَتْ هِيَ وَحْدَهَا وَلَمْ تَطْلُقْ فُلَانَةَ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا بِقَوْلِهَا لِأَنَّهَا تَدَّعِي شَرْطَ الْحِنْثِ عَلَى الزَّوْجِ وَوُقُوعَ الطَّلَاقِ وَهُوَ مُنْكِرٌ فَيَكُونُ الْقَوْلُ لَهُ وَلَا تُصَدَّقُ إلَّا بِحُجَّةٍ كَغَيْرِهِ مِنْ الشُّرُوطِ
وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَذَا أَمْرٌ لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْ قِبَلِهَا وَقَدْ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ فَيَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تُخْبِرَ كَيْ لَا يَقَعَا فِي الْحَرَامِ إذْ الِاجْتِنَابُ عَنْهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِمَا شَرْعًا فَيَجِبُ طَرِيقُهُ وَهُوَ الْإِخْبَارُ فَتَعَيَّنَتْ لَهُ فَيَجِبُ قَبُولُ قَوْلِهَا لِيَخْرُجَ عَنْ عُهْدَةِ الْوَاجِبِ ، وَلِأَنَّهَا مَأْمُورَةٌ بِالْإِظْهَارِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ} [البقرة : 228] ، وَلَوْ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهَا لَمْ يَكُنْ لِلْإِخْبَارِ فَائِدَةٌ ، وَلِهَذَا قُبِلَ قَوْلُهَا فِي حَقِّ الْعِدَّةِ وَالْغَشَيَانِ حَتَّى انْقَطَعَتْ الرَّجْعَةُ بِقَوْلِهَا انْقَضَتْ عِدَّتِي وَيَحِلُّ لَهَا التَّزَوُّجُ بِالثَّانِي وَيَحْرُمُ غَشَيَانُهَا وَهُوَ الْوَطْءُ بِقَوْلِهَا أَنَا حَائِضٌ وَيَحِلُّ بِقَوْلِهَا قَدْ طَهُرْت لَكِنَّهَا شَاهِدَةٌ فِي حَقِّ ضَرَّتِهَا بَلْ هِيَ مُتَّهَمَةٌ فَلَا ضَرُورَةَ فِي حَقِّهَا فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا حَتَّى يُعْلَمَ أَنَّهَا حَاضَتْ حَقِيقَةً
وَلَا يُمْتَنَعُ أَنْ يُقْبَلَ قَوْلُ شَخْصٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى نَفْسِهِ دُونَ غَيْرِهِ كَأَحَدِ الْوَرَثَةِ إذَا أَقَرَّ بِدَيْنٍ عَلَى الْمَيِّتِ لِرَجُلٍ وَكَالْمُشْتَرِي إذَا أَقَرَّ بِالْمَبِيعِ لِلْمُسْتَحِقِّ ، وَكَذَا لَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ لِكَلَامٍ وَاحِدٍ جِهَتَانِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ شَهَادَةَ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ تُقْبَلُ فِي السَّرِقَةِ لِوُجُوبِ الضَّمَانِ لَا الْحَدِّ وَإِنَّمَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا إذَا أَخْبَرَتْ وَالْحَيْضُ قَائِمٌ فَإِذَا انْقَطَعَ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا ؛ لِأَنَّهُ ضَرُورِيٌّ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ قِيَامُ الشَّرْطِ
وَلَوْ قَالَ إنْ حِضْت حَيْضَةً تُقْبَلُ فِي الطُّهْرِ الَّذِي يَلِي الْحَيْضَةَ ؛ لِأَنَّهُ الشَّرْطُ فَلَا يُقْبَلُ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ هَذَا إذَا كَذَّبَهَا الزَّوْجُ . وَأَمَّا إذَا صَدَّقَهَا فَتَطْلُقُ ضَرَّتُهَا أَيْضًا لِثُبُوتِ الْحَيْضِ فِي حَقِّهَا بِتَصْدِيقِهِ ، وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ إذَا حِضْتُمَا فَأَنْتُمَا طَالِقَانِ فَقَالَتَا حِضْنَا لَمْ تَطْلُقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُمَا وَإِنْ صَدَّقَ إحْدَاهُمَا وَكَذَّبَ الْأُخْرَى طَلُقَتْ الْمُكَذَّبَةُ وَإِنْ كُنَّ ثَلَاثًا فَقَالَ إنْ حِضْتُنَّ فَأَنْتُنَّ طَوَالِقُ فَقُلْنَ حِضْنَا لَمْ تَطْلُقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُنَّ
وَكَذَا إنْ صَدَّقَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ وَإِنْ صَدَّقَ ثِنْتَيْنِ وَكَذَّبَ وَاحِدَةً
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي وُجُودِ الشَّرْطِ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ يُوقَفُ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ غَيْرِهَا كَدُخُولِ الدَّارِ مَثَلًا أَمَّا إذَا كَانَ الشَّرْطُ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْهَا فَحُكْمُهُ يُعْرَفُ مِمَّا بَعْدَهُ . (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ مُتَمَسِّكٌ بِالْأَصْلِ) أَيْ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الشَّرْطِ وَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَتَمَسَّكُ بِالْأَصْلِ . ا هـ . كَافِي . (قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ إنْ لَمْ أُجَامِعْك فِي حَيْضِك) ثُمَّ قَالَ جَامَعْتُك وَأَنْكَرَتْ ا هـ . (قَوْلُهُ مَعَ أَنَّ الظَّاهِرَ يَشْهَدُ لَهَا) أَيْ مِنْ وَجْهَيْنِ ا هـ . (قَوْلُهُ كَأَحَدِ الْوَرَثَةِ إذَا أَقَرَّ بِدَيْنٍ عَلَى الْمَيِّتِ لِرَجُلٍ) أَيْ فَيَقْتَصِرُ عَلَى نَصِيبِهِ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ الْبَاقُونَ . ا هـ . فَتْحٌ . (قَوْلُهُ وَكَالْمُشْتَرِي إذَا أَقَرَّ بِالْمَبِيعِ لِلْمُسْتَحِقِّ) أَيْ لَا يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ . ا هـ . فَتْحٌ ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ لَا يَنْفُذُ عَلَيْهِ ا هـ .
(قَوْلُهُ فَإِذَا انْقَطَعَ لَا يُقْبَلُ) أَيْ بِأَنْ قَالَتْ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ حِضْت وَطَهُرْت فَلَا تُصَدَّقُ إذَا كَذَّبَهَا الزَّوْجُ ؛ لِأَنَّهَا أَخْبَرَتْ عَمَّا هُوَ الشَّرْطُ حَالَ فَوَاتِهِ . (قَوْلُهُ وَلَا بَعْدَهُ) أَيْ حَتَّى لَوْ قَالَتْ بَعْدَ مُدَّةٍ حِضْت وَطَهُرْت وَأَنَا الْآنَ حَائِضٌ بِحَيْضَةٍ أُخْرَى لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا وَلَا يَقَعُ ؛ لِأَنَّهَا أَخْبَرَتْ عَنْ الشَّرْطِ حَالَ عَدَمِهِ وَلَا يَقَعُ إلَّا إذَا أَخْبَرَتْ عَنْ الطُّهْرِ بَعْدَ انْقِضَاءِ هَذِهِ الْحَيْضَةِ فَحِينَئِذٍ يَقَعُ ؛ لِأَنَّهَا جُعِلَتْ أَمِينَةً شَرْعًا فِيمَا تُخْبِرُ مِنْ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ ضَرُورَةَ إقَامَةِ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهِمَا فَلَا تَكُونُ مُؤْتَمَنَةً حَالَ عَدَمِ تِلْكَ الْأَحْكَامِ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إذَا كَذَّبَهَا الزَّوْجُ . ا هـ . كَمَالٌ . (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ إذَا حِضْتُمَا إلَى آخِرِهِ) أَيْ وَلَوْ قَالَ لَهُمَا إذَا حِضْتُمَا حَيْضَةً أَوْ وَلَدْتُمَا وَلَدًا فَأَنْتُمَا طَالِقَانِ فَحَاضَتْ أَوْ وَلَدَتْ إحْدَاهُمَا طَلُقَتَا ؛ لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ إحْدَاهُمَا لِاسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِهِمَا فِي حَيْضَةٍ وَاحِدَةٍ وَوَلَدٍ وَاحِدٍ ، ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِي بَابِ الصَّرْفِ فِي مَسْأَلَةِ السَّيْفِ الْمُحَلَّى ا هـ .
(قَوْلُهُ لَمْ تَطْلُقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُمَا) ، وَكَذَا إذَا قَالَ إنْ وَلَدْتُمَا يُعْتَبَرُ وُجُودُ الْوِلَادَةِ مِنْهُمَا ا هـ . (قَوْلُهُ طَلُقَتْ الْمُكَذَّبَةُ) لِوُجُودِ الشَّرْطِ فِي حَقِّهَا وَهُوَ حَيْضُهَا الثَّابِتُ بِإِقْرَارِهَا وَحَيْضُ ضَرَّتِهَا الثَّابِتُ بِإِقْرَارِهَا وَحَيْضُ ضَرَّتِهَا الثَّابِتُ بِتَصْدِيقِ الزَّوْجِ وَلَا تَطْلُقُ الْمُصَدَّقَةُ لِعَدَمِ وُجُودِ الشَّرْطِ حَيْثُ لَمْ يُقِرَّ الزَّوْجُ بِحَيْضِ ضَرَّتِهَا ، وَإِقْرَارُ ضَرَّتِهَا بِالْحَيْضِ مَقْبُولٌ فِي حَقِّ الْمُخْبِرَةِ لَا غَيْرُ ا هـ

(2/236)


طَلُقَتْ الْمُكَذَّبَةُ وَإِنْ كُنَّ أَرْبَعًا وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا لَمْ يَطْلُقْنَ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُنَّ ، وَكَذَا إنْ صَدَّقَ وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ وَإِنْ صَدَّقَ ثَلَاثًا وَكَذَّبَ وَاحِدَةً طَلُقَتْ الْمُكَذَّبَةُ وَحْدَهَا دُونَ الْمُصَدَّقَاتِ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ حَيْضَ جَمِيعِهِنَّ شَرْطٌ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَيْهِنَّ وَلَمْ تَطْلُقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ حَتَّى يَرَى جَمِيعُهُنَّ الْحَيْضَ وَإِنْ حَاضَتْ بَعْضُهُنَّ يَكُونُ ذَلِكَ بَعْضَ الْعِلَّةِ وَهِيَ لَا يَثْبُتُ بِهَا الْحُكْمُ فَإِنْ قُلْنَ جَمِيعًا قَدْ حِضْنَ لَا يَثْبُتُ حَيْضُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ إلَّا فِي حَقِّهَا وَلَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ غَيْرِهَا فَلَمْ يَتِمَّ الشَّرْطُ فِي حَقِّ غَيْرِهَا إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهَا فَيَثْبُتُ فِي حَقِّ الْجَمِيعِ
وَإِنْ صَدَّقَ الْبَعْضَ وَكَذَّبَ الْبَعْضَ يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَتْ الْمُكَذَّبَةُ وَاحِدَةً طَلُقَتْ هِيَ وَحْدَهَا لِتَمَامِ الشَّرْطِ فِي حَقِّهَا ؛ لِأَنَّ قَوْلَهَا مَقْبُولٌ فِي حَقِّ نَفْسِهَا وَقَدْ صَدَّقَ غَيْرَهَا فَتَمَّ الشَّرْطُ فِيهَا وَلَا يُطَلِّقُ غَيْرَهَا ؛ لِأَنَّ الْمُكَذَّبَةَ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي حَقِّ غَيْرِهَا فَلَمْ يَتِمُّ الشَّرْطُ فِي حَقِّ غَيْرِهَا وَإِنْ كَذَّبَ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ لَمْ تَطْلُقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُكَذَّبَاتِ لَمْ يَثْبُتْ حَيْضُهَا إلَّا فِي حَقِّ نَفْسِهَا فَكَانَ الْمَوْجُودُ بَعْضَ الْعِلَّةِ وَلَا يُطَلِّقُ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ حَتَّى يُصَدِّقَ غَيْرَهَا جَمِيعًا ، وَكَذَا إذَا قَالَ لَهَا إنْ كُنْت تُحِبِّينَ أَنْ يُعَذِّبَك اللَّهُ بِنَارِ جَهَنَّمَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَفُلَانَةُ وَعَبْدِي حُرٌّ فَقَالَتْ أُحِبُّ طَلُقَتْ وَلَمْ تَطْلُقْ فُلَانَةَ وَلَمْ يَعْتِقْ الْعَبْدُ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ إنْ كُنْت تُحِبِّينِي أَوْ تُبْغِضِينِي لِأَنَّ الْمَحَبَّةَ أَمْرٌ بَاطِنٌ لَا يُوقَفُ عَلَيْهَا فَتَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهَا وَهُوَ الْإِخْبَارُ عَنْهَا وَإِنْ كَانَتْ كَاذِبَةً ؛ لِأَنَّ أَحْكَامَ الشَّرْعِ لَا تُنَاطُ بِمَعَانٍ خَفِيَّةٍ بَلْ بِمَعَانٍ جَلِيَّةٍ ،
أَلَا تَرَى أَنَّ الرُّخْصَ وَالْحَدَثَ وَالْجَنَابَةَ وَالِاسْتِبْرَاءَ وَتَوَجُّهَ الْخِطَابِ يُنَاطُ بِالسَّفَرِ وَالنَّوْمِ وَالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ وَحُدُوثِ الْمِلْكِ مَعَ الْيَدِ وَالْبُلُوغِ دُونَ الْمَشَقَّةِ وَخُرُوجِ النَّجَسِ وَالْإِنْزَالِ وَشَغْلِ الرَّحِمِ وَاعْتِدَالِ الْعَقْلِ حَقِيقَةً تَحْقِيقًا لِلْيُسْرِ الْمَرْضِيِّ وَدَفْعًا لِلْحَرَجِ الْمَنْفِيِّ إلَّا أَنَّهَا أَمِينَةٌ فِي حَقِّ نَفْسِهَا شَاهِدَةٌ فِي حَقِّ غَيْرِهَا وَشَهَادَةُ الْفَرْدِ مَرْدُودَةٌ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ فِي فِعْلِ نَفْسِهِ أَوْ فِيهِ تُهْمَةٌ فَتَعَلَّقَ الْحُكْمُ فِي حَقِّهَا بِإِخْبَارِهَا وَفِي غَيْرِهَا بِحَقِيقَةِ الْمَحَبَّةِ
فَإِنْ قِيلَ تَيَقَّنَّا بِكَذِبِهَا ؛ لِأَنَّ مَحَبَّةَ الْعَذَابِ أَمْرٌ تَأْبَاهُ الْعُقُولُ قُلْنَا احْتِمَالُ الصِّدْقِ فِي خَبَرِهَا ثَابِتٌ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَبْلُغُ بِهِ ضِيقُ الصَّدْرِ وَقِلَّةُ الصَّبْرِ وَسُوءُ الْحَالِ دَرَجَةً يُحِبُّ الْمَوْتَ فِيهَا فَجَازَ أَنْ يَحْمِلَهَا شِدَّةُ بُغْضِهَا إيَّاهُ عَلَى إيثَارِ الْعَذَابِ عَلَى صُحْبَتِهِ وَإِنْ قَالَ لَهَا إنْ كُنْت تُحِبِّينِي بِقَلْبِك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَتْ أُحِبُّك وَهِيَ كَاذِبَةٌ طَلُقَتْ قَضَاءً وَدِيَانَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ ؛ لِأَنَّ الْمَحَبَّةَ لَا تَكُونُ إلَّا بِالْقَلْبِ فَلَا يُفِيدُ تَقْيِيدُهَا بِهِ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا تَطْلُقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى إلَّا إذَا كَانَتْ صَادِقَةً ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْمَحَبَّةِ الْقَلْبُ وَاللِّسَانُ خَلَفٌ عَنْهُ وَالتَّقْيِيدُ بِالْأَصْلِ يُبْطِلُ الْخَلْفِيَّةَ وَنَحْنُ نَقُولُ لَا يُمْكِنُ الْوُقُوفُ عَلَى مَا فِي قَلْبِهَا فَنُقِلَ إلَى الْخَلَفِ مُطْلَقًا
وَذَكَرَ فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ مَسْأَلَةً تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَحَبَّةَ بِالْقَلْبِ لَا تُعْتَبَرُ وَإِنْ أَمْكَنَ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهَا وَهِيَ مَا إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ كُنْت أَنَا أُحِبُّ كَذَا ثُمَّ قَالَ لَسْت أُحِبُّهُ وَهُوَ كَاذِبٌ فِيهِ فَهِيَ امْرَأَتُهُ وَيَسَعُهُ أَنْ يَطَأَهَا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ ، وَهَذَا مُشْكِلٌ ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَعْرِفْ مَا فِي قَلْبِهَا حَقِيقَةً يَعْرِفُ مَا فِي قَلْبِهِ وَلَكِنَّ الطَّرِيقَ مَا قُلْنَا أَنَّهُ تَعَلَّقَ بِالْإِخْبَارِ كَيْفَمَا كَانَ
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ التَّعْلِيقَ بِالْمَحَبَّةِ كَالتَّعْلِيقِ بِالْحَيْضِ لَا يَفْتَرِقَانِ إلَّا فِي شَيْئَيْنِ أَحَدِهِمَا أَنَّ التَّعْلِيقَ بِالْمَحَبَّةِ يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ لِكَوْنِهِ تَخْيِيرًا حَتَّى لَوْ قَامَتْ ، وَقَالَتْ أُحِبُّك لَا تَطْلُقُ وَالتَّعْلِيقُ بِالْحَيْضِ لَا يَبْطُلُ بِالْقِيَامِ كَسَائِرِ التَّعْلِيقَاتِ وَالثَّانِي أَنَّهَا إذَا كَانَتْ كَاذِبَةً فِي الْإِخْبَارِ تَطْلُقُ فِي التَّعْلِيقِ بِالْمَحَبَّةِ لِمَا قُلْنَا وَفِي التَّعْلِيقِ بِالْحَيْضِ لَا تَطْلُقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى ، قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِرُؤْيَةِ الدَّمِ لَا يَقَعُ) يَعْنِي فِيمَا إذَا قَالَ لَهَا إنْ حِضْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَرَأَتْ الدَّمَ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ مُسْتَحَاضَةً فَلَا يَقَعُ بِالشَّكِّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ اسْتَمَرَّ ثَلَاثًا وَقَعَ مِنْ حِينِ رَأَتْ) أَيْ إنْ اسْتَمَرَّ الدَّمُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَقَعَ الطَّلَاقُ مِنْ حِينِ رَأَتْ الدَّمَ لِكَوْنِهِ بِالِامْتِدَادِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ مِنْ الرَّحِمِ فَكَانَ حَيْضًا مِنْ الِابْتِدَاءِ وَتَظْهَرُ ثَمَرَةُ الْإِسْنَادِ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ ، وَكَذَا إنْ صَدَّقَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ أَوْ ثِنْتَيْنِ) أَيْ لَمْ تَطْلُقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ . ا هـ . (فَرْعٌ) فِي الْجَامِعِ الْأَصْغَرِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ إذَا قَالَتْ الْمَرْأَةُ لِزَوْجِهَا شَيْئًا مِنْ السَّبِّ نَحْوَ قَرْطَبَانِ وَسَفَلَةٍ فَقَالَ إنْ كُنْت كَمَا قُلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلُقَتْ سَوَاءٌ كَانَ الزَّوْجُ كَمَا قَالَتْ أَوْ لَمْ يَكُنْ ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ فِي الْغَالِبِ لَا يُرِيدُ إلَّا أَنْ يُؤْذِيَهَا بِالطَّلَاقِ كَمَا آذَتْهُ ، وَقَالَ الْإِسْكَافُ فِيمَنْ قَالَتْ يَا قَرْطَبَانُ فَقَالَ زَوْجُهَا إنْ كُنْت أَنَا قَرْطَبَانَ فَأَنْتِ طَالِقٌ تَطْلُقُ وَإِنْ قَالَ أَرَدْت الشَّرْطَ يُصَدَّقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ ، وَنَصَّ بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّ فَتْوَى أَهْلِ بُخَارَى عَلَى الْمُجَازَاةِ دُونَ الشَّرْطِ . ا هـ . فَتْحٌ .
(قَوْلُهُ إنْ كُنْت تُحِبِّينِي أَوْ تُبْغِضِينِي) يَجُوزُ بِنُونِ الْعِمَادِ وَيَجُوزُ بِتَرْكِهِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِلَازِمٍ فِي الْمُضَارِعِ الَّذِي فِي آخِرِهِ نُونُ الْإِعْرَابِ وَقَدْ عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ . (قَوْلُهُ وَلَكِنَّ الطَّرِيقَ مَا قُلْنَا) أَيْ أَنَّ الْقَلْبَ مُتَقَلِّبٌ لَا يَثْبُتُ عَلَى شَيْءٍ فَالْوُقُوفُ عَلَى حَقِيقَةِ الْمَحَبَّةِ مُتَعَذِّرٌ وَالْأَحْكَامُ إنَّمَا تُنَاطُ بِالْأُمُورِ الظَّاهِرَةِ لَا الْخَفِيَّةِ كَالرُّخْصَةِ بِالسَّفَرِ وَالْحَدَثِ بِالنَّوْمِ وَالْجِنَايَةِ بِالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى قَلْبِهِ . ا هـ . فَتْحٌ . (قَوْلُهُ وَفِي التَّعْلِيقِ بِالْحَيْضِ لَا تَطْلُقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى) أَيْ حَتَّى لَوْ وَطِئَهَا الزَّوْجُ بَعْدَ هَذَا لَا يَلْحَقُهُ إثْمٌ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْمَحَبَّةِ .
(قَوْلُهُ فِيمَا إذَا قَالَ لَهَا إنْ حِضْت فَأَنْتِ طَالِقٌ إلَى آخِرِهِ) إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فِي حَيْضِك وَهِيَ حَائِضٌ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَحِيضَ أُخْرَى ؛ لِأَنَّهَا عِبَارَةٌ عَنْ دَوْرِ الدَّمِ وَتَرْكِهِ وَنُزُولِهِ لِوَقْتِهِ فَكَانَ فِعْلًا فَصَارَ شَرْطًا كَمَا فِي الدُّخُولِ وَالشَّرْطُ يُعْتَبَرُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَا فِي الْمَاضِي ا هـ مُحِيطٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَلَوْ كَانَتْ حَائِضًا لَمْ يَقَعْ حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ ، وَكَذَا لَوْ قَالَ لِطَاهِرَةٍ أَنْتِ

(2/237)


فَتَزَوَّجَتْ حِينَ رَأَتْ الدَّمَ أَوْ كَانَ الْمُعَلَّقُ بِالْحَيْضِ عِتْقَ عَبْدٍ فَجَنَى الْعَبْدُ أَوْ جُنِيَ عَلَيْهِ بَعْدَ مَا رَأَتْ الدَّمَ قَبْلَ أَنْ يَسْتَمِرَّ فَإِنَّهُ يَصِحُّ نِكَاحُهَا وَيُعْتَبَرُ فِي الْعَبْدِ جِنَايَةُ الْأَحْرَارِ .

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي إنْ حِضْت حَيْضَةً يَقَعُ حِينَ تَطْهُرُ) أَيْ فِي قَوْلِهِ لَهَا إنْ حِضْت حَيْضَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ تَطْلُقُ إذَا طَهُرَتْ مِنْ حَيْضِهَا وَذَلِكَ بِالِانْقِطَاعِ عَلَى الْعَشْرِ أَوْ بِمُضِيِّ الْعَشَرَةِ وَإِنْ لَمْ يَنْقَطِعْ أَوْ بِالِانْقِطَاعِ وَالِاغْتِسَالِ أَوْ بِمَا يَقُومُ مَقَامَ الِاغْتِسَالِ إذَا انْقَطَعَ دُونَ الْعَشَرَةِ ؛ لِأَنَّ الْحَيْضَةَ اسْمٌ لِلْكَامِلِ مِنْ الْحَيْضِ ، وَلِهَذَا حُمِلَ عَلَيْهِ فِي حَدِيثِ الِاسْتِبْرَاءِ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَلَا لَا تُوطَأُ الْحَبَالَى حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَلَا الْحَبَالَى حَتَّى يُسْتَبْرَأْنَ بِحَيْضَةٍ» ، وَكَذَا إذَا قَالَ إنْ حِضْت نِصْفَ حَيْضَةٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ ؛ لِأَنَّهَا اسْمٌ لِلْكَامِلِ وَهِيَ لَا تَتَجَزَّأُ بِخِلَافِ قَوْلِهِ إذَا حِضْت لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْجِنْسِ وَهُوَ الْحَيْضُ
وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ إنْ صُمْت أَوْ إنْ صُمْت صَوْمًا أَوْ إنْ صَلَّيْت أَوْ إنْ صَلَّيْت صَلَاةً وَعَنْ هَذَا قَالُوا فِيمَنْ قَالَ إنْ حِضْت حَيْضَةً لَا يَكُونُ الطَّلَاقُ بِدْعِيًّا لِأَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ بَعْدَ مَا طَهُرَتْ بِخِلَافِ قَوْلِهِ إنْ حِضْت .

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي إنْ وَلَدْت وَلَدًا ذَكَرًا فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَإِنْ وَلَدْت أُنْثَى فَثِنْتَيْنِ فَوَلَدَتْهُمَا وَلَمْ يُدْرَ الْأَوَّلُ تَطْلُقُ وَاحِدَةً قَضَاءً وَثِنْتَيْنِ تَنَزُّهًا وَمَضَتْ الْعِدَّةُ) أَيْ فِيمَا إذَا قَالَ لَهَا إنْ وَلَدْت غُلَامًا فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَإِنْ وَلَدْت جَارِيَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ فَوَلَدَتْ غُلَامًا وَجَارِيَةً وَلَمْ يُدْرَ الْأَوَّلُ تَلْزَمُهُ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ قَضَاءً وَفِي الِاحْتِيَاطِ ثِنْتَانِ تَنَزُّهًا وَقَدْ انْقَضَتْ الْعِدَّةُ لِأَنَّهُ يَمِينَانِ فَأَيَّهُمَا وَلَدَتْ أَوَّلًا يَحْنَثُ بِهِ وَيَقَعُ جَزَاؤُهُ فَتَكُونُ مُعْتَدَّةً وَانْقِضَاؤُهَا بِوَضْعِ الثَّانِي ؛ لِأَنَّهَا حَامِلٌ بِهِ فَإِذَا وَضَعَتْ الثَّانِيَ انْقَضَتْ الْعِدَّةُ وَانْحَلَّتْ الْيَمِينُ الْأُخْرَى بِهِ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَلَمْ يَقَعْ بِهِ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ الْمُقَارِنَ لِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لَا يَقَعُ
ثُمَّ إنْ كَانَ الْغُلَامُ أَوَّلًا وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ وَإِنْ كَانَ آخِرًا فَثِنْتَانِ فَالْوَاحِدَةُ مُتَيَقَّنٌ بِهَا فَتَلْزَمُهُ وَلَا تَلْزَمُهُ الزِّيَادَةُ بِالشَّكِّ وَالتَّنَزُّهُ أَنْ يَقَعَ ثِنْتَانِ لِاحْتِمَالِ وُقُوعِهِمَا بِتَقَدُّمِ الْجَارِيَةِ حَتَّى لَوْ طَلَّقَهُمَا وَاحِدَةً غَيْرَهَا أَوْ كَانَتْ أَمَةً لَا يَرُدُّهَا إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ لِاحْتِمَالِ تَقَدُّمِ الْجَارِيَةِ وِلَادَةً وَالْعِدَّةُ مُنْقَضِيَةٌ بِيَقِينٍ هَذَا إذَا لَمْ يَعْلَمَا أَيَّهُمَا الْأَوَّلَ وَإِنْ عَلِمَا الْأَوَّلَ مِنْهُمَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
طَالِقٌ إذَا طَهُرْت لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ . ا هـ . كَاكِيٌّ . (قَوْلُهُ أَوْ كَانَ الْمُعَلَّقُ بِالْحَيْضِ عِتْقُ عَبْدٍ إلَى آخِرِهِ) بِأَنْ قَالَ إنْ حِضْت فَعَبْدِي حُرٌّ ا هـ . (قَوْلُهُ وَيُعْتَبَرُ فِي الْعَبْدِ جِنَايَةُ الْأَحْرَارِ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَا تُحْتَسَبُ هَذِهِ الْحَيْضَةُ مِنْ الْعِدَّةِ ؛ لِأَنَّهَا بَعْضُ حَيْضَةٍ ؛ لِأَنَّهُ حِينَ كَانَ الشَّرْطُ رُؤْيَةَ الدَّمِ لَزِمَ أَنْ يَقَعَ الطَّلَاقُ بَعْدَ بَعْضِهَا ا هـ ..

(قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ الْحَيْضَةَ اسْمٌ لِلْكَامِلِ مِنْ الْحَيْضِ) وَكَمَالُهَا بِانْتِهَائِهَا وَذَلِكَ بِالطُّهْرِ ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ يَنْتَهِي بِضِدِّهِ . ا هـ . كَافِي وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ الْحَيْضَةَ إلَى آخِرِهِ مَا نَصُّهُ ؛ لِأَنَّ الْفَعْلَةَ لِلْمَرَّةِ وَالْمَرَّةُ مِنْ الْحَيْضِ لَا تَكُونُ إلَّا بِكَمَالِهِ وَكَمَالُهُ بِانْتِهَائِهِ وَانْتِهَاؤُهُ بِمَا قُلْنَا بِخِلَافِ قَوْلِهِ إنْ حِضْت إذْ لَيْسَ ثَمَّةَ مَا يَدُلُّ عَلَى الْكَمَالِ فَيَحْكُمُ بِالْوُقُوعِ مِنْ أَوَّلِ الْحَيْضِ لَكِنْ بَعْد مَا تَبَيَّنَ الدَّمُ حَيْضًا بِاسْتِمْرَارِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ، وَقَالُوا لَا يَكُونُ الْحَيْضُ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ الطَّلَاقُ فِي قَوْلِهِ إنْ حِضْت فَأَنْتِ طَالِقٌ مَحْسُوبًا مِنْ الْعِدَّةِ ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمَشْرُوطِ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ .
(قَوْلُهُ ، وَلِهَذَا حَمَلَ عَلَيْهِ إلَى آخِرِهِ) أَيْ لِأَجْلِ أَنَّ الْحَيْضَةَ هِيَ الشَّيْءُ الْكَامِلُ أَوْ الدَّمُ الْكَامِلُ مِنْ الْحَيْضَةِ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ إنْ صُمْت) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقَدِّرْهُ بِمِعْيَارٍ إذْ لَمْ يَقُلْ إذَا صُمْت يَوْمًا أَوْ شَهْرًا فَيَتَعَلَّقُ بِمَا يُسَمَّى صَوْمًا فِي الشَّرْعِ وَقَدْ وُجِدَ الصَّوْمُ بِرُكْنِهِ وَشَرْطِهِ بِإِمْسَاكِ سَاعَةٍ بِهِ وَإِنْ قَطَعَتْهُ ، وَكَذَا إذَا صُمْت فِي يَوْمٍ أَوْ شَهْرٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَشْتَرِطْ كَمَالَهُ . ا هـ . كَمَالٌ وَكَتَبَ أَيْضًا عَلَى وَنَظِيرُهُ إلَخْ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ هَذِهِ مِنْ خَوَاصِّ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَصُورَتُهَا فِيهِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ فِي رَجُلٍ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ صُمْت يَوْمًا فَأَنْتِ طَالِقٌ إذَا صَامَتْ حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ طَلُقَتْ وَذَلِكَ أَنَّ الْيَوْمَ إذَا قُرِنَ بِفِعْلٍ يَمْتَدُّ يُرَادُ بِهِ بَيَاضُ النَّهَارِ وَالصَّوْمُ مُمْتَدٌّ وَقَدْ مَرَّ تَحْقِيقُ ذَلِكَ فِي آخِرِ فَصْلٍ فِي إضَافَةِ الطَّلَاقِ إلَى الزَّمَانِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ إنْ صُمْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَشَرَعَتْ فِي الصَّوْمِ يَقَعُ الطَّلَاقُ بِمُجَرَّدِ الشُّرُوعِ فِيهِ لِوُجُودِ رُكْنِ الصَّوْمِ وَشَرْطِهِ أَمَّا رُكْنُهُ فَهُوَ الْإِمْسَاكُ عَنْ الْمُفْطِرَاتِ الثَّلَاثِ نَهَارًا . وَأَمَّا شَرْطُهُ فَهُوَ النِّيَّةُ وَالطَّهَارَةُ عَنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَلَمْ يُوجَدْ مَا يَدُلُّ عَلَى بَيَاضِ النَّهَارِ فَلَمْ يُشْتَرَطْ انْتِهَاؤُهُ . وَقَوْلُهُ إذَا صُمْت يَوْمًا نَظِيرُ قَوْلِهِ إنْ حِضْت حَيْضَةً .
وَقَوْلُهُ إذَا صُمْت نَظِيرَ قَوْلِهِ إنْ حِضْت ا هـ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَنَظِيرُ إذَا صُمْت يَوْمًا إذَا صُمْت صَوْمًا لَا يَقَعُ إلَّا بِتَمَامِ يَوْمٍ ؛ لِأَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِمِعْيَارٍ وَفِي إذَا صَلَّيْت صَلَاةً يَقَعُ بِرَكْعَتَيْنِ وَفِي إذَا صَلَّيْت يَقَعُ بِرَكْعَةٍ ا هـ . (قَوْلُهُ أَوْ إنْ صُمْت يَوْمًا) الَّذِي فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي إذَا صُمْت يَوْمًا ا هـ . (قَوْلُهُ بِخِلَافِ قَوْلِهِ إنْ حِضْت) فَإِنَّهُ يَكُونُ بِدْعِيًّا لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ . ا هـ . وَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ ا هـ ..

(قَوْلُهُ تَطْلُقُ وَاحِدَةً قَضَاءً وَثِنْتَيْنِ تَنَزُّهًا) قَالَ الْكَمَالُ وَمَا عَنْ الشَّافِعِيِّ مِنْ أَنَّهُ يَقَعُ الثَّلَاثُ لِاحْتِمَالِ الْخُرُوجِ مَعًا قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُعَوَّلَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مُسْتَحِيلٌ عَادَةً غَيْرَ أَنَّهُ إذَا تَحَقَّقَ وِلَادَتَهُمَا مَعًا وَقَعَ الثَّلَاثُ وَتَعْتَدُّ بِالْأَقْرَاءِ ا هـ . (قَوْلُهُ وَلَمْ يَدْرِ الْأَوَّلَ) أَيْ بِأَنْ كَانَتْ الْوِلَادَةُ لَيْلًا ا هـ . (قَوْلُهُ وَفِي الِاحْتِيَاطِ ثِنْتَانِ تَنَزُّهًا) قَالَ الْعَلَّامَةُ قِوَامُ الدِّينِ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُقَالُ تَنَزَّهَ الْقَوْمُ إذَا بَعُدُوا مِنْ الرِّيفِ إلَى الْبَدْوِ فَأَمَّا النُّزْهَةُ فِي كَلَامِ الْعَامَّةِ فَإِنَّهَا مَوْضُوعَةٌ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا ؛ لِأَنَّهُمْ يَذْهَبُونَ إلَى أَنَّ النُّزْهَةَ حُضُورُ الْأَرْيَافِ وَالْمِيَاهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ هَذَا فِي الْجَمْهَرَةِ وَالْمُرَادُ هُنَا التَّبَاعُدُ عَنْ السُّوءِ وَعَنْ مَظَانِّ الْحُرْمَةِ ا هـ .
(قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ الْمُقَارِنَ لِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لَا يَقَعُ) ؛ لِأَنَّهُ حَالَ الزَّوَالِ وَالْمُزِيلُ لَا يَعْمَلُ حِينَ الزَّوَالِ . ا هـ . كَافِي . (قَوْلُهُ وَلَا تَلْزَمُهُ الزِّيَادَةُ بِالشَّكِّ) قَالَ فِي الشَّامِلِ وَلَا رَجْعَةَ وَلَا تَوَارُثَ ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ تَنْقَضِي بِوَضْعِ الثَّانِي مِنْهَا فَلَا تَثْبُتُ الرَّجْعَةُ وَالْإِرْثُ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ . (قَوْلُهُ لِاحْتِمَالِ تَقَدُّمِ الْجَارِيَةِ وِلَادَةً وَالْعِدَّةُ مُنْقَضِيَةٌ بِيَقِينٍ) أَيْ ؛ لِأَنَّهَا لَوْ وَلَدَتْ الْغُلَامَ أَوَّلًا تَنْقَضِي عِدَّتُهَا

(2/238)


فَلَا إشْكَالَ فِيهِ
وَإِنْ اخْتَلَفَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ وَإِنْ وَلَدَتْ غُلَامًا وَجَارِيَتَيْنِ وَلَا يَدْرِي الْأَوَّلَ مِنْهُمْ يَقَعُ ثِنْتَانِ فِي الْقَضَاءِ وَفِي التَّنَزُّهِ ثَلَاثٌ لِأَنَّ الْغُلَامَ إنْ كَانَ أَوَّلًا أَوْ وَسَطًا تَطْلُقُ ثَلَاثًا وَاحِدَةٌ بِالْغُلَامِ وَثِنْتَانِ بِالْجَارِيَةِ الْأُولَى ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ لَا تَنْقَضِي مَا بَقِيَ فِي الْبَطْنِ وَلَدٌ وَإِنْ كَانَ الْغُلَامُ آخِرًا يَقَعُ ثِنْتَانِ بِالْجَارِيَةِ الْأُولَى وَلَا يَقَعُ بِالثَّانِيَةِ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ بِهَا قَدْ انْحَلَّتْ بِالْأُولَى وَلَا يَقَعُ بِوِلَادَةِ الْغُلَامِ أَيْضًا شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهُ حَالَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَتَرَدَّدَ بَيْنَ ثَلَاثٍ وَثِنْتَيْنِ فَيُحْكَمُ بِالْأَقَلِّ قَضَاءً وَبِالْأَكْثَرِ تَنَزُّهًا وَلَوْ وَلَدَتْ غُلَامَيْنِ وَجَارِيَةً لَزِمَهُ وَاحِدَةٌ فِي الْقَضَاءِ وَثَلَاثٌ فِي التَّنَزُّهِ ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الْغُلَامَانِ أَوَّلًا وَقَعَتْ بِالْأَوَّلِ مِنْهُمَا وَاحِدَةٌ
وَلَا يَقَعُ بِالثَّانِي شَيْءٌ ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ بِهِ قَدْ انْحَلَّتْ وَلَا يَقَعُ بِوِلَادَةِ الْجَارِيَةِ أَيْضًا شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهُ حَالَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ وَإِنْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ أَوَّلًا أَوْ وَسَطًا يَقَعُ ثَلَاثٌ وَاحِدَةٌ بِوِلَادَةِ أَوَّلِ الْغُلَامَيْنِ وَثِنْتَانِ بِوِلَادَةِ الْجَارِيَةِ فَتَرَدَّدَ بَيْنَ وَاحِدَةٍ وَثَلَاثٍ فَيَلْزَمُهُ الْأَقَلُّ قَضَاءً وَالْأَكْثَرُ تَنَزُّهًا ، وَلَوْ قَالَ إنْ كَانَ حَمْلُك غُلَامًا فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَإِنْ كَانَ جَارِيَةً فَثِنْتَيْنِ فَوَلَدَتْ غُلَامًا وَجَارِيَةً لَمْ تَطْلُقْ ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ اسْمٌ لِلْكُلِّ فَمَا لَمْ يَكُنْ الْكُلُّ جَارِيَةً أَوْ غُلَامًا لَمْ تَطْلُقْ
وَكَذَا لَوْ قَالَ إنْ كَانَ مَا فِي بَطْنِك غُلَامًا وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ مَا عَامَّةٌ ، وَلَوْ قَالَ إنْ كَانَ فِي بَطْنِك وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا وَقَعَ ثَلَاثٌ .

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمِلْكُ يُشْتَرَطُ لِآخِرِ الشَّرْطَيْنِ) يَعْنِي إذَا كَانَ الشَّرْطُ ذَا وَصْفَيْنِ بِأَنْ قَالَ لَهَا إنْ دَخَلْت دَارَ زَيْدٍ وَدَارَ عَمْرٍو أَوْ قَالَ لَهَا إنْ كَلَّمْت أَبَا عَمْرٍو وَأَبَا يُوسُفَ فَأَنْتِ طَالِقٌ يُشْتَرَطُ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ أَنْ يَكُونَ آخِرُهُمَا فِي الْمِلْكِ حَتَّى لَوْ طَلَّقَهَا بَعْدَ مَا عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِشَرْطَيْنِ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا ثُمَّ وُجِدَ أَحَدُ الشَّرْطَيْنِ وَهِيَ مُبَانَةٌ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَوَجَدَ الشَّرْطَ الْآخَرَ وَقَعَ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ ، وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا تَطْلُقُ حَتَّى يُوجَدَ الْأَوَّلُ أَيْضًا فِي الْمِلْكِ اعْتِبَارًا لَهُ بِالشَّرْطِ الثَّانِي ، وَهَذَا لِأَنَّهُمَا كَشَيْءٍ وَاحِدٍ ، أَلَا تَرَى أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ إلَّا بِهِمَا ثُمَّ الْمِلْكُ يُشْتَرَطُ عِنْدَ وُجُودِ الثَّانِي فَكَذَا عِنْدَ الْأَوَّلِ وَلَنَا أَنَّ حَالَ وُجُودِ الشَّرْطِ الْأَوَّلِ حَالُ الْبَقَاءِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْمِلْكُ لِاسْتِغْنَائِهِ عَنْهُ فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ وَقْتَ التَّعْلِيقِ لِيَكُونَ الْجَزَاءُ غَالِبَ الْوُجُوبِ بِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ إلَى وُجُودِ الشَّرْطِ وَيُشْتَرَطُ وُجُودُهُ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ لِيَنْزِلَ الْجَزَاءُ وَفِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ حَالُ الْبَقَاءِ وَبَقَاءُ الْيَمِينِ بِذِمَّةِ الْحَالِفِ بِإِيجَابِ الْبِرِّ عَلَى نَفْسِهِ فَلَا يُشْتَرَطُ لَهُ الْمِلْكُ ، وَهَذَا كَالنِّصَابِ يُشْتَرَطُ عِنْدَ انْعِقَادِ السَّبَبِ وَعِنْدَ الْوُجُودِ وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ وَتَنْقَسِمُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَقْلًا إلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ إمَّا أَنْ يُوجَدَ الشَّرْطَانِ فِي الْمِلْكِ فَيَقَعُ بِالِاتِّفَاقِ أَوْ يُوجَدَا فِي غَيْرِ الْمِلْكِ فَلَا يَقَعُ بِالِاتِّفَاقِ أَوْ يُوجَدَ الْأَوَّلُ فِي الْمِلْكِ وَالثَّانِي فِي غَيْرِ الْمِلْكِ فَلَا يَقَعُ إلَّا عِنْدَ ابْنِ أَبِي لَيْلَى أَوْ يُوجَدَ الْأَوَّلُ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ وَالثَّانِي فِي الْمِلْكِ وَهِيَ الْخِلَافِيَّةُ الْمَذْكُورَةُ فِيمَا تَقَدَّمَ .

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُبْطِلُ تَنْجِيزُ الثَّلَاثِ تَعْلِيقَهُ) أَيْ يُبْطِلُ تَنْجِيزُ الطَّلْقَاتِ الثَّلَاثِ تَعْلِيقًا كَانَ عَلَّقَهُ مِنْ قَبْلُ وَصُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ لِامْرَأَتِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بِوَضْعِ الْجَارِيَةِ وَلَوْ وَلَدَتْ الْجَارِيَةَ أَوَّلًا تَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِوَضْعِ الْغُلَامِ ؛ لِأَنَّ الْحَامِلَ عِدَّتُهَا وَضْعُ الْحَمْلِ بِالنَّصِّ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ . (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ إنْ كَانَ حَمْلُك غُلَامًا فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَإِنْ كَانَ جَارِيَةً فَثِنْتَيْنِ) قَالَ الْكَمَالُ وَفِي الْجَامِعِ لَوْ قَالَ إنْ وَلَدْت وَلَدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَإِنْ كَانَ الَّذِي تَلِدِينَهُ غُلَامًا فَأَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ فَوَلَدَتْ غُلَامًا يَقَعُ الثَّلَاثُ لِوُجُودِ الشَّرْطَيْنِ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ مَوْجُودٌ فِي الْمُقَيَّدِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ ا هـ . (قَوْلُهُ ، وَكَذَا لَوْ قَالَ إنْ كَانَ مَا فِي بَطْنِك غُلَامًا إلَخْ) ، وَكَذَا لَوْ قَالَ إنْ كَانَ مَا فِي هَذَا الْعِدْلِ حِنْطَةً فَهِيَ طَالِقٌ أَوْ دَقِيقًا فَطَالِقٌ فَإِذَا فِيهِ حِنْطَةٌ وَدَقِيقٌ لَا تَطْلُقُ . ا هـ . فَتْحٌ ..

(قَوْلُهُ حَتَّى يُوجَدَ الْأَوَّلُ أَيْضًا فِي الْمِلْكِ اعْتِبَارًا لَهُ بِالشَّرْطِ الثَّانِي إلَخْ) فَإِنَّ الْمِلْكَ شَرْطٌ فِيهِ حَتَّى لَوْ وُجِدَ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ لَا يَنْزِلُ الْجَزَاءُ فَكَذَا إذَا وُجِدَ الْأَوَّلُ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَنْزِلَ الْجَزَاءُ ا هـ . (قَوْلُهُ وَبَقَاءُ الْيَمِينِ بِذِمَّةِ الْحَالِفِ إلَخْ) وَهِيَ مَوْجُودَةٌ فَلَا يُشْتَرَطُ لَهُ الْمِلْكُ وَزَمَانُ نُزُولِ الْجَزَاءِ فِي مَسْأَلَتِنَا زَمَانُ وُجُودِ الشَّرْطِ الثَّانِي فَيُشْتَرَطُ الْمِلْكُ عِنْدَهُ . ا هـ . رَازِيٌّ (قَوْلُهُ إمَّا أَنْ يُوجَدَ الشَّرْطَانِ) فِيهِ مُسَامَحَةٌ ؛ لِأَنَّ كَلَامَ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ لَيْسَ بِشَرْطٍ بَلْ الشَّرْطُ كَلَامُهُمَا جَمِيعًا فَلَوْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْكَلَامَيْنِ شَرْطًا تَامًّا لَوَقَعَ الطَّلَاقُ إذَا وُجِدَ أَحَدُهُمَا وَلَا يَنْزِلُ الْجَزَاءُ بِوُجُودِ أَحَدِهِمَا مَا لَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ فِي الْمِلْكِ فَعُلِمَ أَنَّ تَمَامَ الشَّرْطِ كَلَامُهُمَا جَمِيعًا فَافْهَمْ كَذَا قَالَ الشَّيْخُ قِوَامُ الدِّينِ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ، وَقَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَجَعْلُهُ فِي الْكَنْزِ مَسْأَلَةَ الْكِتَابِ مِنْ تَعَدُّدِ الشَّرْطِ لَيْسَ بِذَاكَ لِأَنَّ تَعَدُّدَهُ بِتَعَدُّدِ فِعْلِ الشَّرْطِ وَلَا تَعَدُّدَ فِي الْفِعْلِ هُنَا بَلْ فِي مُتَعَلِّقِهِ وَلَا يَسْتَلْزِمُ تَعَدُّدُهُ تَعَدُّدَهُ فَإِنَّهَا لَوْ كَلَّمَتْهُمَا مَعًا وَقَعَ الطَّلَاقُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَغَايَتُهُ تَعَدُّدٌ بِالْقُوَّةِ ا هـ . (قَوْلُهُ أَوْ يُوجَدَا فِي غَيْرِ الْمِلْكِ فَلَا يَقَعُ بِالِاتِّفَاقِ) أَيْ لِعَدَمِ الْمَحَلِّيَّةِ وَالْجَزَاءُ لَا يَنْزِلُ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ . ا هـ . كَافِي . (قَوْلُهُ فَلَا يَقَعُ بِالِاتِّفَاقِ) أَيْ لِعَدَمِ الْمَحَلِّيَّةِ وَالْجَزَاءُ لَا يَنْزِلُ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ . ا هـ . كَافِي (قَوْلُهُ الْأَوَّلُ فِي الْمِلْكِ وَالثَّانِي فِي غَيْرِ الْمِلْكِ فَلَا يَقَعُ) قَالَ فِي الْكَافِي أَوْ وُجِدَ الْأَوَّلُ فِي الْمِلْكِ وَالثَّانِي فِي غَيْرِ الْمِلْكِ فَلَا يَقَعُ إجْمَاعًا أَيْضًا ؛ لِأَنَّ الْجَزَاءَ وَهُوَ الطَّلَاقُ لَا يَقَعُ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ ا هـ . (قَوْلُهُ فَلَا يَقَعُ إلَّا عِنْدَ ابْنِ أَبِي لَيْلَى) قَالَ فِي الْكَافِي أَوْ وُجِدَ الْأَوَّلُ فِي الْمِلْكِ وَالثَّانِي فِي غَيْرِ الْمِلْكِ فَلَا يَقَعُ إجْمَاعًا أَيْضًا ؛ لِأَنَّ الْجَزَاءَ وَهُوَ الطَّلَاقُ لَا يَقَعُ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ ا هـ ..

(قَوْلُهُ وَصُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ لِامْرَأَتِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ إلَخْ) الظَّاهِرُ مِنْ عِبَارَةِ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ تَعْلِيقُهُ رَاجِعٌ لِلزَّوْجِ وَلِذَا شَمِلَ تَعْلِيقَ الْوَاحِدَةِ وَالثِّنْتَيْنِ وَرَجَّعَهُ الْعَيْنِيُّ لِلثَّلَاثِ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ شَرْحِ الرَّازِيّ وَحِينَئِذٍ لَا يَشْمَلُ الْوَاحِدَةَ وَالثِّنْتَيْنِ وَصَنِيعُ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَحْسَنُ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ ا هـ .

(2/239)


فَأَنْتَ طَالِقٌ وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ثُمَّ يُنَجِّزُ الثَّلَاثَ بَطَلَ الْمُعَلَّقُ حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ فَدَخَلَتْ الدَّارَ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ خِلَافًا لِزُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ يَقُولُ إنَّ الْمُعَلَّقَ مُطْلَقُ الطَّلَاقِ لَا طَلَاقُ اللَّفْظِ وَقَدْ بَقِيَ احْتِمَالُ الْوُقُوعِ بَعْدَ تَنْجِيزِ الثَّلَاثِ فَبَقِيَ الْيَمِينُ فَيَنْزِلُ الْجَزَاءُ عِنْدَ الشَّرْطِ ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ وُجِدَ فِي الْمِلْكِ بَعْدَ صِحَّةِ الْيَمِينِ وَتَخَلُّلُ زَوَالِ الْمَحَلِّ لَا يُخِلُّ كَمَا لَا يُخِلُّ تَخَلُّلُ زَوَالِ الْمِلْكِ وَكَيْفَ يُقَالُ يُبْطِلُ التَّنْجِيزُ التَّعْلِيقَ وَمَا صَادَفَهُ التَّنْجِيزُ غَيْرُ مَا صَادَفَهُ التَّعْلِيقُ ؛ لِأَنَّ مَا صَادَفَهُ التَّنْجِيزُ طَلَاقٌ وَمَا صَادَفَهُ التَّعْلِيقُ مَا سَيَصِيرُ طَلَاقًا وَلَيْسَ بِطَلَاقٍ وَلَا سَبَبٍ لَهُ فِي الْحَالِ
وَلِهَذَا جَازَ تَعْلِيقُهُ بِالْمِلْكِ فِي الْمُطَلَّقَةِ الثَّلَاثِ وَإِنْ عَدِمَ الْحِلَّ فَلَأَنْ يَبْقَى أَوْلَى وَلَنَا أَنَّ الْجَزَاءَ طَلْقَاتُ هَذَا الْمِلْكِ ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ إنَّمَا يُعْقَدُ لِطَلَاقٍ يَصْلُحُ جَزَاءً وَاَلَّذِي يَصْلُحُ جَزَاءً طَلَاقٌ يَحْصُلُ بِهِ مَقْصُودُ الْحَالِفِ بِالْيَمِينِ وَهُوَ الْمَنْعُ عَنْ تَحْصِيلِ الشَّرْطِ أَوْ الْحَمْلُ عَلَى إعْدَامِ الشَّرْطِ ، وَهَذَا الْمَقْصُودُ إنَّمَا يَحْصُلُ بِمَا يَغْلِبُ وُجُودُهُ عِنْدَ الشَّرْطِ وَطَلْقَاتُ هَذَا الْمِلْكِ اتَّصَفَتْ بِهَذِهِ الصِّفَةِ لِكَوْنِهَا مَوْجُودَةً
وَالظَّاهِرُ بَقَاؤُهَا عِنْدَ الشَّرْطِ فَيَحْصُلُ مَعْنَى التَّخْوِيفِ فَيَقَعُ الْحَمْلُ أَوْ الْمَنْعُ أَمَّا طَلْقَاتُ مِلْكٍ سَيُوجَدُ يَنْدُرُ وُجُودُهُ عِنْدَ الشَّرْطِ فَلَا يَصْلُحُ جَزَاءً فِي يَمِينِهِ فَلَا يَتَنَاوَلُهَا مُطْلَقُ التَّعْلِيقِ ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ التَّعْلِيقِ إنَّمَا يَصِحُّ فِيمَا يَصْلُحُ جَزَاءً لَا فِيمَا لَا يَصْلُحُ فَإِذَا ثَبَتَ تَقْيِيدُ الْجَزَاءِ بِطَلْقَاتِ هَذَا الْمِلْكِ وَقَدْ فَاتَتْ بِالتَّنْجِيزِ فَيَبْطُلُ الْيَمِينُ ضَرُورَةً ؛ لِأَنَّ بَقَاءَ الْيَمِينِ بِالشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ ، وَلِأَنَّهَا بِوُقُوعِ الثَّلَاثِ عَلَيْهَا خَرَجَتْ مِنْ أَنْ تَكُونَ مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ وَفَوْتُ مَحَلِّ الْجَزَاءِ يُبْطِلُ الْيَمِينَ كَفَوْتِ مَحَلِّ الشَّرْطِ بِأَنْ قَالَ لَهَا إنْ دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ جُعِلَتْ الدَّارُ بُسْتَانًا أَوْ حَمَّامًا لَا تَبْقَى الْيَمِينُ فَهَذَا مِثْلُهُ
وَقَوْلُهُ لَيْسَ بِطَلَاقٍ قُلْنَا لَهُ شُبْهَةُ ذَلِكَ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ يَمِينٌ مُوجِبُهُ الْبِرُّ وَعِنْدَ فَوَاتِهِ مَضْمُونٌ بِالطَّلَاقِ فَلَا تَتَحَقَّقُ الشُّبْهَةُ إلَّا فِي مَحَلِّهِ كَالْحَقِيقَةِ ، وَلِهَذَا لَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ لَا تَنْعَقِدُ ، وَلِأَنَّ الْيَمِينَ بِالطَّلَاقِ لَا تَنْعَقِدُ إلَّا فِي الْمِلْكِ أَوْ مُضَافَةً إلَى الْمِلْكِ وَلَمْ تُوجَدْ الْإِضَافَةُ هُنَا فَكَذَا انْعِقَادُهَا بِاعْتِبَارِ التَّطْلِيقَاتِ الْمَمْلُوكَاتِ لَهُ وَهِيَ مَحْصُورَةٌ بِالثَّلَاثِ وَقَدْ أُوقِعَ كُلُّهُ فَلَا يُتَصَوَّرُ بَعْدَهُ مَا يَكُونُ مُخِيفًا لَهُ مِنْ مُبَاشَرَةِ الشَّرْطِ فَإِنْ قِيلَ يَشْكُلُ هَذَا بِمَا إذَا طَلَّقَهَا طَلْقَتَيْنِ ثُمَّ عَادَتْ إلَيْهِ بَعْدَ زَوْجٍ فَدَخَلَتْ حَيْثُ تَطْلُقُ ثَلَاثًا وَبِمَا إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ ثُمَّ بَاعَهُ لَا يَبْطُلُ الْيَمِينُ مَعَ أَنَّ الْعَبْدَ لَمْ يَبْقَ مَحَلًّا لِيَمِينِهِ وَبِمَا إذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا بَعْدَ مَا ظَاهَرَ مِنْهَا حَيْثُ يَبْقَى الظِّهَارُ وَإِنْ فَاتَ مَحَلُّهُ
وَكَذَا إذَا قَالَ لَهَا إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي ثُمَّ نَجَّزَ الثَّلَاثَ تَبْقَى الْيَمِينُ بِالظِّهَارِ وَإِنْ فَاتَ الْمَحَلُّ حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ وَدَخَلَتْ الدَّارَ صَارَ مُظَاهِرًا لَهَا قُلْنَا أَمَّا الْأُولَى فَلِأَنَّ الْمَحَلَّ بَاقٍ بَعْدَ الثِّنْتَيْنِ إذْ الْمَحَلِّيَّةُ بِاعْتِبَارِ صِفَةِ الْحِلِّ وَهِيَ قَائِمَةٌ بَعْدَ الطَّلْقَتَيْنِ فَيَبْقَى الْيَمِينُ وَقَدْ اسْتَفَادَ مِنْ جِنْسِ مَا انْعَقَدَ عَلَيْهِ الْيَمِينُ فَيَسْرِي إلَيْهِ حُكْمُ الْيَمِينِ تَبَعًا وَإِنْ لَمْ يَنْعَقِدْ الْيَمِينُ عَلَيْهَا قَصْدًا .
وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْعَبْدَ بِصِفَةِ الرِّقِّ مَحَلٌّ لِلْعِتْقِ وَبِالْبَيْعِ لَمْ تَفُتْ تِلْكَ الصِّفَةُ حَتَّى لَوْ فَاتَتْ بِالْعِتْقِ لَمْ يَبْقَ الْيَمِينُ . وَأَمَّا الثَّالِثُ فَلِأَنَّ الظِّهَارَ تَحْرِيمُ الْفِعْلِ لَا تَحْرِيمُ الْحِلِّ الْأَصْلِيِّ إلَّا أَنَّ قِيَامَ النِّكَاحِ مِنْ شَرْطِهِ فَلَا يُشْتَرَطُ بَقَاؤُهُ لِبَقَاءِ الْمَشْرُوطِ كَالشُّهُودِ فِي النِّكَاحِ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ ؛ لِأَنَّهُ تَحْرِيمٌ لِلْحِلِّ الْأَصْلِيِّ وَقَدْ فَاتَ بِتَنْجِيزِ الثَّلَاثِ فَيَفُوتُ بِفَوَاتِ مَحَلِّهِ فَافْتَرَقَا وَلَوْ أَبَانَهَا بِطَلْقَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ الدَّارَ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ ثُمَّ دَخَلَتْ الدَّارَ طَلُقَتْ ثَلَاثًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَطْلُقُ مَا بَقِيَ مِنْ الْأَوَّلِ وَهَذِهِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّ الزَّوْجَ الثَّانِيَ هَلْ يَهْدِمُ الطَّلْقَةَ وَالطَّلْقَتَيْنِ أَمْ لَا وَسَيَأْتِي فِي بَابِ الرَّجْعَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ لَا تَظْهَرُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ ؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ الْغَلِيظَةَ تَثْبُتُ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى اخْتِلَافِ الْأَصْلَيْنِ وَإِنَّمَا تَظْهَرُ فِيمَا إذَا طَلَّقَهَا بَعْدَ الرَّدِّ طَلْقَةً وَاحِدَةً فَعِنْدَهُمَا لَا تَحْرُمُ حُرْمَةً غَلِيظَةً
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ تَحْرُمُ ، وَكَذَا تَظْهَرُ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُعَلَّقُ طَلْقَةً وَاحِدَةً وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَدَخَلَتْ الدَّارَ بَعْدَ مَا رَدَّهَا بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ تَطْلُقُ طَلْقَةً وَاحِدَةً وَلَا تَثْبُتُ الْغَلِيظَةُ عِنْدَهُمَا وَتَثْبُتُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَتَظْهَرُ أَيْضًا فِيمَا إذَا قَالَ لَهَا كُلَّمَا دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَدَخَلَتْ مَرَّتَيْنِ وَوَقَعَ الطَّلَاقُ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا ثُمَّ تَزَوَّجَتْ بِزَوْجٍ آخَرَ ثُمَّ رَدَّهَا الْأَوَّلُ تَطْلُقُ كُلَّمَا دَخَلَتْ الدَّارَ إلَى أَنْ تَبِينَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا) الظَّاهِرُ مِنْ عِبَارَةِ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ تَعْلِيقُهُ رَاجِعٌ لِلزَّوْجِ وَلِذَا شَمِلَ تَعْلِيقَ الْوَاحِدَةِ وَالثِّنْتَيْنِ وَرَجَّعَهُ الْعَيْنِيُّ لِلثَّلَاثِ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ شَرْحِ الرَّازِيّ وَحِينَئِذٍ لَا يَشْمَلُ تَعْلِيقَ الْوَاحِدَةِ وَالثِّنْتَيْنِ فَصَنِيعُ الشَّارِحِ أَحْسَنُ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ ا هـ . (قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّ الْجَزَاءَ طَلْقَاتُ هَذَا الْمِلْكِ) لِمَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّ مَعْنَى الْيَمِينِ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِكَوْنِ الْجَزَاءِ غَالِبَ الْوُقُوعِ لِتَحَقُّقِ الْإِخَافَةِ وَالظَّاهِرُ عِنْدَ اسْتِيفَاءِ الطَّلْقَاتِ الثَّلَاثِ عَدَمُ الْعَوْدِ ؛ لِأَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى التَّزَوُّجِ بِغَيْرِهِ وَالظَّاهِرُ عِنْدَ التَّزَوُّجِ بِهِ عَدَمُ فِرَاقِهَا وَعَوْدُهَا إلَى الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ يُعْقَدُ لِلْعُمُرِ فَلَا يَكُونُ غَيْرُ الْمِلْكِ الْقَائِمِ مُرَادًا لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْيَمِينِ بِاعْتِبَارِ تَقْيِيدِ الْإِطْلَاقِ بِهِ بِدَلَالَةِ حَالِ الْمُتَكَلِّمِ أَعْنِي إرَادَةَ الْيَمِينِ وَأَيْضًا بِوُقُوعِ الثَّلَاثِ خَرَجَتْ عَنْ الْمَحَلِّيَّةِ لَهُ وَإِنَّمَا تَحْدُثُ مَحَلِّيَّتُهَا بَعْدَ الثَّانِي فَصَارَ كَالْمُرْتَدَّةِ تَحْدُثُ مَحَلِّيَّتُهَا بِالْإِسْلَامِ وَبُطْلَانُ الْمَحَلِّيَّةِ لِلْجَزَاءِ يُبْطِلُ الْيَمِينَ كَفَوَاتِ مَحَلِّ الشَّرْطِ بِأَنْ قَالَ إنْ دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ فَجُعِلَتْ بُسْتَانًا أَوْ حَمَّامًا لَا يَبْقَى الْيَمِينُ فَهَذَا كَذَلِكَ . ا هـ . كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - . (قَوْلُهُ لَا يُبْطِلُ الْيَمِينَ) حَتَّى لَوْ مَلَكَهُ بَعْدَ هَذَا فَدَخَلَ الدَّارَ عَتَقَ . ا هـ . ابْنُ فُرْشَتَا . (قَوْلُهُ وَبِالْبَيْعِ لَمْ تَفُتْ تِلْكَ الصِّفَةُ) أَيْ ؛ لِأَنَّ زَوَالَ الْمِلْكِ بِعَرَضِيَّةِ الزَّوَالِ يَشْتَرِيهِ ثَانِيًا مِنْ مَالِكِهِ فَيُجْعَلُ كَالْبَاقِي فِي مِلْكِهِ ا هـ

.

(2/240)


بِثَلَاثِ طَلْقَاتٍ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تَطْلُقُ وَاحِدَةً وَتَبِينُ بِهِ
وَكَذَا إذَا آلَى مِنْ امْرَأَتِهِ فَبَانَتْ مِنْهُ بِمُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ تَزَوَّجَتْ بِزَوْجٍ آخَرَ تَطْلُقُ كُلَّمَا رَدَّهَا وَمُضِيُّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ حَتَّى تَبِينَ بِثَلَاثٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ، وَلَوْ وَقَعَتْ ثَلَاثُ طَلْقَاتٍ فِي مِلْكِهِ ثُمَّ رَدَّهَا بَعْدَ زَوْجٍ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ لَا يَقَعُ شَيْءٌ خِلَافًا لِزُفَرَ وَهِيَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى مَسْأَلَةِ التَّنْجِيزِ عَلَى مَا مَرَّ .

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ عَلَّقَ الثَّلَاثَ أَوْ الْعِتْقَ بِالْوَطْءِ لَمْ يَجِبْ الْعُقْرُ بِاللُّبْثِ) أَيْ ، وَلَوْ عَلَّقَ الطَّلْقَاتِ الثَّلَاثَ بِالْجِمَاعِ بِأَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ جَامَعْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَجَامَعَهَا وَوَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا بِالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ ثُمَّ لَبِثَ بَعْدَ الْإِدْخَالِ وَلَمْ يُخْرِجْهُ بَعْدَ وُق وَعِ الثَّلَاثِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْمَهْرُ ، وَكَذَا لَوْ عَلَّقَ بِهِ الْعِتْقَ بِأَنْ قَالَ لِأَمَتِهِ إنْ جَامَعْتُك فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَجَامَعَهَا عَتَقَتْ إذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ ثُمَّ إذَا لَبِثَ سَاعَةً لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْعُقْرُ ، وَلَوْ أَخْرَجَهُ ثُمَّ أَوْلَجَهُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ يَجِبُ الْعُقْرُ عَلَيْهِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْعُقْرُ بِاللُّبْثِ فِيهِمَا لِوُجُودِ الْجِمَاعِ مَعْنًى بَعْدَ ثُبُوتِ الطَّلْقَاتِ الثَّلَاثِ وَالْحُرْمَةِ إذْ مَعْنَى الْجِمَاعِ حُصُولُ الِالْتِذَاذِ بِمُمَاسَّةِ الْفَرْجَيْنِ وَقَدْ وُجِدَ إلَّا أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْحَدُّ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ وَاحِدٌ وَهُوَ قَضَاءُ الشَّهْوَةِ فَكَانَ الْجِمَاعُ وَاحِدًا مِنْ وَجْهٍ وَأَوَّلُهُ غَيْرُ مُوجِبٍ لِلْحَدِّ فَامْتَنَعَ وُجُوبُهُ فَوَجَبَ الْعُقْرُ إذْ الْبُضْعُ الْمُحْتَرَمُ لَا يُصَانُ إلَّا بِضَمَانٍ جَابِرٍ أَوْ بِحَدٍّ زَاجِرٍ فَإِذَا امْتَنَعَ الْحَدُّ لِلشُّبْهَةِ تَعَيَّنَ الْمَهْرُ ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ مَعَ الشُّبْهَةِ وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْجِمَاعَ إدْخَالُ الْفَرْجِ فِي الْفَرْجِ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ بَعْدَ الطَّلْقَاتِ الثَّلَاثِ وَالْعِتْقِ ؛ لِأَنَّ الْإِدْخَالَ لَا دَوَامَ لَهُ حَتَّى يَكُونَ لِدَوَامِهِ حُكْمُ الِابْتِدَاءِ ، وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يُدْخِلُ دَابَّتَهُ الْإِصْطَبْلَ وَهِيَ فِيهِ لَا يَحْنَثُ بِإِمْسَاكِهَا فِيهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَخْرَجَ ثُمَّ أَوْلَجَ ؛ لِأَنَّهُ وُجِدَ الْجِمَاعُ فِيهِ حَقِيقَةً بَعْدَ ثُبُوتِ الْحُرْمَةِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْحَدُّ نَظَرًا إلَى اتِّحَادِ الْمَجْلِسِ وَالْمَقْصُودِ وَهُوَ قَضَاءُ الشَّهْوَةِ فَإِذَا امْتَنَعَ الْحَدُّ وَجَبَ الْمَهْرُ لِمَا ذَكَرْنَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَمْ يَصِرْ بِهِ مُرَاجِعًا فِي الرَّجْعِيِّ إلَّا إذَا أَوْلَجَ ثَانِيًا) أَيْ لَمْ يَصِرْ مُرَاجِعًا بِاللُّبْثِ إذَا كَانَ الْمُعَلَّقُ بِالْجِمَاعِ طَلَاقًا رَجْعِيًّا إلَّا إذَا أَخْرَجَ ثُمَّ أَوْلَجَ ثَانِيًا ، وَهَذَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَصِيرُ مُرَاجِعًا لِوُجُودِ الْمِسَاسِ بِشَهْوَةٍ وَهُوَ الْقِيَاسُ وَلِمُحَمَّدٍ أَنَّ الدَّوَامَ لَيْسَ يَتَعَرَّضُ لِلْبُضْعِ عَلَى مَا مَرَّ مِنْ أَصْلِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَخْرَجَ ثُمَّ أَوْلَجَ وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَوْ أَنَّ رَجُلًا زَنَى بِامْرَأَةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ فَإِنْ لَبِثَ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَنْزِعْ وَجَبَ عَلَيْهِ مَهْرَانِ مَهْرٌ بِالْوَطْءِ وَمَهْرٌ بِالْعَقْدِ وَإِنْ لَمْ يَسْتَأْنِفْ الْفِعْلَ ؛ لِأَنَّ دَوَامَهُ عَلَى ذَلِكَ الْفِعْلِ فَوْقَ الْخَلْوَةِ بَعْدَ الْعَقْدِ .

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا تَطْلُقُ فِي إنْ نَكَحْتُهَا عَلَيْكِ فَهِيَ طَالِقٌ فَنَكَحَ عَلَيْهَا فِي عِدَّةِ الْبَائِنِ) أَيْ لَا تَطْلُقُ امْرَأَتُهُ الْجَدِيدَةُ فِيمَا إذَا قَالَ لِلَّتِي تَحْتَهُ إنْ تَزَوَّجْتُ عَلَيْكِ امْرَأَةً فَالَّتِي أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ فَطَلَّقَ الَّتِي مَعَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ تَزَوَّجَ أُخْرَى وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ لَمْ يُوجَدْ ؛ لِأَنَّ التَّزَوُّجَ عَلَيْهَا أَنْ يُدْخِلَ عَلَيْهَا مَنْ يُنَازِعُهَا فِي الْفِرَاشِ وَيُزَاحِمُهَا فِي الْقَسْمِ وَلَمْ يُوجَدْ ..

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا فِي أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ مُتَّصِلًا وَإِنْ مَاتَتْ قَبْلَ قَوْلِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ) أَيْ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ إذَا كَانَ مُتَّصِلًا ، وَلَوْ مَاتَتْ قَبْلَ قَوْلِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ ، وَقَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَقَدْ اسْتَثْنَى» رَوَاهُ النَّسَائِيّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا وَلَفْظُهُ «لَمْ يَحْنَثْ» ، وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مُتَّصِلًا وَلِأَنَّ مَشِيئَةَ اللَّهِ لَا يُطَّلَعُ عَلَيْهَا فَكَانَ إعْدَامًا لِلْجَزَاءِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} [الأعراف : 40] وَمِثْلُهُ
إذَا شَابَ الْغُرَابُ أَتَيْت أَهْلِي ... وَعَادَ الْقَارُ كَاللَّبَنِ الْحَلِيبِ
، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ مُوسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا} [الكهف : 69] وَلَمْ يَصْبِرْ وَلَمْ يَكُنْ بِذَلِكَ مُخْلِفَ الْوَعْدِ لِتَعْلِيقِهِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى
وَقَالَ مَالِكٌ يَقَعُ الطَّلَاقُ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَشَأْ اللَّهُ لَمَا أَجْرَاهُ عَلَى لِسَانِهِ ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا بَيَّنَّا وَمَا جَرَى عَلَى لِسَانِهِ تَعْلِيقٌ لَا تَطْلِيقٌ وَمَوْتُهَا لَا يُنَافِي التَّعْلِيقَ ؛ لِأَنَّهُ مُبْطِلٌ وَالْمَوْتُ أَيْضًا مُبْطِلٌ فَلَا يَتَنَافَيَانِ فَيَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ صَحِيحًا فَلَا يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً فَمَاتَتْ قَبْلَ قَوْلِهِ وَاحِدَةً حَيْثُ يَبْطُلُ الْإِيجَابُ فَلَا يَقَعُ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ يُبْطِلُ الْمُوجِبَ لَا الْمُبْطِلَ ، وَهَذَا لِأَنَّ الْوَقْعَ بِالْعَدَدِ إذْ ذَكَرَ الْعَدَدَ وَالْمَوْتَ أَيْضًا قَبْلَهُ يُنَافِيهِ فَلَا يَقَعُ الْمُوجِبُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَقَوْلُهُ مُتَّصِلًا إشَارَةٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(قَوْلُهُ ، وَلَوْ عَلَّقَ الثَّلَاثَ أَوْ الْعِتْقَ بِالْوَطْءِ لَمْ يَجِبْ الْعُقْرُ) قَالَ فِي دِيوَانِ الْأَدَبِ الْعُقْرُ مَهْرُ الْمَرْأَةِ إذَا وُطِئَتْ عَنْ شُبْهَةٍ وَالْمُرَادُ مِنْهُ مَهْرُ الْمِثْلِ وَبِهِ فَسَّرَ الْإِمَامُ الْعَتَّابِيُّ الْعُقْرَ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ، وَلِهَذَا ذَكَرَ صَاحِبُ الْمَنْظُومَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَفْظَ مَهْرِ الْمِثْلِ ، وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُخْتَلِفِ الْعُقْرَ فَعُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْعُقْرِ هُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ . (قَوْلُهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْمَهْرُ) أَيْ مَهْرُ الْمِثْلِ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ . (قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ) أَيْ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ ..

(2/241)


إلَى أَنَّهُ إذَا كَانَ مُنْفَصِلًا لَا يَصِحُّ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ جَوَّزَهُ فِي الْمَجْلِسِ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ جَوَازُهُ إلَى سَنَةٍ وَعَنْهُ جَوَازُهُ أَبَدًا ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «وَاَللَّهِ لَأَغْزُوَنَّ قُرَيْشًا ثَلَاثًا ثُمَّ سَكَتَ ثُمَّ قَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى»
وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ} [المائدة : 89] الْآيَةَ وَلَوْ جَازَ الِاسْتِثْنَاءُ مُنْفَصِلًا لَمَا كَانَ لِإِيجَابِهَا مَعْنًى ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَسْتَثْنِي فِي يَمِينِهِ ، وَكَذَا قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة : 230] فَلَوْ جَازَ مُنْفَصِلًا لَمَا كَانَ لِهَذَا مَعْنًى وَلَكَانُوا يَسْتَثْنُونَ إذَا طَلَّقُوا نِسَاءَهُمْ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بَلْ بَعْدَ مَا تَزَوَّجَتْ وَوَلَدَتْ وَلَا كَانَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَقَالَ نَادِمًا بَيْعَتَهُ» الْحَدِيثَ مَعْنًى ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَسْتَثْنِي إذَا نَدِمَ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى رِضَا الْآخَرِ
وَكَذَا قَالَ «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ» ، وَلَوْ جَازَ مُنْفَصِلًا لَأَمَرَهُ بِهِ وَلَمَا وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ أَبَدًا وَرُوِيَ أَنَّ امْرَأَةً أَنْكَرَتْ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فِي ذَلِكَ ، وَقَالَتْ لَوْ كَانَ مَا قَالَهُ جَائِزًا لَمْ يَكُنْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ} [ص : 44] مَعْنًى وَرُوِيَ أَنَّ أَبَا جَعْفَرٍ الْمَنْصُورَ دَعَا أَبَا حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَالَ لَهُ لِمَ خَالَفْت جَدِّي فِي الِاسْتِثْنَاءِ فَقَالَ لَهُ لِحِفْظِ الْخِلَافَةِ عَلَيْك فَإِنَّك تَأْخُذُ عَقْدَ الْبَيْعَةِ بِالْأَيْمَانِ وَالْعُهُودِ الْمُوَثَّقَةِ عَلَى وُجُوهِ الْعَرَبِ وَسَائِرِ النَّاسِ فَيَخْرُجُونَ مِنْ عِنْدِك وَيَسْتَثْنُونَ فَيَخْرُجُونَ عَلَيْك فَقَالَ أَحْسَنْت فَاسْتُرْ عَلَيَّ وَخَلَّى سَبِيلَهُ ثُمَّ إذَا سَكَتَ قَدْرَ مَا يَتَنَفَّسُ أَوْ تَجَشَّأَ أَوْ كَانَ بِلِسَانِهِ ثِقَلٌ وَطَالَ فِي تَرَدُّدِهِ ثُمَّ قَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ صَحَّ اسْتِثْنَاؤُهُ
وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَسْتَثْنِيَ فَسَدَّ إنْسَانٌ فَمَهُ فَمَنَعَهُ ثُمَّ رَفَعَ يَدَهُ عَنْهُ وَاسْتَثْنَى مُتَّصِلًا بِرَفْعِهِ صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ ، وَلَوْ جَرَى عَلَى لِسَانِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ وُجِدَ حَقِيقَةً وَهُوَ صَرِيحٌ فِي بَابِهِ فَلَا يَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ التَّعْلِيقُ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى إعْدَامٌ وَإِبْطَالٌ لَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ هُوَ تَعْلِيقٌ بِشَرْطٍ إلَّا أَنَّ الشَّرْطَ لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ فَلَا يَقَعُ كَمَا لَوْ عَلَّقَهُ بِمَشِيئَةِ غَائِبٍ إذَا بَلَغَهُ وَشَاءَ فِي مَجْلِسِهِ يَقَعُ ، وَلِهَذَا شَرَطَ أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا كَسَائِرِ الشُّرُوطِ لَهُمَا أَنَّ مَعْنَاهُ رَفْعُ الْحُكْمِ وَإِعْدَامُهُ مِنْ الْأَصْلِ ،
وَهَذَا لِأَنَّ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ وَإِنْ كَانَ إعْدَامًا لِلْحَالِ لَكِنْ لَهُ عَرْضِيَّةُ الْوُجُودِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَهَذَا إعْدَامٌ لِحُكْمِ الْكَلَامِ أَصْلًا إذْ لَا طَرِيقَ لِلْوُصُولِ إلَى مَعْرِفَةِ مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَكَانَ إبْطَالًا فَأَبُو يُوسُفَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ جَوَّزَهُ فِي الْمَجْلِسِ) أَيْ وَقَاسُوا عَلَى التَّخْصِيصِ الْمُتَرَاخِيَ فَقَالَ ذَلِكَ جَائِزٌ بِطَرِيقِ الْبَيَانِ فَكَذَا قُلْنَا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الرِّوَايَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ صَحِيحَةٌ فَكَيْفَ يُقَالُ هَذَا وَهُوَ مِنْ أَفْصَحِ أَهْلِ اللِّسَانِ وَهُمْ لَمْ يَسْتَعْمِلُوا مِثْلَ هَذَا قَطُّ حَتَّى لَوْ قَالَ أَحَدٌ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْهُ قَدْرًا مَعْلُومًا بَعْدَ يَوْمٍ يَسْخَرُ مِنْهُ وَيَضْحَكُ بِخِلَافِ التَّخْصِيصِ الْمُتَرَاخِي فَإِنَّهُ يُسْتَعْمَلُ عِنْدَهُمْ أَنْ يَذْكُرَ اللَّفْظَ عَامًّا ثُمَّ يَقُولَ الْمُتَكَلِّمُ بِهِ بَعْدَ زَمَانٍ إنَّ مُرَادِيَ كَانَ بِهِ ذَلِكَ الشَّيْءُ الْخَاصُّ فَبَطَلَ الْقِيَاسُ لِلْفَرْقِ وَأَيْضًا التَّخْصِيصُ إنَّمَا يَكُونُ بِالنَّصِّ الْمُنْفَصِلِ الْقَائِمِ بِنَفْسِهِ بِخِلَافِ الِاسْتِثْنَاءِ فَإِنَّهُ لَا صِحَّةَ لَهُ مَا لَمْ يَكُنْ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ وَلَا يُقَالُ قَدْ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَأَغْزُوَنَّ قُرَيْشًا ثُمَّ قَالَ بَعْدَ سَنَةٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى» ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ صَحِيحٌ وَلَئِنْ صَحَّ فَنَقُولُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ كَانَ مِنْ قَوْلِهِ «لَأَغْزُوَنَّ قُرَيْشًا» الَّذِي سَبَقَ قَبْلَ سَنَةٍ ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ كَانَ مِنْ كَلَامٍ آخَرَ مُتَّصِلٍ بِهِ وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ كَانَ مِنْهُ لَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ قَصْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إلَى الِاسْتِثْنَاءِ فَلِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَصْدُهُ إلَى اسْتِدْرَاكِ الْمَأْمُورِ بِهِ الْفَائِتِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا - إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} [الكهف : 23 - 24] . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ . (قَوْلُهُ ، وَلَوْ جَرَى عَلَى لِسَانِهِ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ وَلَا يَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ حَتَّى لَوْ جَرَى عَلَى لِسَانِهِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ لَا يَقَعُ وَحُكِيَ فِيهِ عِنْدَنَا خِلَافٌ ، قَالَ خَلَفٌ يَقَعُ ، وَقَالَ شَدَّادٌ لَا يَقَعُ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ مَعَ الِاسْتِثْنَاءِ لَيْسَ طَلَاقًا ، وَقَالَ رَأَيْت أَبَا يُوسُفَ فِي النَّوْمِ فَسَأَلْته فَقَالَ لَا يَقَعُ فَقُلْت لِمَ قَالَ أَرَأَيْت لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ أَوْ غَيْرُ طَالِقٍ أَكَانَ يَقَعُ قُلْت لَا قَالَ كَذَا هُنَا ، وَكَذَا لَمْ يَرِدْ مَا هُوَ إنْ شَاءَ اللَّهُ لِمَا ذَكَرْنَا وَصَارَ كَسُكُوتِ الْبِكْرِ إذَا زَوَّجَهَا أَبُوهَا فَسَكَتَتْ وَلَا تَدْرِي أَنَّ السُّكُوتَ رِضًا يَمْضِي بِهِ الْعَقْدُ عَلَيْهَا وَفِي خَارِجِ الْمَذْهَبِ خِلَافٌ فِي النِّيَّةِ قِيلَ يُشْتَرَطُ نِيَّةُ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ أَوَّلِ الْكَلَامِ وَقِيلَ قَبْلَ فَرَاغِهِ وَقِيلَ ، وَلَوْ بَعْدَ فَرَاغِهِ وَقِيلَ وَلَوْ بِالْقُرْبِ مِنْ الْكَلَامِ وَلَا يُشْتَرَطُ اتِّصَالُهَا بِهِ . ا هـ . كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - . (قَوْلُهُ لَا يَقَعُ) وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَى عَدَمِ وُقُوعِهِ الْحُسَامُ الشَّهِيدُ فِي الْوَقَعَاتِ وَصَاحِبُ الْغَايَةِ وَصَاحِبُ الِاخْتِيَارِ وَغَيْرُهُ ا هـ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . (قَوْلُهُ ثُمَّ التَّعْلِيقُ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى إعْدَامٌ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْهِدَايَةِ فَيَكُونُ إعْدَامًا مِنْ الْأَصْلِ أَيْ يَكُونُ التَّعْلِيقُ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى إعْدَامًا مِنْ الِابْتِدَاءِ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِالْمَشِيئَةِ فَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَنْتِ طَالِقٌ أَصْلًا ا هـ ثُمَّ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ كَوْنَهُ إعْدَامًا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِثْنَاءِ عِنْدَهُ وَكَوْنَهُ شَرْطًا عَلَى مَذْهَبِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ، وَلِهَذَا قَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَهُوَ يَمِينٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ حَتَّى لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ حَلَفْت بِطَلَاقِك فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى يَحْنَثُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَكُونُ يَمِينًا حَتَّى لَا يَحْنَثَ بِهِ عِنْدَهُ . ا هـ . وَظَاهِرُهُ أَنْ لَا قَوْلَ لِلْإِمَامِ فِي كَوْنِهِ إبْطَالًا أَوْ تَعْلِيقًا وَالْأَكْمَلُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمْ يَنْصِبْ الْخِلَافَ إلَّا بَيْنَ الصَّاحِبَيْنِ فَقَطْ كَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْأَتْقَانِيُّ وَقَدْ حَكَى الْكَمَالُ الْخِلَافَ كَمَا هُنَا ا هـ . (قَوْلُهُ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ هُوَ تَعْلِيقٌ إلَخْ) مُلَاحَظَةٌ لِلصِّيغَةِ وَهُمَا لَاحَظَا الْمَعْنَى وَهُوَ أَوْلَى وَقَدْ نُقِلَ الْخِلَافُ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ عَلَى عَكْسِهِ . ا هـ . فَتْحٌ . (قَوْلُهُ كَمَا لَوْ عَلَّقَهُ بِمَشِيئَةِ غَائِبٍ) يُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ عَقِبَ قَوْلِهِ بِمَشِيئَةِ غَائِبٍ إذَا بَلَغَهُ وَشَاءَ فِي مَجْلِسِهِ يَقَعُ ا هـ . (قَوْلُهُ فَكَانَ إبْطَالًا) قَالَ الْكَمَالُ .

(2/242)


اعْتَبَرَ الصِّيغَةَ وَهُمَا اعْتَبَرَا الْمَعْنَى وَقِيلَ الْخِلَافُ بِالْعَكْسِ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي مَوَاضِعَ مِنْهَا إذَا قَدَّمَ الشَّرْطَ وَلَمْ يَأْتِ بِالْفَاءِ فِي الْجَوَابِ بِأَنْ قَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْتِ طَالِقٌ فَعِنْدَهُمَا لَا يَقَعُ ؛ لِأَنَّهُ إبْطَالٌ فَلَا يَخْتَلِفُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَقَعُ ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ لَا يَصِحُّ إلَّا بِالرَّابِطَةِ وَهِيَ الْفَاءُ كَمَا لَوْ قَالَ لَهَا إنْ دَخَلْت الدَّارَ أَنْتِ طَالِقٌ ، وَكَذَا لَوْ قَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ قَالَ كُنْت طَلَّقْتُك أَمْسِ إنْ شَاءَ اللَّهُ لَا يَقَعُ عِنْدَهُمَا لِلْإِبْطَالِ وَيَقَعُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِعَدَمِ صِحَّةِ التَّعْلِيقِ وَمِنْهَا إذَا جَمَعَ بَيْنَ يَمِينَيْنِ بِأَنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ وَعَبْدِي حُرٌّ إنْ كَلَّمْت زَيْدًا إنْ شَاءَ اللَّهُ يَنْصَرِفُ إلَى الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ كَالشَّرْطِ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الشَّرْطِ إذَا دَخَلَ عَلَى جُمْلَتَيْنِ مُعَلَّقَتَيْنِ بِشَرْطَيْنِ يَنْصَرِفُ إلَى الْأَخِيرَةِ مِنْهُمَا وَعِنْدَهُمَا يَنْصَرِفُ إلَى الْكُلِّ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ بِالْإِبْطَالِ
وَلَوْ أَدْخَلَهُ فِي الْإِيقَاعَيْنِ بِأَنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَعَبْدِي حُرٌّ إنْ شَاءَ اللَّهُ يَنْصَرِفُ إلَى الْكُلِّ بِالْإِجْمَاعِ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِمَا ذَكَرْنَا . وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَلِأَنَّهُ كَالشَّرْطِ عِنْدَهُ وَهُوَ إذَا دَخَلَ عَلَى إيقَاعَيْنِ يَنْصَرِفُ إلَيْهِمَا ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ ، وَقَالَ فِي الْغَايَةِ بَعْدَ ذِكْرِ الْمَسْأَلَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ يَنْصَرِفُ إلَى الْيَمِينَيْنِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَزَاهُ إلَى أَيْمَانِ الْجَامِعِ وَمِنْهَا أَنَّهُ إذَا حَلَفَ لَا يَحْلِفُ بِالطَّلَاقِ أَوْ بِالْيَمِينِ يَحْنَثُ بِذَلِكَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِلشَّرْطِ وَلَا يَحْنَثُ عِنْدَهُمَا .

، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً إنْ شَاءَ اللَّهُ وَأَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ إنْ لَمْ يَشَأْ اللَّهُ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَحِقَهُ الِاسْتِثْنَاءُ فَلَمْ يَقَعْ بِهِ وَالثَّانِيَ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَقَعَ الطَّلَاقُ بِهِ لَشَاءَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَكَانَ فِي تَصْحِيحِهِ إبْطَالُهُ ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً الْيَوْمَ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَإِنْ لَمْ يَشَأْ اللَّهُ فَثِنْتَيْنِ فَمَضَى الْيَوْمُ وَلَمْ يُطَلِّقْهَا وَقَعَ ثِنْتَانِ لِأَنَّهُ لَوْ شَاءَ اللَّهُ الْوَاحِدَةَ فِي الْيَوْمِ لَطَلَّقَهَا فِيهِ فَثَبَتَ أَنَّهُ لَمْ يَشَأْ اللَّهُ الْوَاحِدَةَ فَتَحَقَّقَ شَرْطُ وُقُوعِ الثِّنْتَيْنِ وَهُوَ عَدَمُ مَشِيئَةِ الْوَاحِدَةِ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ ؛ لِأَنَّ شَرْطَ وُقُوعِ الثِّنْتَيْنِ فِيهَا عَدَمُ مَشِيئَتِهَا فَلَا يُتَصَوَّرُ وُقُوعُهُمَا مَعَ عَدَمِ مَشِيئَةِ اللَّهِ لَهُمَا لِأَنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ كُلَّهَا بِمَشِيئَتِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ إنْ شَاءَ اللَّهُ فِي الْيَوْمِ وَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إنْ لَمْ يَشَأْ اللَّهُ تَطْلُقُ ثَلَاثًا ؛ لِأَنَّهَا مُعَلَّقَةٌ بِعَدَمِ مَشِيئَةِ الثِّنْتَيْنِ
وَقَدْ تَحَقَّقَ عَدَمُ الْمَشِيئَةِ إذْ لَوْ شَاءَهُمَا لَوَقَعَتَا وَكَمَا يَبْطُلُ بِقَوْلِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ يَبْطُلُ بِقَوْلِهِ إنْ لَمْ يَشَأْ اللَّهُ أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ ، وَكَذَا إذَا عَلَّقَهُ بِمَشِيئَةِ مَنْ لَا تَظْهَرُ مَشِيئَتُهُ لَنَا كَالْجِنِّ وَكَالْحَائِطِ وَالْمَلَائِكَةِ يَكُونُ تَعْلِيقًا أَوْ إبْطَالًا عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي مَضَى . وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَثَلَاثًا إنْ شَاءَ اللَّهُ أَوْ قَالَ أَنْتَ حُرٌّ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَقَعَ الْعِتْقُ وَالثَّلَاثُ فِي الْحَالِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ وَلَمْ يَقَعَانِ ؛ لِأَنَّ هَذَا الْكَلَامَ صَحِيحٌ لُغَةً فَصَحَّ فَعَمِلَ فِي الْكُلِّ كَمَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ سِتًّا إنْ شَاءَ اللَّهُ وَلَهُ أَنَّ ذِكْرَ الثَّلَاثِ الثَّانِي لَغْوٌ شَرْعًا فَصَارَ فَاصِلًا بِكَلَامٍ آخَرَ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَوَاحِدَةً إنْ شَاءَ اللَّهُ أَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَثَلَاثًا إنْ شَاءَ اللَّهُ حَيْثُ يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ
وَلَا يَقَعُ بِهِ شَيْءٌ إجْمَاعًا لِأَنَّ الْكَلَامَ الثَّانِيَ لَيْسَ بِلَغْوٍ بَلْ يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ وَهُوَ تَكْمِيلُ الثَّلَاثِ مِنْهَا ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا بَوَائِنَ إنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ وَيَقَعُ فِي الْحَالِ ؛ لِأَنَّهُ وَصْفٌ لَا يُفِيدُ فَصَارَ لَغْوًا لِعَدَمِ احْتِمَالِ خِلَافِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً بَائِنَةٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ حَيْثُ يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ وَلَمْ يَقَعْ بِهِ شَيْءٌ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُهُ وَيَحْتَمِلُ خِلَافَهُ فَصَارَ الْوَصْفُ مُفِيدًا فَلَا يَلْغُو ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ أَوْ بِإِرَادَتِهِ أَوْ بِمَحَبَّتِهِ أَوْ بِرِضَاهُ لَا يَقَعُ ؛ لِأَنَّهُ إبْطَالٌ أَوْ تَعْلِيقٌ بِمَا لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ كَقَوْلِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ ؛ لِأَنَّ حَرْفَ الْبَاءِ لِلْإِلْصَاقِ وَفِي التَّعْلِيقِ إلْصَاقُ الْجَزَاءِ بِالشَّرْطِ وَإِنْ أَضَافَهُ إلَى الْعَبْدِ كَانَ تَمْلِيكًا مِنْهُ فَيَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ كَقَوْلِهِ إنْ شَاءَ فُلَانٌ
وَإِنْ قَالَ بِأَمْرِهِ أَوْ بِحُكْمِهِ أَوْ بِقَضَائِهِ أَوْ بِإِذْنِهِ أَوْ بِعَمَلِهِ أَوْ بِقُدْرَتِهِ يَقَعُ فِي الْحَالِ سَوَاءٌ أَضَافَهُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى أَوْ إلَى الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ فِي مِثْلِهِ التَّنْجِيزُ عُرْفًا كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ بِحُكْمِ الْقَاضِي وَإِنْ قَالَ بِحَرْفِ اللَّامِ يَقَعُ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا سَوَاءٌ أَضَافَهُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى أَوْ إلَى الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّهُ لِلتَّعْلِيلِ كَأَنَّهُ أَوْقَعَ وَعَلَّلَ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ لِدُخُولِك الدَّارَ وَإِنْ ذَكَرَ بِحَرْفِ فِي إنْ أَضَافَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى لَا يَقَعُ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا إلَّا فِي الْعِلْمِ فَإِنَّهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ فِيهِ لِلْحَالِ ؛ لِأَنَّ فِي بِمَعْنَى الشَّرْطِ فَيَكُونُ تَعْلِيقًا بِمَا لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ فَلَا يَقَعُ إلَّا فِي الْعِلْمِ ؛ لِأَنَّهُ يُذْكَرُ لِلْمَعْلُومِ وَهُوَ وَاقِعٌ ، وَلِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ إلَّا أَنَّهُ عَزَى إلَيْهِ الْإِبْطَالَ فَتَحَصَّلَ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ إبْطَالٌ ا هـ . (قَوْلُهُ يَنْصَرِفُ إلَى الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ) أَيْ فَلَوْ كَلَّمَتْ زَيْدًا لَا يَقَعُ ، وَلَوْ دَخَلَتْ الدَّارَ يَقَعُ . ا هـ . فَتْحٌ . (قَوْلُهُ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ بِالْإِبْطَالِ) قَالَ فِي الْفَتْحِ فَلَوْ كَلَّمَتْ زَيْدًا أَوْ دَخَلَتْ الدَّارَ لَا يَقَعُ ا هـ . (قَوْلُهُ فَلِمَا ذَكَرْنَا) أَيْ مِنْ عَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ بِالْإِبْطَالِ ا هـ . (قَوْلُهُ يَحْنَثُ بِذَلِكَ) أَيْ بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ..

(قَوْلُهُ وَكَالْحَائِطِ) أَيْ كَمَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ الْمَلَكُ أَوْ الْجِنُّ أَوْ الْحَائِطُ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ . (قَوْلُهُ أَوْ قَالَ أَنْتَ حُرٌّ وَحُرٌّ إلَخْ) وَلَوْ قَالَ حُرٌّ حُرٌّ بِلَا وَاوٍ وَاسْتَثْنَى لَا يُعْتَبَرُ فَاصِلًا بِلَا خِلَافٍ لِظُهُورِ التَّأْكِيدِ وَقِيَاسُهُ إذَا كَرَّرَ ثَلَاثًا بِلَا وَاوٍ يَكُونُ مِثْلَهُ ، وَلَوْ قَالَ عَبْدُهُ حُرٌّ وَعَتِيقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ صَحَّ فَلَا يَعْتِقُ بِخِلَافِ حُرٌّ وَحُرٌّ ؛ لِأَنَّ الْعَطْفَ التَّفْسِيرِيَّ إنَّمَا يَكُونُ بِغَيْرِ لَفْظِ الْأَوَّلِ فَلَا يَصِحُّ ، وَحُرٌّ لِقَوْلِهِ " حُرٌّ " تَفْسِيرٌ فَكَانَ فَاصِلًا بِخِلَافِ " حُرٌّ عَتِيقٌ " . ا هـ . فَتْحٌ . (قَوْلُهُ لَا يَقَعُ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا إلَّا فِي الْعِلْمِ) أَيْ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ فِي عِلْمِ اللَّهِ ا هـ .

(2/243)


نَفْيُهُ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى بِحَالٍ ؛ لِأَنَّهُ يَعْلَمُ مَا كَانَ وَمَا لَمْ يَكُنْ فَكَانَ تَعْلِيقًا بِأَمْرٍ مَوْجُودٍ فَيَكُونُ إيقَاعًا وَلَا يَلْزَمُ الْقُدْرَةُ ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْقُدْرَةِ هُنَا التَّقْدِيرُ وَيُقَدِّرُ شَيْئًا وَقَدْ لَا يُقَدِّرُهُ حَتَّى لَوْ أَرَادَ بِهِ حَقِيقَةَ قُدْرَتِهِ تَعَالَى يَقَعُ فِي الْحَالِ
وَإِنْ أَضَافَهُ إلَى الْعَبْدِ كَانَ تَمْلِيكًا فِي الْأَرْبَعِ الْأُوَلِ تَعْلِيقًا فِي غَيْرِهَا فَالْحَاصِلُ أَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ عَشَرَةٌ أَرْبَعَةٌ مِنْهَا لِلتَّمْلِيكِ وَهِيَ الْمَشِيئَةُ وَأَخَوَاتُهَا وَسِتَّةٌ لَيْسَتْ لِلتَّمْلِيكِ وَهِيَ الْأَمْرُ وَأَخَوَاتُهُ وَالْكُلُّ عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يُضَافَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى أَوْ إلَى الْعَبْدِ وَكُلُّ وَجْهٍ عَلَى وُجُوهٍ ثَلَاثَةٍ إمَّا أَنْ يَكُونَ بِالْبَاءِ أَوْ بِاللَّامِ أَوْ بَقِيَ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَتَأَمَّلْهُ .

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً يَقَعُ ثِنْتَانِ وَفِي الِاثْنَتَيْنِ يَقَعُ وَاحِدَةٌ وَفِي إلَّا ثَلَاثًا ثَلَاثٌ) أَيْ فِيمَا إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً يَقَعُ ثِنْتَانِ وَفِيمَا إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا ثِنْتَيْنِ يَقَعُ وَاحِدَةٌ وَفِيمَا إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا ثَلَاثًا يَقَعُ ثَلَاثٌ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ تَكَلَّمَ بِالْبَاقِي بَعْدَ الثَّنِيَّا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنَّ عِنْدَهُ الِاسْتِثْنَاءَ يَمْنَعُ الْحُكْمَ بِطَرِيقِ الْمُعَارَضَةِ كَدَلِيلِ الْخُصُوصِ فَإِذَا قَالَ عَلَى عَشْرَةٍ إلَّا خَمْسَةً فَهَذَا اللَّفْظُ عِبَارَةٌ عَنْ الْخَمْسَةِ عِنْدَنَا وَصَارَ اسْمًا لَهَا كَمَا صَارَ قَوْلُهُ مُسْلِمُونَ اسْمًا لِلْجَمْعِ وَلَا دَلَالَةَ لَهُ عَلَى الْمُفْرَدِ بَعْدَ أَنْ كَانَ جُزْأَهُ وَهُوَ قَوْلُهُ مُسْلِمٌ اسْمًا لِلْمُفْرَدِ قَبْلَ التَّرْكِيبِ فَزَالَ ذَلِكَ الْمَعْنَى بِالزِّيَادَةِ
فَكَذَا هَذَا وَعِنْدَهُ دَخَلَتْ الْعَشَرَةُ كُلُّهَا ثُمَّ خَرَجَتْ الْخَمْسَةُ بِطَرِيقِ الْمُعَارَضَةِ كَأَنَّهُ قَالَ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا خَمْسَةً فَإِنَّهَا لَيْسَتْ عَلَيَّ ، وَلِهَذَا جَازَ إظْهَارُهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} [الحجر : 30] {إِلا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ} [الحجر : 31] ، وَكَذَا قَوْلُ أَهْلِ اللُّغَةِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّهُمْ قَالُوا الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ وَمِنْ الْإِثْبَاتِ نَفْيٌ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّهُ إخْرَاجٌ لِلْبَعْضِ بِطَرِيقِ الْمُعَارَضَةِ بَعْدَ دُخُولِهِ فِي الْجُمْلَةِ وَنَحْنُ نَقُولُ هَذَا فَاسِدٌ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي وُسْعِهِ أَنْ يُخْرِجَ بَعْضَ الْحُكْمِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ ، وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ بِطَرِيقِ الْمُعَارَضَةِ لَاسْتَوَى فِيهِ الْكُلُّ وَالْبَعْضُ كَالنَّسْخِ وَلَكَانَ مُسْتَقِلًّا أَيْضًا وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا صَحَّ ذَلِكَ فِي الْأَخْبَارِ ؛ لِأَنَّ التَّعَارُضَ فِيهَا يُؤَدِّي إلَى أَنَّ أَحَدَهُمَا كَذِبٌ أَوْ يُشْبِهُ الْكَذِبَ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ قَوْله تَعَالَى {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلا خَمْسِينَ} [العنكبوت : 14] عِبَارَةٌ عَنْ تِسْعِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ لَا أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَخْبَرَ بِأَنَّهُ لَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ
وَكَذَا قَوْله تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - {إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ} [الزخرف : 26] {إِلا الَّذِي فَطَرَنِي} [الزخرف : 27] يَكُونُ تَبَرَّأَ مِنْ غَيْرِ اللَّهِ لَا أَنَّهُ تَبَرَّأَ مِنْهُ أَوَّلًا ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ فَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّعَارُضَ تَنَاقُضٌ فَلَا يُتَصَوَّرُ مِنْ الصَّادِقِ وَقَوْلُ أَهْلِ اللُّغَةِ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ وَمِنْ الْإِثْبَاتِ نَفْيٌ تَسَامُحٌ ؛ لِأَنَّهُ لَوْلَا الِاسْتِثْنَاءُ لَدَخَلَ فَمَنَعَهُ مِنْ الدُّخُولِ فَصَارَ كَالْمُخْرَجِ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا قَالَ عَلَى أَلْفٍ إلَّا مِائَةً أَوْ خَمْسِينَ يَلْزَمُهُ تِسْعُمِائَةٍ لِلشَّكِّ فِي الدُّخُولِ وَعِنْدَهُ يَلْزَمُهُ تِسْعُمِائَةٍ وَخَمْسُونَ ؛ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ عِنْدَهُ بِيَقِينٍ وَالشَّكُّ فِي الْمُخْرَجِ فَيَخْرُجُ الْأَقَلُّ بِيَقِينٍ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مَوْصُولًا بِخِلَافِ الْعَطْفِ حَيْثُ يَصِحُّ
وَإِنْ كَانَ مُنْفَصِلًا لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُغَيِّرٍ فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا نَقُولُ يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ الْبَعْضِ مِنْ الْجَمِيعِ سَوَاءٌ اسْتَثْنَى الْأَقَلَّ أَوْ الْأَكْثَرَ وَهُوَ مَذْهَبُ الْكُوفِيِّينَ إلَّا الْفَرَّاءَ مِنْهُمْ ، وَقَالَ ابْنُ مَالِكٍ هُوَ الصَّحِيحُ ثُمَّ قَالَ وَمِمَّنْ وَافَقَهُمْ ابْنُ خَرُوفٍ وَلَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ الْكُلِّ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ بَعْدَهُ شَيْءٌ يَصِيرُ مُتَكَلِّمًا بِهِ وَصَارَ فَاللَّفْظُ إلَيْهِ ، وَقَالَ الْفَرَّاءُ لَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ الْأَكْثَرِ ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ لَمْ تَتَكَلَّمْ بِهِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْبَصْرِيِّينَ وَمِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ مَنْ اشْتَرَطَ الْأَقَلَّ وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ بَلْ اسْتِثْنَاءُ النِّصْفِ جَائِزٌ
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْأَكْثَرِ لَا يَجُوزُ وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ قَوْله تَعَالَى {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} [الحجر : 42] فَالْغَاوُونَ أَكْثَرُ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ} [البقرة : 130] فَإِنَّ الْمُرَادَ بِمَنْ سَفِهَ الْمُخَالِفُونَ لِمِلَّةِ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَهُمْ أَكْثَرُ مِمَّنْ اتَّبَعَهَا وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف : 99] إذْ هُمْ أَكْثَرُ مِنْ الرَّابِحِينَ ، وَلِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لَمَّا صَارَ عِبَارَةً عَنْ الْبَاقِي يُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهِ أَنْ يَبْقَى شَيْءٌ يَصِيرُ مُتَكَلِّمًا بِهِ بَعْدَ الثَّنِيَّا وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ قَوْلُهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً) .
(فَرْعٌ) قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي مَبْسُوطِهِ وَهُوَ شَرْحُ الْكَافِي وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْكِتَابِ أَيْ فِي الْكَافِي إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ لَمْ يَقَعْ ثُمَّ قَالَ وَقِيلَ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ تَطْلُقُ ثِنْتَيْنِ ؛ لِأَنَّ التَّطْلِيقَةَ كَمَا لَا تَتَجَزَّأُ فِي الْإِيقَاعِ لَا تَتَجَزَّأُ فِي الِاسْتِثْنَاءِ فَكَأَنَّهُ قَالَ إلَّا وَاحِدَةً وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تَطْلُقُ ثَلَاثًا ؛ لِأَنَّ فِي الْإِيقَاعِ إنَّمَا لَا يَتَجَزَّأُ لِمَعْنَى الْمُوقِعِ وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ فِي الِاسْتِثْنَاءِ فَيَتَجَزَّأُ فِيهِ وَإِذَا كَانَ الْمُسْتَثْنَى نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ صَارَ كَلَامُهُ عِبَارَةً عَنْ تَطْلِيقَتَيْنِ وَنِصْفٍ فَتَطْلُقُ ثَلَاثًا . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - . وَقَالَ الْكَمَالُ فَرْعٌ ، إخْرَاجُ بَعْضِ التَّطْلِيقَةِ لَغْوٌ بِخِلَافِ إيقَاعِهِ فَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ وَقَعَ الثَّلَاثُ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَقِيلَ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ ثِنْتَانِ (قَوْلُهُ بَعْدَ الثَّنِيَّا) أَيْ وَالثَّنِيَّا اسْمٌ بِمَعْنَى الِاسْتِثْنَاءِ وَمَعْنَاهُ إنْ صَدَرَ الْكَلَامُ بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ يَصِيرُ عِبَارَةً عَمَّا وَرَاءَ الْمُسْتَثْنَى يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلا خَمْسِينَ عَامًا} [العنكبوت : 14] مَعْنَاهُ لَبِثَ فِيهِمْ تِسْعَمِائَةٍ وَخَمْسِينَ عَامًا ، وَهَذَا ظَاهِرٌ
وَكَذَا إذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ ، وَقَالَ لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ إلَّا تِسْعًا يَلْزَمُهُ دِرْهَمٌ وَاحِدٌ فَكَأَنَّهُ بِمَا حَصَلَ بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ وَهُوَ الدِّرْهَمُ الْوَاحِدُ فَإِنْ ثَبَتَ هَذَا قُلْنَا تَقَعُ الطَّلْقَتَانِ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً ؛ لِأَنَّ الطَّلْقَتَيْنِ هُمَا الْحَاصِلَتَانِ بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ فَكَأَنَّهُ تَكَلَّمَ بِهِمَا ابْتِدَاءً ، وَقَالَ أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَتَيْنِ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ وَتَقَعُ الطَّلْقَةُ الْوَاحِدَةُ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا ثِنْتَيْنِ ؛ لِأَنَّ الطَّلْقَةَ الْوَاحِدَةَ هِيَ الْحَاصِلَةُ بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ فَكَأَنَّهُ تَكَلَّمَ بِالْوَاحِدَةِ ابْتِدَاءً . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ

(2/244)


أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً اسْتِثْنَاءٌ لِلْأَقَلِّ فَيَقَعُ ثِنْتَانِ بِالْإِجْمَاعِ
وَقَوْلُهُ إلَّا ثِنْتَيْنِ اسْتِثْنَاءٌ لِلْأَكْثَرِ فَيَقَعُ وَاحِدَةٌ عَلَى الْخِلَافِ . وَقَوْلُهُ إلَّا ثَلَاثًا اسْتِثْنَاءٌ لِلْكُلِّ فَلَا يَصِحُّ فَتَقَعُ الثَّلَاثُ بِالْإِجْمَاعِ لِعَدَمِ بَقَاءِ مَا يَصِيرُ بِهِ مُتَكَلِّمًا بَعْدَ الثَّنِيَّا وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ إنَّمَا لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ رُجُوعٌ ، وَهَذَا فَاسِدٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِيمَا يَجُوزُ الرُّجُوعُ عَنْهُ أَيْضًا كَالْوَصِيَّةِ وَقَدْ قَالُوا إنَّمَا لَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ الْكُلِّ إذَا كَانَ بِلَفْظِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ بِأَنْ قَالَ نِسَائِي طَوَالِقُ إلَّا نِسَائِي .
وَأَمَّا إذَا كَانَ بِغَيْرِ ذَلِكَ اللَّفْظِ فَصَحِيحٌ ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ نِسَائِي طَوَالِقُ إلَّا زَيْنَبَ وَهِنْدَ وَعَمْرَةَ وَبَكْرَةَ ، وَلَوْ أَتَى عَلَى الْكُلِّ حَتَّى لَا تَطْلُقَ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ ، وَكَذَا لَوْ قَالَ ثُلُثُ مَالِي لِزَيْدٍ إلَّا ثُلُثَ مَالِي لَا يَصِحُّ ، وَلَوْ قَالَ ثُلُثُ مَالِي لِزَيْدٍ إلَّا أَلْفًا وَثُلُثُ مَالِهِ أَلْفٌ صَحَّ وَلَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا وَيُعْتَبَرُ كَوْنُهُ كُلًّا أَوْ بَعْضًا مِنْ جُمْلَةِ الْكَلَامِ لَا مِنْ جُمْلَةِ الْكَلَامِ الَّذِي يَحْكُمُ بِصِحَّتِهِ حَتَّى لَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ عَشْرًا إلَّا تِسْعًا صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ فَتَقَعُ وَاحِدَةٌ وَإِنْ كَانَ لَا صِحَّةَ لِهَذَا الْكَلَامِ حُكْمًا ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَقَعَ ثَلَاثٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ ؛ لِأَنَّ الْعَطْفَ لِلِاشْتِرَاكِ فَكَأَنَّهُ قَالَ ثَلَاثًا إلَّا ثَلَاثًا
وَقَالَ زُفَرُ يَقَعُ ثِنْتَانِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَزِدْ عَلَى الِاثْنَيْنِ لَكَانَ صَحِيحًا وَلَوَقَعَتْ الثِّنْتَانِ وَإِنَّمَا يَبْطُلُ زِيَادَةُ الثَّالِثَةِ فَتَبْطُلُ هِيَ وَحْدَهَا فَيَقَعُ مَا قَبْلَهَا وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ تَطْلُقُ ثَلَاثًا عِنْدَ مُحَمَّدٍ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ تَكَلَّمَ بِالْحَاصِلِ بَعْدَ الثَّنِيَّا فَيَكُونُ عِبَارَةً عَنْ تَطْلِيقَتَيْنِ وَنِصْفٍ فَيَصِيرُ ثَلَاثًا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَقَعُ ثِنْتَانِ ؛ لِأَنَّ الطَّلْقَةَ كَمَا لَا تَتَجَزَّأُ فِي الْإِيقَاعِ لَا تَتَجَزَّأُ فِي الِاسْتِثْنَاءِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ إلَّا وَاحِدَةً .

(بَابُ الْمَرِيضِ)
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (طَلَّقَهَا رَجْعِيًّا أَوْ بَائِنًا فِي مَرَضِهِ وَمَاتَ فِي عِدَّتِهَا وَرِثَتْ وَبَعْدَهَا لَا) أَيْ إذَا مَاتَ بَعْدَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ فَلَا يَصِحُّ فَتَقَعُ الثَّلَاثُ بِالْإِجْمَاعِ) قَالَ الْكَمَالُ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَلَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ الْكُلِّ مِنْ الْكُلِّ وَمَا حُكِيَ عَنْ بَعْضِهِمْ مِنْ تَجْوِيزِهِ يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى كَوْنِ الْكُلِّ مُخْرَجًا بِغَيْرِ لَفْظِ الصَّدْرِ أَوْ مُسَاوِيهِ كَعَبِيدِي إلَّا مَمَالِيكِي فَيَعْتِقُونَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَبْسُوطِ وَقَاضِي خَانْ وَزِيَادَاتِ الْمُصَنِّفِ ثُمَّ قَالَ الْكَمَالُ
وَفِي الْبَقَّالِي لَوْ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ لِي طَالِقٌ إلَّا هَذِهِ وَلَيْسَ لَهُ امْرَأَةٌ غَيْرُهَا لَا تَطْلُقُ . ا هـ . وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَإِنَّمَا بَطَلَ الِاسْتِثْنَاءُ يَعْنِي الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ الْكُلِّ لِأَنَّهُ لَا يُتَوَهَّمُ وَرَاءَ الْمُسْتَثْنَى شَيْءٌ يَكُونُ الْكَلَامُ عِبَارَةً عَنْهُ بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي الْكَلَامِ لَا فِي الْحُكْمِ بَيَانُهُ إذَا قَالَ عَبِيدِي أَحْرَارٌ إلَّا عَبِيدِي لَمْ يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ ، وَلَوْ قَالَ إلَّا هَؤُلَاءِ صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ وَلَوْ قَالَ نِسَائِي طَوَالِقُ إلَّا نِسَائِي لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ ، وَلَوْ قَالَ إلَّا هَؤُلَاءِ صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ ؛ لِأَنَّهُ يُتَوَهَّمُ بَقَاءُ شَيْءٍ يَكُونُ الْكَلَامُ عِبَارَةً عَنْهُ بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ بِأَنْ يَكُونَ لَهُ عَبِيدٌ مُعْتَقُونَ غَيْرُ هَؤُلَاءِ وَنِسَاءٌ طَوَالِقُ غَيْرُ هَؤُلَاءِ وَلَا يُتَوَهَّمُ هَذَا فِي الصُّورَةِ الْأُولَى . ا هـ . وَقَالَ الْأَكْمَلُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ، وَلَوْ قَالَ نِسَائِي طَوَالِقُ إلَّا زَيْنَبَ وَعَمْرَةَ وَبَكْرَةَ وَسَلْمَى لَا تَطْلُقُ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ وَإِنْ كَانَ هُوَ اسْتِثْنَاءَ الْكُلِّ مِنْ الْكُلِّ
وَهَذَا لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ تَصَرُّفٌ لَفْظِيٌّ فَيَصِحُّ فِيمَا يَصِحُّ فِيهِ اللَّفْظُ فَلَمَّا اسْتَثْنَى الْجَزَاءَ مِنْ الْكُلِّ صَحَّ لَفْظًا فَكَذَا فِيمَا بَقِيَ إذْ لَوْ كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ يَتْبَعُ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ لَمَا صَحَّ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ عَشَرَةً إلَّا تِسْعَةً لِمَا أَنَّهُ لَا مَزِيدَ عَلَى الثَّلَاثِ شَرْعًا وَهُوَ صَحِيحٌ بِلَا خِلَافٍ ا هـ . (قَوْلُهُ لِعَدَمِ بَقَاءِ مَا يَصِيرُ بِهِ مُتَكَلِّمًا إلَخْ) وَتَرْكِيبُ الِاسْتِثْنَاءِ لَمْ يُوضَعْ إلَّا لِلْمُتَكَلِّمِ بِالْبَاقِي بَعْدَ الثَّنِيَّا لَا لِنَفْيِ الْكُلِّ كَمَا يُفِيدُهُ الْبَقَاءُ مَعَ الِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّهُ لِنَفْيِ الْكُلِّ . ا هـ . فَتْحٌ . (قَوْلُهُ لَا يَجُوزُ الرُّجُوعُ عَنْهُ أَيْضًا) كَالْوَصِيَّةِ حَتَّى لَوْ قَالَ أَوْصَيْت لِفُلَانٍ بِثُلُثِ مَالِي إلَّا ثُلُثَ مَالِي كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ بَاطِلًا . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ . (قَوْلُهُ فَتَقَعُ وَاحِدَةٌ وَإِنْ كَانَ لَا صِحَّةَ لِهَذَا الْكَلَامِ) قَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ فِي كِتَابِ الْعِتْقِ ، وَلَوْ قَالَ لِثَلَاثَةٍ أَنْتُمْ أَحْرَارٌ إلَّا فُلَانًا وَفُلَانًا وَفُلَانًا عَتَقُوا جَمِيعًا وَبَطَلَ الِاسْتِثْنَاءُ ، وَذَكَرَ فِي الطَّلَاقِ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي وَتَقَعُ الثَّلَاثَةُ وَيَبْطُلُ اسْتِثْنَاؤُهَا فَعَلَى قِيَاسِ تِلْكَ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَجَبَ أَنْ لَا يَعْتِقَ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي ، وَيَعْتِقُ الثَّالِثُ ا هـ .
(قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفِي الذَّخِيرَةِ لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً بَطَلَ الِاسْتِثْنَاءُ وَوَقَعَ الثَّلَاثُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَقَعُ ثِنْتَانِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَاحِدَةٌ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ فَكَأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يَرَى تَوَقُّفَ صِحَّةِ الْأُولَى إلَى أَنْ يَظْهَرَ أَنَّهُ مُسْتَغْرِقٌ أَوَّلًا وَهُمَا يَرَيَانِ اقْتِصَارَ صِحَّتِهِ عَلَى الْأَوَّلِ وَأَبُو يُوسُفَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى عَنْهُ وَزُفَرُ يَرَيَانِ اقْتِصَارَ صِحَّتِهِ عَلَى الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ أَوْجَهُ ؛ لِأَنَّ الصَّدْرَ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْإِخْرَاجِ وَلَوْ قَالَ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً إلَّا ثَلَاثًا بَطَلَ الِاسْتِثْنَاءُ اتِّفَاقًا لِعَدَمِ تَعَدُّدٍ يَصِحُّ مَعَهُ إخْرَاجُ شَيْءٍ ا هـ .
(قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَزِدْ عَلَى الِاثْنَتَيْنِ لَكَانَ صَحِيحًا) أَيْ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ إلَّا وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً كَانَ مُسْتَثْنِيًا لِلثِّنْتَيْنِ فَكَانَ صَحِيحًا وَإِنَّمَا بَطَلَ اسْتِثْنَاءُ الثَّالِثَةِ فَقَطْ . (قَوْلُهُ ، وَلَوْ وَقَعَتْ الْوَاحِدَةُ) فِي نُسْخَةٍ الثِّنْتَانِ أَيْ مُسْتَثْنَاةً فَتَقَعُ الْوَاحِدَةُ . (قَوْلُهُ فَتَقَعُ الثِّنْتَانِ) أَيْ مُسْتَثْنَاةً فَتَقَعُ الْوَاحِدَةُ . وَقَوْلُهُ فَتَقَعُ الثِّنْتَانِ كَذَا هُوَ فِي نُسَخٍ عَدِيدَةٍ مِنْ هَذَا الشَّرْحِ وَالظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ فَتَقَعُ الْوَاحِدَةُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ..

(بَابُ الْمَرِيضِ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمَّا فَرَغَ مِنْ طَلَاقِ الصَّحِيحِ بِأَقْسَامِهِ مِنْ التَّنْجِيزِ وَالتَّعْلِيقِ وَالصَّرِيحِ وَالْكِنَايَةِ كُلًّا وَجُزْءًا شَرَعَ فِي بَيَانِ طَلَاقِ الْمَرِيضِ إذْ الْمَرَضُ مِنْ الْعَوَارِضِ وَتَصَوُّرُ مَفْهُومِهِ ضَرُورِيٌّ إذْ لَا شَكَّ أَنَّ فَهْمَ الْمُرَادِ مِنْ لَفْظِ الْمَرَضِ أَجْلَى مِنْ فَهْمِهِ مِنْ قَوْلِنَا مَعْنًى يَزُولُ بِحُلُولِهِ فِي بَدَنِ الْحَيِّ اعْتِدَالُ الطَّبَائِعِ الْأَرْبَعِ بَلْ ذَلِكَ يَجْرِي مَجْرَى التَّعْرِيفِ بِالْأَخْفَى فَتْحٌ .

(2/245)


انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا لَا تَرِثُ . وَقَوْلُهُ فِي مَرَضِهِ تَقْيِيدٌ لِلْبَائِنِ . وَأَمَّا فِي الرَّجْعِيِّ فَتَرِثُ مِنْهُ مُطْلَقًا إذَا مَاتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ لِبَقَاءِ الزَّوْجِيَّةِ بَيْنَهُمَا ، وَلِهَذَا يَرِثُهَا هُوَ إذَا مَاتَتْ بِخِلَافِ الْبَائِنِ ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ وَهُوَ النِّكَاحُ قَدْ زَالَ فَلَا يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تَرِثَهُ كَمَا لَا يَرِثُهَا هُوَ لَكِنْ إذَا صَارَ فَارًّا بِأَنْ طَلَّقَهَا بَعْدَ مَا تَعَلَّقَ حَقُّهَا بِمَالِهِ وَكَانَتْ وَقْتَ الطَّلَاقِ مِمَّنْ تَرِثُهُ بِأَنْ كَانَا حُرَّيْنِ مُتَّحِدِي الدِّينَ رُدَّ عَلَيْهِ قَصْدُهُ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ مِنْ قَرِيبٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ كَافِرَةً وَهُوَ مُسْلِمٌ أَوْ كَانَا مَمْلُوكَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا وَقْتَ الطَّلَاقِ ثُمَّ زَالَ الْمَانِعُ حَيْثُ لَا تَرِثُ لِعَدَمِ تَعَلُّقِ حَقِّهَا بِمَالِهِ وَقْتَ الطَّلَاقِ فَلَا يَكُونُ فَارًّا
وَلَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا الْبَائِنَ بِإِسْلَامِهَا بِأَنْ قَالَ إنْ أَسْلَمْت فَأَنْتِ طَالِقٌ بَائِنًا تَرِثُ ؛ لِأَنَّهُ زَمَانُ تَعَلُّقِ حَقِّهَا بِمَالِهِ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا تَرِثُ الْمُبَانَةُ مُطْلَقًا وَهُوَ الْقِيَاسُ ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ قَدْ ارْتَفَعَ قَبْلَ الْمَوْتِ فَصَارَ كَمَا لَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا ، وَهَذَا لِأَنَّ سَبَبَ الْإِرْثِ شَيْئَانِ إمَّا السَّبَبُ أَوْ النَّسَبُ وَقَدْ انْعَدَمَا فَصَارَ كَمَا لَوْ طَلَّقَهَا فِي صِحَّتِهِ ، وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ أَنَّهُ لَا زَوْجَةَ لَهُ لَا يَحْنَثُ بِهَا وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ مَا رُوِيَ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ وَرَّثَ تُمَاضِرَ بِنْتَ الْأَصْبَغِ امْرَأَةَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَكَانَ قَدْ أَبَانَهَا فِي مَرَضِهِ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَصَارَ إجْمَاعًا وَلَا يَقْدَحُ فِيهِ قَوْلُ ابْنِ الزُّبَيْرِ فِي خِلَافَتِهِ لَوْ كُنْت أَنَا لَمْ أَقُلْ بِتَوْرِيثِهَا ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ
وَذَكَرَ فِي الْغَايَةِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مِنْ الْفُقَهَاءِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ مَعْنَاهُ لَمْ أَقُلْ بِتَوْرِيثِهَا لِجَهْلِي بِالْحُكْمِ ، وَلِأَنَّ الزَّوْجِيَّةَ سَبَبُ إرْثِهَا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ وَالزَّوْجُ قَصَدَ إبْطَالَهُ فَيُرَدُّ عَلَيْهِ قَصْدُهُ بِتَأْخِيرِ عَمَلِهِ إلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لِبَقَاءِ بَعْضِ الْأَحْكَامِ كَمَا رُدَّ تَبَرُّعَاتُهُ فِي حَقِّ الْغَرِيمِ وَالْوَارِثِ وَكَمَا رُدَّ قَصْدُ الْقَاتِلِ حَتَّى بَطَلَ إرْثُهُ مِنْ الْمَقْتُولِ بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَتْ هِيَ حَيْثُ لَا يَرِثُهَا ؛ لِأَنَّ الزَّوْجِيَّةَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَيْسَتْ بِسَبَبٍ لِإِرْثِهِ مِنْهَا لَا سِيَّمَا إذَا رَضِيَ بِهِ هُوَ وَبِخِلَافِ مَا إذَا طَلَّقَهَا بِسُؤَالِهَا ؛ لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِبُطْلَانِ حَقِّهَا وَلَا يُمْكِنُ إبْقَاءُ السَّبَبِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى تَوْرِيثِهَا مِنْ زَوْجَيْنِ وَإِلَى تَوْرِيثِ ثَمَانِي نِسْوَةٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ وَبِهَذَا يُعْلَمُ فَسَادُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهَا تَرِثُ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا وَلَوْ تَزَوَّجَتْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ وَأَمَّا فِي الرَّجْعِيِّ فَتَرِثُ مِنْهُ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ فِي الصِّحَّةِ أَوْ فِي الْمَرَضِ وَسَوَاءٌ كَانَ الطَّلَاقُ بِرِضَاهَا أَمْ بِغَيْرِ رِضَاهَا وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْمَرْأَةُ حُرَّةً مُسْلِمَةً وَقْتَ الطَّلَاقِ أَمْ مَمْلُوكَةً أَمْ كِتَابِيَّةً ثُمَّ أُعْتِقَتْ أَمْ أَسْلَمَتْ فِي الْعِدَّةِ . ا هـ . بَدَائِعُ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا فِي الصِّحَّةِ فِي كُلِّ طُهْرٍ وَاحِدَةً ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا لَا يَرِثُهُ الْآخَرُ .
(قَوْلُهُ فَلَا يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تَرِثَهُ إلَخْ) يَعْنِي لَوْ أَبَانَ امْرَأَتَهُ ثُمَّ مَاتَتْ لَا يَرِثُهَا ؛ لِأَنَّ الزَّوْجِيَّةَ قَدْ بَطَلَتْ بِهَذَا الْعَارِضِ . (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ كَافِرَةً إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ وَلَا بُدَّ مِنْ قَيْدِ كَوْنِهِمَا مِمَّا يَتَوَارَثَانِ حَالَ الطَّلَاقِ ؛ لِأَنَّ تَعَلُّقَ حَقِّهَا بِمَالِهِ إذَا مَرِضَ هُوَ إذْ ذَاكَ حَتَّى لَوْ كَانَتْ كِتَابِيَّةً أَوْ أَحَدُهُمَا مَمْلُوكًا وَقْتَ الطَّلَاقِ لَا يَرِثُ وَإِنْ أَسْلَمَتْ فِي الْعِدَّةِ قَبْلَ مَوْتِهِ أَوْ عَتَقَ ا هـ . (قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ) أَيْ وَهُوَ النِّكَاحُ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ . (قَوْلُهُ قَدْ ارْتَفَعَ قَبْلَ الْمَوْتِ) أَيْ بِالطَّلَاقِ الْبَائِنِ أَوْ الثَّلَاثِ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ . وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَثْبُتَ الْحُكْمُ بِلَا سَبَبٍ كَمَا بَعْدَ الْعِدَّةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ . (قَوْلُهُ تُمَاضِرَ) هُوَ بِضَمِّ التَّاءِ وَكَسْرِ الضَّادِ ا هـ . (قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ) أَيْ وَالْخِلَافُ الْمُتَأَخِّرُ لَا يَرْفَعُ الْإِجْمَاعَ السَّابِقَ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ . (قَوْلُهُ وَذَكَرَ فِي الْغَايَةِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مِنْ الْفُقَهَاءِ) أَيْ إذْ لَمْ يُعْرَفْ لَهُ قَبْلَ ذَلِكَ فَتْوَى وَلَا شُهْرَةٌ بِفِقْهٍ ، وَالْحُكْمُ بِذَلِكَ يَتْبَعُ ظُهُورَ ذَلِكَ فَخِلَافُهُ كَخِلَافِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي مَسْأَلَةِ الْعَوْلِ ا هـ .
(قَوْلُهُ وَالزَّوْجُ قَصَدَ إبْطَالَهُ فَيُرَدُّ عَلَيْهِ قَصْدُهُ) أَيْ وَيُجْعَلُ كَأَنَّ النِّكَاحَ قَائِمٌ فِي حَقِّ الْإِرْثِ حُكْمًا
دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهَا
يُؤَيِّدُهُ أَنَّ مَرَضَ الْمَوْتِ زَمَانَ تَعَلُّقِ حَقِّ الْوَارِثِ بِمَالِ الْمُوَرِّثِ ، وَلِهَذَا يُمْنَعُ مِنْ التَّبَرُّعِ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ فَبَقِيَ النِّكَاحُ فِي حَقِّ الْإِرْثِ كَمَا لَوْ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا فَإِنْ قُلْت لَا نُسَلِّمُ أَنَّ النِّكَاحَ قَائِمٌ أَصْلًا ، وَلِهَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ إذَا وَطِئَهَا وَلَا تَرِثُ إذَا كَانَ الطَّلَاقُ بِرِضَاهَا ، وَكَذَلِكَ لَا تَرِثُ إذَا كَانَ الطَّلَاقُ قَبْلَ الدُّخُولِ ، وَكَذَا لَا تَرِثُ إذَا مَاتَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ، وَكَذَا لَا تَرِثُ إذَا بَرَأَ ثُمَّ مَاتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ فَصَارَ كَمَا إذَا مَاتَتْ الْمَرْأَةُ حَيْثُ لَا إرْثَ لَهُ مِنْهَا قُلْت أَمَّا الْجَوَابُ عَنْ وُجُوبِ الْحَدِّ فَنَقُولُ ذَاكَ بِاعْتِبَارِ ارْتِفَاعِ الْحِلِّ وَلَمْ يَقُلْ يَدُلُّ عَلَى ارْتِفَاعِ النِّكَاحِ أَصْلًا وَهُوَ قَائِمٌ مِنْ وَجْهٍ ، وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ لِلْمُعْتَدَّةِ أَنْ تَتَزَوَّجَ بِزَوْجٍ آخَرَ فَلَمَّا كَانَ النِّكَاحُ قَائِمًا مِنْ وَجْهٍ فِي حَقِّ بَعْضِ الْآثَارِ جُعِلَ قَائِمًا أَيْضًا فِي حَقِّ الْإِرْثِ
دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهَا
وَالْجَوَابُ عَنْ الطَّلَاقِ بِرِضَاهَا فَنَقُولُ رَضِيَتْ بِبُطْلَانِ حَقِّهَا فَلَا تَرِثُ بِعَدَمِ الْفِرَارِ مِنْ الزَّوْجِ وَالْجَوَابُ عَنْ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ فَنَقُولُ لَمَّا لَمْ تَجِبْ الْعِدَّةُ لَمْ يَكُنْ إبْقَاءُ النِّكَاحِ حُكْمًا وَلِأَنَّ الزَّوْجَ وَإِنْ قَصَدَ إبْطَالَ حَقِّهَا قَصَدَ إلَى خَلَفٍ ؛ لِأَنَّهُ مَكَّنَهَا مِنْ التَّزَوُّجِ بِآخَرَ وَتَحْصِيلِ الْمَهْرِ مِنْهُ فَلَمْ يُعْتَبَرْ إبْطَالًا وَالْجَوَابُ عَنْ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ أَنَّهَا لَمَّا تَمَكَّنَتْ مِنْ التَّزَوُّجِ بِزَوْجٍ آخَرَ وَحَلَّ لَهَا ذَلِكَ وُجِدَ الْمُنَافِي لِلنِّكَاحِ الْأَوَّلِ فَلَمْ يُجْعَلْ قَائِمًا وَالْجَوَابُ عَمَّا إذَا بَرَأَ ثُمَّ مَاتَ .
(قَوْلُهُ لِبَقَاءِ بَعْضِ الْأَحْكَامِ) أَيْ ، وَلِهَذَا يَجِبُ لَهَا السُّكْنَى وَلَا يَجُوزُ لَهَا التَّزَوُّجُ بِآخَرَ ا هـ . (قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى تَوْرِيثِهَا مِنْ زَوْجَيْنِ) وَصُورَةُ إرْثِهَا مِنْ زَوْجَيْنِ أَنْ تَتَزَوَّجَ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا ثُمَّ مَاتَ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي وَصُورَةُ إرْثِ الثَّمَانِيَةِ أَنْ يُطَلِّقَ أَرْبَعَ نِسْوَةٍ فَتَنْقَضِيَ عِدَّتُهُنَّ ثُمَّ يَتَزَوَّجَ بِأَرْبَعٍ أُخَرَ ثُمَّ يَمُوتَ ا هـ . (قَوْلُهُ وَبِهَذَا يُعْلَمُ فَسَادُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهَا تَرِثُ) قَالَ الرَّازِيّ ، وَقَالَ مَالِكٌ امْرَأَةُ الْفَارِّ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ قَبْلَ أَنْ تَتَزَوَّجَ بِزَوْجٍ آخَرَ تَرِثَ كَقَوْلِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهَا تَرِثُ مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ ا هـ وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُ مَالِكٍ كَقَوْلِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى ا هـ

(2/246)


بِعَشَرَةِ أَزْوَاجٍ وَقَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْلَمْ فِي الشَّرْعِ وَلَمْ يُجْعَلْ الْإِرْثُ لِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ
وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا دَامَ بِهِ الْمَرَضُ أَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ ثُمَّ مَاتَ ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ بَعْدَ مَوْتِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لَا تَرِثُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تَرِثُ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلٍ وَهُوَ أَنَّ الْمُبَانَةَ إذَا جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ عِنْدَهُ ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ حَادِثٌ فِي الْعِدَّةِ مِنْ زِنَا ، وَلِهَذَا لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ لَكِنْ تَيَقَّنَّا بَرَاءَةَ الرَّحِمِ بَعْدَ وَضْعِهِ فَتَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ وَعِنْدَهُمَا يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ الْحَمْلَ مِنْ زَوْجٍ تَزَوَّجَتْهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا مِنْ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ فِي حَمْلِهِ عَلَى الزِّنَا إضْرَارًا بِالْوَلَدِ فَلَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا أَنَّهُ مِنْ الزِّنَا فَتَبَيَّنَ أَنَّ عِدَّتَهَا قَدْ انْقَضَتْ قَبْلَ مَوْتِهِ فَلَا تَرِثُ وَسَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ فِي ثُبُوتِ النَّسَبِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ أَبَانَهَا بِأَمْرِهَا أَوْ اخْتَلَعَتْ مِنْهُ أَوْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا بِتَفْوِيضِهِ لَمْ تَرِثْ) ؛ لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِإِبْطَالِ حَقِّهَا لِرِضَاهَا بِالْمُبْطِلِ فَيَكُونُ رِضًا بِبُطْلَانِهِ وَهُوَ قَابِلٌ لَهُ فَيَنْعَدِمُ التَّعَدِّي وَالتَّأْخِيرُ لِحَقِّهَا إذَا كَانَ مُتَعَدِّيًا بِخِلَافِ مَا إذَا طَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا فَأَجَازَ حَيْثُ تَرِثُ ؛ لِأَنَّ الْمُبْطِلَ لِلْإِرْثِ إجَازَتُهُ وَبِخِلَافِ النَّسَبِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ الْإِبْطَالَ ، وَقَالَ مَالِكٌ لَهَا الْمِيرَاثُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ قَالَ لِتُمَاضِرَ إذَا طَهُرْت فَآذِنِينِي فَطَهُرَتْ فَأَعْلَمَتْهُ فَطَلَّقَهَا أَلْبَتَّةَ فَوَرَّثَهَا عُثْمَانُ وَلَمْ يَعْتَبِرْ رِضَاهَا بِهِ مُبْطِلًا قُلْنَا لَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى رِضَاهَا بِالطَّلَاقِ الْمُبْطِلِ لِلْإِرْثِ وَإِنَّمَا فِيهِ إعْلَامٌ بِطَهَارَتِهَا عَنْ الْحَيْضِ وَبِمِثْلِهِ لَا يَبْطُلُ إرْثُهَا ، وَلَوْ فَارَقَتْهُ بِسَبَبِ الْجُبِّ وَالْعُنَّةِ وَخِيَارِ الْبُلُوغِ وَالْعِتْقِ لَمْ تَرِثْ ؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ مِنْ قِبَلِهَا فَكَانَتْ رَاضِيَةً بِالْبُطْلَانِ ، وَكَذَا لَوْ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بِالتَّمْكِينِ مِنْ ابْنِ زَوْجِهَا لِمَا قُلْنَا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْأَبُ أَمَرَهُ بِذَلِكَ فَقَرُبَهَا الِابْنُ مُكْرَهَةً ؛ لِأَنَّهُ بِالْأَمْرِ انْتَقَلَ إلَيْهِ فَيَكُونُ الْأَبُ كَالْمُبَاشِرِ لَهُ ، وَلَوْ وُجِدَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ مِنْهَا وَهِيَ مَرِيضَةٌ وَرِثَهَا الزَّوْجُ لِكَوْنِهَا فَارَّةً . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي طَلِّقْنِي رَجْعِيَّةً فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَرِثَتْ) أَيْ فِيمَا إذَا قَالَتْ لَهُ طَلِّقْنِي طَلْقَةً رَجْعِيَّةً فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا تَرِثُ لِأَنَّ الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ لَا يُزِيلُ النِّكَاحَ ، وَلِهَذَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا وَلَا يَحْرُمُ بِهِ الْمِيرَاثُ فَلَمْ تَكُنْ بِسُؤَالِهَا إيَّاهُ رَاضِيَةً بِبُطْلَانِ حَقِّهَا ، وَكَذَا لَوْ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً بَائِنَةً لِمَا قُلْنَا ، وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى فَتَاوَى أَبِي اللَّيْثِ إذَا قَالَتْ لِزَوْجِهَا طَلِّقْنِي فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَرِثَتْ اسْتِحْسَانًا وَلَمْ يَذْكُرْ الرَّجْعَةَ فِي سُؤَالِهَا ، وَهَذَا صَحِيحٌ لِأَنَّ قَوْلَهَا طَلِّقْنِي يَنْصَرِفُ إلَى الْوَاحِدِ الرَّجْعِيِّ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ ، وَلِهَذَا يَنْصَرِفُ إلَيْهِ فِي الْوَكَالَةِ وَالتَّفْوِيضِ وَالْإِنْشَاءِ فَلَمْ تَكُنْ بِسُؤَالِهَا رَاضِيَةً بِبُطْلَانِ حَقِّهَا

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَبَانَهَا بِأَمْرِهَا فِي مَرَضِهِ أَوْ تَصَادَقَا عَلَيْهَا فِي الصِّحَّةِ وَمُضِيِّ الْعِدَّةِ فَأَقَرَّ أَوْ أَوْصَى لَهَا فَلَهَا الْأَقَلُّ مِنْهُ وَمِنْ إرْثِهَا) أَيْ إذَا طَلَّقَهَا بَائِنًا فِي مَرَضِهِ بِسُؤَالِهَا أَوْ قَالَ لَهَا فِي مَرَضِهِ كُنْت طَلَّقْتُك وَأَنَا صَحِيحٌ فَانْقَضَتْ عِدَّتُك فَصَدَّقَتْهُ ثُمَّ أَوْصَى لَهَا بِمَالٍ أَوْ أَقَرَّ لَهَا بِهِ ثُمَّ مَاتَ فَلَهَا الْأَقَلُّ مِنْ مِيرَاثِهَا مِنْهُ وَمِنْ الَّذِي أَقَرَّ لَهَا بِهِ أَوْ أَوْصَى لَهَا بِهِ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَهَا جَمِيعُ مَا أَقَرَّ لَهَا بِهِ وَمَا أَوْصَى فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ مَعَ زُفَرَ فِي الْأُولَى وَمَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الثَّانِيَةِ لِزُفَرَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ أَنَّ الْإِرْثَ بَطَلَ بِسُؤَالِهَا أَوْ إقْرَارِهَا فَزَالَ الْمَانِعُ مِنْ صِحَّةِ الْإِقْرَارِ وَالْوَصِيَّةِ وَلَهُمَا أَنَّ دَلِيلَ التُّهْمَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ وَقَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ) وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ ا هـ وَكَتَبَ أَيْضًا عَلَى قَوْلِهِ وَقَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ أَيْ بِزَوْجٍ آخَرَ وَإِنْ انْقَضَتْ الْعِدَّةُ .

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا بِتَفْوِيضِهِ) يَعْنِي لَوْ قَالَ لَهَا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ اخْتَارِي فَقَالَتْ اخْتَرْتُ نَفْسِي ا هـ . (قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِإِبْطَالِ حَقِّهَا) إمَّا بِالرِّضَا بِالْعِلَّةِ كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَوْ بِمُبَاشَرَةِ الشَّرْطِ كَمَا فِي الْخُلْعِ أَوْ بِمُبَاشَرَةِ الْعِلَّةِ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ وَالْإِرْثُ إنَّمَا يَجِبُ بِكَوْنِهِ مُتَعَدِّيًا وَلَا تَعَدِّيَ مَعَ الرِّضَا فَثَبَتَ حُكْمُ الْقَاطِعِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ . ا هـ . رَازِيٌّ .
(قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ الْإِبْطَالَ) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ سَابِقًا ؛ لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِإِبْطَالِ حَقِّهَا وَهُوَ قَابِلٌ لَهُ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْإِرْثَ حَقُّهَا وَهُوَ قَابِلٌ لِلْإِبْطَالِ بِخِلَافِ النَّسَبِ فَإِنَّهُ بَعْدَ أَنْ يَثْبُتَ لَا يَقْبَلُ الْإِبْطَالَ أَصْلًا ا هـ . (قَوْلُهُ فَكَانَتْ رَاضِيَةً بِالْبُطْلَانِ) أَيْ وَإِنْ كَانَتْ مُضْطَرَّةً ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الِاضْطِرَارِ لَيْسَ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ فَلَمْ يَكُنْ جَانِيًا فِي الْفُرْقَةِ ا هـ . (قَوْلُهُ وَلَوْ وُجِدَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ) سَتَأْتِي مَعَ زِيَادَةٍ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ ا هـ . (قَوْلُهُ ، وَلِهَذَا يَنْصَرِفُ إلَيْهِ) أَيْ إلَى الرَّجْعِيِّ وَإِنْ طَلَّقَهَا بِلَا سُؤَالِهَا فَلَهَا الْمِيرَاثُ بَالِغًا مَا بَلَغَ وَلَا يَصِحُّ الْإِقْرَارُ بِهَا لِأَنَّهَا وَارِثَةٌ إذْ هُوَ فَارٌّ وَسَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ مِنْ هَذَا الشَّرْحِ ا هـ ..

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ أَبَانَهَا بِأَمْرِهَا فِي مَرَضِهِ أَوْ تَصَادَقَا إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَرِيضَ مَرَضَ الْمَوْتِ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ قَدْ طَلَّقْتُك ثَلَاثًا فِي صِحَّتِي وَانْقَضَتْ عِدَّتُك فَصَدَّقَتْهُ الْمَرْأَةُ بِذَلِكَ فَلَا مِيرَاثَ لَهَا ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالتَّصَادُقِ كَالثَّابِتِ بِالْبَيِّنَةِ فِي حَقِّهِمَا ا هـ . (قَوْلُهُ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ مَعَ زُفَرَ إلَخْ) هَكَذَا هُوَ فِي كَثِيرٍ مِنْ النُّسَخِ وَصَوَابُهُ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْأَوَّلِ وَمَعَ زُفَرَ فِي الثَّانِيَةِ لِمَا عُرِفَ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ كُتُبِ الْمَذْهَبِ قَالَ شَيْخُنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَعَلَّ السَّهْوَ إنَّمَا وَرَدَ عَلَى الشَّارِحِ حَيْثُ اسْتَمَدَّ مِنْ الْهِدَايَةِ وَفِيهَا مَسْأَلَةُ التَّصَادُقِ قَبْلَ مَسْأَلَةِ الْإِبَانَةِ فِي الْمَرَضِ بِعَكْسِ مَا فِي الْكَنْزِ ثُمَّ قَالَ فِيهَا وَجْهُ قَوْلِهِمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَأَرَادَ بِهَا مَسْأَلَةَ التَّصَادُقِ وَهِيَ الثَّانِيَةُ فِي الْكَنْزِ ثُمَّ قَالَ فِيهَا بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ وَأَرَادَ بِهَا مَسْأَلَةَ الْإِبَانَةِ فِي مَرَضِهِ وَهَذِهِ هِيَ الْأُولَى فِي الْكَنْزِ فَجَاءَهُ الِاشْتِبَاهُ مِنْ هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَكَتَبَ أَيْضًا عَلَى قَوْلِهِ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إلَخْ هَكَذَا فِي شَرْحِ الرَّازِيّ بِخَطِّهِ وَكَتَبَ بَعْضُهُمْ تَحْتَ خَطِّهِ هَكَذَا وَقَعَ فِي عِبَارَةِ الزَّيْلَعِيِّ بِخَطِّهِ وَكَتَبَ عَلَى الْهَامِشِ صَوَابُهُ أَنْ يَقُولَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ مَعَ زُفَرَ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ وَمَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْأُولَى ا هـ أَقُولُ وَقَوْلُ الشَّارِحِ وَلَهُمَا أَنَّ دَلِيلَ التُّهْمَةِ وَهِيَ الْعِدَّةُ قَائِمَةٌ فِي الْأُولَى يُؤَيِّدُ وَجْهَ الصَّوَابِ ا هـ فَتَنَبَّهْ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ (قَوْلُهُ وَلَهُمَا أَنَّ دَلِيلَ التُّهْمَةِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْفَرْقُ لَهُمَا فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ أَنَّ التُّهْمَةَ أَمْرٌ بَاطِنٌ فَيُدَارُ الْحُكْمُ عَلَى السَّبَبِ الظَّاهِرِ الدَّاعِي إلَيْهَا وَذَلِكَ قِيَامُ الْعِدَّةِ

(2/247)


وَهِيَ الْعِدَّةُ قَائِمَةٌ فِي الْأُولَى فَيُدَارُ الْحُكْمُ عَلَيْهِ وَلَا عِدَّةَ فِي الثَّانِيَةِ فَانْعَدَمَتْ التُّهْمَةُ ، وَلِهَذَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْتَهَا وَدَفْعُ الزَّكَاةِ إلَيْهَا وَالشَّهَادَةُ لَهَا ، وَهَذَا لِأَنَّ التُّهْمَةَ أَمْرٌ بَاطِنٌ لَا يُوقَفُ عَلَيْهَا فَيُدَارُ الْحُكْمُ عَلَى دَلِيلِهَا وَهِيَ الْعِدَّةُ كَمَا أُدِيرَ الْحُكْمُ عَلَى النِّكَاحِ وَالْقَرَابَةِ حَتَّى امْتَنَعَتْ بِهِمَا هَذِهِ الْأَحْكَامُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَمَّا مَرِضَ وَالنِّكَاحُ قَائِمٌ حَقِيقَةً أَوْ ظَاهِرًا صَارَ مُتَّهَمًا بِالْإِقْرَارِ وَالْوَصِيَّةِ لَهَا ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَيْنِ قَدْ يَتَّفِقَانِ عَلَى الْإِقْرَارِ بِالطَّلَاقِ وَانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَعَلَى سُؤَالِهَا الطَّلَاقَ لِيَنْفَتِحَ بَابُ الْإِقْرَارِ وَالْوَصِيَّةِ لِيَحْصُلَ لَهَا بِهِ أَكْثَرُ مِنْ الْإِرْثِ فَتَرُدُّ الزِّيَادَةُ لِهَذِهِ التُّهْمَةِ وَلَا تُهْمَةَ فِي قَدْرِ الْمِيرَاثِ فَيَصِحُّ وَكَذَا لَا تُهْمَةَ فِي حَقِّ الزَّكَاةِ وَالتَّزَوُّجِ وَالشَّهَادَةِ ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَتَوَاضَعَانِ عَادَةً لِهَذِهِ الْأَحْكَامِ أَوْ نَقُولُ إنَّ التُّهْمَةَ إنَّمَا تَثْبُتُ فِي حَقِّ الْوَرَثَةِ فَلَا تَتَعَدَّاهُمْ وَهَذِهِ الْأَحْكَامُ حَقُّ الشَّرْعِ وَلَا تُهْمَةَ فِي حَقِّهِ ثُمَّ مَا تَأْخُذُهُ لَهُ حُكْمُ الْمِيرَاثِ حَتَّى إذَا تَوَى بَعْضُ التَّرِكَةِ يَتْوِي عَلَى الْكُلِّ وَلَهُ حُكْمُ الدَّيْنِ حَتَّى كَانَ لِلْوَرَثَةِ أَنْ يُعْطُوهَا مِنْ غَيْرِ التَّرِكَةِ اعْتِبَارًا لِزَعْمِهَا .

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ بَارَزَ رَجُلًا أَوْ قَدِمَ لِيَقْتُلَ بِقَوَدٍ أَوْ رَجْمٍ فَأَبَانَهَا وَرِثَتْ إنْ مَاتَ فِي ذَلِكَ الْوَجْهِ أَوْ قُتِلَ ، وَلَوْ مَحْصُورًا أَوْ فِي صَفِّ الْقِتَالِ لَا) وَأَصْلُهُ مَا مَرَّ أَنَّ امْرَأَةَ الْفَارِّ تَرِثُ إذَا مَاتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ اسْتِحْسَانًا بِأَنْ تَجْعَلَ الْبَيْنُونَةَ مَعْدُومَةً حُكْمًا كَمَا جُعِلَتْ الْقَرَابَةُ الثَّابِتَةُ مَعْدُومَةً حُكْمًا بِالْقَتْلِ جَزَاءً لِظُلْمِهِ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ حُكْمُ الْفِرَارِ إذَا تَعَلَّقَ حَقُّهَا بِمَالِهِ وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ حَقُّهَا بِهِ بِمَرَضٍ يُخَافُ مِنْهُ الْهَلَاكُ غَالِبًا بِأَنْ يَكُونَ صَاحِبَ فِرَاشٍ وَهُوَ الَّذِي لَا يَقُومُ بِحَوَائِجِهِ فِي الْبَيْتِ كَمَا يَعْتَادُهُ الْأَصِحَّاءُ وَإِنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى الْقِيَامِ بِتَكْلِيفٍ وَاَلَّذِي يَقْضِي حَوَائِجَهُ فِي الْبَيْتِ وَهُوَ يَشْتَكِي لَا يَكُونُ فَارًّا ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَلَّ مَا يَخْلُو عَنْهُ وَقِيلَ إذَا كَانَ يَخْطُو ثَلَاثَ خُطُوَاتٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَعِينَ بِغَيْرِهِ فَهُوَ صَحِيحٌ حُكْمًا وَإِلَّا فَهُوَ مَرِيضٌ
وَالصَّحِيحُ أَنَّ مَنْ عَجَزَ عَنْ قَضَاءِ حَوَائِجِهِ خَارِجَ الْبَيْتِ فَهُوَ مَرِيضٌ وَإِنْ أَمْكَنَهُ الْقِيَامُ بِهَا فِي الْبَيْتِ إذْ لَيْسَ كُلُّ مَرِيضٍ يَعْجِزُ عَنْ الْقِيَامِ بِهَا فِي الْبَيْتِ كَالْقِيَامِ لِلْبَوْلِ وَالْغَائِطِ وَقِيلَ الْمَرِيضُ مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَدَاءِ الصَّلَاةِ جَالِسًا وَقِيلَ مَنْ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَقْدِرَ أَنْ يَقُومَ إلَّا أَنْ يُقِيمَهُ غَيْرُهُ وَقِيلَ مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْمَشْيِ إلَّا أَنْ يُهَادَى بَيْنَ اثْنَيْنِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْمَسْلُولِ وَالْمَفْلُوجِ وَأَمْثَالِهِمَا قِيلَ مَا دَامَ يَزْدَادُ مَا بِهِ فَهُوَ مَرِيضٌ وَإِلَّا فَهُوَ صَحِيحٌ وَذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ إنْ كَانَ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ بِالتَّدَاوِي فَهُوَ مَرِيضٌ وَإِلَّا فَهُوَ صَحِيحٌ ، وَقَالَ الْهِنْدُوَانِيُّ إنْ كَانَ يَزْدَادُ أَبَدًا فَهُوَ مَرِيضٌ وَإِنْ كَانَ يَزْدَادُ مَرَّةً وَيَقِلُّ أُخْرَى فَهُوَ صَحِيحٌ وَقَدْ يَثْبُتُ هَذَا الْمَعْنَى وَهُوَ تَوَجُّهُ حَرْفِ الْهَلَاكِ فِي غَيْرِ الْمَرِيضِ فَيَكُونُ فَارًّا إذَا أَبَانَهَا فِيهِ وَهُوَ مَا ذُكِرَ مِنْ الْمُبَارَزَةِ وَالتَّقْدِيمِ لِلْقَتْلِ ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهِ الْهَلَاكُ وَالْمَحْصُورُ وَاَلَّذِي فِي صَفِّ الْقِتَالِ الْغَالِبُ فِيهِ السَّلَامَةُ ؛ لِأَنَّ الْحَصْرَ لِدَفْعِ بَأْسِ الْعَدُوِّ
وَكَذَا الْمَنَعَةُ فَلَا يَثْبُتُ بِهِ حُكْمُ الْفِرَارِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ طَلَاقَ الْمُبَارِزِ كَطَلَاقِ الصَّحِيحِ وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ إذَا قَدِمَ لِلْقِصَاصِ لَا يَكُونُ فَارًّا ؛ لِأَنَّ الْعَفْوَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَدِمَ لِلرَّجْمِ وَعَلَى الْأَوَّلِ الِاعْتِمَادُ . وَقَوْلُهُ إنْ مَاتَ فِي ذَلِكَ الْوَجْهِ أَوْ قُتِلَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا مَاتَ بِذَلِكَ السَّبَبِ أَوْ بِسَبَبٍ آخَرَ كَالْمَرِيضِ إذَا قُتِلَ وَفِيهِ خِلَافٌ عِيسَى بْنِ أَبَانَ هُوَ يَقُولُ إنَّ مَرَضَ الْمَوْتِ مَا يَكُونُ سَبَبًا لِلْمَوْتِ وَلَمَّا مَاتَ بِسَبَبٍ آخَرَ عَلِمْنَا أَنَّ مَرَضَهُ لَمْ يَكُنْ مَرَضَ الْمَوْتِ قُلْنَا الْمَوْتُ اتِّصَالٌ بِمَرَضِهِ حَيْثُ لَمْ يَصِحَّ حَتَّى مَاتَ وَقَدْ يَكُونُ لِلْمَوْتِ سَبَبَانِ فَلَمْ يَتَبَيَّنْ أَنَّ مَرَضَهُ لَمْ يَكُنْ الْمَوْتَ وَأَنَّ حَقَّهَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِمَالِهِ ، وَلِهَذِهِ الْمَسَائِلِ أَخَوَاتٌ تَخْرُجُ عَلَى هَذَا الْحَرْفِ فَمَنْ لَا يَكُونُ فَارًّا رَاكِبُ السَّفِينَةِ وَالنَّازِلُ فِي الْمَسْبَعَةِ أَوْ فِي الْمُخِيفِ مِنْ عَدُوِّهِ وَالْمَحْبُوسُ لِيُقْتَلَ فِي حَدٍّ أَوْ قِصَاصٍ وَمِمَّنْ يَكُونُ فَارًّا رَاكِبُ السَّفِينَةِ إذَا انْكَسَرَتْ وَبَقِيَ عَلَى لَوْحٍ أَوْ افْتَرَسَهُ السَّبُعُ وَبَقِيَ فِي فَمِهِ
وَالْمَرْأَةُ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا كَالرَّجُلِ حَتَّى لَوْ بَاشَرَتْ سَبَبَ الْفِرَاقِ مِنْ خِيَارِ الْبُلُوغِ وَالْعِتْقِ وَالتَّمْكِينِ مِنْ ابْنِ الزَّوْجِ وَالِارْتِدَادِ وَنَحْوِ ذَلِكَ بَعْدَمَا حَصَلَ لَهَا مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَرَضِ وَغَيْرِهِ يَرِثُهَا الزَّوْجُ لِكَوْنِهَا فَارَّةً وَالْحَامِلُ لَا تَكُونُ فَارَّةً إلَّا إذَا جَاءَهَا الطَّلْقُ خِلَافًا لِمَالِكٍ بَعْدَ مَا تَمَّ لَهَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ هُوَ يَقُولُ تَتَوَقَّعُ الْوِلَادَةَ فِي كُلِّ سَاعَةٍ قُلْنَا لَا يُخَافُ مِنْهُ الْهَلَاكُ قَبْلَ الطَّلْقِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فِي الثَّانِيَةِ دُونَ الْأُولَى ا هـ وَكَتَبَ أَيْضًا عَلَى قَوْلِهِ أَنَّ دَلِيلَ التُّهْمَةِ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالتُّهْمَةُ مَعْرُوفَةٌ وَيَجُوزُ فِي عَيْنِهَا السُّكُونُ وَالْفَتْحُ وَالْأَكْثَرُ الْفَتْحُ وَالسُّكُونُ حَسَنٌ كَذَا قَالَ عَبْدُ الْقَاهِرِ فِي الْمُقْتَصَدِ . (قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ مَا لَا يَتَوَاضَعَانِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْمُوَاضَعَةُ عِبَارَةٌ عَنْ وَضْعِ الشَّخْصَيْنِ رَأْيَهُمَا عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ ..

(قَوْلُهُ وَمَنْ بَارَزَ رَجُلًا إلَخْ) هَذَا لِبَيَانِ أَنَّ حُكْمَ الْفِرَارِ غَيْرُ مُنْحَصِرٍ فِي الْمَرَضِ بَلْ كُلُّ شَيْءٍ يُقَرِّبُهُ إلَى الْهَلَاكِ غَالِبًا فَهُوَ فِي مَعْنَى مَرَضِ الْمَوْتِ . ا هـ . (قَوْلُهُ ، وَلَوْ مَحْصُورًا) وَالْمَحْصُورُ الْمَحْبُوسُ يُقَالُ حَصَرْته أَحْصُرُهُ حَصْرًا إذَا حَبَسْته . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ . (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ حُكْمُ الْفِرَارِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَرَضَ الْمَوْتِ زَمَانَ تَعَلُّقِ حُكْمِ حَقِّ الْوَارِثِ بِمَالِ الْمُوَرِّثِ فَتَرِثُهُ إذَا مَاتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ دَفْعًا لِلظُّلْمِ وَالْعُدْوَانِ ثُمَّ كُلُّ سَبَبٍ يَكُونُ الْهَلَاكُ فِيهِ غَالِبًا يَثْبُتُ حُكْمُ الْفِرَارِ فَيَكُونُ ذَلِكَ السَّبَبُ فِي حُكْمِ مَرَضِ الْمَوْتِ وَمَا كَانَ الْغَالِبُ فِيهِ السَّلَامَةَ وَإِنْ كَانَ يُخَافُ الْهَلَاكُ مِنْهُ فَلَا يُعْطَى لَهُ حُكْمُ الْمَرَضِ . (قَوْلُهُ أَوْ بِسَبَبٍ آخَرَ كَالْمَرِيضِ إذَا قُتِلَ) ، وَهَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ أَصْحَابِنَا . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ . (قَوْلُهُ قُلْنَا الْمَوْتُ اتَّصَلَ بِمَرَضِهِ) إنَّمَا أَطْلَقَ عَلَيْهِ مَرَضًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ مَرَضٌ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ الَّتِي ذُكِرَتْ فِي الْمَتْنِ نَزَلَتْ مَنْزِلَةَ الْمَرَضِ ؛ لِأَنَّهُمْ يَعْنُونَ بِهِ كُلَّ سَبَبٍ يَكُونُ الْهَلَاكُ فِيهِ غَالِبًا ا هـ ..

(2/248)


فَلَا يُعْتَبَرُ كَمَا لَا يُعْتَبَرُ قَبْلَهُ احْتِمَالُ الْإِسْقَاطِ فِي كُلِّ سَاعَةٍ .

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِفِعْلِ أَجْنَبِيٍّ أَوْ بِمَجِيءِ الْوَقْتِ وَالتَّعْلِيقُ وَالشَّرْطُ فِي مَرَضِهِ أَوْ بِفِعْلِ نَفْسِهِ وَهُمَا فِي مَرَضِهِ أَوْ الشَّرْطُ فَقَطْ أَوْ بِفِعْلِهَا وَلَا بُدَّ لَهَا مِنْهُ وَهُمَا فِي الْمَرَضِ أَوْ الشَّرْطُ وَرِثَتْ وَفِي غَيْرِهَا لَا) وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ إمَّا أَنْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِمَجِيءِ الزَّمَانِ أَوْ بِفِعْلِ أَجْنَبِيٍّ أَوْ بِفِعْلِ نَفْسِهِ أَوْ بِفِعْلِ الْمَرْأَةِ وَكُلُّ وَجْهٍ عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ كَانَ التَّعْلِيقُ فِي الصِّحَّةِ وَالشَّرْطُ فِي الْمَرَضِ أَوْ كَانَا فِي الْمَرَضِ أَمَّا الْوَجْهَانِ الْأَوَّلَانِ وَهُوَ مَا إذَا عَلَّقَهُ بِمَجِيءِ الزَّمَانِ أَوْ بِفِعْلِ الْأَجْنَبِيِّ فَإِنْ كَانَ التَّعْلِيقُ وَالشَّرْطُ فِي الْمَرَضِ وَرِثَتْ لِلْفِرَارِ وَإِنْ كَانَ التَّعْلِيقُ فِي الصِّحَّةِ وَالشَّرْطُ فِي الْمَرَضِ لَمْ تَرِثْ
وَقَالَ زُفَرُ تَرِثُ ؛ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ كَالْمُرْسَلِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ فَكَانَ تَطْلِيقًا بَعْدَ تَعَلُّقِ حَقِّهَا بِمَالِهِ وَلَنَا أَنَّهُ كَالْمُنَجَّزِ عِنْدَهُ حُكْمًا لَا قَصْدًا ، وَلِهَذَا لَوْ وُجِدَ الشَّرْطُ وَهُوَ مَجْنُونٌ يَقَعُ ، وَلَوْ كَانَ قَصْدًا لَمَا وَقَعَ لِعَدَمِ الْقَصْدِ مِنْهُ وَكَذَا لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يُطَلِّقَ بَعْدَ مَا عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِشَرْطٍ ثُمَّ وُجِدَ الشَّرْطُ لَا يَحْنَثُ وَلَوْ كَانَ قَصْدًا لَحَنِثَ ، وَلِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ صُنْعٌ بَعْدَ مَا تَعَلَّقَ حَقُّهَا بِمَالِهِ وَلَا هُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ مَنْعِ فِعْلِ الْأَجْنَبِيِّ وَمَجِيءِ الزَّمَانِ فَلَمْ يَكُنْ مُتَعَدِّيًا وَالْفِرَارُ بِالتَّعَدِّي ، وَلِهَذَا شَرَطَ فِي الْمُخْتَصَرِ أَنْ يَكُونَا فِي الْمَرَضِ بِقَوْلِهِ وَالتَّعْلِيقُ وَالشَّرْطُ فِي مَرَضِهِ .
وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّالِثُ وَهُوَ مَا إذَا عَلَّقَهُ بِفِعْلِ نَفْسِهِ فَتَرِثُ كَيْفَمَا كَانَ إذَا وُجِدَ الشَّرْطُ فِي الْمَرَضِ سَوَاءٌ كَانَ التَّعْلِيقُ فِي الصِّحَّةِ أَوْ فِي الْمَرَضِ وَكَانَ الْفِعْلُ مِمَّا لَهُ مِنْهُ بُدٌّ وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ قَاصِدًا إبْطَالَ حَقِّهَا بِالتَّعْلِيقِ وَالشَّرْطِ أَوْ بِالشَّرْطِ وَحْدَهُ ؛ لِأَنَّ لِلشَّرْطِ شَبَهًا بِالْعِلَلِ لِمَا أَنَّ الْوُجُودَ عِنْدَهُ فَصَارَ مُتَعَدِّيًا مِنْ وَجْهٍ
صِيَانَةً لِحَقِّهَا
وَاضْطِرَارُهُ لَا يُبْطِلُ حَقَّ غَيْرِهِ كَإِتْلَافِ مَالِ الْغَيْرِ حَالَةَ الِاضْطِرَارِ أَوْ النَّوْمِ . وَأَمَّا الْوَجْهُ الرَّابِعُ وَهُوَ مَا إذَا عَلَّقَهُ بِفِعْلِهَا فَإِنْ كَانَ فِعْلًا لَهَا مِنْهُ بُدٌّ لَمْ تَرِثْ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ التَّعْلِيقُ وَالشَّرْطُ فِي الْمَرَضِ أَوْ كَانَ التَّعْلِيقُ فِي الصِّحَّةِ وَالشَّرْطُ فِي الْمَرَضِ ؛ لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِالشَّرْطِ وَالرِّضَا بِهِ يَكُونُ رِضًا بِالْمَشْرُوطِ
وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا مَا لَوْ قَالَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ لِصَاحِبِهِ إنْ ضَرَبْت هَذَا الْعَبْدَ فَهُوَ حُرٌّ فَضَرَبَهُ كَانَ لِلضَّارِبِ أَنْ يُضَمِّنَ الْحَالِفَ مَعَ رِضَاهُ بِالشَّرْطِ ؛ لِأَنَّهَا مَمْنُوعَةٌ وَبَعْدَ التَّسْلِيمِ الْإِرْثُ يُثْبِتُ بِمَالِهِ شُبْهَةَ الْعُدْوَانِ فَيُبْطِلُ بِمَالِهِ شُبْهَةً بِالرِّضَا كَذَلِكَ الضَّمَانُ ، وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ الرِّضَا بِالشَّرْطِ إنَّمَا يَكُونُ رِضًا بِالْمَشْرُوطِ إذَا كَانَ الْإِقْدَامُ عَلَى الشَّرْطِ بِاخْتِيَارِهِ وَمَسْأَلَةُ الضَّرْبِ مَوْضُوعَةٌ فِيمَا إذَا قَالَ إنْ لَمْ أَضْرِبْهُ الْيَوْمَ فَهُوَ حُرٌّ ، وَقَالَ شَرِيكُهُ إنْ ضَرَبْته فَهُوَ حُرٌّ فَكَانَ مُضْطَرًّا فِي الضَّرْبِ فَلَا يَكُونُ الرِّضَا بِهِ رِضًا بِالْعِتْقِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مِنْهُ بُدٌّ كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَكَلَامِ الْأَبَوَيْنِ وَقَضَاءِ الدَّيْنِ وَاسْتِيفَائِهِ تَرِثُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَا فِي الْمَرَضِ أَوْ كَانَ التَّعْلِيقُ فِي الصِّحَّةِ وَالشَّرْطُ فِي الْمَرَضِ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَا إذَا كَانَ التَّعْلِيقُ فِي الصِّحَّةِ وَالشَّرْطُ فِي الْمَرَضِ هُوَ يَقُولُ إنَّ الزَّوْجَ لَمْ يُبَاشِرْ الْعِلَّةَ بَعْدَ مَا تَعَلَّقَ حَقُّهَا بِمَالِهِ وَلَا الشَّرْطَ فَلَا يَكُونُ مُتَعَدِّيًا وَبِهِ يَثْبُتُ الْفِرَارُ وَأَقْصَى مَا فِي الْبَابِ أَنَّ رِضَاهَا قَدْ انْعَدَمَ بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا لَا تَجِدُ مِنْهُ بُدًّا وَذَلِكَ لَا يَجْعَلُهُ فَارًّا إذَا كَانَ التَّعْلِيقُ فِي الصِّحَّةِ كَمَا قُلْنَا فِي التَّعْلِيقِ بِفِعْلِ الْأَجْنَبِيِّ وَمَجِيءِ الْوَقْتِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ التَّعْلِيقُ فِي الْمَرَضِ لِوُجُودِ التَّعَدِّي مِنْهُ فَيُرَدُّ عَلَيْهِ وَهُمَا يَقُولَانِ أَنَّهَا مُضْطَرَّةٌ فِي تَحْصِيلِ الشَّرْطِ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ ؛ لِأَنَّهَا إنْ لَمْ تُقْدِمْ يَخَافُ عَلَى دِينِهَا أَوْ نَفْسِهَا وَإِنْ أَقْدَمَتْ يَسْقُطُ حَقُّهَا
وَهَذَا الِاضْطِرَارُ مِنْ جِهَتِهِ فَيُنْقَلُ إلَيْهِ كَمَا يُنْقَلُ إلَى الْمُكْرَهِ وَإِلَى الشَّاهِدِ حَتَّى لَا يَجِبَ عَلَى الْقَاضِي شَيْءٌ عِنْدَ رُجُوعِهِمْ وَلَا عَلَى الْمُكْرَهِ فَإِنْ قِيلَ الضَّرُورَةُ الَّتِي تُوجِبُ نَقْلَ الْفِعْلِ هِيَ الضَّرُورَةُ الْحَامِلَةُ عَلَيْهِ وَهَذِهِ ضَرُورَةٌ مَانِعَةٌ ؛ لِأَنَّ غَرَضَهُ الْمَنْعُ مِنْ تَحْصِيلِ الطَّلَاقِ فَكَيْفَ يَنْتَقِلُ إلَيْهِ قُلْنَا لَمَّا ثَبَتَتْ الضَّرُورَةُ ثَبَتَتْ شُبْهَةُ النَّقْلِ ، وَهَذَا الْقَدْرُ كَافٍ لِهَذَا الْحُكْمِ لِثُبُوتِهِ بِشُبْهَةِ الْعُدْوَانِ ، وَذَكَرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي مَبْسُوطِهِ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا قَالَهُ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ مَتَى عَلَّقَهُ بِمَجِيءِ الزَّمَانِ أَوْ بِفِعْلِ الْأَجْنَبِيِّ يُشْتَرَطُ فِيهِ لِإِرْثِهَا أَنْ يُوجَدَ التَّعْلِيقُ وَالشَّرْطُ فِي الْمَرَضِ كَمَا شَرَطَهُ فِي الْمُخْتَصَرِ وَإِنْ عَلَّقَهُ بِفِعْلِ نَفْسِهِ يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يُوجَدَ التَّعْلِيقُ وَالشَّرْطُ أَوْ الشَّرْطُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِفِعْلِ أَجْنَبِيٍّ) أَيْ بِأَنْ قَالَ إذَا دَخَلَ فُلَانٌ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ إذَا صَلَّى فُلَانٌ الظُّهْرَ . ا هـ . هِدَايَةٌ . (قَوْلُهُ أَوْ بِمَجِيءِ الْوَقْتِ) أَيْ بِأَنْ قَالَ إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ا هـ . (قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّهُ كَالْمُنَجَّزِ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَنَا أَنَّ التَّعْلِيقَ السَّابِقَ يَصِيرُ تَعْلِيقًا عِنْدَ الشَّرْطِ حُكْمًا لَا قَصْدًا وَلَا ظُلْمَ إلَّا عَنْ قَصْدٍ فَلَا يُرَدُّ تَصَرُّفُهُ ، وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلَنَا أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْفِرَارُ فَلَا تَرِثُ بَيَانُهُ أَنَّهُ حِينَ عَلَّقَ كَانَ صَحِيحًا وَلَمْ يَكُنْ حَقُّ الْمَرْأَةِ مُتَعَلِّقًا بِمَالِهِ فَلَمْ يُوجَدْ الْفِرَارُ وَحِينَ وُجِدَ الشَّرْطُ لَمْ يُوجَدْ فِعْلٌ مِنْ الزَّوْجِ ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ أَمْرٌ سَمَاوِيٌّ ، أَوْ فِعْلُ الْأَجْنَبِيِّ وَالزَّوْجُ لَيْسَ بِقَادِرٍ عَلَى إبْطَالِ التَّعْلِيقِ وَلَا عَلَى مَنْعِ الْفِعْلِ السَّمَاوِيِّ وَلَا عَلَى مَنْعِ الْأَجْنَبِيِّ مِنْ إيجَادِ الشَّرْطِ فَلَمْ يَكُنْ فَارًّا فَلَا تَرِثُ لِعَدَمِ قَصْدِ الْعُدْوَانِ مِنْ الزَّوْجِ ا هـ . (قَوْلُهُ حُكْمًا) أَيْ ضَرُورَةَ تَحَقُّقِ الْمَشْرُوطِ لَا أَنَّهُ قَصَدَ الْإِيقَاعَ عِنْدَ الشَّرْطِ حَتَّى يَكُونَ فَارًّا ا هـ . (قَوْلُهُ بَعْدَ مَا تَعَلَّقَ حَقُّهَا إلَخْ) لَفْظَةُ مَا لَيْسَتْ فِي خَطِّ الشَّارِحِ ا هـ . (قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ فِعْلًا لَهَا مِنْهُ بُدٌّ) أَيْ كَكَلَامِ زَيْدٍ وَنَحْوِهِ ا هـ . (قَوْلُهُ كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ) أَيْ وَصَلَاةِ الظُّهْرِ . ا هـ . هِدَايَةٌ . (قَوْلُهُ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) أَيْ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ ا هـ . (قَوْلُهُ وَبِهِ يَثْبُتُ) أَيْ بِالتَّعَدِّي ا هـ . (قَوْلُهُ فَيُنْقَلُ إلَيْهِ) أَيْ فَصَارَ كَأَنَّ الْفِعْلَ وُجِدَ مِنْ الزَّوْجِ فَتَرِثُ ا هـ . (قَوْلُهُ كَمَا يُنْقَلُ إلَى الْمُكْرَهِ) أَيْ عَلَى إتْلَافِ مَالِ الْغَيْرِ ا هـ ..

(2/249)


وَحْدَهُ فِي الْمَرَضِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فِي الْمُخْتَصَرِ وَهُمَا فِي الْمَرَضِ أَوْ الشَّرْطِ فَقَطْ
وَإِنْ عَلَّقَهُ بِفِعْلِهَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ فِعْلًا لَا بُدَّ لَهَا مِنْهُ وَأَنْ يَكُونَ التَّعْلِيقُ وَالشَّرْطُ أَوْ الشَّرْطُ وَحْدَهُ فِي الْمَرَضِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَهُمَا فِي الْمَرَضِ أَوْ الشَّرْطِ . وَقَوْلُهُ وَفِي غَيْرِهَا لَا أَيْ فِي غَيْرِ هَذِهِ الصُّوَرِ الَّتِي ذَكَرْنَا لَا تَرِثُ وَهُوَ مَا إذَا كَانَ التَّعْلِيقُ وَالشَّرْطُ فِي الصِّحَّةِ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا أَوْ كَانَ التَّعْلِيقُ فِي الصِّحَّةِ فِيمَا إذَا عَلَّقَهُ بِفِعْلِ الْأَجْنَبِيِّ أَوْ بِمَجِيءِ الْوَقْتِ أَوْ كَيْفَمَا كَانَ إذَا عَلَّقَهُ بِفِعْلِهَا الَّذِي لَهَا مِنْهُ بُدٌّ فَإِنَّهَا لَا تَرِثُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ كُلِّهَا .

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ أَبَانَهَا فِي مَرَضِهِ فَصَحَّ فَمَاتَ أَوْ أَبَانَهَا فَارْتَدَّتْ فَأَسْلَمَتْ فَمَاتَ لَمْ تَرِثْ) أَمَّا الْأُولَى فَلِأَنَّهُ بِالْبُرْءِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَرَضِ الْمَوْتِ وَأَنَّ حَقَّهَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِمَالِهِ إذْ مَرَضُ الْمَوْتِ هُوَ الَّذِي يَتَّصِلُ بِهِ الْمَوْتُ وَمَا بَرِئَ مِنْهُ لَيْسَ بِمَرَضِ الْمَوْتِ ، وَلِهَذَا تُعْتَبَرُ تَبَرُّعَاتُهُ فِيهِ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ ، وَكَذَا إذَا أَقَرَّ بِالدَّيْنِ لَا يُقَدَّمُ عَلَيْهِ غُرَمَاءُ الصِّحَّةِ ، وَقَالَ زُفَرُ تَرِثُ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُتَّهَمًا بِالْفِرَارِ حِينَ طَلَّقَهَا ظَانًّا أَنَّهُ مَرَضُ الْمَوْتِ فَصَارَ مُتَعَدِّيًا بِهِ وَلَا عِبْرَةَ بِالْبُرْءِ الْمُتَخَلِّلِ بَعْدَ ذَلِكَ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا بَيَّنَّاهُ . وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلِأَنَّهَا بِالِارْتِدَادِ أَبْطَلَتْ أَهْلِيَّةَ الْإِرْثِ إذْ الْمُرْتَدُّ لَا يَرِثُ أَحَدًا ، وَلِأَنَّهَا إنَّمَا تَرِثُ بِتَقْدِيرِ بَقَاءِ النِّكَاحِ فِي حَقِّ اسْتِحْقَاقِ الْإِرْثِ فَلَمْ يَبْقَ النِّكَاحُ سَبَبًا فِي حَقِّ الْإِرْثِ فِي حَقِّهَا فَبَطَلَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَإِذَا أَسْلَمَتْ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يُمْكِنُ عَوْدُ السَّبَبِ بِخِلَافِ النَّفَقَةِ حَيْثُ تَعُودُ إذَا أَسْلَمَتْ لِأَنَّ سُقُوطَهَا لِفَوَاتِ الِاحْتِبَاسِ بِحَبْسِ الزَّوْجِ لِأَنَّهَا تَكُونُ مَحْبُوسَةً بِحَبْسِ الْقَاضِي فَإِذَا أَسْلَمَتْ عَادَتْ إلَى حَبْسِهِ فَتَعُودُ النَّفَقَةُ .
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ طَاوَعَتْ ابْنَ الزَّوْجِ أَوْ لَاعَنَ أَوْ آلَى مَرِيضًا وَرِثَتْ) أَمَّا الْمُطَاوَعَةُ فَالْمُرَادُ بِهَا الْمُطَاوَعَةُ بَعْدَ مَا أَبَانَهَا أَمَّا إذَا وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بِالْمُطَاوَعَةِ لَا تَرِثُ ؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ مِنْ جِهَتِهَا فَلَمْ يَكُنْ فَارًّا ، وَكَذَا إذَا طَلَّقَهَا رَجْعِيًّا ثُمَّ طَاوَعَتْ لَا تَرِثُ لِمَا قُلْنَا ؛ لِأَنَّ الرَّجْعِيَّ لَا يُزِيلُ النِّكَاحَ فَتَكُونُ الْحُرْمَةُ مُضَافَةً إلَى الْمُطَاوَعَةِ وَهُوَ فِعْلُهَا بِاخْتِيَارِهَا بِخِلَافِ مَا إذَا طَاوَعَتْ بَعْدَ مَا أَبَانَهَا ؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ ثَبَتَتْ بِفِعْلِهِ فَصَارَ بِهِ فَارًّا لِتَعَلُّقِ حَقِّهَا بِمَالِهِ وَلَا يَبْطُلُ بِثُبُوتِ الْمَحْرَمِيَّةِ لِأَنَّهَا لَا تُنَافِي الْإِرْثَ بِخِلَافِ الرِّدَّةِ بَعْدَ الْإِبَانَةِ ؛ لِأَنَّهَا تُنَافِي أَهْلِيَّةَ الْإِرْثِ إذْ الْمُرْتَدُّ لَا يَرِثُ أَحَدًا . وَأَمَّا اللِّعَانُ فَلِأَنَّ الْفُرْقَةَ جَاءَتْ بِسَبَبِ قَذْفٍ وُجِدَ مِنْهُ فَكَانَ فَارًّا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْقَذْفُ فِي الْمَرَضِ أَوْ فِي الصِّحَّةِ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ إذَا قَذَفَهَا فِي الصِّحَّةِ وَلَاعَنَهَا فِي الْمَرَضِ لَا تَرِثُ ، وَهَذَا مُلْحَقٌ بِفِعْلِهَا الَّذِي لَا بُدَّ لَهَا مِنْهُ إذْ هِيَ مُلْجَأَةٌ إلَى اللِّعَانِ لِدَفْعِ عَارِ الزِّنَا عَنْ نَفْسِهَا وَقَدْ بَيَّنَّا الْوَجْهَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ بَيَانَ أَنَّهُ مُلْحَقٌ بِهِ أَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ بِلِعَانِهَا وَهُوَ آخِرُ اللِّعَانَيْنِ فَيُضَافُ الْحُكْمُ إلَيْهِ وَلَا يُقَالُ إنَّ الْفُرْقَةَ تَقَعُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَكَيْفَ يُضَافُ إلَى فِعْلِهَا ؛ لِأَنَّا نَقُولُ اللِّعَانُ شَهَادَةٌ عِنْدَنَا وَالْحُكْمُ بِهَا لَا بِالْقَضَاءِ ؛ لِأَنَّهُ مَلْجَأٌ فَكَانَ مَنْسُوبًا إلَيْهَا وَهِيَ مُضْطَرَّةٌ فِيهِ فَلَا يَبْطُلُ حَقُّهَا بِهِ . وَأَمَّا الْإِيلَاءُ فَالْمُرَادُ بِهِ إذَا آلَى فِي الْمَرَضِ وَمَضَتْ الْمُدَّةُ وَهُوَ مَرِيضٌ . وَأَمَّا إذَا آلَى وَهُوَ صَحِيحٌ وَبَانَتْ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ وَهُوَ مَرِيضٌ فَلَا مِيرَاثَ لَهَا وَنَبَّهَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ أَوْ لَاعَنَ أَوْ آلَى مَرِيضًا وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْإِيلَاءَ بِمَنْزِلَةِ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ فَكَأَنَّهُ قَالَ لَهَا إذَا مَضَى أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَأَنْتِ بَائِنٌ وَقَدْ بَيَّنَّا الْحُكْمَ فِيهِ فَإِنْ قِيلَ فِي الْإِيلَاءِ فِي الصِّحَّةِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فَارًّا لِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ إبْطَالِهِ بِالْفَيْءِ فَإِذَا لَمْ يَفِئْ حَتَّى بَانَتْ كَانَ قَاصِدًا لِإِبْطَالِ حَقِّهَا فَيُرَدُّ عَلَيْهِ قَصْدُهُ فَتَرِثُ كَمَا إذَا وَكَّلَ وَكِيلًا فِي الصِّحَّةِ فَطَلَّقَهَا الْوَكِيلُ فِي مَرَضِ الْمُوَكِّلِ فَإِنَّهَا تَرِثُ ؛ لِأَنَّهُ جُعِلَ مُبَاشِرًا لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْعَزْلِ قُلْنَا لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْفَيْءِ إلَّا بِضَرَرٍ وَهُوَ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ عَلَيْهِ فَلَمْ يَكُنْ مُتَمَكِّنًا مُطْلَقًا بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْوَكِيلِ ؛ لِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ فَلَمْ يَبْقَ النِّكَاحُ سَبَبًا فِي حَقِّ الْإِرْثِ) أَيْ إذْ بِارْتِدَادِهَا انْفَسَخَ النِّكَاحُ ا هـ . (قَوْلُهُ فَإِذَا أَسْلَمَتْ بَعْدَ ذَلِكَ) أَيْ بَعْدَ مَا بَطَلَ النِّكَاحُ ا هـ . (قَوْلُهُ بِخِلَافِ النَّفَقَةِ) أَيْ نَفَقَةِ الْعِدَّةِ ا هـ . (قَوْلُهُ أَمَّا إذَا وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بِالْمُطَاوَعَةِ لَا تَرِثُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ بِخِلَافِ مَا إذَا طَاوَعَتْ ابْنَ زَوْجِهَا قَبْلَ الطَّلَاقِ أَوْ أَكْرَهَهَا ابْنُ زَوْجِهَا فَغَلَبَ عَلَى نَفْسِهَا حَيْثُ لَا يَكُونُ لَهَا الْمِيرَاثُ إذَا طَلَّقَهَا الزَّوْجُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمَّا إذَا طَاوَعَتْ فَظَاهِرٌ ؛ لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِبُطْلَانِ حَقِّهَا بِمُبَاشَرَةِ سَبَبِ الْفُرْقَةِ ، وَكَذَا إذَا أَكْرَهَهَا ابْنُ زَوْجِهَا ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَمَّا بَطَلَ بِالْمَحْرَمِيَّةِ الْحَاصِلَةِ بِحُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ لَمْ يُصَادِفْ طَلَاقُ الزَّوْجِ مَحَلًّا فَلَمْ يَكُنْ فَارًّا إلَّا إذَا أَمَرَ ابْنَهُ بِذَلِكَ فَأَكْرَهَهَا حَيْثُ يَكُونُ لَهَا الْمِيرَاثُ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَمَرَ صَارَ قَاصِدًا إلَى إسْقَاطِ حَقِّهَا فَصَارَ فَارًّا وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ هُوَ الْمُرِيدُ بَعْدَ مَا أَبَانَهَا فَلَا يَبْطُلُ مِيرَاثُهَا ؛ لِأَنَّ الْمُسْقِطَ لِلْإِرْثِ لَمْ يُوجَدْ مِنْ جِهَتِهَا وَإِنَّمَا تَكَرَّرَ سَبَبُ الْفِرَارِ مِنْ الزَّوْجِ أَعْنِي الرِّدَّةَ بَعْدَ الطَّلَاقِ وَبِهِ يَتَقَرَّرُ حَقُّهَا وَلَا يَبْطُلُ ا هـ . (قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهَا لَا تُنَافِي الْإِرْثَ) أَيْ ، وَلِهَذَا يَرِثُ الْمَحْرَمُ مِنْ الْمَحْرَمِ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ . (قَوْلُهُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْقَذْفُ فِي الْمَرَضِ أَوْ فِي الصِّحَّةِ) أَيْ وَلَاعَنَ فِي الْمَرَضِ وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ مَاتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ وَرِثَتْ . ا هـ . رَازِيٌّ . (قَوْلُهُ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ) أَيْ وَزُفَرُ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَاعَنَهَا فِي الْمَرَضِ لَا تَرِثُ) أَيْ لِعَدَمِ الْفِرَارِ ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْفُرْقَةِ قَذْفُ الرَّجُلِ وَلَمْ يَكُنْ قَذْفُهُ فِي زَمَانِ تَعَلُّقِ حَقِّهَا بِمَالِهِ ا هـ . (قَوْلُهُ وَأَمَّا إذَا آلَى وَهُوَ صَحِيحٌ) أَيْ بِأَنْ قَالَ فِي حَالِ صِحَّتِهِ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ مَرِضَ ثُمَّ مَضَتْ الْمُدَّةُ فِي الْمَرَضِ وَحَصَلَتْ الْبَيْنُونَةُ لَمْ تَرِثْ ؛ لِأَنَّ الْبَيْنُونَةَ تُضَافُ إلَى الْإِيلَاءِ وَقَدْ وُجِدَ الْإِيلَاءُ فِي الصِّحَّةِ وَلَمْ يَصْنَعْ الزَّوْجُ فِي الْمَرَضِ شَيْئًا مِنْ مُبَاشَرَةِ عِلَّةٍ أَوْ شَرْطٍ ا هـ رَازِيٌّ . (قَوْلُهُ وَبَانَتْ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ وَهُوَ مَرِيضٌ فَلَا مِيرَاثَ لَهَا) أَيْ اتِّفَاقًا وَيَحْتَاجُ الشَّيْخَانِ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبَيْنَ مَا إذَا قَذَفَهَا وَهُوَ صَحِيحٌ وَلَاعَنَهَا وَهُوَ مَرِيضٌ حَيْثُ قَالَا لَهَا الْمِيرَاثُ وَفَرَّقَ لَهُمَا بِأَنَّ الْقَذْفَ مَحْظُورٌ فَجُوزِيَ بِرَدِّ قَصْدِهِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْإِيلَاءِ فَإِنَّهُ مَشْرُوعٌ فِي الْجُمْلَةِ فَلَمْ يَرْتَكِبْ بِهِ مَحْظُورًا فَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ ا هـ ..

(2/250)


عَزْلِهِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى عَزْلِهِ حَتَّى أَبَانَهَا لَمْ تَرِثْ ذَكَرَهُ فِي الْمُنْتَقَى .
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ آلَى فِي صِحَّتِهِ وَبَانَتْ بِهِ فِي مَرَضِهِ لَا) أَيْ بَانَتْ بِالْإِيلَاءِ فِي مَرَضِهِ لَا تَرِثُ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ

(بَابُ الرَّجْعَةِ)
وَقَدْ بَيَّنَّا فِي أَوَّلِ الطَّلَاقِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَرَعَ النِّكَاحَ وَالطَّلَاقَ لِمَصَالِحِ الْعِبَادِ وَجَعَلَهُ غَيْرَ قَاطِعٍ لِلْحَالِ تَكْمِيلًا لِلْمَصْلَحَةِ بِحِكْمَتِهِ وَلُطْفِهِ بِعِبَادِهِ وَجَعَلَهُمْ مُتَمَكِّنِينَ مِنْ إبْطَالِ عَمَلِ الطَّلَاقِ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُمَا فَالْآنَ نَشْرَعُ فِي بَيَانِ الرَّجْعَةِ وَوَقْتِهَا . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (هِيَ اسْتِدَامَةُ الْقَائِمِ فِي الْعِدَّةِ) أَيْ الرَّجْعَةِ إبْقَاءَ النِّكَاحِ عَلَى مَا كَانَ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ قَائِمٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} [البقرة : 228] أَيْ لَهُمْ حَقُّ الرَّجْعَةِ لَا أَنْ يَكُونَ لَهَا أَوْ لِلْأَجْنَبِيِّ حَقٌّ فَيَكُونُ الْبَعْلُ أَوْلَى ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَ لَهَا أَنْ تَمْتَنِعَ أَلْبَتَّةَ وَلَا لِلْأَجْنَبِيِّ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا مَا دَامَ حَقُّهُ بَاقِيًا وَهَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى شَرْعِيَّةِ الرَّجْعَةِ وَعَدَمِ رِضَاهَا بِهَا وَاشْتِرَاطِ الْعِدَّةِ لِأَنَّ بَعْدَ انْقِضَائِهَا لَا يُسَمَّى بَعْدُ وَلَا لَهُ حَقٌّ بَلْ هُوَ وَالْأَجْنَبِيُّ فِيهَا سَوَاءٌ وَلَا دَلَالَةَ فِي قَوْله تَعَالَى {أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} [البقرة : 228] عَلَى أَنَّ مِلْكَهُ قَدْ زَالَ لِأَنَّ الرَّدَّ يُسْتَعْمَلُ لِلِاسْتِدَامَةِ يُقَالُ رَدَّ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ إذَا بَاعَهُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ ثُمَّ فَسَخَ وَهُوَ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ لَكِنْ لَمَّا كَانَ بِعَرْضِيَّةِ أَنْ يَخْرُجَ لَوْ لَمْ يَفْسَخْ حَتَّى مَضَتْ الْمُدَّةُ سُمِّيَ رَدًّا فَكَذَا هُنَا ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق : 2] وَالْإِمْسَاكُ هُوَ الْإِبْقَاءُ فَيَكُونُ أَقْوَى دَلَالَةً عَلَى أَنَّ الرَّجْعَةَ اسْتِدَامَةٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَصِحُّ إنْ لَمْ يُطَلِّقْ ثَلَاثًا ، وَلَوْ لَمْ تَرْضَ بِرَاجَعْتُكِ أَوْ رَاجَعْت امْرَأَتِي وَبِمَا يُوجِبُ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ) أَيْ تَصِحُّ الرَّجْعَةُ إنْ لَمْ يُطَلِّقْ الزَّوْجُ امْرَأَتَهُ الْحُرَّةَ ثَلَاثًا بِغَيْرِ رِضَاهَا بِقَوْلِهِ رَاجَعْتُك أَوْ رَاجَعْت امْرَأَتِي أَوْ بِفِعْلٍ يُوجِبُ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ كَالْوَطْءِ وَالْقُبْلَةِ وَاللَّمْسِ وَالنَّظَرِ إلَى دَاخِلِ الْفَرْجِ بِشَهْوَةٍ
أَمَّا صِحَّتُهَا فَثَابِتٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ . وَأَمَّا كَوْنُ الطَّلَاقِ غَيْرَ ثَلَاثٍ فَمِنْ شَرَائِطِهَا لِأَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا تَحْرُمُ عَلَيْهِ حُرْمَةً غَلِيظَةً فَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهَا الْمُرَاجَعَةُ ، وَالطَّلْقَتَانِ فِي الْأَمَةِ كَالثَّلَاثِ فِي الْحُرَّةِ وَمِنْ شَرَائِطِهَا أَنْ يَكُونَ الطَّلَاقُ صَرِيحًا لَفْظًا أَوْ اقْتِضَاءً وَأَنْ لَا يَكُونَ اسْتَرَقَّهَا بِمَالٍ وَأَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ فِي الْعِدَّةِ ، وَلِهَذَا لَمْ تُشْرَعْ قَبْلَ الدُّخُولِ . وَأَمَّا صِحَّتُهَا بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ فَلِأَنَّ اللَّفْظَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ صَرِيحَانِ فِيهَا ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مُرْ ابْنَك فَلْيُرَاجِعْهَا» وَقَدْ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى صِحَّتِهَا بِهِمَا وَمِنْ الصَّرِيحِ قَوْلُهُ ارْتَجَعْتُك أَوْ رَجَعْتُك أَوْ رَدَدْتُك أَوْ أَمْسَكْتُك وَمِنْ الْكِنَايَاتِ أَنْتِ عِنْدِي كَمَا كُنْت أَوْ قَالَ أَنْتِ امْرَأَتِي وَمَا عَدَاهَا مِنْ الْأَفْعَالِ يَدُلُّ عَلَى الِاسْتِبْقَاءِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهَا أَفْعَالٌ تَخْتَصُّ بِالنِّكَاحِ فَيَكُونُ مُسْتَدِيمًا لِلْمِلْكِ كَمَا إذَا بَاعَ جَارِيَتَهُ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثُمَّ وَطِئَهَا يَكُونُ رَدًّا لِلْبَيْعِ وَمُسْتَبْقِيًا لَهَا عَلَى مِلْكِهِ ،
وَكَذَا وَطْءُ الْمَوْلَى جُعِلَ اسْتِبْقَاءً ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَطَأْهَا كَانَتْ تَبِينُ مِنْهُ بِمُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا تَصِحُّ الرَّجْعَةُ إلَّا بِالْقَوْلِ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ بِأَنْ لَا يَكُونَ أَخْرَسَ أَوْ مُعْتَقَلَ اللِّسَانِ ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ يُحَرِّمُ الْوَطْءَ عِنْدَهُ فَيَكُونُ مُثْبِتًا لِلْحِلِّ كَمَا هُوَ أَصْلُهُ وَعِنْدَنَا لَا يُحَرِّمُ فَيَكُونُ اسْتِدَامَةً عَلَى مَا يَجِيءُ مِنْ قَرِيبٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَكُلُّ فِعْلٍ يَدُلُّ عَلَى الِاسْتِدَامَةِ تَكُونُ بِهِ رَجْعِيَّةً وَهُوَ فِعْلٌ يَخْتَصُّ بِالنِّكَاحِ بِخِلَافِ النَّظَرِ وَالْمَسِّ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَحِلُّ لِلطَّبِيبِ وَالْقَابِلَةِ وَالْخَافِضَةِ وَتَحَمُّلِ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ فِي الزِّنَا وَلَا يَكُونُ بِالنَّظَرِ إلَى شَيْءٍ مِنْ بَدَنِهَا سِوَى الْفَرْجِ رَجْعَةً حَتَّى الدُّبُرَ لِمَا فِيهَا مِنْ الْحَرَجِ فَلَوْ كَانَتْ رَجْعَةً لَطَلَّقَهَا وَطَالَ عِدَّتُهَا عَلَيْهَا
وَاخْتَلَفُوا فِي الْوَطْءِ فِي الدُّبُرِ قِيلَ أَنَّهُ لَيْسَ بِرَجْعَةٍ وَإِلَيْهِ أَشَارَ الْقُدُورِيُّ وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ رَجْعَةٌ ، وَلَوْ قَبَّلَتْهُ أَوْ لَمَسَتْهُ أَوْ نَظَرَتْ إلَى فَرْجِهِ بِشَهْوَةٍ وَعَلِمَ الزَّوْجُ ذَلِكَ وَتَرَكَهَا حَتَّى فَعَلَتْ ذَلِكَ فَهِيَ رَجْعَةٌ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ اخْتِلَاسًا مِنْهَا لَا بِتَمْكِينِهِ فَكَذَلِكَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لَا يَكُونُ رَجْعَةً وَجْهُ الْأَوَّلِ الِاعْتِبَارُ بِالْمُصَاهَرَةِ ، وَلِهَذَا لَوْ أَدْخَلَتْ فَرْجَهُ فِي فَرْجِهَا وَهُوَ نَائِمٌ كَانَتْ رَجْعَةً فَصَارَ كَالْجَارِيَةِ الْمَبِيعَةِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ لَوْ فَعَلَتْ ذَلِكَ بِالْبَائِعِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ حَتَّى صَارَ فَسْخًا لِلْبَيْعِ وَإِنْ تَزَوَّجَهَا فِي الْعِدَّةِ لَا تَكُونُ رَجْعَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّ إنْشَاءَ النِّكَاحِ فِي الْمَنْكُوحَةِ بَاطِلٌ لَغْوٌ فَلَا يَثْبُتُ مَا فِي ضِمْنِهِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَكُونُ رَجْعَةً
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ وَاخْتَارَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ قَوْلَ مُحَمَّدٍ وَبِهِ يُفْتَى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بَابُ الرَّجْعَةِ) هِيَ مَصْدَرٌ مِنْ رَجَعَ يَرْجِعُ ا هـ ع لَمَّا ذَكَرَ أَنْوَاعَ الطَّلَاقِ ، وَذَكَرَ صِفَةَ مَوْقِعَهُ صِحَّةً وَمَرَضًا شَرَعَ فِي بَيَانِ الرَّجْعَةِ لِلْمُنَاسَبَةِ لِأَنَّ الرَّجْعَةَ تَقْتَضِي سَابِقَةَ الطَّلَاقِ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ . (قَوْلُهُ إنْ لَمْ يُطَلِّقْ الزَّوْجُ امْرَأَتَهُ الْحُرَّةَ ثَلَاثًا بِغَيْرِ رِضَاهَا) أَيْ ؛ لِأَنَّ النَّصَّ مُطْلَقٌ . ا هـ . رَازِيٌّ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَإِنَّمَا لَا يُعْتَبَرُ رِضَاهَا ، وَكَذَا لَا يُعْتَبَرُ رِضَا الْوَلِيِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [البقرة : 231] مُطْلَقًا عَنْ قَيْدِ الرِّضَا وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} [البقرة : 228] فَلَوْ كَانَ رِضَاهَا مُعْتَبَرًا لَمْ يَكُنْ الْبَعْلُ أَحَقَّ بِالرَّدِّ ؛ لِأَنَّهَا رُبَّمَا لَا تَرْضَى بِالرَّجْعَةِ ، وَلِأَنَّ الرَّجْعَةَ وُضِعَتْ لِاسْتِدْرَاكِ الزَّوْجِ حَقَّهُ مِنْ النِّكَاحِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} [الطلاق : 1] فَلَا يُشْتَرَطُ رِضَا الْمَرْأَةِ وَالْوَلِيِّ كَالْفَيْءِ فِي الْإِيلَاءِ ا هـ . (قَوْلُهُ وَمَا عَدَاهَا مِنْ الْأَفْعَالِ يَدُلُّ عَلَى الِاسْتِبْقَاءِ) سَيَأْتِي فِي بَابِ ثُبُوتِ النَّسَبِ أَنَّ الْمُرَاجَعَةَ بِالْفِعْلِ خِلَافُ السُّنَّةِ . ا هـ . (فَرْعٌ) التَّقْبِيلُ بِالشَّهْوَةِ وَنَحْوِهِ يَكُونُ رَجْعَةً وَإِنْ نَادَى الزَّوْجُ عَلَى نَفْسِهِ بِعَدَمِ الرَّجْعَةِ ا هـ كَمَالٌ قُبَيْلَ مَا تَحِلُّ بِهِ الْمُطَلَّقَةُ ا هـ

(2/251)


وَرَجْعَةُ الْمَجْنُونِ بِالْفِعْلِ وَلَا تَصِحُّ بِالْقَوْلِ وَقِيلَ بِالْعَكْسِ وَقِيلَ بِهِمَا .

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْإِشْهَادُ مَنْدُوبٌ إلَيْهَا) أَيْ الْإِشْهَادُ عَلَى الرَّجْعَةِ مَنْدُوبٌ إلَيْهَا احْتِرَازًا عَنْ التَّجَاحُدِ وَعَنْ الْوُقُوفِ فِي مَوَاضِعِ التُّهَمِ ؛ لِأَنَّ النَّاسَ عَرَفُوهُ مُطْلَقًا فَيُتَّهَمُ بِالْقُعُودِ مَعَهَا وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ عَلَى رَجْعَتِهَا صَحَّتْ ، وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا تَصِحُّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق : 2] أَمَرَ بِهِ وَهُوَ لِلْوُجُوبِ وَلَنَا النُّصُوصُ الْمُطْلَقَةُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَأَمْسِكُوهُنَّ} [البقرة : 231] ، {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} [البقرة : 228] وَكَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مُرْ ابْنَك فَلْيُرَاجِعْهَا» مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ بِالْإِشْهَادِ وَاشْتِرَاطُهَا زِيَادَةٌ وَهِيَ نَسْخٌ فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِمِثْلِهِ ، وَلِأَنَّ الْمِلْكَ بَاقٍ فِيهَا وَالرَّجْعَةُ اسْتِدَامَةٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا ، وَلِهَذَا كَانَ بَاقِيًا فِي حَقِّ الْإِرْثِ وَالْإِيلَاءِ وَالظِّهَارِ وَاللِّعَانِ وَعِدَّةِ الْوَفَاةِ وَتَنَاوَلَهَا قَوْلُهُ زَوْجَاتِي طَوَالِقُ وَجَوَازُ الِاعْتِيَاضِ بِالْخُلْعِ وَمُرَاجَعَةُ الْأَمَةِ عَلَى الْحُرَّةِ وَعَدَمُ اشْتِرَاطِ رِضَاهَا وَلَفْظَةُ الْإِنْكَاحِ وَالْوَلِيِّ وَالشَّهَادَةِ لَيْسَتْ شَرْطًا فِيهِ فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ كَمَا فِي الْفَيْءِ فِي الْإِيلَاءِ وَالْأَمْرُ فِي الْآيَةِ مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَرَنَهَا بِالْمُفَارَقَةِ وَهِيَ لَيْسَتْ شَرْطًا فِيهِ فَكَذَا فِي الرَّجْعَةِ لِاسْتِحَالَةِ إرَادَةِ مَعْنَيَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ وَهُوَ يَحْتَمِلُ النَّدْبَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} [البقرة : 282] وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ} [النساء : 6] ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ لَا يُحَرِّمُ الْوَطْءَ عِنْدَنَا وَالْعَجَبُ مِنْهُمْ أَنَّهُمْ يَشْتَرِطُونَ الْإِشْهَادَ فِي الرَّجْعَةِ اعْتِبَارًا بِابْتِدَاءِ النِّكَاحِ وَلَا يَشْتَرِطُونَ رِضَاهَا وَلَا تَجْدِيدَ الْمَهْرِ وَلَا الْوَلِيَّ ، وَأَعْجَبُ مِنْهُ أَنَّ مَالِكًا يَشْتَرِطُ فِيهَا الْإِشْهَادَ وَلَا يَشْتَرِطُهُ فِي ابْتِدَاءِ النِّكَاحِ ، وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ ، وَكَذَا يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُعْلِمَهَا بِالْمُرَاجَعَةِ كَيْ لَا تَقَعَ فِي الْمَعْصِيَةِ يَعْنِي بِالتَّزَوُّجِ بِغَيْرِهِ وَفِيهِ إشْكَالٌ لِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ لَا تَكُونُ بِدُونِ الْعِلْمِ وَفِي الْغَايَةِ لَا تَتَحَقَّقُ الْمَعْصِيَةُ بِغَيْرِ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يُقَالَ يَنْبَغِي أَنْ لَا تَتَزَوَّجَ بِغَيْرِهِ حَتَّى تَسْأَلَ عَنْ ارْتِجَاعِهِ لِانْفِرَادِهِ بِهِ فَإِذَا تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِ سُؤَالٍ وَقَعَتْ فِي الْمَعْصِيَةِ ، وَهَذَا مُشْكِلٌ أَيْضًا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَوْجَبَ عَلَيْهَا السُّؤَالَ ، وَالْمَعْصِيَةُ بِالْعَمَلِ بِمَا ظَهَرَ عِنْدَهَا .

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ قَالَ بَعْدَ الْعِدَّةِ رَاجَعْتُك فِيهَا فَصَدَّقَتْهُ تَصِحُّ وَإِلَّا لَا كَرَاجَعْتُكِ فَقَالَتْ مُجِيبَةً مَضَتْ عِدَّتِي) أَيْ لَوْ قَالَ لَهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا كُنْت رَاجَعْتُك فِي الْعِدَّةِ فَإِنْ صَدَّقَتْهُ تَصِحُّ الرَّجْعَةُ وَإِنْ كَذَّبَتْهُ لَا تَصِحُّ كَمَا لَا تَصِحُّ فِي قَوْلِهِ لَهَا رَاجَعْتُك يُرِيدُ بِهِ الْإِنْشَاءَ فَقَالَتْ مُجِيبَةً لَهُ قَدْ انْقَضَتْ عِدَّتِي أَمَّا الْأُولَى فَلِأَنَّهُ مُدَّعِي مَا لَا يَمْلِكُ إنْشَاءَهُ فِي الْحَالِ وَهِيَ مُنْكِرَةٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ وَإِنْ صَدَّقَتْهُ تَثْبُتُ الرَّجْعَةُ ؛ لِأَنَّهُ بِتَصَادُقِ الزَّوْجَيْنِ يَثْبُتُ النِّكَاحُ فَالرَّجْعَةُ أَوْلَى بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الْعِدَّةُ بَاقِيَةً حَيْثُ يَكُونُ الْقَوْلُ فِيهَا قَوْلَهُ ؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَمَّا يَمْلِكُ إنْشَاءَهُ فِي الْحَالِ فَلَا يَكُونُ مُتَّهَمًا فِيهِ كَالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ إذَا قَالَ بِعْته مِنْ فُلَانٍ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ قَبْلَ الْعَزْلِ لَا بَعْدَهُ لِمَا ذَكَرْنَا ثُمَّ لَا يَمِينَ عَلَيْهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا وَهِيَ مَسْأَلَةُ الِاسْتِحْلَافِ فِي الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ عَلَى مَا يَجِيءُ فِي مَوْضِعِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ فَالْمَذْكُورُ هُنَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا تَصِحُّ الرَّجْعَةُ ؛ لِأَنَّ عِدَّتَهَا بَاقِيَةٌ ظَاهِرًا مَا لَمْ تُقِرَّ بِانْقِضَائِهَا وَسَقَطَتْ بِالرَّجْعَةِ ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ لَا تَبْقَى مَعَهَا وَإِخْبَارُهَا بَعْدَ ذَلِكَ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا مِنْ قَبِيلِ الْمُحَالِ فَصَارَ كَمَا إذَا أَجَابَتْهُ بَعْدَ سَكْتَةٍ ، وَلِهَذَا لَوْ قَالَ لَهَا طَلَّقْتُك فَقَالَتْ مُجِيبَةً لَهُ قَدْ انْقَضَتْ عِدَّتِي يَقَعُ الطَّلَاقُ وَلَهُ أَنَّ هَذِهِ الرَّجْعَةَ صَادَقَتْ حَالَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ وَرَجْعَةُ الْمَجْنُونِ بِالْفِعْلِ) وَيُتَصَوَّرُ فِيمَا إذَا طَلَّقَهَا وَهُوَ مُفِيقٌ ثُمَّ جُنَّ ا هـ ..

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْإِشْهَادُ مَنْدُوبٌ) أَيْ مُسْتَحَبٌّ ا هـ ع وَصُورَةُ الْإِشْهَادِ أَنْ يَقُولَ لِاثْنَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ اشْهَدُوا أَنِّي قَدْ رَاجَعْت امْرَأَتِي . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ . (قَوْلُهُ ، وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ لَا تَصِحُّ) أَيْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق : 2] . (قَوْلُهُ وَلَنَا النُّصُوصُ الْمُطْلَقَةُ إلَخْ) ، وَهَذَا لَوْ دَلَّ عَلَى الْوُجُوبِ لَلَزِمَ التَّعَارُضُ وَالتَّدَافُعُ ، وَالتَّعَارُضُ خِلَافُ الْأَصْلِ فَيُحْمَلُ عَلَى النَّدْبِ تَوْفِيقًا بَيْنَ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ وَلَا يَجُوزُ حَمْلُ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ لِئَلَّا يَلْزَمَ بُطْلَانُ صِفَةِ الْإِطْلَاقِ بَلْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَجْرِي عَلَى سَنَنِهِ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ . (قَوْلُهُ وَهِيَ لَيْسَتْ شَرْطًا فِيهِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالثَّانِي أَنَّ الْإِشْهَادَ مَقْرُونٌ بِالْمُفَارَقَةِ وَالرَّجْعَةِ جَمِيعًا ثُمَّ الْإِشْهَادُ عِنْدَ الْمُفَارَقَةِ مُسْتَحَبٌّ بِالْإِجْمَاعِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْوُجُوبُ عِنْدَ الرَّجْعَةِ لِلُزُومِ خَرْقِ الْإِجْمَاعِ وَذَاكَ ؛ لِأَنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فِي مُوجِبِ الْأَمْرِ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ بِالْوُجُوبِ وَبَعْضُهُمْ بِالنَّدْبِ وَبَعْضُهُمْ بِالْإِبَاحَةِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَنَّ مُوجِبَهُ الْوُجُوبُ وَالنَّدْبُ جَمِيعًا وَكَانَ مِنْهُمْ إجْمَاعًا عَلَى أَنَّ إرَادَةَ الْآخَرَيْنِ جَمِيعًا عَلَى الْوُجُوبِ ، وَالنَّدْبُ لَا يَجُوزُ ا هـ . (قَوْلُهُ وَكَذَا يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُعْلِمَهَا بِالْمُرَاجَعَةِ كَيْ لَا تَقَعَ فِي الْمَعْصِيَةِ) أَيْ وَذَاكَ ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا لَمْ تَعْلَمْ الرَّجْعَةَ رُبَّمَا تَتَزَوَّجُ بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْعِدَّةِ رَجُلًا بِنَاءً عَلَى الطَّلَاقِ السَّابِقِ فَتَقَعُ فِي الْحَرَامِ قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ قُبَيْلَ بَابِ صَرِيحِ الطَّلَاقِ الرَّجْعَةُ عَلَى ضَرْبَيْنِ سُنِّيٍّ وَبِدْعِيٍّ فَالسُّنِّيُّ هُوَ أَنْ يُرَاجِعَهَا بِالْقَوْلِ وَيُشْهِدَ عَلَى رَجْعَتِهَا وَيُعْلِمَهَا وَلَوْ رَاجَعَهَا بِالْقَوْلِ وَلَمْ يُشْهِدْ أَوْ أَشْهَدَ وَلَمْ يُعْلِمْهَا كَانَ مُخَالِفًا لِلسُّنَّةِ ، وَقَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ وَإِذَا كَتَمَهَا الطَّلَاقَ ثُمَّ رَاجَعَهَا وَكَتَمَهَا الرَّجْعَةَ فَهِيَ امْرَأَتُهُ غَيْرَ أَنَّهُ قَدْ أَسَاءَ فِيمَا صَنَعَ وَإِنَّمَا قَالَ أَسَاءَ لِتَرْكِ الِاسْتِحْبَابِ وَهُوَ الْإِشْهَادُ وَالْإِعْلَامُ ا هـ ..

(قَوْلُهُ لَا يَمْلِكُ إنْشَاءَهُ فِي الْحَالِ) أَيْ فَكَانَ مُتَّهَمًا إلَّا أَنَّ بِالتَّصْدِيقِ تَرْتَفِعُ التُّهْمَةُ . ا هـ . هِدَايَةٌ . (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الْعِدَّةُ بَاقِيَةً) أَيْ ، وَقَالَ كُنْت رَاجَعْتُك أَمْسِ وَأَنْكَرَتْ الْمَرْأَةُ ا هـ . (قَوْلُهُ ثُمَّ لَا يَمِينَ عَلَيْهَا إلَخْ) أَيْ إنْ لَمْ تُصَدِّقْهُ الْمَرْأَةُ عَلَى الرَّجْعَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا عِنْدَ الْإِمَامِ بِلَا يَمِينٍ وَعِنْدَهُمَا مَعَ الْيَمِينِ ا هـ . (قَوْلُهُ وَعِنْدَهُمَا تَصِحُّ الرَّجْعَةُ) أَيْ ؛ لِأَنَّهَا صَادَفَتْ الْعِدَّةَ . ا هـ . هِدَايَةٌ . (قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ عِدَّتَهَا بَاقِيَةٌ ظَاهِرًا) أَيْ عَمَلًا بِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ

(2/252)


فَلَا تَصِحُّ ، وَهَذَا لِأَنَّهَا أَمِينَةٌ فِي الْإِخْبَارِ فَوَجَبَ قَبُولُ قَوْلِهَا فَإِذَا أَخْبَرَتْ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى سَبْقِ الِانْقِضَاءِ وَأَقْرَبُ أَحْوَالِهِ حَالَ قَوْلِ الزَّوْجِ رَاجَعْتُك فَتَكُونُ مُقَارِنَةً لِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَلَا تَصِحُّ بِخِلَافِ مَا إذَا سَكَتَتْ ثُمَّ أَخْبَرَتْ بِالِانْقِضَاءِ ؛ لِأَنَّ أَقْرَبَ الْأَحْوَالِ فِيهَا حَالُ السَّكْتَةِ فَيُضَافُ إلَيْهِ وَلِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهَا أَنْ تُخْبِرَ مُتَّصِلًا بِكَلَامِهِ لَوْ كَانَ الِانْقِضَاءُ ثَابِتًا وَالتَّأْخِيرُ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِهِ فَتَكُونُ مُتَّهَمَةً بِالْإِخْبَارِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا وَبِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ الْمُوَكِّلُ عَزَلْتُك فَقَالَ الْوَكِيلُ بِعْته مِنْ فُلَانٍ حَيْثُ لَا يُصَدَّقُ ؛ لِأَنَّ بَيْعَهُ مُقَارِنًا لِعَزْلِهِ غَيْرُ مُمْكِنٍ فَلَا يُصَدَّقُ وَمَسْأَلَةُ الطَّلَاقِ عَلَى الْخِلَافِ فَلَا يَقَعُ عِنْدَهُ كَمَا لَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ مَعَ انْقِضَاءِ عِدَّتِك وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَقَعُ لِإِقْرَارِهِ بِالْوُقُوعِ كَمَا لَوْ قَالَ لَهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا كُنْت طَلَّقْتُك فِي الْعِدَّةِ وَلَا يُقَالُ كَانَ قَوْلُهَا يَقْتَضِي سَبْقَ الِانْقِضَاءِ . وَقَوْلُهُ أَيْضًا يَقْتَضِي سَبْقَ الرَّجْعَةِ فَلَا يَكُونُ مُقَارِنًا ؛ لِأَنَّا نَقُولُ قَوْلُهُ رَاجَعْتُك إنْشَاءٌ وَهُوَ إثْبَاتُ أَمْرٍ لَمْ يَكُنْ فَلَا يَسْتَدْعِي سَبْقَ الرَّجْعَةِ وَقَوْلُهَا انْقَضَتْ عِدَّتِي إخْبَارٌ وَهُوَ إظْهَارُ أَمْرٍ قَدْ كَانَ فَيَقْتَضِي سَبْقَ الِانْقِضَاءِ ضَرُورَةً وَتَسْتَحْلِفُ الْمَرْأَةُ هُنَا بِالْإِجْمَاعِ وَالْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ الرَّجْعَةِ أَنَّ الْيَمِينَ فَائِدَتُهَا النُّكُولُ وَهُوَ بَذْلٌ عِنْدَهُ وَبَذْلُ الِامْتِنَاعِ مِنْ التَّزَوُّجِ وَالِاحْتِبَاسِ فِي مَنْزِلِ الزَّوْجِ جَائِزٌ بِخِلَافِ الرَّجْعَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ فَإِنَّ بَذْلَهَا لَا يَجُوزُ فِيهَا ثُمَّ إذَا نَكَلَتْ ثَبَتَتْ الرَّجْعَةُ بِنَاءً عَلَى ثُبُوتِ الْعِدَّةِ لِنُكُولِهَا ضَرُورَةً بِمَنْزِلَةِ ثُبُوتِ النَّسَبِ بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ بِنَاءً عَلَى شَهَادَتِهَا بِالْوِلَادَةِ .

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ قَالَ زَوْجُ الْأَمَةِ بَعْدَ الْعِدَّةِ رَاجَعْت فِيهَا فَصَدَّقَهُ سَيِّدُهَا وَكَذَّبَتْهُ أَوْ قَالَتْ مَضَتْ عِدَّتِي وَأَنْكَرَا فَالْقَوْلُ لَهَا) أَيْ لَوْ قَالَ زَوْجُ الْأَمَةِ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا كُنْت رَاجَعْتهَا فِي الْعِدَّةِ فَصَدَّقَهُ مَوْلَاهَا وَكَذَّبَتْهُ الْأَمَةُ أَوْ اخْتَلَفُوا فِي انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا فَقَالَتْ انْقَضَتْ وَأَنْكَرَ الزَّوْجُ وَالْمَوْلَى انْقِضَاءَهَا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهَا فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ أَمَّا فِي الْأُولَى فَالْمَذْكُورُ هُنَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَقَالَا الْقَوْلُ قَوْلُ الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْبُضْعَ مِلْكُهُ وَهُوَ خَالِصُ حَقِّهِ وَقَدْ أَقَرَّ بِهِ لِغَيْرِهِ فَيُصَدَّقُ كَإِقْرَارِهِ عَلَيْهَا بِالنِّكَاحِ وَهِيَ تُنْكِرُ بَلْ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْبَقَاءَ أَسْهَلُ مِنْ الِابْتِدَاءِ ، وَهَذَا لِأَنَّ الْإِقْرَارَ تَصَرُّفٌ فِي الْبُضْعِ فَيَسْتَبِدُّ بِهِ الْمَوْلَى كَإِنْشَاءِ النِّكَاحِ وَلَهُ أَنَّ الرَّجْعَةَ تُبْتَنَى عَلَى قِيَامِ الْعِدَّةِ وَالْقَوْلُ فِي الْعِدَّةِ قَوْلُهَا فَكَذَا فِيمَا يَبْتَنِي عَلَيْهَا وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ يَمْلِكُ الْبُضْعَ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ بَلْ هُوَ كَالْأَجْنَبِيِّ فِيهِ بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ بِالنِّكَاحِ وَالْإِنْشَاءِ فِيهِ ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ فِيهِ ثَابِتٌ عِنْدَ التَّصَرُّفِ فَيَنْفُذُ وَلَوْ كَانَ عَلَى الْقَلْبِ بِأَنْ كَذَّبَهُ الْمَوْلَى وَصَدَّقَتْهُ الْأَمَةُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَوْلَى وَلَا تَثْبُتُ الرَّجْعَةُ إجْمَاعًا فِي الصَّحِيحِ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ . وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَلِأَنَّهَا مُنْقَضِيَةُ الْعِدَّةِ فِي الْحَالِ فَظَهَرَ مِلْكُ الْمَوْلَى فِي الْبُضْعِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي إبْطَالِهِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى بِالتَّصْدِيقِ فِي الرَّجْعَةِ مُقِرٌّ بِقِيَامِ الْعِدَّةِ عِنْدَهَا وَلَا يَظْهَرُ مِلْكُهُ مَعَ الْعِدَّةِ ، وَقِيلَ هِيَ أَيْضًا عَلَى الْخِلَافِ وَقِيلَ لَا يَقْضِي بِشَيْءٍ مَا حَتَّى يَتَّفِقَ الْمَوْلَى وَالْأَمَةُ . وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّهَا أَعْرَفُ بِحَالِهَا وَهِيَ أَمِينَةٌ فِيهِ فَيُقْبَلُ قَوْلُهَا فِيهِ دُونَ الْمَوْلَى وَالزَّوْجِ ، وَلِهَذَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا أَنِّي حَائِضٌ فِي حَقِّ حُرْمَةِ الْوَطْءِ عَلَيْهِمَا وَفِي حَقِّ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ .

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَنْقَطِعُ إنْ طَهُرَتْ مِنْ الْحَيْضِ الْآخَرِ لِعَشَرَةٍ وَإِنْ لَمْ تَغْتَسِلْ وَلِأَقَلَّ لَا حَتَّى تَغْتَسِلَ أَوْ يَمْضِيَ وَقْتُ صَلَاةٍ) أَيْ تَنْقَطِعُ الرَّجْعَةُ بِانْقِطَاعِ الدَّمِ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ لِعَشَرَةِ أَيَّامٍ وَلَا تَنْقَطِعُ حَتَّى تَغْتَسِلَ إنْ انْقَطَعَ لِأَقَلَّ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ الْحَيْضَ لَا مَزِيدَ لَهُ عَلَى الْعَشَرَةِ فَبِتَمَامِهَا يُحْكَمُ بِطَهَارَتِهَا وَانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ طَهُرَتْ أَوْ لَمْ تَطْهُرْ وَإِنَّمَا شُرِطَتْ الطَّهَارَةُ فِيهِ اعْتِبَارًا لِلْغَالِبِ أَوْ يَكُونُ مَعْنَاهُ إنْ طَهُرَتْ لِتَمَامِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى سَبْقِ الِانْقِضَاءِ) أَيْ عَلَى الرَّجْعَةِ وَلَا دَلِيلَ عَلَى مِقْدَارٍ مُعَيَّنٍ ا هـ . (قَوْلُهُ وَتُسْتَحْلَفُ الْمَرْأَةُ هُنَا بِالْإِجْمَاعِ) هَكَذَا مَشَى عَلَيْهِ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِهِ وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الرَّجْعَةَ صَحَّتْ عَلَى قَوْلِهِمَا فَعَلَامَ تَحْلِفُ وَفِي فَتَاوَى الْوَلْوَالِجِيِّ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا مَعَ الْيَمِينِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَكَذَا ذَكَرَهُ الْأَقْطَعُ فِي شَرْحِهِ وَالْأَتْقَانِيُّ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْقَوْلُ قَوْلُهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مَعَ الْيَمِينِ نَصَّ عَلَيْهِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي شَرْحِ أَبِي نَصْرٍ وَخُلَاصَةِ الْفَتَاوَى وَفَتَاوَى الْوَلْوَالِجِيِّ ؛ لِأَنَّهَا بِنُكُولِهَا تَبْذُلُ الِامْتِنَاعَ مِنْ الِانْتِقَالِ مِنْ مَنْزِلِ الزَّوْجِ ، وَهَذَا الْمَعْنَى يَصِحُّ بَذْلُهُ وَأَوْرَدَ الشَّيْخُ أَبُو نَصْرٍ سُؤَالًا وَجَوَابًا فَقَالَ فَإِنْ قِيلَ إذَا نَكَلَتْ صَحَّتْ الرَّجْعَةُ وَالرَّجْعَةُ لَا يَصِحُّ بَذْلُهَا قِيلَ الرَّجْعَةُ لَا تَثْبُتُ بِنُكُولِهَا وَإِنَّمَا يَثْبُتُ بِنُكُولِهَا الْعِدَّةُ وَيَمْلِكُ الزَّوْجُ الرَّجْعَةَ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ لَا بِبَذْلِهَا كَمَا نَقُولُ إنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ بِالْفِرَاشِ عِنْدَ شَهَادَةِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ بِالْوِلَادَةِ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ بِشَهَادَتِهَا ثُمَّ إنَّمَا تُصَدَّقُ الْمَرْأَةُ فِي انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ إذَا كَانَتْ الْمُدَّةُ تَحْتَمِلُ ذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا وَبِهِ صَرَّحَ الطَّحَاوِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ ا هـ وَكَتَبَ أَيْضًا عَلَى قَوْلِهِ وَتُسْتَحْلَفُ مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَمَالُ وَتُسْتَحْلَفُ الْمَرْأَةُ هُنَا بِالْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ عِدَّتَهَا كَانَتْ مُنْقَضِيَةً حَالَ إخْبَارِهَا ا هـ . (قَوْلُهُ وَالْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ الرَّجْعَةِ) أَيْ حَيْثُ لَمْ تُسْتَحْلَفْ عِنْدَهُ أَنَّهُ لَمْ يُرَاجِعْهَا فِي الْعِدَّةِ . ا هـ . كَمَالٌ ..

(قَوْلُهُ فَالْمَذْكُورُ هُنَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ) أَيْ وَقَوْلُ زُفَرَ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ كَذَا فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ . (قَوْلُهُ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ) أَيْ ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَ بُضْعِهَا مَمْلُوكَةٌ لِلْمَوْلَى ، وَالزَّوْجُ مُتَّهَمٌ فِي الرَّجْعَةِ ؛ لِأَنَّهَا مُنْقَضِيَةُ الْعِدَّةِ فَلَا تَثْبُتُ الرَّجْعَةُ بِلَا تَصْدِيقِ الْمَوْلَى ا هـ . (قَوْلُهُ اعْتِبَارًا لِلْغَالِبِ) يَعْنِي أَنَّ الْغَالِبَ فِيمَنْ انْقَطَعَ حَيْضُهَا الِاغْتِسَالُ عَادَةً ا هـ . (قَوْلُهُ أَوْ يَكُونُ مَعْنَاهُ إلَخْ) أَقُولُ هَذَا تَقْدِيرٌ ثَانٍ لِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ مُغَايِرٌ لِمَا قَدَّمَهُ وَعَلَى التَّقْدِيرِ الثَّانِي يَكُونُ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ لِعَشَرَةٍ مُضَافٌ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ لِتَمَامِ عَشَرَةٍ وَالْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ عَلَى هَذَا مُتَعَلِّقٌ بِطَهُرَتْ وَعَلَى التَّقْدِيرِ الْأَوَّلِ لَيْسَ فِيهِ مُضَافٌ مَحْذُوفٌ لَكِنَّ قَوْلَهُ بِعَشَرَةٍ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ بِالِانْقِطَاعِ وَذَلِكَ الْمَحْذُوفُ مُتَعَلِّقٌ بِطَهُرَتْ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي

(2/253)


الْعَشَرَةِ أَيْ لِأَجْلِ أَنَّهَا تَمَّتْ لَا لِانْقِطَاعِ الدَّمِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الِانْقِطَاعُ ؛ لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَيْهَا اسْتِحَاضَةٌ فَوُجُودُ الِانْقِطَاعِ بَعْدَ تَمَامِ الْعَشَرَةِ كَعَدَمِهِ إلَّا أَنَّهُ إنْ انْقَطَعَ لِعَشَرَةٍ تَنْقَطِعُ الرَّجْعَةُ فِي الْحَالِ وَإِنْ لَمْ يَنْقَطِعْ وَكَانَ لَهَا عَادَةٌ تُرَدُّ إلَى عَادَتِهَا فَيَتَبَيَّنُ أَنَّ الرَّجْعَةَ انْقَطَعَتْ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ وَفِيمَا دُونَ الْعَشَرَةِ يُحْتَمَلُ عَوْدُ الدَّمِ فَلَا بُدَّ أَنْ يُعَضَّدَ الِانْقِطَاعُ بِأَخْذِ شَيْءٍ مِنْ أَحْكَامِ الطِّهَارَاتِ وَذَلِكَ بِالِاغْتِسَالِ ؛ لِأَنَّهُ يَحِلُّ لَهَا بِهِ الْقِرَاءَةُ وَدُخُولُ الْمَسْجِدِ وَالصَّلَاةُ وَغَيْرُهَا أَوْ يَمْضِي عَلَيْهَا أَدْنَى وَقْتِ صَلَاةٍ وَهُوَ قَدْرُ مَا تَقْدِرُ عَلَى الِاغْتِسَالِ وَالتَّحْرِيمَةِ وَمَا دُونَ ذَلِكَ مُلْحَقٌ بِمُدَّةِ الْحَيْضِ ، وَقَالَ زُفَرُ لَا تَنْقَطِعُ الرَّجْعَةُ مَا لَمْ تَغْتَسِلْ ؛ لِأَنَّ دَمَهَا يُتَوَهَّمُ عَوْدُهُ وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ الزَّوْجُ أَحَقُّ بِرَجْعَتِهَا مَا لَمْ تَغْتَسِلْ قُلْنَا الْمَوْهُومُ لَا يُعَارِضُ الْمُحَقَّقَ كَمَا إذَا اغْتَسَلَتْ ، وَهَذَا لِأَنَّ الِاغْتِسَالَ إنَّمَا انْقَطَعَتْ بِهِ الرَّجْعَةُ ؛ لِأَنَّهَا أَخَذَتْ شَيْئًا مِنْ أَحْكَامِ الطَّاهِرَاتِ كَمَا ذَكَرْنَا ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ بِمُضِيِّ الْوَقْتِ عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ تَجِبُ عَلَيْهَا وَهِيَ مِنْ أَحْكَامِ الطَّاهِرَاتِ فَيَتَعَدَّى إلَيْهَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ كِتَابِيَّةً حَيْثُ تَنْقَطِعُ الرَّجْعَةُ عَنْهَا بِمُجَرَّدِ انْقِطَاعِ الدَّمِ وَإِنْ كَانَ لِأَقَلَّ مِنْ عَشَرَةٍ وَيَحِلُّ قُرْبَانُهَا وَإِنْ تَوَهَّمَ عَوْدَ الدَّمِ ؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ أَنْ لَا يُعْتَبَرَ الْمَوْهُومُ أَصْلًا وَلَا يُعَارِضُ الْمُحَقَّقَ إلَّا أَنَّا تَرَكْنَاهُ فِي الْمُسْلِمَةِ بِالْأَثَرِ فَبَقِيَ فِي حَقِّ الْكَافِرَةِ عَلَى الْأَصْلِ وَلِأَنَّ الْأَمَارَةَ الزَّائِدَةَ مُتَعَذِّرَةٌ فِي حَقِّهَا فَلَا تُعْتَبَرُ بِخِلَافِ الْمُسْلِمَةِ ، وَلَوْ اغْتَسَلَتْ بِسُؤْرِ الْحِمَارِ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ الْمُطْلَقِ انْقَطَعَتْ الرَّجْعَةُ لَكِنَّهَا لَا تُصَلِّي حَتَّى تَغْتَسِلَ بِمَاءٍ آخَرَ أَوْ تَتَيَمَّمَ لِاحْتِمَالِ نَجَاسَةِ ذَلِكَ الْمَاءِ احْتِيَاطًا .
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ تَتَيَمَّمَ وَتُصَلِّيَ) أَيْ لَا تَنْقَطِعُ الرَّجْعَةُ حَتَّى تَتَيَمَّمَ وَتُصَلِّيَ بِهِ وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَلِأَقَلَّ لَا حَتَّى تَغْتَسِلَ إلَخْ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الصَّلَاةُ فَرْضًا أَوْ تَطَوُّعًا ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ تَنْقَطِعُ الرَّجْعَةُ بِمُجَرَّدِ التَّيَمُّمِ وَهُوَ الْقِيَاسُ ؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الِاغْتِسَالِ بِدَلِيلِ جَوَازِ الصَّلَاةِ وَجَوَازِ دُخُولِ الْمَسْجِدِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَحْكَامِ بِهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْحُكْمِ بِجَوَازِ صَلَاةٍ أُدِّيَتْ وَبَيْنَ الْحُكْمِ بِجَوَازِ الْإِقْدَامِ عَلَى أَدَائِهَا إذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُشْتَرَطُ لَهُ الطَّهَارَةُ فَإِذَا كَانَ كَالِاغْتِسَالِ فِي حَقِّ الْأَحْكَامِ فَكَذَا فِي حَقِّ هَذَا الْحُكْمِ بَلْ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ انْقِطَاعَ الرَّجْعَةِ يُؤْخَذُ فِيهِ بِالِاحْتِيَاطِ
أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ اغْتَسَلَتْ وَبَقِيَتْ لُمْعَةٌ فِي جَسَدِهَا لَمْ يُصِبْهَا الْمَاءُ أَوْ اغْتَسَلَتْ بِسُؤْرِ الْحِمَارِ انْقَطَعَتْ الرَّجْعَةُ وَإِنْ لَمْ يَحِلَّ لَهَا أَدَاءُ الصَّلَاةِ وَلَهُمَا أَنَّهُ طَهَارَةٌ ضَرُورِيَّةٌ لِكَوْنِهِ تَلْوِيثًا حَقِيقَةً وَهَذَا لِأَنَّهُ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ بِيَقِينٍ حَتَّى لَوْ وُجِدَ الْمَاءُ كَانَ مُحْدِثًا بِالْحَدَثِ السَّابِقِ وَإِنَّمَا جُعِلَ طَهَارَةً ضَرُورَةَ الْحَاجَةِ إلَى أَدَاءِ الصَّلَاةِ كَيْ لَا تَتَضَاعَفَ الْوَاجِبَاتُ عَلَيْهَا ، وَالثَّابِتُ ضَرُورَةً يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا وَهِيَ أَدَاءُ الصَّلَاةِ وَتَوَابِعِهَا مِنْ دُخُولِ الْمَسْجِدِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فَكَانَ فِي حَقِّ الرَّجْعَةِ عَدَمًا إلَّا إذَا حَكَمْنَا بِجَوَازِ الصَّلَاةِ بِالْأَدَاءِ فَيَلْزَمُهُ الْحُكْمُ بِطَهَارَتِهَا ضَرُورَةً صِحَّةَ الصَّلَاةِ ؛ لِأَنَّهَا لَا تَصِحُّ إلَّا مِنْ الطَّاهِرَاتِ فَيَلْزَمُهُ انْقِطَاعُ الرَّجْعَةِ ضَرُورَةً حَكَمْنَا بِهَا وَقَبْلَ الْأَدَاءِ لَا يُحْكَمُ لَهَا بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّ حِلَّ الْإِقْدَامِ عَلَى الْأَدَاءِ مَشْرُوطٌ بِاسْتِمْرَارِ الْعَجْزِ ، وَلِهَذَا تُعِيدُ الصَّلَاةَ إذَا وَجَدَتْ الْمَاءَ فِي خِلَالِ الْأَدَاءِ وَقَوْلُهُمْ حَلَّ لَهَا الصَّلَاةُ بِالتَّيَمُّمِ كَقَوْلِهِمْ حَلَّ لَهَا الصَّلَاةُ إذَا طَهُرَتْ فَلَا يُنَافِي شَرْطًا آخَرَ بِخِلَافِ مَا إذَا اغْتَسَلَتْ وَبَقِيَ فِي جَسَدِهَا لُمْعَةٌ لِأَنَّ انْقِطَاعَ الرَّجْعَةِ هُنَا لِتَوَهُّمِ وُصُولِ الْمَاءِ إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَسُرْعَةِ الْجَفَافِ فَكَانَتْ طَهَارَةً مُطْلَقَةً قَوِيَّةً حَتَّى لَوْ تَيَقَّنَتْ بِعَدَمِ وُصُولِ الْمَاءِ إلَيْهِ بِأَنْ تَرَكَتْهُ عَمْدًا لَا تَنْقَطِعُ أَيْضًا بِخِلَافِ الِاغْتِسَالِ بِسُؤْرِ الْحِمَارِ ؛ لِأَنَّهُ مَاءٌ حَقِيقَةً فَيَكُونُ مُطَهِّرًا مُطْلَقًا لَكِنَّهَا تُؤْمَرُ بِضَمِّ التَّيَمُّمِ إلَيْهِ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ احْتِيَاطًا لِاشْتِبَاهِ الْحَالِ فِيهِ ثُمَّ قِيلَ تَنْقَطِعُ الرَّجْعَةُ بِنَفْسِ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ عِنْدَهُمَا وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا لَا تَنْقَطِعُ حَتَّى تَفْرُغَ مِنْ الصَّلَاةِ ؛ لِأَنَّ الْحَالَ بَعْدَ شُرُوعِهَا فِي الصَّلَاةِ كَالْحَالِ قَبْلَهُ ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا تَبْطُلُ بِرُؤْيَةِ الْمَاءِ بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا ، وَلَوْ قَرَأَتْ بَعْدَ التَّيَمُّمِ أَوْ مَسَّتْ الْمُصْحَفَ أَوْ دَخَلَتْ الْمَسْجِدَ قَالَ الْكَرْخِيُّ تَنْقَطِعُ الرَّجْعَةُ ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ الْقِرَاءَةِ وَجَوَازَ مَسِّ الْمُصْحَفِ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ الطَّاهِرَاتِ كَجَوَازِ الصَّلَاةِ ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ لَا تَنْقَطِعُ الرَّجْعَةُ ؛ لِأَنَّهَا أَتْبَاعٌ لِلصَّلَاةِ فَلَا يُعْطَى لَهَا حُكْمُهَا .

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ اغْتَسَلَتْ وَنَسِيَتْ أَقَلَّ مِنْ عُضْوٍ تَنْقَطِعُ ، وَلَوْ عُضْوًا لَا) ، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ فِي الْعُضْوِ الْكَامِلِ أَنْ تَنْقَطِعَ الرَّجْعَةُ ؛ لِأَنَّهَا غَسَلَتْ الْأَكْثَرَ وَلَهُ حُكْمُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
حَالَ الْمُطَالَعَةِ ا هـ ..

(قَوْلُهُ فَيَتَعَدَّى إلَيْهَا) أَيْ يَتَعَدَّى الرَّجْعَةَ حِينَ يَنْقَطِعُ ا هـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ . (قَوْلُهُ حَيْثُ تَنْقَطِعُ الرَّجْعَةُ عَنْهَا بِمُجَرَّدِ انْقِطَاعِ الدَّمِ) أَيْ ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَ عَلَيْهَا غُسْلٌ فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْمُسْلِمَةِ إذَا اغْتَسَلَتْ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ . (قَوْلُهُ انْقَطَعَتْ الرَّجْعَةُ) أَيْ بِالِاتِّفَاقِ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ . (قَوْلُهُ لَكِنَّهَا لَا تُصَلِّي بِهِ) أَيْ وَلَا يَقْرَبُهَا زَوْجُهَا . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ . (قَوْلُهُ لِاحْتِمَالِ نَجَاسَةِ ذَلِكَ إلَخْ) أَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ الْقَوْلُ بِاحْتِمَالِ النَّجَاسَةِ مُشْكِلٌ وَغَايَةُ مَا يُقَالُ فِيهِ إنَّهُ غَيْرُ طَهُورٍ ، أَمَّا النَّجَاسَةُ فَلَا فَتَأَمَّلْ وَانْظُرْ مَا ذَكَرَهُ فِي الْمَقَالَةِ الْآتِيَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ وَبِخِلَافِ الِاغْتِسَالِ بِسُؤْرِ الْحِمَارِ ؛ لِأَنَّهُ مَاءٌ حَقِيقَةً فَيَكُونُ مُطَهِّرًا مُطْلَقًا فَإِنَّ هَذَا التَّقْدِيرَ يُنَافِي احْتِمَالَ النَّجَاسَةِ كَمَا لَا يَخْفَى ا هـ . (قَوْلُهُ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ) أَيْ وَزُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ . (قَوْلُهُ ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ اغْتَسَلَتْ وَبَقِيَتْ لُمْعَةٌ إلَخْ) وَأَجْمَعُوا أَنَّهَا لَا يَحِلُّ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ بِزَوْجٍ آخَرَ مَا لَمْ تُصَلِّ بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ أَوْ يَمْضِ عَلَيْهَا وَقْتُ صَلَاةِ أَدْنَى الصَّلَوَاتِ إلَيْهَا . ا هـ . شَرْحُ الطَّحَاوِيِّ ..

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ ، وَلَوْ اغْتَسَلَتْ وَنَسِيَتْ أَقَلَّ مِنْ عُضْوٍ) وَالْعُضْوُ كَالْيَدِ وَالرِّجْلِ وَأَقَلُّ مِنْهُ كَالْأُصْبُعِ . ا هـ . مُسْتَصْفَى قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْمُرَادُ بِمَا دُونَ الْعُضْوِ أَنْ يَبْقَى لُمْعَةٌ يَسِيرَةٌ نَحْوُ أُصْبُعٍ وَأُصْبُعَيْنِ وَنَحْوِهِمَا وَبِهِ صَرَّحَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ .

(2/254)


الْكُلِّ وَفِيهِ قِيَاسٌ آخَرُ أَنَّ الرَّجْعَةَ لَا تَبْقَى فِيمَا دُونَ الْعُضْوِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْحَدَثِ لَا يَتَجَزَّأُ زَوَالًا كَمَا لَا يَتَجَزَّأُ ثُبُوتًا فَبَقِيَتْ عَلَى مَا كَانَتْ قَبْلَ الِاغْتِسَالِ ، وَلِهَذَا لَمْ يَجُزْ لَهَا مِنْ الْأَحْكَامِ مَا لَا يَجُوزُ لِلْحَائِضِ وَفِي الْمَبْسُوطِ الْعُضْوُ وَمَا دُونَهُ سَوَاءٌ غَيْرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اسْتَحْسَنَ وَلَمْ يَذْكُرْ مَوْضِعَ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ وَقِيلَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الْقِيَاسُ وَالِاسْتِحْسَانُ فِي الْعُضْوِ الْكَامِلِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ فِيمَا دُونَ الْعُضْوِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْعُضْوِ وَمَا دُونَهُ أَنَّ مَا دُونَ الْعُضْوِ يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْجَفَافُ لِقِلَّتِهِ فَلَا يُتَيَقَّنُ بِعَدَمِ وُصُولِ الْمَاءِ إلَيْهِ فَقُلْنَا تَنْقَطِعُ الرَّجْعَةُ احْتِيَاطًا وَلَا يَحِلُّ لَهَا التَّزَوُّجُ بِزَوْجٍ آخَرَ حَتَّى تَغْسِلَ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ احْتِيَاطًا أَيْضًا ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ ظَاهِرًا بِخِلَافِ الْعُضْوِ الْكَامِلِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُغْفَلُ عَنْهُ عَادَةً وَلَا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْجَفَافُ غَالِبًا فَبَقِيَتْ عَلَى مَا كَانَتْ وَهُوَ الْقِيَاسُ فِيمَا دُونَ الْعُضْوِ لِمَا قُلْنَا إلَّا أَنَّا اسْتَحْسَنَّا لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ عَدَمِ التَّيَقُّنِ حَتَّى لَوْ تَيَقَّنَتْ بِعَدَمِ وُصُولِ الْمَاءِ إلَى مَا دُونَ الْعُضْوِ بِأَنْ تَرَكَتْهُ عَمْدًا لَا تَنْقَطِعُ الرَّجْعَةُ أَيْضًا لِمَا قُلْنَا ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ ، وَلَوْ اغْتَسَلَتْ وَتَرَكَتْ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ لَا تَنْقَطِعُ الرَّجْعَةُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِبَقَاءِ عُضْوٍ كَامِلٍ وَعَنْهُ أَنَّهَا تَنْقَطِعُ وَبِهِ قَالَ مُحَمَّدٌ احْتِيَاطًا لِشُبْهَةِ الِاخْتِلَافِ لِأَنَّهُمَا سُنَّتَانِ فِي الِاغْتِسَالِ عِنْدَ الْبَعْضِ فَكَانَ الِاحْتِيَاطُ فِي الِانْقِطَاعِ .

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ طَلَّقَ ذَاتَ حَمْلٍ أَوْ وَلَدٍ ، وَقَالَ لَمْ أَطَأْهَا رَاجَعَ) أَيْ ، وَلَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَامِلٌ أَوْ بَعْدَ مَا وَلَدَتْ فِي عِصْمَتِهِ ، وَقَالَ لَمْ أُجَامِعْهَا فَلَهُ الرَّجْعَةُ ؛ لِأَنَّ الْحَبَلَ مَتَى ظَهَرَ فِي مُدَّةٍ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ بِأَنْ وَلَدَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا مِنْ يَوْمِ التَّزَوُّجِ جُعِلَ مِنْهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ» فَكَانَ ذَلِكَ دَلِيلَ الْوَطْءِ مِنْهُ ، وَكَذَا إذَا وَلَدَتْ فِي عِصْمَتِهِ فِي مُدَّةٍ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ بِأَنْ وَلَدَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا مِنْ يَوْمِ التَّزَوُّجِ جَعَلَ مِنْهُ حَتَّى ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ فَتَأَكَّدَ الْمِلْكُ وَالطَّلَاقُ فِي الْمِلْكِ الْمُتَأَكِّدِ بِعَقِبِ الرَّجْعَةِ وَبَطَلَ زَعْمُهُ بِتَكْذِيبِ الشَّرْعِ ، وَلِهَذَا يَثْبُتُ بِهِ الْإِحْصَانُ مَعَ ثُبُوتِ تَغَلُّظِ الْعُقُوبَةِ عِنْدَهُ فَهَذَا أَوْلَى وَشَرَطَ أَنْ يَكُونَ الْوِلَادَةُ قَبْلَ الطَّلَاقِ بِقَوْلِهِ ذَاتَ حَمْلٍ أَوْ وَلَدٍ ؛ لِأَنَّهَا لَوْ وَلَدَتْ بَعْدَهُ تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ فَتَسْتَحِيلُ الرَّجْعَةُ فَإِنْ قِيلَ وَجَبَ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ حَقُّ الرَّجْعَةِ لِإِنْكَارِهِ ذَلِكَ وَكَوْنِهِ مُكَذَّبًا شَرْعًا ضَرُورَةَ ثُبُوتِ النَّسَبِ فَلَا يُوجَدُ بَقَاءُ حَقِّهِ كَرَجُلٍ أَقَرَّ بِعَيْنٍ فِي يَدِ غَيْرِهِ لِإِنْسَانٍ ثُمَّ اشْتَرَاهَا مِنْهُ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ مِنْ يَدِهِ ثُمَّ وَصَلَتْ إلَيْهِ بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ يُؤْمَرُ بِتَسْلِيمِهَا إلَى الْمُقَرِّ لَهُ وَإِنْ كَانَ مُكَذَّبًا شَرْعًا بِالْحُكْمِ لِلْمُسْتَحِقِّ ثُمَّ بِصِحَّةِ الِانْتِقَالِ إلَيْهِ قُلْنَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِإِقْرَارِهِ هُنَا حَقُّ الْغَيْرِ وَالْمُوجِبُ لِلرَّجْعَةِ ثَابِتٌ وَهُوَ الطَّلَاقُ بَعْدَ الدُّخُولِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ لَهُ حَقُّ الرَّجْعَةِ بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ فَلَا يَبْطُلُ حَقُّهُ بِرَدِّ زَعْمِهِ أَنَّ الْمُسْتَحِقَّ ظَالِمٌ وَلَهَا أَخَوَاتٌ كُلُّهَا تَخْرُجُ عَلَى هَذَا الْفَرْقِ مِنْهَا إذَا أَقَرَّ أَنَّ فُلَانًا أَعْتَقَ عَبْدَهُ أَوْ قَالَ هُوَ حُرُّ الْأَصْلِ وَكَذَّبَهُ مَوْلَاهُ ثُمَّ اشْتَرَى الْمُقِرُّ الْعَبْدَ حُكِمَ بِحُرِّيَّتِهِ وَإِنْ صَارَ مُكَذَّبًا شَرْعًا بِالْحُكْمِ بِصِحَّةِ شِرَائِهِ فَإِنْ قِيلَ قَوْلُهُ لَمْ أُجَامِعْهَا صَرِيحٌ فِي عَدَمِ الْجِمَاعِ وَثُبُوتُ النَّسَبِ دَلَالَةُ الْجِمَاعِ وَالصَّرِيحُ يَفُوقُهَا فَكَانَ أَوْلَى قُلْنَا الدَّلَالَةُ مِنْ الشَّارِعِ أَقْوَى مِنْ الصَّرِيحِ الصَّادِرِ مِنْ الْعَبْدِ لِاحْتِمَالِ الْكَذِبِ مِنْهُ دُونَ الشَّارِعِ .
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ خَلَا بِهَا ، وَقَالَ لَمْ أُجَامِعْهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا لَا) أَيْ لَا يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ ؛ لِأَنَّ الرَّجْعَةَ تَثْبُتُ فِي الْمِلْكِ الْمُتَأَكِّدِ بِالْوَطْءِ وَقَدْ أَنْكَرَهُ فَيُصَدَّقُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ إذْ لَمْ يَكُنْ مُكَذَّبًا شَرْعًا وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُوبِ الْمَهْرِ وَوُجُوبِ الْعِدَّةِ أَنْ يَكُونَ مُكَذَّبًا شَرْعًا ؛ لِأَنَّ تَأَكُّدَ الْمَهْرِ يَنْبَنِي عَلَى تَسْلِيمِ الْمُبْدَلِ وَهُوَ التَّخْلِيَةُ وَرَفْعُ الْمَوَانِعِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ وُسْعَهَا وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ حَقِيقَةُ الْقَبْضِ لِعَجْزٍ عَنْهُ وَلَوْ شُرِطَ لَتَضَرَّرَتْ وَالْعِدَّةُ تَجِبُ احْتِيَاطًا لِاحْتِمَالِ الْوَطْءِ فَلَمْ يَكُنْ الْقَضَاءُ بِهِمَا قَضَاءً بِالدُّخُولِ فَلَمْ يَتَأَكَّدْ الْمِلْكُ وَالرَّجْعَةُ لَا تُمْلَكُ إلَّا فِي الْمِلْكِ الْمُتَأَكِّدِ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِثُبُوتِ النَّسَبِ قَضَاءٌ بِالدُّخُولِ فَيَكُونُ الْمِلْكُ مُتَأَكِّدًا فَيَمْلِكُ الرَّجْعَةَ ضَرُورَةَ تَأَكُّدِهِ وَلَا يُعْتَبَرُ إنْكَارُهُ لِكَوْنِهِ مُكَذَّبًا شَرْعًا عَلَى مَا مَرَّ بَيَانُهُ .

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ رَاجَعَهَا ثُمَّ وَلَدَتْ بَعْدَهَا لِأَقَلَّ مِنْ عَامَيْنِ صَحَّتْ تِلْكَ الرَّجْعَةُ) أَيْ رَاجَعَهَا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ وَهِيَ مَا إذَا خَلَا بِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا بَعْدَ مَا قَالَ لَمْ أُجَامِعْهَا ثُمَّ وَلَدَتْ بَعْدَ الْمُرَاجَعَةِ وَلَدًا لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ صَحَّتْ تِلْكَ الرَّجْعَةُ ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ وَتَرَكَتْ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ) الْوَاوُ هُنَا بِمَعْنَى أَوْ إذَا حَكَمَ فِي تَرْكِ أَحَدِهِمَا كَذَلِكَ قَالَهُ الْأَكْمَلُ وَالْأَتْقَانِيُّ . (قَوْلُهُ لِأَنَّهُمَا سُنَّتَانِ) أَيْ قَبْلَ الدُّخُولِ ا هـ ..

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ وَلَدٍ) أَيْ مَعَهَا وَلَدٌ مَوْلُودٌ ا هـ . (قَوْلُهُ فَكَانَ ذَلِكَ) أَيْ جَعْلُ الْحَمْلِ مِنْهُ ا هـ . (قَوْلُهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا بَعْدَمَا قَالَ لَمْ أُجَامِعْهَا) أَيْ ثُمَّ رَاجَعَهَا وَإِنْ كَانَ لَا يَمْلِكُهَا ا هـ ..

(2/255)


لَمَّا وَجَبَتْ ثَبَتَ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْهُ وَظَهَرَ أَنَّ الْعُلُوقَ كَانَ سَابِقًا عَلَى الطَّلَاقِ فَنَزَلَ وَاطِئًا فَيَكُونُ بِهِ مُكَذَّبًا شَرْعًا فَصَارَ كَالْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ .
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إنْ وَلَدْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَوَلَدَتْ ثُمَّ وَلَدَتْ مِنْ بَطْنٍ آخَرَ فَهِيَ رَجْعَةٌ) أَيْ ، وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ وَلَدْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَوَلَدَتْ ثُمَّ وَلَدَتْ وَلَدًا آخَرَ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْوِلَادَةِ الْأُولَى وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ مِنْ بَطْنٍ آخَرَ صَارَتْ مُرَاجَعَةً ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ بِالْوِلَادَةِ الْأُولَى لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَوَجَبَتْ الْعِدَّةُ عَلَيْهَا فَيَكُونُ الْوَلَدُ الثَّانِي مِنْ عُلُوقٍ حَادِثٍ لِوُجُودِ أَقَلَّ مُدَّةِ الْحَمْلِ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ انْتِفَاءُ الزِّنَا فَتَكُونُ مُرَاجَعَةً بِالْوَطْءِ الْحَادِثِ وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ مَا لَمْ تُقِرَّ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بَيْنَ الْوَلَدَيْنِ أَقَلُّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ حَيْثُ لَا تَكُونُ مُرَاجَعَةً ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ لَيْسَ بِحَادِثٍ بَعْدَ الْوَلَدِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ وَقَعَ عَلَيْهَا بِالْوَلَدِ الْأَوَّلِ وَهِيَ حَامِلٌ بِالثَّانِي فَتَنْقَضِي بِوَضْعِهِ الْعِدَّةُ نَظِيرُهُ مَا إذَا طَلَّقَهَا فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ وَنَظِيرُ الْأَوَّلِ مَا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ .
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (كُلَّمَا وَلَدْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَوَلَدَتْ ثَلَاثَةً فِي بُطُونٍ فَالْوَلَدُ الثَّانِي وَالثَّالِثُ رَجْعَةٌ) لِأَنَّهَا بِوِلَادَةِ الْأَوَّلِ وَقَعَ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ فَصَارَتْ عِدَّتُهَا بِالْأَقْرَاءِ ثُمَّ إذَا جَاءَتْ بِوَلَدٍ آخَرَ مِنْ بَطْنٍ آخَرَ بِأَنْ جَاءَتْ بِهِ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ، وَلَوْ كَانَ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ مَا لَمْ تُقِرَّ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا عُلِمَ أَنَّهُ مِنْ عُلُوقٍ حَدَثَ فَتَثْبُتُ بِهِ الرَّجْعَةُ وَتَقَعُ طَلْقَةٌ أُخْرَى بِوِلَادَتِهِ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَتَكُونُ عِدَّتُهَا بِالْأَقْرَاءِ ثُمَّ إذَا جَاءَتْ بِالثَّالِثِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ رَاجَعَهَا بِوُقُوعِ الثَّانِيَةِ لِمَا قُلْنَا وَتَقَعُ طَلْقَةٌ ثَالِثَةٌ بِوِلَادَتِهِ فَتَحْرُمُ عَلَيْهِ حُرْمَةً غَلِيظَةً وَتَكُونُ عِدَّتُهَا بِالْأَقْرَاءِ ، وَلَوْ جَاءَتْ بَعْدَ ذَلِكَ بِوَلَدٍ فِي بَطْنٍ آخَرَ لَا تَثْبُتُ الْمُرَاجَعَةُ لِعَدَمِ تَصَوُّرِهَا حَقِيقَةً وَحُكْمًا وَلَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ وَطْأَهَا حَرَامٌ عَلَيْهِ إلَّا إذَا ادَّعَاهُ عَلَى مَا يَجِيءُ فِي ثُبُوتِ النَّسَبِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنْ قِيلَ الْقَوْلُ بِالرَّجْعَةِ فِي الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثِ يُؤَدِّي إلَى حَمْلِ فِعْلِهِمَا عَلَى الْحَرَامِ عَلَى بَعْضِ وُجُوهِهِ وَهُوَ مَا إذَا وَلَدَتْ بَعْدَ النِّفَاسِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْوِلَادَةِ لِأَكْثَرَ مِنْهُ فَإِنَّهُ يُؤَدِّي إلَى أَنَّهُ وَطِئَهَا فِي النِّفَاسِ وَهُوَ حَرَامٌ وَالْمُسْلِمُ لَا يَفْعَلُ الْحَرَامَ قُلْنَا لَمْ يَتَعَيَّنْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ دَمَ النِّفَاسِ قَدْ لَا يَمْتَدُّ وَقَدْ لَا يُوجَدُ أَصْلًا فَيُمْكِنُ وَطْؤُهَا وَالدَّمُ مُنْقَطِعٌ بَلْ هُوَ الظَّاهِرُ لِمَا قُلْنَا وَرِعَايَةُ ثُبُوتِ النَّسَبِ وَاجِبَةٌ فَلَا يَعْرِضُ عَنْهَا بِالِاحْتِمَالِ ، وَلِأَنَّ فِي قَطْعِهِ عَنْهُ حَمْلُهُ عَلَى أَنَّهُ مِنْ الزِّنَا وَهُوَ أَشَدُّ حُرْمَةً مِنْ الْأَوَّلِ . وَقَوْلُهُ فِي بُطُونٍ يَحْتَرِزُ مَا إذَا كَانُوا فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ وَهُوَ مَا إذَا كَانَ بَيْنَ الْوِلَادَتَيْنِ أَقَلُّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ؛ لِأَنَّهَا بِوَضْعِ الْأَوَّلِ تَقَعُ عَلَيْهَا طَلْقَةٌ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَهِيَ حَامِلٌ بِالثَّانِي وَالثَّالِثِ فَتَكُونُ عِدَّتُهَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ فَإِذَا وَضَعَتْ الثَّانِيَ يَقَعُ عَلَيْهَا طَلْقَةٌ أُخْرَى لِمَا قُلْنَا وَعِدَّتُهَا بَاقِيَةٌ عَلَى حَالِهَا ؛ لِأَنَّهَا حَامِلٌ بِالثَّالِثِ ثُمَّ إذَا وَضَعَتْ الثَّالِثَ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِوِلَادَتِهِ وَلَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا شَيْءٌ وَإِنْ وُجِدَ الشَّرْطُ ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ مُقَارِنًا لِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ، وَلِهَذَا لَوْ لَمْ تَلِدْ الثَّالِثَ لَمْ تَقَعْ الثَّانِيَةُ أَيْضًا لِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بِالثَّانِي فَلَا يَقَعُ مُقَارِنًا لِانْقِضَائِهَا وَإِنَّمَا يَقَعُ إذَا كَانَتْ حَامِلًا بِالثَّالِثِ لِبَقَاءِ الْعِدَّةِ إلَى وَضْعِ الثَّالِثِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ هُنَا أَيْضًا حَامِلًا بِالرَّابِعِ تَقَعُ الثَّالِثَةُ لِمَا ذَكَرْنَا .

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمُطَلَّقَةُ الرَّجْعِيَّةُ تَتَزَيَّنُ) ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ بَيْنَهُمَا قَائِمٌ وَالتَّزَيُّنُ لِلْأَزْوَاجِ مُسْتَحَبٌّ ، وَلِأَنَّهُ حَامِلٌ عَلَى الرَّجْعَةِ وَهِيَ مُسْتَحَبَّةٌ أَيْضًا ، وَقَالَ الْقُدُورِيُّ تَتَزَيَّنُ وَتَتَشَوَّفُ التَّزَيُّنُ عَامٌّ فِي الْبَدَنِ وَالتَّشَوُّفُ فِي الْوَجْهِ خَاصَّةً وَهُوَ مِنْ شُفْت الشَّيْءَ أَيْ جَلَوْته وَدِينَارٌ مُشَوَّفٌ أَيْ مَجْلُوٌّ .
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَنُدِبَ أَنْ لَا يَدْخُلَ عَلَيْهَا حَتَّى يُؤْذِنَهَا) أَيْ يُعْلِمَهَا بِخَفْقِ النَّعْلِ أَوْ التَّنَحْنُحِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مَعْنَاهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ قَصْدِهِ أَنْ يُرَاجِعَهَا فَيَخَافُ أَنْ يَقَعَ بَصَرُهُ عَلَى مَوْضِعٍ يَصِيرُ بِهِ مُرَاجِعًا فَيَحْتَاجُ إلَى طَلَاقِهَا فَتَطُولُ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ فَيَلْزَمُهَا الضَّرَرُ بِذَلِكَ .
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يُسَافِرُ بِهَا) ، وَقَالَ زُفَرُ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِهَا لِأَنَّ النِّكَاحَ بَيْنَهُمَا قَائِمٌ فَصَارَ كَأَنْ لَمْ يُطَلِّقْهَا ، وَلِأَنَّ الْمُسَافَرَةَ تَكُونُ رَجْعَةً دَلَالَةً لِكَوْنِهَا حَرَامًا بِدُونِهَا لِلنَّهْيِ عَنْ الْإِخْرَاجِ وَالْخُرُوجِ فَظَاهِرُ حَالِهِ اجْتِنَابُ الْمُحَرَّمِ فَصَارَ الْإِخْرَاجُ كَالْوَطْءِ فِي النِّكَاحِ الْمَوْقُوفِ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ} [الطلاق : 1] الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ بِدَلِيلِ سِيَاقِهِ وَسِبَاقِهِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {فَطَلِّقُوهُنَّ} [الطلاق : 1] وقَوْله تَعَالَى {لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} [الطلاق : 1] فَلَوْ كَانَتْ الْمُسَافَرَةُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ فَنَزَلَ وَاطِئًا) أَيْ قَبْلَ الطَّلَاقِ تَحْسِينًا لِلظَّنِّ بِهِ . ا هـ . رَازِيٌّ . (قَوْلُهُ فَهِيَ) أَيْ الْوِلَادَةُ الثَّانِيَةُ . ا هـ . (قَوْلُهُ عُلِمَ أَنَّهُ مِنْ عُلُوقٍ حَدَثَ) أَيْ وَلَا يَلْزَمُ الْحُكْمُ بِالْوَطْءِ فِي النِّفَاسِ وَهُوَ مُحَرَّمٌ ؛ لِأَنَّ النِّفَاسَ لَا يَلْزَمُ لَهُ كَمِّيَّةٌ خَاصَّةٌ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ مَجَّةً وَجَازَ أَنْ لَا تَرَى شَيْئًا أَصْلًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْحَيْضِ ا هـ . (قَوْلُهُ تَقَعُ بِالثَّالِثِ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ وَصَوَابُهُ بِالثَّانِي ا هـ ..

(قَوْلُهُ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {فَطَلِّقُوهُنَّ} [الطلاق : 1] ذَكَرَهُ بَعْدَ صَرِيحِ الطَّلَاقِ وَهُوَ مُعَقِّبٌ لِلرَّجْعَةِ ا هـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ . (قَوْلُهُ {لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} [الطلاق : 1] أَيْ يُحْدِثُ الْمُرَاجَعَةَ بِأَنْ تَبْدُوَ لَهُ الْمُرَاجَعَةُ ا هـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ

(2/256)


رَجْعَةً لِمَا نَهَى عَنْهَا لِكَوْنِهَا مَنْدُوبًا إلَيْهَا ، وَلِأَنَّهُمَا ضِدَّانِ ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَالْآخَرَ مَأْمُورٌ بِهِ فَلَا يَكُونُ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ وَتَعْلِيلُهُ مُخَالِفٌ لِلنَّصِّ فَيَكُونُ مَرْدُودًا . وَقَوْلُهُ تَكُونُ رَجْعَةً دَلَالَةً لِكَوْنِهَا حَرَامًا بِدُونِهَا إلَخْ يَبْطُلُ بِإِخْرَاجِهَا إلَى مَا دُونَ السَّفَرِ فَإِنَّهُ حَرَامٌ لِلنَّهْيِ أَيْضًا وَمَعَ هَذَا لَا تَكُونُ رَجْعَةً وَالدَّلَالَةُ فِعْلٌ يَخْتَصُّ بِالنِّكَاحِ وَالْمُسَافَرَةِ لَا تَخْتَصُّ بِهِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا تَجُوزُ لَهَا مَعَ الْمَحْرَمِ فَصَارَتْ كَالْخَلْوَةِ وَالْخُرُوجِ إلَى مَا دُونَ السَّفَرِ ، وَلِأَنَّ تَرَاخِيَ عَمَلِ الْمُبْطِلِ وَهُوَ الطَّلَاقُ لِلْحَاجَةِ إلَى الْمُرَاجَعَةِ فَإِذَا لَمْ يُرَاجِعْهَا حَتَّى انْقَضَتْ الْعِدَّةُ ظَهَرَ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ لَهُ إلَيْهَا وَظَهَرَ أَنَّ الْمُبْطِلَ عَمِلَ عَمَلَهُ مِنْ وَقْتِ وُجُودِهِ ، وَلِهَذَا تُحْتَسَبُ الْأَقْرَاءُ مِنْ الْعِدَّةِ ، وَلَوْ كَانَ النِّكَاحُ بَاقِيًا لَمَا اُحْتُسِبَتْ إذْ الْعِدَّةُ لِصِيَانَةِ الْمَاءِ وَصَوْنِ الْمَاءِ بِالنِّكَاحِ أَبْلَغُ مِنْهُ بِالْعِدَّةِ فَصَارَ كَالْمَبِيعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ حَيْثُ تَأَخَّرَ عَمَلُهُ لِحَاجَتِهِ إلَى الْفَسْخِ فَإِذَا لَمْ يُفْسَخْ حَتَّى مَضَتْ الْمُدَّةُ عَمِلَ الْبَيْعُ عَمَلَهُ مِنْ وَقْتِ وُجُودِهِ حَتَّى اسْتَحَقَّهُ الْمُشْتَرِي بِزَوَائِدِهِ الْحَاصِلَةِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ وَلَا يَلْزَمُنَا إسْنَادُ عَمَلِهِ فِي حَقِّ حُرْمَةِ الْخَلْوَةِ بِهَا ؛ لِأَنَّ الْخَلْوَةَ مِنْ ضَرُورَاتِ السُّكْنَى فَلَا يُمْكِنُ إبَاحَتُهَا بِدُونِ حِلِّهَا مُطْلَقًا ، وَهَذَا عَلَى مَا ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ أَنَّ الْخَلْوَةَ بِهَا لَا تُكْرَهُ إلَّا إذَا خَافَ أَنْ يُرَاجِعَهَا بِغَيْرِ إشْهَادٍ وَهُوَ مَكْرُوهٌ وَغَيْرُهُ أَطْلَقَ الْكَرَاهِيَةَ فِيهَا فَعَلَى هَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا .
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالطَّلَاقُ الرَّجْعِيُّ لَا يُحَرِّمُ الْوَطْءَ) ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُحَرِّمُهُ ؛ لِأَنَّ الزَّوْجِيَّةَ زَائِلَةٌ لِوُجُودِ الْقَاطِعِ ، وَهَذَا لِأَنَّ الطَّلَاقَ عِبَارَةٌ عَنْ رَفْعِ الْقَيْدِ وَبَقَاءُ الزَّوْجِيَّةِ يَدُلُّ عَلَى بَقَاءِ الْقَيْدِ وَبَيْنَهُمَا مُنَافَاةٌ فَانْعَدَمَتْ الزَّوْجِيَّةُ ضَرُورَةً ، وَلِهَذَا تُحْتَسَبُ الْأَقْرَاءُ مِنْ الْعِدَّةِ وَمَعَ بَقَاءِ النِّكَاحِ لَا تُحْتَسَبُ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} [البقرة : 228] سَمَّاهُ بَعْلًا وَهُوَ الزَّوْجُ وَجَعَلَهُ أَحَقَّ بِرَدِّهَا فَدَلَّ عَلَى بَقَاءِ النِّكَاحِ ؛ لِأَنَّ أَحَدًا لَا يَقْدِرُ عَلَى تَمَلُّكِ الْأَجْنَبِيَّةِ بِغَيْرِ رِضَاهَا وَالرَّدُّ لَا يَدُلُّ عَلَى الزَّوَالِ وَإِنَّمَا هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ رَدِّهَا إلَى حَالَتِهَا الْأُولَى ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ بِحَيْثُ لَا تَبِينُ بِثَلَاثِ حِيَضٍ فَبِالطَّلَاقِ حَصَلَ لَهَا ذَلِكَ ثُمَّ بِالرَّجْعَةِ رَدَّهَا إلَى حَالَتِهَا الْأُولَى كَرَدِّ الْمَبِيعِ بِخِيَارِ الْبَائِعِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ ، وَكَذَا قَوْله تَعَالَى {فَأَمْسِكُوهُنَّ} [البقرة : 231] يَدُلُّ عَلَى بَقَائِهِ إذْ الْإِمْسَاكُ هُوَ الِاسْتِدَامَةُ ، وَلِهَذَا تَنَاوَلَهَا لَفْظُ الْأَزْوَاجِ فِي آيَةِ الْمَوَارِيثِ وَاللِّعَانِ وَفِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ حَتَّى جَرَى التَّوَارُثُ وَاللِّعَانُ بَيْنَهُمَا وَوُجُوبُ عِدَّةِ الْوَفَاةِ عَلَيْهَا ، وَكَذَا لَفْظَةُ نِسَائِهِمْ تَنَاوَلَهَا فِي آيَةِ الظِّهَارِ وَالْإِيلَاءِ وَالطَّلَاقِ حَتَّى لَوْ ظَاهَرَ مِنْهَا أَوْ آلَى صَحَّ وَاعْتُبِرَ طَلَاقُهَا لِعِدَّتِهَا فَكَذَا تَنَاوَلَهَا قَوْله تَعَالَى {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة : 223] وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْمَعْنَى مِنْ أَنَّ الطَّلَاقَ لِرَفْعِ الْقَيْدِ إلَخْ لَا يَسْتَقِيمُ ؛ لِأَنَّ عَمَلَ الْقَاطِعِ مُؤَخَّرٌ بِالْإِجْمَاعِ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحْكَامِ وَلَوْ كَانَ كَمَا ذَكَرَهُ لَمَا ثَبَتَتْ هَذِهِ الْأَحْكَامُ وَكَانَ يُشْتَرَطُ رِضَاهَا وَالْوَلِيُّ وَالْمَهْرُ وَوُقُوعُ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا لَا يُنَافِي الْحِلَّ كَمَا بَعْدَ الرَّجْعَةِ فَإِنَّ الطَّلَاقَ لَا يَرْتَفِعُ بِهَا وَإِنَّمَا أَثَرُهَا فِي إبْطَالِ الْعِدَّةِ وَالْحِلُّ بَاقٍ عَلَى مَا كَانَ .

(فَصْلٌ فِيمَا تَحِلُّ بِهِ الْمُطَلَّقَةُ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَنْكِحُ مُبَانَتَهُ فِي الْعِدَّةِ وَبَعْدَهَا) أَيْ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ الَّتِي أَبَانَهَا بِمَا دُونَ الثَّلَاثِ إذَا كَانَتْ حُرَّةً وَبِالْوَاحِدَةِ إنْ كَانَتْ أَمَةً فِي الْعِدَّةِ وَبَعْدَ انْقِضَائِهَا ؛ لِأَنَّ الْحِلَّ الْأَصْلِيَّ بَاقٍ مَا لَمْ يَتَكَامَلْ الْعَدَدُ وَالْمَنْعُ إلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لِئَلَّا يُشْتَبَهَ النَّسَبُ وَلَا اشْتِبَاهَ فِي إبَاحَتِهِ لَهُ فَيُبَاحُ لَهُ مُطْلَقًا .
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا الْمُبَانَةُ بِالثَّلَاثِ لَوْ حُرَّةً وَبِالثِّنْتَيْنِ لَوْ أَمَةً حَتَّى يَطَأَهَا غَيْرُهُ ، وَلَوْ مُرَاهِقًا بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ وَتَمْضِي عِدَّتُهُ لَا بِمِلْكِ يَمِينٍ) أَيْ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَنْكِحَ الَّتِي أَبَانَهَا بِالثَّلَاثِ إنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ حُرَّةً وَبِالثِّنْتَيْنِ إنْ كَانَتْ أَمَةً حَتَّى يَطَأَهَا زَوْجٌ غَيْرُهُ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ وَتَمْضِي عِدَّتُهَا مِنْهُ ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ الزَّوْجُ صَبِيًّا مُرَاهِقًا وَلَا تَحِلُّ لَهُ إذَا وَطِئَهَا غَيْرُهُ بِمِلْكِ يَمِينٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة : 230] وَالْمُرَادُ الطَّلْقَةُ الثَّالِثَةُ وَالثِّنْتَانِ فِي الْأَمَةِ كَالثَّلَاثِ فِي الْحُرَّةِ إذْ الرِّقُّ مُنَصِّفٌ لِحِلِّ الْمَحَلِّيَّةِ وَإِنَّمَا شَرَطَ أَنْ يَكُونَ النِّكَاحُ صَحِيحًا ؛ لِأَنَّ الْغَايَةَ نِكَاحُ الزَّوْجِ مُطْلَقًا وَالزَّوْجِيَّةُ الْمُطْلَقَةُ بِالصَّحِيحِ خُصُوصًا فِيمَا إذَا أُضِيفَ إلَى الْمُسْتَقْبَلِ ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْإِعْفَافُ وَالتَّحْصِينُ وَذَلِكَ بِالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ ، وَلِهَذَا لَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ لَا يَتَزَوَّجُ إلَّا بِالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ أَنَّهُ لَمْ يَتَزَوَّجْ فِيمَا مَضَى حَيْثُ يَحْنَثُ بِالْفَاسِدِ أَيْضًا لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ فَلَا يَكُونُ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ ا هـ . (قَوْلُهُ فَصَارَتْ كَالْخَلْوَةِ وَالْخُرُوجِ إلَى مَا دُونَ السَّفَرِ) أَيْ فَإِنَّهُمَا لَا يَكُونَانِ رَجْعَةً ا هـ . (قَوْلُهُ وَاعْتُبِرَ طَلَاقُهَا لِعِدَّتِهَا) أَيْ لَوْلَا تَنَاوُلُهَا قَوْله تَعَالَى {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق : 1] لَمَا رُوعِيَ لَهَا وَقْتُ السُّنَّةِ ا هـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ .

(فَصْلٌ فِيمَا تَحِلُّ بِهِ الْمُطَلَّقَةُ) لَمَّا ذَكَرَ التَّدَارُكَ فِي الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ وَهُوَ بِالرَّجْعَةِ شَرَعَ فِي بَيَانِ التَّدَارُكِ فِي غَيْرِهِ مِنْ الطَّلْقَاتِ فَفِي الْحُرَّةِ فِيمَا دُونَ الثَّلَاثِ التَّدَارُكُ نِكَاحٌ جَدِيدٌ وَفِي الثَّلَاثِ بِإِصَابَةِ زَوْجٍ آخَرَ بَعْدَ نِكَاحِهِ ، وَكَذَا التَّدَارُكُ فِي الْأَمَةِ فِي الثِّنْتَيْنِ بِإِصَابَةِ زَوْجٍ آخَرَ . ا هـ . غَايَةُ الْبَيَانِ . (قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ الْحِلَّ الْأَصْلِيَّ بَاقٍ إلَخْ) أَيْ ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ النِّكَاحِ أُنْثَى مِنْ بَنَاتِ آدَمَ مَعَ انْعِدَامِ الْمَحْرَمِيَّةِ وَالشِّرْكِ وَالْعِدَّةِ عَنْ الْغَيْرِ وَهُوَ حَاصِلٌ ؛ لِأَنَّهَا دَاخِلَةٌ تَحْتَ قَوْله تَعَالَى {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء : 24] وَإِنَّمَا يَزُولُ حِلُّ الْمَحَلِّيَّةِ بِالطَّلْقَةِ الثَّالِثَةِ وَلَمْ تُوجَدْ فَجَازَ التَّزَوُّجُ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ . (قَوْلُهُ وَتَمْضِي عِدَّتُهُ) وَإِنَّمَا أَضَافَ الْعِدَّةَ إلَى الزَّوْجِ لِلتَّسَبُّبِ ا هـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ

(2/257)


مُجَرَّدُ صِحَّةِ الْإِخْبَارِ فَيَتَنَاوَلهُمَا وَشَرَطَ أَنْ يَطَأَهَا الزَّوْجُ الثَّانِي ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِإِشَارَةِ الْكِتَابِ وَبِالسُّنَّةِ الْمَشْهُورَةِ وَالْإِجْمَاعِ
أَمَّا الْكِتَابُ فَإِنَّ النِّكَاحَ الْمَذْكُورَ فِيهِ يُحْمَلُ عَلَى الْوَطْءِ حَمْلًا لِلْكَلَامِ عَلَى الْإِفَادَةِ دُونَ الْإِعَادَةِ إذْ الْعَقْدُ اُسْتُفِيدَ بِإِطْلَاقِ اسْمِ الزَّوْجِ هَكَذَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ النِّكَاحَ الْمَنْسُوبَ إلَى الْمَرْأَةِ يُرَادُ بِهِ الْعَقْدُ لِتَصَوُّرِهِ مِنْهَا دُونَ الْوَطْءِ لِاسْتِحَالَتِهِ مِنْهَا وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ يَجُوزُ نِسْبَتُهُ إلَيْهَا مَجَازًا كَمَا تُسَمَّى زَانِيَةً مَجَازًا بِالتَّمْكِينِ مِنْهُ ، وَهَذَا أَقْرَبُ مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّ فِي حَمْلِهِ عَلَى الْعَقْدِ مَجَازَيْنِ أَحَدَهُمَا أَنَّ النِّكَاحَ حَقِيقَةٌ لِلْوَطْءِ وَمَجَازٌ لِلْعَقْدِ وَفِيهِ حَمْلُهُ عَلَيْهِ وَالثَّانِيَ أَنَّ فِيهِ تَسْمِيَةَ الْأَجْنَبِيِّ زَوْجًا بِاعْتِبَارِ مَا سَيَئُولُ إلَيْهِ وَفِيهِ حَمْلُ اللَّفْظِ عَلَى الْإِعَادَةِ أَيْضًا وَفِي حَمْلِهِ عَلَى الْوَطْءِ مَجَازٌ وَاحِدٌ وَهُوَ نِسْبَةُ الْوَطْءِ إلَيْهَا فَكَانَ أَوْلَى .
وَأَمَّا السُّنَّةُ فَمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّ رِفَاعَةَ بْنَ سَمَوْأَلٍ الْقُرَظِيّ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ تَمِيمَةَ بِنْتَ وَهْبٍ فَبَتَّ طَلَاقَهَا فَتَزَوَّجَتْ بَعْدَهُ بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الزُّبَيْرِ فَجَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ إنَّهَا كَانَتْ تَحْتَ رِفَاعَةَ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ فَتَزَوَّجَتْ بَعْدَهُ بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَأَنَّهُ وَاَللَّهِ لَيْسَ مَعَهُ إلَّا مِثْلُ هَذِهِ الْهُدْبَةِ وَأَخَذَتْ بِهُدْبَةٍ مِنْ جِلْبَابِهَا قَالَتْ «فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضَاحِكًا ، وَقَالَ لَعَلَّك تُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إلَى رِفَاعَةَ لَا حَتَّى يَذُوقَ عُسَيْلَتَك وَتَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ سُئِلَ نَبِيُّ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الرَّجُلِ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فَيَتَزَوَّجُهَا آخَرُ فَيُغْلِقُ الْبَابَ وَيُرْخِي السِّتْرَ ثُمَّ يُطَلِّقُهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا هَلْ تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ قَالَ «لَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ حَتَّى يُجَامِعَهَا» وَيُرْوَى «لَا حَتَّى تَذُوقَ عُسَيْلَتَهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ
وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الْعُسَيْلَةُ هِيَ الْجِمَاعُ» وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ مَشْهُورَةٌ فَجَازَتْ الزِّيَادَةُ بِهَا عَلَى الْكِتَابِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يُرَادَ بِالنِّكَاحِ فِي الْآيَةِ الْعَقْدُ وَعَلَى تَقْدِيرِ إرَادَةِ الْوَطْءِ تَكُونُ مُوَافِقَةً لَهُ فَلَا إشْكَالَ .
وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ فَإِنَّ الْأُمَّةَ أَجْمَعَتْ عَلَى أَنَّ الدُّخُولَ بِهَا شَرْطُ الْحِلِّ لِلْأَوَّلِ وَلَمْ يُخَالِفْ فِي ذَلِكَ إلَّا سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَالْخَوَارِجُ وَالشِّيعَةُ وَدَاوُد الظَّاهِرِيُّ وَبِشْرٌ الْمَرِيسِيِّ وَذَلِكَ خِلَافٌ لَا اخْتِلَافٌ لِعَدَمِ اسْتِنَادِهِ إلَى دَلِيلٍ ، وَلِهَذَا لَوْ قَضَى بِهِ الْقَاضِي لَا يَنْفُذُ وَالشَّرْطُ الْإِيلَاجُ دُونَ الْإِنْزَالِ ؛ لِأَنَّهُ كَمَالٌ فِيهِ وَنِهَايَةٌ فَكَانَ قَيْدًا وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مُوجِبًا لِلْغُسْلِ وَهُوَ الْتِقَاءُ الْخِتَانَيْنِ وَشَذَّ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ فِي اشْتِرَاطِ الْإِنْزَالِ قَالَ الْعُسَيْلَةُ الْإِنْزَالُ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَا وَلَيْسَ فِي الْعُسَيْلَةِ دَلَالَةٌ عَلَى الْإِنْزَالِ وَإِنَّمَا هِيَ كِنَايَةٌ عَنْ لَذَّةِ الْجِمَاعِ وَالصَّبِيُّ الْمُرَاهِقُ وَهُوَ الدَّانِي مِنْ الْبُلُوغِ فِيهِ كَالْبَالِغِ
وَقِيلَ الَّذِي تَتَحَرَّكُ آلَتُهُ وَيَشْتَهِي الْجِمَاعَ وَإِنَّمَا شَرَطَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - شَرَطَ اللَّذَّةَ مِنْ الطَّرَفَيْنِ وَفَسَّرَهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فَقَالَ غُلَامٌ لَمْ يَبْلُغْ وَمِثْلُهُ يُجَامِعُ جَامَعَ امْرَأَتَهُ وَجَبَ عَلَيْهَا الْغُسْلُ وَأَحَلَّهَا لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ وَإِنَّمَا وَجَبَ عَلَيْهَا الْغُسْلُ لِالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ وَهُوَ سَبَبٌ لِنُزُولِ مَائِهَا وَلَا غُسْلَ عَلَى الصَّبِيِّ لِعَدَمِ الْخِطَابِ وَإِنَّمَا يُؤْمَرُ بِهِ تَخَلُّقًا لِيَتَعَوَّدَ بِهِ وَيَصِيرَ لَهُ سَجِيَّةٌ قَبْلَ بُلُوغِهِ حَتَّى لَا يَشُقَّ عَلَيْهِ عِنْدَ وُجُوبِهِ وَالْمَجْنُونُ فِيهِ كَالْعَاقِلِ وَالْخَصِيُّ الَّذِي يَقْدِرُ عَلَى الْجِمَاعِ يُحِلُّهَا لِلْأَوَّلِ ،
وَذَكَرَ فِي الْغَايَةِ إنْ تَزَوَّجَتْ بِمَجْبُوبٍ وَحَمَلَتْ مِنْهُ حَلَّتْ لِلْأَوَّلِ وَثَبَتَ بِهِ الْإِحْصَانُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ وَفِي حَمْلِهِ عَلَى الْوَطْءِ مَجَازٌ وَاحِدٌ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالزَّوْجُ حِينَئِذٍ حَقِيقَةٌ ا هـ .
(قَوْلُهُ رِفَاعَةَ بْنِ سَمَوْأَلٍ) قَالَ فِي الْإِصَابَةِ لِلْحَافِظِ ابْنِ حَجَرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا نَصُّهُ رِفَاعَةُ بْنُ سَمَوْأَلٍ الْقُرَظِيّ لَهُ ذِكْرٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ جَاءَتْ امْرَأَةُ رِفَاعَةَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ كُنْت عِنْدَ رِفَاعَةَ فَطَلَّقَنِي فَبَتَّ طَلَاقِي ، وَرَوَى مَالِكٌ عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ رِفَاعَةَ عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ رِفَاعَةَ بْنَ سَمَوْأَلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ تَمِيمَةَ بِنْتَ وَهْبٍ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَهُوَ مُرْسَلٌ عِنْدَ جُمْهُورِ رُوَاةِ الْمُوَطَّإِ وَوَصَلَهُ ابْنُ وَهْبٍ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ وَأَبُو عَلِيٍّ الْحَيْفِيُّ ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ مَالِكٍ فَقَالُوا فِيهِ عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَالزَّبِيرُ الْأَعْلَى بِفَتْحِ الزَّاي وَالْأَدْنَى بِالتَّصْغِيرِ ، وَرَوَى ابْنُ شَاهِينِ مِنْ طَرِيقِ تَفْسِيرِ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ فِي قَوْله تَعَالَى {فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة : 230] نَزَلَتْ فِي عَائِشَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَتِيكٍ الْبَدْرِيِّ كَانَتْ تَحْتَ رِفَاعَةَ بْنِ وَهْبِ بْنِ عَتِيكٍ وَهُوَ ابْنُ عَمِّهَا فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَتَزَوَّجَتْ بَعْدَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الزُّبَيْرِ فَذَكَرَ الْقِصَّةَ مُطَوَّلَةً قَالَ أَبُو مُوسَى الظَّاهِرُ أَنَّ الْقِصَّةَ وَاحِدَةٌ قُلْت وَظَاهِرُ السِّيَاقَيْنِ أَنَّهُمَا اثْنَانِ لَكِنَّ الْمُشْكِلَ اتِّحَادُ اسْمِ الزَّوْجِ الثَّانِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الزُّبَيْرِ . وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَفِي اسْمِهَا اخْتِلَافٌ كَمَا سَيَأْتِي فِي النِّسَاءِ ا هـ
ثُمَّ قَالَ فِي الْإِصَابَةِ رِفَاعَةُ بْنُ وَهْبٍ الْقُرَظِيّ تَقَدَّمَ فِي رِفَاعَةَ بْنِ سَمَوْأَلٍ ا هـ قُلْت وَعَلَى هَذَا فَسَمَوْأَلٌ هُوَ لَقَبُ وَهْبِ بْنِ عَتِيكٍ ثُمَّ ذَكَرَ فِي الْإِصَابَةِ فِي كِتَابِ النِّسَاءِ فِي حَرْفِ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ تَمِيمَةُ بِنْتُ وَهْبٍ لَا أَعْلَمُ لَهَا غَيْرَ قِصَّتِهَا مَعَ رِفَاعَةَ بْنِ سَمَوْأَلٍ حَدِيثَ الْعُسَيْلَةِ ثُمَّ قَالَ وَقِيلَ اسْمُهَا سُهَيْمَةُ كَمَا سَيَأْتِي وَقِيلَ عَائِشَةُ ا هـ ثُمَّ قَالَ فِي حَرْفِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ سُهَيْمَةُ امْرَأَةُ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيِّ تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا فِي تَمِيمَةَ ثُمَّ قَالَ فِي حَرْفِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ عَائِشَةُ بِنْتُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَتِيكٍ النَّضْرِيَّةُ تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا فِي تَرْجَمَةِ زَوْجِهَا رِفَاعَةَ قَالَهُ أَبُو مُوسَى ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ ابْنُ سَمَوْأَلٍ بِكَسْرِ السِّينِ وَفَتْحِهَا وَسُكُونِ الْمِيمِ هَكَذَا شَاهَدْته فِي خَطِّ الشَّارِحِ وَضَبَطَهُ بِالْقَلَمِ بِخَطِّهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ تَمِيمَةُ بِنْتُ وَهْبٍ) قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ رَوَى فِي الصَّحِيحِ أَنَّ عَائِشَةَ بِنْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَتِيكٍ الْقُرَظِيِّ كَانَتْ تَحْتَ ابْنِ عَمِّهَا رِفَاعَةَ بْنِ وَهْبٍ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَجَاءَتْ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي كُنْت تَحْتَ رِفَاعَةَ وَسَاقَ الْحَدِيثَ ا هـ .
(قَوْلُهُ فَقَالَ غُلَامٌ لَمْ يَبْلُغْ إلَخْ) قَالَ فِي الْوَاقِعَاتِ الْحُسَامِيَّةِ غُلَامٌ ابْنُ عَشْرِ سِنِينَ لَهُ امْرَأَةٌ يُجَامِعُهَا يَجِبُ عَلَيْهَا الْغُسْلُ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ ، وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ بَالِغًا كَانَ الْجَوَابُ عَلَى الْعَكْسِ ؛ لِأَنَّ جِمَاعَ الْغُلَامِ لَيْسَ بِسَبَبٍ لِنُزُولِ

(2/258)


خِلَافًا لِزُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفِي الْمَبْسُوطِ فِي رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ إنْ كَانَ الْمَجْبُوبُ لَا يُنْزِلُ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ ؛ لِأَنَّهُ إذَا جَفَّ مَاؤُهُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الصَّبِيِّ أَوْ دُونَهُ ، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ مُفْضَاةً وَحَبِلَتْ مِنْ الثَّانِي حَلَّتْ لِلْأَوَّلِ لِوُجُودِ الْوِقَاعِ فِي قُبُلِهَا وَلَوْ وَطِئَهَا فِي الْحَيْضِ أَوْ النِّفَاسِ أَوْ الصَّوْمِ أَوْ الْإِحْرَامِ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا حَلَّتْ لِلْأَوَّلِ خِلَافًا لِمَالِكٍ ، وَلَوْ لَفَّ قَضِيبَهُ بِخِرْقَةٍ فَجَامَعَهَا وَهِيَ لَا تَمْنَعُ مِنْ وُصُولِ حَرَارَةِ فَرْجِهَا إلَى ذَكَرِهِ يُحِلُّهَا لِلْأَوَّلِ وَفِي فَتَاوَى الْوَبَرِيِّ الشَّيْخُ الْكَبِيرُ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى الْجِمَاعِ لَوْ أَوْلَجَ بِمُسَاعَدَةِ يَدِهِ لَا يُحِلُّهَا وَمِنْ لَطَائِفِ الْحِيَلِ فِيهِ أَنْ تُزَوَّجَ الْمُطَلَّقَةُ مِنْ عَبْدٍ صَغِيرٍ تَتَحَرَّكُ آلَتُهُ ثُمَّ تَمْلِكُهُ بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ بَعْدَ مَا وَطِئَهَا فَيَنْفَسِخُ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا وَطْءُ الْمَوْلَى لَا يُحِلُّهَا ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِزَوْجٍ وَهُوَ الشَّرْطُ بِالنَّصِّ ،
وَكَذَا لَا تَحِلُّ لَهُ بِمِلْكِ الْيَمِينِ مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ بِزَوْجٍ آخَرَ حَتَّى لَوْ كَانَتْ تَحْتَهُ أَمَةٌ فَطَلَّقَهَا ثِنْتَيْنِ ثُمَّ اشْتَرَاهَا أَوْ كَانَتْ تَحْتَهُ حُرَّةٌ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ ارْتَدَّتْ وَلَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ اسْتَرَقَّهَا لَمْ تَحِلَّ لَهُ حَتَّى تَتَزَوَّجَ بِزَوْجٍ آخَرَ وَيَدْخُلُ بِهَا لِمَا تَلَوْنَا نَظِيرُهُ إذَا ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ أَوْ لَاعَنَهَا وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ ارْتَدَّتْ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ وَلَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ اُسْتُرِقَّتْ وَمَلَكَهَا الزَّوْجُ الْأَوَّلُ لَمْ تَحِلَّ لَهُ أَبَدًا .

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكُرِهَ بِشَرْطِ التَّحْلِيلِ لِلْأَوَّلِ) أَيْ يُكْرَهُ التَّزَوُّجُ بِشَرْطِ أَنْ يُحِلَّهَا لَهُ يُرِيدُ بِهِ بِشَرْطِ التَّحْلِيلِ بِالْقَوْلِ بِأَنْ قَالَ تَزَوَّجْتُك عَلَى أَنْ أُحِلَّك لَهُ أَوْ قَالَتْ الْمَرْأَةُ ذَلِكَ . وَأَمَّا لَوْ نَوَيَا ذَلِكَ فِي قَلْبِهِمَا وَلَمْ يَشْتَرِطَاهُ بِالْقَوْلِ فَلَا عِبْرَةَ بِهِ وَيَكُونُ الرَّجُلُ مَأْجُورًا بِذَلِكَ لِقَصْدِهِ الْإِصْلَاحَ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِشَرْطِ التَّحْلِيلِ لِلْأَوَّلِ وَلَا تَحِلُّ لَهُ ؛ لِأَنَّ هَذَا فِي مَعْنَى شَرْطِ التَّوْقِيتِ فَيَكُونُ فِي مَعْنَى الْمُتْعَةِ فَيَبْطُلُ ، وَلِهَذَا قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا أُوتَى بِمُحَلِّلٍ وَلَا مُحَلَّلَةً إلَّا رَجَمْتُهُمَا ، وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ لَا يَزَالَانِ زَانِيَيْنِ ، وَلَوْ مَكَثَا عِشْرِينَ سَنَةً ، وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ ذَلِكَ السِّفَاحُ ، وَلِهَذَا لَعَنَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَصِحُّ النِّكَاحُ وَلَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَوْقِيتٍ لِلنِّكَاحِ وَلَكِنَّهُ اسْتَعْجَلَ بِالْمَحْظُورِ مَا هُوَ مُؤَخَّرٌ شَرْعًا فَيُعَاقَبُ بِالْحِرْمَانِ كَقَتْلِ الْمُوَرِّثِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ» ، وَهَذَا الْحَدِيثُ يَقْتَضِي صِحَّةَ النِّكَاحِ وَالْحِلَّ لِلْأَوَّلِ وَالْكَرَاهِيَةَ ، وَلِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ فَيَصِحُّ وَتُحَلَّلُ لِلْأَوَّلِ ضَرُورَةَ صِحَّتَهُ وَلَا مَعْنَى لِمَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ ثُمَّ قِيلَ إنَّمَا لُعِنَ مَعَ حُصُولِ الْحِلِّ ؛ لِأَنَّ الْتِمَاسَ ذَلِكَ وَاشْتِرَاطَهُ فِي الْعَقْدِ هَتْكٌ لِلْمُرُوءَةِ وَإِعَارَةُ النَّفْسِ فِي الْوَطْءِ لِغَرَضِ الْغَيْرِ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَطَؤُهَا لِيَعْرِضَهَا لِوَطْءِ الْغَيْرِ وَهُوَ قِلَّةُ حَمِيَّةٍ ، وَلِهَذَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «هُوَ التَّيْسُ الْمُسْتَعَارُ» وَإِنَّمَا كَانَ مُسْتَعَارًا إذَا سَبَقَ الْتِمَاسٌ مِنْ الْمُطَلِّقِ وَهُوَ مَحْمَلُ الْحَدِيثِ وَقِيلَ أَرَادَ بِهِ طَالِبَ الْحِلِّ مِنْ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ وَالْمُؤَقَّتِ وَسَمَّاهُ مُحَلِّلًا وَإِنْ لَمْ يُحَلِّلْ ؛ لِأَنَّهُ يَعْقِدُهُ وَيَطْلُبُ الْحِلَّ مِنْهُ .
وَأَمَّا طَالِبُ الْحِلِّ مِنْ طَرِيقِهِ لَا يَسْتَوْجِبُ اللَّعْنَ وَلَوْ ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ دُخُولَ الْمُحَلِّلِ صُدِّقَتْ وَإِنْ أَنْكَرَ هُوَ ، وَكَذَلِكَ عَلَى الْعَكْسِ ، وَلَوْ خَافَتْ الْمَرْأَةُ أَنْ لَا يُطَلِّقَهَا الْمُحَلِّلُ فَقَالَتْ زَوَّجْتُك نَفْسِي عَلَى أَنَّ أَمْرِي بِيَدِي أُطَلِّقُ نَفْسِي كُلَّمَا أَرَدْت فَقَبِلَ جَازَ النِّكَاحُ وَصَارَ الْأَمْرُ بِيَدِهَا .
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَهْدِمُ الزَّوْجُ الثَّانِي مَا دُونَ الثَّلَاثِ) وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَهْدِمُ وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ الثَّانِيَ غَايَةٌ لِلْحُرْمَةِ الْحَاصِلَةِ بِالثَّلَاثِ بِالنَّصِّ ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ حَتَّى لِلْغَايَةِ حَقِيقَةً وَلَمْ يُوجَدْ الْمُغَيَّا وَهُوَ الْحُرْمَةُ الْغَلِيظَةُ ؛ لِأَنَّهَا مُعَلَّقَةٌ بِالثَّلَاثِ وَبِبَعْضِ أَرْكَانِ الْعِلَّةِ لَا يَثْبُتُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ الْحُكْمِ فَلَا يَصِيرُ الزَّوْجُ الثَّانِي غَايَةً قَبْلَ وُجُودِهَا لِاسْتِحَالَةِ وُجُودِ الْغَايَةِ وَلَا مُغَيَّا
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ فَوَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا حَتَّى أَسْتَشِيرُ أَبِي فَاسْتَشَارَهُ قَبْلَ مَجِيءِ رَأْسِ الشَّهْرِ لَا يُعْتَبَرُ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِشَارَةَ غَايَةٌ لِلْحُرْمَةِ الثَّابِتَةِ بِالْيَمِينِ فَلَا يُعْتَبَرُ قَبْلَ الْيَمِينِ ؛ لِأَنَّ الْغَايَةَ لِلْإِنْهَاءِ وَلَا إنْهَاءَ قَبْلَ وُجُودِهِ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ» وَهُوَ الْمُثْبِتُ لِلْحِلِّ فَصَارَ رَافِعًا لِلْحُرْمَةِ لَا غَايَةً مُنْهِيَةً ؛ لِأَنَّ الْمُنْتَهَى يَكُونُ مُتَقَرِّرًا فِي نَفْسِهِ وَهُنَا لَا حُرْمَةَ بَعْدَ إصَابَةِ الزَّوْجِ الثَّانِي فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ رَافِعٌ لِلْحُرْمَةِ بَيَانُهُ أَنَّهَا تَصِيرُ مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ بِالتَّطْلِيقَاتِ الثَّلَاثِ وَتَصِيرُ مُطَلَّقَةً وَبِإِصَابَةِ الزَّوْجِ الثَّانِي يَرْتَفِعُ الْوَصْفَانِ جَمِيعًا وَتَلْحَقُ بِالْأَجْنَبِيَّةِ الَّتِي لَمْ يُطَلِّقْهَا قَطُّ وَبِالتَّطْلِيقَةِ الْوَاحِدَة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مَائِهِ لَكِنْ يُؤْمَرُ بِالْغُسْلِ اعْتِيَادًا كَمَا يُؤْمَرُ بِالصَّلَاةِ ا هـ ..

(قَوْلُهُ وَإِنَّمَا كَانَ مُسْتَعَارًا إذَا سَبَقَ الْتِمَاسٌ مِنْ الْمُطَلِّقِ) أَيْ ؛ لِأَنَّ عُمُومَ الْمُحَلِّلِ مُطْلَقًا غَيْرُ مُرَادٍ إجْمَاعًا وَإِلَّا شَمِلَ الْمُتَزَوِّجَ تَزْوِيجَ رَغْبَةٍ ؛ لِأَنَّهُ أَيْضًا يُحِلُّهَا لِمُطَلِّقِهَا وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ التَّحْلِيلَ ..

(2/259)


أَيْضًا تَصِيرُ مَوْصُوفَةً بِأَنَّهَا مُطَلَّقَةٌ فَيَرْتَفِعُ ذَلِكَ بِإِصَابَةِ الزَّوْجِ الثَّانِي كَمَا تَرْتَفِعُ الثَّلَاثُ ؛ لِأَنَّهُ جُزْؤُهُ فَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ كَلِمَةَ حَتَّى هُنَا لَيْسَتْ لِلْغَايَةِ حَقِيقَةً ، وَإِنَّمَا هِيَ مَجَازٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا جُنُبًا إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} [النساء : 43] فَالِاغْتِسَالُ مُوجِبٌ لِلطَّهَارَةِ رَافِعٌ لِحَدَثِ الْجَنَابَةِ لَا أَنْ يَكُونَ غَايَةً لِلْجَنَابَةِ ؛ لِأَنَّ حُكْمَ حُرْمَةِ الصَّلَاةِ ثَبَتَتْ مُؤَبَّدَةً لَا إلَى غَايَةٍ كَحُكْمِ زَوَالِ الْمِلْكِ لَا يَثْبُتُ مُؤَقَّتًا وَلَكِنْ يَرْتَفِعُ بِوُجُودِ مَا يَرْفَعُهُ وَهُوَ النِّكَاحُ
وَكَذَا مِلْكُ الْيَمِينِ وَمِلْكُ النِّكَاحِ يَثْبُتُ مُتَأَبِّدًا وَيَرْتَفِعُ بِرَافِعٍ فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ مُوجِبٌ لِلْحِلِّ فَإِنَّمَا يُوجِبُ حِلًّا لَا يَرْتَفِعُ إلَّا بِثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ وَهُوَ غَيْرُ مَوْجُودٍ بَعْدَ الطَّلْقَةِ وَالطَّلْقَتَيْنِ فَيُثْبِتُهُ بَلْ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ تَكْمِيلَ الْوَصْفِ أَسْهَلُ مِنْ إثْبَاتِ الْأَصْلِ ، وَكَذَا رَفْعُ مَا تَعَرَّضَ لِلثُّبُوتِ أَوْلَى مِنْ رَفْعِ الثَّابِتِ فَإِنْ قِيلَ : إنَّمَا سَمَّاهُ مُحَلِّلًا لِكَوْنِهِ شَرْطُ الْحِلِّ لَا ؛ لِأَنَّهُ مُوجِبٌ لَهُ قُلْنَا ذَلِكَ مَجَازٌ فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا بِدَلِيلٍ فَإِنْ قِيلَ قَدْ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْمَجَازَ هُوَ الْمُرَادُ إذْ الْحِلُّ ثَابِتٌ فِيمَا قُلْتُمْ وَتَحْصِيلُ الْحَاصِلِ مُحَالٌ قُلْنَا إنْ لَمْ يَقْبَلْ الْمَحَلُّ إثْبَاتَ أَصْلِ الْحِلِّ يَقْبَلُ إثْبَاتَ وَصْفِهِ وَهُوَ التَّكْمِيلُ فِي الْحِلِّ ؛ لِأَنَّهُ نَاقِصٌ بِالطَّلْقَةِ وَالطَّلْقَتَيْنِ وَمَا صَلُحَ مُثْبِتًا لِأَصْلِ الشَّيْءِ صَلُحَ مُثْبِتًا لِوَصْفِهِ بَلْ أَوْلَى عَلَى مَا تَقَدَّمَ أَوْ نَقُولُ إنَّ الزَّوْجَ الثَّانِيَ مُثْبِتٌ لِلْحِلِّ الْجَدِيدِ وَهُوَ غَيْرُ مَوْجُودٍ وَإِنْ كَانَ أَصْلُ الْحِلِّ ثَابِتًا فِي الْمَحَلِّ
وَلَا يُقَالُ لَوْ كَانَ رَافِعًا لِلْحُرْمَةِ وَمُثْبِتًا لِلْحِلِّ لَعَادَتْ مَنْكُوحَةً وَحَلَّتْ لَهُ بَعْدَ إصَابَةِ الثَّانِي مِنْ غَيْرِ تَجْدِيدِ عَقْدِ النِّكَاحِ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَوْ كَانَ غَايَةً أَيْضًا يَلْزَمُ ذَلِكَ ثُمَّ نَقُولُ الْمُرَادُ بِإِثْبَاتِ الْحِلِّ إنَّمَا هُوَ الْحِلُّ الْأَصْلِيُّ وَهُوَ جَوَازُ إيرَادِ عَقْدِ النِّكَاحِ عَلَيْهَا ، وَكَذَا الْمُرَادُ بِرَفْعِ الْحُرْمَةِ إنَّمَا هِيَ الْحُرْمَةُ الَّتِي تَثْبُتُ بِالطَّلْقَاتِ الثَّلَاثِ لَا الْحُرْمَةُ الَّتِي تَثْبُتُ لِأَجْلِ عَدَمِ التَّزَوُّجِ .

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ أَخْبَرَتْ مُطَلَّقَةُ الثَّلَاثِ بِمُضِيِّ عِدَّتِهِ وَعِدَّةِ الزَّوْجِ الثَّانِي وَالْمُدَّةُ تَحْتَمِلُهُ لَهُ أَنْ يُصَدِّقَهَا إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ صِدْقُهَا) ؛ لِأَنَّهُ مُعَامَلَةٌ أَوْ أَمْرٌ دِينِيٌّ لِتَعَلُّقِ الْحِلِّ بِهِ وَقَوْلُ الْوَاحِدِ فِيهِمَا مَقْبُولٌ وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَنْكَرٍ إذَا كَانَتْ الْمُدَّةُ تَحْتَمِلُهُ وَاخْتَلَفُوا فِي أَدْنَى هَذِهِ الْمُدَّةِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - شَهْرَانِ فِي الْعِدَّةِ الْأُولَى يُجْعَلُ كَأَنَّهُ طَلَّقَهَا فِي أَوَّلِ الطُّهْرِ احْتِرَازًا عَنْ إيقَاعِ الطَّلَاقِ فِي الطُّهْرِ بَعْدَ الْوِقَاعِ فَيَجْعَلُ طُهْرَهَا خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ؛ لِأَنَّهُ لَا غَايَةَ لِأَكْثَرِهِ فَيُؤْخَذُ لَهَا بِالْأَقَلِّ وَحَيْضُهَا خَمْسَةٌ ؛ لِأَنَّ اجْتِمَاعَ أَقَلِّهِمَا فِي امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ نَادِرٌ فَيُؤْخَذُ لَهَا بِالْوَسَطِ فَثَلَاثَةُ أَطْهَارٍ تَكُونُ خَمْسَةً وَأَرْبَعِينَ يَوْمًا وَثَلَاثُ حِيَضٍ تَكُونُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَصَارَتْ سِتِّينَ ، وَهَذَا عَلَى تَخْرِيجِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
وَعَلَى تَخْرِيجِ الْحَسَنِ يُجْعَلُ كَأَنَّهُ طَلَّقَهَا فِي آخِرِ الطُّهْرِ احْتِرَازًا عَنْ تَطْوِيلِ الْعِدَّةِ فَيُجْعَلُ حَيْضُهَا عَشَرَةَ أَيَّامٍ وَطُهْرُهَا خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ؛ لِأَنَّا لَمَّا قَدَّرْنَا طُهْرَهَا بِالْأَقَلِّ قَدَّرْنَا حَيْضَهَا بِالْأَكْثَرِ لِيَعْتَدِلَا فَفِيهَا طُهْرَانِ بِثَلَاثِينَ يَوْمًا وَثَلَاثُ حِيَضٍ بِثَلَاثِينَ يَوْمًا فَصَارَتْ سِتِّينَ يَوْمًا فَهَذَا مِنْ الزَّوْجِ الْأَوَّلِ فَيُحْتَاجُ إلَى مِثْلِهِ مِنْ الزَّوْجِ الثَّانِي وَزِيَادَةِ طُهْرٍ عَلَى تَخْرِيجِ الْحَسَنِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ أَدْنَى مُدَّةٍ تُصَدَّقُ فِيهَا تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ يَوْمًا يُجْعَلُ كَأَنَّهُ طَلَّقَهَا فِي آخِرِ الطُّهْرِ فَيُجْعَلُ حَيْضُهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَطُهْرُهَا خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا أَخْذًا بِالْأَقَلِّ فِيهِمَا لِلتَّيَقُّنِ بِهِ فَفِيهَا طُهْرَانِ بِثَلَاثِينَ يَوْمًا وَثَلَاثُ حِيَضٍ بِتِسْعَةِ أَيَّامٍ وَيُحْتَاجُ إلَى مِثْلِهَا فِي حَقِّ الزَّوْجِ الثَّانِي وَزِيَادَةِ طُهْرٍ بَخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ، وَهَذَا فِي حَقِّ الْحُرَّةِ .
وَأَمَّا فِي حَقِّ الْأَمَةِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى تَخْرِيجِ مُحَمَّدٍ أَدْنَاهُ أَرْبَعُونَ يَوْمًا وَعَلَى تَخْرِيجِ الْحَسَنِ خَمْسَةٌ وَثَلَاثُونَ يَوْمًا ثُمَّ يَحْتَاجُ إلَى مِثْلِهَا فِي حَقِّ الثَّانِي وَزِيَادَةٍ طُهْرٍ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا عَلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ وَعِنْدَهُمَا أَحَدٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا لِلْأَوَّلِ وَمِثْلُهُ لِلثَّانِي وَزِيَادَةُ طُهْرٍ وَاحِدٍ تَأَمَّلْهُ تَدْرِهِ وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ مُضِيُّ هَذَا الْقَدْرِ مِنْ الْمُدَّةِ لِيُقْبَلَ قَوْلُهَا ؛ لِأَنَّهَا إذَا ادَّعَتْ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ فِي أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ كَذَّبَهَا الْعَادَةُ وَالْمُكَذَّبُ عَادَةً كَالْمُكَذَّبِ حَقِيقَةً
أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَصِيَّ إذَا قَالَ أَنْفَقْت عَلَى الْيَتِيمِ مِائَةَ دِرْهَمٍ فِي يَوْمٍ لَا يُصَدَّقُ وَإِنْ كَانَ صِدْقُهُ مُحْتَمَلًا بِأَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ نَفَقَةً فَتَهْلِكَ ثُمَّ يَشْتَرِيَ لَهُ فَتَهْلِكَ ثُمَّ يَشْتَرِيَ فَتَهْلِكَ ثُمَّ كَذَلِكَ إلَى مَا لَا يَتَنَاهَى بِغَرَقٍ فِي الْمَاءِ أَوْ احْتِرَاقٍ بِالنَّارِ ، وَلَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِالْوِلَادَةِ بِأَنْ قَالَ إنْ وَلَدْت فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَوَلَدَتْ لَمْ تُصَدَّقْ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةٍ وَثَمَانِينَ يَوْمًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى تَخْرِيجِ مُحَمَّدٍ وَعَلَى تَخْرِيجِ الْحَسَنِ لَمْ تُصَدَّقْ فِي أَقَلَّ مِنْ مِائَةِ يَوْمٍ لِأَنَّ أَقْصَى مَا يُمْكِنُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(قَوْلُهُ عَلَى تَخْرِيجِ مُحَمَّدٍ أَدْنَاهُ أَرْبَعُونَ يَوْمًا) أَيْ ؛ لِأَنَّهُ يُجْعَلُ كَأَنَّهُ طَلَّقَهَا فِي أَوَّلِ الطُّهْرِ فَالطُّهْرَانِ ثَلَاثُونَ يَوْمًا وَالْحَيْضَتَانِ عَشَرَةُ أَيَّامٍ ا هـ

(2/260)


أَنْ يُجْعَلَ نِفَاسُهَا خَمْسَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا ثُمَّ طُهْرُهَا خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا بَعْدَ ذَلِكَ ثُمَّ فِيهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ وَطُهْرَانِ عَلَى التَّخْرِيجَيْنِ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ مَا تَرَى مِنْ الدَّمِ فِي الْأَرْبَعِينَ لَا يَكُونُ حَيْضًا وَإِنَّمَا هُوَ نِفَاسٌ ؛ لِأَنَّهُ فِي مُدَّتِهِ
وَمَا تَرَاهُ بَعْدَ تَمَامِ الْأَرْبَعِينَ يَكُونُ حَيْضًا إنْ تَقَدَّمَهُ طُهْرٌ صَحِيحٌ وَهُوَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَذَلِكَ بِمَا ذَكَرْنَا هَذَا فِي حَقِّ الزَّوْجِ الْأَوَّلِ وَفِي حَقِّ الثَّانِي يَحْتَاجُ بَعْدَ هَذَا إلَى ثَلَاثِ حِيَضٍ وَثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ عَلَى التَّخْرِيجَيْنِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تُصَدَّقُ فِي خَمْسَةٍ وَسِتِّينَ يَوْمًا ؛ لِأَنَّ نِفَاسَهَا يُقَدَّرُ بِأَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا ؛ لِأَنَّ مُدَّةَ النِّفَاسِ أَكْثَرُ مِنْ مُدَّةِ الْحَيْضِ فَيُقَدَّرُ بِأَكْثَرَ مِنْ أَكْثَرِ الْحَيْضِ بِيَوْمٍ ثُمَّ بَعْدَ هَذَا ثَلَاثُ حِيَضٍ وَثَلَاثَةُ أَطْهَارٍ هَذَا فِي حَقِّ الْأَوَّلِ وَفِي حَقِّ الثَّانِي يَحْتَاجُ بَعْدَ هَذَا إلَى ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ وَثَلَاثِ حِيَضٍ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تُصَدَّقُ فِي أَرْبَعَةٍ وَخَمْسِينَ يَوْمًا وَسَاعَةٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا غَايَةَ لِأَقَلِّ النِّفَاسِ فَإِذَا قَالَتْ كَانَ سَاعَةً وَجَبَ تَصْدِيقُهَا لِلِاحْتِمَالِ ثُمَّ الطُّهْرُ بَعْدَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ ثَلَاثُ حِيَضٍ وَطُهْرَانِ هَذَا لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي يَحْتَاجُ إلَى أَرْبَعَةٍ وَخَمْسِينَ يَوْمًا ثَلَاثِ حِيَضٍ وَثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ هَذَا فِي حَقِّ الْحُرَّةِ
وَفِي حَقِّ الْأَمَةِ التَّخْرِيجُ ظَاهِرٌ عَلَى الْمَذَاهِبِ كُلِّهَا فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .

(بَابُ الْإِيلَاءِ)
الْإِيلَاءُ الْيَمِينُ لُغَةً قَالَ قَائِلُهُمْ
قَلِيلُ الْأَلَايَا حَافِظٌ لِيَمِينِهِ ... وَإِنْ بَدَرَتْ مِنْهُ الْأَلِيَّةُ بَرَّتْ
وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ الْيَمِينِ عَلَى تَرْكِ وَطْءِ الْمَنْكُوحَةِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ أَوْ أَكْثَرَ وَلِذَلِكَ قَالُوا الْمُولِي مَنْ لَا يَخْلُو عَنْ أَحَدِ الْمَكْرُوهَيْنِ إمَّا الطَّلَاقُ أَوْ الْكَفَّارَةُ ، وَقِيلَ الْمُولِي مَنْ لَا يُمْكِنُهُ الْقُرْبَانُ إلَّا بِشَيْءٍ يَلْزَمُهُ وَهُوَ أَشْبَهُ ؛ لِأَنَّهُ يُدْخِلُ الْكَفَّارَةَ وَالنَّذْرَ وَغَيْرَهُ تَحْتَهُ غَيْرَ أَنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ الْتِزَامُ مَا لَا يَشُقُّ عَلَيْهِ كَالصَّلَاةِ وَالْغَزْوِ فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ إنْ قَرِبْتُك فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ أَوْ أَغْزُوَ وَلَا يَكُونُ مُولِيًا وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ الْإِيلَاءُ فِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ مَنْعِ النَّفْسِ عَنْ قُرْبَانِ الْمَنْكُوحَةِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا مَنْعًا مُؤَكَّدًا بِشَيْءٍ يَلْزَمُهُ وَهُوَ يَشُقُّ عَلَيْهِ وَرُكْنُهُ قَوْلُهُ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك وَنَحْوَهُ وَشَرْطُهُ الْمَحَلُّ وَالْأَهْلُ وَهُوَ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ مَنْكُوحَةً وَالْحَالِفُ أَهْلًا لِلطَّلَاقِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عِنْدَهُمَا وَأَنْ لَا تَكُونَ الْمُدَّةُ مَنْقُوصَةً عَنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَحُكْمُهُ وُقُوعُ الطَّلَاقِ عِنْدَ الْبِرِّ وَوُجُوبُ الْكَفَّارَةِ أَوْ نَحْوُهُ عِنْدَ الْحِنْثِ . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (هُوَ الْحَلِفُ عَلَى تَرْكِ قُرْبَانِهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ أَوْ أَكْثَرَ) أَيْ الْإِيلَاءُ هُوَ الْحَلِفُ عَلَى تَرْكِ وَطْءِ الزَّوْجَةِ هَذِهِ الْمُدَّةَ
وَقَدْ أَشَرْنَا أَنَّ مُجَرَّدَ الْحَلِفِ عَلَى تَرْكِهِ لَا يَكُونُ إيلَاءً حَتَّى يَكُونَ الْمَنْعُ بِشَيْءٍ يَلْزَمُهُ وَهُوَ يَشُقُّ عَلَيْهِ ، وَذَكَرْنَا الْأَوْجُهَ .
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ أَوْ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} [البقرة : 226] الْآيَةَ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إذَا حَلَفَ لَا يَقْرَبُهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ لَا يَكُونُ مُولِيًا حَتَّى تَزِيدَ مُدَّةُ الْمُطَالَبَةِ وَاشْتَرَطَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - زِيَادَةَ يَوْمٍ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِمَا مَا تَلَوْنَا ؛ لِأَنَّهُ نَصَّ عَلَى التَّرَبُّصِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهَا كَمَا لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى التَّرَبُّصِ الْمَذْكُورِ فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ وَالطَّلَاقِ فِي قَوْله تَعَالَى {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة : 228] وَفِي قَوْله تَعَالَى {أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة : 234] وَالْمُسْلِمُ وَالذِّمِّيُّ فِيهِ سَوَاءٌ عِنْدَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ وَفِي حَقِّ الْأَمَةِ التَّخْرِيجُ ظَاهِرٌ إلَخْ) فَعَلَى رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ عَنْ الْإِمَامِ لَا تُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةٍ وَسِتِّينَ يَوْمًا وَعَلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْهُ لَا تُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةٍ وَسَبْعِينَ يَوْمًا ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا تُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ سَبْعَةٍ وَأَرْبَعِينَ يَوْمًا ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا تُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا وَسَاعَةٍ . ا هـ . بَدَائِعُ .

(بَابُ الْإِيلَاءِ) وَجْهُ مُنَاسَبَةِ الْإِيلَاءِ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ التَّحَارِيمَ الَّتِي تَحْصُلُ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ أَرْبَعَةٌ الطَّلَاقُ وَالْإِيلَاءُ وَالظِّهَارُ وَاللِّعَانُ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الطَّلَاقِ شَرَعَ فِي الْإِيلَاءِ ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الطَّلَاقِ فِي الْإِيلَاءِ لَا يَثْبُتُ عَلَى الْفَوْرِ بَلْ مُؤَجَّلًا إلَى انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يَذْكُرَ الْخُلْعَ قَبْلَ الْإِيلَاءِ ؛ لِأَنَّ الْإِيلَاءَ نَوْعٌ مِنْ الطَّلَاقِ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ بِعِوَضٍ تَبَاعَدَ عَنْ الطَّلَاقِ فَأُخِّرَ عَنْ الْإِيلَاءِ وَقُدِّمَ الْخُلْعُ عَلَى الظِّهَارِ ؛ لِأَنَّ الظِّهَارَ مُنْكَرٌ مِنْ الْقَوْلِ وَزُورٌ وَلَيْسَ الْخُلْعُ كَذَلِكَ ، ثُمَّ قُدِّمَ الظِّهَارُ عَلَى اللِّعَانِ ؛ لِأَنَّ الظِّهَارَ أَقْرَبُ إلَى الْإِبَاحَةِ مِنْ اللِّعَانِ بِدَلِيلِ أَنَّ سَبَبَ اللِّعَانِ وَهُوَ الْقَذْفُ بِالزِّنَا لَوْ أُضِيفَ إلَى غَيْرِ الزَّوْجَةِ يُوجِبُ الْحَدَّ وَالْمُوجِبُ لِلْحَدِّ مَعْصِيَةٌ مَحْضَةٌ بِلَا شَائِبَةِ الْإِبَاحَةِ فَافْهَمْ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ . وَالْإِيلَاءُ فِعْلُهُ آلَى يُولِي إيلَاءً كَتَصَرُّفِ أَعْطَى . ا هـ . فَتْحٌ . (قَوْلُهُ قَالَ قَائِلُهُمْ قَلِيلُ الْأَلَايَا إلَخْ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ وَالْأَلِيَّةُ الْحَلِفُ وَالْجَمْعُ أَلَايَا ، مِثْلُ عَطِيَّةٍ وَعَطَايَا ا هـ . (قَوْلُهُ وَإِنْ بَدَرَتْ) هُوَ بِالْبَاءِ مِنْ قَوْلِهِ بَدَرَ مِنْهُ كَلَامٌ سَبَقَ وَالْبَيَانُ الْبَدِيهَةُ . ا هـ . مُغْرِبٌ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَإِنْ نَدَرَتْ مَا نَصُّهُ هُوَ بِالنُّونِ فِي خَطِّ الشَّارِحِ ا هـ
(قَوْلُهُ لَوْ قَالَ إنْ قَرِبْتُك فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ إلَخْ) عِنْدَ مُحَمَّدٍ بِالْتِزَامِ الصَّلَاةِ يَصِيرُ مُولِيًا ذَكَرَهُ فِي الْمَنْظُومَةِ وَالْجَمْعِ ا هـ . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ هُوَ الْحَلِفُ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفِي الشَّرْعِ هُوَ الْيَمِينُ عَلَى تَرْكِ قُرْبَانِ الزَّوْجَةِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا بِاَللَّهِ أَوْ بِتَعْلِيقِ مَا يَسْتَشِقُّهُ عَلَى الْقُرْبَانِ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ الْحَلِفُ عَلَى تَرْكِ قُرْبَانِهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ الْحَلِفِ يَتَحَقَّقُ فِي إنْ وَطِئْتُك فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ أَوْ أَغْزُوَ وَلَا يَكُونُ بِذَلِكَ مُولِيًا ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا يَشُقُّ فِي نَفْسِهِ وَإِنْ تَعَلَّقَ ا هـ . (قَوْلُهُ وَالْمُسْلِمُ وَالذِّمِّيُّ فِيهِ سَوَاءٌ) أَيْ نَظَرًا إلَى إطْلَاقِ الْآيَةِ إلَّا أَنَّ الذِّمِّيَّ إذَا قَرُبَ يَحْنَثُ إلَّا أَنَّهُ لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ عَلَيْهِ . ا هـ . رَازِيٌّ

(2/261)


أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْقُرْبَانُ إلَّا بِحِنْثٍ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى حَتَّى يَحْلِفَ بِهِ فِي الدَّعَاوَى فَصَارَ كَمَا لَوْ حَلَفَ بِطَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ وَعِنْدَهُمَا لَا يَكُونُ مُولِيًا لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ قُرْبَانُهَا بِلَا كَفَّارَةٍ تَلْزَمُهُ فَصَارَ كَالْحَلِفِ بِالْحَجِّ وَالصَّوْمِ وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ إنَّهُ أَهْلٌ لِلْيَمِينِ إلَّا أَنَّهُ لَا تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ ؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا وَلَا يَلْزَمُهُ الظِّهَارُ حَيْثُ لَا يَصِحُّ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ الظِّهَارَ شَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ مِنَّا بِالنَّصِّ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ} [المجادلة : 2] وَهُوَ لَيْسَ مِنَّا ، وَلِأَنَّ الْحُرْمَةَ فِي الظِّهَارِ تَنْتَهِي بِالْكَفَّارَةِ وَفِي الْيَمِينِ بِالْحِنْثِ وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْكَفَّارَةِ لِكَوْنِهِ عِبَادَةً فَلَوْ شُرِعَ الظِّهَارُ فِي حَقِّهِ لَكَانَتْ الْحُرْمَةُ مُطْلَقَةً لَا مُغَيَّاةً بِهَا وَهُوَ خِلَافُ الْمَنْصُوصِ فَيَكُونُ تَغْيِيرًا لِلْحُكْمِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْإِيلَاءِ ؛ لِأَنَّهُ أَهْلٌ لِلْحِنْثِ وَبِهِ يَنْدَفِعُ الظُّلْمُ عَنْهَا ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَصِحُّ ظِهَارُهُ أَيْضًا وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا بَيَّنَّا . وَقَوْلُهُ لَا أَقْرَبُك ، الْقُرْبَانُ كِنَايَةٌ عَنْ الْجِمَاعِ وَمِنْ الْكِنَايَةِ الْوَطْءُ وَالْمُبَاضَعَةُ وَالِافْتِضَاضُ فِي الْبِكْرِ وَالِاغْتِسَالُ مِنْهَا يَجْرِي مَجْرَى الصَّرِيحِ وَالْإِتْيَانُ وَالْإِصَابَةُ وَالْغَشَيَانُ وَالْمُضَاجَعَةُ وَالدُّنُوُّ وَالْمَسُّ كِنَايَاتٌ وَكَذَا قَوْلُهُ لَا تَجْمَعُ رَأْسِي وَرَأْسَك وِسَادَةٌ أَوْ لَا يَجْتَمِعَانِ أَوْ لَا أَبِيتُ مَعَك فِي فِرَاشٍ أَوْ لَا أَقْرَبُ فِرَاشَك لَا يَكُونُ بِهَا مُولِيًا إلَّا بِالنِّيَّةِ وَفِي الْبَدَائِعِ الصَّرِيحُ الْمُجَامَعَةُ وَالنَّيْكُ .

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ وَطِئَ فِي الْمُدَّةِ كَفَّرَ) أَيْ إنْ وَطِئَهَا الْمُولِي فِي أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ حَنِثَ فِي يَمِينِهِ وَكَفَّرَ ؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ مُوجِبُ الْحِنْثِ ، وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة : 226] قُلْنَا الْمُرَادُ بِهِ إسْقَاطُ عُقُوبَةِ الْآخِرَةِ بِسَبَبِ قَصْدِهِ الْإِضْرَارَ بِهَا لَا إسْقَاطَ الْكَفَّارَةِ الْمَشْرُوعَةِ فِي الْأَيْمَانِ الْمُنْعَقِدَةِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ قَتْلَ الْخَطَأِ يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ وَإِنْ وُعِدَ الْمَغْفِرَةَ .
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَسَقَطَ الْإِيلَاءُ) لِأَنَّ الْأَيْمَانَ تَنْحَلُّ بِالْحِنْثِ فَلَا تَبْقَى بَعْدَ انْحِلَالِهَا وَلَا إيلَاءَ بِدُونِهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِلَّا بَانَتْ) أَيْ إنْ لَمْ يَطَأْهَا فِي الْمُدَّةِ وَهِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ بَانَتْ مِنْهُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ التَّابِعِينَ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تَبِينُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ وَلَكِنْ يُوقَفُ عَلَى أَنْ يَفِيءَ إلَيْهَا أَوْ يُفَارِقَهَا فَإِنْ فَعَلَ وَإِلَّا فَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا فَصَارَ الْخِلَافُ فِي مَوْضِعَيْنِ أَحَدِهِمَا أَنَّ الْفَيْءَ عِنْدَهُ يَكُونُ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ وَعِنْدَنَا فِي الْمُدَّةِ وَالثَّانِي أَنَّ الْفُرْقَةَ لَا تَقَعُ إلَّا بِتَطْلِيقِ الزَّوْجِ أَوْ تَفْرِيقِ الْقَاضِي عِنْدَهُ وَعِنْدَنَا تَقَعُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ كَمَا لَوْ حَلَفَ بِطَلَاقٍ) أَيْ بِشَيْءٍ لَا يَلْزَمُ قُرْبَةٌ . ا هـ . (قَوْلُهُ بِطَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ) أَيْ كَحَلِفِ الذِّمِّيِّ بِالْحَجِّ ا هـ وَكَقَوْلِهِ إنْ قَرِبْتُك فَعَبْدِي حُرٌّ أَوْ فَامْرَأَتِي طَالِقٌ فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُولِيًا اتِّفَاقًا ا هـ . (قَوْلُهُ فَصَارَ كَالْحَلِفِ بِالْحَجِّ وَالصَّوْمِ) كَإِنْ قَرِبْتُك فَعَلَيَّ حَجٌّ أَوْ صَلَاةٌ أَوْ صَوْمٌ فَإِنَّهُ لَا يَصِيرُ مُولِيًا اتِّفَاقًا ا هـ . (قَوْلُهُ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ إنَّهُ أَهْلٌ لِلْيَمِينِ) حَتَّى يَحْلِفَ بِهِ فِي الدَّعَاوَى وَإِذَا صَحَّ يَمِينُهُ يَحْنَثُ فِيهِ بِالْقُرْبَانِ . ا هـ . كَافِي . (قَوْلُهُ وَمِنْ الْكِنَايَةِ الْوَطْءُ وَالْمُبَاضَعَةُ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَلْفَاظُهُ صَرِيحٌ وَكِنَايَةٌ فَالصَّرِيحُ نَحْوُ لَا أَقْرَبُك لَا أُجَامِعُك لَا أَطَؤُك لَا أُبَاضِعُكِ لَا أَغْتَسِلُ مِنْك مِنْ جَنَابَةٍ فَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ لَمْ يَعْنِ الْجِمَاعَ لَمْ يُدَيَّنَ فِي الْقَضَاءِ وَالْكِنَايَةُ نَحْوُ لَا أَمَسُّك لَا آتِيك لَا أَغْشَاك لَا أَلْمِسُك لَأَغِيظَنَّكِ لَا أَشُوفَكِ لَا أَدْخُلُ عَلَيْك لَا أَجْمَعُ رَأْسِي وَرَأْسَك لَا أُضَاجِعُك لَا أَقْرَبُ فِرَاشَك فَلَا تَكُونُ إيلَاءً بِلَا نِيَّةٍ وَيُدَيَّنُ فِي الْقَضَاءِ وَقِيلَ الصَّرِيحُ لَفْظَانِ لَا أُجَامِعُك لَا أَنِيكُك وَهَذِهِ كِنَايَاتٌ تَجْرِي مَجْرَى الصَّرِيحِ وَالْأَوْلَى الْأَوَّلُ ؛ لِأَنَّ الصَّرَاحَةَ مَنُوطَةٌ بِتَبَادُرِ الْمَعْنَى لِغَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ فِيهِ سَوَاءٌ كَانَ حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا لَا بِالْحَقِيقَةِ وَإِلَّا لَأَوْجَبَ كَوْنَ الصَّرِيحِ لَفْظًا وَاحِدًا وَهُوَ ثَانِي مَا ذَكَرَ ا هـ . (قَوْلُهُ وَالِاغْتِسَالُ مِنْهَا) أَيْ مِنْ الْمَرْأَةِ الْمُولَى مِنْهَا ا هـ . (قَوْلُهُ يَجْرِي مَجْرَى الصَّرِيحِ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ ا هـ . (قَوْلُهُ حَنِثَ فِي يَمِينِهِ) أَيْ لِوُجُودِ شَرْطِ الْحِنْثِ . ا هـ . كَافِي ..

(قَوْلُهُ وَكَفَّرَ) أَيْ لَزِمَتْهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ} [المائدة : 89] جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى مُوجَبَ الْحَلِفِ الْكَفَّارَةَ عِنْدَ الْحِنْثِ وَالْإِيلَاءُ حَلِفٌ ، وَقَدْ حَنِثَ فِيهِ فَتَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ . (قَوْلُهُ ، وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ لَا تَجِبُ) قَالَ قَتَادَةُ الْحَسَنُ خَالَفَ النَّاسَ . ا هـ . فَتْحٌ . (قَوْلُهُ وَإِنْ وُعِدَ الْمَغْفِرَةَ) الْمَغْفِرَةُ تَقْتَضِي نَفْيَ الْمُؤَاخَذَةِ فِي الْآخِرَةِ لَا غَيْرُ ا هـ . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَسَقَطَ الْإِيلَاءُ) أَيْ بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ لَوْ مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ لَا يَقَعُ طَلَاقٌ آخَرُ . ا هـ . فَتْحٌ . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِلَّا بَانَتْ إلَخْ) فَإِنْ قُلْت سَلَّمْنَا أَنَّ بِمُجَرَّدِ مُضِيِّ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ يَقَعُ الطَّلَاقُ وَلَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ بَائِنٌ وَلَا دَلَالَةَ فِي الْآيَةِ عَلَى الْبَائِنِ فَلِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَجْعِيًّا كَمَا رُوِيَ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ إنَّمَا وَقَعَ بَائِنًا ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ ظَلَمَهَا حَيْثُ مَنَعَهَا حَقَّهَا الْمُسْتَحَقَّ عَلَيْهِ وَهُوَ الْوَطْءُ فِي الْمُدَّةِ فَجَازَاهُ الشَّرْعُ بِالطَّلَاقِ عِنْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ تَخْلِيصًا عَنْ ضَرَرِ التَّعْلِيقِ وَلَا يَحْصُلُ التَّخَلُّصُ بِالرَّجْعِيِّ فَوَقَعَ بَائِنًا ، وَلِأَنَّ الْإِيلَاءَ كَانَ طَلَاقًا بَائِنًا عَلَى الْفَوْرِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَلَا يَقْرَبُهَا الشَّخْصُ بَعْدَ الْإِيلَاءِ أَبَدًا فَجَعَلَهُ الشَّرْعُ مُؤَجَّلًا بِقَوْلِهِ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ إلَى انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ فَحَصَلَتْ الْإِشَارَةُ إلَى أَنَّ الْوَاقِعَ بِالْإِيلَاءِ بَائِنٌ لَكِنَّهُ مُؤَجَّلٌ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ .
(قَوْلُهُ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تَبِينُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تَبِينُ بِتَفْرِيقِ الْحَاكِمِ قَالَ الْكَمَالُ لَمْ يَقُلْ الشَّافِعِيُّ تَبِينُ بَلْ قَالَ يَقَعُ رَجْعِيًّا سَوَاءٌ طَلَّقَ الزَّوْجُ بِنَفْسِهِ أَوْ الْحَاكِمُ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ ا هـ . (قَوْلُهُ وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ فَاءُوا} [البقرة : 226] إلَخْ) قَالَ الرَّازِيّ اسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ} [البقرة : 226] الْفَاءَ لِلتَّعْقِيبِ فَاقْتَضَى جَوَازَ الْفَيْءِ بَعْدَ الْمُدَّةِ وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ} [البقرة : 227] فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّفْرِيقَ بِتَطْلِيقِ الزَّوْجِ أَوْ بِتَفْرِيقِ الْقَاضِي ا هـ

(2/262)


رَحِيمٌ} [البقرة : 226] فَإِنَّ الْفَاءَ لِلتَّعْقِيبِ فَاقْتَضَى جَوَازَ الْفَيْءِ بَعْدَ الْمُدَّةِ وَجَوَازَ التَّفْرِيقِ ، وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ} [البقرة : 227] فَلَوْ وَقَعَ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ لَا يُتَصَوَّرُ الْعَزْمُ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ ، وَلِأَنَّ النَّصَّ يُشِيرُ إلَى أَنَّ عَزْمَهُ الطَّلَاقَ مِمَّا هُوَ مَسْمُوعٌ وَذَلِكَ بِتَطْلِيقَةٍ أَوْ بِتَفْرِيقِ الْقَاضِي ، وَلِأَنَّ التَّفْرِيقَ بَيْنَهُمَا لِرَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهَا فَيَكُونُ بِتَطْلِيقَةٍ أَوْ تَفْرِيقُ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا كَالتَّفْرِيقِ بِالْجَبِّ أَوْ الْعُنَّةِ وَلِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ مِنْ غَيْرِ تَطْلِيقِ أَحَدٍ فَأَشْبَهَ الْعُنَّةَ حَيْثُ لَا يَقَعُ بِمُضِيِّ أَجَلِهِ
وَلَنَا مَا ذَكَرْنَا عَنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ وَقِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأُبَيُّ {فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ} [البقرة : 226] فَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَ الْفَيْءُ فِي الْمُدَّةِ فَيَكُونَ حُجَّةً عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ قِرَاءَتَهُمَا لَا تَنْزِلُ عَنْ رِوَايَتِهِمَا ، وَلِأَنَّ الْإِيلَاءَ كَانَ طَلَاقًا لِلْحَالِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَجَعَلَهُ الشَّرْعُ مُؤَجَّلًا فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ إذَا مَضَى أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ ، وَلِأَنَّ هَذِهِ مُدَّةُ تَرَبُّصٍ بَعْدَمَا أَظْهَرَ الزَّوْجُ الرَّغْبَةَ عَنْهَا فَتَبِينُ بِمُضِيِّهَا كَمُدَّةِ الْعِدَّةِ بَعْدَ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ وَلَا تَمَسُّكَ لَهُ بِمَا ذَكَرَ فِي الْآيَةِ فَإِنَّ الْفَاءَ فِيهَا لِتَعْقِيبِ الْفَيْءِ عَلَى الْإِيلَاءِ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْقِرَاءَةِ وَبِدَلِيلِ جَوَازِ الْفَيْءِ قَبْلَ مُضِيِّ الْأَشْهُرِ
وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالَ لَمَا جَازَ وَعَزْمُهُ الطَّلَاقَ تَرْكُهُ لَهَا إلَى مُضِيِّ الْمُدَّةِ أَيْ وَإِنْ عَزَمُوا أَنْ يُصَيِّرُوا الْإِيلَاءَ طَلَاقًا فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بِالْإِيلَاءِ عَلِيمٌ بِالْعَزِيمَةِ فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى مَا ذَكَرَ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ يَقَعُ مِنْ غَيْرِ إيقَاعٍ بَلْ بِإِيقَاعِ الزَّوْجِ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ طَلَاقًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَقَرَّرَ الشَّرْعُ أَصْلَهُ وَجَعَلَهُ مُتَأَخِّرًا إلَى مُضِيِّ الْمُدَّةِ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْ الْعِنِّينِ شَيْءٌ يُجْعَلُ طَلَاقًا فَافْتَرَقَا ، وَلِأَنَّ الْعِنِّينَ لَيْسَ بِظَالِمٍ فَنَاسَبَ التَّخْفِيفَ ، وَلِهَذَا كَانَ أَجَلُهُ أَكْثَرَ وَالْمُولِي ظَالِمٌ بِمَنْعِ حَقِّهَا فَيُجَازَى بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ فَإِنْ قِيلَ إذَا وَطِئَهَا مَرَّةً لَمْ يَبْقَ لَهَا حَقٌّ فِي الْوَطْءِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْ تَأَكُّدِ الْمَهْرِ وَالْإِحْصَانِ وَغَيْرِهِ ، وَلِهَذَا لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا بِالْعُنَّةِ بَعْدَمَا وَطِئَهَا مَرَّةً فَكَيْفَ يَكُونُ ظَالِمًا بِالِامْتِنَاعِ مِنْ الْوَطْءِ قُلْنَا إنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَحَقًّا عَلَيْهِ حُكْمًا فَهُوَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ دِيَانَةً فَيَكُونُ ظَالِمًا بِالِامْتِنَاعِ أَوْ نَقُولُ ظَلَمَهَا بِجَعْلِ الْوَطْءِ حَرَامًا عَلَيْهِ لِغَيْرِهِ وَهُوَ الْيَمِينُ فَيَفُوتُ الْإِمْسَاكُ بِالْمَعْرُوفِ فَيَجِبُ التَّسْرِيحُ بِالْإِحْسَانِ جَزَاءً لِظُلْمِهِ بِخِلَافِ الْعِنِّينِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْ جِهَتِهِ صُنْعٌ يَصِيرُ بِهِ مَانِعًا حَقَّهَا فَلَمْ يَكُنْ ظَالِمًا .

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَسَقَطَ الْيَمِينُ لَوْ حَلَفَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ) ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ مُؤَقَّتَةٌ بِوَقْتٍ فَلَا تَبْقَى بَعْدَ مُضِيِّهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبَقِيَتْ لَوْ عَلَى الْأَبَدِ) أَيْ بَقِيَتْ الْيَمِينُ لَوْ كَانَ حَلَفَ عَلَى الْأَبَدِ بِأَنْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك أَبَدًا أَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك وَلَمْ يَقُلْ أَبَدًا ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَهُ يَنْصَرِفُ إلَى الْأَبَدِ كَمَا فِي الْيَمِينِ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا فَلَا تَبْطُلُ بِمُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ لِعَدَمِ مَا يُبْطِلُهَا مِنْ حِنْثٍ أَوْ مُضِيِّ وَقْتِهَا إلَّا أَنَّهُ لَا يَتَكَرَّرُ الطَّلَاقُ مَا لَمْ يَتَزَوَّجْهَا لِعَدَمِ مَنْعِ حَقِّهَا ذَكَرَهُ فِي الْبَدَائِعِ وَالتُّحْفَةِ وَشَرْحِ الْإِسْبِيجَابِيِّ وَالْجَامِعِ
وَذَكَرَ الْمَرْغِينَانِيُّ وَصَاحِبُ الْمُحِيطِ أَنَّهَا لَوْ بَانَتْ بِمُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ بِالْإِيلَاءِ ثُمَّ مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ أُخْرَى وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ وَقَعَتْ أُخْرَى فَإِنْ مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ أُخْرَى وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ وَقَعَتْ أُخْرَى وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا فِيهِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ جَزَاءُ الظُّلْمِ وَلَيْسَ لِلْمُبَانَةِ حَقٌّ فَلَا يَكُونُ ظَالِمًا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَبَانَهَا بِتَنْجِيزِ الطَّلَاقِ ثُمَّ مَضَتْ مُدَّةُ الْإِيلَاءِ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ حَيْثُ تَقَعُ أُخْرَى بِالْإِيلَاءِ ؛ لِأَنَّ الْإِيلَاءَ بِمَنْزِلَةِ التَّعْلِيقِ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ وَالْمُعَلَّقُ لَا يَبْطُلُ بِتَنْجِيزِ مَا دُونَ الثَّلَاثِ وَبِهِ يَبْطُلُ وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ .

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ نَكَحَهَا ثَانِيًا وَثَالِثًا وَمَضَتْ الْمُدَّتَانِ بِلَا فَيْءٍ بَانَتْ بِأُخْرَيَيْنِ) يَعْنِي لَوْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ مَا بَانَتْ بِالْإِيلَاءِ ثُمَّ مَضَتْ مُدَّةُ الْإِيلَاءِ وَهِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ بَعْدَ التَّزَوُّجِ الثَّانِي بَانَتْ بِتَطْلِيقَةٍ أُخْرَى ، وَكَذَا لَوْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ ثَالِثًا وَمَضَتْ مُدَّةُ الْإِيلَاءِ وَقَعَتْ طَلْقَةٌ ثَالِثَةٌ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَزَوَّجَهَا ثَبَتَ حَقُّهَا فِي الْجِمَاعِ وَبِامْتِنَاعِهِ عَنْهُ يَصِيرُ ظَالِمًا فَيُجَازَى بِإِزَالَةِ نِعْمَةِ النِّكَاحِ بِمُضِيِّ مُدَّةِ الْإِيلَاءِ ، وَذَكَرَ فِي الْكَافِي وَالْهِدَايَةِ أَنَّ مُدَّةَ هَذَا الْإِيلَاءِ تُعْتَبَرُ مِنْ وَقْتِ التَّزَوُّجِ ، وَقَالَ فِي الْغَايَةِ إنْ تَزَوَّجَهَا فِي الْعِدَّةِ يُعْتَبَرُ ابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ مِنْ وَقْتِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ الْأَوَّلِ ، وَلَوْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ يُعْتَبَرُ ابْتِدَاءُ الثَّانِيَةِ مِنْ وَقْتِ التَّزَوُّجِ وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا ، وَمِثْلُهُ فِي النِّهَايَةِ ، وَهَذَا لَا يَسْتَقِيمُ إلَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ إنَّ الطَّلَاقَ يَتَكَرَّرُ قَبْلَ التَّزَوُّجِ وَقَدْ بَيَّنَّا ضَعْفَهُ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَبَانَهَا بِتَنْجِيزِ طَلْقَةٍ أَوْ طَلْقَتَيْنِ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا حَيْثُ يَكُونُ مُولِيًا وَتُعْتَبَرُ الْمُدَّةُ مِنْ وَقْتِ الْإِيلَاءِ لِأَنَّ الْإِيلَاءَ كَانَ مُنْعَقِدًا قَبْلُ فَلَا تَبْطُلُ بِهِ ، وَلِهَذَا لَوْ مَضَتْ أَرْبَعَةُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ وَلَنَا مَا ذَكَرْنَا عَنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ إلَخْ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو نَصْرٍ الْأَقْطَعُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - دَلِيلُنَا قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ} [البقرة : 227] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَزِيمَةُ الطَّلَاقِ انْقِضَاءُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ لَا فَيْءَ فِيهَا فَإِنْ كَانَ قَالَ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ اللُّغَةِ فَهُوَ حُجَّةٌ فِيهَا وَإِنْ كَانَ بَيَّنَ هَذَا الِاسْمَ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ فَأَسْمَاءُ الشَّرْعِ إنَّمَا تُؤْخَذُ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ فَكَأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ الْأَقْطَعُ وَإِذَا ثَبَتَ وُقُوعُ الطَّلَاقِ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ وَأَنَّهُ يَكُونُ بَائِنًا لِأَنَّهَا فُرْقَةٌ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ وَالْفُرْقَةُ الْوَاقِعَةُ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ تَكُونُ بَائِنَةً ا هـ . (قَوْلُهُ وَجَعَلَهُ مُتَأَخِّرًا إلَى مُضِيِّ الْمُدَّةِ) أَيْ كَأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ . ا هـ . كَافِي ..

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَبَقِيَتْ لَوْ عَلَى الْأَبَدِ) قَالَ الْكَمَالُ إلَّا أَنْ تَكُونَ حَائِضًا فَلَيْسَ بِمُولٍ أَصْلًا ؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ بِالْحَيْضِ فَلَا يُضَافُ الْمَنْعُ إلَى الْيَمِينِ ا هـ . (قَوْلُهُ إلَّا أَنَّهُ لَا يَتَكَرَّرُ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ وَبَقِيَتْ لَوْ عَلَى الْأَبَدِ فَإِنَّهُ يَتَبَادَرُ مِنْهُ أَنَّهُ تَقَعُ أُخْرَى عِنْدَ مُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ أُخْرَى إذَا كَانَتْ لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا بَعْدُ . ا هـ . فَتْحٌ ..

(قَوْلُهُ وَقَدْ بَيَّنَّا ضَعْفَهُ) فَالْأَوْلَى اعْتِبَارُ الْإِطْلَاقِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ . ا هـ . فَتْحٌ

(2/263)


أَشْهُرٍ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ تَطْلُقُ . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ نَكَحَهَا بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ لَمْ تَطْلُقْ) أَيْ لَوْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ مَا بَانَتْ بِالْإِيلَاءِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَبَعْدَ مَا تَزَوَّجَتْ بِزَوْجٍ آخَرَ لَا تَطْلُقُ بِالْإِيلَاءِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ الْإِيلَاءَ بِمَنْزِلَةِ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ كَأَنَّهُ قَالَ كُلَّمَا مَضَى أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَلَا يَبْقَى بَعْدَ اسْتِيفَاءِ هَذَا الْمِلْكِ ؛ لِأَنَّ صِحَّتَهُ بِاعْتِبَارِ هَذَا الْمِلْكِ فِيهِ خِلَافُ زُفَرَ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ نَجَّزَ الثَّلَاثَ فِي الْحَالِ وَهِيَ فَرْعُ مَسْأَلَةِ التَّنْجِيزِ الْخِلَافِيَّةِ وَقَدْ مَرَّتْ مِنْ قَبْلُ ، وَلَوْ بَانَتْ بِالْإِيلَاءِ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ وَتَزَوَّجَتْ بِزَوْجٍ آخَرَ وَعَادَتْ إلَى الْأَوَّلِ عَادَتْ إلَيْهِ بِثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ وَتَطْلُقُ كُلَّمَا مَضَى أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ حَتَّى تَبِينَ مِنْهُ بِثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ ، وَكَذَا فِي الثَّانِي وَالثَّالِثِ إلَى مَا لَا يَتَنَاهَى وَفِيهِ خِلَافُ مُحَمَّدٍ وَهِيَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى مَسْأَلَةِ الْهَدْمِ وَقَدْ بَيَّنَّاهَا مِنْ قَبْلُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَلَوْ وَطِئَهَا كَفَّرَ لِبَقَاءِ الْيَمِينِ) أَيْ لَوْ وَطِئَهَا بَعْدَ مَا عَادَتْ إلَيْهِ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ كَفَّرَ عَنْ يَمِينِهِ ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ بَاقِيَةٌ فِي حَقِّ التَّكْفِيرِ وَإِنْ لَمْ تَبْقَ فِي حَقِّ الطَّلَاقِ فَيَتَحَقَّقُ الْحِنْثُ فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك فَتَزَوَّجَهَا لَا يَكُونُ بِذَلِكَ مُولِيًا وَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ إذَا قَرُبَهَا .
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا إيلَاءَ فِيمَا دُونَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ) يَعْنِي فِي الْحُرَّةِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى لَوْ حَلَفَ عَلَى أَقَلَّ مِنْهَا يَكُونُ مُولِيًا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ أَوَّلًا ثُمَّ رَجَعَ إلَى مَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ حِينَ بَلَغَهُ فَتْوَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمُولِيَ مَنْ لَا يُمْكِنُهُ قُرْبَانُهَا فِي الْمُدَّةِ إلَّا بِشَيْءٍ يَلْزَمُهُ فَيَكُونُ امْتِنَاعُهُ فِيهَا لِأَجْلِ ذَلِكَ الْمَانِعِ وَهُنَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَقْرَبَهَا فِي بَعْضِ الْمُدَّةِ مِنْ غَيْرِ لُزُومِ شَيْءٍ فَكَانَ الِامْتِنَاعُ فِي بَعْضِهَا مِنْ غَيْرِ مَانِعٍ فَصَارَ كَمَا إذَا امْتَنَعَ فِي الْمُدَّةِ كُلِّهَا بِلَا مَانِعٍ .
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك شَهْرَيْنِ وَشَهْرَيْنِ بَعْدَ هَذَيْنِ الشَّهْرَيْنِ إيلَاءٌ) أَيْ هَذَا الْقَوْلُ إيلَاءٌ فَيَكُونُ بِهِ مُولِيًا ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ بِحَرْفِ الْجَمْعِ كَالْجَمْعِ بِلَفْظِهِ ، وَلِهَذَا لَوْ قَالَ بِعْتُك بِأَلْفٍ إلَى شَهْرٍ وَشَهْرٍ كَانَ الْأَجَلُ شَهْرَيْنِ ، وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا يَوْمَيْنِ وَيَوْمَيْنِ كَانَ كَقَوْلِهِ لَا أُكَلِّمُهُ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ . وَقَوْلُهُ بَعْدَ هَذَيْنِ الشَّهْرَيْنِ وَقَعَ اتِّفَاقًا ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ شَهْرَيْنِ وَشَهْرَيْنِ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ وَالْأَصْلُ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّهُ مَتَى عَطَفَ مِنْ غَيْرِ إعَادَةِ حَرْفِ النَّفْيِ وَلَا تَكْرَارَ اسْمِ اللَّهِ يَكُونُ يَمِينًا وَاحِدًا وَلَوْ أَعَادَ حَرْفَ النَّفْيِ أَوْ كَرَّرَ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى يَكُونُ يَمِينَيْنِ وَتَتَدَاخَلُ مُدَّتُهُمَا بَيَانُهُ لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ زَيْدًا يَوْمَيْنِ وَلَا يَوْمَيْنِ يَكُونُ يَمِينَيْنِ وَمُدَّتُهُمَا وَاحِدَةٌ حَتَّى لَوْ كَلَّمَهُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ أَوْ الثَّانِي يَحْنَثُ فِيهِمَا وَتَجِبُ عَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ وَإِنْ كَلَّمَهُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ لَا يَحْنَثُ لِانْقِضَاءِ مُدَّتِهِمَا ، وَكَذَا لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ زَيْدًا يَوْمَيْنِ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ زَيْدًا يَوْمَيْنِ لِمَا ذَكَرْنَا ، وَلَوْ قَالَ اللَّهُ لَا أُكَلِّمُهُ يَوْمَيْنِ وَيَوْمَيْنِ كَانَ يَمِينًا وَاحِدًا وَمُدَّتُهُ أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ حَتَّى لَوْ كَلَّمَهُ فِيهَا تَجِبُ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُهُ يَوْمًا وَيَوْمَيْنِ كَانَتْ يَمِينًا وَاحِدَةً إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ حَتَّى لَوْ كَلَّمَهُ فِيهَا تَجِبُ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ ، وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُهُ يَوْمًا وَلَا يَوْمَيْنِ أَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُهُ يَوْمًا وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُهُ يَوْمَيْنِ يَكُونُ يَمِينَيْنِ فَمُدَّةُ الْأُولَى يَوْمٌ وَمُدَّةُ الثَّانِيَةِ يَوْمَانِ حَتَّى لَوْ كَلَّمَهُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ تَجِبُ عَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ وَفِي الْيَوْمِ الثَّانِي كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ ، وَلَوْ كَلَّمَهُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ لَا يَحْنَثُ لِانْقِضَاءِ مُدَّتِهِمَا وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك شَهْرَيْنِ وَلَا شَهْرَيْنِ أَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك شَهْرَيْنِ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك شَهْرَيْنِ لَا يَكُونُ مُولِيًا ؛ لِأَنَّهُمَا يَمِينَانِ فَتَتَدَاخَلُ مُدَّتُهُمَا حَتَّى لَوْ قَرُبَهَا قَبْلَ مُضِيِّ شَهْرَيْنِ تَجِبُ عَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ ، وَلَوْ قَرُبَهَا بَعْدَ مُضِيِّهِمَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ لِانْقِضَاءِ مُدَّتِهِمَا .

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ مَكَثَ يَوْمًا ثُمَّ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك شَهْرَيْنِ بَعْدَ الشَّهْرَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ أَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك سَنَةً إلَّا يَوْمًا أَوْ قَالَ بِالْبَصْرَةِ وَاَللَّهِ لَا أَدْخُلُ مَكَّةَ وَهِيَ بِهَا لَا) أَيْ لَا يَكُونُ مُولِيًا فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ كُلِّهَا أَمَّا الْأُولَى وَهِيَ مَا إذَا قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك شَهْرَيْنِ وَمَكَثَ يَوْمًا ثُمَّ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك شَهْرَيْنِ بَعْدَ الشَّهْرَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ فَلِأَنَّ الثَّانِيَ إيجَابٌ مُبْتَدَأٌ وَقَدْ صَارَ مَمْنُوعًا بَعْدَ الْيَمِينِ الْأُولَى شَهْرَيْنِ وَبَعْدَ الثَّانِيَةِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ إلَّا يَوْمًا مَكَثَ فِيهِ فَلَمْ تَتَكَامَلْ الْمُدَّةُ .
وَقَوْلُهُ بَعْدَ الشَّهْرَيْنِ هُنَا يُفِيدُ تَعْيِينَ مُدَّةِ الْيَمِينِ الثَّانِيَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقُلْ بَعْدَ الشَّهْرَيْنِ كَانَتْ مُدَّتُهُمَا وَاحِدَةً لِمَا ذَكَرْنَا وَكَانَتْ الثَّانِيَةُ تَتَأَخَّرُ عَنْ الْأُولَى انْقِضَاءً بِيَوْمٍ حَتَّى لَوْ كَانَتْ الْيَمِينُ مُطْلَقَةً بِأَنْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك ثُمَّ قَالَ بَعْدَ يَوْمٍ أَوْ بَعْدَ سَاعَةٍ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك كَانَ إيلَاءَيْنِ ، وَلَوْ قَالَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ كَانَتْ ثَلَاثَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ الْإِيلَاءَ بِمَنْزِلَةِ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ) يَعْنِي طَلْقَاتِ هَذَا الْمِلْكِ ا هـ . (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُهُ يَوْمًا وَلَا يَوْمَيْنِ) كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ يَمِينًا عَلَى حِدَةٍ صِيَانَةً لِحَرْفِ النَّفْيِ عَنْ الْإِلْغَاءِ فَكَأَنَّهُ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُهُ يَوْمًا وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُهُ يَوْمَيْنِ تَدَاخَلَ الْأَقَلُّ فِي الْأَكْثَرِ فَانْتَهَتْ الْيَمِينُ الْأُولَى وَالثَّانِيَةُ بِالْيَوْمَيْنِ وَلَمْ يَحْنَثْ بِالْكَلَامِ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ فَصَارَ الْيَوْمُ الْأَوَّلُ تَمَامَ مُدَّةِ الْيَمِينِ الْأُولَى وَنِصْفَ مُدَّةِ الْيَمِينِ الثَّانِيَةِ وَنَظِيرُ ذَلِكَ مَا أَوْرَدَهُ الشَّيْخُ أَبُو الْمُعِينِ النَّسَفِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ زَيْدًا وَلَا عَمْرًا فَكَلَّمَ أَحَدَهُمَا يَحْنَثُ وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ زَيْدًا وَعَمْرًا لَا يَحْنَثُ مَا لَمْ يُكَلِّمْهُمَا جَمِيعًا فَافْهَمْ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ ، وَلَوْ مَكَثَ يَوْمًا) لَفْظُ يَوْمًا لَيْسَ بِقَيْدٍ لَا فَرْقَ بَيْنَ مُكْثِهِ يَوْمًا أَوْ سَاعَةً . ا هـ . كَمَالٌ ..

(قَوْلُهُ أَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك سَنَةً إلَّا يَوْمًا) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ ، وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك سَنَةً إلَّا يَوْمًا لَمْ يَكُنْ مُولِيًا قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا أَيْ فِي الْحَالِ ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ مُولِيًا إذَا قَرُبَهَا يَوْمًا وَمَضَى ذَلِكَ الْيَوْمُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ وَبَقِيَ بَعْدَهُ إلَى تَمَامِ السَّنَةِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا فَإِنْ لَمْ يَبْقَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ لَا يَكُونُ مُولِيًا ، وَكَذَا إذَا قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك سَنَةً إلَّا مَرَّةً لَا يَكُونُ مُولِيًا إلَّا إذَا قَرُبَهَا مَرَّةً فَبَقِيَ بَعْدَ الْقُرْبَانِ مِنْ السَّنَةِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا وَعَلَى ذَلِكَ نَصَّ فِي الْمَبْسُوطِ وَشَرْحِ الطَّحَاوِيِّ ا هـ

(2/264)


إيلَاءَاتٍ فَبِتَمَامِ الْمُدَّةِ الْأُولَى يَقَعُ وَاحِدَةٌ ثُمَّ يَقَعُ بِالثَّانِيَةِ أُخْرَى إذَا كَانَتْ فِي الْعِدَّةِ وَلَوْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ مُولِيًا مِنْ وَقْتِ التَّزَوُّجِ فَإِذَا مَضَى أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ بَانَتْ بِوَاحِدَةٍ وَإِنْ انْعَقَدَ عَلَيْهَا ثَلَاثُ أَيْمَانٍ ؛ لِأَنَّ الْإِيلَاءَ يَنْعَقِدُ بِعَقْدِ التَّزَوُّجِ فَاتَّحَدَتْ مُدَّةُ انْعِقَادِ الثَّلَاثِ فَلَا يَنْعَقِدُ أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدٍ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِيرُ طَلَاقًا بِمَعْنَاهُ وَهُوَ الظُّلْمُ فَإِذَا اتَّحَدَتْ الْمُدَّةُ لَمْ يَتَحَقَّقْ إلَّا مَعْنًى وَاحِدٌ فَلَا يَتَعَدَّدُ الطَّلَاقُ لَكِنْ لَوْ قَرُبَهَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ ثَلَاثُ كَفَّارَاتٍ .
وَأَمَّا الثَّانِيَةُ وَهُوَ مَا إذَا قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك سَنَةً إلَّا يَوْمًا فَلِأَنَّ الْمُولِيَ مَنْ لَا يُمْكِنُهُ الْقُرْبَانُ فِي أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ إلَّا بِشَيْءٍ يَلْزَمُهُ وَهُنَا يُمْكِنُهُ الْقُرْبَانُ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ يَلْزَمُهُ ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى يَوْمٌ مُنَكَّرٌ فَلَهُ أَنْ يَجْعَلَهُ أَيَّ يَوْمٍ شَاءَ فَلَا يَمُرُّ عَلَيْهِ يَوْمٌ مِنْ أَيَّامِ السَّنَةِ إلَّا وَيُمْكِنُهُ أَنْ يَجْعَلَهُ هُوَ الْمُسْتَثْنَى وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ هُوَ يَصْرِفُ الِاسْتِثْنَاءَ إلَى آخِرِ السَّنَةِ اعْتِبَارًا بِالْإِجَارَةِ وَبِمَا إذَا قَالَ سَنَةً إلَّا نُقْصَانَ يَوْمٍ وَبِمَا إذَا أَدْخَلَ الدَّيْنَ إلَى سَنَةٍ إلَّا يَوْمًا قُلْنَا الْإِجَارَةُ تَبْطُلُ بِالْجَهَالَةِ فَوَجَبَ صَرْفُهُ إلَى الْأَخِيرِ احْتِرَازًا عَنْهُ بِخِلَافِ الْيَمِينِ فَإِنَّهَا لَا تَبْطُلُ بِالْجَهَالَةِ فَلَا حَاجَةَ إلَى تَرْكِ الْحَقِيقَةِ وَالنُّقْصَانُ يَكُونُ مِنْ الْآخَرِ وَالْمَقْصُودُ مِنْ تَأْجِيلِ الدَّيْنِ التَّأْخِيرُ فَلَوْ لَمْ يَنْصَرِفْ إلَى الْآخَرِ لَمَا حَصَلَ الْمَقْصُودُ
وَأَوْرَدَ فِي النِّهَايَةِ عَلَى هَذَا فَقَالَ لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا سَنَةً إلَّا يَوْمًا يَنْصَرِفُ إلَى آخِرِ السَّنَةِ مَعَ كَوْنِهِ مُسْتَثْنًى مُنَكَّرًا فِي الْيَمِينِ ثُمَّ أَجَابَ بِجَوَابٍ غَيْرِ شَافٍ فَقَالَ إنَّ الْحَامِلَ عَلَى الْيَمِينِ الْمُغَايَظَةُ وَهِيَ قَائِمَةٌ فِي الْحَالِ فَيَنْصَرِفُ الْمُسْتَثْنَى إلَى آخِرِ السَّنَةِ ، وَهَذَا غَيْرُ مُخَلِّصٍ ؛ لِأَنَّ الْحَامِلَ عَلَى الْيَمِينِ فِي الْإِيلَاءِ أَيْضًا غَيْظٌ قَائِمٌ فِي الْحَالِ فَبَطَلَ مَا ذُكِرَ مِنْ الْفَرْقِ فَإِنْ قَرُبَهَا يُنْظَرُ فَإِنْ بَقِيَ مِنْ السَّنَةِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ أَوْ أَكْثَرُ صَارَ مُولِيًا وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ كَانَتْ الْيَمِينُ مُطْلَقَةً بِأَنْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك إلَّا يَوْمًا لَا يَكُونُ مُولِيًا حَتَّى يَقْرَبَهَا فَإِنْ قَرُبَهَا صَارَ مُولِيًا
وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك سَنَةً إلَّا يَوْمًا أَقْرَبُك فِيهِ لَا يَكُونُ مُولِيًا أَبَدًا ؛ لِأَنَّهُ اسْتَثْنَى كُلَّ يَوْمٍ يَقْرَبُهَا فِيهِ فَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ مَمْنُوعًا أَبَدًا فَكَذَا لَوْ كَانَتْ الْيَمِينُ مُطْلَقَةً لِمَا ذَكَرْنَا . وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ وَهُوَ مَا إذَا كَانَ فِي الْبَصْرَةِ وَامْرَأَتُهُ فِي مَكَّةَ فَقَالَ وَاَللَّهِ لَا أَدْخُلُ مَكَّةَ فَلِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَقْرَبَهَا فِي الْمُدَّةِ بِغَيْرِ شَيْءٍ يُلْزِمُهُ بِأَنْ يُخْرِجَهَا مِنْ مَكَّةَ وَأَوْرَدَ عَلَى هَذَا فِي النِّهَايَةِ مَا لَوْ قَالَ لِنِسْوَتِهِ الْأَرْبَعِ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكُنَّ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُولِيًا مِنْ جَمِيعِهِنَّ فِي الْحَالِ وَإِنْ أَمْكَنَهُ قُرْبَانُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ يَلْزَمُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْنَثُ إلَّا بِقُرْبَانِ جَمِيعِهِنَّ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا وَفُلَانًا وَفُلَانًا حَيْثُ لَا يَحْنَثُ إلَّا إذَا كَلَّمَهُمْ كُلَّهُمْ وَأَجَابَ بِأَنَّ الْحَالِفَ مُتَعَنِّتٌ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ بِمَنْعِ حَقِّهَا فَكَأَنَّهُ عَقَدَ الْيَمِينَ عَلَيْهَا وَحْدَهَا إلَّا أَنَّ الْكَفَّارَةَ لَا تَجِبُ بِقُرْبَانِ بَعْضِهِنَّ ؛ لِأَنَّهَا مُوجِبُ الْحِنْثِ وَلَمْ يَحْنَثْ وَوُقُوعُ الطَّلَاقِ بِالْبِرِّ فِي الْمُدَّةِ وَقَدْ وُجِدَ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ فَتَطْلُقُ
وَقَالَ زُفَرُ لَا يَكُونُ مُولِيًا حَتَّى يَطَأَ الثَّلَاثَ مِنْهُنَّ فَيَكُونُ مُولِيًا مِنْ الرَّابِعَةِ وَحْدَهَا وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ قُرْبَانُ ثَلَاثٍ مِنْهُنَّ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ يَلْزَمُهُ . وَأَمَّا الرَّابِعَةُ فَلَا يُمْكِنُهُ قُرْبَانُهَا إلَّا بِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَيْهِ فَوُجِدَ شَرْطُ الْإِيلَاءِ فِيهَا وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ مَا بَيَّنَّاهُ .

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ حَلَفَ بِحَجٍّ أَوْ صَوْمٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ طَلَاقٍ أَوْ آلَى مِنْ الْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ فَهُوَ مُولٍ) وَصُورَةُ الْيَمِينِ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ أَنْ يَقُولَ إنْ قَرَبْتُك فَلِلَّهِ عَلَيَّ حَجَّةٌ أَوْ صَدَقَةٌ أَوْ صَوْمٌ أَوْ عِتْقُ عَبْدٍ أَوْ عَبْدُهُ الْمُعَيَّنُ حُرٌّ أَوْ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ هِيَ أَوْ غَيْرُهَا وَإِنَّمَا صَارَ مُولِيًا بِهِ ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ بِالْيَمِينِ قَدْ تَحَقَّقَ وَهُوَ ذِكْرُ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ وَهَذِهِ الْأَجْزِيَةُ مَانِعَةٌ مِنْ الْوَطْءِ فَصَارَ فِي مَعْنَى الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى بِخِلَافِ الْيَمِينِ بِالصَّلَاةِ وَالْغَزْوِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ ؛ لِأَنَّهُ يَسْهُلُ إيجَادُهُمَا فَلَا يَصْلُحَانِ مَانِعَيْنِ وَفِي عِتْقِ الْعَبْدِ الْمُعَيَّنِ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ هُوَ يَقُولُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَبِيعَهُ ثُمَّ يَقْرَبَهَا فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَهُمَا يَقُولَانِ إنَّ الْبَيْعَ مَوْهُومٌ فَلَا يَمْنَعُ الْمَانِعِيَّةُ فِي الْإِيلَاءِ وَهَذَا لِأَنَّ الْبَيْعَ لَا يَتِمُّ بِهِ وَحْدَهُ فَرُبَّمَا لَا يَجِدُ فِي الْمُدَّةِ مَنْ يَشْتَرِيهِ ، وَلَوْ بَاعَهُ سَقَطَ الْإِيلَاءُ بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ بِحَالٍ يَقْدِرُ عَلَى قُرْبَانِهَا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ يَلْزَمُهُ وَإِنْ اشْتَرَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ صَارَ مُولِيًا مِنْ وَقْتِ الشِّرَاءِ إنْ لَمْ يَكُنْ جَامَعَهَا بَعْدَ الْبَيْعِ قَبْلَ الشِّرَاءِ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ بِحَالٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى قُرْبَانِهَا إلَّا بِعِتْقٍ يَلْزَمُهُ ، وَلَوْ مَاتَ الْعَبْدُ قَبْلَ الْبَيْعِ سَقَطَ الْإِيلَاءُ لِقُدْرَتِهِ عَلَى قُرْبَانِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَلْزَمَهُ شَيْءٌ وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ مَوْتُ الْمَرْأَةِ الْمُعَلَّقِ طَلَاقُهَا بِالْقُرْبَانِ أَوْ إبَانَتُهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ بِأَنْ يُخْرِجَهَا مِنْ مَكَّةَ) أَيْ بِوَكِيلِهِ أَوْ نَائِبِهِ قَبْلَ مُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَيَقْرَبُهَا فَلَا يَتَحَقَّقُ مَعْنَى الْإِيلَاءِ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ ..

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَإِنْ حَلَفَ بِحَجٍّ إلَخْ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْيَمِينِ بِغَيْرِ اللَّهِ فَبَدَأَ بِذِكْرِ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ ا هـ . (قَوْلُهُ : بِخِلَافِ الْيَمِينِ بِالصَّلَاةِ وَالْغَزْوِ إلَخْ) صُورَةُ الْحَلِفِ بِالْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ أَنْ يُعَلِّقَهُمَا بِقُرْبَانِهَا ا هـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ . (قَوْلُهُ : عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ إلَخْ) وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَكُونُ مُولِيًا ؛ لِأَنَّهُ مَا لَا يَخْلُوَانِ عَنْ نَوْعِ مَشَقَّةٍ فَيَكُونَانِ مَانِعَيْنِ . ا هـ . رَازِيٌّ . (قَوْلُهُ : وَهُمَا يَقُولَانِ أَنَّ الْبَيْعَ مَوْهُومٌ) يَعْنِي : الْأَصْلُ عَدَمُ مَا يَحْدُثُ ا هـ

(2/265)


وَقَوْلُهُ أَوْ آلَى مِنْ الْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ فَهُوَ مُولٍ ؛ لِأَنَّ الزَّوْجِيَّةَ بَاقِيَةٌ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ فِي بَابِ الرَّجْعَةِ فَيَتَنَاوَلُهَا قَوْله تَعَالَى {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [البقرة : 226] الْآيَةَ فَإِنْ قِيلَ وُقُوعُ الطَّلَاقِ بِالْإِيلَاءِ بِطَرِيقِ الْمُجَازَاةِ لِكَوْنِهِ ظَلَمَهَا بِمَنْعِهَا حَقَّهَا فِي الْجِمَاعِ وَالْمُطَلَّقَةُ الرَّجْعِيَّةُ لَيْسَ لَهَا حَقٌّ فِيهِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ قُرْبَانُهَا لَا قَضَاءً وَلَا دِيَانَةً ، وَلِهَذَا لَا تَمْلِكُ مُطَالَبَتَهُ بِهِ فَكَيْفَ يَتَحَقَّقُ جَزَاءُ الظُّلْمِ فِي حَقِّهَا قُلْنَا إنَّ الْحُكْمَ فِي الْمَنْصُوصِ مُضَافٌ إلَى النَّصِّ لَا إلَى الْمَعْنَى وَالْمُطَلَّقَةُ الرَّجْعِيَّةُ مِنْ نِسَائِنَا بِالنَّصِّ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} [البقرة : 228] وَالْبَعْلُ هُوَ الزَّوْجُ فَكَانَ الْحُكْمُ الْمُرَتَّبُ عَلَى نِسَاءِ الْأَزْوَاجِ شَامِلًا لَهَا فَلَوْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا قَبْلَ مُضِيِّ مُدَّةِ الْإِيلَاءِ بَطَلَ الْإِيلَاءُ لِعَدَمِ الْمَحَلِّ .
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمِنْ الْمُبَانَةِ وَالْأَجْنَبِيَّةِ لَا) أَيْ لَوْ آلَى مِنْ الْمُطَلَّقَةِ الْبَائِنَةِ أَوْ مِنْ الْأَجْنَبِيَّةِ لَا يَكُونُ مُولِيًا ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ الْإِيلَاءِ مَنْ يَكُونُ مِنْ نِسَائِنَا بِالنَّصِّ وَهِيَ لَيْسَتْ مِنْهَا فَلَمْ يَنْعَقِدْ مُوجِبًا لِلطَّلَاقِ أَصْلًا حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَكُونُ مُولِيًا ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي مَخْرَجِهِ وَقَعَ بَاطِلًا لِعَدَمِ الْمَحَلِّيَّةِ فَلَا يَنْقَلِبُ صَحِيحًا ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْإِيلَاءَ بِمَنْزِلَةِ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ فَلَا يَصِحُّ إلَّا فِي الْمِلْكِ أَوْ مُضَافًا إلَى الْمِلْكِ بِأَنْ قَالَ إنْ تَزَوَّجْتُك فَوَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك وَلَمْ يُوجَدْ ، وَلَوْ وَطِئَهَا كَفَّرَ عَنْ يَمِينِهِ ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ مُنْعَقِدَةٌ فِي حَقِّ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عِنْدَ الْحِنْثِ ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ تَعْتَمِدُ التَّصَوُّرَ دُونَ الْحِلِّ ؛ لِأَنَّهَا تُعْقَدُ لِلْمَنْعِ عَنْ الْحَرَامِ .

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمُدَّةُ إيلَاءِ الْأَمَةِ شَهْرَانِ) لِأَنَّهَا ضَرَبَتْ أَجَلًا لِلْبَيْنُونَةِ فَتَتَنَصَّفُ بِالرِّقِّ كَمُدَّةِ الْعِدَّةِ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مُدَّتُهَا كَمُدَّةِ إيلَاءِ الْحُرَّةِ ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْمُدَّةَ ضُرِبَتْ لِإِظْهَارِ الظُّلْمِ بِمَنْعِ الْحَقِّ فِي الْجِمَاعِ عِنْدَهُ وَالْحُرَّةُ وَالْأَمَةُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ وَعِنْدَنَا ضَرَبَتْ أَجَلًا لِلْبَيْنُونَةِ فَشَابَهَتْ مُدَّةَ الْعِدَّةِ فَتَتَنَصَّفُ بِالرِّقِّ لِكَوْنِهَا مِنْ حُقُوقِ النِّكَاحِ .

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ عَجَزَ الْمُولِي عَنْ وَطْئِهَا بِمَرَضِهِ أَوْ مَرَضِهَا أَوْ بِالرَّتَقِ أَوْ بِالصِّغَرِ أَوْ بِبُعْدِ مَسَافَةٍ فَفَيْؤُهُ أَنْ يَقُولَ فِئْت إلَيْهَا) هَذَا إذَا كَانَ عَاجِزًا مِنْ وَقْتِ الْإِيلَاءِ إلَى أَنْ تَمْضِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ حَتَّى لَوْ آلَى مِنْهَا وَهُوَ قَادِرٌ ثُمَّ عَجَزَ عَنْ الْوَطْءِ بَعْدَ ذَلِكَ لِمَرَضٍ أَوْ بُعْدِ مَسَافَةٍ أَوْ حَبْسٍ أَوْ جَبٍّ أَوْ أَسْرِ عَدُوٍّ وَنَحْوِ ذَلِكَ أَوْ كَانَ عَاجِزًا حِينَ آلَى وَزَالَ الْعَجْزُ فِي الْمُدَّةِ لَمْ يَصِحَّ فَيْؤُهُ بِاللِّسَانِ ؛ لِأَنَّهُ خَلَفٌ عَنْ الْجِمَاعِ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَجْزُ الْمُسْتَوْعِبُ لِلْمُدَّةِ ، وَلَوْ آلَى مِنْهَا وَهُوَ مَرِيضٌ وَبَانَتْ بِمُضِيِّ مُدَّةِ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ثُمَّ صَحَّ وَتَزَوَّجَهَا وَهُوَ مَرِيضٌ فَفَاءَ بِلِسَانِهِ لَمْ يَصِحَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَصَحَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ الْأَصَحُّ عَلَى مَا قَالُوا ؛ لِأَنَّ الْإِيلَاءَ وُجِدَ مِنْهُ وَهُوَ مَرِيضٌ وَعَادَ حُكْمُهُ وَهُوَ مَرِيضٌ
وَفِي زَمَانِ الصِّحَّةِ هِيَ مُبَانَةٌ لَا حَقَّ لَهَا فِي الْوَطْءِ فَلَا يَعُودُ فِيهِ حُكْمُ الْإِيلَاءِ وَهُمَا يَقُولَانِ بِتَقْصِيرٍ مِنْهُ فَإِنَّهُ كَانَ يُمْكِنُهُ الْفَيْءُ بِاللِّسَانِ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ وَلَا تَبِينُ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَصِحُّ الْفَيْءُ بِاللِّسَانِ أَصْلًا وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الطَّحَاوِيُّ ؛ لِأَنَّهُ ظَلَمَهَا بِمَنْعِ حَقِّهَا وَهُوَ الْوَطْءُ فَيَكُونُ إيفَاؤُهُ بِهِ ، وَلِهَذَا لَا يَحْنَثُ بِهِ ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالْفَيْءِ حُكْمَانِ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ وَامْتِنَاعُ حُكْمِ الْفُرْقَةِ وَالْفَيْءُ بِاللِّسَانِ لَا يُعْتَبَرُ فِي حَقِّ أَحَدِ الْحُكْمَيْنِ فَكَذَا فِي حَقِّ الْحُكْمِ الْآخَرِ وَمَذْهَبُنَا مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَكَفَى بِهِمَا قُدْوَةً ، وَلِأَنَّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ عِنْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ بِاعْتِبَارِ التَّعَنُّتِ وَالْإِضْرَارِ بِهَا وَذَلِكَ يَنْعَدِمُ بِالْفَيْءِ بِاللِّسَانِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْفَيْءِ بِالْجِمَاعِ فَكَانَ الْفَيْءُ بِالْجِمَاعِ أَصْلًا وَبِاللِّسَانِ خَلَفًا ؛ لِأَنَّ الْفَيْءَ عِبَارَةٌ عَنْ الرُّجُوعِ وَذَلِكَ يُوجَدُ بِهِمَا وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ حَقَّهَا فِي الْجِمَاعِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَهِيَ حَالَةُ الْعَجْزِ بَلْ نَقُولُ إنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْجِمَاعِ فَحَقُّهَا فِيهِ فَكَانَ قَصْدُهُ الْإِضْرَارَ بِهَا بِمَنْعِهِ نَفْسَهُ عَنْهُ
وَإِنْ كَانَ عَاجِزًا فَلَيْسَ لَهَا حَقٌّ فِي الْجِمَاعِ وَإِنَّمَا قَصَدَ إيحَاشَهَا وَإِضْرَارَهَا بِهِ فَيَكُونُ فَيْؤُهُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ بِإِزَالَةِ مَا قَصَدَ لِأَنَّ التَّوْبَةَ بِحَسَبِ الْجِنَايَةِ ، وَلَوْ كَانَ وُقُوعُ الطَّلَاقِ بِاعْتِبَارِ مَنْعِ حَقِّهَا فِي الْجِمَاعِ فَقَطْ لَمَا كَانَ مُولِيًا فِي حَالَةِ الْعَجْزِ عَنْهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهَا فِيهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ ، وَلِهَذَا لَمْ تَمْلِكْ مُطَالَبَتَهُ بِهِ فَلَمْ يَكُنْ بِامْتِنَاعِهِ عَنْهُ ظَالِمًا وَمِنْ النَّاسِ مَنْ لَا يُجَوِّزُ الْإِيلَاءَ مِنْ الْمَجْبُوبِ وَكَذَا مِنْ امْرَأَتِهِ الْقَرْنَاءِ وَالرَّتْقَاءِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْجِمَاعُ فَلَا يَكُونُ ظَالِمًا بِامْتِنَاعِهِ وَالطَّلَاقُ جَزَاءُ الظُّلْمِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ : أَوْ آلَى مِنْ الْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ فَهُوَ مُولٍ) أَيْ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ . ا هـ . فَتْحٌ . (قَوْلُهُ وَالْبَعْلُ هُوَ الزَّوْجُ) أَيْ حَقِيقَةً فَكَانَتْ مِنْ نِسَائِهِ فَيَشْمَلُهَا نَصُّ الْإِيلَاءِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَثْبُتُ الْإِيلَاءُ وَإِنْ أَسْقَطَتْ حَقَّهَا فِي الْجِمَاعِ لِحَقِّ الْغَيْلِ عَلَى وَلَدٍ أَوْ غَيْرِهِ فَعُلِمَ أَنَّ التَّعْلِيلَ بِالظُّلْمِ بِاعْتِبَارِ بِنَاءِ الْأَحْكَامِ عَلَى الْغَالِبِ . ا هـ . فَتْحٌ . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَمِنْ الْمُبَانَةِ إلَخْ) وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ مُولِيًا مِنْ الْمُبَانَةِ الْمُعْتَدَّةِ ؛ لِأَنَّ الْإِيلَاءَ طَلَاقٌ بَائِنٌ مُعَلَّقٌ وَبَعْدَ الْإِبَانَةِ لَا يَمْلِكُ الطَّلَاقَ الْبَائِنَ ؛ لِأَنَّهُ لَهَا وَلَا تَنْجِيزًا ؛ لِأَنَّ الْبَائِنَ لَا يَلْحَقُ الْبَائِنَ لِانْتِقَاءِ الزَّوْجِيَّةِ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ . (قَوْلُهُ بِأَنْ قَالَ إنْ تَزَوَّجْتُك فَوَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك إلَخْ) إلَّا أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ الْإِيلَاءُ إلَّا عَقِيبَ التَّزَوُّجِ بِهَا ؛ لِأَنَّهَا إذْ ذَاكَ تَصِيرُ مَحَلًّا لَا قَبْلَهُ . ا هـ . كَمَالٌ ..

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمُدَّةُ إيلَاءِ الْأَمَةِ إلَخْ) وَعَنَى بِالْأَمَةِ الْمَنْكُوحَةَ ؛ لِأَنَّ الْإِيلَاءَ مِنْ أَمَتِهِ لَا يَصِحُّ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ . (قَوْلُهُ وَعِنْدَنَا ضُرِبَتْ أَجَلًا إلَخْ) لَنَا أَنَّ هَذِهِ مُدَّةٌ مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا بِلَفْظِ التَّرَبُّصِ كَمُدَّةِ الْعِدَّةِ قَالَ تَعَالَى {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} [البقرة : 226] ، وَقَالَ تَعَالَى {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة : 228] ا هـ ..

(قَوْلُهُ وَلَوْ آلَى مِنْهَا وَهُوَ مَرِيضٌ) أَيْ إيلَاءً مُؤَبَّدًا . ا هـ . فَتْحٌ . (قَوْلُهُ وَالْفَيْءُ بِاللِّسَانِ لَا يُعْتَبَرُ فِي حَقِّ أَحَدِ الْحُكْمَيْنِ) أَيْ : وَهُوَ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ . (قَوْلُهُ فَكَذَا فِي حَقِّ الْحُكْمِ الْآخَرِ) أَيْ : وَهُوَ امْتِنَاعُ وُقُوعِ الْفُرْقَةِ ا هـ (فَرْعٌ) لَوْ كَانَ الْمَانِعُ شَرْعِيًّا بَانَ الْحُكْمُ مُحَرَّمًا وَآلَى وَقْتَ أَفْعَالِ الْحَجِّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا فَالْفَيْءُ بِالْجِمَاعِ وَعِنْدَ زُفَرَ بِاللِّسَانِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ مَانِعٌ مِنْ الْجِمَاعِ شَرْعًا فَثَبَتَ الْعَجْزُ فَكَانَ فَيْؤُهُ بِاللِّسَانِ وَهُمْ اعْتَبَرُوا الْعَجْزَ الْحَقِيقِيَّ وَهُوَ مُنْتَفٍ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَسَبِّبُ بِاخْتِيَارِهِ بِطَرِيقٍ مَحْظُورٍ فِيمَا لَزِمَهُ فَلَا يَسْتَحِقُّ تَخْفِيفًا . ا هـ . فَتْحٌ ..

(2/266)


وَجَوَابُهُ مَا ذَكَرْنَا ، وَلِأَنَّ النَّصَّ يَقْتَضِي صِحَّةَ الْإِيلَاءِ مِنْ النِّسَاءِ مُطْلَقًا غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِوَصْفِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْجِمَاعِ
فَلَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُهُ إمَّا لِأَنَّ فِيهِ تَقْيِيدَ الْمُطْلَقِ وَهُوَ نَسْخٌ فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِمِثْلِهِ أَوْ ؛ لِأَنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ فِيهِ إبْطَالُ حُكْمِ النَّصِّ وَالتَّعْلِيلُ عَلَى وَجْهٍ يُبْطِلُ حُكْمَ النَّصِّ بَاطِلٌ بَلْ لَا يَجُوزُ تَعْلِيلُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُبْطِلًا لَهُ ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ فِي الْمَنْصُوصِ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ لَا بِالتَّعْلِيلِ وَإِنَّمَا التَّعْلِيلُ لِإِلْحَاقِ غَيْرِهِ بِهِ ، وَلِهَذَا لَمْ يَجُزْ التَّعْلِيلُ بِالْعِلَّةِ الْقَاصِرَةِ لِعَدَمِ التَّعَدِّي ، وَلَوْ قَرُبَهَا بَعْدَ مَا فَاءَ بِلِسَانِهِ كَفَّرَ عَنْ يَمِينِهِ لِتَحَقُّقِ الْحِنْثِ بِهِ لِأَنَّ يَمِينَهُ بَاقِيَةٌ فِي حَقِّ الْحِنْثِ وَإِنْ بَطَلَتْ فِي حَقِّ الطَّلَاقِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ قَدَرَ فِي الْمُدَّةِ فَفَيْؤُهُ الْوَطْءُ) أَيْ إنْ قَدَرَ عَلَى الْجِمَاعِ فِي مُدَّةِ الْإِيلَاءِ بَعْدَمَا فَاءَ إلَيْهَا بِاللِّسَانِ بَطَلَ ذَلِكَ الْفَيْءُ وَكَانَ فَيْؤُهُ بِالْجِمَاعِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْفَيْءَ بِاللِّسَانِ خَلَفٌ عَنْ الْفَيْءِ بِالْجِمَاعِ فَإِذَا قَدَرَ عَلَى الْأَصْلِ قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْبَدَلِ بَطَلَ كَالْمُتَيَمِّمِ إذَا رَأَى الْمَاءَ .

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ إيلَاءٌ إنْ نَوَى التَّحْرِيمَ أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا وَظِهَارٌ إنْ نَوَاهُ وَكَذِبٌ إنْ نَوَى الْكَذِبَ وَبَائِنَةٌ إنْ نَوَى الطَّلَاقَ وَثَلَاثٌ إنْ نَوَاهُ) ، وَهَذَا مُجْمَلٌ يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى التَّفْصِيلِ فَنَقُولُ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ سُئِلَ عَنْ نِيَّتِهِ ؛ لِأَنَّهُ مُجْمَلٌ فَكَانَ بَيَانُهُ إلَى الْمُجْمَلِ فَإِنْ قَالَ أَرَدْت بِهِ التَّحْرِيمَ أَوْ لَمْ أُرِدْ بِهِ شَيْئًا فَهُوَ يَمِينٌ يَصِيرُ بِهِ مُولِيًا ؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَ الْحَلَالِ يَمِينٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم : 1] ثُمَّ قَالَ {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم : 2] وَإِنْ نَوَى الظِّهَارَ فَهُوَ ظِهَارٌ ؛ لِأَنَّ الظِّهَارَ فِيهِ حُرْمَةٌ فَإِذَا نَوَاهُ صَحَّ ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُهُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَكُونُ ظِهَارًا لِعَدَمِ رُكْنِهِ وَهُوَ تَشْبِيهُ الْمُحَلَّلَةِ بِالْمُحَرَّمَةِ وَإِنْ قَالَ أَرَدْت الْكَذِبَ فَهُوَ كَمَا قَالَ ؛ لِأَنَّهُ وَصَفَ الْمُحَلَّلَةَ بِالْحُرْمَةِ فَكَانَ كَذِبًا حَقِيقَةً فَإِذَا نَوَاهُ صُدِّقَ لِأَنَّهُ حَقِيقَةُ كَلَامِهِ وَقِيلَ لَا يُصَدَّقُ ؛ لِأَنَّهُ يَمِينٌ ظَاهِرًا فَلَا يُصَدَّقُ فِي الصَّرْفِ إلَى غَيْرِهِ
وَإِنْ قَالَ أَرَدْت الطَّلَاقَ فَهُوَ تَطْلِيقَةٌ بَائِنَةٌ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الثَّلَاثَ وَقَدْ مَرَّ فِي الْكِنَايَاتِ وَقِيلَ يُصْرَفُ التَّحْرِيمُ إلَى الطَّلَاقِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ لِلْعُرْفِ لَا سِيَّمَا فِي زَمَانِنَا ، وَذَكَرَ فِي الْفَتَاوَى إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ وَالْحَرَامُ عِنْدَهُ طَلَاقٌ وَلَكِنْ لَمْ يَنْوِ طَلَاقًا وَقَعَ الطَّلَاقُ ، وَهَذَا يَدُلُّك عَلَى أَنَّ الِاعْتِبَارَ لِلْعُرْفِ وَعُرْفُ النَّاسِ الْيَوْمَ إطْلَاقُهُ عَلَى الطَّلَاقِ ، وَلِهَذَا لَا يَحْلِفُ بِهِ إلَّا الرِّجَالُ وَعَنْ هَذَا قَالُوا لَوْ نَوَى غَيْرَهُ لَا يُصَدَّقُ قَضَاءً ، وَلَوْ كَانَتْ لَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا يَقَعُ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ وَقِيلَ تَطْلُقُ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ وَإِلَيْهِ الْبَيَانُ وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَالْأَشْبَهُ .

(بَابُ الْخُلْعِ)
الْخُلْعُ النَّزْعُ وَالْفَصْلُ لُغَةً يُقَالُ خَلَعَ نَعْلَهُ خُلْعًا وَخَلَعَ ثَوْبَهُ أَيْ نَزَعَهُ وَخَالَعَتْ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا إذَا افْتَدَتْ نَفْسَهَا مِنْهُ بِمَالٍ وَخَالَعَهَا وَتَخَالَعَا تَشْبِيهًا لِفِرَاقِهِمَا بِنَزْعِ الثِّيَابِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِبَاسُ الْآخَرِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} [البقرة : 187] وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ أَخْذِ الْمَالِ بِإِزَاءِ مِلْكِ النِّكَاحِ بِلَفْظِ الْخُلْعِ وَشَرْطُهُ شَرْطُ الطَّلَاقِ وَحُكْمُهُ وُقُوعُ الطَّلَاقِ الْبَائِنِ وَصِفَتُهُ يَمِينٌ مِنْ جِهَتِهِ مُعَاوَضَةٌ مِنْ جِهَتِهَا وَهُوَ مَشْرُوعٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة : 229] ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْخُلْعُ تَطْلِيقَةٌ بَائِنَةٌ» وَقَدْ أَجْمَعَتْ الصَّحَابَةُ عَلَى ذَلِكَ ، وَلِأَنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ حَقُّهُ فَجَازَ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ كَالْقِصَاصِ ، وَقَالَ الْمُزَنِيّ الْخُلْعُ غَيْرُ جَائِزٍ وَزَعَمَ أَنَّ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ} [النساء : 20] الْآيَةَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ وَإِنْ نَوَى الظِّهَارَ فَهُوَ ظِهَارٌ) أَيْ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَطْلَقَ الْحُرْمَةَ وَهِيَ أَنْوَاعٌ وَالظِّهَارُ مِنْهَا فَإِذَا نَوَاهُ بِهَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ مِنْ مُحْتَمِلِهِ ا هـ . (قَوْلُهُ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ وَالْحَرَامُ عِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ الْقَائِلِ ا هـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ . (قَوْلُهُ وَقِيلَ تَطْلُقُ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ وَإِلَيْهِ الْبَيَانُ) قَالَ فِي الْكَافِي فِي أَثْنَاءِ مَا يَكُونُ يَمِينًا وَمَا لَا يَكُونُ يَمِينًا ، وَلَوْ قَالَ حَلَالُ اللَّهِ عَلَيَّ حَرَامٌ وَلَهُ امْرَأَتَانِ يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَى وَاحِدَةٍ وَإِلَيْهِ الْبَيَانُ فِي الْأَظْهَرِ كَقَوْلِهِ امْرَأَتِي طَالِقٌ وَلَهُ امْرَأَتَانِ أَوْ أَكْثَرُ وَفِي كَلَامِ الشَّارِحِ غُمُوضٌ فِي تَصْوِيرِهَا ا هـ .

(بَابُ الْخُلْعِ) قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة : التَّجْرِيدُ وَمُطْلَقُ لَفْظِ الْخُلْعِ مَحْمُولٌ عَلَى الطَّلَاقِ بِعِوَضٍ حَتَّى لَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ اخْلَعْ امْرَأَتِي فَخَلَعَهَا بِغَيْرِ عِوَضٍ لَمْ يَصِحَّ ا هـ وَفِيهَا نَقْلًا عَنْ السِّرَاجِيَّةِ طَلَّقَهَا بَعْدَ الْخُلْعِ عَلَى مَالٍ طَلُقَتْ وَلَمْ يَجِبْ الْمَالُ ا هـ قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ وَهُوَ فِي إزَالَةِ الزَّوْجِيَّةِ بِضَمِّ الْخَاءِ وَإِزَالَةِ غَيْرِهَا بِفَتْحِهَا كَمَا اخْتَصَّ إزَالَةَ قَيْدِ النِّكَاحِ بِالطَّلَاقِ وَفِي غَيْرِهِ بِالْإِطْلَاقِ ا هـ . (قَوْلُهُ : وَخَالَعَهَا وَتَخَالَعَا تَشْبِيهًا) قَالَ الْكَمَالُ صِيغَ مِنْهَا الْمُفَاعَلَةُ مُلَاحَظَةً لِمُلَابَسَةِ كُلٍّ لِلْآخَرِ كَالثَّوْبِ ا هـ . (قَوْلُهُ وَشَرْطُهُ شَرْطُ الطَّلَاقِ) أَيْ وَهُوَ الْأَهْلُ وَالْمَحَلُّ ا هـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ . (قَوْلُهُ : وُقُوعُ الطَّلَاقِ الْبَائِنِ) أَيْ : عِنْدَنَا . ا هـ . (قَوْلُهُ وَصِفَتُهُ يَمِينٌ مِنْ جِهَتِهِ مُعَاوَضَةٌ مِنْ جِهَتِهَا إلَخْ) فَتُرَاعَى أَحْكَامُ الْيَمِينِ مِنْ جَانِبِهِ وَأَحْكَامُ الْمُعَاوَضَةِ مِنْ جَانِبِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا هُوَ يَمِينٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَسَيَأْتِي ثَمَرَةُ الْخِلَافِ ا هـ فَتْحٌ . (قَوْلُهُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ) أَيْ : وَالْمَعْقُولُ . ا هـ . كَافِي . (قَوْلُهُ : أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {فَلا جُنَاحَ} [البقرة : 158] إلَخْ) وَالْآيَةُ نَزَلَتْ فِي ثَابِتٍ وَامْرَأَتِهِ وَهُوَ أَوَّلُ خُلْعٍ وَقَعَ فِي الْإِسْلَامِ كَذَا فِي الْكَشَّافِ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ . (قَوْلُهُ فَجَازَ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ إلَخْ) وَسَوَاءٌ كَانَ بِلَفْظِ الْخُلْعِ أَوْ الطَّلَاقِ أَوْ الْمُبَارَأَةِ أَوْ الْبَيْعِ بِأَنْ يَقُولَ خَلَعْتُك عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ أَوْ طَلَّقْتُك عَلَى أَلْفٍ أَوْ بَارَأْتُك أَوْ بِعْت نَفْسَك أَوْ طَلَاقُك عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ وَفِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ إلَّا بِقَبُولِهَا فِي الْمَجْلِسِ ؛ لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ وَالْمُعَاوَضَةُ لَا تَتِمُّ إلَّا بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ ؛ لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ وَتَمَلُّكٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَلَزِمَهَا الْمَالُ لِالْتِزَامِهَا وَهِيَ مِنْ أَهْلِهِ لِوِلَايَتِهَا عَلَى نَفْسِهَا . ا هـ . كَافِي . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ هُوَ الْفَصْلُ مِنْ النِّكَاحِ) لَيْسَ هَذَا فِي خَطِّ الشَّارِحِ وَاَلَّذِي بِخَطِّ الرَّازِيّ هُوَ الْفَصْلُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ ا هـ ..

(2/267)


قُلْنَا شَرْطُ النَّسْخِ الْعِلْمُ بِتَأَخُّرِ النَّاسِخِ وَتَعَذُّرِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا وَلَمْ يُوجَدَا ، وَلِأَنَّ النَّهْيَ مُقَيَّدٌ بِإِرَادَةِ الزَّوْجِ اسْتِبْدَالَ غَيْرِهَا مَكَانَهَا وَالْآيَةُ الْأُولَى مُطْلَقَةٌ فَلَا يَصِحُّ دَعْوَى نَسْخِهَا بِهَا مُطْلَقًا ، وَلِأَنَّ النَّهْيَ لَا يَعْدِمُ الْمَشْرُوعِيَّةَ فِي الْأَفْعَالِ الشَّرْعِيَّةِ فَلَا نُسَلِّمُ نَسْخَهَا ، وَقَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ لَا يَجُوزُ الْخُلْعُ إلَّا إذَا كَرِهَتْهُ الْمَرْأَةُ وَخَافَتْ أَنْ لَا تُوَفِّيَهُ حَقَّهُ أَوْ لَا يُوَفِّيَهَا حَقَّهَا وَمَنَعُوا إذَا كَرِهَهَا الزَّوْجُ لِمَا تَلَوْنَا وَجَوَابُهُ مَا ذَكَرْنَاهُ ، وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ إذَا تَشَاقَّ الزَّوْجَانِ وَخَافَا أَنْ لَا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ تَفْتَدِيَ نَفْسَهَا مِنْهُ بِمَالٍ يَخْلَعُهَا بِهِ أَخْرَجَهُ مَخْرَجَ الْعَادَةِ أَوْ الْأَوْلَوِيَّةِ لَا مَخْرَجَ الشَّرْطِ وَأَرَادَ بِالْخَوْفِ الْعِلْمَ وَالتَّيَقُّنَ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ الْعِلْمُ قَالَ الشَّاعِرُ
إذَا مِتَّ فَادْفِنِي إلَى جَنْبِي كَرْمَةً ... تُرْوِي عِظَامِي بَعْدَ مَوْتِي عُرُوقُهَا
وَلَا تَدْفِنَنِّي فِي الْفَلَاةِ فَإِنَّنِي ... أَخَافُ إذَا مَا مِتَّ أَنْ لَا أَذُوقَهَا
أَيْ أَعْلَمُ وَأَتَيَقَّنُ ، وَلِهَذَا رَفَعَهُ وَالتَّشَاقُّ الِاخْتِلَافُ وَالتَّخَاصُمُ مُشْتَقٌّ مِنْ الشَّقِّ وَهُوَ الْجَانِبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَأْخُذُ شَقًّا خِلَافَ شَقِّ صَاحِبِهِ وَحُدُودُ اللَّهِ تَعَالَى مَا يَلْزَمُهُمَا مِنْ مُوَاجَبِ الزَّوْجِيَّةِ .

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (الْوَاقِعُ بِهِ وَبِالطَّلَاقِ عَلَى مَالٍ طَلَاقٌ بَائِنٌ) يَعْنِي الْوَاقِعُ بِالْخُلْعِ وَبِالطَّلَاقِ الصَّرِيحِ إذَا كَانَ بِعِوَضٍ يَكُونُ بَائِنًا ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ مَلَكَ الْعِوَضَ فَوَجَبَ أَنْ تَمْلِكَ هِيَ الْمُعَوَّضَ تَحْقِيقًا لِلْمُسَاوَاةِ وَذَلِكَ بِالْبَائِنِ ، وَكَذَا إذَا وَقَعَ بِلَفْظِ الْبَيْعِ أَوْ الْمُبَارَأَةِ كَانَ بَائِنًا ؛ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ ، وَلِهَذَا يُشْتَرَطُ قَبُولُهَا فِي الْمَجْلِسِ وَهِيَ تَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ، وَلَوْ قَالَ لَمْ أَعْنِ الطَّلَاقَ لَمْ يُصَدَّقْ ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الْعِوَضِ أَمَارَةٌ صَادِقَةٌ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ الطَّلَاقُ ، وَلَوْ لَمْ يَذْكُرْ الْعِوَضَ يُصَدَّقُ فِي لَفْظِ الْخُلْعِ وَالْمُبَارَأَةِ ؛ لِأَنَّهُمَا كِنَايَتَانِ وَلَا يُصَدَّقُ فِي لَفْظِ الطَّلَاقِ وَالْبَيْعِ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَفِي قَوْلِ الشَّافِعِيِّ الْقَدِيمِ الْخُلْعُ فَسْخٌ وَلَيْسَ بِطَلَاقٍ يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ اسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة : 229] بَعْدَ قَوْله تَعَالَى {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة : 229] إلَى أَنْ قَالَ {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة : 230] فَلَوْ كَانَ الْخُلْعُ طَلَاقًا لَصَارَتْ التَّطْلِيقَاتُ أَرْبَعًا ، وَلِأَنَّ النِّكَاحَ عَقْدٌ يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ حَتَّى يُفْسَخَ بِخِيَارِ الْعِتْقِ وَعَدَمِ الْكَفَاءَةِ وَالْبُلُوغِ فَكَذَا بِالتَّرَاضِي وَلَنَا مَا رَوَيْنَا وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا ، وَلِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ بَعْدَ التَّمَامِ ، وَلِهَذَا لَا يَنْفَسِخُ بِالْهَلَاكِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَبِخِلَافِ مَا ذُكِرَ مِنْ الصُّوَرِ ؛ لِأَنَّهُ فَسْخٌ قَبْلَ التَّمَامِ وَالْكَلَامُ فِيمَا بَعْدَهُ ، وَلِأَنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ ثَابِتٌ ضَرُورَةً فَلَا يَظْهَرُ إلَّا فِي حَقِّ الِاسْتِيفَاءِ وَلَا حَاجَةَ إلَى اعْتِبَارِهِ فِي حَقِّ الْفَسْخِ ، وَلِأَنَّ لَفْظَ الْخُلْعِ كِنَايَةٌ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ طَلَاقًا كَمَا إذَا لَمْ يُسَمِّ مَالًا وَقَدْ رَجَعَ ابْنُ عَبَّاسٍ إلَى قَوْلِ الْجَمَاعَةِ ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْآيَةُ تَشْهَدُ لَنَا ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ الطَّلْقَتَيْنِ بِغَيْرِ عِوَضٍ أَوَّلًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة : 229] الْآيَةَ ثُمَّ ذَكَرَ الِافْتِدَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ فِعْلِهَا وَلَمْ يَذْكُرْ فِعْلَ الزَّوْجِ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ فِعْلَهُ هُوَ الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَهُوَ الطَّلَاقُ الْأَوَّلُ بِعَيْنِهِ لَكِنَّهُ بِعِوَضٍ ثُمَّ حَرَّمَهَا عَلَيْهِ بِطَلْقَةٍ بَعْدَ ذَلِكَ فَكَأَنَّهُ شَرَعَ طَلْقَتَيْنِ بِغَيْرِ عِوَضٍ ثُمَّ نَفَى الْجُنَاحَ عَنْ أَخْذِ الْعِوَضِ عَنْهُمَا ، وَلِهَذَا اكْتَفَى بِذِكْرِ فِعْلِهَا فِي الِافْتِدَاءِ وَإِلَّا لَذَكَرَ فِعْلَهُ ؛ لِأَنَّ الِافْتِدَاءَ لَا يَتِمُّ بِفِعْلِهَا وَحْدَهَا أَوْ نَقُولُ ذَكَرَ الطَّلْقَتَيْنِ أَوَّلًا ثُمَّ طَلْقَةً بِعِوَضٍ وَبِغَيْرِ عِوَضٍ فَتَكُونُ الْآيَةُ حُجَّةً عَلَيْهِ فِي هَذَا وَفِي قَوْلِهِ الْمُخْتَلِعَةُ لَا يَلْحَقُهَا صَرِيحُ الطَّلَاقِ .
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَزِمَهَا الْمَالُ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِخُرُوجِ الْبُضْعِ عَنْ مِلْكِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ ، وَلِهَذَا يُشْتَرَطُ قَبُولُهَا فِي الْمَجْلِسِ) قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ إذَا قَالَ الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ قَدْ خَلَعْتُك عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ أَوْ بَارَأْتُك أَوْ طَلَّقْتُك بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَالْقَبُولُ إلَيْهَا فِي الْمَجْلِسِ فَإِنْ قَامَتْ قَبْلَ أَنْ تَقُولَ شَيْئًا بَطَلَ ذَلِكَ ، وَكَذَلِكَ إنْ بَدَأَتْ هِيَ فَقَالَتْ اخْلَعْنِي عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ أَوْ بَارِئْنِي أَوْ طَلِّقْنِي بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَإِنْ قَبِلَ ذَلِكَ فِي الْمَجْلِسِ فَطَلَّقَهَا كَمَا اشْتَرَطَتْ عَلَيْهِ فَالْمَالُ لَهَا لَازِمٌ وَإِنْ قَامَتْ مِنْ مَجْلِسِهِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ شَيْئًا فَهِيَ امْرَأَتُهُ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ ، وَقَالَ الرَّازِيّ وَلَكِنَّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ إذَا كَانَ بِقَبُولِهَا الْمَالَ فِي الْمَجْلِسِ ؛ لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ لَا تَتِمُّ إلَّا بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فَإِذَا قَبِلَتْ لَزِمَهَا الْمَالُ وَوَقَعَ الطَّلَاقُ الْبَائِنُ . ا هـ . وَقَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي مُخْتَصَرِ الْكَافِي : وَإِذَا اخْتَلَعَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ زَوْجِهَا فَالْخُلْعُ تَطْلِيقَةٌ بَائِنَةٌ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الزَّوْجُ ثَلَاثًا فَيَكُونُ ثَلَاثًا وَإِنْ نَوَى ثِنْتَيْنِ كَانَتْ وَاحِدَةً بَائِنَةً ، وَكَذَا كُلٌّ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ مَعَ حَذْفٍ . (قَوْلُهُ وَفِي قَوْلِ الشَّافِعِيِّ الْقَدِيمِ الْخُلْعُ فَسْخٌ) قَالَ فِي الْكَافِي وَأَصَحُّ قَوْلَيْهِ أَنَّهُ طَلَاقٌ . ا هـ
(فَرْعٌ) فِي فَتَاوَى أَبِي اللَّيْثِ أَنَّ مَنْ خَلَعَ امْرَأَتَهُ عَلَى مَالٍ ثُمَّ زَادَتْ فِي بَدَلِ الْخُلْعِ زِيَادَةً أَنَّ الزِّيَادَةَ بَاطِلَةٌ . ا هـ . تَتَارْخَانِيَّةُ . (قَوْلُهُ ، وَلِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ بَعْدَ التَّمَامِ إلَخْ) وَلَكِنْ يُحْتَمَلُ فِي الْحَالِ فَجَعَلَ لَفْظَ الْخُلْعِ عِبَارَةً عَنْ رَفْعِ الْقَيْدِ فِي الْحَالِ وَذَا إنَّمَا يَكُونُ بِالطَّلَاقِ . ا هـ . كَافِي . (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ فَسْخٌ قَبْلَ التَّمَامِ إلَخْ) فَكَانَ فِي مَعْنَى الِامْتِنَاعِ مِنْ الْإِتْمَامِ . ا هـ . كَافِي . (قَوْلُهُ وَالْآيَةُ تَشْهَدُ لَنَا) قَالَ فِي الْكَافِي . وَأَمَّا الْآيَةُ فَاَللَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ التَّطْلِيقَةَ الثَّالِثَةَ بِعِوَضٍ وَغَيْرِ عِوَضٍ ، وَلِهَذَا لَا يَصِيرُ أَرْبَعًا ا هـ مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ . (قَوْلُهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة : 229] أَيْ التَّطْلِيقُ الشَّرْعِيُّ تَطْلِيقَةٌ بَعْدَ أُخْرَى عَلَى التَّفْرِيقِ دُونَ الْجَمْعِ وَالْإِرْسَالِ دُفْعَةً فَإِنَّهُ بِدْعِيٌّ وَلَمْ يُرِدْ بِهِ حَقِيقَةَ التَّثْنِيَةِ بَلْ التَّكْرِيرَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ} [الملك : 4] وَنَحْوَ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ . وَقَوْلُهُ {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة : 229] تَخْيِيرٌ لِلْأَزْوَاجِ بَعْدَ أَنْ عَلَّمَهُمْ كَيْفَ يُطَلِّقُونَ بَيْنَ إمْسَاكِهِنَّ بِحُسْنِ الْعِشْرَةِ وَالْقِيَامِ بِوَاجِبِهِنَّ وَبَيْنَ التَّسْرِيحِ بِالْجَمِيلِ بِأَنْ يُؤَدِّيَ حَقَّهَا وَيُخَلِّيَ سَبِيلَهَا ا هـ ش بِالْمَعْنَى لِلْهِنْدِيِّ

(2/268)


إلَّا بِهِ وَهُوَ يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَالًا كَحَقِّ الْقِصَاصِ فَوَجَبَ بِالْتِزَامِهَا لَهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكُرِهَ لَهُ أَخْذُ شَيْءٍ إنْ نَشَزَ) يَعْنِي يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا شَيْئًا إنْ كَانَ النُّشُوزُ مِنْ قِبَلِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} [النساء : 20] ، وَلِأَنَّهُ أَوْحَشَهَا بِالْفِرَاقِ فَلَا يَزِيدُ عَلَى إيحَاشِهَا بِأَخْذِ الْمَالِ .
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ نَشَزَتْ لَا) أَيْ وَإِنْ كَانَ النُّشُوزُ مِنْ قِبَلِهَا لَا يُكْرَهُ لَهُ الْأَخْذُ ، وَهَذَا بِإِطْلَاقِهِ يَتَنَاوَلُ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة : 229] ، وَقَالَ الْقُدُورِيُّ إنْ كَانَ النُّشُوزُ مِنْهَا كُرِهَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْأَصْلِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لِامْرَأَةِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ حِينَ أَرَادَتْ الْفُرْقَةَ أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ قَالَتْ نَعَمْ وَزِيَادَةً فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَّا الزِّيَادَةُ فَلَا»
وَقَدْ كَانَ النُّشُوزُ مِنْهَا ، وَلَوْ أَخَذَ الزِّيَادَةَ جَازَ قَضَاءً وَكَذَا إذَا أَخَذَ شَيْئًا وَالنُّشُوزُ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى قَوْله تَعَالَى {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة : 229] الْجَوَازُ حُكْمًا وَالْإِبَاحَةُ وَقَدْ تَرَكَ الْعَمَلَ بِهِ فِي حَقِّ الْإِبَاحَةِ لِمُعَارِضٍ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} [النساء : 20] . وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَمَّا الزِّيَادَةُ فَلَا» فَبَقِيَ مَعْمُولًا بِهِ فِي الْبَاقِي وَهُوَ الصِّحَّةُ فَإِنْ قِيلَ النَّهْيُ عَنْ الْأَفْعَالِ الْحِسِّيَّةِ يَقْتَضِي عَدَمَ الْمَشْرُوعِيَّةِ فَكَيْفَ يَصِحُّ أَخْذٌ بَعْدَ النَّهْيِ قُلْنَا النَّهْيُ وَرَدَ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ وَهُوَ زِيَادَةُ الْإِيحَاشِ فَلَا يُنَافِي الْمَشْرُوعِيَّةَ كَالْبَيْعِ عِنْدَ النِّدَاءِ ، وَهَذَا لِأَنَّهَا تَصَرَّفَتْ فِي خَالِصِ حَقِّهَا بِاخْتِيَارِهَا فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِصِحَّتِهِ تَصْحِيحًا لِتَصَرُّفِ الْعَاقِلِ وَتَوْفِيقًا بَيْنَ النُّصُوصِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَا صَلُحَ مَهْرًا صَلُحَ بَدَلَ الْخُلْعِ) ؛ لِأَنَّ مَا صَلُحَ أَنْ يَكُونَ عِوَضًا لِلْمُتَقَوِّمِ أَوْلَى أَنْ يَصْلُحَ عِوَضًا لِغَيْرِ الْمُتَقَوِّمِ
وَهَذَا لِأَنَّ الْبُضْعَ حَالَةَ الدُّخُولِ مُتَقَوِّمٌ وَعِنْدَ الْخُرُوجِ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ ، وَلِهَذَا جَازَ تَزْوِيجُ الْأَبِ ابْنَهُ الصَّغِيرَ عَلَى مَالِ الصَّغِيرِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَخْلَعَ ابْنَتَهُ الصَّغِيرَةَ بِمَالِهَا ، وَكَذَا لَوْ تَزَوَّجَ الْمَرِيضُ بِمَهْرِ مِثْلِهَا يُعْتَبَرُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ ، وَلَوْ اخْتَلَعَتْ الْمَرِيضَةُ يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ حَتَّى يَكُونَ لَهُ الْأَقَلُّ مِنْ مِيرَاثِهِ مِنْهَا وَمِنْ بَدَلِ الْخُلْعِ إذَا كَانَ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ فَلَهُ الْأَقَلُّ مِنْ الْإِرْثِ وَمِنْ الثُّلُثِ إذَا مَاتَتْ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ وَإِنْ مَاتَتْ بَعْدَ انْقِضَائِهَا أَوْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا فَلَهُ بَدَلُ الْخُلْعِ إنْ كَانَ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ ؛ لِأَنَّ الْبُضْعَ لَا قِيمَةَ لَهُ حَالَةَ الْخُرُوجِ فَيُعْتَبَرُ بِالتَّبَرُّعِ ، وَلِهَذَا لَا يَضْمَنُ لَوْ أَخْرَجَتْهُ عَنْ مِلْكِهِ بِرِدَّتِهَا أَوْ تَقْبِيلِهَا ابْنَهُ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ أَوْ قَتَلَتْ نَفْسَهَا أَوْ قَتَلَهَا أَجْنَبِيٌّ لَمْ يَجِبْ لِلزَّوْجِ شَيْءٌ عَلَى الْمُتْلِفِ ، وَلَوْ كَانَ مُتَقَوِّمًا لَوَجَبَ وَقَوْلُهُ وَمَا صَلُحَ مَهْرًا صَلُحَ بَدَلَ الْخُلْعِ لَا يُنَافِي الْعَكْسَ حَتَّى جَازَ مَا لَا يَصْلُحُ مَهْرًا أَيْضًا كَالْأَقَلِّ مِنْ الْعَشَرَةِ وَكَمَا فِي يَدِهَا وَبَطْنِ غَنَمِهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ .

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ خَالَعَهَا أَوْ طَلَّقَهَا بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ أَوْ مَيْتَةٍ وَقَعَ بَائِنٌ فِي الْخُلْعِ رَجْعِيٌّ فِي غَيْرِهِ مَجَّانًا كَخَالِعْنِي عَلَى مَا فِي يَدِي وَلَا شَيْءَ فِي يَدِهَا) ؛ لِأَنَّ الْإِيقَاعَ مُعَلَّقٌ بِالْقَبُولِ وَقَدْ وُجِدَ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُسَمِّ شَيْئًا مُتَقَوِّمًا لِتَصِيرَ غَارَّةً لَهُ وَلَا هُوَ مُتَقَوِّمٌ لِتَجِبَ عَلَيْهَا قِيمَتُهُ وَإِنَّمَا يَتَقَوَّمُ بِالتَّسْمِيَةِ وَقَدْ فَسَدَتْ بِخِلَافِ النِّكَاحِ وَالْعِتْقِ وَالْكِتَابَةِ بِالْخَمْرِ حَيْثُ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ وَقِيمَةُ الْعَبْدِ فِيهَا ؛ لِأَنَّ الْخَمْرَ مَالٌ وَلَكِنَّ الشَّرْعَ أَهَانَهَا وَأَهْدَرَ تَقَوُّمَهَا فَلَمْ تَصْلُحْ لِإِبْطَالِ قِيمَةِ الْمُتَقَوِّمِ وَلَا لِتَقْوِيمِ غَيْرِ الْمُتَقَوِّمِ فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا شَيْءٌ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَتْ خَالِعْنِي عَلَى هَذَا الْخَلِّ فَإِذَا هُوَ خَمْرٌ حَيْثُ يَجِبُ عَلَيْهَا رَدُّ الْمَهْرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ مِثْلُهُ مِنْ خَلٍّ وَسَطٍ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَغْرُورًا مِنْ جِهَتِهَا بِتَسْمِيَةِ الْمَالِ ثُمَّ إذَا فَسَدَتْ التَّسْمِيَةُ فَقَدْ وَقَعَ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَكَانَ الْعَامِلُ فِيهِ لَفْظَ الطَّلَاقِ أَوْ الْخُلْعِ وَالْأَوَّلُ صَرِيحٌ فَيَعْقُبُ الرَّجْعَةَ وَالثَّانِي كِنَايَةٌ فَيَكُونُ بَائِنًا .
وَقَوْلُهُ كَخَالِعْنِي عَلَى مَا فِي يَدِي وَلَا شَيْءَ فِي يَدِهَا يَعْنِي كَقَوْلِهَا خَالِعْنِي عَلَى مَا فِي يَدِي وَلَا شَيْءَ فِي يَدِهَا وَمُرَادُهُ أَنْ يَقَعَ الطَّلَاقُ مَجَّانًا أَيْ بِغَيْرِ شَيْءٍ كَمَا يَقَعُ مَجَّانًا فِي قَوْلِهَا خَالِعْنِي عَلَى مَا فِي يَدِي وَلَيْسَ فِي يَدِهَا شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُسَمِّ مَالًا مُتَقَوِّمًا لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ فِي يَدِهَا شَيْءٌ مُتَقَوِّمٌ أَوْ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ فَلَمْ تَصِرْ غَارَّةً وَلَهُ الرُّجُوعُ بِالْغُرُورِ .

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ زَادَتْ مِنْ مَالٍ أَوْ مِنْ دَرَاهِمَ رَدَّتْ مَهْرَهَا أَوْ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ) أَيْ زَادَتْ عَلَى قَوْلِهَا خَالِعْنِي عَلَى مَا فِي يَدِي وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا بِأَنْ قَالَتْ خَالِعْنِي عَلَى مَا فِي يَدِي مِنْ مَالٍ أَوْ قَالَتْ مِنْ دَرَاهِمَ وَلَمْ يَكُنْ فِي يَدِهَا شَيْءٌ رَدَّتْ عَلَيْهِ فِي الْأُولَى الْمَهْرَ الَّذِي أَخَذَتْهُ مِنْهُ وَفِي الثَّانِيَةِ ثَلَاثَةَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِامْرَأَةِ ثَابِتٍ إلَخْ) رُوِيَ «أَنَّ جَمِيلَةَ كَانَتْ تَحْتَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ فَجَاءَتْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ لَا أَعْتِبُ عَلَى ثَابِتٍ فِي دِينٍ وَلَا خُلُقٍ وَلَكِنْ أَخْشَى الْكُفْرَ فِي الْإِسْلَامِ لِشِدَّةِ بُغْضِي إيَّاهُ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ فَقَالَتْ نَعَمْ وَزِيَادَةً فَقَالَ أَمَّا الزِّيَادَةُ فَلَا» ا هـ ..

(قَوْلُهُ فِي الْخُلْعِ رَجْعِيٌّ فِي غَيْرِهِ مَجَّانًا إلَخْ) يَعْنِي بِغَيْرِ شَيْءٍ عَلَيْهَا وَانْتِصَابُهُ عَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ أَيْ وُقُوعًا مَجَّانًا وَوَزْنُهُ فَعَّالٌ ؛ لِأَنَّهُ يَنْصَرِفُ ، ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ . ا هـ . عَيْنِيٌّ ، وَقَالَ الرَّازِيّ قَوْلُهُ مَجَّانًا قَيْدٌ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ ا هـ . (قَوْلُهُ : وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ) أَيْ : عَلَيْهَا مِثْلُ كَيْلِ ذَلِكَ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ وَلَكِنَّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ فِيمَا إذَا ظَهَرَ الْعَبْدُ حُرًّا مِثْلَ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ ..

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ مِنْ دَرَاهِمَ) أَيْ أَوْ مِنْ الدَّرَاهِمِ عَلَى مَا سَيَأْتِي ا هـ . (قَوْلُهُ أَوْ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ) لَيْسَ فِي خَطِّ الشَّارِحِ وَهُوَ ثَابِتٌ فِي نُسَخِ الْمَتْنِ ا هـ

(2/269)


دَرَاهِمَ أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّهَا لَمَّا سَمَّتْ مَالًا لَمْ يَكُنْ الزَّوْجُ رَاضِيًا بِزَوَالِ مِلْكِهِ إلَّا بِعِوَضٍ وَلَا وَجْهَ إلَى إيجَابِ الْمُسَمَّى وَقِيمَتِهِ لِلْجَهَالَةِ وَلَا إلَى إيجَابِ قِيمَةِ الْبُضْعِ وَهُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ حَالَةَ الْخُرُوجِ فَتَعَيَّنَ إيجَابُ مَا قَامَ الْبُضْعُ بِهِ عَلَى الزَّوْجِ
دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ
وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَتْ عَلَى مَا فِي بَيْتِي مِنْ مَالٍ أَوْ عَلَى مَا فِي بَطْنِ جَارِيَتِي أَوْ غَنَمِي مِنْ حَمْلٍ وَلَمْ يَكُنْ فِيهَا شَيْءٌ يَجِبُ رَدُّ الْمَهْرِ لِمَا قُلْنَا بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ تَقُلْ مِنْ مَالٍ أَوْ حَمْلٍ حَيْثُ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا شَيْءٌ وَالْفَرْقُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ تَسْمِيَةِ الْمَالِ وَعَدَمِهِ .
وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّهَا سَمَّتْ بِلَفْظِ الْجَمْعِ وَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ فَيَجِبُ عَلَيْهَا لِلتَّيَقُّنِ بِهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَقَرَّ أَوْ أَوْصَى بِدَرَاهِمَ بِخِلَافِ مَا إذَا تَزَوَّجَهَا بِدَرَاهِمَ حَيْثُ تَبْطُلُ التَّسْمِيَةُ لِلْجَهَالَةِ وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ ؛ لِأَنَّ الْبُضْعَ حَالَةَ الدُّخُولِ مُتَقَوِّمٌ فَأَمْكَنَ إيجَابُ قِيمَتِهِ إذَا جُهِلَ الْمُسَمَّى فَإِنْ قِيلَ قَدْ ذَكَرْت بِكَلِمَةِ مِنْ وَهِيَ لِلتَّبْعِيضِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ بَعْضُ الدَّرَاهِمِ وَذَلِكَ دِرْهَمٌ أَوْ دِرْهَمَانِ كَمَا إذَا قَالَ إنْ كَانَ مَا فِي يَدِي مِنْ الدَّرَاهِمِ إلَّا ثَلَاثَةً فَعَبْدُهُ حُرٌّ وَفِي يَدِهِ أَرْبَعَةُ دَرَاهِمَ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ قُلْنَا قَدْ تَكُونُ مِنْ لِبَيَانِ الْجِنْسِ فَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ تَمَّ الْكَلَامُ بِنَفْسِهِ لَكِنَّهُ اشْتَمَلَ عَلَى ضَرْبِ إبْهَامٍ فَهِيَ لِلْبَيَانِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ} [الحج : 30] وَإِلَّا فَهِيَ لِلتَّبْعِيضِ وَقَوْلُهَا خَالِعْنِي عَلَى مَا فِي يَدِي كَلَامٌ تَامٌّ بِنَفْسِهِ حَتَّى جَازَ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ إلَّا أَنَّ فِيهِ نَوْعَ إبْهَامٍ ؛ لِأَنَّ مَا فِي يَدِهَا لَا يُعْرَفُ مِنْ أَيِّ جِنْسٍ هُوَ فَتَعَيَّنَتْ لِلْبَيَانِ
وَقَوْلُهُ إنْ كَانَ مَا فِي يَدِي مِنْ الدَّرَاهِمِ غَيْرُ تَامٍّ بِنَفْسِهِ حَتَّى لَا يَجُوزَ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ فَكَانَتْ لِلتَّبْعِيضِ ، وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ أَنَّهَا لَوْ قَالَتْ خَالِعْنِي عَلَى مَا فِي يَدِي مِنْ دَرَاهِمَ أَوْ مِنْ الدَّرَاهِمِ فَفَعَلَ فَلَمْ يَكُنْ فِي يَدِهَا شَيْءٌ فَعَلَيْهَا ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ فَسَوَّى بَيْنَ الْمُنَكَّرِ وَالْمُعَرَّفِ بِاللَّامِ وَوَجْهُهُ مَا بَيَّنَّاهُ فِي الْمُنَكَّرِ فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَلْزَمَهَا دِرْهَمٌ وَاحِدٌ فِي الْمُعَرَّفِ ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ بِاللَّامِ بِمَنْزِلَةِ الْمُفْرَدِ الْمُعَرَّفِ بِهَا حَتَّى يُصْرَفَ إلَى أَدْنَى الْجِنْسِ عِنْدَ تَعَذُّرِ صَرْفِهِ إلَى الْكُلِّ كَمَا إذَا حَلَفَ لَا يَشْتَرِي الْعَبِيدَ أَوْ لَا يَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ قُلْنَا إنَّمَا يُصْرَفُ إلَى الْجِنْسِ إذَا عُرِّيَ عَنْ قَرِينَةٍ دَالَّةٍ عَلَى الْعَهْدِ وَقَدْ وُجِدَ هُنَا الْقَرِينَةُ الدَّالَّةُ عَلَى الْعَهْدِ وَهُوَ قَوْلُهَا عَلَى مَا فِي يَدِي فَلَا يَكُونُ لِلْجِنْسِ فَوَجَبَ اعْتِبَارُ الْجَمْعِيَّةِ فِيهِ بِخِلَافِ الْمُسْتَشْهَدِ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى الْعَهْدِ
وَقَالَ حُمَيْدٍ الدِّينِ إنَّمَا تَكُونُ اللَّامُ لِلْجِنْسِ إذَا أَمْكَنَ إرَادَةُ كُلِّ الْجِنْسِ فَيُحْمَلُ عَلَى الْأَدْنَى مَعَ احْتِمَالِ الْكُلِّ . وَأَمَّا إذَا اسْتَحَالَ فَلَا وَفِي مَسْأَلَتِنَا اسْتَحَالَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ دَرَاهِمِ الْعَالَمِ فِي يَدِهَا فَلَا تَكُونُ لِلْجِنْسِ فَلَا يَبْطُلُ مَعْنَى الْجَمْعِيَّةِ فِيهِ ؛ لِأَنَّ بُطْلَانَهُ فِي ضِمْنِ كَوْنِهَا لِلْجِنْسِ وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْأَلِفُ وَاللَّامُ لِتَحْسِينِ الْكَلَامِ لَا لِلتَّعْرِيفِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا} [الجمعة : 5] فَوُجُودُهُمَا كَعَدَمِهِمَا فَلَا يُفِيدَانِ التَّعْرِيفَ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ
بَاعَدَ أُمَّ الْعَمْرِ مِنْ أَسِيرِهَا ... حُرَّاسُ أَبْوَابٍ عَلَى قُصُورِهَا

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ خَالَعَ عَلَى عَبْدٍ آبِقٍ لَهَا عَلَى أَنَّهَا بَرِيئَةٌ مِنْ ضَمَانِهِ لَمْ تَبْرَأْ) ؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَيَقْتَضِي سَلَامَةَ الْعِوَضِ وَاشْتِرَاطُ الْبَرَاءَةِ عَنْهُ شَرْطٌ فَاسِدٌ فَيَبْطُلُ الشَّرْطُ لِكَوْنِهِ مُخَالِفًا لِمُوجِبِ الْعَقْدِ وَلَا يَبْطُلُ الْخُلْعُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ كَالنِّكَاحِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ حَيْثُ لَا يَصِحُّ فِي الْآبِقِ وَيَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهَا مَنْهِيٌّ عَنْهَا فِيهِ لَا فِي الْخُلْعِ فَإِذَا بَطَلَ شَرْطُ الْبَرَاءَةِ عَنْهُ وَجَبَ عَلَيْهَا تَسْلِيمُ عَيْنِهِ إنْ قَدَرَتْ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَتَسْلِيمُ قِيمَتِهِ كَمَا لَوْ خَالَعَهَا عَلَى عَبْدِ الْغَيْرِ .

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَالَتْ طَلِّقْنِي ثَلَاثًا بِأَلْفٍ فَطَلَّقَ وَاحِدَةً لَهُ ثُلُثُ الْأَلْفِ وَبَانَتْ) ؛ لِأَنَّ الْبَاءَ تَصْحَبُ الْأَعْوَاضَ وَهُوَ يَنْقَسِمُ عَلَى الْمُعَوَّضِ وَيَكُونُ بَائِنًا لِوُجُوبِ الْمَالِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ فِيهِ أَنْ يَقْبَلَ فِي الْبَعْضِ ؛ لِأَنَّهُ يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ ، وَهَذَا لَا يَبْطُلُ لِقَبُولِهِ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ وَبِالِاخْتِبَارِ وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي عَلَى أَلْفٍ وَقَعَ رَجْعِيٌّ مَجَّانًا) أَيْ وَفِي قَوْلِهَا طَلِّقْنِي ثَلَاثًا عَلَى أَلْفٍ فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً وَقَعَ طَلَاقٌ رَجْعِيٌّ بِغَيْرِ شَيْءٍ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ، وَقَالَا تَطْلُقُ وَاحِدَةً بَائِنَةً بِثُلُثِ الْأَلْفِ كَالْمَسْأَلَةِ الْأُولَى ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ عَلَى بِمَنْزِلَةِ الْبَاءِ فِي الْمُعَاوَضَاتِ حَتَّى إنَّ قَوْلَهُ أَحْمِلُ هَذَا بِدِرْهَمٍ أَوْ عَلَى دِرْهَمٍ سَوَاءٌ ، وَكَذَا بِعْتُكَهُ بِدِرْهَمٍ أَوْ عَلَى دِرْهَمٍ سَوَاءٌ وَأَقْرَبُ مِنْهُ أَنَّهَا لَوْ قَالَتْ طَلِّقْنِي وَفُلَانَةَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ : وَلَا وَجْهَ إلَى إيجَابِ الْمُسَمَّى) أَيْ : وَهُوَ الْمَالُ ا هـ . (قَوْلُهُ وَقِيمَتُهُ لِلْجَهَالَةِ) أَيْ لِجَهَالَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا ا هـ ..

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ خَالَعَ عَلَى عَبْدٍ أَبَقَ لَهَا عَلَى أَنَّهَا بَرِيئَةٌ) أَيْ بِمَعْنَى أَنَّهَا لَا تُطَالَبُ بِتَحْصِيلِهِ وَتَسْلِيمِهِ بَلْ إنْ حَصَلَ تَسْلِيمُهُ إلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا ا هـ . (قَوْلُهُ لَا فِي الْخُلْعِ) وَإِنَّمَا تَجُوزُ تَسْمِيَةُ الْعَبْدِ الْآبِقِ فِي الْخُلْعِ ؛ لِأَنَّ مَبْنَاهُ عَلَى الْمُسَامَحَةِ دُونَ الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّ مَبْنَاهُ عَلَى الْمُضَايَقَةِ . ا هـ . رَازِيٌّ . (قَوْلُهُ لَهُ ثُلُثُ الْأَلْفِ وَبَانَتْ إلَخْ) وَإِنْ طَلَّقَهَا ثِنْتَيْنِ يَجِبُ ثُلُثُ الْأَلْفِ . ا هـ . كَاكِيٌّ فِي طَلَاقِ السُّنَّةِ وَعِنْدَ مَالِكٍ لَزِمَهَا كُلُّ الْأَلْفِ وَعِنْدَ أَحْمَدَ يَقَعُ بِغَيْرِ شَيْءٍ . ا هـ . عَيْنِيٌّ . (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ) أَيْ لَوْ قَالَ لَهُ بِعْتُك هَذِهِ الْعَبِيدَ الثَّلَاثَةَ بِأَلْفٍ فَقَبِلَ فِي وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ بِثُلُثِ الْأَلْفِ لَمْ يَجُزْ ا هـ ..

(قَوْلُهُ ، وَقَالَا تَطْلُقُ وَاحِدَةً بَائِنَةً بِثُلُثِ الْأَلْفِ) وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَعِنْدَ مَالِكٍ يَلْزَمُهَا كُلُّ الْأَلْفِ ا هـ عَيْنِيٌّ

(2/270)


عَلَى أَلْفٍ فَطَلَّقَهَا وَحْدَهَا كَانَ عَلَيْهَا حِصَّتُهَا مِنْ الْأَلْفِ وَلَهُ أَنَّ عَلَى لِلِاسْتِعْلَاءِ وَضْعًا فَإِذَا تَعَذَّرَ فَلِلْوُجُوبِ فَإِذَا تَعَذَّرَ فَلِلشَّرْطِ مَجَازًا لِمُنَاسَبَةٍ بَيْنَ الشَّرْطِ وَالْوُجُوبِ مِنْ حَيْثُ اللُّزُومُ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا} [الممتحنة : 12] أَيْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُشْرِكْنَ ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى أَنْ تَدْخُلِي الدَّارَ كَانَ الدُّخُولُ شَرْطًا وَأَمْكَنَ الْعَمَلُ بِهِ فِي الطَّلَاقِ ؛ لِأَنَّهُ يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَقْبَلَانِهِ فَجُعِلَتْ مَجَازًا عَنْ الْبَاءِ فَإِذَا كَانَتْ عَلَى لِلشَّرْطِ فَلَا يَتَوَزَّعُ الْمَشْرُوطُ عَلَى أَجْزَاءِ الشَّرْطِ ؛ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ لَا يُوجَدُ إلَّا عِنْدَ اسْتِكْمَالِ الشَّرْطِ ؛ لِأَنَّهُ عَلَامَةٌ عَلَى وُجُودِ الْجَزَاءِ كَأَشْرَاطِ السَّاعَةِ فَكَانَ الْكُلُّ عَلَامَةً وَاحِدَةً فَلَا يُوجَدُ الْجَزَاءُ بِدُونِهِ فَيَقَعُ رَجْعِيًّا لِأَنَّهُ صَرِيحٌ خَلَا عَنْ الْعِوَضِ بِخِلَافِ الْمُسْتَشْهَدِ بِهِ ؛ لِأَنَّهَا لَا غَرَضَ لَهَا فِي طَلَاقِ فُلَانَةَ لِيَجْعَلَ ذَلِكَ كَالشَّرْطِ مِنْهَا وَلَهَا فِي اشْتِرَاطِ إيقَاعِ الثَّلَاثِ عَلَى نَفْسِهَا غَرَضٌ صَحِيحٌ فَافْتَرَقَا .

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا بِأَلْفٍ أَوْ عَلَى أَلْفٍ فَطَلَّقَتْ وَاحِدَةً لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ) يَعْنِي لَوْ قَالَ لَهَا الزَّوْجُ طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا بِأَلْفٍ أَوْ عَلَى أَلْفٍ فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا وَاحِدَةً لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِالْبَيْنُونَةِ إلَّا بِسَلَامَةِ الْأَلْفِ كُلِّهَا لَهُ بِخِلَافِ قَوْلِهَا لَهُ طَلِّقْنِي ثَلَاثًا بِأَلْفٍ ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا رَضِيَتْ بِالْبَيْنُونَةِ بِأَلْفٍ كَانَتْ بِبَعْضِهَا أَوْلَى أَنْ تَرْضَى قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَنْتِ طَالِقٌ بِأَلْفٍ أَوْ عَلَى أَلْفٍ فَقَبِلَتْ لَزِمَ وَبَانَتْ) أَيْ لَزِمَ الْمَالُ وَبَانَتْ الْمَرْأَةُ ؛ لِأَنَّهُ مُبَادَلَةٌ أَوْ تَعْلِيقٌ فَيَقْتَضِي سَلَامَةَ الْبَدَلَيْنِ أَوْ وُجُودَ الشَّرْطِ وَذَلِكَ بِمَا ذَكَرْنَا وَلَا بُدَّ مِنْ قَبُولِهَا ؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ أَوْ تَعْلِيقٌ بِشَرْطٍ فَلَا تَنْعَقِدُ الْمُعَاوَضَةُ بِدُونِ الْقَبُولِ ، وَلِأَنَّ الْمُعَلَّقَ يَنْزِلُ بِدُونِ الشَّرْطِ إذْ لَا وِلَايَةَ لِأَحَدِهِمَا فِي إلْزَامِ صَاحِبِهِ بِدُونِ رِضَاهُ وَالطَّلَاقُ بَائِنٌ ؛ لِأَنَّهَا مَا الْتَزَمَتْ الْمَالَ إلَّا لِتَسْلَمَ لَهَا نَفْسُهَا وَذَلِكَ بِالْبَيْنُونَةِ .

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَنْتِ طَالِقٌ وَعَلَيْك أَلْفٌ أَوْ أَنْتَ حُرٌّ وَعَلَيْك أَلْفٌ طَلُقَتْ وَعَتَقَ مَجَّانًا) أَيْ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَعَلَيْك أَلْفٌ أَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ وَعَلَيْك أَلْفٌ طَلُقَتْ الْمَرْأَةُ وَعَتَقَ الْعَبْدُ بِغَيْرِ شَيْءٍ قَبِلَا أَوْ لَمْ يَقْبَلَا ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ، وَقَالَا إنْ قَبِلَا وَقَعَ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ وَلَزِمَهُمَا الْمَالُ وَإِلَّا فَلَا وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ قَالَتْ هِيَ طَلِّقْنِي وَلَك أَلْفٌ أَوْ قَالَ الْعَبْدُ أَعْتِقْنِي وَلَك أَلْفٌ فَفَعَلَ لَهُمَا أَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ لِلْمُعَاوَضَاتِ فَإِنَّ قَوْلَهُمْ احْمِلْ هَذَا وَلَك دِرْهَمٌ كَقَوْلِهِمْ أَحْمِلُهُ بِدِرْهَمٍ فَإِنَّهُ يُفْهَمُ مِنْهُ وُجُوبُهُ بِسَبَبِهِ وَلَا يُقَالُ إنَّ فِي الْإِجَارَةِ قَرِينَةً دَالَّةً عَلَى وُجُوبِهِ لِأَنَّهَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْخُلْعُ أَيْضًا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَاسْتَوَيَا ، وَلِأَنَّ الْوَاوَ تَكُونُ لِلْحَالِ وَالْأَحْوَالُ شُرُوطٌ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فِي حَالِ وُجُوبِ الْأَلْفِ لِي عَلَيْك أَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَدِّ إلَيَّ أَلْفًا وَأَنْتَ حُرٌّ وَلَهُ أَنَّ قَوْلَهُ وَعَلَيْك أَلْفٌ أَوْ وَلَك أَلْفٌ جُمْلَةٌ تَامَّةٌ فَيَكُونُ مُبْتَدَأً وَلَا يَتَّصِلُ بِمَا قَبْلَهُ إلَّا بِدَلَالَةِ الْحَالِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْجُمَلِ الِاسْتِقْلَالُ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ إنْ دَخَلَ فُلَانٌ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَضَرَّتُك طَالِقٌ تَطْلُقُ ضَرَّتُهَا فِي الْحَالِ لِمَا قُلْنَا حَتَّى لَوْ كَانَتْ قَاصِرَةً بِأَنْ قَالَ إنْ دَخَلَ فُلَانٌ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَضَرَّتُك تَعَلَّقَ طَلَاقُ ضَرَّتِهَا بِالشَّرْطِ لِكَوْنِهِ مُفْرَدًا فَلَا يَكُونُ مُسْتَقِلًّا
وَلَوْ قَالَ إنْ دَخَلَ فُلَانٌ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَعَبْدِي حُرٌّ تَعَلَّقَ عِتْقُ عَبْدِهِ بِدُخُولِ الدَّارِ وَإِنْ كَانَ جُمْلَةً تَامَّةً ؛ لِأَنَّهُ فِي حَقِّ التَّعْلِيقِ قَاصِرٌ ؛ لِأَنَّ الْخَبَرَ الْأَوَّلَ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا لِلثَّانِي فَكَانَ الْخَبَرُ مُحْتَاجًا إلَيْهِ بِخِلَافِ طَلَاقِ الضَّرَّةِ ؛ لِأَنَّ خَبَرَ الْأَوَّلِ يَصْلُحُ خَبَرًا لَهُ ، وَلَوْ كَانَ غَرَضُهُ التَّعْلِيقَ لَاقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ وَضَرَّتُك فَإِذَا كَانَ مُسْتَقِلًّا يَكُونُ كَلَامًا مُبْتَدَأً لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْأَوَّلِ فَيَصِيرُ قَوْلُهُ وَعَلَيْك أَلْفٌ أَوْ قَوْلُهَا وَلَك أَلْفٌ مُجَرَّدُ دَعْوَى أَوْ وَعْدٍ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يُوجَدَانِ بِدُونِ الْمَالِ فَلَا يَنْفَكَّانِ عَنْهُ ، وَلِهَذَا إذَا قَالَ لَهُ خِطْ هَذَا الثَّوْبَ وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ الْأَجْرَ يَكُونُ اسْتِئْجَارًا بِأَجْرِ الْمِثْلِ وَفِي الْبَيْعِ تَجِبُ الْقِيمَةُ وَبِخِلَافِ قَوْلِهِ أَدِّ إلَيَّ أَلْفًا وَأَنْتَ حُرٌّ ؛ لِأَنَّ أَوَّلَ كَلَامِهِ غَيْرُ مُفِيدٍ دُونَ آخِرِهِ فَيَصِيرُ تَعْلِيقًا لِلْعِتْقِ بِأَدَاءِ الْمَالِ ، وَلِأَنَّ الْوَاوَ لِلْعَطْفِ حَقِيقَةً وَالْكَلَامُ مَحْمُولٌ عَلَى حَقِيقَتِهِ حَتَّى يَقُومَ الدَّلِيلُ عَلَى خِلَافِهِ وَلَمْ يُوجَدْ ؛ لِأَنَّ أَحَدَ الْعِوَضَيْنِ لَا يُعْطَفُ عَلَى الْآخَرِ ، وَكَذَا الشَّرْطُ لَا يُعْطَفُ عَلَى الْجَزَاءِ وَالْمَالُ غَيْرُ لَازِمٍ بِيَقِينٍ فَلَا يَلْزَمُ بِالشَّكِّ ، وَكَذَا حَالُهُ لَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِهِ ؛ لِأَنَّ الْكِرَامَ يَمْتَنِعُونَ عَنْ أَخْذِ الْعِوَضِ .

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَصَحَّ خِيَارُ الشَّرْطِ لَهَا فِي الْخُلْعِ لَا لَهُ) ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَقَالَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ فَإِذَا تَعَذَّرَ فَلِلشَّرْطِ إلَخْ) وَجَعَلَهَا بِمَعْنَى الْبَاءِ عِنْدَ تَعَذُّرِ حَمْلِهِ عَلَى الشَّرْطِ وَهَا هُنَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَيْهِ فَلَا يُجْعَلُ بِمَعْنَى الْبَاءِ . ا هـ . رَازِيٌّ ..

(قَوْلُهُ إلَّا بِسَلَامَةِ الْأَلْفِ كُلِّهَا) فَلَوْ وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ بِثُلُثِ الْأَلْفِ لَتَضَرَّرَ الزَّوْجُ ا هـ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ . ا هـ . رَازِيٌّ . (قَوْلُهُ أَوْ تَعْلِيقٌ) هَذَا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ . وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْعِبَارَتَيْنِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ . (قَوْلُهُ وَلَا بُدَّ مِنْ قَبُولِهَا) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَا بُدَّ مِنْ الْقَبُولِ فِي الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ بِأَلْفٍ بِعِوَضِ أَلْفٍ تَجِبُ لِي عَلَيْكِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ عَلَى أَلْفٍ عَلَى شَرْطِ أَلْفٍ يَكُونُ لِي عَلَيْكِ ا هـ ..

(قَوْلُهُ وَلَزِمَهُمَا الْمَالُ وَإِلَّا فَلَا) أَيْ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ ا هـ وَبِهِ قَالَتْ الثَّلَاثَةُ ا هـ عَيْنِيٌّ . (قَوْلُهُ جُمْلَةٌ تَامَّةٌ) مِنْ مُبْتَدَأٍ وَخَبَرٍ ا هـ . (قَوْلُهُ جَوَابًا لَهُ) هَذَا حَاشِيَةٌ . وَأَمَّا الثَّابِتُ فِي خَطِّ الشَّارِحِ خَبَرًا لَهُ ا هـ ..

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَصَحَّ خِيَارُ الشَّرْطِ لَهَا فِي الْخُلْعِ) أَيْ كَقَوْلِهِ خَالَعْتُكِ بِكَذَا عَلَى أَنَّك بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَقَبِلَتْ ا هـ . (قَوْلُهُ لَا لَهُ) أَيْ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا عَلَى أَلْفٍ عَلَى أَنَّك بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَقَالَتْ قَبِلْت إنْ رَدَّتْ الطَّلَاقَ فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ بَطَلَ الطَّلَاقُ وَإِنْ اخْتَارَتْ الطَّلَاقَ فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَيَجِبُ الْأَلْفُ لِلزَّوْجِ ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى أَلْفٍ عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَقَبِلَتْ بَطَلَ الْخِيَارُ وَوَقَعَ الطَّلَاقُ . ا هـ . رَازِيٌّ

(2/271)


لَا يَصِحُّ لَهَا أَيْضًا فَيَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا وَيَلْزَمُهَا الْمَالُ فِي الْوَجْهَيْنِ ؛ لِأَنَّ إيجَابَ الزَّوْجِ يَمِينٌ ، وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ عَنْهُ وَيَتَوَقَّفُ عَلَى مَا وَرَاءِ الْمَجْلِسِ وَصَحَّتْ إضَافَتُهُ وَتَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ لِكَوْنِ الْمَوْجُودِ مِنْ جَانِبِهِ طَلَاقًا وَقَبُولِهَا شَرْطَ الْيَمِينِ فَلَا يَصِحُّ خِيَارُ الشَّرْطِ فِيهِمَا ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ لِلْفَسْخِ بَعْدَ الِانْعِقَادِ لَا لِلْمَنْعِ مِنْ الِانْعِقَادِ وَالْيَمِينُ وَشَرْطُهَا لَا يَحْتَمِلَانِ الْفَسْخَ وَلَهُ أَنَّ الْخُلْعَ مِنْ جَانِبِهَا مُعَاوَضَةٌ لِكَوْنِ الْمَوْجُودِ مِنْ جِهَتِهَا مَالًا ، وَلِهَذَا يَصِحُّ رُجُوعُهَا قَبْلَ الْقَبُولِ وَلَا تَصِحُّ إضَافَتُهُ وَتَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مَا وَرَاءِ الْمَجْلِسِ فَصَارَ كَالْبَيْعِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لِلْفَسْخِ بَعْدَ الِانْعِقَادِ بَلْ هُوَ مَانِعٌ مِنْ الِانْعِقَادِ فِي حَقِّ الْحُكْمِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَنَا وَكَوْنُهُ شَرْطًا لِيَمِينِ الزَّوْجِ لَا يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ مُعَاوَضَةً فِي نَفْسِهِ كَمَنْ قَالَ لِآخَرَ إنْ بِعْتُك هَذَا الْعَبْدَ فَعَبْدِي الْآخَرُ حُرٌّ فَإِنَّ الْبَيْعَ شَرْطٌ لِعِتْقِ الْعَبْدِ وَهُوَ فِي نَفْسِهِ مُعَاوَضَةٌ وَجَانِبُ الْعَبْدِ فِي الْعَتَاقِ مِثْلُ جَانِبِ الْمَرْأَةِ فِي الطَّلَاقِ حَتَّى يَصِحَّ اشْتِرَاطُ الْخِيَارِ لَهُ دُونَ الْمُولِي فَيَبْطُلُ بِرَدِّ الْعَبْدِ الْخِيَارُ فِي الثَّلَاثِ وَإِنْ لَمْ يَرُدَّ حَتَّى مَضَتْ عَتَقَ وَلَزِمَهُ الْمَالُ كَمَا فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا يَحْصُلُ لَهَا بِالْخُلْعِ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّ الْبُضْعَ لَيْسَ لَهُ حُكْمُ مَالٍ عِنْدَ الْخُرُوجِ وَكَذَا مَالِيَّةُ الْعَبْدِ تَتْلَفُ عَلَى مِلْكِ الْمُولِي بِالْإِعْتَاقِ وَمَعَ هَذَا جَازَ قَبُولُ الْمَالِ فِيهِمَا .

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (طَلَّقْتُك أَمْسِ بِأَلْفٍ فَلَمْ تَقْبَلِي فَقَالَتْ قَبِلْت صُدِّقَ) بِخِلَافِ الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ بِمَالٍ يَمِينٌ مِنْ جَانِبِهِ وَقَبُولَهَا شَرْطُ الْحِنْثِ فَيَتِمُّ الْيَمِينُ بِلَا قَبُولٍ فَلَا يَكُونُ الْإِقْرَارُ بِهَا إقْرَارًا بِالْحِنْثِ لِصِحَّتِهَا بِدُونِهِ بَلْ هِيَ ضِدُّهُ ، وَلِهَذَا يُنْتَقَضُ بِهِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ فِي الْحِنْثِ قَوْلَهُ ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِوُجُودِ الشَّرْطِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لِغَيْرِهِ بِعْتُك هَذَا الْعَبْدَ فَلَمْ تَقْبَلْ حَيْثُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي إنْكَارِ الْقَبُولِ ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْبَيْعِ يَكُونُ إقْرَارًا بِالشِّرَاءِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتِمُّ إلَّا بِهِ فَإِنْكَارُهُ يَكُونُ رُجُوعًا عَنْهُ فَلَا يُسْمَعُ .

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُسْقِطُ الْخُلْعُ وَالْمُبَارَأَةُ كُلَّ حَقٍّ لِكُلِّ وَاحِدٍ عَلَى الْآخَرِ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالنِّكَاحِ) حَتَّى لَوْ خَالَعَهَا أَوْ بَارَأَهَا بِمَالٍ مَعْلُومٍ كَانَ لِلزَّوْجِ مَا سَمَّتْ لَهُ وَلَمْ يَبْقَ لِأَحَدِهِمَا قِبَلَ صَاحِبِهِ دَعْوَى فِي الْمَهْرِ مَقْبُوضًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَقْبُوضٍ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا أَوْ بَعْدَهُ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يُسْقِطَانِ إلَّا مَا سَمَّيَاهُ وَأَبُو يُوسُفَ مَعَهُ فِي الْخُلْعِ وَمَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْمُبَارَأَةِ لِمُحَمَّدٍ أَنَّ هَذَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَوَجَبَ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْمُسَمَّى كَسَائِرِ الْمُعَاوَضَاتِ وَكَالْإِبَانَةِ وَالطَّلَاقِ بِعِوَضٍ ، وَهَذَا لِأَنَّهُ لَا تَأْثِيرَ لِعَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ إلَّا فِي اسْتِحْقَاقِ الْمَشْرُوطِ ، وَلِهَذَا لَا يَسْقُطُ بِهِمَا دَيْنٌ آخَرُ بِسَبَبٍ آخَرَ غَيْرِ النِّكَاحِ وَلَا نَفَقَةِ الْعِدَّةِ مَعَ كَوْنِهِ يَتَعَلَّقُ بِالنِّكَاحِ وَأَضْعَفُ مِنْ الْمَهْرِ وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمُبَارَأَةَ تَقْتَضِي الْبَرَاءَةَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ مُطْلَقًا ؛ لِأَنَّهَا مُفَاعَلَةٌ مِنْ الْبَرَاءَةِ وَإِنَّمَا قَيَّدْنَاهُ بِحُقُوقِ النِّكَاحِ لِدَلَالَةِ الْحَالِ وَهُوَ أَنَّ غَرَضَهُمَا أَنْ يَبْرَآ مِمَّا لَزِمَهُمَا بِالْمُعَاشَرَةِ لَا بِالْمُعَامَلَةِ فَيَرْجِعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ بِمَا كَانَ لَهُ قَبْلَ الْمُعَاشَرَةِ
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْخُلْعَ أَيْضًا يَقْتَضِي الْبَرَاءَةَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ يُنْبِئُ عَنْ الْخُلْعِ وَهُوَ الْفَصْلُ وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إلَّا إذَا لَمْ يَبْقَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قِبَلَ صَاحِبِهِ حَقٌّ وَإِلَّا تَحَقَّقَتْ الْمُنَازَعَةُ بَعْدَهُ وَلَيْسَ فِي لَفْظِ الطَّلَاقِ وَالْإِبَانَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى إسْقَاطِ الْحُقُوقِ مَعَ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا كَانَا عَلَى مَالٍ وَسَائِرُ الدُّيُونِ لَيْسَ وُجُوبُهَا بِسَبَبِ النِّكَاحِ فَلَا يَدُلُّ اللَّفْظُ عَلَى سُقُوطِهَا عَلَى أَنَّهُ مَمْنُوعٌ فِي رِوَايَةٍ وَنَفَقَةُ الْعِدَّةِ لَمْ تَجِبْ بَعْدُ وَالْخُلْعُ مُسْقِطٌ لِلْوَاجِبِ لَا مَانِعٌ مِنْ الْوُجُوبِ حَتَّى لَوْ شَرَطَا الْبَرَاءَةَ مِنْهَا سَقَطَتْ ، وَلَوْ شَرَطَ الْبَرَاءَةَ مِنْ نَفَقَةِ الْوَلَدِ الصَّغِيرِ وَهِيَ مُؤْنَةُ الرَّضَاعِ يُنْظَرُ فَإِنْ وَقَّتَا لَهُ وَقْتًا كَالسَّنَةِ وَنَحْوِهِ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا وَلَا يَصِحُّ إبْرَاؤُهَا عَنْ السُّكْنَى ؛ لِأَنَّ خُرُوجَهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ وَلَهُ أَنَّ الْخُلْعَ مِنْ جَانِبِهَا مُعَاوَضَةٌ) أَيْ وَالْمُعَاوَضَاتُ تَقْبَلُ الْخِيَارَ كَالْبَيْعِ ا هـ . (قَوْلُهُ فَصَارَ كَالْبَيْعِ) لَكِنَّ جَوَازَهُ فِي الْخُلْعِ غَيْرُ مُقَدَّرٍ بِالثَّلَاثِ عِنْدَهُ حَتَّى لَوْ شَرَطَ الْخِيَارَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ جَازَ ؛ لِأَنَّ تَقْدِيرَ الْخِيَارِ بِالثَّلَاثِ وَرَدَ فِي الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْإِسْقَاطَاتِ وَالْبَيْعُ مِنْ الْإِثْبَاتَاتِ . ا هـ . شَرْحُ الْمَنَارِ لِابْنِ فِرِشْتَا فِي الْمَنْزِلِ ا هـ ..

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ طَلَّقْتُك أَمْسِ بِأَلْفٍ إلَخْ) أَوْ خَالَعْتكِ أَمْسِ بِأَلْفٍ . ا هـ . قُنْيَةٌ . (قَوْلُهُ فَقَالَتْ قَبِلْت صَدَقَ) أَيْ الزَّوْجُ ا هـ . (قَوْلُهُ فَيَكُونُ الْقَوْلُ فِي الْحِنْثِ قَوْلَهُ إلَخْ) قَالَتْ اشْتَرَيْت نَفْسِي مِنْك أَمْسِ بِالْمَهْرِ وَنَفَقَةِ الْعِدَّةِ إلَّا أَنَّك لَمْ تَبِعْ فَقَالَ لَا بَلْ بِعْت وَقَعَ الطَّلَاقُ وَسَقَطَ الْمَهْرُ ، وَلَوْ كَانَ عَلَى الْعَكْسِ فَالْقَوْلُ لَهَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ الزَّوْجُ طَلَّقْتُك أَمْسِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَلَمْ تَقْبَلِي أَوْ قَالَ خَالَعْتُكِ أَمْسِ بِهَا ، وَقَالَتْ لَا بَلْ قَبِلْت فَالْقَوْلُ لَهُ . ا هـ . قُنْيَةٌ ..

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْمُبَارَأَةُ) الْمُبَارَأَةُ بِالْهَمْزَةِ وَتَرْكُهَا خَطَأٌ وَهِيَ أَنْ يَقُولَ لِامْرَأَتِهِ بَرِئْت مِنْ نِكَاحِك بِكَذَا وَتَقْبَلُهُ هِيَ . ا هـ . ابْنُ فِرِشْتَا . (قَوْلُهُ لِمُحَمَّدٍ إنَّ هَذَا) أَيْ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْخُلْعِ وَالْمُبَارَأَةِ ا هـ . (قَوْلُهُ عَلَى أَنَّهُ مَمْنُوعٌ فِي رِوَايَةٍ) ذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي امْرَأَةٍ اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا بِمَا لَهَا عَلَيْهِ مِنْ الْمَهْرِ وَرَضَاعِ وَلَدِهِ الَّذِي هِيَ حَامِلٌ بِهِ إذَا وَلَدَتْهُ فِي سَنَتَيْنِ فَذَلِكَ جَائِزٌ فَإِنْ وَلَدَتْهُ فَمَاتَ أَوْ لَمْ يَكُنْ فِي بَطْنِهَا وَلَدٌ فَإِنَّهَا تَرُدُّ قِيمَةَ الرَّضَاعِ قَالَ بَعْدَ هَذَا ، وَلَوْ جَاءَتْ بِالْوَلَدِ فَمَاتَ بَعْدَ سَنَةٍ فَعَلَيْهَا قِيمَةُ رَضَاعِ وَلَدٍ سَنَةً ، وَلَوْ شَرَطَتْ أَنَّهَا إنْ وَلَدَتْهُ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ فَهِيَ بَرِيئَةٌ مِنْ قِيمَةِ الرَّضَاعِ فَذَلِكَ جَائِزٌ ، وَهَذَا مِمَّا يَجُوزُ فِي الْخُلْعِ نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ إذَا شَرَطَتْ أَنَّهَا إذَا مَاتَتْ أَوْ مَاتَ الْوَلَدُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا فَهَذَا الشَّرْطُ جَائِزٌ . ا هـ . تَتَارْخَانْ .
(قَوْلُهُ وَالْخُلْعُ مُسْقِطٌ لِلْوَاجِبِ إلَخْ) ، وَلَوْ خَالَعَهَا بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ الصَّغِيرُ عِنْدَ الْأَبِ صَحَّ الْخُلْعُ دُونَ الشَّرْطِ ، وَلَوْ خَلَعَتْ عَلَى أَنْ تُمْسِكَ الْوَلَدَ مُدَّةً مَعْلُومَةً يَلْزَمُهَا الْوَفَاءُ بِذَلِكَ . ا هـ . تَتَارْخَانِيَّةٌ . (قَوْلُهُ وَلَا يَصِحُّ إبْرَاؤُهَا مِنْ السُّكْنَى) قَالَ قَاضِي خَانْ فِي بَابِ النَّفَقَاتِ رَجُلٌ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثُمَّ صَالَحَتْهُ مِنْ نَفَقَةِ الْعِدَّةِ عَلَى شَيْءٍ إنْ كَانَتْ الْعِدَّةُ بِالشُّهُورِ صَحَّ الصُّلْحُ وَإِنْ كَانَتْ بِالْحَيْضِ لَمْ يَصِحَّ ، وَلَوْ صَالَحَتْهُ الْمُعْتَدَّةُ مِنْ سُكْنَاهَا عَلَى دَرَاهِمَ مَعْلُومَةٍ لَا يَصِحُّ فِي الْوَجْهَيْنِ ؛ لِأَنَّ السُّكْنَى

(2/272)


مَعْصِيَةٌ وَلَوْ أَبْرَأَتْهُ عَنْ مُؤْنَةِ السُّكْنَى بِأَنْ الْتَزَمَتْهَا أَوْ سَكَنَتْ مِلْكَهَا صَحَّ مَشْرُوطًا فِي الْخُلْعِ ؛ لِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّهَا ثُمَّ جُمْلَةُ الْخُلْعِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ فَإِمَّا أَنْ لَا يُسَمِّيَا شَيْئًا أَوْ سَمَّيَا الْمَهْرَ أَوْ بَعْضَهُ أَوْ مَالًا آخَرَ وَكُلُّ وَجْهٍ عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ الْمَهْرُ مَقْبُوضًا أَوْ غَيْرَ مَقْبُوضٍ وَكُلُّ وَجْهٍ عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ فَصَارَتْ سِتَّةَ عَشَرَ وَجْهًا فَإِنْ لَمْ يُسَمِّيَا شَيْئًا بَرِئَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ حَقِّ الْآخَرِ مِمَّا لَزِمَهُ بِالنِّكَاحِ فِي الصَّحِيحِ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ وَكَانَ الْمَهْرُ مَقْبُوضًا أَوْ غَيْرَ مَقْبُوضٍ حَتَّى لَا يَجِبَ عَلَيْهَا رَدُّ مَا قَبَضَتْ لَوْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ عَنْهُ
وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ يَبْرَأُ عَنْ دَيْنٍ آخَرَ أَيْضًا وَإِنْ سَمَّيَا الْمَهْرَ وَهُوَ أَلْفُ دِرْهَمٍ مَثَلًا فَإِنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ وَلَمْ يَكُنْ مَقْبُوضًا سَقَطَ عَنْهُ كُلُّهُ وَإِنْ كَانَ مَقْبُوضًا رَجَعَ عَلَيْهَا بِجَمِيعِهِ بِالشَّرْطِ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَإِنْ كَانَ الْمَهْرُ مَقْبُوضًا فَفِي الْقِيَاسِ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةِ أَلْفٍ بِالشَّرْطِ وَخَمْسِمِائَةٍ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِالْأَلْفِ الْمَقْبُوضِ فَقَطْ ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ اسْمٌ لِمَا تَسْتَحِقُّهُ الْمَرْأَةُ وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ قَبْلَ الدُّخُولِ فَيَجِبُ عَلَيْهَا رَدُّهُ بِالشَّرْطِ وَخَمْسُمِائَةٍ أُخْرَى بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ ؛ لِأَنَّهَا قَبَضَتْ مَا لَا تَسْتَحِقُّ فَيَجِبُ عَلَيْهَا رَدُّهُ هَكَذَا ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبَ عَلَيْهَا إلَّا خَمْسُمِائَةٍ بِالشَّرْطِ وَيَسْقُطُ عَنْهَا الْبَاقِي بِحُكْمِ الْخُلْعِ كَمَا إذَا خَالَعَهَا عَلَى مَالٍ آخَرَ حَيْثُ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا غَيْرُهُ اسْتِحْسَانًا ، وَكَذَا إذَا سَمَّيَا بَعْضَ الْمَهْرِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهَا الْمُسَمَّى بِالشَّرْطِ وَيَسْقُطُ عَنْهَا الْبَاقِي بِحُكْمِ الْخُلْعِ اسْتِحْسَانًا عَلَى مَا يَجِيءُ بَيَانُهُ مِنْ قَرِيبٍ
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَهْرُ مَقْبُوضًا فَفِي الْقِيَاسِ يَسْقُطُ عَنْهُ جَمِيعُ الْمَهْرِ وَيَرْجِعُ عَلَيْهَا بِخَمْسِمِائَةٍ ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ عَلَيْهَا أَلْفًا بِالشَّرْطِ وَهِيَ تَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ خَمْسَمِائَةٍ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ فَيَلْتَقِيَانِ قِصَاصًا بِقَدْرِهِ وَيَرْجِعُ عَلَيْهَا بِالزَّائِدِ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْمَهْرَ اسْمٌ لِمَا تَسْتَحِقُّهُ الْمَرْأَةُ وَهِيَ خَمْسُمِائَةٍ فَيَجِبُ لَهَا ذَلِكَ عَلَيْهِ وَيَجِبُ لَهُ مِثْلُهُ عَلَيْهَا بِالشَّرْطِ فَيَلْتَقِيَانِ قِصَاصًا وَإِنْ سَمَّيَا بَعْضَ الْمَهْرِ بِأَنْ خَالَعَهَا عَلَى عُشْرِ مَهْرِهَا مَثَلًا وَالْمَهْرُ أَلْفٌ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ وَالْمَهْرُ مَقْبُوضٌ رَجَعَ عَلَيْهَا بِمِائَةِ دِرْهَمٍ بِالشَّرْطِ وَسَلَّمَ الْبَاقِيَ لَهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَقْبُوضًا سَقَطَ عَنْهُ كُلُّ الْمَهْرِ مِائَةً بِالشَّرْطِ وَالْبَاقِي بِحُكْمِ الْخُلْعِ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَإِنْ كَانَتْ قَبَضَتْ الْمَهْرَ فَفِي الْقِيَاسِ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِسِتِّمِائَةٍ مِائَةٌ مِنْهَا بَدَلُ الْخُلْعِ وَخَمْسُمِائَةٍ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ
وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِخَمْسِينَ دِرْهَمًا ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عُشْرُ مَهْرِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ لِمَا ذَكَرْنَا وَبَرِئَتْ الْمَرْأَةُ عَنْ الْبَاقِي بِحُكْمِ لَفْظِ الْخُلْعِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَهْرُ مَقْبُوضًا سَقَطَ كُلُّهُ عَنْهُ اسْتِحْسَانًا الْعُشْرُ بِالشَّرْطِ وَالنِّصْفُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَالْبَاقِي بِحُكْمِ الْخُلْعِ وَإِنْ سَمَّيَا مَالًا آخَرَ غَيْرَ الْمَهْرِ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ وَكَانَ الْمَهْرُ مَقْبُوضًا فَلَهُ الْمُسَمَّى لَا غَيْرُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَقْبُوضًا فَلَهُ الْمُسَمَّى بِالشَّرْطِ وَسَقَطَ عَنْهُ الْمَهْرُ بِحُكْمِ الْخُلْعِ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَإِنْ كَانَ الْمَهْرُ مَقْبُوضًا فَلَهُ الْمُسَمَّى وَيَسْلَمُ لَهَا مَا قَبَضَتْ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا رَدُّ شَيْءٍ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَقْبُوضًا فَلَهُ الْمُسَمَّى بِالشَّرْطِ وَسَقَطَ عَنْهُ الْمَهْرُ بِحُكْمِ الْخُلْعِ .

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ خَلَعَ صَغِيرَتَهُ بِمَالِهَا لَمْ يَجُزْ عَلَيْهَا) أَيْ لَوْ خَلَعَ الْأَبُ ابْنَتَهُ الصَّغِيرَةَ بِمَالِهَا لَا يَنْفُذُ عَلَيْهَا أَمَّا فِي حَقِّ وُجُوبِ الْمَالِ فَظَاهِرٌ ؛ لِأَنَّ الْخُلْعَ عَلَى مَالِهَا كَالتَّبَرُّعِ بِهِ لِكَوْنِهِ مُقَابَلًا بِمَا لَيْسَ بِمَالٍ وَلَا مُتَقَوِّمٍ وَهُوَ مَنَافِعُ الْبُضْعِ ؛ لِأَنَّهَا لَا قِيمَةَ لَهَا حَالَةَ الْخُرُوجِ ، وَلِهَذَا يُعْتَبَرُ خُلْعُ الْمَرِيضَةِ مِنْ الثُّلُثِ بِخِلَافِ نِكَاحِ الْمَرِيضِ ، وَكَذَا لَوْ قَتَلَهَا إنْسَانٌ لَا يَضْمَنُ لِزَوْجِهَا شَيْئًا مِنْ مَنَافِعِ بُضْعِهَا وَالْأَبُ لَا يَمْلِكُ التَّبَرُّعَ بِمَالِهَا . وَأَمَّا فِي حَقِّ وُقُوعِ الطَّلَاقِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ . وَقَوْلُهُ لَمْ يَجُزْ عَلَيْهَا يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ أَحَدَهُمَا أَنْ لَا يَقَعَ الطَّلَاقُ بِقَبُولِ الْأَبِ ؛ لِأَنَّ الْأَبَ لَمَّا لَمْ يَضْمَنْ بَدَلَ الْخُلْعِ كَانَ هَذَا خُلْعًا مَعَ الْبِنْتِ كَأَنَّهُ خَاطَبَهَا بِذَلِكَ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى قَبُولِهَا كَالْكَبِيرَةِ إذَا خَالَعَ عَنْهَا الْأَجْنَبِيُّ وَالثَّانِيَ أَنَّهُ لَمْ يَنْفُذْ عَلَيْهَا فِي حَقِّ وُجُوبِ الْمَالِ فَقَطْ وَيَقَعُ الطَّلَاقُ بِقَبُولِ الْأَبِ وَهُوَ الْأَصَحُّ ذَكَرَهُ فِي الْمُنْتَقَى وَوَجْهُهُ أَنَّهُ عَلَّقَهُ بِقَبُولِ الْأَبِ فَيَكُونُ كَتَعْلِيقِهِ بِسَائِرِ أَفْعَالِهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ وُجُوبِ الْمَالِ عَدَمُ وُقُوعِ الطَّلَاقِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْخُلْعَ بِالْخَمْرِ يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ وَلَا يُوجِبُ شَيْئًا .

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ بِأَلْفٍ عَلَى أَنَّهُ ضَامِنٌ طَلُقَتْ وَالْأَلْفُ عَلَيْهِ) أَيْ لَوْ خَالَعَهَا الْأَبُ عَلَى أَنَّهُ ضَامِنٌ لِبَدَلِ الْخُلْعِ جَازَ وَلَزِمَهُ الْمَالُ ؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ بَدَلِ الْخُلْعِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَصِحُّ إسْقَاطُ الْمَرْأَةِ . ا هـ . وَقَالَ أَيْضًا وَإِنْ اخْتَلَعَتْ عَلَى نَفَقَةِ الْعِدَّةِ وَالسُّكْنَى تَسْقُطُ نَفَقَةُ الْعِدَّةِ وَكَانَ لَهَا السُّكْنَى وَإِنْ اخْتَلَعَتْ بِمَالٍ وَلَمْ تَذْكُرْ نَفَقَةَ الْعِدَّةِ كَانَ لَهَا النَّفَقَةُ وَإِنْ اخْتَلَعَتْ عَلَى نَفَقَةِ الْعِدَّةِ سَقَطَتْ النَّفَقَةُ وَإِنْ اخْتَلَعَتْ بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ عَنْ مُؤْنَةِ السُّكْنَى بِأَنْ قَالَتْ أَنَا أَكْتَرِي بَيْتًا وَأَعْتَدُّ فِيهِ كَانَ لَهَا أَنْ تَكْتَرِيَ بَيْتًا وَتَعْتَدَّ فِيهِ وَإِنْ طَلُقَتْ الْمَرْأَةُ وَهِيَ فِي بَيْتٍ بِكِرَاءٍ كَانَ الْكِرَاءُ عَلَى زَوْجِهَا مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ وَإِنْ أَبْرَأَتْهُ عَنْ نَفَقَةِ الْعِدَّةِ بَعْدَ الْخُلْعِ لَا يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ ا هـ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَإِنْ خَالَعَهَا عَلَى أَنْ لَا سُكْنَى لَهَا وَلَا نَفَقَةَ فَلَهَا السُّكْنَى وَإِنْ خَالَعَهَا عَلَى أَنَّ مُؤْنَةَ السُّكْنَى عَلَى الْمَرْأَةِ تَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ . ا هـ . وَسَيَأْتِي فِي فَصْلِ الْإِحْدَادِ مِنْ هَذَا الشَّرْحِ لَوْ اخْتَلَعَتْ عَلَى أَنْ لَا سُكْنَى لَهَا فَإِنَّ مُؤْنَةَ السُّكْنَى تَسْقُطُ عَنْهُ وَيَلْزَمُهَا أَنْ تَكْتَرِيَ بَيْتَ الزَّوْجِ وَلَا يَحِلُّ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ مِنْهُ ا هـ ..

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لَمْ يَجُزْ عَلَيْهَا وَطَلُقَتْ) طَلُقَتْ لَيْسَ فِي خَطِّ الشَّارِحِ وَهُوَ ثَابِتٌ فِي نَسْخِ الْمَتْنِ ا هـ وَكَلَامُ الشَّارِحِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْمَتْنِ وَتَأَمَّلْ قَوْلَ الشَّارِحِ . وَقَوْلُهُ لَمْ يَجُزْ عَلَيْهَا إلَخْ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ إلَخْ فَإِنَّهُ يُفْصِحُ بِذَلِكَ ا هـ ..

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ ، وَلَوْ بِأَلْفٍ عَلَى أَنَّهُ ضَامِنٌ طَلُقَتْ إلَخْ) قَالَ قَاضِي خَانْ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي بَابِ الْخُلْعِ رَجُلٌ خَلَعَ ابْنَتَهُ مِنْ زَوْجِهَا إنْ كَانَتْ الْبِنْتُ

(2/273)


صَحِيحٌ فَعَلَى الْأَبِ أَوْلَى وَلَمْ يُرِدْ بِهَذَا الضَّمَانِ الْكَفَالَةَ عَنْ الصَّغِيرَةِ ؛ لِأَنَّ الْمَالَ لَا يَلْزَمُهَا وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِهِ الْتِزَامُ الْمَالِ ابْتِدَاءً ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ اشْتِرَاطُهُ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ بِخِلَافِ بَدَلِ الْعِتْقِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُهُ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْإِعْتَاقَ إثْبَاتُ الْقُوَّةِ وَالطَّلَاقَ إسْقَاطُ الْمِلْكِ وَلَا يَحْصُلُ لَهَا بِهِ شَيْءٌ لَمْ يَكُنْ لَهَا مِنْ قَبْلُ وَاشْتِرَاطُ الْبَدَلِ فِيهِ الْتِزَامٌ لِلْمَالِ ابْتِدَاءً كَالْكَفَالَةِ فَيَصِحُّ اشْتِرَاطُهُ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ كَمَا يَصِحُّ عَلَيْهَا وَفِي الْعِتْقِ يَحْصُلُ لَهُ بِهِ قُوَّةٌ شَرْعِيَّةٌ فَصَارَ مُعَاوَضَةً كَالْبَيْعِ فَلَا يَصِحُّ اشْتِرَاطُهُ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ كَالثَّمَنِ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ أَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَهُ عَلَى خَمْرٍ يَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَةُ نَفْسِهِ ، وَلَوْ خَالَعَهَا عَلَيْهَا لَا يَجِبُ شَيْءٌ فَافْتَرَقَا
وَلَوْ شَرَطَ الزَّوْجُ الْبَدَلَ عَلَيْهَا تَوَقَّفَ عَلَى قَبُولِهَا إنْ كَانَتْ أَهْلًا لَهُ بِأَنْ تَكُونَ مُمَيِّزَةً وَهِيَ الَّتِي تَعْرِفُ أَنَّ الْخُلْعَ سَالِبٌ وَالنِّكَاحَ جَالِبٌ فَإِنْ قَبِلَتْ وَقَعَ اتِّفَاقًا لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَوُقُوعُ الطَّلَاقِ يَعْتَمِدُهُ دُونَ لُزُومِ الْمَالِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَإِنْ قَبِلَ الْأَبُ عَنْهَا صَحَّ فِي رِوَايَةٍ ؛ لِأَنَّهُ نَفْعٌ مَحْضٌ ؛ لِأَنَّهَا تَتَخَلَّصُ عَنْ عُهْدَتِهِ بِلَا مَالٍ وَلِذَلِكَ صَحَّ مِنْهَا فَصَارَ كَقَبُولِ الْهِبَةِ وَلَا يَصِحُّ فِي أُخْرَى ؛ لِأَنَّ قَبُولَهَا بِمَعْنَى شَرْطِ الْيَمِينِ وَهُوَ لَا يَحْتَمِلُ النِّيَابَةَ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ وَإِنْ خَالَعَهَا عَلَى مَهْرِهَا تَوَقَّفَ عَلَى قَبُولِهَا فَإِنْ قَبِلَتْ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَلَمْ يَسْقُطْ مِنْ الْمَهْرِ شَيْءٌ لِمَا ذَكَرْنَا وَإِنْ قَبِلَهُ الْأَبُ فَعَلَى الرِّوَايَتَيْنِ مَا لَمْ يَضْمَنْهُ وَإِنْ ضَمِنَهُ صَحَّ وَوَقَعَ الطَّلَاقُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ ثُمَّ قِيلَ تَأْوِيلُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يُخَالِعَهَا عَلَى مَالٍ آخَرَ مِثْلَ مَهْرِهَا أَمَّا الْخُلْعُ عَلَى مَهْرِهَا فَغَيْرُ جَائِزٍ ؛ لِأَنَّ الْأَبَ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ إبْطَالِ مِلْكِهَا بِمُقَابَلَةِ مَا لَيْسَ بِمُتَقَوِّمٍ
وَلَا يُعْتَبَرُ ضَمَانُهُ فِي ذَلِكَ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْخُلْعَ عَلَى مَهْرِهَا كَالْخُلْعِ عَلَى مَالٍ آخَرَ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَتَنَاوَلُ مِثْلَهُ لَا عَيْنَهُ وَضَمَانُ الْأَبِ إيَّاهُ صَحِيحٌ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَنْظُرُ فَإِنْ كَانَ مَهْرُهَا أَلْفًا مَثَلًا وَكَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ لَزِمَهُ الْأَلْفُ قِيَاسًا وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَلْزَمُهُ خَمْسُمِائَةٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ وَجْهُهُمَا وَأَصْلُهُ أَنَّ الْكَبِيرَةَ إذَا خَالَعَتْ عَلَى مَهْرِهَا وَهُوَ أَلْفٌ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا وَقَبْلَ قَبْضِ الْمَهْرِ فِي الْقِيَاسِ يَلْزَمُهَا خَمْسُمِائَةٍ ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ لَهُ عَلَيْهَا أَلْفٌ بِالشَّرْطِ وَوَجَبَ لَهَا عَلَيْهِ خَمْسُمِائَةٍ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ فَالْتَقَيَا بِقَدْرِهِ قِصَاصًا فَبَقِيَ عَلَيْهَا خَمْسُمِائَةٍ زَائِدَةٌ وَبَعْدَ الْقَبْضِ يَجِبُ عَلَيْهَا أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ أَلْفٌ بِالشَّرْطِ وَخَمْسُمِائَةٍ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا شَيْءٌ قَبْلَ الْقَبْضِ ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ يُرَادُ بِهِ مَا تَسْتَحِقُّهُ الْمَرْأَةُ عُرْفًا وَهُوَ نِصْفُ الْمَهْرِ فَيَسْقُطُ عَنْهُ وَبَعْدَ الْقَبْضِ يَجِبُ عَلَيْهَا رَدُّ خَمْسِمِائَةٍ بِالشَّرْطِ لِمَا قُلْنَا وَتَبْرَأُ عَنْ الْبَاقِي بِحُكْمِ الْخُلْعِ
وَعَلَى مَا ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ فِيمَا تَقَدَّمَ يَجِبُ عَلَيْهَا رَدُّ الْأَلْفِ كُلِّهِ ثُمَّ جُمْلَةُ مَا فِيهِ أَنَّهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ بِقَبُولِهَا فِي الصُّوَرِ كُلِّهَا وَفِي وُقُوعِهِ بِقَبُولِ الْأَبِ رِوَايَتَانِ مَا لَمْ يَضْمَنْ وَلَوْ ضَمِنَ كَمَا فِي الْكَبِيرَةِ إذَا خَالَعَ عَنْهَا الْأَجْنَبِيُّ وَقَدْ ذَكَرْنَا حُكْمَ خُلْعِ الْأَبِ فَنَذْكُرُ طَرَفًا مِنْ حُكْمِ خُلْعِ الْأَجْنَبِيِّ لِيَزْدَادَ وُضُوحًا لِكَوْنِهِ مَبْنِيًّا عَلَيْهِ فَنَقُولُ بَدَلُ الْخُلْعِ إذَا أُضِيفَ إلَى الْأَجْنَبِيِّ يُشْتَرَطُ قَبُولُهُ وَإِنْ أُضِيفَ إلَى الْمَرْأَةِ وَإِلَى الْعَيْنِ وَالْمَرْأَةُ مُخَاطَبَةٌ أَوْ لَمْ يُضَفْ إلَى أَحَدٍ يُشْتَرَطُ قَبُولُهَا ؛ لِأَنَّهَا أَوْلَى بِهَذَا الْعَقْدِ إذْ الْمِلْكُ يَسْقُطُ عَنْهَا بَيَانُهُ رَجُلٌ قَالَ لِآخَرَ اخْلَعْ امْرَأَتَك عَلَى هَذَا الْعَبْدِ أَوْ عَلَى هَذَا الْأَلْفِ فَالْقَبُولُ إلَى الْمَرْأَةِ ؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ لَمْ يُضَفْ إلَى أَحَدٍ وَلَزِمَهَا تَسْلِيمُ ذَلِكَ أَوْ قِيمَتِهِ إنْ عَجَزَتْ ،
وَلَوْ قَالَ اخْلَعْهَا عَلَى عَبْدِي هَذَا أَوْ عَلَى أَلْفَيْ هَذِهِ فَخَلَعَهَا صَحَّ الْخُلْعُ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى قَبُولِ الْمَرْأَةِ ؛ لِأَنَّ الْعَاقِدَ هُوَ الْأَجْنَبِيُّ وَلَا إلَى قَبُولِهِ ؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَ يَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْعَقْدِ فِيهِ كَالنِّكَاحِ وَكَانَ الْبَدَلُ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ أُضِيفَ إلَيْهِ وَإِنْ اسْتَحَقَّ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ ، وَلَوْ قَالَتْ لِزَوْجِهَا اخْلَعْنِي عَلَى عَبْدِ فُلَانٍ أَوْ دَارِهِ فَأَجَابَهَا يُشْتَرَطُ قَبُولُهَا ؛ لِأَنَّهَا مُخَاطَبَةٌ ، وَكَذَا لَوْ قَالَ الزَّوْجُ خَالَعْتُكِ عَلَى عَبْدِ فُلَانٍ ؛ لِأَنَّ الْخِطَابَ جَرَى مَعَهَا فَكَانَتْ هِيَ الدَّاخِلَةَ فِي الْعَقْدِ وَلَوْ قَالَ الزَّوْجُ لِرَبِّ الْعَبْدِ خَالَعْتُ امْرَأَتِي عَلَى عَبْدِك يُعْتَبَرُ قَبُولُ صَاحِبِ الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ أُضِيفَ إلَيْهِ ، وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ لِلزَّوْجِ اخْلَعْ امْرَأَتَك عَلَى عَبْدِ فُلَانٍ يُعْتَبَرُ قَبُولُ فُلَانٍ لِأَنَّ الْبَدَلَ أُضِيفَ إلَيْهِ ، وَلَوْ قَالَتْ اخْلَعْنِي عَلَى أَلْفٍ عَلَى أَنَّ فُلَانًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
كَبِيرَةً وَضَمِنَ الْأَبُ بَدَلَ الْخُلْعِ تَمَّ الْخُلْعُ لِأَنَّ الْأَجْنَبِيَّ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ يَتِمُّ الْخُلْعُ فَالْأَبُ أَوْلَى وَإِنْ خَالَعَ الْأَبُ عَلَى صَدَاقِهَا تَمَّ الْخُلْعُ أَيْضًا ثُمَّ يُنْظَرُ إنْ أَجَازَتْ الْمَرْأَةُ تَصِحُّ إجَازَتُهَا وَيَسْقُطُ الْمَهْرُ وَإِنْ لَمْ تُجِزْ كَانَ صَدَاقُهَا عَلَى الزَّوْجِ وَيَرْجِعُ الزَّوْجُ عَلَى الْأَبِ بِحُكْمِ الضَّمَانِ كَأَنَّ الْأَبَ قَالَ لَهُ خَالِعْ عَلَى صَدَاقِهَا إنْ أَجَازَتْ وَإِنْ لَمْ تُجِزْ فَعَلَى مِقْدَارِ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ الْبِنْتُ صَغِيرَةً فَإِنْ ضَمِنَ الْأَبُ تَمَّ الْخُلْعُ بِقَبُولِهِ وَيَكُونُ صَدَاقُهَا عَلَى الزَّوْجِ ثُمَّ يَرْجِعُ الزَّوْجُ عَلَى الْأَبِ وَإِنْ لَمْ يَضْمَنْ الْأَبُ لَا يَجِبُ الْمَالُ لَا عَلَى الْأَبِ وَلَا عَلَى الصَّغِيرَةِ كَمَا لَوْ كَانَتْ كَبِيرَةً وَهَلْ يَقَعُ الطَّلَاقُ إنْ قَبِلَتْ الصَّغِيرَةُ يَقَعُ كَمَا لَوْ كَانَ الْخُلْعُ مَعَ الصَّغِيرَةِ وَإِنْ قَبِلَ الْأَبُ عِنْدَ الْخُلْعِ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ لِاخْتِلَافِ الرِّوَايَةِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَقَعُ لِأَنَّ لِسَانَ الْأَبِ كَلِسَانِهَا ا هـ وَهُنَاكَ فُرُوعٌ أُخَرُ فَانْظُرْهَا .
(قَوْلُهُ فَالْقَبُولُ إلَى الْمَرْأَةِ) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ ؛ لِأَنَّ الْعَاقِدَ هِيَ الْمَرْأَةُ ؛ لِأَنَّ الْمُنْتَفِعَ بِهِ هِيَ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ إضَافَةُ الْبَدَلِ إلَى نَفْسِهِ إضَافَةَ ضَمَانٍ أَوْ إضَافَةَ مِلْكٍ فَإِنْ اُسْتُحِقَّ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ ضَمِنَتْهُ الْمَرْأَةُ ؛ لِأَنَّهَا عَجَزَتْ عَنْ تَسْلِيمِ الْمُشَارِ إلَيْهِ فَيَجِبُ تَسْلِيمُ مَا لَا تَعْجِزُ عَنْ تَسْلِيمِهِ ا هـ . (قَوْلُهُ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى قَبُولِ الْمَرْأَةِ) أَيْ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَضَافَ الْبَدَلَ إلَى نَفْسِهِ إضَافَةَ مِلْكٍ فَقَدْ جَعَلَ مِلْكَ نَفْسِهِ بَدَلَ الْخُلْعِ وَالْخُلْعُ يُوجِبُ تَسْلِيمَ الْبَدَلِ فَصَارَ مُسْتَوْجِبًا لِلْبَدَلِ فَإِيجَابُ الْأَجْنَبِيِّ بَدَلَ الْخُلْعِ جَائِزٌ فَصَارَ تَقْدِيرُ هَذَا الْخُلْعِ كَأَنَّهُ قَالَ خَالِعْ امْرَأَتَك بِأَلْفٍ يَجِبُ عَلَيَّ ابْتِدَاءً بِحُكْمِ الْخُلْعِ ، وَلَوْ قَالَ هَكَذَا يَكُونُ الْعَاقِدُ هُوَ وَالْقَبُولُ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَشْتَرِطُ قَبُولَ مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْبَدَلُ بِحُكْمِ الْعَقْدِ . ا هـ . وَلْوَالِجِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

(2/274)


ضَامِنٌ فَأَجَابَهَا تَمَّ الْخُلْعُ مَعَهَا ؛ لِأَنَّهَا الْعَاقِدَةُ وَتَوَقَّفَ الضَّمَانُ عَلَى قَبُولِ فُلَانٍ ، وَلَوْ وَكَّلَتْ رَجُلًا بِأَنْ يَخْلَعَهَا مِنْ زَوْجِهَا بِأَلْفٍ فَفَعَلَ لَزِمَهَا الْمَالُ دُونَ الْوَكِيلِ ؛ لِأَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ فِي الْخُلْعِ تَرْجِعُ إلَى مَنْ عُقِدَ لَهُ لَا إلَى الْوَكِيلِ
وَلَوْ ضَمِنَ الْوَكِيلُ صَحَّ وَطُولِبَ بِهِ وَإِذَا أَدَّى رَجَعَ بِهِ عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْخُلْعَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهَا فَكَانَ فَائِدَةُ الْأَمْرِ بِالْخُلْعِ وُجُوبَ الرُّجُوعِ عَلَيْهَا بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالنِّكَاحِ إذَا ضَمِنَ حَيْثُ لَا يَرْجِعُ عَلَى الزَّوْجِ إلَّا إذَا ضَمِنَ بِأَمْرِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ أَنْ يُزَوِّجَهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَكَانَ فَائِدَةُ الْأَمْرِ جَوَازَ النِّكَاحِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ كَالْخُلْعِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ ، وَلَوْ وَكَّلَتْ رَجُلًا بِأَنْ يَخْلَعَهَا مِنْ زَوْجِهَا بِأَلْفٍ) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - امْرَأَةٌ وَكَّلَتْ رَجُلًا بِأَنْ يَخْلَعَهَا مِنْ زَوْجِهَا بِأَلْفٍ فَإِنْ أَرْسَلَ الْوَكِيلُ الْبَدَلَ بِأَنْ قَالَ خَالِعْ امْرَأَتَكَ عَلَى أَلْفٍ أَوْ عَلَى هَذِهِ الْأَلْفِ أَوْ أَضَافَ الْبَدَلَ إلَى نَفْسِهِ إضَافَةَ مِلْكٍ أَوْ إضَافَةَ ضَمَانٍ بِأَنْ قَالَ خَالِعْهَا عَلَى أَلْفٍ مِنْ مَالِي أَوْ بِالْفَيْءِ أَوْ بِأَلْفٍ عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ يَتِمُّ الْخُلْعُ بِقَوْلِ الْوَكِيلِ ؛ لِأَنَّ قَبُولَ النَّائِبِ كَقَبُولِهَا ثُمَّ إنْ كَانَ الْبَدَلُ مُرْسَلًا فَالْبَدَلُ عَلَيْهَا وَهِيَ تُطَالِبُ بِهِ ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ فِي بَابِ الْخُلْعِ سَفِيرٌ وَرَسُولٌ وَكَانَ الْمُوَكِّلُ هُوَ الَّذِي يَرْجِعُ إلَيْهِ الْحُقُوقُ وَإِنْ كَانَ مُضَافًا إلَى أَلْفِهِ وَغَيْرُ ذَلِكَ فَالْبَدَلُ عَلَى الْوَكِيلِ وَهُوَ مُطَالَبٌ بِهِ لَا الْمَرْأَةُ وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهَا وَإِنْ لَمْ تَأْمُرْهُ بِالضَّمَانِ فَرَّقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْوَكِيلِ بِالنِّكَاحِ إذَا زَوَّجَ امْرَأَةً لِلْمُوَكِّلِ بِأَلْفٍ عَلَى أَنَّهُ ضَامِنٌ فَإِنَّ ثَمَّةَ الْمَرْأَةُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَتْ طَالَبَتْ الزَّوْجَ بِالْمَهْرِ وَإِنْ شَاءَتْ طَالَبَتْهُ
وَهَا هُنَا لَا يَكُونُ لِلزَّوْجِ أَنْ يُطَالِبَ الْمَرْأَةَ بِبَدَلِ الْخُلْعِ وَثَمَّةَ إذَا أَدَّى لَا يَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَ وَهُنَا يَرْجِعُ وَالْفَرْقُ هُوَ أَنَّ مَا يَجِبُ عَلَى الْوَكِيلِ بِالْخُلْعِ إذَا كَانَ الْبَدَلُ مُضَافًا إلَيْهِ يَجِبُ ابْتِدَاءً بِحُكْمِ الْخُلْعِ لَا بِحُكْمِ الضَّمَانِ وَكَانَ الْوَكِيلُ مَالِكًا لِهَذَا النَّوْعِ مِنْ الْخُلْعِ قَبْلَ الْوَكَالَةِ وَقَدْ دَخَلَ تَحْتَ مُطْلَقِ الْوَكَالَةِ وَكَانَ فَائِدَةُ الدُّخُولِ تَحْتَ الْوَكَالَةِ الرُّجُوعَ بِمَا ضَمِنَ ، وَلِهَذَا كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ قَبْلَ الْأَدَاءِ ؛ لِأَنَّهُ يَرْجِعُ بِحُكْمِ الْوَكَالَةِ لَا بِحُكْمِ الضَّمَانِ فَأَمَّا الْوَكِيلُ بِالنِّكَاحِ إذَا ضَمِنَ فَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ الْمَهْرُ بِحُكْمِ الضَّمَانِ عَلَى الزَّوْجِ لَا بِحُكْمِ النِّكَاحِ ابْتِدَاءً وَكَانَتْ الْمَرْأَةُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَتْ طَالَبَتْ الْأَصْلَ وَإِنْ شَاءَتْ طَالَبَتْ الضَّمِينَ ، وَإِذَا أَدَّى لَا يَرْجِعُ ؛ لِأَنَّهُ ضَمِنَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ ا هـ .

(2/275)


(بَابُ الظِّهَارِ) .
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (هُوَ تَشْبِيهُ الْمَنْكُوحَةِ بِمُحَرَّمَةٍ عَلَيْهِ عَلَى التَّأْبِيدِ) وَزَادَ فِي النِّهَايَةِ لَفْظَةَ اتِّفَاقًا لِيُخْرِجَ أُمَّ الْمَزْنِيِّ بِهَا وَبِنْتَهَا لِأَنَّهُ لَوْ شَبَّهَهَا بِهِمَا لَا يَكُونُ مُظَاهِرًا وَعَزَاهُ إلَى شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ ، وَفِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ يَكُونُ مُظَاهِرًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْقَاضِي إذَا قَضَى بِجَوَازِ نِكَاحِهِمَا يَنْفُذُ عِنْدَهُ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ ، وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ لَوْ قَبَّلَ امْرَأَةً وَلَمَسَهَا أَوْ نَظَرَ إلَى فَرْجِهَا بِشَهْوَةٍ ثُمَّ شَبَّهَ امْرَأَتَهُ بِابْنَتِهَا لَمْ يَكُنْ مُظَاهِرًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَلَا يُشْبِهُ هَذَا الْوَطْءَ لِأَنَّ حُرْمَتَهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا ، وَحُرْمَةَ الدَّوَاعِي غَيْرُ مَنْصُوصٍ عَلَيْهَا ، وَهُوَ فِي اللُّغَةِ مُقَابَلَةُ الظَّهْرِ بِالظَّهْرِ لِأَنَّهُمَا إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا شَحْنَاءُ يَجْعَلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ظَهْرَهُ إلَى ظَهْرِ الْآخَرِ .

وَشَرْطُهُ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ مَنْكُوحَةً ، وَالرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْكَفَّارَةِ حَتَّى لَا يَصِحَّ ظِهَارُ الذِّمِّيِّ وَرُكْنُهُ قَوْلُهُ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ

وَحُكْمُهُ حُرْمَةُ الْوَطْءِ ، وَالدَّوَاعِي إلَى وُجُودِ الْكَفَّارَةِ ، وَكَانَ طَلَاقًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَقَرَّرَ الشَّرْعُ أَصْلَهُ ، وَنَقَلَ حُكْمَهُ إلَى تَحْرِيمٍ مُؤَقَّتٍ بِالْكَفَّارَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (حُرِّمَ عَلَيْهِ الْوَطْءُ ، وَدَوَاعِيهِ بِأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي حَتَّى يُكَفِّرَ) أَيْ حُرِّمَ عَلَى الْمُظَاهِرِ الْوَطْءُ ، وَدَوَاعِيهِ كَاللَّمْسِ وَالْقُبْلَةِ بِشَهْوَةٍ بِقَوْلِهِ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي حَتَّى يُكَفِّرَ عَنْ ظِهَارِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [المجادلة : 3] إلَى أَنْ قَالَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بَابُ الظِّهَارِ) .
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ هُوَ تَشْبِيهُ الْمَنْكُوحَةِ) احْتِرَازٌ عَنْ الْأَمَةِ وَالْأَجْنَبِيَّةِ ا هـ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ بِمُحَرَّمَةٍ) احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ حَرَامًا عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمُظَاهِرٍ كَمَا إذَا شَبَّهَ إحْدَى امْرَأَتَيْهِ بِالْأُخْرَى عَلَى التَّأْبِيدِ وَاحْتِرَازٌ عَمَّا إذَا شَبَّهَ بِأُخْتِ امْرَأَتِهِ أَوْ بِمَجُوسِيَّةٍ أَجْنَبِيَّةٍ . ا هـ . رَازِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ عَلَى التَّأْبِيدِ) أَيْ كَالْأُمِّ وَالْأُخْتِ وَالْخَالَةِ وَالْعَمَّةِ سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ نَسَبٍ أَوْ مِنْ رَضَاعٍ أَوْ مُصَاهَرَةٍ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا شَحْنَاءُ) ضَبَطَهَا الشَّارِحُ بِالْقَلَمِ بِكَسْرِ الشِّينِ . ا هـ .

(قَوْلُهُ وَالرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْكَفَّارَةِ وَإِلَخْ) وَأَهْلُهُ مَنْ كَانَ أَهْلًا لِسَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ وَهُوَ الْعَاقِلُ الْبَالِغُ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي إلَخْ) فَيَقَعُ الظِّهَارُ بِهِ سَوَاءٌ وُجِدَتْ النِّيَّةُ أَوْ لَمْ تُوجَدْ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِي الظِّهَارِ وَكَذَا إذَا شَبَّهَ بِعُضْوٍ شَائِعٍ أَوْ مُعَبَّرٍ بِهِ عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ كَمَا فِي الطَّلَاقِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَمِنْ شَرَائِطِهِ أَنْ يَكُونَ لِمَرْأَةٍ مُحَلَّلَةٍ بِالنِّكَاحِ لَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ حَتَّى لَوْ ظَاهَرَ مِنْ أَمَتِهِ أَوْ مُدَبَّرَتِهِ أَوْ أُمِّ وَلَدِهِ لَا يَصْلُحُ لِأَنَّ حُكْمَ الظِّهَارِ ثَابِتٌ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ لِكَوْنِهِ مُنْكَرًا مِنْ الْقَوْلِ وَزُورًا فَاقْتَصَرَ عَلَى مَوْرِدِ النَّصِّ قَالَ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [المجادلة : 3] . ا هـ .

(قَوْلُهُ إلَى وُجُودِ الْكَفَّارَةِ) أَيْ مَعَ بَقَاءِ أَصْلِ النِّكَاحِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِلْمُظَاهِرِ الْمُوَاقِعِ اسْتَغْفِرْ اللَّهَ وَلَا تَعُدْ حَتَّى تُكَفِّرَ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَنُقِلَ حُكْمُهُ إلَى تَحْرِيمٍ مُوَقَّتٍ) أَيْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ الظِّهَارُ مُزِيلًا لِلنِّكَاحِ كَالْحَيْضِ يَحْرُمُ بِهِ الْوَطْءُ إلَى وُجُودِ الطُّهْرِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَزُولَ النِّكَاحُ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَهَذَا لِأَنَّهُ جِنَايَةٌ لِكَوْنِهِ مُنْكَرًا مِنْ الْقَوْلِ وَزُورًا فَيُنَاسِبُ الْمُجَازَاةَ عَلَيْهَا بِالْحُرْمَةِ وَارْتِفَاعَهَا بِالْكَفَّارَةِ ا هـ وَقَوْلُهُ وَهَذَا إشَارَةٌ إلَى نَقْلِ حُكْمِ الظِّهَارِ إلَى تَحْرِيمٍ مُوَقَّتٍ بِالْكَفَّارَةِ بَيَانُهُ أَنَّ الظِّهَارَ جِنَايَةٌ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّاهُ فِي آيَةِ الظِّهَارِ مُنْكَرًا وَزُورًا قَالَ تَعَالَى {وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا} [المجادلة : 2] أَرَادَ بِالْمُنْكَرِ مَا تُنْكِرُهُ الْحَقِيقَةُ وَالشَّرْعُ وَبِالزُّورِ الْكَذِبَ وَالْبَاطِلَ فَنَاسَبَ أَنْ يُجَازِيَ بِثُبُوتِ الْحُرْمَةِ وَارْتِفَاعِ تِلْكَ الْحُرْمَةِ بِالْكَفَّارَةِ زَجْرًا لَهُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ

(3/2)


{فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة : 3] نَزَلَتْ فِي «خَوْلَةَ بِنْتِ مَالِكِ بْنِ ثَعْلَبَةَ امْرَأَةِ أَوْسِ بْنِ الصَّامِتِ رَآهَا وَهِيَ تُصَلِّي ، وَكَانَتْ حَسْنَاءَ فَلَمَّا سَلَّمَتْ رَاوَدَهَا فَأَبَتْ فَغَضِبَ فَظَاهَرَ مِنْهَا فَأَتَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ إنَّ أَوْسًا تَزَوَّجَنِي وَأَنَا شَابَّةٌ مَرْغُوبٌ فِي وَلَمَّا خَلَا سِنِّي وَنَثَرَ بَطْنِي جَعَلَنِي كَأُمِّهِ» ، وَرُوِيَ «أَنَّهَا قَالَتْ لَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إنَّ لِي مِنْهُ صِبْيَةً إنْ ضَمَمْتهمْ إلَيْهِ ضَاعُوا ، وَإِنْ ضَمَمْتهمْ إلَيَّ جَاعُوا فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَا عِنْدِي فِي أَمْرِك مِنْ شَيْءٍ ، وَرُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ لَهَا حُرِّمْت عَلَيْهِ فَهَتَفَتْ وَشَكَتْ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَنَزَلَتْ الْآيَةُ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يُعْتِقُ رَقَبَةً فَقَالَتْ قُلْت لَا يَجِدُ قَالَ فَيَصُومُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ شَيْخٌ كَبِيرٌ مَا بِهِ مِنْ صِيَامٍ قَالَ فَلْيُطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا قُلْت مَا عِنْدَهُ مِنْ شَيْءٍ فَقَالَ سَأُعِينُهُ بِعَرَقٍ مِنْ تَمْرٍ فَقُلْت فَإِنِّي أُعِينُهُ بِعَرَقٍ آخَرَ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَحْسَنْت اذْهَبِي فَأَطْعِمِي عَنْهُ سِتِّينَ مِسْكِينًا» الْحَدِيثَ ، وَلِأَنَّهُ مُنْكَرٌ مِنْ الْقَوْلِ وَزُورٌ حَيْثُ شَبَّهَ مَنْ هِيَ فِي أَقْصَى غَايَاتِ الْحِلِّ بِمَنْ هِيَ فِي أَقْصَى غَايَاتِ الْحُرْمَةِ فَنَاسَبَ أَنْ يُجَازِيَ بِهِ بِالْحُرْمَةِ الْمُغَيَّاةَ بِالْكَفَّارَةِ ، وَالْوَطْءُ إذَا حُرِّمَ حُرِّمَ بِدَوَاعِيهِ كَيْ لَا يَقَعَ فِيهِ كَمَا فِي حَالَةِ الْإِحْرَامِ وَالِاعْتِكَافِ وَالِاسْتِبْرَاءِ بِخِلَافِ الْحَائِضِ وَالصَّائِمِ لِأَنَّهُ يَكْثُرُ وُجُودُهُمَا فَلَوْ حُرِّمَ الدَّوَاعِي لَأَفْضَى إلَى الْحَرَجِ ، وَلَا يُقَالُ كَثْرَةُ الْوُجُودِ تَدْعُو إلَى شَرْعِ الزَّوَاجِرِ لِيَقِلَّ فَلَا يَدُلُّ عَلَى السُّقُوطِ لِأَنَّا نَقُولُ أَيَّامُ الطُّهْرِ وَالْفِطْرِ أَكْثَرُ فَبِوُجُودِ الْوَطْءِ فِيهِمَا تَفْتُرُ الرَّغْبَةُ عَنْهَا فَلَا تَدْعُو إلَى شَرْعِ الزَّوَاجِرِ ، وَلِأَنَّ الدَّوَاعِيَ لَا تُفْضِي إلَى الْوَطْءِ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ لِأَنَّ الطِّبَاعَ تَنْفِرُ عَنْهَا فَلَا تَكُونُ دَاعِيَةً فِي هَذِهِ الْحَالَةِ ، وَالْحُرْمَةُ بِاعْتِبَارِهِ فَلَا تَحْرُمُ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تَحْرُمُ الدَّوَاعِي لِأَنَّ التَّمَاسَّ أُرِيدَ بِهِ الْوَطْءُ ، وَهُوَ مَجَازٌ فِيهِ فَلَا يُرَادُ بِهِ الْحَقِيقَةُ ، وَنَحْنُ نَقُولُ التَّمَاسُّ حَقِيقَةً اللَّمْسُ بِالْيَدِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ حَتَّى يَقُومَ الدَّلِيلُ عَلَى الْمَجَازِ أَوْ نَقُولُ إنَّهُ يَتَنَاوَلُ الْمَجَازَ لَفْظًا ، وَيَلْحَقُ غَيْرُهُ بِهِ بِالْقِيَاسِ احْتِيَاطًا فِي مَوْضِعِ الْحُرْمَةِ ، وَبِمِثْلِهِ لَا يَمْتَنِعُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَلَوْ وَطِئَ قَبْلَهُ اسْتَغْفَرَ رَبَّهُ فَقَطْ) أَيْ لَوْ وَطِئَ قَبْلَ التَّكْفِيرِ اسْتَغْفَرَ اللَّهَ تَعَالَى ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ غَيْرُ الْكَفَّارَةِ الْأُولَى ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ تَجِبُ عَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ ، وَقَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ ثَلَاثُ كَفَّارَاتٍ ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِمَا مَا رُوِيَ «أَنَّ سَلَمَةَ بْنَ صَخْرٍ حِينَ ، وَاقَعَ امْرَأَتَهُ ، وَقَدْ كَانَ ظَاهَرَ مِنْهَا أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي ظَاهَرْت مِنْ امْرَأَتِي فَوَقَعْت عَلَيْهَا قَبْلَ أَنْ أُكَفِّرَ فَقَالَ مَا حَمَلَك عَلَى ذَلِكَ يَرْحَمُك اللَّهُ فَقَالَ رَأَيْت خَلْخَالَهَا فِي ضَوْءِ الْقَمَرِ قَالَ فَلَا تَقْرَبْهَا حَتَّى تَفْعَلَ مَا أَمَرَك اللَّهُ تَعَالَى» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ، وَالنَّسَائِيُّ ، وَابْنُ مَاجَهْ ، وَالتِّرْمِذِيُّ ، وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ ، وَفِي رِوَايَةٍ «قَالَ لَهُ اسْتَغْفِرْ رَبَّك ، وَلَا تَعُدْ حَتَّى تُكَفِّرَ» ، وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ آخَرُ وَاجِبًا عَلَيْهِ لَبَيَّنَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَهُ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعَوْدُهُ عَزْمُهُ عَلَى وَطْئِهَا) أَيْ عَوْدُ الْمُظَاهِرِ ، وَهُوَ الْعَوْدُ الْمَذْكُورُ فِي قَوْله تَعَالَى {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا} [المجادلة : 3] عَزْمُهُ عَلَى وَطْءِ الْمُظَاهِرِ مِنْهَا ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - سُكُوتُهُ عَنْ طَلَاقِهَا ، وَهَذَا فَاسِدٌ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الظِّهَارَ لَمْ يُوجِبْ تَحْرِيمَ الْعَقْدِ حَتَّى يَكُونَ الْعَوْدُ إمْسَاكَهَا ، وَالثَّانِي أَنَّ ثُمَّ لِلتَّرَاخِي ، وَفِيمَا قَالَهُ تَرْكُهُ لِأَنَّهُ يَتَّصِلُ بِهِ سُكُوتُهُ عَنْ طَلَاقِهَا ، وَهَذَا بَعِيدٌ لَا يُفْهَمُ مِنْ لَفْظِ النَّصِّ أَصْلًا ، وَقَالَ مَالِكٌ الْعَوْدُ الْوَطْءُ نَفْسُهُ ، وَهَذَا يَرُدُّهُ الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَيْنَاهُ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي تَقَدُّمَ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْوَطْءِ ، وَهَذَا الْقَوْلُ يَنْفِي جَوَازَهَا قَبْلَ الْوَطْءِ ، وَكَذَا الْآيَةُ تَرُدُّهُ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ عَلَيْهِ التَّحْرِيرَ بَعْدَ الْعَوْدِ قَبْلَ التَّمَاسِّ فَلَوْ كَانَ الْعَوْدُ هُوَ الْوَطْءُ لَمَا اسْتَقَامَ ، وَقَالَتْ الظَّاهِرِيَّةُ : الْعَوْدُ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِالظِّهَارِ مَرَّةً أُخْرَى ، وَلَا يَحْرُمُ وَطْؤُهَا بِدُونِ الثَّانِيَةِ ، وَهَذَا لَا يَخْفَى فَسَادُهُ ، وَاللَّفْظُ لَا يَحْتَمِلُهُ لِأَنَّهُ لَوْ أُرِيدَ بِهِ ذَلِكَ لَقِيلَ يُعِيدُونَ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ مِنْ الْإِعَادَةِ لَا مِنْ الْعَوْدِ ، وَهَذَا الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَيْنَاهُ يَنْفِيهِ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَوْجَبَ الْكَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَسْأَلْهُ عَنْ الظِّهَارِ هَلْ كَرَّرَ أَوْ لَا ، وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ التَّكْرَارَ لَسَأَلَهُ ، وَاللَّامُ فِي قَوْله تَعَالَى لِمَا قَالُوا بِمَعْنَى إلَى ، وَقِيلَ بِمَعْنَى فِي ، وَقَالَ الْفَرَّاءُ بِمَعْنَى عَنْ أَيْ يَرْجِعُونَ عَمَّا قَالُوا فَيُرِيدُونَ الْوَطْءَ ، وَالْعَوْدُ الرُّجُوعُ «قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ ابْنُ الصَّامِتِ) هُوَ أَخُو عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَلَمَّا خَلَا سِنِّي وَنَثَرَ بَطْنِي) أَرَادَتْ أَنَّهَا كَانَتْ شَابَّةً تَلِدُ أَوْلَادًا عِنْدَهُ . ا هـ . هَرَوِيٌّ (قَوْلُهُ فَقَالَ سَأُعِينُهُ بِعَرَقٍ) الْعَرَقُ بِالْعَيْنِ وَالرَّاءِ الْمُهْمَلَتَيْنِ سِتُّونَ صَاعًا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَقِيلَ هُوَ مِكْتَلٌ يَسَعُ ثَلَاثِينَ صَاعًا قَالَ أَبُو دَاوُد وَهَذَا أَصَحُّ (قَوْلُهُ كَيْ لَا يَقَعَ فِيهِ) فَمَنْ حَامَ حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ أَيْ فِي الْحَرَامِ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تَحْرُمُ الدَّوَاعِي) وَهَذَا فِي الْجَدِيدِ وَأَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ ا هـ عَيْنِيٌّ

(قَوْلُهُ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ غَيْرُ الْكَفَّارَةِ الْأُولَى) وَأَرَادَ بِالْكَفَّارَةِ الْأُولَى الْكَفَّارَةَ الْوَاجِبَةَ بِالظِّهَارِ عَلَى التَّرْتِيبِ الْمَنْصُوصِ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ حَتَّى تَفْعَلَ مَا أَمَرَك) كَذَا فِي حَظِّ الشَّارِحِ وَفِي النُّسَخِ مَا أَمَرَ اللَّهُ (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ آخَرُ وَاجِبًا عَلَيْهِ لَبَيَّنَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ هَذَا اللَّفْظُ أَيْ قَوْلُهُ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي لَا يَكُونُ إلَّا ظِهَارًا أَيَّ شَيْءٍ نَوَى أَمَّا إذَا نَوَى الظِّهَارَ فَظَاهِرٌ وَكَذَا إذَا نَوَى الطَّلَاقَ لِأَنَّ الظِّهَارَ كَانَ طَلَاقًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَنُسِخَ إلَى تَحْرِيمٍ مُؤَقَّتٍ بِالْكَفَّارَةِ فَتَكُونُ نِيَّةُ الطَّلَاقِ نِيَّةَ الْمَنْسُوخِ فَلَا يَصِحُّ وَلِأَنَّ النِّيَّةَ تَعْيِينُ مُحْتَمَلَاتِ اللَّفْظِ وَاللَّفْظَ صَرِيحٌ فِي الظِّهَارِ فَلَا يُحْتَمَلُ غَيْرُهُ فَلَا تَصِحُّ نِيَّةُ الطَّلَاقِ وَكَذَا إذَا نَوَى تَحْرِيمَ الْيَمِينِ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِي الظِّهَارِ وَكَذَا إذَا قَالَ أَرَدْت بِهِ الْخَبَرَ عَنْ الْمَاضِي كَانَ كَذَّابًا فَلَا يُصَدَّقُ قَضَاءً . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ

(قَوْلُهُ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي تَقْدِيمَ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْوَطْءِ) بَيَانُهُ أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المجادلة : 3] رَتَّبَ التَّحْرِيرَ عَلَى الْعَوْدِ ا هـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ وَقَالَ الْفَرَّاءُ بِمَعْنَى عَنْ إلَخْ) قَالَ الرَّازِيّ وَقِيلَ إلَى بِمَعْنَى عَنْ وَمَا مَصْدَرِيَّةٌ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ ثُمَّ يَعُودُونَ إلَى مَقُولِهِمْ وَيُرَادُ بِالْمَقُولِ النِّسَاءُ تَسْمِيَةً لِلْمَحَلِّ بِاسْمِ الْحَالِ ا هـ وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَمَا فِي لِمَا قَالُوا بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ وَيُرَادُ بِالْمَصْدَرِ الْمَفْعُولُ كَضَرْبِ

(3/3)


الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْعَائِدِ فِي قَيْئِهِ» ، وَهَذَا تَأْوِيلٌ حَسَنٌ لِأَنَّ الظِّهَارَ مُوجِبُهُ التَّحْرِيمُ الْمُؤَبَّدُ فَإِذَا قَصَدَ وَطْأَهَا ، وَعَزَمَ عَلَيْهِ رَجَعَ عَمَّا قَالَ فَلِهَذَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ حَتَّى لَوْ أَبَانَهَا أَوْ لَمْ يَعْزِمْ عَلَى وَطْئِهَا لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ لِعَدَمِ الرُّجُوعِ ، وَكَذَا لَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا

وَلَوْ عَزَمَ ثُمَّ رَجَعَ وَتَرَكَ الْعَزْمَ سَقَطَتْ عَنْهُ لِأَنَّ وُجُوبَهَا لِأَجْلِ الْوَطْءِ حَتَّى يَحِلَّ عَلَى مِثَالِ مَنْ يُرِيدُ أَنْ يُصَلِّيَ النَّفَلَ يُؤْمَرُ بِالطَّهَارَةِ ثُمَّ إذَا رَجَعَ ، وَتَرَكَ التَّنَفُّلَ لَا يُؤْمَرُ بِهَا ثُمَّ سَبَبُ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ هُوَ الظِّهَارُ وَالْعَوْدُ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ دَائِرَةٌ بَيْنَ الْعُقُوبَةِ وَالْعِبَادَةِ فَيَكُونُ سَبَبُهَا دَائِرًا أَيْضًا بَيْنَ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ حَتَّى تَتَعَلَّقَ الْعُقُوبَةُ بِالْمَحْظُورِ ، وَالْعِبَادَةُ بِالْمُبَاحِ ، وَإِنَّمَا جَازَ تَقْدِيمُ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْعَوْدِ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ لِرَفْعِ الْحُرْمَةِ الثَّابِتَةِ فِي الذَّاتِ فَيَجُوزُ بَعْدَ ثُبُوتِ تِلْكَ الْحُرْمَةِ لِتَرْفَعَ بِهَا كَمَا قُلْنَا فِي الطَّهَارَةِ إنَّهَا تَجُوزُ قَبْلَ إرَادَةِ الصَّلَاةِ مَعَ أَنَّهَا سَبَبُهَا لِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِرَفْعِ الْحَدَثِ فَتَجُوزُ بَعْدَ وُجُودِهِ ، وَلِهَذَا جَازَتْ الْكَفَّارَةُ بَعْدَ مَا أَبَانَهَا أَوْ بَعْدَ مَا انْفَسَخَ الْعَقْدُ بِالِارْتِدَادِ أَوْ غَيْرِهِ لِأَنَّ هَذِهِ الْحُرْمَةَ لَا تَزُولُ بِغَيْرِ التَّكْفِيرِ مِنْ أَسْبَابِ الْحِلِّ كَمِلْكِ الْيَمِينِ ، وَإِصَابَةِ الزَّوْجِ الثَّانِي ، وَلِلْمَرْأَةِ أَنْ تُطَالِبَهُ بِالْوَطْءِ ، وَعَلَيْهَا أَنْ تَمْنَعَهُ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا حَتَّى يُكَفِّرَ ، وَلِلْقَاضِي أَنْ يُجْبِرَهُ عَلَى التَّكْفِيرِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهَا.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبَطْنُهَا وَفَخِذُهَا وَفَرْجُهَا كَظَهْرِهَا) أَيْ بَطْنُ أُمِّهِ وَفَرْجُهَا وَفَخِذُهَا كَظَهْرِهَا حَتَّى لَوْ شَبَّهَ امْرَأَتَهُ بِعُضْوٍ مِنْ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ يَكُونُ مُظَاهِرًا لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ يَحْرُمُ عَلَيْهِ النَّظَرُ إلَيْهَا ، وَلَمْسُهَا ، وَالظِّهَارُ لَيْسَ إلَّا تَشْبِيهُ الْمُحَلَّلَةِ بِالْمُحَرَّمَةِ ، وَهَذَا الْمَعْنَى يَتَحَقَّقُ فِي هَذِهِ الْأَعْضَاءِ بِخِلَافِ الْيَدِ وَنَحْوِهِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ النَّظَرُ إلَيْهِ وَلَمْسُهُ بِلَا شَهْوَةٍ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأُخْتُهُ وَعَمَّتُهُ وَأُمُّهُ رَضَاعًا كَأُمِّهِ) أَيْ كَأُمِّهِ نَسَبًا حَتَّى يَصِيرَ مُظَاهِرًا بِتَشْبِيهِهِ مَنْكُوحَتَهُ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ لِأَنَّ شَرْطَهُ أَنْ تَكُونَ مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ عَلَى التَّأْبِيدِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا ، وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ فِيهِنَّ بِخِلَافِ مَا لَوْ شَبَّهَهَا بِأُخْتِهَا أَوْ عَمَّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا لِأَنَّ حُرْمَتَهُنَّ لَيْسَتْ عَلَى التَّأْبِيدِ ، وَإِنَّمَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ مَا دَامَتْ هِيَ فِي عِصْمَتِهِ لِأَجْلِ الْجَمْعِ فَإِذَا طَلَّقَهَا أَوْ مَاتَتْ حَلَّتْ لَهُ لِعَدَمِ الْجَمْعِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَرَأْسُك وَفَرْجُك وَظَهْرُك وَوَجْهُكِ وَرَقَبَتُكِ وَنِصْفُكِ وَثُلُثُكِ كَأَنْتِ) أَيْ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ رَأْسُك عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي أَوْ فَرْجُكِ أَوْ وَجْهُك عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي إلَخْ كَانَ مُظَاهِرًا لِأَنَّ هَذِهِ الْأَعْضَاءَ يُعَبَّرُ بِهَا عَنْ الْجَمِيعِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الطَّلَاقِ ، وَهُوَ الشَّرْطُ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ ، وَمِنْ جَانِبِ الْمُحَرَّمِ شَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ عُضْوًا لَا يَجُوزُ النَّظَرُ إلَيْهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا ، وَقَدْ وُجِدَ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ نَوَى بِأَنْتِ عَلَيَّ مِثْلُ أُمِّي بِرًّا أَوْ ظِهَارًا أَوْ طَلَاقًا فَكَمَا نَوَى ، وَإِلَّا لَغَا) أَيْ وَإِنْ نَوَى بِقَوْلِهِ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ مِثْلُ أُمِّي أَحَدَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي ذَكَرَهَا فَهُوَ كَمَا نَوَى ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ إذَا قَالَ لَهَا ذَلِكَ يَسْتَفْسِر لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ وُجُوهًا مِنْ التَّشْبِيهِ فَإِنْ قَالَ نَوَيْت الْبِرَّ أَيْ الْكَرَامَةَ فَهُوَ كَمَا قَالَ لِأَنَّ التَّكْرِيمَ بِالتَّشْبِيهِ فَاشٍ فِي الْكَلَامِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ عِنْدِي فِي اسْتِحْقَاقِ الْكَرَامَةِ وَالْبِرِّ مِثْلُ أُمِّي ، وَإِنْ قَالَ نَوَيْت بِهِ الظِّهَارَ فَهُوَ ظِهَارٌ لِأَنَّهُ شَبَّهَهَا بِجَمِيعِهَا ، وَفِيهِ تَشْبِيهٌ بِالْعُضْوِ لَكِنَّهُ غَيْرُ صَرِيحٍ فِيهِ فَيُشْتَرَطُ النِّيَّةُ ، وَإِنْ قَالَ نَوَيْت بِهِ الطَّلَاقَ فَهُوَ طَلَاقٌ بَائِنٌ لِأَنَّهُ تَشْبِيهٌ بِالْأُمِّ فِي الْحُرْمَةِ فَكَأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ ، وَنَوَى الطَّلَاقَ ، وَإِنْ قَالَ لَمْ أَنْوِ بِهِ شَيْئًا فَلَيْسَ بِشَيْءٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لِاحْتِمَالِ الْحَمْلِ عَلَى الْكَرَامَةِ ، وَهَذَا لِأَنَّ كَافَ التَّشْبِيهِ لَا عُمُومَ لَهَا فَتَعَيَّنَ الْأَدْنَى ، وَلِأَنَّ كَلَامَ الْمُسْلِمِ يُحْمَلُ عَلَى الصَّحِيحِ مَا أَمْكَنَ ، وَفِي جَعْلِهِ ظِهَارًا حَمْلٌ لَهُ عَلَى الْمُنْكَرِ وَالزُّورِ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ ظِهَارٌ لِأَنَّهُ شَبَّهَهَا بِجَمِيعِهَا فَيَدْخُلُ الْعُضْوُ فِي الْجُمْلَةِ ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ مِثْلُهُ إذَا كَانَ فِي حَالَةِ الْغَضَبِ ، وَعَنْهُ أَنَّهُ يَكُونُ إيلَاءً لِأَنَّ أُمَّهُ مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ بِالنَّصِّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْأَمِيرِ وَنَسْجِ الْيَمَنِ تَسْمِيَةً لِلْمَحَلِّ بِاسْمِ الْحَالِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {خُذُوا زِينَتَكُمْ} [الأعراف : 31] وَحَاصِلُ الْمَعْنَى ثُمَّ يَعْزِمُونَ إلَى نِسَائِهِمْ أَيْ إلَى مُبَاشَرَتِهِنَّ لَكِنْ إذَا بَدَا لَهُ فِي الْوَطْءِ سَقَطَتْ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّهَا تَجِبُ عِنْدَنَا غَيْرَ مُسْتَقِرَّةٍ وَلِهَذَا تَسْقُطُ بِمَوْتِهَا أَوْ مَوْتِهِ يُحَقِّقُهُ أَنَّ الْعَوْدَ بِالْعَزْمِ وَلَا اسْتِقْرَارَ فِي الْعَزْمِ فَكَذَا الْكَفَّارَةُ الْمَبْنِيَّةُ عَلَيْهِ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ

(قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ شَبَّهَهَا بِأُخْتِهَا) أَيْ أُخْتِ امْرَأَتِهِ ا هـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَرَأْسُك وَفَرْجُك وَوَجْهُك إلَخْ) وَلَوْ قَالَ يَدُك أَوْ رِجْلُك أَوْ ظُفْرُك أَوْ شَعْرُك عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي كَانَ بَاطِلًا وَبِهِ صَرَّحَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي وَلَوْ قَالَ جَنْبُك أَوْ ظَهْرُك عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي لَمْ يَكُنْ مُظَاهِرًا بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ يَدُك أَوْ رِجْلُك لِأَنَّ هَذَا الْعُضْوَ لَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ عَادَةً وَأَمَّا الْجُزْءُ الشَّائِعُ كَالنِّصْفِ وَالثُّلُثِ وَالرُّبْعِ وَغَيْرِهِمَا إذَا شَبَّهَهُ بِظَهْرِ الْأُمِّ يَكُونُ مُظَاهِرًا لِأَنَّ الْحُكْمَ يَثْبُتُ فِي ذَلِكَ الْجُزْءِ أَوَّلًا ثُمَّ يَسْرِي إلَى سَائِرِ الْبَدَنِ يُشَاعُ الْجُزْءُ كَمَا فِي الطَّلَاقِ وَقَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي وَإِنْ قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي الْيَوْمَ فَهُوَ مُظَاهِرٌ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ فَإِذَا مَضَى بَطَلَ الظِّهَارُ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَهُوَ مُظَاهِرٌ أَبَدًا وَكَذَلِكَ شَهْرًا أَوْ قَالَ حَتَّى يَقْدَمَ فُلَانٌ فَهُوَ كَمَا قَالَ وَيَسْقُطُ إذَا مَضَى شَهْرٌ أَوْ قَدِمَ فُلَانٌ لِأَنَّ حُرْمَةَ الظِّهَارِ شَهْرٌ فَيَتَأَقَّتُ الظِّهَارُ بِتَأْقِيتِهِ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ

(قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَ نَوَيْت بِهِ الظِّهَارَ فَهُوَ ظِهَارٌ) لِأَنَّهُ إذَا شَبَّهَهَا بِظَهْرِهَا وَهُوَ عُضْوٌ مِنْهَا كَانَ ظِهَارًا فَلَأَنْ يَكُونَ ظِهَارًا وَقَدْ شَبَّهَهَا بِجَمِيعِهَا وَجَمِيعُهَا مُشْتَمِلٌ عَلَى الظَّهْرِ أَوْلَى وَأَحْرَى . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَكَأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ وَنَوَى الطَّلَاقَ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ ظِهَارٌ وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافَ أَبِي يُوسُفَ فِي الْأَصْلِ وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْكَافِي وَقَالَ مَشَايِخُنَا فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ كَقَوْلِ مُحَمَّدٍ وَفِي رِوَايَةٍ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ الْإِمَامُ الزَّاهِدُ الْعَتَّابِيُّ فِي شَرْحِهِ لِلْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ ثَلَاثَةُ رِوَايَاتٍ فِي رِوَايَةٍ لَا يَقَعُ شَيْءٌ كَقَوْلِهِ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي رِوَايَةٍ يَكُونُ ظِهَارًا وَفِي رِوَايَةٍ يَكُونُ إيلَاءً وَالصَّحِيحُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَحْتَمِلُ الْبِرَّ وَالْكَرَامَةَ وَمَا زَادَ عَلَيْهِ فَهُوَ مَشْكُوكٌ فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِالنِّيَّةِ ا هـ
(قَوْلُهُ وَهَذَا لِأَنَّ كَافَ التَّشْبِيهِ لَا عُمُومَ إلَخْ) فَاقْتَضَى مُشَابَهَتَهُ فِي وَصْفٍ خَاصٍّ وَمَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ

(3/4)


فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْحَرَامَ يَمِينٌ بِالنَّصِّ ، وَإِنْ نَوَى بِهِ التَّحْرِيمَ لَا غَيْرُ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَكُونُ إيلَاءً لِيَكُونَ الثَّابِتُ بِهِ أَدْنَى الْحُرُمَاتِ لِأَنَّ سَبَبَ الْإِيلَاءِ ، وَحُكْمَهُ أَخَفُّ ، وَيُمْكِنُ رَفْعُهُ بِالْوَطْءِ ، وَلَا يَبْقَى حُكْمُهُ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ ، وَلَا يَثْبُتُ لِلْحَالِ ، وَلَا يُجْبِرُهُ الْقَاضِي إذَا امْتَنَعَ بِخِلَافِ الظِّهَارِ ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَكُونُ ظِهَارًا لِأَنَّ كَافَ التَّشْبِيهِ تَخْتَصُّ بِهِ ، وَقَالَ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إنَّهُ إنْ نَوَى التَّحْرِيمَ ذُكِرَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ أَنَّهُ إيلَاءٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَكُونُ ظِهَارًا عِنْدَ الْكُلِّ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ الْمُؤَكَّدَ بِالتَّشْبِيهِ ظِهَارٌ وَلَوْ قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ كَأُمِّي فَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ أَنْتِ عَلَيَّ مِثْلَ أُمِّي فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِأَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ كَأُمِّي ظِهَارًا أَوْ طَلَاقًا فَكَمَا نَوَى) أَيْ إنْ نَوَى بِقَوْلِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ كَأُمِّي ظِهَارًا أَوْ طَلَاقًا فَهُوَ كَمَا نَوَى لِأَنَّ قَوْلَهُ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ مِنْ الْكِنَايَاتِ فَيَكُونُ طَلَاقًا بِالنِّيَّةِ ، وَقَوْلُهُ كَأُمِّي لِتَأْكِيدِ تِلْكَ الْحُرْمَةِ فَلَا يَخْرُجُ بِهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ طَلَاقًا ، وَإِنْ نَوَى بِهِ الظِّهَارَ فَظِهَارٌ لِأَنَّهُ شَبَّهَهَا فِي الْحُرْمَةِ بِأُمِّهِ وَلَوْ شَبَّهَهَا بِظَهْرِهَا كَانَ ظِهَارًا فَبِكُلِّهَا أَوْلَى ، وَانْتَفَى احْتِمَالُ الْبِرِّ وَالْكَرَامَةِ هُنَا لِتَصْرِيحِهِ بِالْحُرْمَةِ ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَهُوَ ظِهَارٌ لِأَنَّهُ لَفْظٌ مُحْتَمَلٌ فَيَثْبُتُ بِهِ الْأَدْنَى ، وَالْحُرْمَةُ بِالظِّهَارِ دُونَ الْحُرْمَةِ بِالطَّلَاقِ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ بِالظِّهَارِ لَا تُزِيلُ الْمِلْكَ وَالْحُرْمَةَ بِالطَّلَاقِ تُزِيلُهُ ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ هُوَ إيلَاءٌ لِمَا مَرَّ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِأَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ كَظَهْرِ أُمِّي طَلَاقًا أَوْ إيلَاءً فَظِهَارٌ) أَيْ لَوْ نَوَى بِقَوْلِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ كَظَهْرِ أُمِّي طَلَاقًا أَوْ إيلَاءً لَا يَكُونُ إلَّا ظِهَارًا لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ صَرِيحٌ فِي الظِّهَارِ فَلَا تَعْمَلُ فِيهِ النِّيَّةُ ، وَقَوْلُهُ حَرَامٌ تَوْكِيدٌ لِمُقْتَضَى اللَّفْظِ فَلَا يُغَيِّرُهُ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إنْ نَوَى ظِهَارًا أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَهُوَ ظِهَارٌ ، وَإِنْ نَوَى طَلَاقًا فَطَلَاقٌ ، وَإِنْ نَوَى إيلَاءً فَإِيلَاءٌ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهَا مُحْتَمَلٌ كَلَامُهُ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ يَحْتَمِلُ الطَّلَاقَ وَالْإِيلَاءَ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ ، وَقَوْلَهُ كَظَهْرِ أُمِّي تَوْكِيدٌ لِتِلْكَ الْحُرْمَةِ فَلَا يَتَغَيَّرُ بِهِ ثُمَّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ إنْ نَوَى الطَّلَاقَ لَا يَكُونُ ظِهَارًا لِأَنَّهُ لَمَّا أَوْقَعَ الطَّلَاقَ بِقَوْلِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ بِأَنْتِ ، وَلَا يَصِيرُ مُظَاهِرًا بِقَوْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ كَظَهْرِ أُمِّي لِأَنَّ الظِّهَارَ مِنْ الْمُبَانَةِ لَا يَصِحُّ ، وَلَا يُقَالُ الظِّهَارُ وَالطَّلَاقُ يُوجَدَانِ مَعًا بِقَوْلِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ لِأَنَّا نَقُولُ اللَّفْظُ الْوَاحِدُ لَا يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُكَوِّنَانِ مَعًا الظِّهَارَ بِلَفْظِهِ ، وَالطَّلَاقَ بِنِيَّتِهِ كَمَا لَوْ قَالَ زَيْنَبُ طَالِقٌ ، وَلَهُ امْرَأَةٌ مَعْرُوفَةٌ بِهَذَا الِاسْمِ فَقَالَ لِي امْرَأَةٌ أُخْرَى بِهَذَا الِاسْمِ ، وَعَنَيْت بِهِ تِلْكَ يَقَعُ عَلَيْهَا بِالنِّيَّةِ ، وَعَلَى الْمَعْرُوفَةِ بِالظَّاهِرِ ، وَإِنْ نَوَى إيلَاءً يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ إيلَاءً وَظِهَارًا بِاتِّفَاقِهِمَا لِعَدَمِ التَّنَافِي بَيْنَهُمَا

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا ظِهَارَ إلَّا مِنْ زَوْجَتِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [المجادلة : 3] الْآيَةَ ، وَلَفْظُ النِّسَاءِ يَتَنَاوَلُ الْمَنْكُوحَاتِ حَتَّى لَوْ ظَاهَرَ مِنْ أَمَتِهِ لَمْ يَكُنْ مُظَاهِرًا خِلَافًا لِمَالِكٍ ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا تَلُونَا إذْ لَفْظُ النِّسَاءِ مُضَافًا إلَى الْأَزْوَاجِ لَا يَتَنَاوَلُ الْإِمَاءَ ، وَلِهَذَا لَمْ يَدْخُلْنَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء : 23] وَفِي قَوْله تَعَالَى {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} [البقرة : 226] حَتَّى لَا يُحَرَّمَ عَلَيْهِ أُمُّ أَمَتِهِ بِغَيْرِ وَطْءٍ ، وَلَا يَصِيرُ مُولِيًا مِنْ أَمَتِهِ ، وَلِأَنَّ الظِّهَارَ كَانَ طَلَاقًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَنَقَلَ الشَّرْعُ حُكْمَهُ إلَى تَحْرِيمٍ مُؤَقَّتٍ بِالْكَفَّارَةِ ، وَالْأَمَةُ لَيْسَتْ بِمَحَلٍّ لِلطَّلَاقِ فَلَا تَكُونُ مَحَلًّا لِلظِّهَارِ كَالْإِيلَاءِ كَانَ طَلَاقًا لِلْحَالِّ فَأَخَّرَهُ الشَّرْعُ إلَى مُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَلَا يَثْبُتُ ذَلِكَ إلَّا فِيمَنْ يَثْبُتُ فِي حَقِّهِ الْأَصْلُ ، وَلِأَنَّ الْحِلَّ لَيْسَ بِمَقْصُودٍ فِي الْأَمَةِ ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ الِاسْتِخْدَامُ حَتَّى يَثْبُتَ مِلْكُ الْيَمِينِ فِيمَنْ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا كَأُمِّ زَوْجَتِهِ وَبِنْتِهَا وَأُمِّهِ مِنْ الرَّضَاعِ فَلَا تَكُونُ مَقْصُودَةً بِالتَّحْرِيمِ إذْ الْحِلُّ فِيهَا تَبَعٌ لِمِلْكِ الْيَمِينِ لَا مَقْصُودٌ ، وَلِهَذَا لَوْ اشْتَرَى أَمَةً فَوَجَدَهَا مِمَّنْ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا بِرَضَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا عَلَى الْبَائِعِ ، وَفِي الْمَنْكُوحَةِ أَصْلٌ فَيَمْتَنِعُ الْإِلْحَاقُ ، وَلَا يُقَالُ إنَّ الْأَمَةَ مَحَلٌّ لِلظِّهَارِ بَقَاءً بِأَنْ ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ وَهِيَ أَمَةٌ لِغَيْرِهِ ثُمَّ اشْتَرَاهَا يَبْقَى حُكْمُ الظِّهَارِ الْأَوَّلِ عَلَى حَالِهِ حَتَّى لَا يَجُوزَ لَهُ وَطْؤُهَا قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ ، وَلِهَذَا لَوْ ظَاهَرَ مِنْهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا ثِنْتَيْنِ ثُمَّ اشْتَرَاهَا لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ حَتَّى يُكَفِّرَ عَنْ ظِهَارِهِ لِأَنَّا نَقُولُ ذَلِكَ فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ ، وَكُلًّا مِنَّا فِي الِابْتِدَاءِ ، وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَثْبُتُ بَقَاءً ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ إثْبَاتُهُ ابْتِدَاءً كَبَقَاءِ النِّكَاحِ فِي الْعِدَّةِ ، وَكَالْحُرْمَةِ الْغَلِيظَةِ بِالطَّلَاقِ فَإِنَّهَا لَا تَثْبُتُ فِي الْأَمَةِ ابْتِدَاءً ، وَتَبْقَى بَعْدَمَا تَثْبُتُ حَتَّى لَا يَحِلَّ لَهُ وَطْؤُهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ ، وَلَا التَّزَوُّجِ بِهَا بَعْدَمَا أَعْتَقَهَا مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ بِزَوْجٍ آخَرَ فَكَذَا هَذَا ، وَهَذَا لِأَنَّ وَقْتَ ثُبُوتِهِ كَانَتْ مَحَلًّا لَهُ فَيَثْبُتُ لِمُصَادَفَتِهِ الْمَحَلَّ ثُمَّ لَا يَسْقُطُ بَعْدَ ثُبُوتِهِ إلَّا بِشُرُوطِهِ .

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَلَوْ نَكَحَ امْرَأَةً بِغَيْرِ أَمْرِهَا فَظَاهَرَ مِنْهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ظِهَارًا وَغَيْرَهُ فَلَا يَكُونُ ظِهَارًا بِالشَّكِّ . ا هـ . رَازِيٌّ (قَوْلُهُ وَإِنْ نَوَى بِهِ التَّحْرِيمَ لَا غَيْرُ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَمَّا إذَا نَوَى التَّحْرِيمَ لَا غَيْرُ بِقَوْلِهِ أَنْتِ عَلَيَّ مِثْلُ أُمِّي أَوْ كَأُمِّي فَقَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي شَرْحِهِ لِلْجَامِعِ الصَّغِيرِ ذَكَرَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي شَرْحِهِ لِهَذَا الْكِتَابِ أَيْ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ خِلَافًا وَقَالَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ إيلَاءٌ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ ظِهَارٌ ثُمَّ قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَهَذَا غَلَطٌ بَلْ يَكُونُ ظِهَارًا بِالْإِجْمَاعِ وَاسْتَدَلَّ بِمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ فِي مُخْتَصَرِ الْكَافِي فِي قَوْلِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ كَأُمِّي فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَنْوِ شَيْئًا أَوْ نَوَى التَّحْرِيمَ يَكُونُ ظِهَارًا قَالَ فَإِذَا ظَهَرَتْ لَك الرِّوَايَةُ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ كَأُمِّي وَلَمْ يَنْوِ شَيْئًا أَوْ نَوَى التَّحْرِيمَ أَنَّهُ ظِهَارٌ عِنْدَهُمْ فَكَذَا فِي قَوْلِهِ أَنْتِ عَلَيَّ كَأُمِّي لِأَنَّهُ لَمَّا نَوَى التَّحْرِيمَ صَارَ مُلْتَحِقًا بِقَوْلِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ كَأُمِّي ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ أَيْ بِقَوْلِهِ أَنْتِ عَلَيَّ مِثْلُ أُمِّي . ا هـ . (قَوْلُهُ أَدْنَى الْحُرُمَاتِ) لِأَنَّ سَبَبَ الظِّهَارِ وَحُرْمَتَهُ لِعَيْنِهِ وَلَا يُمْكِنُ رَفْعُهُ بِالْوَطْءِ وَيَبْقَى مَا لَمْ يُكَفِّرْ وَيَثْبُتُ لِلْحَالِ وَيُجْبِرُهُ الْحَاكِمُ إذَا امْتَنَعَ عَنْ التَّكْفِيرِ ا هـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ فَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ أَنْتِ عَلَيَّ مِثْلُ أُمِّي) أَيْ لِأَنَّ الْمِثْلَ أَوْ الْكَافَ تَقْتَضِي التَّشْبِيهَ . ا هـ .

(قَوْلُهُ يَقَعُ عَلَيْهَا بِالنِّيَّةِ) صَوَابُهُ بِاعْتِرَافِهِ . ا هـ .

(3/5)


فَأَجَازَتْهُ بَطَلَ) أَيْ لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِغَيْرِ إذْنِهَا فَظَاهَرَ مِنْهَا قَبْلَ الْإِجَازَةِ ثُمَّ أَجَازَتْ النِّكَاحَ بَطَلَ الظِّهَارُ لِأَنَّهُ صَادِقٌ فِي التَّشْبِيهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ جَزَاءُ الزُّورِ بِخِلَافِ إعْتَاقِ الْمُشْتَرِي مِنْ الْفُضُولِيِّ حَيْثُ يَتَوَقَّفُ ، وَيَنْفُذُ بِإِجَازَةِ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ الْمِلْكِ ، وَلِهَذَا جَازَ لَهُ إعْتَاقُهُ بَلْ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ ، وَالشَّيْءُ إذَا تَوَقَّفَ يَتَوَقَّفُ بِحُقُوقِهِ ، وَالظِّهَارُ مَحْظُورٌ فَلَا يُسْتَحَقُّ بِمِلْكِ النِّكَاحِ بَلْ لَا يَجُوزُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَنْتُنَّ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي ظِهَارًا مِنْهُنَّ) أَيْ لَوْ قَالَ لِنِسَائِهِ أَنْتُنَّ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي كَانَ مُظَاهِرًا مِنْ جَمِيعِهِنَّ لِوُجُودِ رُكْنِهِ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ ، وَهُوَ التَّشْبِيهُ فَصَارَ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالْإِيلَاءِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكَفَّرَ لِكُلٍّ) أَيْ كَفَّرَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ ، وَقَالَ مَالِكٌ يَكْفِيهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ إذَا ظَاهَرَ مِنْهُنَّ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا لَوْ قَالَ لَهُنَّ : وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكُنَّ ثُمَّ قَرِبَهُنَّ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ ، وَهَذَا لِأَنَّ الظِّهَارَ مُوجِبٌ لِلْكَفَّارَةِ كَالْإِيلَاءِ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ الظِّهَارُ يَمِينٌ لِأَنَّ فِيهِ تَحْرِيمَ الْحَلَالِ ، وَذَلِكَ يَمِينٌ فَلَا تَجِبُ فِيهِ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ ، وَلَنَا أَنَّ الْكَفَّارَةَ لِانْتِهَاءِ الْحُرْمَةِ وَهِيَ تَثْبُتُ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ فَتَتَعَدَّدُ الْكَفَّارَةُ بِتَعَدُّدِهَا بِخِلَافِ الْإِيلَاءِ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ تَجِبُ فِيهِ لِهَتْكِ حُرْمَةِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا تَتَعَدَّدُ إلَّا بِتَعَدُّدِ ذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَقَوْلُ مَنْ قَالَ إنَّ الظِّهَارَ يَمِينٌ فَاسِدٌ لِأَنَّ الظِّهَارَ مُنْكَرٌ مِنْ الْقَوْلِ ، وَزُورٌ مَحْضٌ ، وَالْيَمِينَ تَصَرُّفٌ مَشْرُوعٌ مُبَاحٌ ، وَلِهَذَا اخْتَلَفَتْ كَفَّارَتُهُمَا فَكَيْفَ يُجْعَلُ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ يُحَقِّقُهُ أَنَّ الْيَمِينَ إمَّا بِاَللَّهِ ، أَوْ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ أَوْ بِالتَّعْلِيقِ بِشَرْطٍ وَلَمْ يُوجَدُ وَاحِدٌ مِنْهَا فِي الظِّهَارِ

[فَصْلٌ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَار]
(فَصْلٌ فِي الْكَفَّارَةِ) .
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَهُوَ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) أَيْ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ، وَالتَّذْكِيرُ بِتَأْوِيلِ التَّكْفِيرِ وَهِيَ قَبْلَ الْوَطْءِ لِمَا تَلَوْنَا ، وَمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ مَنْ وَاقَعَ امْرَأَتَهُ قَبْلَ التَّكْفِيرِ ، وَلِأَنَّ التَّكْفِيرَ لِانْتِهَاءِ الْحُرْمَةِ الثَّابِتَةِ بِالظِّهَارِ فَيُقَدَّمُ عَلَى الْوَطْءِ لِيَحِلَّ ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى ، وَبَيْنَ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ ، وَالْكَافِرَةِ وَالْمُسْلِمَةِ لِإِطْلَاقِ النَّصِّ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا تَجُوزُ الْكَافِرَةُ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَجُوزُ صَرْفُهَا إلَى عَدُوَّةٍ ، وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ الْمُرْتَدُّ لِأَنَّهُ نَاقِصٌ لِأَنَّهُ عَيْبٌ ، وَلِهَذَا يَرُدُّهُ الْمُشْتَرِي إذَا وَجَدَهُ كَافِرًا
وَأَصْلُ الْخِلَافِ أَنَّهُ هَلْ يُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ أَوْ لَا فَعِنْدَنَا لَا يُحْمَلُ ، وَعِنْدَهُ يُحْمَلُ إذَا اتَّحَدَ الْجِنْسُ ، وَهُنَا قَيَّدَهُ بِالنَّصِّ بِالْمُؤْمِنَةِ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ فَحَمَلَ عَلَيْهِ غَيْرَهُ مِنْ الْكَفَّارَاتِ ، وَلَنَا أَنَّ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ إعْتَاقُ رَقَبَةٍ وَهِيَ اسْمٌ لِذَاتٍ مَرْقُوقَةٍ مَمْلُوكَةٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ، وَقَدْ وُجِدَ وَالتَّقْيِيدُ بِالْإِيمَانِ زِيَادَةٌ وَهِيَ نَسْخٌ فَلَا يَجُوزُ بِالْقِيَاسِ ، وَلِأَنَّ فِيهِ قِيَاسَ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ عَلَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ ، وَهُوَ بَاطِلٌ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ الْقِيَاسِ أَنْ يَتَعَدَّى الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ الثَّابِتَ بِالنَّصِّ بِعَيْنِهِ إلَى فَرْعٍ هُوَ نَظِيرُهُ ، وَلَا نَصَّ فِيهِ ، وَهَذَا لِأَنَّ الْقِيَاسَ حُجَّةٌ ضَعِيفَةٌ لَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا عِنْدَ عَدَمِ النَّصِّ أَوْ شُبْهَتِهِ حَتَّى صَارَ مُؤَخَّرًا عَنْ قَوْلِ الصَّحَابِيِّ ، وَهُنَا نَصٌّ يُمْكِنُ الْعَمَلُ بِهِ ، وَهُوَ إطْلَاقُ الْكِتَابِ ، وَلِأَنَّ الْفَرْعَ لَيْسَ نَظِيرَ الْأَصْلِ لِأَنَّ قَتْلَ النَّفْسِ أَعْظَمُ ، وَلِهَذَا لَمْ يُشَرَّعْ فِيهِ الْإِطْعَامُ ، وَلَا يَجُوزُ إلْحَاقُهُ بِغَيْرِهِ فِي حَقِّ جَوَازِ الْإِطْعَامِ تَغْلِيظًا لِلْوَاجِبِ عَلَيْهِ ، وَتَعْظِيمًا لِلْجَرِيمَةِ حَتَّى تَتِمَّ صِيَانَةُ النَّفْسِ ، فَكَذَا لَا يَجُوزُ إلْحَاقُ غَيْرِهِ بِهِ فِي التَّغْلِيظِ لِأَنَّ قَيْدَ الرَّقَبَةِ بِالْإِيمَانِ أَغْلَظُ فَيُنَاسِبُهُ دُونَ غَيْرِهِ لِأَنَّ جَرِيمَةَ الْقَتْلِ أَعْظَمُ ، وَالْمَقْصُودَ مِنْ التَّحْرِيرِ تَمْكِينُهُ مِنْ الطَّاعَةِ ، وَارْتِكَابَهُ الْمَعْصِيَةَ مَنْسُوبٌ إلَى سُوءِ اخْتِيَارِهِ فَلَا يَمْنَعُ مِنْ الْعِتْقِ ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَصْرُوفَ إلَى الْكَفَّارَةِ مَالِيَّتُهُ دُونَ اعْتِقَادِهِ ، وَكَوْنَهُ عَدُوَّ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَمْنَعُ التَّقَرُّبَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالْإِحْسَانِ إلَيْهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ} [الممتحنة : 8]
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَنْتُنَّ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي ظِهَارًا) بِالنِّصْفِ فِي خَطِّ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ) هُوَ ابْنُ قُدَامَةَ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ فَلَا يَتَعَدَّدُ إلَّا بِتَعَدُّدِ ذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى) وَذُكِرَ فِي الْغَايَةِ أَنَّ هَذِهِ تُخَالِفُ مَذْهَبَنَا لِأَنَّ تَكَرُّرَهُ يَدُلُّ أَنَّهُ سَبَبٌ وَهُمْ مَنَعُوا تَقْدِيمَهُ وَلَوْ كَانَ سَبَبًا لَجَازَ وَهَذَا سَهْوٌ لِأَنَّهُ يَنْقَلِبُ سَبَبًا بِالْحِنْثِ ا هـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ

(فَصْلٌ فِي الْكَفَّارَةِ) .
لَمَّا كَانَتْ الْحُرْمَةُ بِالظِّهَارِ حُرْمَةً مُؤَقَّتَةً إلَى وُجُودِ الْمَنْهِيِّ وَهُوَ الْكَفَّارَةُ شَرَعَ فِي هَذَا الْفَصْلِ لِبَيَانِ ذَلِكَ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ كَفَّارَةَ الظِّهَارِ مَشْرُوعَةٌ عَلَى التَّرْتِيبِ دُونَ التَّخْيِيرِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَهَا بِحَرْفِ الْفَاءِ وَهِيَ لِلتَّرْتِيبِ الْإِعْتَاقُ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ ثُمَّ صِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْإِعْتَاقِ ثُمَّ إطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الصَّوْمِ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [المجادلة : 3] {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة : 4] وَالْمُرَادُ مِنْ عِتْقِ الرَّقَبَةِ إعْتَاقُ الرَّقَبَةِ لِأَنَّهُ إذَا وَرِثَ أَبًا فَنَوَى بَدْءَ الْكَفَّارَةِ لَمْ يُجْزِهِ وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ وَالشَّهِيدُ فِي الْكَافِي وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمِيرَاثَ يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ بِلَا صُنْعٍ مِنْهُ فَيَعْتِقُ عَلَيْهِ بِلَا صُنْعٍ مِنْهُ أَيْضًا وَالْكَفَّارَةُ شَرْطٌ فِيهَا التَّحْرِيرُ وَهُوَ صُنْعٌ مِنْهُ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ
قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ مِنْ عِتْقِ الرَّقَبَةِ إلَخْ أَيْ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَكَفَّارَةُ الظِّهَارِ عِتْقُ رَقَبَةٍ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَلَا فَرْقَ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ لَا اخْتِلَافَ فِي هَذَا الْمَجْمُوعِ لَا فِي الرَّقَبَةِ الْكَافِرَةِ فَإِنَّهَا تُجْزِي عِنْدَنَا عَنْ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَالْإِفْطَارِ وَالْيَمِينِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّهَا لَا تُجْزِي عِنْدَهُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا نَذَرَ أَنْ يَعْتِقَ رَقَبَةً فَأَعْتَقَ رَقَبَةً كَافِرَةً كَذَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ عَلَاءُ الدَّيْنِ فِي طَرِيقَةِ الْخِلَافِ وَقَوْلُ أَحْمَدَ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ ا هـ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ فِيهِ قِيَاسَ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ عَلَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ إلَخْ) وَهُوَ لَا يَجُوزُ لِلُزُومِ اعْتِقَادِ النَّقْصِ فِيمَا تَوَلَّى اللَّهُ تَعَالَى بَيَانَهُ

(3/6)


الْآيَةَ ، وَلِهَذَا لَوْ نَذَرَ بِالْعِتْقِ خَرَجَ عَنْ الْعُهْدَةِ بِعِتْقِ الْكَافِرَةِ ، وَلَا يُقَالُ هُوَ مَأْمُورٌ بِتَحْرِيرِ رَقَبَةٍ وَهِيَ نَكِرَةٌ فَتَخْتَصُّ بِالْإِثْبَاتِ ، وَقَدْ أُرِيدَ بِهَا الْمُؤْمِنَةُ فَلَا تَدْخُلُ الْكَافِرَةُ لِأَنَّهُمَا ضِدَّانِ لِأَنَّا نَقُولُ هَذِهِ مُطْلَقَةٌ فَتَتَنَاوَلُ رَقَبَةً عَلَى أَيِّ صِفَةٍ كَانَتْ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ هُوَ الَّذِي يَتَعَرَّضُ لِلذَّاتِ دُونَ الصِّفَاتِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزَ الصَّغِيرَةُ وَالْكَبِيرَةُ ، وَإِنْ كَانَا مُتَضَادَّيْنِ ، وَكَذَا الْبَيْضَاءُ وَالسَّوْدَاءُ ، وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى ، وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَوْصَافِ الْمُتَضَادَّةِ ، وَيَجُوزُ الْمُرْتَدُّ عِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ قُلْنَا إنَّا نَمْنَعُ ، وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ الْقَتْلَ حَتَّى لَوْ كَانَتْ مُرْتَدَّةً جَازَتْ بِلَا خِلَافٍ ، وَالْعَيْبُ إذَا كَانَ لَا يُفَوِّتُ جِنْسَ الْمَنْفَعَةِ لَا يَمْنَعُ الصِّحَّةَ كَسَائِرِ الْعُيُوبِ ، وَلِهَذَا جَازَ الْأَصَمُّ وَالْأَعْوَرُ ، وَمَقْطُوعُ إحْدَى الْيَدَيْنِ ، وَإِحْدَى الرِّجْلَيْنِ مِنْ خِلَافٍ ، وَالْخَصِيُّ وَالْمَجْبُوبُ وَمَقْطُوعُ الْأُذُنَيْنِ ، وَالْمُرَادُ بِالْأَصَمِّ الَّذِي يَسْمَعُ إذَا صِيحَ عَلَيْهِ فَأَمَّا الْأَخْرَسُ فَلَا يَجُوزُ لِفَوَاتِ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَمْ يَجُزْ الْأَعْمَى ، وَمَقْطُوعُ الْيَدَيْنِ وَإِبْهَامَيْهِمَا أَوْ الرِّجْلَيْنِ ، وَالْمَجْنُونُ) وَالْأَصْلُ أَنَّ فَوَاتَ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ يَمْنَعُ الْجَوَازَ وَالِاخْتِلَالَ لَا يَمْنَعُ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ بَقَاءَ الْإِنْسَانِ مَعْنًى يَكُونُ بِبَقَاءِ مَنَافِعِهِ ، وَبِفَوَاتِ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ يَكُونُ هَالِكًا مَعْنًى ، وَفِيمَا ذَكَرَ فَوَاتُ الْبَصَرِ وَالْبَطْشِ وَقُوَّتِهِ وَالْمَشْيِ فَكَانَ هَالِكًا ، وَالِانْتِفَاعُ بِالْجَوَارِحِ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْعَقْلِ فَكَانَ أَقْوَى مِنْ الْأَوَّلِ ، وَاَلَّذِي يُجَنُّ ، وَيُفِيقُ يَجُوزُ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْعَقْلِ غَيْرُ فَائِتَةٍ ، وَإِنَّمَا هِيَ مُخْتَلَّةٌ ، وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ الْجَوَازَ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمُدَبَّرُ وَأُمُّ الْوَلَدِ) لِاسْتِحْقَاقِهِمَا الْحُرِّيَّةَ مِنْ وَجْهٍ بِجِهَةٍ أُخْرَى فَكَانَ الرِّقُّ فِيهِمَا نَاقِصًا ، وقَوْله تَعَالَى {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء : 92] يَقْتَضِي الْكَمَالَ ، وَيَقْتَضِي إنْشَاءَ الْعِتْقِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ، وَإِعْتَاقُهُمَا تَعْجِيلٌ لِمَا صَارَ مُسْتَحِقًّا لَهُمَا فَلَا يَكُونُ إنْشَاءً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَا يَجُوزُ ، وَقَالَ فِي الْغَايَةِ يَرُدُّ عَلَى قَوْلِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ فَكَانَ الرِّقُّ فِيهِمَا نَاقِصًا مَا لَوْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ عَتَقَ عَبِيدُهُ وَمُدَبَّرُوهُ وَأُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ ، وَلَا يُعْتَقُ مُكَاتَبُوهُ فَدَلَّ عَلَى كَمَالِ الرِّقِّ فِيهِمَا ، وَلِهَذَا يَحِلُّ لَهُ وَطْءُ الْمُدَبَّرَةِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَلَوْ كَانَ الرِّقُّ نَاقِصًا فِيهِمَا لِمَا حَلَّ لَهُ وَطْؤُهُمَا كَالْمُكَاتَبَةِ ، وَهَذَا غَلَطٌ وَخَطَأٌ مِنْ وُجُوهٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ جَعَلَ الرِّقَّ فِي الْمُكَاتَبِ نَاقِصًا ، وَالثَّانِي أَنَّهُ جَعَلَ نُقْصَانَ الرِّقِّ مُحَرِّمًا لِلْوَطْءِ ، وَالثَّالِثُ أَنَّهُ جَعَلَ الْمَنَاطَ فِي قَوْلِهِ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ الرِّقَّ ، وَإِنَّمَا هُوَ الْمِلْكُ ، وَالرَّابِعُ أَنَّهُ جَعَلَ رِقَّ الْمُدَبَّرِ ، وَأُمِّ الْوَلَدِ كَامِلًا ، وَنَحْنُ نَذْكُرُ الْفَرْقَ ، وَنُبَيِّنُ الْمَعْنَى ، وَالْمَنَاطَ مُخْتَصَرًا فَنَقُولُ الْمُكَاتَبُ رِقُّهُ كَامِلٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ» ، وَالْمِلْكُ فِيهِ نَاقِصٌ لِخُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِ الْمَوْلَى يَدًا ، وَالْمُدَبَّرُ ، وَأُمُّ الْوَلَدِ عَكْسُهُ فَإِنَّ رِقَّهُمَا نَاقِصٌ لِاسْتِحْقَاقِهِمَا الْحُرِّيَّةَ مِنْ وَجْهٍ ، وَالْمِلْكُ فِيهِمَا كَامِلٌ لِجَوَازِ التَّصَرُّفِ فِيهِمَا ، وَلِهَذَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهُمَا ، وقَوْله تَعَالَى {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء : 92] يَقْتَضِي رِقًّا كَامِلًا فَيَدْخُلُ فِيهِ الْمُكَاتَبُ دُونَهُمَا ، وَقَوْلُ الرَّجُلِ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ يَقْتَضِي مِلْكًا كَامِلًا فَيَدْخُلَانِ فِيهِ دُونَ الْمُكَاتَبِ فَكَانَ الْمَنَاطُ فِي تَحْرِيرِ الرَّقَبَةِ عَنْ الْكَفَّارَةِ الرِّقَّ ، وَفِي قَوْلِهِ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ الْمِلْكَ ، وَلِهَذَا قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي عِتْقِ الْمُكَاتَبِ عَنْ الْكَفَّارَةِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لِقِيَامِ الرِّقِّ فِيهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ، وَقَالَ فِيهِ فِي الْإِيمَانِ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ غَيْرُ ثَابِتٍ يَدًا ، وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ أَكْسَابَهُ ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ وَطْءُ الْمُكَاتَبَةِ يَعْنِي الْمَوْلَى ، وَقَالَ فِي الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْقِنِّ إذْ الْمِلْكُ ثَابِتٌ فِيهِمْ رَقَبَةً وَيَدًا ، وَكَذَا ذَكَرَ الْأُصُولِيُّونَ أَيْضًا فَيُعْلَمُ بِهَذَا أَنَّ الْعِتْقَ ضِدُّ الرِّقِّ دُونَ الْمِلْكِ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ فِي أَشْيَاءَ لَا تَقْبَلُ الْعِتْقَ وَلَوْ كَانَ ضِدًّا لَهُ لَمَا ثَبَتَ لِأَنَّ شَرْطَ التَّضَادِّ اتِّحَادُ الْمَحَلِّ ، وَإِذَا كَانَ الرِّقُّ نَاقِصًا لَا يُجْزِيهِ لِعَدَمِ الْإِعْتَاقِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِأَنَّ رِقَّهُ كَانَ زَائِلًا مِنْ وَجْهٍ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمُكَاتَبُ الَّذِي أَدَّى شَيْئًا) لِأَنَّهُ تَحْرِيرٌ بِعِوَضٍ ، وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَجُوزُ لِأَنَّ رِقَّهُ لَمْ يَنْتَقِصْ بِمَا أَدَّى فَكَانَ بَاقِيًا مِنْ وَجْهٍ ، وَلِهَذَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ عَلَى مَا بَيَّنَّا ، وَلِأَنَّ الْعِتْقَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ فِيهِمَا قَبْلَهُ فَلَا يَنُوبُ عَنْ الْوَاجِبِ ابْتِدَاءً قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ لَمْ يُؤَدِّ شَيْئًا أَوْ اشْتَرَى قَرِيبَهُ نَاوِيًا بِالشِّرَاءِ الْكَفَّارَةَ أَوْ حَرَّرَ نِصْفَ عَبْدِهِ عَنْ كَفَّارَتِهِ ثُمَّ حَرَّرَ بَاقِيهِ عَنْهَا صَحَّ) أَمَّا الْمُكَاتَبُ الَّذِي لَمْ يُؤَدِّ شَيْئًا فَلِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الرِّقَّ فِيهِ كَامِلٌ فَكَانَ تَحْرِيرًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ، وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ الْحُرِّيَّةَ بِجِهَةِ الْكِتَابَةِ فَأَشْبَهَ الْمُدَبَّرَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ وَلِهَذَا لَوْ نَذَرَ إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ بِالِاتِّفَاقِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشَّافِعِيِّ . ا هـ . (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ هُوَ الَّذِي يَتَعَرَّضُ لِلذَّاتِ إلَخْ) وَهَذَا كَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَا يُنْبِئُ عَلَى الْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ بَلْ الرَّقَبَةُ اسْمٌ لِلْمَمْلُوكِ كَذَا قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ فِي الصِّحَاحِ فَلَا يَجُوزُ تَقْيِيدُهُ بِالْإِيمَانِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ عَلَى النَّصِّ وَهُوَ نَسْخٌ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ كَانَتْ مُرْتَدَّةً جَازَتْ) وَقَالَ فِي الْغَايَةِ الرَّقَبَةُ أَعَمُّ وَهُوَ غَلَطٌ وَإِنَّمَا هُوَ مُطْلَقٌ وَهُوَ يَتَنَاوَلُ ذَاتًا وَاحِدَةً عَلَى أَيِّ صِفَةٍ كَانَتْ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ وَإِحْدَى الرِّجْلَيْنِ مِنْ خِلَافٍ) لِبَقَاءِ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْبَطْشِ وَالْمَشْيِ قَائِمَةٌ بِخِلَافِ مَا إذَا قُطِعَتَا مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ حَيْثُ لَا يَجُوزُ لِفَوَاتِ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ لِتَعَذُّرِ الْمَشْيِ . قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي وَلَا يُجْزِئُ الْأَعْمَى وَالْمُقْعَدُ .
(فَرْعٌ) يَجُوزُ عِتْقُ الْآبِقِ عَنْ الْكَفَّارَةِ إذَا عُلِمَ بِحَيَاتِهِ وَقْتَ الْإِعْتَاقِ مَذْكُورٌ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ مِنْ هَذَا الشَّرْحِ ا هـ قَالَ فِي الْأَجْنَاسِ يَجُوزُ مَقْطُوعُ الْأَنْفِ وَمَقْطُوعُ الشَّفَتَيْنِ إذَا كَانَ يَقْدِرُ عَلَى الْأَكْلِ وَلَا يَجُوزُ سَاقِطُ الْأَسْنَانِ وَيَجُوزُ ذَاهِبُ الْحَاجِبَيْنِ وَشَعْرِ اللِّحْيَةِ وَالرَّأْسِ وَنَقَلَهُ عَنْ نَوَادِرِ ابْنِ شُجَاعٍ وَقَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ يَجُوزُ الْأَعْشَى وَالْعِنِّينُ وَالْخُنْثَى وَالْأَمَةُ الرَّتْقَاءُ وَاَلَّتِي بِهَا قَرْنٌ يَمْنَعُ الْجِمَاعَ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ

(قَوْلُهُ وَهَذَا غَلَطٌ) أَيْ قَوْلُ صَاحِبِ الْغَايَةِ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَقَالَ فِي الْمُدَبَّرِ) يَعْنِي فِي الْهِدَايَةِ ا هـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ

(قَوْلُهُ لِأَنَّهُ تَحْرِيرٌ بِعِوَضٍ) وَالْعِوَضُ يُبْطِلُ مَعْنَى الْقُرْبَةِ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلِهَذَا يُقْبَلُ الْفَسْخُ) أَيْ يُقْبَلُ الْفَسْخُ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ بَعْضِ الْبَدَلِ كَمَا احْتَمَلَ قَبْلَهُ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ إلَخْ) وَهُوَ الْقِيَاسُ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ

(3/7)


وَأُمَّ الْوَلَدِ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ الْعِتْقَ بِالْكِتَابَةِ فَوْقَ اسْتِحْقَاقِهِ بِالتَّدْبِيرِ ، وَالِاسْتِيلَادِ ، وَلِهَذَا صَارَ أَحَقَّ بِمَكَاسِبِهِ ، وَيَمْنَعُ الْمَوْلَى مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ ، وَفِيمَا فِي يَدِهِ ، وَيَضْمَنُ لَهُ الْأَرْشَ وَالْعُقْرَ بِالْجِنَايَةِ وَالْوَطْءِ
وَلَنَا أَنَّ الْوَاجِبَ تَحْرِيرُ الرَّقَبَةِ ، وَهُوَ تَصْيِيرُ شَخْصٍ مَرْقُوقٍ حُرًّا ، وَقَدْ وُجِدَ ، وَلَمْ يَتَمَكَّنْ نُقْصَانٌ فِي رِقِّهِ بِالْكِتَابَةِ لِأَنَّ عِتْقَهُ مُعَلَّقٌ بِشَرْطِ الْأَدَاءِ ، وَالْمُعَلَّقُ بِهِ عُدِمَ قَبْلَ وُجُودِهِ ، وَلَا يَثْبُتُ بِهَذَا التَّعْلِيقِ اسْتِحْقَاقُ الْحُرِّيَّةِ كَمَا فِي سَائِرِ الشُّرُوطِ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ التَّعْلِيقَ بِسَائِرِ الشُّرُوطِ يَمْنَعُ الْفَسْخَ ، وَهَذَا لَا يَمْنَعُ ، وَهَذَا أَيْضًا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُوجِبُ نُقْصَانَ الرِّقِّ ، وَلَا يُوجِبُ لَهُ حَقَّ الْحُرِّيَّةِ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ لَا تَقْبَلُ الْفَسْخَ كَحَقِيقَتِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ التَّدْبِيرَ ، وَالِاسْتِيلَادَ لَا يَقْبَلُهُ فَيَثْبُتُ بِهَذَا أَنَّ الرِّقَّ قَائِمٌ فِي الْمُكَاتَبِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ، وَالْكِتَابَةَ لَا تُنَافِي الرِّقَّ لِأَنَّهَا فَكُّ الْحَجْرِ بِمَنْزِلَةِ الْإِذْنِ فِي التِّجَارَةِ إلَّا أَنَّهَا بِعِوَضٍ فَتَلْزَمُ مِنْ جِهَةِ الْمَوْلَى ، وَلَئِنْ كَانَتْ الْكِتَابَةُ مَانِعَةً مِنْ الْعِتْقِ عَنْ الْكَفَّارَةِ تَنْفَسِخُ بِمُقْتَضَى الْإِعْتَاقِ إذْ هِيَ تَقْبَلُهُ بِرِضَا الْمُكَاتَبِ ، وَقَدْ وُجِدَ رِضَاهُ دَلَالَةً لِأَنَّهُ لَمَّا رَضِيَ بِالْعِتْقِ بِعِوَضٍ كَانَ بِغَيْرِ عِوَضٍ أَوْلَى
وَلَا يُقَالُ لَوْ انْفَسَخَتْ الْكِتَابَةُ لَمَا سُلِّمَتْ لَهَا الْأَوْلَادُ ، وَالْأَكْسَابُ ، وَسَلَامَتُهُمَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعِتْقَ حَصَلَ بِجِهَةِ الْكِتَابَةِ لِأَنَّا نَقُولُ الْفَسْخُ ضَرُورِيٌّ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا فَيَظْهَرُ فِي حَقِّ جَوَازِ التَّكْفِيرِ ، وَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ اسْتِرْدَادِ الْأَوْلَادِ وَالْأَكْسَابِ وَلَوْلَا أَنَّهُ فَسْخٌ لَمَا سَقَطَ عَنْهُ بَدَلُ الْكِتَابَةِ أَوْ نَقُولُ سَلَامَةُ الْأَكْسَابِ وَالْأَوْلَادِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ عِتْقٌ ، وَهُوَ مُكَاتَبٌ لَا لِأَنَّهُ عِتْقٌ بِجِهَةِ الْكِتَابَةِ كَمَا لَوْ كَانَتْ أُمَّ وَلَدِهِ ثُمَّ مَاتَ عَتَقَتْ بِجِهَةِ الِاسْتِيلَادِ ، وَسَلَّمَ لَهَا الْأَكْسَابَ ، وَالْأَوْلَادَ الَّذِينَ وَلَدَتْهُمْ قَبْلَ الِاسْتِيلَادِ ثُمَّ اشْتَرَتْهُمْ بَعْدَ الْكِتَابَةِ ، وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ عِتْقٌ بِجِهَةِ الْكِتَابَةِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ عَنْ الْكَفَّارَةِ لِأَنَّ كُلًّامِنَّا فِي الْإِعْتَاقِ الصَّادِرِ مِنْ الْمَوْلَى لَا فِي الْعِتْقِ الْحَاصِلِ فِي الْمَحَلِّ وَالْكَفَّارَةَ تَتَأَدَّى بِالْإِعْتَاقِ دُونَ الْعِتْقِ لِأَنَّ الْعِتْقَ وَاحِدٌ فِي حَقِّ الْمَحَلِّ فَلَا يَتَنَوَّعُ
وَالْإِعْتَاقُ تَخْتَلِفُ جِهَاتُهُ فَجُعِلَ فِي حَقِّ الْمَحَلِّ عَيْنَ مَا يَسْتَحِقُّهُ بِالْكِتَابَةِ ، وَفِي حَقِّ الْمَوْلَى إعْتَاقًا بِجِهَةِ الْكَفَّارَةِ لِقَصْدِ ذَلِكَ كَالْمَرْأَةِ إذَا وَهَبَتْ صَدَاقَهَا مِنْ زَوْجِهَا قَبْلَ الْقَبْضِ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا لَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ ، وَيَجْعَلُ هِبَتَهَا فِي حَقِّ الزَّوْجِ تَحْصِيلًا لِمَقْصُودِهِ عِنْدَ الطَّلَاقِ ، وَفِي حَقِّهَا تَمْلِيكًا مُبْتَدَأً ، وَلَا يُقَالُ الْمِلْكُ فِيهِ قَدْ انْتَقَضَ بِالْكِتَابَةِ حَتَّى لَا يَدْخُلَ تَحْتَ الْمَمْلُوكِ الْمُطَلِّقُ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَا ذَكَرَ الْمِلْكَ ، وَإِنَّمَا شَرَطَ ضَرُورَةَ أَنَّ الْعِتْقَ لَا يَنْفُذُ إلَّا فِي الْمِلْكِ فَهَذَا الْقَدْرُ مِنْ الْمِلْكِ ، وَهُوَ مِلْكُ الرَّقَبَةِ كَافٍ لِنُفُوذِ الْعِتْقِ فَلَا حَاجَةَ إلَى مِلْكِ الْيَدِ ، وَهَذَا لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ لِإِزَالَةِ الرِّقِّ ، وَكَمَالَهُ بِمِلْكِ الرَّقَبَةِ دُونَ الْيَدِ فَخُرُوجُهُ عَنْ يَدِهِ لَا يُوجِبُ نَقْصًا فِي الرِّقِّ عَلَى مَا مَرَّ ، وَكَذَا وُجُوبُ الضَّمَانِ عَلَى الْمَوْلَى بِالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى مَالِهِ لِأَنَّ وُجُوبَهُ لِتَحَقُّقِ مَقْصُودِهِ لَا لِخُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِهِ ، وَأَمَّا إذَا اشْتَرَى قَرِيبُهُ يَنْوِي بِهِ عَنْ كَفَّارَتِهِ فَلِأَنَّ الشِّرَاءَ عِلَّةُ الْعِتْقِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ ، وَهُوَ بِصُنْعِهِ فَيَكُونُ عَمَّا نَوَى
وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا يُجْزِيهِ ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْأَوَّلُ لِأَنَّ عِلَّةَ الْعِتْقِ الْقَرَابَةُ لِأَنَّهَا عِلَّةُ وُجُوبِ الصِّلَاتِ بَيْنَ الْأَقَارِبِ ، وَالشِّرَاءَ شَرْطُ الْعِتْقِ لِأَنَّهُ سَبَبُ الْمِلْكِ ، وَالْإِعْتَاقَ سَبَبٌ لِزَوَالِهِ ، وَبَيْنَهَا تَنَافٍ فَاسْتَحَالَ إضَافَةُ الْعِتْقِ لِهَذَا الْمَعْنَى ، وَلِاسْتِحْقَاقِهِ الْحُرِّيَّةَ بِالْقَرَابَةِ فَصَارَ كَمَا قَالَ لِعَبْدِ الْغَيْرِ إنْ اشْتَرَيْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ ثُمَّ اشْتَرَاهُ يَنْوِي بِهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ حَيْثُ لَا يُجْزِيهِ لِأَنَّ نِيَّتَهُ لَمْ تَقْتَرِنْ بِالْعِلَّةِ وَهِيَ الْيَمِينُ ، وَإِنَّمَا اقْتَرَنَتْ بِالشَّرْطِ ، وَهُوَ الشِّرَاءُ فَلَا يُعْتَبَرُ ، وَلِهَذَا يُشْتَرَطُ الْأَهْلِيَّةُ عِنْدَ الْيَمِينِ دُونَ الشَّرْطِ ، وَكَذَا الضَّمَانُ يَجِبُ عَلَى شُهُودِ الْيَمِينِ لِأَنَّهُ صَاحِبُ عِلَّةٍ ، وَلَا يَجِبُ عَلَى شُهُودِ الشَّرْطِ ، وَلِأَنَّ فِيهِ صَرْفَ مَنْفَعَةِ الْكَفَّارَةِ إلَى أَبِيهِ فَلَا يَجُوزُ كَالزَّكَاةِ ، وَلِمَا أَنَّ النِّيَّةَ قَارَنَتْ عِلَّةَ الْعِتْقِ فَيَصِحُّ ، وَهَذَا لِأَنَّ شِرَاءَ الْقَرِيبِ عِلَّةٌ لِلْعِتْقِ لِأَنَّ الْعِلَّةَ هُوَ تَصْيِيرُ الرَّقَبَةِ حُرًّا ، وَفِي الشِّرَاءِ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَنْ يَجْزِي وَلَدٌ وَالِدَهُ إلَّا أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ» أَيْ بِالشِّرَاءِ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى غَيْرِهِ فَصَارَ إعْتَاقًا
وَهَذَا كَمَا يُقَالُ سَقَاهُ فَأَرْوَاهُ ، وَضَرَبَهُ فَأَوْجَعَهُ أَيْ بِالسَّقْيِ وَالضَّرْبِ ، وَلِأَنَّ الشِّرَاءَ يُوجِبُ الْمِلْكَ ، وَمِلْكَ الْقَرِيبِ يُوجِبُ الْعِتْقَ فَيُضَافُ الْمِلْكُ مَعَ حُكْمِهِ إلَى الشِّرَاءِ لِأَنَّهُمَا حَدَّثَا بِهِ ، وَهَذَا كَمَنْ رَمَى إنْسَانًا عَمْدًا فَأَصَابَهُ فَمَاتَ قُتِلَ بِهِ كَأَنَّهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ لِأَنَّا نَقُولُ الْفَسْخُ ضَرُورِيٌّ) أَيْ فَسْخُ الْكِتَابَةِ ثَبَتَ ضَرُورَةٌ تَقْتَضِي صِحَّةَ التَّكْفِيرِ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَالْأَوْلَادُ الَّذِينَ وَلَدَتْهُمْ قَبْلَ إلَخْ) وَإِنَّمَا قَيَّدَ الْوِلَادَةَ بِمَا قَبْلَ الِاسْتِيلَادِ لِأَنَّ مَا وَلَدَتْهُ بَعْدَهُ يَعْتِقُ بِمَوْتِ الْمَوْلَى كَهِيَ ا هـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ فَلَا يَلْزَمُ) لَيْسَتْ الْفَاءُ فِي خَطِّ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ وَكَمَالِهِ) أَيْ كَمَالِ الرِّقِّ ا هـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ وَأَمَّا إذَا اشْتَرَى قَرِيبَهُ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَة وَإِنْ اشْتَرَى أَبَاهُ وَابْنَهُ يَنْوِي بِالشِّرَاءِ لِلْكَفَّارَةِ جَازَ عَنْهَا قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَهَذِهِ مِنْ مَسَائِلِ الْقُدُورِيِّ
قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي شَرْحِ الْكَافِي أَجْزَأَهُ اسْتِحْسَانًا فِي قَوْلِ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ وَفِي الْقِيَاسِ لَا يُجْزِي وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ الْأَوَّلُ وَزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ وَكَذَا إنْ وَهَبَ لَهُ أَوْ أَوْصَى لَهُ بِهِ كَذَا ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي وَقَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَوْ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ لَوْ رَحِمَ مَحْرَمٍ بِلَا صُنْعٍ مِنْهُ مَا إذَا دَخَلَ فِي مِلْكِهِ بِالْمِيرَاثِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ عَنْ كَفَّارَتِهِ بِالْإِجْمَاعِ وَلَوْ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ بِصُنْعِهِ إنْ نَوَى عَنْ كَفَّارَتِهِ وَقْتَ وُجُودِ الصُّنْعِ يُجْزِيهِ عَنْ كَفَّارَتِهِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يُجْزِيهِ عَنْ كَفَّارَتِهِ وَلَوْ قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ يَعْتِقُ وَلَا يَجُوزُ إذَا نَوَى عَنْ كَفَّارَتِهِ وَقْتَ دُخُولِ الدَّارِ إلَّا إذَا نَوَى عَنْ كَفَّارَتِهِ وَقْتَ الْيَمِينِ فَحِينَئِذٍ وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّ عِتْقَهُ مُسْتَحَقٌّ بِسَبَبٍ سَابِقٍ وَهُوَ الْقَرَابَةُ فَلَا يُجْزِي عَنْ الْكَفَّارَةِ كَمَا إذَا اشْتَرَى الْمَحْلُوفُ بِعِتْقِهِ نَاوِيًا عَنْ الْكَفَّارَةِ
وَلَنَا أَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ فِي الْآيَةِ هُوَ التَّحْرِيرُ وَقَدْ حَصَلَ فَيُجْزِئُ عَنْ الْكَفَّارَةِ ، وَهَذَا لِأَنَّ شِرَاءَ الْقَرِيبِ إعْتَاقٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَجْزِي وَلَدٌ وَالِدَهُ إلَّا أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ» أَيْ بِالشِّرَاءِ كَمَا فِي قَوْلِهِمْ أَطْعِمْهُ فَأَشْبِعْهُ . ا هـ .

(3/8)


حَزَّ رَقَبَتَهُ بِالسَّيْفِ لِأَنَّ فِعْلَهُ ، وَهُوَ الرَّمْيُ أَدَّى إلَى النُّفُوذِ وَالْمُضِيِّ فِي الْهَوَاءِ ، وَأَوْجَبَ الْمُضِيُّ الْوُقُوعَ عَلَيْهِ ، وَأَفْضَى ذَلِكَ إلَى الْحَرَجِ ، وَهُوَ سَبَبُ الْمَوْتِ فَيُضَافُ الْكُلُّ إلَيْهِ بِالتَّسَيُّبِ فَيَكُونُ الرَّامِي قَاتِلًا لَهُ بِهَذِهِ الْوَسَائِطِ فَكَذَا الشِّرَاءُ أَوْجَبَ الْمِلْكَ ، وَالْمِلْكُ أَوْجَبَ الْعِتْقَ فَكَانَ الْمُشْتَرِي مُعْتِقًا بِوَاسِطَةِ الْمِلْكِ
وَالْمِلْكُ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِلْعِتْقِ لِأَنَّ الشَّرْطَ مَا لَا أَثَرَ لَهُ فِي الْإِيجَابِ ، وَالْعِتْقَ فِيهِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالْمِلْكِ وَالْقَرَابَةِ ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَثَرٌ فِيهِ فَجُعِلَا عِلَّةً ذَاتَ وَجْهَيْنِ ثُمَّ إنْ وُجِدَا مَعًا أُضِيفَ الْحُكْمُ إلَيْهِمَا ، وَإِنْ تَعَاقَبَا كَانَ الْأَخِيرُ هُوَ الْعِلَّةُ أَيُّهُمَا كَانَ ، وَلِهَذَا إذَا اشْتَرَى نِصْفَ ابْنِهِ مِنْ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ ضَمِنَ لِلْآخَرِ إنْ كَانَ مُوسِرًا ، وَالضَّمَانُ الَّذِي يَخْتَلِفُ بِالْيَسَارِ ، وَالْإِعْسَارِ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْإِعْتَاقِ وَلَوْ تَأَخَّرَ السَّبَبُ بِأَنْ ادَّعَى أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ نَسَبَ عَبْدٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا يَضْمَنُ الْمُدَّعِي نَصِيبَ شَرِيكِهِ ، وَهَذَا آيَةُ الْعِلِّيَّةِ بِخِلَافِ آخِرِ الشَّاهِدَيْنِ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تُوجِبُ شَيْئًا بِدُونِ الْقَضَاءِ ، وَالْقَضَاءَ بِهِمَا جَمِيعًا فَلَا يُحَالُ التَّلَفُ إلَى الثَّانِي مِنْهُمَا يُحَقِّقُهُ أَنَّ الْعِتْقَ صِلَةٌ ، وَلِلْمِلْكِ تَأْثِيرٌ فِي إيجَابِ الصِّلَاتِ كَإِيجَابِ الزَّكَاةِ ، وَلِلْقَرَابَةِ أَيْضًا تَأْثِيرٌ فِي إيجَابِ الصِّلَاتِ فَصَارَا عِلَّةً وَاحِدَةً فَيُضَافُ إلَيْهِمَا عِنْدَ اجْتِمَاعِهِمَا وُجُودًا ، وَلَا يُضَافُ إلَى الْأَخِيرِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِ الْغَيْرِ إنْ اشْتَرَيْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ فَاشْتَرَاهُ يَنْوِي بِهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الشِّرَاءَ هُنَا شَرْطٌ مَحْضٌ لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي إيجَابِ الْحُرِّيَّةِ فَقِرَانُ النِّيَّةِ بِهِ لَا يُفِيدُ حَتَّى لَوْ اقْتَرَنَتْ بِالْيَمِينِ بِأَنْ قَالَ إنْ اشْتَرَيْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ عَنْ كَفَّارَةِ ظِهَارِي أَجْزَأَهُ لِاقْتِرَانِ النِّيَّةِ بِالْعِلَّةِ وَهِيَ الْيَمِينُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ ذَلِكَ لِأَمَةٍ قَدْ اسْتَوْلَدَهَا بِالنِّكَاحِ ثُمَّ اشْتَرَاهَا حَيْثُ لَا تُجْزِيهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ
وَإِنْ اقْتَرَنَتْ نِيَّتُهُ بِالْعِلَّةِ لِأَنَّ عِتْقَهَا مُسْتَحَقٌّ بِالِاسْتِيلَادِ السَّابِقِ فَأُضِيفَ الْعِتْقُ إلَى الْيَمِينِ مِنْ وَجْهٍ لَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَصَارَ كَأَنَّهُ أَعْتَقَ أُمَّ الْوَلَدِ ، وَقَوْلُهُمْ إنَّ الْعِتْقَ مُسْتَحَقٌّ بِالْقَرَابَةِ فَاسِدٌ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ لَا يَثْبُتُ قَبْلَ تَمَامِ الْعِلَّةِ ، وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِهِمْ فِيهِ صَرَفَ مَنْفَعَةَ الْكَفَّارَةِ إلَى أَبِيهِ لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ صَرْفُهَا إلَى عَبْدِهِ كَانَ أَوْلَى أَنْ يَجُوزَ إلَى قَرِيبِهِ ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ وَهَبَ لَهُ أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ أَوْ أَوْصَى لَهُ بِهِ ، وَهُوَ يَنْوِي عَنْ الْكَفَّارَةِ لِأَنَّ الْمِلْكَ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ يَحْصُلُ بِصُنْعِهِ ، وَهُوَ الْقَبُولُ بِخِلَافِ مَا إذَا وَرِثَهُ ، وَهُوَ يَنْوِيهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ حَيْثُ لَا يُجْزِيهِ لِأَنَّ الْمِيرَاثَ يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ مِنْ غَيْرِ صُنْعِهِ ، وَلَا بُدَّ مِنْ صُنْعِهِ فِي الْكَفَّارَةِ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ هُوَ التَّحْرِيرُ ، وَهُوَ جَعْلُ الرَّقَبَةِ حُرًّا ، وَأَمَّا إذَا حَرَّرَ نِصْفَ عَبْدِهِ عَنْ كَفَّارَتِهِ ثُمَّ حَرَّرَ بَاقِيهِ عَنْهَا فَلِأَنَّهُ أَعْتَقَ رَقَبَةً كَامِلَةً بِكَلَامَيْنِ فَحَصَلَ الْمَقْصُودُ بِهِ
وَهَذَا جَوَابُ الِاسْتِحْسَانِ ، وَفِي الْقِيَاسِ أَنْ لَا يَجُوزَ لِأَنَّهُ بِعِتْقِ النِّصْفِ تَمَكَّنَ النُّقْصَانُ فِي الْبَاقِي فَصَارَ كَمَا لَوْ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ مِنْ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ ثُمَّ ضَمِنَ نَصِيبَ شَرِيكِهِ ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَذَا النُّقْصَانَ مِنْ آثَارِ الْعِتْقِ الْأَوَّلِ بِسَبَبِ الْكَفَّارَةِ فِي مِلْكِهِ ، وَمِثْلُهُ غَيْرُ مَانِعٍ كَمَنْ أَضْجَعَ شَاةً لِلتَّضْحِيَةِ فَأَصَابَ السِّكِّينُ عَيْنَهَا فَذَهَبَتْ بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ مِنْ قَرِيبٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ، وَهَذَا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَعَلَى قَوْلِهِمَا لَا يَتَأَتَّى فِيهِ الْقِيَاسُ ، وَالِاسْتِحْسَانُ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُمَا ، وَلِهَذَا لَوْ أَعْتَقَ نِصْفَ عَبْدِهِ ، وَلَمْ يَعْتِقْ الْبَاقِي جَازَ عِنْدَهُمَا لِأَنَّهُ يُعْتَقُ كُلَّهُ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ حَرَّرَ نِصْفَ عَبْدٍ مُشْتَرَكٍ ، وَضَمِنَ بَاقِيهِ أَوْ حَرَّرَ نِصْفَ عَبْدِهِ ثُمَّ وَطِئَ الَّتِي ظَاهَرَ مِنْهَا ثُمَّ حَرَّرَ بَاقِيهِ لَا) أَيْ لَا يُجْزِيهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ فَأَمَّا فِي الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ فَالْمَذْكُورُ هُنَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ، وَقَالَا يُجْزِيهِ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُمَا فَبِعِتْقِ جُزْءٍ مِنْهُ عَتَقَ كُلُّهُ فَصَارَ مُعْتَقًا لِكُلِّ الْعَبْدِ ، وَهُوَ مِلْكُهُ إلَّا أَنَّ الْمُعْتَقَ إذَا كَانَ مُوسِرًا ضَمِنَ نَصِيبَ شَرِيكِهِ فَيَكُونُ عِتْقًا بِغَيْرِ عِوَضٍ فَيُجْزِيهِ ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا سَعَى الْعَبْدُ فَيَكُونُ عِتْقًا بِعِوَضٍ فَلَا يُجْزِيهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ ، وَلَهُ أَنَّ النُّقْصَانَ تَمَكَّنَ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ لِتَعَذُّرِ اسْتِدَامَةِ الرِّقِّ فِيهِ ، وَهَذَا النُّقْصَانُ حَصَلَ فِي مِلْكِ شَرِيكِهِ ثُمَّ انْتَقَلَ إلَيْهِ بِالضَّمَانِ نَاقِصًا فَلَا يُجْزِيهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَعْتَقَ نِصْفَ عَبْدِهِ ثُمَّ بَاقِيهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ لِأَنَّ ذَلِكَ النُّقْصَانَ كَذَهَابِ الْبَعْضِ بِسَبَبِ الْعِتْقِ فَجُعِلَ مِنْ الْأَدَاءِ ، وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ هُنَا لِأَنَّهُ لَا أَدَاءَ قَبْلَ الْمِلْكِ فَوَضَحَ الْفَرْقُ ، وَلَا يُقَالُ إنَّهُ مَلَكَهُ بِالضَّمَانِ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الْإِعْتَاقِ فَحَصَلَ النُّقْصَانُ فِي مِلْكِهِ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ لِأَنَّا نَقُولُ الِاسْتِنَادُ فِي الْمَضْمُونَاتِ يَثْبُتُ فِي حَقِّ الضَّامِنِ وَالْمَضْمُونِ لَا فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا فَلَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ الْإِجْزَاءِ عَنْ الْكَفَّارَةِ ، وَأَمَّا إذَا أَعْتَقَ النِّصْفَ ثُمَّ جَامَعَهَا ثُمَّ أَعْتَقَ النِّصْفَ الْبَاقِيَ فَلِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ الْعِتْقُ قَبْلَ الْمَسِيسِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(3/9)


فَلَمْ يُوجَدْ لِأَنَّ النِّصْفَ وَقَعَ بَعْدَ الْمَسِيسِ ، وَلَا يُقَالُ لَوْ كَانَ ذَلِكَ مَانِعًا لَمَا جَازَ لَهُ أَنْ يَعْتِقَ رَقَبَةً أُخْرَى بَعْدَهُ لِأَنَّا نَقُولُ النَّصُّ يَقْتَضِي تَقْدِيمَ الْعِتْقِ عَلَى الْمَسِيسِ ، وَمَنْعَ التَّفْرِقَةِ بِالْجِمَاعِ بَيْنَ النِّصْفَيْنِ فَمَا تَعَذَّرَ مِنْهُمَا سَقَطَ ، وَهُوَ التَّقْدِيمُ ، وَمَا أَمْكَنَ تَدَارُكُهُ وَجَبَ عَمَلًا بِالنَّصِّ بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِعْتَاقَ يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ ، وَعِنْدَهُمَا يُجْزِيهِ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُمَا فَإِعْتَاقُ النِّصْفِ إعْتَاقٌ لِلْكُلِّ فَكَانَ إعْتَاقُ الرَّقَبَةِ قَبْلَ الْمَسِيسِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَا يَعْتِقُ صَامَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ لَيْسَ فِيهِمَا رَمَضَانُ ، وَأَيَّامٌ مَنْهِيَّةٌ) وَهِيَ يَوْمُ الْفِطْرِ ، وَيَوْمُ النَّحْرِ ، وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ لِأَنَّ التَّتَابُعَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ ، وَشَهْرَ رَمَضَانَ لَمْ يُشَرَّعْ فِيهِ صَوْمٌ آخَرُ غَيْرُهُ فِي حَقِّ الْمُقِيمِ الصَّحِيحِ ، وَالصَّوْمُ فِي الْعِيدَيْنِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فَلَا يَتَأَدَّى بِهِ الْكَامِلُ ، وَيَنْقَطِعُ التَّتَابُعُ بِدُخُولِ هَذِهِ الْأَيَّامِ لِأَنَّهُ يَجِدُ شَهْرَيْنِ مُتَوَالِيَيْنِ خَالِيَيْنِ عَنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ بِخِلَافِ مَا إذَا حَاضَتْ الْمَرْأَةُ فِي صَوْمِ كَفَّارَةِ الْإِفْطَارِ أَوْ الْقَتْلِ حَيْثُ لَا يَنْقَطِعُ بِهِ التَّرْتِيبُ لِأَنَّهَا لَا تَجِدُ بُدًّا مِنْهُ فِي شَهْرَيْنِ بِخِلَافِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَالنِّفَاسِ وَالْمَرَضِ حَيْثُ يُسْتَقْبَلُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ وُجُودُ شَهْرَيْنِ خَالِيَيْنِ عَنْ النِّفَاسِ وَالْمَرَضِ ، وَمُدَّةُ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ قَلِيلَةٌ فَيُمْكِنُهَا أَنْ تَصُومَ مُرَتَّبًا مِنْ غَيْرِ حَرَجٍ ، وَعَلَى هَذَا الِاعْتِبَارِ الصَّوْمُ الْمَنْذُورُ بِشَرْطِ التَّتَابُعِ ثُمَّ إنْ صَامَ شَهْرَيْنِ بِالْأَهِلَّةِ أَجْزَأَهُ ، وَإِنْ كَانَا نَاقِصَيْنِ ، وَإِلَّا فَلَا يُجْزِيهِ إلَّا الْكَامِلُ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ وَطِئَ فِيهِمَا لَيْلًا أَوْ يَوْمًا نَاسِيًا أَوْ أَفْطَرَ اسْتَأْنَفَ الصَّوْمَ) لِأَنَّهُ بِالْإِفْطَارِ فَاتَ التَّرْتِيبُ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ ، وَبِالْوَطْءِ قَبْلَ التَّكْفِيرِ يَفُوتُ تَقْدِيمُ الْكَفَّارَةِ ، وَهَذَا عِنْدَهُمَا ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَسْتَأْنِفُ إلَّا بِالْإِفْطَارِ لِأَنَّ الْوَطْءَ الْمَذْكُورَ لَا يَفْسُدُ بِهِ الصَّوْمُ كَمَا لَوْ جَامَعَ غَيْرَهَا بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَكَانَ التَّرْتِيبُ بَاقِيًا عَلَى حَالِهِ ، وَلِأَنَّ فِي الِاسْتِئْنَافِ تَأْخِيرَ الْكُلِّ عَنْ الْمَسِيسِ ، وَفِي الْمُضِيِّ تَأْخِيرَ الْبَعْضِ فَكَانَ أَوْلَى ، وَلِهَذَا لَوْ جَامَعَهَا فِي خِلَالِ الْإِطْعَامِ لَا يَسْتَأْنِفُ ، وَلَهُمَا أَنَّ النَّصَّ يَقْتَضِي تَقْدِيمَ الصَّوْمِ عَلَى الْوَطْءِ ، وَأَنْ يَكُونَ الصَّوْمُ خَالِيًا عَنْ الْوَطْءِ فَإِذَا فَاتَ التَّقْدِيمُ ، وَسَقَطَ لِتَعَذُّرِهِ وَجَبَ أَنْ يَأْتِيَ بِالْآخَرِ ، وَهُوَ الْإِخْلَاءُ لِأَنَّ الْعَجْزَ عَنْ أَحَدِهِمَا لَا يُوجِبُ سُقُوطَهُمَا بِخِلَافِ الْإِطْعَامِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِالتَّقْدِيمِ فَيَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ ، وَقَوْلُهُ يَوْمًا ، وَلَمْ يَقُلْ نَهَارًا لِيَدْخُلَ فِيهِ مَا بَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَمْ يُجْزِ لِلْعَبْدِ إلَّا الصَّوْمُ ، وَإِنْ أَطْعَمَ أَوْ أَعْتَقَ عَنْهُ سَيِّدُهُ) لِأَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ ، وَالتَّكْفِيرَ بِالْمَالِ لَا يَكُونُ بِدُونِهِ ، وَلَا هُوَ مِنْ أَهْلِ الْمِلْكِ فَلَا يَصِيرُ مَالِكًا بِتَمْلِيكِهِ ، وَلَا يُقَالُ يَنْبَغِي أَنْ يَثْبُتَ الْعِتْقُ لَهُ فِي ضِمْنِ تَمْلِيكِهِ اقْتِضَاءً لِأَنَّا نَقُولُ الْحُرِّيَّةُ أَصْلُ الْأَهْلِيَّةِ فَلَا يَثْبُتُ اقْتِضَاءً لِأَنَّ مَا يَثْبُتُ بِطَرِيقِ الِاقْتِضَاءِ يَكُونُ تَبَعًا ، وَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ فِي الْأَصْلِ ، وَصَوْمُهُ مُقَدَّرٌ بِشَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ كَالْحُرِّ ، وَعَنْ النَّخَعِيّ شَهْرٌ وَاحِدٌ اعْتِبَارًا بِالْعُقُوبَةِ لِأَنَّهُ شُرِّعَ زَاجِرًا كَالْحُدُودِ ، وَنَحْنُ نَقُولُ جَانِبُ الْعَادَةِ أَرْجَحُ أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَمْ تُشَرَّعْ فِي حَقِّ الْكَافِرِ ، وَيُشْتَرَطُ فِيهَا النِّيَّةُ ، وَتَتَأَدَّى بِالصَّوْمِ ، وَلَا تَنْصِيفَ فِي الْعِبَادَةِ ، وَلَيْسَ لِلْمَوْلَى أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ التَّكْفِيرِ بِالصَّوْمِ بِخِلَافِ النَّذْرِ ، وَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ لِأَنَّ النَّذْرَ بِالْتِزَامِهِ فَكَانَ نَفْلًا فِي حَقِّهِ ، وَكَفَّارَةَ الْيَمِينِ لَيْسَ بِمُضْطَرٍّ إلَيْهَا فَلَا يَضُرُّهُ التَّأْخِيرُ

وَلَوْ صَامَ الْحُرُّ شَهْرَيْنِ فَقَدَرَ عَلَى الْإِعْتَاقِ فِي الْيَوْمِ الْأَخِيرِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِعْتَاقُ ، وَكَانَ صَوْمُهُ تَطَوُّعًا ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُتِمَّ صَوْمَ الْيَوْمِ الْأَخِيرِ ، وَإِنْ أَفْطَرَ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ خِلَافًا لِزُفَرَ.

وَلَا يَجُوزُ الصَّوْمُ لِمَنْ لَهُ خَادِمٌ وَاحِدٌ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ اعْتِبَارًا بِالْمَاءِ الْمُعَدِّ لِعَطَشِهِ حَيْثُ يَجُوزُ التَّمِيمُ ، وَلَنَا أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمَاءَ مَأْمُورٌ بِإِمْسَاكِهِ ، وَاسْتِعْمَالَهُ مَحْظُورٌ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ بِخِلَافِ الْخَادِمِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنْ (لَمْ يَسْتَطِعْ الصَّوْمَ أَطْعَمَ سِتِّينَ فَقِيرًا كَالْفِطْرَةِ أَوْ قِيمَتِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة : 4] وَقَوْلُهُ كَالْفِطْرَةِ يَعْنِي فِي قَدْرِ الْوَاجِبِ حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ لِقَوْلِهِ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِسَلَمَةَ بْنِ صَخْرٍ الْبَيَاضِيُّ أَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا وُسْقًا مِنْ تَمْرٍ بَيْنَ سِتِّينَ مِسْكِينًا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ، وَابْنُ مَاجَهْ ، وَالتِّرْمِذِيُّ ، وَأَحْمَدُ ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ «، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِأَوْسٍ فَلْيُطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا وُسْقًا مِنْ تَمْرٍ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد أَيْضًا مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ وُسْقًا مِنْ تَمْرٍ ، وَرَوَى الْأَثْرَمُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ صَامَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ لَيْسَ فِيهِمَا رَمَضَانُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَمَّا عَدَمُ إجْزَاءِ صَوْمِ رَمَضَانَ عَنْ الْكَفَّارَةِ فَلِأَنَّ الصَّوْمَ الْوَاقِعَ فِيهِ وَقَعَ عَنْ فَرْضِ رَمَضَانَ فَلَا يَقَعُ عَنْ فَرْضٍ آخَرَ إلَّا إذَا كَانَ مُسَافِرًا فَصَامَ شَعْبَانَ وَرَمَضَانَ بِنِيَّةِ الْكَفَّارَةِ أَجْزَأَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا لِمَا عُرِفَ فَإِنْ قُلْت كَيْفَ جَازَ صَوْمُ رَمَضَانَ عَنْهُ وَعَنْ صَوْمِ الِاعْتِكَافِ إذَا أَنْذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ فِيهِ فَصَامَهُ مُعْتَكِفًا قُلْتُ الصَّوْمُ فِي بَابِ الِاعْتِكَافِ شَرْطُ الِاعْتِكَافِ فَيُشْتَرَطُ وُجُودُ الشَّرْطِ كَيْفَ كَانَ لَا قَصْدًا بِخِلَافِ الصَّوْمِ فِي الْكَفَّارَةِ فَإِنَّهُ فَرْضٌ مَقْصُودٌ يُعْتَبَرُ وُجُودُهُ قَصْدًا وَأَمَّا الْأَيَّامُ الْمَذْكُورَةُ فَصَوْمُهَا نَاقِصٌ بِوُرُودِ النَّهْيِ عَنْ صَوْمِهَا وَالْوَاجِبُ بِالْكَفَّارَةِ صَوْمٌ كَامِلٌ فَلَا يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَتِهِ بِالنَّاقِصِ قَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَوْ أَفْطَرَ يَوْمًا لِعُذْرٍ مِنْ مَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ فَإِنَّهُ يَسْتَقْبِلُ الصِّيَامَ وَكَذَا لَوْ جَاءَ يَوْمُ الْفِطْرِ أَوْ يَوْمُ النَّحْرِ أَوْ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ فَإِنَّهُ يَسْتَقْبِلُ الصَّوْمَ وَلَوْ صَامَ هَذِهِ الْأَيَّامَ وَلَمْ يُفْطِرْ فَكَذَلِكَ أَيْضًا يَسْتَقْبِلُ . ا هـ .

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَمْ يَجُزْ لِلْعَبْدِ إلَّا الصَّوْمُ إلَخْ) وَكَذَا السَّفِيهُ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ عِنْدَهُمَا إذَا ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ لَا يَكُونُ إلَّا بِالصَّوْمِ ذَكَرَهُ ابْنُ فِرِشْتَا فِي كِتَابِ الْحِجْرِ مِنْ شَرْحِ الْمَجْمَعِ . ا هـ . (قَوْلُهُ بِخِلَافِ النَّذْرِ وَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ) أَيْ فَإِنَّ لِلْمَوْلَى مَنْعَهُ عَنْهُ . ا هـ .

(قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ الصَّوْمُ لِمَنْ لَهُ خَادِمٌ وَاحِدٌ) بِخِلَافِ الْمِسْكِينِ . ا هـ . (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْخَادِمِ) كَذَا ذَكَرَهُ الرَّازِيّ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ وَيَرُدُّ عَلَيْهِ الْمَسْكَنَ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ لِبَاسِ أَهْلِهِ بِخِلَافِ الْخَادِمِ . ا هـ .

(قَوْلُهُ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِأَوْسٍ) وَأَوْسٌ هَذَا هُوَ ابْنُ الصَّامِتِ أَخُو عُبَادَةَ ا هـ

(3/10)


بِإِسْنَادِهِ عَنْ عُمَرَ قَالَ أَطْعِمْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ أَوْ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ ذَكَرَهُ فِي الْمُعَلَّى وَقِيمَتُهُ تَقُومُ مَقَامَهُ عِنْدَنَا عَلَى مَا عُرِفَ فِي الزَّكَاةِ ، وَلِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ دَفْعُ حَاجَةِ الْيَوْمِ لِكُلِّ مِسْكِينٍ فَيَكُونُ نَظِيرَ صَدَقَةِ الْفِطْرِ فَإِنْ أَعْطَى مَنًّا مِنْ بُرٍّ وَمَنْوَيْنِ مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ جَازَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ لِأَنَّ الْمَنَّ رِطْلَانِ فَوُجِدَ نِصْفُ الْوَاجِبِ مِنْ كُلِّ جِنْسٍ فَتَنْدَفِعُ بِهِ حَاجَةُ الْمِسْكِينِ ، وَهُوَ الْمَقْصُودُ بِالْإِطْعَامِ
وَإِنَّمَا جَازَ تَكْمِيلُ أَحَدِ النَّوْعَيْنِ بِالْآخَرِ لِاتِّحَادِ الْمَقْصُودِ ، وَهُوَ الْإِطْعَامُ فَصَارَا جِنْسًا وَاحِدًا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَجَازَ التَّكْمِيلُ بِالْآخَرِ ، وَلَا يَجُوزُ إلَّا بِالْقِيمَةِ حَتَّى لَوْ أَدَّى أَقَلَّ مِنْ صَاعٍ مِنْ التَّمْرِ يُسَاوِي نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْقِيمَةَ لَا تُعْتَبَرُ فِي الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَدَّى نِصْفَ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ جَيِّدٍ يُسَاوِي صَاعًا مِنْ الْوَسَطِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ لِمَا ذَكَرْنَا ، وَلَا يَرُدُّ عَلَى هَذَا مَا لَوْ أَطْعَمَ خَمْسَةً ، وَكَسَا خَمْسَةً فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ حَيْثُ تَجُوزُ الْكِسْوَةُ عَنْ الْإِطْعَامِ بِالْقِيمَةِ ، وَالْكِسْوَةُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا ، وَحَيْثُ لَا يَجُوزُ تَكْمِيلُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ إجْزَاءً ، وَلَا مَا لَوْ أَعْتَقَ نِصْفَ رَقَبَةٍ ، وَصَامَ شَهْرًا حَيْثُ لَا يَجُوزُ تَكْمِيلُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ لِأَنَّ شَرْطَ مَنْعِ اعْتِبَارِ الْقِيمَةِ ، وَشَرْطَ جَوَازِ التَّكْمِيلِ اتِّحَادُ الْجِنْسِ فَلَمْ يُوجَدْ لِأَنَّ الْكِسْوَةَ غَيْرُ الْإِطْعَامِ ، وَالْإِعْتَاقَ غَيْرُ الصِّيَامِ فَلَمْ يُوجَدْ شَرْطُ مَنْعِ جَوَازِ الْقِيمَةِ فِي الْأُولَى ، وَلَا عِلَّةُ جَوَازِ التَّكْمِيلِ فِي الْأُخْرَيَيْنِ ، وَلِأَنَّ الصَّوْمَ يَدُلُّ عَنْ الْعِتْقِ فَلَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا
وَفِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ فَقَضِيَّتُهُ أَنْ يَتَنَاوَلَ أَحَدَهُمَا كُلَّهُ فَإِذَا أَتَى بِبَعْضِ وَاحِدٍ مِنْهَا ، وَأَرَادَ تَكْمِيلَهُ بِبَعْضِ الْآخَرِ لَا يُجْزِيهِ لِعَدَمِ الِامْتِثَالِ لِأَنَّ مَنْ خُيِّرَ بَيْنَ أَشْيَاءَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَخْتَارَ بَعْضَ كُلٍّ مِنْهَا ، وَيَلْزَمُ مِنْ هَذَا أَنْ يَكُونَ مُخَيَّرًا بَيْنَ أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ ، وَهُوَ خِلَافُ النَّصِّ ، وَلَا يَلْزَمُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ اشْتِرَاطِ اتِّحَادِ الْجِنْسِ فِي التَّكْمِيلِ أَنْ يَجُوزَ عِتْقُ نِصْفِ رَقَبَتَيْنِ مُشْتَرَكَتَيْنِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ لِأَنَّ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ الرَّقَبَةُ ، وَنِصْفُ الرَّقَبَتَيْنِ لَيْسَ بِرَقَبَةٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَرَكَا فِي أُضْحِيَّةِ شَاتَيْنِ حَيْثُ يَجُوزُ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْأُضْحِيَّةِ ، وَلَا يَرُدُّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا جَزَاءُ الصَّيْدِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ الْجَمْعُ فِيهِ بَيْنَ الصِّيَامِ وَالْإِطْعَامِ وَالْهَدْيِ وَهِيَ مُخْتَلِفَةٌ لِأَنَّا نَقُولُ هَذَا لَيْسَ بِتَكْمِيلٍ لِأَنَّ التَّكْمِيلَ يَكُونُ فِي الْمَحْظُورِ بَلْ هُوَ عَمَلٌ بِمُوجِبِ النَّصِّ فِي كُلِّ وَاحِدٍ كَأَنْ لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ ، وَهَذَا لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ الْقِيمَةُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ ثُمَّ هُوَ مُخَيَّرٌ فِيهَا
وَفِي كُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَائِهَا إنْ شَاءَ جَعَلَهُ صَوْمًا أَوْ غَيْرَهُ بِخِلَافِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ أَحَدُهَا غَيْرَ عَيْنٍ فَلَا يُجْمَعُ وَلَوْ فَرَّقَ عَلَى كُلِّ مِسْكِينٍ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ الصَّاعِ مِنْ الْبُرِّ أَوْ أَقَلَّ مِنْ صَاعٍ مِنْ الشَّعِيرِ بِأَنْ أَعْطَى الْقَدْرَ الْوَاجِبَ لِمِسْكِينَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ لَا يُجْزِيهِ ، وَعَلَيْهِ أَنْ يُتِمَّ لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ بِخِلَافِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُفَرِّقَ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ عَلَى مِسْكِينَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْعَدَدَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الْكَفَّارَةِ كَمَا نَصَّ عَلَى قَدْرِ الْوَاجِبِ فَيَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مَا يَخُصُّهُ مِنْ الْوَاجِبِ ، وَأَمَّا صَدَقَةُ الْفِطْرِ فَالْعَدَدُ فِيهَا مَسْكُوتٌ عَنْهُ فَلَهُ أَنْ يُفَرِّقَ الْقَدْرَ عَلَى أَيِّ عَدَدٍ شَاءَ ، وَلَكِنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يُعْطِيَ مِسْكِينًا وَاحِدًا لِيَتَحَقَّقَ الْإِغْنَاءُ لِأَنَّ مَا دُونَ نِصْفِ صَاعٍ لَا يَحْصُلُ بِهِ الْإِغْنَاءُ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَلَوْ أَمَرَ غَيْرَهُ أَنْ يُطْعِمَ عَنْهُ عَنْ ظِهَارِهِ فَفَعَلَ أَجْزَأَهُ) لِأَنَّهُ طَلَبَ مِنْهُ التَّمْلِيكَ مَعْنًى ، وَالْفَقِيرُ قَابِضٌ لَهُ أَوَّلًا ثُمَّ لِنَفْسِهِ فَيَتَحَقَّقُ تَمَلُّكُهُ ثُمَّ تَمْلِيكُهُ كَمَا لَوْ وَهَبَ الدَّيْنَ مَنْ غَيْرُ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ ، وَأَمَرَهُ بِقَبْضِهِ يَجُوزُ لِأَنَّهُ يَصِيرُ قَابِضًا لِلْآمِرِ ثُمَّ يَجْعَلُهُ لِنَفْسِهِ ثُمَّ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ لَيْسَ لِلْمَأْمُورِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْآمِرِ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْهِبَةَ وَالْقَرْضَ فَلَا يَرْجِعُ بِالشَّكِّ . وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَرْجِعُ ، وَيُجْعَلُ قَرْضًا لِأَنَّهُ أَدْنَاهُمَا ضَرَرًا

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَصِحُّ الْإِبَاحَةُ فِي الْكَفَّارَاتِ وَالْفِدْيَةِ دُونَ الصَّدَقَاتِ ، وَالْعُشْرِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ فِي الْكَفَّارَاتِ وَالْفِدْيَةِ أَيْضًا إلَّا التَّمْلِيكُ لِأَنَّهُ أَدْفَعُ لِلْحَاجَةِ وَالْإِطْعَامِ يُذْكَرُ لِلتَّمَلُّكِ عُرْفًا يُقَالُ أَطْعَمْتُك هَذَا الطَّعَامَ أَيْ مَلَّكْتُكَهُ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ أَوْ هُوَ مُرَادٌ بِالْإِجْمَاعِ فَانْتَفَى الْآخَرُ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا لِأَنَّ فِيهِ الْجَمْعَ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ ، وَالْمَجَازِ أَوْ الْعُمُومَ فِي الْمُشْتَرَكِ ، وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ ، وَلِأَنَّهَا صَدَقَةٌ وَاجِبَةٌ فَيَكُونُ مِنْ شَرْطِهَا التَّمْلِيكُ كَالزَّكَاةِ ، وَصَدَقَةُ الْفِطْرِ وَالْكِسْوَةُ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ ، وَلَنَا أَنَّ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ فِي الْكَفَّارَةِ وَالْفِدْيَةِ الْإِطْعَامُ ، وَهُوَ حَقِيقَةٌ فِي التَّمْكِينِ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ جَعْلِ الْغَيْرِ طَاعِمًا ، وَذَلِكَ بِالْإِبَاحَةِ ، وَإِنَّمَا جَازَ التَّمْلِيكُ بِدَلَالَةِ النَّصِّ ، وَالْعَمَلُ بِهَا لَا يَمْنَعُ الْعَمَلَ بِالْحَقِيقَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ ضَرْبَ الْوَالِدَيْنِ ، وَشَتْمَهُمَا يَحْرُمُ بِدَلَالَةِ النَّصِّ فِي قَوْله تَعَالَى {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء : 23] مَعَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ وَأَمَّا صَدَقَةُ الْفِطْرِ إلَخْ) ذَكَرَ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي بَابِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ أَنَّهُ يَجِبُ دَفْعُ صَدَقَةِ فِطْرِ كُلِّ شَخْصٍ إلَى مِسْكِينٍ حَتَّى لَوْ فَرَّقَهُ عَلَى مِسْكِينَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ هُوَ الْإِغْنَاءُ وَلَا يُسْتَغْنَى بِمَا دُونَ ذَلِكَ وَجَوَّزَ الْكَرْخِيُّ تَفْرِيقَ صَدَقَةِ شَخْصٍ وَاحِدٍ عَلَى مَسَاكِينَ لِأَنَّ الْإِغْنَاءَ يَحْصُلُ بِالْمَجْمُوعِ . ا هـ . (قَوْلُهُ مَسْكُوتٌ عَنْهُ) وَالْمُعْتَبَرُ فِيهَا الْمِقْدَارُ دُونَ الْعَدَدِ . ا هـ .

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَلَوْ أَمَرَ) أَيْ الْمُظَاهِرُ . ا هـ .

(قَوْلُهُ وَإِنَّمَا جَازَ التَّمْلِيكُ بِدَلَالَةِ النَّصِّ إلَخْ) وَوَجْهُهُ أَنَّ التَّمْلِيكَ يَصْلُحُ لِقَضَاءِ الْحَوَائِجِ وَالْأَكْلَ جُزْءٌ مِنْهَا فَإِذَا جَازَ بِجُزْءٍ فَالْكُلُّ أَوْلَى ا هـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ

(3/11)


بَقَاءِ الْأَصْلِ مُرَادًا ، وَهُوَ التَّأْفِيفُ بِخِلَافِ الْمُسْتَشْهَدِ بِهِ لِأَنَّ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ فِيهَا الْإِيتَاءُ ، وَالْأَدَاءُ وَالْكِسْوَةُ وَهِيَ تَقْتَضِي التَّمْلِيكَ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالشَّرْطُ غَدَاءَانِ أَوْ عَشَاءَانِ مُشْبِعَانِ أَوْ غَدَاءٌ وَعَشَاءٌ) لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ دَفْعُ حَاجَةِ الْيَوْمِ ، وَذَلِكَ بِالْغَدَاءِ وَالْعَشَاءِ عَادَةً ، وَيَقُومُ قَدْرُهُمَا مَقَامَهُمَا فَكَانَ الْمُعْتَبَرُ أَكْلَتَيْنِ ، وَالسُّحُورُ كَالْغَدَاءِ وَلَوْ غَدَّى سِتِّينَ ، وَعَشَّى سِتِّينَ غَيْرَهُمْ لَمْ يُجْزِهِ إلَّا أَنْ يُعِيدَ عَلَى أَحَدِ السِّتِّينَيْنِ مِنْهُمْ غَدَاءً أَوْ عَشَاءً ، وَلَا بُدَّ مِنْ الْإِدَامِ فِي خُبْزِ الشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ لِيُمَكِّنَهُ الِاسْتِيفَاءَ إلَى الشِّبَعِ بِخِلَافِ خُبْزِ الْبُرِّ فَإِذَا شَبِعُوا أَجْزَأَهُ قَلِيلًا أَكَلُوا أَوْ كَثِيرًا لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَلَوْ كَانَ فِيمَنْ أَطْعَمَهُمْ صَبِيٌّ فَطِيمٌ لَمْ يُجْزِهِ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَوْفِي كَامِلًا ، وَكَذَا لَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ شَبْعَانَ قَبْلَ الْأَكْلِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَعْطَى فَقِيرًا شَهْرَيْنِ صَحَّ) أَيْ لَوْ أَطْعَمَ فَقِيرًا وَاحِدًا سِتِّينَ يَوْمًا أَجْزَأَهُ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يُجْزِيهِ لِأَنَّ التَّفْرِيقَ عَلَى السِّتِّينَ وَاجِبٌ بِالنَّضِّ فَلَا يَجُوزُ إبْطَالُهُ بِالتَّعْلِيلِ ، وَلَنَا أَنَّ الْمَقْصُودَ سَدّ خُلَّةِ الْمُحْتَاجِ ، وَالْحَاجَةَ تَتَجَدَّدُ بِتَجَدُّدِ الْأَيَّامِ فَكَانَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي كَمِسْكِينٍ آخَرَ لِتَجَدُّدِ سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ فِي يَوْمٍ لَا إلَّا عَنْ يَوْمِهِ) أَيْ لَوْ أَعْطَى مِسْكِينًا وَاحِدًا كُلَّهُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ لَا يُجْزِيهِ إلَّا عَنْ يَوْمِهِ ذَلِكَ ، وَهَذَا فِي الْإِعْطَاءِ بِدُفْعَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ إبَاحَةٍ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ التَّفْرِيقُ بِالنَّصِّ ، وَلَمْ يُوجَدْ كَالْحَاجِّ إذَا رَمَى الْجَمْرَةَ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ بِدُفْعَةٍ وَاحِدَةٍ لَا يُجْزِيهِ إلَّا عَنْ وَاحِدَةٍ ، وَأَمَّا إذَا مَلَكَهُ بِدَفَعَاتٍ فَقَدْ قِيلَ يُجْزِيهِ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ أُقِيمَ مَقَامَ حَقِيقَةِ الْإِطْعَامِ ، وَالْحَاجَةَ بِطَرِيقِ التَّمْلِيكِ لَيْسَ لَهَا نِهَايَةٌ فَكَانَ الْمَدْفُوعُ هَالِكًا ، وَلَا مَعْنَى لِاشْتِرَاطِ مُضِيِّ زَمَانٍ تَتَجَدَّدُ فِيهِ حَاجَةُ الْأَكْلِ مَعَ تَحَقُّقِ الْحَاجَاتِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَسَا رَجُلًا عَشَرَةَ أَيَّامٍ كُلَّ يَوْمٍ ثَوْبًا جَازَ ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ مُضِيُّ زَمَانٍ تَتَجَدَّدُ فِيهِ الْحَاجَةُ إلَى الْكِسْوَةِ ، وَهَذَا لِأَنَّهُ بَعْدَمَا أَخَذَ صَارَ كَفَقِيرٍ آخَرَ ، وَلِهَذَا جَازَ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ عَنْ كَفَّارَةٍ أُخْرَى غَيْرَ جِنْسِ الْأُولَى كَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَالْقَتْلِ ، وَجَازَ لِغَيْرِهِ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا مَلَكَهُ بِدُفْعَةٍ وَاحِدَةٍ لِأَنَّ التَّفْرِيقَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ دُونَهُ ، وَبِخِلَافِ الْإِبَاحَةِ لِأَنَّهُ لَا يَنْدَفِعُ بِهِ إلَّا حَاجَةٌ وَاحِدَةٌ وَهِيَ حَاجَةُ الْأَكْلِ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ ، وَقِيلَ لَا يُجْزِيهِ إلَّا عَنْ يَوْمِهِ ذَلِكَ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ سَدُّ خُلَّتِهِ ، وَقَدْ انْدَفَعَتْ حَاجَتُهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ فَالصَّرْفُ إلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ يَكُونُ إطْعَامَ الطَّاعِمِ فَلَا يَجُوزُ كَمَا لَا يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَى الْغَنِيِّ بِخِلَافِ كَفَّارَةٍ أُخْرَى لِأَنَّ الْمُسْتَوْفَى كَالْمَعْدُومِ بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهَا ، وَبِخِلَافِ الثَّوْبِ لِأَنَّ تَجَدُّدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ يَخْتَلِفُ بِأَحْوَالِ النَّاسِ فَلَا يُمْكِنُ تَعْلِيقُ الْحُكْمِ بِعَيْنِهَا لِتَعَذُّرِ الْوُقُوفِ عَلَيْهَا فَأُقِيمَ مُضِيُّ الزَّمَانِ مَقَامَهَا لِأَنَّهَا بِهِ تَتَجَدَّدُ ، وَأَدْنَى ذَلِكَ يَوْمٌ لِجِنْسِ الْحَاجَةِ ، وَمَا دُونَهُ سَاعَاتٌ لَا يُمْكِنُ ضَبْطُهَا

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَسْتَأْنِفُ بِوَطْئِهَا فِي خِلَالِ الْإِطْعَامِ) لِأَنَّ النَّصَّ فِي الْإِطْعَامِ مُطْلَقٌ غَيْرُ مُقَيِّدٍ بِمَا قَبْلَ الْمَسِيسِ فَيَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ ، وَلَا يَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَى النَّصِّ الْمُقَيِّدِ فِي الْإِعْتَاقِ ، وَالصَّوْمُ بِالْقِيَاسِ ، وَلَا بِخَبَرِ الْوَاحِدِ ، وَهُوَ «قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِلَّذِي وَاقَعَ امْرَأَتَهُ قَبْلَ التَّكْفِيرِ اسْتَغْفِرْ اللَّهَ تَعَالَى ، وَلَا تَعُدْ حَتَّى تُكَفِّرَ» لِأَنَّ التَّقْيِيدَ نَسْخٌ فَلَا يَجُوزُ بِمِثْلِهِ ، وَإِنَّمَا مُنِعَ مِنْ الْوَطْءِ قَبْلَهُ لِجَوَازِ أَنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ وَهُوَ التَّأْفِيفُ) كَذَا هَذَا فَلَا نَصَّ عَلَى دَفْعِ حَاجَةِ الْأَكْلِ فَالتَّمْلِيكُ الَّذِي هُوَ سَبَبٌ لِدَفْعِ الْحَاجَاتِ الَّتِي مِنْ جُمْلَتِهَا الْأَكْلُ أَجْوَزُ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ دَافِعٌ لِحَاجَةِ الْأَكْلِ وَغَيْرِهِ . ا هـ . كَمَالٌ

(قَوْلُهُ فَكَانَ الْمُعْتَبَرُ أَكْلَتَيْنِ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْمُعْتَبَرُ أَكْلَتَانِ مُشْبِعَتَانِ بِخُبْزٍ غَيْرِ مَأْدُومٍ إنْ كَانَ خُبْزَ بُرٍّ فِي سَائِرِ الْكَفَّارَاتِ كَكَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَالْإِفْطَارِ وَالْيَمِينِ وَجَزَاءِ الصَّيْدِ وَالْفِدْيَةِ سَوَاءٌ كَانَتَا غَدَاءً وَعَشَاءً أَوْ غَدَاءَيْنِ أَوْ عَشَاءَيْنِ بَعْدَ اتِّحَادِ السِّتِّينَ فَلَوْ غَدَّى سِتِّينَ وَعَشَّى آخَرِينَ لَمْ يَجُزْ ، وَالْمُعْتَبَرُ الْإِشْبَاعُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ لَوْ قَدَّمَ بَيْنَ يَدَيْ عَشَرَةٍ أَرْبَعَةَ أَرْغِفَةٍ أَوْ ثَلَاثَةً فَشَبِعُوا أَجْزَأَهُ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ إلَّا صَاعًا أَوْ نِصْفَ صَاعٍ فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمْ شَبْعَانَ اخْتَلَفُوا قَالَ بَعْضُهُمْ يَجُوزُ لِأَنَّهُ وَجَدَ إطْعَامَ عَشَرَةٍ وَقَدْ شَبِعُوا وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ إشْبَاعُهُمْ وَهُوَ لَمْ يُشْبِعْهُمْ بَلْ أَشْبَعَ التِّسْعَةَ ا هـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ أَكْلَتَانِ مَا نَصَّهُ كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ . ا هـ .

(قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يُجْزِيهِ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ أَحْمَدَ لَا يُجْزِيهِ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ لِأَنَّهُ نَصَّ عَلَى سِتِّينَ مِسْكِينًا وَبِتَكْرِيرِ الْحَاجَةِ فِي مِسْكِينٍ وَاحِدٍ لَا يَصِيرُ هُوَ سِتِّينَ فَكَانَ التَّعْلِيلُ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ سَدُّ خُلَّةِ الْمُحْتَاجِ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَ مُبْطِلًا لِمُقْتَضَى النَّصِّ فَلَا يَجُوزُ وَأَصْحَابُنَا أَشَدُّ مُوَافَقَةً لِهَذَا الْأَصْلِ وَلِهَذَا قَالُوا فِي الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ عَنْ قَرِيبٍ وَهِيَ مَا إذَا مَلَكَ مِسْكِينًا وَاحِدًا وَظِيفَةُ سِتِّينَ بِدَفْعَةٍ وَاحِدَةٍ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ التَّفْرِيقَ وَاجِبٌ بِالنَّصِّ فَيَكُونُ الْمَدْفُوعُ كُلُّهُ عَنْ وَظِيفَةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا إذَا رَمَى الْجَمَرَاتِ السَّبْعَ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ يُحْتَسَبُ عَنْ رَمْيَةٍ مَعَ أَنَّ تَفْرِيقَ الدَّفْعِ غَيْرُ مُصَرَّحٍ بِهِ وَإِنَّمَا هُوَ مَدْلُولٌ الْتِزَامِيٌّ بِعَدَدِ الْمَسَاكِينِ سِتِّينَ فَالنَّصُّ عَلَى الْمُعَدَّدِ أَوْلَى لِأَنَّهُ الْمُسْتَلْزِمُ وَغَايَةُ مَا يُعْطِيهِ كَلَامُهُمْ أَنَّ بِتَكَرُّرِ الْحَاجَةِ يَتَكَرَّرُ الْمِسْكِينُ حُكْمًا فَكَانَ تَعَدُّدًا حُكْمًا وَتَمَامُهُ مَوْقُوفٌ عَلَى أَنَّ سِتِّينَ مِسْكِينًا مُرَادٌ بِهِ الْأَعَمُّ مِنْ السِّتِّينَ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ مَجَازٌ فَلَا مَصِيرَ إلَيْهِ إلَّا بِمُوجِبِهِ فَإِنْ قُلْت الْمَعْنَى الَّذِي بِاعْتِبَارِهِ يَصِيرُ اللَّفْظُ مَجَازًا وَيَنْدَرِجُ فِيهِ التَّعَدُّدُ الْحُكْمِيُّ مَا هُوَ
قُلْت هُوَ الْحَاجَةُ لِكَوْنِ سِتِّينَ مِسْكِينًا مَجَازًا عَنْ سِتِّينَ حَاجَةً وَهُوَ أَعْلَمُ مِنْ كَوْنِهَا حَاجَاتٍ سِتِّينَ أَوْ حَاجَاتٍ وَاحِدًا إلَّا أَنَّ الظَّاهِرَ إنَّمَا هُوَ عَدَدٌ مَعْدُودُهُ ذَوَاتُ الْمَسَاكِينِ مَعَ عَقْلِيَّةِ الْمُعَدِّدِ مِمَّا يَقْصِدُ لِمَا فِي تَعْمِيمِ الْجَمِيعِ مِنْ بَرَكَةِ الْجَمَاعَةِ وَشُمُولِ الْمَنْفَعَةِ وَاجْتِمَاعِ الْقُلُوبِ عَلَى الْمَحَبَّةِ وَالدُّعَاءِ . ا هـ . (قَوْلُهُ فَكَانَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي) الَّذِي بِخَطِّ الْمُصَنِّفِ فَكَانَ يَوْمُ الثَّانِي كَمِسْكِينٍ آخَرَ . ا هـ . (قَوْلُهُ كَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَالْقَتْلِ) وَكَذَا لَوْ دَفَعَ إلَيْهِ عَنْ كَفَّارَتَيْنِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ فِي الْمَنْظُومَةِ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ
إطْعَامُ عَشْرٍ وَلِكُلٍّ تَمِّمَا ... صَاعًا لِحِنْثَيْنِ يَجُوزُ عَنْهُمَا

(قَوْلُهُ وَإِنَّمَا مُنِعَ مِنْ الْوَطْءِ قَبْلَهُ) لَا لِذَاتِ الْمَسِيسِ بَلْ إلَخْ . ا هـ .

(3/12)


يَقْدِرَ عَلَى التَّحْرِيرِ أَوْ الصِّيَامِ فَيَقَعَانِ بَعْدَهُ ، وَالنَّهْيُ لِغَيْرِهِ لَا يَعْدَمُ الْمَشْرُوعِيَّةَ ، وَلَا يَقْتَضِي الْفَسَادَ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ أَطْعَمَ عَنْ ظِهَارَيْنِ سِتِّينَ فَقِيرًا كُلُّ فَقِيرٍ صَاعٌ صَحَّ عَنْ وَاحِدٍ ، وَعَنْ إفْطَارٍ وَظِهَارٍ صَحَّ عَنْهُمَا) وَقَالَ مُحَمَّدٌ صَحَّ فِي الظِّهَارَيْنِ أَيْضًا عَنْهُمَا لِأَنَّ فِي الْمُؤَدَّى وَفَاءً بِهِمَا ، وَالْفَقِيرَ مَصْرِفٌ لَهُمَا فَصَارَ كَمَا لَوْ مَلَكَهُ بِدُفْعَتَيْنِ أَوْ اخْتَلَفَ جِنْسُ الْكَفَّارَةِ لَهُمَا أَنَّهُ زَادَ فِي قَدْرِ الْوَاجِبِ ، وَنَقَصَ عَنْ الْمَحَلِّ فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِقَدْرِ الْمَحَلِّ كَمَا لَوْ أَعْطَى ثَلَاثِينَ مِسْكِينًا عَنْ ظِهَارٍ وَاحِدٍ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ صَاعًا لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ فِي الْوَاحِدَةِ إطْعَامُ سِتِّينَ ، وَفِي كَفَّارَتَيْنِ إطْعَامُ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ فَقِيرًا فَإِذَا نَقَصَ عَنْهُ لَا يَجُوزُ ، وَالْفِقْهُ فِيهِ أَنَّ النِّيَّةَ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ لَغْوٌ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِتَمْيِيزِ الْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ لِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ فِيهَا فَلَا يُحْتَاجُ إلَيْهَا فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ ، وَالتَّصَرُّفُ إذَا لَمْ يُصَادِفْ مَحَلَّهُ يَلْغُو فَإِذَا لَغَتْ نِيَّةُ الْعَدَدِ بَقِيَتْ نِيَّةُ مُطْلَقِ الظِّهَارِ ، وَالْمُؤَدَّى يَصْلُحُ كَفَّارَةً وَاحِدَةً لِأَنَّ التَّقْدِيرَ بِنِصْفِ الصَّاعِ لِمَنْعِ النُّقْصَانِ فَلَا يَمْنَعُ الزِّيَادَةَ فَصَارَ كَمَا إذَا نَوَى أَصْلَ الْكَفَّارَةِ ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا فَرَّقَ الدُّفَعَ أَوْ كَانَتَا جِنْسَيْنِ لِمَا بَيَّنَّا

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ حَرَّرَ عَبْدَيْنِ عَنْ ظِهَارَيْنِ ، وَلَمْ يُعَيِّنْ صَحَّ عَنْهُمَا ، وَمِثْلُهُ الصِّيَامُ وَالْإِطْعَامُ) أَيْ لَوْ أَعْتَقَ رَقَبَتَيْنِ عَنْ كَفَّارَتَيْ ظِهَارٍ أَوْ صَامَ عَنْهُمَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ أَوْ أَطْعَمَ مِائَةً وَعِشْرِينَ مِسْكِينًا لَا يَنْوِي إحْدَاهُمَا بِعَيْنِهَا جَازَ لِأَنَّ الْجِنْسَ مُتَّحَدٍ فَلَا حَاجَةَ إلَى نِيَّةِ التَّعْيِينِ عَلَى مَا مَرَّ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ حَرَّرَ عَنْهُمَا رَقَبَةً أَوْ صَامَ شَهْرَيْنِ صَحَّ عَنْ وَاحِدٍ ، وَعَنْ ظِهَارٍ ، وَقَتْلٍ لَا) أَيْ لَوْ أَعْتَقَ رَقَبَةً وَاحِدَةً عَنْ ظِهَارَيْنِ أَوْ صَامَ عَنْهُمَا شَهْرَيْنِ جَازَ ، وَكَانَ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ عَنْ أَيِّهِمَا شَاءَ ، وَإِنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً عَنْ ظِهَارٍ وَقَتْلٍ لَمْ يَجُزْ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، وَإِنْ كَانَتْ كَافِرَةً جَازَ عَنْ الظِّهَارِ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّ الْكَافِرَةَ لَا تَصْلُحُ لِكَفَّارَةِ الْقَتْلِ فَتَعَيَّنَتْ لِلظِّهَارِ ، وَقَالَ زُفَرُ لَا يُجْزِيهِ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي كَفَّارَتَيْ ظِهَارٍ أَيْضًا ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَهُ أَنْ يَجْعَلَ عَنْ إحْدَاهُمَا فِي الْفَصْلَيْنِ لِأَنَّ الْكَفَّارَاتِ كُلَّهَا عِنْدَهُ جِنْسٌ وَاحِدٌ لِاتِّحَادِ الْمَقْصُودِ ، وَهُوَ السِّتْرُ ، وَلِهَذَا حُمِلَ الْمُطْلَقُ فِي إحْدَاهُمَا عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي الْأُخْرَى وَلِزُفَرَ أَنَّهُ أَعْتَقَ عَنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا نِصْفَ الْعَبْدِ فَلَغَا ، وَلَا قُدْرَةَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَجْعَلَهُ عَنْ إحْدَاهُمَا لِخُرُوجِ الْأَمْرِ مِنْ يَدِهِ ، وَالْقِيَاسُ مَا قَالَهُ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ نِيَّةَ التَّعْيِينِ فِي الْجِنْسِ الْمُتَّحِدِ لَغْوٌ
وَفِي الْمُخْتَلِفِ مُفِيدٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فَإِذَا لَغَا بَقِيَ مُطْلَقَ النِّيَّةِ فَلَهُ أَنْ يُعَيِّنَ أَيَّهمَا شَاءَ كَمَا لَوْ أَطْلَقَهُ فِي الِابْتِدَاءِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ نَوَى قَضَاءَ يَوْمَيْنِ مِنْ رَمَضَانَ يُجْزِيهِ عَنْ يَوْمٍ وَاحِدٍ وَلَوْ نَوَى عَنْ الْقَضَاءِ وَالنَّذْرِ أَوْ عَنْ الْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ لَا يُجْزِيهِ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، وَيُعْرَفُ اخْتِلَافُ الْجِنْسِ فِي الْحُكْمِ بِاخْتِلَافِ السَّبَبِ ، وَالصَّلَوَاتُ كُلُّهَا مِنْ قَبِيلِ الْمُخْتَلِفِ حَتَّى الظُّهْرَيْنِ مِنْ يَوْمَيْنِ أَوْ الْعَصْرَيْنِ مِنْ يَوْمَيْنِ لِأَنَّ وَقْتَ الظُّهْرِ مِنْ يَوْمٍ غَيْرُ وَقْتِ الظُّهْرِ مِنْ يَوْمٍ آخَرَ حَقِيقَةً وَحُكْمًا أَمَّا حَقِيقَةً فَظَاهِرٌ ، وَكَذَا حُكْمًا لِأَنَّ الْخِطَابَ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِوَقْتٍ يَجْمَعُهُمَا بَلْ بِدُلُوكِ الشَّمْسِ ، وَالدُّلُوكُ فِي يَوْمٍ غَيْرُ الدُّلُوكِ فِي يَوْمٍ آخَرَ بِخِلَافِ صَوْمِ رَمَضَانَ لِأَنَّهُ مُعَلَّقٌ بِشُهُودِ الشَّهْرِ ، وَهُوَ وَاحِدٌ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ ثَلَاثِينَ يَوْمًا بِلَيَالِيِهَا فَلِأَجْلِ ذَلِكَ لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى تَعْيِينِ صَوْمِ يَوْمِ السَّبْتِ مَثَلًا أَوْ يَوْمِ الْأَحَدِ حَتَّى لَوْ كَانَ عَلَيْهِ قَضَاءُ يَوْمَيْنِ مِنْ رَمَضَانَيْنِ يُشْتَرَطُ التَّعْيِينُ عَنْ أَحَدِهِمَا وَلَوْ نَوَى ظُهْرًا وَعَصْرًا أَوْ نَوَى ظُهْرًا وَصَلَاةَ جِنَازَةٍ لَمْ يَكُنْ شَارِعًا فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلتَّنَافِي ، وَعَدَمِ الرُّجْحَانِ وَلَوْ نَوَى ظُهْرًا أَوْ نَفْلًا لَمْ يَكُنْ شَارِعًا أَصْلًا عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِأَنَّهُمَا يَتَنَافَيَانِ ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَقَعُ عَنْ الظُّهْرِ لِأَنَّهُ أَقْوَى ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَوْ نَوَى صَوْمَ الْقَضَاءِ وَالنَّفَلِ أَوْ الزَّكَاةَ وَالتَّطَوُّعَ أَوْ الْحَجَّ الْمَنْذُورَ وَالتَّطَوُّعَ يَكُونُ تَطَوُّعًا عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِأَنَّهُمَا بَطَلَتَا بِالتَّعَارُضِ فَبَقِيَ مُطْلَقَ النِّيَّةِ فَصَارَ نَفْلًا
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَقَعُ عَنْ الْأَقْوَى تَرْجِيحًا لَهُ عِنْدَ التَّعَارُضِ ، وَهُوَ الْفَرْضُ أَوْ الْوَاجِبُ وَلَوْ نَوَى حَجَّةَ الْإِسْلَامِ وَالتَّطَوُّعِ فَهُوَ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ اتِّفَاقًا فَأَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَظَاهِرٌ ، وَأَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَلِأَنَّ الْجِهَتَيْنِ بَطَلَتَا بِالتَّعَارُضِ فَبَقِيَ مُطْلَقَ النِّيَّةِ ، وَبِهِ تَتَأَدَّى حَجَّةُ الْإِسْلَامِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

(بَابُ اللِّعَانِ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ أَطْعَمَ عَنْ ظِهَارَيْنِ إلَخْ) قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ وَلَوْ أَطْعَمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا كُلَّ مِسْكِينٍ صَاعًا مِنْ حِنْطَةٍ مِنْ ظِهَارَيْنِ عَنْ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ امْرَأَتَيْنِ لَمْ يُجْزِهِ إلَّا مِنْ أَحَدِهِمَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَيُجْزِيهِ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ عَنْهُمَا وَكَذَلِكَ الِاخْتِلَافُ فِيمَا لَوْ أَطْعَمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا كُلَّ مِسْكِينٍ صَاعًا مِنْ حِنْطَةٍ مِنْ إفْطَارَيْنِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِأَنَّ فِي الْمُؤَدَّى وَفَاءً بِهِمَا) أَيْ بِالْكَفَّارَتَيْنِ لِأَنَّ الْمِقْدَارَ الْوَاجِبَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْكَفَّارَتَيْنِ وَالصَّاعُ يَعْدِلُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَالْفَقِيرُ مَصْرِفٌ لَهُمَا) أَيْ الْمِسْكِينُ لَا يَخْرُجُ بِأَخْذِ أَحَدِ الْحَقَّيْنِ عَنْ كَوْنِهِ مَصْرِفًا لِاحْتِيَاجِهِ مَعَ ذَلِكَ وَلِهَذَا لَوْ أَعْطَاهُ نِصْفَ الصَّاعِ عَنْ إحْدَى الْكَفَّارَتَيْنِ ثُمَّ أَعْطَى النِّصْفَ الْآخَرَ إيَّاهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ الْأُخْرَى جَازَ بِالِاتِّفَاقِ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَنَقَصَ عَنْ الْمَحَلِّ) أَيْ لِأَنَّ مَحَلَّ الظِّهَارَيْنِ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ مِسْكِينًا . ا هـ . (قَوْلُهُ وَالْفِقْهُ فِيهِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدِي قَوْلُ مُحَمَّدٍ أَقْوَى لِأَنَّا نُسَلِّمُ أَنَّ النِّيَّةَ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ لَا تُفِيدُ لِأَنَّهُ إذَا اُعْتُبِرَتْ نِيَّتُهُ يَقَعُ الْمُؤَدَّى عَنْ الْكَفَّارَتَيْنِ وَإِذَا لَمْ تُعْتَبَرْ لَمْ يَقَعْ ا هـ (قَوْلُهُ أَوْ كَانَتَا جِنْسَيْنِ) كَالْقَتْلِ وَالظِّهَارِ فَإِنَّ نِيَّةَ التَّمْيِيزِ فِيهِ مُفِيدَةٌ

(قَوْلُهُ يُشْتَرَطُ التَّعْيِينُ عَنْ أَحَدِهِمَا) هَذَا خِلَافُ الْمُخْتَارِ قَالَ الْكَمَالُ فِي الصَّوْمِ وَلَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاءُ يَوْمَيْنِ مِنْ رَمَضَانَ وَاحِدٍ الْأَوْلَى أَنْ يَنْوِيَ أَوَّلَ يَوْمٍ وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ مِنْ هَذَا الرَّمَضَانِ وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ الْأَوَّلَ جَازَ وَكَذَا لَوْ كَانَ مِنْ رَمَضَانَيْنِ عَلَى الْمُخْتَارِ حَتَّى لَوْ نَوَى الْقَضَاءَ لَا غَيْرُ جَازَ . ا هـ .

(بَابُ اللِّعَانِ) .

(3/13)


وَهُوَ فِي اللُّغَةِ الطَّرْدُ وَالْإِبْعَادُ ، وَسُمِّيَ بِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ لَعْنِ نَفْسِهِ فِي الْخَامِسَةِ ، وَهُوَ مِنْ تَسْمِيَةِ الْكُلِّ بِاسْمِ الْبَعْضِ كَالتَّشَهُّدِ وَكَالصَّلَاةِ تُسَمَّى رُكُوعًا وَسُجُودًا وَسُبْحَةً لِوُجُودِ ذَلِكَ كُلِّهِ فِيهَا وَشَرْطُهُ قِيَامُ الزَّوْجِيَّةِ ، وَسَبَبُهُ قَذْفُ الرَّجُلِ زَوْجَتَهُ قَذْفًا يُوجِبُ الْحَدَّ فِي الْأَجْنَبِيَّةِ وَرُكْنُهُ شَهَادَاتٌ مُؤَكَّدَاتٌ بِالْيَمِينِ وَاللَّعْنِ وَحُكْمُهُ حُرْمَةُ الْوَطْءِ بَعْدَ التَّلَاعُنِ ، وَأَهْلُهُ مَنْ هُوَ أَهْلٌ لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ عَلَى مَا يَجِيءُ مُفَصَّلًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (هِيَ شَهَادَاتٌ مُؤَكَّدَاتٌ بِالْأَيْمَانِ مَقْرُونَةٌ بِاللَّعْنِ قَائِمَةٌ مَقَامَ حَدِّ الْقَذْفِ فِي حَقِّهِ ، وَمَقَامَ حَدِّ الزِّنَا فِي حَقِّهَا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هِيَ أَيْمَانٌ مُؤَكَّدَاتٌ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} [النور : 6] فَقَوْلُهُ تَعَالَى بِاَللَّهِ مُحْكَمٌ فِي الْيَمِينِ ، وَالشَّهَادَةُ تَحْتَمِلُ الْيَمِينَ فَحَمَلْنَا الْمُحْتَمَلَ عَلَى الْمُحْكَمِ لَا سِيَّمَا إذَا تَعَذَّرَ حَمْلُهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لِنَفْسِهِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ بِخِلَافِ الْيَمِينِ ، وَتَكَرُّرَهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَمِينٌ أَيْضًا لِأَنَّهَا شُرِّعَتْ مُكَرَّرَةً كَمَا فِي الْقَسَامَةِ دُونَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ
وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلا أَنْفُسُهُمْ} [النور : 6] اسْتَثْنَى أَنْفُسَهُمْ عَنْ الشُّهَدَاءِ فَثَبَتَ أَنَّهُمْ شُهَدَاءُ لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى يَكُونُ مِنْ جِنْسِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ ثُمَّ نَصَّ عَلَى شَهَادَتِهِمْ فَقَالَ {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} [النور : 6] فَنَصَّ عَلَى الشَّهَادَةِ وَالْيَمِينِ فَقُلْنَا الرُّكْنُ هُوَ الشَّهَادَةُ الْمُؤَكَّدَةُ بِالْيَمِينِ ، وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ هُنَا إلَى إيجَابِ الْحُكْمِ مِنْ الطَّرَفَيْنِ ، وَاَلَّذِي يَصْلُحُ لِلْإِيجَابِ هُوَ الشَّهَادَةُ إلَّا أَنَّهَا أُكِّدَتْ بِالْيَمِينِ لِأَنَّهُ يَشْهَدُ لِنَفْسِهِ ، وَالتَّأْكِيدُ لَا يُخْرِجُهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ شَهَادَةً ، وَقَوْلُهُ الشَّهَادَةُ لِنَفْسِهِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ قُلْنَا إنَّمَا لَا تُقْبَلُ فِي مَوْضِعِ التُّهْمَةِ ، وَأَمَّا إذَا انْتَفَتْ التُّهْمَةُ فَمَقْبُولَةٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ} [آل عمران : 18] فَهَذِهِ مِنْ أَصْدَقِ الشَّهَادَاتِ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ ، وَالتُّهْمَةُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ مُنْتَفِيَةٌ بِالْيَمِينِ ، وَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ لَا يَسْتَقِيمُ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ حَمْلِ الشَّهَادَةِ فِي الْآيَةِ عَلَى الْيَمِينِ أَنْ يَحْلِفَ عَنْ غَيْرِهِ فَيَكُونَ التَّقْدِيرُ ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ حَالِفُونَ إلَّا أَنْفُسَهُمْ ، وَأَنْ يَكُونَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
اللِّعَانُ هُوَ مَصْدَرُ لَاعَنَ سَمَاعِيٌّ لَا قِيَاسِيٌّ وَالْقِيَاسُ الْمُلَاعَنَةُ وَكَثِيرٌ مِنْ النُّحَاةِ يَجْعَلُونَ الْفِعَالَ وَالْمُفَاعَلَةَ قِيَاسَيْنِ لِفَاعِلٍ ا هـ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَهُوَ فِي اللُّغَةِ الطَّرْدُ إلَخْ) وَفِي الْفِقْهِ هُوَ اسْمٌ لِمَا يَجْرِي بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ مِنْ الشَّهَادَاتِ بِالْأَلْفَاظِ الْمَعْرُوفَةِ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِوُجُودِ اللَّعْنِ فِي الْخَامِسَةِ تَسْمِيَةً لِلْكُلِّ بِاسْمِ الْجُزْءِ وَلَمْ يُسَمَّ بِاسْمٍ مِنْ الْغَصْبِ وَهُوَ أَيْضًا مَوْجُودٌ فِيهَا وَهُوَ أَيْضًا فِي كَلَامِهَا وَذَلِكَ فِي كَلَامِهِ وَهُوَ أَسْبَقُ وَالسَّبْقُ مِنْ أَسْبَابِ التَّرْجِيحِ . ا هـ . كَمَالٌ (قَوْلُهُ وَسُبْحَةً) قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَالسُّبْحَةُ مِنْ التَّسْبِيحِ كَالسُّخْرَةِ مِنْ التَّسْخِيرِ وَإِنَّمَا خُصَّتْ النَّافِلَةُ بِالسُّبْحَةِ وَإِنْ شَارَكَتْهَا الْفَرِيضَةُ فِي مَعْنَى التَّسْبِيحِ لِأَنَّ التَّسْبِيحَاتِ فِي الْفَرَائِضِ نَوَافِلُ فَقِيلَ لِصَلَاةِ النَّافِلَةِ سُبْحَةٌ لِأَنَّهَا نَافِلَةٌ كَالتَّسْبِيحَاتِ وَالْأَذْكَارِ فِي أَنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ ا هـ
وَفِي الْمِصْبَاحِ التَّسْبِيحُ التَّقْدِيسُ وَالتَّنْزِيهُ يُقَالُ سَبَّحْت اللَّهَ أَيْ نَزَّهْته عَمَّا يَقُولُ الْجَاحِدُونَ وَيَكُونُ بِمَعْنَى الذِّكْرِ وَالصَّلَاةِ يُقَالُ فُلَانٌ يُسَبِّحُ اللَّهَ أَيْ يَذْكُرُهُ بِأَسْمَائِهِ نَحْوَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَهُوَ يُسَبِّحُ أَيْ يُصَلِّي السُّبْحَةَ فَرِيضَةً كَانَتْ أَوْ نَافِلَةً وَيُسَبِّحُ عَلَى رَاحِلَتِهِ أَيْ يُصَلِّي النَّافِلَةَ وَسُبْحَةَ الضُّحَى وَمِنْهُ {فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ} [الصافات : 143] أَيْ مِنْ الْمُصَلِّينَ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَشَرْطُهُ قِيَامُ الزَّوْجِيَّةِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَا زَوْجَيْنِ حُرَّيْنِ مُسْلِمَيْنِ عَاقِلَيْنِ بَالِغَيْنِ غَيْرَ مَحْدُودَيْنِ فِي الْقَذْفِ وَأَنْ يَكُونَ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا صَحِيحًا سَوَاءٌ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَإِنَّمَا اُشْتُرِطَتْ الزَّوْجِيَّةُ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَصَّهُ بِالْأَزْوَاجِ حَتَّى لَوْ قَذَفَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا أَوْ بَائِنًا فَلَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ وَكَذَا إذَا كَانَ النِّكَاحُ فَاسِدًا لَا يَجِبُ اللِّعَانُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِزَوْجٍ مُطْلَقًا وَاشْتُرِطَتْ الْحُرِّيَّةُ لِأَنَّ الرِّقَّ مُنَافٍ لِلشَّهَادَةِ وَاللِّعَانَ شَهَادَةٌ مُؤَكَّدَةٌ بِالْيَمِينِ وَالْحُرِّيَّةَ مِنْ جَانِبِهَا مِنْ شَرَائِطِ إحْصَانِ الْقَذْفِ وَاشْتُرِطَ الْإِسْلَامُ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ مِنْ شَرَائِطِ الْإِحْصَانِ حَتَّى لَا يَجِبَ الْحَدُّ عَلَى قَاذِفِ الْكَافِرَةِ فَكَذَا لَا يَجِبُ اللِّعَانُ
أَمَّا إذَا كَانَ الزَّوْجُ كَافِرًا ، وَالْمَرْأَةُ مُسْلِمَةً بِأَنْ أَسْلَمَتْ الْمَرْأَةُ فَقَذَفَهَا بِالزِّنَا قَبْلَ عَرْضِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ لَا يَجِبُ اللِّعَانُ لِأَنَّهُ لَا شَهَادَةَ لِلْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمَةِ وَاشْتُرِطَ الْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ لِأَنَّهُ لَا صِحَّةَ لِلْقَذْفِ بِدُونِهِمَا وَاشْتُرِطَ نَفْيُ الْحَدِّ فِي الْقَذْفِ لِأَنَّ الْمَحْدُودَ لَا شَهَادَةَ لَهُ بِالنَّصِّ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَسَبَبُهُ قَذْفُ الرَّجُلِ زَوْجَتَهُ قَذْفًا يُوجِبُ الْحَدَّ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَذْفُ الرَّجُلِ زَوْجَتَهُ قَذْفًا صَحِيحًا وَنَعْنِي بِالصَّحِيحِ مَا يُوجِبُ الْحَدَّ فِي حَقِّ الْأَجَانِبِ بِأَنْ كَانَ عَاقِلًا بَالِغًا وَالْمَرْأَةُ عَاقِلَةً بَالِغَةً لِأَنَّ الْقَذْفَ مِنْ الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ لَيْسَ بِمُوجِبٍ لِلْحَدِّ لِعَدَمِ الْعَقْلِ وَلِأَنَّ قَذْفَ الْمَجْنُونَةِ وَالصَّغِيرَةِ بِالزِّنَا كَذِبٌ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ الزِّنَا مِنْهُمَا فَلَا يَكُونُ قَذْفًا صَحِيحًا ا هـ
(قَوْلُهُ وَأَهْلُهُ مَنْ هُوَ أَهْلٌ لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ إلَخْ) فَلَا يَجْرِي إلَّا بَيْنَ الْمُسْلِمَيْنِ الْحُرَّيْنِ الْعَاقِلَيْنِ الْبَالِغَيْنِ غَيْرِ الْمَحْدُودَيْنِ فِي قَذْفٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ} [النور : 6] ا هـ ع (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ هِيَ شَهَادَاتٌ) التَّأْنِيثُ بِاعْتِبَارِ الْمُلَاعَنَةِ أَوْ بِالنَّظَرِ إلَى قَوْلِهِ شَهَادَاتٌ ا هـ عَيْنِيٌّ (قَوْلُهُ قَائِمَةٌ مَقَامَ حَدِّ الْقَذْفِ فِي حَقِّهِ) وَلِهَذَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهَا مِمَّنْ يُحَدُّ قَاذِفُهَا وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ بَعْدَ اللِّعَانِ أَبَدًا ا هـ ع (قَوْلُهُ وَمَقَامَ حَدِّ الزِّنَا فِي حَقِّهَا) وَلِهَذَا لَوْ قَذَفَهَا مِرَارًا يَكْفِي لِعَانٌ وَاحِدٌ كَالْحَدِّ ا هـ ع (قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ هِيَ أَيْمَانٌ مُؤَكَّدَاتٌ إلَخْ) فَيُشْتَرَطُ أَهْلِيَّةُ الْيَمِينِ عِنْدَهُ فَيَجْرِي بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَامْرَأَتِهِ الْكَافِرَةِ وَبَيْنَ الْكَافِرِ وَامْرَأَتِهِ الْكَافِرَةِ وَبَيْنَ الْعَبْدِ وَامْرَأَتِهِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ ا هـ عَيْنِيٌّ (قَوْلُهُ وَالشَّهَادَةُ تَحْتَمِلُ الْيَمِينَ) أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَشْهَدُ يَنْوِي الْيَمِينَ كَانَ يَمِينًا . ا هـ . فَتْحٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا شُرِّعَتْ مُكَرَّرَةً كَمَا فِي الْقَسَامَةِ) وَلِأَنَّ الشَّهَادَةَ مَحَلُّهَا الْإِثْبَاتُ وَالْيَمِينَ لِلنَّفْيِ فَلَا يُتَصَوَّرُ تَعْلِيقُ حَقِيقَتِهِمَا بِأَمْرٍ وَاحِدٍ فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِحَقِيقَةِ أَحَدِهِمَا وَمَجَازِ الْآخَرِ فَلْيَكُنْ الْمَجَازُ لَفْظَ الشَّهَادَةِ لِمَا قُلْنَا مِنْ الْمُوجِبَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ وَهَذَا التَّقْرِيرُ فِي حَلِّ مَذْهَبِهِ يُوجِبُ أَنْ يُقَالَ أَيْمَانٌ مُؤَكَّدَةٌ بِأَيْمَانٍ لَا أَيْمَانٌ مُؤَكَّدَةٌ بِالشَّهَادَةِ . ا هـ . كَمَالٌ
وَقَوْلُهُ لِأَنَّهَا شُرِّعَتْ مُكَرَّرَةً إلَخْ يَعْنِي لَمْ يُعْهَدْ شَرْعًا تَكَرُّرُ الشَّهَادَةِ . ا هـ . (قَوْلُهُ فَثَبَتَ أَنَّهُمْ شُهَدَاءُ) أَيْ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ . ا هـ .

(3/14)


مُوجِبًا لِلْحُكْمِ عَلَى غَيْرِهِ بِيَمِينِهِ ، وَفَسَادُهُ لَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ لِأَنَّ أَحَدًا لَا يَحْلِفُ عَنْ غَيْرِهِ ، وَلَا يُوجِبُ الْحُكْمَ بِيَمِينِهِ عَلَى غَيْرِهِ ، وَتَكْرَارُهَا لِقِيَامِهَا مَقَامَ الشُّهُودِ ، وَهُمْ أَرْبَعَةٌ فِي الزِّنَا فَكَذَا مَا قَامَ مَقَامَهُمْ فَقَرَنَ الشَّرْعُ الرُّكْنَ فِي جَانِبِهِ بِاللَّعْنِ لَوْ كَانَ كَاذِبًا وَبِالْغَضَبِ فِي جَانِبِهَا لَوْ كَانَ صَادِقًا لِأَنَّ الصَّادِقَ أَحَدُهُمَا ، وَالْقَاضِي لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ فَكَانَ اللَّعْنُ فِي جَانِبِهِ قَائِمًا مَقَامَ حَدِّ الْقَذْفِ ، وَفِي جَانِبِهَا صَارَ الْغَصْبُ قَائِمًا مَقَامَ حَدِّ الزِّنَا لِأَنَّ الِاسْتِشْهَادَ بِاَللَّهِ تَعَالَى كَاذِبًا مُهْلِكٌ كَالْحَدِّ فَقَامَ مَقَامَهُ ، وَلِهَذَا لَوْ قَذَفَهَا مِرَارًا يَكْفِي لِعَانٌ وَاحِدٌ كَالْحَدِّ بِخِلَافِ مَا إذَا قَذَفَ جَمَاعَةً مِنْ نِسَائِهِ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ كَلِمَاتٍ حَيْثُ يُلَاعِنُ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ عَلَى حِدَةٍ بِخِلَافِ الْحَدِّ ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَقْصُودَ يَحْصُلُ بِحَدٍّ وَاحِدٍ ، وَهُوَ دَفْعُ الْعَارِ عَنْ الْمَقْذُوفِينَ ، وَلَا يَحْصُلُ فِي اللِّعَانِ لِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ الْجَمْعُ فِي كَلِمَاتِ اللِّعَانِ ، وَقَدْ يَكُونُ صَادِقًا فِي الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ فَلَا بُدَّ مِنْ اللِّعَانِ مَعَ كُلِّ وَاحِدَةٍ لِيَحْصُلَ الْمَقْصُودُ بِهِ ، وَهُوَ التَّفْرِيقُ ، وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ بَيْنَنَا ، وَبَيْنَ الشَّافِعِيِّ تَظْهَرُ فِي هَذَا أَعْنِي فِي تَكْرِيرِ اللِّعَانِ ، وَفِي اشْتِرَاطِ أَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ فَعِنْدَنَا يُشْتَرَطُ ، وَعِنْدَهُ يُشْتَرَطُ أَهْلِيَّةُ الْيَمِينِ ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يَمْلِكُ الطَّلَاقَ ، وَهَذَا الْقَوْلُ يُؤَدِّي إلَى أَنَّ اللِّعَانَ لَا يَقُومُ مَقَامَ حَدِّ الْقَذْفِ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى أَنَّ الْإِحْصَانَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي الْمَقْذُوفِ بَلْ يُشْتَرَطُ فِيهِ أَهْلِيَّةُ الْيَمِينِ لَا غَيْرُ ، وَاللِّعَانُ لَمْ يُشَرَّعْ إلَّا قَائِمًا مَقَامَ الْحَدِّ فَكَانَ بَاطِلًا

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ قَذَفَ زَوْجَتَهُ بِالزِّنَا ، وَصَلُحَا شَاهِدَيْنِ وَهِيَ مِمَّنْ يُحَدُّ قَاذِفُهَا أَوْ نَفَى نَسَبَ الْوَلَدِ ، وَطَالَبَتْهُ بِمُوجَبِ الْقَذْفِ وَجَبَ اللِّعَانُ) قُيِّدَ الْقَذْفُ بِالزِّنَا لِأَنَّهُ لَوْ قَذَفَهَا بِغَيْرِهِ لَا يَجِبُ اللِّعَانُ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْحَدِّ فَلَا يَجِبُ إلَّا بِمَا يَجِبُ بِهِ الْحَدُّ ، وَكَانَ الْمُوجِبُ الْأَصْلِيُّ الْحَدَّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ} [النور : 4] الْآيَةَ ، وَلِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ «كُنَّا جُلُوسًا فِي الْمَسْجِدِ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ إذْ دَخَلَ أَنْصَارِيٌّ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتُمْ الرَّجُلَ يَجِدُ مَعَ زَوْجَتِهِ رَجُلًا فَإِنْ قَتَلَ قَتَلْتُمُوهُ ، وَإِنْ تَكَلَّمَ جَلَدْتُمُوهُ ، وَإِنْ سَكَتَ سَكَتَ عَلَى غَيْظٍ ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ افْتَحْ فَنَزَلَتْ آيَةُ اللِّعَانِ» «، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِهِلَالٍ حِينَ قَذَفَ امْرَأَتَهُ : ائْتِ بِأَرْبَعَةٍ يَشْهَدُونَ عَلَى صِدْقِ مَقَالَتِك ، وَإِلَّا فَحَدٌّ عَلَى ظَهْرِك» فَقَالَتْ الصَّحَابَةُ الْآنَ يُحَدُّ هِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ فَتَبْطُلُ شَهَادَتُهُ فِي الْمُسْلِمِينَ فَثَبَتَ بِهَذَا أَنَّ مُوجَبَهُ كَانَ الْحَدَّ ثُمَّ انْتَسَخَ فِي حَقِّ الزَّوْجَاتِ بِاللِّعَانِ ، وَاسْتَقَرَّ عَلَيْهِ ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ مُوجَبُهُ الْحَدُّ ، وَلَكِنْ يَتَمَكَّنُ مِنْ إسْقَاطِهِ بِاللِّعَانِ ، وَقَوْلُهُ ، وَصَلُحَا شَاهِدَيْنِ أَيْ الزَّوْجَانِ لِأَنَّ الرُّكْنَ فِيهِ الشَّهَادَةُ لِمَا مَرَّ
وَالشَّرْطُ أَنْ يَكُونَ أَهْلًا لِلْأَدَاءِ ، وَقَالَ فِي الْغَايَةِ يَبْطُلُ هَذَا بِلِعَانِ الْأَعْمَى فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْأَدَاءِ ، وَهَذَا غَلَطٌ لِأَنَّ الْأَعْمَى مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ إلَّا أَنَّ شَهَادَتَهُ لَا تُقْبَلُ لِأَنَّهُ لَا يُمَيِّزُ بَيْنَ الْمَشْهُودِ لَهُ وَالْمَشْهُودِ عَلَيْهِ ، وَلِهَذَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِحُضُورِهِ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ ، وَشَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ ، وَتُشْتَرَطُ صَلَاحِيَّتُهُمَا لِلشَّهَادَةِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَتَّى لَا يَجْرِيَ اللِّعَانُ بَيْنَ الْكَافِرَيْنِ ، وَلَا بَيْنَ كَافِرٍ وَمُسْلِمٍ ، وَإِنْ صَلُحَ شَاهِدًا عَلَى مِثْلِهِ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ مِنْ قَرِيبٍ ، وَالْمَرْأَةُ مِمَّنْ يُحَدُّ قَاذِفُهَا لِأَنَّ اللِّعَانَ قَائِمٌ مَقَامَ حَدِّ الْقَذْفِ فِي حَقِّهِ فَلَا بُدَّ مِنْ إحْصَانِهَا ، وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ فَائِدَةَ تَخْصِيصِ الْمَرْأَةِ بِكَوْنِهَا مِمَّنْ يُحَدُّ قَاذِفُهَا ، وَإِنْ كَانَ هَذَا أَيْضًا فِي حَقِّ الرَّجُلِ كَذَلِكَ حَتَّى لَوْ كَانَ مِمَّنْ لَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ وَهِيَ مُحْصَنَةٌ لَا يَجْرِي اللِّعَانُ بَيْنَهُمَا إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَ مِنْهَا لَا يَجِبُ شَيْءٌ ، وَإِنْ كَانَ مِنْهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْأَصْلُ ، وَهُوَ حَدُّ الْقَذْفِ فَلَا يَخْلُو عَنْ مُوجَبِ مَا إذَا كَانَ مِنْهُ إمَّا الْأَصْلُ أَوْ الْخَلْفُ فَكَانَ فَائِدَةُ تَخْصِيصِ الْمَرْأَةِ عَدَمَ وُجُوبِ شَيْءٍ مَا
وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ خَطَأٌ فَاحِشٌ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ اللِّعَانِ أَنْ يَكُونَا مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ لِأَنَّهُ شَهَادَةٌ عِنْدَنَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ ، وَكَوْنُهُ مِمَّنْ لَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ لَا يَخْلُ بِهَذَا الشَّرْطِ لِأَنَّ مَنْ لَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ ، وَهُوَ الزَّانِي أَهْلٌ لِلشَّهَادَةِ ، وَإِنَّمَا زِنَاهُ فِسْقٌ مِنْهُ ، وَالْفَاسِقُ أَهْلٌ لَهَا ، وَلِهَذَا يَجْرِي اللِّعَانُ بَيْنَ فَاسِقَيْنِ وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِي حَقِّهَا لِتَثْبُتَ عِفَّتُهَا لِأَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ لَا يَجِبُ إلَّا إذَا كَانَ الْمَقْذُوفُ عَفِيفًا عَنْ فِعْلِ الزِّنَا فَكَذَا اللِّعَانُ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ ، وَهَذَا لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ اللِّعَانِ أَنْ تُطَالَبَ الْمَرْأَةُ بِمُوجَبِ الْقَذْفِ ، وَهُوَ الْحَدُّ ، وَإِذَا لَمْ تَكُنْ عَفِيفَةً لَيْسَ لَهَا أَنْ تُطَالِبَ بِهِ لِفَوَاتِ شَرْطِهِ فَلَا يُتَصَوَّرُ اللِّعَانُ ، وَلَمْ يُوجَدْ فِي حَقِّهِ هَذَا الْمَعْنَى فَلِأَيِّ مَعْنًى يَمْتَنِعُ ، وَقَوْلُهُ أَوْ نَفَى نَسَبَ الْوَلَدِ ، وَقَالَ الْقُدُورِيُّ أَوْ نَفَى نَسَبَ وَلَدِهَا ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْأَوَّلِ ، وَفِي الْغَايَةِ أَوْ نَفَى نَسَبَ وَلَدِهَا الْمَوْلُودِ عَلَى فِرَاشِهِ ، وَهَذَا التَّقْيِيدُ لَا يُفِيدُ لِأَنَّهُ لَوْ نَفَى نَسَبَ وَلَدِهَا مِنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ وَقَالَ فِي الْغَايَةِ يَبْطُلُ هَذَا إلَخْ) مُدَّعَى صَاحِبِ الْغَايَةِ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَمُدَّعَى الشَّارِحِ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ فَلَمْ يَتَوَارَدَا عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ وَالْأَنْسَبُ أَنْ يُقَالَ لِأَنَّ الْأَعْمَى مِنْ أَهْلِ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَلِهَذَا لَوْ قَضَى الْقَاضِي بِشَهَادَتِهِ جَازَ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْكِفَايَةِ وَغَيْرِهَا ا هـ وَرَوَى ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْأَعْمَى لَا يُلَاعِنُ ا هـ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ) أَيْ كَوْنُهَا مِمَّنْ يُحَدُّ قَاذِفُهَا ا هـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ

(3/15)


غَيْرِهِ عَنْ أَبِيهِ الْمَعْرُوفِ يَكُونُ قَذْفًا لَهَا أَيْضًا كَمَا لَوْ نَفَاهُ عَنْهُ أَجْنَبِيٌّ فَيَكُونُ مُوجَبُهُ اللِّعَانَ لِمَا تَلَوْنَا ، وَلَا يُعْتَبَرُ احْتِمَالُ كَوْنِهِ مِنْ غَيْرِهِ شُبْهَةً كَمَا لَوْ نَفَاهُ أَجْنَبِيٌّ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي النَّسَبِ الصَّحِيحِ ، وَالنِّكَاحَ الْفَاسِدَ مُلْحَقٌ بِهِ فَنَفْيُهُ عَنْ الْفِرَاشِ الصَّحِيحِ يَكُونُ قَذْفًا حَتَّى يَظْهَرَ الْمُلْحَقُ بِهِ ، وَفِي الْمُحِيطِ إذَا نَفَى الْوَلَدَ بِأَنْ قَالَ لَيْسَ بِابْنِي ، وَلَمْ يَقْذِفْهَا بِالزِّنَا لَا لِعَانَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ النَّفْيَ لَيْسَ بِقَذْفٍ لَهَا بِالزِّنَا يَقِينًا لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ مِنْ غَيْرِهِ بِوَطْءٍ عَنْ شُبْهَةٍ لَا عَنْ زِنًا بِأَنْ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْ غَيْرِهِ
وَفِي النِّهَايَةِ جَعَلَ هَذَا قَوْلَ الشَّافِعِيِّ ثُمَّ قَالَ ، وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ لَيْسَ هَذَا الَّذِي وَلَدْتِيهِ مِنْ زَوْجِك لَا يَصِيرُ قَاذِفًا مَا لَمْ يَقُلْ إنَّهُ مِنْ الزِّنَا ، وَالْقِيَاسُ مَا قَالَهُ إلَّا أَنَّا تَرَكْنَاهُ لِضَرُورَةٍ فِي اللِّعَانِ لِأَنَّ الزَّوْجَ قَدْ يَعْلَمُ أَنَّ الْوَلَدَ لَيْسَ مِنْهُ إمَّا لِأَنَّهُ لَمْ يَقْرَبْهَا أَوْ عُزِلَ عَنْهَا عَزْلًا بَيِّنًا ، وَلَا يَدْرِي مِنْ أَيْنَ هُوَ ، وَهَذِهِ الضَّرُورَةُ مُنْعَدِمَةٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِ ، وَهَذَا يُخَالِفُ مَا ذَكَرَهُ هُنَا ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ ، وَغَيْرُهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ ، وَفِي كِتَابِ الْحُدُودِ فَإِنَّهُ قَالَ : وَمَنْ نَفَى نَسَبَ غَيْرِهِ فَقَالَ لَسْت لِأَبِيك فَإِنَّهُ يُحَدُّ ، وَلَمْ يُشْتَرَطْ أَنْ يُصَرِّحَ بِالزِّنَا مَعَ نَفْيِ الْوَلَدِ حَتَّى يَكُونَ قَذْفًا فَكَيْفَ يَصِحُّ مَا قَالَهُ ، وَمِنْ أَيْنَ هَذَا الْإِجْمَاعُ ، وَكَيْفَ يَصِحُّ قَوْلُ صَاحِبِ الْمُحِيطِ إنَّ اللِّعَانَ لَا يَجِبُ بِنَفْيِ الْوَلَدِ ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِعَامَّةِ الْكُتُبِ ، وَقَوْلُهُ ، وَطَالَبَتْهُ بِمُوجَبِ الْقَذْفِ يَعْنِي الْحَدَّ لِأَنَّهُ حَقُّهَا فَلَا بُدَّ مِنْ طَلَبِهَا كَسَائِرِ حُقُوقِهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْقَذْفُ بِنَفْيِ الْوَلَدِ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَطْلُبَ لِاحْتِيَاجِهِ إلَى نَفْيِ نَسَبِ مَنْ لَيْسَ مِنْهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ أَبِي حُبِسَ حَتَّى يُلَاعِنَ أَوْ يُكَذِّبَ نَفْسَهُ فَيُحَدُّ) لِأَنَّهُ امْتَنَعَ عَنْ إيفَاءِ حَقٍّ مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} [النور : 6] أَيْ فَالْوَاجِبُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَوْ نَقُولُ إنَّهُ خَبَرٌ أُرِيدَ بِهِ الْأَمْرُ ، وَهُوَ أَقْوَى وُجُوهِ الْأَمْرِ أَوْ لِأَنَّ الْمَصْدَرَ الْمَقْرُونَ بِالْفَاءِ فِي مَوْضِعِ الْجَزَاءِ يُرَادُ بِهِ الْأَمْرُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء : 92] أَوْ لِأَنَّهُ بَدَلٌ عَنْ الْحَدِّ فَيَجِبُ كَوُجُوبِهِ فَإِذَا كَانَ وَاجِبًا يُحْبَسُ عَلَيْهِ حَتَّى يَأْتِيَ بِهِ أَوْ يُكَذِّبَ نَفْسَهُ فَيَرْتَفِعَ سَبَبُ اللِّعَانِ ، وَهُوَ التَّكَاذُبُ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ لَاعَنَ وَجَبَ عَلَيْهَا اللِّعَانُ) لِمَا بَيَّنَّا فِي حَقِّ الزَّوْجِ إلَّا أَنَّهُ يَبْدَأُ بِالزَّوْجِ لِأَنَّهُ الْمُدَّعِي فَيَطْلُبُ مِنْهُ الْحُجَّةَ أَوَّلًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ أَبَتْ حُبِسَتْ حَتَّى تُلَاعِنَ أَوْ تُصَدِّقَهُ) لِأَنَّهُ حَقٌّ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهَا وَهِيَ تَقْدِرُ عَلَى إيفَائِهِ فَتُحْبَسُ حَتَّى تُوُفِّيَ أَوْ تُصَدِّقَهُ فَيَرْتَفِعَ السَّبَبُ ، وَفِي بَعْضِ نُسَخِ مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ أَوْ تُصَدِّقَهُ فَتُحَدَّ ، وَهُوَ غَلَطٌ لِأَنَّ الْحَدَّ لَا يَجِبُ بِالْإِقْرَارِ مَرَّةً فَكَيْفَ يَجِبُ بِالتَّصْدِيقِ مَرَّةً ، وَهُوَ لَا يَجِبُ بِالتَّصْدِيقِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ لِأَنَّ التَّصْدِيقَ لَيْسَ بِإِقْرَارٍ قَصْدًا فَلَا يُعْتَبَرُ فِي حَقِّ وُجُوبِ الْحَدِّ ، وَيُعْتَبَرُ فِي دَرْئِهِ فَيَنْدَفِعُ بِهِ اللِّعَانُ ، وَلَا يَجِبُ بِهِ الْحَدُّ وَلَوْ صَدَّقَتْهُ فِي نَفْيِ الْوَلَدِ فَلَا حَدَّ ، وَلَا لِعَانَ ، وَهُوَ وَلَدُهُمَا لِأَنَّ النَّسَبَ إنَّمَا يَنْقَطِعُ حُكْمًا لِلِّعَانِ فَلَمْ يُوجَدْ ، وَهُوَ حَقُّ الْوَلَدِ فَلَا يُصَدَّقَانِ فِي إبْطَالِهِ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إذَا امْتَنَعَ الزَّوْجُ مِنْ اللِّعَانِ يُحَدُّ لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ بِالْقَذْفِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاجْلِدُوهُمْ} [النور : 4] إلَّا أَنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ دَفْعِهِ بِاللِّعَانِ تَخْفِيفًا عَلَيْهِ فَإِذَا لَمْ يَدْفَعْ يُحَدُّ
وَكَذَا الْمَرْأَةُ إذَا أَبَتْ تُحَدُّ حَدَّ الزِّنَا لِأَنَّ الزَّوْجَ أَوْجَبَ عَلَيْهَا الْحَدَّ بِلِعَانِهِ ، وَلَكِنْ تَتَمَكَّنُ مِنْ دَفْعِهِ بِاللِّعَانِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ} [النور : 8] أَيْ يَدْفَعُ عَنْهَا الْحَدَّ شَهَادَتُهَا قُلْنَا قَذْفُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ عِنْدَ اجْتِمَاعِ شَرَائِطِ اللِّعَانِ ، وَمَا تَلَا مَنْسُوخٌ فِي حَقِّ الزَّوْجَيْنِ بِآيَةِ اللِّعَانِ وَلَوْ كَانَ مُوجِبًا لَمَا سَقَطَ بِشَهَادَتِهِ أَوْ يَمِينِهِ لِأَنَّ الْحُقُوقَ لَا تَسْقُطُ بِهِ ، وَكَذَا لَا يَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ الْحَدُّ بِشَهَادَتِهِ أَوْ بِيَمِينِهِ فَكَيْفَ يَجِبُ بِقَوْلِ الْوَاحِدِ الْحَدُّ الَّذِي لَا يَجِبُ إلَّا بِشَهَادَةِ أَرْبَعَةٍ عُدُولٍ يَشْهَدُونَ أَنَّهُمْ رَأَوْهُ يَزْنِي بِهَا كَالْمَيْلِ فِي الْمُكْحُلَةِ ، وَهَذَا يَنْفِيهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ ، وَإِجْمَاعُ الْأُمَّةِ ، وَالْمُرَادُ بِالْعَذَابِ فِيمَا تَلَا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ الْحَبْسُ أَوْ يَحْتَمِلُهُ فَلَا يَدُلُّ عَلَى مَا قَالَ ، وَالْعَجَبُ مِنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يَقْبَلُ شَهَادَةَ الزَّوْجِ عَلَيْهَا بِالزِّنَا مَعَ ثَلَاثَةٍ عُدُولٍ ثُمَّ يُوجِبُ الْحَدَّ عَلَيْهَا بِقَوْلِهِ وَحَدُّهُ
وَإِنْ كَانَ عَبْدًا أَوْ فَاسِقًا أَوْ كَافِرًا ، وَأَعْجَبُ مِنْهُ أَنَّهُ يَمِينٌ عِنْدَهُ ، وَهُوَ لَا يَصْلُحُ لِإِيجَابِ الْمَالِ ، وَلَا لِإِسْقَاطِهِ بَعْدَ الْوُجُوبِ فَأَسْقَطَتْ الْمَرْأَةُ بِهِ الْحَدَّ هُنَا عَنْ نَفْسِهَا ، وَكَذَا الزَّوْجُ أَسْقَطَ بِهِ الْحَدَّ عَنْ نَفْسِهِ ، وَأَوْجَبَ الرَّجْمَ الَّذِي هُوَ أَغْلَظُ الْحُدُودِ بِهِ عَلَى الْمَرْأَةِ ، وَجَعَلَهُ شَهَادَةً فِي حَقِّهِ ، وَهَذَا تَنَاقُضٌ ظَاهِرٌ فَإِنْ قَالَ إنَّمَا وَجَبَ عَلَيْهَا الْحَدُّ بِامْتِنَاعِهَا عَنْ اللِّعَانِ لِأَنَّهُ نُكُولٌ قُلْنَا النُّكُولُ عِنْدَهُ لَا يُوجِبُ الْمَالَ مَعَ أَنَّهُ يَثْبُتُ مَعَ الشُّبْهَةِ فَكَيْفَ يُوجِبُ الرَّجْمَ الَّذِي هُوَ أَغْلَظُ الْحُدُودِ ، وَأَصْعَبُهُ إثْبَاتًا ، وَأَكْثَرُهُ شُرُوطًا

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ شَاهِدًا حُدَّ) يَعْنِي إذَا كَانَتْ هِيَ مِنْ أَهْلِ اللِّعَانِ بِأَنْ كَانَتْ صَالِحَةً لِلشَّهَادَةِ عَلَيْهِ ، وَهُوَ لَا يَصْلُحُ بِأَنْ كَانَ كَافِرًا أَوْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(قَوْلُهُ وَطَالَبَتْهُ بِمُوجَبِ الْقَذْفِ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْلُهُ وَيُشْتَرَطُ طَلَبُهَا وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ لِأَنَّهُ أَيْ اللِّعَانَ حَقُّهَا لِأَنَّهُ لِدَفْعِ الْعَارِ عَنْهَا فَيُشْتَرَطُ طَلَبُهَا . ا هـ . (قَوْلُهُ وَالْعَجَبُ مِنْ الشَّافِعِيِّ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ إذَا شَهِدَ الزَّوْجُ وَثَلَاثَةُ نَفَرٍ عَلَى الْمَرْأَةِ بِالزِّنَا جَازَتْ شَهَادَتُهُمْ فَتُحَدُّ هِيَ وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ قَذَفَ وَجَاءَ بِثَلَاثَةِ نَفَرٍ فَشَهِدُوا حُدَّ الثَّلَاثَةُ وَلَاعَنَ الزَّوْجُ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَجَعَلَهُ شَهَادَةً فِي حَقِّهِ) أَيْ فِي حَقِّ إيجَابِ الْحَدِّ عَلَيْهَا ا هـ .
(فُرُوعٌ) قَذَفَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا بَائِنًا سَقَطَ اللِّعَانُ وَيَجِبُ الْحَدُّ وَلَوْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّ السَّاقِطَ لَا يَعُودُ وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَلَوْ قَذَفَ أَجْنَبِيَّةً ثُمَّ تَزَوَّجَهَا ثُمَّ قَذَفَهَا ثَانِيًا وَجَبَ الْحَدُّ بِالْأَوَّلِ وَاللِّعَانُ بِالثَّانِي وَيُحَدُّ لِلْأَوَّلِ لِيَسْقُطَ اللِّعَانُ وَلَوْ طَلَبَتْ اللَّعَّانَ أَوَّلًا يُلَاعَنُ ثُمَّ يُحَدُّ بِخِلَافِ حُدُودِ الْقَذْفِ إذَا اجْتَمَعَتْ فَإِنَّهُ يَكْفِي حَدٌّ وَاحِدٌ لِاتِّحَادِ الْجِنْسِ وَلَوْ قَالَ قَذَفْتُك قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك أَوْ زَنَيْت قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك فَهُوَ قَذْفٌ فِي الْحَالِ فَيُلَاعَنُ وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ يُحَدُّ وَمَا فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ مِنْ أَنَّهُ يُلَاعَنُ فِي قَوْلِهِ زَنَيْت قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك وَيُحَدُّ فِي قَوْلِهِ قَذَفْتُك قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك أَوْجَهُ وَلَوْ قَذَفَهَا ثُمَّ زَنَتْ أَوْ وَطِئَتْ بِشُبْهَةٍ فَلَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ وَيَسْقُطُ اللِّعَانُ بِرِدَّتِهَا وَلَوْ أَسْلَمَتْ بَعْدَهُ لَا يَعُودُ وَلَوْ قَذَفَهَا ثُمَّ أَبَانَهَا يَسْقُطُ اللِّعَانُ ، وَلَوْ كَذَّبَ نَفْسَهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يُحَدُّ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَذَّبَ نَفْسَهُ بَعْدَ اللِّعَانِ . ا هـ . فَتْحٌ

(3/16)


عَبْدًا أَوْ مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ لِأَنَّ اللِّعَانَ تَعَذَّرَ بِمَعْنًى مِنْ جِهَتِهِ فَيُصَارُ إلَى الْمُوجِبِ الْأَصْلِيِّ ، وَهُوَ الثَّابِتُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور : 4] الْآيَةَ ، وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ كَافِرًا وَهِيَ مُسْلِمَةً إلَّا إذَا كَانَا كَافِرَيْنِ فَأَسْلَمَتْ ثُمَّ قَذَفَهَا قَبْلَ عَرْضِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ صَلُحَ وَهِيَ بِمَنْ لَا يُحَدُّ قَاذِفُهَا فَلَا حَدَّ ، وَلَا لِعَانَ) يَعْنِي إذَا كَانَ الزَّوْجُ صَالِحًا لِلشَّهَادَةِ وَهِيَ زَانِيَةٌ لِأَنَّهُ صَادِقٌ فِي الْقَذْفِ فَلَا يُوجِبُ قَذْفُهَا الْحَدَّ كَمَا إذَا قَذَفَهَا أَجْنَبِيٌّ ، وَلَا يُوجِبُ اللِّعَانَ أَيْضًا لِأَنَّهُ خُلْفٌ عَنْهُ ، وَكَذَا إذَا كَانَتْ مَجْنُونَةً أَوْ صَغِيرَةً لِأَنَّ قَذْفَهَا لَا يُوجِبُ الْحَدَّ ، وَكَذَا إذَا كَانَتْ مَحْدُودَةً فِي قَذْفٍ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ فَكَانَ الِامْتِنَاعُ لِمَعْنًى فِيهَا فَلَا يُوجِبُ الْحَدَّ وَلَوْ كَانَا مَحْدُودَيْنِ فِي قَذْفٍ حُدَّ لِأَنَّ امْتِنَاعَ اللِّعَانِ لِمَعْنًى مِنْ جِهَتِهِ إذْ هُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ ، وَكَذَا إذَا كَانَ هُوَ عَبْدًا وَهِيَ مَحْدُودَةٌ فِي قَذْفٍ يُحَدُّ لِمَا ذَكَرْنَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَا كَافِرَيْنِ أَوْ مَمْلُوكَيْنِ حَيْثُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ ، وَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ جِهَتِهِ لِأَنَّ قَذْفَ الْأَمَةِ أَوْ الْكَافِرَةِ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ ، وَقَذْفَ الْمَحْدُودَةِ يُوجِبُ الْحَدَّ إذَا كَانَتْ عَفِيفَةً عَنْ فِعْلِ الزِّنَا حَتَّى لَوْ قَذَفَهَا أَجْنَبِيٌّ يُحَدُّ فَكَذَا الزَّوْجُ وَلَوْ قَذَفَ الْأَمَةَ أَوْ الْكَافِرَةَ لَا يُحَدُّ فَكَذَا الزَّوْجُ فَصَارَ كَمَا لَوْ كَانَا صَغِيرَيْنِ أَوْ مَجْنُونَيْنِ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُلَاعِنُ فِي الْكُلِّ إلَّا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا أَوْ كِلَاهُمَا لِأَنَّ اللِّعَانَ أَيْمَانٌ عِنْدَهُ ، وَكُلُّ مَنْ كَانَ أَهْلًا لِلْيَمِينِ يَكُونُ أَهْلًا لَهُ ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا تَلَوْنَا ، وَمَا بَيَّنَّا مِنْ الْمَعْنَى ، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَرْبَعٌ مِنْ النِّسَاءِ لَيْسَ بَيْنَهُنَّ وَبَيْنَ أَزْوَاجِهِنَّ لِعَانٌ الْيَهُودِيَّةُ وَالنَّصْرَانِيَّةُ تَحْتَ الْمُسْلِمِ ، وَالْحُرَّةُ تَحْتَ الْمَمْلُوكِ ، وَالْمَمْلُوكَةُ تَحْتَ الْحُرِّ» رَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ ، وَفِيهِ «لَيْسَ بَيْنَ الْمَمْلُوكَيْنِ وَالْكَافِرَيْنِ لِعَانٌ» ذَكَرَهُ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَضَعَّفَهُ ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ مِنْ طُرُقٍ ثَلَاثٍ ، وَضَعَّفَهُ ، وَالضَّعِيفُ إذَا رُوِيَ مِنْ طُرُقٍ يُحْتَجُّ بِهِ لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ ثُمَّ الْإِحْصَانُ يُعْتَبَرُ عِنْدَ الْقَذْفِ حَتَّى لَوْ قَذَفَهَا وَهِيَ أَمَةٌ أَوْ كَافِرَةٌ ثُمَّ أَسْلَمَتْ أَوْ عَتَقَتْ لَا يَجِبُ الْحَدُّ وَلَا اللِّعَانُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَصِفَتُهُ مَا نَطَقَ بِهِ النَّصُّ) أَيْ صِفَةُ اللِّعَانِ مَا ذُكِرَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَهُوَ أَنْ يَبْتَدِئَ الْقَاضِي بِالزَّوْجِ فَيَشْهَدَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ يَقُولُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ أَنِّي لَمِنْ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَيْتهَا بِهِ مِنْ الزِّنَا ، وَيَقُولُ فِي الْخَامِسَةِ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مِنْ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَاهَا بِهِ مِنْ الزِّنَا يُشِيرُ إلَيْهَا فِي كُلِّ مَرَّةٍ ثُمَّ تَشْهَدُ الْمَرْأَةُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ تَقُولُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ إنَّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَانِي بِهِ مِنْ الزِّنَا ، وَتَقُولُ فِي الْخَامِسَةِ غَضَبَ اللَّهُ عَلَيْهَا إنْ كَانَ مِنْ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَانِي بِهِ مِنْ الزِّنَا لِمَا تَلَوْنَا ، وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَأْتِي بِلَفْظِ الْمُوَاجَهَةِ فَيَقُولُ فِيمَا رَمَيْتُك بِهِ مِنْ الزِّنَا ، وَتَقُولُ هِيَ إنَّك لَمِنْ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَيْتنِي بِهِ مِنْ الزِّنَا لِأَنَّهُ يَقْطَعُ الِاحْتِمَالَ ، وَوَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ لَفْظَ الْمُغَايَبَةِ إذَا انْضَمَّتْ إلَيْهِ الْإِشَارَةُ انْقَطَعَ الِاحْتِمَالُ ، وَإِنَّمَا خُصَّتْ الْمَرْأَةُ بِالْغَضَبِ لِأَنَّ النِّسَاءَ يَسْتَعْمِلْنَ اللَّعْنَ كَثِيرًا فَلَا تَقَعُ الْمُبَالَاةُ بِهِ ، وَتَخَافُ مِنْ الْغَضَبِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

(فَإِنْ الْتَعَنَا بَانَتْ بِتَفْرِيقِ الْحَاكِمِ) وَلَا تَبِينُ قَبْلَهُ حَتَّى لَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ التَّفْرِيقِ وَرِثَهُ الْآخَرُ وَلَوْ زَالَتْ أَهْلِيَّةُ اللِّعَانِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ بِأَنْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ أَوْ قَذَفَ أَحَدُهُمَا إنْسَانًا فَحُدَّ لِلْقَذْفِ أَوْ وَطِئَتْ هِيَ وَطْئًا حَرَامًا أَوْ خَرِسَ أَحَدُهُمَا لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا بِخِلَافِ مَا إذَا جُنَّ قَبْلَ التَّفْرِيقِ حَيْثُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا ، وَإِنْ زَالَ الْإِحْصَانُ لِأَنَّهُ يُرْجَى عَوْدُهُ فَيَعُودُ الْإِحْصَانُ وَلَوْ ظَاهَرَ مِنْهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَوْ طَلَّقَهَا أَوْ آلَى مِنْهَا صَحَّ لِبَقَاءِ النِّكَاحِ ، وَقَالَ زُفَرُ تَقَعُ الْفُرْقَةُ بِلِعَانِهِمَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ صِفَةُ اللِّعَانِ إلَخْ) ظَاهِرٌ فِي تَعَيُّنِهِ كَذَلِكَ حَتَّى لَوْ أَخْطَأَ الْقَاضِي فَبَدَأَ بِهَا قَبْلَهُ لَا يُفِيدُ لِعَانَهَا فَيُعِيدُهُ بَعْدَهُ ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَشْهَبُ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ ، وَفِي الْبَدَائِعِ أَنَّهُ يُعِيدُ اللِّعَانَ عَلَيْهَا لِأَنَّ اللِّعَانَ شَهَادَةٌ وَالْمَرْأَةَ بِشَهَادَتِهَا تَقْدَحُ فِي شَهَادَةِ الزَّوْجِ فَلَا يَصِحُّ إلَّا بَعْدَ وُجُودِ شَهَادَتِهِ ، وَلِهَذَا يَبْدَأُ بِشَهَادَةِ الْمُدَّعِي فِي بَابِ الدَّعْوَى ثُمَّ بِشَهَادَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِطَرِيقِ الدَّفْعِ لَهُ كَذَا هُنَا فَإِنْ لَمْ تُعِدْهُ حَتَّى فَرَّقَ بَيْنَهُمَا نَفَذَتْ الْفُرْقَةُ لِأَنَّ تَفْرِيقَهُ صَادَفَ مَحَلَّ الِاجْتِهَادِ لِأَنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّ اللِّعَانَ يَمِينٌ لَا شَهَادَةٌ ، وَيَجُوزُ تَقْدِيمُ إحْدَى الْيَمِينَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى كَتَحَالُفِ الْمُتَبَايِعَيْنِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ ، وَمُقْتَضَاهُ لُزُومُ الْإِعَادَةِ كَقَوْلِ الشَّافِعِيُّ لَكِنْ فِي الْغَايَةِ لَوْ بَدَأَ بِلِعَانِهَا فَقَدْ أَخْطَأَ السُّنَّةَ ، وَلَا تَجِبُ إعَادَتُهُ ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ ، وَهُوَ الْوَجْهُ لِأَنَّ النَّصَّ أَعْقَبَ الرَّمْيَ بِشَهَادَةِ أَحَدِهِمْ ، وَشَهَادَتَهَا الدَّارِئَةُ لِلْحَدِّ عَنْهَا بِقَوْلِهِ وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ ، وَلِأَنَّ الْفَاءَ دَخَلَتْ عَلَى شَهَادَتِهِ عَلَى وِزَانِ مَا قُلْنَا فِي سُقُوطِ التَّرْتِيبِ فِي الْوُضُوءِ مِنْ أَنَّهُ أَعْقَبَ جُمْلَةَ الْأَفْعَالِ لِلْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ ، وَإِنْ كَانَ دُخُولُ الْفَاءِ عَلَى غَسْلِ الْوَجْهِ فَانْظُرْهُ ثَمَّةَ . ا هـ . فَتْحٌ
(قَوْلُهُ يُشِيرُ إلَيْهَا فِي كُلِّ مَرَّةٍ) أَيْ يُشِيرُ إلَى الْمَرْأَةِ فِي قَوْلِهِ رَمَيْتهَا . ا هـ . (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ يَقْطَعُ الِاحْتِمَالَ) أَيْ احْتِمَالَ أَنْ يُضْمِرَ مَرْجِعًا لِلضَّمِيرِ الْغَائِبِ هُوَ غَيْرُهَا بِخِلَافِ الْخِطَابِ قَالَهُ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ انْقَطَعَ الِاحْتِمَالُ) يَعْنِي انْقَطَعَ احْتِمَالُ ضَمِيرِ الْغَائِبِ لَا أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ انْقِطَاعَ الِاحْتِمَالِ مَشْرُوطٌ بِاجْتِمَاعِهِمَا لِأَنَّ الْإِشَارَةَ بِانْفِرَادِهَا لَا احْتِمَالَ مَعَهَا . ا هـ . فَتْحٌ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَإِنْ الْتَعَنَا بَانَتْ بِتَفْرِيقِ الْحَاكِمِ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إذَا افْتَرَقَ الْمُتَلَاعِنَانِ فَلَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا فَيَثْبُتُ بَيْنَهُمَا حُرْمَةٌ مُؤَبَّدَةٌ كَحُرْمَةِ الرَّضَاعِ ، وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ ، وَإِذَا كَانَتْ حُرْمَةً مُؤَبَّدَةً لَا تَكُونُ طَلَاقًا بَلْ فَسْخًا ، وَيَلْزَمُ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنْ لَا يَتَوَقَّفَ عَلَى تَفْرِيقِ الْقَاضِي لِأَنَّ الْحُرْمَةَ ثَابِتَةٌ قَبْلَهُ اتِّفَاقًا ، وَكَذَا الْخِلَافُ فِي كَوْنِ الزَّوْجِيَّةِ قَائِمَةً مَعَهَا كَمَا تَكُونُ بِالظِّهَارِ أَوْ زَالَتْ فَإِذَا فُرِضَ أَنَّ هَذِهِ الْحُرْمَةَ مِنْ حِينِ ثَبَتَتْ ثَبَتَتْ مُؤَبَّدَةً لَمْ يُتَصَوَّرْ تَوَقُّفُهَا عَلَى تَفْرِيقِ الْقَاضِي . ا هـ . (قَوْلُهُ وَلَوْ زَالَتْ أَهْلِيَّةُ اللِّعَانِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ) أَيْ بِمَا لَا يُرْجَى زَوَالُهُ . ا هـ . فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ ظَاهَرَ مِنْهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَوْ طَلَّقَهَا إلَخْ) غَيْرَ أَنَّ وَطْأَهَا مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ لِمَا سَيُعْلَمُ ، وَلَوْ فَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا بَعْدَ الْتِعَانِهِمَا ثَلَاثًا خَطَأً نَفَذَ تَفْرِيقُهُ عِنْدَنَا ، وَعِنْدَ زُفَرَ ، وَبَقِيَّةِ الْأَئِمَّةِ لَا يَنْفُذُ ا هـ فَتْحٌ

(3/17)


«الْمُتَلَاعِنَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا» ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تَقَعُ الْفُرْقَةُ بِلِعَانِ الزَّوْجِ ، وَيَتَعَلَّقُ بِلِعَانِهِ عِنْدَهُ أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ قَطْعُ النَّسَبِ ، وَسُقُوطُ الْحَدِّ عَنْهُ ، وَوُجُوبُ الْحَدِّ عَلَيْهَا ، وَثُبُوتُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا لَهُ فِي الْفُرْقَةِ أَنَّ الزَّوْجَ لَمَّا شَهِدَ عَلَيْهَا بِالزِّنَا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ ، وَأَكَّدَ ذَلِكَ بِاللِّعَانِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا لَا يَأْتَلِفَانِ فَلَمْ يَكُنْ فِي بَقَاءِ النِّكَاحِ فَائِدَةٌ فَيَنْفَسِخُ كَمَا يَنْفَسِخُ بِالِارْتِدَادِ ، وَلَنَا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَاعَنَ بَيْنَ رَجُلٍ ، وَامْرَأَتِهِ فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا ، وَأَلْحَقَ الْوَلَدَ بِأُمِّهِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -
وَحَدِيثُ «عُوَيْمِرِ بْنِ الْحَارِثِ الْعَجْلَانِيُّ أَنَّهُ لَاعَنَ امْرَأَتَهُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمَّا فَرَغَا مِنْ لِعَانِهِمَا قَالَ كَذَبْت عَلَيْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إنْ أَمْسَكْتهَا فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» قَالَ ابْنُ شِهَابٍ فَكَانَتْ سُنَّةَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ، وَمُسْلِمٌ ، وَغَيْرُهُمَا وَلَوْ كَانَتْ الْفُرْقَةُ تَقَعُ بِلِعَانِهِمَا أَوْ بِلِعَانِهِ لَأَنْكَرَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي هَذَا الْبَابِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ صِحَاحٌ كُلُّهَا تُثْبِتُ التَّفْرِيقَ مِنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ حُرْمَةُ الِاسْتِمْتَاعِ بَيْنَهُمَا لِمَا رَوَاهُ زُفَرُ فَاتَ الْإِمْسَاكُ بِالْمَعْرُوفِ ، وَبِمِثْلِهِ لَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُسَرِّحَ فَإِنْ فَعَلَ ، وَإِلَّا نَابَ الْقَاضِي مَنَابَهُ كَمَا فِي الْإِبَاءِ وَالْجَبِّ وَالْعُنَّةِ ، وَلِهَذَا قَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْمُتَلَاعِنَانِ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ خَارِجٌ لَيْسَ لَهُ فِيهِ سَلَفٌ ، وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ خِلَافُ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ ، وَيَنْبَغِي عَلَى قَوْلِهِ أَنْ لَا تُلَاعِنَ الْمَرْأَةُ أَصْلًا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ زَوْجَةً لَهُ عِنْدَ لِعَانَهَا ، وَلِأَنَّ اللِّعَانَ تَحَالُفٌ عِنْدَهُ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَنْفَسِخَ النِّكَاحُ إلَّا بِالْقَضَاءِ كَمَا فِي التَّحَالُفِ فِي الْبَيْعِ ، وَزَعَمَتْ الشَّافِعِيَّةُ أَنَّ التَّفْرِيقَ الْمَذْكُورَ فِي الْحَدِيثِ إعْلَامُهُمَا بِوُقُوعِ الْفُرْقَةِ بَيْنَهُمَا ، وَهُوَ غَلَطٌ ، وَتَحْرِيفٌ مَحْضٌ لِأَنَّ التَّفْرِيقَ إيقَاعُ الْفُرْقَةِ وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالُوا لَقَالَ أَعْلِمْهُمَا بِوُقُوعِ الْفُرْقَةِ ، وَيَرُدُّهُ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد «فَطَلَّقَهَا ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ فَأَنْفَذَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -»
وَمِنْ الْعَجَبِ أَنَّهُمْ تَعَلَّقُوا بِحَدِيثِ الْعَجْلَانِيُّ الْمُتَقَدِّمِ لِإِبَاحَةِ إرْسَالِ الثَّلَاثِ جُمْلَةً حَيْثُ لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ يُنْكِرُونَ وُقُوعَ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا هُنَا ، وَيَلْزَمُهُمْ أَيْضًا أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ قَوْلَهُ كَذَبْت عَلَيْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إنْ أَمْسَكْتهَا وَلَوْلَا أَنَّ النِّكَاحَ قَائِمٌ لَأَنْكَرَ عَلَيْهِ ، وَلَا يُقَالُ إنَّهُ أَنْكَرَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ اذْهَبْ فَلَا سَبِيلَ لَك عَلَيْهَا لِأَنَّ ذَلِكَ يَنْصَرِفُ إلَى طَلَبِ الْمَهْرِ لِأَنَّهُ رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ لَهُ حِينَ طَلَبَ رَدَّ الْمَهْرِ إنْ كُنْت صَادِقًا فَهُوَ لَهَا بِمَا اسْتَحْلَلْت مِنْ فَرْجِهَا ، وَإِنْ كُنْت كَاذِبًا فَأَبْعِدْ اذْهَبْ فَلَا سَبِيلَ لَك عَلَيْهَا» أَوْ يَكُونُ مَعْنَاهُ لَا سَبِيلَ لَك عَلَى إمْسَاكِهَا ثُمَّ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا لَا يَسْتَقِيمُ هَذَا الْقَوْلُ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ يَقُولُ الثَّابِتُ بِاللِّعَانِ تَحْرِيمٌ مُؤَبَّدٌ كَحُرْمَةِ الرَّضَاعِ وَالْمُصَاهَرَةِ وَهِيَ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَضَاءِ
وَعَلَى قَوْلِهِمَا يَسْتَقِيمُ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ بِاللِّعَانِ عِنْدَهُمَا تَطْلِيقَةٌ بَائِنَةٌ لِأَنَّهَا لِدَفْعِ الظُّلْمِ عَنْهَا فَانْتَسَبَ فِعْلُ الْقَاضِي إلَيْهِ فَكَانَ طَلَاقًا كَالْفُرْقَةِ بِسَبَبِ الْجَبِّ أَوْ الْعُنَّةِ ، وَنَحْوِهِ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ، وَهُوَ مُسْتَقِيمٌ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَيْضًا لِأَنَّ الْمَذْهَبَ عِنْدَ عُلَمَائِنَا أَنَّ النِّكَاحَ لَا يَرْتَفِعُ بِحُرْمَةِ الرَّضَاعِ وَالْمُصَاهَرَةِ بَلْ يَفْسُدُ حَتَّى لَوْ وَطِئَهَا قَبْلَ التَّفْرِيقِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ أَوْ لَمْ يَشْتَبِهْ نَصَّ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ فِي نِكَاحِ الْأَصْلِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ قَذَفَ بِوَلَدٍ نَفَى نَسَبَهُ ، وَأَلْحَقَهُ بِأُمِّهِ) وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ الْعُلُوقُ فِي حَالٍ يَجْرِي بَيْنَهُمَا اللِّعَانُ حَتَّى لَوْ عَلِقَتْ وَهِيَ أَمَةٌ أَوْ كَافِرَةٌ ثُمَّ أَعْتَقَتْ أَوْ أَسْلَمَتْ لَا يَنْفِي ، وَلَا يُلَاعِنُ لِأَنَّ نَسَبَهُ كَانَ ثَابِتًا عَلَى وَجْهٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تَقَعُ الْفُرْقَةُ بِلِعَانِ الزَّوْجِ) أَيْ قَبْلَ لِعَانِ الْمَرْأَةِ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ بِيَدِ الزَّوْجِ فَيَكُونُ لِعَانُهُ هُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي الْفُرْقَةِ ، وَإِنَّمَا لِعَانُ الْمَرْأَةِ لِدَرْءِ الْحَدِّ عَنْهَا . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ الثَّابِتُ بِاللِّعَانِ تَحْرِيمٌ مُؤَبَّدٌ) ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالْحَسَنِ كَذَا فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ ، وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ مِثْلُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ قَذَفَ بِوَلَدٍ نَفَى نَسَبَهُ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ ثُمَّ وَلَدُ الْمُلَاعَنَةِ بَعْدَمَا قُطِعَ نَسَبُهُ فَجَمِيعُ أَحْكَامِ نَسَبِهِ بَاقٍ مِنْ الْأَبِ سِوَى الْمِيرَاثِ حَتَّى أَنَّ شَهَادَةَ الْأَبِ لَهُ لَا تُقْبَلُ ، وَشَهَادَتَهُ لِأَبِيهِ لَا تُقْبَلُ ، وَدَفْعَ الزَّكَاةِ إلَيْهِ لَا يَجُوزُ ، وَلَوْ كَانَ أُنْثَى فَتَزَوَّجَهُ أَبُوهُ أَوْ تَزَوَّجَ بِنْتَه مِنْهُ إنْ كَانَ ابْنًا لَا يَجُوزُ ، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ أَحْكَامِ النَّسَبِ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ ، وَقَالَ الْكَمَالُ وَاعْلَمْ أَنَّ وَلَدَ الْمُلَاعَنَةِ إذَا قُطِعَ نَسَبُهُ مِنْ الْأَبِ وَأُلْحِقَ بِالْأُمِّ لَا يَعْمَلُ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ بَلْ فِي بَعْضِهَا فَيَبْقَى النَّسَبُ بَيْنَهُمَا فِي حَقِّ الشَّهَادَةِ وَالزَّكَاةِ وَالْقِصَاصِ وَالنِّكَاحِ وَعَدَمِ اللُّحُوقِ بِالْغَيْرِ حَتَّى لَا تَجُوزَ شَهَادَةُ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ ، وَلَا صَرْفُ زَكَاةِ مَالِهِ إلَيْهِ ، وَلَا يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى الْأَبِ بِقَتْلِهِ ، وَلَوْ كَانَ لِابْنِ الْمُلَاعَنَةِ ابْنٌ ، وَلِلزَّوْجِ بِنْتٌ مِنْ امْرَأَةٍ أُخْرَى لَا يَجُوزُ لِلِابْنِ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِتِلْكَ الْبِنْتِ ، وَلَوْ ادَّعَى إنْسَانٌ هَذَا الْوَلَدَ لَا يَصِحُّ ، وَإِنْ صَدَّقَهُ فِي ذَلِكَ ، وَلَا يَبْقَى فِي حَقِّ النَّفَقَةِ وَالْإِرْثِ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ ، وَهُوَ مُشْكِلٌ فِي ثُبُوتِ النَّسَبِ إذَا كَانَ الْمُدَّعِي مِمَّنْ يُولَدُ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ ، وَادَّعَاهُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُلَاعِنِ لِأَنَّهُ مِمَّا يُحْتَاطُ فِي إثْبَاتِهِ ، وَهُوَ مَقْطُوعُ النَّسَبِ مِنْ غَيْرِهِ
وَوَقَعَ الْإِيَاسُ مِنْ ثُبُوتِهِ مِنْ الْمُلَاعِنِ ، وَثُبُوتُ النَّسَبِ مِنْ أُمِّهِ لَا يُنَافِيهِ ا هـ مَا قَالَهُ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ، وَفِي الذَّخِيرَةِ لَا يُشْرَعُ اللِّعَانُ بِنَفْيِ الْوَلَدِ فِي الْمَجْبُوبِ وَالْخَصِيِّ ، وَلِمَنْ لَا يُولَدُ لَهُ لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْمَجْبُوبَ يَنْزِلُ بِالسُّحْقِ ، وَيَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهِ عَلَى مَا هُوَ الْمُخْتَارُ ، وَلَا لِعَانَ فِي الْقَذْفِ بِنَفْيِ الْوَلَدِ فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ يَجِبُ اللِّعَانُ بِهِ ، وَكَذَا فِي نَفِيه مَنْ وَطْءَ بِشُبْهَةٍ ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فِيهِمَا الْحَدُّ وَاللِّعَانُ لِأَنَّهُ يَلْحَقُهُمَا بِالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ ، وَفِي الذَّخِيرَةِ قَذَفَهَا بِنَفْيِ وَلَدِهَا فَلَمْ يَلْتَعِنَا حَتَّى قَذَفَهَا أَجْنَبِيٌّ بِهِ فَحَدّ الْأَجْنَبِيّ يَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْ الزَّوْجِ ، وَلَا يَنْتَفِي بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمَّا حُدَّ قَاذِفُهَا حُكِمَ بِكَذِبِهِ . ا هـ . فَتْحٌ (قَوْلُهُ ثُمَّ أُعْتِقَتْ أَوْ أَسْلَمَتْ) أَيْ فَنَفَى وَلَدَهَا ا هـ
(قَوْلُهُ لَا يَنْفِي ، وَلَا يُلَاعِنُ) لِأَنَّ انْتِفَاءَهُ إنَّمَا يَثْبُتُ شَرْعًا حُكْمًا لِلِّعَانِ ، وَلَا لِعَانَ بَيْنَهُمَا . ا هـ . فَتْحٌ

(3/18)


لَا يُمْكِنُ قَطْعُهُ فَلَا يَتَغَيَّرُ بَعْدَهُ ، وَصُورَةُ هَذَا اللِّعَانِ أَنْ يَأْمُرَ الْحَاكِمُ الرَّجُلَ فَيَقُولَ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ إنِّي لَمِنْ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَيْتهَا بِهِ مِنْ نَفْيِ الْوَلَدِ ، وَكَذَا فِي جَانِبِهَا فَتَقُولُ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ إنَّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَانِي بِهِ مِنْ نَفْيِ الْوَلَدِ وَلَوْ قَذَفَهَا بِالزِّنَا وَنَفْيِ الْوَلَدِ ذَكَرَهُ فِي اللِّعَانِ الْأَمْرَيْنِ فَيَقُولُ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ إنِّي لَمِنْ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَيْتهَا بِهِ مِنْ الزِّنَا ، وَنَفْيِ وَلَدِهَا ، وَتَقُولُ الْمَرْأَةُ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ إنَّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَانِي بِهِ مِنْ الزِّنَا ، وَنَفْيِ الْوَلَدِ ثُمَّ يَنْفِي الْقَاضِي نَسَبَهُ ، وَيُلْحِقُهُ بِأُمِّهِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهَذَا اللِّعَانِ نَفْيُ الْوَلَدِ فَيُوَفِّرُ عَلَيْهِ مَقْصُودَهُ ، وَيُثْبِتُ نَفْيَ الْوَلَدِ ضِمْنًا لِلْقَضَاءِ بِالتَّفْرِيقِ ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَقُولُ قَدْ فَرَّقْت بَيْنَكُمَا ، وَقَطَعْت نَسَبَ هَذَا الْوَلَدِ عَنْهُ ، وَأَلْزَمْته أَمَتَهُ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَنْفَكُّ عَنْ الْآخَرِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَلَدَ إذَا مَاتَ قَبْلَ اللِّعَانِ بَعْدَ الْقَذْفِ بِالنَّفْيِ أَوْ قَذَفَهَا بِالزِّنَا فَقَطْ لَا يَنْتَفِي نَسَبُهُ بِاللِّعَانِ ، وَلَوْ نَفَى نَسَبَ وَلَدَ أُمِّ الْوَلَدِ انْتَفَى بِقَوْلِهِ مِنْ غَيْرِ لِعَانٍ ، وَقَالَ إبْرَاهِيمُ يُلَاعِنُ بَيْنَهُمَا ، وَلَا يَنْفِي الْوَلَدَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحِجْرُ» ، وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ بِنَفْسِ اللِّعَانِ يَنْقَطِعُ عَنْ الْأَبِ ، وَيَلْتَحِقُ بِالْأُمِّ ، وَلَنَا مَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ ، وَفِيهِ فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا ، وَأَلْحَقَ الْوَلَدَ بِأُمِّهِ فَيَكُونُ حُجَّةً عَلَى الْفَرِيقَيْنِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ حُدَّ) لِإِقْرَارِهِ بِوُجُوبِ الْحَدِّ عَلَيْهِ ، هَذَا إذَا أَكْذَبَ نَفْسَهُ بَعْدَ اللِّعَانِ ، وَإِنْ أَكْذَبَ قَبْلَهُ يَنْظُرُ فَإِنْ لَمْ يُطَلِّقْهَا قَبْلَ الْإِكْذَابِ فَكَذَلِكَ لِمَا ذَكَرْنَا ، وَإِنْ أَبَانَهَا ثُمَّ أَكْذَبَ نَفْسَهُ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ ، وَلَا لِعَانَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ اللِّعَانِ التَّفْرِيقُ بِهِ بَيْنَهُمَا فَلَا يَتَأَتَّى بِهِ بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ لِأَنَّ قَذْفَهُ كَانَ مُوجِبًا لِلِّعَانِ فَلَا يَنْقَلِبُ مُوجِبًا لِلْحَدِّ لِأَنَّ الْقَذْفَ الْوَاحِدَ لَا يُوجِبُ حَدَّيْنِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَكْذَبَ نَفْسَهُ بَعْدَ اللِّعَانِ لِأَنَّ وُجُوبَ اللِّعَانِ تَمَّ بِالْقَذْفِ الْأَوَّلِ ، وَالْحَدُّ بِكَلِمَاتِ اللِّعَانِ لِأَنَّهُ نَسَبَهَا فِيهِ إلَى الزِّنَا ، وَاللِّعَانُ شَهَادَةٌ ، وَالشُّهُودُ إذَا رَجَعُوا يَجِبُ الْحَدُّ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ نَسَبُوهُ إلَى الزِّنَا بِشَهَادَتِهِمْ فَكَذَا هَذَا ، وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ يَا زَانِيَةُ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَلَا اللِّعَانُ لِأَنَّهُ قَذَفَهَا وَهِيَ زَوْجَةٌ ثُمَّ أَبَانَهَا وَلَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا يَا زَانِيَةُ يَجِبُ الْحَدُّ لِأَنَّهُ قَذَفَهَا بَعْدَمَا بَانَتْ ، وَصَارَتْ أَجْنَبِيَّةً فَيُحَدُّ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَهُ أَنْ يَنْكِحَهَا) أَيْ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِهَا بَعْدَمَا أَكْذَبَ نَفْسَهُ ، وَحُدَّ وَهَذَا عِنْدَهُمَا ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْمُتَلَاعِنَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِمَعْنَاهُ ، وَمِثْلُهُ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ ، وَلَهُمَا أَنَّ الْإِكْذَابَ رُجُوعٌ ، وَالشَّهَادَةَ بَعْدِ الرُّجُوعِ لَا حُكْمَ لَهَا فِي حَقِّ الرَّاجِعِ فَيَرْتَفِعُ اللِّعَانُ ، وَلِهَذَا يُحَدُّ ، وَيَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ ، وَلَا يَجْتَمِعُ الْحَدُّ وَاللِّعَانُ فَلَزِمَ مِنْ إقَامَةِ الْحَدِّ انْتِفَاءُ اللِّعَانِ ، وَكَذَا لَا يَنْفِي اللِّعَانَ مَعَ ثُبُوتِ النَّسَبِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْمُتَلَاعِنَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا» أَيْ مَا دَامَا مُتَلَاعِنَيْنِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا} [التوبة : 84] أَيْ مَا دَامَ مُنَافِقًا يُقَالُ الْمُصَلِّي لَا يَتَكَلَّمُ أَيْ مَا دَامَ مُصَلِّيًا فَلَمْ يَبْقَ مُتَلَاعِنًا لَا حَقِيقَةً لِعَدَمِ الِاشْتِغَالِ بِهِ ، وَلَا مَجَازًا لِأَنَّهُ إنَّمَا سُمِّيَ مُتَلَاعِنًا لِبَقَاءِ اللِّعَانِ بَيْنَهُمَا حُكْمًا ، وَلَمْ يَبْقَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكَذَا إنْ قَذَفَ غَيْرَهَا فَحُدَّ أَوْ زَنَتْ فَحُدَّتْ) يَعْنِي حَلَّتْ لَهُ لِأَنَّهُ بَعْدَ حَدِّ الْقَذْفِ لَمْ يَبْقَ أَهْلًا لِلِّعَانِ ، وَكَذَا هِيَ لَوْ قَذَفَتْ إنْسَانًا فَحُدَّتْ لِأَنَّهَا لَمْ تَبْقَ أَهْلًا لَهُ بَعْدَهُ ، وَالْمَنْعُ لِأَجْلِ الْأَهْلِيَّةِ حَتَّى لَا يَقْذِفَهَا مَرَّةً أُخْرَى فَيَلْتَعِنَانِ فَإِذَا بَطَلَتْ الْأَهْلِيَّةُ أَمِنَ مِنْ ذَلِكَ فَيَجْتَمِعَانِ ، وَهَذَا لِأَنَّ اللِّعَانَ لَمْ يُشْرَعْ فِي الْعُمْرِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ إلَّا مَرَّةً فَلَوْ أُبِيحَ لَهُ التَّزْوِيجُ بِهَا ، وَالْأَهْلِيَّةُ بَاقِيَةٌ لَأَدَّى إلَى وُقُوعِهِ مِرَارًا ، وَإِذَا بَطَلَتْ لَمْ يُؤَدِّ فَجَازَ ، وَكَذَا زِنَاهَا يُسْقِطُ إحْصَانَهَا فَيُبْطِلُ بِهِ أَهْلِيَّتَهَا ، وَقَوْلُهُ فَحُدَّتْ وَقَعَ اتِّفَاقًا لِأَنَّ زِنَاهَا مِنْ غَيْرِ حَدٍّ يَسْقُطُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ فَيُوَفِّرُ عَلَيْهِ مَقْصُودَهُ) يَعْنِي أَنَّ غَرَضَ الزَّوْجِ مِنْ لِعَانِهِ بِسَبَبِ نَفْيِ الْوَلَدِ هُوَ نَفْيُ الْوَلَدِ فَيَكْمُلُ عَلَيْهِ غَرَضُهُ مِنْ نَفْيِ الْوَلَدِ فَلَا جَرَمَ بِنَفْيِ الْقَاضِي نَسَبَ وَلَدِهِ مِنْهُ لَكِنْ يَتَضَمَّنُهُ الْقَضَاءُ بِالتَّفْرِيقِ أَيْ يَحْصُلُ نَفْيُ الْوَلَدِ فِي ضِمْنِ الْقَضَاءِ بِالتَّفْرِيقِ يَعْنِي إذَا قَالَ فَرَّقْت بَيْنَهُمَا كَفَى ا هـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ الْقَضَاءِ بِالتَّفْرِيقِ بِاللِّعَانِ وَنَفْيِ الْوَلَدِ ا هـ (قَوْلُهُ يَنْفَكُّ عَنْ الْآخَرِ) أَيْ فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهِ . ا هـ . هِدَايَةً حَتَّى لَوْ لَمْ يَقُلْهُ لَا يَنْتَفِي النَّسَبُ عَنْهُ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ هَذَا صَحِيحٌ ، وَلَوْ مَاتَ الْوَلَدُ عَنْ مَالٍ فَادَّعَى الْمُلَاعِنُ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ ، وَيُحَدُّ فَلَوْ كَانَ قَدْ تَرَكَ وَلَدًا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ الْأَبِ وَذُرِّيَّةِ الْأَبِ لِاحْتِيَاجِ الْحَيِّ إلَى النَّسَبِ . ا هـ .

(قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ) قَالَ فِي التَّهْذِيبِ ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَزُفَرَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا يَجُوزُ ، وَهَذِهِ فُرْقَةٌ مُؤَبَّدَةٌ (قَوْلُهُ لِعَدَمِ الِاشْتِغَالِ بِهِ) أَيْ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا حَالَ تَشَاغُلِهِمَا بِاللِّعَانِ ، وَلَمْ يَبْقَ التَّشَاغُلُ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ إنَّمَا سُمِّيَ مُتَلَاعِنًا لِبَقَاءِ اللِّعَانِ بَيْنَهُمَا حُكْمًا ، وَلَمْ يَبْقَ) أَيْ لِأَنَّهُ إذَا أَكْذَبَ نَفْسَهُ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ لِإِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ بِالْتِزَامِ الْحَدِّ ، وَمِنْ ضَرُورَةِ إقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ بُطْلَانُ اللِّعَانِ ، وَإِلَّا صَارَ جَمْعًا بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْخُلْفِ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ زَنَتْ فَحُدَّتْ) قَالَ الْكَمَالُ قِيلَ لَا يَسْتَقِيمُ لِأَنَّهَا إذَا حُدَّتْ كَانَ حَدُّهَا الرَّجْمَ فَلَا يُتَصَوَّرُ حِلُّهَا لِلزَّوْجِ بَلْ بِمُجَرَّدِ أَنْ تَزْنِيَ تَخْرُجُ عَنْ الْأَهْلِيَّةِ ، وَلِذَا أَطْلَقْنَا فِيمَا قَدَّمْنَاهُ ، وَمِنْهُمْ مَنْ ضَبَطَهُ بِتَشْدِيدِ النُّونِ بِمَعْنَى نَسَبَتْ غَيْرَهَا لِلزِّنَا ، وَهُوَ مَعْنَى الْقَذْفِ فَيَسْتَقِيمُ حِينَئِذٍ تَوَقُّفُ حِلِّهَا لِلْأَوَّلِ عَلَى حَدِّهَا لِأَنَّهُ حَدُّ الْقَذْفِ ، وَيُوَجَّهُ تَخْفِيفُهَا بِأَنْ يَكُونَ الْقَذْفُ ، وَاللِّعَانُ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا ثُمَّ زَنَتْ فَحُدَّتْ فَإِنَّ حَدَّهَا حِينَئِذٍ الْجَلْدُ لَا الرَّجْمُ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمُحْصَنَةٍ ، وَاسْتُشْكِلَ بِأَنَّ زَوَالَ أَهْلِيَّةِ الشَّاهِدِ بِطُرُوِّ الْفِسْقِ مَثَلًا لَا يُوجِبُ بُطْلَانَ مَا حَكَمَ بِهِ الْقَاضِي عَنْهَا فِي حَالِ قِيَامِ الْعَدَالَةِ فَلَا يَجِبُ بُطْلَانُ ذَلِكَ اللِّعَانِ السَّابِقِ الْوَاقِعِ فِي حَالِ الْأَهْلِيَّةِ لِيَبْطُلَ أَثَرُهُ مِنْ الْحُرْمَةِ
(قَوْلُهُ وَالْمَنْعُ) أَيْ مِنْ التَّزَوُّجِ بِهَا بَعْدَ اللِّعَانِ . ا هـ . (قَوْلُهُ فَيَبْطُلُ بِهِ أَهْلِيَّتُهَا) قُلْت وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الزَّوْجَ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِالْمُلَاعَنَةِ بَعْدَ التَّفْرِيقِ إلَّا إذَا لَمْ يَبْقَ أَهْلًا لِلِّعَانِ بِأَنْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ فَحُدَّ أَوْ قَذَفَ غَيْرَهَا فَحُدَّ لِأَنَّهُ بَعْدَ حَدِّ الْقَذْفِ لَمْ يَبْقَ أَهْلًا لِلِّعَانِ أَوْ هِيَ لَمْ تَبْقَ أَهْلًا لِلِّعَانِ بِأَنْ زَنَتْ مَثَلًا قَالَ فِي التَّهْذِيبِ ثُمَّ بَعْدَ اللِّعَانِ لَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ حَتَّى يُفَرِّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا ثُمَّ لَا يَجُوزُ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا إلَّا إنْ أَكْذَبَ

(3/19)


بِهِ إحْصَانُهَا فَلَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِهِ بِخِلَافِ الْقَذْفِ فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِهِ الْإِحْصَانُ حَتَّى يُحَدَّ فَلَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ الْحَدِّ فِيهِ ، وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا أَيْضًا بَعْدَمَا زَنَتْ ، وَحُدَّتْ لِأَنَّ حَدَّهَا الرَّجْمُ لِكَوْنِهَا مُحْصَنَةً لِأَنَّ اللِّعَانَ لَا يَجْرِي إلَّا بَيْنَ مُحْصَنَيْنِ إلَّا إذَا لَاعَنَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا أَوْ كَانَتْ كَافِرَةً أَوْ أَمَةً أَوْ صَغِيرَةً أَوْ مَجْنُونَةً فَزَالَ ذَلِكَ ، وَصَارَتْ مُحْصَنَةً ، وَلَمْ يَقْرَبْهَا بَعْدَمَا صَارَتْ مُحْصَنَةً حَتَّى قَذَفَهَا فَإِنَّهُ يُلَاعَنُ بَيْنَهُمَا ، وَلَا تُرْجَمُ إذَا زَنَتْ لِعَدَمِ شَرْطِهِ ، وَهُوَ الدُّخُولُ عَلَيْهَا ، وَهُمَا عَلَى صِفَةِ الْإِحْصَانِ ، وَكَانَ الْفَقِيهُ الْمَكِّيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ أَوْ زَنَّتْ بِتَشْدِيدِ النُّونِ أَيْ نَسَبَتْ غَيْرَهَا إلَى الزِّنَا ، وَهُوَ الْقَذْفُ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ ذِكْرُ الْحَدِّ فِيهِ شَرْطًا عَلَى مَا بَيَّنَّا فَزَالَ الْإِشْكَالُ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا لِعَانَ بِقَذْفِ الْأَخْرَسِ) ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجِبُ اللِّعَانُ بِهِ لِأَنَّ إشَارَتَهُ كَالصَّرِيحِ ، وَلَنَا أَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ حَدِّ الْقَذْفِ فِي حَقِّهِ ، وَقَذْفَهُ لَا يَعْرَى عَنْ شُبْهَةٍ ، وَالْحُدُودُ تُدْرَأُ بِهَا ، وَلِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَأْتِيَ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ فِي اللِّعَانِ حَتَّى لَوْ قَالَ أَحْلِفُ مَكَانَ أَشْهَدُ لَا يَجُوزُ ، وَإِشَارَتُهُ لَا تَكُونُ شَهَادَةً ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَتْ هِيَ خَرْسَاءَ لِأَنَّ قَذْفَهَا لَا يُوجِبُ الْحَدَّ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا تُصَدِّقُهُ أَوْ لِتَعَذُّرِ الْإِتْيَانِ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَنْفِي الْحَمْلَ) لِأَنَّهُ لَا يَتَيَقَّنُ بِقِيَامِهِ عِنْدَ الْقَذْفِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ انْتِفَاخٌ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يُلَاعَنُ بَيْنَهُمَا وَقْتَ الْوَضْعِ إذَا وَضَعَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا بِقِيَامِ الْحَمْلِ عِنْدَ الْقَذْفِ فَيَتَحَقَّقُ الْقَذْفُ ، وَصَارَ كَنَفَيْهِ بَعْدَ الْوِلَادَةِ ، وَكَوْنُهُ حَمْلًا لَا يُنَافِيهِ كَمَا لَا يُنَافِي ثُبُوتَ حَقِّهِ مِنْ عِتْقٍ وَنَسَبٍ وَوَصِيَّةٍ وَإِرْثٍ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُلَاعَنُ بَيْنَهُمَا فِي الْحَالِ قَبْلَ أَنْ تَضَعَ لِحَدِيثِ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَاعَنَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ ، وَكَانَ قَدْ قَذَفَهَا وَهِيَ حَامِلٌ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَبْصِرُوهَا فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أُصَيْهِبَ أُرَيْصِحَ أُثَيْبِجَ حَمْشَ السَّاقَيْنِ فَهُوَ لِهِلَالٍ ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَوْرَقَ جَعْدًا جُمَّالِيًّا أَكْحَلَ سَابِغَ الْأَلْيَتَيْنِ خَدَلَّجَ السَّاقَيْنِ فَهُوَ لِشَرِيكِ ابْنِ سَحْمَاءَ» ، وَلِأَنَّ الْأَحْكَامَ تَتَعَلَّقُ بِهِ شَرْعًا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ ، وَيُعْرَفُ وُجُودُهُ بِالظُّهُورِ ، وَلِهَذَا تُرَدُّ الْمَبِيعَةُ بِعَيْبِ الْحَبَلِ قُلْنَا لَا يَتَيَقَّنُ بِوُجُودِ الْحَمْلِ فَلَا يَكُونُ قَذْفًا بِيَقِينٍ فَصَارَ كَالْمُعَلَّقِ بِالشَّرْطِ فَكَأَنَّهُ قَالَ إنْ كَانَ بِك حَبَلٌ فَهُوَ مِنْ الزِّنَا فَلَا يَكُونُ بِهِ قَاذِفًا كَمَا لَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ زَانِيَةٌ وَهَذَا لِأَنَّهُ إنْ لَمْ تَكُنْ زَانِيَةً قَبْلَ الشَّرْطِ لَا تَكُونُ زَانِيَةً بِهِ ، وَلَا يُقَاسُ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُعَلَّقٍ بَلْ هُوَ مَوْقُوفٌ حَتَّى إذَا وَلَدَتْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ قَذْفًا مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ لِمَا عُرِفَ أَنَّ التَّعْلِيقَ بِالشَّيْءِ الْكَائِنِ تَنْجِيزٌ لِأَنَّا نَقُولُ كُلُّ مَوْقُوفٍ فِيهِ شُبْهَةُ التَّعْلِيقِ إذَا لَا يُعْرَفُ حُكْمُهُ إلَّا بِعَاقِبَتِهِ ، وَهُوَ كَالشَّرْطِ فِي حَقِّنَا ، وَشُبْهَةُ التَّعْلِيقِ كَحَقِيقَتِهِ فِي الْحُدُودِ ، وَلِعَانُ هِلَالٍ كَانَ بِقَذْفِهَا بِالزِّنَا لَا بِنَفْيِ الْحَمْلِ لِأَنَّهُ شَهِدَ عَلَيْهَا بِالزِّنَا عِنْدَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - هَكَذَا ذَكَرَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَلَا يَلْزَمُ حُجَّةً يُحَقِّقُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ بِنَفْيِ الْحَمْلِ لَنَفَاهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ أَبِيهِ أَشْبَهَهُ أَوْ لَمْ يُشْبِهْهُ كَمَا لَوْ تَلَاعَنَا بِنَفْيِهِ بَعْدَ الْوِلَادَةِ فَإِنَّهُ يَنْفِي كَيْفَمَا كَانَ ، وَلَا يُنْظَرُ إلَى الشَّبَهِ ، وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَحْكَامِ يَأْتِي مِنْ قَرِيبٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَلَاعَنَا بِزَنَيْتِ ، وَهَذَا الْحَمْلُ مِنْهُ) أَيْ بِقَوْلِهِ زَنَيْت ، وَهَذَا الْحَمْلُ مِنْ الزِّنَا لِوُجُودِ الْقَذْفِ مِنْهُ صَرِيحًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَمْ يَنْفِ الْحَمْلَ) أَيْ لَا يَنْفِي الْقَاضِي الْحَمْلَ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَنْفِيهِ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَفَى وَلَدَ هِلَالٍ عَنْهُ ، وَقَدْ قَذَفَهَا حَامِلًا ، وَلِأَنَّ الْأَحْكَامَ تَتَعَلَّقُ بِهِ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحْكَامِ قُلْنَا الْأَحْكَامُ لَا تَتَرَتَّبُ عَلَى الْحَمْلِ لِلِاحْتِمَالِ ، وَالْإِرْثُ ، وَالْوَصِيَّةُ يَتَوَقَّفَانِ عَلَى الْوِلَادَةِ فَيَثْبُتَانِ لِلْوَلَدِ لَا لِلْحَمْلِ ، وَكَذَا الْعِتْقُ لِأَنَّهُ يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ ، وَإِنَّمَا كَانَ لَهُ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ لِأَنَّ الْحَمْلَ ظَاهِرٌ ، وَاحْتِمَالَ الرِّيحِ شُبْهَةٌ ، وَالرَّدَّ بِالْعَيْبِ لَا يَمْتَنِعُ بِالشُّبْهَةِ بَلْ يَثْبُتُ مَعَهَا ، وَكَذَا النَّسَبُ يَثْبُتُ مَعَ الشُّبْهَةِ بِخِلَافِ اللِّعَانِ لِأَنَّهُ مِنْ الْحُدُودِ فَلَا يَثْبُتُ مَعَهَا

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ نَفَى الْوَلَدَ عِنْدَ التَّهْنِئَةِ وَابْتِيَاعِ آلَةِ الْوِلَادَةِ صَحَّ ، وَبَعْدَهُ لَا وَلَاعَنَ فِيهِمَا) أَيْ لَوْ نَفَى وَلَدَ امْرَأَتِهِ فِي الْحَالَةِ الَّتِي تَقْبَلُ التَّهْنِئَةَ فِيهَا ، وَتَبْتَاعُ آلَةَ الْوِلَادَةِ صَحَّ ، وَبَعْدَهَا لَا يَصِحُّ ، وَيُلَاعِنُ فِيهِمَا أَيْ فِيمَا إذَا صَحَّ نَفْيُهُ ، وَفِيمَا إذَا لَمْ يَصِحَّ لِوُجُودِ الْقَذْفِ فِيهِمَا ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يَصِحُّ نَفْيُهُ فِي مُدَّةِ النِّفَاسِ لِأَنَّهُ إذَا طَالَتْ الْمُدَّةُ لَا يَصِحُّ نَفْيُهُ ، وَإِذَا قَصُرَتْ يَصِحُّ لِأَنَّ وُجُودَ قَبُولِ التَّهْنِئَةِ مِنْهُ ، وَدَلَالَتَهُ تَمْنَعُ صِحَّةَ النَّفْيِ إجْمَاعًا ، وَإِذَا لَمْ يُوجَدْ يَصِحُّ نَفْيُهُ اتِّفَاقًا فَطُولُ الْمُدَّةِ دَلِيلُ الْقَبُولِ اتِّفَاقًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الزَّوْجُ نَفْسَهُ أَوْ صَدَّقَتْهُ الْمَرْأَةُ أَوْ صَارَتْ بِحَالٍ لَا يُحَدُّ قَاذِفُهَا بِأَنْ زَنَتْ أَوْ صَارَتْ رَقِيقَةً بِأَنْ ارْتَدَّتْ ، وَلَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ فَسُبِيَتْ يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا . ا هـ .

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا لِعَانَ بِقَذْفِ الْأَخْرَسِ) مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِفَاعِلِهِ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا كَانَتْ هِيَ خَرْسَاءُ) يَعْنِي الْخَرْسَاءَ إذَا قَذَفَهَا زَوْجُهَا لَا يَجْرِي اللِّعَانُ بَيْنَهُمَا لِمَا ذَكَرَهُ

(قَوْلُهُ إذَا وَضَعَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ الْأَوَّلُ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ) أَيْ وَمَالِكٌ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ أُصَيْهِبَ) الْأُصَيْهِبُ تَصْغِيرُ الْأَصْهَبِ ، وَهُوَ الَّذِي يَضْرِبُ شَعْرُهُ إلَى الْحُمْرَةِ ، وَالْأُرَيْصِحُ تَصْغِيرُ الْأَرْصَحِ ، وَهُوَ قَلِيلُ لَحْمِ الْفَخِذَيْنِ . ا هـ . (قَوْلُهُ جُمَّالِيًّا) الْجُمَّالِيُّ بِضَمِّ الْجِيمِ الْعَظِيمُ الْخَلْقِ كَالْجَمَلِ . ا هـ . (قَوْلُهُ فَكَأَنَّهُ قَالَ إنْ كَانَ بِك حَبَلٌ فَهُوَ مِنْ الزِّنَا إلَخْ) وَالْقَذْفُ لَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ عَدَمٌ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ ، وَلَا حَاجَةَ إلَى إبْقَائِهِ حُكْمًا إلَى وُجُودِ الشَّرْطِ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى إيجَابِ الْحَدِّ لِأَنَّ الْحُدُودَ يُحْتَالُ لِدَرْئِهَا لَا لِإِثْبَاتِهَا . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَتَلَاعَنَا بِزَنَيْتِ إلَخْ) وَإِنَّمَا يَثْبُتُ اللِّعَانُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بِاتِّفَاقِ أَصْحَابِنَا لِأَنَّهُ قَذَفَهَا بِصَرِيحِ الزِّنَا ، وَهُمَا مِنْ أَهْلِ اللِّعَانِ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ ، وَلَمْ يَنْفِ الْحَمْلَ) ، وَإِنَّمَا يَنْفِي الْقَاضِي نَسَبَ الْحَمْلِ عَنْ أَبِيهِ لِأَنَّ قَطْعَ النَّسَبِ حُكْمٌ عَلَيْهِ ، وَلَا تَتَرَتَّبُ الْأَحْكَامُ عَلَى الْحَمْلِ ، وَلَا لَهُ قَبْلَ الِانْفِصَالِ ، وَلِهَذَا لَا يُحْكَمُ لَهُ بِاسْتِحْقَاقِ الْوَصِيَّةِ وَالْمِيرَاثِ قَبْلَ الْوِلَادَةِ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ

(قَوْلُهُ وَبَعْدَهُ لَا) أَيْ بَعْدَ وُجُودِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ . ا هـ . عَيْنِيٌّ (قَوْلُهُ وَدَلَالَتُهُ تَمْنَعُ) أَيْ سُكُوتَهُ عَنْ نَفْيِهِ ا هـ

(3/20)


فَجَعَلْنَا الْفَاصِلَ بَيْنَ الطَّوِيلَةِ وَالْقَصِيرَةِ مُدَّةَ النِّفَاسِ لِأَنَّهَا كَحَالِ الْوِلَادَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا لَا تَصُومُ فِيهَا ، وَلَا تُصَلِّي ، وَلَهُ أَنَّ قَبُولَهُ التَّهْنِئَةَ أَوْ سُكُوتَهُ عَنْ النَّفْيِ إلَى أَنْ تَمْضِيَ مُدَّتُهَا إقْرَارٌ مِنْهُ بِأَنَّ الْوَلَدَ مِنْهُ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْهُ لَا يَحِلُّ لَهُ السُّكُوتُ عَنْ نَفْيِهِ بَعْدَ الْوِلَادَةِ ، وَلَا مَعْنَى لِتَقْدِيرِ تِلْكَ الْمُدَّةِ لِأَنَّ الدَّلَالَةَ قَدْ تُوجَدُ فِي زَمَانٍ قَصِيرٍ ، وَقَدْ لَا تُوجَدُ فِيهِ ، وَقَدْ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الزَّمَانِ ، وَالْبُلْدَانِ فَفَوَّضْنَاهُ إلَى رَأْيِ مَنْ لَاحَ لَهُ ذَلِكَ ، وَذَكَرَ أَبُو اللَّيْثِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ، وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْهُ إلَى سَبْعَةِ أَيَّامٍ لِأَنَّ هَذِهِ الْمُدَّةَ مُدَّةُ الْعَقِيقَةِ ، وَضَعَّفَهُ السَّرَخْسِيُّ ، وَقَالَ نَصْبُ الْمُقَدَّرِ بِالرَّأْيِ لَا يَكُونُ ، وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ نَفْيُهُ إلَّا عَلَى فَوْرِ الْوِلَادَةِ ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ، وَلَكِنْ اسْتَحْسَنَهُ أَصْحَابُنَا لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مُدَّةِ التَّأَمُّلِ ، وَالنَّظَرِ كَيْ لَا يَكُونَ نَفْيُهُ بِغَيْرِ حَقٍّ ، وَهُوَ حَرَامٌ وَلَوْ كَانَ غَائِبًا ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِالْوِلَادَةِ حَتَّى قَدِمَ تُعْتَبَرُ الْمُدَّةُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا عَلَى الْأَصْلَيْنِ ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إنْ قَدِمَ قَبْلَ أَنْ تَمْضِيَ مُدَّةُ الْفِصَالِ فَلَهُ أَنْ يَنْفِيَهُ إلَى أَرْبَعِينَ يَوْمًا ، وَإِنْ قَدِمَ بَعْدَ الْفِصَالِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْفِيَهُ لِأَنَّهُ لَوْ جَازَ ذَلِكَ لَجَازَ بَعْدَمَا شَاخَ ، وَهُوَ قَبِيحٌ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ نَفَى أَوَّلَ التَّوْأَمَيْنِ ، وَأَقَرَّ بِالثَّانِي حُدَّ) لِأَنَّهُ أَكْذَبَ نَفْسَهُ بِدَعْوَى الثَّانِي قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ عَكَسَ لَاعَنَ) أَيْ أَتَى بِعَكْسِ الْأَوَّلِ بِأَنْ أَقَرَّ بِالْوَلَدِ الْأَوَّلِ ، وَنَفَى الثَّانِي فَإِنَّهُ يُلَاعَنُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ قَاذِفٌ بِنَفْيِ الثَّانِي ، وَلَمْ يَرْجِعْ عَنْهُ ، وَالْإِقْرَارُ بِالْعِفَّةِ سَابِقٌ عَلَى الْقَذْفِ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِعِفَّتِهَا ثُمَّ قَذَفَهَا بِالزِّنَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَثْبُتُ نَسَبُهُمَا فِيهِمَا) أَيْ يَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدَيْنِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ لِأَنَّهُمَا خُلِقَا مِنْ مَاءٍ وَاحِدٍ فَبِثُبُوتِ نَسَبِ أَحَدِهِمَا يَلْزَمُ ثُبُوتُ نَسَبِ الْآخَرِ فَلَا يَنْفَصِلَانِ فِيهِ لِأَنَّهُمَا تَوْأَمَانِ ، وَهُمَا اللَّذَانِ بَيْنَ وِلَادَتِهِمَا أَقَلُّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَلَوْ نَفَاهُمَا ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ اللِّعَانِ لَزِمَاهُ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَا يُمْكِنُ نَفْيُهُ لِانْتِهَائِهِ بِالْمَوْتِ ، وَالْحَيِّ لَا يَنْفَصِلُ عَنْهُ ، وَيُلَاعِنُ بَيْنَهُمَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِوُجُودِ الْقَذْفِ وَاللِّعَانُ يَقْبَلُ الْفَصْلَ عَنْ نَفْيِ الْوَلَدِ لِأَنَّهُ مَشْرُوعٌ لِقَطْعِ الْفِرَاشِ ، وَيَثْبُتُ النَّفْيُ تَبَعًا لَهُ إنْ أَمْكَنَ ، وَلَا يُلَاعِنُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ الْقَذْفَ أَوْجَبَ لِعَانًا يَقْطَعُ النَّسَبَ فَإِذَا فَاتَ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ اللِّعَانِ حَالَ انْعِقَادِ السَّبَبِ لَا يَثْبُتُ مِنْ بَعْدُ وَلَوْ وَلَدَتْ فَنَفَاهُ وَلَاعَنَ ثُمَّ وَلَدَتْ آخَرَ بِيَوْمٍ لَزِمَهُ الْوَلَدَانِ لِأَنَّ الْقَاطِعَ لَمْ يُوجَدْ فِي حَقِّ الثَّانِي فَثَبَتَ نَسَبُهُ ، وَمِنْ ضَرُورَتِهِ ثُبُوتُ نَسَبِ الْأَوَّلِ لِمَا ذَكَرْنَا ، وَاللِّعَانُ مَاضٍ لِأَنَّهُ يَقْبَلُ الْفَصْلَ عَنْ انْتِفَائِهِ وَلَوْ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ هُمَا ابْنَايَ لَا حَدَّ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ صَادِقٌ ، وَلَا يَكُونُ رُجُوعًا لِعَدَمِ إكْذَابِ نَفْسِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ كَذَبْت عَلَيْهَا لِأَنَّهُ وُجِدَ الرُّجُوعُ مِنْهُ صَرِيحًا وَلَوْ قَالَ لَيْسَا بِابْنَيَّ كَانَا ابْنَيْهِ ، وَلَا يُحَدُّ لِأَنَّ الْقَاضِي نَفَى أَحَدَهُمَا ، وَذَلِكَ نَفْيٌ لَهُمَا فَلَمْ يَكُونَا وَلَدَيْهِ مِنْ وَجْهٍ فَلَمْ يَكُنْ قَاذِفًا لَهَا مُطْلَقًا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

(بَابُ الْعِنِّينِ وَغَيْرِهِ) .
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (هُوَ مَنْ لَا يَصِلُ إلَى النِّسَاءِ أَوْ يَصِلُ إلَى الثَّيِّبِ دُونَ الْأَبْكَارِ) أَوْ لَا يَصِلُ إلَى امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ بِعَيْنِهَا فَحَسْبُ ، وَهُوَ مِنْ عَنَّ إذَا حُبِسَ فِي الْعُنَّةِ وَهِيَ حَظِيرَةُ الْإِبِلِ أَوْ مِنْ عَنَّ إذَا عَرَضَ لِأَنَّهُ يَعْرِضُ يَمِينًا وَشِمَالًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ وَلَهُ أَنَّ قَبُولَهُ التَّهْنِئَةَ) وَهُوَ ذِكْرُ مَا يَدُلُّ عَلَى الْقَبُولِ مِثْلُ أَحْسَنَ اللَّهُ بَارَكَ اللَّهُ جَزَاك رَزَقَك اللَّهُ مِثْلَهُ أَوْ عَلَى دُعَاءِ الْمُهَنِّي ا هـ فَتْحٌ (قَوْلُهُ تُعْتَبَرُ الْمُدَّةُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا عَلَى الْأَصْلَيْنِ) أَيْ بَعْدَ قُدُومِهِ عِنْدَهُمَا قَدْرَ مُدَّةِ النِّفَاسِ ، وَعِنْدَهُ قَدْرَ مُدَّةِ قَبُولِ التَّهْنِئَةِ ا هـ فَتْحٌ

(قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يُلَاعَنُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ قَاذِفٌ إلَخْ) وَلَا يُحَدُّ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ إكْذَابُ النَّفْسِ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَالْإِقْرَارُ بِالْعِفَّةِ سَابِقٌ عَلَى الْقَذْفِ) هَذَا جَوَابُ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ صَرَّحَ بِهِمَا فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ فَقَالَ فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ بِالِاعْتِرَافِ الْأَوَّلِ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ بِالِاعْتِرَافِ الثَّانِي قِيلَ لَهُ التَّكْذِيبُ قَبْلَ الْقَذْفِ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْحَدُّ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ مَتَى قَذَفْت هَذِهِ الْمَرْأَةَ فَأَنَا كَاذِبٌ فِي قَذْفِهَا ثُمَّ قَذَفَهَا أَنَّهُ يُلَاعَنُ وَلَا يُحَدُّ ، كَذَلِكَ هَذَا أَوْ نَقُولُ كَأَنَّهُ أَقَرَّ بِعِفَّتِهَا ، وَقَالَ هِيَ عَفِيفَةٌ عَنْ الزِّنَا ثُمَّ قَذَفَهَا بِالزِّنَا فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إكْذَابَ النَّفْسِ ، فَكَذَا هَذَا . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ وَلَوْ نَفَاهُمَا ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا) أَيْ أَوْ قُتِلَ . ا هـ . فَتْحٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْقَاطِعَ لَمْ يُوجَدْ فِي حَقِّ الثَّانِي إلَخْ) وَلَا يَجُوزُ نَفْيُهُ الْآنَ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَنْكُوحَةٍ . ا هـ . فَتْحٌ

(بَابُ الْعِنِّينِ وَغَيْرِهِ) .
وَهُوَ الْخَصِيُّ وَالْمَجْبُوبُ ا هـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ لَمَّا كَانَ لِلْعِنِّينِ نِسْبَةٌ بِالنِّكَاحِ وَالْفُرْقَةِ جَمِيعًا ذَكَرَ أَحْكَامَ الْعِنِّينِ وَمَا شَابَهَهُ مِنْ الْمَجْبُوبِ وَنَحْوِهِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ أَحْكَامِ النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ جَمِيعًا لَكِنْ أَخَّرَهُ عَنْ أَبْوَابِ الطَّلَاقِ لِكَوْنِ الْعُنَّةِ وَنَحْوِهَا مِنْ الْعَوَارِضِ ا هـ . وَقَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمَّا ذَكَرَ أَحْكَامَ الْأَصِحَّاءِ الْمُتَعَلِّقَةَ بِالنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ أَعْقَبَهَا بِذِكْرِ أَحْكَامٍ تَتَعَلَّقُ بِهِمَا مِمَّنْ بِهِ مَرَضٌ لَهُ نِسْبَةٌ إلَى النِّكَاحِ ، وَالْعِنِّينُ مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى إتْيَانِ النِّسَاءِ مَعَ قِيَامِ الْآلَةِ مِنْ عُنَّ إذَا حُبِسَ فِي الْعُنَّةِ ، وَهِيَ حَظِيرَةُ الْإِبِلِ أَوْ مِنْ عُنَّ إذَا مَرِضَ لِأَنَّ ذَكَرَهُ يَعِنُّ يَمِينًا وَشِمَالًا ، وَلَا يَقْصِدُ لِاسْتِرْخَائِهِ ، وَجَمْعُ الْعِنِّينِ عُنُنٌ ، وَيُقَالُ عِنِّينٌ بَيِّنُ التَّعَنُّنِ ، وَلَا يُقَالُ بَيِّنُ الْعُنَّةِ ، وَلَوْ كَانَ يَصِلُ إلَى الثَّيِّبِ دُونَ الْبِكْرِ لِضَعْفِ الْآلَةِ أَوْ إلَى بَعْضِ النِّسَاءِ دُونَ بَعْضٍ أَوْ لِسِحْرٍ أَوْ كِبَرٍ فَهُوَ عِنِّينٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْ لَا يَصِلُ إلَيْهَا لِفَوَاتِ الْمَقْصُودِ فِي حَقِّهَا ، وَمَا عَنْ الْهِنْدُوَانِيُّ يُؤْتَى بِطَسْتٍ فِيهِ مَاءٌ بَارِدٌ فَيَجْلِسُ فِيهِ الْعِنِّينُ فَإِنْ نَقَصَ ذَكَرُهُ ، وَانْزَوَى عُلِمَ أَنَّهُ لَا عُنَّةَ بِهِ ، وَإِلَّا عُلِمَ أَنَّهُ عِنِّينٌ لَوْ اُعْتُبِرَ عِلْمُهُ فَلَا يُؤَجَّلُ سَنَةً لِأَنَّ التَّأْخِيرَ لَيْسَ إلَّا لِيُعْرَفَ أَنَّهُ عِنِّينٌ عَلَى مَا قَالُوا إذْ لَا فَائِدَةَ فِيهِ إنْ أُجِّلَ مَعَ ذَلِكَ لَكِنَّ التَّأْجِيلَ لَا بُدَّ مِنْهُ لِأَنَّهُ حُكْمُهُ
وَفِي الْمُحِيطِ آلَتُهُ قَصِيرَةٌ لَا يُمْكِنُ إدْخَالُهَا دَاخِلَ الْفَرْجِ لَا حَقَّ لَهَا فِي الْمُطَالَبَةِ بِالتَّفْرِيقِ ، وَلَوْ كَانَ صَغِيرًا جِدًّا كَالزِّرِّ فَحُكْمُهُ كَالْمَجْبُوبِ ا هـ (قَوْلُهُ وَالْعِنِّينُ مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْجِمَاعِ) بِكْرًا كَانَتْ الْمَرْأَةُ أَوْ ثَيِّبًا ا هـ

(3/21)


وَلَا يَقْصِدُ ، وَعُنِّنَ الرَّجُلُ عَنْ امْرَأَتِهِ إذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ أَوْ مُنِعَ مِنْ النِّسَاءِ بِسِحْرٍ ، وَامْرَأَةٌ عِنِّينَةٌ لَا تَشْتَهِي الرِّجَالَ ، وَهُوَ فِعِّيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَجَدَتْ زَوْجَهَا مَجْبُوبًا فُرِّقَ فِي الْحَالِ) يَعْنِي إذَا طَلَبَتْ الْمَرْأَةُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ حَقُّهَا فَلَا بُدَّ مِنْ طَلَبِهَا ، وَلَا فَائِدَةَ فِي التَّأْجِيلِ بِخِلَافِ الْعِنِّينِ عَلَى مَا يَجِيءُ مِنْ قَرِيبٍ
وَقَوْلُهُ وَجَدَتْ زَوْجَهَا مَجْبُوبًا إشْعَارٌ بِأَنَّهُ لَوْ جُبَّ بَعْدَمَا وَصَلَ إلَيْهَا لَا خِيَارَ لَهَا كَمَا إذَا صَارَ عِنِّينًا بَعْدَهُ لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ ، وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ مَرِيضًا أَوْ صَغِيرًا لِمَا ذَكَرْنَا بِخِلَافِ الْعِنِّينِ حَيْثُ يُنْتَظَرُ بُلُوغُهُ أَوْ بُرْؤُهُ لِاحْتِمَالِ الزَّوَالِ كَمَا إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ صَغِيرَةً ، وَهُوَ مَجْبُوبٌ أَوْ عِنِّينٌ حَيْثُ يَنْتَظِرُ بُلُوغَهَا لِاحْتِمَالِ أَنْ تَرْضَى بِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا ثَبَتَ لَهُ حَقُّ الشُّفْعَةِ أَوْ الْقِصَاصِ أَوْ وَرِثَ مَالًا ، وَاطَّلَعَ الْوَلِيُّ عَلَى عَيْبٍ فِيهِ حَيْثُ يَثْبُتُ لَهُ فِي الصِّغَرِ هَذِهِ الْحُقُوقُ ، وَالْفَرْقُ أَنَّ التَّفْرِيقَ هُنَا لِفَوَاتِ حَقِّهَا فِي قَضَاءِ الشَّهْوَةِ ، وَذَلِكَ بِمَعْزِلٍ مِنْهُ فِي الصِّغَرِ بِخِلَافِ الْفُصُولِ الْأُخَرِ فَإِنَّ الْحَقَّ فِيهَا ثَابِتٌ فِي الْحَالِ ، وَيَتَضَرَّرُ الصَّغِيرُ بِتَأْخِيرِ حَقِّهِ وَلَوْ كَانَ هُوَ أَوْ هِيَ مَجْنُونًا لَا يُؤَخَّرُ فِي الْجَبِّ وَالْعُنَّةِ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِخُصُومَةِ الْوَلِيِّ إنْ كَانَ لَهُ وَلِيٌّ ، وَإِلَّا نَصَّبَ الْقَاضِي مَنْ يُخَاصِمُ عَنْهُ
وَيُؤَهَّلُ لِلطَّلَاقِ هُنَا كَمَا يُؤَهَّلُ لَهُ فِي الْإِبَاءِ بَعْدَ الْعَرْضِ عَلَى أَبَوَيْهِ ، وَكَمَا فِي اللِّعَانِ إنْ جُنَّ قَبْلَ التَّفْرِيقِ وَلَوْ جَاءَتْ امْرَأَةُ الْمَجْبُوبِ بِوَلَدٍ بَعْدَ التَّفْرِيقِ إلَى سَنَتَيْنِ يَثْبُتُ نَسَبُهُ ، وَلَا يَبْطُلُ تَفْرِيقُ الْقَاضِي بِخِلَافِ الْعِنِّينِ حَيْثُ يَبْطُلُ تَفْرِيقُهُ لِأَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ نَسَبُهُ لَمْ يَبْقَ عِنِّينًا ذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ وَقَعَ الطَّلَاقُ بِتَفْرِيقِهِ ، وَهُوَ بَائِنٌ فَكَيْفَ يَبْطُلُ أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ أَقَرَّتْ بَعْدَ التَّفْرِيقِ أَنَّهُ كَانَ قَدْ وَصَلَ إلَيْهَا لَا يَبْطُلُ التَّفْرِيقُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأُجِّلَ سَنَةً لَوْ عِنِّينًا أَوْ خَصِيًّا فَإِنْ وَطِئَ ، وَإِلَّا بَانَتْ بِالتَّفْرِيقِ إنْ طَلَبَتْ) وَقَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ لَا يُؤَجَّلُ ، وَلَا يُفَرَّقُ لِحَدِيثِ امْرَأَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يُؤَجِّلْهُ حِينَ شَكَتْ إلَيْهِ عَدَمَ تَحَرُّكِ آلَتِهِ
وَلَنَا إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ عَلَى تَأْجِيلِهِ ، وَلِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ الْإِمْسَاكُ بِالْمَعْرُوفِ ، وَذَلِكَ بِحُسْنِ الْمُوَافَقَةِ وَالْمُعَاشَرَةِ ، وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ بِغَيْرِ قَضَاءِ الشَّهْوَةِ فَيَكُونُ إمْسَاكُهَا بَعْدَ ذَلِكَ ظُلْمًا فَيَجِبُ التَّسْرِيحُ بِالْإِحْسَانِ دَفْعًا لِلظُّلْمِ عَنْهَا لَكِنَّ ظُلْمَهَا لَا يَتَحَقَّقُ فِي الْحَالِ لِأَنَّ حَقَّهَا فِي الْوَطْءِ مَرَّةً فِي الْجُمْلَةِ لَا فِي كُلِّ زَمَانٍ ، وَعَجْزَهُ فِي الْحَالِ لَا يَدُلُّ عَلَى عَجْزِهِ فِي الْمَآلِ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لِمَرَضٍ بِهِ ، وَهُوَ لَا يُوجِبُ الْخِيَارَ ، وَقَدْ يَكُونُ خِلْقَةً ، وَهُوَ يُوجِبُ الْخِيَارَ ، وَإِنَّمَا يَتَبَيَّنُ ذَلِكَ بِالتَّأْجِيلِ سَنَةً لِأَنَّ الْمَرَضَ غَالِبًا يَزُولُ فِيهَا لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لِغَلَبَةِ الْبُرُودَةِ أَوْ الْحَرَارَةِ أَوْ الْيُبُوسَةِ أَوْ الرُّطُوبَةِ ، وَفُصُولُ السَّنَةِ مُشْتَمِلَةٌ عَلَيْهَا فَالرَّبِيعُ حَارٌّ رَطْبٌ ، وَالصَّيْفُ حَارٌّ يَابِسٌ ، وَالْخَرِيفُ بَارِدٌ يَابِسٌ طَبْعَ الْمَوْتِ ، وَهُوَ أَرْدَأُ الْفُصُولِ ، وَالشِّتَاءُ بَارِدٌ رَطْبٌ فَإِنْ كَانَ مَرَضُهُ مِنْ بَرْدٍ فَفَصْلُ الْحُرِّ يُقَابِلُهُ ، وَإِنْ كَانَ مِنْ حَرٍّ فَفَصْلُ الْبَرْدِ يُقَابِلُهُ ، وَإِنْ كَانَ مِنْ يُبُوسَةٍ فَالرُّطُوبَةُ تُقَابِلُهُ ، وَإِنْ كَانَ مِنْ رُطُوبَةٍ فَالْيُبُوسَةُ تُقَابِلُهُ
وَإِنْ كَانَ مِنْ كُلِّ نَوْعَيْنِ فَيُقَابِلُهُ مَا يُخَالِفُهُ مِنْ النَّوْعَيْنِ الْآخَرَيْنِ فَهُوَ كَالْمُدَاوَاةِ لَهُ وَالْعِلَاجِ لَهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَجَدَتْ زَوْجَهَا مَجْبُوبًا) ، وَهُوَ مَقْطُوعُ الذَّكَرِ وَالْخُصْيَتَيْنِ ا هـ ع (قَوْلُهُ إذَا طَلَبَتْ الْمَرْأَةُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ حَقُّهَا) أَيْ لِفَوَاتِ مَنْفَعَةِ الْوَطْءِ . ا هـ . كَافِي (قَوْلُهُ فَلَا بُدَّ مِنْ طَلَبِهَا) كَسَائِرِ حُقُوقِ الْعِبَادِ . ا هـ . كَافِي (قَوْلُهُ وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا) أَيْ فِي التَّفْرِيقِ فِي الْحَالِ بِسَبَبِ الْجَبِّ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِخُصُومَةِ الْوَلِيِّ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَوْ وَجَدَتْ زَوْجَهَا الْمَجْنُونَ عِنِّينًا يُخَاصِمُ عَنْهُ وَلِيُّهُ ، وَيُؤَجَّلُ سَنَةً لِأَنَّ الْمَجْنُونَ لَا يَعْدَمُ الشَّهْوَةَ بِخِلَافِ مَا لَوْ وَجَدَتْهُ مَجْبُوبًا ، وَطَلَبَتْ الْفُرْقَةَ فَإِنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي انْتِظَارِ بُلُوغِهِ فَيُجْعَلُ وَلِيُّهُ خَصْمًا ، وَإِلَّا نُصِّبَ الْقَاضِي عَنْهُ ، وَفَرَّقَ لِلْحَالِ
وَلَوْ جَاءَ الْوَلِيُّ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ بِبَيِّنَةٍ عَلَى رِضَاهَا بِعُنَّتِهِ وَجَبِّهِ أَوْ عَلَى عِلْمِهَا بِحَالِهِ عِنْدَ الْعَقْدِ لَزِمَ النِّكَاحُ ، وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا ، وَلَوْ طَلَبَ يَمِينَهَا عَلَى ذَلِكَ تَحْلِفْ فَإِنْ نَكَلَتْ لَمْ يُفَرَّقْ وَإِلَّا فَرَّقَ . ا هـ . (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْعِنِّينِ حَيْثُ يَبْطُلُ تَفْرِيقُهُ لِأَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ إلَخْ) قَالَ الْعَلَّامَةُ الْمُحَقِّقُ كَمَالُ الدِّينِ فِي شَرْحِهِ لِلْهِدَايَةِ لَكِنَّ وَجْهَ التَّفْرِقَةِ يُبْعِدُ هَذَا الْبَحْثَ ، وَهُوَ أَنَّ التَّفْرِيقَ بِنَاءٌ عَلَى ثُبُوتِ الْعُنَّةِ وَالْجَبِّ ، وَثُبُوتَ النَّسَبِ مِنْ الْمَجْبُوبِ ، وَهُوَ مَجْبُوبٌ بِخِلَافِ ثُبُوتِهِ مِنْ الْعِنِّينِ فَإِنَّ بِثُبُوتِ النَّسَبِ مِنْهُ يَثْبُتُ أَنَّهُ لَيْسَ بِعِنِّينٍ فَيَظْهَرُ بُطْلَانُ مَعْنَى الْفُرْقَةِ بِخِلَافِ إقْرَارِهَا بَعْدَ الْمُدَّةِ بِالْوَطْءِ لِاحْتِمَالِ الْكَذِبِ بَلْ هِيَ بِهِ مُتَنَاقِضَةٌ فَلَا يَبْطُلُ الْقَضَاءُ بِالْفُرْقَةِ ا هـ قَالَ الشَّيْخُ قَاسِمٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَا ذُكِرَ عَنْ الْغَايَةِ نَظَرٌ لِأَنَّ التَّفْرِيقَ لَا يَبْطُلُ بِمُجَرَّدِ ثُبُوتِ النَّسَبِ ، وَإِنَّمَا يَبْطُلُ بِإِبْطَالِ الْقَاضِي إذَا قَالَ الزَّوْجُ كُنْت ، وَصَلْت إلَيْهَا ، وَمَا اسْتَظْهَرَ بِهِ شَارِحُ الْكَنْزِ فِيهِ نَظَرٌ أَيْضًا لِأَنَّهُ لَا يُوَازِنُ شَهَادَةَ ثُبُوتِ النَّسَبِ عَلَى الدُّخُولِ كَمَا لَا يَخْفَى ، وَإِنَّمَا يُوَازِنُهُ مَا قَالَ فِي الْبَدَائِعِ
فَإِنْ فُرِّقَ بِالْعُنَّةِ فَأَقَامَ الزَّوْجُ الْبَيِّنَةَ عَلَى إقْرَارِهَا قَبْلَ الْفُرْقَةِ أَنَّهُ قَدْ وَصَلَ إلَيْهَا بَطَلَتْ الْفُرْقَةُ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى إقْرَارِهَا بِمَنْزِلَةِ إقْرَارِهَا عِنْدَ الْقَاضِي ، وَلَوْ كَانَتْ أَقَرَّتْ قَبْلَ التَّفْرِيقِ لَمْ يَثْبُتْ حُكْمُ الْفُرْقَةِ فَكَذَا إذَا شَهِدَ عَلَى إقْرَارِهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ شَهِدَ عَلَى إقْرَارِهَا بِأَنَّهَا أَقَرَّتْ بَعْدَ الْفُرْقَةِ أَنَّهُ كَانَ وَصَلَ إلَيْهَا قَبْلَ الْفُرْقَةِ لَمْ تَبْطُلْ الْفُرْقَةُ لِأَنَّ إقْرَارَهَا يَتَضَمَّنُ إبْطَالَ قَضَاءِ الْقَاضِي فَلَا يُصَدَّقُ عَلَى الْقَاضِي فِي إبْطَالِ قَضَائِهِ فَلَا يُقْبَلُ ا هـ كَلَامُ الشَّيْخِ قَاسِمٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَأُجِّلَ سَنَةً) أَيْ مِنْ وَقْتِ الْخُصُومَةِ ، وَلَا يُعْتَبَرُ تَأْجِيلُ غَيْرِ الْحَاكِمِ كَائِنًا مَنْ كَانَ ، وَلَوْ عُزِلَ بَعْدَمَا أَجَّلَهُ بَنَى الْمُتَوَلِّي عَلَى التَّأْجِيلِ الْأَوَّلِ . ا هـ . فَتْحٌ
(قَوْلُهُ وَإِلَّا بَانَتْ بِالتَّفْرِيقِ إنْ طَلَبَتْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَا بُدَّ مِنْ طَلَبِهَا قَالَ الْكَمَالُ هَذَا إذَا كَانَتْ حُرَّةً غَيْرَ رَتْقَاءَ فَلَا حَقَّ لَهَا فِي الْفُرْقَةِ ، وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً فَالطَّلَبُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَهَا ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِسَيِّدِهَا ، وَهُوَ فَرْعُ مَسْأَلَةِ الْإِذْنِ فِي الْعَزْلِ ، وَقِيلَ مُحَمَّدٌ مَعَ أَبِي يُوسُفَ ا هـ

(3/22)


فَيُوَافِقُ طَبْعَهُ فَيَزُولُ مَا بِهِ مِنْ الْمَرَضِ بِاعْتِدَالِ الطَّبْعِ فَإِذَا مَضَتْ السَّنَةُ ، وَلَمْ يَزُلْ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ خِلْقَةٌ ، وَأَنَّ حَقَّهَا قَدْ فَاتَ بِهِ فَيُفَرَّقُ بِطَلَبِهَا ، وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي حَدِيثِ امْرَأَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الزُّبَيْرِ لِأَنَّ الْأَجَلَ إنَّمَا يُضْرَبُ إذَا اعْتَرَفَ الزَّوْجُ بِأَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَيْهَا ، وَقَدْ أَخْبَرَ هُوَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ يَنْفُضُهَا نَفْضَ الْأَدِيمِ أَوْ يَعْرُكُهَا عَرْكَ الْأَدِيمِ ، وَلِأَنَّهُ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ قَدْ صَحَّ أَنَّهُ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ طَلَاقِهَا فَلَا يَكُونُ حُجَّةً لِأَنَّ كَلَامَنَا فِي الزَّوْجَةِ وَلَوْ كَانَتْ أَمَةً فَالْخِيَارُ إلَى الْمَوْلَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ
وَقَالَ زُفَرُ لَهَا الْخِيَارُ لِأَنَّ الْخِيَارَ إنَّمَا يَثْبُتُ لِفَوَاتِ حَقِّهَا فِي اقْتِضَاءِ الشَّهْوَةِ ، وَذَلِكَ حَقُّهَا عَلَى الْخُلُوصِ ، وَلَهُمَا أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْوَطْءِ فِي الْأَصْلِ حُصُولُ الْوَلَدِ لَا اقْتِضَاءُ الشَّهْوَةِ ، وَمَا رُكِّبَ فِيهَا مِنْ الشَّهْوَةِ حَامِلٌ لَهَا عَلَى تَحْصِيلِ الْوَلَدِ ، وَالْوَلَدُ حَقُّ الْمَوْلَى ، وَلِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْإِذْنُ فِي الْعَزْلِ إلَى الْمَوْلَى ثُمَّ إنَّ هَذَا الْخِيَارَ لَا يَجِبُ عَلَى الْفَوْرِ حَتَّى لَوْ وَجَدَتْهُ عِنِّينًا ، وَلَمْ تُخَاصِمْ زَمَانًا لَمْ يَبْطُلْ حَقُّهَا ، وَكَذَلِكَ لَوْ رَفَعَتْ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي ، وَأَجَّلَهُ سَنَةً ، وَمَضَتْ السَّنَةُ ، وَلَمْ تُخَاصِمْ زَمَانًا لِأَنَّهَا لَا تَقْدِرُ عَلَى الْمُخَاصَمَةِ فِي كُلِّ وَقْتٍ ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ يَكُونُ لِلتَّجْرِبَةِ وَالِامْتِحَانِ لَا لِلرِّضَا بِهِ وَلَوْ وَصَلَ إلَيْهَا مَرَّةً ثُمَّ عَجِزَ لَا خِيَارَ لَهَا لِأَنَّ حَقَّهَا فِي وَطْأَةٍ وَاحِدَةٍ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهَا مِنْ تَأَكُّدِ الْمَهْرِ وَالْإِحْصَانِ ، وَمَا زَادَ عَلَيْهَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ حُكْمًا ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ دِيَانَةً ، وَالْفُرْقَةُ بِهِ تَطْلِيقَةٌ بَائِنَةٌ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ هُوَ فَسْخٌ لِأَنَّهُ فُرْقَةٌ مِنْ جِهَتِهَا ، وَلَنَا أَنَّ هَذِهِ الْفُرْقَةَ مِنْ جِهَتِهِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ الْإِمْسَاكُ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا فَاتَ وَجَبَ التَّسْرِيحُ بِالْإِحْسَانِ فَإِنْ فَعَلَ ، وَإِلَّا نَابَ الْقَاضِي مَنَابَهُ فَكَانَ الْفِعْلُ مَنْسُوبًا إلَيْهِ فَكَانَ طَلَاقًا بَائِنًا لِيَتَحَقَّقَ دَفْعُ الظُّلْمِ عَنْهَا ، وَالنِّكَاحُ الصَّحِيحُ النَّافِذُ اللَّازِمُ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ ، وَلِهَذَا لَا يَنْفَسِخُ بِالْهَلَاكِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ لِأَنَّ الْمِلْكَ الثَّابِتَ بِهِ ضَرُورِيٌّ فَلَا يَظْهَرُ فِي غَيْرِ الِاسْتِيفَاءِ ، وَالْفَسْخُ يُغَايِرُهُ فَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّهِ ، وَالْفَسْخُ بِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ ، وَخِيَارُ الْعِتْقِ وَالْبُلُوغُ فَسْخٌ قَبْلَ التَّمَامِ فَكَانَ فِي مَعْنَى الِامْتِنَاعِ عَنْ الْإِتْمَامِ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ لِأَنَّهُ فُرْقَةٌ بَعْدَ التَّمَامِ فَكَانَ رَفْعًا ، وَلَهَا كَمَالُ الْمَهْرِ ، وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ لِوُجُودِ الْخَلْوَةِ الصَّحِيحَةِ ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلِ هَذَا إذَا أَقَرَّ الزَّوْجُ أَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَيْهَا
وَأَمَّا إذَا أَنْكَرَ فَنَذْكُرُهُ مِنْ قَرِيبٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَلَوْ قَالَ وَطِئْت ، وَأَنْكَرَتْ ، وَقُلْنَ بِكْرٌ خُيِّرَتْ ، وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا صَدَقَ بِحَلِفِهِ) يَعْنِي إذَا تَمَّتْ الْمُدَّةُ ، وَقَالَ وَطِئْتهَا ، وَأَنْكَرَتْ هِيَ نَظَرَ إلَيْهَا النِّسَاءُ فَإِنْ قُلْنَ إنَّهَا بِكْرٌ خُيِّرَتْ ، وَإِنْ قُلْنَ هِيَ ثَيِّبٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ سَوَاءٌ كَانَتْ الثِّيَابَةُ أَصْلِيَّةً أَوْ طَارِئَةً فِي الْمُدَّةِ ثُمَّ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمْ يَذْكُرْ كَيْفِيَّةَ ثُبُوتِ الْعُنَّةِ فِي الِابْتِدَاءِ لِيُؤَجَّلَ ، وَذَكَرَهُ فِي الِانْتِهَاءِ لِيُفَرَّقَ ، وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهِ فِيهِمَا ، وَتَمَامِ تَفْرِيعَاتِهِ فَنَقُولُ إذَا ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ أَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَيْهَا فَإِنْ صَدَّقَهَا يُؤَجَّلُ سَنَةً مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَتْ بِكْرًا أَوْ ثَيِّبًا ، وَإِنْ أَنْكَرَ فَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا نَظَرَ إلَيْهَا النِّسَاءُ فَإِنْ قُلْنَ إنَّهَا بِكْرٌ يُؤَجَّلُ سَنَةً ثُمَّ إنْ تَمَّتْ السَّنَةُ فَإِنْ ادَّعَتْ عَدَمَ الْوُصُولِ فَإِنْ صَدَّقَهَا خُيِّرَتْ لِثُبُوتِ حَقِّهَا لِلتَّصَادُقِ ، وَإِنْ أَنْكَرَ نَظَرَ إلَيْهَا النِّسَاءُ فَإِنْ قُلْنَ إنَّهَا بِكْرٌ خُيِّرَتْ ، وَإِنْ قُلْنَ إنَّهَا ثَيِّبٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّ الثِّيَابَةَ تَثْبُتُ بِقَوْلِهِنَّ ، وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ ثُبُوتِ الثِّيَابَةَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ فَإِذَا مَضَتْ السَّنَةُ ، وَلَمْ يَزُلْ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ فَإِذَا مَضَتْ السَّنَةُ ، وَلَمْ يَصِلْ إلَيْهَا عُرِفَ أَنَّ ذَلِكَ آفَةٌ أَصْلِيَّةٌ قَالَ الْكَمَالُ ، وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ مُوجَبَ التَّفْرِيقِ كَوْنُهُ مِنْ عِلَّةٍ أَصْلِيَّةٍ ، وَالسَّنَةُ ضُرِبَتْ لِتَعْرِيفِهِ ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الْوُصُولِ إلَيْهَا سَنَةً كَوْنُ ذَلِكَ آفَةً أَصْلِيَّةً فِي الْخِلْقَةِ إذْ الْمَرَضُ يَمْتَدُّ السَّنَةَ ، وَأَيْضًا مِمَّا لَهُ حُكْمُ الْعِنِّينِ الْمَسْحُورِ ، وَمُقْتَضَى السِّحْرِ مِمَّا قَدْ يَمْتَدُّ السَّنَتَيْنِ ، وَبِمُضِيِّ السَّنَةِ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا إذَا طَلَبَتْ مَعَ الْعِلْمِ بِعَدَمِ الْآفَةِ الْأَصْلِيَّةِ بِفَرْضِ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ يَصِلُ إلَى غَيْرِهَا مِنْ النِّسَاءِ فَالْحَقُّ أَنَّ التَّفْرِيقَ مَنُوطٌ إمَّا بِغَلَبَةِ ظَنِّ عَدَمِ زَوَالِهِ لِزَمَانَتِهِ أَوْ الْأَصْلِيَّةِ ، وَمُضِيُّ السَّنَةِ مَعَ عَدَمِ الْوُصُولِ مُوجِبٌ لِذَلِكَ ، وَهُوَ عَدَمُ إيفَاءِ حَقِّهَا فَقَطْ بِأَيِّ طَرِيقٍ كَانَ ، وَالسَّنَةُ جُعِلَتْ غَايَةً فِي الصَّبْرِ ، وَإِبْلَاءُ الْعُذْرِ شَرْعًا حَتَّى لَوْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ بَعْدَ انْقِضَائِهَا قُرْبُ زَوَالِهِ ، وَقَالَ بَعْدَ السَّنَةِ أَجِّلْنِي يَوْمًا لَا يُجِيبُهُ إلَى ذَلِكَ إلَّا بِرِضَاهَا فَلَوْ رَضِيَتْ ثُمَّ رَجَعَتْ كَانَ لَهَا ذَلِكَ ، وَيَبْطُلُ الْأَجَلُ لِأَنَّ السَّنَةَ عِنْدَ النَّاسِ غَايَةٌ فِي إبْلَاءِ الْعُذْرِ ا هـ
(فَرْعٌ) قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي وَالْخُنْثَى إذَا كَانَ يَبُولُ مِنْ مَبَالِ الرِّجَالِ فَهُوَ رَجُلٌ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً فَإِنْ لَمْ يَصِلْ إلَيْهَا أُجِّلَ كَمَا يُؤَجَّلُ الْعِنِّينُ لِأَنَّ رَجَاءَ الْوُصُولِ يَتَحَقَّقُ ، وَإِنْ كَانَ يَبُولُ مِنْ مَبَالِ النِّسَاءِ فَهِيَ امْرَأَةٌ فَإِذَا تَزَوَّجَتْ رَجُلًا لَمْ يُعْلَمْ بِحَالِهَا ثُمَّ عُلِمَ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا خِيَارَ لِلزَّوْجِ لِأَنَّ الطَّلَاقَ فِي يَدِهِ ، وَهُوَ نَظِيرُ الرَّتْقَاءِ ، وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْبَيْهَقِيُّ فِي الشَّامِلِ زُوِّجَ خُنْثَى مِنْ خُنْثَى ، وَهُمَا مُشْكِلَانِ عَلَى أَنَّ أَحَدَهُمَا رَجُلٌ ، وَالْآخَرَ امْرَأَةٌ وَجَبَ الْوَقْفُ فِي النِّكَاحِ حَتَّى يُتَبَيَّنَ فَإِنْ مَاتَا قَبْلَ التَّبَيُّنِ لَمْ يَتَوَارَثَا ، وَفِيهِ أَيْضًا : مَاتَ وَأَقَامَ رَجُلٌ بَيِّنَةً أَنَّهُ كَانَتْ امْرَأَتَهُ وَكَانَتْ تَبُولُ مِنْ مَبَالِ النِّسَاءِ ، وَامْرَأَةٌ أَنَّهُ كَانَ زَوْجَهَا ، وَكَانَ يَبُولُ مِنْ مَبَالِ الرِّجَالِ لَمْ يُقْضَ لِأَحَدِهِمَا إلَّا إنْ ذُكِرَتْ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ وَقْتًا أَقْدَمَ فَيُقْضَى لَهُ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَالْفُرْقَةُ بِهِ تَطْلِيقَةٌ بَائِنَةٌ) وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ ، وَغَيْرِهِمَا . ا هـ . فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَالنِّكَاحُ الصَّحِيحُ النَّافِذُ اللَّازِمُ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ) لِأَنَّ النِّكَاحَ الْمُطْلَقَ يُخْرِجُ الْفَاسِدَ ، وَالْمَوْقُوفَ ، وَالْفَسْخَ بِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ ، وَخِيَارَ الْعِتْقِ ، وَالْبُلُوغِ فَسْخٌ قَبْلَ التَّمَامِ . ا هـ . (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْمِلْكَ الثَّابِتَ بِهِ ضَرُورِيٌّ فَلَا يَظْهَرُ) أَيْ فِي حَقِّ النَّقْلِ إلَى الْغَيْرِ ، وَلَا فِي حَقِّ الِانْتِقَالِ إلَى الْوَرَثَةِ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ لِوُجُودِ الْخَلْوَةِ الصَّحِيحَةِ) أَيْ لِأَنَّ خَلْوَةَ الْعِنِّينِ صَحِيحَةٌ إذْ لَا وُقُوفَ عَلَى حَقِيقَةِ الْعُنَّةِ لِجَوَازِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ الْوَطْءِ اخْتِيَارًا تَعَنُّتًا فَيَدُورُ الْحُكْمُ عَلَى سَلَامَةِ الْآلَةِ . ا هـ . فَتْحٌ (قَوْلُهُ هَذَا إذَا أَقَرَّ الزَّوْجُ أَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَيْهَا) أَيْ فِي هَذَا النِّكَاحِ ، وَإِنْ تَصَادَقَا أَنَّهُ وَصَلَ إلَيْهَا فِي نِكَاحٍ قَبْلَهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا لِأَنَّهُ إذَا وَطِئَهَا فِي نِكَاحٍ ثُمَّ أَبَانَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا ، وَلَمْ يَصِلْ إلَيْهَا لَهَا الْمُطَالَبَةُ بِالْفُرْقَةِ . ا هـ . كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

(قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا نَظَرَ إلَيْهَا النِّسَاءُ) وَتُجْزِئُ الْوَاحِدَةُ الْعَدْلَةُ وَالثِّنْتَانِ وَالثَّلَاثُ أَفْضَلُ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ

(3/23)


الْوُصُولُ إلَيْهَا لِاحْتِمَالِ ثُبُوتِهَا بِشَيْءٍ آخَرَ فَيَحْلِفُ بِخِلَافِ الْبَكَارَةِ لِأَنَّ ثُبُوتَهَا يَنْفِي الْوُصُولِ إلَيْهَا ضَرُورَةٌ فَتُخَيَّرُ بِقَوْلِهِنَّ ثُمَّ إنْ حَلَفَ فَهِيَ امْرَأَتُهُ
وَإِنْ نَكَلَ خُيِّرَتْ لِأَنَّ دَعْوَاهَا تَأَيَّدَتْ بِالنُّكُولِ ، وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا فِي الْأَصْلِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ اسْتِحْقَاقَ الْفُرْقَةَ عَلَيْهِ ، وَالْأَصْلُ هُوَ السَّلَامَةُ فِي الْجِبِلَّةِ ثُمَّ إنْ حَلَفَ فَلَا حَقَّ لَهَا ، وَإِنْ نَكَلَ يُؤَجَّلُ سَنَةً فَإِذَا تَمَّتْ السَّنَةُ فَإِنْ ادَّعَتْ عَدَمَ الْوُصُولِ إلَيْهَا فَإِنْ صَدَّقَهَا خُيِّرَتْ لِثُبُوتِ حَقِّهَا بِالتَّصَادُقِ ، وَإِنْ أَنْكَرَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ لِمَا ذَكَرْنَا ثُمَّ إنْ حَلَفَ فَهِيَ امْرَأَتُهُ ، وَإِنْ نَكَلَ خُيِّرَتْ لِمَا ذَكَرْنَا فَحَاصِلُهُ أَنَّهَا إنْ كَانَتْ ثَيِّبًا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً مَعَ يَمِينِهِ فَإِنْ نَكَلَ فِي الِابْتِدَاءِ يُؤَجَّلُ سَنَةً ، وَإِنْ نَكَلَ فِي الِانْتِهَاءِ تُخَيَّرُ ، وَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا ثَبَتَتْ الْعُنَّةُ فِيهِمَا بِقَوْلِهِنَّ فَيُؤَجَّلُ أَوْ يُفَرَّقُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ اخْتَارَتْهُ بَطَلَ حَقُّهَا) لِأَنَّ الْمُخَيَّرَ بَيْنَ شَيْئَيْنِ لَا يَكُونُ لَهُ إلَّا أَحَدُهُمَا ، وَكَذَا إذَا قَامَتْ مِنْ مَجْلِسِهَا أَوْ أَقَامَهَا أَعْوَانُ الْقَاضِي قَبْلَ أَنْ تَخْتَارَ شَيْئًا لِأَنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ تَخْيِيرِ الزَّوْجِ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مَا وَرَاءَ الْمَجْلِسِ بَلْ يَبْطُلُ بِالْقِيَامِ ثُمَّ إنْ اخْتَارَتْ الْفُرْقَةَ أَمَرَ الْقَاضِي الزَّوْجَ أَنْ يُطَلِّقَهَا طَلْقَةً بَائِنَةً فَإِنْ أَبَى فَرَّقَ بَيْنَهُمَا هَكَذَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ ، وَقِيلَ تَقَعُ الْفُرْقَةُ بِاخْتِيَارِهَا نَفْسَهَا
وَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْقَضَاءِ كَخِيَارِ الْعِتْقِ وَلَوْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا ثَانِيًا لَمْ يَكُنْ لَهَا خِيَارٌ لِرِضَاهَا بِحَالِهِ ، وَإِنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً أُخْرَى وَهِيَ عَالِمَةٌ بِحَالِهِ ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهَا لَا خِيَارَ لَهَا لِعِلْمِهَا بِالْعَيْبِ ، وَذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّ لَهَا الْخِيَارَ لِأَنَّ الْعَجْزَ عَنْ وَطْءِ امْرَأَةٍ لَا يَدُلُّ عَلَى الْعَجْزِ عَنْ وَطْءِ غَيْرِهَا ، وَالْفَتْوَى عَلَى الْأَوَّلِ ، وَفِي التَّأْجِيلِ تُعْتَبَرُ السَّنَةُ الْقَمَرِيَّةُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ، وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ ، وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ السَّنَةَ الشَّمْسِيَّةَ هِيَ الْمُعْتَبَرَةُ احْتِيَاطًا لِاحْتِمَالِ أَنَّ طَبْعَهُ يُوَافِقُ الزِّيَادَةَ الَّتِي فِيهَا ، وَهُوَ اخْتِيَارُ السَّرَخْسِيِّ ، وَالسَّنَةُ الْقَمَرِيَّةُ ثَلَاثُمِائَةٍ وَأَرْبَعَةٌ وَخَمْسُونَ يَوْمًا وَخُمُسُ يَوْمٍ وَسُدُسُهُ ، وَالشَّمْسِيَّةُ ثَلَاثُمِائَةٍ وَخَمْسَةٌ وَسِتُّونَ يَوْمًا وَرُبْعُ يَوْمٍ إلَّا جُزْءًا مِنْ ثَلَاثِمِائَةِ جُزْءٍ مِنْ يَوْمٍ ، وَفَضْلُ مَا بَيْنَهُمَا عَشَرَةُ أَيَّامٍ ، وَثُلُثٌ وَرُبْعُ عُشْرِ يَوْمٍ بِالتَّقْرِيبِ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ
وَذَكَرَ الْحَلْوَانِيُّ أَنَّ الْقَمَرِيَّةَ ثَلَاثُمِائَةٍ وَأَرْبَعَةٌ وَخَمْسُونَ يَوْمًا وَالشَّمْسِيَّةُ ثَلَاثُمِائَةٍ وَخَمْسَةٌ وَسِتُّونَ يَوْمًا وَرُبْعُ يَوْمٍ وَجُزْءٌ مِنْ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنْ الْيَوْمِ ، وَفِي الْمُحِيطِ يُرِيدُ بِالشَّمْسِيَّةِ أَنْ تُعْتَبَرَ بِالْأَيَّامِ لَا بِالْأَهِلَّةِ فَتَزِيدُ عَلَى الْقَمَرِيَّةِ أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا لِأَنَّ حِسَابَ الْعَجَمِ بِالْأَيَّامِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ اسْتِحْقَاقَ الْفُرْقَةِ عَلَيْهِ) أَيْ وَإِنْ كَانَ مُدَّعِيًا لِلدُّخُولِ صُورَةً . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ أَوْ أَقَامَهَا أَعْوَانُ الْقَاضِي قَبْلَ أَنْ تَخْتَارَ شَيْئًا) أَيْ أَوْ قَامَ الْقَاضِي قَبْلَ أَنْ تَخْتَارَ شَيْئًا بَطَلَ خِيَارُهَا . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْقَضَاءِ كَخِيَارِ الْعِتْقِ) قَالَ صَاحِبُ الْمُخْتَلِفِ فَإِنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا بَانَتْ مِنْهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ثُمَّ قَالَ رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا إذَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا ، وَلَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيقٍ كَمَا فِي خِيَارِ الْمُدْرِكَةِ كَذَا ذَكَرَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَيْضًا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ بَعْدَ تَأْجِيلِ السَّنَةِ فَإِنْ قُلْنَ هِيَ بِكْرٌ لَمْ يُصَدَّقْ الزَّوْجُ ، وَخَيَّرَ السُّلْطَانُ الْمَرْأَةَ إنْ شَاءَتْ أَقَامَتْ مَعَهُ ، وَإِنْ شَاءَتْ اخْتَارَتْ فُرْقَتَهُ
فَإِنْ فَارَقَتْهُ كَانَتْ تَطْلِيقَةً بَائِنَةً ، وَكَذَا قَالَ الْحَاكِمُ أَيْضًا ، وَقَدْ مَرَّ ذَلِكَ ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا إنْ اخْتَارَتْ الْفُرْقَةَ وَقَعَ الطَّلَاقُ ، وَإِنْ لَمْ يُفَرِّقْ الْحَاكِمُ ، وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ ، وَإِنْ اخْتَارَتْ فِرَاقَهُ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى شَرْطِ تَفْرِيقِ الْحَاكِمِ ، وَكَذَلِكَ عَامَّةُ أَصْحَابِنَا ذَكَرُوا فِي كُتُبِهِمْ كَمَبْسُوطِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ ، وَمَبْسُوطِ صَدْرِ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيِّ ، وَالشَّامِلِ ، وَشَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلْإِمَامِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيِّ وَالصَّدْرِ الشَّهِيدِ وَالْإِمَامِ الْعَتَّابِيِّ وَالتُّحْفَةِ وَغَيْرِهَا ، وَشَرَطُوا تَفْرِيقَ الْحَاكِمِ ، وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ إنَّهَا كَمَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا اعْتِبَارًا بِالْمُخَيَّرَةِ بِتَخْيِيرِ الزَّوْجِ أَوْ بِتَخْيِيرِ الزَّوْجِ كَالْمُعْتَقَةِ ، وَقَالَ الْخَصَّافُ فِي أَدَبِ الْقَاضِي وَإِنْ كَانَ الْقَاضِي لَمَّا خَيَّرَهَا ، وَهِيَ بِكْرٌ اخْتَارَتْ الْفُرْقَةَ فَإِنَّهَا لَا تَكُونُ فُرْقَةً حَتَّى يُفَرِّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا إلَى هُنَا لَفْظُهُ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ
(قَوْلُهُ وَفِي التَّأْجِيلِ تُعْتَبَرُ السَّنَةُ الْقَمَرِيَّةُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوِيهِ الْعِنِّينُ يُؤَجَّلُ سَنَةً قَمَرِيَّةً لَا شَمْسِيَّةً هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ الْمَنْطُوقَ هُوَ السَّنَةُ وَالسَّنَةُ تَنْصَرِفُ إلَى الْقَمَرِيَّةِ مُطْلَقًا . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَجْهُهُ أَنَّ الثَّابِتَ عَنْ الصَّحَابَةِ كَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمَنْ ذَكَرْنَا مَعَهُ اسْمُ السَّنَةِ قَوْلًا ، وَأَهْلَ الشَّرْعِ إنَّمَا يَتَعَارَفُونَ الْأَشْهُرَ وَالسِّنِينَ بِالْأَهِلَّةِ فَإِذَا أَطْلَقُوا السَّنَةَ انْصَرَفَ إلَى ذَلِكَ مَا لَمْ يُصَرِّحُوا بِخِلَافِهِ ثُمَّ زِيَادَةُ الشَّمْسِيَّةِ قِيلَ أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا ، وَعَنْ الْحَلْوَانِيِّ الشَّمْسِيَّةُ ثَلَاثُمِائَةٍ وَخَمْسَةٌ وَسِتُّونَ يَوْمًا ، وَجُزْءٌ مِنْ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنْ الْيَوْمِ وَالْقَمَرِيَّةُ ثَلَاثُمِائَةٍ وَأَرْبَعَةٌ وَخَمْسُونَ يَوْمًا كَذَا رَأَيْت فِي نُسْخَةٍ ، وَرَأَيْت فِي أُخْرَى فِيهِ فِي الشَّمْسِيَّةِ زِيَادَةُ رُبْعِ يَوْمٍ مَعَ مَا ذَكَرْنَا ، وَقِيلَ الْقَمَرِيَّةُ ثَلَاثُمِائَةٍ وَأَرْبَعَةٌ وَخَمْسُونَ يَوْمًا وَخُمُسُ يَوْمٍ وَسُدُسُهُ ، وَالشَّمْسِيَّةُ ثَلَاثُمِائَةٍ وَخَمْسَةٌ وَسِتُّونَ وَرُبْعُ يَوْمٍ إلَّا جُزْءًا مِنْ ثَلَاثِمِائَةِ جُزْءٍ مِنْ يَوْمٍ ، وَفَضْلُ مَا بَيْنَهُمَا عَشَرَةُ أَيَّامٍ وَثُلُثٍ وَرُبْعِ عُشْرٍ بِالتَّقْرِيبِ ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ مُحْدَثٌ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حِينَ كَتَبَ إلَى شُرَيْحٍ أَنْ يُؤَجِّلَ الْعِنِّينَ سَنَةً مِنْ يَوْمِ يُرْفَعُ إلَيْهِ ، وَكَذَا قَوْلُ الرَّاوِي عَنْ عُمَرَ فِي الْمَرْأَةِ الَّتِي أَتَتْ إلَيْهِ فَأَجَّلَهُ حَوْلًا مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ فِي السَّنَةِ ، وَالْحَوْلُ لِمَا تَرَى بِالْأَهِلَّةِ هَذَا الَّذِي يَعْرِفُهُ الْعَرَبُ وَأَهْلُ الشَّرْعِ عَلَى أَنَّ الْحَوْلَ لَمْ يُعْرَفْ بِعُرْفٍ آخَرَ بَلْ اسْمُ السَّنَةِ هُوَ الَّذِي تَوَارَدَ عَلَيْهِ الْعِرْفَانُ ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ ا هـ
(قَوْلُهُ لِاحْتِمَالِ أَنَّ طَبْعَهُ يُوَافِقُ الزِّيَادَةَ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَذَهَبَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي إلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ أَخْذًا بِالِاحْتِيَاطِ ، وَكَذَا صَاحِبُ التُّحْفَةِ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَكُونُ مُوَافَقَةُ الْعِلَاجِ فِي الْأَيَّامِ الَّتِي يَقَعُ التَّفَاوُتُ فِيهَا بَيْنَ الشَّمْسِيَّةِ وَالْقَمَرِيَّةِ ، وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدِي . ا هـ . (قَوْلُهُ وَهُوَ اخْتِيَارُ السَّرَخْسِيِّ) أَيْ وَقَاضِي خَانْ وَظَهِيرُ الدِّينِ ا هـ فَتْحٌ

(3/24)


لَا بِالْأَهِلَّةِ ، وَيُحْتَسَبُ بِأَيَّامِ الْحَيْضِ وَشَهْرِ رَمَضَانَ لِأَنَّ السَّنَةَ لَا تَخْلُو عَنْهَا ، وَلَا يُحْتَسَبُ بِمَرَضِهِ وَمَرَضِهَا لِأَنَّ السَّنَةَ قَدْ تَخْلُو عَنْهُ ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ شَهْرٍ اُحْتُسِبَ عَلَيْهِ ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ لَا يُحْتَسَبُ عَلَيْهِ ، وَعُوِّضَ قَدْرَهُ لِأَنَّ شَهْرَ رَمَضَانَ مَحْسُوبٌ عَلَيْهِ ، وَهُوَ قَادِرٌ بِاللَّيْلِ دُونَ النَّهَارِ ، وَهُوَ قَدْرُ نِصْفِهِ فَكَذَا النِّصْفُ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ فَإِنْ حَجَّ أَوْ غَابَ هُوَ اُحْتُسِبَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْعَجْزَ جَاءَ بِفِعْلِهِ ، وَيُمْكِنُهُ أَنْ يُخْرِجَهَا مَعَهُ أَوْ يُؤَخِّرَ الْحَجَّ وَالْغَيْبَةَ فَلَا يَكُونُ عُذْرًا بِخِلَافِ مَا إذَا حَجَّتْ هِيَ أَوْ غَابَتْ حَيْثُ لَا يُحْتَسَبُ عَلَيْهِ مِنْ الْمُدَّةِ لِأَنَّ الْعَجْزَ جَاءَ مِنْ قِبَلِهَا كَانَ عُذْرًا فَإِنْ حُبِسَ الزَّوْجُ وَامْتَنَعَتْ مِنْ الْمَجِيءِ إلَى السِّجْنِ لَمْ يُحْتَسَبْ عَلَيْهِ ، وَإِنْ لَمْ تَمْتَنِعْ ، وَكَانَ لَهُ مَوْضِعُ خَلْوَةٍ اُحْتُسِبَ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَوْضِعُ خَلْوَةٍ لَمْ يُحْتَسَبْ عَلَيْهِ ، وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ إذَا حُبِسَ عَلَى مَهْرِهَا وَلَوْ ظَاهَرَ مِنْهَا ثُمَّ خَاصَمَتْهُ فَإِنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى الْعِتْقِ أَجَّلَهُ سَنَةً ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ أَجَّلَهُ سَنَةً وَشَهْرَيْنِ ، وَإِنْ ظَاهَرَ مِنْهَا بَعْدَ التَّأْجِيلِ لَمْ يَلْتَفِتْ إلَيْهِ لِأَنَّهُ كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ غَشَيَانِهَا ، وَالِامْتِنَاعُ بِفِعْلِهِ فَلَا يُعْذَرُ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَمْ يُخَيَّرْ أَحَدُهُمَا بِعَيْبٍ) أَيْ لَمْ يُخَيَّرْ وَاحِدٌ مِنْ الزَّوْجَيْنِ بِعَيْبٍ فِي الْآخَرِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تُرَدُّ بِالْعُيُوبِ الْخَمْسَةِ : الْجُذَامُ ، وَالْبَرَصُ ، وَالْجُنُونُ ، وَالرَّتْقُ ، وَالْقَرْنُ لِأَنَّهَا تَمْنَعُ الِاسْتِيفَاءَ حِسًّا أَوْ طَبْعًا ، وَالطَّبْعُ مُؤَيَّدٌ بِالشَّرْعِ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِرَّ مِنْ الْمَجْذُومِ فِرَارَك مِنْ الْأَسَدِ» «، وَرَدَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْبَرَصِ ، وَقَالَ الْحَقِي بِأَهْلِك حِينَ وَجَدَ بِكَشْحِهَا وَضَحًا أَوْ بَيَاضًا» ، وَلِأَنَّ النِّكَاحَ يُشْبِهُ الْبَيْعَ لِأَنَّهُ عَقْدُ مُبَادَلَةٍ ، وَالْبَيْعُ يُرَدُّ بِالْعَيْبِ فَكَذَا النِّكَاحُ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تُرَدُّ الْمَرْأَةُ إذَا كَانَ بِالرَّجُلِ عَيْبٌ فَاحِشٌ بِحَيْثُ لَا تُطِيقُ الْمَقَامَ مَعَهُ لِأَنَّهَا تَعَذَّرَ عَلَيْهَا الْوُصُولُ إلَى حَقِّهَا لِمَعْنًى فِيهِ فَكَانَ كَالْجَبِّ وَالْعُنَّةِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بِهَا عَيْبٌ لِأَنَّ الزَّوْجَ قَادِرٌ عَلَى دَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ بِالطَّلَاقِ ، وَيُمْكِنُهُ أَنْ يَسْتَمْتِعَ بِغَيْرِهَا ، وَلَنَا أَنْ ، الْمُسْتَحَقَّ بِالْعَقْدِ هُوَ الْوَطْءُ
وَهَذِهِ الْعُيُوبُ لَا تَفُوتُهُ بَلْ تُوجِبُ فِيهِ خَلَلًا فَفَوَاتُهُ بِالْهَلَاكِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ لَا يُوجِبُ الْفَسْخَ فَاخْتِلَالُهُ أَوْلَى أَنْ لَا يُوجِبَ ، وَهَذَا لِأَنَّ هَذِهِ الْعُيُوبَ تَأْثِيرُهَا فِي تَفْوِيتِ تَمَامِ الرِّضَا ، وَلُزُومُ النِّكَاحِ لَا يَعْتَمِدُهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ مَعَ الْهَزْلِ ، وَلِهَذَا لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِشَرْطِ أَنَّهَا بِكْرٌ شَابَّةٌ جَمِيلَةٌ فَوَجَدَهَا ثَيِّبًا عَجُوزًا شَوْهَاءَ بِهَا شِقٌّ مَائِلٌ وَلُعَابٌ سَائِلٌ وَهِيَ عَمْيَاءُ مَقْطُوعَةُ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ أَوْ شَلَّاءُ لَا يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ ، وَإِنْ فَقَدَ رِضَاهُ ، وَالْقِيَاسُ عَلَى الْبَيْعِ لَا يَسْتَقِيمُ لِأَنَّ تَمَامَ الرِّضَا شَرْطٌ فِي الْبَيْعِ دُونَ النِّكَاحِ وَلَوْ كَانَ مِثْلَهُ لَرُدَّ بِجَمِيعِ الْعُيُوبِ كَالْبَيْعِ ، وَلَا فَائِدَةَ لِتَخْصِيصِ الْبَعْضِ ، وَفِي الْجَبِّ وَالْعُنَّةِ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ ، وَلَا يُمْكِنُ الْقِيَاسُ عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُمَا يَعْدَمَانِ الْمَقْصُودَ مِنْ النِّكَاحِ ، وَهُوَ قَضَاءُ الشَّهْوَةِ ، وَالتَّوَالُدُ وَالتَّنَاسُلُ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْعُيُوبِ لَا يُعْدِمُهُ بَلْ يُخِلُّ بِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْقَرْنَاءَ وَالرَّتْقَاءَ يُمْكِنُ الْوُصُولُ إلَيْهِمَا بِالْفَتْقِ وَالشَّقِّ
وَمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ جَمِيلِ بْنِ زَيْدٍ ، وَهُوَ مَتْرُوكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ ، وَهُوَ مَجْهُولٌ ، لَا يُعْلَمُ لِكَعْبٍ وَلَدٌ اسْمُهُ زَيْدٌ ، وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِرَّ مِنْ الْمَجْذُومِ فِرَارَك مِنْ الْأَسَدِ» لِأَنَّهُ يُوجِبُ الْفِرَارَ لَا الْخِيَارَ ، وَظَاهِرُهُ لَيْسَ بِمُرَادٍ جِمَاعًا لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَدْنُوَ مِنْهُ ، وَيُثَابُ عَلَى خِدْمَتِهِ وَتَمْرِيضِهِ ، وَعَلَى الْقِيَامِ بِمَصَالِحِهِ ، وَالْمَجْذُومُ هُوَ الَّذِي بِهِ الْجُذَامُ ، وَهُوَ دَاءٌ يَشُقُّ الْجِلْدَ ، وَيَقْطَعُ اللَّحْمَ ، وَيَتَسَاقَطُ مِنْهُ ، وَالْفِعْلُ جُذِمَ عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ بِمَعْنَى أَصَابَهُ الْجُذَامُ ، وَهُوَ مَجْذُومٌ ، وَلَا يُقَالُ أَجْذَمَ . وَالْبَرَصُ دَاءٌ ، وَهُوَ بَيَاضٌ ، وَقَدْ بَرِصَ الرَّجُلُ فَهُوَ أَبْرَصُ ، وَأَبْرَصَهُ اللَّهُ ، وَجُنَّ الرَّجُلُ عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ فَهُوَ مَجْنُونٌ ، وَأَجَنَّهُ اللَّهُ تَعَالَى فَهُوَ مَجْنُونٌ ، وَلَا يُقَالُ مُجَنٌّ ، وَلَا جَنَّهُ اللَّهُ تَعَالَى ، وَجَاءَ ثَلَاثَةٌ مِنْ أَفْعَلَ عَلَى مَفْعُولٍ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ دُونَ مُفْعِلِ ؛ هَذَا ، وَالثَّانِي أَحْزَنَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَهُوَ مَحْزُونٌ
وَالثَّالِثُ أَحَبَّهُ اللَّهُ تَعَالَى فَهُوَ مَحْبُوبٌ ، وَجَاءَ مُحِبٌّ عَلَى الْأَصْلِ فِي شَعْرِ عَنْتَرَةَ
وَلَقَدْ نَزَلَتْ فَلَا تَظُنِّي غَيْرَهُ ... مِنِّي بِمَنْزِلَةِ الْمُحِبِّ الْمُكْرَمِ
وَالْقَرْنُ فِي الْفَرْجِ مَا يَمْنَعُ سُلُوكَ الذَّكَرِ فِيهِ ، وَهُوَ إمَّا غُدَّةٌ غَلِيظَةٌ أَوْ لُحْمَةٌ ، مُرْتَفِعَةٌ أَوْ عَظْمٌ ، وَامْرَأَةُ قَرْنَاءُ إذَا كَانَ ذَلِكَ بِهَا ، وَهُوَ الْعَفَلَةُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالْفَاءِ ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْقَرْنَ عَظْمٌ نَاتِئٌ مُحَدَّدُ الرَّأْسِ كَقَرْنِ الْغَزَالَةِ يَمْنَعُ الْجِمَاعَ . ، وَالرَّتْقُ التَّلَاحُمُ ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ وَيُحْتَسَبُ بِأَيَّامِ الْحَيْضِ وَشَهْرِ رَمَضَانَ) يَعْنِي لَا يُعَوَّضُ عَنْ أَيَّامِ الْحَيْضِ وَشَهْرِ رَمَضَانَ الْوَاقِعَةِ فِي مُدَّةِ التَّأْجِيلِ أَيَّامٌ أُخَرُ بَلْ هِيَ مَحْسُوبَةٌ مِنْ مُدَّةِ التَّأْجِيلِ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ قَدَّرُوا مُدَّةَ التَّأْجِيلِ بِسَنَةٍ ، وَلَمْ يَسْتَثْنُوا مِنْهَا أَيَّامَ الْحَيْضِ وَشَهْرَ رَمَضَانَ مَعَ عِلْمِهِمْ أَنَّ السَّنَةَ لَا تَخْلُو عَنْهَا . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ
(قَوْلُهُ لِأَنَّ السَّنَةَ قَدْ تَخْلُو عَنْهُ) يَعْنِي لَا يَكُونُ ذَلِكَ الْمَرَضُ مَحْسُوبًا مِنْ مُدَّةِ التَّأْجِيلِ قَلِيلًا كَانَ الْمَرَضُ أَوْ كَثِيرًا بَلْ يُعَوَّضُ لِذَلِكَ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ وَكُتِبَ عَلَى قَوْلِهِ عَنْهُ مَا نَصَّهُ أَيْ عَنْ الْمَرَضِ ا هـ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا حَجَّتْ هِيَ أَوْ غَابَتْ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَإِنْ أَحْرَمَتْ بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ لَمْ يَحْتَسِبُ ، عَلَى الزَّوْجِ مُدَّةَ الْخُرُوجِ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يُحَلِّلَهَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَحْرَمَ الزَّوْجُ حَيْثُ يَحْتَسِبُ ، عَلَيْهِ لِأَنَّ الْعَجْزَ جَاءَ مِنْ قِبَلِهِ (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ تَمْتَنِعْ وَكَانَ لَهُ مَوْضِعُ خَلْوَةٍ احْتَسَبَ عَلَيْهِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلَوْ كَانَتْ مَحْبُوسَةً فِي حَقٍّ وَكَانَ يُمْكِنُهُ الْخَلْوَةُ مَعَهَا تُحْسَبُ عَلَيْهِ تِلْكَ الْأَيَّام وَإِلَّا فَلَا

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَمْ يُخَيَّرْ أَحَدُهُمَا بِعَيْبٍ) اعْلَمْ أَنَّ أَصْحَابَنَا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ النِّكَاحَ لَا يُفْسَخُ بِعَيْبٍ مَا فِي الْمَرْأَةِ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَالرَّتْقُ) امْرَأَةٌ رَتْقَاءُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا خُرْقٌ ، إلَّا الْمَبَالَ ا هـ مُغْرِبٌ (قَوْلُهُ وَالْقَرْنُ) مِثْلُ فَلْسٍ الْعَفْلَةِ ، ، وَهُوَ لَحْمٌ يَنْبُتُ فِي الْفَرْجِ فِي مَدْخَلِ الذَّكَرِ كَالْغُدَّةِ الْغَلِيظَةِ ، وَقَدْ يَكُونُ عَظْمًا . ا هـ . مِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا تَمْنَعُ الِاسْتِيفَاءَ حِسًّا) أَيْ فِي الرَّتْقِ وَالْقَرْنِ ا هـ (قَوْلُهُ أَوْ طَبْعًا) أَيْ فِي الْبَرَصِ وَالْجُذَامِ وَالْجُنُونِ (قَوْلُهُ بَرِصَ الرَّجُلُ) مِنْ بَابِ تَعِبَ . ا هـ . مِصْبَاحٌ

(3/25)


(بَابُ الْعِدَّةِ) .
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (هِيَ تَرَبُّصٌ يَلْزَمُ الْمَرْأَةَ) أَيْ الْعِدَّةُ عِبَارَةٌ عَنْ التَّرَبُّصِ الَّذِي يَلْزَمُ الْمَرْأَةَ عِنْدَ زَوَالِ النِّكَاحِ أَوْ شُبْهَتِهِ هَذَا فِي الشَّرِيعَةِ ، وَفِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ الْإِحْصَاءِ يُقَالُ عَدَدْت الشَّيْءَ أَيْ أَحْصَيْته وَسَبَبُ وُجُوبِهَا عِنْدَنَا النِّكَاحُ الْمُتَأَكِّدُ بِالتَّسْلِيمِ أَوْ مَا يَجْرِي مَجْرَاهُ مِنْ الْخَلْوَةِ أَوْ الْمَوْتِ ، وَشَرْطُهَا الْفُرْقَةُ وَرُكْنُهَا حُرُمَاتٌ ثَابِتَةٌ بِهَا ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ الْكَفُّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (عِدَّةُ الْحُرَّةِ لِلطَّلَاقِ أَوْ الْفَسْخِ ثَلَاثَةُ أَقْرَاءٍ أَيْ حِيَضٍ) أَيْ إذَا طَلُقَتْ الْحُرَّةُ أَوْ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا بِغَيْرِ طَلَاقٍ فَعِدَّتُهَا ثَلَاثَةُ قُرُوءٍ إنْ كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْحَيْضِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة : 228] وَالْمُرَادُ بِهِ إذَا طَلَّقَهَا زَوْجُهَا بَعْدَ الدُّخُولِ لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ ، وَالْفُرْقَةُ بِغَيْرِ طَلَاقٍ مِثْلُ خِيَارِ الْبُلُوغِ وَالْعِتْقِ وَمِلْكِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ صَاحِبَهُ
وَالرِّدَّةُ ، وَعَدَمُ الْكَفَاءَةِ فِي مَعْنَى الْفُرْقَةِ بِالطَّلَاقِ لِثُبُوتِ النَّسَبِ ، وَوُجُوبِ تَعَرُّفِ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ وَالْقُرْءُ الْحَيْضُ ، وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ الطُّهْرُ ، وَبِهِ كَانَ يَقُولُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ ثُمَّ رَجَعَ لَهُمَا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ ، وَهُوَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا لِيَتْرُكَهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ لِيُطَلِّقَهَا إنْ شَاءَ ثُمَّ قَالَ فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ يُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ» فَهَذَا نَصٌّ عَلَى أَنَّ الْعِدَّةَ هِيَ الطُّهْرُ بَيَانُهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَنَا أَنْ نُطَلِّقَهَا لِعِدَّتِهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق : 1] وَاللَّامُ بِمَعْنَى فِي ، وَالطَّلَاقُ يُوقَعُ فِي الطُّهْرِ فَكَانَ هُوَ الْعِدَّةُ دُونَ الْحَيْضِ ، وَلِأَنَّ الْقُرْءَ بِمَعْنَى الْحَيْضِ يُجْمَعُ عَلَى أَقْرَاءٍ «قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - دَعِي الصَّلَاةَ فِي أَيَّامِ أَقْرَائِك» ، وَبِمَعْنَى الطُّهْرِ يُجْمَعُ عَلَى قُرُوءٍ قَالَ الْأَعْشَى
أَفِي كُلِّ عَامٍ أَنْتَ جَاشِمٌ غَزْوَةً ... تَشُدُّ لِأَقْصَاهَا عَزِيمَ عَزَائِكَا
مُوَرِّثَةً مَالًا وَفِي الْحَيِّ رُقْعَةٌ ... لِمَا ضَاعَ فِيهَا مِنْ قُرُوءِ نِسَائِكَا
أَرَادَ بِهِ الطُّهْرَ لِأَنَّ الْحَيْضَ ضَائِعٌ دَائِمًا ، وَلَا يَخْتَصُّ بِزَمَانِ الْغَيْبَةِ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ الْقُرْءَ فِي الْآيَةِ الطُّهْرُ ، وَلِأَنَّ تَذْكِيرَ الثَّلَاثَةِ بِإِثْبَاتِ التَّاءِ دَلِيلُ إرَادَةِ الطُّهْرِ إذْ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ الْحَيْضَ لَقِيلَ ثَلَاثُ قُرُوءٍ بِلَا تَاءٍ لِأَنَّ مُفْرَدَهُ مُؤَنَّثٌ ، وَهُوَ الْحَيْضَةُ ، وَلِأَنَّ الْقُرْءَ هُوَ الْجَمْعُ
وَمِنْهُ الْمَقْرَأَةُ لِلْحَوْضِ وَالْغَدِيرِ وَالْقَلْتِ يُقَالُ مَا قَرَأْت النَّاقَةَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بَابُ الْعِدَّةِ) .
لَمَّا كَانَتْ الْعِدَّةُ إثْرَ الْفُرْقَةِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ ذَكَرَهَا بَعْدَ ذِكْرِ أَنْوَاعِ الْفُرْقَةِ مِنْ الطَّلَاقِ وَالْإِيلَاءِ وَالْخَلْعِ وَاللِّعَانِ وَفُرْقَةِ الْعِنِّينِ وَالْمَجْبُوبِ لِأَنَّ الْأَثَرَ يَقْفُو الْمُؤَثِّرَ لَا مَحَالَةَ قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ ، وَقَالَ الْكَمَالُ لَمَّا تَرَتَّبَتْ الْعِدَّةُ فِي الْوُجُودِ عَلَى فُرْقَةِ النِّكَاحِ شَرْعًا أَوْرَدَهَا عَقِيبَ وُجُودِ الْفُرْقَةِ مِنْ الطَّلَاقِ وَالْإِيلَاءِ وَالْخَلْعِ وَاللِّعَانِ وَأَحْكَامِ الْعِنِّينِ ، وَهِيَ فِي اللُّغَةِ الْإِحْصَاءُ عَدَدْت الشَّيْءَ عِدَّةً أَحْصَيْته إحْصَاءً ، وَيُقَالُ أَيْضًا عَلَى الْمَعْدُودِ . ا هـ . وَالْعِدَّةُ مَصْدَرٌ مِنْ عَدَّ يَعُدُّ قَالَهُ الْعَيْنِيُّ (قَوْلُهُ هِيَ تَرَبُّصٌ) أَيْ انْتِظَارُ مُدَّةٍ ا هـ ع (قَوْلُهُ عِنْدَ زَوَالِ النِّكَاحِ) أَيْ الْمُتَأَكِّدِ بِالدُّخُولِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ مِنْ الْخَلْوَةِ وَالْمَوْتِ . ا هـ . فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ عِدَّةُ الْحُرَّةِ لِلطَّلَاقِ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا . ا هـ . (قَوْلُهُ ثَلَاثَةُ أَقْرَاءٍ) وَالْحِكْمَةُ فِي تَقْدِيرِ الْعِدَّةِ بِثَلَاثَةِ أَقْرَاءٍ أَنَّ الْأَوَّلَ لِتَعْرِيفِ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ ، وَالثَّانِي لِحُرْمَةِ النِّكَاحِ ، وَالثَّالِثَ لِفَضِيلَةِ الْحُرَّةِ . ا هـ . مُسْتَصْفَى
(قَوْلُهُ لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ) قَالَ الْكَمَالُ ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ سَبَبَ الْعِدَّةِ مَأْخُوذٌ فِيهِ تَأَكُّدُهُ بِالدُّخُولِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ كَمَا ذَكَرْنَا ، وَإِنَّمَا تَرَكَهُ الْمُصَنِّفُ لِشُهْرَةِ أَنَّ الطَّلَاقَ قَبْلَ الدُّخُولِ لَا تَجِبُ فِيهِ الْعِدَّةُ قَالَ تَعَالَى {إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [الأحزاب : 49] . ا هـ . (قَوْلُهُ وَالْفُرْقَةُ إلَخْ) لَمَّا جُمِعَ بَيْنَ الطَّلَاقِ وَالْفُرْقَةِ بِلَا طَلَاقٍ فِي حُكْمِ الْعِدَّةِ ، وَالدَّلِيلُ السَّمْعِيُّ لَا يَتَنَاوَلُ إلَّا الطَّلَاقَ أَلْحَقَهُ بِالْجَامِعِ ، وَهُوَ أَنَّ وُجُوبَهَا فِي مَحَلِّ النَّصِّ ، وَهُوَ الطَّلَاقُ لِتَعَرُّفِ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ ، وَجَعَلَهُ ثَابِتًا بِدَلَالَةِ النَّصِّ حَيْثُ قَالَ فِي مَعْنَى الطَّلَاقِ يَعْنِي يَتَبَادَرُ لِكُلِّ مَنْ عَلِمَ بِوُجُوبِ تَرْكِهَا النِّكَاحَ إلَى أَنْ تَحِيضَ عِنْدَنَا الطَّلَاقُ بَعْدَ الدُّخُولِ أَنَّهُ لِذَلِكَ ثُمَّ كَوْنُهَا تَجِبُ لِلتَّعَرُّفِ لَا يَنْفِي أَنْ تَجِبَ لِغَيْرِهِ أَيْضًا ، وَقَدْ أَفَادَ الْمُصَنِّفُ فِيمَا سَيَأْتِي أَنَّهَا تَجِبُ أَيْضًا لِقَضَاءِ حَقِّ النِّكَاحِ بِإِظْهَارِ الْأَسَفِ عَلَيْهِ فَقَدْ يَجْتَمِعَانِ كَمَا فِي مَوَاضِعِ وُجُوبِ الْأَقْرَاءِ ، وَقَدْ يَنْفَرِدُ الثَّانِي كَمَا فِي صُورَةِ الْأَشْهُرِ بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُتَأَكِّدِ ، وَهُوَ مَا قَبْلَ الدُّخُولِ ، وَمَا قَبْلَ الدُّخُولِ لَا يُؤْسَفُ عَلَيْهِ إذْ لَا أُلْفَ وَلَا مَوَدَّةَ فِيهِ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَعَدَمِ الْكَفَاءَةِ فِي مَعْنَى) فِي مَعْنَى خَبَرٍ عَنْ قَوْلِهِ وَالْفُرْقَةُ بِغَيْرِ طَلَاقٍ ا هـ (قَوْلُهُ وَوُجُوبِ تَعَرُّفِ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَيُتَصَوَّرُ الْخِلَافُ فِيمَا إذَا طَلَّقَهَا فِي الطُّهْرِ فَعِنْدَهُ تَنْقَضِي الْعِدَّةُ كَمَا تَرَى قَطْرَةً مِنْ الدَّمِ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ ، وَعِنْدَنَا لَا تَنْقَضِي مَا لَمْ تَطْهُرْ مِنْهَا . ا هـ . (قَوْلُهُ لِأَنَّ مُفْرَدَهُ مُؤَنَّثٌ) ، وَهُوَ الْآنَ تَأْنِيثُ الْعَدَدِ ا هـ (قَوْلُهُ وَالْقَلْتُ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ وَالْقَلْتُ نَقْرَةٌ فِي الْجَبَلِ يَسْتَنْقِعُ فِيهَا مَاءُ الْمَطَرِ ، وَالْجَمْعُ قِلَاتٌ مِثْلُ سَهْمٍ وَسِهَامٍ ا هـ .
(فَرْعٌ) تَنْقَضِي عِدَّةُ الطَّلَاقِ الْبَائِنِ وَالثَّلَاثِ بِالْوَطْءِ الْمُحَرَّمِ بِأَنْ وَطِئَهَا ، وَهِيَ مُعْتَدَّةٌ عَالِمًا بِحُرْمَتِهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ ادَّعَى الشُّبْهَةَ أَوْ كَانَ مُنْكِرًا طَلَاقَهَا فَإِنَّهَا تَسْتَقْبِلُ الْعِدَّةَ ، وَإِنْ كَانَ مُنْكِرًا حَتَّى لَمْ تَنْقَضِ الْعِدَّةُ لَيْسَ لَهَا أَنْ تُطَالِبَهُ بِنَفَقَةِ هَذِهِ الْعِدَّةِ ، وَلَوْ طَلَّقَهَا فِي هَذِهِ الْعِدَّةِ لَا يَقَعُ ، وَيَحِلُّ نِكَاحُ أُخْتِهَا كَمَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ مَا نَصُّهُ ، وَفِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى رَجُلٌ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا ، وَوَطِئَهَا فِي الْعِدَّةِ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهَا حَرَامٌ عَلَيْهِ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا ، وَبِوَطْئِهَا لَا تَسْتَأْنِفُ الْعِدَّةَ قَوْلُهُ بِالْوَطْءِ أَيْ مَعَ الْوَطْءِ الْمُحَرَّمِ يَعْنِي أَنَّ الْوَطْءَ الْمُحَرَّمَ لَا يَكُونُ مَانِعًا مِنْ تَقَضِّيهَا فَيُعْتَدُّ بِهَا مَعَهُ هَكَذَا يَجِبُ أَنْ يُفْهَمَ ، وَلَا يُعْمَلَ بِظَاهِرِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ ، وَقَوْلُهُ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا أَيْ بِتَمَامِ الْأُولَى بِقَرِينَةٍ قَوْلُهُ وَلَا

(3/26)


جَنِينًا فِي رَحِمِهَا أَيْ مَا جَمَعَتْهُ ، وَفِي الطُّهْرِ يَجْتَمِعُ الدَّمُ فَكَانَ أَلْيَقَ بِهِ ، وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «عِدَّةُ الْأَمَةِ حَيْضَتَانِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا ، وَالتِّرْمِذِيُّ ، وَابْنُ مَاجَهْ ، وَالدَّارَقُطْنِيّ ، وَالْأَمَةُ لَا تُخَالِفُ الْحُرَّةَ فِي جِنْسِ مَا تَقَعُ بِهِ الْعِدَّةُ ، وَإِنَّمَا تُخَالِفُهَا فِي الْعَدَدِ ، وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَصَّ عَلَى الثَّلَاثَةِ ، وَعَلَى الْجَمْعِ بِقَوْلِهِ ثَلَاثَةُ ، وَبِقَوْلِهِ قُرُوءٍ ، وَالثَّلَاثَةُ اسْمٌ لِعَدَدٍ مَعْلُومٍ لَا يَجُوزُ إطْلَاقُهُ عَلَى مَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْهُ ، وَلَا أَقَلُّ ، وَحَمْلُهُ عَلَى الْإِطْهَارِ يُؤَدِّي إلَى أَنَّهُ أُطْلِقَ عَلَى أَقَلَّ ، وَهُوَ طُهْرَانِ ، وَبَعْضُ الثَّالِثِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُهُمْ ، وَهُوَ خُلْفٌ ، وَكَذَا الْجَمْعُ الْكَامِلُ هُوَ الثَّلَاثَةُ ، وَهُوَ حَقِيقَةٌ فِيهِ فَكَانَ أَوْلَى ، وَلَا يُقَالُ يَجُوزُ إطْلَاقُ اسْمِ الْجَمْعِ عَلَى اثْنَيْنِ ، وَبَعْضِ الثَّالِثِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة : 197] لِأَنَّا نَقُولُ ذَلِكَ فِي الْجَمْعِ الْمُجَرَّدِ عَنْ الْعَدَدِ
وَأَمَّا الْعَدَدُ وَالْجَمْعُ الْمَقْرُونُ بِهِ فَلَا ؛ وَلِأَنَّ الْعِدَّةَ شُرِّعَتْ تَعَرُّفًا لِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ ، وَهُوَ بِالْحَيْضِ كَالِاسْتِبْرَاءِ ، وَلِهَذَا لَوْ اعْتَدَّتْ الْآيِسَةُ بِالْأَشْهُرِ ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ يَجِبُ عَلَيْهَا اسْتِئْنَافُ الْعِدَّةِ ، وَفِي قَوْله تَعَالَى {وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ} [الطلاق : 4] وَفِي قَوْلِهِ {وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق : 4] إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُوَ الْحَيْضُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ شَرَطَ لِلِاعْتِدَادِ بِالْأَشْهُرِ عَدَمَ الْحَيْضِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء : 43] ، وَلِأَنَّ حَمْلَهُ عَلَيْهِ أَحْوَطُ فَكَانَ أَوْلَى ، وَعَلَيْهِ كَانَتْ الصَّحَابَةُ حَتَّى رُوِيَ ذَلِكَ نَصًّا عَنْ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَالْعَبَادِلَةِ الثَّلَاثَةِ وَأُبَيُّ بْنِ كَعْبٍ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ ، وَغَيْرِهِمْ حَتَّى رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ لَوْ قَدَرْت أَنْ أَجْعَلَ عِدَّةَ الْأَمَةِ حَيْضَةً وَنِصْفًا لَفَعَلْت ، وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ ، وَلَا فِي الْآيَةِ الَّتِي تَلَوْهَا لِأَنَّ مَعْنَاهُ فَطَلِّقُوهُنَّ لِاسْتِقْبَالِ عِدَّتِهِنَّ كَمَا يُقَالُ فِي التَّارِيخِ دَخَلْت الْمَدِينَةَ لِخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ الشَّهْرِ ، وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ تَكُونَ الْعِدَّةُ مُتَقَدِّمَةً عَلَى الطَّلَاقِ حَتَّى يَقَعَ فِيهَا ، وَهُوَ خُلْفٌ ، وَحَمْلُهُمْ اللَّازِمِ عَلَى الظَّرْفِ غَلَطٌ ظَاهِرٌ مُخَالِفٌ لِاسْتِعْمَالِ أَهْلِ اللُّغَةِ ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْقُرْءَ يَخْتَصُّ بِمَعْنَى الطُّهْرِ بَلْ يُجْمَعُ بِهِ الْقُرُوءُ بِمَعْنَى الْحَيْضِ أَيْضًا «قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِفَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ فَانْظُرِي إذَا أَتَاك قُرْؤُك فَلَا تُصَلِّي فَإِذَا مَرَّ قُرْؤُك فَتَطَهَّرِي ثُمَّ صَلِّي»
وَقَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ
لَيْسَ إذَا اسْتَنْهَضَهُ بِنَاهِضٍ ... لَهُ قُرُوءٌ كَقُرُوءِ الْحَائِضِ
وَلَا مُتَمَسَّكَ لَهُمْ بِتَذْكِيرِ الثَّلَاثِ لِأَنَّ لَفْظَ الْقُرْءِ مُذَكَّرٌ فَبِاعْتِبَارِهِ يُذَكَّرُ لِأَنَّ الشَّيْءَ إذَا كَانَ لَهُ اسْمَانِ مُذَكَّرٌ وَمُؤَنَّثٌ كَالْبُرِّ وَالْحِنْطَةِ جَازَ تَذْكِيرُهُ وَتَأْنِيثُهُ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ ، وَكَذَا اسْتِدْلَالُهُمْ بِأَنَّ الْقُرْءَ بِمَعْنَى الِاجْتِمَاعِ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الْمُجْتَمِعَ هُوَ الدَّمُ دُونَ الطُّهْرِ فَكَانَ أَوْلَى بِهِ فَيَصِيرُ شَاهِدًا لَنَا لَا لَهُمْ فَحَاصِلُهُ أَنَّهُ اسْمٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا فَحَمْلُهُ عَلَى الْحَيْضِ أَوْلَى بِدَلِيلِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّرْجِيحِ وَالْقَرَائِنِ ، وَرَوَى الشَّعْبِيُّ عَنْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ الرَّجُلَ أَحَقُّ بِامْرَأَتِهِ مَا لَمْ تَغْتَسِلْ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ وَلَوْ كَانَ الْقُرْءُ هُوَ الطُّهْرُ لَانْقَضَتْ بِالطَّعْنِ فِي الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ ، وَالْقُرْءُ أَيْضًا هُوَ الِانْتِقَالُ لُغَةً يُقَالُ قَرَأَ النَّجْمُ أَيْ انْتَقَلَ ، وَالْحَيْضُ هُوَ الْمُنْتَقِلُ دُونَ الطُّهْرِ .

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ إنْ لَمْ تَحِضْ) أَيْ عِدَّةُ الْحُرَّةِ إنْ لَمْ تَكُنْ مِنْ ذَوَاتِ الْحَيْضِ لِصِغَرٍ أَوْ كِبَرٍ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ أَمَّا الَّتِي لَا تَحِيضُ لِكِبَرٍ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ} [الطلاق : 4] أَيْ إنْ أَشْكَلَ عَلَيْكُمْ حُكْمُهُنَّ وَجَهِلْتُمُوهُ أَوْ انْقِطَاعُ حَيْضِهِنَّ ، وَقِيلَ لَمَّا نَزَلَ قَوْله تَعَالَى {ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة : 228] ارْتَابُوا فِيمَنْ لَا تَحِيضُ فَنَزَلَ قَوْله تَعَالَى {وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ} [الطلاق : 4] الْآيَةَ ، وَأَمَّا الصَّغِيرَةُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق : 4] أَيْ فَعِدَّتُهُنَّ كَذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ فَحَذْفُ الْمُبْتَدَأِ وَالْخَبَرِ لِدَلَالَةِ مَا تَقَدَّمَ عَلَيْهِمَا ، وَيَدْخُلُ تَحْتَ الْإِطْلَاقِ مَنْ بَلَغَتْ بِالسِّنِّ ، وَلَمْ تَحِضْ وَكَذَا لَوْ رَأَتْ الدَّمَ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحَيْضٍ ، وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ امْرَأَةٌ أَتَى عَلَيْهَا ثَلَاثُونَ سَنَةً ، وَلَمْ تَحِضْ تَعْتَدُّ بِالْأَشْهُرِ فَكَأَنَّهُ وَقَعَ اتِّفَاقًا لَا عَلَى وَجْهِ الِاشْتِرَاطِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِلْمَوْتِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ) أَيْ الْعِدَّةُ لِمَوْتِ الزَّوْجِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ سَوَاءٌ كَانَتْ الزَّوْجَةُ مُسْلِمَةً أَوْ كِتَابِيَّةً تَحْتَ مُسْلِمٍ صَغِيرَةً أَوْ كَبِيرَةً قَبْلَ الدُّخُولِ ، وَبَعْدَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة : 234] ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
تَسْتَأْنِفُ الْعِدَّةَ ، وَيُنْظَرُ فِي الْوَلْوَالِجِيِّ وَغَيْرِهِ هَكَذَا كَتَبَ شَيْخُنَا الْغَزِّيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى هَامِشِ نُسْخَةِ الْخُلَاصَةِ . ا هـ . (قَوْلُهُ مُذَكَّرٌ وَمُؤَنَّثٌ) وَلَا تَأْنِيثٌ حَقِيقِيٌّ . ا هـ . فَتْحٌ

(قَوْلُهُ لِصِغَرٍ) بِأَنْ لَمْ تَبْلُغْ سِنَّ الْحَيْضِ عَلَى الْخِلَافِ فِيهِ ، وَأَقَلُّهُ تِسْعٌ عَلَى الْمُخْتَارِ . ا هـ . فَتْحٌ (قَوْلُهُ أَوْ كِبَرٍ) بِأَنْ بَلَغَتْ سُنَّ الْإِيَاسِ ، وَانْقَطَعَ حَيْضُهَا . ا هـ . فَتْحٌ (قَوْلُهُ مَنْ بَلَغَتْ بِالسِّنِّ) بِأَنْ بَلَغَتْ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً عَلَى قَوْلِهِمَا ، وَسَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ . ا هـ . فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلَمْ تَحِضْ) أَيْ إذَا طَلُقَتْ تَعْتَدُّ بِالْأَشْهُرِ أَيْضًا ثُمَّ إنْ وَقَعَ الطَّلَاقُ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ اعْتَدَّتْ بِالْأَشْهُرِ هِلَالِيَّةً اتِّفَاقًا ، وَإِنْ وَقَعَ فِي أَثْنَاءِ الشَّهْرِ اعْتَبَرَتْ كُلَّهَا بِالْأَيَّامِ فَلَا تَنْقَضِي إلَّا بِتِسْعِينَ يَوْمًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَعِنْدَهُمَا يَكْمُلُ الْأَوَّلُ ثَلَاثِينَ مِنْ الشَّهْرِ الْأَخِيرِ ، وَالشَّهْرَانِ الْمُتَوَسِّطَانِ بِالْأَهِلَّةِ ا هـ قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَفِي الصُّغْرَى ، وَاعْتِبَارُ الشُّهُورِ فِي الْعِدَّةِ بِالْأَيَّامِ دُونَ الْأَهِلَّةِ إجْمَاعًا إنَّمَا الْخِلَافُ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ فِي الْإِجَارَةِ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ امْرَأَةٌ أَتَى عَلَيْهَا إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ وَعَنْ الشَّيْخِ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ مُرَاهِقَةً لَا تَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِالْأَشْهُرِ بَلْ يُوقَفُ حَالُهَا يَظْهَرُ هَلْ حَبِلَتْ مِنْ ذَلِكَ الْوَطْءِ أَمْ لَا فَإِنْ ظَهَرَ حَبَلُهَا اعْتَدَّتْ بِالْوَضْعِ ، وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ فَبِالْأَشْهُرِ قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة مَا نَصَّهُ الْيَنَابِيعُ امْرَأَةٌ مَا رَأَتْ الدَّمَ وَهِيَ بِنْتُ ثَلَاثِينَ سَنَةً مَثَلًا رَأَتْ يَوْمًا دَمًا لَا غَيْرُ ثُمَّ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا قَالَ لَيْسَتْ هِيَ بِآيِسَةٍ ، وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ تَعْتَدُّ بِالشُّهُورِ لِأَنَّهَا مِنْ اللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ ، وَبِهِ نَأْخُذُ ، وَفِي الْخَانِيَّةِ وَاَلَّتِي لَمْ تَحِضْ قَطُّ تَعُدُّ بِالْأَشْهُرِ . ا هـ .

(3/27)


وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ إلَّا عَلَى زَوْجِهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَالْآيَةُ بِإِطْلَاقِهَا حُجَّةٌ عَلَى مَالِكٍ فِي الْكِتَابِيَّةِ حَيْثُ أَوْجَبَ الِاسْتِبْرَاءَ عَلَيْهَا فَقَطْ إنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا ، وَلَمْ يُوجِبْ شَيْئًا عَلَى غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا ، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ عِدَّةُ الْوَفَاةِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَتِسْعَةُ أَيَّامٍ وَعَشْرُ لَيَالٍ أَخْذًا مِنْ قَوْله تَعَالَى {أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة : 234] وَمِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إلَّا عَلَى زَوْجِهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا» لِأَنَّ الْعَشْرَ مُؤَنَّثٌ بِحَذْفِ التَّاءِ مِنْهُ فَيَتَنَاوَلُ اللَّيَالِيَ ، وَيَدْخُلُ مَا فِي خِلَالِهَا مِنْ الْأَيَّامِ ضَرُورَةً قُلْنَا إذَا تَنَاوَلَ اللَّيَالِيَ يَدْخُلُ مَا بِإِزَائِهَا مِنْ الْأَيَّامِ كَذَا اللُّغَةُ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي بَابِ الِاعْتِكَافِ ، وَالتَّارِيخُ بِاللَّيَالِيِ فَلِهَذَا حُذِفَتْ التَّاءُ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِلْأَمَةِ قُرْءَانِ وَنِصْفُ الْمِقْدَارِ) أَيْ عِدَّةُ الْأَمَةِ حَيْضَتَانِ فِي الطَّلَاقِ بَعْدَ الدُّخُولِ إنْ كَانَتْ مِمَّنْ تَحِيضُ ، وَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا تَحِيضُ لِصِغَرٍ أَوْ كِبَرٍ أَوْ كَانَتْ مُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا فَنِصْفُ مَا قَدَرَ قُدِّرَ فِي حَقِّ الْحُرَّةِ ، وَهُوَ شَهْرٌ ، وَنِصْفٌ فِي الطَّلَاقِ بَعْدَ الدُّخُولِ ، وَشَهْرَانِ ، وَخُمُسٌ فِي الْوَفَاةِ عَلَيْهِ إجْمَاعُ الْأُمَّةِ ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «عِدَّةُ الْأَمَةِ حَيْضَتَانِ» ، وَقَدْ تَلَقَّتْهُ الْأُمَّةُ بِالْقَبُولِ فَجَازَ تَخْصِيصُ الْعُمُومَاتِ بِهِ ، وَلِأَنَّ لِلرِّقِّ أَثَرًا فِي تَنْصِيفِ النِّعْمَةِ ، وَالْعِدَّةَ نِعْمَةٌ لِاسْتِحْقَاقِهَا بِوَصْفِ الْآدَمِيَّةِ ، وَلِمَا فِيهَا مِنْ تَعْظِيمِ أَمْرِ النِّكَاحِ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِتَنْصِيفِهَا إلَّا أَنَّ الْحَيْضَةَ لَا تَتَنَصَّفُ لِاخْتِلَافِهَا مِنْ حَيْثُ الْكَثْرَةُ وَالْقِلَّةُ ، وَالْوَقْتُ فَلَا يَدْرِي نِصْفَهَا ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِقَوْلِهِ لَوْ اسْتَطَعْت لَجَعَلْتهَا حَيْضَةً وَنِصْفًا ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْقِنَّةِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرَةِ وَالْمُكَاتَبَةِ وَمُعْتَقَةِ الْبَعْضِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِوُجُودِ الرِّقِّ فِي الْكُلِّ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِلْحَامِلِ وَضْعُهُ) أَيْ عِدَّةُ الْحَامِلِ وَضْعُ الْحَمْلِ سَوَاءٌ كَانَتْ حُرَّةً أَوْ أَمَةً ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْعِدَّةُ عَنْ طَلَاقٍ أَوْ وَفَاةٍ أَوْ غَيْرِهِ لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق : 4] وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ، وَقَالَ عَلِيٌّ عِدَّتُهَا أَبْعَدُ الْأَجَلَيْنِ لِأَنَّ النُّصُوصَ مُتَعَارِضَةٌ فَبَعْضُهَا يُوجِبُ تَرَبُّصَ ثَلَاثَةِ قُرُوءٍ ، وَبَعْضُهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا وَبَعْضُهَا وَضْعَ الْحَمْلِ فَقُلْنَا بِوُجُوبِ الْأَبْعَدِ احْتِيَاطًا قُلْنَا آيَةُ الْحَمْلِ مُتَأَخِّرَةٌ فَيَكُونُ غَيْرُهَا مَنْسُوخًا بِهَا أَوْ مَخْصُوصًا ، وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ مَنْ شَاءَ بَاهَلْته أَنَّ سُورَةَ النِّسَاءِ الْقُصْرَى نَزَلَتْ بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ وَعَشْرٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ ، وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا أُنْزِلَتْ سُورَةُ الْقُصْرَى بَعْدَ الطُّولَى ، وَعَنْ «أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق : 4] لِلْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا ، وَلِلْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا فَقَالَ هِيَ لِلْمُطَلَّقَةِ ، وَلِلْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالدَّارَقُطْنِيّ ، وَعَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ «أَنَّهُ كَانَ عِنْدَ أُمِّ كُلْثُومٍ بِنْتِ عُقْبَةَ فَقَالَتْ لَهُ وَهِيَ حَامِلٌ طَيِّبْ نَفْسِي بِتَطْلِيقَةٍ فَطَلَّقَهَا تَطْلِيقَةً ثُمَّ خَرَجَ إلَى الصَّلَاةِ فَرَجَعَ ، وَقَدْ وَضَعَتْ فَقَالَ مَا لَهَا خَدَعَتْنِي خَدَعَهَا اللَّهُ ثُمَّ أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ سَبَقَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ اُخْطُبْهَا إلَى نَفْسِهَا» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ ، وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ ، وَمُسْلِمٍ عَنْ «سُبَيْعَةَ الْأَسْلَمِيَّةِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَفْتَاهَا بِأَنْ قَدْ حَلَّتْ حِينَ وَضَعَتْ وَأَمَرَهَا بِالتَّزَوُّجِ إنْ بَدَا لَهَا ، وَكَانَ قَدْ مَاتَ عَنْهَا زَوْجُهَا» ، وَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَوْ وَضَعَتْ وَزَوْجُهَا عَلَى سَرِيرِهِ لَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا ، وَحَلَّ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ ، وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِ مَنْ قَالَ تَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ ، وَلَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ حَتَّى تَطْهُرَ مِنْ نِفَاسِهَا لِأَنَّهَا إذَا لَمْ تَكُنْ تَحْتَ زَوْجٍ ، وَلَا مُعْتَدَّةً ، وَلَا حُبْلَى بِثَابِتِ النَّسَبِ أَوْ غَيْرِهِ فَقَدْ خَلَتْ عَنْ الْمَوَانِعِ الشَّرْعِيَّةِ فَتَحِلُّ ضَرُورَةً ، وَلَكِنْ لَا يَطَؤُهَا حَتَّى تَطْهُرَ ، وَحُرْمَةُ الْوَطْءِ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ النِّكَاحِ كَالْحَائِضِ وَالصَّائِمَةِ ، وَاَلَّتِي ظَاهَرَ مِنْهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا بَائِنًا

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَزَوْجَةُ الْفَارِّ أَبْعَدُ الْأَجَلَيْنِ) أَيْ عِدَّةُ زَوْجَةِ الْفَارِّ أَبْعَدُ الْأَجَلَيْنِ مِنْ عِدَّةِ الْوَفَاةِ ، وَمِنْ عِدَّةِ الطَّلَاقِ وَهِيَ الَّتِي أَبَانَهَا فِي الْمَرَضِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ ، وَقَالَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ وَتِسْعَةُ أَيَّامٍ إلَخْ) فَلَوْ تَزَوَّجَتْ فِي الْيَوْمِ الْعَاشِرِ جَازَ . ا هـ . كَمَالٌ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْحَامِلُ إلَخْ) وَأَطْلَقَ فَيَتَنَاوَلُ الْحَمْلَ الثَّابِتَ النَّسَبِ وَغَيْرَهُ فَلَوْ طَلَّقَ كَبِيرٌ زَوْجَتَهُ بَعْدَ الدُّخُولِ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ الْعِدَّةِ فَعِدَّتُهَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ بِالْحَيْضِ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ ، وَسَيُبَيَّنُ فِي مَسْأَلَةِ الصَّغِيرِ ، وَفِي الْمُنْتَقَى إذَا خَرَجَ مِنْ الْوَلَدِ نِصْفُ الْبَدَنِ مِنْ قِبَلِ الرِّجْلَيْنِ سِوَى الرِّجْلَيْنِ أَوْ مِنْ قِبَلِ الرَّأْسِ سِوَى الرَّأْسِ انْقَضَتْ الْعِدَّةُ وَالْبَدَنُ مِنْ الْمَنْكِبَيْنِ إلَى الْأَلْيَتَيْنِ ، وَفِي الْخُلَاصَةِ كُلُّ مَنْ حَبِلَتْ فِي عِدَّتِهَا فَعِدَّتُهَا أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا ، وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا إذَا حَبِلَتْ بَعْدَ مَوْتِ الزَّوْجِ فَعِدَّتُهَا بِالشُّهُورِ . ا هـ . كَمَالٌ (قَوْلُهُ سَوَاءٌ كَانَتْ حُرَّةً أَوْ أَمَةً) وَالْمُتَارَكَةُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَالْوَطْءِ بِشُبْهَةٍ إذَا كَانَتْ حَامِلًا كَذَلِكَ . ا هـ . فَتْحٌ (قَوْلُهُ مَنْسُوخًا بِهَا أَوْ مَخْصُوصًا) إنَّمَا تَرَدَّدَ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مُنْفَصِلًا يَكُونُ نَسْخًا وَإِنْ كَانَ مُتَّصِلًا يَكُونُ تَخْصِيصًا ا هـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ بَاهَلَتْهُ) الْمُبَاهَلَةُ الْمُلَاعَنَةُ . ا هـ . (قَوْلُهُ الْقُصْرَى) أَيْ سُورَةُ الطَّلَاقِ . ا هـ . (قَوْلُهُ بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ) أَيْ الَّتِي فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَعَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ) قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي الْمَغَازِي حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ قَالَا «هَاجَرَتْ أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ عُقْبَةَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ فَجَاءَ أَخَوَاهَا عُمَارَةُ ، وَفُلَانٌ ابْنَا عُقْبَةَ يَطْلُبَانِهَا فَأَبَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَرُدَّهَا إلَيْهِمَا ، وَكَانَتْ قَبْلَ أَنْ تُهَاجِرَ بِلَا زَوْجٍ فَلَمَّا قَدِمَتْ الْمَدِينَةَ تَزَوَّجَهَا زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ بَعْدَ قَتْلِ زَيْدٍ فَوَلَدَتْ لَهُ زَيْنَبَ ثُمَّ فَارَقَهَا فَتَزَوَّجَهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فَوَلَدَتْ لَهُ إبْرَاهِيمَ وَحُمَيْدًا ثُمَّ مَاتَ عَنْهَا فَتَزَوَّجَهَا عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ فَمَكَثَتْ عِنْدَهُ شَهْرًا ، وَمَاتَتْ» رَوَى عَنْهَا وَلَدَاهَا حُمَيْدٍ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَإِبْرَاهِيمُ ، وَحَدِيثُهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ ، وَالسُّنَنِ الثَّلَاثَةِ ا هـ الْإِصَابَةُ لِابْنِ حَجَرٍ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَزَوْجَةُ الْفَارِّ أَبْعَدُ الْأَجَلَيْنِ) أَيْ الْأَبْعَدُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ وَثَلَاثِ حِيَضٍ فَلَوْ تَرَبَّصَتْ حَتَّى مَضَتْ ثَلَاثُ حِيَضٍ بِأَنْ امْتَدَّ طُهْرُهَا لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا ا هـ

(3/28)


تَعْتَدُّ عِدَّةَ الطَّلَاقِ ، وَهُوَ الْقِيَاس لِأَنَّ النِّكَاحَ زَالَ بِهِ ، وَبَقَاءَ النِّكَاحِ فِي حَقِّ الْإِرْثِ حُكْمًا احْتِيَاطًا لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ فَلَا يَلْزَمُ بَقَاؤُهُ حَقِيقَةً بِخِلَافِ الْمُطَلَّقَةِ رَجْعِيًّا لِأَنَّ النِّكَاحَ فِيهِ انْقَطَعَ بِالْمَوْتِ إذْ هُوَ لَا يُزِيلُ النِّكَاحَ ، وَلِهَذَا بَقِيَتْ أَحْكَامُ الزَّوْجَاتِ كُلُّهَا ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهَا لَمَّا وَرِثَتْ جُعِلَ النِّكَاحُ قَائِمًا حُكْمًا إلَى الْوَفَاةِ إذْ لَا إرْثَ لَهَا إلَّا بِهِ فَكَذَا فِي حَقِّ الْعِدَّةِ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّهَا تَجِبُ مَعَ الشَّكِّ دُونَ الْإِرْثِ فَصَارَتْ كَالْمُطَلَّقَةِ رَجْعِيًّا وَلَوْ ارْتَدَّ الرَّجُلُ ، وَقُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ حَتَّى وَرِثَتْهُ امْرَأَتُهُ فَهُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ ، وَقَدْ بَيَّنَّا الْوَجْهَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ ، وَقِيلَ يَجِبُ عَلَيْهَا عِدَّةُ الطَّلَاقِ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَمْ يُعْتَبَرْ بَاقِيًا إلَى الْمَوْتِ لِأَنَّهُ لَوْ اُعْتُبِرَ لَمَّا وَرِثَتْ إذْ الْمُسْلِمُ لَا يَرِثُ الْكَافِرَ بَلْ الْإِرْثُ يَسْتَنِدُ إلَى مَا قَبْلَ الرِّدَّةِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ عَتَقَتْ فِي عِدَّةِ الرَّجْعِيِّ لَا الْبَائِنِ وَالْمَوْتِ كَالْحُرَّةِ) أَيْ الْأَمَةُ إذَا عَتَقَتْ فِي الْعِدَّةِ مِنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ فَعِدَّتُهَا كَعِدَّةِ الْحُرَّةِ إلَّا إذَا أُعْتِقَتْ وَهِيَ مُعْتَدَّةٌ مِنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ أَوْ مَوْتِ زَوْجٍ لِأَنَّ النِّكَاحَ بَاقٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فِي الرَّجْعِيِّ فَوَجَبَ انْتِقَالُ عِدَّتِهَا إلَى عِدَّةِ الْحَرَائِرِ لِكَمَالِ الْمِلْكِ فِيهَا ، وَالطَّلَاقُ فِي الْمِلْكِ الْكَامِلِ يُوجِبُ عِدَّةَ الْحَرَائِرِ ، وَفِي الْبَائِنِ وَالْمَوْتِ ، وَزَالَ النِّكَاحُ ، وَلَمْ يَتَكَامَلْ الْمِلْكُ بَعْدَ زَوَالِ النِّكَاحِ ، وَالطَّلَاقُ فِي الْمِلْكِ النَّاقِصِ لَا يُوجِبُ عِدَّةَ الْحَرَائِرِ فَلَا تَنْتَقِلُ عِدَّتُهَا ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ آلَى مِنْهَا ثُمَّ أَبَانَهَا ثُمَّ أَعْتَقَهَا سَيِّدُهَا حَيْثُ تَصِيرُ مُدَّةُ إيلَائِهَا مُدَّةَ إيلَاءِ الْحَرَائِرِ ، وَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ وَالْبَائِنِ ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْبَيْنُونَةَ لَيْسَتْ مِنْ أَحْكَامِ الْإِيلَاءِ فَالْبَائِنُ وَالرَّجْعِيُّ فِيهِ سَوَاءٌ بِخِلَافِ الْعِدَّةِ فَإِنَّ سَبَبَهَا الطَّلَاقُ وَهِيَ تَعْقُبُهُ فَتُعْتَبَرُ فِيهَا صِفَتُهُ ، وَلِأَنَّ فِي زِيَادَةِ مُدَّةِ الْعِدَّةِ إضْرَارًا بِهَا ، وَلَيْسَ فِي زِيَادَةِ مُدَّةِ الْإِيلَاءِ ذَلِكَ فَافْتَرَقَا كَذَا ذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ عَادَ دَمُهَا بَعْدَ الْأَشْهُرِ الْحَيْضُ) أَيْ وَعِدَّةُ مَنْ عَادَ دَمُهَا بَعْدَمَا اعْتَدَّتْ بِالْأَشْهُرِ الْحَيْضُ ، وَمُرَادُهُ أَنَّ الْآيِسَةَ إذَا اعْتَدَّتْ بِالْأَشْهُرِ ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ انْتَقَضَ مَا مَضَى مِنْ عِدَّتِهَا ، وَوَجَبَ عَلَيْهَا أَنْ تَسْتَأْنِفَ الْعِدَّةَ بِالْحَيْضِ مَعْنَاهُ إذَا رَأَتْهُ عَلَى الْعَادَةِ الْجَارِيَةِ لِأَنَّ عَوْدَهُ يُبْطِلُ الْإِيَاسَ لِأَنَّ شَرْطَ الْخَلِيفَةِ تَحَقُّقُ الْإِيَاسِ عَنْ الْأَصْلِ ، وَذَلِكَ بِالْعَجْزِ الدَّائِمِ إلَى الْمَوْتِ كَالْفِدْيَةِ فِي حَقِّ الشَّيْخِ الْفَانِي ، وَكَذَا إذَا حَبِلَتْ مِنْ زَوْجٍ آخَرَ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا ، وَفَسَدَ نِكَاحُهَا لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهَا مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ إذْ الْآيِسَةُ لَا تَحِيضُ ، وَالصَّغِيرَةُ إذَا حَاضَتْ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بِالْأَشْهُرِ لَا تَسْتَأْنِفُ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَبَيَّنْ أَنَّهَا كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ بِخِلَافِ مَا إذَا حَاضَتْ فِي أَثْنَاءِ الْعِدَّةِ حَيْثُ تَسْتَأْنِفُ تَحَرُّزًا عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْبَدَلِ ثُمَّ ذَكَرَ الِاسْتِئْنَافَ هُنَا مُطْلَقًا ، وَذَكَرَ فِي الْإِيضَاحِ هَذَا فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي لَمْ تُقَدِّرْ لِلْإِيَاسِ مِقْدَارًا أَمَّا فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي قُدِّرَ لِلْإِيَاسِ قَدْرٌ إذَا بَلَغَتْهُ ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ لَمْ يَكُنْ حَيْضًا ، وَذُكِرَ فِي الْغَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْإِسْبِيجَابِيِّ عَلَى رِوَايَةِ عَدَمِ التَّقْدِيرِ لَوْ اعْتَدَّتْ بِالْأَشْهُرِ ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ لَا تَبْطُلُ الْأَشْهُرُ ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَنَا ، وَذَكَرَ فِيهِ أَيْضًا عَلَى رِوَايَةِ التَّقْدِيرِ لِلْإِيَاسِ إنْ رَأَتْ دَمًا بَعْدَ ذَلِكَ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ أَيْضًا فَثَبَتَ بِهَذَا أَنَّ مَا تَرَاهُ مِنْ الدَّمِ بَعْدَ سِنِّ الْإِيَاسِ فِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ قِيلَ يَكُونُ حَيْضًا ، وَتَسْتَأْنِفُ الْعِدَّةَ ، وَيَبْطُلُ النِّكَاحُ إنْ تَزَوَّجَتْ
وَقِيلَ لَا يَكُونُ حَيْضًا ، وَلَا تَسْتَأْنِفُ الْعِدَّةَ ، وَلَا يَبْطُلُ النِّكَاحُ ، وَقَوْلُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ يَقْتَضِي أَنَّهُ اخْتَارَ الْبُطْلَانَ والإسبيجابي عَدَمَهُ ، وَقِيلَ إنْ كَانَ أَحْمَرَ أَوْ أَسْوَدَ فَهُوَ حَيْضٌ ، وَإِنْ كَانَ أَخْضَرَ أَوْ أَصْفَرَ فَلَا اعْتِبَارَ بِهِ ثُمَّ تَفْسِيرُ قَوْلِ مَنْ لَمْ يُقَدِّرْ الْإِيَاسَ ظَاهِرٌ ، وَهُوَ أَنْ تَبْلُغَ حَدًّا لَا يَحِيضُ فِيهِ مِثْلُهَا ، وَذَلِكَ يُعْرَفُ بِالِاجْتِهَادِ ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ قَدَّرَهُ فَقَدْ اخْتَلَفُوا فِيهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ سِتُّونَ سَنَةً ، وَقَالَ الصَّفَّارُ سَبْعُونَ سَنَةً ، وَقَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ الْمُخْتَارُ خَمْسٌ وَخَمْسُونَ سَنَةً ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ ، وَفِي الْمَنَافِعِ ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَدَّرَهُ فِي الرُّومِيَّاتِ بِخَمْسٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً ، وَفِي غَيْرِهِنَّ بِسِتِّينَ سَنَةً وَلَوْ أَيِسَتْ الْمُعْتَدَّةُ بَعْدَمَا حَاضَتْ حَيْضَةً أَوْ حَيْضَتَيْنِ اسْتَأْنَفَتْ الْعِدَّةَ بِالشُّهُورِ ، وَلَا عِبْرَةَ بِمَا مَضَى مِنْ الْحَيْضِ تَحَرُّزًا عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْبَدَلِ فَإِنْ قِيلَ أَنْتُمْ جَوَّزْتُمْ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ حَيْثُ قُلْتُمْ الْمُتَوَضِّئُ إذَا أَحْدَثَ فِي الصَّلَاةِ ، وَلَمْ يَجِدْ مَاءً يَتَيَمَّمُ وَيَبْنِي ، وَكَذَلِكَ لَوْ صَلَّى أَوَّلَ صَلَاتِهِ بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ ثُمَّ عَجَزَ جَازَ لَهُ الْبِنَاءُ بِالْإِيمَاءِ فَوَجَبَ أَنْ يَجُوزَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَيْضًا قُلْنَا الصَّلَاةُ بِالتَّيَمُّمِ لَيْسَتْ بِخُلْفٍ عَنْ الصَّلَاةِ بِالْوُضُوءِ ، وَإِنَّمَا الْخَلْفِيَّةُ بَيْنَ التُّرَابِ وَالْمَاءِ أَوْ بَيْنَ الطَّهَارَتَيْنِ بِهِمَا عَلَى اخْتِلَافِهِمْ ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ فِيهِ الْجَمْعُ ، وَكَذَا الْإِيمَاءُ لَيْسَ بِخُلْفٍ عَنْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لِأَنَّ الْإِيمَاءَ مَوْجُودٌ فِيهِمَا وَزِيَادَةً ، وَلَكِنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ لِأَنَّ النِّكَاحَ زَالَ بِهِ) أَيْ وَلَزِمَهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ ، وَإِنَّمَا تَجِبُ عِدَّةُ الْوَفَاةِ إذَا زَالَ النِّكَاحُ بِالْوَفَاةِ . ا هـ . هِدَايَةٌ

(قَوْلُهُ وَالطَّلَاقُ فِي الْمِلْكِ الْكَامِلِ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ الطَّلَاقَ لَمْ يَحْدُثْ فِي الْمِلْكِ الْكَامِلِ بَلْ طَرَأَ كَمَالُ الْمِلْكِ بَعْدَهُ بِالْعِتْقِ ، وَقَوْلُ صَاحِبِ الْكَافِي وَالْعِدَّةُ فِي الْمِلْكِ الْكَامِلِ مُقَدَّرَةٌ بِثَلَاثِ حِيَضٍ هُوَ الظَّاهِرُ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَالطَّلَاقُ فِي الْمِلْكِ النَّاقِصِ إلَخْ) وَقَالَ الْكَمَالُ وَقَدْ صَوَّرَ الِانْتِقَالَ إلَى جَمِيعِ كَمِّيَّاتِ الْعِدَّةِ الْبَسِيطَةِ ، وَهِيَ أَرْبَعَةٌ صُورَتُهَا أَمَةٌ صَغِيرَةٌ مَنْكُوحَةٌ طَلُقَتْ رَجْعِيًّا فَعِدَّتُهَا شَهْرٌ وَنِصْفٌ فَلَوْ حَاضَتْ فِي أَثْنَائِهَا انْتَقَلَتْ إلَى حَيْضَتَيْنِ فَلَوْ أَعْتَقَتْ قَبْلَ مُضِيِّهَا صَارَتْ ثَلَاثَ حِيَضٍ فَلَوْ مَاتَ زَوْجُهَا قَبْلَ انْقِضَائِهَا انْتَقَلَتْ إلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ . ا هـ .

(قَوْلُهُ انْتَقَضَ مَا مَضَى مِنْ عِدَّتِهَا) أَيْ وَظَهَرَ فَسَادُ نِكَاحِهَا الْكَائِنِ بَعْدَ تِلْكَ الْعِدَّةِ . ا هـ . فَتْحٌ (قَوْلُهُ ثُمَّ ذَكَرَ الِاسْتِئْنَافَ هُنَا مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الْإِيَاسُ مُقَدَّرًا لِوَقْتٍ أَمْ لَا . ا هـ . (قَوْلُهُ وَهُوَ أَنْ تَبْلُغَ حَدًّا لَا يَحِيضُ فِيهِ مِثْلُهَا) وَيُمْكِنُ كَوْنُ الْمُرَادِ بِمِثْلِهَا فِيمَا ذَكَرَ فِي تَرْكِيبِ الْبَدَنِ وَالسِّمَنِ وَالْهُزَالِ . ا هـ . فَتْحٌ

(3/29)


سَقَطَ عَنْهُ بَعْضُ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ لِلْعُذْرِ ، وَبَقِيَ الْبَعْضُ عَلَى حَالِهِ ، وَبَعْضُ الشَّيْءِ لَا يَكُونُ خُلْفًا عَنْ الْبَاقِي لِوُجُودِهِ مَعَهُ ، وَإِنَّمَا تَكُونُ الْخُلْفِيَّةُ بِشَيْءٍ آخَرَ غَيْرَهُ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمَنْكُوحَةُ نِكَاحًا فَاسِدًا ، وَالْمَوْطُوءَةُ بِشُبْهَةٍ ، وَأُمُّ الْوَلَدِ الْحَيْضُ لِلْمَوْتِ وَغَيْرِهِ) أَيْ عِدَّةُ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثِ الْحَيْضُ إذَا فَارَقَتْهُ بِالْمَوْتِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ تَفْرِيقِ الْقَاضِي أَوْ عَزَمَ الْوَاطِئُ عَلَى تَرْكِ وَطْئِهَا أَوْ عِتْقِ أُمِّ الْوَلَدِ ، وَمَعْنَاهُ إذَا لَمْ تَكُنْ حَامِلًا ، وَلَا آيِسَةً لِأَنَّ عِدَّتَهُنَّ لِلتَّعَرُّفِ عَلَى بَرَاءَةِ الرَّحِمِ لَا لِقَضَاءِ حَقِّ النِّكَاحِ ، وَالْحَيْضُ هُوَ الْمُعَرِّفُ فِي غَيْرِ الْحَامِلِ وَالْآيِسَةِ ، وَلَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ الْمَوْتِ وَغَيْرِهِ فَإِنْ قِيلَ فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكْتَفِيَ بِحَيْضَةٍ كَالِاسْتِبْرَاءِ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ بِهَا التَّعَرُّفُ قُلْنَا النِّكَاحُ الْفَاسِدُ مُلْحَقٌ بِالصَّحِيحِ كَمَا فِي الْبَيْعِ حَتَّى يُفِيدَ الْمِلْكَ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْقَبْضُ فَيُؤْخَذُ لَهُ الْحُكْمُ مِنْ الصَّحِيحِ ، وَالْوَطْءُ بِشُبْهَةٍ هُوَ كَالْفَاسِدِ حَتَّى يَجِبَ بِهِ الْمَهْرُ ، وَغَيْرُهُ ، وَعِدَّةُ أُمِّ الْوَلَدِ وَجَبَتْ بِزَوَالِ الْفِرَاشِ فَأَشْبَهَتْ عِدَّةَ النِّكَاحِ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ يَجِبُ عَلَى أُمِّ الْوَلَدِ حَيْضَةٌ وَاحِدَةٌ يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عُمَرَ ، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ عِدَّتُهَا فِي مَوْتِ مَوْلَاهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ رَوَاهُ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد ، وَضَعَّفَهُ ، وَإِمَامُنَا فِيهِ عُمَرُ وَعَلِيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ ، وَكَفَى بِهِمْ قُدْوَةً ، وَلِأَنَّ هَذِهِ عِدَّةٌ وَجَبَتْ عَلَى حُرَّةٍ فَلَا يَكْتَفِي فِيهَا بِحَيْضَةٍ كَعِدَّةِ النِّكَاحِ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ تِلْكَ تَجِبُ عَلَى الْأَمَةِ
وَهَذِهِ لَا تَجِبُ إلَّا عَلَى الْحُرَّةِ فَكَانَتْ أَوْلَى بِالتَّكْمِيلِ بِخِلَافِ الِاسْتِبْرَاءِ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا ، وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى ، هَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ مُزَوَّجَةً أَوْ مُعْتَدَّةً فَأَمَّا إذَا كَانَتْ مُزَوَّجَةً أَوْ مُعْتَدَّةً فَلَا تَجِبُ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ بِمَوْتِ الْمَوْلَى ، وَلَا بِالْعِتْقِ لِعَدَمِ ظُهُورِ فِرَاشِ الْمَوْلَى مَعَهُ ، وَلَوْ مَاتَ الْمَوْلَى وَالزَّوْجُ ، وَلَا يَدْرِي أَيَّهُمَا أَوَّلُ وَبَيْنَ مَوْتَيْهِمَا أَقَلُّ مِنْ شَهْرَيْنِ وَخَمْسَةِ أَيَّامٍ فَعَلَيْهَا أَنْ تَعْتَدَّ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْمَوْلَى مَاتَ أَوَّلًا ثُمَّ مَاتَ الزَّوْجُ وَهِيَ حُرَّةٌ ، وَلَا يَجِبُ بِمَوْتِ الْمَوْلَى شَيْءٌ لِأَنَّهُ إنْ تَقَدَّمَ مَوْتُهُ عَلَى مَوْتِ الزَّوْجِ فَهِيَ مَنْكُوحَةٌ ، وَإِنْ تَأَخَّرَ فَهِيَ مُعْتَدَّةٌ فَتَيَقَّنَّا بِعَدَمِ وُجُوبِ الْعِدَّةِ لِلْمَوْلَى ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَ مَوْتَيْهِمَا أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا تَعْتَدُّ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ لِاحْتِمَالِ تَأَخُّرِ الزَّوْجِ ، وَيُعْتَبَرُ فِيهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْمُتَأَخِّرَ هُوَ الْمَوْلَى ، وَأَنَّهُ مَاتَ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا مِنْ الزَّوْجِ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ عَلَى مَا بَيَّنَّا ، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ كَمْ بَيْنَهُمَا فَكَذَلِكَ عِنْدَهُمَا لِاحْتِمَالِ مَا ذَكَرْنَا ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَعْتَدُّ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الزَّوْجَ هُوَ الْمُتَأَخِّرُ ، وَلَا يُعْتَبَرُ فِيهَا الْحَيْضُ لِأَنَّ سَبَبَ وُجُوبِ الْعِدَّةِ لِلْمَوْلَى ، وَهُوَ ظُهُورُ فِرَاشِهِ لَمْ يُوجَدْ ، وَالِاحْتِيَاطُ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ ظُهُورِ سَبَبِهِ .

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَزَوْجَةُ الصَّغِيرِ الْحَامِلُ عِنْدَ مَوْتِهِ وَضْعُهُ ، وَالْحَامِلُ بَعْدَهُ الشُّهُورُ) أَيْ عِدَّةُ زَوْجَةِ الصَّغِيرِ وَهِيَ حَامِلٌ عِنْدَ مَوْتِهِ وَضْعُ الْحَمْلِ ، وَإِنْ حَدَثَ الْحَمْلُ بَعْدَ مَوْتِهِ فَعِدَّتُهَا الشُّهُورُ ، وَتَفْسِيرُ قِيَامِ الْحَمْلِ عِنْدَ مَوْتِهِ أَنْ تَلِدَ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ مَوْتِهِ ، وَقِيلَ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ ، وَلِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ حَادِثٌ إجْمَاعًا ، وَكَذَا إذَا وَلَدَتْ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ عِنْدَ الْجُمْهُورِ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ عِدَّتُهَا الشُّهُورُ فِي الْوَجْهَيْنِ ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ لِأَنَّهُ مُنْتَفٍ عَنْهُ فَلَا عِبْرَةَ بِهِ كَالْحَمْلِ الْحَادِثِ بَعْدَ مَوْتِهِ ، وَلَنَا إطْلَاقُ قَوْله تَعَالَى {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق : 4] مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ ، وَلِأَنَّ هَذِهِ الْعِدَّةَ شُرِعَتْ لِقَضَاءِ حَقِّ النِّكَاحِ لَا لِلتَّعَرُّفِ عَلَى بَرَاءَةِ الرَّحِمِ لِشَرْعِهَا بِالْأَشْهُرِ مَعَ وُجُودِ الْأَقْرَاءِ ، وَهَذَا الْمَعْنَى مُتَحَقِّقٌ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ ، وَلَئِنْ كَانَ لِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ فَوَضْعُهُ يَصْلُحُ دَلِيلًا عَلَى بَرَاءَتِهِ فَيَتَعَلَّقُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْمَنْكُوحَةُ نِكَاحًا فَاسِدًا) أَرَادَ بِالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ النِّكَاحَ بِغَيْرِ شُهُودٍ وَنِكَاحَ الْأُخْتِ فِي عِدَّةِ الْأُخْتِ وَنِكَاحَ الْخَامِسَةِ فِي عِدَّةِ الرَّابِعَةِ ، وَأَرَادَ بِالْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ مَا إذَا زُفَّتْ إلَيْهِ امْرَأَةً . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لَا لِقَضَاءِ حَقِّ النِّكَاحِ) لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِلنِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَالْوَطْءِ بِشُبْهَةٍ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ

(قَوْلُهُ أَنْ تَلِدَ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ مَوْتِهِ) أَيْ فِي الْأَصَحِّ فَإِذَا وَضَعَتْهُ كَذَلِكَ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَإِنْ وَضَعَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ مَوْتِهِ فَأَكْثَرَ لَمْ يَكُنْ مَحْكُومًا بِقِيَامِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ بَلْ بِحُدُوثِهِ بَعْدَهُ فَلَا يَكُونُ تَقْدِيرُ الْعِدَّةِ بِالْوَضْعِ عِنْدَهُمَا بَلْ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ اتِّفَاقًا ، وَقِيلَ الْمَحْكُومُ بِحُدُوثِهِ أَنْ تَلِدَهُ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ مَوْتِهِ ، وَفِيمَا دُونَ ذَلِكَ يَكُونُ الِانْقِضَاءُ بِالْوَضْعِ ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ لِلْحُدُوثِ بِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ أَوْ بِسَنَتَيْنِ كَوَامِلَ لَيْسَ إلَّا لِلِاحْتِيَاطِ فِي ثُبُوتِ النَّسَبِ ، وَلَا يُمْكِنُ ثُبُوتُهُ فِي الصَّبِيِّ فَلَا حَاجَةَ إلَى تَأْخِيرِ الْحُكْمِ بِالْحُدُوثِ إلَى السَّنَتَيْنِ . ا هـ . كَمَالٌ
(قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ عِدَّتُهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ) وَهَذِهِ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إذْ لَمْ يُحْكَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ خِلَافٌ ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ مُحَمَّدٌ ، وَلَا جَامَعَ كَلَامَهُ الْحَاكِمُ ، وَقَوْلُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ ، وَهَذَا يَعْنِي الِاعْتِدَادَ بِوَضْعِ الْحَمْلِ اسْتِحْسَانٌ مِنْ عُلَمَائِنَا يَدُلُّ عَلَيْهِ فَإِنَّمَا هِيَ رِوَايَةٌ عَنْهُ ، وَلِهَذَا قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ عِدَّتَهَا بِالشُّهُورِ ، وَهُوَ الْقِيَاسُ ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرُ ا هـ وَإِذَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي الْمُطَلَّقَةِ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ تَعْتَدُّ بِوَضْعِهِ مَعَ أَنَّهُ مَنْفِيُّ النَّسَبِ ، وَمَحْكُومٌ بِحُدُوثِهِ فَكَيْفَ يَقُولُ فِي الْمَحْكُومِ بِقِيَامِهِ عِنْدَ الْفُرْقَةِ لَا تَعْتَدُّ بِوَضْعِهِ فَإِنَّمَا هِيَ رِوَايَةٌ شَاذَّةٌ ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ثُمَّ يَجِبُ كَوْنُ الصَّغِيرِ غَيْرَ مُرَاهِقٍ فَيَجِبُ أَنْ يَثْبُتَ النَّسَبُ مِنْهُ إلَّا إذَا لَمْ يُمْكِنْ بِأَنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ الْعَقْدِ ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا طَلَّقَ الْكَبِيرُ امْرَأَتَهُ فَأَتَتْ بِوَلَدٍ غَيْرَ سَقْطٍ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ بِأَنْ تَزَوَّجَهَا حَامِلًا مِنْ الزِّنَا ، وَلَا يَعْلَمُ الْحَالَ ثُمَّ وَضَعَتْ كَذَلِكَ بَعْدَ الطَّلَاقِ تَعْتَدُّ بِالْوَضْعِ عِنْدَهُمَا ، وَعِنْدَهُمْ لَا اعْتِبَارَ بِهِ ، وَإِنَّمَا قُلْنَا وَلَا يُعْلَمُ لِيَصِحَّ كَوْنُهُ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ لِأَنَّ كَوْنَهُ لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ يُمْنَعُ الْعَقْدُ عَلَى الْحَامِلِ مِنْ الزِّنَا بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَعْلَمَا فَإِنَّهُ وَإِنْ لَمْ يُصَحِّحْهُ لَكِنْ يَجِبُ مِنْ الْوَطْءِ فِيهِ الْعِدَّةُ لِأَنَّهُ بِشُبْهَةٍ فَيَقَعُ الْخِلَافُ فِي أَنَّهَا بِالْوَضْعِ أَوْ بِالْأَشْهُرِ . ا هـ . فَتْحٌ
(قَوْلُهُ وَلِأَنَّ هَذِهِ إلَخْ) أَيْ عِدَّةُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا ا هـ

(3/30)


بِهِ الِانْقِضَاءُ كَاَلَّذِي يُنْسَبُ إلَى الْمَيِّتِ بِخِلَافِ الْحَادِثِ بَعْدَ الْمَوْتِ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ وُجُودُهُ وَقْتَ الْمَوْتِ لَا حَقِيقَةً ، وَلَا حُكْمًا فَتَعَيَّنَتْ الْأَشْهُرُ عِنْدَ الْمَوْتِ فَلَا يَتَغَيَّرُ بِحُدُوثِهِ بَعْدَ ذَلِكَ بِخِلَافِ امْرَأَةِ الْكَبِيرِ إذَا حَدَثَ بِهَا الْحَبَلُ بَعْدَ الْمَوْتِ لِأَنَّ نَسَبَهُ ثَابِتٌ إلَى حَوْلَيْنِ ، وَمِنْ ضَرُورَتِهِ وُجُودُهُ عِنْدَ الْمَوْتِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَادِثٍ حَتَّى لَوْ تَيَقَّنَ بِحُدُوثِهِ بِأَنْ وَلَدَتْهُ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ ، وَعَلَى هَذَا لَوْ تَزَوَّجَ الْكَبِيرُ امْرَأَةً فَدَخَلَ بِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ التَّزَوُّجِ كَانَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِثَابِتِ النَّسَبِ مِنْهُ ، وَإِنْ كَانَ مَوْجُودًا وَقْتَ زَوَالِ النِّكَاحِ بِالْمَوْتِ .

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالنَّسَبُ مُنْتَفٍ فِيهِمَا) أَيْ نَسَبُ الْوَلَدِ لَا يَثْبُتُ مِنْ الصَّغِيرِ فِي الْحَمْلِ الْحَادِثِ بَعْدَ الْمَوْتِ ، وَفِي غَيْرِ الْحَادِثِ لِاسْتِحَالَتِهِ مِنْهُ لِأَنَّ النَّسَبَ يَعْتَمِدُ الْمَاءَ ، وَلَا مَاءَ لَهُ ، وَلَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ حُكْمًا مَعَ تَعَذُّرِهِ حَقِيقَةً ، وَإِقَامَةُ النِّكَاحِ مَقَامَ الْمَاءِ عِنْدَ التَّصَوُّرِ فَإِذَا تَعَذَّرَ فَاتَ الشَّرْطُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَمْ يُعْتَدَّ بِحَيْضٍ طَلُقَتْ فِيهِ) أَيْ لَوْ طَلَّقَهَا وَهِيَ حَائِضٌ لَا يُعْتَدُّ بِتِلْكَ الْحَيْضَةِ الَّتِي وَقَعَ فِيهَا الطَّلَاقُ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ أَوْ اثْنَتَانِ بِالنَّصِّ فَلَا يَنْقُصُ عَنْهَا كَأَعْدَادِ الرَّكَعَاتِ ، وَلِأَنَّ الْحَيْضَةَ الْوَاحِدَةَ لَا تَتَجَزَّأُ فَمَا وُجِدَ قَبْلَ الطَّلَاقِ لَا يُحْتَسَبُ بِهِ مِنْ الْعِدَّةِ لِعَدَمِ السَّبَبِ فَكَذَا مَا بَعْدَهُ لِعَدَمِ التَّجَزِّي وَلَوْ احْتَسَبَ بِهِ لَوَجَبَ تَكْمِيلُهُ مِنْ الرَّابِعَةِ فَإِذَا وَجَبَ تَكْمِيلُهُ مِنْ الرَّابِعَةِ لَوَجَبَ كُلُّهَا ضَرُورَةَ أَنَّهَا لَا تَتَجَزَّأُ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَجِبُ عِدَّةٌ أُخْرَى بِوَطْءِ الْمُعْتَدَّةِ بِشُبْهَةٍ ، وَتَدَاخَلَتَا ، وَالْمَرْئِيُّ مِنْهُمَا ، وَتَتِمُّ الثَّانِيَةُ إنْ تَمَّتْ الْأُولَى) أَيْ إذَا وَطِئَتْ الْمُعْتَدَّةُ بِشُبْهَةٍ يَجِبُ عَلَيْهَا عِدَّةٌ أُخْرَى ، وَتَدَاخَلَتْ الْعِدَّتَانِ ، وَالدَّمُ الَّذِي تَرَاهُ مُحْتَسَبٌ بِهِ مِنْ الْعِدَّتَيْنِ ، وَتَتِمُّ الْعِدَّةُ الثَّانِيَةُ إنْ تَمَّتْ الْأُولَى ، وَلَمْ تَكْمُلْ الثَّانِيَةُ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَتَدَاخَلَانِ لِأَنَّهُمَا حَقَّانِ لِشَخْصَيْنِ فَلَا يَتَدَاخَلَانِ كَالْمَهْرَيْنِ ، وَلِأَنَّهُمَا عِبَادَتَا كَفٍّ فِي مُدَّةٍ فَلَا يَجْتَمِعُ الْكَفَّانِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ كَالصَّوْمَيْنِ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ ، وَهَذَا لِأَنَّهَا مَأْمُورَةٌ بِالتَّرَبُّصِ ، وَهُوَ فِعْلٌ مِنْهَا ، وَالْفِعْلُ الْوَاحِدُ لَا يُعَدُّ بِفِعْلَيْنِ ، وَلَنَا أَنَّ الْعِدَّةَ مُجَرَّدٌ أَجَلٍ ، وَالْآجَالُ إذَا اجْتَمَعَتْ تَنْقَضِي بِمُدَّةٍ وَاحِدَةٍ كَرَجُلٍ عَلَيْهِ دُيُونٌ إلَى أَجَلٍ فَبِمُضِيِّ الْأَجَلِ حَلَّتْ كُلُّهَا ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ أَجَلٌ قَوْله تَعَالَى {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق : 4] {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ} [الطلاق : 2] {حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ} [البقرة : 235] ، وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِيهَا بَرَاءَةُ الرَّحِمِ وَهِيَ تَحْصُلُ بِالْوَاحِدَةِ فَصَارَ كَمَا إذَا كَانَتْ الْعِدَّتَانِ مِنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ أَوْ مِنْ أَشْخَاصَ وَهِيَ حَامِلٌ حَيْثُ يَنْقَضِي الْكُلُّ بِالْوَضْعِ إجْمَاعًا وَلِأَنَّ رُكْنَ الْعِدَّةِ حُرْمَةُ الْأَفْعَالِ مِنْ الْخُرُوجِ ، وَالتَّزَوُّجُ ، وَغَيْرُ ذَلِكَ بِالنَّهْيِ ، وَهُوَ يَقْتَضِي الْحُرْمَةَ ، وَمَعْنَى الْعِبَادَةِ تَابِعٌ فِيهِ حَتَّى يَصِحَّ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ ، وَتَجِبُ عَلَى الْكَافِرَةِ وَعَلَى غَيْرِ الْمُكَلَّفِ ، وَيَصِحُّ مِنْهُمْ ، وَالْحُرُمَاتُ تَجْتَمِعُ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ كَالصَّيْدِ فِي الْحَرَمِ يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ بِجِهَتَيْنِ ، وَكَذَا الْخَمْرُ عَلَى الصَّائِمِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ فَإِنَّ الرُّكْنَ فِيهِ الْفِعْلُ فَلَا يَكُونُ الْفِعْلُ الْوَاحِدُ فِعْلَيْنِ يُحَقِّقُهُ أَنَّ الْعِدَّةَ تَنْقَضِي مِنْ غَيْرِ عَمَلِهَا بِلَا كَفٍّ ، وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تُؤَخِّرَهَا بَعْدَ الْوُجُوبِ ، وَلَا اخْتِيَارَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْحَمْلِ الْحَادِثِ) شَرَعَ يُفَرِّقُ بَيْنَ مَا قَاسُوا عَلَيْهِ فِي الصُّورَةِ بَيْنَ مَحَلِّ الْخِلَافِ . وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ تَعَالَى إنَّمَا شَرَّعَ الْعِدَّةَ بِوَضْعٍ إذَا كَانَ الْحَمْلُ ثَابِتًا حَالَ الْمَوْتِ ، وَإِنْ كَانَ لَفْظُ الْآيَةِ مُطْلَقًا يُخَصُّ بِالْعَقْلِ لِلْعِلْمِ بِأَنَّ حَالَ الْمَوْتِ حَالُ زَوَالِ النِّكَاحِ ، وَعِنْدَهُ يَتِمُّ السَّبَبُ الْمَوْجُودُ لِلْعِدَّةِ فَلَا بُدَّ أَنْ تَثْبُتَ الْعِدَّةُ إذْ ذَاكَ ، وَالْفَرْضُ أَنْ لَا حَمْلَ حِينَئِذٍ لِيَثْبُتَ بِالْوَضْعِ فَكَانَ اعْتِبَارُ قِيَامِ الْحَمْلِ عِنْدَ الْمَوْتِ وَعَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِالْوَضْعِ أَوْ الْأَشْهُرِ مِنْ ضَرُورِيَّاتِ الْعَقْلِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِمَا ذَكَرْنَاهُ فَعِنْدَ عَدَمِهِ ، وَالْفَرْضُ أَنَّ الْعِدَّةَ تَثْبُتُ لَا تَتَوَقَّفُ فَإِنَّمَا تَثْبُتُ بِالْأَشْهُرِ ، وَبِهَذَا لَزِمَ أَنْ يُرَادَ مِنْ الْآيَةِ بِأُولَاتِ الْأَحْمَالِ أُولَاتُ الْأَحْمَالِ حَالَ الْفُرْقَةِ ا هـ فَتْحٌ
(قَوْلُهُ بِخِلَافِ امْرَأَةِ الْكَبِيرِ إذَا حَدَثَ بِهَا الْحَبَلُ بَعْدَ الْمَوْتِ) بِأَنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مَعَ حُدُوثِهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ حَيْثُ تَعْتَدُّ لَا بِالْأَشْهُرِ مَعَ فَرْضِ حُدُوثِهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ ، وَأَجَابَ بِمَنْعِ الْحُكْمِ بِحُدُوثِهِ فَإِنَّهُ مَحْكُومٌ بِثُبُوتِ نَسَبِهِ شَرْعًا ، وَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ الْحُكْمَ بِقِيَامِهِ عِنْدَ الْمَوْتِ ، وَالْأَصْلُ التَّوَافُقُ بَيْنَ الْحُكْمِيِّ ، وَالْوَاقِعُ الْآنَ يَتَحَقَّقُ خِلَافُهُ فَوَجَبَ كَوْنُهُ قَائِمًا عِنْدَ الْمَوْتِ حَقِيقَةً ، وَحُكْمًا . ا هـ . فَتْحٌ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَمْ يُعْتَدَّ) أَيْ لَمْ يُحْتَسَبْ ، وَهُوَ عَلَى صِيغَةِ الْمَبْنِيِّ لِلْمَفْعُولِ مُسْنَدٌ إلَى الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ مَنْقُوطٌ بِنُقْطَتَيْنِ تَحْتَانِيَّتَيْنِ ، وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ عَلَى صِيغَةِ الْمَبْنِيِّ لِلْفَاعِلِ بِنُقْطَتَيْنِ فوقا نِيَّتَيْنِ عَلَى إسْنَادِ الْفِعْلِ إلَى الْمَرْأَةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَوْ وَجَبَ) الَّذِي مَوْجُودٌ بِخَطِّ الشَّارِحِ فَإِذَا وَجَبَ . ا هـ .

(قَوْلُهُ إذَا وَطِئَتْ الْمُعْتَدَّةُ بِشُبْهَةٍ) بِأَنْ تَزَوَّجَهَا رَجُلٌ أَوْ وَجَدَهَا عَلَى فِرَاشِهِ ، وَقَالَ النِّسَاءُ إنَّهَا زَوْجَتُك . ا هـ . عَيْنِيٌّ (قَوْلُهُ وَتَدَاخَلَتْ الْعِدَّتَانِ) مَعْنَى التَّدَاخُلِ جَعَلَ الْمَرْئِيَّ عَنْهُمَا حَتَّى لَوْ كَانَتْ وَطِئَتْ بَعْدَ حَيْضَةٍ مِنْ الْعِدَّةِ الْأُولَى فَعَلَيْهَا حَيْضَتَانِ تَمَامُهَا ، وَيُحْتَسَبُ بِهِمَا عِدَّةُ الثَّانِي ، وَلِلْآخَرِ أَنْ يَخْطُبَهَا إذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا مِنْ الْأَوَّلِ لِأَنَّهَا فِي عِدَّتِهِ ، وَلَا يَخْطُبُهَا غَيْرُهُ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ طَلَّقَهَا رَجْعِيًّا فَلَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا إذَا شَاءَ ثُمَّ لَا يَقْرَبُهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا مِنْ الْآخَرِ
وَإِنْ طَلَّقَهَا بَائِنًا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَخْطُبَهَا بَعْدَ وُجُوبِ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا مِنْ الثَّانِي حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا مِنْهُ ، وَكَذَا إذَا كَانَتْ الْعِدَّتَانِ بِالشُّهُورِ . ا هـ . كَمَالٌ قَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ الْعِدَّتَانِ تَنْقَضِيَانِ بِمُدَّةٍ وَاحِدَةٍ عِنْدَنَا كَانَتَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ أَوْ مِنْ جِنْسَيْنِ صُورَةُ الْأُولَى الْمُطَلَّقَةُ إذَا حَاضَتْ حَيْضَةً ثُمَّ تَزَوَّجَتْ بِزَوْجٍ آخَرَ ، وَوَطِئَهَا الثَّانِي ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا ، وَحَاضَتْ حَيْضَتَيْنِ بَعْدَ التَّفْرِيقِ كَانَ لِهَذَا الزَّوْجِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا لِانْقِضَاءِ عِدَّةِ الْأَوَّلِ ، وَلَيْسَ لِغَيْرِهِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا حَتَّى تَحِيضَ ثَلَاثَ حِيَضٍ مِنْ وَقْتِ التَّفْرِيقِ لِقِيَامِ عِدَّةِ الثَّانِي فِي حَقِّ الْغَيْرِ ، وَإِنْ كَانَ طَلَاقُ الْأَوَّلِ رَجْعِيًّا كَانَ لِلْأَوَّلِ أَنْ يُرَاجِعَهَا قَبْلَ أَنْ تَحِيضَ حَيْضَتَيْنِ بَعْدَ تَفْرِيقِ الثَّانِي لِأَنَّهَا فِي عِدَّةِ الْأَوَّلِ ، وَلَا يَطَؤُهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّةُ الثَّانِي ، وَإِنْ حَاضَتْ ثَلَاثَ حِيَضٍ مِنْ وَقْتِ تَفْرِيقِ الثَّانِي تَنْقَضِي الْعِدَّتَانِ جَمِيعًا ، وَصُورَةُ الثَّانِيَةِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا إذَا وَطِئَتْ بِشُبْهَةٍ تَنْقَضِي الْعِدَّةُ الْأُولَى بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ ، وَتَنْقَضِي الْعِدَّةُ الثَّانِيَةُ بِثَلَاثِ حِيَضٍ تَرَاهَا فِي الْأَشْهُرِ ا هـ

(3/31)


لَهَا فِي الِابْتِدَاءِ فَكَيْفَ يُمْكِنُهَا أَنْ تُؤَخِّرَ إحْدَى الْعِدَّتَيْنِ ، وَتَشْتَغِلَ بِالْأُخْرَى وَلَوْ كَانَ هَذَا مَشْرُوعًا لَأَمْكَنَهَا فِي الِابْتِدَاءِ أَنْ تُؤَخِّرَهَا إلَى وَقْتِ وَاحِدٍ ، وَلَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْأَمْرِ بِالتَّرَبُّصِ عَلَى أَنَّهُ فِعْلٌ لِأَنَّ مَعْنَاهُ الِانْتِظَارُ ، وَانْتِظَارَ أَشْيَاءَ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ مُمْكِنٌ ، وَكَذَا الِامْتِنَاعُ عَنْ أَشْيَاءَ مُمْكِنٌ فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ ، وَلِأَنَّ الْعِدَّةَ أَثَرُ النِّكَاحِ ، وَحَقِيقَةَ النِّكَاحِ لَا تُنَافِي الْعِدَّةَ فَأَثَرُهُ أَوْلَى أَنْ لَا يُنَافِيَهَا ، وَالْمُعْتَدَّةُ عَنْ وَفَاةٍ إذَا وَطِئَتْ بِشُبْهَةٍ تَعْتَدُّ بِالشُّهُورِ ، وَتَحْتَسِبُ بِمَا تَرَاهُ مِنْ الْحَيْضِ فِي خِلَالِهَا مِنْ الْعِدَّةِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَبْدَأُ الْعِدَّةِ بَعْدَ الطَّلَاقِ وَالْمَوْتِ) لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَهَا عَلَى الْمُطَلَّقَةِ ، وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا ، وَهُمَا يَتَّصِفَانِ بِهِمَا عَقِيبَهُمَا فَيَكُونُ وَقْتَ ابْتِدَائِهَا ضَرُورَةً ، وَلِأَنَّ السَّبَبَ نِكَاحٌ مُتَأَكِّدٌ بِالدُّخُولِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ ، وَالْفُرْقَةَ شَرْطٌ لِوُجُوبِهَا ، وَقَدْ تَحَقَّقَ فَتَجِبُ حِينَئِذٍ ، وَجَعَلَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ أَنَّ السَّبَبَ هُوَ الطَّلَاقُ أَوْ الْمَوْتُ ، وَهُوَ تَجَوُّزٌ لِكَوْنِهِ مُعْمِلًا لِلْعِلَّةِ وَلَوْ لَمْ تَعْلَمْ بِالطَّلَاقِ أَوْ الْمَوْتِ حَتَّى مَضَتْ مُدَّةُ الْعِدَّةِ فَقَدْ انْقَضَتْ لِأَنَّهَا أَجَلٌ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعِلْمُ لِانْقِضَائِهِ وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ طَلَّقَهَا مُنْذُ زَمَانٍ قَالُوا فَإِنْ كَذَّبَتْهُ الْمَرْأَةُ أَوْ قَالَتْ لَا أَدْرِي تَجِبُ الْعِدَّةُ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ ، وَيَجِبُ لَهَا عَلَيْهِ النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأُخْتِهَا ، وَلَا أَرْبَعٍ سِوَاهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا ، وَإِنْ صَدَّقَتْهُ فِي الْإِسْنَادِ ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّ عَلَيْهَا الْعِدَّةَ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ ، وَاخْتِيَارُ مَشَايِخِ بَلْخٍ أَنْ تَجِبَ الْعِدَّةُ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ عُقُوبَةً عَلَيْهِ زَجْرًا عَلَى كِتْمَانِهِ الطَّلَاقَ ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةٌ وَلَا سُكْنَى لِاعْتِرَافِهَا بِسُقُوطِهِ ، وَيَنْبَغِي عَلَى قَوْلِ هَؤُلَاءِ أَنْ لَا يَحِلَّ لَهُ التَّزَوُّجُ بِأُخْتِهَا وَأَرْبَعٍ سِوَاهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ ، وَقَالَ السُّغْدِيُّ مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ مِنْ أَنَّ الْعِدَّةَ تُعْتَبَرُ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَا مُتَفَرِّقَيْنِ ، وَأَمَّا إذَا كَانَا مُجْتَمِعَيْنِ فَلَا يُصَدَّقَانِ لِأَنَّ الْكَذِبَ فِي كَلَامِهِمَا ظَاهِرٌ .

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ بَعْدَ التَّفْرِيقِ أَوْ الْعَزْمِ عَلَى تَرْكِ وَطْئِهَا) أَيْ ابْتِدَاءُ الْعِدَّةِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ عَقِيبَ تَفْرِيقِ الْقَاضِي أَوْ عَقِيبَ عَزْمِ الْوَاطِئِ عَلَى تَرْكِ الْوَطْءِ ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَقُولَ تَرَكْتُك أَوْ خَلَّيْت سَبِيلَك أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ لَا مُجَرَّدَ الْعَزْمِ ، وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ آخِرِ الْوَطَآتِ لِأَنَّهُ الْمُؤَثِّرُ فِي وُجُوبِهَا ، وَلَنَا أَنَّ التَّمَكُّنَ عَلَى وَجْهِ الشُّبْهَةِ أُقِيمَ مَقَامَ الْوَطْءِ لِعَدَمِ إمْكَانِ الْوُقُوفِ عَلَيْهِ فَأُقِيمَ الدَّاعِي إلَيْهِ مَقَامَهُ ، وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ مَاسَةٌ إلَى مَعْرِفَةِ الْأَحْكَامِ فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا كَنِكَاحِ أُخْتِهَا ، وَلَا يُمْكِنُ بِنَاءُ الْأَحْكَامِ إلَّا عَلَى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ) فَلَوْ لَمْ تَرَ فِيهَا دَمًا يَجِبُ أَنْ تَعْتَدَّ بَعْدَ الْأَشْهُرِ بِثَلَاثِ حِيَضٍ ا هـ فَتْحٌ .

(قَوْلُهُ وَإِنْ صَدَّقَتْهُ فِي الْإِسْنَادِ) قَالَ الْوَلْوَالِجَيُّ وَإِنْ صَدَّقَتْهُ فِي الْإِسْنَادِ قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَجِبُ الْعِدَّةُ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ ، وَالْمُخْتَارُ لِلْمَشَايِخِ أَنَّهُ تَجِبُ الْعِدَّةُ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ لِأَنَّهُ لَمَّا طَلَّقَ ، وَكَتَمَ الطَّلَاقَ وَجَبَتْ الْعِدَّةُ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ زَجْرًا لَهُ ، وَلَا تَجِبُ لَهَا نَفَقَةٌ الْعِدَّةِ وَمُؤْنَةُ السُّكْنَى لِأَنَّ نَفَقَةَ الْعِدَّةِ وَمُؤْنَةَ السُّكْنَى حَقُّهَا ، وَهِيَ أَقَرَّتْ أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهَا ، وَلَهَا أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُ مَهْرًا ثَانِيًا بِالدُّخُولِ لِأَنَّ الزَّوْجَ أَقَرَّ لَهَا بِذَلِكَ ، وَهِيَ صَدَّقَتْهُ ا هـ قَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ رَجُلٌ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ مُنْذُ خَمْسِ سِنِينَ إنْ كَذَّبَتْهُ فِي الْإِسْنَادِ أَوْ قَالَتْ لَا أَدْرِي كَانَ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ ، وَلَهَا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى ، وَإِنْ صَدَّقَتْهُ فِي الْإِسْنَادِ ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّ عَلَيْهَا الْعِدَّةَ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ ، وَفِي الْفَتْوَى عَلَيْهَا الْعِدَّةُ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ ، وَلَا يَظْهَرُ أَثَرُ تَصْدِيقِهَا إلَّا فِي إبْطَالِ النَّفَقَةِ ا هـ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ : وَمَشَايِخُنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - يُفْتُونَ فِي الطَّلَاقِ أَنَّ ابْتِدَاءَهَا مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ نَفْيًا لِتُهْمَةِ الْمُوَاضَعَةِ ا هـ قَالَ الْكَمَالُ ثُمَّ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ : وَمَشَايِخُنَا أَيْ مَشَايِخُ بُخَارَى وَسَمَرْقَنْدَ ، وَاقْتِصَارُ النِّهَايَةِ وَالدِّرَايَةِ عَلَى قَوْلِهِ عَنْ مَشَايِخِ بَلْخٍ غَيْرُ جَيِّدٍ ثُمَّ فِيهِ تَرْكٌ لِشَرْحِ الْكِتَابِ . ا هـ . وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ فِي تَتِمَّةِ الْفَتَاوَى وَالْفَتَاوَى الصُّغْرَى إذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ مُنْذُ كَذَا صَدَّقَتْهُ الْمَرْأَةُ فِي الْإِسْنَادِ أَوْ كَذَّبَتْهُ أَوْ قَالَتْ لَا أَدْرِي فَالْعِدَّةُ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ ، وَلَا يُصَدَّقُ فِي الْإِسْنَادِ هُوَ الْمُخْتَارُ ، وَجَوَابُ مُحَمَّدٍ فِي الْكِتَابِ أَنَّ فِي التَّصْدِيقِ الْعِدَّةَ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ إلَّا أَنَّ الْمُخْتَارَيْنِ اخْتَارُوا وُجُوبَ الْعِدَّةِ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ حَتَّى لَا يَحِلَّ لَهُ التَّزَوُّجُ بِأُخْتِهَا وَأَرْبَعٍ سِوَاهَا زَجْرًا لَهُ حَيْثُ كَتَمَ طَلَاقَهَا ، وَلَكِنْ لَا يَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى ، وَعَلَى الزَّوْجِ الْمَهْرُ ثَانِيًا بِالدُّخُولِ لِإِقْرَارِهِ ، وَتَصْدِيقِهَا إيَّاهُ بِذَلِكَ ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ نَفْيًا لِتُهْمَةِ الْمُوَاضَعَةِ أَنَّ الزَّوْجَ يَجُوزُ أَنْ يُقِرَّ مِنْ زَمَانٍ مَاضٍ ، وَتُصَدِّقَهُ الْمَرْأَةُ فِي ذَلِكَ حَتَّى يَجُوزَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأُخْتِهَا ، وَأَرْبَعٍ سِوَاهَا أَوْ يَجُوزَ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ مُطَلَّقَةً الثَّلَاثَ فَيُصَدَّقُ زَوْجُهَا فِي إسْنَادِ الطَّلَاقِ إلَى زَمَانٍ مَاضٍ كَيْ يَجُوزَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا زَوْجُهَا فِي الْحَالِ فَلِنَفْيِ الْمُوَاضَعَةِ اعْتَبَرُوا وُقُوعَ طَلَاقِهَا مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ لَا مِنْ الزَّمَانِ الَّذِي أَسْنَدَ إلَيْهِ الطَّلَاقَ ا هـ قَالَ الْكَمَالُ يُفِيدُ أَنَّ الطَّلَاقَ الْمُتَقَدِّمَ إذَا ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ يَنْبَغِي أَنْ تُعْتَبَرَ الْعِدَّةُ مِنْ وَقْتٍ قَامَتْ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ لِأَنَّ ثُبُوتَهَا بِالْبَيِّنَةِ لَا بِالْإِقْرَارِ . ا هـ .

(قَوْلُهُ وَفِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ إلَخْ) رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ فِي الْمَتْنِ فِي بَابِ الْمَهْرِ وَفِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ إنَّمَا يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ بِالْوَطْءِ فَالْخِلَافُ الْمَذْكُورُ هُنَا مَعَ زُفَرَ مَذْكُورٌ هُنَاكَ أَيْضًا فَرَاجِعْ كَلَامَ الشَّارِحِ . ا هـ . (قَوْلُهُ أَوْ عَقِيبَ عَزْمِ الْوَاطِئِ عَلَى تَرْكِ الْوَطْءِ) وَفِي الْخُلَاصَةِ وَالنِّصَابُ الْمُتَارَكَةُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ بَعْدَ الدُّخُولِ لَا تَكُونُ إلَّا بِالْقَوْلِ كَقَوْلِهِ تَرَكْتُك أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ كَتَرَكْتُهَا ، وَخَلَّيْت سَبِيلَهَا أَمَّا عَدَمُ الْمَجِيءِ فَلَا إذَا لِغَيْبَةٍ لَا تَكُونُ مُتَارَكَةً لِأَنَّهُ عَادَ بِعَوْدٍ ، وَلَوْ أَنْكَرَ نِكَاحَهَا لَا تَكُونُ مُتَارَكَةً ا هـ كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ إلَخْ) الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إلَى الْوَطْءِ ، وَلِهَذَا لَوْ لَمْ يَطَأْهَا لَا تَجِبُ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّ التَّمَكُّنَ عَلَى وَجْهِ الشُّبْهَةِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : وَلَنَا أَنَّ السَّبَبَ الْمُوجِبَ لِلْعِدَّةِ هُوَ شُبْهَةُ النِّكَاحِ ، وَلِهَذَا لَا تَجِبُ الْعِدَّةُ فِي الزِّنَا وَرَفْعُ تِلْكَ الشُّبْهَةِ بِالْفُرْقَةِ إمَّا بِتَفْرِيقِ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا أَوْ بِالْمُتَارَكَةِ ، وَتُعْتَبَرُ الْعِدَّةُ مِنْ وَقْتِ الْفُرْقَةِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَى اعْتِبَارِ الشُّبْهَةِ أَنَّ الْوَطْءَ ، وَإِنْ وُجِدَ مِرَارًا لَا يَجِبُ إلَّا مَهْرٌ وَاحِدٌ لِاسْتِنَادِ الْكُلِّ إلَى شُبْهَةٍ وَاحِدَةٍ ، وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّ الشُّبْهَةَ لَا تَرْتَفِعُ إلَّا بِالْفُرْقَةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ إذَا وَطِئَهَا قَبْلَ الْفُرْقَةِ مِرَارًا لَا يَلْزَمُهُ

(3/32)


شَيْءٍ ظَاهِرٍ ، وَهُوَ الْمُتَارَكَةُ ، وَلِأَنَّ السَّبَبَ الْمُوجِبَ لِلْعِدَّةِ شُبْهَةُ النِّكَاحِ ، وَرَفْعَ هَذِهِ الشُّبْهَةِ بِالتَّفْرِيقِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ وَطِئَهَا قَبْلَ الْمُتَارَكَةِ لَا يُحَدُّ ، وَبَعْدَهُ يُحَدُّ ، وَكَذَا الْوَطَآتُ فِيهِ لَا تُوجِبُ إلَّا مَهْرًا وَاحِدًا فَلَا تَكُونُ شَارِعَةً فِي الْعِدَّةِ حَتَّى تَرْتَفِعَ هَذِهِ الشُّبْهَةُ بِالتَّفْرِيقِ كَمَا فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ ، وَلِهَذَا لَا تَعْتَدُّ عَقِيبَ كُلِّ وَطْأَةٍ بَعْدَهَا وَطْءٌ وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالَهُ لَاعْتَدَّتْ ، وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِثَلَاثِ حِيَضٍ ، وَخَلَا الْوَطَآتُ بَعْدَهَا عَنْ شُبْهَةٍ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ قَالَتْ مَضَتْ عِدَّتِي ، وَكَذَّبَهَا الزَّوْجُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا مَعَ الْحَلِفِ) لِأَنَّهَا أَمِينَةٌ فِيمَا تُخْبِرُ ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْأَمِينِ مَعَ الْيَمِينِ كَالْمُودَعِ إذَا ادَّعَى رَدَّ الْوَدِيعَةِ أَوْ هَلَاكَهَا وَقَدْ بَيَّنَّا أَدْنَى الْمُدَّةِ الَّتِي تَصْدُقُ فِيهَا بِيَمِينِهَا ، وَالِاخْتِلَافُ الْوَاقِعُ فِيهَا بَيْنَ الْأَئِمَّةِ فِي آخِرِ بَابِ الرَّجْعَةِ فَلَا نُعِيدُهُ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ نَكَحَ مُعْتَدَّتَهُ ، وَطَلَّقَهَا قَبْلَ الْوَطْءِ وَجَبَ مَهْرٌ تَامٌّ وَعِدَّةٌ مُبْتَدَأَةٌ) أَيْ لَوْ أَبَانَ امْرَأَتَهُ بِمَا دُونَ الثَّلَاثِ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ ، وَطَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَعَلَيْهِ مَهْرٌ كَامِلٌ ، وَعَلَيْهَا عِدَّةٌ مُسْتَقْبَلَةٌ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - ، وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ أَوْ الْمُتْعَةِ ، وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ أَوْ الْمُتْعَةِ ، وَعَلَيْهَا تَمَامُ الْعِدَّةِ الْأُولَى لِزُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ، وَهُوَ الْقِيَاسُ أَنَّ الْعِدَّةَ الْأُولَى بَطَلَتْ بِالتَّزَوُّجِ ، وَلَا تَجِبُ الْعِدَّةُ بَعْدَ الطَّلَاقِ الثَّانِي ، وَلَا كَمَالُ الْمَهْرِ لِأَنَّهُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَمُحَمَّدٌ يَقُولُ كَذَلِكَ غَيْرَ أَنَّ إكْمَالَ الْعِدَّةِ الْأُولَى وَجَبَ بِالطَّلَاقِ الْأَوَّلِ لَكِنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ حُكْمُهُ حَالَ التَّزَوُّجِ الثَّانِي فَإِذَا ارْتَفَعَ بِالطَّلَاقِ الثَّانِي ظَهَرَ حُكْمُهُ كَمَا لَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ الْأَمَةَ ، وَلَيْسَ لَهَا وَلَدٌ مِنْهُ طَلْقَةً ثُمَّ اشْتَرَاهَا ثُمَّ أَعْتَقَهَا تَجِبُ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ بِالطَّلَاقِ ثُمَّ يَبْطُلُ ذَلِكَ فِي حَقِّهِ بِالشِّرَاءِ حَتَّى يَجُوزَ لَهُ وَطْؤُهَا ثُمَّ يَظْهَرُ ذَلِكَ بِالْعِتْقِ حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهَا تَمَامُ الْعِدَّةِ الْأُولَى لِأَنَّهُ كَانَ وَاجِبًا بِالطَّلَاقِ السَّابِقِ ، وَكَذَا لَوْ اشْتَرَاهَا قَبْلَ أَنْ يُطَلِّقَهَا
وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا لِأَنَّهُ بِالشِّرَاءِ يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ ، وَلَمْ تَظْهَرْ الْعِدَّةُ ثُمَّ بِالْعِتْقِ تَظْهَرُ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَلَوْ كَانَتْ وَلَدَتْ مِنْهُ فَكَذَا الْحُكْمُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ غَيْرَ أَنَّهُ تَجِبُ عَلَيْهَا عِدَّةٌ أُخْرَى لِأَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ أُعْتِقَتْ ، وَتَتَدَاخَلُ الْعِدَّتَانِ ، وَيَجِبُ عَلَيْهَا الْإِحْدَادُ إلَى أَنْ تَمْضِيَ عِدَّةُ النِّكَاحِ وَهِيَ حَيْضَتَانِ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ أَوْ الشِّرَاءِ لِأَنَّهَا عِدَّةُ النِّكَاحِ ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا فِيمَا بَقِيَ لِأَنَّهَا عِدَّةُ أُمِّ وَلَدٍ ، وَلَهُمَا أَنَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْحَدُّ لِلشُّبْهَةِ
وَإِذَا وَطِئَهَا مَرَّةً بَعْدَ الْفُرْقَةِ يَجِبُ الْحَدُّ لِعَدَمِ الشُّبْهَةِ ، وَالْوَطْءُ الْأَخِيرُ لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُوجَدَ غَيْرُهُ فَلَا يَكُونُ الَّذِي قَبْلَهُ أَخِيرًا ، وَلَئِنْ سَلَّمْنَا عَلَى وُقُوفِ الْمَرْأَةِ الَّتِي تَعْتَدُّ فَنَقُولُ قَدْ تَمَسُّ الْحَاجَةُ إلَى وُقُوفِ غَيْرِهَا نَحْوَ أُخْتِهَا وَأَرْبَعٍ سِوَاهَا ، وَلَا وُقُوفَ لِلْغَيْرِ فَلَمَّا كَانَ الْوَطْءُ الْأَخِيرُ خَفِيًّا أُقِيمَ السَّبَبُ الظَّاهِرُ ، وَهُوَ التَّمَكُّنُ مِنْ الْوَطْءِ حَقِيقَةً بِشُبْهَةِ النِّكَاحِ مَقَامَ حَقِيقَةِ الْوَطْءِ ثُمَّ لَمَّا ارْتَفَعَ ذَلِكَ التَّمَكُّنُ بِالْفُرْقَةِ وَجَبَتْ الْعِدَّةُ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَخَلَتْ) الَّذِي فِي خَطِّ الشَّارِحِ ، وَخَلَا . ا هـ .

(قَوْلُهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا مَعَ الْحَلِفِ إلَخْ) فَإِنْ حَلَفَتْ صُدِّقَتْ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ يُرِيدُ بِهِ فِي حَقِّ الْمُرَاجَعَةِ يَعْنِي إنْ حَلَفَتْ بَطَلَتْ الرَّجْعَةُ ، وَإِنْ نَكَلَتْ لَمْ تَبْطُلْ بَلْ بَقِيَتْ كَمَا كَانَتْ . ا هـ . غَايَةُ الْبَيَانِ ، وَهَذَا لَيْسَ بِاسْتِحْلَافٍ عَلَى الرَّجْعَةِ بَلْ عَلَى بَقَاءِ الْعِدَّةِ فَلَا يَرِدُ نَقْضًا عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ قَالَ الْكَمَالُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ هَذَا مَا إذَا كَذَّبَهَا مَعَ كَوْنِ الْمُدَّةِ تَحْتَمِلُ انْقِضَاءَهَا عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ ، وَهُوَ شَهْرَانِ عِنْدَهُ ، وَتِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ يَوْمًا عِنْدَهُمَا لِأَنَّهُ إذَا لَمْ تَحْتَمِلْهُ الْمُدَّةُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا أَصْلًا . ا هـ .

(قَوْلُهُ وَلَوْ نَكَحَ مُعْتَدَّتَهُ إلَى آخِرِ الْمَقَالَةِ) قَالَ فِي الْقُنْيَةِ طَلَّقَ الْمَدْخُولَةَ ثُمَّ رَاجَعَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا عِنْدَ زُفَرَ كَمَا فِي الْبَائِنِ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ) قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ ، وَهُوَ قَوْلُ إبْرَاهِيمَ وَالشَّعْبِيِّ وَأَشْعَثَ ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ ابْنِ حَنْبَلٍ سَرُوجِيٍّ (قَوْلُهُ وَقَالَ زُفَرُ لَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ أَوْ الْمُتْعَةِ ، وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا) قَالَ السُّرُوجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَوْلُ زُفَرَ ضَعِيفٌ لِأَنَّ إسْقَاطَهَا بِالْكُلِّيَّةِ يُفْضِي إلَى اخْتِلَاطِ الْمِيَاهِ وَاشْتِبَاهِ الْأَنْسَابِ لِأَنَّهُ إذَا طَلَّقَهَا بَائِنًا بَعْدَ الدُّخُولِ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا وَطَلَّقَهَا فَيَتَزَوَّجُهَا ثَانٍ قَبْلَ أَنْ تَحِيضَ فَلَا يُعْلَمُ فَرَاغُ الرَّحِمِ . ا هـ . وَقَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ ، وَمَا قَالَهُ زُفَرُ فَاسِدٌ لِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ إبْطَالَ الْمَقْصُودِ مِنْ شَرْعِهَا ، وَهُوَ عَدَمُ اشْتِبَاهِ الْأَنْسَابِ فَإِنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ أَنْ تَحِيضَ فِي الْعِدَّةِ ثُمَّ طَلَّقَهَا مِنْ يَوْمِهِ حَلَّتْ لِلْأَزْوَاجِ مِنْ غَيْرِ عِدَّةٍ عَنْ الطَّلَاقِ ، وَفِي ذَلِكَ اشْتِبَاهُ النَّسَبِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ ا هـ .
(قَوْلُهُ أَوْ الْمُتْعَةِ) أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ سُمِّيَ فِيهِ شَيْءٌ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ) وَكَذَا الشَّافِعِيُّ وَرِوَايَةٌ عَنْ ابْنِ حَنْبَلٍ . ا هـ . سَرُوجِيٌّ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ قَبْلَ الدُّخُولِ) أَيْ وَالْخَلْوَةُ . ا هـ . سَرُوجِيٌّ (قَوْلُهُ وَمُحَمَّدٌ يَقُولُ كَذَلِكَ) أَيْ أَنَّ الْعِدَّةَ الْأُولَى بَطَلَتْ بِالتَّزْوِيجِ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَتْ وَلَدَتْ مِنْهُ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رَجُلٌ اشْتَرَى امْرَأَتَهُ ، وَهِيَ أَمَةٌ ، وَقَدْ وَلَدَتْ مِنْهُ فَسَدَ النِّكَاحُ ، وَكَانَتْ حَلَالًا لَهُ بِالْمِلْكِ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ تَتَزَيَّنَ ، وَلَا تَتَّقِيَ الطِّيبَ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُعْتَدَّةٍ فِي حَقِّهِ فَإِنَّ الْعِدَّةَ أَثَرُ النِّكَاحِ فَكَمَا أَنَّ الْمِلْكَ يُنَافِي النِّكَاحَ يُنَافِي أَثَرَهُ لَكِنَّهَا مُعْتَدَّةٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِ حَتَّى إذَا أَرَادَ أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ غَيْرِهِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَتَيْنِ فَإِنَّ الْفُرْقَةَ بَعْدَ الدُّخُولِ فَكَانَتْ مُعْتَدَّةً فِي حَقِّ غَيْرِهِ ثُمَّ إذَا أَعْتَقَهَا بَعْدَ الشِّرَاءِ فَعَلَيْهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ لِأَنَّهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ حِينَ اشْتَرَاهَا بَعْدَمَا وَلَدَتْ بِالنِّكَاحِ ، وَعَلَى أُمِّ الْوَلَدِ ثَلَاثُ حِيَضٍ لَكِنَّهَا تَتَّقِيَ الطِّيبَ وَالزِّينَةَ فِي الْحَيْضَتَيْنِ الْأُولَتَيْنِ اسْتِحْسَانًا ، وَفِي الْقِيَاسِ لَيْسَ عَلَيْهَا ذَلِكَ لِأَنَّ الْحَدَّ إذَا لَمْ يَلْزَمْهَا عِنْدَ وُقُوعِ الْفُرْقَةِ فَلَا يَلْزَمُهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْعِدَّةَ وَجَبَتْ عَلَيْهَا بِالْفُرْقَةِ لَكِنْ لَمْ يَظْهَرْ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْمَوْلَى لِكَوْنِهَا حَلَالًا لَهُ بِالْمِلْكِ ، وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ بِالْعِتْقِ فَظَهَرَتْ تِلْكَ الْعِدَّةُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى ، وَالْعِدَّةُ بَعْدَ الْفُرْقَةِ مِنْ نِكَاحٍ صَحِيحٍ يَجِبُ فِيهَا الْحِدَادُ فَأَمَّا فِي الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ فَلَا حِدَادَ عَلَيْهَا لِأَنَّهَا لَمْ تَجِبْ بِسَبِيلِ النِّكَاحِ بَلْ بِالْعِتْقِ ، وَلَا حِدَادَ عَلَى أُمِّ الْوَلَدِ . ا هـ . (قَوْلُهُ فَكَذَا الْحُكْمُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ) أَيْ فِيمَا إذَا طَلَّقَهَا ثُمَّ اشْتَرَاهَا أَوْ اشْتَرَاهَا قَبْلَ أَنْ يُطَلِّقَهَا ا هـ

(3/33)


الْوَطْءَ قَبْضٌ وَهِيَ مَقْبُوضَةٌ فِي يَدِهِ بِالْوَطْءِ الْأَوَّلِ لِبَقَاءِ أَثَرِهِ ، وَهُوَ الْعِدَّةُ فَإِذَا عَقَدَ عَلَيْهَا ثَانِيًا وَهِيَ مَقْبُوضَةٌ فِي يَدِهِ نَابَ الْقَبْضُ الْأَوَّلُ عَنْ الْقَبْضِ الْمُسْتَحَقِّ بِالثَّانِي كَالْغَاصِبِ إذَا اشْتَرَى الْمَغْصُوبَ ، وَهُوَ فِي يَدِهِ يَصِيرُ قَابِضًا بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ فَكَانَ طَلَاقًا بَعْدَ الدُّخُولِ ، وَلَا يُقَالُ وَجَبَ عَلَى هَذَا أَنْ يَمْلِكَ عَلَيْهَا الرَّجْعَةَ لِأَنَّ الطَّلَاقَ بَعْدَ الدُّخُولِ يَعْقُبُ الرَّجْعَةَ لِأَنَّا نَقُولُ لَا يَلْزَمُ مِنْ إقَامَتِهِ مَقَامَ الْوَطْءِ فِي الْعَقْدِ الثَّانِي فِي حَقِّ الْمَهْرِ وَالْعِدَّةِ أَنْ يَقُومَ مَقَامَهُ فِي حَقِّ مِلْكِ الرَّجْعَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْخَلْوَةَ أُقِيمَتْ مَقَامَ الْوَطْءِ فِي حَقِّهِمَا ، وَلَمْ تَقُمْ فِي حَقِّ مِلْكِ الرَّجْعَةِ ، وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ النِّكَاحُ الْأَوَّلُ فَاسِدًا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا نِكَاحًا صَحِيحًا وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا يَجِبُ عَلَيْهِ مَهْرٌ كَامِلٌ ، وَعَلَيْهَا عِدَّةٌ مُسْتَقْبَلَةٌ عِنْدَهُمَا وَلَوْ كَانَ عَلَى الْقَلْبِ بِأَنْ كَانَ الْأَوَّلُ صَحِيحًا ، وَالثَّانِي فَاسِدًا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْمَهْرُ ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا اسْتِقْبَالُ الْعِدَّةِ ، وَيَجِبُ عَلَيْهَا تَمَامُ الْعِدَّةِ الْأُولَى بِالْإِجْمَاعِ ، وَالْفَرْقُ لَهُمَا أَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْوَطْءِ فِي الْفَاسِدِ فَلَا يُجْعَلُ وَاطِئًا حُكْمًا لِعَدَمِ الْإِمْكَانِ حَقِيقَةً ، وَلِهَذَا لَا يُجْعَلُ وَاطِئًا بِالْخَلْوَةِ فِي الْفَاسِدِ حَتَّى لَا يَجِبَ عَلَيْهِ الْمَهْرُ ، وَلَا عَلَيْهَا الْعِدَّةُ .

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ طَلَّقَ ذِمِّيٌّ ذِمِّيَّةً لَمْ تَعْتَدَّ) وَكَذَا إذَا مَاتَ عَنْهَا زَوْجُهَا الذِّمِّيُّ وَهَذَا إذَا كَانَتْ لَا تَجِبُ فِي مُعْتَقَدِهِمْ ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَطَؤُهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا بِحَيْضَةٍ ، وَعَنْهُ أَنَّهُ لَا يَتَزَوَّجُهَا إلَّا بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ ، وَقَالَا عَلَيْهَا الْعِدَّةُ لِأَنَّ الْعِدَّةَ حَقُّ الزَّوْجِ ، وَإِنْ كَانَ فِيهَا حَقُّ الشَّرْعِ ، وَلِهَذَا تَجِبُ عَلَى الصَّغِيرَةِ ، وَالْكَافِرَةُ مُخَاطَبَةٌ بِحُقُوقِ الْعِبَادِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْعِدَّةَ لَوْ وَجَبَتْ عَلَيْهَا لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ تَجِبَ حَقًّا لِلشَّرْعِ أَوْ لِلزَّوْجِ ، وَلَا وَجْهَ لِلْأَوَّلِ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُخَاطَبَةٍ بِحُقُوقِ الشَّرْعِ ، وَلَا لِلثَّانِي لِأَنَّ الزَّوْجَ لَا يَعْتَقِدُهُ ، وَقَدْ أَمَرَنَا بِأَنْ نَتْرُكَهُمْ ، وَمَا يَدِينُونَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ تَحْتَ مُسْلِمٍ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُهُ وَلَوْ كَانَتْ حَامِلًا لَا تَتَزَوَّجُ بِالْإِجْمَاعِ حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا لِأَنَّهُ ثَابِتُ النَّسَبِ عَلَى مَا يَجِيءُ مِنْ قَرِيبٍ ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْحَرْبِيَّةُ إذَا خَرَجَتْ إلَيْنَا مُسْلِمَةً أَوْ ذِمِّيَّةً أَوْ مُسْتَأْمِنَةً ثُمَّ أَسْلَمَتْ أَوْ صَارَتْ ذِمِّيَّةً وَهُمَا يَقُولَانِ إنَّ هَذِهِ فُرْقَةٌ وَقَعَتْ بَعْدَ الدُّخُولِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ بِسَبَبِ التَّبَايُنِ فَتَجِبُ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ كَمَا لَوْ وَقَعَتْ بِسَبَبٍ آخَرَ نَحْوَ الْمَوْتِ وَمُطَاوَعَةِ ابْنِ الزَّوْجِ بِخِلَافِ مَا إذَا هَاجَرَ هُوَ ، وَتَرَكَهَا فِي دَارِ الْحَرْبِ حَيْثُ لَا تَجِبُ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ إجْمَاعًا لِعَدَمِ التَّبْلِيغِ حَتَّى يَجُوزَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْتَهَا ، وَأَرْبَعًا سِوَاهَا عَقِيبَ دُخُولِهِ دَارَ الْإِسْلَامِ ، وَلَهُ قَوْله تَعَالَى {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} [الممتحنة : 10] مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ ، وَلِأَنَّ الْعِدَّةَ حَيْثُ تَجِبُ حَقًّا لِلْعَبْدِ ، وَالْحَرْبِيُّ مُلْحَقٌ بِالْجَمَادِ وَالْبَهَائِمِ حَتَّى صَارَ مَحَلًّا لِلتَّمْلِيكِ فَلَا حُرْمَةَ لِفِرَاشِهِ ، وَلِهَذَا لَا تَجِبُ عَلَى الْمَسْبِيَّةِ إذَا وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا بِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ ، وَهُوَ الدُّخُولُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَلَوْ كَانَتْ حَامِلًا لَا يَجُوزُ نِكَاحُهَا حَتَّى تَضَعَ الْحَمْلَ ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ يَجُوزُ ، وَلَا يَطَؤُهَا حَتَّى تَضَعَ كَالْحَامِلِ مِنْ الزِّنَا ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ ثَابِتُ النَّسَبِ لِأَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ مِنْ الْحَرْبِيِّ فَيَمْتَنِعُ التَّزَوُّجُ كَحَمْلِ أُمِّ الْوَلَدِ بِخِلَافِ الْحَمْلِ مِنْ الزِّنَا

(فَصْلٌ) .
فِي الْإِحْدَادِ ، وَهُوَ تَرْكُ الزِّينَةِ وَالطِّيبِ ، وَفِيهِ لُغَتَانِ أَحَدَّتْ إحْدَادًا فَهِيَ مُحِدٌّ ، وَحَدَّتْ تَحِدُّ مِنْ بَابِ ضَرَبَ وَنَصَرَ حَدًّا فَهِيَ حَادٌّ ، وَأَصْلُ الْحَدِّ الْمَنْعُ ، وَهُوَ مَعْرُوفٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (تُحِدُّ مُعْتَدَّةٌ الْبَتِّ وَالْمَوْتِ بِتَرْكِ الزِّينَةِ وَالطِّيبِ وَالْكُحْلِ وَالدُّهْنِ إلَّا بِعُذْرٍ ، وَالْحِنَّاءُ ، وَلُبْسِ الْمُعَصْفَرِ ، وَالْمُزَعْفَرِ إنْ كَانَتْ بَالِغَةً مُسْلِمَةً) لِقَوْلِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ لِبَقَاءِ أَثَرِهِ ، وَهُوَ الْعِدَّةُ) أَيْ لِاشْتِغَالِ رَحِمِهَا بِمَائِهِ بِالْوَطْءِ السَّابِقِ . ا هـ . (قَوْلُهُ يَصِيرُ قَابِضًا) أَيْ وَإِنْ كَانَ الْمَغْصُوبُ غَائِبًا . ا هـ . (قَوْلُهُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْخَلْوَةَ أُقِيمَتْ مَقَامَ الْوَطْءِ فِي حَقِّهِمَا) أَيْ فِي حَقِّ وُجُوبِ الْمَهْرِ ، وَفِي حَقِّ وُجُوبِ الْعِدَّةِ . ا هـ .

(قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا مَاتَ عَنْهَا زَوْجُهَا الذِّمِّيُّ) فَلَوْ تَزَوَّجَهَا مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ فِي فَوْرِ طَلَاقِهَا جَازَ . ا هـ . كَمَالٌ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ تَحْتَ مُسْلِمٍ) فَإِنَّ عَلَيْهَا الْعِدَّةَ بِالِاتِّفَاقِ ا هـ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْحَرْبِيَّةُ إذَا خَرَجَتْ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ ، وَكَذَا إذَا خَرَجَتْ الْحَرْبِيَّةُ إلَيْنَا مُسْلِمَةً قَالَ الْكَمَالُ لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ الْمُعْتَبَرُ أَنْ تَصِيرَ بِحَيْثُ لَا تُمَكَّنُ مِنْ الْعُودِ إمَّا لِخُرُوجِهَا مُسْلِمَةً أَوْ ذِمِّيَّةً أَوْ مُسْتَأْمِنَةً ثُمَّ أَسْلَمَتْ أَوْ صَارَتْ ذِمِّيَّةً لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا . ا هـ . (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَتْ حَامِلًا) أَيْ الْحَرْبِيَّةُ الْمُهَاجِرَةُ ا هـ .

(فَصْلٌ فِي الْإِحْدَادِ) .
لَمَّا فَرَغَ عَنْ بَيَانِ أَنْوَاعِ الْعِدَّةِ ، وَعَنْ بَيَانِ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهَا ، وَمَنْ لَا تَجِبُ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَا يَجِبُ عَلَى الْمُعْتَدَّاتِ قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ (قَوْلُهُ أَحَدَّتْ الْمَرْأَةُ إحْدَادًا) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ الْمُنِيرِ حَدَّتْ الْمَرْأَةُ عَلَى زَوْجِهَا تُحِدُّ ، وَتُحِدُّ حِدَادًا بِالْكَسْرِ فَهِيَ حَادٌّ بِغَيْرِ هَاءٍ ، وَأَحَدَّتْ إحْدَادًا فَهِيَ مُحِدٌّ ، وَمُحِدَّةٌ إذَا تَرَكَتْ الزِّينَةَ لِمَوْتٍ ، وَأَنْكَرَ الْأَصْمَعِيُّ الثُّلَاثِيَّ ، وَاقْتَصَرَ عَلَى الرُّبَاعِيِّ . ا هـ . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ تُحِدُّ مُعْتَدَّةُ الْبَتِّ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ ، وَعَلَى الْمَبْتُوتَةِ وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا إذَا كَانَتْ بَالِغَةً مُسْلِمَةً الْحِدَادُ قَالَ الْكَمَالُ قَوْلُهُ وَعَلَى الْمَبْتُوتَةِ يَعْنِي ، وَيَجِبُ بِسَبَبِ الزَّوْجِ عَلَى الْمَبْتُوتَةِ ، وَأَصْلُهُ الْمَبْتُوتُ طَلَاقُهَا تَرَكَ ذَلِكَ لِلْعِلْمِ بِهِ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ ، وَهِيَ الْمُخْتَلِعَةُ ، وَالْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا أَوْ وَاحِدَةً بَائِنَةً ابْتِدَاءً ، وَلَا نَعْلَمُ خِلَافًا فِي عَدَمِ وُجُوبِهِ عَلَى الزَّوْجَةِ بِسَبَبٍ غَيْرَ الزَّوْجِ مِنْ الْأَقَارِبِ ، وَهَلْ يُبَاحُ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي النَّوَادِرِ لَا يَحِلُّ الْإِحْدَادُ لِمَنْ مَاتَ أَبُوهَا أَوْ ابْنُهَا أَوْ أُمُّهَا أَوْ أَخُوهَا ، وَإِنَّمَا هُوَ فِي الزَّوْجِ خَاصَّةً قِيلَ أَرَادَ بِذَلِكَ فِيمَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ لِمَا فِي الْحَدِيثِ مِنْ إبَاحَتِهِ لِلْمُسْلِمَاتِ عَلَى غَيْرِ أَزْوَاجِهِنَّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ
وَالتَّقْيِيدُ بِالْمَبْتُوتَةِ يُفِيدُ نَفْيَ وُجُوبِهِ عَلَى الرَّجْعِيَّةِ ، وَيَنْبَغِي أَنَّهَا لَوْ أَرَادَتْ أَنْ تُحِدَّ عَلَى قُرَابَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ، وَلَهَا زَوْجٌ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا لِأَنَّ الزِّينَةَ حَقُّهُ حَتَّى كَانَ لَهُ أَنْ يَضْرِبَهَا عَلَى تَرْكِهَا إذَا امْتَنَعَتْ ، وَهُوَ يُرِيدُهَا ، وَهَذَا الْإِحْدَادُ مُبَاحٌ لَهَا لَا وَاجِبٌ عَلَيْهَا ، وَبِهِ يَفُوتُ حَقُّهُ ا هـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي ، وَلَا يَنْبَغِي لِلْمُعْتَدَّةِ مِنْ وَفَاةِ زَوْجِهَا أَوْ طَلَاقٍ بَائِنٍ أَوْ لِعَانٍ أَوْ فُرْقَةٍ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ مِنْ قِبَلِ أَنَّهَا كَانَ لَهَا أَنْ تُطَيَّبَ أَوْ تَلْبَسَ الْحُلِيَّ أَوْ الثَّوْبَ الْمَصْبُوغَ بِعُصْفُرٍ أَوْ وَرْسٍ أَوْ زَعْفَرَانَ ا هـ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْحِدَادُ وَالْإِحْدَادُ ، وَهُمَا لُغَتَانِ أَنْ تَتْرُكَ الطِّيبَ قَالَ الْكَمَالُ وَلَا تَحْضُرُ عَمَلَهُ ، وَلَا تَتَّجِرُ فِيهِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا كَسْبٌ إلَّا فِيهِ ا هـ

(3/34)


- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ إلَّا عَلَى زَوْجٍ فَإِنَّهَا تُحِدُّ عَلَيْهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ، وَلَا تَكْتَحِلُ وَلَا تَلْبَسُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا إلَّا ثَوْبَ عَصْبٍ ، وَلَا تَمَسُّ طِيبًا إلَّا إذَا طَهُرَتْ نُبْذَةً مِنْ قُسْطٍ أَوْ أَظْفَارٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، «وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا لَا تَلْبَسُ الْمُعَصْفَرَ مِنْ الثِّيَابِ ، وَلَا الْمُمَشَّقَ وَلَا الْحُلِيَّ ، وَلَا تَخْتَضِبُ ، وَلَا تَكْتَحِلُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ ، وَأَبُو دَاوُد ، وَالنَّسَائِيُّ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا إحْدَادَ عَلَى الْمُطَلَّقَةِ لِأَنَّهُ وَجَبَ إظْهَارًا لِلتَّأَسُّفِ عَلَى فَوْتِ زَوْجٍ وَفَّى بِعَهْدِهَا إلَى الْمَمَاتِ ، وَهَذَا قَدْ أَوْحَشَهَا بِالْفِرَاقِ فَلَا تَتَأَسَّفُ عَلَيْهِ ، وَلَنَا مَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نَهَى الْمُعْتَدَّةَ أَنْ تَخْتَضِبَ بِالْحِنَّاءِ» رَوَاهُ النَّسَائِيّ ، وَهُوَ مُطْلَقٌ فَيَتَنَاوَلُ الْمُطَلَّقَةَ ، وَلِأَنَّهُ يَجِبُ إظْهَارًا لِلتَّأَسُّفِ عَلَى فَوْتِ نِعْمَةِ النِّكَاحِ الَّذِي هُوَ سَبَبٌ لِصَوْنِهَا ، وَكِفَايَةُ مُؤَنِهَا ، وَالْإِبَانَةُ أَفْظَعُ لَهَا مِنْ الْمَوْتِ حَتَّى كَانَ لَهَا غُسْلُهُ مَيِّتًا قَبْلَ الْإِبَانَةِ لَا بَعْدَهَا فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَجِبُ التَّأَسُّفُ عَلَيْهَا ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ} [الحديد : 23] قُلْنَا الْمُرَادُ بِهِ الْفَرَحُ ، وَالتَّأَسُّفُ بِصِيَاحٍ نُقِلَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ، وَأَمَّا بِدُونِ الصِّيَاحِ فَلَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ فَإِنْ قِيلَ الْمُخْتَلِعَةُ وَقَعَ الْفِرَاقُ بِاخْتِيَارِهَا فَكَيْفَ تَتَأَسَّفُ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ ، وَكَذَا الْمُبَانَةُ بِغَيْرِ الْخَلْعِ قَدْ جَفَاهَا فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ تَتَأَسَّفَ عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ كَمَا قُلْتُمْ مِنْ فَوَاتِ نِعْمَةِ النِّكَاحِ لَمَا وَجَبَ عَلَيْهَا إذْ هِيَ تَخْتَارُ ضِدَّهُ ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ عَلَى الرَّجُلِ أَيْضًا لِأَنَّهُ فَاتَهُ نِعْمَةُ النِّكَاحِ قُلْنَا يُعْتَبَرُ الْأَعَمُّ الْأَغْلَبُ ، وَلَا يُنْظَرُ إلَى الْأَفْرَادِ ، وَكَمْ مِنْ النِّسَاءِ مَنْ تَتَمَنَّى مَوْتَ الزَّوْجِ ، وَتَفْرَحُ بِمَوْتِهِ ، وَمَعَ هَذَا يَجِبُ الْإِحْدَادُ عَلَيْهَا لِمَا قُلْنَا ، وَهُوَ تَبَعٌ لِلْعِدَّةِ فَلَوْ وَجَبَ عَلَى الرَّجُلِ لَوَجَبَ مَقْصُودًا ، وَهُوَ غَيْرُ مَشْرُوعٍ ، وَلِهَذَا لَا يَحِلُّ لَهَا ذَلِكَ عَلَى غَيْرِ الزَّوْجِ كَالْوَلَدِ وَالْأَبَوَيْنِ ، وَإِنْ كَانَ أَشَدَّ عَلَيْهَا مِنْ الزَّوْجِ لِفَقْدِ الْعِدَّةِ ، وَتَتْرُكُ أَنْوَاعَ الْحُلِيِّ وَالزِّينَةِ وَلُبْسَ الْحَرِيرِ وَغَيْرِهِ مِنْ الثِّيَابِ الْمَصْبُوغَةِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْجَوَاهِرِ كُلِّهَا ، وَلَا تَكْتَحِلُ إلَّا لِضَرُورَةٍ ، وَلَا تَدْهُنُ بِشَيْءٍ مِنْ الْأَدْهَانِ كَالزَّيْتِ الْبَحْتِ وَالشَّيْرَجِ الْبَحْتِ وَالسَّمْنِ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ لَأَنْ يَلِينَ الشَّعْرُ فَيَكُونُ زِينَةً إلَّا إذَا كَانَ بِهَا ضَرَرٌ ظَاهِرٌ ، وَلَا تَمْتَشِطُ بِالْأَسْنَانِ الضَّيِّقَةِ ، وَتَمْشُطُ بِالْأَسْنَانِ الْوَاسِعَةِ الْمُتَبَايِنَةِ لِأَنَّ الضَّيِّقَةَ لِتَحْسِينِ الشَّعْرِ وَالزِّينَةِ وَالْمُتَبَاعِدَةَ لِدَفْعِ الْأَذَى ، وَلَا تَلْبَسُ الْحَرِيرَ لِأَنَّ فِيهِ زِينَةً إلَّا لِضَرُورَةٍ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ بِهَا حَكَّةٌ أَوْ قَمْلٌ ، وَلَا يَحِلُّ لَهَا لُبْسُ الْمُمَشَّقِ ، وَهُوَ الْمَصْبُوغُ بِالْمَشْقِ ، وَهُوَ الْمَغْرَةُ ، وَلَا بَأْسَ بِلُبْسِ الْمَصْبُوغِ أَسْوَدَ لِأَنَّهُ لَا يَقْصِدُ بِهِ الزِّينَةَ ، وَذُكِرَ فِي الْغَايَةِ أَنَّ لُبْسَ الْعَصَبِ مَكْرُوهٌ ، وَهُوَ ثَوْبٌ مُوَشًّى يُعْمَلُ فِي الْيَمَنِ ، وَقِيلَ ضَرْبٌ مِنْ بُرُودِ الْيَمَنِ يُنْسَجُ أَبْيَضَ ثُمَّ يُصْبَغُ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهَا ثَوْبٌ سِوَى الْمَصْبُوغِ فَلَا بَأْسَ بِلُبْسِهِ لِلضَّرُورَةِ إذْ سِتْرُ الْعَوْرَةِ وَاجِبٌ ، وَذَكَرَ الْحَلْوَانِيُّ أَنَّ الْمُرَادَ بِالثِّيَابِ الْمَذْكُورَةِ الْجُدُدُ مِنْهَا أَمَّا لَوْ كَانَ خَلَقًا بِحَيْثُ لَا تَقَعُ بِهِ الزِّينَةُ فَلَا بَأْسَ بِهِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا مُعْتَدَّةُ الْعِتْقِ وَالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ) أَيْ لَا يَجِبُ الْإِحْدَادُ عَلَى أُمِّ الْوَلَدِ إذَا أَعْتَقَهَا سَيِّدُهَا ، وَلَا عَلَى الْمُعْتَدَّةِ مِنْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ لِأَنَّ الْإِحْدَادَ لِإِظْهَارِ التَّأَسُّفِ عَلَى فَوَاتِ نِعْمَةِ النِّكَاحِ ، وَلَمْ تَفُتْهُمَا نِعْمَةُ النِّكَاحِ ، وَكَذَا لَا إحْدَادَ عَلَى كَافِرَةٍ ، وَلَا عَلَى صَغِيرَةٍ لِأَنَّهُمَا غَيْرُ مُخَاطَبَتَيْنِ بِحُقُوقِ الشَّرْعِ إذْ هِيَ عِبَادَةٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - شَرَطَ أَنْ تَكُونَ مُؤْمِنَةً بِمَا رَوَيْنَا مِنْ الْخَبَرِ وَلَوْلَا أَنَّهُ عِبَادَةٌ لَمَا شُرِطَ فِيهِ الْإِيمَانُ بِخِلَافِ الْعِدَّةِ فَإِنَّهَا حَقُّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(قَوْلُهُ إلَّا ظَهَرَتْ نُبْذَةٌ مِنْ قُسْطٍ) الْقُسْطُ بِضَمِّ الْقَافِ عِرْقُ شَجَرٍ يُنْحَرُ بِهِ ، وَالْأَظْفَارُ نَوْعُ طِيبٍ لَا وَاحِدَ لَهُ ، وَالنُّبْذَةُ الْقَلِيلُ مِنْهُ بِضَمِّ النُّونِ رُخِّصَ لِلْمُعْتَدَّةِ اسْتِعْمَالُهُ حِينَ تَطْهُرُ مِنْ حَيْضِهَا . ا هـ . (قَوْلُهُ وَلَا الْمُمَشَّقَ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ الْمِشْقُ وِزَانُ حِمْلٍ الْمَغْرَةُ ، وَأَمْشَقْتُ الثَّوْبَ إمْشَاقًا صَبَغْتُهُ بِالْمِشْقِ ، وَقِيَاسُ الْمَفْعُولِ عَلَى بَابِهِ ، وَقَالُوا ثَوْبٌ مُمَشَّقٌ بِالتَّثْقِيلِ ، وَالْفَتْحِ ، وَلَمْ يَذْكُرُوا فِعْلَهُ . ا هـ . (قَوْلُهُ نُقِلَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ) أَيْ مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا . ا هـ . كَافِي (قَوْلُهُ وَهُوَ غَيْرُ مَشْرُوعٍ) أَيْ قَصْدًا ، وَلِهَذَا لَمْ يُشْرَعْ لِفَوَاتِ الْأَبِ مَعَ أَنَّهُ سَبَبٌ لِوُجُودِهَا وَحَيَاتِهَا لِعَدَمِ الْعِدَّةِ . ا هـ . كَافِي (قَوْلُهُ الْبَحْتِ) أَيْ الْخَالِصِ ا هـ
(قَوْلُهُ وَتَمْتَشِطُ بِالْأَسْنَانِ الْوَاسِعَةِ) وَأَطْلَقَهُ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ ، وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ مُطْلَقًا ، وَكَوْنُهُ بِالضَّيِّقَةِ يَحْصُلُ مَعْنَى الزِّينَةِ ، وَهِيَ مَمْنُوعَةٌ مِنْهَا ، وَبِالْوَاسِعَةِ يَحْصُلُ دَفْعُ الضَّرَرِ مَمْنُوعٌ بَلْ قَدْ يَحْتَاجُ لِإِخْرَاجِ الْهَوَامِّ إلَى الضَّيِّقَةِ نَعَمْ كُلُّ مَا أَرَادَتْ بِهِ مَعْنَى الزِّينَةِ لَمْ يَحِلَّ ، وَأَجْمَعُوا عَلَى مَنْعِ الْأَدْهَانِ الْمُطَيِّبَةِ ، وَاخْتَلَفُوا فِي غَيْرِ الْمُطَيِّبَةِ كَالزَّيْتِ وَالشَّيْرَجِ الْبَحْتَيْنِ وَالسَّمْنِ فَمَنَعْنَاهُ نَحْنُ وَالشَّافِعِيُّ إلَّا لِضَرُورَةٍ لِحُصُولِ الزِّينَةِ ، وَأَجَازَهُ الْإِمَامَانِ ، وَالظَّاهِرِيَّةُ . ا هـ . كَمَالٌ (قَوْلُهُ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ بِهَا حَكَّةٌ أَوْ قَمْلٌ) أَيْ أَوْ مَرَضٌ ، وَقَالَ مَالِكٌ يُبَاحُ لَهَا الْحَرِيرُ الْأَسْوَدُ وَالْحُلِيُّ وَالْمَعْنَى الْمَعْقُولُ مِنْ النَّصِّ فِي مَنْعِ الْمَصْبُوغِ يَنْفِيهِ ، وَقَدْ صَرَّحَ بِمَنْعِ الْحُلِيِّ فِي الْحَدِيثِ عَلَى مَا سَيُذْكَرُ ، وَلَمْ يُسْتَثْنَ مِنْ الْمَصْبُوغِ فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ إلَّا الْعَصَبَ فَشَمَلَ مَنْعَ الْأَسْوَدِ انْتَهَى كَمَالٌ
(قَوْلُهُ الْعَصَبِ مَكْرُوهٌ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ الْمُنِيرِ وَالْعَصَبُ مِثْلُ فَلْسِ بُرْدٍ يُصْبَغُ غَزْلُهُ ثُمَّ يُنْسَجُ وَلَا يُثَنَّى وَلَا يُجْمَعُ ، وَإِنَّمَا يُثَنَّى وَيُجْمَعُ مَا يُضَافُ إلَيْهِ فَيُقَالُ بُرْدُ عَصْبٍ وَبُرُودُ عَصْبٍ ، وَالْإِضَافَةُ لِلتَّخْصِيصِ ، وَيَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ وَصْفًا فَيُقَالُ شَرَيْت ثَوْبًا عَصْبًا ، وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ الْعَصْبُ صَبْغٌ لَا يَنْبُتُ إلَّا بِالْيَمَنِ انْتَهَى ، وَمَا نَقَلَهُ الشَّارِحُ عَنْ الْغَايَةِ مَنْقُولٌ مِنْ الصِّحَاحِ انْتَهَى (قَوْلُهُ إذْ سِتْرُ الْعَوْرَةِ وَاجِبٌ) وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا ثَوْبٌ آخَرُ تَعَيَّنَ هَذَا الثَّوْبُ لِسِتْرِ الْعَوْرَةِ ، وَلَكِنْ لَا بِقَصْدِ الزِّينَةِ انْتَهَى كَافِي قَالَ الْكَمَالُ ، وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِقَدْرِ مَا تَسْتَحْدِثُ ثَوْبًا غَيْرَهُ إمَّا بِبَيْعِهِ وَالِاسْتِخْلَافِ بِثَمَنِهِ أَوْ مِنْ مَالِهَا إنْ كَانَ لَهَا انْتَهَى

(قَوْلُهُ وَلَمْ تَفُتْهُمَا نِعْمَةُ النِّكَاحِ) لِأَنَّ زَوَالَ الرِّقِّ لَا يَلِيقُ بِهِ التَّأَسُّفُ بَلْ يَلِيقُ بِهِ الشُّكْرُ لِزَوَالِ أَثَرِ الْكُفْرِ عَنْهَا ، وَالنِّكَاحُ الْفَاسِدُ مَعْصِيَةٌ فَلَزِمَهَا الشُّكْرُ عَلَى فَوَاتِهِ لَا التَّأَسُّفُ انْتَهَى كَافِي (قَوْلُهُ وَكَذَا لَا إحْدَادَ عَلَى كَافِرَةٍ) وَإِنْ أَبَانَهَا مُسْلِمٌ أَوْ مَاتَ عَنْهَا انْتَهَى كَافِي (قَوْلُهُ وَلَا عَلَى صَغِيرَةٍ) أَيْ وَلَا مَجْنُونَةِ انْتَهَى فَتْحٌ

(3/35)


الزَّوْجِ فَتَجِبُ عَلَى الْكُلِّ وَلَا إحْدَادَ عَلَى الْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ لِأَنَّ نِعْمَةَ النِّكَاحِ لَمْ تَفُتْهَا إذْ النِّكَاحُ بَاقٍ فِيهَا حَتَّى يَحِلَّ وَطْؤُهَا ، وَتَجْرِي عَلَيْهَا أَحْكَامُ الزَّوْجَاتِ وَعَلَى الْأَمَةِ الْإِحْدَادُ لِأَنَّهَا مُخَاطَبَةٌ بِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا إبْطَالُ حَقِّ الْمَوْلَى بِخِلَافِ الْخُرُوجِ لِأَنَّهَا لَوْ مُنِعَتْ عَنْهُ لَبَطَلَ حَقُّ الْمَوْلَى فِي الِاسْتِخْدَامِ ، وَحَقُّ الْمَوْلَى مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الشَّرْعِ لِحَاجَتِهِ ، وَعَلَى حَقِّ الزَّوْجِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُبَوِّئَهَا بَيْتَ الزَّوْجِ حَالَ قِيَامِ النِّكَاحِ ، وَبَعْدَ زَوَالِهِ أَوْلَى حَتَّى لَوْ كَانَتْ مُبَوَّأَةً فِي بَيْتِ الزَّوْجِ لَا يَجُوزُ لَهَا الْخُرُوجُ إلَّا أَنْ يُخْرِجَهَا الْمَوْلَى ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ لَهَا الْخُرُوجَ لِعَدَمِ وُجُوبِ حَقِّ الشَّرْعِ فَإِنْ قِيلَ لَوْ وَجَبَ عَلَى الْأَمَةِ الْإِحْدَادُ لِأَجَلِ فَوْتِ نِعْمَةِ النِّكَاحِ لَوَجَبَ عَلَيْهَا بَعْدَ شِرَاءِ مَنْكُوحَتِهِ لِزَوَالِ النِّكَاحِ بِالشِّرَاءِ قُلْنَا يَجِبُ هُنَاكَ أَيْضًا غَيْرَ أَنَّ عِدَّتَهَا لَا تَظْهَرُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى لِثُبُوتِ حِلِّ وَطْئِهَا لَهُ بِالشِّرَاءِ فَلَا يَجِبُ الْإِحْدَادُ أَيْضًا بِدُونِ الْعِدَّةِ حَتَّى لَوْ أَعْتَقَهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ ظَهَرَتْ الْعِدَّةُ ، وَالْإِحْدَادُ فِي عِدَّةِ النِّكَاحِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ ، وَأُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبَةُ وَالْمُدَبَّرَةُ ، وَمُعْتَقَةُ الْبَعْضِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَالْقِنَّةِ لِوُجُودِ الرِّقِّ فِيهِنَّ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا تُخْطَبُ مُعْتَدَّةٌ ، وَصَحَّ التَّعْرِيضُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ} [البقرة : 235] إلَى قَوْله تَعَالَى {وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلا أَنْ تَقُولُوا قَوْلا مَعْرُوفًا} [البقرة : 235] ، وَالتَّعْرِيضُ أَنْ يَذْكُرَ شَيْئًا يَدُلُّ عَلَى شَيْءٍ لَمْ يَذْكُرْهُ ، وَهُوَ هُنَا أَنْ يَقُولَ لَهَا إنَّك لَجَمِيلَةٌ ، وَإِنَّك لَصَالِحَةٌ ، وَمِنْ غَرَضِي أَنْ أَتَزَوَّجَ ، وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الْكَلَامِ الدَّالِّ عَلَى إرَادَةِ التَّزَوُّجِ بِهَا نَحْوَ قَوْلِهِ إنِّي فِيك لَرَاغِبٌ ، وَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ نَجْتَمِعَ ، وَهُوَ الْقَوْلُ الْمَعْرُوفُ ، وَلَا يُصَرِّحُ بِالنِّكَاحِ ، وَلَا يَقُولُ إنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَك ، وقَوْله تَعَالَى {أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ} [البقرة : 235] أَيْ سَتَرْتُمْ فِي قُلُوبِكُمْ ، وَأَضْمَرْتُمُوهُ ، وَالْمُسْتَدْرَكُ فِي قَوْله تَعَالَى {وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ} [البقرة : 235] مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ فَاذْكُرُوهُنَّ ، وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا أَيْ وَطْئًا لِأَنَّهُ مِمَّا يُسَرُّ «قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - السِّرُّ النِّكَاحُ . هَذَا إذَا كَانَتْ الْمُعْتَدَّةُ عَنْ وَفَاةٍ» ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ مُعْتَدَّةً عَنْ طَلَاقٍ فَلَا يَجُوزُ التَّعْرِيضُ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ رَجْعِيًّا فَالزَّوْجِيَّةُ قَائِمَةٌ ، وَإِنْ كَانَ بَائِنًا فَلَا يُمْكِنُ التَّعَرُّضُ عَلَى وَجْهٍ لَا يَقِفُ عَلَيْهِ النَّاسُ لِأَنَّهَا لَا تَخْرُجُ لَيْلًا وَلَا نَهَارًا ، وَالْإِظْهَارُ بِذَلِكَ قَبِيحٌ ، وَفِيهِ تَحْصِيلُ مَا يُوجِبُ الْبَعْضَ ، وَالْعَدَاوَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الزَّوْجِ ، وَكَذَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الزَّوْجِ ، وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ فِي الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا تَخْرُجُ مُعْتَدَّةُ الطَّلَاقِ مِنْ بَيْتِهَا) بَلْ تَعْتَدُّ فِي الْمَنْزِلِ الَّذِي كَانَ يُضَافُ إلَيْهَا بِالسُّكْنَى حَالَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ سَوَاءٌ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا أَوْ بَائِنًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ} [الطلاق : 1] قِيلَ الْفَاحِشَةُ نَفْسُ الْخُرُوجِ ، وَقِيلَ الزِّنَا فَيَخْرُجْنَ لِإِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِنَّ نُقِلَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ ، وَالْأَوَّلُ عَنْ النَّخَعِيّ ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَنْ تَكُونَ بَذِيئَةَ اللِّسَانِ فَتُؤْذِيَ أَحْمَاءَهَا فَتَخْرُجَ مِنْ مَنْزِلِ الزَّوْجِ وَلَوْ طَلَّقَهَا وَهِيَ زَائِرَةٌ وَجَبَ عَلَيْهَا أَنْ تَرْجِعَ إلَى مَنْزِلِهَا ، وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ مِنْهُ إلَّا لِلضَّرُورَةِ مِنْ خَوْفٍ عَلَى نَفْسِهَا أَوْ مَالِهَا وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ غَائِبًا فَأَخَذَتْ بِالْكِرَاءِ فَلَا تَخْرُجُ مِنْهُ إنْ كَانَتْ قَادِرَةً بَلْ تَدْفَعُ ، وَتَرْجِعُ بِهِ عَلَى الزَّوْجِ إذَا كَانَ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ ، وَلَا تَخْرُجُ إلَى صَحْنِ دَارٍ فِيهَا مَنَازِلُ لِغَيْرِهِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ السِّكَّةِ ، وَلِهَذَا لَوْ أَخْرَجَ السَّارِقُ إلَيْهِ الْمَتَاعَ قُطِعَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الْمَنَازِلُ لَهُ حَيْثُ كَانَ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ إلَيْهِ ، وَتَبِيتَ فِي أَيِّ مَنْزِلٍ شَاءَتْ لِأَنَّهَا تُضَافُ إلَيْهَا بِالسُّكْنَى ، وَالصَّغِيرَةُ تَخْرُجُ فِي الطَّلَاقِ الْبَائِنِ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَأْمُورَةٍ بِحُكْمِ الشَّرْعِ ، وَلَا تُحِدُّ لِلزَّوْجِ فَانْقَطَعَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ وَلَا إحْدَادَ عَلَى الْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ثُمَّ الْمُطَلَّقَةُ الرَّجْعِيَّةُ تَتَزَيَّنُ وَتَلْبَسُ مَا شَاءَتْ مِنْ الثِّيَابِ فَلَعَلَّ زَوْجَهَا يُرَاجِعُهَا انْتَهَى (قَوْلُهُ وَعَلَى الْأَمَةِ الْإِحْدَادُ) يَعْنِي إذَا كَانَتْ مَنْكُوحَةً فِي الْوَفَاةِ وَالطَّلَاقِ الْبَائِنِ انْتَهَى فَتْحٌ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَصَحَّ التَّعْرِيضُ) أَيْ فِي الْخُطْبَةِ انْتَهَى كَافِي (قَوْلُهُ {إِلا أَنْ تَقُولُوا} [البقرة : 235] قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ {إِلا أَنْ تَقُولُوا قَوْلا مَعْرُوفًا} [البقرة : 235] أَيْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ إلَّا بِأَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا ، وَهُوَ التَّعْرِيضُ انْتَهَى أَتْقَانِيٌّ قَالَ الْكَمَالُ وَسَبْكُ الْآيَةِ {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ} [البقرة : 235] أَيْ فِيمَا ذَكَرْتُمْ لَهُنَّ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمُوهِمَةِ لِإِرَادَةِ نِكَاحِهِنَّ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فَلَمْ تَنْطِقُوا بِهِ تَعْرِيضًا ، وَلَا تَصْرِيحًا عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ فَاذْكُرُوهُنَّ ، وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا أَيْ نِكَاحًا فَلَا تَقُولُوا أُرِيدُ أَنْ أَتَزَوَّجَك ، وَسَمَّى النِّكَاحَ سِرًّا لِأَنَّهُ سَبَبُ السِّرِّ الَّذِي هُوَ الْوَطْءُ فَإِنَّهُ مِمَّا يُسَرُّ ، وَحَدِيثُ السِّرِّ النِّكَاحُ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ غَرِيبٌ إلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا فَالِاسْتِثْنَاءُ يَتَعَلَّقُ بِلَا تُوَاعِدُوهُنَّ ، وَهُوَ مُنْقَطِعٌ لِأَنَّ الْقَوْلَ الْمَعْرُوفَ لَيْسَ دَاخِلًا فِي السِّرِّ ، وَالِاسْتِدْرَاكُ يَتَعَلَّقُ بِالْمَحْذُوفِ الَّذِي أَبْرَزْنَا صُورَتَهُ ، وَهُوَ فَاذْكُرُوهُنَّ انْتَهَى
(قَوْلُهُ وَالتَّعْرِيضُ أَنْ يَذْكُرَ شَيْئًا يَدُلُّ عَلَى شَيْءٍ لَمْ يَذْكُرْهُ) كَمَا يَقُولُ الْمُحْتَاجُ لِلْمُحْتَاجِ إلَيْهِ جِئْتُك لِأُسَلِّمَ عَلَيْك ، وَلِأَنْظُرَ إلَى وَجْهِك الْكَرِيمِ انْتَهَى كَافِي (قَوْلُهُ وَأَضْمَرْتُمُوهُ) أَيْ وَلَمْ تَذْكُرُوهُ بِالْأَلْسِنَةِ أَصْلًا انْتَهَى (قَوْلُهُ سَتَذْكُرُونَهُنَّ) أَيْ لَا تَنْفَكُّونَ عَنْ النُّطْقِ لِرَغْبَتِكُمْ فِيهِنَّ ، وَعَدَمِ صَبْرِكُمْ انْتَهَى أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَلَا يَجُوزُ التَّعْرِيضُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ، وَقِيلَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ وَلَا بَأْسَ بِالتَّعْرِيضِ فِي الْخِطْبَةِ لِلْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا أَمَّا الْمُطَلَّقَةُ فَلَا يَجُوزُ لَهَا التَّعْرِيضُ ، وَلَنَا فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ} [البقرة : 235] مُطْلَقٌ ، وَلَمْ يُفَصَّلْ انْتَهَى ، وَقَالَ الْكَمَالُ أَرَادَ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا إذْ التَّعْرِيضُ لَا يَجُوزُ فِي الْمُطَلَّقَةِ بِالْإِجْمَاعِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهَا الْخُرُوجُ مِنْ مَنْزِلِهَا أَصْلًا فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ التَّعْرِيضِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَخْفَى عَلَى النَّاسِ ، وَلِإِفْضَائِهِ إلَى عَدَاوَةِ الْمُطَلِّقِ انْتَهَى فَقَوْلُهُ بِالْإِجْمَاعِ يَنْدَفِعُ بِهِ نَظَرُ الْأَتْقَانِيُّ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

(قَوْلُهُ نُقِلَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ) وَبِهِ أَخَذَ أَبُو يُوسُفَ انْتَهَى فَتْحٌ قَالَ الْكَمَالُ ، وَقَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ أَظْهَرُ مِنْ جِهَةِ وَضْعِ اللَّفْظِ لِأَنَّ إلَّا أَنْ غَايَةٌ ، وَالشَّيْءَ لَا يَكُونُ غَايَةً لِنَفْسِهِ ، وَمَا قَالَهُ النَّخَعِيّ أَبْدَعُ وَأَعْذَبُ كَمَا يُقَالُ فِي الْخَطَابِيَّاتِ لَا تَزْنِي إلَّا أَنْ تَكُونَ فَاسِقًا ، وَلَا تَشْتُمْ أُمَّك إلَّا أَنْ تَكُونَ قَاطِعَ رَحِمٍ ، وَنَحْوِهِ ، وَهُوَ بَدِيعٌ بَلِيغٌ جِدًّا يَخْرُجُ إظْهَارُ عُذُوبَتِهِ عَنْ غَرَضِنَا انْتَهَى .
(قَوْلُهُ وَالْأَوَّلُ عَنْ النَّخَعِيّ) وَبِهِ أَخَذَ أَبُو حَنِيفَةَ انْتَهَى فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَأَخَذَتْ بِالْكِرَاءِ) الْكِرَاءُ بِالْمَدِّ الْأُجْرَةُ انْتَهَى مِصْبَاحٌ

(3/36)


حَقُّهُ عَنْهَا ، وَلَا يَضُرُّ بِهِ الْخُرُوجُ بِخِلَافِ الرَّجْعِيِّ حَيْثُ لَا تَخْرُجُ إلَّا بِإِذْنِهِ لِقِيَامِ النِّكَاحِ بَيْنَهُمَا فَلَمْ يَنْقَطِعْ حَقُّهُ عَنْهَا ، وَالْكِتَابِيَّةُ تَخْرُجُ لِأَنَّهَا غَيْرَ مُخَاطَبَةٍ بِحُكْمِ الشَّرْعِ ، وَلِلزَّوْجِ أَنْ يَمْنَعَهَا لِصِيَانَةِ مَائِهِ بِخِلَافِ الصَّغِيرَةِ لِأَنَّهُ لَا يُتَوَهَّمُ مِنْهَا الْحَبَلُ وَالْمَعْتُوهَةُ كَالْكِتَابِيَّةِ فِي هَذَا لِأَنَّهَا غَيْرُ مُطَالَبَةٍ بِحُكْمِ الشَّرْعِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمُعْتَدَّةُ الْمَوْتِ تَخْرُجُ الْيَوْمَ وَبَعْضَ اللَّيْلِ) لِأَنَّ نَفَقَتَهَا عَلَيْهَا فَتَحْتَاجُ إلَى الْخُرُوجِ لِلتَّكَسُّبِ ، وَأَمْرُ الْمَعَاشِ بِالنَّهَارِ ، وَبَعْضِ اللَّيْلِ فَيُبَاحُ لَهَا الْخُرُوجُ فِيهِمَا غَيْرَ أَنَّهَا لَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَبِيتَ فِي غَيْرِ مَنْزِلِهَا اللَّيْلَ كُلَّهُ ، وَلَهَا أَنْ تَبِيتَ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ اللَّيْلِ لِأَنَّ الْمَبِيتَ عِبَارَةٌ عَنْ الْكَوْنِ فِي مَكَان أَكْثَرَ اللَّيْلِ بِخِلَافِ الْمُعْتَدَّةِ عَنْ طَلَاقٍ لِأَنَّ نَفَقَتَهَا دَارَةٌ عَلَيْهَا فَلَا حَاجَةَ لَهَا إلَى الْخُرُوجِ حَتَّى لَوْ اخْتَلَعَتْ عَلَى نَفَقَتِهَا يُبَاحُ لَهَا الْخُرُوجُ فِي رِوَايَةٍ لِلضَّرُورَةِ لِمَعَاشِهَا ، وَقِيلَ لَا يُبَاحُ لَهَا الْخُرُوجُ لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي اخْتَارَتْ إبْطَالَ النَّفَقَةِ فَلَا يَصْلُحُ ذَلِكَ فِي إبْطَالِ حَقٍّ عَلَيْهَا ، وَبِهِ كَانَ يُفْتِي الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فَكَانَ كَمَا لَوْ اخْتَلَعَتْ عَلَى أَنْ لَا سُكْنَى لَهَا فَإِنَّ مُؤْنَةَ السُّكْنَى تَسْقُطُ عَنْ الزَّوْجِ ، وَيَلْزَمُهَا أَنْ تَكْتَرِيَ بَيْتَ الزَّوْجِ ، وَلَا يَحِلُّ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ مِنْهُ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَعْتَدَّانِ فِي بَيْتٍ وَجَبَتْ فِيهِ إلَّا أَنْ تُخْرِجَ أَوْ يَنْهَدِمَ) أَيْ تَعْتَدُّ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا إنْ أَمْكَنَهَا أَنْ تَعْتَدَّ فِي الْبَيْتِ الَّذِي وَجَبَتْ فِيهِ الْعِدَّةُ بِأَنْ كَانَ نَصِيبُهَا مِنْ دَارِ الْمَيِّتِ يَكْفِيهَا أَوْ أَذِنُوا لَهَا فِي السُّكْنَى فِيهِ ، وَهُمْ كِبَارٌ أَوْ تَرَكُوهَا أَنْ تَسْكُنَ فِيهِ بِأَجْرٍ وَهِيَ تَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قَالَ لِفُرَيْعَةَ بِنْتِ مَالِكٍ حِينَ قُتِلَ زَوْجُهَا ، وَلَمْ يَدَعْ مَالًا تَرِثُهُ ، وَطَلَبَتْ أَنْ تَتَحَوَّلَ إلَى أَهْلِهَا لِأَجْلِ الرِّفْقِ عِنْدَهُمْ اُمْكُثِي فِي بَيْتِك الَّذِي أَتَاك فِيهِ نَعْيُ زَوْجِك حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ ، وَصَحَّحَهُ ، وَقَوْلُهُ إلَّا أَنْ تُخْرِجَ أَوْ يَنْهَدِمَ أَيْ إلَّا أَنْ يُخْرِجَهَا الْوَرَثَةُ يَعْنِي فِيمَا إذَا كَانَ نَصِيبُهَا مِنْ دَارِ الْمَيِّتِ لَا يَكْفِيهَا أَوْ يَنْهَدِمَ الْبَيْتُ الَّذِي كَانَتْ تَسْكُنُهُ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَنْتَقِلَ إلَى غَيْرِهِ لِلضَّرُورَةِ ، وَكَذَا إذَا خَافَتْ عَلَى نَفْسِهَا أَوْ مَالِهَا أَوْ كَانَتْ فِيهِ بِأَجْرٍ ، وَلَمْ تَجِدْ مَا تُؤَدِّيهِ جَازَ لَهَا الِانْتِقَالُ ثُمَّ لَا تَخْرُجُ مِنْ الْبَيْتِ الَّذِي انْتَقَلَتْ إلَيْهِ إلَّا بِعُذْرٍ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ حُكْمَ الْأَوَّلِ ، وَتَعْيِينُ الْبَيْتِ الَّذِي تَنْتَقِلُ إلَيْهِ إلَيْهَا لِأَنَّهَا مُسْتَبِدَّةٌ فِي أَمْرِ السُّكْنَى بِخِلَافِ الْمُطَلَّقَةِ حَيْثُ يَكُونُ تَعْيِينُهُ إلَى الزَّوْجِ لِعَدَمِ الِاسْتِبْدَادِ بِالسُّكْنَى ، وَإِذَا طَلَّقَهَا بَائِنًا ، وَسَكَنَتْ فِي مَنْزِلِ الزَّوْجِ يُجْعَلُ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ سُتْرَةٌ حَتَّى لَا تَقَعَ الْخَلْوَةُ بِالْأَجْنَبِيَّةِ ، وَاكْتُفِيَ بِالْحَائِلِ لِاعْتِرَافِ الزَّوْجِ بِالْحُرْمَةِ ، وَإِنْ كَانَ فَاسِقًا يَخَافُ عَلَيْهَا مِنْهُ أَوْ كَانَ الْمَوْضِعُ ضَيِّقًا لَا يَسَعُهُمَا فَلْتَخْرُجْ هِيَ ، وَالْأَوْلَى خُرُوجُهُ لِوُجُوبِ السُّكْنَى عَلَيْهَا فِيهِ ، وَإِنْ جَعَلَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا امْرَأَةً ثِقَةً تَقْدِرُ عَلَى الْحَيْلُولَةِ فَهُوَ حَسَنٌ ، وَلَا يُقَالُ إنَّ الْمَرْأَةَ عَلَى أَصْلِكُمْ لَا تَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ حَائِلَةً حَتَّى قُلْتُمْ لَا يَجُوزُ قُلْتُمْ لَا يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُسَافِرَ مَعَ نِسَاءٍ ثِقَاتٍ ، وَقُلْتُمْ بِانْضِمَامِ غَيْرِهَا تَزْدَادُ الْفِتْنَةُ فَكَيْفَ تَصْلُحُ هُنَا لِأَنَّا نَقُولُ تَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ حَيْلُولَةً فِي الْبَلَدِ لِبَقَاءِ الِاسْتِحْيَاءِ مِنْ الْعَشِيرَةِ ، وَلَا مَكَانَ لِلِاسْتِعَانَةِ بِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ ، وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ بِخِلَافِ الْمَفَاوِزِ فِي السَّفَرِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (بَانَتْ أَوْ مَاتَ عَنْهَا فِي سَفَرٍ وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ مِصْرِهَا أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ رَجَعَتْ إلَيْهِ وَلَوْ ثَلَاثَةً رَجَعَتْ أَوْ مَضَتْ مَعَهَا ، وَلِيٌّ أَوْ لَا وَلَوْ فِي مِصْرٍ تَعْتَدُّ ثَمَّ فَتَخْرُجُ بِمَحْرَمٍ) أَرَادَ بِقَوْلِهِ رَجَعَتْ أَنْ تَرْجِعَ إلَى مِصْرِهَا ، وَمُرَادُهُ فِيمَا إذَا كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَقْصِدِهَا ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ ، وَأَمَّا إذَا كَانَ دُونَهُ فَلَهَا الْخِيَارُ إنْ شَاءَتْ رَجَعَتْ ، وَإِنْ شَاءَتْ مَضَتْ ، وَالرُّجُوعُ أَوْلَى لِمَا نَذْكُرُهُ مِنْ قَرِيبٍ ، وَقَوْلُهُ وَلَوْ ثَلَاثَةً رَجَعَتْ أَوْ مَضَتْ يَعْنِي إذَا كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَقْصِدِهَا أَيْضًا ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ ، وَأَمَّا إذَا كَانَ دُونَهُ فَلَا خِيَارَ لَهَا بَلْ تَمْضِي فَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَقَلَّ مِنْ مَسِيرَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ كَانَ لَهَا الْخِيَارُ إنْ شَاءَتْ مَضَتْ ، وَإِنْ شَاءَتْ رَجَعَتْ سَوَاءٌ كَانَتْ فِي مِصْرٍ أَوْ فِي مَفَازَةٍ ، وَسَوَاءٌ كَانَ مَعَهَا مَحْرَمٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إنْشَاءُ سَفَرٍ ، وَلَكِنَّ الرُّجُوعَ أَوْلَى لِتَعْتَدَّ فِي مَنْزِلِهَا ، وَذُكِرَ فِي الْغَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمَبْسُوطِ عَلَيْهَا أَنْ تَرْجِعَ إلَى مَنْزِلِهَا لِأَنَّهَا تَصِيرُ مُقِيمَةً بِالرُّجُوعِ ، وَبِالْمُضِيِّ تَصِيرُ مُسَافِرَةً
وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مَسِيرَةَ سَفَرٍ ، وَالْآخَرُ دُونَهُ تَعَيَّنَ الْأَقَلُّ سَوَاءٌ كَانَتْ فِي مِصْرٍ أَوْ لَا ، وَكَانَ مَعَهَا مَحْرَمٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إنْشَاءُ سَفَرٍ ، وَالْمُعْتَدَّةُ يُبَاحُ لَهَا الْخُرُوجُ إلَى أَقَلَّ مِنْ السَّفَرِ لِلضَّرُورَةِ لِأَنَّ مَا يَلْحَقُهَا مِنْ الضَّرَرِ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ أَعْظَمُ مِنْ الضَّرَرِ فِي الْخُرُوجِ ، وَإِنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَسِيرَةَ سَفَرٍ فَإِنْ كَانَتْ فِي غَيْرِ مِصْرٍ خُيِّرَتْ بَيْنَ الرُّجُوعِ ، وَالْمُضِيِّ لِلضَّرُورَةِ ، وَالرُّجُوعُ أَوْلَى لِمَا قُلْنَا ، وَإِنْ كَانَتْ فِي مِصْرٍ فَلَا تَخْرُجُ مِنْهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ وَلَهَا أَنْ تَبِيتَ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ اللَّيْلِ) قَالَ فِي الْقُنْيَةِ فِي بَابِ الْأَيْمَانِ الَّتِي لَهَا غَايَةٌ مَعْزِيًّا إلَى النَّوَازِلِ قَالَ لَهَا إنْ لَمْ أَذْهَبْ بِك اللَّيْلَةَ إلَى مَنْزِلِي فَأَنْتِ طَالِقٌ فَإِنْ ذَهَبَ بِهَا قَبْلَ مُضِيِّ أَكْثَرِ اللَّيْلَةِ لَا يَحْنَثُ ، وَإِلَّا يَحْنَثْ انْتَهَى (قَوْلُهُ وَبِهِ كَانَ يُفْتِي الصَّدْرُ الشَّهِيدُ) وَصَحَّحَهُ فِي جَامِعِ قَاضِي خَانْ انْتَهَى كَمَالٌ

(قَوْلُهُ وَإِذَا طَلَّقَهَا بَائِنًا) أَيْ وَاحِدَةً أَوْ ثَلَاثًا انْتَهَى .

(قَوْلُهُ وَلَكِنَّ الرُّجُوعَ أَوْلَى لِتَعْتَدَّ) أَيْ فِي مَنْزِلِ الزَّوْجِ كَذَا فِي الدِّرَايَةِ وَإِطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مِصْرِهَا أَقَلُّ مِنْ مُدَّةِ السَّفَرِ رَجَعَتْ سَوَاءٌ كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَقْصِدِهَا سَفَرٌ أَوْ دُونَهُ أَمَّا إذَا كَانَ مُدَّةَ سَفَرٍ فَظَاهِرٌ لِأَنَّ الْمُضِيَّ إلَى مَقْصِدِهَا سَفَرٌ ، وَالرُّجُوعَ لَيْسَ بِسَفَرٍ ، وَأَمَّا إنْ كَانَ مَا دُونَهَا فَتَرْجِعُ أَيْضًا لِأَنَّهَا كَمَا رَجَعَتْ تَصِيرُ مُقِيمَةً ، وَإِذَا مَضَتْ تَكُونُ مُسَافِرَةً مَا لَمْ تَصِلْ إلَى الْمَقْصِدِ فَإِذَا قَدَرَتْ عَلَى الِامْتِنَاعِ عَنْ اسْتِدَامَةِ السَّفَرِ فِي الْعِدَّةِ تَعَيَّنَ عَلَيْهَا ذَلِكَ كَذَا فِي النِّهَايَةِ ، وَهُوَ أَوْجَهُ انْتَهَى كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ، وَمَا فِي النِّهَايَةِ مُوَافِقٌ لِمَا فِي الْغَايَةِ ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ (قَوْلُهُ وَالْمُعْتَدَّةُ يُبَاحُ لَهَا الْخُرُوجُ) يَعْنِي عَنْ طَلَاقٍ أَوْ وَفَاةٍ انْتَهَى

(3/37)


- رَحِمَهُ اللَّهُ - سَوَاءٌ كَانَ مَعَهَا مَحْرَمٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ ، وَقَالَا إنْ كَانَ مَعَهَا مَحْرَمٌ تَخْرُجُ ، وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّ نَفْسَ الْخُرُوجِ يُرَخَّصُ لَهَا لِلضَّرُورَةِ لِأَنَّ الْغَرِيبَ يُؤْذِي وَتَلْحَقُهُ الْوَحْشَةُ ، وَلِهَذَا كَانَ لَهَا الْخُرُوجُ إلَى أَقَلِّ مِنْ السَّفَرِ ، وَإِنْ كَانَتْ فِي مِصْرٍ مَعَ أَنَّ الْمُعْتَدَّةَ مَمْنُوعَةٌ مِنْهُ حَالَةَ الِاخْتِيَارِ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا حُرْمَةُ السَّفَرِ ، وَتِلْكَ تَرْتَفِعُ بِالْمَحْرَمِ ، وَلَهُ أَنَّ تَأْثِيرَ الْعِدَّةِ فِي الْمَنْعِ مِنْ الْخُرُوجِ أَقْوَى مِنْ تَأْثِيرِ عَدَمِ الْمَحْرَمِ فِي الْمَنْعِ مِنْ الْخُرُوجِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْعِدَّةَ تَمْنَعُ مُطْلَقَ الْخُرُوجِ ، وَإِنْ قَلَّ بِخِلَافِ عَدَمِ الْمَحْرَمِ حَيْثُ لَا يُمْنَعُ إلَّا السَّفَرُ فَإِذَا كَانَ عَدَمُ الْمَحْرَمِ يَمْنَعُ السَّفَرَ فَالْعِدَّةُ أَوْلَى أَنْ تَمْنَعَ لِأَنَّهَا أَقْوَى فِي الْمَنْعِ ، وَمَا دُونَ السَّفَرِ إنَّمَا يُرَخَّصُ لَهَا مَعَ قِيَامِ الْعِدَّةِ لِكَوْنِهِ لَيْسَ بِإِنْشَاءِ خُرُوجٍ بَلْ هُوَ بِنَاءٌ عَلَى الْخُرُوجِ الْأَوَّلِ ، وَإِنْشَاءُ الْخُرُوجِ فِي الْعِدَّةِ حَرَامٌ مُطْلَقًا ، وَهُنَا هِيَ مُنْشِئَةٌ لِلْخُرُوجِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ سَفَرٌ فَيَتَنَاوَلُهُ التَّحْرِيمُ فَلَا يَرْتَفِعُ بِالْمَحْرَمِ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْخُرُوجِ عَلَى الْمُعْتَدَّةِ لَا تَرْتَفِعُ بِهِ ، وَفِي الْمَفَازَةِ جَازَ لِلضَّرُورَةِ ، وَهُوَ خَوْفُ الْهَلَاكِ ، وَقَدْ انْعَدَمَ هُنَا فَبَقِيَ عَلَى الْأَصْلِ ، وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَسِيرَةَ سَفَرٍ ، وَاخْتَارَتْ أَحَدَهُمَا فَمَرَّتْ بِمِصْرٍ لَا تَخْرُجُ مِنْهُ عِنْدَهُ ، وَعِنْدَهُمَا تَخْرُجُ بِمَحْرَمٍ ، وَأَهْلُ الْكَلَأِ إذَا انْتَقَلُوا انْتَقَلَتْ الْمُعْتَدَّةُ مَعَهُمْ إنْ كَانَتْ تَتَضَرَّرُ بِتَرْكِهَا فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ ، وَالطَّلَاقُ الرَّجْعِيُّ فِي هَذَا كَالْبَائِنِ فِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحْكَامِ غَيْرَ أَنَّهَا لَيْسَ لَهَا أَنْ تُفَارِقَ زَوْجَهَا فِي مَسِيرَةٍ هِيَ سَفَرٌ لِأَنَّ الزَّوْجِيَّةَ قَائِمَةٌ بَيْنَهُمَا ، وَالْمُبَانَةَ تَرْجِعُ أَوْ تَمْضِي مَعَ مَنْ شَاءَتْ لِارْتِفَاعِ النِّكَاحِ بَيْنَهُمَا فَصَارَ أَجْنَبِيًّا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ

(بَابُ ثُبُوتِ النَّسَبِ) .
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ قَالَ إنْ نَكَحْتهَا فَهِيَ طَالِقٌ فَوَلَدَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مُذْ نَكَحَهَا لَزِمَهُ نَسَبُهُ وَمَهْرُهَا) أَمَّا النَّسَبُ فَلِأَنَّهَا فِرَاشُهُ ، وَهُوَ مُتَصَوِّرٌ لِأَنَّهَا إذَا وَلَدَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ التَّزَوُّجِ فَقَدْ وَلَدَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْهَا مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ فَكَانَ الْعُلُوقُ قَبْلَهُ فِي حَالِ النِّكَاحِ ، فَإِنْ قِيلَ إنْ كَانَ مُتَصَوَّرًا مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْتُمْ ، وَهُوَ مُضِيُّ الزَّمَانِ لَكِنْ لَا يُتَصَوَّرُ حَقِيقَةً لِأَنَّ الْوَطْءَ فِي هَذَا الْعَقْدِ غَيْرُ مُمْكِنٍ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ عَقِيبَهُ مِنْ غَيْرِ مُهْلَةٍ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَثْبُتَ نَسَبُهُ مِنْهُ كَمَا لَا يَثْبُتُ مِنْ الصَّبِيِّ لِعَدَمِ الْمَاءِ حَقِيقَةً قُلْنَا هَذَا هُوَ الْقِيَاسُ ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ ، وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ الْأَوَّلُ ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَثْبُتُ ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ الْأَخِيرُ لِأَنَّ النَّسَبَ يُحْتَالُ لِإِثْبَاتِهِ ، وَقَدْ أَمْكَنَ ذَلِكَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ وَقَالَا إنْ كَانَ مَعَهَا مَحْرَمٌ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ أَوَّلًا ، وَقَوْلُهُ الْآخَرُ أَظْهَرُ انْتَهَى فَتْحٌ وَكَافِي

(بَابُ ثُبُوتِ النَّسَبِ) .
لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ وُجُوهِ الْعِدَّةِ مِنْ اعْتِبَارِ الْحَيْضِ وَالْأَشْهُرِ وَوَضْعِ الْحَمْلِ شَرَعَ فِي بَيَانِ ثُبُوتِ النَّسَبِ لِأَنَّ ثُبُوتَ النَّسَبِ مِنْ آثَارِ الْحَمْلِ فَنَاسَبَ أَنْ يَذْكُرَ هَذَا الْبَابَ عَقِيبَ بَابِ الْعِدَّةِ قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ (قَوْلُهُ لَزِمَهُ نَسَبُهُ وَمَهْرُهَا) أَيْ كَامِلًا انْتَهَى (قَوْلُهُ فَلِأَنَّهَا فِرَاشُهُ) أَيْ وَالْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ انْتَهَى (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا إذَا وَلَدَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ إلَخْ) مَعْنَاهُ إذَا وَلَدَتْهُ لِتَمَامِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ ، وَلَا نُقْصَانٍ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ لِأَقَلَّ فَالْعُلُوقُ سَابِقٌ عَلَى النِّكَاحِ ، وَإِنْ كَانَ لِأَكْثَرَ أَمْكَنَ أَنْ يُجْعَلَ مِنْ عُلُوقٍ حَدَثَ بَعْدَ النِّكَاحِ فَلَا يَكُونُ مِنْهُ لِأَنَّا حَكَمْنَا حِينَ الطَّلَاقِ بِعَدَمِ وُجُوبِ الْعِدَّةِ لِكَوْنِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَالْخَلْوَةِ ، وَلَمْ يَتَبَيَّنْ بُطْلَانُ هَذَا الْحُكْمِ . ا هـ . شَرْحُ وَهْبَانِيَّةٍ ، وَيَأْتِي فِي هَذَا الْكِتَابِ ا هـ
(قَوْلُهُ وَقُلْنَا هَذَا هُوَ الْقِيَاسُ) أَيْ عَدَمُ ثُبُوتِ النَّسَبِ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَثْبُتُ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَتَصَوُّرُ الْعُلُوقِ مُقَارِنًا لِلنِّكَاحِ ثَابِتٌ بِأَنْ يَتَزَوَّجَهَا ، وَهُوَ يُخَالِطُهَا وَطِئَهَا ، وَسَمِعَ النَّاسُ كَلَامَهُمَا فَوَافَقَ الْإِنْزَالُ النِّكَاحَ ، وَالْأَحْسَنُ تَجْوِيزُ أَنَّهُمَا وَكَّلَاهُ فَبَاشَرَ الْوَكِيلُ ، وَهُمَا كَذَلِكَ فَوَافَقَ عَقْدُهُ الْإِنْزَالَ ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ الثُّبُوتَ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْفِرَاشِ ، وَهُوَ يَثْبُتُ مُقَارِنًا لِلنِّكَاحِ الْمُقَارِنِ لِلْعُلُوقِ فَتَعْلَقُ ، وَهِيَ فِرَاشٌ فَيَثْبُتُ نَسَبُهُ ، وَقَدْ يُقَالُ الْفِرَاشِيَّةُ أَثَرُ النِّكَاحِ أَعْنِي الْعَقْدَ فَيَتَعَقَّبُهُ فَيَلْزَمُ سَبْقُ الْعُلُوقِ عَلَى الْفِرَاشِ نَعَمْ إذَا فُسِّرَ الْفِرَاشُ بِالْعَقْدِ كَمَا عَنْ الْكَرْخِيِّ ، وَهُوَ يُخَالِفُ تَفْسِيرَهُمْ السَّابِقَ لَهُ فِي فَصْلِ الْمُحَرَّمَاتِ بِكَوْنِ الْمَرْأَةِ حَيْثُ يَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْهَا إذَا جَاءَتْ بِهِ فَإِنَّ هَذَا الْكَوْنَ إنَّمَا يَثْبُتُ بَعْدَ الْعَقْدِ إلَّا قُلْنَا إنَّ الْعِلَّةَ مَعَ الْمَعْلُولِ فِي الْخَارِجِ ، وَكَلَامُهُمْ لَيْسَ عَلَيْهِ
وَتَقْرِيرُ قَاضِي خَانْ أَنَّ الْعُلُوقَ بَعْدَ تَمَامِ النِّكَاحِ مُقَارِنًا لِلطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ فَيَكُونُ حَاصِلًا قَبْلَ زَوَالِ النِّكَاحِ فَيَثْبُتُ النَّسَبُ يَعْنِي أَنَّ زَوَالَ الْفِرَاشِ بَعْدَ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ لَا مَعَهُ لِأَنَّ زَوَالَ أَثَرِهِ لَا يُقَالُ مُقْتَضَاهُ أَنْ تَكُونَ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ النِّكَاحِ إذْ لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ مُدَّةِ الْحَمْلِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ ، وَقَدْ عَيَّنُوا لِثُبُوتِ نَسَبِهِ أَنْ لَا يَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ النِّكَاحِ ، وَلَا أَقَلَّ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّمَا لَمْ يُثْبِتُوهُ فِي الْأَقَلِّ لِأَنَّ الْعُلُوقَ حِينَئِذٍ مُزَوَّجٌ قَبْلَ النِّكَاحِ ، وَأَمَّا فِي الزِّيَادَةِ فَلِاحْتِمَالِ حُدُوثِهِ بَعْدَ الطَّلَاقِ ، وَهُوَ مُنْتَفٍ هُنَا لِأَنَّهُ يَزِيدُ عَلَى مَا بَعْدَ الطَّلَاقِ بِمَا يَسَعُ وَطْئًا بِالْفَرْضِ فَيَحِلُّ مُسْتَثْنَى هَذَا الْقَدْرِ ، وَيَجِبُ تَقْدِيرُهُ كَذَلِكَ ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ نَفْيَهُمْ النَّسَبَ فِيمَا إذَا جَاءَتْ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةٍ فِي مُدَّةٍ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ ، وَهُوَ سَنَتَانِ ، وَلَا مُوجِبَ لِلصَّرْفِ عَنْهُ يُنَافِي فِي الِاحْتِيَاطِ فِي إثْبَاتِهِ
وَاحْتِمَالُ كَوْنِهِ حَدَثَ بَعْدَ الطَّلَاقِ فِيمَا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ ، وَيَوْمٍ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ فَإِنَّ الْعَادَةَ الْمُسْتَمِرَّةَ كَوْنُ الْحَمْلِ مِنْهَا وَرُبَّمَا تَمْضِي دُهُورٌ لَمْ يُسْمَعْ فِيهَا وِلَادَةٌ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَكَانَ الظَّاهِرُ عَدَمَ حُدُوثِهِ ، وَحُدُوثُهُ احْتِمَالٌ فَأَيُّ احْتِيَاطٍ فِي إثْبَاتِ النَّسَبِ إذَا نَفَيْنَاهُ لِاحْتِمَالٍ ضَعِيفٍ يَقْتَضِي نَفْيَهُ ، وَتَرَكْنَا ظَاهِرًا يَقْتَضِي ثُبُوتَهُ ، وَلَيْتَ شِعْرِي أَيَّ الِاحْتِمَالَيْنِ أَبْعَدُ الِاحْتِمَالُ الَّذِي فَرَضُوهُ لِتَصَوُّرِ الْعُلُوقِ مِنْهُ لِيُثْبِتُوا النَّسَبَ ، وَهُوَ كَوْنُهُ تَزَوَّجَهَا ، وَهُوَ يَطَؤُهَا ، وَسَمِعَ النَّاسُ كَلَامَهُمَا

(3/38)


بِأَنْ يُجْعَلَ كَأَنَّهُ تَزَوَّجَهَا ، وَهُوَ مُخَالِطٌ لَهَا فَوَافَقَ الْإِنْزَالُ النِّكَاحَ ثُمَّ وُجِدَ الطَّلَاقُ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ حُكْمُهُ ، وَحُكْمُ الشَّيْءِ يَعْقُبُهُ أَوْ يُقَارِنُهُ عَلَى مَا قَالَهُ الْبَعْضُ فَيَكُونُ الْعُلُوقُ مُقَارِنًا لِلْإِنْزَالِ فَيَثْبُتُ بِهِ النَّسَبُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ يُحْتَالُ لِإِثْبَاتِهِ فَصَارَ كَتَزَوُّجِ الْمَغْرِبِيِّ الْمَشْرِقِيَّةَ وَبَيْنَهُمَا مَسِيرَةُ سَنَةٍ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ تَزَوَّجَهَا لِلْإِمْكَانِ الْعَقْلِيِّ ، وَهُوَ أَنْ يَصِلَ إلَيْهَا بِخُطْوَةٍ كَرَامَةً مِنْ اللَّهِ تَعَالَى بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الصَّبِيِّ فَإِنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يُخْلَقَ مِنْ مَائِهِ ، وَلَيْسَ لَهُ مَاءٌ فَافْتَرَقَا ، وَيُشْتَرَطُ أَنْ تَلِدَ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ التَّزَوُّجِ مِنْ غَيْرِ نُقْصَانٍ وَلَا زِيَادَةٍ لِأَنَّهَا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْهُ تَبَيَّنَ أَنَّ الْعُلُوقَ كَانَ سَابِقًا عَلَى النِّكَاحِ ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْهُ تَبَيَّنَ أَنَّهَا عَلِقَتْ بَعْدَهُ لِأَنَّا حَكَمْنَا حِينَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ بِعَدَمِ وُجُوبِ الْعِدَّةِ لِكَوْنِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَالْخَلْوَةِ ، وَلَمْ يَتَبَيَّنْ بُطْلَانُ هَذَا الْحُكْمِ ، وَأَمَّا الْمَهْرُ فَلِأَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ النَّسَبُ مِنْهُ تَحَقَّقَ الْوَطْءُ مِنْهُ حُكْمًا ، وَهُوَ أَقْوَى مِنْ الْخَلْوَةِ فَتَأَكَّدَ بِهِ الْمَهْرُ ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ مَهْرَانِ مَهْرٌ بِالْوَطْءِ وَمَهْرٌ بِالنِّكَاحِ كَمَا إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً فِي حَالِ مَا يَطَؤُهَا كَانَ عَلَيْهِ مَهْرَانِ مَهْرٌ بِالْوَطْءِ لِأَنَّهُ سَقَطَ الْحَدُّ لِوُجُودِ التَّزَوُّجِ قَبْلَ تَمَامِهِ وَمَهْرٌ بِالنِّكَاحِ ، وَفِي النِّهَايَةِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجِبُ مَهْرٌ ، وَنِصْفُ النِّصْفِ لِلطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ ، وَالْمَهْرُ بِالدُّخُولِ ، وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ بِهِ مُحْصَنًا ، وَعَزَاهُ إلَى الْمُنْتَقَى

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِ مُعْتَدَّةِ الرَّجْعِيِّ وَإِنْ وَلَدَتْهُ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ مَا لَمْ تُقِرَّ بِمُضِيِّ الْعِدَّةِ فَكَانَ رَجْعَةً فِي الْأَكْثَرِ مِنْهُمَا لَا فِي الْأَقَلِّ مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ السَّنَتَيْنِ لِأَنَّ ثُبُوتَ النَّسَبِ يَعْتَمِدُ التَّصَوُّرَ ، وَهُوَ مُتَصَوَّرٌ فِي الصُّوَرِ كُلِّهَا مَا لَمْ تُقِرَّ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا عَلَى مَا نُبَيِّنُ ثُمَّ إنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَلَا إشْكَالَ فِي ثُبُوتِ نَسَبِهِ لِأَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا وَقْتَ الطَّلَاقِ فَكَانَ مِنْ عُلُوقٍ قَبْلَهُ ، وَبَانَتْ بِالْوَضْعِ لِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ، وَلِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ فَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي ثُبُوتِ النَّسَبِ وَالْبَيْنُونَةِ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ حَمْلٍ قَبْلَ الطَّلَاقِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ ، فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّهُ بِوَطْءٍ بَعْدَ الطَّلَاقِ لِأَنَّ الْحَوَادِثَ تُحْمَلُ عَلَى أَقْرَبِ أَوْقَاتِ الْإِمْكَانِ ، وَفِيهِ إثْبَاتُ الرَّجْعَةِ أَيْضًا احْتِيَاطًا فَكَانَ أَوْلَى قُلْنَا الْحَوَادِثُ إنَّمَا تُحْمَلُ عَلَى أَقْرَبِ أَوْقَاتِهَا إذَا لَمْ يُوجَدْ الْمُقْتَضِي بِخِلَافِ ذَلِكَ ، وَأَمَّا إذَا وُجِدَ فَلَا ، وَهُنَا وُجِدَ الْمُقْتَضِي لِأَنَّ الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ يَقْتَضِي الْبَيْنُونَةَ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ، وَالْقَوْلُ بِثُبُوتِ الرَّجْعَةِ إبْطَالٌ لَهُ فَلَا يَجُوزُ ، وَلِأَنَّ فِيهِ حَمْلَ أَمْرِهِ عَلَى خِلَافِ السُّنَّةِ ، وَهُوَ الْمُرَاجَعَةُ بِالْفِعْلِ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ إثْبَاتِ الرَّجْعَةِ بِالشَّكِّ ، وَهُوَ أَيْضًا لَا يَجُوزُ فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ مَعَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَهُمَا عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ ثُمَّ وَافَقَ الْإِنْزَالُ الْعَقْدَ أَوْ احْتِمَالَ كَوْنِ الْحَمْلِ إذَا زَادَ عَلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ بِيَوْمٍ يَكُونُ مِنْ غَيْرِهِ ، وَلِاسْتِبْعَادِ هَذَا الْفَرْضِ قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ لَا يَحْتَاجُ إلَى هَذَا التَّكْلِيفِ بَلْ قِيَامُ الْفِرَاشِ كَافٍ ، وَلَا يُعْتَبَرُ إمْكَانُ الدُّخُولِ بَلْ النِّكَاحُ قَائِمٌ مَقَامَهُ كَمَا فِي تَزَوُّجِ الْمَشْرِقِيِّ بِمَغْرِبِيَّةٍ
وَالْحَقُّ أَنَّ التَّصَوُّرَ شَرْطٌ ، وَلِذَا لَوْ جَاءَتْ امْرَأَةُ الصَّبِيِّ بِوَلَدٍ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ ، وَالتَّصَوُّرُ ثَابِتٌ فِي الْمَغْرِبِيَّةِ لِثُبُوتِ كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ ، وَالِاسْتِخْدَامَات فَيَكُونُ صَاحِبَ خُطْوَةٍ أَوْ جِنِّيٍّ ا هـ مَا قَالَهُ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ بِأَنْ يُجْعَلَ كَأَنَّهُ تَزَوَّجَهَا ، وَهُوَ مُخَالِطٌ لَهَا) يَعْنِي بِأَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِمَا رَجُلَانِ ، وَهُمَا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ فَيَسْمَعَانِ كَلَامَهُمَا فَيُوَافِقُ الْإِنْزَالُ النِّكَاحَ ، وَهَذَا يُمْكِنُ وَإِنْ كَانَ نَادِرًا . ا هـ . (قَوْلُهُ وَيُشْتَرَطُ أَنْ تَلِدَ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ النَّسَبُ فِيمَا إذَا جَاءَتْ بِالْوَلَدِ لِتَمَامِ سِتَّةٍ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ النِّكَاحِ لِأَنَّ قِيَامَ النِّكَاحِ مِمَّنْ يَحْتَمِلُ الْعُلُوقُ مِنْهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْوَطْءِ فِي حَقِّ ثُبُوتِ النَّسَبِ لِأَنَّ النَّسَبَ مِمَّا يُحْتَاطُ فِي إثْبَاتِهِ ، وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجْرُ» أَيْ لِصَاحِبِ الْفِرَاشِ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ كَذَا قَالَ الْمُطَرِّزِيُّ
وَالْفِرَاشُ الْعَقْدُ كَذَا فَسَّرَ الْكَرْخِيُّ فِي إمْلَائِهِ لِشَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ، وَقَدْ ذَكَرْنَا نَحْنُ فِي فَصْلِ الْمُحَرَّمَاتِ أَنَّ الْفِرَاشَ كَوْنُ الْمَرْأَةِ بِحَالٍ لَوْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ فَيَكُونُ الْوَطْءُ زَمَانَ التَّزَوُّجِ ثَابِتًا حُكْمًا ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ حَقِيقَةً ، وَالْعِبْرَةُ بِالْفِرَاشِ لَا بِالْمَاءِ لِلْحَدِيثِ ، وَلِهَذَا لَوْ كَانَ مِنْ مَائِهِ ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ فِرَاشٌ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ . ا هـ . (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْهُ) أَيْ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَلَمْ يَتَبَيَّنْ بُطْلَانُ هَذَا الْحُكْمِ) قَالَ الْكَمَالُ وَأَمَّا لُزُومُ الْمَهْرِ كَامِلًا فَلِأَنَّهُ لِثُبُوتِ النَّسَبِ مِنْهُ جُعِلَ وَاطِئًا حُكْمًا فَعَلَيْهِ الْمَهْرُ ، وَمَا قِيلَ لَا يَلْزَمُ مِنْ ثُبُوتِ النَّسَبِ مِنْهُ وَطْؤُهُ لِأَنَّ الْحَبَلَ قَدْ يَكُونُ بِإِدْخَالِ الْمَاءِ الْفَرْجَ دُونَ جِمَاعٍ فَنَادِرٌ ، وَالْوَجْهُ الظَّاهِرُ هُوَ الْمُعْتَادُ ا هـ
(قَوْلُهُ تَحَقَّقَ الْوَطْءُ مِنْهُ حُكْمًا) فَصَارَتْ فِي مَعْنَى الْمَدْخُولِ بِهَا . ا هـ . (قَوْلُهُ فَتَأَكَّدَ بِهِ) أَيْ بِثُبُوتِ النَّسَبِ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ وَكَمَالٌ (قَوْلُهُ وَفِي النِّهَايَةِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إنَّهُ يَجِبُ مَهْرٌ وَنِصْفٌ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ، وَفِي النِّهَايَةِ ، وَفِي الْقِيَاسِ ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ مَهْرٌ وَنِصْفٌ أَمَّا النِّصْفُ فَلِلطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ ، وَأَمَّا الْمَهْرُ فَلِلدُّخُولِ ا هـ وَعِبَارَةُ أَبِي يُوسُفَ فِي الْأَمَالِي عَلَى مَا نَقَلَهُ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ يَنْبَغِي فِي الْقِيَاسِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ مَهْرٌ وَنِصْفٌ لِأَنَّهُ قَدْ وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا فَوَجَبَ نِصْفُ الْمَهْرِ ، وَمَهْرٌ آخَرُ بِالدُّخُولِ قَالَ إلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ اسْتَحْسَنَ ، وَقَالَ لَا يَجِبُ إلَّا مَهْرٌ وَاحِدٌ لِأَنَّا جَعَلْنَاهُ بِمَنْزِلَةِ الدُّخُولِ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ فَتَأَكَّدَ ذَلِكَ الصَّدَاقُ ، وَاشْتَبَهَ وُجُوبُ الزِّيَادَةِ ا هـ وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ لِلْمُتَأَمِّلِ لَا تُوجِبُ قَوْلَهُ بِلُزُومِ مَهْرٍ وَنِصْفٍ بَلْ ظَاهِرَةٌ فِي نَفْيِهِ ذَلِكَ لِأَنَّ الِاسْتِحْسَانَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْقِيَاسِ فَلَا تَسُوغُ الرِّوَايَةُ عَنْهُ بِذَلِكَ ، وَإِنَّمَا اشْتَبَهَ وُجُوبُ الزِّيَادَةِ لِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى وُقُوعِ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ ، وَلَا يُحْكَمُ بِذَلِكَ ، وَإِلَّا لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ لِأَنَّ الْوَطْءَ حِينَئِذٍ فِي غَيْرِ عِصْمَةٍ وَلَا عِدَّةٍ بَلْ يُحْكَمُ بِأَنَّهُ مُقَارِنٌ لَهُ أَوْ لِلنِّكَاحِ فَأَقَلُّ الْأَمْرِ كَوْنُهُ قَبْلَهُ ، وَلَا يُشْتَبَهُ ذَلِكَ . ا هـ .

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ مَا لَمْ تُقِرَّ بِمُضِيِّ الْعِدَّةِ) لِاحْتِمَالِ الْعُلُوقِ فِي حَالِ الْعِدَّةِ لِجَوَازِ أَنَّهَا تَكُونُ مُمْتَدَّةَ الطُّهْرِ . ا هـ . هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ) أَيْ مِنْ وَقْتِ الْفِرَاقِ ا هـ (قَوْلُهُ فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّهُ بِوَطْءٍ بَعْدَ الطَّلَاقِ) أَيْ لِأَنَّ الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ لَا يُحَرِّمُ الْوَطْءَ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ فِيهِ حَمْلَ أَمْرِهِ عَلَى خِلَافِ السُّنَّةِ) ، وَكَمَا لَا يُظَنُّ بِالْعَاقِلِ الْمُسْلِمِ الْإِقْدَامُ عَلَى الْحَرَامِ لَا يُظَنُّ بِهِ

(3/39)


إمْكَانِ غَيْرِهِ ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ ، وَكَانَتْ رَجْعَةً لِأَنَّ الْعُلُوقَ بَعْدَ الطَّلَاقِ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْهُ فَحُمِلَ عَلَيْهِ ، وَلَا يُحْمَلُ عَلَى الزِّنَا لِإِمْكَانِ الْحِلِّ ، وَلِانْتِفَاءِ الزِّنَا عَنْ الْمُسْلِمِ ظَاهِرًا ، وَلَا يُقَالُ انْتِفَاءُ الزِّنَا مُمْكِنٌ بِغَيْرِ هَذِهِ الْجِهَةِ ، وَهُوَ أَنْ تَتَزَوَّجَ بِزَوْجٍ آخَرَ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا فَيَكُونُ الْوَلَدُ مِنْهُ لِأَنَّا نَقُولُ الْإِبْقَاءُ أَسْهَلُ مِنْ الِابْتِدَاءِ فَكَانَ أَوْلَى ، هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ تُقِرَّ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ، وَأَمَّا إذَا أَقَرَّتْ بِهِ فِي مُدَّةٍ تَحْتَمِلُ ذَلِكَ فَهُوَ كَمَا قَالَتْ مَا لَمْ يُكَذِّبْهَا الظَّاهِرُ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْبَتِّ لِأَقَلَّ مِنْهُمَا) أَيْ يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِ مُعْتَدَّةِ الطَّلَاقِ الْبَتِّ إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ لِأَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَ الطَّلَاقِ أَوْ يَحْتَمِلُهُ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ احْتِيَالًا لِإِثْبَاتِ النَّسَبِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ، وَلَا يُعْتَبَرُ تَوَهُّمُ غَيْرِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِلَّا لَا) أَيْ إنْ لَمْ تَأْتِ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْهُمَا بَلْ أَتَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ لِأَنَّ الْحَمْلَ حَادِثٌ بَعْدَ الطَّلَاقِ فَلَا يَكُونُ مِنْهُ لِحُرْمَةِ وَطْئِهَا فِي الْعِدَّةِ بِخِلَافِ الرَّجْعِيِّ ، وَتَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ، وَعِنْدَهُمَا يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ عِدَّتَهَا انْقَضَتْ قَبْلَ الْوِلَادَةِ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ ، وَتَزَوَّجَتْ بِغَيْرِهِ ، وَجَاءَتْ بِهِ مِنْهُ فَتَرُدُّ مَا أَخَذَتْ مِنْ النَّفَقَةِ مِنْهُ تِلْكَ الْمُدَّةِ حَمْلًا لِأَمْرِهَا عَلَى الصَّلَاحِ وَإِحْيَاءً لِلْوَلَدِ فَلَا يُسْمَعُ إقْرَارُهَا أَنَّهُ مِنْ الزِّنَا فِي حَقِّ الْوَلَدِ لِأَنَّهُ ضَرَرٌ مَحْضٌ فِي حَقِّهِ وَأَبُو يُوسُفَ يَقُولُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي وَطِئَهَا فِي الْعِدَّةِ أَوْ غَيْرُهُ بِشُبْهَةٍ أَوْ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ ، وَسَبَبُ النَّفَقَةِ كَانَ ثَابِتًا بِيَقِينٍ فَلَا يُرَدُّ بِالشَّكِّ ، وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ نَسَبَ الْوَلَدِ لَمْ يَثْبُتْ بِيَقِينٍ فَأَقَلُّ أَحْوَالِهِ أَنْ يَكُونَ وَطِئَهَا أَجْنَبِيٌّ بِشُبْهَةٍ فَحَبِلَتْ مِنْهُ
وَالْمَنْكُوحَةُ إذَا وَطِئَتْ بِشُبْهَةٍ فَحَبِلَتْ مِنْهُ لَا تَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ عَلَى الزَّوْجِ حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا لِكَوْنِهَا مَشْغُولَةً بِغَيْرِهِ فَكَيْفَ تَجِبُ فِي الْمُعْتَدَّةِ وَهِيَ أَدْنَى حَالًا وَلَوْ وَلَدَتْ وَلَدَيْنِ تَوْأَمَيْنِ أَحَدُهُمَا لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ ، وَالْآخَرُ لِأَكْثَرَ مِنْهُمَا ثَبَتَ نَسَبُهُمَا مِنْهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ كَالْجَارِيَةِ إذَا وَلَدَتْ وَلَدَيْنِ بَعْدَ بَيْعِهَا ثُمَّ ادَّعَى الْبَائِعُ الْوَلَدَ الْأَوَّلَ ثَبَتَ نَسَبُهُمَا مِنْهُ لِأَنَّهُمَا خُلِقَا مِنْ مَاءٍ وَاحِدٍ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُمَا لِأَنَّ الثَّانِي مِنْ عُلُوقٍ حَادِثٍ فَمِنْ ضَرُورَتِهِ أَنْ يَكُونَ الْأَوَّلُ كَذَلِكَ لِأَنَّهُمَا مِنْ مَاءٍ وَاحِدٍ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْجَارِيَةِ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الثَّانِي عَلِقَتْ بِهِ فِي مِلْكِهِ لِعَدَمِ الِاسْتِحَالَةِ حَتَّى لَوْ وَلَدَتْ أَحَدَهُمَا لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ ، وَالْآخَرَ لِأَكْثَرَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ أَوْ نَقُولُ يُمْكِنُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْبَائِعَ الْتَزَمَهُ قَصْدًا بِالدَّعْوَى ، وَالزَّوْجَ لَمْ يَدَّعِ حَتَّى لَوْ ادَّعَى الزَّوْجُ الْأَوَّلُ كَانَ مِثْلَهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إلَّا أَنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْإِقْدَامُ عَلَى خِلَافِ السُّنَّةِ . ا هـ . كَافِي (قَوْلُهُ وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ يَثْبُتُ) أَيْ يَثْبُتُ ، وَلَوْ عِشْرِينَ سَنَةً أَوْ أَكْثَرَ . ا هـ . فَتْحٌ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَمَّا ثُبُوتُ نَسَبِ وَلَدِ الرَّجْعِيَّةِ إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ فَظَاهِرٌ ، وَأَمَّا ثُبُوتُهُ إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْهُمَا فَلِاحْتِمَالِ الْعُلُوقِ فِي عِدَّةِ الرَّجْعِيِّ لِانْتِفَاءِ الْحُكْمِ بِزِنَاهَا أَوْ بِوَطْئِهَا بِشُبْهَةٍ لِجَوَازِ كَوْنِهَا مُمْتَدَّةَ الطُّهْرِ بِأَنْ امْتَدَّ إلَى مَا قَبْلَ سَنَتَيْنِ مِنْ مَجِيئِهَا بِهِ أَوْ أَقَلَّ ثُمَّ وَطِئَهَا فَحَبِلَتْ ، وَعَنْ هَذَا حَكَمْنَا بِأَنَّهَا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ تَكُونُ زَوْجَةً بِالرَّجْعَةِ الْكَائِنَةِ بِالْوَطْءِ فِي الْعِدَّةِ لِلْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ بِخِلَافِ مَا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ لَا تَثْبُتُ رَجْعَتُهَا فَإِنَّ الْعُلُوقَ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَانَ فِي الْعِصْمَةِ كَمَا يَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَانَ فِي الْعِدَّةِ ، وَإِحَالَةُ الْحَادِثِ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ إذَا لَمْ يُعَارِضْهُ ظَاهِرٌ آخَرُ
وَالظَّاهِرُ الْوَطْءُ فِي الْعِصْمَةِ لَا الْعِدَّةِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُعْتَادُ ، وَمَا قَضَتْ بِهِ الْعَادَةُ أَرْجَحُ مِنْ إضَافَةِ الْحَادِثِ إلَى الزَّمَنِ الْقَرِيبِ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ مُخَالَفَةِ السُّنَّةِ فِي الرَّجْعَةِ ، وَمُخَالَفَةِ الْعَادَةِ أَيْضًا فِيهَا إذْ مُعْتَادُ النَّاسِ فِي الرَّجْعَةِ أَنْ يَرْجِعُوا بِاللَّفْظِ ا هـ قَالَ الرَّازِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ الْكَنْزِ وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ كَانَتْ الْوِلَادَةُ رَجْعَةً لِأَنَّ الْعُلُوقَ بَعْدَ الطَّلَاقِ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْهُ حَمْلًا لِحَالِهَا عَلَى الصَّلَاحِ ، وَيَثْبُتُ النَّسَبُ ، وَإِنْ جَاءَتْ لِتَمَامِ سَنَتَيْنِ يَثْبُتُ النَّسَبُ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ بِالشُّبْهَةِ ، وَلَا يَصِيرُ مُرَاجِعًا لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْعُلُوقُ بَعْدَ الطَّلَاقِ ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُقَارِنًا لِلطَّلَاقِ فَلَا يَثْبُتُ بِالشَّكِّ . ا هـ . وَفِي الِاخْتِيَارِ وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِسَنَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ كَانَ رَجْعَةً لِأَنَّ الْعُلُوقَ بَعْدَ الطَّلَاقِ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْهُ ، وَأَنَّهُ وَطِئَهَا فِي الْعِدَّةِ حَمْلًا لِحَالِهَا عَلَى الْأَحْسَنِ وَالْأَصْلَحِ ا هـ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ الْمُخَالَفَةِ لِمَا قَالَهُ الرَّازِيّ ا هـ قَالَ فِي الْمَجْمَعِ وَإِذَا أَتَتْ بِهِ الرَّجْعِيَّةُ لِسَنَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ ثَبَتَ مَا لَمْ تُقِرَّ بِانْقِضَائِهَا ، وَكَانَ مُرَاجِعًا ا هـ . وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَكُونُ مُرَاجِعًا فِي السَّنَتَيْنِ كَمَا قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ ا هـ . وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ سَكَتَ الشَّارِحُ عَمَّا إذَا أَتَتْ بِهِ لِسَنَتَيْنِ هَلْ يَكُونُ مُرَاجِعًا ، وَحَيْثُ سَكَتَ فِي الْمَتْنِ عَنْهُ كَانَ يَنْبَغِي بَيَانُهُ عَلَى الشَّارِحِ . ا هـ . (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْعُلُوقَ بَعْدَ الطَّلَاقِ) أَيْ فِي عِدَّةِ الرَّجْعِيِّ ا هـ (قَوْلُهُ لِأَنَّا نَقُولُ) أَيْ نَقُولُ الْفَرْضُ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ أَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ، وَمَا لَمْ تُقِرَّ بِذَلِكَ ، وَلَمْ يَظْهَرْ تَزَوُّجُهَا فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا فِي الْعِدَّةِ ، وَلِأَنَّ فِيهِ إنْشَاءَ نِكَاحٍ ، وَإِبْقَاءُ الْأَوَّلِ أَسْهَلُ وَأَخَفُّ . ا هـ . فَتْحٌ . (قَوْلُهُ وَأَمَّا إذَا أَقَرَّتْ بِهِ فِي مُدَّةٍ تَحْتَمِلُ ذَلِكَ) أَيْ بِأَنْ يَكُونَ سِتِّينَ يَوْمًا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَتِسْعَةً وَثَلَاثِينَ يَوْمًا عَلَى قَوْلِهِمَا ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ إلَّا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ نَسَبُهُ لِلتَّيَقُّنِ بِقِيَامِ الْحَمْلِ وَقْتَ الْإِقْرَارِ فَيَظْهَرُ كَذِبُهَا ، وَكَذَا هُوَ فِي الْمُطَلَّقَةِ الْبَائِنَةِ ، وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا إذَا ادَّعَتْ بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ انْقِضَاءَهَا ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِتَمَامِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ الْمَيِّتِ ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْهَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ انْتَهَى كَمَالٌ .

(قَوْلُهُ يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِ مُعْتَدَّةِ الطَّلَاقِ الْبَتِّ) أَيْ وَهِيَ الْمُطَلَّقَةُ طَلَاقًا بَائِنًا أَوْ ثَلَاثًا انْتَهَى أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَا يُعْتَبَرُ تَوَهُّمُ غَيْرِهِ إلَخْ) حَمْلًا لِحَالِهَا عَلَى الصَّلَاحِ انْتَهَى رَازِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِسَنَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ انْتَهَى مِسْكِينٌ (قَوْلُهُ بَلْ أَتَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ) أَيْ مِنْ الْأَقَلِّ انْتَهَى فَيُصَدَّقُ بِمَا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِتَمَامِ سَنَتَيْنِ وَلِأَكْثَرَ مِنْهُمَا ، وَقَدْ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِتَمَامِ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْفُرْقَةِ لَمْ يَثْبُتْ لِأَنَّ الْحَمْلَ حَادِثٌ بَعْدَ الطَّلَاقِ فَلَا يَكُونُ مِنْهُ لِأَنَّ وَطْأَهَا حَرَامٌ انْتَهَى (قَوْلُهُ وَجَاءَتْ بِهِ مِنْهُ) وَسِتَّةُ أَشْهُرٍ أَقَلُّ مُدَّةٍ يُتَصَوَّرُ فِيهَا الْوَلَدُ انْتَهَى رَازِيٌّ (قَوْلُهُ فَتَرُدُّ مَا أَخَذَتْ مِنْ النَّفَقَةِ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الزَّوْجِ فِي سِتَّةِ أَشْهُرٍ انْتَهَى (قَوْلُهُ وَلَوْ وَلَدَتْ) أَيْ الْمَبْتُوتَةُ انْتَهَى

(3/40)


يَدَّعِيَهُ) لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ ، وَلَهُ وُجِدَ بِأَنْ وَطِئَهَا بِشُبْهَةٍ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ هَكَذَا ذَكَرُوهُ ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْمَبْتُوتَةَ بِالثَّلَاثِ إذَا وَطِئَهَا الزَّوْجُ بِشُبْهَةٍ كَانَتْ شُبْهَةً فِي الْفِعْلِ ، وَفِيهَا لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ ، وَإِنْ ادَّعَاهُ نُصَّ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ فَكَيْفَ أُثْبِتَ بِهِ النَّسَبُ هُنَا ، وَذُكِرَ فِي النِّهَايَةِ أَنَّ الزَّوْجَ إذَا ادَّعَاهُ هَلْ يُشْتَرَطُ فِيهِ تَصْدِيقُ الْمَرْأَةِ قَالَ فِيهِ رِوَايَتَانِ ، وَعَزَاهُ إلَى شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ ثُمَّ الْمُعْتَبَرُ خُرُوجُ الْأَكْثَرِ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ ، وَهُوَ خُرُوجُ الصَّدْرِ إنْ خَرَجَ مُسْتَقِيمًا ، وَإِنْ كَانَ مَنْكُوسًا فَسُرَّتُهُ ، وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ، وَفِي حَقِّ الْإِرْثِ إذَا مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ كُلُّهُ .

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمُرَاهِقَةُ لِأَقَلَّ مِنْ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ ، وَإِلَّا لَا) يَعْنِي يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِ الْمُطَلَّقَةِ الْمُرَاهِقَةِ إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ لَا يَثْبُتُ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ ، وَالرَّجْعِيُّ وَالْبَائِنُ فِيهِ سَوَاءٌ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ إلَى سَنَتَيْنِ إنْ كَانَ بَائِنًا ، وَإِنْ كَانَ رَجْعِيًّا يَثْبُتُ مِنْهُ إلَى سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ شَهْرًا ، وَبَعْدَهُ لَا يَثْبُتُ لِأَنَّ الْحَبَلَ مِنْ الْمُرَاهِقَةِ مَوْهُومٌ شَرْطُ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بِمُضِيِّ الْأَشْهُرِ أَنْ لَا تَكُونَ حَامِلًا ، وَهُوَ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ جِهَتِهَا فَمَا لَمْ تُقِرَّ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا احْتَمَلَ أَنْ تَكُونَ حَامِلًا بِعُلُوقٍ قَبْلَ الطَّلَاقِ ، وَفِي الرَّجْعِيِّ بِعُلُوقٍ فِي الْعِدَّةِ ، وَهَذَا الْقَدْرُ مِنْ التَّصَوُّرِ كَافٍ لِثُبُوتِ النَّسَبِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ ، وَلَهُمَا أَنَّا تَيَقَّنَّا بِصِغَرِهَا فَلَا يَزُولُ بِالشَّكِّ ، وَهُوَ مُنَافٍ لِلْحَمْلِ ، وَلِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا جِهَةٌ مُعَيَّنَةٌ ، وَهُوَ مُضِيُّ الْأَشْهُرِ فَبِمُضِيِّهَا يَحْكُمُ الشَّرْعُ بِالِانْقِضَاءِ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَقَرَّتْ بِذَلِكَ بَلْ فَوْقَهُ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الْخِلَافَ ، وَالْإِقْرَارَ يَحْتَمِلُهُ ، وَلَا يَرُدُّ عَلَى هَذَا الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا حَيْثُ يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهَا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ ، وَإِنْ كَانَ لِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا جِهَةٌ أُخْرَى وَهِيَ مُضِيُّ الْأَشْهُرِ لِأَنَّا نَقُولُ لِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا جِهَتَانِ الْأَشْهُرُ ، وَوَضْعُ الْحَمْلِ ، وَالْجِهَتَانِ مُتَسَاوِيَتَانِ فِيهَا فَلَا تَتَعَيَّنُ إحْدَاهُمَا عِنْدَ الْمَوْتِ دُونَ الْأُخْرَى بِخِلَافِ الصَّغِيرَةِ لِأَنَّ الْأَشْهُرَ مُتَعَيِّنَةٌ فِيهَا إذْ الْأَصْلُ عَدَمُ الْحَبَلِ مِنْهَا ، وَلَا يُقَالُ الْأَصْلُ فِي الْكَبِيرِ أَيْضًا عَدَمُ الْحَبَلِ لِأَنَّا نَقُولُ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الْمَنْكُوحَةِ ، وَأَمَّا فِي الْمَنْكُوحَةِ فَلَا لِأَنَّهُ لَا يُعْقَدُ إلَّا لِلْإِحْبَالِ هَذَا إذَا لَمْ تُقِرَّ بِالْحَبَلِ ، وَلَا بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ، وَإِنْ أَقَرَّتْ بِالْحَبَلِ فَهُوَ إقْرَارٌ مِنْهَا بِالْبُلُوغِ فَيُقْبَلُ قَوْلُهَا فَصَارَتْ كَالْكَبِيرَةِ فِي حَقِّ ثُبُوتِ نَسَبِهِ ، وَإِنْ أَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدِ لِأَقَلَّ مِنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ لِأَنَّ الْمَبْتُوتَةَ بِالثَّلَاثِ إلَخْ) قَالَ الْبَدْرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمِنْ خَطِّهِ نَقَلْت أَقُولُ وَتَقْيِيدُهُ بِالثَّلَاثِ فِيهِ شَيْءٌ فَإِنَّ الْمَبْتُوتَةَ بِمَا دُونَ الثَّلَاثِ عَلَى مَالٍ كَذَلِكَ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ ، وَلَوْ حُمِلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْمُبَانَةُ بِالْكِنَايَةِ فَهُوَ صَحِيحٌ لَكِنْ إطْلَاقٌ قَوْلُهُ وَالْبَتُّ يَرُدُّهُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . وَلَعَلَّ الْوَجْهَ فِي ذَلِكَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى وَطْءٍ بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ بِشُرُوطِهِ انْتَهَى (قَوْلُهُ قَالَ فِيهِ رِوَايَتَانِ) قَالَ الْكَمَالُ وَالْأَوْجُهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لِأَنَّهُ مُمَكَّنٌ مِنْهُ ، وَقَدْ ادَّعَاهُ وَلَا مُعَارِضَ ، وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْ الِاشْتِرَاطَ فِي رِوَايَةِ الْإِمَامِ السَّرَخْسِيِّ وَالْبَيْهَقِيِّ فِي الشَّامِلِ ، وَذَلِكَ ظَاهِرٌ فِي ضَعْفِهَا وَغَرَابَتِهَا انْتَهَى . (قَوْلُهُ وَهُوَ خُرُوجُ الصَّدْرِ إنْ خَرَجَ مُسْتَقِيمًا) الْمُسْتَقِيمُ أَنْ يَخْرُجَ رَأْسُهُ أَوَّلًا ، وَالْمَنْكُوسُ أَنْ يَخْرُجَ رِجْلَاهُ أَوَّلًا انْتَهَى صَدْرٌ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْمُرَاهِقَةُ لِأَقَلَّ مِنْ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ) أَيْ مُنْذُ طَلَّقَهَا انْتَهَى كَافِي (قَوْلُهُ يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِ الْمُطَلَّقَةِ الْمُرَاهِقَةِ) أَيْ الْمَدْخُولِ بِهَا انْتَهَى (قَوْلُهُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ، وَوَجْهُ قَوْلِهِمَا إنَّ عِدَّةَ الصَّغِيرَةِ ذَاتُ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ ، وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ الَّتِي عَيَّنَهَا النَّصُّ ، وَمَا كَانَ مُتَعَيِّنًا شَرْعًا كَانَ السُّكُوتُ ، وَالْبَيَانُ فِيهِ سَوَاءً فَإِذَا انْقَضَتْ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ حُكِمَ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا فَصَارَ كَإِقْرَارِهَا بِالِانْقِضَاءِ فَلَوْ أَقَرَّتْ بِالِانْقِضَاءِ ثُمَّ جَاءَتْ بِالْوَلَدِ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا لَمَّا مَضَتْ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ ثُمَّ مَضَى بَعْدَهَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ ، وَذَلِكَ تِسْعَةُ أَشْهُرٍ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ سَوَاءً كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا بَلْ الْحُكْمُ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بِالشَّرْعِ أَقْوَى مِنْ انْقِضَائِهَا بِإِقْرَارِ الْمَرْأَةِ لِأَنَّ حُكْمَ الشَّرْعِ لَا يَحْتَمِلُ الْخِلَافَ ، وَإِقْرَارَهَا يَحْتَمِلُ ذَلِكَ انْتَهَى
(قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَثْبُتُ النَّسَبُ إلَخْ) قَالَ فِي الْكَافِي وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إنْ وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مُنْذُ طَلَّقَهَا يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ فِي الطَّلَاقِ الْبَائِنِ ، وَفِي الرَّجْعِيِّ إنْ وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ شَهْرًا يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ ، وَإِنْ وَلَدَتْ لِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ لَا يَثْبُتُ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ رَجْعِيًّا يَثْبُتُ مِنْهُ إلَى سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ شَهْرًا) لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ وَطِئَهَا فِي آخِرِ عِدَّتِهَا ، وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ فَعَلِقَتْ ثُمَّ مُدَّةُ الْحَمْلِ سَنَتَانِ فَالْمَجْمُوعُ سَبْعَةٌ وَعِشْرُونَ شَهْرٍ انْتَهَى غَايَةً (قَوْلُهُ ، وَهُوَ مُضِيُّ الْأَشْهُرِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق : 4] انْتَهَى (قَوْلُهُ وَأَمَّا فِي الْمَنْكُوحَةِ فَلَا لِأَنَّهُ لَا يُعْقَدُ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَإِنْ كَانَتْ الصَّغِيرَةُ ادَّعَتْ الْحَبَلَ فِي الْعِدَّةِ فَالْجَوَابُ فِيهَا ، وَفِي الْكَبِيرَةِ سَوَاءٌ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ لِأَنَّهَا أَعْرَفُ بِأَمْرِ عِدَّتِهَا مِنْ غَيْرِهَا حَتَّى يَثْبُتَ نَسَبُ وَلَدِهَا لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ فِي الطَّلَاقِ الْبَائِنِ ، وَلِأَقَلَّ مِنْ سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ شَهْرًا فِي الرَّجْعِيِّ ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ إلَّا أَنَّ فِي الْكَبِيرَةِ يَثْبُتُ النَّسَبُ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ ، وَإِنْ طَالَ الزَّمَانُ فِي الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا كَانَتْ مُمْتَدَّةَ الطُّهْرِ فَوَطِئَهَا فِي آخِرِ طُهْرِهَا
وَهَا هُنَا فِي الصَّغِيرَةِ إذَا مَضَتْ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ بَعْدَ الطَّلَاقِ يُحْكَمُ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ثُمَّ إذَا وَلَدَتْ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ يَكُونُ الْعُلُوقُ فِي الْعِدَّةِ ، وَيَثْبُتُ النَّسَبُ وَإِلَّا فَلَا ، وَقَوْلُهُ يُعْقَدُ هُوَ بِمَعْنَى مَا قَالَهُ فِي الْمُصَفَّى (قَوْلُهُ وَإِنْ أَقَرَّتْ بِالْحَبَلِ فَهُوَ إقْرَارٌ) قَالَ فِي الْمُصَفَّى ، وَإِنْ أَقَرَّتْ بِالْحَبَلِ فَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا يَثْبُتُ النَّسَبُ إلَى سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ ، وَإِنْ كَانَ رَجْعِيًّا يَثْبُتُ إلَى سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ شَهْرًا أَمَّا فِي الْبَائِنِ فَلِأَنَّهَا لَمَّا أَقَرَّتْ بِالْحَمْلِ صَارَتْ بَالِغَةً ، وَحُكْمُ الْكَبِيرَةِ هَكَذَا ، وَأَمَّا فِي الرَّجْعِيِّ فَلِأَنَّهَا إذَا وَلَدَتْ لِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ ظَهَرَ أَنَّ الْعُلُوقَ كَانَ فِي الْعِدَّةِ فَلَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ ، وَأَمَّا إذَا لَمْ تُقِرَّ بِشَيْءٍ فَعِنْدَهُ سُكُوتُهَا كَدَعْوَى الْحَمْلِ فَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا يَثْبُتُ نَسَبُهُ إلَى سَنَتَيْنِ ، وَإِنْ كَانَ رَجْعِيًّا فَإِلَى سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ شَهْرٍ أَوْ عِنْدَهُمَا كَالْإِقْرَارِ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ ، وَلِأَكْثَرَ مِنْهُ لَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ الرَّجْعِيِّ وَالْبَائِنِ انْتَهَى مُصَفَّى
(قَوْلُهُ صَارَتْ كَالْكَبِيرَةِ إلَخْ) مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يَقْتَصِرُ انْقِضَاءُ عِدَّتِهَا عَلَى الْأَقَلِّ مِنْ تِسْعَةِ

(3/41)


سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ ، وَلِأَقَلَّ مِنْ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ يَثْبُتُ نَسَبُهُ لِظُهُورِ كَذِبِهَا بِيَقِينٍ ، وَإِلَّا لَمْ يَثْبُتْ لِأَنَّ الْجِهَةَ ، وَهُوَ الِاعْتِدَادُ بِالْأَشْهُرِ قَدْ تَعَيَّنَتْ بِدُونِ الْإِقْرَارِ فَمَعَ الْإِقْرَارِ أَوْلَى بِخِلَافِ الْآيِسَةِ إذَا أَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا مُفَسَّرًا بِالْأَشْهُرِ ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ حَيْثُ يَثْبُتُ نَسَبُهُ ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْآيِسَةَ بِالْوِلَادَةِ تَبَيَّنَ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ آيِسَةً بَلْ كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ ، وَلَا كَذَلِكَ الصَّغِيرَةُ ، وَلِهَذَا لَمْ تَسْتَأْنِفْ الْعِدَّةَ إذَا حَاضَتْ بَعْدَ انْقِضَائِهَا ، وَالْآيِسَةُ تَسْتَأْنِفُ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمَوْتِ لِأَقَلَّ مِنْهُمَا) أَيْ وَيَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِ مُعْتَدَّةِ الْمَوْتِ إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْمَوْتِ ، وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا وَلَدَتْهُ لِتَمَامِ عَشَرَةِ أَشْهُرٍ وَعَشَرَةِ أَيَّامٍ مِنْ حِينِ مَاتَ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الصَّغِيرَةِ مِنْ تَعَيُّنِ عِدَّتِهَا بِالْأَشْهُرِ ، وَنَحْنُ قَدْ ذَكَرْنَا الْفَرْقَ هُنَاكَ بَيْنَهُمَا ، وَالصَّغِيرُ إذَا تَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا فَإِنْ أَقَرَّتْ بِالْحَبَلِ فَهِيَ كَالْكَبِيرَةِ يَثْبُتُ نَسَبُهُ إلَى سَنَتَيْنِ لِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهَا فِي ذَلِكَ ، وَإِنْ أَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ ثُمَّ وَلَدَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ مِنْهُ ، وَإِنْ لَمْ تَدَّعِ حَبَلًا ، وَلَمْ تُقِرَّ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ إنْ وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ أَشْهُرٍ وَعَشَرَةِ أَيَّامٍ ثَبَتَ النَّسَبُ مِنْهُ ، وَإِلَّا لَمْ يَثْبُتْ ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَثْبُتُ إلَى سَنَتَيْنِ ، وَالْوَجْهُ مَا بَيَّنَّا فِي الْمُعْتَدَّةِ الصَّغِيرَةِ مِنْ الطَّلَاقِ وَالْآيِسَةِ إذَا طَلَّقَهَا زَوْجُهَا بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا ، وَلَمْ تُقِرَّ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا حَتَّى وَلَدَتْ كَانَ الْجَوَابُ فِيهَا ، وَفِي ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ سَوَاءٌ لِأَنَّهَا لَمَّا وَلَدَتْ بَطَلَ إيَاسُهَا ، وَإِنْ أَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بِالْأَشْهُرِ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ حَتَّى يَثْبُتَ نَسَبُهُ إلَى سَنَتَيْنِ إنْ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا ، وَإِلَى مَا لَا نِهَايَةَ لَهُ فِي الرَّجْعِيِّ لِأَنَّهَا لَمَّا وَلَدَتْ بَطَلَ اعْتِدَادُهَا بِالْأَشْهُرِ لِأَنَّهُ لَمَّا ظَهَرَ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ آيِسَةً فَصَارَ كَأَنَّهَا لَمْ تُقِرَّ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ، وَإِنْ أَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا مُطْلَقًا غَيْرَ مُفَسَّرٍ بِالْأَشْهُرِ فِي مُدَّةٍ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ فِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْرَاءٍ ثُمَّ وَلَدَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ ، وَيُحْمَلُ إقْرَارُهَا عَلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بِالْأَقْرَاءِ لِأَنَّهُ هُوَ الْأَصْلُ ، وَيُجْعَلُ كَأَنَّهَا تَزَوَّجَتْ بِزَوْجٍ آخَرَ فَحَبِلَتْ مِنْهُ فَلَا يَبْطُلُ إقْرَارُهَا إلَّا إذَا وَلَدَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ فَيَبْطُلُ لِظُهُورِ كَذِبِهَا بِيَقِينٍ ، وَإِنْ كَانَتْ مُعْتَدَّةً عَنْ وَفَاةٍ فَالْآيِسَةُ فِيهَا ، وَاَلَّتِي مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ سَوَاءٌ لِأَنَّ عِدَّةَ الْوَفَاةِ تَكُونُ بِالْأَشْهُرِ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا إذَا لَمْ تَكُنْ حَامِلًا

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمُقَرَّةِ بِمُضِيِّهَا لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ) أَيْ يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِ الْمُقِرَّةِ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ لِظُهُورِ كَذِبِهَا بِيَقِينٍ هَذَا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْفِرَاقِ ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْهُمَا لَا يَثْبُتُ ، وَإِنْ كَانَ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ كَمَا إذَا أَقَرَّتْ بَعْدَ مَا مَضَى مِنْ عِدَّتِهَا سَنَتَانِ إلَّا شَهْرَيْنِ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ مِنْهُ لِأَنَّ شَرْطَ ثُبُوتِهِ أَنْ يَكُونَ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْفِرَاقِ بِالْمَوْتِ أَوْ بِالطَّلَاقِ ، وَبَعْدَهُ لَا يَثْبُتُ ، وَإِنْ لَمْ تُقِرَّ بِالِانْقِضَاءِ فَمَعَ الْإِقْرَارِ أَوْلَى إلَّا إذَا كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا فَحِينَئِذٍ يَثْبُتُ ، وَيَكُونُ مُرَاجِعًا عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ بَقِيَ فِيهِ إشْكَالٌ ، وَهُوَ مَا إذَا أَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ ، وَلِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْفِرَاقِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَثْبُتَ نَسَبُهُ إذَا كَانَتْ الْمُدَّةُ تَحْتَمِلُ ذَلِكَ بِأَنْ أَقَرَّتْ بَعْدَ مَا مَضَى سَنَةً مَثَلًا ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّ عِدَّتَهَا انْقَضَتْ فِي شَهْرَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ ثُمَّ أَقَرَّتْ بَعْدَ ذَلِكَ بِزَمَانٍ طَوِيلٍ ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ إقْرَارِهَا انْقِضَاءُ الْعِدَّةِ أَنْ تَنْقَضِيَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَلَمْ يَظْهَرْ كَذِبُهَا بِيَقِينٍ إلَّا إذَا قَالَتْ انْقَضَتْ عِدَّتِي السَّاعَةَ ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِلَّا لَا)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أَشْهُرٍ لَا مُطْلَقًا فَإِنَّ الْكَبِيرَةَ يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهَا فِي الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ ، وَإِنْ طَالَ إلَى سِنِّ الْإِيَاسِ لِجَوَازِ امْتِدَادِ طُهْرِهَا وَوَطْئِهِ فِي آخِرِ الطُّهْرِ انْتَهَى مُصَفَّى (قَوْلُهُ وَلِأَقَلَّ مِنْ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ يَثْبُتُ نَسَبُهُ) لِأَنَّهَا أَخْطَأَتْ فِي الْإِقْرَارِ . ا هـ . كَافِي

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْمَوْتِ) بِالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى الْمُرَاهِقَةِ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَقَالَ زُفَرُ إلَخْ) هَكَذَا ، وَهُوَ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ ، وَقَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ زُفَرُ إذَا جَاءَتْ بِهِ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّةِ الْوَفَاةِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ يَثْبُتُ نَسَبُهُ وَلِسِتَّةِ أَشْهُرٍ لَا يَثْبُتُ ، وَوَجْهُهُ كَوَجْهِهِمَا فِي الصَّغِيرَةِ ، وَهُوَ أَنَّ لِعِدَّتِهَا جِهَةً وَاحِدَةً هِيَ انْقِضَاءُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ فَإِذَا لَمْ تُقِرَّ قَبْلَهَا بِالْحَبَلِ فَقَدْ حَكَمَ الشَّرْعُ بِانْقِضَائِهَا بِهَا فَإِذَا جَاءَتْ بِالْوَلَدِ بَعْدَهَا التَّمَامُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ أَوْ أَكْثَرُ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ عَلَى مَا عُرِفَ ، وَنَمْنَعُ تَعَيُّنَ الْجِهَةِ الْوَاحِدَةِ فِي حَقِّهَا بَلْ لَهَا كُلٌّ مِنْ الْجِهَتَيْنِ بِخِلَافِ الصَّغِيرَةِ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهَا عَدَمُ الْحَمْلِ فَتَسْتَمِرُّ مَا لَمْ تَعْتَرِفْ بِالْحَمْلِ ا هـ
(قَوْلُهُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إلَخْ) أَيْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إنْ جَاءَتْ بِالْوَلَدِ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ وَفَاةِ الزَّوْجِ يَثْبُتُ النَّسَبُ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّ سُكُوتَهَا بِمَنْزِلَةِ الْإِقْرَارِ بِالْحَبَلِ عِنْدَهُ ، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَسُكُوتُهَا بِمَنْزِلَةِ الْإِقْرَارِ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لِأَنَّ عِدَّتَهَا ذَاتُ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ لِأَنَّهَا لَا تَحْتَمِلُ الْحَبَلَ لِصِغَرِهَا . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ . وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ فَعِدَّةُ الصَّغِيرَةِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا كَعِدَّةِ الْمَبْتُوتَةِ عِنْدَهُ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَإِنْ أَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا) مُفَسَّرًا بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ

(قَوْلُهُ يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِ الْمُقِرَّةِ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ إلَخْ) سَوَاءٌ كَانَتْ مُعْتَدَّةً مِنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ أَوْ بَائِنٍ بِالْأَشْهُرِ أَوْ بِالْحَيْضِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ يَتَنَاوَلُ كُلَّ مُعْتَدَّةٍ سَوَاءٌ كَانَتْ مُعْتَدَّةً عَنْ وَفَاةٍ أَوْ عَنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ أَوْ رَجْعِيٍّ لِأَنَّهُ أَطْلَقَ الْمُعْتَدَّةَ ، وَلَمْ يُقَيِّدْهَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ ، وَغَيْرُهُ فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ بِقَوْلِهِمْ إذَا أَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فِي الطَّلَاقِ الْبَائِنِ أَوْ الرَّجْعِيِّ فِي مُدَّةٍ تَصْلُحُ لِثَلَاثَةِ أَقْرَاءٍ ثُمَّ وَلَدَتْ فَإِنْ وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ أَقَرَّتْ مِنْ سَنَتَيْنِ مُنْذُ بَانَتْ ، وَفِي الرَّجْعِيِّ كَيْفَمَا كَانَ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ يَثْبُتُ النَّسَبُ لِعِلْمِنَا بِبُطْلَانِ الْإِقْرَارِ ، وَإِنْ وَلَدَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ أَقَرَّتْ يَثْبُتُ لِأَنَّا لَمْ نَعْلَمْ بِفَسَادِ الْإِقْرَارِ كَذَلِكَ فِي الْوَفَاةِ فَإِذَا أَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بِالْأَشْهُرِ صَحَّ إقْرَارُهَا ، وَإِذَا لَمْ تُقِرَّ وَجَبَ الِانْقِضَاءُ بِالْحَمْلِ ، وَيَثْبُتُ النَّسَبُ إلَى سَنَتَيْنِ ا هـ
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ ، وَإِلَّا لَا) قَالَ فِي

(3/42)


أَيْ إنْ لَمْ تَجِئْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ بَلْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَثْبُتُ لِأَنَّ حَمْلَ أَمْرِهَا عَلَى الصَّلَاحِ مُمْكِنٌ فَوَجَبَ الْحَمْلُ عَلَيْهِ ، وَفِي ضِدِّهِ حَمْلُهُ عَلَى الزِّنَا ، وَهُوَ مُنْتَفٍ عَنْ الْمُسْلِمِ ، وَلِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا عَلَى الْوَلَدِ بِإِبْطَالِ حَقِّهِ فِي النَّسَبِ فَيُرَدُّ إقْرَارُهَا ، وَلَنَا أَنَّهَا أَمِينَةٌ فِي الْإِخْبَارِ عَمَّا فِي رَحِمِهَا ، وَقَدْ أَخْبَرَتْ بِمُضِيِّ عِدَّتِهَا ، وَهُوَ مُمْكِنٌ فَوَجَبَ قَبُولُ خَبَرِهَا حَمْلًا لِكَلَامِهَا عَلَى الصِّحَّةِ ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ قَطْعِهِ عَنْهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الزِّنَا لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهَا تَزَوَّجَتْ غَيْرَهُ فَحَبِلَتْ مِنْهُ فَحُمِلَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْإِمْكَانِ مَعَ أَنَّا نَقُولُ يَجُوزُ إبْطَالُ حَقِّ الْغَيْرِ بِقَوْلِ الْأَمِينِ إذَا لَمْ يَكُنْ مُكَذَّبًا شَرْعًا أَلَا تَرَى أَنَّهَا تُصَدَّقُ فِي انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بِالْأَقْرَاءِ ، وَإِنْ تَضَمَّنَ ذَلِكَ إبْطَالَ حَقِّ الزَّوْجِ فِي الرَّجْعَةِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمُعْتَدَّةُ إنْ جُحِدَتْ وِلَادَتُهَا بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ ، وَامْرَأَتَيْنِ أَوْ حَبَلٍ ظَاهِرٍ أَوْ إقْرَارٍ بِهِ أَوْ تَصْدِيقِ الْوَرَثَةِ) أَيْ يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِ الْمُعْتَدَّةِ إنْ جَحَدَتْ وِلَادَتُهَا بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ إلَى آخِرِهِ ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْمُعْتَدَّةِ مِنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ أَوْ بَائِنٍ أَوْ وَفَاةٍ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَثْبُتُ نَسَبُهُ بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ قَابِلَةٍ لِأَنَّ الْفِرَاشَ قَائِمٌ لِقِيَامِ الْعِدَّةِ إذْ مَعْنَى الْفِرَاشِ أَنْ تَتَعَيَّنَ الْمَرْأَةُ لِلْوِلَادَةِ لِشَخْصٍ وَاحِدٍ ، وَالْمُعْتَدَّةُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ ، وَالْفِرَاشُ يُلْزِمُ النَّسَبَ ، وَالْحَاجَةُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى إثْبَاتِ الْوِلَادَةِ وَتَعْيِينِ الْوَلَدِ ، وَذَلِكَ يَثْبُتُ بِالْقَابِلَةِ كَمَا فِي حَالِ قِيَامِ النِّكَاحِ أَوْ الْحَبَلِ الظَّاهِرِ أَوْ إقْرَارِ الزَّوْجِ بِالْحَبَلِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْعِدَّةَ تَنْقَضِي بِإِقْرَارِهَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ فَزَالَ الْفِرَاشُ ، وَالْمُنْقَضِي لَا يَكُونُ حُجَّةً فَمَسَّتْ الْحَاجَةُ إلَى إثْبَاتِ النَّسَبِ ابْتِدَاءً فَيُشْتَرَطُ فِيهِ كَمَالُ الْحُجَّةِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْحَبَلُ ظَاهِرًا لِأَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ قَبْلَ الْوِلَادَةِ بِالْفِرَاشِ ، وَالْحَاجَةَ إلَى تَعْيِينِ الْوَلَدِ ، وَهُوَ يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ
وَقَوْلُهُ وَالْمُعْتَدَّةُ إنْ جَحَدَتْ وِلَادَتُهَا يَدْخُلُ فِيهِ جَمِيعُ أَنْوَاعِ الْمُعْتَدَّاتِ ، وَفِي الرَّجْعِيِّ إذَا جَاءَتْ بِالْوَلَدِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ إشْكَالٌ لِأَنَّ الْفِرَاشَ لَيْسَ بِمُنْقَضٍ فِي حَقِّهَا لِأَنَّهَا تَكُونُ مُرَاجَعَةً لِكَوْنِ الْعُلُوقِ فِي الْعِدَّةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَيَنْبَغِي أَنْ يَثْبُتَ نَسَبُ وَلَدِهَا بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةِ شَيْءٍ آخَرَ كَمَا فِي الْمَنْكُوحَةِ ، وَفِي الْمَبْسُوطِ قَيَّدَهُ بِقَيْدَيْنِ لِعَدَمِ ثُبُوتِهِ بِدُونِ شَهَادَةِ رَجُلَيْنِ أَنْ يَكُونَ الطَّلَاقُ بَائِنًا ، وَأَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ مُنْكِرًا لِلْوِلَادَةِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ اتِّفَاقِيٌّ لَا عَلَى سَبِيلِ الشَّرْطِ لِأَنَّ ظُهُورَ الْحَبَلِ كَإِقْرَارِهِ ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْبَائِنِ ، وَالرَّجْعِيِّ أَيْضًا عِنْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بِوَضْعِهِ ، وَذَكَرَ فِي الْغَايَةِ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ لِثُبُوتِ النَّسَبِ إلَى شَهَادَةِ الْقَابِلَةِ عِنْدَ اعْتِرَافِهِ بِالْحَبَلِ ، وَعِنْدَ ظُهُورِ الْحَبَلِ ، وَعِنْدَ قِيَامِ الْفِرَاشِ ، وَأَنْكَرَ عَلَى صَاحِبِ مُلْتَقَى الْبِحَارِ فِي اشْتِرَاطِهِ شَهَادَةَ الْقَابِلَةِ لِتَعْيِينِ الْوَلَدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَهُوَ سَهْوٌ فَإِنَّ شَهَادَةَ الْقَابِلَةِ لَا بُدَّ مِنْهَا لِتَعْيِينِ الْوَلَدِ إجْمَاعًا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ كُلِّهَا ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي ثُبُوتِ نَفْسِ الْوِلَادَةِ بِقَوْلِهِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَثْبُتُ بِهِ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَثْبُتُ إلَّا بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ
وَأَمَّا نَسَبُ الْوَلَدِ فَلَا يَثْبُتُ بِالْإِجْمَاعِ إلَّا بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ هُوَ غَيْرُ هَذَا الْمُعَيَّنِ ، وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ لَا تَظْهَرُ إلَّا فِي حَقِّ حُكْمٍ آخَرَ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ بِأَنْ عَلَّقَهُمَا بِوِلَادَتِهَا حَتَّى يَقَعَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِقَوْلِهَا وَلَدَتْ لِأَنَّهَا أَمِينَةٌ لِاعْتِرَافِهِ بِالْحَبَلِ أَوْ لِظُهُورِهِ فَيُقْبَلُ قَوْلُهَا ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَقَعُ شَيْءٌ حَتَّى تَشْهَدَ قَابِلَةٌ نُصَّ عَلَيْهِ فِي الْإِيضَاحِ وَالنِّهَايَةِ وَغَيْرِهِمَا ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ صَاحِبَ الْغَايَةِ أَخَذَهُ مِنْ الْهِدَايَةِ مِنْ قَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ حَبَلٌ ظَاهِرٌ أَوْ اعْتِرَافٌ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ فَيَثْبُتُ النَّسَبُ بِغَيْرِ شَهَادَةٍ ، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ كَمَا ذَكَرَهُ هُوَ ، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ يَثْبُتُ بِغَيْرِ شَهَادَةِ رَجُلَيْنِ أَلَا تَرَى إلَى مَا ذَكَرَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَعِيدُ هَذِهِ الْكَلِمَةِ مِنْ قَوْلِهِ لِأَنَّ النَّسَبَ ثَابِتٌ قَبْلَ الْوِلَادَةِ ، وَالتَّعْيِينُ يَثْبُتُ بِشَهَادَتِهَا أَيْ بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ وَلَوْلَا هَذَا التَّأْوِيلُ لَكَانَ مُتَنَاقِضًا فَحَاصِلُهُ أَنَّ شَهَادَةَ النِّسَاءِ لَا تَكُونُ حُجَّةً فِي تَعْيِينِ الْوَلَدِ إلَّا إذَا تَأَيَّدَتْ بِمُؤَيِّدٍ مِنْ ظُهُورِ حَبَلٍ أَوْ اعْتِرَافٍ مِنْهُ أَوْ فِرَاشٍ قَائِمٍ نُصَّ عَلَيْهِ فِي مُلْتَقَى الْبِحَارِ ، وَغَيْرِهِ ثُمَّ قِيلَ تُقْبَلُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْهِدَايَةِ وَإِنْ اعْتَرَفَتْ الْمُعْتَدَّةُ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ثُمَّ جَاءَتْ بِالْوَلَدِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ثَبَتَ نَسَبُهُ لِأَنَّهُ ظَهَرَ كَذِبُهَا بِيَقِينٍ فَيَبْطُلُ الْإِقْرَارُ ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ لِأَنَّا لَمْ نَعْلَمْ بِبُطْلَانِ الْإِقْرَارِ لِاحْتِمَالِ الْحُدُوثِ بَعْدَهُ ا هـ (قَوْلُهُ أَيْ إنْ لَمْ تَجِئْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ إلَخْ) كَانَ عَلَى الشَّارِحِ أَنْ يَقُولَ أَيْ إنْ لَمْ تَجِئْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ بَلْ جَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةٍ أَوْ أَكْثَرَ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ فَتَأَمَّلْ يَظْهَرْ لَك صِحَّةُ مَا قَرَّرَنَا . ا هـ . (قَوْلُهُ بَلْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ) أَيْ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ . ا هـ . (قَوْلُهُ مَعَ أَنَّا نَقُولُ يَجُوزُ إبْطَالُ حَقِّ الْغَيْرِ) أَيْ ، وَهُوَ الْوَلَدُ هـ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْمُعْتَدَّةِ) بِالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ ، وَالْمَوْتِ . ا هـ . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ حَبَلٍ ظَاهِرٍ) قَالَ فِي الْمُخْتَلِفِ شَهَادَةُ الْقَابِلَةِ عَلَى الْوِلَادَةِ لَا تُقْبَلُ إلَّا بِمُؤَيِّدٍ ، وَهُوَ ظُهُورُ الْحَبَلِ أَوْ إقْرَارُ الزَّوْجِ أَوْ قِيَامُ الْفِرَاشِ حَتَّى إنَّ الْمُعْتَدَّةَ عَنْ وَفَاةٍ إذَا كَذَّبَهَا الْوَرَثَةُ فِي الْوِلَادَةِ ، وَفِي الطَّلَاقِ الْبَائِنِ إذَا كَذَّبَهَا الزَّوْجُ ، وَفِي تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِالْوِلَادَةِ لَا تُقْبَلُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْقَابِلَةِ إلَّا عِنْدَمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْقَرَائِنِ ، وَعِنْدَهُمَا يُقْضَى بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ وَحْدَهَا إلَى هُنَا لَفْظُ الْمُخْتَلِفِ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ يَثْبُتُ وَلَدُ الْمُعْتَدَّةِ إنْ جَحَدَتْ وِلَادَتَهَا بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ) يَعْنِي إذَا وَلَدَتْ الْمُعْتَدَّةُ وَلَدًا ، وَأَنْكَرَ الزَّوْجُ الْوِلَادَةَ لَمْ يَثْبُتَ نَسَبُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا أَنْ يَشْهَدَ بِوِلَادَتِهَا رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ ، وَامْرَأَتَانِ إلَّا أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ حَبَلٌ ظَاهِرٌ أَوْ اعْتِرَافٌ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ فَيَثْبُتُ النَّسَبُ بِلَا شَهَادَةِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ ، وَعِنْدَهُمَا يَثْبُتُ فِي الْجَمِيعِ بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ مُسْلِمَةٍ عَدْلَةٌ حُرَّةٍ . ا هـ . رَازِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ، وَعِنْدَهُمَا يَثْبُتُ النَّسَبُ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ أَعْنِي فِيمَا إذَا كَانَ الْحَبَلُ ظَاهِرًا ، وَالِاعْتِرَافُ ثَابِتًا أَوْ لَمْ يَكُنْ بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ ، وَفَسَّرَ فِي شَرْحِ الْكَافِي الْمَرْأَةَ الْوَاحِدَةَ بِالْقَابِلَةِ ا هـ
(قَوْلُهُ إذْ مَعْنَى الْفِرَاشِ أَنْ تَتَعَيَّنَ الْمَرْأَةُ لِلْوِلَادَةِ لِشَخْصٍ وَاحِدٍ) حَتَّى إنَّ كُلَّ وَلَدٍ يَحْدُثُ مِنْهَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ . ا هـ . (قَوْلُهُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ) الَّذِي فِي خَطِّ الشَّارِحِ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ وَإِنَّمَا إلَخْ . ا هـ . (قَوْلُهُ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَثْبُتُ بِهِ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ) أَيْ الْمَذْكُورَةِ فِي الْمَتْنِ ا هـ

(3/43)


شَهَادَةُ الرَّجُلَيْنِ ، وَلَا يَفْسُقَانِ بِالنَّظَرِ إلَى الْعَوْرَةِ إمَّا لِكَوْنِهِ قَدْ يَتَّفِقُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ قَصْدِ نَظَرٍ ، وَلَا تَعَمُّدٍ أَوْ لِلضَّرُورَةِ كَمَا فِي شُهُودِ الزِّنَا
وَقَوْلُهُ أَوْ تَصْدِيقِ الْوَرَثَةِ أَيْ يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِ الْمُعْتَدَّةِ عَنْ وَفَاةٍ بِتَصْدِيقِ الْوَرَثَةِ كُلِّهِمْ أَوْ بَعْضِهِمْ ، وَمَعْنَاهُ أَنْ يُصَدِّقُوهَا فِيمَا قَالَتْ ، وَلَمْ يَشْهَدُوا بِهِ ، وَهَذَا الثُّبُوتُ فِي حَقِّ الْإِرْثِ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّهِمْ ، وَيَثْبُتُ فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ أَيْضًا اسْتِحْسَانًا ، وَإِنْ كَانَ الْقِيَاسُ يَأْبَاهُ لِمَا فِيهِ مِنْ حَمْلِ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ ، وَهُوَ الْمَيِّتُ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُمْ قَائِمُونَ مَقَامَ الْمَيِّتِ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُمْ ، وَهَذَا لِأَنَّ ثُبُوتَ نَسَبِهِ بِاعْتِبَارِ فِرَاشِهِ فِي الْحَقِيقَةِ ، وَهُوَ بَاقٍ بَعْدَ مَوْتِهِ لِبَقَاءِ الْعِدَّةِ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُمْ ، وَيَثْبُتُ فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ أَيْضًا إذَا كَانُوا مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ بِأَنْ كَانَ فِيهِمْ رَجُلَانِ عَدْلَانِ أَوْ رَجُلٌ ، وَامْرَأَتَانِ عُدُولٌ فَيُشَارِكُ الْمُصَدِّقِينَ وَالْمُكَذِّبِينَ جَمِيعًا ، وَيُشْتَرَطُ لَفْظُ الشَّهَادَةِ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ عِنْدَ بَعْضِهِمْ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ الْكُلِّ إلَّا بِهِ ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لَفْظُ الشَّهَادَةِ ، وَلِهَذَا شُرِطَ التَّصْدِيقُ فِي الْمُخْتَصَرِ دُونَ لَفْظِ الشَّهَادَةِ ، وَهَذَا لِأَنَّ الثُّبُوتَ فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ تَبَعٌ لِلثُّبُوتِ فِي حَقِّهِمْ ، وَالتَّبَعُ يُرَاعَى فِيهِ شَرَائِطُ الْمَتْبُوعُ لَا شَرَائِطُ نَفْسِهِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمَنْكُوحَةِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا ، وَإِنْ سَكَتَ وَإِنْ جَحَدَ فَبِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ عَلَى الْوِلَادَةِ) أَيْ يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِ الْمَنْكُوحَةِ إذَا جَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ وَقْتِ التَّزَوُّجِ ، وَإِنْ لَمْ يَعْتَرِفْ بِهِ ، وَإِنْ جَحَدَ الْوِلَادَةَ يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ عَلَى الْوِلَادَةِ لِأَنَّ الْفِرَاشَ قَائِمٌ ، وَالْمُدَّةَ تَامَّةٌ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِثُبُوتِهِ اعْتَرَفَ بِهِ أَوْ سَكَتَ أَوْ أَنْكَرَ حَتَّى لَوْ نَفَاهُ لَا يَنْتَفِي إلَّا بِاللِّعَانِ لِأَنَّهُ وَلَدُ الْمَنْكُوحَةِ ، وَلَا يُقَالُ كَيْفَ يَجِبُ اللِّعَانُ بِنَفْيِ نَسَبٍ يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ الْمَرْأَةِ ، وَهُوَ حَدٌّ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ لِأَنَّا نَقُولُ النَّسَبُ لَمْ يَثْبُتْ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ بِهَا تَعْيِينُ الْوَلَدِ ثُمَّ يَثْبُتُ النَّسَبُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْفِرَاشِ ضَرُورَةً كَوْنُهُ مَوْلُودًا فِي فِرَاشِهِ ثُمَّ نَفْيُهُ يُوجِبُ اللِّعَانَ كَمَا لَوْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ الْوَاحِدِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ ضَرُورَةَ ثُبُوتِ الرَّمَضَانِيَّةِ ، وَإِنْ كَانَ قَوْلُ الْوَاحِدِ لَا يُقْبَلُ فِي حَقِّ هَذِهِ الْكَفَّارَةِ لِأَنَّهَا كَالْحُدُودِ تَسْقُطُ بِالشُّبُهَاتِ ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ تَزَوَّجَهَا لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ لِأَنَّ الْعُلُوقَ سَابِقٌ عَلَى النِّكَاحِ فَلَا يَكُونُ مِنْهُ ، وَيَفْسُدُ النِّكَاحُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ مِنْ زَوْجٍ آخَرَ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ أَوْ بِشُبْهَةٍ ، وَكَذَا لَوْ أُسْقِطَتْ لِأَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ إذَا كَانَ قَدْ اسْتَبَانَ خَلْقُهُ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَبِينُ إلَّا فِي مِائَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ وَلَدَتْ ثُمَّ اخْتَلَفَا فَقَالَتْ نَكَحْتنِي مُنْذُ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ، وَادَّعَى الْأَقَلَّ فَالْقَوْلُ لَهَا وَهُوَ ابْنُهُ) لِأَنَّ الظَّاهِرَ يَشْهَدُ لَهَا فَإِنَّهَا تَلِدُ ظَاهِرًا مِنْ نِكَاحٍ لَا مِنْ سِفَاحٍ . فَإِنْ قِيلَ الظَّاهِرُ يَشْهَدُ لَهُ أَيْضًا لِأَنَّ الْحَوَادِثَ تُضَافُ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ ، وَالنِّكَاحُ حَادِثٌ قُلْنَا النَّسَبُ مِمَّا يُحْتَالُ لِإِثْبَاتِهِ احْتِيَاطًا إحْيَاءً لِلْوَلَدِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَثْبُتُ بِالْإِيمَاءِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى النُّطْقِ ، وَسَائِرُ التَّصَرُّفَاتِ لَا تَثْبُتُ بِهِ ، وَيَجِبُ أَنْ يَسْتَحْلِفَ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ هُنَا فِي النَّسَبِ وَالنِّكَاحِ ، وَهُوَ مِنْ السِّتَّةِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا ، وَمَوْضِعُهَا الدَّعَاوَى

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِوِلَادَتِهَا ، وَشَهِدَتْ امْرَأَةٌ عَلَى الْوِلَادَةِ لَمْ تَطْلُقْ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَقَالَا تَطْلُقُ لِأَنَّ شَهَادَتَهُنَّ حُجَّةٌ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «شَهَادَةُ النِّسَاءِ جَائِزَةٌ فِيمَا لَا يَسْتَطِيعُ الرِّجَالُ النَّظَرَ إلَيْهِ» أَلَا تَرَى أَنَّهَا تُقْبَلُ عَلَى الْوِلَادَةِ فَكَذَا مَا يَنْبَنِي عَلَيْهَا ، وَهُوَ الطَّلَاقُ ، وَلَهُ أَنَّهَا ادَّعَتْ الْحِنْثَ فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِحُجَّةٍ تَامَّةٍ لِأَنَّ قَبُولَ شَهَادَةِ النِّسَاءِ فِي الْوِلَادَةِ ضَرُورِيَّةٌ فَلَا تَظْهَرُ فِي حَقِّ الطَّلَاقِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَاتِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ أَوْ لِلضَّرُورَةِ) قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَوْ شَهِدَ عَلَى الْوِلَادَةِ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ بِأَنْ دَخَلَتْ الْمَرْأَةُ بَيْتًا ، وَلَمْ يَكُنْ مَعَهَا ، وَلَا فِي الْبَيْتِ أَحَدٌ ، وَالرَّجُلَانِ عَلَى الْبَابِ حَتَّى وَلَدَتْ ، وَعَلِمَا الْوِلَادَةَ بِرُؤْيَةِ الْوَلَدِ أَوْ سَمَاعِ صَوْتِهِ . ا هـ . (قَوْلُهُ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُمْ وَيَثْبُتُ فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ) يَعْنِي الْمُنْكَرِينَ مِنْ الْوَرَثَةِ ، وَغَرِيمَ الْمَيِّتِ فَإِذَا كَانَ الْمُصَدِّقُونَ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ بِأَنْ كَانُوا ذُكُورًا أَوْ ذُكُورًا وَإِنَاثًا يَثْبُتُ النَّسَبُ فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ حَتَّى يُشَارِكَ الْوَلَدُ الْمُنْكَرِينَ أَيْضًا فِي الْإِرْثِ ، وَيُطَالِبَ غَرِيمُ الْمَيِّتِ بِدَيْنِهِ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ بِأَنْ كَانَ فِيهِمْ) أَيْ فِي الْوَرَثَةِ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَيُشْتَرَطُ لَفْظُ الشَّهَادَةِ) أَيْ مِنْ الْوَرَثَةِ ا هـ
(قَوْلُهُ لِأَنَّهُ) أَيْ النَّسَبَ . ا هـ . (قَوْلُهُ لَا شَرَائِطُ نَفْسِهِ) كَثُبُوتِ الْإِقَامَةِ مِنْ الْجُنْدِ إذَا كَانُوا فِي الْمَفَازَةِ أَوْ الْبَحْرِ مُقِيمِينَ تَبَعًا لِسُلْطَانِهِمْ إذَا نَوَى الْإِقَامَةَ فِي الْمِصْرِ ، وَلَمْ يُرَاعِ الْإِقَامَةَ فِي حَقِّهِمْ ، وَهُوَ بُيُوتُ الْمَدَرِ تَبَعًا . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْمَنْكُوحَةِ) بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى مَا قَبْلَهُ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَإِنْ جَحَدَ فَبِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ عَلَى الْوِلَادَةِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ إنْ كَانَ فِي بَطْنِك وَلَدٌ فَهُوَ مِنِّي فَشَهِدَتْ امْرَأَةٌ عَلَى الْوِلَادَةِ ثَبَتَ النَّسَبُ وَصَارَتْ الْجَارِيَةُ أُمَّ وَلَدٍ لِأَنَّ شَهَادَةَ الْقَابِلَةِ فِي الْوِلَادَةِ ، وَتَعْيِينِ الْوَلَدِ صَحِيحَةٌ فَيَثْبُتُ النَّسَبُ بِدَعْوَةِ الرَّجُلِ بِقَوْلِهِ فَهُوَ مِنِّي ثُمَّ أُمُومِيَّةُ الْوَلَدِ تَابِعَةٌ لِثَبَاتِ النَّسَبِ فَتَثْبُتُ الْأُمُومِيَّةُ أَيْضًا . ا هـ . (قَوْلُهُ يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِ الْمَنْكُوحَةِ إذَا جَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ أَكْثَرَ) قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِي امْرَأَةٍ وَلَدَتْ فَقَالَ الزَّوْجُ لَمْ تَلِدِيهِ فَشَهِدَتْ بِهِ الْمَرْأَةُ فَنَفَاهُ الزَّوْجُ لَاعَنَ ، وَأَرَادَ بِامْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ حُرَّةٍ مُسْلِمَةٍ ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمَبْسُوطِ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ
أَمَّا إذَا وَلَدَتْهُ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَظَاهِرٌ ، وَكَذَا إذَا وَلَدَتْهُ لِسَبْعَةِ أَشْهُرٍ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا ، وَهُوَ عَلَيْهَا فَوَافَقَ الْإِنْزَالُ النِّكَاحَ وَالنَّسَبُ يُحْتَاطُ فِي إثْبَاتِهِ فَيَثْبُتُ . ا هـ .

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَالْقَوْلُ لَهَا ، وَهُوَ ابْنُهُ) وَلَا يَبْطُلُ النِّكَاحُ بِهَذَا الْكَلَامِ ، وَإِنْ دَامَ الزَّوْجُ عَلَى ذَلِكَ ، وَبِهِ صَرَّحَ الْبَزْدَوِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمَّا أَلْزَمَهُ النَّسَبَ صَارَ مُكَذَّبًا ، وَصَارَ كَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ وَهِيَ مَعْرُوفَةُ النَّسَبِ هَذِهِ بِنْتِي ، وَدَامَ عَلَيْهِ أَنَّ النِّكَاحَ لَا يَبْطُلُ فَكَذَلِكَ هُنَا . ا هـ أَتْقَانِيٌّ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِوِلَادَتِهَا) أَيْ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ وَلَدْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَتْ وَلَدْت ، وَشَهِدَتْ الْقَابِلَةُ بِالْوِلَادَةِ ، وَلَمْ يُقِرَّ الزَّوْجُ بِالْحَبَلِ وَلَمْ يَكُنْ الْحَبَلُ ظَاهِرًا لَمْ تُقْبَلْ لِلطَّلَاقِ لِأَنَّهَا ادَّعَتْ الْحِنْثَ فَيَحْتَاجُ إلَى حُجَّةٍ تَامَّةٍ ، وَلَمْ تُوجَدْ وَعِنْدَهُمَا تُقْبَلُ لِلطَّلَاقِ . ا هـ . رَازِيٌّ

(3/44)


الْوِلَادَةِ إذْ الطَّلَاقُ يَنْفَكُّ عَنْ الْوِلَادَةِ فِي الْجُمْلَةِ ، وَإِنْ صَارَ مِنْ لَوَازِمِهِ هُنَا بِاتِّفَاقِ الْحَالِ كَمَنْ اشْتَرَى لَحْمًا فَأَخْبَرَهُ عَدْلٌ أَنَّهُ ذَبِيحَةُ الْمَجُوسِيِّ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ فِي حَقِّ حُرْمَةِ اللَّحْمِ لَا فِي حَقِّ الرُّجُوعِ عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ كَانَ أَقَرَّ بِالْحَبَلِ طَلُقَتْ بِلَا شَهَادَةٍ) يَعْنِي فِيمَا إذَا عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِالْوِلَادَةِ ، وَكَانَ قَدْ أَقَرَّ بِالْحَبَلِ قَبْلَ الْوِلَادَةِ يَقَعُ الطَّلَاقُ بِقَوْلِهَا وَلَدَتْ مِنْ غَيْرِ شَهَادَةِ أَحَدٍ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَقَالَا يُشْتَرَطُ شَهَادَةُ الْقَابِلَةِ لِأَنَّهَا تَدَّعِي الْحِنْثَ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا بِدُونِ الْحُجَّةِ ، وَشَهَادَةُ الْقَابِلَةِ حُجَّةٌ فِي مِثْلِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا ، وَلَهُ أَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْحَبَلِ إقْرَارٌ بِمَا يُفْضِي إلَيْهِ ، وَهُوَ الْوِلَادَةُ ، وَلِأَنَّهُ أَقَرَّ بِكَوْنِهَا مُؤْتَمَنَةً فَيُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي رَدِّ الْأَمَانَةِ ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ كَانَ الْحَبَلُ ظَاهِرًا أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ لِأَنَّهَا مُدَّعِيَةٌ فَلَا بُدَّ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ ، وَأَمَّا عِنْدَهُ فَلِأَنَّ الطَّلَاقَ مُعَلَّقٌ بِأَمْرٍ كَائِنٍ لَا مَحَالَةَ فَيُقْبَلُ قَوْلُهَا فِيهِ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ ، وَغَيْرِهِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَكْثَرُ مُدَّةِ الْحَمْلِ سَنَتَانِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ أَرْبَعُ سِنِينَ ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَابْنِ حَنْبَلٍ ، وَقَالَ رَبِيعَةُ سَبْعُ سِنِينَ ، وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ ثَلَاثُ سِنِينَ ، وَقَالَ عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّام خَمْسُ سِنِينَ ، وَعَنْ الزُّهْرِيِّ سِتُّ سِنِينَ ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ لَيْسَ لِأَقْصَاهُ وَقْتٌ يُوقَفُ عَلَيْهِ ، وَتَعَلَّقُوا فِي ذَلِكَ بِحِكَايَاتِ النَّاسِ وَهِيَ مَا رُوِيَ أَنَّ الضَّحَّاكَ بَقِيَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعَ سِنِينَ فَوَلَدَتْهُ أُمُّهُ وَقَدْ نَبَتَتْ ثَنَايَاهُ ، وَهُوَ يَضْحَكُ فَسُمِّيَ بِهِ لِذَلِكَ ، وَقَالَ مَالِكٌ حِينَ بَلَغَهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ مُنْكِرًا عَلَيْهَا هَذِهِ جَارَتُنَا امْرَأَةُ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ تَحْمِلُ أَرْبَعَ سِنِينَ ، وَابْنُ عَجْلَانَ بِنَفْسِهِ بَقِيَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعَ سِنِينَ ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ ، وَعَنْ ابْنِ عَجْلَانَ أَنَّ امْرَأَةً وَضَعَتْ لِأَرْبَعِ سِنِينَ ، وَمَرَّةً لِسَبْعِ سِنِينَ ، وَلَنَا قَوْلُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لَا يَبْقَى الْوَلَدُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ وَلَوْ بِظِلِّ مِغْزَلٍ ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى السَّمَاعِ لِأَنَّهُ لَا يُدْرَكُ بِالرَّأْيِ ، وَلِأَنَّ أَحْكَامَ الشَّرْعِ تَبْتَنِي عَلَى الْأَعَمِّ الْأَغْلَبِ ، وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فِي غَايَةِ النُّدْرَةِ فَلَا تَتَعَلَّقُ بِهَا الْأَحْكَامُ ، وَالْحِكَايَاتُ الَّتِي ذَكَرُوهَا غَيْرُ ثَابِتَةٍ وَهِيَ بِنَفْسِهَا مُتَعَارِضَةٌ ، وَلَيْسَتْ بِحُجَّةٍ شَرْعِيَّةٍ فِي نَفْسِهَا فَكَيْفَ يُحْتَجُّ بِهَا عَلَى ثُبُوتِ النَّسَبِ أَوْ نَفْيِهِ ، وَظِلُّ الْمِغْزَلِ مَثَلٌ لِقِلَّتِهِ لِأَنَّ ظِلَّهُ حَالَ الدَّوْرَانِ أَسْرَعُ زَوَالًا مِنْ سَائِرِ الظِّلَالِ ، وَهُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ تَقْدِيرُهُ وَلَوْ بِقَدْرِ ظِلِّ مِغْزَلٍ ، وَيُرْوَى وَلَوْ بِفَلْكَةِ مِغْزَلٍ أَيْ وَلَوْ بِقَدْرِ دَوْرَانِ فَلْكَةِ مِغْزَلٍ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَقَلُّهَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ) لِمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَمَّ بِرَجْمِ امْرَأَةٍ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ التَّزَوُّجِ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ لَا سَبِيلَ لَك عَلَيْهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف : 15] ، وَقَالَ {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} [لقمان : 14] فَبَقِيَ لِلْحَمْلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ ، وَمِثْلُهُ يُرْوَى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَعَ عُثْمَانَ ، وَعَلَيْهِ إجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ .

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَلَوْ نَكَحَ أَمَةً فَطَلَّقَهَا فَاشْتَرَاهَا فَوَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْهُ) أَيْ مِنْ وَقْتِ الشِّرَاءِ (لَزِمَهُ ، وَإِلَّا لَا) أَيْ إنْ وَلَدَتْ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَا يَلْزَمُهُ لِأَنَّهُ لَمَّا طَلَّقَهَا وَجَبَتْ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ ثُمَّ بِالشِّرَاءِ لَمْ تَبْطُلْ الْعِدَّةُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ ، وَإِنْ بَطَلَتْ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ لِحِلِّهَا لَهُ بِمِلْكِ الْيَمِينِ فَإِذَا جَاءَتْ بِوَلَدٍ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَهُوَ وَلَدُ الْمُعْتَدَّةِ لِتَقَدُّمِ الْعُلُوقِ عَلَى الشِّرَاءِ فَيَلْزَمُهُ سَوَاءٌ أَقَرَّ بِهِ أَوْ نَفَاهُ ، وَإِنْ كَانَ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَمْ يَلْزَمْهُ لِأَنَّهُ وَلَدُ الْمَمْلُوكَةِ لِتَأَخُّرِ الْعُلُوقِ عَنْ الشِّرَاءِ فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا بِالدَّعْوَةِ ، وَهَذَا إذَا كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا أَوْ بَائِنًا ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ لَا يَلْزَمُهُ لِمَا قُلْنَا ، وَإِنْ كَانَ لِأَقَلَّ مِنْهُ لَزِمَهُ إذَا وَلَدَتْهُ لِتَمَامِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ وَقْتِ التَّزَوُّجِ وَلِأَقَلَّ مِنْهُ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ لِأَنَّ الْعُلُوقَ حَدَثَ فِي حَالِ قِيَامِ النِّكَاحِ ، وَإِنْ كَانَ لِأَقَلَّ لَا يَلْزَمُهُ لِأَنَّ الْعُلُوقَ سَابِقٌ عَلَى التَّزَوُّجِ
وَكَذَلِكَ إذَا اشْتَرَى زَوْجَتَهُ قَبْلَ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحْكَامِ لِأَنَّ النِّكَاحَ يَفْسُدُ بِالشِّرَاءِ ، وَتَكُونُ مُعْتَدَّةً فِي حَقِّ غَيْرِهِ إنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ حَتَّى لَا يَجُوزَ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا لِغَيْرِهِ مَا لَمْ تَحِضْ حَيْضَتَيْنِ فَيَكُونَ مَا جَاءَتْ بِهِ قَبْلَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَلَدَ الْمَنْكُوحَةِ ، وَبَعْدَهُ وَلَدَ الْمَمْلُوكَةِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْحَوَادِثَ تُضَافُ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ ، وَلَا يَنْتَقِضُ هَذَا بِمَا ذُكِرَ فِي الزِّيَادَاتِ أَنَّ رَجُلًا قَالَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ وَلَوْ بِظِلِّ مِغْزَلٍ) وَالْمِغْزَلُ قَالَ الصَّاغَانِيُّ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْمِغْزَلُ مَا يُغْزَلُ بِهِ قَالَ الْفَرَّاءُ ، وَالْأَصْلُ الضَّمُّ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ أُغْزِلَ أَيْ أُدِيرَ وَفُتِلَ ا هـ . وَقَالَ فِي الْمِصْبَاحِ الْمُنِيرِ وَالْمِغْزَلُ بِكَسْرِ الْمِيمِ مَا يُغْزَلُ بِهِ ، وَتَمِيمُ تَضُمُّ الْمِيمَ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَلَوْ بِفَلْكَةِ مِغْزَلٍ) وِزَانُ تَمْرَةٍ . ا هـ . مِصْبَاحٌ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَلَوْ نَكَحَ أَمَةً فَطَلَّقَهَا) أَيْ بَعْدَ الدُّخُولِ ، وَقَوْلُ الشَّارِحِ لِأَنَّهُ لَمَّا طَلَّقَهَا وَجَبَ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ يُفِيدُ كَوْنَهُ بَعْدَ الدُّخُولِ إذْ لَا عِدَّةَ فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ ، وَقَدْ قَالَ الشَّارِحُ بَعْدَ هَذَا ، وَهَذَا إذَا كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ ا هـ .
وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ خَوَاصِّ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَوْ رَدَّهَا الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي شَرْحِهِ بِهَذِهِ الصِّيغَةِ ثُمَّ قَالَ يُرِيدُ بِهِ إذَا طَلَّقَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ بِهَا فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ الطَّلَاقُ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا لَا يَلْزَمُهُ الْوَلَدُ إلَّا أَنْ تَجِيءَ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ ، وَقَلَّدَهُ بَعْضُ الشَّارِحِينَ ، وَلَنَا فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الطَّلَاقَ قَبْلَ الدُّخُولِ بَائِنٌ ، وَالْحُكْمَ فِي الْمُبَانَةِ أَنَّ نَسَبَ وَلَدِهَا يَثْبُتُ إلَى سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ أَيْ إنْ وَلَدَتْ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ) فِيهِ مَا مَرَّ لَك عِنْدَ قَوْلِهِ وَالْمُقِرَّةِ ، وَصَوَابُ الْعِبَارَةِ أَنْ يَقُولَ أَيْ إنْ وَلَدَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ (قَوْلُهُ ثُمَّ بِالشِّرَاءِ تَبْطُلُ الْعِدَّةُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ) يَعْنِي حَتَّى لَوْ أَرَادَ سَيِّدُهَا بَعْدَ الشِّرَاءِ أَنْ يُزَوِّجَهَا لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ حَتَّى تَمْضِيَ عِدَّتُهَا مِنْهُ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ) أَيْ مِنْ وَقْتِ الشِّرَاءِ . ا هـ . (قَوْلُهُ لَا يَلْزَمُهُ) يُصَدَّقُ بِمَا إذَا أَتَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ ، وَلِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الشِّرَاءِ ا هـ (قَوْلُهُ لِمَا قُلْنَا) يُشِيرُ بِهِ لِقَوْلِهِ آنِفًا لِأَنَّهُ وَلَدُ الْمَمْلُوكَةِ إلَخْ لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ لَا يَصِحُّ فِيمَا إذَا أَتَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ ، وَلِأَقَلَّ مِنْهَا مِنْ وَقْتِ الشِّرَاءِ مَعَ أَنَّ قَوْلَهُ فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ إلَخْ صَادِقٌ عَلَيْهِ كَمَا قَدَّمْته لَك فَتَأَمَّلْ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ لِأَقَلَّ مِنْهُ) أَيْ لِأَقَلَّ مِنْ أَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ . ا هـ

(3/45)


لِامْرَأَتَيْهِ بَعْدَ الدُّخُولِ بِهِمَا إحْدَاكُمَا طَالِقٌ فَوَلَدَتْ إحْدَاهُمَا لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْإِيجَابِ ، وَلِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْهُ فَالْإِيجَابُ عَلَى إبْهَامِهِ ، وَلَا تَتَعَيَّنُ ضَرَّتُهَا لِلطَّلَاقِ وَلَوْ أُحِيلَ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ لَتَعَيَّنَتْ ، وَكَذَا إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ حَبِلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَوَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ التَّعْلِيقِ لَمْ تَطْلُقْ ، وَكَذَا إذَا جَاءَتْ الْمُطَلَّقَةُ رَجْعِيًّا بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ لَمْ يَكُنْ مُرَاجِعًا لِأَنَّ الْحَوَادِثَ إنَّمَا تُضَافُ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ إذَا لَمْ تَتَضَمَّنْ إبْطَالَ مَا كَانَ ثَابِتًا بِالدَّلِيلِ أَوْ تَرْكَ الْعَمَلِ بِالْمُقْتَضَى ، وَفِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ ذَلِكَ فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ لِأَنَّ فِي الْأُولَى إزَالَةَ مِلْكِ النِّكَاحِ ، وَكَذَا فِي الثَّانِيَةِ ، وَفِي الثَّالِثَةِ تَرْكُ الْعَمَلِ بِمَا أَوْجَبَهُ الطَّلَاقُ ، وَهُوَ الْبَيْنُونَةُ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ، وَهَذَا إذَا كَانَ الطَّلَاقُ وَاحِدًا
وَأَمَّا إذَا كَانَ ثِنْتَيْنِ فَيَثْبُتُ نَسَبُ مَا وَلَدَتْهُ إلَى سَنَتَيْنِ لِأَنَّ الْأَمَةَ تَحْرُمُ بِالطَّلْقَتَيْنِ حُرْمَةً غَلِيظَةً فَلَا يُمْكِنُ إضَافَةُ الْعُلُوقِ إلَى مَا بَعْدَ الشِّرَاءِ فَلَا يُضَافُ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ لِعَدَمِ الْإِمْكَانِ بَلْ إلَى أَبْعَدِهَا حَمْلًا لِأَمْرِهَا عَلَى الصَّلَاحِ ، وَلَا يُقَالُ يَنْبَغِي أَنْ تَزُولَ هَذِهِ الْحُرْمَةُ بِمِلْكِ الْيَمِينِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء : 3] لِأَنَّا نَقُولُ قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة : 230] يُوجِبُ الْحُرْمَةَ فَتَعَارَضَا فَكَانَتْ الْحُرْمَةُ أَوْلَى ، وَلِهَذَا قُلْنَا إذَا مَلَكَ أُمَّهُ مِنْ الرَّضَاعِ لَا تَحِلُّ لَهُ تَرْجِيحًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} [النساء : 23] عَلَى الْمُبِيحِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ قَالَ لِأَمَتِهِ إنْ كَانَ فِي بَطْنِك وَلَدٌ فَهُوَ مِنِّي فَشَهِدَتْ امْرَأَةٌ بِالْوِلَادَةِ فَهِيَ أُمُّ وَلَدِهِ) لِأَنَّهُ يَثْبُتُ بِدَعْوَتِهِ ، وَالْوِلَادَةُ تَثْبُتُ بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ هَذَا إذَا وَلَدَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ قَالَ ذَلِكَ لِتَيَقُّنِنَا بِوُجُودِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ ، وَإِنْ وَلَدَتْهُ لِأَكْثَرَ مِنْهُ لَا يَلْزَمُهُ لِاحْتِمَالِ الْعُلُوقِ بَعْدَهُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ قَالَ لِغُلَامٍ هُوَ ابْنِي ، وَمَاتَ فَقَالَتْ أُمُّهُ أَنَا امْرَأَتُهُ ، وَهُوَ ابْنُهُ) يَعْنِي بَعْدَ مَوْتِهِ (يَرِثَانِهِ) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَكُونَ لَهَا الْإِرْثُ لِأَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ بِالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ ، وَبِالْوَطْءِ بِشُبْهَةٍ ، وَبِأُمُومِيَّةِ الْوَلَدِ فَلَا يَكُونُ الْإِقْرَارُ بِهِ إقْرَارًا بِالزَّوْجِيَّةِ لَهَا ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ مَفْرُوضَةٌ فِيمَا إذَا كَانَتْ مَعْرُوفَةً بِالْحُرِّيَّةِ وَالْإِسْلَامِ ، وَبِكَوْنِهَا أُمَّ الْغُلَامِ ، وَالنِّكَاحُ الصَّحِيحُ هُوَ الْمُعْتَبَرُ الْمَوْضُوعُ لِلنَّسَبِ فَعِنْدَ إقْرَارِهِ بِالْبُنُوَّةِ يُحْمَلُ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَظْهَرْ خِلَافُ ذَلِكَ كَمَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ نَفْيِهِ عَنْ ابْنِهِ الْمَعْرُوفِ حَتَّى وَجَبَ عَلَى النَّافِي الْحَدُّ وَاللِّعَانُ ، وَلَمْ يُعْتَبَرْ احْتِمَالُ إلْحَاقِهِ بِغَيْرِهِ بِالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ أَوْ الْوَطْءِ بِالشُّبْهَةِ ، وَلَا يُقَالُ إنَّ النِّكَاحَ ثَبَتَ بِمُقْتَضَى ثُبُوتِ النَّسَبِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ لِأَنَّا نَقُولُ النِّكَاحُ غَيْرُ مُتَنَوِّعٍ إلَى نِكَاحٍ مُوجِبٍ لِلْإِرْثِ وَالنَّسَبِ ، وَإِلَى غَيْرِ مُوجِبٍ لَهُمَا فَإِذَا تَعَيَّنَ النِّكَاحُ الصَّحِيحُ لَزِمَ بِلَوَازِمِهِ .

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ جَهِلَتْ حُرِّيَّتَهَا فَقَالَ وَارِثُهُ أَنْتِ أُمُّ وَلَدِ أَبِي فَلَا مِيرَاثَ لَهَا) لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ الثَّابِتَةَ بِظَاهِرِ الْحَالِ تَصْلُحُ لِدَفْعِ الرِّقِّ ، وَلَا تَصْلُحُ لِاسْتِحْقَاقِ الْإِرْثِ كَاسْتِصْحَابِ الْحَالِ ، وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ الْوَارِثُ إنَّهَا كَانَتْ نَصْرَانِيَّةً وَقْتَ مَوْتِ أَبِي ، وَلَمْ يُعْلَمْ إسْلَامُهَا فِيهِ أَوْ قَالَ كَانَتْ زَوْجَةً لَهُ وَهِيَ أَمَةٌ يَنْبَغِي أَنْ لَا تَرِثَ لِمَا قُلْنَا ، وَقَالُوا لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ لِأَنَّ الْوَارِثَ أَقَرَّ بِالدُّخُولِ عَلَيْهَا ، وَلَمْ يَثْبُتْ كَوْنُهَا أُمَّ وَلَدٍ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

(بَابُ الْحَضَانَةِ)
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَحَقُّ بِالْوَلَدِ أُمُّهُ قَبْلَ الْفُرْقَةِ وَبَعْدَهَا) ، وَفِي الْكَافِي إلَّا أَنْ تَكُونَ مُرْتَدَّةً أَوْ فَاجِرَةً ، وَإِنَّمَا كَانَتْ أَحَقَّ لِأَنَّ الْأُمَّةَ أَجْمَعَتْ عَلَى أَنَّ الْأُمَّ أَحَقُّ بِالْوَلَدِ مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ يَعْنِي بِزَوْجٍ آخَرَ ، وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادِهِ أَنَّ «امْرَأَةً جَاءَتْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ ابْنِي هَذَا كَانَ بَطْنِي لَهُ وِعَاءً ، وَحِجْرِي لَهُ حِوَاءً ، وَثَدْيِي لَهُ سِقَاءً ، وَزَعَمَ أَبُوهُ أَنَّهُ يَنْتَزِعُهُ مِنِّي فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَنْكِحِي» ، وَلِأَنَّ الصِّغَارَ لَمَّا عَجَزُوا عَنْ مَصَالِحِهِمْ جَعَلَ الشَّرْعُ وِلَايَتَهَا إلَى غَيْرِهِمْ فَجَعَلَ وِلَايَةَ التَّصَرُّفِ فِي النَّفْسِ وَالْمَالِ إلَى الْآبَاءِ لِأَنَّهُمْ أَقْوَى رَأْيًا مَعَ الشَّفَقَةِ الْكَامِلَةِ ، وَأَوْجَبَ النَّفَقَةَ عَلَيْهِمْ لِكَوْنِهِمْ أَقْدَرَ عَلَيْهَا ، وَجَعَلَ الْحَضَانَةَ إلَى الْأُمَّهَاتِ لِأَنَّهُنَّ أَشْفَقُ وَأَرْفَقُ وَأَقْدَرُ وَأَصْبَرُ عَلَى تَحَمُّلِ الْمَشَاقِّ بِسَبَبِ الْوَلَدِ عَلَى طُولِ الْأَعْصَارِ ، وَأَفْرَغُ لِلْقِيَامِ بِخِدْمَتِهِ فَكَانَ فِي تَفْوِيضِ الْحَضَانَةِ إلَيْهِنَّ وَغَيْرِهَا مِنْ الْمَصَالِحِ إلَى الْآبَاءِ زِيَادَةَ مَنْفَعَةٍ عَلَى الصَّغِيرِ فَكَانَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(بَابُ الْحَضَانَةِ)
قَالَ الْأَتْقَانِيُّ لَمَّا فَرَغَ عَنْ بَيَانِ النَّسَبِ مِنْ الْمَنْكُوحَةِ وَالْمُعْتَدَّةِ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَنْ تَحْضُنُ الْوَلَدَ الَّذِي يَثْبُتُ نَسَبُهُ إذَا وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ ثُمَّ شَرَعَ فِي فَصْلٍ بَيَّنَ فِيهِ الْغَيْبُوبَةَ بِالْوَلَدِ عَنْ الْمِصْرِ ثُمَّ شَرَعَ فِي فَصْلٍ آخَرَ ذَكَرَ فِيهِ نَفَقَةَ وَالِدَةِ هَذَا الْوَلَدِ ، وَذَكَرَ فِي فَصْلٍ آخَرَ وُجُوبَ سُكْنَاهَا فِي دَارٍ مُفْرَدَةٍ ثُمَّ ذَكَرَ فِي فَصْلٍ آخَرَ أَنْوَاعَ مَنْ تَجِبُ لِأَجْلِهَا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى بِأَنْ تَكُونَ الْمُعْتَدَّةُ عَنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ أَوْ بَائِنٍ ثُمَّ ذَكَرَ فِي فَصْلٍ آخَرَ نَفَقَةَ الْوَلَدِ لِأَنَّهُ وَلَدُهَا وَفَرْعُهَا فَأَخَّرَ ذِكْرَ نَفَقَتِهِ عَنْ نَفَقَتِهَا ثُمَّ لَمَّا وَقَعَ الْكَلَامُ فِي النَّفَقَةِ انْجَرَّ إلَى ذِكْرِ نَفَقَةِ ذَوِي الْأَرْحَامِ ، وَذَكَرَهَا فِي فَصْلٍ ثُمَّ انْجَرَّ إلَى ذِكْرِ نَفَقَةِ الْمَمَالِيكِ ، وَذَكَرَهَا فِي فَصْلٍ خَتَمَ بِهِ النَّفَقَاتِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ا هـ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَحَقُّ بِالْوَلَدِ أُمُّهُ قَبْلَ الْفُرْقَةِ وَبَعْدَهَا) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ ، وَإِذَا وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ فَالْأُمُّ أَحَقُّ بِالْوَلَدِ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ عَلَى الْإِطْلَاقِ فِي غَيْرِ مَا إذَا وَقَعَتْ بِرِدَّتِهَا لَحِقَتْ أَوَّلًا لِأَنَّهَا تُحْبَسُ ، وَتُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ فَإِنْ تَابَتْ فَهِيَ أَحَقُّ بِهِ
وَأَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ أَهْلًا لِلْحَضَانَةِ بِأَنْ كَانَتْ فَاسِقَةً أَوْ تَخْرُجُ كُلَّ وَقْتٍ وَتَتْرُكُ الْبِنْتَ ضَائِعَةً أَوْ كَانَتْ أَمَةً أَوْ أُمَّ وَلَدٍ أَوْ مُدَبَّرَةً أَوْ مُكَاتَبَةً وَلَدَتْ ذَلِكَ الْوَلَدَ قَبْلَ الْكِتَابَةِ أَوْ مُتَزَوِّجَةً بِغَيْرِ مَحْرَمٍ لِلصَّغِيرِ ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الْأَبُ مُعْسِرًا ، وَأَبَتْ الْأُمُّ أَنْ تُرَبِّيَ إلَّا بِأَجْرٍ ، وَقَالَتْ الْعَمَّةُ أَنَا أُرَبِّي بِغَيْرِ أَجْرٍ فَإِنَّ الْعَمَّةَ أَوْلَى هُوَ الصَّحِيحُ . ا هـ . (قَوْلُهُ أَوْ فَاجِرَةً) أَيْ غَيْرَ مَأْمُونَةٍ تُكَافِئُ . ا هـ . رَازِيٌّ (قَوْلُهُ ، وَحِجْرِي لَهُ حِوَاءً) وَحِجْرُ الْإِنْسَانِ بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ ، وَالْحِوَاءُ بِالْكَسْرِ بَيْتٌ مِنْ الْوَبَرِ ، وَالْجَمْعُ الْأَحْوِيَةُ . ا هـ . فَتْحٌ

(3/46)


حَسَنًا ، وَأَنْظَرَ لِلصَّغِيرِ فَيَكُونُ مَشْرُوعًا ، وَلِهَذَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ لِعُمَرَ حِينَ فَارَقَ امْرَأَتَهُ : رِيحُهَا وَمَسُّهَا وَمَسْحُهَا وَرِيقُهَا خَيْرٌ لَهُ مِنْ الشَّهْدِ عِنْدَك ، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ فَكَانَ إجْمَاعًا
ثُمَّ لَا تُجْبَرُ الْأُمُّ عَلَى الْحَضَانَةِ فِي الصَّحِيحِ لِاحْتِمَالِ عَجْزِهَا ، وَهَذَا لِأَنَّ شَفَقَتَهَا حَامِلَةٌ عَلَى الْحَضَانَةِ ، وَلَا تَصْبِرُ عَنْهُ غَالِبًا إلَّا عَنْ عَجْزٍ فَلَا مَعْنًى لِلْإِيجَابِ لِوُجُودِ الْحَمْلِ بِدُونِهِ فَلَا تُجْبَرُ عَلَيْهِ ، وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِلْوَلَدِ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ غَيْرُ الْأُمِّ فَحِينَئِذٍ تُجْبَرُ عَلَى حَضَانَتِهِ كَيْ لَا يَضِيعَ بِخِلَافِ الْأَبِ حَيْثُ يُجْبَرُ عَلَى أَخْذِهِ إذَا امْتَنَعَ بَعْدَ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْ الْأُمِّ لِأَنَّ نَفَقَتَهُ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ثُمَّ أُمُّ الْأُمِّ) أَيْ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أُمٌّ بِأَنْ مَاتَتْ أَوْ تَزَوَّجَتْ فَأُمُّ الْأُمِّ أَحَقُّ لِمَا رَوَى أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ طَلَّقَ جَمِيلَةَ بِنْتَ عَاصِمٍ فَتَزَوَّجَتْ فَأَخَذَ عُمَرُ ابْنَهُ عَاصِمًا فَأَدْرَكَتْهُ أُمُّ جَمِيلَةَ فَأَخَذَتْهُ فَتَرَافَعَا إلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ، وَهُمَا مُتَشَبِّثَانِ فَقَالَ لِعُمَرَ خَلِّ بَيْنَهَا وَبَيْنَ ابْنِهَا فَأَخَذَتْهُ ، وَلِأَنَّ هَذِهِ الْوِلَايَةَ تُسْتَفَادُ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ فَكَانَتْ الَّتِي هِيَ مِنْ قِبَلِهَا أَوْلَى ، وَإِنْ بَعُدَتْ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ثُمَّ أُمُّ الْأَبِ) وَإِنْ عَلَتْ
وَقَالَ زُفَرُ الْأُخْتُ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ لِأُمٍّ أَوْ الْخَالَةُ أَحَقُّ مِنْ أُمِّ الْأَبِ لِأَنَّهَا تُدْلِي إلَيْهِ بِقَرَابَةِ الْأَبِ ، وَهُنَّ يُدْلِينَ بِقَرَابَةِ الْأُمِّ فَكُنَّ أَحَقَّ لِأَنَّ الْحَضَانَةَ تُسْتَحَقُّ بِاعْتِبَارِ قَرَابَةِ الْأُمِّ ، وَنَحْنُ نَقُولُ هَذِهِ أُمٌّ لِأَنَّ لَهَا قَرَابَةُ الْوِلَادَةِ ، وَهِيَ أَشْفَقُ فَكَانَتْ أَوْلَى كَاَلَّتِي مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ ، وَلِهَذَا تُحْرِزُ مِيرَاثَ الْأُمِّ كَمَا تُحْرِزُ تِلْكَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ثُمَّ الْأُخْتُ لِأَبٍ وَأُمٍّ ثُمَّ لِأُمٍّ ثُمَّ لِأَبٍ) لِأَنَّهُنَّ بَنَاتُ الْأَبَوَيْنِ فَكُنَّ أَوْلَى مِنْ بَنَاتِ الْأَجْدَادِ فَتُقَدَّمُ الْأُخْتُ لِأَبَوَيْنِ ثُمَّ الْأُخْتُ لِأُمٍّ ، وَعِنْدَ زُفَرَ هُمَا يَشْتَرِكَانِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِيمَا يُعْتَبَرُ ، وَهُوَ الْإِدْلَاءُ بِالْأُمِّ ، وَجِهَةُ الْأَبِ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِيهِ ، وَنَحْنُ نَقُولُ يَصْلُحُ لِلتَّرْجِيحِ ، وَإِنْ كَانَ قَرَابَةُ الْأَبِ لَا مَدْخَلَ لَهَا فِيهِ ثُمَّ الْأُخْتُ لِأَبٍ ، وَفِي رِوَايَةٍ تُقَدَّمُ الْخَالَةُ عَلَيْهَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْخَالَةُ وَالِدَةٌ» ، وَقِيلَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ} [يوسف : 100] إنَّهَا كَانَتْ خَالَتَهُ ، وَلِأَنَّهَا تُدْلِي بِالْأُمِّ ، وَتِلْكَ بِالْأَبِ فَكَانَتْ أَوْلَى بِاعْتِبَارِ الْمُدْلَى بِهِ ، وَبَنَاتُ الْأُخْتِ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ لِأُمٍّ أَوْلَى مِنْ الْخَالَاتِ ، وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ فِي بَنَاتِ الْأُخْتِ لِأَبٍ ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْخَالَةَ أَوْلَى مِنْهُنَّ ، وَبَنَاتُ الْأُخْتِ أَوْلَى مِنْ بَنَاتِ الْأَخِ لِأَنَّ الْأُخْتَ لَهَا حَقٌّ فِي الْحَضَانَةِ دُونَ الْأَخِ فَكَانَ الْمُدْلَى بِهَا أَوْلَى ، وَإِذَا اجْتَمَعَ مَنْ لَهُ حَقُّ الْحَضَانَةِ فِي دَرَجَةِ فَأَوْرَعُهُمْ أَوْلَى ثُمَّ أَكْبَرُهُمْ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ثُمَّ الْخَالَاتُ كَذَلِكَ) لِأَنَّ قَرَابَةَ الْأُمِّ أَرْجَحُ فِي هَذَا الْبَابِ
وَقَوْلُهُ كَذَلِكَ أَيْ يَنْزِلْنَ مِثْلُ مَا نَزَلَتْ الْأَخَوَاتُ ، وَمَعْنَاهُ مَنْ كَانَتْ لِأُمٍّ وَأَبٍ أَوْلَى ثُمَّ لِأُمٍّ ثُمَّ لِأَبٍ لِأَنَّ مَنْ كَانَ اتِّصَالُهُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ أَشْفَقُ ثُمَّ مَنْ كَانَ لِأُمٍّ أَشْفَقُ ، وَالْخَالَةُ أَوْلَى مِنْ بِنْتِ الْأَخِ لِأَنَّهَا تُدْلِي بِالْأُمِّ ، وَتِلْكَ بِالْأَخِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ثُمَّ الْعَمَّاتُ كَذَلِكَ) يَعْنِي كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَحْوَالِ الْأَخَوَاتِ وَتَرْتِيبِهِنَّ ، وَبَنَاتُ الْأَخِ أَوْلَى مِنْ الْعَمَّاتِ وَلَا حَقَّ لِبَنَاتِ الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ فِي الْحَضَانَةِ لِأَنَّهُنَّ غَيْرُ مَحْرَمٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ نَكَحَتْ غَيْرَ مَحْرَمِهِ سَقَطَ حَقُّهَا) أَيْ مَنْ تَزَوَّجَ مِمَّنْ لَهُ حَقُّ الْحَضَانَةِ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ لِلصَّغِيرِ سَقَطَ حَقُّهَا لِمَا رَوَيْنَا ، وَلِأَنَّ زَوْجَ الْأُمِّ يُعْطِيهِ نَزْرًا ، وَيَنْظُرُ إلَيْهِ شَزْرًا فَلَا نَظَرَ فِي الدَّفْعِ إلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الزَّوْجُ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ لِلصَّغِيرِ كَالْجَدَّةِ إذَا كَانَ زَوْجُهَا الْجَدَّ ، أَوْ الْأُمِّ إذَا كَانَ زَوْجُهَا عَمَّ الصَّغِيرِ ، أَوْ الْخَالَةِ إذَا كَانَ زَوْجُهَا عَمَّهُ أَوْ أَخَاهُ ، أَوْ عَمَّتِهِ إذَا كَانَ زَوْجُهَا خَالَهُ أَوْ أَخَاهُ مِنْ أُمِّهِ لَا يَسْقُطُ حَقُّهَا لِانْتِفَاءِ الضَّرَرِ عَنْ الصَّغِيرِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ثُمَّ تَعُودُ بِالْفُرْقَةِ) أَيْ يَعُودُ حَقُّ الْحَضَانَةِ بِالْفُرْقَةِ بَعْدَمَا سَقَطَ بِالتَّزَوُّجِ لِزَوَالِ الْمَانِعِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ وَلِهَذَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ لِعُمَرَ حِينَ فَارَقَ امْرَأَتَهُ) وَهِيَ أُمُّ عَاصِمٍ ، وَاسْمُهَا جَمِيلَةُ فَخَاصَمَهَا بَيْنَ يَدَيْ أَبِي بَكْرٍ لِيَنْتَزِعَ عَاصِمًا مِنْهَا . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ
(قَوْلُهُ وَرِيقُهَا خَيْرٌ لَهُ مِنْ الشَّهْدِ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ الشَّهْدُ الْعَسَلُ فِي شَمْعِهَا ، وَفِيهِ لُغَتَانِ فَتْحُ الشَّيْنِ لِتَمِيمٍ ، وَجَمْعُهُ شِهَادٌ مِثْلُ سَهْمٍ وَسِهَامٍ ، وَضَمُّهَا لِأَهْلِ الْعَالِيَةِ ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ ، وَالصَّحَابَةُ كَانُوا حَاضِرِينَ يَعْنِي حِينَ قَالَ ذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - . ا هـ . (قَوْلُهُ ثُمَّ لَا تُجْبَرُ) قَالَ الْكَمَالُ يَعْنِي إذَا طَلَبَتْ الْأُمُّ فَهِيَ أَحَقُّ بِهِ ، وَإِنْ أَبَتْ لَا تُجْبَرُ عَلَى الْحَضَانَةِ ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَالثَّوْرِيِّ ، وَرِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ تُجْبَرُ ، وَاخْتَارَهُ أَبُو اللَّيْثِ وَالْهِنْدُوَانِي مِنْ مَشَايِخِنَا لِأَنَّ ذَلِكَ حَقُّ الْوَلَدِ قَالَ تَعَالَى : {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ} [البقرة : 233] وَالْمُرَادُ الْأَمْرُ ، وَهُوَ لِلْوُجُوبِ ، وَالْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ لَا تُجْبَرُ الشَّرِيفَةُ الَّتِي لَا عَادَةَ لَهَا بِالْإِرْضَاعِ ، وَتُجْبَرُ الَّتِي هِيَ مِمَّنْ تُرْضِعُ فَإِنْ لَمْ تُوجَدْ غَيْرُهَا أَوْ لَمْ يَأْخُذْ الْوَلَدُ ثَدْيَ غَيْرِهَا أُجْبِرَتْ بِلَا خِلَافٍ ، وَيُجْبَرُ الْوَالِدُ عَلَى أَخْذِهِ بَعْدَ اسْتِغْنَائِهِ عَنْ الْأُمِّ لِأَنَّ نَفَقَتَهُ وَصِيَانَتَهُ عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ
وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى} [الطلاق : 6] وَإِذَا اخْتَلَفَا فَقَدْ تَعَاسَرَا فَكَانَتْ الْآيَةُ لِلنَّدْبِ أَوْ مَحْمُولَةً عَلَى حَالَةِ الِاتِّفَاقِ وَعَدَمِ التَّعَاسُرِ ، وَلِأَنَّهَا عَسَى أَنْ تَعْجِزَ عَنْهُ لَكِنْ فِي الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ الَّذِي هُوَ جَمَعَ كَلَامَ مُحَمَّدٍ لَوْ اخْتَلَعَتْ عَلَى أَنْ تَتْرُكَ وَلَدَهَا عِنْدَ الزَّوْجِ فَالْخُلْعُ جَائِزٌ ، وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ لِأَنَّ حَقَّ الْوَلَدِ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ أُمِّهِ مَا كَانَ إلَيْهَا مُحْتَاجًا هَذَا لَفْظُهُ فَأَفَادَ أَنَّ قَوْلَ الْفَقِيهَيْنِ هُوَ جَوَابُ الرِّوَايَةِ ، وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى} [الطلاق : 6] فَلَيْسَ الْكَلَامُ فِي الْإِرْضَاعِ بَلْ فِي الْحَضَانَةِ قَالَ فِي التُّحْفَةِ ثُمَّ الْأُمُّ وَإِنْ كَانَتْ أَحَقَّ بِالْحَضَانَةِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا إرْضَاعُهُ لِأَنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ النَّفَقَةِ ، وَنَفَقَةُ الْوَلَدِ عَلَى الْوَالِدِ إلَّا أَنْ لَا يُوجَدَ مَنْ يُرْضِعُهُ فَتُجْبَرُ ا هـ مَا قَالَهُ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أُمٌّ) بِأَنْ كَانَتْ غَيْرَ أَهْلٍ لِلْحَضَّانَةِ أَوْ . ا هـ . فَتْحٌ
(قَوْلُهُ أَوْ تَزَوَّجَتْ) يَعْنِي بِأَنْ تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ . ا هـ . فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَإِذَا اجْتَمَعَ مَنْ لَهُ حَقُّ الْحَضَانَةِ فَأَوْرَعُهُمْ أَوْلَى إلَخْ) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ وَإِنْ كَانَ لِلصَّغِيرِ إخْوَةٌ فَأَفْضَلُهُمْ أَوْلَى ، وَإِنْ كَانُوا سَوَاءً فَأَكْبَرُهُمْ سِنًّا لِأَنَّ الْأَكْبَرَ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ ، وَهُوَ أَكْثَرُ شَفَقَةً ا هـ (قَوْلُهُ وَلَا حَقَّ لِبَنَاتِ الْعَمَّةِ) قَالَ فِي الْكَافِي وَأَمَّا بَنَاتُ الْأَعْمَامِ وَالْعَمَّاتِ وَالْأَخْوَالِ وَالْخَالَاتِ فَبِمَعْزِلٍ عَنْ حَقِّ الْحَضَانَةِ لِأَنَّ قَرَابَتَهُنَّ لَمْ تَتَأَكَّدْ بِالْمَحْرَمِيَّةِ ا هـ وَقَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِهِ لِلْهِدَايَةِ ، وَمِنْ خَطِّهِ نُقِلَتْ ، وَبَنَاتُ الْأَعْمَامِ وَالْعَمَّاتِ وَالْأَخْوَالِ وَالْخَالَاتِ بِمَعْزِلٍ عَنْ حَقِّ الْحَضَانَةِ لِأَنَّ قَرَابَتَهُنَّ لَمْ تَتَأَكَّدْ بِالْمَحْرَمِيَّةِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ ا هـ

(3/47)


كَالنَّاشِزَةِ تَسْقُطُ نَفَقَتُهَا ثُمَّ إذَا عَادَتْ إلَى مَنْزِلِ الزَّوْجِ تَجِبُ
وَكَذَا الْوِلَايَةُ تَسْقُطُ بِالْجُنُونِ وَالِارْتِدَادِ ثُمَّ إذَا زَالَ ذَلِكَ عَادَتْ الْوِلَايَةُ ثُمَّ إذَا كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا لَا يَعُودُ حَقُّهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا لِقِيَامِ الزَّوْجِيَّةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ثُمَّ الْعَصَبَاتُ بِتَرْتِيبِهِمْ) أَيْ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلصَّغِيرِ امْرَأَةٌ تَكُونُ الْحَضَانَةُ لِلْعَصَبَاتِ عَلَى تَرْتِيبِهِمْ فِي الْإِرْثِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ يُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ لَهُ غَيْرَ أَنَّ الصَّغِيرَةَ لَا تُدْفَعُ إلَى غَيْرِ مَحْرَمٍ مِنْ الْأَقَارِبِ كَابْنِ الْعَمِّ ، وَلَا لِلْأُمِّ الَّتِي لَيْسَتْ بِمَأْمُونَةٍ ، وَلَا لِلْعَصَبَةِ الْفَاسِقِ ، وَلَا إلَى مَوْلَى الْعَتَاقَةِ تَحَرُّزًا عَنْ الْفِتْنَةِ بِخِلَافِ الْغُلَامِ ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِلصَّغِيرِ عَصَبَةٌ يُدْفَعُ إلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَأَخٍ مِنْ أُمٍّ وَعَمٍّ مِنْ أُمٍّ وَخَالٍ وَنَحْوِهِمْ لِأَنَّ لَهُمْ وِلَايَةَ الْإِنْكَاحِ عِنْدَهُ فَكَذَا الْحَضَانَةُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْأُمُّ وَالْجَدَّةُ أَحَقُّ بِهِ) أَيْ بِالْغُلَامِ (حَتَّى يَسْتَغْنِيَ ، وَقُدِّرَ بِسَبْعِ سِنِينَ) وَقَالَ الْقُدُورِيُّ حَتَّى يَأْكُلَ وَحْدَهُ وَيَشْرَبَ وَحْدَهُ وَيَسْتَنْجِيَ وَحْدَهُ ، وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ حَتَّى يَسْتَغْنِيَ وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ ، وَقَدَّرَهُ الْخَصَّافُ بِسَبْعِ سِنِينَ اعْتِبَارًا لِلْغَالِبِ ، وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ الْأَوَّلِ بَلْ عَيْنُهُ لِأَنَّهُ إذَا بَلَغَ سَبْعَ سِنِينَ يَسْتَنْجِي وَحْدَهُ أَلَا تَرَى إلَى مَا يُرْوَى عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ «مُرُوا صِبْيَانَكُمْ بِالصَّلَاةِ إذَا بَلَغُوا سَبْعَ سِنِينَ» وَالْأَمْرُ بِالصَّلَاةِ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَى الطَّهَارَةِ ، وَقَدَّرَهُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ بِتِسْعِ سِنِينَ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَغْنِي قَبْلَ ذَلِكَ عَادَةً ، وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ الْخَصَّافِ ، وَالْمُرَادُ بِالِاسْتِنْجَاءِ وَحْدَهُ هُوَ تَمَامُ الطَّهَارَةِ ، وَهُوَ أَنْ يَتَطَهَّرَ بِالْمَاءِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُعِينَهُ أَحَدٌ ، وَقِيلَ هُوَ مُجَرَّدُ الِاسْتِنْجَاءِ ، وَهُوَ أَنْ يَطْهُرَ وَحْدَهُ عَنْ النَّجَاسَاتِ ، وَإِنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَمَامِ الطَّهَارَةِ ، وَإِنَّمَا كَانَ لِلْأَبِ أَنْ يَأْخُذَهُ إذَا بَلَغَ هَذَا الْحَدَّ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى التَّأَدُّبِ وَالتَّخَلُّقِ بِأَخْلَاقِ الرِّجَالِ وَآدَابِهِمْ
وَالْأَبُ أَقْدَرُ عَلَى التَّأْدِيبِ وَالتَّثْقِيفِ ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي سِنِّهِ فَقَالَ الْأَبُ ابْنُ سَبْعٍ ، وَهِيَ قَالَتْ ابْنُ سِتٍّ فَإِنْ اسْتَغْنَى بِأَنْ كَانَ يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ ، وَيَلْبَسُ ، وَيَسْتَنْجِي وَحْدَهُ دُفِعَ إلَيْهِ ، وَإِلَّا فَلَا ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي تَزْوِيجِهَا فَالْقَوْلُ لَهَا ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الطَّلَاقِ بَعْدَ التَّزَوُّجِ فَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا ، وَإِلَّا فَلَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِهَا حَتَّى تَحِيضَ) أَيْ الْأُمُّ وَالْجَدَّةُ أَحَقُّ بِالْجَارِيَةِ حَتَّى تَحِيضَ لِأَنَّ بَعْدَ الِاسْتِغْنَاءِ تَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ آدَابِ النِّسَاءِ مِنْ الْغَزْلِ وَالطَّبْخِ وَالْغَسْلِ ، وَالْأُمُّ أَقْدَرُ عَلَى ذَلِكَ فَإِذَا بَلَغَتْ تَحْتَاجُ إلَى التَّزْوِيجِ وَالصِّيَانَةِ ، وَإِلَى الْأَبِ وِلَايَةُ التَّزْوِيجِ ، وَهُوَ أَقْدَرُ عَلَى الصِّيَانَةِ ، وَهَذَا لِأَنَّهَا صَارَتْ عُرْضَةً لِلْفِتْنَةِ ، وَمَطْمَعًا لِلرِّجَالِ ، وَبِالرِّجَالِ مِنْ الْغَيْرَةِ مَا لَيْسَ بِالنِّسَاءِ فَالْأَبُ أَقْدَرُ عَلَى دَفْعِ خِدَاعِ الْفَسَقَةِ وَاحْتِيَالِهِمْ فَكَانَ أَوْلَى ، وَفِي نَوَادِرِ هِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدٍ إذَا بَلَغَتْ حَدَّ الشَّهْوَةِ فَالْأَبُ أَحَقُّ بِهَا ، وَهَذَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ أَيْ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلصَّغِيرِ امْرَأَةٌ إلَخْ) وَإِذَا وَجَبَ الِانْتِزَاعُ مِنْ النِّسَاءِ أَوْ لَمْ يَكُنْ لِلصَّبِيِّ امْرَأَةٌ مِنْ أَصْلِهِ يُدْفَعُ إلَى الْعَصَبَةِ فَيُقَدَّمُ الْأَبُ ثُمَّ أَبُو الْأَبِ وَإِنْ عَلَا ثُمَّ الْأَخُ لِأَبٍ وَأُمٍّ ثُمَّ الْأَخُ لِأَبٍ ثُمَّ ابْنُ الْأَخِ لِأَبٍ وَأُمٍّ ثُمَّ لِأَبٍ ، وَكَذَا مَنْ سَفَلَ مِنْهُمْ ثُمَّ الْعَمُّ لِأَبٍ وَأُمٍّ ثُمَّ لِأَبٍ . ا هـ . كَافِي
(قَوْلُهُ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ) أَيْ فِي الْفَرَائِضِ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَلَا إلَى مَوْلَى الْعَتَاقَةِ) فَلَوْ كَانَ الْمُعْتِقُ أُنْثَى تُدْفَعُ إلَيْهَا الْأُنْثَى أَيْضًا . ا هـ . (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْغُلَامِ) أَيْ مِنْ حَيْثُ يُدْفَعُ لِمَنْ ذُكِرَ قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ ، وَيُدْفَعُ الذَّكَرُ إلَى مَوْلَى الْعَتَاقَةِ ، وَلَا تُدْفَعُ الْأُنْثَى ، فَالصَّغِيرُ يُدْفَعُ إلَى كُلٍّ مَحْرَمٍ وَغَيْرِ مَحْرَمٍ ، وَالصَّغِيرَةُ لَا تُدْفَعُ إلَّا إلَى مَحْرَمٍ . ا هـ . (قَوْلُهُ ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِلصَّغِيرِ) قَالَ فِي الْكَافِي ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِلصَّغِيرِ عَصَبَةٌ يُدْفَعُ إلَى الْأَخِ لِأُمٍّ ثُمَّ إلَى وَلَدِهِ ثُمَّ إلَى الْعَمِّ لِأُمٍّ ثُمَّ إلَى الْخَالِ لِأَبٍ وَأُمٍّ ثُمَّ لِأَبٍ ثُمَّ لِأُمٍّ لِأَنَّ لِهَؤُلَاءِ وِلَايَةَ الْإِنْكَاحِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي النِّكَاحِ . ا هـ . (قَوْلُهُ يُدْفَعُ إلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَأَخٍ مِنْ أُمٍّ إلَخْ) أَفَادَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ هُنَا غَيْرُ ذَوِي الْأَرْحَامِ الْمَذْكُورِينَ فِي الْفَرَائِضِ فَإِنَّ ذَا الرَّحِمِ فِي الْفَرَائِضِ كُلُّ قَرِيبٍ لَيْسَ بِذِي سَهْمٍ وَلَا عَصَبَةٍ فَالْأَخُ مِنْ الْأُمِّ لَيْسَ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ لِأَنَّهُ صَاحِبُ سَهْمٍ ، وَأَمَّا ذُو الرَّحِمِ هُنَا فَالْمُرَادُ بِهِ كُلُّ قَرِيبٍ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الْمَحْضُونَ ، وَهُوَ غَيْرُ عَصَبَةٍ فَإِنَّ كُلًّا مِمَّنْ ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ الْأَخِ لِلْأُمِّ وَالْعَمِّ مِنْ الْأُمِّ وَالْخَالِ قَرِيبٌ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الْمَحْضُونَ ، وَهُوَ غَيْرُ عَصَبَةٍ لَهُ ، وَإِنَّمَا فَسَّرْنَا ذَا الرَّحِمِ هُنَا بِمَا ذَكَرْنَاهُ بِدَلَالَةِ التَّمْثِيلِ ، وَلِأَنَّا لَوْ أَجْرَيْنَا قَوْلَهُ يُدْفَعُ إلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ عَلَى إطْلَاقِهِ لِيَشْمَلَ مَنْ كَانَ ذَا رَحِمٍ مِنْ النِّسَاءِ وَلَمْ يَكُنْ مُحَرَّمًا لَتَنَاقَضَ مَعَ قَوْلِهِ سَابِقًا ، وَلَا حَقَّ لِبَنَاتِ الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ فِي الْحَضَانَةِ لِأَنَّهُنَّ غَيْرُ مَحْرَمٍ فَإِنَّ قَوْلَهُ ، وَلَا حَقَّ لِبَنَاتِ الْعَمَّةِ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ فَتَعُمُّ فَلَا يَكُونُ لِبَنَاتِ الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ فِي الْحَضَانَةِ حَقٌّ فِي حَالَةٍ مَا مِنْ الْحَالَاتِ
وَالتَّعْلِيلُ الْمَذْكُورُ ، وَهُوَ قَوْلُهُ لِأَنَّهُنَّ غَيْرُ مَحْرَمٍ يُفِيدُ أَنَّ حَقَّ الْحَضَانَةِ لَا يَسْتَحِقُّهُ مِنْ النِّسَاءِ إلَّا مَنْ اتَّصَفَتْ بِالْمَحْرَمِيَّةِ بِخِلَافِ وِلَايَةِ الْإِنْكَاحِ فَإِنَّهَا لَا تُفِيدُ بِالْمَحْرَمِيَّةِ ، وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ أَنَّ بِنْتَ الْعَمَّةِ لَهَا وِلَايَةُ الْإِنْكَاحِ .
وَالْحَاصِلُ أَنَّ وِلَايَةَ الْإِنْكَاحِ مَنُوطَةٌ بِالرَّحِمِيَّةِ فَقَطْ ، وَحَقُّ الْحَضَانَةِ مَنُوطٌ بِالرَّحِمِيَّةِ مَعَ الْمَحْرَمِيَّةِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِكَاتِبِهِ حَالَ الْمُطَالَعَةِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .
(قَوْلُهُ وَنَحْوُهُمْ) أَيْ كَابْنِ أَخٍ مِنْ أُمٍّ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ الْخَصَّافِ) لِأَنَّهُ إذَا بَلَغَ ذَلِكَ أَمْكَنَهُ الْقِيَامُ بِمَصَالِحِ بَدَنِهِ حَتَّى لَوْ اهْتَدَى لِإِقَامَةِ مَصَالِحِ بَدَنِهِ قَبْلَ هَذِهِ يُعْتَبَرُ حَالُهُ ، وَلَا تُعْتَبَرُ الْمُدَّةُ . ا هـ . وَجِيزٌ (قَوْلُهُ وَهُوَ أَنْ يَتَطَهَّرَ بِالْمَاءِ إلَخْ) بِأَنْ يُطَهِّرَ وَجْهَهُ بِالْمَاءِ وَحْدَهُ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَمَامِ الطَّهَارَةِ) وَهُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ ظَاهِرِ مَا ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ ا هـ أَتْقَانِيُّ (قَوْلُهُ وَهِيَ قَالَتْ ابْنُ سِتٍّ) لَا يَحْلِفُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا ، وَلَكِنْ يُنْظَرُ فِي حَالِهِ . ا هـ . خان (قَوْلُهُ وَإِنْ اخْتَلَفَا) يَعْنِي إنْ اخْتَلَفَا فِي تَزْوِيجِهَا فَقَالَ الزَّوْجُ لِلْأُمِّ تَزَوَّجَتْ بِزَوْجٍ آخَرَ وَأَنْكَرَتْ . ا هـ . (قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا ، وَإِلَّا فَلَا) لِأَنَّهَا لَمْ تُقِرَّ لِأَحَدٍ بِحَقٍّ عَلَى نَفْسِهَا أَلَا تَرَى أَنَّ كُلَّ مَنْ ادَّعَى عَلَيْهَا النِّكَاحَ بِحُكْمِ هَذَا الْإِقْرَارِ لَا يَلْزَمُهَا ، وَإِنْ عَيَّنَتْ الزَّوْجَ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا حَتَّى يُقِرَّ بِذَلِكَ الرَّجُلُ . ا هـ . وَلْوَالِجِيٌّ ، وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَمَالُ فَإِنْ لَمْ تُعَيِّنْ الزَّوْجَ فَالْقَوْلُ لَهَا ، وَإِنْ عَيَّنَتْهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي دَعْوَى الطَّلَاقِ حَتَّى يُقِرَّ بِهِ الزَّوْجُ ا هـ

(3/48)


صَحِيحٌ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْحَاجَةِ إلَى الصِّيَانَةِ ، وَبِهِ يُفْتَى فِي زَمَانِنَا لِكَثْرَةِ الْفُسَّاقِ ، وَإِذَا بَلَغَتْ إحْدَى عَشْرَةَ سَنَةً فَقَدْ بَلَغَتْ حَدَّ الشَّهْوَةِ فِي قَوْلِهِمْ
وَقَدَّرَهُ أَبُو اللَّيْثِ بِتِسْعِ سِنِينَ ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَغَيْرُهُمَا أَحَقُّ بِهَا حَتَّى تَشْتَهِيَ) أَيْ غَيْرُ الْأُمِّ وَالْجَدَّةِ بِالْجَارِيَةِ حَتَّى تُشْتَهَى ، وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ حَتَّى تَسْتَغْنِيَ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْحَاجَةِ ؛ وَلِأَنَّ فِي التَّرْكِ عِنْدَ مَنْ يَحْضُنُهَا نَوْعَ اسْتِخْدَامٍ ، وَغَيْرُهُمَا لَا يَقْدِرُ عَلَى اسْتِخْدَامِهَا ، وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ التَّعْلِيمُ ، وَهُوَ يَحْصُلُ بِالِاسْتِخْدَامِ ، وَغَيْرُهُمَا لَا يَمْلِكُ الِاسْتِخْدَامَ ، وَلِهَذَا لَا يُؤَجِّرُهَا لِلْخِدْمَةِ فَلَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ بِخِلَافِ الْأُمِّ وَالْجَدَّةِ لِقُدْرَتِهِمَا عَلَى ذَلِكَ شَرْعًا فَيَحْصُلُ الْمَقْصُودُ ، وَفِي الْكَافِي إذَا خَلَعَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ ، وَلَهُ مِنْهَا بِنْتٌ إحْدَى عَشْرَةَ سَنَةً فَضَمَّتْهَا إلَيْهَا ، وَتَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهَا فِي كُلِّ سَاعَةٍ ، وَتَتْرُكُ الْبِنْتَ ضَائِعَةً فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا .

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا حَقَّ لِلْأَمَةِ وَأُمِّ الْوَلَدِ مَا لَمْ يَعْتِقَا) لِعَجْزِهِمَا عَنْ الْحَضَانَةِ بِالِاشْتِغَالِ بِخِدْمَةِ الْمَوْلَى ، وَلِأَنَّ حَقَّ الْحَضَانَةِ نَوْعُ وِلَايَةٍ ، وَلَا وِلَايَةَ لَهُمَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا فَلَا يَكُونُ لَهُمَا وِلَايَةٌ عَلَى غَيْرِهِمَا فَتَكُونُ الْحَضَانَةُ لِمَوْلَاهُ إنْ كَانَ الصَّغِيرُ فِي الرِّقِّ ، وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أُمِّهِ إذَا كَانَا فِي مِلْكِهِ عَلَى مَا نَذْكُرُ فِي الْبُيُوعِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ، وَإِنْ كَانَ حُرًّا فَالْحَضَانَةُ لِأَقْرِبَائِهِ الْأَحْرَارِ عَلَى مَا قَدَّمْنَا ، وَإِذَا عَتَقَا كَانَ لَهُمَا حَقُّ الْحَضَانَةِ فِي أَوْلَادِهِمَا الْأَحْرَارِ لِأَنَّهُمَا ، وَأَوْلَادُهُمَا أَحْرَارٌ أَوَانَ ثُبُوتِ الْحَقِّ ، وَالْمُدَبَّرَةُ كَالْقِنَّةِ لِوُجُودِ الرِّقِّ فِيهَا ، وَالْمُكَاتَبَةُ أَحَقُّ بِوَلَدِهَا الْمَوْلُودِ فِي الْكِتَابَةِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ دَاخِلًا فِي كِتَابَتِهَا تَبَعًا لَهَا بِخِلَافِ الْمَوْلُودِ قَبْلَ الْكِتَابَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالذِّمِّيَّةُ أَحَقُّ بِوَلَدِهَا الْمُسْلِمِ مَا لَمْ يَعْقِلْ دِينًا) لِأَنَّ الْحَضَانَةَ تَبْتَنِي عَلَى الشَّفَقَةِ ، وَهِيَ أَشْفَقُ عَلَيْهِ فَيَكُونُ الدَّفْعُ إلَيْهَا أَنْظَرَ لَهُ مَا لَمْ يَعْقِلْ الْأَدْيَانَ فَإِذَا عَقَلَ يُنْزَعُ مِنْهَا لِاحْتِمَالِ الضَّرَرِ ، وَلَا حَقَّ لِلْمُرْتَدَّةِ فِي الْحَضَانَةِ لِأَنَّهَا تُحْبَسُ وَتُضْرَبُ فَلَا تَتَفَرَّغُ لَهُ ، وَلَا فِي دَفْعِهِ إلَيْهَا نَظَرٌ لَهُ .

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا خِيَارَ لِلْوَلَدِ) عِنْدَنَا ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُخَيَّرُ ، وَعِنْدَ أَحْمَدَ إذَا بَلَغَ سَبْعَ سِنِينَ يُخَيَّرُ الْغُلَامُ ، وَتُسَلَّمُ الْجَارِيَةُ إلَى الْأَبِ مِنْ غَيْرِ تَخْيِيرٍ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ إنَّ زَوْجِي يُرِيدُ أَنْ يَذْهَبَ بِابْنِهِ ، وَقَدْ سَقَانِي مِنْ بِئْرِ أَبِي عُتْبَةَ ، وَقَدْ نَفَعَنِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَهِمَا عَلَيْهِ فَقَالَ زَوْجُهَا أَتُحَاقِّنِي فِي وَلَدِي فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - هَذَا أَبُوك ، وَهَذِهِ أُمُّك فَخُذْ بِيَدِ أَيِّهِمَا شِئْت فَأَخَذَ بِيَدِ أُمِّهِ فَانْطَلَقَتْ بِهِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ ، وَصَحَّحَهُ ، وَهَذَا نَصٌّ عَلَى التَّخْيِيرِ غَيْرَ أَنَّ أَحْمَدَ يَقُولُ هُوَ نَصٌّ فِي الْغُلَامِ ، وَلَا تُقَاسُ الْجَارِيَةُ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا تَحْتَاجُ إلَى الْحِفْظِ وَالتَّزْوِيجِ دُونَ الْغُلَامِ ، وَلَنَا أَنَّهُ صَغِيرٌ غَيْرُ رَشِيدٍ وَلَا عَارِفٍ بِمَصْلَحَتِهِ فَلَا يُعْتَمَدُ اخْتِيَارُهُ كَسَائِرِ تَصَرُّفَاتِهِ ، وَلِأَنَّهُ لِقُصُورِ عَقْلِهِ يَخْتَارُ مَنْ عِنْدَهُ الرَّاحَةُ وَالتَّخْلِيَةُ ، وَلَا يَتَحَقَّقُ النَّظَرُ فِيهِ
وَقَدْ صَحَّ أَنَّ الصَّحَابَةَ لَمْ يُخَيِّرُوا ، وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي الْحَدِيثِ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الْفِرَاقَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا كَانَتْ فِي صُحْبَتِهِ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهَا إنَّ زَوْجِي يُرِيدُ ، وَلَوْلَا أَنَّهَا فِي صُحْبَتِهِ لَمَا قَالَتْ ذَلِكَ ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَانَ بَالِغًا بَلْ هُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّهَا قَالَتْ ، وَقَدْ سَقَانِي مِنْ بِئْرِ أَبِي عُتْبَةُ ، وَاَلَّذِي يَسْقِي مِنْ الْبِئْرِ هُوَ الْبَالِغُ ظَاهِرًا أَوْ هُوَ حِكَايَةُ حَالٍ فَلَا يُمْكِنُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ ، وَلَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يُخَيَّرُ فِي السَّبْعِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ ذِكْرُ عُمُرِهِ أَوْ لِأَنَّهُ وُفِّقَ بِبَرَكَةِ دُعَائِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِاخْتِيَارِ الْأَنْظَرِ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ ، وَلِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَهُمَا أَوَّلًا بِالِاسْتِهَامِ ، وَهُوَ مَتْرُوكٌ إجْمَاعًا فَكَذَا التَّخْيِيرُ ، وَمِنْ الْعَجَبِ أَنَّهُمْ لَا يَعْتَبِرُونَ إيمَانَهُ ، وَهُوَ اخْتِيَارُهُ لِرَبِّهِ ، وَهُوَ نَفْعٌ لَهُ ثُمَّ يَعْتَبِرُونَ اخْتِيَارَهُ لِأَحَدِ الْأَبَوَيْنِ ، وَهُوَ ضَرَرٌ عَلَيْهِ ، وَهَذَا خُلْفٌ ، ثُمَّ الْغُلَامُ إذَا بَلَغَ رَشِيدًا فَلَهُ أَنْ يَنْفَرِدَ بِالسُّكْنَى ، وَلَيْسَ لِأَبِيهِ أَنْ يَضُمَّهُ إلَى نَفْسِهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُفْسِدًا مَخُوفًا عَلَيْهِ فَحِينَئِذٍ لَهُ أَنْ يَضُمَّهُ إلَى نَفْسِهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ اعْتِبَارًا لِنَفْسِهِ بِمَالِهِ
فَإِذَا بَلَغَ رَشِيدًا لَا يَبْقَى لِلْأَبِ يَدٌ فِي مَالِهِ فَكَذَا فِي نَفْسِهِ ، وَإِذَا بَلَغَ مُبَذِّرًا كَانَ لَهُ وِلَايَةُ حِفْظِ مَالِهِ فَكَذَا لَهُ أَنْ يَضُمَّهُ إلَى نَفْسِهِ إمَّا لِدَفْعِ الْفِتْنَةِ أَوْ لِدَفْعِ الْعَارِ عَنْ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ يُعَيَّرُ بِفَسَادِ ابْنِهِ ، وَأَمَّا الْجَارِيَةُ إذَا كَانَتْ بِكْرًا فَلِأَبِيهَا أَنْ يَضُمَّهَا إلَى نَفْسِهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ لِأَنَّهَا لَمْ تَخْتَبِرْ الرِّجَالَ ، وَلَمْ تَعْرِفْ حِيَلَهُمْ فَيُخَافُ عَلَيْهَا الْخِدَاعُ مِنْهُمْ ، وَأَمَّا الثَّيِّبُ فَإِنْ كَانَتْ مَأْمُونَةً لَا يُخَافُ عَلَيْهَا الْفِتَنَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَضُمَّهَا إلَى نَفْسِهِ لِأَنَّهَا اخْتَبَرَتْ الرِّجَالَ ، وَعَرَفَتْ كَيْدَهُمْ فَأُمِنَ عَلَيْهَا مِنْ الْخِدَاعِ ، وَقَدْ زَالَتْ وِلَايَتُهُ بِالْبُلُوغِ فَلَا حَاجَةَ إلَى ضَمِّهِ ، وَإِنْ كَانَتْ مَخُوفًا عَلَيْهَا فَلَهُ أَنْ يَضُمَّهَا إلَيْهِ لِمَا ذَكَرْنَا فِي حَقِّ الْغُلَامِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(قَوْلُهُ ، وَإِذَا بَلَغَتْ إحْدَى عَشْرَةَ سَنَةً فَقَدْ بَلَغَتْ حَدَّ الشَّهْوَةِ) قَالَ قَاضِي خَانْ لِلْأَبِ وِلَايَةُ أَخْذِ الْجَارِيَةِ إذَا بَلَغَتْ حَدَّ الشَّهْوَةِ ، وَالِاعْتِمَادُ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ لِفَسَادِ الزَّمَانِ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَقَدَّرَهُ أَبُو اللَّيْثِ بِتِسْعِ سِنِينَ) قَالَ فِي الْوَجِيزِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا بَلَغَتْ الْجَارِيَةُ حَدَّ الشَّهْوَةِ فَالْأَبُ أَحَقُّ بِهَا ، وَهِيَ لَا تُشْتَهَى حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعَ سِنِينَ ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى

(قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمَوْلُودِ قَبْلَ الْكِتَابَةِ) أَيْ فَإِنَّهُ لَا حَقَّ لَهَا فِيهِ . ا هـ .

(قَوْلُهُ بِئْرُ أَبِي عُتْبَةُ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَفَتْحِ مَا بَعْدَهَا كَذَا ضَبَطَهُ الشَّارِحُ ا هـ ، وَفِي شَرْحِ الْكَافِي بِئْرُ أَبِي عُتْبَةَ بِالْمُثَنَّاةِ فَوْقُ وَفِي الْأَحْكَامِ وَالسُّنَنِ بِئْرُ أَبِي عُتْبَةُ بِلَفْظِ الْحَبَّةِ مِنْ الْعِنَبِ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، وَهِيَ بِئْرٌ بِقُرْبِ الْمَدِينَةِ لَا يُمْكِنُ الصَّغِيرَ الِاسْتِقَاءُ مِنْهَا . ا هـ . مُغْرِبٌ ، وَقَوْلُهُ وَهِيَ بِئْرٌ بِقُرْبِ الْمَدِينَةِ إلَخْ هَذِهِ الْبِئْرُ الَّتِي عَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصْحَابَهُ عِنْدَهَا لَمَّا سَارَ إلَى بَدْرٍ . ا هـ . ابْنُ الْأَثِيرِ (قَوْلُهُ أَتُحَاقِّنِي فِي وَلَدِي) الْمُحَاقَقَةُ الْمُنَازَعَةُ . ا هـ . (قَوْلُهُ ثُمَّ الْغُلَامُ إذَا بَلَغَ رَشِيدًا فَلَهُ أَنْ يَنْفَرِدَ إلَخْ) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ إذَا بَلَغَ الصَّغِيرُ زَالَ وِلَايَةُ الْأَبِ عَنْهُ ، وَلَا حَقَّ لِلْأَبِ فِيهِ إنْ كَانَ مَأْمُونًا عَلَيْهِ ، وَإِنْ كَانَ مَخُوفًا عَلَيْهِ لَهُ أَنْ يَضُمَّهُ إلَى نَفْسِهِ لِمَا ذَكَرْنَا ، وَكَذَلِكَ الثَّيِّبُ الْبَالِغَةُ ، وَإِنْ اخْتَلَفَ الْأَبُ وَالثَّيِّبُ الْبَالِغَةُ يُسْأَلُ عَنْ حَالِهَا فَإِنْ كَانَ كَمَا يَقُولُ ضَمَّهَا إلَى نَفْسِهِ أَمَّا الْبِكْرُ فَلِأَبِيهَا أَنْ يَضُمَّهَا إلَى نَفْسِهِ لِأَنَّهَا سَرِيعَةُ الِانْخِدَاعِ ا هـ

(3/49)


وَالْجَدُّ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ فِيهِ
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَبٌ وَلَا جَدٌّ ، وَكَانَ لَهَا أَخٌ أَوْ عَمٌّ فَلَهُ أَنْ يَضُمَّهَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُفْسِدًا أَمَّا إذَا كَانَ مُفْسِدًا فَلَا يُمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ ، وَكَذَا الْحُكْمُ فِي كُلِّ عَصَبَةٍ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهَا ، وَكَذَلِكَ الْبِكْرُ إذَا طَعَنَتْ فِي السِّنِّ فَإِنْ كَانَ لَهَا عَقْلٌ وَرَأْيٌ ، وَيُؤْمَنُ عَلَيْهَا مِنْ الْفَسَادِ فَلَيْسَ لِغَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ أَنْ يَضُمَّهَا إلَيْهِ ، وَإِنْ خِيفَ عَلَيْهَا ذَلِكَ فَلِلْأَخِ وَالْعَمِّ وَنَحْوِهِمَا مِنْ الْعَصَبَاتِ أَنْ يَضُمَّهَا إلَيْهِ إذَا لَمْ يَكُنْ مُفْسِدًا ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَبٌ وَلَا جَدٌّ ، وَلَا غَيْرُهُمَا مِنْ الْعَصَبَةِ أَوْ كَانَ لَهَا عَصَبَةٌ مُفْسِدٌ فَلِلْقَاضِي أَنْ يَنْظُرَ فِي حَالِهَا فَإِنْ كَانَتْ مَأْمُونَةً خَلَّاهَا تَنْفَرِدُ بِالسُّكْنَى سَوَاءٌ كَانَتْ بِكْرًا أَوْ ثَيِّبًا ، وَإِلَّا وَضَعَهَا عِنْدَ امْرَأَةٍ أَمِينَةٍ ثِقَةٍ تَقْدِرُ عَلَى الْحِفْظِ لِأَنَّهُ جُعِلَ نَاظِرًا لِلْمُسْلِمِينَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا تُسَافِرُ مُطَلَّقَةٌ بِوَلَدِهَا) لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِالْوَلَدِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إلَّا إلَى وَطَنِهَا ، وَقَدْ نَكَحَهَا ثَمَّ) لِأَنَّهُ الْتَزَمَ الْمُقَامَ فِيهِ شَرْعًا ، وَعُرْفًا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ تَأَهَّلَ بِبَلْدَةٍ فَهُوَ مِنْهُمْ» ، وَلِهَذَا تَصِيرُ الْحَرْبِيَّةُ بِهِ ذِمِّيَّةً ، وَالْمُسَافِرُ مُقِيمًا عَلَى مَا ذَكَرَهُ خُوَاهَرْ زَادَهْ ، وَذَكَرَ فِي الْقُنْيَةِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُقِيمًا ، وَشَرَطَ فِي الْمُخْتَصَرِ لِجَوَازِ النَّقْلِ شَرْطَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ وَطَنًا لَهَا ، وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ التَّزَوُّجُ وَاقِعًا فِيهِ حَتَّى لَوْ وَقَعَ التَّزَوُّجُ فِي بَلَدٍ وَلَيْسَ بِوَطَنٍ لَهَا لَيْسَ لَهَا أَنْ تَنْقُلَهُ إلَيْهِ ، وَلَا إلَى وَطَنِهَا لِعَدَمِ الْأَمْرَيْنِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، وَهُوَ رِوَايَةُ كِتَابِ الطَّلَاقِ مِنْ الْأَصْلِ ، وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ لَهَا النَّقْلَ إلَى مَكَانِ الْعَقْدِ لِأَنَّ الْعَقْدَ مَتَى وَقَعَ فِي مَكَان يُوجِبُ أَحْكَامَهُ فِيهِ كَمَا يُوجِبُ الْبَيْعُ التَّسْلِيمَ فِي مَكَانِهِ
وَمِنْ جُمْلَتِهِ حَقُّ إمْسَاكِ الْأَوْلَادِ ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ التَّزَوُّجَ فِي دَارِ الْغُرْبَةِ لَيْسَ الْتِزَامًا لِلْمُقَامِ فِيهَا عُرْفًا فَلَا يَكُونُ لَهَا النَّقْلُ إلَيْهِ كَمَا لَا يَكُونُ لَهَا النَّقْلُ إلَى وَطَنِهَا إذَا لَمْ يَقَعْ التَّزَوُّجُ فِيهِ ، فَحَاصِلُهُ أَنَّهُ مَتَى وُجِدَ الْأَمْرَانِ فِي مَكَان وَاحِدٍ جَازَ لَهَا النَّقْلُ إلَيْهِ كَيْفَمَا كَانَ إلَّا أَنْ يَكُونَ دَارَ الْحَرْبِ فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَنْقُلَهُ إلَيْهَا لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِالْوَلَدِ الْمُسْلِمِ أَوْ الذِّمِّيِّ ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ اعْتَبَرَ مَوْضِعَ الْوِلَادَةِ لَا غَيْرُ حَتَّى كَانَ لَهَا النَّقْلُ إلَى مَوْضِعٍ وَلَدَتْهُ فِيهِ لَا إلَى غَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ وَطَنًا لَهَا وَوُجِدَ التَّزَوُّجُ فِيهِ رَوَاهَا عَنْهُ الطَّحَاوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هَذَا إذَا كَانَ بَيْنَ الْمَوْضِعَيْنِ تَفَاوُتٌ ، وَإِنْ تَقَارَبَا بِحَيْثُ يَتَمَكَّنُ مِنْ مُطَالَعَةِ وَلَدِهِ فِي يَوْمٍ ، وَيَرْجِعُ إلَى أَهْلِهِ فِيهِ قَبْلَ اللَّيْلِ جَازَ لَهَا النَّقْلُ إلَيْهِ مُطْلَقًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ وُقُوعُ التَّزَوُّجِ وَلَا الْوَطَنُ إلَّا إلَى قَرْيَةٍ مِنْ مِصْرٍ لِأَنَّ الِانْتِقَالَ إلَى قَرِيبٍ بِمَنْزِلَةِ الِانْتِقَالِ مِنْ مَحَلَّةٍ إلَى مَحَلَّةٍ فِي بَلْدَةٍ وَاحِدَةٍ غَيْرَ أَنَّ الِانْتِقَالَ مِنْ مِصْرٍ إلَى قَرْيَةٍ يَضُرُّ بِالْوَلَدِ لِكَوْنِهِ يَتَخَلَّقُ بِأَخْلَاقِ أَهْلِ الْقُرَى فَلَا تَمْلِكُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ تَكُونَ وَطَنَهَا
وَوَقَعَ الْعَقْدُ فِيهَا فِي الْأَصَحِّ لِمَا بَيَّنَّا ، وَهَذَا الْحُكْمُ فِي حَقِّ الْأُمِّ خَاصَّةً ، وَلَيْسَ لِغَيْرِهَا أَنْ تَنْقُلَهُ إلَّا بِإِذْنِ الْأَبِ حَتَّى الْجَدَّةِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .

(بَابُ النَّفَقَةِ)
وَهِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ النُّفُوقِ الَّذِي هُوَ الْهَلَاكُ يُقَالُ نَفَقَتْ الدَّابَّةُ تَنْفُقُ نُفُوقًا أَيْ مَاتَتْ ، وَنَفَقَتْ الدَّرَاهِمُ وَالزَّادُ تَنْفُقُ نُفُوقًا أَيْ نَفِدَتْ ، وَأَنْفَقَ الرَّجُلُ أَيْ افْتَقَرَ وَذَهَبَ مَالُهُ ، وَأَنْفَقَتْ الدَّرَاهِمُ مِنْ النَّفَقَةِ ، وَنَفَقَتْ السِّلْعَةُ نَفَاقًا بِالْفَتْحِ رَاجَتْ ، وَأَنْفَقَ الْقَوْمُ نَفَقَتْ سُوقُهُمْ فَكَانَ لِلْهَلَاكِ وَالرَّوَاجِ ، وَفِيهَا هَلَاكُ وَرَوَاجُ الْحَالِ فِي الْمَصَالِحِ ، وَنَفَقَةُ الْغَيْرِ تَجِبُ عَلَى الْغَيْرِ بِأَسْبَابٍ ثَلَاثَةٍ بِالْقَرَابَةِ وَالزَّوْجِيَّةِ وَالْمِلْكِ فَنَبْدَأُ بِنَفَقَةِ الزَّوْجَةِ لِأَنَّهَا أَنْسَبُ بِمَا تَقَدَّمَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (تَجِبُ النَّفَقَةُ لِلزَّوْجَةِ عَلَى زَوْجِهَا ، وَالْكِسْوَةُ بِقَدْرِ حَالِهِمَا) وَلَوْ مَانِعَةً نَفْسَهَا لِلْمَهْرِ ثَبَتَ ذَلِكَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَضَرْبٍ مِنْ الْمَعْقُولِ أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} [الطلاق : 7] وقَوْله تَعَالَى {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة : 233] ، وَأَمَّا السُّنَّةُ فَمَا رُوِيَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(قَوْلُهُ فَلَهُ أَنْ يَضُمَّهَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُفْسِدًا) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ الِابْنُ إذَا بَلَغَ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْأَبَوَيْنِ فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَنْفَرِدَ لَهُ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ فَاسِقًا يُخْشَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فَالْأَبُ أَوْلَى مِنْ الْأُمِّ ، وَلَهُ أَنْ يَضُمَّهُ مَعَهُ إلَى نَفْسِهِ لِأَنَّهُ أَقْدَرُ عَلَى صِيَانَتِهِ ، فَإِنْ كَانَتْ بِنْتًا فَأَرَادَ الْأَبُ أَنْ يَضُمَّهَا مَعَ نَفْسِهِ إنْ كَانَتْ مَأْمُونَةً لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِزَوَالِ وِلَايَتِهَا عَنْهُ ، وَالْأَخُ وَالْعَمُّ لَا يَكُونُ لَهُمَا وِلَايَةُ الضَّمِّ إلَى نَفْسِهِ إذَا كَانَتْ بِنْتًا غَيْرَ مَأْمُونَةٍ ، وَلِلْأَبِ ذَلِكَ ، وَالْفَرْقُ هُوَ أَنَّ الْأَبَ وَالْجَدَّ كَانَ لَهُمَا حَقُّ الْحَجْرِ فِي ابْتِدَاءِ حَالِهَا فَجَازَ لَهُمَا أَنْ يُعِيدَاهَا إلَى حَجْرِهِمَا إذَا لَمْ تَكُنْ مَأْمُونَةً ا هـ أَمَّا غَيْرُ الْأَبِ وَالْجَدِّ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا حَقُّ الْحَجْرِ فِي ابْتِدَاءِ حَالِهَا فَجَازَ لَهُمَا أَنْ يُعِيدَاهَا إلَى حَجْرِهِمَا أَيْضًا لَكِنْ يَتَرَافَعُونَ إلَى الْقَاضِي لِيُسْكِنَهَا بَيْنَ قَوْمٍ صَالِحِينَ لِأَنَّ لِلْقَاضِي وِلَايَةً عَلَى النَّاسِ ، وَلَوْ لَمْ يَتَرَافَعُوا رُبَّمَا تَرْتَكِبُ مَا يَلْحَقُهُمْ الضَّرَرُ بِذَلِكَ مِنْ الْعَارِ وَغَيْرِ ذَلِكَ . ا هـ . وَقَوْلُهُ وَالْأَخُ وَالْعَمُّ لَا يَكُونُ لَهُمَا وِلَايَةُ الضَّمِّ إلَى نَفْسِهِ مُخَالِفٌ لِمَا قَالَهُ الشَّارِحُ ، وَيَنْبَغِي الْعَمَلُ بِمَا قَالَهُ الشَّارِحُ سِيَّمَا فِي هَذَا الزَّمَانِ ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ ا هـ .
(قَوْلُهُ وَلَيْسَ لِغَيْرِهَا أَنْ تَنْقُلَهُ إلَّا بِإِذْنِ الْأَبِ إلَخْ) وَلَيْسَ لِأُمِّ الْوَلَدِ إذَا أَعْتَقَهَا أَنْ تُخْرِجَ الْوَلَدَ مِنْ الْمِصْرِ الَّذِي فِيهِ أَبُوهُ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْإِخْرَاجِ بِحُكْمِ الْعَقْدِ ، وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا عَقْدٌ . ا هـ . وَلْوَالِجِيٌّ

(بَابُ النَّفَقَةِ)
قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - النَّفَقَةُ مُشْتَقَّةٌ مِنْ النُّفُوقِ ، وَهُوَ الْهَلَاكُ نَفَقَتْ الدَّابَّةُ نُفُوقًا هَلَكَتْ أَوْ مِنْ النَّفَاقِ الرَّوَاجُ نَفَقَتْ السِّلْعَةُ نَفَاقًا رَاجَتْ ، وَذَكَرَ الزَّمَخْشَرِيّ أَنَّ كُلَّ مَا فَاؤُهُ نُونٌ وَعَيْنُهُ فَاءٌ يَدُلُّ عَلَى مَعْنَى الْخُرُوجِ وَالذَّهَابِ مِثْلُ نَفَقَ وَنَفَرَ وَنَفَخَ وَنَفِسَ وَنَفَى وَنَفَذَ ، وَفِي الشَّرْعِ الْإِدْرَارُ عَلَى الشَّيْءِ بِمَا بِهِ بَقَاؤُهُ . ا هـ . (قَوْلُهُ فَبَدَأَ بِنَفَقَةِ الزَّوْجَةِ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ فَنَبْدَأُ ا هـ قَالَ الْكَمَالُ فَبَدَأَ بِالزَّوْجَاتِ إذْ هِيَ الْأَصْلُ فِي ثُبُوتِ النَّفَقَةِ لِلْوَلَدِ لِأَنَّهُ فَرْعُهَا ثُمَّ بِالنَّسَبِ الْأَبْعَدِ . ا هـ . (قَوْلُهُ وقَوْله تَعَالَى {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة : 233] وَيَرْجِعُ الضَّمِيرُ إلَى الْوَالِدَاتِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُنَّ قِيلَ هُنَّ الزَّوْجَاتُ ، وَقِيلَ هُنَّ الْمُطَلَّقَاتُ ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الظَّاهِرُ . ا هـ . فَتْحٌ

(3/50)


«أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرَ فِي خُطْبَتِهِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَقَالَ اتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّهُنَّ عَوَانٍ عِنْدَكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَّهِ ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ ، وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فِرَاشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ ، وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد ،
وَعَنْ جَابِرٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِرَجُلٍ ابْدَأْ بِنَفْسِك فَتَصَدَّقْ عَلَيْهَا فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَلِأَهْلِك فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَلِذِي قَرَابَتِك» الْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ ، وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ فَلِأَنَّ الْأُمَّةَ أَجْمَعَتْ عَلَى أَنَّ النَّفَقَةَ وَالْكِسْوَةَ وَاجِبَتَانِ لِلزَّوْجَةِ عَلَى زَوْجِهَا ، وَأَمَّا الْمَعْقُولُ فَلِأَنَّ النَّفَقَةَ تَجِبُ جَزَاءَ الِاحْتِبَاسِ ، وَمَنْ كَانَ مَحْبُوسًا بِحَقِّ شَخْصٍ كَانَتْ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ لِعَدَمِ تَفَرُّغِهِ لِحَاجَةِ نَفْسِهِ أَصْلُهُ الْقَاضِي وَالْوَالِي وَالْعَامِلُ فِي الصَّدَقَاتِ وَالْمُفْتِي وَالْمُقَاتِلَةُ وَالْمُضَارِبُ إذَا سَافَرَ بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ ، وَالْوَصِيُّ ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ مُسْلِمَةً أَوْ كَافِرَةً لِإِطْلَاقِ النُّصُوصِ ، وَقَوْلُهُ بِقَدْرِ حَالِهِمَا يَعْنِي يُعْتَبَرُ حَالُهُمَا فِي النَّفَقَةِ حَتَّى إذَا كَانَا مُوسِرَيْنِ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْمُوسِرَاتِ ، وَإِنْ كَانَا مُعْسِرَيْنِ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْمُعْسِرَاتِ ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُوسِرًا ، وَالْآخَرُ مُعْسِرًا تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةٌ دُونَ نَفَقَةِ الْمُوسِرَاتِ ، وَفَوْقَ نَفَقَةِ الْمُعْسِرَاتِ ، وَهَذَا اخْتِيَارُ الْخَصَّافِ ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى
وَقَالَ الْكَرْخِيُّ يُعْتَبَرُ حَالُ الزَّوْجِ لَا غَيْرُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} [الطلاق : 7] وَقَالَ تَعَالَى {عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} [البقرة : 236] وَقَالَ تَعَالَى {وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا مَا آتَاهَا} [الطلاق : 7] وَمَنْ اعْتَبَرَ حَالَهُمَا فَقَدْ تَرَكَ الْعَمَلَ بِالْكِتَابِ بَيَانُهُ أَنَّ الزَّوْجَ إذَا كَانَ مُعَسِّرًا وَهِيَ مُوسِرَةٌ فَلَوْ أَوْجَبْنَا عَلَيْهِ فَوْقَ نَفَقَةِ الْمُعْسِرَاتِ لَكَانَ تَكْلِيفًا بِمَا لَمْ يُؤْتَ ، وَهُوَ مَنْفِيٌّ بِالنَّصِّ ، وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِهِنْدَ امْرَأَةِ أَبِي سُفْيَانَ «خُذِي مِنْ مَالِ أَبِي سُفْيَانَ مَا يَكْفِيك وَوَلَدَك بِالْمَعْرُوفِ» فَقَدْ اعْتَبَرَ حَالَهَا ، وَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ مَذْكُورٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ ، وَمَا تَلَاهُ يَقْتَضِي اعْتِبَارَ حَالِ الرَّجُلِ فَاعْتَبَرْنَا حَالَهُمَا عَمَلًا بِهِمَا ، وَنَحْنُ نَقُولُ فِيمَا إذَا كَانَ هُوَ فَقِيرًا وَهِيَ مُوسِرَةً يُسَلِّمُ لَهَا قَدْرَ نَفَقَةِ الْمُعْسِرَاتِ فِي الْحَالِ ، وَالزَّائِدُ يَبْقَى دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ فَلَا يَكُونُ تَكْلِيفًا بِمَا لَمْ يُؤْتَ ، وَكُلُّ جَوَابٍ عَرَفْته فِي فَصْلِ النَّفَقَةِ مِنْ اعْتِبَارِ حَالِ الزَّوْجِ أَوْ حَالِهَا فَهُوَ الْجَوَابُ فِي الْكِسْوَةِ إذْ الْمَعْنَى لَا يَخْتَلِفُ
وَقَدْ تَعَارَضَ فِيهِ نَصَّانِ أَيْضًا لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} [البقرة : 236] الْمُرَادُ بِهِ الْكِسْوَةُ ، وَحَدِيثُ هِنْدَ عَامٌّ فِيهِمَا فَقَدْ تَعَارَضَا فِيهَا فَعَمِلْنَا بِهِمَا بِاعْتِبَارِ حَالِهِمَا ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ بِالْمَعْرُوفِ الْوَسَطُ ، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ ، وَالْمُسْتَحَبُّ لِلزَّوْجِ الْمُوسِرِ وَهِيَ فَقِيرَةٌ أَنْ يَأْكُلَ مَعَهَا لِإِظْهَارِ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ ، وَحُسْنِ الْعِشْرَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ «وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجُهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ» قِيلَ هِيَ كَلِمَةُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ، وَقِيلَ هِيَ الْكَلِمَةُ الَّتِي يَنْعَقِدُ بِهَا النِّكَاحُ . ا هـ . شَرْحُ مُسْلِمٍ لِلْقُرْطُبِيِّ فِي بَابِ الْحَجِّ ا هـ
(قَوْلُهُ وَأَمَّا الْمَعْقُولُ فَلِأَنَّ النَّفَقَةَ تَجِبُ جَزَاءَ الِاحْتِبَاسِ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ ، وَكُلُّ مَنْ كَانَ مَحْبُوسًا بِحَقٍّ مَقْصُودٍ لِغَيْرِهِ قَالَ الْكَمَالُ أَيْ لِمَنْفَعَةٍ تَرْجِعُ إلَى غَيْرِهِ كَانَتْ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ فَخَرَجَ الرَّهْنُ فَإِنَّ نَفَقَتَهُ عَلَى الرَّاهِنِ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ حَبْسِهِ لَيْسَتْ مُتَمَحِّضَةً لِلْمُرْتَهِنِ بَلْ مُشْتَرَكَةٌ ، وَخَرَجَ الْمَنْكُوحَةُ نِكَاحًا فَاسِدًا حَتَّى لَوْ تَعَجَّلَتْ نَفَقَةَ شَهْرٍ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ فَاسِدٌ رَجَعَ عَلَيْهَا بِمَا أَخَذَتْ أَمَّا لَوْ أَنْفَقَ عَلَيْهَا بِلَا فَرْضِ الْقَاضِي فَلَا يَرْجِعُ ، وَفِي الْفَتَاوَى رَجُلٌ اُتُّهِمَ بِامْرَأَةٍ فَظَهَرَ بِهَا حَبَلٌ فَزُوِّجَتْ مِنْهُ فَإِنْ لَمْ يُقِرَّ بِأَنَّ الْحَمْلَ مِنْهُ كَانَ النِّكَاحُ فَاسِدًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ، وَعِنْدَهُمَا صَحِيحٌ فَتَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ ، وَذَكَرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ لَا تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ عِنْدَهُمَا أَيْضًا لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ عَنْ وَطْئِهَا
وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ مِنْهُ تَجِبُ النَّفَقَةُ بِالِاتِّفَاقِ لِصِحَّةِ النِّكَاحِ عِنْدَ الْكُلِّ ، وَحَلَّ وَطْؤُهَا ، وَتَقَدَّمَ أَصْلُهُ فِي الْمُحَرَّمَاتِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَالْمُقَاتِلَةُ) أَيْ إذَا قَامُوا بِدَفْعِ عَدُوِّ الْمُسْلِمِينَ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ مُسْلِمَةً أَوْ كَافِرَةً) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ النَّفَقَةُ وَاجِبَةٌ لِلزَّوْجَةِ عَلَى زَوْجِهَا مُسْلِمَةً كَانَتْ أَوْ كَافِرَةً إذَا سَلَّمَتْ نَفْسَهَا فِي مَنْزِلِهِ فَعَلَيْهِ نَفَقَتُهَا وَكِسْوَتُهَا وَسُكْنَاهَا . قَالَ الْكَمَالُ وَقَوْلُهُ إذَا سَلَّمَتْ نَفْسَهَا فِي مَنْزِلِهِ لَيْسَ شَرْطًا لَازِمًا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ بَلْ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ الصَّحِيحِ ، وَإِنْ لَمْ تَنْتَقِلْ إلَى مَنْزِلِ الزَّوْجِ إذَا لَمْ يَطْلُبْ الزَّوْجُ انْتِقَالَهَا فَإِنْ طَلَبَهُ فَامْتَنَعَتْ لِحَقٍّ لَهَا كَمَهْرِهَا لَا تَسْقُطُ أَيْضًا ، وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ حَقٍّ لَا نَفَقَةَ لَهَا لِنُشُوزِهَا ، وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ لَا نَفَقَةَ لَهَا حَتَّى تُزَفَّ إلَى مَنْزِلِ الزَّوْجِ ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ ، وَاخْتَارَهَا الْقُدُورِيُّ ، وَلَيْسَ الْفَتْوَى عَلَيْهِ
وَقَوْلُ الشَّيْخِ الْأَقْطَعِ أَبِي نَصْرٍ فِي شَرْحِهِ إنَّ تَسْلِيمَهَا نَفْسَهَا شَرْطٌ بِالْإِجْمَاعِ مَنْظُورٌ فِيهِ ثُمَّ قَدَّرَهُ عَلَى وَجْهٍ يَرْفَعُ الْخِلَافَ ، وَهُوَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْقُلْهَا إلَى بَيْتِهِ وَلَمْ تَمْتَنِعْ هِيَ تَجِبُ النَّفَقَةُ لِأَنَّهَا سَلَّمَتْ نَفْسَهَا ، وَلَكِنَّهُ رَضِيَ بِبُطْلَانِ حَقِّهِ حَيْثُ تَرَكَ النُّقْلَةَ فَلَا يَسْقُطُ حَقُّهَا . ا هـ . (قَوْلُهُ عَمَلًا بِهِمَا) أَيْ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَكُلُّ جَوَابٍ عَرَفْته فِي فَصْلِ النَّفَقَةِ مِنْ اعْتِبَارِ حَالِ الزَّوْجِ أَوْ حَالِهَا فَهُوَ الْجَوَابُ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ فِي الْعُسْرَةِ كَذَا فِي الْأَصْلِ ، وَأَشَارَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ إلَى أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهَا أَنَّهُ قَادِرٌ ، وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي الزِّيَادَاتِ ، وَمِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مَنْ قَالَ يُنْظَرُ إلَى زِيِّهِ إلَّا فِي الْعَلَوِيَّةِ وَالْفُقَهَاءِ ، وَإِذَا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلُهُ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ فَسَأَلَتْ الْقَاضِي أَنْ يَسْأَلَ عَنْ يَسَارِهِ فِي السِّرِّ فَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَى الْقَاضِي ، وَإِنْ فَعَلَهُ فَأَتَاهُ عَنْهُ أَنَّهُ مُوسِرٌ لَمْ تُفْرَضْ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْمُوسِرِ إلَّا أَنْ يُخْبِرَهُ بِذَلِكَ عَدْلَانِ أَنَّهُمَا عَلِمَا ذَلِكَ ، وَيَكُونَانِ بِمَنْزِلَةِ الشَّاهِدَيْنِ فَإِنْ أَخْبَرَاهُ مِنْ وَرَاءِ وَرَاءٍ لَمْ يُؤْخَذْ بِقَوْلِهِمَا ، فَإِنْ أَقَامَتْ الزَّوْجَةُ أَنَّهُ مُوسِرٌ فَأَقَامَ الزَّوْجُ أَنَّهُ مُحْتَاجٌ أَخَذَ بِبَيِّنَتِهَا وَفَرَضَ عَلَيْهِ نَفَقَةَ الْمُوسِرِ كَذَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ ا هـ
(قَوْلُهُ وَمَعْنَى قَوْلِهِ بِالْمَعْرُوفِ الْوَسَطُ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ ، وَهُوَ الْوَاجِبُ قَالَ الْكَمَالُ أَيْ الْوَسَطُ هُوَ الْوَاجِبُ بَعْدَ اعْتِبَارِ حَالِهِمَا ، وَقَدْ يُقَالُ لَا يَتَمَشَّى عَلَى جَمِيعِ أَقْسَامِ تَفْسِيرِ قَوْلِ الْخَصَّافِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَلْ فِي أَوَاسِطِ الْحَالِ ، وَفِي اخْتِلَافِهِمَا بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ فَإِنَّ الْوَاجِبَ فَوْقَ الْإِعْسَارِ ، وَدُونَ نَفَقَةِ الْيَسَارِ ، وَهُوَ وَسَطٌ فِي الْيَسَارِ ، وَأَمَّا فِي يَسَارِهِمَا فَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ تَجِبُ نَفَقَةٌ هِيَ وَسَطٌ فِي الْيَسَارِ ، وَأَمَّا فِي إعْسَارِهِمَا فَتَجِبُ نَفَقَةٌ وَسَطٌ فِي الْإِعْسَارِ ، وَهُوَ بَعِيدٌ

(3/51)


وَقَوْلُهُ (وَلَوْ مَانِعَةً نَفْسَهَا لِلْمَهْرِ) أَيْ النَّفَقَةُ وَاجِبَةٌ لَهَا ، وَإِنْ مَنَعَتْ نَفْسَهَا مِنْ التَّسْلِيمِ حَتَّى يُسَلِّمَ لَهَا الْمَهْرَ الْمُقَدَّمَ ، وَهُوَ الَّذِي تُعُورِفَ تَقْدِيمُهُ فِي كُلِّ بِلَادٍ وَزَمَانٍ لِأَنَّهُ مَنْعٌ بِحَقٍّ لِتَقْصِيرٍ مِنْ جِهَتِهِ فَلَا تَسْقُطُ النَّفَقَةُ بِهِ ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَعِنْدَهُمَا لَا إلَّا إذَا كَانَتْ دُونَ الْبُلُوغِ لِعَدَمِ صِحَّةِ تَسْلِيمِ الْأَبِ ، وَهَذَا لِأَنَّ النَّفَقَةَ ، وَإِنْ كَانَتْ جَزَاءَ الِاحْتِبَاسِ عِنْدَنَا لَكِنْ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا حَقِيقَةُ الِاحْتِبَاسِ بِأَنْ يَنْقُلَهَا إلَى بَيْتِهِ بَلْ الِاحْتِبَاسُ الْمُقَدَّرُ كَافٍ لِوُجُوبِهَا ، وَذَلِكَ يُوجَدُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ وَالتَّمْكِينِ مَا لَمْ يُوجَدْ مِنْهَا الِامْتِنَاعُ ظُلْمًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا نَاشِزَةً) أَيْ لَا تَجِبُ النَّفَقَةُ لِلنَّاشِزَةِ ، وَهِيَ الْخَارِجَةُ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ الْمَانِعَةُ نَفْسَهَا مِنْهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَتْ مَانِعَتَهُ فِي الْبَيْتِ وَلَمْ تُمَكِّنْهُ مِنْ الْوَطْءِ حَيْثُ لَا تَسْقُطُ النَّفَقَةُ بِهِ لِقِيَامِ الِاحْتِبَاسِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى وَطْئِهَا
وَكَذَا الْعَادَةُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْبِكْرَ لَا تُوطَأُ إلَّا كَرْهًا ، وَلَوْ كَانَا يَسْكُنَانِ فِي مِلْكِ الْمَرْأَةِ فَمَنَعَتْهُ مِنْ الدُّخُولِ عَلَيْهَا لَا نَفَقَةَ لِأَنَّهَا نَاشِزَةٌ إلَّا أَنْ تَكُونَ سَأَلَتْهُ النَّقْلَةَ لِأَنَّ الِاحْتِبَاسَ فَاتَ لِمَعْنًى مِنْهُ ، وَلَوْ كَانَ يَسْكُنُ فِي الْمَغْصُوبِ فَامْتَنَعَتْ مِنْهُ فَلَهَا النَّفَقَةُ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِنَاشِزَةٍ ، وَلَوْ عَادَتْ النَّاشِزَةُ إلَى مَنْزِلِ الزَّوْجِ وَجَبَتْ لَهَا النَّفَقَةُ لِزَوَالِ الْمَانِعِ .

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَصَغِيرَةٌ لَا تُوطَأُ) يَعْنِي لَا تَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ سَوَاءٌ كَانَتْ فِي مَنْزِلِهِ أَوْ لَمْ تَكُنْ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَهَا نَفَقَةٌ لِأَنَّهَا عِوَضٌ عَنْ الْمِلْكِ عِنْدَهُ كَمَا فِي الْمَمْلُوكَةِ مِلْكَ الْيَمِينِ ، وَكَوْنُهَا مُسْتَمْتَعًا بِهَا لَا تَأْثِيرَ أَلَا تَرَى أَنَّهَا تَجِبُ لِلْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَالْمَرِيضَةِ وَالرَّتْقَاءِ وَالْعَجُوزِ الَّتِي لَا يُجَامَعُ مِثْلُهَا ، وَلَنَا أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي إيجَابِ نَفَقَةِ الزَّوْجَاتِ احْتِبَاسُ مَنْ يَنْتَفِعُ بِهِ الزَّوْجُ انْتِفَاعًا مَقْصُودًا بِالنِّكَاحِ ، وَهُوَ الْجِمَاعُ أَوْ الدَّوَاعِي لَهُ وَالصَّغِيرَةُ الَّتِي لَا تَصْلُحُ لِلْجِمَاعِ لَا تَصْلُحُ لِلدَّوَاعِي أَيْضًا فَكَانَ فَوَاتُ مَنْفَعَةِ الِاحْتِبَاسِ لِمَعْنًى فِيهَا فَصَارَتْ كَالنَّاشِزَةِ بِخِلَافِ الْمُسْتَشْهَدِ بِهِ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي ذَكَرْت لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِهِنَّ حَاصِلٌ فِي الْجُمْلَةِ مِنْ حَيْثُ الدَّوَاعِي بِأَنْ يُجَامِعَهُنَّ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ أَوْ مِنْ حَيْثُ حِفْظُ الْبَيْتِ وَالْمُؤَانَسَةُ بِخِلَافِ الصَّغِيرَةِ ، وَلَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُهُ بِمِلْكِ الْيَمِينِ لِأَنَّ النَّفَقَةَ فِيهِ لِأَجْلِ الْمِلْكِ لَا لِأَجْلِ الِاحْتِبَاسِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِالْإِبَاقِ ، وَهَذِهِ تَسْقُطُ بِالنُّشُوزِ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إذَا كَانَتْ الصَّغِيرَةُ تَصْلُحُ لِلْخِدْمَةِ وَالِاسْتِئْنَاسِ فَنَقَلَهَا إلَى بَيْتِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا ، وَتَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ النَّفَقَةَ فَاعْتُبِرَ مَنْفَعَةُ الْخِدْمَةِ وَالِاسْتِئْنَاسِ ، وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الذَّخِيرَةِ فِي تَعْلِيلِ وُجُوبِ النَّفَقَةِ
وَقِيلَ إنَّ الصَّغِيرَةَ إذَا كَانَتْ مُشْتَهَاةً وَيُمْكِنُ جِمَاعُهَا فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ يَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ ، وَلَوْ كَانَتْ الصَّغِيرَةُ تَصْلُحُ لِلْجِمَاعِ تَجِبُ نَفَقَتُهَا عَلَى الزَّوْجِ بِالْإِجْمَاعِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ ، وَاخْتَلَفُوا فِي حَدِّهِ فَقِيلَ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ غَيْرُ مُقَدَّرٍ بِالسِّنِّ ، وَإِنَّمَا الْعِبْرَةُ لِلِاحْتِمَالِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى الْجِمَاعِ فَإِنَّ السَّمِينَةَ الضَّخْمَةَ تَحْتَمِلُ الْجِمَاعَ ، وَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةَ السِّنِّ ، وَإِذَا كَانَ الزَّوْجُ صَغِيرًا لَا يَقْدِرُ عَلَى الْجِمَاعِ ، وَهِيَ كَبِيرَةٌ تَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ فِي مَالِهِ لِأَنَّ الْعَجْزَ مِنْ قِبَلِهِ فَصَارَ كَالْمَجْبُوبِ وَالْعِنِّينِ ، وَإِنْ كَانَا صَغِيرَيْنِ لَا يَقْدِرَانِ عَلَى الْجِمَاعِ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا لِلْعَجْزِ مِنْ قِبَلِهَا فَصَارَ كَالْمَجْبُوبِ وَالْعِنِّينِ إذَا كَانَ تَحْتَهُ صَغِيرَةٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فَإِنَّهُ إذَا فُرِضَ أَنَّ إعْسَارَهُمَا غَايَةٌ فِي الْإِعْسَارِ فَإِنَّمَا تَجِبُ الْغَايَةُ فِيهِ لِأَنَّ اعْتِبَارَ حَالِهِ أَوْ حَالِهِمَا لَا يُوجِبُ غَيْرَ ذَلِكَ
وَالْوَجْهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَعْرُوفِ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خُذِي مِنْ مَالِهِ بِالْمَعْرُوفِ مَا يُقَابِلُ الْمُنْكَرَ فَيَسْتَقِيمُ فَإِنَّ الْمَعْرُوفَ فِي مُتَوَسِّطَةِ الْحَالِ أَنَّ كِفَايَتَهَا دُونَ كِفَايَةِ الْفَائِقَةِ فَيَجِبُ ذَلِكَ بِيَسَارِهِ ، وَعِنْدَ غَايَةِ إعْسَارِهَا وَإِعْسَارِهِ الْمَعْرُوفُ دُونَ التَّوَسُّطِ فِيهِ ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ عَلَى الْقَاضِي اعْتِبَارَ الْكِفَايَةِ بِالْمَعْرُوفِ فِيمَا فَرَضَ فِي كُلِّ وَقْتٍ ، وَبِاعْتِبَارِ الْحَالِ مِنْ الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ ، وَكَمَا يَفْرِضُ لَهَا قَدْرَ الْكِفَايَةِ مِنْ الطَّعَامِ كَذَلِكَ مِنْ الْإِدَامِ لِأَنَّ الْخُبْزَ لَا يُؤْكَلُ إلَّا مَأْدُومًا ا هـ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لَا نَاشِزَةً) قِيلَ لِشُرَيْحٍ هَلْ لِلنَّاشِزَةِ نَفَقَةٌ فَقَالَ نَعَمْ فَقِيلَ كَمْ فَقَالَ جِرَابٌ مِنْ تُرَابٍ مَعْنَاهُ لَا نَفَقَةَ لَهَا ا هـ أَتْقَانِيٌّ
(قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ يَسْكُنُ فِي الْمَغْصُوبِ فَامْتَنَعَتْ) قَالَ قَاضِي خَانْ إلَّا إذَا امْتَنَعَتْ لِيُحَوِّلَهَا إلَى مَنْزِلِهِ أَوْ يَكْتَرِيَ لَهَا مَنْزِلًا فَحِينَئِذٍ لَا تَكُونُ نَاشِزَةً ا هـ . وَفِي الْفَتَاوَى لِلنَّسَفِيِّ لَوْ كَانَ بِسَمَرْقَنْدَ ، وَهِيَ بِنَسَفَ فَبَعَثَ إلَيْهَا أَجْنَبِيًّا لِيَحْمِلَهَا إلَيْهِ فَأَبَتْ لِعَدَمِ الْمَحْرَمِ لَهَا النَّفَقَةُ . ا هـ . كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

(قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَهَا النَّفَقَةُ لِأَنَّهَا عِوَضٌ عَنْ الْمِلْكِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهَا وَجَبَتْ عِوَضًا لِأَنَّهَا لَا تَخْلُو إمَّا أَنْ تَكُونَ عِوَضًا عَنْ مِلْكِ الْبُضْعِ أَوْ عَنْ الِاسْتِمْتَاعِ ، وَلَا ثَالِثَ فَمَنْ ادَّعَى فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ فَلَا يَجُوزُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ مِلْكَ الْبُضْعِ وَقَعَ الْمَهْرُ عِوَضًا عَنْهُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ النَّفَقَةُ عِوَضًا عَنْهُ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِي الشَّرْعِ عِوَضَانِ عَنْ مُعَوَّضٍ وَاحِدٍ ، وَلَا يَجُوزُ الثَّانِي أَيْضًا لِأَنَّ الِاسْتِمْتَاعَ وَقَعَ تَصَرُّفًا فِيمَا مَلَكَهُ بِالْعَقْدِ فَلَا يَجِبُ شِرَاءُ جُزْءٍ غَيْرِ مَا أَوْجَبَهُ الْعَقْدُ كَمَا فِي اسْتِيفَاءِ الْمَنَافِعِ فِي الْإِجَارَةِ فَإِنْ قُلْت لَوْ لَمْ تَكُنْ عِوَضًا عَنْ الِاسْتِمْتَاعِ لَمْ تَسْقُطْ إذَا تَعَذَّرَ الِاسْتِمْتَاعُ ، وَاللَّازِمُ مُنْتَفٍ فَيَنْتَفِي الْمَلْزُومُ قُلْت لَا نُسَلِّمُ الْمُلَازَمَةَ لِأَنَّهَا تَجِبُ لِلْمَرِيضَةِ مَعَ تَعَذُّرِ الِاسْتِمْتَاعِ فَإِنْ قُلْت لَوْ كَانَتْ تَجِبُ عَلَى وَجْهِ الصِّلَةِ كَمَا قُلْتُمْ لَمْ يُحْبَسْ الزَّوْجُ لِأَجْلِهَا قُلْت الْمُلَازَمَةُ مَمْنُوعَةٌ لِانْتِقَاضِهَا بِنَفَقَةِ ذَوِي الْأَرْحَامِ لِأَنَّهَا عَلَى وَجْهِ الصِّلَةِ ، وَمَعَ هَذَا يُحْبَسُ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ إذَا امْتَنَعَ ا هـ
(قَوْلُهُ أَلَا تَرَى أَنَّهَا تَجِبُ لِلْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَالْمَرِيضَةِ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ إذَا مَرِضَتْ مَرَضًا لَا تُطِيقُ الْجِمَاعَ أَوْ كَبِرَتْ ، وَلَا تُطِيقُ الْجِمَاعَ أَوْ بِهَا رَتْقٌ يَمْنَعُ الْجِمَاعَ أَوْ قَرْنٌ يَمْنَعُ الْجِمَاعَ أَوْ أَصَابَهَا بَلَاءٌ يَمْنَعُ الْجِمَاعَ فَإِنَّ لَهَا النَّفَقَةَ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ غَيْرُ مُقَدَّرٍ بِالسِّنِّ) قَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى إذَا كَانَتْ الْمَنْكُوحَةُ فِي بَيْتِ الزَّوْجِ لَا تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ حَتَّى تَبْلُغَ مَبْلَغَ الْجِمَاعِ ، وَتَكَلَّمُوا فِي تَفْسِيرِ الْبُلُوغِ مَبْلَغَ الْجِمَاعِ قَالَ بَعْضُهُمْ إذَا كَانَتْ بِنْتَ تِسْعِ سِنِينَ بَلَغَتْ ، وَإِنْ كَانَتْ بِنْتَ الْخَمْسِ لَا ، وَفِي السَّبْعِ وَالسِّتِّ وَالثَّمَانِ إذَا كَانَتْ عَبْلَةً فَقَدْ بَلَغَتْ ، وَالْمُخْتَارُ أَنَّهَا مَا لَمْ تَبْلُغْ مَبْلَغَ الْجِمَاعِ هَكَذَا قَالَ أَبُو اللَّيْثِ فِي النَّوَازِلِ ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى انْتَهَى صُغْرَى فِي بَابِ النَّفَقَةِ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَا صَغِيرَيْنِ لَا يَقْدِرَانِ عَلَى الْجِمَاعِ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا) قَالَ الْكَمَالُ ، وَأَكْثَرُ مَا فِي الْبَابِ

(3/52)


قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَحْبُوسَةٌ بِدَيْنٍ وَمَغْصُوبَةٌ وَحَاجَّةٌ مَعَ غَيْرِ الزَّوْجِ وَمَرِيضَةٌ لَمْ تُزَفَّ) أَيْ لَا تَجِبُ لَهُنَّ النَّفَقَةُ أَمَّا الْمَحْبُوسَةُ فَلِأَنَّ الِامْتِنَاعَ جَاءَ مِنْ قِبَلِهَا ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهَا بِأَنْ كَانَتْ عَاجِزَةً فَلَيْسَ مِنْهُ ، وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّهَا إذَا حُبِسَتْ قَبْلَ النُّقْلَةِ فَإِنْ كَانَتْ تَقْدِرُ أَنْ تُخَلِّيَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ فِي الْحَبْسِ فَلَهَا النَّفَقَةُ ، وَإِنْ كَانَتْ لَا تَقْدِرُ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا
وَلَوْ حُبِسَتْ بَعْدَ النُّقْلَةِ لَمْ تَبْطُلْ نَفَقَتُهَا لِأَنَّ الْمَنْعَ يُعَارِضُ الزَّوَالَ ، وَهُوَ غَيْرُ مُضَافٍ إلَيْهَا فَلَا يُؤَثِّرُ فِي إسْقَاطِ حَقِّهَا كَالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ ، وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ لَا تَقْدِرُ عَلَى قَضَائِهِ أَمَّا إذَا كَانَتْ تَقْدِرُ فَلَمْ تَقْضِ حَتَّى حُبِسَتْ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي حَبَسَتْ نَفْسَهَا يُرْوَى هَذَا التَّفْصِيلُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ، وَالْمَذْكُورُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّهَا لَا تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ ، وَاسْتَشْهَدَ مُحَمَّدٌ عَلَى ذَلِكَ بِغَصْبِ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ مِنْ يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ حَيْثُ تَسْقُطُ عَنْهُ الْأُجْرَةُ لِفَوَاتِ الِانْتِفَاعِ لَا مِنْ جِهَتِهِ ، وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ ، وَإِذَا هَرَبَ الزَّوْجُ أَوْ حُبِسَ بِحَقٍّ أَوْ ظُلْمٍ فَلَهَا النَّفَقَةُ لِعَدَمِ الْمَانِعِ مِنْ جِهَتِهَا ، وَأَمَّا إذَا غَصَبَهَا غَاصِبٌ فَلِأَنَّهُ قَدْ فَاتَ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا لَا مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ فَلَا تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا تَسْتَحِقُّ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْمَحْبُوسَةِ ، وَأَمَّا إذَا حَجَّتْ مَعَ غَيْرِهِ فَلِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ فَوَاتَ الِاحْتِبَاسِ لَا مِنْ قِبَلِهِ يُوجِبُ سُقُوطَ النَّفَقَةِ ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَهَا النَّفَقَةُ إذَا حَجَّتْ بَعْدَ تَسْلِيمِ نَفْسِهَا لِأَنَّهَا مُضْطَرَّةٌ فِيهِ فَلَمْ تُفِتْ مِنْ جِهَتِهَا بِاخْتِيَارِهَا
وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الِاحْتِبَاسَ إذَا فَاتَ لَا مِنْ جِهَتِهَا لَا يُوجِبُ سُقُوطَ النَّفَقَةِ عِنْدَهُ ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةً عَلَى أَنَّ الْحَجَّ يَجِبُ عَلَى الْفَوْرِ عِنْدَهُ فَتَكُونُ مُضْطَرَّةً ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ عَلَى التَّرَاخِي فَلَا تَكُونُ مُضْطَرَّةً لَكِنْ يَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْحَضَرِ عِنْدَهُ دُونَ السَّفَرِ لِأَنَّهَا هِيَ الْوَاجِبَةُ عَلَيْهِ ، وَلَوْ كَانَ زَوْجُهَا مَعَهَا فِي السَّفَرِ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْإِقَامَةِ إجْمَاعًا ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْكِرَاءُ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى نَفَقَةِ الْإِقَامَةِ لَحِقَتْهَا بِإِزَاءِ مَنْفَعَةٍ تَحْصُلُ لَهَا فَلَا تَكُونُ عَلَيْهِ كَالْمُدَاوَاةِ فِي مَرَضِهَا ، وَأَمَّا الْمَرِيضَةُ قَبْلَ النُّقْلَةِ إلَى مَنْزِلَةِ الزَّوْجِ ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ ، وَمَرِيضَةٌ لَمْ تُزَفَّ فَلِعَدَمِ الِاحْتِبَاسِ لِأَجْلِ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا ، وَلَوْ سَلَّمَتْ نَفْسَهَا ، وَهِيَ مَرِيضَةٌ لَا تَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ ، وَلَوْ مَرِضَتْ بَعْدَ التَّسْلِيمِ تَجِبُ لَهَا رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ، وَالْقِيَاسُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ لِمَا ذَكَرْنَا ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ يَنْتَفِعُ بِهَا انْتِفَاعًا مَقْصُودًا بِالنِّكَاحِ ، وَهُوَ الْجِمَاعُ أَوْ دَوَاعِيهِ ، وَالِاسْتِئْنَاسُ بِهَا ، وَحِفْظُ الْبَيْتِ وَالْمَانِعُ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ فَصَارَ كَالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ ، وَلِأَنَّ النِّكَاحَ يُعْقَدُ لِلصُّحْبَةِ وَالْأُلْفَةِ ، وَلَيْسَ مِنْ الْأُلْفَةِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا ، وَيَرُدَّهَا إلَى أَهْلِهَا إذَا مَرِضَتْ ، وَقِيلَ إنْ أَمْكَنَ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا بِوَجْهٍ فَعَلَيْهِ نَفَقَتُهَا ، وَإِلَّا فَلَا كَالْعَبْدِ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ لِإِنْسَانٍ ، وَبِرَقَبَتِهِ لِآخَرَ ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُنْفِقُ عَلَيْهَا إلَّا إذَا تَطَاوَلَ بِهَا الْمَرَضُ .

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِخَادِمِهَا لَوْ مُوسِرًا) يَعْنِي يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ نَفَقَةُ خَادِمِهَا إذَا كَانَ مُوسِرًا يَعْنِي إذَا كَانَ لَهَا خَادِمٌ مُتَفَرِّغٌ لِخِدْمَتِهَا لَيْسَ لَهُ شُغْلٌ غَيْرُ خِدْمَتِهَا ، وَهُوَ مَمْلُوكٌ لَهَا لِأَنَّهَا لَا بُدَّ لَهَا مِنْ خَادِمٍ ، وَيُهَيِّئُ أَمْرَ بَيْتِهَا حَتَّى تَتَفَرَّغَ لِحَوَائِجِهِ فَكَمَا وَجَبَ عَلَيْهِ نَفَقَتُهَا يَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ خَادِمِهَا ، وَالْجَامِعُ أَنَّ نَفَقَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِمَنْفَعَةٍ تَعُودُ إلَيْهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْقَاضِيَ لَمَّا وَجَبَتْ نَفَقَتُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ تَجِبُ نَفَقَةُ خَادِمِهِ أَيْضًا لِمَا ذَكَرْنَا ، وَاخْتَلَفُوا فِي هَذَا الْخَادِمِ قِيلَ هِيَ جَارِيَةٌ مَمْلُوكَةٌ لَهَا ، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَمْلُوكَةٍ لَهَا لَا تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ لِلْخَادِمِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَالْقَاضِي إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ خَادِمٌ لَا يَسْتَحِقُّ نَفَقَةَ الْخَادِمِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أَنْ يُجْعَلَ الْمَنْعُ مِنْ قِبَلِهِ كَالْمَعْدُومِ فَالْمَنْعُ مِنْ جِهَتِهِ قَائِمٌ ، وَمَعَهُ لَا تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ ، وَعَنْ هَذَا قُلْنَا إذَا تَزَوَّجَ الْمَجْبُوبُ صَغِيرَةً لَا تَصْلُحُ لِلْجِمَاعِ لَا يُفْرَضُ لَهَا نَفَقَةٌ ، وَلَا يَخْفَى إمْكَانُ عَكْسِ هَذَا الْكَلَامِ فَيُقَالُ يُجْعَلُ الْمَنْعُ مِنْ جِهَتِهَا كَالْمَعْدُومِ فَتَحْتَاجُ ، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ النَّفَقَةَ لَا تَجِبُ إلَّا لِتَسْلِيمِهَا لِاسْتِيفَاءِ مَنَافِعِهَا الْمَقْصُودَةِ بِذَلِكَ التَّسْلِيمِ فَيَدُورُ وُجُوبُهَا مَعَهُ وُجُودًا وَعَدَمًا فَلَا تَجِبُ فِي الصَّغِيرَيْنِ ، وَتَجِبُ فِي الْكَبِيرَةِ تَحْتَ الصَّغِيرِ انْتَهَى

(قَوْلُهُ لِفَوَاتِ الِانْتِفَاعِ لَا مِنْ جِهَتِهِ) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ جِهَةِ الْأَجْرِ انْتَهَى فَتْحٌ . (قَوْلُهُ أَوْ حُبِسَ بِحَقٍّ) أَيْ بِحَقٍّ يَقْدِرُ عَلَى إيفَائِهِ أَوْ لَا يَقْدِرُ انْتَهَى فَتْحٌ (قَوْلُهُ أَوْ ظُلْمٍ) أَيْ وَكَذَلِكَ لَوْ ارْتَدَّ أَوْ أَسْلَمَتْ وَأَبَى هُوَ الْإِسْلَامَ أَوْ طَلَّقَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ ، وَكَذَا كُلُّ فُرْقَةٍ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِهَا بِحَقٍّ لَا تُسْقِطُ النَّفَقَةَ كَالْفُرْقَةِ بِخِيَارِ الْعِتْقِ وَالْبُلُوغِ وَعَدَمِ الْكَفَّارَةِ أَوْ بِسَبَبِ الْجَبِّ وَالْعُنَّةِ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ انْتَهَى فَتْحٌ (قَوْلُهُ لَكِنْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْحَضَرِ) بِأَنْ يَعْتَبِرَ مَا كَانَ قِيمَةَ الطَّعَامِ فِي الْحَضَرِ فَتَجِبُ دُونَ نَفَقَةِ السَّفَرِ انْتَهَى فَتْحٌ (قَوْلُهُ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْإِقَامَةِ) أَيْ لَا نَفَقَةُ السَّفَرِ انْتَهَى (قَوْلُهُ وَلَوْ سَلَّمَتْ نَفْسَهَا ، وَهِيَ مَرِيضَةٌ لَا تَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهَا إذَا سَلَّمَتْ نَفْسَهَا إلَيْهِ ثُمَّ مَرِضَتْ تَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ لِتَحَقُّقِ التَّسْلِيمِ ، وَلَوْ مَرِضَتْ ثُمَّ سَلَّمَتْ قَالُوا لَا تَجِبُ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ لَمْ يَصِحَّ هَذَا حَسَنٌ ، وَفِي لَفْظِ الْكِتَابِ إشَارَةٌ إلَيْهِ انْتَهَى قَالَ الْكَمَالُ قَوْلُهُ هَذَا حَسَنٌ ، وَفِي لَفْظِ الْكِتَابِ إشَارَةٌ إلَيْهِ ، وَهُوَ قَوْلُهُ إنْ مَرِضَتْ فِي مَنْزِلِ الزَّوْجِ ، وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ تَسْلِيمِ نَفْسِهَا صَحِيحَةً ثُمَّ طَرَأَ الْمَرَضُ لَا يَخْفَى أَنَّ إشَارَةَ الْكِتَابِ هَذِهِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى مَا اخْتَارَهُ مِنْ عَدَمِ وُجُوبِ النَّفَقَةِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فِي مَنْزِلِهِ عَلَى مَا قَدَّمَهُ مِنْ قَوْلِهِ النَّفَقَةُ وَاجِبَةٌ لِلزَّوْجَةِ عَلَى زَوْجِهَا إذَا سَلَّمَتْ نَفْسَهَا فِي مَنْزِلِهِ
وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ مُخْتَارُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ ، وَلَيْسَ الْفَتْوَى عَلَيْهِ بَلْ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ ، وَهُوَ الْأَصَحُّ تَعَلُّقُهَا بِالْعَقْدِ الصَّحِيحِ مَا لَمْ يَقَعْ نُشُوزٌ فَالْمُسْتَحْسَنُ لِهَذَا التَّفْصِيلِ هُمْ الْمُخْتَارُونَ لِتِلْكَ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ ، وَهَذِهِ فُرَيْعَتُهَا ، وَالْمُخْتَارُ وُجُوبُ النَّفَقَةِ لِتَحَقُّقِ الِاحْتِبَاسِ بِاسْتِيفَاءِ مَا هُوَ مِنْ مَقَاصِدِ النِّكَاحِ مِنْ الِاسْتِئْنَاسِ وَالِاسْتِمْتَاعِ بِالدَّوَاعِي ، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ قَالَ فِي الْأَصْلِ نَفَقَةُ الزَّوْجَةِ انْتَهَى

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلِخَادِمٍ) الْخَادِمُ وَاحِدُ الْخُدَّامِ غُلَامًا كَانَ أَوْ جَارِيَةً كَذَا فِي دِيوَانِ الْأَدَبِ انْتَهَى أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ إذَا كَانَ مُوسِرًا) وَالْيَسَارُ يُقَدَّرُ بِنِصَابِ حِرْمَانِ الصَّدَقَةِ لَا بِنِصَابِ

(3/53)


مِنْ بَيْتِ الْمَالِ ، وَهَذَا لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهَا نَفَقَةَ الْخَادِمِ بِاعْتِبَارِ مِلْكِ الْخَادِمِ فَإِذَا لَمْ يَمْلِكْ فَلَا يَسْتَحِقُّ كَالْغَازِي إذَا كَانَ رَاجِلًا لَا يَسْتَحِقُّ سَهْمَ الْفَارِسِ ، وَلَوْ جَاءَ بِخَادِمٍ يَخْدُمُهَا لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ إلَّا بِرِضَاهَا ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ مَنْ يَخْدُمُهَا ، وَهَذَا إذَا كَانَتْ حُرَّةً ، وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً فَلَا تَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ نَفَقَةَ الْخَادِمِ ، وَقِيلَ إذَا كَانَتْ مِنْ الْأَرْذَالِ لَا تَسْتَحِقُّ الْخَادِمَ وَإِنْ كَانَتْ حُرَّةً ، وَلَا يُفْرَضُ لِأَكْثَرَ مِنْ خَادِمٍ وَاحِدٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُفْرَضُ لِخَادِمَيْنِ أَحَدُهُمَا لِمَصَالِحِ دَاخِلِ الْبَيْتِ ، وَالْآخَرُ لِمَصَالِحِ خَارِجَهُ ، وَهُوَ نَظِيرُ الِاخْتِلَافِ فِي الْغَازِي إذَا كَانَ مَعَهُ أَكْثَرُ مِنْ فَرَسٍ وَاحِدٍ ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا كَانَتْ فَائِقَةً فِي الْغِنَى ، وَزُفَّتْ إلَيْهِ بِخَدَمٍ كَثِيرَةٍ اسْتَحَقَّتْ نَفَقَةَ الْجَمِيعِ ، وَلَهُمَا أَنَّ الْوَاحِدَ يَقُومُ بِالْأَمْرَيْنِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْآخَرِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْكِفَايَةِ ، وَإِنَّمَا هُوَ لِلزِّينَةِ ، وَوُجُوبُ النَّفَقَةِ بِاعْتِبَارِ الْكِفَايَةِ لَا بِاعْتِبَارِ الزِّينَةِ وَالتَّجَمُّلِ ، وَهُوَ لَوْ قَامَ بِخِدْمَتِهَا بِنَفْسِهِ كَانَ يَكْفِي ، وَلَمْ يَلْزَمْهُ نَفَقَةُ الْخَادِمِ فَكَذَا إذَا قَامَ الْوَاحِدُ مَقَامَ نَفْسِهِ ، وَيَلْزَمُهُ مِنْ نَفَقَةِ الْخَادِمِ أَدْنَى الْكِفَايَةِ ، وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ مُعْسِرًا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ خَادِمِهَا ، وَإِنْ كَانَ لَهَا خَادِمٌ فِيمَا رَوَاهُ الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ هُوَ يَقُولُ أَنَّهَا إذَا كَانَ لَهَا خَادِمٌ لَمْ تَكْتَفِ بِخِدْمَةِ نَفْسِهَا فَتَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ كَمَا لَوْ كَانَ مُوسِرًا ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّ الْمُعْسِرَةَ تَكْتَفِي بِخِدْمَةِ نَفْسِهَا ، وَاسْتِعْمَالُ الْخَادِمِ لِزِيَادَةِ التَّنَعُّمِ فَتُعْتَبَرُ فِي حَالَةِ الْيَسَارِ دُونَ الْإِعْسَارِ ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ إلَّا أَنْ تُقِيمَ الْمَرْأَةُ الْبَيِّنَةَ لِأَنَّهُ مُتَمَسِّكٌ بِالْأَصْلِ .

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يُفَرَّقُ بِعَجْزِهِ عَنْ النَّفَقَةِ ، وَتُؤْمَرُ بِالِاسْتِدَانَةِ عَلَيْهِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «ابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ فَقَالَ مَنْ أَعُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ امْرَأَتُك تَقُولُ أَطْعِمْنِي أَوْ فَارِقْنِي ، جَارِيَتُك تَقُولُ أَطْعِمْنِي وَاسْتَعْمِلْنِي ، وَوَلَدُك يَقُولُ إلَى مَنْ تَتْرُكُنِي» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ، وَمُسْلِمٌ ، وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الرَّجُلِ لَا يَجِدُ مَا يُنْفِقُ عَلَى امْرَأَتِهِ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا ، وَكَتَبَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ فِي رِجَالٍ غَابُوا عَنْ نِسَائِهِمْ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يُنْفِقُوا أَوْ يُطَلِّقُوا فَإِنْ طَلَّقُوا بَعَثُوا بَقِيَّةَ نَفَقَتِهِنَّ الْمَاضِيَةِ ، وَلِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ الْإِمْسَاكُ بِالْمَعْرُوفِ ، وَقَدْ فَاتَ ذَلِكَ بِالْعَجْزِ عَنْ النَّفَقَةِ فَتَعَيَّنَ التَّسْرِيحُ بِالْإِحْسَانِ فَصَارَ كَالْجَبِّ وَالْعُنَّةِ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ الْبَدَنَ لَا بَقَاءَ لَهُ بِدُونِ النَّفَقَةِ ، وَيَبْقَى بِدُونِ الْجِمَاعِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِالْإِنْفَاقِ عَلَى الْمَمْلُوكَةِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ ، وَبِبَيْعِهَا عِنْدَ الْعَجْزِ أَوْ الْإِبَاءِ ، وَلَا يُؤْمَرُ بِالْجِمَاعِ ، وَكَذَا مَنْفَعَةُ الْجِمَاعِ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا ، وَمَنْفَعَةُ النَّفَقَةِ تَخْتَصُّ بِهَا فَكَانَ فَوْقَهُ
وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة : 280] يَدْخُلُ تَحْتَهُ كُلُّ مُعْسِرٍ وقَوْله تَعَالَى {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} [الطلاق : 7] دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى النَّفَقَةِ لَا يُكَلَّفُ بِالْإِنْفَاقِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِنْفَاقُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ ، وَلِأَنَّ فِي التَّفْرِيقِ إبْطَالَ الْمِلْكِ عَلَى الزَّوْجِ ، وَفِي الْأَمْرِ بِالِاسْتِدَانَةِ تَأْخِيرَ حَقِّهَا ، وَهُوَ أَهْوَنُ مِنْ الْإِبْطَالِ فَكَانَ أَوْلَى ، وَلَا حُجَّةَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ لِأَنَّهُمْ قَالُوا لَهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وُجُوبِ الزَّكَاةِ كَذَا فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى وَغَيْرِهَا انْتَهَى أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَا يُفْرَضُ لِأَكْثَرَ مِنْ خَادِمٍ وَاحِدٍ) هَذَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْخِلَافَ ، وَكَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي مُخْتَصَرِهِ الْمَوْسُومُ بِالْكَافِي ، وَكَذَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ بِلَا خِلَافٍ حَيْثُ قَالَ فَإِنْ كَانَ لَهَا خَادِمٌ أَوْ خَدَمٌ فَرَضَ الْحَاكِمُ لِخَادِمٍ وَاحِدٍ لَا يَزِيدُ عَلَيْهِ فَعَنْ هَذَا قَالَ صَاحِبُ النَّافِعِ بِلَفْظِ عَنْ فَقَالَ
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُفْرَضُ نَفَقَةُ خَادِمَيْنِ ، وَلَكِنْ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يُفْرَضُ نَفَقَةُ خَادِمَيْنِ كَذَا قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْبَيْهَقِيُّ فِي الشَّامِلِ فِي قِسْمِ الْمَبْسُوطِ وَالْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ ، وَفِي التُّحْفَةِ ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرُوهُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ غَيْرُ الْمَشْهُورِ عَنْهُ لِأَنَّ الْمَشْهُورَ مِنْ قَوْلِهِ كَقَوْلِهِمَا ، وَبِهِ صَرَّحَ الطَّحَاوِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ ثُمَّ قَالَ الطَّحَاوِيُّ فِيهِ ، وَرَوَى أَصْحَابُ الْإِمْلَاءِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ إنَّ الْمَرْأَةَ إنْ كَانَتْ مِمَّنْ يَجِلُّ مِقْدَارُهَا عَنْ خِدْمَةِ خَادِمٍ وَاحِدٍ أَنْفَقَ عَلَى مَنْ لَا بُدَّ لَهَا مِنْهُ مِنْ الْخَدَمِ مِمَّنْ هُوَ أَكْثَرُ مِنْ الْخَادِمِ الْوَاحِدِ أَوْ الِاثْنَيْنِ أَوْ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ قَالَ ، وَبِهِ نَأْخُذُ ا هـ أَتْقَانِيُّ
(قَوْلُهُ وَزُفَّتْ إلَيْهِ بِخَدَمٍ كَثِيرَةٍ اسْتَحَقَّتْ نَفَقَةَ الْجَمِيعِ) لِأَنَّ هَذَا مِنْ الْمَعْرُوفِ لِمِثْلِهَا ، وَهُوَ الْوَاجِبُ فِي النَّفَقَةِ بِالنَّصِّ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ

(قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا لِمَا رُوِيَ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ التَّفْرِيقَ بِالْعَجْزِ عَنْ الْإِنْفَاقِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فَسْخٌ لَا طَلَاقٌ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمَبْسُوطِ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْعَجْزَ عَنْ الْإِنْفَاقِ لَا يُوجِبُ التَّفْرِيقَ عِنْدَنَا ، وَلَكِنْ مَعَ هَذَا إذَا فَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا هَلْ يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ أَمْ لَا قَالَ الْإِمَامُ أَبُو حَفْصٍ مُحَمَّدُ بْنُ مَحْمُودٍ الْأُسْرُوشَنِيُّ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي فِي الْقَضَاءِ فِي الْمُجْتَهَدَاتِ مِنْ كِتَابِ الْفُصُولِ ، وَإِذَا ثَبَتَ الْعَجْزُ بِشَهَادَةِ الشُّهُودِ فَإِنْ كَانَ الْقَاضِي شَافِعِيَّ الْمَذْهَبِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا نَفَذَ قَضَاؤُهُ بِالتَّفْرِيقِ ، وَإِنْ كَانَ حَنَفِيًّا لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَقْضِيَ بِخِلَافِ مَذْهَبِهِ إلَّا إذَا كَانَ مُجْتَهِدًا وَوَقَعَ اجْتِهَادُهُ عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ قَضَى مُخَالِفًا لِرَأْيِهِ مِنْ غَيْرِ اجْتِهَادٍ
فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي جَوَازِ قَضَائِهِ رِوَايَتَانِ ، وَلَوْ لَمْ يَقْضِ وَلَكِنْ أَجَّرَ شَافِعِيَّ الْمَذْهَبِ لِيَقْضِيَ بَيْنَهُمَا فِي هَذِهِ الْحَادِثَةِ فَقَضَى بِالتَّفْرِيقِ نَفَذَ إذَا لَمْ يَرْتَشِ الْآمِرُ وَالْمَأْمُورُ ، فَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ غَائِبًا فَرُفِعَتْ الْمَرْأَةُ الْأَمْرُ لِلْقَاضِي ، وَأَقَامَتْ الْبَيِّنَةَ أَنَّ زَوْجَهَا الْغَائِبَ عَاجِزٌ عَنْ النَّفَقَةِ وَطَلَبَتْ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَإِنْ كَانَ الْقَاضِي حَنَفِيًّا فَقَدْ ذَكَرْنَا ، وَإِنْ كَانَ شَافِعِيًّا فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَقَالَ مَشَايِخُ سَمَرْقَنْدَ جَازَ تَفْرِيقُهُ لِأَنَّهُ قَضَى فِي فَصْلَيْنِ مُجْتَهَدٍ فِيهِمَا التَّفْرِيقُ بِسَبَبِ الْعَجْزِ عَنْ النَّفَقَةِ وَالْقَضَاءُ عَلَى الْغَائِبِ ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُجْتَهَدٌ فِيهِ ، وَقَالَ الْقَاضِي ظَهِيرُ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيُّ لَا يَصِحُّ هَذَا التَّفْرِيقُ لِأَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ إنَّمَا يَجُوزُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ
وَيَنْفُذُ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا ثَبَتَ الْمَشْهُودُ بِهِ ، وَهُنَا لَمْ يَثْبُتْ الْمَشْهُودُ بِهِ عِنْدَ الْقَاضِي ، وَهُوَ الْعَجْزُ لِأَنَّ الْمَالَ غَادٍ وَرَائِحٌ ، وَمِنْ الْجَائِزِ أَنَّ الْغَائِبَ صَارَ غَنِيًّا ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ الشَّاهِدُ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْمَسَافَةِ ، وَكَانَ الشَّاهِدُ مُجَازِفًا فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ . ا هـ . وَقَالَ صَاحِبُ الذَّخِيرَةِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ قَضَاؤُهُ لِأَنَّ الْعَجْزَ لَا يُعْرَفُ حَالَ الْغَيْبَةِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ قَادِرًا فَيَكُونُ هَذَا تَرَكَ الْإِنْفَاقَ

(3/54)


سَمِعْت هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَا هَذَا مِنْ كَيْسِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ كَذَلِكَ عَنْهُ فِي صَحِيحِهِ ، وَلِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إلَّا حِكَايَةُ قَوْلِ الْمَرْأَةِ أَطْعِمْنِي أَوْ فَارِقْنِي ، وَلَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْفِرَاقَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ إذَا طَلَبَتْ ذَلِكَ ، وَكَذَا الْحَدِيثُ الثَّانِي لَا يُلْزِمُ الْحُجَّةَ لِأَنَّ فِي طَرِيقِهِ عَبْدَ الْبَاقِي بْنِ قَانِعٍ ، وَقَالَ الْبَرْقَانِيُّ فِي حَدِيثِهِ نَكِرَةٌ ، وَقَالَ أَيْضًا هُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَنَا ، وَضَعَّفَهُ غَيْرُهُ ، وَلَا يُمْكِنُ الِاحْتِجَاجُ بِكِتَابِ عُمَرَ أَيْضًا لِأَنَّ مَذْهَبَهُ إسْقَاطُ طَلَبِهَا مِنْ الْمُعْسِرِ ذَكَرَهُ ابْنُ حَزْمٍ ، وَقَالَ صَحَّ ذَلِكَ عَنْهُ ، وَكِتَابُهُ أَيْضًا كَانَ إلَى الْقَادِرِينَ عَلَى النَّفَقَةِ ، وَلِهَذَا أَمَرَهُمْ أَنْ يُوَفُّوا بِالْبَقِيَّةِ مِنْ النَّفَقَةِ الْمَاضِيَةِ ، وَلَا يُمْكِنُ قِيَاسُهَا عَلَى الْجَبِّ وَالْعُنَّةِ لِأَنَّهُمَا يَفُوتُ بِهِمَا الْمَقْصُودُ بِالنِّكَاحِ ، وَهُوَ التَّوَالُدُ وَالْمَالُ تَابِعٌ فَلَا يَلْحَقُ بِمَا هُوَ أَصْلٌ ، وَلِأَنَّهَا لَا تَفُوتُ بَلْ تَتَأَخَّرُ ، وَتَبْقَى دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ فَيُمْكِنُ تَدَارُكُهَا فِي الْآخِرَةِ فَلَا تَكُونُ مُعَارِضَةً لِإِبْطَالِ حَقِّهِ مِنْ الْمِلْكِ
وَفِي الْجَبِّ وَالْعُنَّةِ لَا يُمْكِنُ ذَلِكَ فَتَعَارَضَ الْحَقَّانِ فَتَرَجَّحَ حَقُّهَا لِأَنَّهُ أَصْدَقُ مِنْ حَقِّهِ إذْ لَا حَاجَةَ لَهُ إلَيْهَا فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْمَقْصُودِ بِالنِّكَاحِ ، وَبِهَذَا يُجَابُ عَنْ نَفَقَةِ الْأَمَةِ إذْ لَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهَا لِأَنَّ الْمَمْلُوكَ لَا يَكُونُ لَهُ دَيْنٌ عَلَى سَيِّدِهِ فَتَعَيَّنَ الْبَيْعُ ، وَلِأَنَّ سُقُوطَ حَقِّهِ فِي الرَّقَبَةِ إلَى بَدَلٍ وَهُوَ الثَّمَنُ ، وَسُقُوطَ حَقِّ الْعَبْدِ فِي النَّفَقَةِ لَا إلَى بَدَلٍ فَكَانَ الْبَيْعُ أَهْوَنَ لِأَنَّهُ كَلَا فَائِتٍ حَتَّى لَوْ كَانَتْ الْأَمَةُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ لَا يُعْتِقَهَا الْقَاضِي عَلَيْهِ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّهِ بِلَا عِوَضٍ ، وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ الْإِمْسَاكَ بِالْمَعْرُوفِ لَمْ يَفُتْ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مُخَاطَبٌ بِمَا عِنْدَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} [البقرة : 236] وَلَيْسَ لَهُ قُدْرَةٌ إلَّا عَلَى الِالْتِزَامِ فِي الذِّمَّةِ فَيَجِبُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ إلَى الْمَيْسَرَةِ بِالنَّصِّ ، وَلِهَذَا وَجَبَ الْمَصِيرُ إلَيْهِ فِي حَقِّ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ الْمُجْتَمَعَةُ عَنْ الْمَاضِي ، وَفَائِدَةُ الْأَمْرِ بِالِاسْتِدَانَةِ مَعَ فَرْضِ الْقَاضِي النَّفَقَةَ أَنْ يُمْكِنَهَا إحَالَةُ الْغَرِيمِ عَلَى الزَّوْجِ فَيُطَالِبَهُ بِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ حَيْثُ تُطَالِبُ هِيَ ثُمَّ تَرْجِعُ بِهِ عَلَى الزَّوْجِ ، وَلَا تُحِيلُ عَلَيْهِ الْغَرِيمَ لِعَدَمِ وِلَايَتِهَا عَلَيْهِ ، وَذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّ تَفْسِيرَ الِاسْتِدَانَةِ هُوَ الشِّرَاءُ بِالنَّسِيئَةِ لِتَقْضِيَ الثَّمَنَ مِنْ مَالِ الزَّوْجِ ، وَفِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ الْمَرْأَةُ الْمُعْسِرَةُ إذَا كَانَ زَوْجُهَا مُعْسِرًا ، وَلَهَا ابْنٌ مِنْ غَيْرِهِ مُوسِرٌ أَوْ أَخٌ مُوسِرٌ فَنَفَقَتُهَا عَلَى زَوْجِهَا
وَيُؤْمَرُ الِابْنُ أَوْ الْأَخُ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا ، وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الزَّوْجِ إذَا أَيْسَرَ ، وَيُحْبَسُ الِابْنُ أَوْ الْأَخُ إذَا امْتَنَعَ لِأَنَّ هَذَا مِنْ الْمَعْرُوفِ فَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ الِاسْتِدَانَةَ لِنَفَقَتِهَا إذَا كَانَ الزَّوْجُ مُعْسِرًا ، وَهِيَ مُعْسِرَةً تَجِبُ عَلَى كُلِّ مَنْ كَانَتْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهَا لَوْلَا الزَّوْجُ ، وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ لِلْمُعْسِرِ أَوْلَادٌ صِغَارٌ ، وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى إنْفَاقِهِمْ تَجِبُ نَفَقَتُهُمْ عَلَى مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ لَوْلَا الْأَبُ كَالْأُمِّ وَالْأَخِ وَالْعَمِّ ثُمَّ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْأَبِ إذَا أَيْسَرَ بِخِلَافِ نَفَقَةِ أَوْلَادِهِ الْكِبَارِ حَيْثُ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بَعْدَ الْيَسَارِ لِأَنَّهَا لَا تَجِبُ مَعَ الْإِعْسَارِ فَكَانَ كَالْمَيِّتِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَمَّمَ نَفَقَةَ الْيَسَارِ بِطُرُوِّهِ ، وَإِنْ قَضَى بِنَفَقَةِ الْإِعْسَارِ) يَعْنِي إذَا كَانَ يُنْفِقُ عَلَيْهَا نَفَقَةَ الْمُعْسِرِ لِإِعْسَارِهِ ثُمَّ أَيْسَرَ تَمَّمَ لَهَا نَفَقَةُ الْمُوسِرِينَ بِطُرُوِّ الْيَسَارِ أَيْ بِحُدُوثِهِ وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ بِالْقَضَاءِ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِهِ لِعُذْرِ الْإِعْسَارِ فَإِنْ زَالَ الْعُذْرُ بَطَلَ ذَلِكَ كَالْمُكَفِّرِ بِالصَّوْمِ إذَا وَجَدَ رَقَبَةً بَطَلَ صَوْمُهُ ، وَتَقَدُّمُ الْفَرْضِ لَا يَمْنَعُ الْإِتْمَامَ بَعْدَهُ لِأَنَّهُ تَقْدِيرٌ لِنَفَقَةٍ لَمْ تَجِبْ ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَسْتَقِيمُ عَلَى قَوْلِ الْكَرْخِيِّ حَيْثُ اعْتَبَرَ حَالَ الرَّجُلِ فَقَطْ ، وَلَمْ يَعْتَبِرْ حَالَ الْمَرْأَةِ أَصْلًا ، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ
وَلَا يَسْتَقِيمُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ مِنْ اعْتِبَارِ حَالِهِمَا عَلَى مَا عَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ فَيَكُونُ فِيهِ نَوْعُ تَنَاقُضٍ مِنْ الشَّيْخِ لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ هُوَ قَوْلُ الْخَصَّافِ ثُمَّ بَنَى الْحُكْمَ عَلَى قَوْلِ الْكَرْخِيِّ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا تَجِبُ نَفَقَةٌ مَضَتْ إلَّا بِالْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا) أَيْ إذَا مَضَتْ مُدَّةٌ ، وَلَمْ يُنْفِقْ عَلَيْهَا الزَّوْجُ فَلَا شَيْءَ لَهَا مِنْ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْقَاضِي فَرَضَ لَهَا النَّفَقَةَ أَوْ صَالَحَتْ الزَّوْجَ عَلَى مِقْدَارٍ مِنْهَا فَيَقْضِي لَهَا بِنَفَقَةِ مَا مَضَى لِأَنَّ النَّفَقَةَ صِلَةٌ فَلَا تُمْلَكُ إلَّا بِالْقَبْضِ كَرِزْقِ الْقَاضِي ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَصِيرُ دَيْنًا بِلَا قَضَاءٍ وَلَا رِضًا لِأَنَّهَا عِوَضٌ عَنْ الْمِلْكِ كَالْمَهْرِ قُلْنَا لَوْ كَانَ عِوَضًا عَنْ الْمِلْكِ لَوَجَبَ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَالْمَهْرِ ، وَثَمَنِ الْمَبِيعِ ، وَلِأَنَّهُ مَضْمُونٌ بِالْمَهْرِ فَلَا يَكُونُ مَضْمُونًا بِغَيْرِهِ كَيْ لَا يَقَعَ الْعِوَضَانِ عَلَى مُعَوَّضٍ وَاحِدٍ ، وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عِوَضًا لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ عِوَضًا عَنْ الْمِلْكِ أَوْ عَنْ الِاسْتِمْتَاعِ بِهِ ، وَالْأَوَّلُ مُنْتَفٍ لِمَا ذَكَرْنَا ، وَكَذَا الثَّانِي لِأَنَّ الِاسْتِمْتَاعَ تَصَرُّفٌ فِي الْمَمْلُوكِ فَلَا يَسْتَحِقُّ عِوَضًا ، وَلَكِنْ لَمَّا وَقَعَ الِاحْتِبَاسُ لِأَجْلِهِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ ، وَصِيَانَةِ مَائِهِ أُوجِبَتْ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لَا لِعَجْزٍ عَنْ الْإِنْفَاقِ فَإِنْ رُفِعَ هَذَا الْقَضَاءُ إلَى قَاضٍ آخَرَ جَازَ قَضَاؤُهُ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الزَّوْجِ إذَا أَيْسَرَ وَيُحْبَسُ) وَفِي الْبَدَائِعِ يُضْرَبُ وَلَا يُحْبَسُ . ا هـ . (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ تَقْدِيرٌ لِنَفَقَةٍ لَمْ تَجِبْ) لِأَنَّ النَّفَقَةَ تَجِبُ شَيْئًا فَشَيْئًا فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَلَا يَتَقَدَّرُ حُكْمُ الْقَاضِي فِيهَا بِخُصُوصِ مِقْدَارٍ ، وَلِأَنَّهُ كَانَ بِشَرْطِ الْإِعْسَارِ ، وَعَلَى تَقْدِيرِهِ قَدْ زَالَ فَتَزُولُ بِزَوَالِهِ ا هـ فَتْحٌ
(قَوْلُهُ فَيَكُونُ فِيهِ نَوْعُ تَنَاقُضٍ) رَدَّ هَذَا التَّنَاقُضَ الرَّازِيّ فِي شَرْحِهِ ، وَقَدْ نُقِلَتْ عِبَارَتُهُ عَلَى هَامِشِ الْمَتْنِ ا هـ .

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا تَجِبُ نَفَقَةٌ مَضَتْ إلَّا بِالْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا) قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة نَقْلًا عَنْ الْفَتَاوَى النَّسَفِيَّةِ وَلَوْ فَرَضَ الْقَاضِي نَفَقَةَ الْعِدَّةِ فَلَمْ تَأْخُذْ حَتَّى انْقَضَتْ الْعِدَّةُ هَلْ تَسْقُطُ النَّفَقَةُ كَمَا تَسْقُطُ بِالْمَوْتِ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا تَسْقُطُ ، وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ إذَا فَرَضَ الْقَاضِي لِلْمَرْأَةِ نَفَقَةَ الْعِدَّةِ فَلَمْ تَسْتَوْفِ حَتَّى مَاتَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ تَسْقُطُ ، وَكَذَا إذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا قَبْلَ الْقَبْضِ . ا هـ . (قَوْلُهُ إذَا مَضَتْ مُدَّةٌ ، وَلَمْ يُنْفِقْ عَلَيْهَا الزَّوْجُ فَلَا شَيْءَ لَهَا) يَعْنِي بِأَنْ غَابَ عَنْهَا زَوْجُهَا أَوْ كَانَ حَاضِرًا ، وَامْتَنَعَ . ا هـ . فَتْحٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّ النَّفَقَةَ صِلَةٌ فَلَا تُمْلَكُ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ وَالْحَاصِلُ أَنَّ نَفَقَتَهَا لَا تَثْبُتُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ إلَّا بِقَضَاءِ الْقَاضِي بِفَرْضٍ أَوْ بِاصْطِلَاحِهِمَا عَلَى مِقْدَارٍ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ ذَلِكَ الْمِقْدَارُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ إذَا لَمْ يُعْطِهَا ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ تَصِيرُ دَيْنًا عَلَيْهِ إلَّا إنْ كَانَتْ أَكَلَتْ مَعَهُ بَعْدَ الْفَرْضِ فَإِنَّهَا تَسْقُطُ بِالْمُضِيِّ عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ فِي الْأَصَحِّ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَصِيرُ دَيْنًا بِلَا قَضَاءٍ وَلَا رِضًا) وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ ا هـ ع

(3/55)


كَرِزْقِ الْقَاضِي لَمَّا كَانَ مَشْغُولًا بِحُقُوقِهِمْ وَجَبَ لَهُ النَّفَقَةُ مِنْ بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ أَلَا تَرَى أَنَّ الِاسْتِيفَاءَ أَمْرٌ زَائِدٌ عَلَى مَا وَرَدَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ ، وَكَذَا الِاحْتِبَاسُ فَيَجِبُ بِمُقَابَلَتِهِ جَزَاؤُهُ صِلَةً ، وَالصِّلَاتُ لَا تُمْلَكُ إلَّا بِالْقَبْضِ كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ ، وَلِأَنَّ فِيهِ حَقَّيْنِ حَقَّ الزَّوْجِ وَحَقَّ الشَّرْعِ فَمِنْ حَيْثُ الِاسْتِمْتَاعُ وَقَضَاءُ الشَّهْوَةِ وَإِصْلَاحُ الْمَعِيشَةِ حَقُّ الزَّوْجِ ، وَمِنْ حَيْثُ تَحْصِيلُ الْوَلَدِ وَصِيَانَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ الزِّنَا حَقُّ الشَّرْعِ فَبِاعْتِبَارِ حَقِّهِ عِوَضٌ ، وَبِاعْتِبَارِ حَقِّ الشَّرْعِ صِلَةٌ فَإِذَا تَرَدَّدَ بَيْنَهُمَا فَلَا يَسْتَحْكِمُ إلَّا بِحُكْمِ الْقَاضِي أَوْ بِاصْطِلَاحِهِمَا لِأَنَّ وِلَايَتَهُمَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا فَوْقَ وِلَايَةِ الْقَاضِي عَلَيْهِمَا ، وَذَكَرَ فِي الْغَايَةِ أَنَّ نَفَقَةَ مَا دُونَ الشَّهْرِ لَا تَسْقُطُ ، وَعَزَاهُ إلَى الذَّخِيرَةِ فَكَأَنَّهُ جَعَلَ الْقَلِيلَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ إذْ لَوْ سَقَطَتْ بِمُضِيِّ يَسِيرٍ مِنْ الْمُدَّةِ لَمَا تَمَكَّنَتْ مِنْ الْأَخْذِ أَصْلًا .

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِمَوْتِ أَحَدِهِمَا تَسْقُطُ الْمَقْضِيَّةُ) أَيْ بِمَوْتِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ تَسْقُطُ النَّفَقَةُ الْمَقْضِيُّ بِهَا لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهَا صِلَةٌ ، وَالصِّلَاتُ تَسْقُطُ بِالْمَوْتِ كَالْهِبَةِ وَالدِّيَةِ وَالْجِزْيَةِ وَضَمَانِ الْعِتْقِ ، هَذَا إذَا لَمْ يَأْمُرْهَا بِالِاسْتِدَانَةِ ، وَإِنْ أَمَرَهَا الْقَاضِي بِالِاسْتِدَانَةِ لَمْ تَسْقُطْ بِالْمَوْتِ هُوَ الصَّحِيحُ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ ، وَهَذَا لِأَنَّ هَذِهِ النَّفَقَةَ لَهَا شَبَهَانِ شَبَهٌ بِالصِّلَةِ وَشَبَهٌ بِالدُّيُونِ فَإِنْ أَمَرَهَا بِالِاسْتِدَانَةِ لَا تَسْقُطُ كَسَائِرِ الدُّيُونِ ، وَإِنْ لَمْ يَأْمُرْهَا بِهَا سَقَطَتْ كَسَائِرِ الصِّلَاتِ عَمَلًا بِالدَّلِيلَيْنِ ، وَلِأَنَّ لِلْقَاضِي وِلَايَةً عَامَّةً فَاسْتِدَانَتُهَا بِأَمْرِ الْقَاضِي كَاسْتِدَانَةِ الزَّوْجِ ، وَمَا لَزِمَ بِاسْتِدَانَتِهِ لَا يَسْقُطُ بِالْمَوْتِ فَكَذَا بِاسْتِدَانَتِهَا بِأَمْرِ الْقَاضِي ، فَإِنْ قِيلَ أَنْتُمْ قُلْتُمْ فِيمَا تَقَدَّمَ اسْتَحْكَمَ هَذَا الدَّيْنُ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ فَلَا يَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ بَعْدَ ذَلِكَ فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ لَا تَسْقُطَ بِالْمَوْتِ أَيْضًا لِاسْتِحْكَامِهِ بِالْقَضَاءِ قُلْنَا إنَّ الْمَوْتَ يُبْطِلُ الْأَهْلِيَّةَ بِالْكُلِّيَّةِ حَتَّى لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْإِتْمَامُ بَعْدَ ذَلِكَ فَكَانَ أَقْوَى فِي إبْطَالِ الصِّلَةِ فَيَحْتَاجُ فِيهِ لِلِاسْتِحْكَامِ إلَى زِيَادَةِ تَأْكِيدٍ ، وَهُوَ الْأَمْرُ بِالِاسْتِدَانَةِ ، وَفِي حَالِ الْحَيَاةِ لَمْ تَبْطُلُ الْأَهْلِيَّةُ فَيَسْتَحْكِمُ بِمُجَرَّدِ التَّأْكِيدِ ، وَهُوَ الْقَضَاءُ بِهَا ، وَكَذَا لَا تَسْقُطُ بِالطَّلَاقِ فِي الصَّحِيحِ لِمَا ذَكَرْنَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا تُرَدُّ الْمُعَجَّلَةُ) أَيْ لَا تُرَدُّ النَّفَقَةُ الْمُعَجَّلَةُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا بِأَنْ أَسْلَفَهَا نَفَقَةَ سَنَةٍ مَثَلًا ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا لَا يُسْتَرَدُّ ذَلِكَ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُحْتَسَبُ لَهَا بِنَفَقَةِ مَا مَضَى ، وَمَا بَقِيَ يُسْتَرَدُّ مِنْهَا ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْكِسْوَةُ هُمَا يَقُولَانِ إنَّهَا أَخَذَتْ عِوَضًا عَمَّا تَسْتَحِقُّهُ عَلَيْهِ بِالِاحْتِبَاسِ فَتَبَيَّنَ أَنْ لَا اسْتِحْقَاقَ لَهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ وَبِاعْتِبَارِ حَقِّ الشَّرْعِ صِلَةٌ) قَالَ الرَّازِيّ ، وَإِذَا كَانَ مِنْ الصِّلَاتِ لَا يَسْتَحْكِمُ الْوُجُوبُ إلَّا بِالْقَضَاءِ أَوْ بِالرِّضَا . ا هـ . (قَوْلُهُ لَمَّا تَمَكَّنَتْ مِنْ الْأَخْذِ أَصْلًا) وَهَذَا حَقٌّ ، وَقَدْ تَمَّ الْوَجْهُ . ا هـ . فَتْحٌ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ ، وَبِمَوْتِ أَحَدِهِمَا تَسْقُطُ الْمَقْضِيَّةُ) قَالَ فِي النُّقَايَةِ وَتَسْقُطُ فِي مُدَّةٍ مَضَتْ إلَّا إذَا سَبَقَ فَرْضُ قَاضٍ أَوْ رَضِيَا بِشَيْءٍ فَتَجِبُ لِمَا مَضَى مَا دَامَا حَيَّيْنِ فَإِذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا أَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ قَبْضٍ سَقَطَتْ . ا هـ . وَمِثْلُهُ فِي أَصْلِ الْوِقَايَةِ ، وَقَالَ قَاضِي خَانْ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي فَتَاوِيهِ ، وَكَمَا تَسْقُطُ الْمَفْرُوضَةُ بِمَوْتِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ هَلْ تَسْقُطُ بِالطَّلَاقِ اخْتَلَفُوا فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا تَسْقُطُ ، وَقَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ النَّسَفِيُّ وُجِدَتْ رِوَايَةٌ فِي السُّقُوطِ ، وَذَكَرَ الْبَقَّالِيُّ أَنَّ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ تَسْقُطُ ، وَلَا رِوَايَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِيهِ ، وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ زَادَ الْخَصَّافُ لِسُقُوطِ النَّفَقَةِ الْمَفْرُوضَةِ شَيْئًا آخَرَ فَقَالَ تَسْقُطُ بِمَوْتِهِ وَمَوْتِهَا ، وَتَسْقُطُ إذَا طَلَّقَهَا أَوْ أَبَانَهَا ا هـ كَلَامُ قَاضِي خَانْ ، وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهَا لَا تَسْقُطُ بِالطَّلَاقِ أَيْ إذَا أَمَرَهَا الْقَاضِي بِالِاسْتِدَانَةِ ا هـ
قَوْلُهُ قَالَ فِي الْفَتَاوَى ، وَتَسْقُطُ أَيْ نَفَقَةُ الزَّوْجَةِ . ا هـ . شُمُنِّيٌّ ، وَقَوْلُهُ فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا أَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ قَبْضٍ سَقَطَتْ أَيْ وَبَعْدَ فَرْضِ الْقَاضِي أَوْ التَّرَاضِي عَلَى شَيْءٍ . ا هـ . شُمُنِّيٌّ وَقَوْلُهُ سَقَطَ الْمَفْرُوضُ إلَّا إذَا اسْتَدَانَتْ بِأَمْرِ قَاضٍ أَيْ فَإِنَّهَا لَا تَسْقُطُ عَلَى الصَّحِيحِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ إذَا أَمَرَهَا يَعْنِي الْقَاضِي بِالِاسْتِدَانَةِ عَلَى الزَّوْجِ فَاسْتَدَانَتْ ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا لَا يَبْطُلُ ذَلِكَ هَكَذَا ذَكَرَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي مُخْتَصَرِهِ ، وَذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّهُ يَبْطُلُ أَيْضًا ، وَالصَّحِيحُ مَا ذَكَرَ فِي الْمُخْتَصَرِ لِأَنَّ اسْتِدَانَتَهَا بِأَمْرِ الْقَاضِي ، وَلِلْقَاضِي وِلَايَةٌ عَلَيْهِمَا فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ اسْتِدَانَتِهِ بِنَفْسِهِ ، وَهِيَ لَا تَسْقُطُ بِالْمَوْتِ ، وَكَذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ الطَّلَاقِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي رِوَايَةٍ لَا تَسْقُطُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ . ا هـ . شَرْحُ النُّقَايَةِ لِلشَّيْخِ قَاسِمٍ ا هـ
(قَوْلُهُ بِمَوْتِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ تَسْقُطُ النَّفَقَةُ) قَالَ الرَّازِيّ بِخِلَافِ مَا إذَا أَمَرَهَا الْقَاضِي بِالِاسْتِدَانَةِ فَإِنَّهَا لَا تَسْقُطُ بِالْمَوْتِ لِأَنَّ لَهَا زِيَادَةَ تَأْكِيدٍ بِأَمْرِ الْقَاضِي بِالِاسْتِدَانَةِ فَلَا تَسْقُطُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَأْمُرْهَا بِالِاسْتِدَانَةِ فَإِنَّهَا لَا تَتَأَكَّدُ تَأْكِيدَهَا فَتَسْقُطُ ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا تَسْقُطُ لِأَنَّهَا عِوَضٌ عِنْدَهُ ، وَالْأَعْوَاضُ لَا تَسْقُطُ بِالْمَوْتِ . ا هـ . (قَوْلُهُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهَا صِلَةٌ) الصِّلَةُ بَذْلُ مَالٍ شَرَعَهُ الشَّارِعُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ عِوَضًا لِشَيْءٍ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَإِنْ أَمَرَهَا الْقَاضِي بِالِاسْتِدَانَةِ إلَخْ) فَاسْتَدَانَتْ ثُمَّ مَاتَ الزَّوْجُ لَا يَبْطُلُ الرُّجُوعُ فِي هَذَا الدَّيْنِ ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي شَرْحِ النَّفَقَاتِ ، وَعَلَّلَ وَقَالَ لِأَنَّهَا لَمَّا اسْتَدَانَتْ بِأَمْرِ الْقَاضِي جُعِلَ كَأَنَّ الزَّوْجَ هُوَ الَّذِي اسْتَدَانَ ، وَلَوْ كَانَ هُوَ اسْتَدَانَ بِنَفْسِهِ ثُمَّ مَاتَ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّيْنُ كَذَا هَذَا . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَإِنْ قِيلَ أَنْتُمْ قُلْتُمْ فِيمَا تَقَدَّمَ اسْتَحْكَمَ هَذَا إلَخْ) وَجَعَلْتُمُوهُ مُؤَكِّدًا لِلِاسْتِحْقَاقِ كَالْقَبْضِ فِي الْهِبَةِ . ا هـ . فَتْحٌ
(قَوْلُهُ لِاسْتِحْكَامِهِ بِالْقَضَاءِ) أَيْ كَالْهِبَةِ الْمَقْبُوضَةِ . ا هـ . فَتْحٌ (قَوْلُهُ أَيْ لَا تُرَدُّ النَّفَقَةُ الْمُعَجَّلَةُ إلَخْ) سَوَاءٌ كَانَتْ قَائِمَةً أَوْ مُسْتَهْلَكَةً اسْتِحْسَانًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَمَا بَقِيَ يُسْتَرَدُّ مِنْهَا) ، وَكَذَا يُسْتَرَدُّ قِيمَةُ الْمُسْتَهْلَكِ وَلَا يُرَدُّ قِيمَةُ الْهَالِكِ بِالِاتِّفَاقِ . ا هـ . فَتْحٌ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُسْتَرَدُّ بِقَدْرِ مَا بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ سَوَاءٌ كَانَتْ قَائِمَةً أَوْ مُسْتَهْلَكَةً قِيَاسًا كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ ، وَغَيْرِهِ ، وَلَكِنْ ذَكَرَ الْخَصَّافُ فِي كِتَابِ النَّفَقَاتِ الْخِلَافَ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ ، وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَكَذَلِكَ ذَكَرَهُ الْوَلْوَالِجِيُّ أَيْضًا فِي فَتَاوِيهِ ، وَفِي عَامَّةِ نُسَخِ أَصْحَابِنَا مِثْلُ شَرْحِ الْكَافِي لِشَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ ، وَشَرْحِ الطَّحَاوِيِّ لِلْإِمَامِ الْإِسْبِيجَابِيِّ وَالْمُخْتَلِفِ وَالتُّحْفَةِ ، وَخُلَاصَةِ الْفَتَاوَى ذُكِرَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ مَعَ أَبِي يُوسُفَ ، وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ ، وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ ا هـ

(3/56)


عَلَيْهِ فَتَرُدُّهُ كَمَا إذَا ادَّعَى عَلَى شَخْصٍ دَيْنًا فَقَضَاهُ ثُمَّ تَصَادَقَا أَنْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَرُدُّ الْمَقْبُوضَ ، وَكَمَا إذَا أَسْلَفَهَا نَفَقَةَ سَنَةٍ ثُمَّ مَاتَتْ قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا ، وَكَرِزْقِ الْقَاضِي وَالْمُقَاتِلَةِ إذَا أُسْلِفَ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ الْمُدَّةِ ، وَلَنَا أَنَّهَا صِلَةٌ اتَّصَلَ بِهَا الْقَبْضُ ، وَلَا رُجُوعَ فِي الصِّلَاتِ بَعْدَ الْمَوْتِ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ التَّصَادُقِ فَإِنَّ الْمَقْبُوضَ هُنَاكَ مَضْمُونٌ عَلَى الْقَابِضِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ ، وَإِنْ هَلَكَ ، وَهُنَا يَسْقُطُ الرُّجُوعُ بِالْهَلَاكِ إجْمَاعًا ، وَبِخِلَافِ التَّعْجِيلِ قَبْلَ التَّزَوُّجِ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ لِعَدَمِ سَبَبِهِ ، وَلِهَذَا لَا يَلْزَمُ ، وَهُنَا وَقَعَ صَحِيحًا لَازِمًا ، وَرِزْقُ الْقَاضِي مَمْنُوعٌ لِأَنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ ، وَلَئِنْ سُلِّمَ فَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ تَصَرُّفَ الْإِمَامِ فِي بَيْتِ الْمَالِ مُقَيَّدٌ بِشَرْطِ النَّظَرِ ، وَالنَّظَرُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ وَيُعْطَى لِمَنْ يَجِيءُ بَعْدَهُ مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ .

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُبَاعُ الْقِنُّ فِي نَفَقَةِ زَوْجَتِهِ) وَمَعْنَاهُ إذَا تَزَوَّجَهَا بِإِذْنِ الْمَوْلَى لِأَنَّهُ دَيْنٌ وَجَبَ فِي ذِمَّتِهِ لِوُجُودِ سَبَبِهِ ، وَقَدْ ظَهَرَ وُجُوبُهُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى فَيَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ كَدَيْنِ التِّجَارَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بِغَيْرِ إذْنِهِ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَمْ يَصِحَّ فَلَمْ تَجِبْ النَّفَقَةُ فِيهِ ، وَلَوْ دَخَلَ بِهَا لَا يُبَاعُ أَيْضًا فِي الْمَهْرِ لِأَنَّ وُجُوبَ الْمَهْرِ لَمْ يَظْهَرْ فِي حَقِّ الْمَوْلَى لِكَوْنِهِ مَحْجُورًا عَلَيْهِ ، وَإِنَّمَا يُطَالَبُ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ ، وَلِلْمَوْلَى أَنْ يَفْدِيَهُ لِأَنَّ حَقَّهَا فِي النَّفَقَةِ لَا فِي عَيْنِ الرَّقَبَةِ فَلَوْ مَاتَ سَقَطَ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الصِّلَاتِ تُمْلَكُ بِالْقَبْضِ ، وَتَسْقُطُ بِالْمَوْتِ قَبْلَ الْقَبْضِ ، وَكَذَا إذَا قُتِلَ تَسْقُطُ فِي الصَّحِيحِ ، وَقِيلَ لَا تَسْقُطُ لِأَنَّهُ أَخْلَفَ الْقِيمَةَ فَيَنْتَقِلُ إلَيْهِ كَسَائِرِ الدُّيُونِ ، وَإِنَّمَا تَسْقُطُ إنْ لَوْ فَاتَ الْمَحَلِّ لَا إلَى خُلْفٍ كَالْعَبْدِ الْجَانِي إذَا قُتِلَ بِالْجِنَايَةِ ، وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ الدَّيْنَ إنَّمَا يَنْتَقِلُ إلَى الْقِيمَةِ إذَا كَانَ دِينًا لَا يَسْقُط بِالْمَوْتِ ، وَهَذَا يَسْقُطُ بِالْمَوْتِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَكَيْفَ يَنْتَقِلُ إلَيْهَا ، وَلَوْ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ نَفَقَةٌ أُخْرَى بَعْدَمَا بِيعَ مَرَّةً بِيعَ ثَانِيًا ، وَكَذَا ثَالِثًا إلَى مَا لَا يَتَنَاهَى ، وَلَيْسَ مِنْ الدُّيُونِ مَا يُبَاعُ فِيهِ مِرَارًا إلَّا دَيْنَ النَّفَقَةِ ، وَغَيْرُهُ مِنْ الدُّيُونِ يُبَاعُ فِيهِ مَرَّةً فَإِنْ أَوْفَى الْغُرَمَاءَ ، وَإِلَّا طُولِبَ بِهِ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ ، وَالْفَرْقُ أَنَّ دَيْنَ النَّفَقَةِ يَتَجَدَّدُ فِي كُلِّ زَمَانٍ فَيَكُونُ دِينًا آخَرَ حَادِثًا بَعْد الْبَيْعِ ، وَلَا كَذَلِكَ سَائِرُ الدُّيُونِ ، وَلَوْ كَانَ مُدَبَّرًا أَوْ مُكَاتَبًا أَوْ وَلَدَ أُمِّ وَلَدٍ لَا يُبَاعُ بِالنَّفَقَةِ لِعَدَمِ جَوَازِ الْبَيْعِ إلَّا أَنَّ الْمُكَاتَبَ إذَا عَجَزَ يُبَاعُ لِأَنَّهُ يَقْبَلُ النَّقْلَ بَعْدَ الْعَجْزِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَنَفَقَةُ الْأَمَةِ الْمَنْكُوحَةِ إنَّمَا تَجِبُ بِالتَّبْوِئَةِ) لِأَنَّ الِاحْتِبَاسَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِهَا ، وَتَبْوِئَتُهَا أَنْ يُخَلَّى بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا ، وَلَا يَسْتَخْدِمَهَا لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي اسْتِحْقَاقِ النَّفَقَةِ تَفْرِيغُهَا لِمَصَالِحِ الزَّوْجِ ، وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِالتَّبْوِئَةِ ، وَإِنْ اسْتَخْدَمَهَا بَعْدَ التَّبْوِئَةِ سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا لِزَوَالِ الْمُوجِبِ فَإِنْ خَدَمَتْهُ أَحْيَانَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَخْدِمَهَا لَا تَسْقُطُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(قَوْلُهُ وَلَا رُجُوعَ فِي الصِّلَاتِ بَعْدَ الْمَوْتِ) لِانْتِهَاءِ حُكْمِهَا كَمَا إذَا مَاتَ الْمَوْهُوبُ لَهُ بَعْدَ قَبْضِ الْهِبَةِ ، وَكَمَا إذَا كَانَتْ هَالِكَةً مِنْ غَيْرِ اسْتِهْلَاكٍ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ قَالَ الرَّازِيّ قُلْنَا إنَّهَا صِلَةٌ اتَّصَلَ بِهَا الْقَبْضُ وَحَقُّ الِاسْتِرْدَادِ فِي الصِّلَاتِ يَنْقَطِعُ بِالْمَوْتِ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَهُنَا يَسْقُطُ بِالْهَلَاكِ إجْمَاعًا) أَيْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشَّافِعِيِّ

. ا هـ . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيُبَاعُ الْقِنُّ فِي نَفَقَةِ زَوْجَتِهِ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَإِذَا تَزَوَّجَ الْعَبْدُ حُرَّةً فَنَفَقَتُهَا دَيْنٌ عَلَيْهِ يُبَاعُ فِيهَا مَعْنَاهُ إذَا تَزَوَّجَ بِإِذْنِ الْمَوْلَى قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَإِنَّمَا احْتَاجَ إلَى هَذَا التَّفْسِيرِ لِأَنَّهُ إذَا تَزَوَّجَ بِدُونِ إذْنِ الْمَوْلَى فَلَا نَفَقَةَ عَلَيْهِ وَلَا مَهْرَ ، وَبِهِ صَرَّحَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي مَبْسُوطِهِ لِأَنَّ وُجُوبَ النَّفَقَةِ وَالْمَهْرِ بَعْدَ صِحَّةِ الْعَقْدِ ، وَبِدُونِ إذْنِ الْمَوْلَى لَا يَصِحُّ الْعَقْدُ ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِالْحُرَّةِ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا كَانَتْ أَمَةً لَا تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ قَبْلَ التَّبْوِئَةِ وَيَجِيءُ بَيَانُهَا . ا هـ . (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ دَيْنٌ وَجَبَ فِي ذِمَّتِهِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَإِنَّمَا وَجَبَتْ النَّفَقَةُ دَيْنًا عَلَى الْعَبْدِ لِأَنَّ النَّفَقَةَ مِنْ أَحْكَامِ الْعَقْدِ فَيَسْتَوِي فِيهَا الْحُرُّ وَالْمَمْلُوكُ كَالْمَهْرِ ، وَإِنَّمَا يُبَاحُ فِي النَّفَقَةِ وَالْمَهْرِ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَمَّا كَانَ بِإِذْنِ الْمَوْلَى ظَهَرَ وُجُوبُ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ فِي حَقِّهِ فَتَعَلَّقَ بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ وَأَكْسَابِهِ كَمَا فِي دُيُونِ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ إلَّا أَنْ يَفْدِيَهُ الْمَوْلَى لِأَنَّ حَقَّ الْمَرْأَةِ فِي النَّفَقَةِ لَا فِي عَيْنِ الرَّقَبَةِ
فَإِذَا أَوْفَاهَا الْمَوْلَى نَفَقَتَهَا لَا يَبْقَى حَقُّهَا فِي النَّفَقَةِ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا يُبَاعُ الْعَبْدُ ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي الْمُدَبَّرِ وَالْمُكَاتَبِ إذَا تَزَوَّجَا بِإِذْنِ الْمَوْلَى حُرَّةً أَوْ أَمَةً بَعْدَ التَّبْوِئَةِ حَيْثُ تَجِبُ النَّفَقَةُ وَالْمَهْرُ عَلَيْهِمَا ، وَلَكِنَّهُمَا لَا يُبَاعَانِ فِي الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ لِأَنَّهُمَا لَا يَحْتَمِلَانِ النَّقْلَ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ بَلْ يُؤْمَرَانِ بِالسِّعَايَةِ ا هـ . قَالَ الرَّازِيّ فَإِنْ كَانَ مُدَبَّرًا تَتَعَلَّقُ النَّفَقَةُ بِكَسْبِهِ ، وَكَذَا إنْ كَانَ مُكَاتَبًا مَا لَمْ يَعْجِزْ فَإِنْ عَجَزَ بِيعَ فِيهَا ا هـ قَوْلُهُ تَتَعَلَّقُ النَّفَقَةُ بِكَسْبِهِ يَعْنِي لَا بِرَقَبَتِهِ لِتَعَذُّرِ الِاسْتِيفَاءِ مِنْهَا . ا هـ . (قَوْلُهُ وَلَوْ مَاتَ) أَيْ الْعَبْدُ الَّذِي تَزَوَّجَ بِإِذْنِ الْمَوْلَى ا هـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَغَيْرُهُ مِنْ الدُّيُونِ يُبَاعُ فِيهِ مَرَّةً) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوِيهِ إذَا بِيعَ فِي الْمَهْرِ مَرَّةً وَبَقِيَ شَيْءٌ مِنْ الْمَهْرِ بِأَنْ لَمْ يَفِ الثَّمَنُ بِكُلِّ الْمَهْرِ لَا يُبَاعُ مَرَّةً أُخْرَى بَلْ يَتَأَخَّرُ إلَى مَا بَعْدَ الْعِتْقِ ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ النَّفَقَةِ وَالْمَهْرِ أَنَّ الْعَبْدَ إنَّمَا بِيعَ فِي جَمِيعِ الْمَهْرِ فَلَا يُبَاعُ فِيمَا بَقِيَ مِنْهُ مَرَّةً أُخْرَى بِخِلَافِ النَّفَقَةِ فَإِنَّهُ يُبَاعُ فِي النَّفَقَةِ الْمُجْتَمِعَةِ لَا فِي النَّفَقَاتِ الَّتِي لَمْ تَصِرْ وَاجِبَةً بَعْدُ
وَالنَّفَقَةُ تَجِبُ شَيْئًا فَشَيْئًا فَإِذَا اجْتَمَعَتْ مَرَّةً أُخْرَى يُبَاعُ فِيهَا لِأَنَّ النَّفَقَةَ الَّتِي بِيعَ فِيهَا أَوَّلًا غَيْرُ هَذِهِ النَّفَقَةِ الَّتِي وَجَبَتْ ثَانِيَةً قَالَ فِي الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ وَشَرْحِ الْكَافِي لِلسَّرَخْسِيِّ وَشَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَالشَّامِلِ إذَا كَانَ لِلْعَبْدِ أَوْ الْمُدَبَّرِ وَلَدٌ مِنْ امْرَأَتِهِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْوَلَدِ لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ أَمَةً فَالْوَلَدُ مِلْكٌ لِمَوْلَاهَا وَنَفَقَةُ الْمَمْلُوكِ عَلَى الْمَالِكِ دُونَ الْأَبِ ، وَإِنْ كَانَتْ حُرَّةً فَوَلَدُهَا يَكُونُ حُرًّا ، وَلَا تَجِبُ نَفَقَةُ حُرٍّ عَلَى مَمْلُوكٍ ، وَلَا عَلَى مَوْلَاهُ لِأَنَّ وَلَدَهُ أَجْنَبِيٌّ مِنْهُ ، وَكَذَلِكَ الْمُكَاتَبُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ وَلَدِهِ سَوَاءٌ كَانَتْ امْرَأَتُهُ حُرَّةً أَوْ أَمَةً لِهَذَا الْمَعْنَى ، وَإِذَا كَانَتْ امْرَأَةُ الْمُكَاتَبِ مُكَاتَبَةً ، وَهُمَا لِمَوْلًى وَاحِدٍ فَنَفَقَةُ الْوَلَدِ عَلَى الْأُمِّ لِأَنَّ الْوَلَدَ تَابِعٌ لِلْأُمِّ فِي كِتَابَتِهَا ، وَلِهَذَا كَانَ كَسْبُ الْوَلَدِ لَهَا ، وَأَرْشُ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ لَهَا وَمِيرَاثُهُ لَهَا ، وَكَذَلِكَ النَّفَقَةُ تَكُونُ عَلَيْهَا بِخِلَافِ مَا إذَا وَطِئَ الْمُكَاتَبُ أَمَتَهُ فَوَلَدَتْ حَيْثُ تَكُونُ نَفَقَةُ الْوَلَدِ عَلَى الْمُكَاتَبِ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِي كِتَابَتِهِ ، وَلِهَذَا يَكُونُ كَسْبُهُ لَهُ ، وَكَذَا أَرْشُ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ لَهُ ، وَلِأَنَّهُ جُزْؤُهُ فَإِذَا تَبِعَهُ فِي الْعَقْدِ كَانَ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ كَنَفَقَةِ نَفْسِهِ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ

(قَوْلُهُ وَتَبْوِئَتُهَا) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ وَبَوَّأْته دَارًا أَسْكَنْته إيَّاهَا وَبَوَّأْت لَهُ كَذَلِكَ ا هـ (قَوْلُهُ وَلَا يَسْتَخْدِمَهَا) بِالنَّصْبِ عَطْفًا

(3/57)


النَّفَقَةُ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَخْدِمْهَا فَلَا يَكُونُ اسْتِرْدَادًا ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ زَوْجُهَا حُرًّا أَوْ عَبْدًا أَوْ مُدَبَّرًا أَوْ مُكَاتَبًا لِأَنَّ الْمَعْنَى الْمُوجِبَ هُوَ التَّبْوِئَةُ فَلَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَزْوَاجِ ، وَلَا يُقَالُ إنْ خِدْمَةَ الْمَوْلَى مُقَدَّمَةٌ عَلَى حَقِّ الزَّوْجِ شَرْعًا حَتَّى لَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّبْوِئَةُ فَيَكُونَ حَبْسُهَا نَفْسَهَا بِحَقٍّ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لَهَا النَّفَقَةُ كَالْحُرَّةِ إذَا امْتَنَعَتْ مِنْ تَسْلِيمِ نَفْسِهَا حَتَّى يُوَفِّيَهَا مَهْرَهَا لِأَنَّا نَقُولُ الْحُرَّةُ إذَا مَنَعَتْ نَفْسَهَا حَتَّى يُوَفِّيَهَا مَهْرَهَا كَانَ التَّفْوِيتُ مِنْ جِهَتِهِ فَلَا تَسْقُطُ النَّفَقَةُ بِخِلَافِ الْأَمَةِ فَإِنَّ التَّفْوِيتَ فِيهَا مِنْ جِهَةِ الْمَوْلَى فَلَا تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ ، وَكَوْنُهُ مُقَدَّمًا شَرْعًا لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي عَدَمِ سُقُوطِ النَّفَقَةِ كَمَا إذَا حَجَّتْ مَعَ مَحْرَمٍ ، وَأُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرَةُ كَالْقِنَّةِ حَتَّى لَا تَجِبُ نَفَقَتُهُنَّ إلَّا بِالتَّبْوِئَةِ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبَةِ إذَا تَزَوَّجَتْ بِإِذْنِ الْمَوْلَى حَيْثُ تَجِبُ نَفَقَتُهَا قَبْلَ التَّبْوِئَةِ كَالْحُرَّةِ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَيْسَ لَهُ اسْتِخْدَامُهَا لِصَيْرُورَتِهَا أَحَقَّ بِنَفْسِهَا وَمَنَافِعِهَا فَتَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِ نَفْسِهَا شَرْعًا كَالْحُرَّةِ فَتَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ كَالْحُرَّةِ ، وَلَوْ بَوَّأَ الْأَمَةَ بَعْدَ الطَّلَاقِ ، وَلَمْ يَكُنْ بَوَّأَهَا قَبْلَهُ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا خِلَافًا لِزُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّهَا صَارَتْ مَحْبُوسَةً بِحَقِّهِ فَتَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ قُلْنَا لَمْ تَكُنْ مُسْتَحَقَّةَ عِنْدَ الطَّلَاقِ فَلَا تُسْتَحَقُّ بَعْدَهُ ، وَإِنْ زَوَّجَ أَمَتَهُ مِنْ عَبْدِهِ فَنَفَقَتُهَا عَلَى الْمَوْلَى بَوَّأَهَا مَنْزِلًا أَوْ لَمْ يُبَوِّئْهَا لِأَنَّ نَفَقَةَ الْمَمْلُوكِ عَلَى الْمَالِكِ .

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالسُّكْنَى فِي بَيْتٍ خَالٍ عَنْ أَهْلِهِ وَأَهْلِهَا) أَيْ تَجِبُ لَهَا السُّكْنَى فِي بَيْتٍ لَيْسَ فِيهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهِ ، وَلَا مِنْ أَهْلِهَا إلَّا أَنْ يَخْتَارَا ذَلِكَ لِأَنَّ السُّكْنَى حَقُّهَا إذْ هِيَ مِنْ كِفَايَتِهَا فَتَجِبُ لَهَا كَالنَّفَقَةِ ، وَقَدْ أَوْجَبَهَا اللَّهُ تَعَالَى مَقْرُونًا بِالنَّفَقَةِ بِقَوْلِهِ {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطلاق : 6] أَيْ وَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ مِنْ وُجْدِكُمْ ، وَهَكَذَا قَرَأَهَا ابْنُ مَسْعُودٍ ، وَإِذَا كَانَ حَقًّا لَهَا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُشْرِكَ غَيْرَهَا فِيهَا كَالنَّفَقَةِ ، وَهَذَا لِأَنَّ السُّكْنَى مَعَ النَّاسِ يَتَضَرَّرَانِ بِهَا فَإِنَّهُمَا لَا يَأْمَنَانِ عَلَى مَتَاعِهِمَا ، وَيَمْنَعُهُمَا مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ وَالْمُعَاشَرَةِ إلَّا أَنْ يَخْتَارَا ذَلِكَ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا فَلَهُمَا أَنْ يَتَّفِقَا عَلَيْهِ ، وَلَوْ أَسْكَنَ أَمَتَهُ مَعَهَا لَيْسَ لَهَا أَنْ تَمْتَنِعَ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى الِاسْتِخْدَامِ فَلَا يَسْتَغْنِي عَنْهَا ، وَلَوْ أَخْلَى لَهَا بَيْتًا مِنْ دَارٍ ، وَجَعَلَ لَهُ مَرَافِقَ ، وَغَلْقًا عَلَى حِدَةٍ كَفَاهَا لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِذَلِكَ فَإِنْ اشْتَكَتْ مِنْ الزَّوْجِ الْإِيذَاءَ بِسُوءِ الْعِشْرَةِ فَإِنْ عَلِمَ الْقَاضِي بِذَلِكَ أَوْ أَخْبَرَهُ عَدْلٌ نَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ ، وَمَنَعَهُ ، وَفِي الْغَايَةِ عَلَيْهِ أَنْ يُسْكِنَهَا عِنْدَ جِيرَانٍ صَالِحِينَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَهُمْ النَّظَرُ ، وَالْكَلَامُ مَعَهَا) أَيْ لِأَهْلِهَا أَنْ يَنْظُرُوا إلَيْهَا ، وَيَتَكَلَّمُوا مَعَهَا أَيَّ وَقْتٍ شَاءُوا ، وَلَا يَمْنَعُهُمْ مِنْ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ قَطِيعَةِ الرَّحِمِ ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ ، وَقِيلَ لَا يَمْنَعُهُمْ مِنْ الدُّخُولِ وَالْكَلَامِ مَعَهَا ، وَإِنَّمَا يَمْنَعُهُمْ مِنْ الْقَرَارِ لِأَنَّ الْفِتْنَةَ فِي اللَّبَاثِ وَتَطْوِيلِ الْكَلَامِ ، وَقِيلَ لَا يَمْنَعُهَا مِنْ الْخُرُوجِ إلَى الْوَالِدَيْنِ ، وَلَا يَمْنَعُهُمَا مِنْ الدُّخُولِ عَلَيْهَا فِي كُلِّ جُمُعَةٍ ، وَفِي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عَلَى قَوْلِهِ أَنْ يُخَلَّى . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالسُّكْنَى فِي بَيْتٍ خَالٍ عَنْ أَهْلِهِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَإِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ مِنْ غَيْرِهَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُسْكِنَهُ مَعَهَا . ا هـ . (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَخْتَارَا) بِأَلِفِ التَّثْنِيَةِ . ا هـ . (قَوْلُهُ {فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ} [الطلاق : 6] {مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطلاق : 6] أَيْ مِنْ غِنَاكُمْ ا هـ (قَوْلُهُ فَلَا يَسْتَغْنِي عَنْهَا) غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَطَؤُهَا بِحَضْرَتِهَا كَمَا أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْءُ زَوْجَتِهِ بِحَضْرَتِهَا وَلَا بِحَضْرَةِ الضَّرَّةِ . ا هـ . فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ أَخْلَى لَهَا بَيْتًا مِنْ دَارٍ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ ، وَلَوْ أَسْكَنَهَا فِي بَيْتٍ مِنْ الدَّارِ مُفْرَدَةً ، وَلَهُ غَلْقٌ كَفَاهَا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ قَدْ حَصَلَ قَالَ الْكَمَالُ اقْتَصَرَ عَلَى الْغَلْقِ فَأَفَادَ أَنَّهُ ، وَإِنْ كَانَ الْخَلَاءُ مُشْتَرَكًا بَعْدَ أَنْ يَكُونَ لَهُ غَلْقٌ يَخُصُّهُ لَيْسَ لَهَا أَنْ تُطَالِبَهُ بِمَسْكَنٍ آخَرَ ، وَبِهِ قَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ لِأَنَّ الضَّرَرَ بِالْخَوْفِ عَلَى الْمَتَاعِ وَعَدَمِ التَّمَكُّنِ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ قَدْ زَالَ ، وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ الْمُرَادِ كَوْنَ الْخَلَاءِ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ غَيْرِ الْأَجَانِبِ ، وَاَلَّذِي فِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ ، وَلَوْ كَانَتْ فِي الدَّارِ بُيُوتٌ وَأَبَتْ تَسْكُنُ مَعَ ضَرَّتِهَا أَوْ مَعَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِهِ إنْ أَخْلَى لَهَا بَيْتًا ، وَجَعَلَ لَهَا مَرَافِقَ ، وَغَلْقًا عَلَى حِدَةٍ لَيْسَ لَهَا أَنْ تَطْلُبَ بَيْتًا ، وَلَوْ شَكَّتْ أَنَّهُ يَضْرِبُهَا أَوْ يُؤْذِيَهَا إنْ عَلِمَ الْقَاضِي ذَلِكَ زَجَرَهُ
وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ سَأَلَ مِنْ جِيرَانِهِ فَإِنْ لَمْ يُوثَقْ بِهِمْ أَوْ كَانُوا يَمِيلُونَ إلَيْهِ أَسْكَنَهَا بَيْنَ قَوْمٍ أَخْيَارٍ يَعْتَمِدُ الْقَاضِي عَلَى خَبَرِهِمْ . ا هـ . (قَوْلُهُ فِي اللَّبَاثِ) بِفَتْحِ اللَّامِ ا هـ (قَوْلُهُ وَقِيلَ لَا يَمْنَعُهَا مِنْ الْخُرُوجِ إلَى الْوَالِدَيْنِ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ ، وَلَوْ كَانَ أَبُوهَا زَمِنًا مَثَلًا ، وَهُوَ يَحْتَاجُ إلَى خِدْمَتِهَا ، وَالزَّوْجُ يَمْنَعُهَا مِنْ تَعَاهُدِهِ فَعَلَيْهَا أَنْ تَعْصِيَهُ مُسْلِمًا كَانَ الْأَبُ أَوْ كَافِرًا ، وَفِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ فَإِنْ كَانَتْ قَابِلَةً أَوْ غَسَّالَةً أَوْ كَانَ لَهَا حَقٌّ عَلَى آخَرَ أَوْ لِآخَرَ عَلَيْهَا حَقٌّ تَخْرُجُ بِالْإِذْنِ وَبِغَيْرِ الْإِذْنِ ، وَالْحَجُّ عَلَى هَذَا ، وَمَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ رِضَا الزَّوْجِ لَيْسَ لَهَا ذَلِكَ فَإِنْ وَقَعَتْ لَهَا نَازِلَةٌ إنْ سَأَلَ الزَّوْجُ مِنْ الْعَالِمِ ، وَأَخْبَرَهَا بِذَلِكَ لَا يَسَعُهَا الْخُرُوجُ ، وَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ السُّؤَالِ يَسَعُهَا أَنْ تَخْرُجَ بِغَيْرِ رِضَاهُ ، وَإِنْ لَمْ تَقَعْ لَهَا نَازِلَةٌ لَكِنْ أَرَادَتْ أَنْ تَخْرُجَ لِتَتَعَلَّمَ مَسَائِلَ مِنْ مَسَائِلِ الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ إنْ كَانَ الزَّوْجُ يَحْفَظُ الْمَسَائِلَ ، وَيَذْكُرُ مَعَهَا لَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا
وَإِنْ كَانَ لَا يَحْفَظُ الْأَوْلَى أَنْ يَأْذَنَ لَهَا أَحْيَانَا ، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ، وَلَا يَسَعُهَا الْخُرُوجُ مَا لَمْ تَقَعْ لَهَا نَازِلَةٌ ، وَفِي الْفَتَاوَى فِي بَابِ الْغُزَاةِ الْمَرْأَةُ قَبْلَ أَنْ تَقْبِضَ مَهْرَهَا لَهَا أَنْ تَخْرُجَ فِي حَوَائِجِهَا وَتَزُورَ الْأَقَارِبَ بِغَيْرِ إذْنِ الزَّوْجِ فَإِنْ أَعْطَاهَا الْمَهْرَ لَيْسَ لَهَا الْخُرُوجُ إلَّا بِإِذْنِ الزَّوْجِ ، وَلَا تُسَافِرُ مَعَ عَبْدِهَا خَصِيًّا كَانَ أَوْ فَحْلًا ، وَكَذَا أَبُوهَا الْمَجُوسِيُّ ، وَالْمَحْرَمُ غَيْرُ الْمُرَاهِقِ بِخِلَافِ الْمُرَاهِقِ وَحَدُّهُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ أَوْ اثْنَا عَشَرَ ، وَلَا تَكُونُ الْمَرْأَةُ مَحْرَمًا لِامْرَأَةٍ ، وَحَيْثُ أَبَحْنَا لَهَا الْخُرُوجُ فَإِنَّمَا يُبَاحُ بِشَرْطِ عَدَمِ الزِّينَةِ وَتَغْيِيرِ الْهَيْئَةِ إلَى مَا لَا يَكُونُ دَاعِيَةً لِنَظَرِ الرِّجَالِ وَالِاسْتِمَالَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى} [الأحزاب : 33] وَقَوْلُ الْفَقِيهِ وَتُمْنَعُ مِنْ الْحَمَّامِ خَالَفَهُ فِيهِ قَاضِي خَانْ فَقَالَ فِي فَصْلِ الْحَمَّامِ مِنْ فَتَاوَاهُ دُخُولُ الْحَمَّامِ مَشْرُوعٌ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ جَمِيعًا خِلَافًا لِمَا يَقُولُهُ بَعْضُ النَّاسِ وَرُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ الْحَمَّامَ وَتَنَوَّرَ» وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ دَخَلَ حَمَّامَ حِمْصَ لَكِنْ إنَّمَا يُبَاحُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ إنْسَانٌ مَكْشُوفُ الْعَوْرَةِ ا هـ
وَعَلَى ذَلِكَ فَلَا خِلَافَ فِي مَنْعِهِنَّ مِنْ دُخُولِهِ لِلْعِلْمِ بِأَنَّ كَثِيرًا مِنْهُنَّ مَكْشُوفُ الْعَوْرَةِ ا هـ .

(3/58)


غَيْرِهِمَا مِنْ الْمَحَارِمِ فِي كُلِّ عَامٍ هُوَ الصَّحِيحُ ، وَقَدَّرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ الرَّازِيّ بِشَهْرٍ فِي الْمَحَارِمِ .

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفُرِضَ لِزَوْجَةِ الْغَائِبِ وَطِفْلِهِ وَأَبَوَيْهِ فِي مَالٍ لَهُ عِنْدَ مَنْ يُقِرُّ بِهِ وَبِالزَّوْجِيَّةِ ، وَيُؤْخَذُ كَفِيلٌ مِنْهَا) أَيْ تُفْرَضُ النَّفَقَةُ فِي مَالِ الْغَائِبِ بِشَرْطِ أَنْ يُقِرَّ مَنْ عِنْدَهُ الْمَالُ بِالْمَالِ وَالزَّوْجِيَّةِ ، وَكَذَا يُشْتَرَطُ إقْرَارُ مَنْ عِنْدَهُ الْمَالُ بِالنَّسَبِ ، وَكَذَا إذَا عَلِمَ الْقَاضِي ذَلِكَ ، وَلَمْ يَعْتَرِفْ بِهِ ، وَقَالَ زُفَرُ لَا يَدْفَعُ إلَيْهَا مِنْ الْوَدِيعَةِ ، وَتُؤْمَرُ بِالِاسْتِدَانَةِ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْمُودَعَ مَأْمُورٌ بِالْحِفْظِ دُونَ الدَّفْعِ ، وَلَنَا أَنَّ صَاحِبَ الْيَدِ إذَا كَانَ مُقِرًّا بِالْمَالِ وَالزَّوْجِيَّةِ وَالنَّسَبِ فَقَدْ أَقَرَّ لَهُمْ بِحَقِّ الْأَخْذِ لِأَنَّهُمْ لَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا بِأَيْدِيهِمْ مِنْ مَالِهِ بِغَيْرِ رِضَاهُ ، وَإِقْرَارُ صَاحِبِ الْيَدِ مَقْبُولٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ لَا سِيَّمَا هُنَا ، فَإِنَّهُ لَوْ أَنْكَرَ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ لَا يَقْبَلُ بَيِّنَتَهُمْ فِيهِ لِأَنَّ الْمُودَعَ لَيْسَ بِخَصْمٍ عَنْهُ فِي إثْبَاتِ الزَّوْجِيَّةِ وَالنَّسَبِ ، وَلَا هُمْ خَصْمٌ عَنْهُ فِي إثْبَاتِ الْمَالِ فَإِذَا قُبِلَ إقْرَارُهُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ حَتَّى يُؤْخَذُ مِنْهُ تَعَدَّى إلَى غَيْرِهِ ، وَهُوَ الْغَائِبُ ضَرُورَةً ، وَكَذَا إذَا كَانَ الْمَالُ فِي يَدِ مُضَارِبِهِ أَوْ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ الْغَرِيمِ وَأَقَرَّ بِالْمَالِ وَالزَّوْجِيَّةِ وَالنَّسَبِ أَوْ عَلِمَ الْقَاضِي بِذَلِكَ
وَإِنْ عَلِمَ أَحَدَهُمَا إمَّا النَّسَبَ وَالزَّوْجِيَّةَ أَوْ الْمَالَ يَحْتَاجُ إلَى الْإِقْرَارِ بِمَا لَيْسَ بِمَعْلُومٍ عِنْدَهُ هُوَ الصَّحِيحُ هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الْمَالُ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِمْ أَيْ مِنْ النُّقُودِ أَوْ الطَّعَامِ أَوْ الْكِسْوَةِ أَمَّا إذَا كَانَ مِنْ خِلَافِهِ فَلَا تُفْرَضُ النَّفَقَةُ فِيهِ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى الْقَضَاءِ بِالْقِيمَةِ أَوْ إلَى الْبَيْعِ ، وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ عَلَى الْغَائِبِ ، وَالتِّبْرُ بِمَنْزِلَةِ الدَّرَاهِمِ فِي هَذَا الْحُكْمِ لِأَنَّهُ يَصْلُحُ قِيمَةً لِلْمَضْرُوبِ ، وَإِنْ أُخِذَ مِنْ الْمَرْأَةِ كَفِيلٌ فَحَسَنٌ احْتِيَاطًا لِجَوَازِ أَنَّهُ قَدْ كَانَ عَجَّلَ لَهَا النَّفَقَةَ أَوْ كَانَتْ نَاشِزَةً أَوْ مُطَلَّقَةً قَدْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَكَانَ النَّظَرُ لَهُ التَّكْفِيلَ بِخِلَافِ مَا إذَا قُسِّمَتْ التَّرِكَةُ بَيْنَ الْوَرَثَةِ بِالْبَيِّنَةِ حَيْثُ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُمْ كَفِيلٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَارِثٌ آخَرُ ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَكْفُولَ لَهُ فِي النَّفَقَةِ مَعْلُومٌ ، وَهُوَ الزَّوْجُ ، وَفِي الْمِيرَاثِ مَجْهُولٌ ، وَتَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَعَ التَّكْفِيلِ احْتِيَاطًا لِأَنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ يُعْطِي الْكَفِيلَ وَلَا يَحْلِفُ
وَمِنْهُمْ مَنْ يَحْلِفُ وَلَا يُعْطِي الْكَفِيلَ فَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا احْتِيَاطًا نَظَرًا لِلْغَائِبِ ، وَلَا يُقْضَى بِنَفَقَةٍ فِي مَالِ الْغَائِبِ إلَّا لِهَؤُلَاءِ لِأَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ لَا يَجُوزُ فَنَفَقَةُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَفُرِضَ) أَيْ الْإِنْفَاقُ ا هـ ع قَالَ الرَّازِيّ يَعْنِي إذَا غَابَ شَخْصٌ وَلَهُ مَالٌ عِنْدَ رَجُلٍ وَدِيعَةً أَوْ مُضَارَبَةً وَهُوَ مُقِرٌّ بِهِ وَلِلْغَائِبِ زَوْجَةٌ يُقِرُّ الْمُودَعُ بِزَوْجِيَّتِهَا فَرَضَ الْقَاضِي نَفَقَتَهَا مِنْ ذَلِكَ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَأَبَوَيْهِ) أَيْ وَكَذَا يُفْرَضُ نَفَقَةُ أَوْلَادِهِ الْكِبَارِ الزَّمْنَى وَالْإِنَاثِ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَيُؤْخَذُ كَفِيلٌ مِنْهَا) أَيْ بِالنَّفَقَةِ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَكَذَا يُشْتَرَطُ إقْرَارُ مَنْ عِنْدَهُ الْمَالُ بِالنَّسَبِ) وَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَزِيدَهُ فَيَقُولَ عِنْدَ مَنْ يَعْتَرِفُ بِهِ وَبِالزَّوْجِيَّةِ وَبِالنَّسَبِ . ا هـ . فَتْحٌ بِالْمَعْنَى (قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا عَلِمَ الْقَاضِي بِذَلِكَ) أَيْ بِالزَّوْجِيَّةِ وَبِأَنَّ الْمَالَ لِلْغَائِبِ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَلَمْ يَعْتَرِفْ بِهِ) أَيْ بِكَوْنِهَا زَوْجَتَهُ . ا هـ . وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ أَيْ صَاحِبُ الْيَدِ ا هـ (قَوْلُهُ وَهُوَ الْغَائِبُ ضَرُورَةً) أَيْ لِكَوْنِ مَا أَقَرَّ بِهِ مِلْكَهُ ا هـ
(قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا كَانَ الْمَالُ فِي يَدِ مُضَارِبِهِ) أَيْ مُضَارِبِ الْغَائِبِ . ا هـ . (قَوْلُهُ أَمَّا إذَا كَانَ مِنْ خِلَافِهِ) كَالدَّارِ وَالْعَبْدِ وَالْعُرُوضِ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَلَا تُفْرَضُ النَّفَقَةُ فِيهِ) وَيُنْفَقُ عَلَيْهَا مِنْ غَلَّةِ الدَّارِ وَالْعَبْدِ لِأَنَّهَا مِنْ جِنْسِ حَقِّهَا . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَتَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَعَ التَّكْفِيلِ إلَخْ) قَالَ الرَّازِيّ ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُحَلِّفَهَا أَنَّهَا مَا أَخَذَتْ النَّفَقَةَ نَظَرًا لِلْغَائِبِ ا هـ (قَوْلُهُ وَلَا يُقْضَى بِنَفَقَةٍ فِي مَالِ الْغَائِبِ إلَّا لِهَؤُلَاءِ) أَيْ لِهَؤُلَاءِ الْمَذْكُورِينَ مِنْ الزَّوْجَةِ وَالْوَلَدِ الصِّغَارِ وَالْوَالِدَيْنِ وَالْأَوْلَادِ الْكِبَارِ الزَّمْنَى وَالْإِنَاثِ يَعْنِي يُقْضَى لِهَؤُلَاءِ بِالنَّفَقَةِ فِي مَالِ الْغَائِبِ ، وَلَا يُقْضَى لِغَيْرِهِمْ كَالْأَخِ وَالْعَمِّ وَسَائِرِ ذَوِي الْأَرْحَامِ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ نَفَقَةَ هَؤُلَاءِ تَجِبُ قَبْلَ الْقَضَاءِ ، وَإِنَّمَا الْقَضَاءُ الْإِيفَاءُ وَالْإِعَانَةُ بِخِلَافِ نَفَقَةِ غَيْرِهِمْ فَإِنَّهَا لَا تَجِبُ إلَّا بِالْقَضَاءِ لِكَوْنِهَا مُجْتَهِدًا فِيهَا لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ لَا يَقُولُ بِوُجُوبِ النَّفَقَةِ فِي غَيْرِ الْأَوْلَادِ فَلَمَّا كَانَ وُجُوبُهَا بِالْقَضَاءِ
وَالْقَضَاءُ عَلَى الْغَائِبِ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا فَلَا يُقْضَى لَهُمْ بِالنَّفَقَةِ فِي مَالِ الْغَائِبِ ، تَحْقِيقُ ذَلِكَ أَنَّ نَفَقَةَ الزَّوْجَةِ جَارِيَةٌ مَجْرَى الدُّيُونِ ، وَلِهَذَا تَجِبُ مَعَ الْإِعْسَارِ ، وَكَذَلِكَ نَفَقَةُ الْأَوْلَادِ لِهَذَا الْمَعْنَى فَلَمْ يَتَوَقَّفْ وُجُوبُهَا إلَى الْقَضَاءِ ، وَأَمَّا الْأَبَوَانِ فَقَدْ جُعِلَ مَالُ الْوَلَدِ الْغَائِبِ فِي حُكْمِ مَالِهِمَا أَمَّا فِي الْوَلَدِ فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك» فَكَانَ قَضَاءُ الْقَاضِي بِالنَّفَقَةِ إعَانَةً ، وَأَمَّا فِي الْوَالِدَةِ فَلِأَنَّهَا مِثْلُ الْوَالِدِ فِي وُجُوبِ النَّفَقَةِ عِنْدَ الْجَمِيعِ ، وَقَدْ قَالَ لَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنْتَ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَتَزَوَّجِي» فَإِذَا كَانَتْ أَحَقَّ بِهِ مِنْ الْوَالِدِ ، وَلِلْوَالِدِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِهِ مِنْ النَّفَقَةِ مِقْدَارَ كِفَايَتِهِ أَوْ يَفْرِضَ لَهُ الْقَاضِي كَانَتْ الْأُمُّ أَوْلَى ، وَأَمَّا الْأَوْلَادُ الْكِبَارُ الزَّمْنَى وَالْإِنَاثُ فَلِعَجْزِهِمْ صَارُوا فِي مَعْنَى الصِّغَارِ بِخِلَافِ نَفَقَةِ مَنْ سِوَاهُمْ فَإِنَّهَا لَا تَجْرِي مَجْرَى الدُّيُونِ بَلْ هِيَ صِلَةٌ يَتَأَكَّدُ حُكْمُهَا بِالْقَضَاءِ ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ عَلَى الْغَائِبِ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ، وَقَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عِنْدَ قَوْلِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ أَمَّا غَيْرُهُمْ مِنْ الْمَحَارِمِ فَنَفَقَتُهُمْ إنَّمَا تَجِبُ بِالْقَضَاءِ لِأَنَّهُ مُجْتَهِدٌ فِيهِ ا هـ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْوُجُوبَ ثَابِتٌ بِدَلِيلِهِ قَبْلَ الْقَضَاءِ حَتَّى كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِمْ إذَا كَانُوا فُقَرَاءَ دِيَانَةً
وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ مُجْتَهِدًا فِيهِ فَقَدْ يَمْتَنِعُ تَمَسُّكًا بِقَوْلِ مَنْ يَرَى أَنْ لَا تَجِبَ النَّفَقَةُ فَلَا يُعَيَّنُ عَلَيْهِ قَوْلُ الْوُجُوبِ إلَّا الْقَضَاءُ بِهِ فَيَنْتَفِي تَأْوِيلُهُ ، وَيَتَقَرَّرُ فِي ذِمَّتِهِ ، وَيُجْبَرُ عَلَيْهِ إذَا امْتَنَعَ ، وَفِي الْكَافِي لَوْ أَنْفَقَ الْمَدْيُونُ أَوْ الْمُودَعُ نَفَقَةَ هَؤُلَاءِ بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي ضَمِنَ الْمُودَعُ ، وَلَا يَبْرَأُ الْمَدْيُونُ ، وَلَكِنْ لَا يَرْجِعُ عَلَى مَنْ أَنْفَقَ عَلَيْهِ ، وَلَوْ اجْتَمَعَ الدَّيْنُ الْوَدِيعَةُ فَالْقَاضِي يَأْمُرُ بِالْإِنْفَاقِ مِنْ الْوَدِيعَةِ لِأَنَّهُ أَنْظَرُ لِلْغَائِبِ فَإِنَّ الدَّيْنَ مَحْفُوظٌ لَا يَحْتَمِلُ الْهَلَاكَ بِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ ا هـ ، وَكُتِبَ عَلَى قَوْلِهِ إلَّا لِهَؤُلَاءِ مَا نَصُّهُ ، وَهُمْ الزَّوْجَةُ وَالْوَالِدَانِ وَالْوَلَدُ الصَّغِيرُ ، وَيُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ الْأَوْلَادُ الْكِبَارُ الْإِنَاثُ وَالذُّكُورُ الْكِبَارُ الزَّمْنَى وَنَحْوُهُمْ لِأَنَّهُمْ كَالصِّغَارِ لِلْعَجْزِ عَنْ الْكَسْبِ . ا هـ . فَتْحٌ
(قَوْلُهُ لِأَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ لَا يَجُوزُ) وَإِيفَاءُ حَقٍّ وَجَبَ عَلَى الْغَائِبِ مِنْ مَالِهِ جَائِزٌ وَالْقَضَاءُ بِنَفَقَةِ هَؤُلَاءِ إيفَاءٌ لِمَا وَجَبَ عَلَى الْغَائِبِ ، وَلَيْسَ بِقَضَاءٍ لِأَنَّ الْقَضَاءَ إيجَابٌ مَا لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا قَبْلَ الْقَضَاءِ ، وَقَدْ

(3/59)


هَؤُلَاءِ وَاجِبَةٌ قَبْلَ الْقَضَاءِ فَلِهَذَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوهَا قَبْلَ الْقَضَاءِ بِدُونِ رِضَاهُ فَيَكُونُ الْقَضَاءُ فِي حَقِّهِمْ إعَانَةً وَفَتْوَى مِنْ الْقَاضِي بِخِلَافِ غَيْرِ الْوِلَادِ مِنْ الْأَقَارِبِ لِأَنَّ نَفَقَتَهُمْ غَيْرُ وَاجِبَةٍ قَبْلَ الْقَضَاءِ ، وَلِهَذَا لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا مِنْ مَالِهِ شَيْئًا قَبْلَ الْقَضَاءِ إذَا ظَفِرُوا بِهِ فَكَانَ الْقَضَاءُ فِي حَقِّهِمْ ابْتِدَاءَ إيجَابٍ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ عَلَى الْغَائِبِ ، وَلَوْ لَمْ يُقِرَّ الَّذِي فِي يَدِهِ الْمَالُ بِذَلِكَ ، وَلَمْ يَعْلَمْ الْقَاضِي فَأَرَادَتْ الْمَرْأَةُ إثْبَاتَ الْمَالِ أَوْ الزَّوْجِيَّةِ أَوْ مَجْمُوعِهِمَا بِالْبَيِّنَةِ لِيُقْضَى لَهَا فِي مَالِ الْغَائِبِ أَوْ لِتُؤْمَرَ بِالِاسْتِدَانَةِ لَا يُقْضَى لَهَا بِذَلِكَ لِأَنَّ ذَلِكَ قَضَاءٌ عَلَى الْغَائِبِ
وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تُسْمَعُ بَيِّنَتُهَا ، وَلَا يُقْضَى بِالنِّكَاحِ ، وَتُعْطَى النَّفَقَةَ مِنْ مَالِ الزَّوْجِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ تُؤْمَرُ بِالِاسْتِدَانَةِ لِأَنَّ قَبُولَ الْبَيِّنَةِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ نَظَرًا لَهَا ، وَلَيْسَ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الْغَائِبِ لِأَنَّهُ لَوْ حَضَرَ ، وَصَدَّقَهَا أَوْ أَثْبَتَتْ ذَلِكَ بِطَرِيقَةٍ كَانَتْ آخِذَةً لِحَقِّهَا ، وَإِلَّا فَيَرْجِعُ عَلَيْهَا أَوْ عَلَى الْكَفِيلِ ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَوَّلًا ثُمَّ رَجَعَ إلَى مَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ ، وَكَانَ أَبُو يُوسُفَ يَقُولُ أَوَّلًا يُقْضَى بِبَيِّنَتِهَا ، وَيَثْبُتُ بِهِ النِّكَاحُ أَيْضًا ثُمَّ رَجَعَ إلَى مَا ذُكِرَ هُنَا

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِمُعْتَدَّةِ الطَّلَاقِ) أَيْ تَجِبُ النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى لِمُعْتَدَّةِ الطَّلَاقِ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْبَائِنِ وَالرَّجْعِيِّ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا نَفَقَةَ لِلْمُبَانَةِ إلَّا أَنْ تَكُونَ حَامِلًا لِمَا رُوِيَ «أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ قَالَتْ طَلَّقَنِي زَوْجِي ثَلَاثًا ، وَلَمْ يَجْعَلْ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُكْنَى وَلَا نَفَقَةً» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ ، وَعَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ عَنْ «النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا قَالَ لَيْسَ لَهَا نَفَقَةٌ وَلَا سُكْنَى» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ ، وَفِيمَا رَوَاهُ عَنْهَا مُسْلِمٌ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «لَا نَفَقَةَ لَهَا إلَّا أَنْ تَكُونَ حَامِلًا» الْحَدِيثَ ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق : 6] وَلِأَنَّهَا بِإِزَاءِ التَّمْكِينِ ، وَلَا تَمْكِينَ هُنَا لِعَدَمِ الْحِلِّ إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَتْ حَامِلًا تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْحَمْلِ لِكَوْنِهِ وَلَدَهُ ، وَلَنَا قَوْلُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا نَدْعُ كِتَابَ رَبِّنَا وَسُنَّةَ نَبِيِّنَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِقَوْلِ امْرَأَةٍ لَا نَدْرِي لَعَلَّهَا حَفِظَتْ أَوْ نَسِيَتْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ ، وَفِيمَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيّ زِيَادَةُ قَوْلِهِ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «لِلْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى» ، وَمُرَادُهُ بِقَوْلِهِ كِتَابُ رَبِّنَا قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق : 1] إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَ مِنْ الْآيَاتِ
وَوَجْهُ التَّمَسُّكِ بِهِ أَنَّهُ تَعَالَى نَهَى عَنْ إخْرَاجِهِنَّ وَخُرُوجِهِنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ} [الطلاق : 1] وَأَوْجَبَ النَّفَقَةَ وَالسُّكْنَى عَلَى الْأَزْوَاجِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطلاق : 6] وَفِي مُصْحَفِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ مِنْ وُجْدِكُمْ ، وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الرَّجْعِيِّ وَالْبَائِنِ ، وَهَذَا لِأَنَّ النَّفَقَةَ تَجِبُ جَزَاءَ الِاحْتِبَاسِ بِحَقِّهِ صِيَانَةً لِمَائِهِ ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِيهِمَا ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَهَى عَنْ مُضَارَّتِهِنَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ} [الطلاق : 6] فَلَوْ لَمْ تَكُنْ لَهَا النَّفَقَةُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَتَضَرَّرَتْ فَأَيُّ ضَرَرٍ وَأَيُّ تَضْيِيقٍ أَشَدُّ مِنْ مَنْعِ النَّفَقَةِ مَعَ الْحَبْسِ بِحَقِّهِ ، وَأَيُّ جَرِيمَةٍ أَوْجَبَتْ ذَلِكَ فَإِنْ قِيلَ لَا نُسَلِّمُ عُمُومَ الْآيَةِ بَلْ الْمُرَادُ بِهَا الْمُطَلَّقَةُ رَجْعِيًّا بِدَلِيلٍ قَوْله تَعَالَى {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق : 2] إذْ لَا خِيَارَ لَهُ فِي الْبَائِنِ قُلْنَا صَدْرُ الْآيَةِ عَامٌّ فَلَا يَبْطُلُ بِذِكْرِ حُكْمٍ يَخُصُّ بَعْضَ مَا تَنَاوَلَهُ الصَّدْرُ فِي آخِرِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة : 228] يَتَنَاوَلُ الْبَائِنَ وَالرَّجْعِيَّ ثُمَّ لَا يُبْطِلُ عُمُومَهُ بِقَوْلِهِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ
وَتَخْصِيصُ الْحَامِلِ بِالذِّكْرِ لَا يَنْفِي الْحُكْمَ عَمَّنْ عَدَاهَا إذْ لَوْ نُفِيَ لَنُفِيَ عَنْ الْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّ أَيْضًا إذَا كَانَتْ حَائِلًا ، وَإِنَّمَا خُصَّتْ الْحَامِلُ بِالذِّكْرِ لِشِدَّةِ الْعِنَايَةِ بِهَا لِمَا يَلْحَقُهَا مِنْ الْمَشَاقِّ بِالْحَمْلِ وَطُولِ مُدَّتِهِ أَوْ لِإِزَالَةِ الْوَهْمِ لِأَنَّهُ يُتَوَهَّمُ سُقُوطُهَا لِطُولِ الْمُدَّةِ ، وَحَدِيثُ فَاطِمَةَ لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
اسْتَشْكَلَهُ السُّرُوجِيُّ ، وَقَالَ : الْقَاضِي لَيْسَ بِمُشَرِّعٍ ، وَمَا ذَاكَ إلَّا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَقَلَهُ الطَّرَسُوسِيُّ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَإِلَّا فَيَرْجِعُ عَلَيْهَا أَوْ عَلَى الْكَفِيلِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَعَمَلُ الْقُضَاةِ الْيَوْمَ عَلَى هَذَا أَنَّهُ يُقْضَى بِالنَّفَقَةِ عَلَى الْغَائِبِ لِحَاجَةِ النَّاسِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَيْ عَلَى قَوْلِ زُفَرَ ، وَقَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى وَالتَّتِمَّةِ وَالْقُضَاةُ إنَّمَا يَقْبَلُونَ الْبَيِّنَةَ الْيَوْمَ عَلَى النِّكَاحِ لِلْفَرْضِ ، وَيَفْرِضُونَ لِأَنَّهُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ إمَّا لِأَنَّ فِيهِ خِلَافَ زُفَرَ أَوْ لِأَنَّ فِيهِ خِلَافَ أَبِي يُوسُفَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ مُطْلَقًا أَوْ عَلَى قَوْلِهِ الْأَوَّلِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْمُخْتَصَرِ لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهِ ثُمَّ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَفْرِضُ لَا تَحْتَاجُ الْمَرْأَةُ إلَى إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ أَنَّ الزَّوْجَ لَمْ يُخَلِّفْ لَهَا النَّفَقَةَ

(قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا نَفَقَةَ لِلْمُبَانَةِ إلَخْ) وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو اللَّيْثِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ، وَقَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ أَيْضًا لَيْسَ لَهَا سُكْنَى وَلَا نَفَقَةٌ إذَا لَمْ يَمْلِكْ زَوْجُهَا الرَّجْعَةَ ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَالشَّعْبِيِّ ا هـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لَا نَفَقَةَ لِلْمُبَانَةِ) وَهِيَ الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا وَالْمُخْتَلِعَةُ إذْ لَا بَيْنُونَةَ عِنْدَهُ بِغَيْرِ ذَلِكَ . ا هـ . فَتْحٌ ، وَلَهَا السُّكْنَى . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِمَا رُوِيَ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ قَالَتْ طَلِّقْنِي إلَخْ) أَخْرَجَ مُسْلِمٌ أَنَّ أَبَا عَمْرِو بْنَ حَفْصِ بْنِ الْمُغِيرَةِ خَرَجَ مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ إلَى الْيَمَنِ فَأَرْسَلَ إلَى امْرَأَتِهِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ بِتَطْلِيقَةٍ كَانَتْ بَقِيَتْ مِنْ طَلَاقِهَا ، وَعَلَى هَذَا فَتُحْمَلُ رِوَايَةُ الثَّلَاثِ عَلَى أَنَّهُ أَوْقَعَ وَاحِدَةً هِيَ تَمَامُ الثَّلَاثِ . ا هـ . فَتْحٌ
(قَوْلُهُ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ) لَمْ يَرْوِ مُسْلِمٌ هَذَا ، وَإِنَّمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادِ مُسْلِمٍ قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ، وَفِي شَرْحِ الْكَنْزِ نَسَبَهُ إلَى مُسْلِمٍ قَالَ لَكِنَّ الْحَقَّ مَا عَلِمْت ا هـ (قَوْلُهُ إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَتْ حَامِلًا يَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْحَمْلِ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ وَالْجَوَابُ أَنَّ شَرْطَ قَبُولِ خَبَرِ الْوَاحِدِ عَدَمُ طَعْنِ السَّلَفِ فِيهِ ، وَعَدَمُ الِاضْطِرَابِ ، وَعَدَمُ مُعَارِضٍ يَجِبُ تَقْدِيمُهُ ، وَالْمُتَحَقِّقُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ضِدُّ كُلٍّ مِنْ هَذِهِ الْأُمُور ا هـ (قَوْلُهُ وَمُرَادُهُ بِقَوْلِهِ كِتَابُ رَبِّنَا إلَخْ) قَالَ عِيسَى بْنُ أَبَانَ أَرَادَ بِقَوْلِهِ كِتَابُ رَبِّنَا وَسُنَّةُ نَبِيِّنَا الْقِيَاسَ الصَّحِيحُ لِثُبُوتِ كَوْنِهِ حُجَّةً بِهِمَا إذْ لَوْ كَانَ مُرَادُهُ عَيْنَهُمَا لَذَكَرَهُمَا . ا هـ . شَرْحُ الْبَدَائِعِ لِلْهَدْيِ (قَوْلُهُ صِيَانَةً لِمَائِهِ) وَلِهَذَا كَانَ لَهَا السُّكْنَى بِالْإِجْمَاعِ . ا هـ . هِدَايَةٌ

(3/60)


لِوُجُوهٍ أَحَدُهَا أَنَّ كِبَارَ الصَّحَابَةِ أَنْكَرُوا عَلَيْهَا كَعُمَرَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ وَعَائِشَةَ حَتَّى قَالَتْ لِفَاطِمَةَ فِيمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَلَا تَتَّقِي اللَّهَ ، وَرُوِيَ أَنَّهَا قَالَتْ لَهَا لَا خَيْرَ لَك فِيهِ
وَمِثْلُ هَذَا الْكَلَامِ لَا يُقَالُ إلَّا لِمَنْ ارْتَكَبَ بِدْعَةً مُحَرَّمَةً ، وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ لَمَّا حَدَّثَ الشَّعْبِيُّ عَنْهَا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَخَذَ الْأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ كَفًّا مِنْ حَصَى وَحَصَبَ بِهِ الشَّعْبِيَّ فَقَالَ لَهُ وَيْلَك أَتُحَدِّثُ بِمِثْلِ هَذَا الْحَدِيثِ ، وَقَالَ أَبُو سَلَمَةَ أَنْكَرَ النَّاسُ عَلَيْهَا فَصَارَ مُنْكَرًا فَلَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ ، وَالثَّانِي لِاضْطِرَابِهِ فَإِنَّهُ جَاءَ طَلَّقَهَا أَلْبَتَّةَ ، وَجَاءَ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ، وَجَاءَ أَرْسَلَ إلَيْهَا بِتَطْلِيقَةِ كَانَتْ بَقِيَتْ مِنْ طَلَاقِهَا ، وَجَاءَ طَلَّقَهَا أَلْبَتَّةَ ، وَهُوَ غَائِبٌ ، وَجَاءَ مَاتَ عَنْهَا ، وَجَاءَ حِينَ قُتِلَ زَوْجُهَا ، وَجَاءَ طَلَّقَهَا أَبُو عَمْرِو بْنُ حَفْصٍ ، وَجَاءَ طَلَّقَهَا أَبُو حَفْصِ بْنُ الْمُغِيرَةِ فَلَمَّا اضْطَرَبَ سَقَطَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ ، وَالثَّالِثُ أَنَّ نَفَقَتَهَا سَقَطَتْ بِتَطْوِيلِ لِسَانِهَا عَلَى أَحْمَائِهَا فَلَعَلَّهَا أُخْرِجَتْ لِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [الطلاق : 1] وَهُوَ أَنْ تُفْحِشَ عَلَى أَهْلِ الرَّجُلِ فَتُؤْذِيَهُمْ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ ذَكَرَهُ السَّفَاقِسِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ
وَفِي مُصْحَفِ أُبَيٍّ إلَّا أَنْ يُفْحِشَ عَلَيْكُمْ ، وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ لِفَاطِمَةَ تِلْكَ امْرَأَةٌ فَتَنَتْ النَّاسَ كَانَتْ لَسِنَةً فَوَضَعَتْ عَلَى يَدِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ ، وَعَنْ عَائِشَةَ بِمَعْنَاهُ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَفْرِضْ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَجْلِ ذَلِكَ لِأَنَّهَا تَكُونُ بِهِ نَاشِزَةً ، وَشَرْطُ وُجُوبِ النَّفَقَةِ أَنْ تَكُونَ مَحْبُوسَةً فِي بَيْتِهِ وَالشَّافِعِيُّ احْتَجَّ بِهِ ثُمَّ تَرَكَ الْعَمَلَ بِهِ فِي حَقِّ السُّكْنَى ، وَلِأَنَّ هَذَا حِكَايَةُ حَالٍ فَلَا يُمْكِنُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ أَلَا تَرَى إلَى مَا يُرْوَى عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ كَانَتْ رُخْصَةً لِعِلَّةٍ ، وَقَوْلُهُ النَّفَقَةُ بِإِزَاءِ التَّمْكِينِ ، وَلَا تَمْكِينَ هُنَا لِعَدَمِ الْحِلِّ قُلْنَا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ بِإِزَائِهِ بَلْ لِأَجْلِ الِاحْتِبَاسِ بِحَقِّ الزَّوْجِ ، وَهُوَ الْمُؤَثِّرُ فِيهِ لِأَنَّ مَنْ كَانَ مَحْبُوسًا لِأَجْلِ غَيْرِهِ تَكُونُ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ أَصْلُهُ الْقَاضِي وَالْمُضَارِبُ ، وَلَا تَأْثِيرَ لِعَدَمِ الْحِلِّ فِي سُقُوطِ النَّفَقَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ امْرَأَتِهِ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَالْمُظَاهَرِ مِنْهَا وَكَذَا إذَا فَاتَ التَّمْكِينُ حِسًّا بِنَحْوِ الْمَرَضِ لَا تَسْقُطُ النَّفَقَةُ
وَقَوْلُهُ إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَتْ حَامِلًا يَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْحَمْلِ لَا يَصِحُّ لِوُجُوهٍ أَحَدُهَا أَنَّ النَّفَقَةَ لَوْ كَانَتْ لِلْحَمْلِ لَوَجَبَتْ فِي مَالِ الْحَمْلِ كَنَفَقَةِ أَوْلَادِهِ الصِّغَارِ ، وَثَانِيهَا أَنَّ امْرَأَتَهُ لَوْ كَانَتْ أَمَةً وَبَتَّ طَلَاقَهَا وَهِيَ حَامِلٌ لَوَجَبَتْ نَفَقَتُهَا عَلَى مَوْلَاهَا لَا عَلَى الزَّوْجِ لِأَنَّ الْحَمْلَ مِلْكُهُ ، وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ لِشَخْصٍ ، وَحَمَّلَهَا الْآخَرُ لَوَجَبَتْ النَّفَقَةُ عَلَى صَاحِبِ الْحَمْلِ ، وَثَالِثُهَا أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ لِلْحَمْلِ لَسَقَطَتْ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ كَنَفَقَةِ الْأَقَارِبِ ، وَهِيَ لَا تَسْقُطُ عِنْدَهُمْ بِمُضِيِّهِ ، وَرَابِعُهَا أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ لِلْحَمْلِ لَتَعَدَّدَتْ بِتَعَدُّدِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا لِلْمَوْتِ وَالْمَعْصِيَةِ) أَيْ لَا تَجِبُ النَّفَقَةُ لِلْمُعْتَدَّةِ عَنْ الْوَفَاةِ ، وَلَا لِمُعْتَدَّةِ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا بِمَعْصِيَةٍ مِنْ جِهَتِهَا كَالرِّدَّةِ وَتَقْبِيلِ ابْنِ الزَّوْجِ أَمَّا الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا فَلِأَنَّ الِاحْتِبَاسَ لَيْسَ بِحَقِّ الزَّوْجِ بَلْ لِحَقِّ الشَّرْعِ وَجَبَتْ عَلَيْهَا عِبَادَةً ، وَلِهَذَا لَا يُرَاعَى فِيهَا مَعْنَى التَّعَرُّفِ عَنْ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ بِالْحَيْضِ مَعَ الْإِمْكَانِ فَلَا تَجِبُ نَفَقَتُهَا عَلَى الزَّوْجِ ، وَلِأَنَّ النَّفَقَةَ تَجِبُ سَاعَةً فَسَاعَةً ، وَلَا مِلْكَ لَهُ بَعْدَ الْمَوْتِ
وَلَا يُمْكِنُ إيجَابُهَا فِي مِلْكِ الْوَرَثَةِ لِانْعِدَامِ الِاحْتِبَاسِ لِأَجْلِهِمْ ، وَأَمَّا إذَا حَصَلَتْ الْفُرْقَةُ بِمَعْصِيَةٍ مِنْ جِهَتِهَا فَلِأَنَّهَا صَارَتْ حَابِسَةً نَفْسَهَا بِغَيْرِ حَقٍّ فَصَارَتْ كَالنَّاشِزَةِ بَلْ أَبْعَدَ لِأَنَّهَا أَزَالَتْ الْحِلَّ وَالنِّكَاحَ بَيْنَهُمَا فَلَا تَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ بِخِلَافِ الْمَهْرِ إذَا كَانَتْ الرِّدَّةُ وَنَحْوُهَا بَعْدَ الدُّخُولِ حَيْثُ تَجِبُ لَهَا لِأَنَّهُ يَجِبُ بِالتَّسْلِيمِ ، وَقَدْ وُجِدَ ، وَلَوْ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا بِاللِّعَانِ أَوْ الْإِيلَاءِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(قَوْلُهُ أَلَا تَتَّقِي اللَّهَ) يَعْنِي فِي قَوْلِهَا لَا نَفَقَةَ ، وَلَا سُكْنَى . ا هـ . فَتْحٌ (قَوْلُهُ لَا تَجِبُ النَّفَقَةُ لِلْمُعْتَدَّةِ عَنْ الْوَفَاةِ) أَيْ فِي تَرِكَةِ الزَّوْجِ وَإِنَّمَا يُنْفِقُ عَلَيْهَا مِنْ حِصَّتِهَا مِنْ الْمِيرَاثِ سَوَاءٌ كَانَتْ حَامِلًا أَوْ غَيْرَ حَامِلٍ قَالَ الطَّحَاوِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَلَا سُكْنَى لِلْمُتَوَفَّى زَوْجُهَا وَلَا نَفَقَةُ فِي مَالِ الزَّوْجِ حَامِلًا كَانَتْ أَوْ غَيْرَ حَامِلٍ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ قَدْ كَانَتْ نَفَقَتُهَا وَاجِبَةً فِي مَالِ الْمَيِّتِ بِقَوْلِهِ {وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ} [البقرة : 240] فَنُسِخَتْ هَذِهِ النَّفَقَةُ بِالْمِيرَاثِ ، وَبِقَوْلِهِ {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ} [البقرة : 228] فَأَوْجَبَ نَفَقَتَهَا عَلَى نَفْسِهَا ، وَقَطَعَهَا مِنْ مَالِ الزَّوْجِ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ قَالَ هِلَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي أَوْقَافِهِ فِي بَابِ الرَّجُلِ يَقِفُ الْأَرْضَ عَلَى فُقَرَاءِ قَرَابَتِهِ وَفُقَرَاءِ وَلَدِهِ وَنَسْلِهِ قُلْت أَرَأَيْت إذَا قَالَ أَرْضِي صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ عَلَى فُقَرَاءِ قَرَابَتِي فَجَاءَتْ الْغَلَّةُ يَوْمَ وَلَدَتْ امْرَأَةٌ مِنْ قَرَابَتِهِ وَلَدًا فَقِيرًا كَانَ مَخْلُوقًا فِي الْبَطْنِ قَبْلَ مَجِيءِ الْغَلَّةِ فَجَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ قَالَ لَا حَقَّ لَهَا فِي الْغَلَّةِ لِأَنَّ مَا فِي الْبَطْنِ لَا يُوصَفُ بِالْفَقْرِ ، وَإِنَّمَا الْفَقِيرُ مَنْ كَانَ مُحْتَاجًا
وَمَا فِي الْبَطْنِ لَا يُحْتَاجُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْحَامِلَ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا لَا يُنْفَقُ عَلَيْهَا مِنْ مَالِ مَا فِي بَطْنِهَا ، وَإِنَّمَا يُنْفَقُ عَلَيْهَا مِنْ حِصَّتِهَا لِأَنَّهُمْ لَمْ يَجْعَلُوا الْوَلَدَ فِي بَطْنِهَا مُحْتَاجًا إلَى شَيْءٍ . ا هـ . (قَوْلُهُ بَلْ لِحَقِّ الشَّرْعِ) وَلِهَذَا يَجِبُ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ لِلْوَفَاةِ قَبْلَ الدُّخُولِ . ا هـ . رَازِيٌّ (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا أَزَالَتْ الْحِلَّ ، وَالنِّكَاحَ بَيْنَهُمَا فَلَا تَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَإِنَّمَا قُيِّدَ بِالنَّفَقَةِ احْتِرَازًا عَنْ السُّكْنَى لِأَنَّ السُّكْنَى وَاجِبٌ لَهَا لِأَنَّ الْقَرَارَ فِي الْبَيْتِ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهَا فَلَا يَسْقُطُ ذَلِكَ بِمَعْصِيَتِهَا فَأَمَّا النَّفَقَةُ فَوَاجِبَةٌ لَهَا فَيَسْقُطُ ذَلِكَ بِمَجِيءِ الْفُرْقَةِ مِنْ قِبَلِهَا بِمَعْصِيَةٍ ا هـ قَالَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَأَمَّا إذَا وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ مِنْ قِبَلِ الْمَرْأَةِ إنْ وَقَعَتْ بِفِعْلٍ مُبَاحٍ كَخِيَارِ الْبُلُوغِ وَخِيَارِ الْعِتْقِ وَعَدَمِ الْكَفَاءَةِ كَانَ لَهَا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى ، وَإِنْ وَقَعَتْ بِفِعْلٍ مَحْظُورٍ كَالرِّدَّةِ وَمُطَاوَعَةِ ابْنِ الزَّوْجِ لَيْسَ لَهَا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى ا هـ
فَقَوْلُهُ لَيْسَ لَهَا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى ظَاهِرُهُ نَفْيُ وُجُوبِ النَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى فَفِيهِ مُخَالَفَةٌ لِمَا ذَكَرَهُ الْأَتْقَانِيُّ مِنْ وُجُوبِ السُّكْنَى ، وَيَحْتَمِلُ قَوْلُ قَاضِي خَانْ لَيْسَ لَهَا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى أَيْ لَا تَسْتَحِقُّهُمَا بَلْ أَحَدُهُمَا فَقَطْ وَهُوَ النَّفَقَةُ ، وَوَجْهُ هَذَا الِاحْتِمَالِ ظَاهِرٌ ، وَعَلَى هَذَا الِاحْتِمَالِ فَلَا مُخَالَفَةَ ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ ا هـ . وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة نَقْلًا عَنْ الْخَانِيَّةِ لَوْ قَبَّلَتْ ابْنَ الزَّوْجِ حَتَّى وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ لَا نَفَقَةَ لَهَا ، وَلَهَا السُّكْنَى ا هـ

(3/61)


أَوْ الْعُنَّةِ أَوْ الْجَبِّ فَلَهَا النَّفَقَةُ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ مُضَافَةٌ إلَى الزَّوْجِ ، وَكَذَا إذَا وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا بِخِيَارِ الْبُلُوغِ أَوْ الْعِتْقِ أَوْ عَدَمِ الْكَفَاءَةِ ، وَلَوْ أَسْلَمَتْ الْمَرْأَةُ وَأَبَى الزَّوْجُ أَنْ يُسْلِمَ فَلَهَا النَّفَقَةُ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ بِالْإِبَاءِ وَهُوَ مِنْهُ ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَسْلَمَ الزَّوْجُ وَأَبَتْ هِيَ حَيْثُ لَا يَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ جَاءَ مِنْ قِبَلِهَا
وَلِهَذَا يَسْقُطُ بِهِ مَهْرُهَا كُلُّهُ إذَا كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَرِدَّتُهَا بَعْدَ الْبَتِّ تُسْقِطُ نَفَقَتُهَا لَا تَمْكِينُ ابْنِهِ) أَيْ إذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ ارْتَدَّتْ ، وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا ، وَلَوْ مَكَّنَتْ ابْنَ الزَّوْجِ بَعْدَمَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا أَوْ وَاحِدَةً بَائِنَةً لَا تَسْقُطُ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ تَثْبُتُ بِالطَّلَاقِ الْبَائِنِ ، وَلَا تَأْثِيرَ لِلرِّدَّةِ فِيهَا وَلَا لِلتَّمْكِينِ غَيْرَ أَنَّ الْمُرْتَدَّةَ تُحْبَسُ ، وَلَا نَفَقَةَ لِلْمَحْبُوسَةِ لِمَا بَيَّنَّا ، وَالْمُمَكِّنَةُ لَا تُحْبَسُ فَافْتَرَقَا حَتَّى لَوْ أَسْلَمَتْ الْمُرْتَدَّةُ ، وَعَادَتْ إلَى بَيْتِ الزَّوْجِ وَجَبَتْ لَهَا النَّفَقَةُ لِزَوَالِ الْمَانِعِ فَصَارَتْ كَالنَّاشِزَةِ إذَا رَجَعَتْ إلَى مَنْزِلِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بِالرِّدَّةِ بِأَنْ ارْتَدَّتْ قَبْلَ الطَّلَاقِ حَيْثُ لَا تَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ ، وَإِنْ أَسْلَمَتْ وَعَادَتْ إلَى مَنْزِلِهِ لِأَنَّهَا بِالرِّدَّةِ فَوَّتَتْ عَلَيْهِ مِلْكَ النِّكَاحِ ، وَهُوَ لَا يَعُودُ بِعَوْدِهَا إلَى مَنْزِلِ الزَّوْجِ
وَلَوْ لَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدَّةً ثُمَّ عَادَتْ مُسْلِمَةً فَلَا نَفَقَةَ لَهَا كَيْفَمَا كَانَ لِأَنَّ الْعِدَّةَ تَسْقُطُ بِاللِّحَاقِ حُكْمًا لِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَوْتِ فَانْعَدَمَ السَّبَبُ الْمُوجِبُ .

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِطِفْلِهِ الْفَقِيرِ) يَعْنِي تَجِبُ النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ عَلَيْهِ لِأَوْلَادِهِ الصِّغَارِ الْفُقَرَاءِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة : 233] ، وَالْمَوْلُودُ لَهُ هُوَ الْأَبُ فَأَوْجَبَ عَلَيْهِ رِزْقَ النِّسَاءِ لِأَجْلِ الْأَوْلَادِ فَلَأَنْ تَجِبَ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْأَوْلَادِ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى ، وَإِنَّمَا قُلْنَا أَوْجَبَ عَلَيْهِ لِأَجْلِ الْأَوْلَادِ لِأَنَّ تَرْتِيبَ الْحُكْمِ عَلَى الِاسْمِ الْمُشْتَقِّ مِنْ مَعْنًى يَدُلُّ عَلَى عَلِيَّةِ ذَلِكَ الْمَعْنَى كَ {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة : 38] أَوْ نَقُولُ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ عَلَيْهِ أُجْرَةَ الْإِرْضَاعِ بِمَا تَلَوْنَا ، وَهُوَ نَفَقَةٌ لِلْوَلَدِ ، وَلَا يُشَارِكُهُ فِيهِ أَحَدٌ لِمَا تَلَوْنَا
وَتَقْيِيدُهُ بِالطِّفْلِ وَالْفَقِيرِ يُفِيدُ عَدَمَ وُجُوبِهَا إذَا كَانَ الْوَلَدُ غَنِيًّا أَوْ كَبِيرًا ، وَهَذَا صَحِيحٌ لِأَنَّ الْغَنِيَّ يَأْكُلُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ ، وَالْبَالِغَ إذَا كَانَ ذَكَرًا ، وَهُوَ صَحِيحٌ لَا تَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَى أَبِيهِ وَلَا عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْأَقَارِبِ عَلَى مَا يَجِيءُ مِنْ قَرِيبٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا تُجْبَرُ أُمُّهُ لِتُرْضِعَ) أَيْ لَا تُجْبَرُ أُمُّ الصَّغِيرِ عَلَى إرْضَاعِ وَلَدِهَا لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ النَّفَقَةَ عَلَى الْأَبِ ، وَالْإِرْضَاعَ نَفَقَةٌ لَهُ فَكَانَ عَلَى الْأَبِ ، وَرُبَّمَا تَعْجِزُ عَنْ إرْضَاعِهِ ، وَامْتِنَاعُهَا دَلِيلٌ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا لَا تَمْتَنِعُ عَنْ إرْضَاعِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ غَالِبًا ، وَهُوَ كَالْمُتَحَقِّقِ فَإِلْزَامُهَا إيَّاهُ بَعْدَ ذَلِكَ يَكُونُ إضْرَارًا بِهَا ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا} [البقرة : 233] ، وَتُؤْمَرُ بِهِ دِيَانَةً لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الِاسْتِخْدَامِ كَكَنْسِ الْبَيْتِ وَالطَّبْخِ وَغَسْلِ الثِّيَابِ وَالْخَبْزِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهَا دِيَانَةً ، وَلَا يُجْبِرُهَا الْقَاضِي عَلَيْهِ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ عَلَيْهَا بَعْدَ النِّكَاحِ تَسْلِيمُ النَّفْسِ لِلِاسْتِمْتَاعِ لَا غَيْرُ
وَذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّ الْأَبَ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ ، وَلَا لِلْوَلَدِ مَالٌ تُجْبَرُ عَلَيْهِ ، وَتُجْعَلُ الْأُجْرَةُ دَيْنًا عَلَيْهِ كَمَا فِي نَفَقَتِهِ ، وَيُحْمَلُ هَذَا الْقَوْلُ عَلَى مَا إذَا طَلَّقَهَا ، وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَسْتَأْجِرُ مَنْ تُرْضِعُهُ عِنْدَهَا) أَيْ يَسْتَأْجِرُ الْأَبُ مَنْ تَرْضِعُهُ عِنْدَ الْأُمِّ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ النَّفَقَةَ عَلَى الْأَبِ وَالْحَضَانَةَ لَهَا ، وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُرْضِعَةِ أَنْ تَمْكُثَ عِنْدَ الْأُمِّ إذَا لَمْ يَشْرُطْ ذَلِكَ عَلَيْهَا بَلْ تُرْضِعُهُ ، وَتَرْجِعُ إلَى مَنْزِلِهَا أَوْ تَحْمِلُ الصَّبِيَّ مَعَهَا إلَيْهِ أَوْ تُرْضِعُهُ فِي فِنَاءِ الدَّارِ ثُمَّ تَدْخُلُ بِهِ الدَّارَ إلَى أُمِّهِ هَذَا إذَا كَانَ يَجِدُ مَنْ تُرْضِعُهُ ، وَكَانَ الْوَلَدُ يَأْخُذُ ثَدْيَ غَيْرِهَا ، وَإِنْ كَانَ لَا يَجِدُ مَنْ تُرْضِعُهُ أَوْ كَانَ لَا يَأْخُذُ ثَدْيَ غَيْرِهَا تُجْبَرُ عَلَيْهِ صِيَانَةً عَنْ ضَيَاعِهِ ، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا تُجْبَرُ لِأَنَّهُ يَتَغَذَّى بِالدُّهْنِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمَائِعَاتِ فَلَا يُؤَدِّي إلَى ضَيَاعِهِ ، وَإِلَى الْأَوَّلِ مَالَ الْقُدُورِيُّ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ ، وَقَالَ مَالِكٌ تُجْبَرُ الْأُمُّ مُطْلَقًا إلَّا إذَا كَانَتْ شَرِيفَةً ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرْنَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا أُمَّهُ لَوْ مَنْكُوحَةً أَوْ مُعْتَدَّةً) أَيْ لَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُ أُمِّ الصَّبِيِّ إذَا كَانَتْ تَحْتَهُ أَوْ فِي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا بِخِيَارِ الْبُلُوغِ أَوْ الْعِتْقِ) قَالَ الرَّازِيّ بِخِلَافِ مَا إذَا وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ مِنْ قِبَلِهَا بِلَا مَعْصِيَةٍ كَخِيَارِ الْعِتْقِ وَالْبُلُوغِ وَالتَّفْرِيقِ بِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ فَإِنَّهَا تَجِبُ فِيهَا النَّفَقَةُ لِأَنَّهَا حَبَسَتْ نَفْسَهَا بِحَقٍّ ، وَذَا لَا يُسْقِطُ النَّفَقَةَ ا هـ
(قَوْلُهُ أَيْ إذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ ارْتَدَّتْ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا) لَا لِعَيْنِ الرِّدَّةِ ، وَلَكِنْ لِأَنَّهَا مَحْبُوسَةٌ بِحَقٍّ عَلَيْهَا ، وَالْحَبْسُ لِحَقٍّ عَلَيْهَا مُسْقِطٌ لِلنَّفَقَةِ كَالْمَحْبُوسَةِ بِدَيْنٍ عَلَيْهَا . ا هـ . رَازِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَوْ مَكَّنَتْ ابْنَ زَوْجِهَا بَعْدَمَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا إلَخْ) وَلَوْ مَكَّنَتْهُ قَبْلَ الطَّلَاقِ أَوْ بَعْدَ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ لَا تَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ . ا هـ . مُسْتَصْفَى قَالَ الرَّازِيّ فَإِنْ كَانَ رَجْعِيًّا إذَا مَكَّنَتْ ابْنَ زَوْجِهَا أَوْ ارْتَدَّتْ فَحُبِسَتْ أَوْ لَا فَلَا نَفَقَةَ لَهَا لِأَنَّ النِّكَاحَ بَاقٍ فَجَاءَتْ الْفُرْقَةُ بِمَعْصِيَةٍ مِنْ جِهَتِهَا فَتَسْقُطُ النَّفَقَةُ ا هـ (قَوْلُهُ وَلَا نَفَقَةَ لِلْمَحْبُوسَةِ) حَتَّى قَالُوا إذَا ارْتَدَّتْ وَلَمْ تُحْبَسْ بَعْدُ فَلَهَا النَّفَقَةُ . ا هـ . مُسْتَصْفَى (قَوْلُهُ وَجَبَتْ لَهَا النَّفَقَةُ لِزَوَالِ الْمَانِعِ) أَيْ وَهُوَ الْحَبْسُ . ا هـ . (قَوْلُهُ حَيْثُ لَا يَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ ، وَإِنْ أَسْلَمَتْ وَعَادَتْ إلَخْ) لِأَنَّ أَصْلَ الْفُرْقَةِ كَانَ مِنْ جِهَتِهَا بِمَعْصِيَةٍ ، وَلَا تَأْثِيرَ لِلرِّدَّةِ هُنَا فِي التَّفْرِيقِ لِأَنَّ التَّفْرِيقَ وَقَعَ قَبْلَ الرِّدَّةِ بِالطَّلَاقِ الْبَائِنِ . ا هـ .

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلِطِفْلِهِ الْفَقِيرِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَفِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا إنَّمَا تَجِبُ النَّفَقَةُ عَلَى الْأَبِ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلصَّغِيرِ مَالٌ قَالَ الْكَمَالُ وَأَطْلَقَهُ فَعَمَّ جَمِيعَ أَصْنَافِ الْمَالِ مِنْ الْعُرُوضِ وَالْحَيَوَانِ وَالْعَقَارِ حَتَّى إذَا كَانَ ذَلِكَ فَقَطْ فَلِلْأَبِ أَنْ يَبِيعَهُ وَيُنْفِقَهُ عَلَيْهِ ، وَكَذَا يُعْطِي مِنْهُ أَجْرَ رَضَاعِهِ ، وَهَذَا لِأَنَّ إيجَابَ نَفَقَةِ أَحَدِ الْمُوسِرَيْنِ عَلَى الْآخَرِ إذَا لَمْ يَكُنْ الِاحْتِبَاسُ ذَلِكَ لَهُ لَيْسَ بِأَوْلَى مِنْ إيجَابِ نَفَقَةِ ذَلِكَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ فَإِنَّهَا مُحْتَبِسَةٌ لِغَرَضٍ آخَرَ فَنَفَقَتُهَا عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ غَنِيَّةً ، أَمَّا الْوَلَدُ فَنَفَقَتُهُ لِلْحَاجَةِ وَبِغِنَاهُ انْدَفَعَتْ حَاجَتُهُ فَلَا تَجِبُ عَلَى غَيْرِهِ كَنَفَقَةِ الْمَحَارِمِ ا هـ
(قَوْلُهُ فَإِنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهَا دِيَانَةً) وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا . ا هـ . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيَسْتَأْجِرُ مَنْ تُرْضِعُهُ عِنْدَهَا) أَيْ إنْ أَرَادَتْ ذَلِكَ . ا هـ . رَازِيٌّ (قَوْلُهُ وَإِلَى الْأَوَّلِ مَالَ الْقُدُورِيُّ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ) وَهُوَ الْأَصْوَبُ لِأَنَّ قَصْرَ الرَّضِيعِ الَّذِي لَمْ يَأْنَسْ الطَّعَامَ عَلَى الدُّهْنِ وَالشَّرَابِ يُسَبِّبُ تَمْرِيضَهُ وَمَوْتَهُ ا هـ فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لَا أُمَّهُ) أَيْ لَا تُسْتَأْجَرُ ا هـ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ مُعْتَدَّةٌ)

(3/62)


عِدَّتِهِ لِأَنَّ الْإِرْضَاعَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهَا دِيَانَةً قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ} [البقرة : 233] الْآيَةَ ، وَهُوَ أَمَرَ بِصِيغَةِ الْخَبَرِ ، وَهُوَ آكَدُ فَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأَجْرِ عَلَيْهِ ، وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ تَأْخُذَ الْأُجْرَةَ عَلَى خِدْمَةِ الْبَيْتِ مِنْ الْكَنْسِ وَغَيْرِهِ
وَإِنَّمَا لَا تُجْبَرُ عَلَيْهِ لِاحْتِمَالِ عَجْزِهَا فَعُذِرَتْ فَإِذَا أَقْدَمَتْ عَلَيْهِ ظَهَرَتْ قُدْرَتُهَا فَلَا تُعْذَرُ ، وَقِيلَ إذَا كَانَتْ مُعْتَدَّةً عَنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ جَازَ اسْتِئْجَارُهَا لِأَنَّ النِّكَاحَ قَدْ زَالَ فَالْتَحَقَتْ بِالْأَجَانِبِ ، وَالْأَوَّلُ رَوَاهُ الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الْعِدَّةَ مِنْ أَحْكَامِ النِّكَاحِ ، وَلِهَذَا تَجِبُ فِيهَا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى ، وَلَا يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَيْهَا ، وَالشَّهَادَةُ لَهَا فَلَمْ يَنْقَطِعْ فِي حَقِّ هَذِهِ الْأَحْكَامِ فَكَذَا فِي هَذَا الْحُكْمِ ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ مَنْكُوحَتَهُ لِتُرْضِعَ وَلَدَهُ مِنْ غَيْرِهَا جَازَ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا إرْضَاعُهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَهِيَ أَحَقُّ بَعْدَهَا مَا لَمْ تَطْلُبْ زِيَادَةً) أَيْ الْأُمُّ أَوْلَى بِإِرْضَاعِ الْوَلَدِ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا مَا لَمْ تَطْلُبْ أَكْثَرَ مِنْ أُجْرَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ لِأَنَّهَا أَشْفَقُ وَأَنْظَرُ لِلصَّبِيِّ ، وَفِي الْأَخْذِ مِنْهَا إضْرَارٌ بِهَا فَكَانَتْ أَوْلَى فَإِنْ الْتَمَسَتْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يُجْبَرْ الْأَبُ عَلَيْهَا دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ} [البقرة : 233] أَيْ لَا تُضَارَّ هِيَ بِأَخْذِ الْوَلَدِ مِنْهَا ، وَلَا هُوَ بِإِلْزَامِهِ أَكْثَرَ مِنْ أُجْرَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى} [الطلاق : 6] وَإِنْ رَضِيَتْ الْأَجْنَبِيَّةُ أَنْ تَرْضِعَهُ بِغَيْرِ أَجْرٍ أَوْ بِدُونِ أَجْرِ الْمِثْلِ ، وَالْأُمُّ بِأَجْرِ الْمِثْلِ فَالْأَجْنَبِيَّةُ أَوْلَى لِمَا قُلْنَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِأَبَوَيْهِ وَأَجْدَادِهِ وَجَدَّاتِهِ لَوْ فُقَرَاءَ) أَيْ تَجِبُ النَّفَقَةُ لِهَؤُلَاءِ إذَا كَانُوا فُقَرَاءَ
أَمَّا الْأَبَوَانِ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان : 15] ، وَفَسَّرَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِحُسْنِ الْعِشْرَةِ بِأَنْ يُطْعِمَهُمَا إذَا جَاعَا وَيَكْسُوَهُمَا إذَا عَرِيَا نَزَلَتْ فِي حَقِّ الْأَبَوَيْنِ الْكَافِرَيْنِ بِدَلِيلِ مَا قَبْلَهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا} [العنكبوت : 8] وَلَيْسَ مِنْ الْإِحْسَانِ وَلَا مِنْ الْمَعْرُوفِ أَنْ يَعِيشَ فِي نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى وَيَتْرُكَهُمَا يَمُوتَانِ جُوعًا ، وَأَمَّا الْأَجْدَادُ وَالْجَدَّاتُ فَكَالْأَبَوَيْنِ ، وَلِهَذَا يَقُومَانِ مَقَامَ الْأَبِ وَالْأُمِّ فِي الْإِرْثِ وَغَيْرِهِ ، وَلِأَنَّهُمْ تَسَبَّبُوا لِإِحْيَائِهِ فَاسْتَوْجَبُوا عَلَيْهِ الْإِحْيَاءَ كَالْأَبَوَيْنِ ، وَشُرِطَ الْفَقْرُ لِتَتَحَقَّقَ الْحَاجَةُ بِخِلَافِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ حَيْثُ تَجِبُ مَعَ الْغِنَى لِأَنَّهَا تَجِبُ لِأَجْلِ الْحَبْسِ الدَّائِمِ كَرِزْقِ الْقَاضِي

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا تَجِبُ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ إلَّا بِالزَّوْجِيَّةِ وَالْوِلَادِ) أَيْ لَا تَجِبُ لِأَحَدٍ النَّفَقَةُ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ إلَّا بِسَبَبِ الزَّوْجِيَّةِ وَبِسَبَبِ قَرَابَةِ الْوِلَادِ أَمَّا الزَّوْجِيَّةُ فَلِأَنَّهَا تَجِبُ بِاعْتِبَارِ الْحَبْسِ الْمُسْتَحَقِّ بِعَقْدِ النِّكَاحِ ، وَذَلِكَ يَعْتَمِدُ صِحَّةَ الْعَقْدِ دُونَ اتِّحَادِ الْمِلَّةِ حَتَّى لَا تَجِبُ بِالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَلَا الْوَطْءِ بِشُبْهَةٍ ، وَأَمَّا بِسَبَبِ الْوِلَادِ فَلِمَا تَلَوْنَا ، وَلِأَنَّهُ جُزْؤُهُ وَنَفَقَةُ الْجُزْءِ لَا تَمْتَنِعُ بِالْكُفْرِ كَنَفَقَةِ نَفْسِهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ نَفَقَةُ أَبَوَيْهِ الْحَرْبِيَّيْنِ ، وَلَا يُجْبَرُ الْحَرْبِيُّ عَلَى إنْفَاقِ أَبِيهِ الْمُسْلِمِ أَوْ الذِّمِّيِّ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ بِطَرِيقِ الصِّلَةِ ، وَلَا تُسْتَحَقُّ الصِّلَةُ لِلْحَرْبِيِّ لِلنَّهْيِ عَنْ بِرِّهِمْ ، وَلِهَذَا لَا يَجْرِي الْإِرْثُ بَيْنَ مَنْ هُوَ فِي دَارِنَا وَبَيْنَهُمْ وَإِنْ اتَّحَدَتْ مِلَّتُهُمْ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وِلَادٌ كَالْأَخِ وَالْعَمِّ وَنَحْوِهِمَا لَا تَجِبُ نَفَقَتُهُ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ لِأَنَّ النَّفَقَةَ فِي غَيْرِ الْوِلَادِ تَتَعَلَّقُ بِالْقَرَابَةِ وَالْمَحْرَمِيَّةِ مُقَيَّدًا بِالْإِرْثِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة : 233] بِخِلَافِ الْعِتْقِ حَيْثُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَهَذَا فِي الْمُعْتَدَّةِ عَنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ ، وَكَذَا فِي الْمَبْتُوتَةِ فِي رِوَايَةٍ . ا هـ . هِدَايَةٌ
(قَوْلُهُ فَإِذَا أَقْدَمَتْ عَلَيْهِ ظَهَرَتْ قُدْرَتُهَا) أَيْ فَظَهَرَ أَنَّ الْفِعْلَ وَاجِبٌ عَلَيْهَا فَإِذَا اسْتَأْجَرَهَا عَلَى فِعْلٍ وَاجِبٍ عَلَيْهَا لَمْ تَجُزْ . ا هـ . رَازِيٌّ (قَوْلُهُ وَقِيلَ إذَا كَانَتْ مُعْتَدَّةً عَنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ جَازَ) صَرَّحَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ هَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ ا هـ فَتْحٌ ، وَقَوْلُهُ بَعْضُهُمْ كَقَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ وَالْخُلَاصَةِ فِي الْإِجَارَةِ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَالْأَوَّلُ رَوَاهُ الْحَسَنُ) وَهُوَ مُخْتَارُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ ، وَظَاهِرُ إطْلَاقِ الْقُدُورِيِّ . ا هـ . فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ اسْتَأْجَرَ مَنْكُوحَتَهُ إلَخْ) وَلَوْ اسْتَأْجَرَ لِوَلَدِهِ مِنْ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ الرَّحِمِ اللَّاتِي لَهُنَّ حَضَانَتُهُ جَازَ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِنَّ خِدْمَتُهُ ، وَلَا نَفَقَةَ لَهُنَّ عَلَى أَبِي الْوَلَدِ ، وَاسْتِئْجَارُ خَادِمِ الْأُمِّ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ فَمَا جَازَ فِي الْأُمِّ جَازَ فِي خَادِمِهَا ، وَمَا لَمْ يَجُزْ فِيهَا لَمْ يَجُزْ فِي خَادِمِهَا ، وَكَذَا مُدَبَّرَتُهَا فَإِنْ اسْتَأْجَرَ مُكَاتَبَتَهَا جَازَ لِأَنَّهَا كَالْأَجْنَبِيَّةِ . ا هـ . بَدَائِعُ
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ ، وَلِأَبَوَيْهِ وَأَجْدَادِهِ إلَخْ) يَدْخُلُ فِيهِ الْجَدُّ لِأَبٍ ، وَالْجَدُّ لِأُمٍّ ، وَإِنْ عَلَوَا . ا هـ . فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وُجِدَ أَنَّهُ) يَدْخُلُ فِيهِ جَدَّاتُهُ لِأَبِيهِ ، وَجَدَّاتُهُ لِأُمِّهِ وَإِنْ عَلَوْنَ . ا هـ . فَتْحٌ (قَوْلُهُ لَوْ فُقَرَاءَ) أَيْ لَا تَجِبُ عَلَى الْفَقِيرِ نَفَقَةٌ إلَّا لِلزَّوْجَةِ وَالْوَالِدَيْنِ وَالْوَلَدِ . ا هـ . مُحِيطِ (قَوْلُهُ تَجِبُ النَّفَقَةُ لِهَؤُلَاءِ) أَيْ وَإِنْ خَالَفُوهُ فِي دِينِهِ . ا هـ . (قَوْلُهُ إذَا كَانُوا فُقَرَاءَ) يُوَافِقُ بِإِطْلَاقِهِ قَوْلَ السَّرَخْسِيِّ حَيْثُ قَالَ إذَا كَانَ الْأَبُ قَادِرًا عَلَى الْكَسْبِ يُجْبَرُ الِابْنُ عَلَى نَفَقَتِهِ بِخِلَافِ قَوْلِ الْحَلْوَانِيِّ أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ الِابْنُ إذَا كَانَ الْأَبُ كَسُوبًا لِأَنَّهُ كَانَ غَنِيًّا بِاعْتِبَارِ الْكَسْبِ فَلَا ضَرُورَةَ فِي إيجَابِ النَّفَقَةِ عَلَى الْغَيْرِ ، وَإِذَا كَانَ الِابْنُ قَادِرًا عَلَى الْكَسْبِ لَا تَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَى الْأَبِ فَلَوْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا كَسُوبًا يَجِبُ أَنْ يَكْسِبَ الِابْنُ وَيُنْفِقَ عَلَى الْأَبِ فَالْمُعْتَبَرُ فِي إيجَابِ نَفَقَةِ الْوَالِدَيْنِ مُجَرَّدُ الْفَقْرِ قِيلَ هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ لِأَنَّ مَعْنَى الْأَذَى فِي اتِّكَالِهِ إلَى الْكَدِّ وَالتَّعَبِ أَكْثَرُ مِنْهُ فِي التَّأْفِيفِ الْمُحَرَّمِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء : 23] . ا هـ . كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ أَنَّ نَفَقَةَ الْوَالِدَيْنِ تَجِبُ عَلَى الْوَلَدِ وَإِنْ كَانَا قَادِرَيْنِ عَلَى الْكَسْبِ ثُمَّ ذَكَرَ اخْتِلَافَ الرِّوَايَةِ فِي الْأَبِ إذَا كَانَ كَسُوبًا . ا هـ . (قَوْلُهُ بِدَلِيلِ مَا قَبْلَهَا) وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا} [لقمان : 15] ا هـ .

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا تَجِبُ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ إلَّا بِالزَّوْجِيَّةِ وَالْوِلَادَةِ) مِثْلُ الْأَوْلَادِ الصِّغَارِ وَالْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ ا هـ ع (قَوْلُهُ وَأَمَّا بِسَبَبِ الْوِلَادَةِ فَلِمَا تَلَوْنَا) وَأَمَّا الْوَلَدُ فَصُورَتُهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ ذِمِّيٌّ ذِمِّيَّةً فَوَلَدَتْ وَلَدًا ثُمَّ أَسْلَمَتْ فَالْوَلَدُ يَتْبَعُهَا فِي الْإِسْلَامِ وَنَفَقَتُهُ عَلَى الْأَبِ لِأَنَّهُ جُزْؤُهُ . ا هـ . رَازِيٌّ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَنَفَقَةُ الصَّغِيرِ وَاجِبَةٌ عَلَى أَبِيهِ وَإِنْ خَالَفَهُ فِي دِينِهِ ، قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَهَذَا إذَا أَسْلَمَ الصَّغِيرُ الْعَاقِلُ وَأَبُوهُ كَافِرٌ أَوْ ارْتَدَّ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ وَأَبُوهُ مُسْلِمٌ لِأَنَّ إسْلَامَهُ وَارْتِدَادَهُ صَحِيحٌ عِنْدَنَا أَوْ اُعْتُبِرَ الصَّغِيرُ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِ أُمِّهِ ا هـ

(3/63)


يَتَعَلَّقُ بِالْمَحْرَمِيَّةِ بِسَبَبِ الْقَرَابَةِ مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ بِكَوْنِهِ وَارِثًا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ عَتَقَ عَلَيْهِ» مُطْلَقًا ، وَلِأَنَّ الْقَرَابَةَ مُوجِبَةٌ لِلصِّلَةِ ، وَمَعَ اتِّحَادِ الدِّينِ آكَدُ ، وَدَوَامُ مِلْكِ الْيَمِينِ أَشَدُّ فِي الْقَطِيعَةِ مِنْ حِرْمَانِ النَّفَقَةِ فَاعْتُبِرَ فِيهِ أَصْلُ الْعِلَّةِ ، وَفِي النَّفَقَةِ الْعِلَّةُ الْمُؤَكَّدَةُ بِالثِّنْتَيْنِ .

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يُشَارِكُ الْأَبَ وَالْوَلَدَ فِي نَفَقَةِ وَلَدِهِ وَأَبَوَيْهِ أَحَدٌ) أَمَّا الْأَبَوَانِ فَإِنَّ لَهُمَا تَأْوِيلًا فِي مَالِ الْوَلَدِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك» ، وَلَا تَأْوِيلَ لَهُمَا فِي مَالِ غَيْرِهِ ، وَلِأَنَّهُ أَقْرَبُ النَّاسِ إلَيْهِمَا فَصَارَ أَوْلَى بِإِيجَابِ النَّفَقَةِ ، وَهِيَ تَجِبُ عَلَى الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ بِالسَّوِيَّةِ فِي الصَّحِيحِ لِأَنَّ الْمَعْنَى ، وَهُوَ الْجُزْئِيَّةُ أَوْ اعْتِبَارُ التَّأْوِيلِ فِي مَالِ الْوَلَدِ يَشْمَلُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى ، وَأَمَّا نَفَقَةُ الْوَلَدِ عَلَى الْأَبِ فَلِمَا تَلَوْنَا ، وَلِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَعْنَى ، وَرَوَى الْخَصَّافُ وَالْحَسَنُ أَنَّ الْوَلَدَ الْبَالِغَ تَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَى الْأَبَوَيْنِ أَثْلَاثًا بِاعْتِبَارِ الْإِرْثِ بِخِلَافِ الْوَلَدِ الصَّغِيرِ حَيْثُ تَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَى الْأَبِ وَحْدَهُ لِأَنَّ الْأَبَ يَخْتَصُّ بِالْوِلَايَةِ فِي الصَّغِيرِ فَكَذَا فِي النَّفَقَةِ بِخِلَافِ الْكَبِيرِ
وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِقَرِيبٍ مَحْرَمٍ فَقِيرٍ عَاجِزٍ عَنْ الْكَسْبِ بِقَدْرِ الْإِرْثِ لَوْ مُوسِرًا) يَعْنِي تَجِبُ النَّفَقَةُ لِكُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ إذَا كَانَ فَقِيرًا عَاجِزًا عَنْ الْكَسْبِ لِصِغَرِهِ أَوْ لِأُنُوثَتِهِ أَوْ لِعَمًى أَوْ لِزَمَانَةٍ ، وَكَانَ هُوَ مُوسِرًا لِتَحَقُّقِ الْعَجْزِ بِهَذِهِ الْأَعْذَارِ ، وَالْقُدْرَةِ عَلَيْهِ بِالْيَسَارِ ، وَيَجِبُ ذَلِكَ بِقَدْرِ الْإِرْثِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة : 233] فَجَعَلَ الْعِلَّةَ هِيَ الْإِرْثُ فَيَتَقَدَّرُ الْوُجُوبُ بِقَدْرِ الْعِلَّةِ ، وَفِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعَلَى الْوَارِثِ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ ، وَهِيَ مَشْهُورَةٌ فَجَازَ التَّقْيِيدُ بِهَا ، وَيُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ حَقٌّ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ ، وَشَرَطَ أَنْ يَكُونَ عَاجِزًا عَنْ الْكَسْبِ فَإِنَّ الْقَادِرَ عَلَيْهِ غَنِيٌّ بِهِ بِخِلَافِ الْأَبَوَيْنِ لِأَنَّهُمَا يَتَضَرَّرَانِ بِهِ
وَالْوَلَدُ مَأْمُورٌ بِدَفْعِهِ عَنْهُمَا ، وَشَرَطَ أَنْ يَكُونَ مُوسِرًا لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مُعْسِرًا فَهُوَ عَاجِزٌ ، وَلَا تَجِبُ هَذِهِ النَّفَقَةُ عَلَى الْعَاجِزِ بِخِلَافِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ وَأَوْلَادِهِ الصِّغَارِ لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ بِالْعَقْدِ فَلَا تَسْقُطُ بِالْفَقْرِ ، وَقِيلَ إذَا كَانَ فَقِيرًا زَمِنًا أَوْ أَعْمَى أَوْ نَحْوَهُ تَجِبُ نَفَقَةُ أَوْلَادِهِ فِي بَيْتِ الْمَالِ كَنَفْسِهِ ، وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ إلَّا إذَا كَانَ مُوسِرًا وَالِابْنُ فَقِيرٌ زَمِنٌ وَنَحْوُهُ أَوْ يَكُونَ مِنْ أَعْيَانِ النَّاسِ يَلْحَقُهُ الْعَارُ بِالتَّكَسُّبِ أَوْ طَالِبَ عِلْمٍ لَا يَتَفَرَّغُ لِذَلِكَ ، وَذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّ الْأَبَ إذَا كَانَ عَاجِزًا ، وَالِابْنُ فَقِيرٌ كَسُوبٌ يُنْفِقُ عَلَى الْأَبِ فَضْلَ كَسْبِهِ ، وَإِذَا كَانَ الْأَبُ كَسُوبًا لَا يُجْبَرُ الِابْنُ عَلَى الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةٍ ، وَيُجْبَرُ فِي أُخْرَى لِأَنَّهُ يَلْحَقُهُ الضَّرَرُ بِالْكَسْبِ ، وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ الْكَسُوبَ لَا يُجْبَرُ عَلَى نَفَقَةِ كَسُوبٍ آخَرَ ، وَيُجْبَرُ الِابْنُ إذَا كَانَ مُوسِرًا عَلَى نَفَقَةِ أَوْلَادِ أَبِيهِ الصِّغَارِ لِأَنَّ الْفَقِيرَ كَالْمَيِّتِ فَتَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ إخْوَتِهِ ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ ، وَفِيهِ أَنَّ الِابْنَ يُجْبَرُ عَلَى نَفَقَةِ امْرَأَةِ أَبِيهِ ذَكَرَهُ هِشَامٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ
وَذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّ نَفَقَةَ خَادِمِ الْأَبِ لَا تَجِبُ عَلَى الِابْنِ إلَّا إذَا كَانَ مُحْتَاجًا إلَيْهِ ، وَالْيَسَارُ هُنَا مُقَدَّرٌ بِنِصَابِ حِرْمَانِ الصَّدَقَةِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُعْتَبَرُ لِوُجُوبِ الْمُوَاسَاةِ عَلَيْهِ فِي الشَّرْعِ كَصَدَقَةِ الْفِطْرِ ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَدَّرَهُ بِمَا يَفْضُلُ عَنْ نَفَقَةِ نَفْسِهِ ، وَعِيَالِهِ شَهْرًا إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْغَلَّةِ ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْحِرَفِ فَهُوَ مُقَدَّرٌ بِمَا يَفْضُلُ عَنْ نَفَقَتِهِ وَنَفَقَةِ عِيَالِهِ كُلَّ يَوْمٍ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ الْقُدْرَةُ دُونَ النِّصَابِ ، وَهُوَ مُسْتَغْنٍ عَمَّا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَيَصْرِفُهُ إلَى أَقَارِبِهِ إذْ الْمُعْتَبَرُ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ الْقُدْرَةُ دُونَ النِّصَابِ ، وَهَذَا أَوْجَهُ ، وَقَالُوا الْفَتْوَى عَلَى الْأَوَّلِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَصَحَّ بَيْعُ عَرْضِ ابْنِهِ لَا عَقَارِهِ لِنَفَقَتِهِ) يَعْنِي إذَا كَانَ الِابْنُ غَائِبًا وَالْأَبُ فَقِيرٌ جَازَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ الْعُرُوضَ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ لِلنَّفَقَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ فَاعْتُبِرَ فِيهِ أَصْلُ الْعِلَّةِ) أَيْ ، وَهُوَ الْقَرَابَةُ الْمَحْرَمِيَّةِ . ا هـ . فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَفِي النَّفَقَةِ الْعِلَّةُ) أَيْ هِيَ الْقَرَابَةُ . ا هـ . (قَوْلُهُ الْمُؤَكَّدَةُ بِالثِّنْتَيْنِ) أَيْ هُمَا الْمَحْرَمِيَّةُ وَالْإِرْثُ

(قَوْلُهُ وَلَا يُشَارِكُ الْأَبَ وَالْوَلَدَ فِي نَفَقَةِ وَلَدِهِ) أَيْ الصَّغِيرِ أَوْ الْكَبِيرِ الزَّمِنِ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَهِيَ تَجِبُ) أَيْ نَفَقَةُ الْأَبَوَيْنِ عَلَى الْأَوْلَادِ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة فَإِنْ كَانَ الْأَوْلَادُ ذُكُورًا أَوْ إنَاثًا مُوسِرِينَ فَنَفَقَةُ الْأَبَوَيْنِ عَلَيْهِمْ بِالسَّوِيَّةِ فِي أَظْهَرْ الرِّوَايَتَيْنِ ، وَفِي الْخَانِيَّةِ ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَاقِعَاتٌ النَّاطِفِيِّ ، وَلَا كَذَلِكَ الْأَخُ وَالْأُخْتُ فَتَجِبُ عَلَيْهِمْ أَثْلَاثًا عَلَى قِيَاسِ الْمِيرَاثِ ، وَاعْتُبِرَتْ نَفَقَةُ ذَوِي الْأَرْحَامِ ، وَهُوَ الْأَصَحُّ ا هـ فَرْعٌ قَالَ فِي النُّقَايَةِ وَنَفَقَةُ الْبِنْتِ بَالِغَةً وَالِابْنِ زَمِنًا عَلَى الْأَبِ خَاصَّةً بِهِ يُفْتَى . ا هـ . (قَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ) أَيْ وَهُوَ مَا فِي الْمَتْنِ . ا هـ . (قَوْلُهُ أَوْ لِزَمَانَةٍ) زَمِنَ الشَّخْصُ زَمَنًا وَزَمَانَةً فَهُوَ زَمِنٌ مِنْ بَابِ تَعِبَ ، وَهُوَ مَرَضٌ يَدُومُ زَمَانًا طَوِيلًا ، وَالْقَوْمُ زَمْنَى مِثْلُ مَرْضَى ، وَأَزْمَنَهُ اللَّهُ فَهُوَ مُزْمِنٌ ا هـ مِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْأَبَوَيْنِ لِأَنَّهُمَا يَتَضَرَّرَانِ) قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة ثُمَّ يُفْرَضُ عَلَى الِابْنِ نَفَقَةُ الْأَبِ إذَا كَانَ الْأَبُ مُحْتَاجًا وَالِابْنُ مُوسِرًا سَوَاءٌ كَانَ الْأَبُ قَادِرًا عَلَى الْكَسْبِ أَوْ لَمْ يَكُنْ ، وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَاضِي لِلْخَصَّافِ أَنَّ الْأَبَ إذَا كَانَ كَسُوبًا ، وَالِابْنُ أَيْضًا كَسُوبًا يُجْبَرُ الِابْنُ عَلَى الْكَسْبِ وَنَفَقَةِ الْأَبِ ، وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ فِي أَدَبِ الْقَاضِي لِلْخَصَّافِ أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ الِابْنُ عَلَى نَفَقَةِ الْأَبِ إذَا كَانَ الْأَبُ قَادِرًا عَلَى الْكَسْبِ ، وَاعْتَبَرَهُ بِذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ فِي كَسْبِ قَرِيبِهِ ، وَلَا عَلَى قَرِيبِهِ الْمُوسِرِ إذَا كَانَ هُوَ كَسُوبًا ، وَفِي فَتَاوَى الْخُلَاصَةِ ، وَفِي الْأَصْلِ يَلْحَقُهُ الْعَارُ ، وَإِذَا كَانَ الِابْنُ وَالْأَبُ مُعْسِرَيْنِ لَا يَجِبُ عَلَى أَحَدِهِمَا نَفَقَةُ الْآخَرِ ا هـ
(قَوْلُهُ أَوْ يَكُونَ مِنْ أَعْيَانِ النَّاسِ) قَالَ فِي الْقُنْيَةِ فِي بَابِ نَفَقَةِ الْأَقَارِبِ بَعْدَ أَنْ رَقَّمَ لِلْمُحِيطِ وَلِشَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ الرَّجُلُ الصَّحِيحُ قَدْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْكَسْبِ لِشَرَفِهِ أَوْ لِكَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الْبُيُوتَاتِ فَنَفَقَتُهُ عَلَى الْأَبِ ، وَهَكَذَا قَالُوا فِي طَالِبِ الْعِلْمِ إذَا كَانَ لَا يَهْتَدِي إلَى الْكَسْبِ لَا تَسْقُطُ نَفَقَتُهُ عَنْ أَبِيهِ بِمَنْزِلَةِ الزَّمِنِ وَالْأُنْثَى . ا هـ . (قَوْلُهُ وَالْيَسَارُ هُنَا مُقَدَّرٌ بِنِصَابِ حِرْمَانِ الصَّدَقَةِ) وَهُوَ نِصَابُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ ، وَهُوَ مِلْكُ مَا يَبْلُغُ مِائَتِي دِرْهَمٍ مِنْ أَيِّ مَالٍ كَانَ فَاضِلًا عَنْ حَوَائِجِهِ الْأَصْلِيَّةِ ا هـ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَصَحَّ بَيْعُ عَرْضِ ابْنِهِ) أَيْ الْبَالِغِ الْغَائِبِ ا هـ

(3/64)


وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبِيعَ الْعَقَارَ ، وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ ، وَهُوَ قَوْلُهُمَا لِأَنَّ وِلَايَةَ الْأَبِ زَالَتْ بِبُلُوغِ الْوَلَدِ رَشِيدًا إلَّا فِيمَا يَبِيعُهُ تَحْصِينًا كَالْوَصِيِّ ، وَلَيْسَ فِي بَيْعِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ تَحْصِينٌ ، وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُهُ حَالَ حَضْرَتِهِ ، وَلَا فِي دَيْنٍ لَهُ عَلَيْهِ سِوَى النَّفَقَةِ فَصَارَ كَالْأُمِّ وَغَيْرِهَا مِنْ مُسْتَحَقِّي النَّفَقَةِ ، وَلَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ بِهِ لِأَنَّهُ قَضَاءٌ عَلَى الْغَائِبِ
وَلَهُ أَنَّ لِلْأَبِ وِلَايَةَ حِفْظِ مَالِ وَلَدِهِ الْغَائِبِ كَالْوَصِيِّ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ الْوَصِيَّ يَسْتَفِيدُ الْوِلَايَةَ مِنْ جِهَتِهِ فَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ الْوِلَايَةُ ، وَغَيْرُهُ يَسْتَفِيدُهَا مِنْهُ ، وَبَيْعُ الْمَنْقُولِ مِنْ بَابِ الْحِفْظِ لِأَنَّهُ يُخْشَى عَلَيْهِ التَّلَفُ ، وَلِهَذَا يَمْلِكُهُ الْوَصِيُّ بِخِلَافِ الْعَقَارِ لِأَنَّهُ مُحْصَنٌ بِنَفْسِهِ فَلَا يَكُونُ بَيْعُهُ مِنْ الْحِفْظِ إذَا بَاعَ الْعُرُوضَ صَارَ الثَّمَنُ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ فَلَهُ أَنْ يُنْفِقَ مِنْهُ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الْأَقَارِبِ لِأَنَّهُمْ لَيْسَ لَهُمْ وِلَايَةُ الْحِفْظِ فِي مَالِهِ ، وَبِخِلَافِ حَالَةِ حَضْرَتِهِ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْحِفْظِ لَهُ لَا لِلْأَبِ لِقُدْرَتِهِ عَلَيْهِ ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ نَوْعُ إشْكَالٍ ، وَهُوَ أَنْ يُقَالَ إذَا كَانَ لِلْأَبِ حَالَةَ غَيْبَةِ ابْنِهِ وِلَايَةُ الْحِفْظِ إجْمَاعًا فَمَا الْمَانِعُ لَهُ مِنْ الْبَيْعِ بِالنَّفَقَةِ عِنْدَهُمَا أَوْ بِالدَّيْنِ عِنْدَ الْكُلِّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ أَنْفَقَ مُودَعُهُ عَلَى أَبَوَيْهِ بِلَا أَمْرٍ ضَمِنَ) أَيْ لَوْ أَنْفَقَ مُودَعُ الْغَائِبِ عَلَى أَبَوَيْ الْغَائِبِ بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي ضَمِنَ الْمُودَعُ لِتَصَرُّفِهِ فِي مَالِ غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ وِلَايَةٍ وَلَا نِيَابَةٍ بِخِلَافِ مَا إذَا أَمَرَهُ الْقَاضِي لِأَنَّهُ مُلْزِمٌ لِوِلَايَتِهِ عَلَيْهِ
وَلَا يُقَالُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَضْمَنَ لِأَنَّ لِلْأَبَوَيْنِ فِيهِ حَقًّا ، وَلَهُمَا أَنْ يَأْخُذَا مِنْهُ إذَا ظَفِرَ بِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ لِأَنَّا نَقُولُ جَوَازُ الْأَخْذِ لَهُمَا مِنْهُ عِنْدَ الظَّفَرِ بِهِ لَا يَنْفِي الضَّمَانَ عَنْهُ عِنْدَ دَفْعِهِ كَالْمُودَعِ يَقْضِي الْوَدِيعَةِ دَيْنَ الْمُودِعِ ثُمَّ إذَا ضَمِنَ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِمَا بِهِ لِأَنَّهُ بِالضَّمَانِ مِلْكُهُ مُسْتَنِدٌ إلَى وَقْتِ التَّعَدِّي فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ تَبَرُّعٌ بِمِلْكِهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ قَضَى الْوَدِيعَةِ دَيْنَ الْمُودِعِ ، وَذَكَرَ فِي الْغَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى النَّوَادِرِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي مَكَان يُمْكِنُ اسْتِطْلَاعُ رَأْيِ الْقَاضِي لَا يَضْمَنُ اسْتِحْسَانًا ، وَعَلَى هَذَا لَوْ مَاتَ بَعْضُ الرُّفْقَةِ فِي السَّفَرِ فَبَاعُوا قُمَاشَهُ وَعُدَّتَهُ وَجَهَّزُوهُ بِثَمَنِهِ وَرَدُّوا الْبَقِيَّةَ إلَى الْوَرَثَةِ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ فَأَنْفَقُوا عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ لَمْ يَضْمَنُوا اسْتِحْسَانًا ، وَرُوِيَ أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ حَجُّوا فَمَاتَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ ، وَأَخَذُوا مَا كَانَ مَعَهُ فَبَاعُوهُ فَلَمَّا وَصَلُوا إلَى مُحَمَّدٍ سَأَلَهُمْ فَذَكَرُوا لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ لَوْ لَمْ تَفْعَلُوا ذَلِكَ لَمْ تَكُونُوا فُقَهَاءَ {وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ} [البقرة : 220] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ أَنْفَقَا مَا عِنْدَهُمَا لَا) أَيْ لَوْ كَانَ لِلْغَائِبِ مَالٌ عِنْدَ أَبَوَيْهِ فَأَنْفَقَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا مِنْهُ وَهُوَ مِنْ جِنْسِ النَّفَقَةِ لَمْ يَضْمَنَا لِأَنَّ نَفَقَتَهُمَا وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ قَبْلَ الْقَضَاءِ فَاسْتَوْفَيَا حَقَّهُمَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ قَضَى بِنَفَقَةِ الْوِلَادِ وَالْقَرِيبِ ، وَمَضَتْ مُدَّةٌ سَقَطَتْ) لِأَنَّ نَفَقَةَ هَؤُلَاءِ بِاعْتِبَارِ الْحَاجَةِ
وَقَدْ وَقَعَتْ الْغُنْيَةُ عَنْ الْمَاضِي بِخِلَافِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ لِأَنَّهَا لِلِاحْتِبَاسِ ، وَلِهَذَا تَجِبُ مَعَ يَسَارِهَا فَلَا تَسْقُطُ بِالِاسْتِغْنَاءِ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ ، وَلِهَذَا لَوْ سَرَقَتْ النَّفَقَةَ الْمُعَجَّلَةَ أَوْ الْكِسْوَةَ تُفْرَضُ لِذَوِي الْأَرْحَامِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى إلَى مَا لَا يَتَنَاهَى لِتَحَقُّقِ حَاجَتِهِمْ ، وَلَا يُفْرَضُ لِلزَّوْجَةِ بِشَيْءٍ لِعَدَمِ اعْتِبَارِ الْحَاجَةِ فِي حَقِّهَا ، وَبِعَكْسِهِ لَوْ بَقِيَتْ النَّفَقَةُ الْمَفْرُوضَةُ فِي مُدَّةٍ بَعْدَ الْمُدَّةِ يُفْرَضُ لِلزَّوْجَاتِ ، وَلَا يُفْرَضُ لِذَوِي الْأَرْحَامِ ، وَعَنْ هَذَا إذَا أَسْلَفَهَا نَفَقَةَ مُدَّةٍ ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْمُدَّةِ يَسْتَرِدُّ فِي الزَّوْجَاتِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ دُونَ الْأَقَارِبِ
وَذَكَرَ فِي الْغَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الذَّخِيرَةِ أَنَّ نَفَقَةَ مَا دُونَ الشَّهْرِ لَا تَسْقُطُ لِأَنَّهُ لَوْ سَقَطَتْ بِالْمُدَّةِ الْيَسِيرَةِ لَمَا أَمْكَنَهُمْ اسْتِيفَاؤُهَا فَقَدَّرُوا الْفَاضِلَ بِالشَّهْرِ ، وَقَالَ فِي الْحَاوِي نَفَقَةُ الصَّغِيرِ تَصِيرُ دَيْنًا بِالْقَضَاءِ دُونَ غَيْرِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إلَّا أَنْ يَأْذَنَ الْقَاضِي بِالِاسْتِدَانَةِ) لِأَنَّ لِلْقَاضِي وِلَايَةً عَامَّةً فَصَارَ إذْنُهُ كَأَمْرِ الْغَائِبِ فَلَا يَسْقُطُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ ، وَفِي زَكَاةِ الْجَامِعِ نَفَقَةُ الزَّوْجَاتِ وَالْأَقَارِبِ بَعْدَ الْقَضَاءِ مَانِعٌ مِنْ وُجُوبِ الزَّكَاةِ لِأَنَّهُ مُطَالَبٌ مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ فَسَوَّى بَعْدَ الْقَضَاءِ بَيْنَ الْأَقَارِبِ وَالزَّوْجَاتِ وَالزَّوْجَاتِ ، وَاخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِهِ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ هَذَا إذَا أَذِنَ لَهُ الْقَاضِي بِالِاسْتِدَانَةِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هَذَا إذَا قَصُرَتْ الْمُدَّةُ عَلَى مَا بَيَّنَّا ، وَإِلَى الْأَوَّلِ مَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِمَمْلُوكِهِ) أَيْ تَجِبُ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ لِمَمْلُوكِهِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «هُمْ إخْوَانُكُمْ وَخَوَلُكُمْ جَعَلَهُمْ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدَيْهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ «كَانَ آخِرُ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبِيعَ الْعَقَارَ إلَخْ) وَهَذَا إذَا كَانَ الِابْنُ بَالِغًا عَاقِلًا أَمَّا إذَا كَانَ صَغِيرًا جَازَ أَنْ يَبِيعَ عَقَارَهُ ، وَيَأْخُذَ النَّفَقَةَ مِنْهُ ، وَهَذَا يَجُوزُ لِلْأَبِ ، وَلَا يَجُوزُ لِلْأُمِّ وَسَائِرِ الْأَقَارِبِ لِانْتِفَاءِ وِلَايَتِهِمْ فِي مَالِ الصَّغِيرِ . ا هـ . رَازِيٌّ
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ أَنْفَقَ مُودَعُهُ عَلَى أَبَوَيْهِ بِلَا أَمْرٍ ضَمِنَ) أَيْ فِي الْقَضَاءِ أَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ، وَلَوْ مَاتَ الْغَائِبُ حَلَّ لَهُ أَنْ يَحْلِفَ لِوَرَثَتِهِ أَنَّهُمْ لَيْسَ لَهُمْ عَلَيْهِ حَقٌّ لِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ غَيْرَ الْإِصْلَاحِ . ا هـ . فَتْحٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّ نَفَقَةَ هَؤُلَاءِ بِاعْتِبَارِ الْحَاجَةِ) وَلِهَذَا لَا يَجِبُ مَعَ الْيَسَارِ . ا هـ . (قَوْلُهُ ، وَلَا يُفْرَضُ لِلزَّوْجَةِ بِشَيْءٍ) يَعْنِي حَتَّى تَنْقَضِيَ مُدَّةُ تِلْكَ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ . ا هـ . فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ الْقَاضِي بِالِاسْتِدَانَةِ) وَيَسْتَدِينُ فَحِينَئِذٍ يَرْجِعُ الْمُسْتَدِينُ عَلَى الْمَفْرُوضِ عَلَيْهِ ، وَلَا يَكُونُ مُضِيُّ الْمُدَّةِ مُسْقِطًا لِمَا اسْتَدَانَ ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ ، وَقَدْ غَلَطَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ هُنَا فِي مَفْهُومِ كَلَامِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ ، وَقَالَ إذَا أَذِنَ الْقَاضِي بِالِاسْتِدَانَةِ وَلَمْ يَسْتَدِنْ فَإِنَّهَا لَا تَسْقُطُ ، وَهَذَا غَلَطٌ بَلْ مَعْنَى الْكَلَامِ أَذِنَ الْقَاضِي بِالِاسْتِدَانَةِ وَاسْتَدَانَ أَمَّا مُجَرَّدُ الْإِذْنِ مِنْ غَيْرِ اسْتِدَانَةٍ لَا يَكُونُ مُحْصِنًا لَهَا مِنْ السُّقُوطِ ، وَهَكَذَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ حَافِظُ الدِّينِ ، وَنَصَّ عَلَيْهِ أَيْضًا السِّغْنَاقِيُّ . ا هـ . طَرْسُوسِيٌّ
(قَوْلُهُ وَاخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِهِ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ هَذَا إذَا أَذِنَ لَهُ الْقَاضِي إلَخْ) وَاسْتَدَانُوا حَتَّى احْتَاجُوا إلَى وَفَاءِ الدَّيْنِ أَمَّا إذَا لَمْ يَسْتَدِينُوا بَلْ أَكَلُوا مِنْ الصَّدَقَةِ لَا تَصِيرُ النَّفَقَةُ دَيْنًا ، وَإِلَى هَذَا مَالَ السَّرَخْسِيُّ وَحَكَمَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْ الْقُضَاةِ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ ، وَنَصَرُوهُ وَقَيَّدُوا إطْلَاقَ الْهِدَايَةِ بِهِ . ا هـ . كَمَالٌ (قَوْلُهُ وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ)

(3/65)


الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ اتَّقُوا اللَّهَ فِيمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد ، وَقَالَ أَنَسٌ كَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَامَّةُ وَصِيَّتِهِ ذَلِكَ حِينَ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ ، وَهُوَ يُغَرْغِرُ ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كَفَى بِالْمَرْءِ إثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ» ، وَقَالَ فِي الْغَايَةِ الْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَفِيهِ نَظَرٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ أَبَى فَفِي كَسْبِهِ وَإِلَّا أُمِرَ بِبَيْعِهِ) أَيْ إنْ امْتَنَعَ الْمَوْلَى مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ فَنَفَقَتُهُ فِي كَسْبِهِ إنْ كَانَ لَهُ كَسْبٌ لِأَنَّ فِيهِ نَظَرًا لَهُمَا بِبَقَاءِ الْمَمْلُوكِ حَيًّا ، وَبَقَاءِ مِلْكِهِ فِيهِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ كَسْبٌ بِأَنْ كَانَ زَمِنًا أَوْ أَعْمَى أَوْ جَارِيَةً لَا يُؤَجَّرُ مِثْلُهَا أُمِرَ بِبَيْعِهِ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الِاسْتِحْقَاقِ ، وَفِي الْبَيْعِ إيفَاءُ حَقِّهِ ، وَلَيْسَ فِيهِ إبْطَالُ حَقِّ الْمَوْلَى لِأَنَّ الثَّمَنَ يَقُومُ مَقَامَهُ
وَالْإِبْطَالُ إلَى خُلْفٍ كَلَا إبْطَالٍ بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ حَيْثُ لَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ إبْطَالٌ لَا إلَى خُلْفٍ فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ بَلْ يُقَالُ لَهَا اسْتَدِينِي عَلَيْهِ كَيْ لَا يَبْطُلَ حَقُّهَا بِخِلَافِ الْمَمْلُوكِ حَيْثُ لَا يُؤْمَرُ بِالِاسْتِدَانَةِ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ لَهُ دَيْنٌ عَلَى مَوْلَاهُ فَيَكُونُ إبْطَالًا فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ بَلْ يُجْبَرُ عَلَى الْبَيْعِ لِكَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الِاسْتِحْقَاقِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ الِاسْتِحْقَاقِ فَلَا يُجْبَرُ عَلَى الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا ، وَلَا عَلَى بَيْعِهَا ، وَلَكِنْ يُعْنَى فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهَا أَوْ يَبِيعَ لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ ، وَعَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ ، وَفِي غَيْرِ الْحَيَوَانِ يُكْرَهُ لَهُ أَنْ لَا يُنْفِقَ عَلَيْهِ ، وَلَا يُعْنَى ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُجْبَرُ فِي الْحَيَوَانِ ، وَالْأَصَحُّ الْأَوَّلُ ، وَلَوْ كَانَتْ الدَّابَّةُ مُشْتَرَكَةً بَيْنَ رَجُلَيْنِ ، وَطَلَبَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَأْمُرَهُ بِالنَّفَقَةِ حَتَّى لَا يَكُونَ مُتَطَوِّعًا بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا فَالْقَاضِي يَقُولُ لِلْآبِي إمَّا أَنْ تَبِيعَ نَصِيبَك مِنْهَا أَوْ تُنْفِقَ عَلَيْهَا هَكَذَا رُوِيَ عَنْ الْخَصَّافِ
وَفِي الْمُحِيطِ يُجْبَرُ صَاحِبُهُ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُجْبَرْ لَتَضَرَّرَ شَرِيكُهُ بِهَلَاكِ الدَّابَّةِ ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الِاسْتِحْقَاقِ بِخِلَافِ الدَّابَّةِ ، وَالْمُدَبَّرُ وَأُمُّ الْوَلَدِ إنْ أَبَى مَوْلَاهُمَا مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِمَا اكْتَسَبَا ، وَأَكَلَا مِنْ كَسْبِهِمَا ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا كَسْبٌ أُجْبِرَ الْمَوْلَى عَلَى الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُمَا لَا يَقْبَلَانِ النَّقْلَ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ حَيْثُ لَا يُؤْمَرُ فِي حَقِّهِ بِشَيْءٍ لِأَنَّهُ كَالْحُرِّ إذْ هُوَ خَارِجٌ عَنْ مِلْكِ الْمَوْلَى يَدًا ، وَهَلْ لِلْعَبْدِ أَنْ يَتَنَاوَلَ مِنْ مَالِ الْمَوْلَى إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ يُنْظَرُ إنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْكَسْبِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا إذَا نَهَاهُ عَنْ الْكَسْبِ ، وَإِنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْ الْكَسْبِ فَلَهُ ذَلِكَ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .