تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشِّلْبِيِّ

{كِتَابُ الْأَيْمَانِ}
الْيَمِينُ الْقُوَّةُ لُغَةً قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لَأَخَذْنَا بِالْيَمِينِ وَقَالَ الشَّمَّاخُ
رَأَيْت عَرَابَةَ الْأَوْسِيَّ يَسْمُو ... إلَى الْخَيْرَاتِ مُنْقَطِعَ الْقَرِينِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(قَوْلُهُ وَوَرِثَا مِنْهُ إرْثَ أَبٍ) فَإِنْ وُهِبَ لِهَذَا الِابْنِ مَالٌ أَوْ وَرِثَهُ مِنْ أَخٍ لَهُ لِأُمِّهِ لَا يَنْفَرِدُ أَحَدُ الْأَبَوَيْنِ بِالتَّصَرُّفِ فِي ذَلِكَ الْمَالِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا ا هـ وَصَايَا فَتَاوَى قَاضِي خَانْ . ا هـ .

(قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ فِيهَا حَقِيقَةً) فَإِنْ مَلَكَهَا يَوْمًا مِنْ الدَّهْرِ صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ لِأَنَّهُ مَلَكَهَا وَلَهُ مِنْهَا وَلَدٌ ثَابِتُ النَّسَبِ . ا هـ . كِفَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ مَلَكَهُ) أَيْ الْوَلَدَ عَلَى تَقْدِيرِ تَكْذِيبِ الْمُكَاتَبِ . ا هـ

{كِتَابُ الْأَيْمَانِ}
اشْتَرَكَ كُلٌّ مِنْ الْيَمِينِ وَالْعَتَاقِ وَالطَّلَاقِ وَالنِّكَاحِ فِي أَنَّ الْهَزْلَ وَالْإِكْرَاهَ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ إلَّا أَنَّهُ قَدَّمَ عَلَى الْكُلِّ النِّكَاحَ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْعِبَادَاتِ كَمَا تَقَدَّمَ وَالطَّلَاقُ رَفْعُهُ بَعْدَ تَحَقُّقِهِ فَإِيلَاؤُهُ إيَّاهُ أَوْجَهُ وَاخْتَصَّ الْإِعْتَاقُ عَنْ الْيَمِينِ بِزِيَادَةٍ مُنَاسِبَةٍ بِالطَّلَاقِ مِنْ جِهَةِ مُشَارَكَتِهِ إيَّاهُ فِي تَمَامِ مَعْنَاهُ الَّذِي هُوَ الْإِسْقَاطُ وَفِي لَازِمِهِ الشَّرْعِيِّ الَّذِي هُوَ فِي السِّرَايَةِ فَقَدَّمَهُ عَلَى الْيَمِينِ . ا هـ . كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ وَيَمِينُ الْحَلِفِ أُنْثَى وَتُجْمَعُ عَلَى أَيْمُنٍ وَأَيْمَانٍ قِيلَ سُمِّيَ الْحَلِفُ يَمِينًا لِأَنَّهُمْ كَانُوا إذَا تَحَالَفُوا ضُرِبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَمِينِهِ عَلَى يَمِينِ صَاحِبِهِ فَسُمِّيَ الْحَلِفُ يَمِينًا مَجَازًا ا هـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْحَلِفُ وَالْيَمِينُ مِنْ الْأَسْمَاءِ الْمُتَرَادِفَةِ . ا هـ . (قَوْلُهُ الْيَمِينُ) أَيْ الْيَمِينُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْجَارِحَةِ وَالْقَسَمِ ا هـ فَتْحٌ
(قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّمَّاخُ) كَذَا عَزَاهُ الْأَتْقَانِيُّ وَعَزَاهُ فِي الصِّحَاحِ لِلْحَطِيئَةِ وَاقْتُصِرَ عَلَيْهِ . ا هـ . (قَوْلُهُ رَأَيْت عَرَابَةَ) قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ لِلصَّاغَانِيِّ وَقَوْلُهُ عَرَابَةَ اسْمُ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارُ مِنْ الْأَوْسِ قَالَ الْحَطَبَةُ لَيْسَ الْبَيْتُ لِلْحُطَيْئَةِ وَإِنَّمَا هُوَ لِلشَّمَّاخِ وَذَكَرَ الْمُبَرَّدُ وَابْنُ قُتَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ أَنَّ الشَّمَّاخَ خَرَجَ يُرِيدُ الْمَدِينَةَ فَلَقِيَهُ عَرَابَةُ بْنُ أَوْسٍ فَسَأَلَهُ عَمَّا أَقْدَمهُ الْمَدِينَةِ فَقَالَ أَرَدْت أَنْ أَمْتَارَ لِأَهْلِي وَكَانَ مَعَهُ بَعِيرَانِ فَأَوْقَرَهُمَا عَرَابَةُ تَمْرًا وَبُرًّا وَكَسَاهُ وَأَكْرَمَهُ فَخَرَجَ مِنْ الْمَدِينَةِ وَامْتَدَحَهُ بِالْقَصِيدَةِ الَّتِي يَقُولُ فِيهَا رَأَيْت عَرَابَةَ ا هـ قَالَ فِي الصِّحَاحِ وَعَرَابَةُ بِالْفَتْحِ اسْمُ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارُ مِنْ الْأَوْسِ قَالَ الْحُطَيْئَةُ إذَا مَا رَايَةٌ الْبَيْتُ ا هـ

(3/106)


إذَا مَا رَايَةٌ رُفِعَتْ لِمَجْدٍ ... تَلَقَّاهَا عَرَابَةُ بِالْيَمِينِ

وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ عَقْدٍ قَوِيٍّ بِهَا عَزْمُ الْحَالِفِ عَلَى الْفِعْلِ أَوْ التَّرْكِ وَسُمِّيَ هَذَا الْعَقْدُ بِهَا لِأَنَّ الْعَزِيمَةَ تَتَقَوَّى بِهَا وَهِيَ مَشْرُوعَةٌ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَقْسَمَ وَأَمَرَ نَبِيَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْقَسَمِ فَقَالَ تَعَالَى {قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ} [يونس : 53] وَلِأَنَّ فِيهَا تَعْظِيمَ أَسْمَاءِ اللَّهِ وَصِفَاتِهِ لِأَنَّ مَنْ أَقْسَمَ بِشَيْءٍ فَقَدْ عَظَّمَهُ «وَأَقْسَمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَيَغْزُوَنَّ قُرَيْشًا» وَالصَّحَابَةُ كَانُوا يُقْسِمُونَ فَكَانَتْ ثَابِتَةً بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ
وَالْيَمِينُ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى أَيْضًا مَشْرُوعٌ وَهُوَ تَعْلِيقُ الْجَزَاءِ بِالشَّرْطِ وَهُوَ لَيْسَ بِيَمِينٍ وَضْعًا وَإِنَّمَا سُمِّيَ يَمِينًا عِنْدَ الْفُقَهَاءِ لِحُصُولِ مَعْنَى الْيَمِينِ بِاَللَّهِ وَهُوَ الْحَمْلُ أَوْ الْمَنْعُ وَالْيَمِينُ بِاَللَّهِ تَعَالَى لَا يُكْرَهُ وَتَقْلِيلُهُ أَوْلَى مِنْ تَكْثِيرِهِ وَالْيَمِينُ بِغَيْرِهِ مَكْرُوهَةٌ عِنْدَ الْبَعْضِ لِلنَّهْيِ الْوَارِدِ فِيهِ وَعِنْدَ عَامَّتِهِمْ لَا يُكْرَهُ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ بِهَا الْوَثِيقَةُ لَا سِيَّمَا فِي زَمَانِنَا وَمَا رُوِيَ مِنْ النَّهْيِ مَحْمُولٌ عَلَى الْحَلِفِ بِغَيْرِ اللَّهِ لَا عَلَى وَجْهِ الْوَثِيقَةِ كَقَوْلِهِمْ بِأَبِيك وَلَعَمْرُك وَنَحْوِهِ ، وَرُكْنُ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُ اسْمِهِ أَوْ صِفَتِهِ وَبِغَيْرِهِ ذِكْرُ شَرْطٍ صَالِحٍ وَجَزَاءٍ صَالِحٍ
وَصَلَاحِيَّةُ الشَّرْطِ أَنْ يَكُونَ مَعْدُومًا عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ وَصَلَاحِيَّةُ الْجَزَاءِ أَنْ يَكُونَ غَالِبَ الْوُجُودِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ لِيَتَحَقَّقَ الْحَمْلُ أَوْ الْمَنْعُ وَقَدْ يَكُونُ مُتَحَقِّقَ الْوُجُودِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ كَالتَّعْلِيقِ بِالْمِلْكِ وَسَبَبُهُ وَحُكْمُهَا وُجُوبُ الْبِرِّ أَصْلًا وَالْكَفَّارَةِ خَلَفًا وَشَرْطُ انْعِقَادِهَا تَصَوُّرُ الْبِرِّ فِي الْمُسْتَقْبَلِ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثُمَّ الْيَمِينُ بِاَللَّهِ تَعَالَى ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ غَمُوسٌ وَلَغْوٌ وَمُنْعَقِدَةٌ عَلَى مَا يَجِيءُ بَيَانُهُ وَدَلِيلُ الْحَصْرِ عَلَيْهِ أَنَّهَا لَا تَخْلُو إمَّا أَنْ تَكُونَ فِيهَا مُؤَاخَذَةٌ أَوْ لَا فَالثَّانِي لَغْوٌ وَالْأَوَّلُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ تَكُونَ الْمُؤَاخَذَةُ دُنْيَوِيَّةً أَوْ عُقُوبَةً فَالْأَوَّلُ الْمُنْعَقِدَةُ وَالثَّانِي الْغَمُوسُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (حَلِفُهُ عَلَى مَاضٍ كَذِبًا عَمَدًا غَمُوسٌ وَظَنًّا لَغْوٌ) أَيْ إذَا حَلَفَ عَلَى أَمْرٍ قَدْ مَضَى وَهُوَ كَاذِبٌ فِيهِ فَإِنْ تَعَمَّدَ الْكَذِبَ فَهُوَ غَمُوسٌ وَإِنْ كَانَ يَظُنُّ أَنَّ الْأَمْرَ كَمَا قَالَ فَهُوَ لَغْوٌ وَيَتَأَتَّيَانِ فِي الْحَالِ أَيْضًا سُمِّيَتْ الْأُولَى غَمُوسًا لِأَنَّهَا تَغْمِسُ صَاحِبَهَا فِي الذَّنْبِ ثُمَّ فِي النَّارِ وَسُمِّيَتْ الثَّانِيَةُ لَغْوًا لِأَنَّهَا لَا اعْتِبَارَ بِهَا وَاللَّغْوُ اسْمٌ لِمَا لَا يُفِيدُ يُقَالُ لَغَا إذَا أَتَى بِشَيْءٍ لَا فَائِدَةَ فِيهِ فَكِلَاهُمَا يُتَصَوَّرُ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَلَا يُتَصَوَّرُ فِي الْيَمِينِ بِغَيْرِهِ لِأَنَّ تَعْلِيقَ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالنُّذُورِ بِأَمْرٍ كَائِنٍ فِي الْمَاضِي لَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ اللَّغْوُ وَلَا الْغَمُوسُ لِأَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ بِهِ
وَكَذَا الْعَتَاقُ وَالنُّذُورُ سَوَاءٌ كَانَ عَالِمًا وَقْتَ الْيَمِينِ أَوْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَثِمَ فِي الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ) يَعْنِي يَأْثَمُ فِي الْغَمُوسِ وَلَا يَأْثَمُ فِي اللَّغْوِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} [البقرة : 225] وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْكَبَائِرُ الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَقَتْلُ النَّفْسِ وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَحْمَدُ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(قَوْلُهُ تَلَقَّاهَا عَرَابَةُ بِالْيَمِينِ) أَيْ الْقُوَّةِ ا هـ (قَوْلُهُ وَالْيَمِينُ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى) نَحْوُ قَوْلِك إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَهُوَ الْحَمْلُ أَوْ الْمَنْعُ) أَيْ عَلَى الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَالْيَمِينُ بِغَيْرِهِ مَكْرُوهٌ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثُمَّ يُكْرَهُ الْحَلِفُ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ» الْحَدِيثُ وَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ لِأَنَّهُ لِمَنْعِ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ وَمَحَلُّ الْحَدِيثِ غَيْرُ التَّعْلِيقِ مِمَّا هُوَ بِحَرْفِ الْقَسَمِ . ا هـ . (قَوْلُهُ لَا سِيَّمَا فِي زَمَانِنَا) أَيْ فَإِنَّ أَحَدًا لَا يُصَدَّقُ وَلَا يُؤْتَمَنُ عَلَيْهِ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى لِقِلَّةِ مُبَالَاةٍ ظَهَرَتْ فِي النَّاسِ فَتَمَسُّ الْحَاجَةُ إلَى الْوَثِيقَةِ بِالطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ «عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَلَوْ كَانَ مَكْرُوهًا لَأَنْكَرَ عَلَيْهِ . ا هـ . كَافِي
(قَوْلُهُ كَالتَّعْلِيقِ بِالْمِلْكِ وَسَبَبِهِ) وَأَمَّا شُرُوطُهَا فَالْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ . ا هـ . كَمَالٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ حَلِفُهُ عَلَى مَاضٍ) قَالَ الْكَمَالُ وَلَيْسَ هَذَا بِقَيْدِ الْحَلِفِ عَلَى الْحَالِ أَيْضًا كَوَاللَّهِ مَا لِهَذَا عَلَيَّ دَيْنٌ وَهُوَ يَعْلَمُ خِلَافَهُ وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ اعْلَمْ أَنَّ يَمِينَ الْغَمُوسِ مَا يُتَعَمَّدُ فِيهِ الْكَذِبُ عَلَى إثْبَاتِ شَيْءٍ أَوْ نَفْيِهِ سَوَاءٌ كَانَ مَاضِيًا أَوْ حَالًا نَظِيرُ الْمَاضِي قَوْلُ الرَّجُلِ وَاَللَّهِ مَا فَعَلْت ذَلِكَ الْأَمْرَ وَهُوَ عَالِمٌ بِأَنَّهُ فَعَلَهُ وَنَظِيرُ الْحَالِ قَوْلُهُ وَاَللَّهُ إنَّهُ زَيْدٌ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهُ عَمْرٌو وَمَا شَابَهَ ذَلِكَ وَمَا وَقَعَ فِي تَفْسِيرِ الْغَمُوسِ فِي مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ بِأَنَّهُ الْحَلِفُ عَلَى أَمْرٍ مَاضٍ يُتَعَمَّدُ فِيهِ الْكَذِبُ فَهُوَ بِنَاءٌ عَلَى الْغَالِبِ لَا أَنَّ الْمَاضِيَ شَرْطُهُ وَلِهَذَا صَرَّحَ صَاحِبُ التُّحْفَةِ وَغَيْرُهُ أَنَّ الْغَمُوسَ يَتَحَقَّقُ فِي الْحَالِ أَيْضًا وَقَالَ فِي شَرْحِ الْكَافِي الْيَمِينُ لَيْسَتْ مِنْهُنَّ عَلَى الْحَقِيقَةِ لِأَنَّ الْيَمِينَ عَقْدٌ مَشْرُوعٌ وَهَذِهِ كَبِيرَةٌ مَحْضَةٌ وَالْكَبِيرَةُ ضِدُّ الْمَشْرُوعِ وَلَكِنْ سَمَّاهُ يَمِينًا مَجَازًا لِأَنَّ ارْتِكَابَ هَذِهِ الْكَبِيرَةُ بِاسْتِعْمَالِ صُورَةِ الْيَمِينِ كَمَا سَمَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْعَ الْحُرِّ بَيْعًا مَجَازًا لِأَنَّ ارْتِكَابَ تِلْكَ الْكَبِيرَةِ بِاسْتِعْمَالِ صُورَةِ الْبَيْعِ ثُمَّ إيمَانًا فِي الْيَمِينِ الْغَمُوسِ لِأَنَّهَا كَبِيرَةٌ ا هـ
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ غَمُوسٌ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ بِفَتْحِ الْغَيْنِ اسْمُ فَاعِلٍ لِأَنَّهَا تَغْمِسُ صَاحِبَهَا فِي الْإِثْمِ لِأَنَّهُ حَلَفَ كَاذِبًا عَلَى عِلْمٍ مِنْهُ . ا هـ . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لَغْوٌ) قَالَ الرَّازِيّ وَلَغْوٌ وَهُوَ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى أَمْرٍ فِي الْمُضِيِّ أَوْ الْحَالِ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ كَذَلِكَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بِأَنْ قَالَ وَاَللَّهِ فَعَلْت كَذَلِكَ وَمَا فَعَلَ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ فَعَلَ أَوْ رَأَى شَخْصًا مِنْ بَعِيدٍ فَقَالَ وَاَللَّهِ إنَّهُ لَزَيْدٌ يَظُنُّهُ زَيْدًا وَهُوَ لَيْسَ كَذَلِكَ ا هـ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَيَمِينُ اللَّغْوِ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى أَمْرٍ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ قَالَ وَالْأَمْرُ بِخِلَافِهِ فَهَذَا الْيَمِينُ يَرْجُو أَنْ لَا يُؤَاخِذَ اللَّهُ بِهَا صَاحِبَهَا قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مِثْلُ مَا حَلَفَ عَلَى شَيْءٍ مُتَوَهِّمًا أَنَّهُ فِيهِ صَادِقٌ كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَقَدْ دَخَلْت الدَّارَ وَاَللَّهِ مَا كَلَّمْت زَيْدًا وَالْأَمْرُ بِخِلَافِهِ أَوْ رَأَى طَائِرًا مِنْ بَعِيدٍ فَظَنَّهُ غُرَابًا فَقَالَ وَاَللَّهِ إنَّهُ غُرَابٌ فَإِذَا هُوَ حَمَامٌ ا هـ
(قَوْلُهُ وَلَا يَأْثَمُ فِي اللَّغْوِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ثُمَّ يَمِينُ اللَّغْوِ لَا حُكْمَ لَهَا أَصْلًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} [البقرة : 225] أَيْ لَا يُؤَاخِذُكُمْ بِلَغْوِ الْيَمِينِ الَّذِي يَحْلِفُهُ أَحَدُكُمْ بِالظَّنِّ هَذَا عَلَى مَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ وَمَعْنَاهُ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُكُمْ الْكَفَّارَةُ بِلَغْوِ الْيَمِينِ الَّذِي لَا قَصْدَ مَعَهُ ا هـ

(3/107)


بِيَمِينِهِ فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُ النَّارَ وَحَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ فَقَالَ رَجُلٌ وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا قَالَ وَإِنْ كَانَ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمَا وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْيَمِينُ الْفَاجِرَةُ تَدَعُ الدِّيَارَ بَلَاقِعَ» أَيْ خَالِيَةً وَلَا تَجِبُ فِيهَا الْكَفَّارَةُ إلَّا التَّوْبَةُ وَالِاسْتِغْفَارُ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَجِبُ فِيهَا الْكَفَّارَةُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} [البقرة : 225] وَالْمُرَادُ الْقَصْدُ لِأَنَّهُ فِعْلُ الْقَلْبِ وَالْمُرَادُ بِالْمُؤَاخَذَةِ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّهُ تَعَالَى فَسَّرَهَا بِهَا فِي آيَةٍ أُخْرَى بِقَوْلِهِ {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ} [المائدة : 89] الْآيَةَ وَالْمُرَادُ بِالْعَقْدِ الْقَصْدُ أَيْضًا وَفِيهِ تَوْفِيقٌ بَيْنَ الْآيَتَيْنِ وَلِأَنَّ الْكَفَّارَةَ شُرِعَتْ لِرَفْعِ ذَنْبِ هَتْكِ حُرْمَةِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدْ تَحَقَّقَ بِالِاسْتِشْهَادِ بِاَللَّهِ تَعَالَى كَاذِبًا فَأَشْبَهَ الْمَعْقُودَ وَلَنَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «خَمْسٌ مِنْ الْكَبَائِرِ لَا كَفَّارَةَ فِيهِنَّ وَعَدَّ مِنْهَا الْيَمِينَ الْفَاجِرَةَ» وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - كُنَّا نَعُدُّ الْيَمِينَ الْغَمُوسَ مِنْ الْكَبَائِرِ الَّتِي لَا كَفَّارَةَ فِيهَا وَهُوَ إشَارَةٌ إلَى الصَّحَابَةِ وَحِكَايَةٌ لِإِجْمَاعِهِمْ وَلِأَنَّهَا كَبِيرَةٌ مَحْضَةٌ وَالْكَفَّارَةُ عِبَادَةٌ فَلَا تُنَاطُ بِهَا كَسَائِرِ الْكَبَائِرِ وَهَذَا لِأَنَّ الْمَشْرُوعَاتِ اللَّازِمَةَ لِلْعِبَادِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ عِبَادَةٌ مَحْضَةٌ
وَسَبَبُهَا مُبَاحٌ وَعُقُوبَةٌ مَحْضَةٌ وَسَبَبُهَا مَحْظُورٌ مَحْضٌ وَمُتَرَدَّدٌ بَيْنَ الْعِبَادَةِ وَالْعُقُوبَةِ وَهِيَ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ مِنْ وَجْهٍ حَتَّى تَتَأَدَّى بِالصَّوْمِ وَيُشْتَرَطُ فِيهَا النِّيَّةُ وَعُقُوبَةٌ مِنْ وَجْهٍ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ أَجْزِيَةً زَاجِرَةً كَالْحُدُودِ فَيَكُونُ سَبَبُهَا أَيْضًا مُتَرَدِّدًا بَيْنَ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ لِتَكُونَ الْعِبَادَةُ مُتَعَلِّقَةً بِالْمُبَاحِ وَالْعُقُوبَةُ بِالْمَحْظُورِ كَسَائِرِ الْكَفَّارَاتِ مِثْلُ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ فَإِنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِالْمُنْكَرِ مِنْ الْقَوْلِ الزُّورِ ، وَالْعَوْدُ وَكَفَّارَةُ الْقَتْلِ تَجِبُ بِالْخَطَأِ وَهُوَ بِالتَّقْصِيرِ فِي التَّثَبُّتِ وَهُوَ مَحْظُورٌ وَبِالْحَرَكَةِ الْمُبَاحَةِ مِثْلِ الْمَشْيِ فِي الطَّرِيقِ وَكَذَا كَفَّارَةُ الْيَمِينِ تَجِبُ بِالْحَلِفِ وَالْحِنْثِ وَالْأَوَّلُ مُبَاحٌ وَالثَّانِي مَحْظُورٌ وَأَمَّا الْغَمُوسُ فَمَحْظُورٌ مَحْضٌ لِأَنَّ الْكَذِبَ بِدُونِ الِاسْتِشْهَادِ بِاَللَّهِ تَعَالَى حَرَامٌ فَمَعَهُ أَوْلَى لِأَنَّهُ ذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى لِتَرْوِيجِ الْكَذِبِ وَهُوَ فِي نِهَايَةِ الْحَظْرِ فَلَا يَصْلُحُ سَبَبًا لِلْكَفَّارَةِ
أَلَا تَرَى أَنَّ اللِّعَانَ اسْتِشْهَادٌ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَأَحَدُهُمَا كَاذِبٌ بِيَقِينٍ وَلَمْ يُوجِبْ الشَّارِعُ عَلَى الْكَاذِبِ مِنْهُمَا كَفَّارَةً وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى ذَلِكَ فَمَنْ أَوْجَبَهُ فِي الْيَمِينِ الْفَاجِرَةِ صَارَ مُخَالِفًا لِلنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ وَهَذَا لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَخْبَرَ أَنَّ أَحَدَهُمَا كَاذِبٌ فَقَالَ هَلْ فِيكُمَا مِنْ تَائِبٍ فَبَيَّنَ أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْكَاذِبِ مِنْهُمَا فِي يَمِينِهِ التَّوْبَةُ لَا غَيْرُ وَلَوْ كَانَتْ الْكَفَّارَةُ تَجِبُ بِهَا لَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ عَلَيْهِ أَرْبَعَ كَفَّارَاتٍ وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِيمَا تَلَا لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْمَعْقُودَةُ وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِحِفْظِ الْأَيْمَانِ بَعْدَ مَا شَرَعَ الْكَفَّارَةَ فِيهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} [المائدة : 89] وَالْحِفْظُ إنَّمَا يَتَأَتَّى فِي الْمُسْتَقْبِلِ الَّذِي يَقْبَلُ التَّضْيِيعَ وَالْغَمُوسُ لَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِيهَا فَلَا تَتَنَاوَلُهَا الْآيَةُ وَكَذَلِكَ الْعَقْدُ لَا يَكُونُ إلَّا فِيمَا يَقْبَلُ الْحِلَّ لِأَنَّهُ ضِدُّهُ قَالَ قَائِلُهُمْ
خَطَرَاتُ الْهَوَى تَرُوحُ وَتَغْدُو ... وَلِقَلْبِ الْمُحِبِّ حِلٌّ وَعَقْدُ
وَالْمُؤَاخَذَةُ الْمُطْلَقَةُ يُرَادُ بِهَا الْمُؤَاخَذَةُ فِي الْآخِرَةِ لِأَنَّهَا دَارُ الْجَزَاءِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهَا وَقِيَاسُهُ عَلَى الْمَعْقُودِ فَاسِدٌ لِأَنَّ الْمَعْقُودَةَ مُبَاحَةٌ فَلَا يَأْثَمُ بِمُبَاشَرَتِهَا وَلَوْ كَانَ فِيهَا ذَنْبٌ فَهُوَ مُتَأَخِّرٌ مُتَعَلِّقٌ بِاخْتِيَارِهِ الْحِنْثَ ابْتِدَاءً فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَالْإِثْمُ فِي الْغَمُوسِ مُلَازِمٌ وَهُوَ أَعْظَمُ جُرْمًا فَامْتَنَعَ الْإِلْحَاقُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي اللَّغْوِ فَهَذِهِ يَمِينٌ نَرْجُو أَنْ لَا يُؤَاخِذَ اللَّهُ بِهَا صَاحِبَهَا مَعَ أَنَّ عَدَمَ الْمُؤَاخَذَةِ مَقْطُوعٌ بِهِ لِكَوْنِهِ ثَابِتًا بِالْكِتَابِ وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّ فِي صُورَتِهَا اخْتِلَافًا فَمَذْهَبُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - اللَّغْوُ مَا يَجْرِي عَلَى اللِّسَانُ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْمَاضِي أَوْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ لَا وَاَللَّهِ بَلَى وَاَللَّهِ
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِثْلُهُ وَمَذْهَبُ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلُ مَذْهَبِنَا وَهُوَ الْحَلِفُ عَلَى يَمِينٍ كَاذِبَةٍ وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ صَادِقٌ وَهَذَا يَكُونُ فِي الْمَاضِي وَالْحَالِ فَلِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ صُورَتُهَا خِلَافَ ذَلِكَ عَلَّقَهُ بِالرَّجَاءِ يَعْنِي نَرْجُو أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الصُّورَةُ هِيَ الَّتِي لَا يُؤَاخَذُ بِهَا أَوْ قَالَ ذَلِكَ تَعْظِيمًا لِلْأَمْرِ وَإِظْهَارًا لِلتَّوَاضُعِ لِأَنَّهُ يُذْكَرُ لِذَلِكَ كَمَا يُذْكَرُ لِلطَّمَعِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعَلَى آتٍ مُنْعَقِدَةٌ وَفِيهِ كَفَّارَةٌ فَقَطْ) أَيْ الْيَمِينُ عَلَى شَيْءٍ سَيَأْتِي فِي الْمُسْتَقْبَلِ مُنْعَقِدَةٌ وَحُكْمُ هَذِهِ الْيَمِينِ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ عِنْدَ الْحِنْثِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ} [المائدة : 89] الْآيَةَ وَالْمُرَادُ بِهِ الْيَمِينُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بِدَلِيلِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْيَمِينُ) الَّذِي فِي خَطِّ الشَّارِحِ بِلَا أَلِفٍ وَلَامٍ . ا هـ .

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَعَلَى آتٍ مُنْعَقِدَةٌ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُنْعَقِدَةُ مَا يَحْلِفُ عَلَى أَمْرٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ أَنْ يَفْعَلَهُ أَوْ لَا يَفْعَلَهُ قَالَ الْكَمَالُ وَمَا فِي قَوْلِهِ مَا يَحْلِفُ مَصْدَرِيَّةٌ أَيْ الْحَلِفُ عَلَى أَمْرٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْحَلِفَ عَلَى مَاضٍ صَادِقًا فِيهِ كَوَاللَّهِ لَقَدْ قَدِمَ زَيْدٌ لَا تُسَمَّى مُنْعَقِدَةً وَيَقْتَضِي أَنَّهَا إمَّا لَيْسَتْ بِيَمِينٍ وَهُوَ بَعِيدٌ أَوْ زِيَادَةُ أَقْسَامِ الْيَمِينِ عَلَى الثَّلَاثَةِ وَهُوَ مُبْطِلٌ لِحَصْرِهِمْ السَّابِقِ وَفِي كَلَامِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ مَا يُفِيدُ إنَّهَا مِنْ قَبِيلِ اللَّغْوِ فَإِنْ أَرَادَ لُغَةً فَمَمْنُوعٌ لِأَنَّهُ مَا لَا فَائِدَةَ لَهُ وَفِي هَذِهِ الْيَمِينِ فَائِدَةُ تَأْكِيدِ صِدْقِهِ فِي خَبَرِهِ عِنْدَ السَّامِعِ وَإِنْ أَرَادَ دُخُولَهَا فِي اللَّغْوِ الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ بِحَسَبِ الْإِرَادَةِ فَقَدْ فَسَّرَهُ السَّلَفُ وَاخْتَلَفُوا فِيهِ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِذَلِكَ فَكَانَ خَارِجًا عَنْ أَقْوَالِ السَّلَفِ وَالْجَوَابُ أَنَّ الْأَقْسَامَ الثَّلَاثَةَ فِيمَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْحِنْثُ لَا فِي مُطْلَقِ الْيَمِينِ ا هـ

(3/108)


قَوْله تَعَالَى {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} [المائدة : 89] وَلَا يُتَصَوَّرُ الْحِفْظُ عَنْ الْحِنْثِ وَالْهَتْكُ إلَّا فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ بِمَا عَقَدْتُمْ الْأَيْمَانَ وَالْعَقْدُ يَقْتَضِي ارْتِبَاطَ الْكَلَامِ بِالْكَلَامِ عَلَى وَجْهٍ يَتَعَلَّقُ بِهِمَا حُكْمٌ فَيَصِيرُ عَقْدًا شَرْعِيًّا كَسَائِرِ الْعُقُودِ الشَّرْعِيَّةِ وَلِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ {وَلا تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل : 91] وَالنَّقْضُ يَكُونُ فِي مَوْضِعِ الْعَقْدِ وَهَذَا إنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَقَوْلُهُ وَفِيهِ كَفَّارَةٌ فَقَطْ لَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ فَقَطْ لِأَنَّ فِي الْيَمِينِ الْمُنْعَقِدَةِ إثْمًا أَيْضًا وَلَفْظُ الْكَفَّارَةِ يُنْبِئُ عَنْهُ لِأَنَّ مَعْنَاهَا السَّتَّارَةُ وَهِيَ لَا تَجِبُ إلَّا لِرَفْعِ الْمَأْثَمِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ مُكْرَهًا أَوْ نَاسِيًا) يَعْنِي تَجِبُ فِيهَا الْكَفَّارَةُ إذَا حَنِثَ وَلَوْ كَانَ حَلَفَ مُكْرَهًا أَوْ نَاسِيًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «ثَلَاثٌ جَدُّهُنَّ جَدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جَدٌّ وَعَدَّ مِنْهَا الْيَمِينَ» وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ
وَالْمُرَادُ بِالنَّاسِي الْمُخْطِئُ كَمَا إذَا أَرَادَ أَنْ يَقُولَ اسْقِنِي الْمَاءَ فَقَالَ وَاَللَّهِ لَا أَشْرَبُ الْمَاءَ وَذَكَرَ فِي الْكَافِي أَنَّهُ الْمَذْهُولُ عَنْ التَّلَفُّظِ بِهِ كَأَنْ قِيلَ لَهُ أَلَا تَأْتِينَا فَقَالَ بَلَى وَاَللَّهِ غَيْرَ قَاصِدٍ لِلْيَمِينِ وَإِنَّمَا أَلْجَأَنَا إلَى هَذَا التَّأْوِيلِ لِأَنَّ حَقِيقَةَ النِّسْيَانِ فِي الْيَمِينِ لَا تُتَصَوَّرُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ حَنِثَ كَذَلِكَ) أَيْ أَوْ حَنِثَ مُكْرَهًا أَوْ نَاسِيًا تَقْدِيرُهُ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ وَلَوْ كَانَ حَلَفَ مُكْرَهًا أَوْ نَاسِيًا أَوْ حَنِثَ مُكْرَهًا أَوْ نَاسِيًا بِأَنْ فَعَلَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ مُكْرَهًا أَوْ نَاسِيًا لِأَنَّ الْفِعْلَ حَقِيقَةً لَا يَنْعَدِمُ بِالْإِكْرَاهِ وَالنِّسْيَانِ وَتَحَقُّقُ الْفِعْلِ مِنْهُ هُوَ الشَّرْطُ وَالْحِنْثُ نَاسِيًا مُتَصَوَّرٌ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى التَّأْوِيلِ وَكَذَا لَوْ فَعَلَهُ وَهُوَ مُغْمًى عَلَيْهِ أَوْ مَجْنُونٌ لِتَحَقُّقِ الشَّرْطِ حَقِيقَةً وَلَوْ كَانَتْ الْحِكْمَةُ رَفْعَ الذَّنْبِ فَالْحُكْمُ يُدَارُ عَلَى دَلِيلِهِ وَهُوَ الْحِنْثُ لَا عَلَى حَقِيقَةِ الذَّنْبِ كَمَا أُدِيرَ الْحُكْمُ عَلَى السَّفَرِ لَا حَقِيقَةِ الْمَشَقَّةِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْيَمِينُ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَالرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَعِزَّتِهِ وَجَلَالِهِ وَكِبْرِيَائِهِ وَأُقْسِمُ وَأَحْلِفُ وَأَشْهَدُ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ بِاَللَّهِ وَلَعَمْرُ اللَّه وَأَيْمِ اللَّهِ وَعَهْدِ اللَّهِ وَمِيثَاقِهِ وَعَلَيَّ نَذْرٌ وَنَذْرُ اللَّهِ وَإِنْ فَعَلَ كَذَا فَهُوَ كَافِرٌ) أَيْ الْيَمِينُ تَكُونُ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ لِأَنَّ الْحَلِفَ بِهَا مُتَعَارَفٌ وَمَعْنَى الْيَمِينِ هُوَ الْقُوَّةُ حَاصِلٌ بِهَا أَمَّا الْحَلِفُ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَوْ الرَّحْمَنِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى فَظَاهِرٌ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ تَعْظِيمَ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى فَصَلَحَ ذِكْرُهُ حَامِلًا أَوْ مَانِعًا سَوَاءٌ تَعَارَفَ النَّاسُ الْحَلِفَ بِهِ أَوْ لَمْ يَتَعَارَفُوا فِي الظَّاهِرِ مِنْ مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ الْيَمِينَ بِاَللَّهِ تَعَالَى ثَبَتَ نَصًّا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَالْحَلِفُ بِسَائِرِ أَسْمَائِهِ حَلِفٌ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَمَا ثَبَتَ بِالنَّصِّ أَوْ بِدَلَالَتِهِ لَا يُرَاعَى فِيهِ الْعُرْفُ وَكَذَا لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى النِّيَّةِ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْحَقَّ أَوْ غَيْرَهُ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا كُلُّ اسْمٍ لَا يُسَمَّى بِهِ غَيْرُ اللَّهِ تَعَالَى كَاَللَّهِ وَالرَّحْمَنِ فَهُوَ يَمِينٌ مُطْلَقًا
وَمَا يُسَمَّى بِهِ غَيْرُ اللَّهِ تَعَالَى كَالْحَكِيمِ وَالْحَلِيمِ وَالْعَلِيمِ وَالْقَادِرِ فَإِنْ أَرَادَ بِهِ اللَّهَ كَانَ يَمِينًا وَإِلَّا فَلَا وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّ الْيَمِينَ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى مَنْهِيٌّ عَنْهُ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ فَمَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ لَأَنْ أَحْلِفَ بِاَللَّهِ كَاذِبًا أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَحْلِفَ بِغَيْرِ اللَّهِ صَادِقًا وَالظَّاهِرُ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ لَا يُبَاشِرُ الْمُحَرَّمَ وَأَنَّ مَنْ قَصَدَهُ يَمِينًا صَحِيحَةً فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَنْوِ خِلَافَ ذَلِكَ فَإِنْ نَوَى خِلَافَهُ لَا يَكُونُ يَمِينًا لِأَنَّهُ نَوَى مُحْتَمَلَ كَلَامِهِ فَيَصِحُّ ، هَذَا إذَا حَلَفَ بِأَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَمَّا إذَا حَلَفَ بِصِفَاتِهِ كَعِزَّةِ اللَّهِ وَكِبْرِيَائِهِ وَجَلَالِهِ فَإِنْ كَانَ مُتَعَارَفًا بِأَنْ كَانَ يَحْلِفُ بِهِ عَادَةً يَكُونُ يَمِينًا وَمَا لَا فَلَا وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنْ حَلَفَ بِصِفَاتِ الذَّاتِ يَكُونُ يَمِينًا وَإِنْ حَلَفَ بِصِفَاتِ الْفِعْلِ لَا يَكُونُ يَمِينًا وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا عِنْدَهُمْ أَنَّ كُلَّ وَصْفٍ جَازَ أَنْ يُوصَفَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ وَبِضِدِّهِ فَهُوَ مِنْ صِفَاتِ الْفِعْلِ كَالرِّضَا وَالْغَضَبِ وَالسَّخَطِ وَالرَّحْمَةِ وَالْمَنْعِ وَالْإِعْطَاءِ وَكُلِّ مَا جَازَ أَنْ يُوصَفَ بِهِ لَا بِضِدِّهِ فَهُوَ مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ كَعِزَّةِ اللَّهِ وَكِبْرِيَائِهِ وَجَلَالِهِ وَقُدْرَتِهِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى كُلَّهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ «ثَلَاثٌ جَدُّهُنَّ جَدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جَدٌّ النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالْيَمِينُ» . ا هـ . هِدَايَةٌ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْيَمِينُ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَالرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) {فَرْعٌ} رَجُلٌ قَالَ وَاَللَّهِ وَالرَّحْمَنِ وَالرَّحِيمِ لَا أَفْعَلُ كَذَا فَفَعَلَ فِي الرِّوَايَاتِ الظَّاهِرَةِ يَلْزَمُهُ ثَلَاثُ كَفَّارَاتٍ وَيَتَعَدَّدُ الْيَمِينُ بِتَعَدُّدِ الِاسْمِ إذَا لَمْ يَجْعَلْ الثَّانِيَ نَعْتًا لِلْأَوَّلِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ عَلَيْهِ كَفَّارَةً وَاحِدَةً وَبِهِ أَخَذَ مَشَايِخُ سَمَرْقَنْدَ لِأَنَّ الْوَاوَ بَيْنَ الِاسْمِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي وَبَيْنَ الثَّانِي وَالثَّالِثِ وَاوُ الْقَسَمِ لَا وَاوُ الْعَطْفِ فَلَمْ يَتَّصِلْ الثَّانِي بِالْأَوَّلِ وَلَا الثَّانِي بِالثَّالِثِ وَإِذَا ذَكَرَ الْخَبَرَ عَقِيبَ الثَّالِثِ اقْتَصَرَ الْخَبَرُ عَلَى الثَّالِثِ وَكَانَتْ يَمِينًا وَاحِدَةً وَأَكْثَرُ الْمَشَايِخِ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ
وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ وَالرَّحْمَنِ لَا أَفْعَلُ كَذَا فَفَعَلَ يَلْزَمُهُ كَفَّارَتَانِ فِي قَوْلِهِمْ وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ وَاَللَّهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا تَعَدَّدَ الْيَمِينُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ فِي الِاسْمِ الْوَاحِدِ لَا تَتَعَدَّدُ الْيَمِينُ وَيُحْمَلُ الثَّانِي عَلَى التَّأْكِيدِ وَالتَّكْرَارُ وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ ثُمَّ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ فَدَخَلَهَا مَرَّةً يَلْزَمُهُ كَفَّارَتَانِ وَكَذَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك ثُمَّ قَالَ فِي مَجْلِسِهِ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك فَقَرِبَهَا مَرَّةً يَلْزَمُهُ كَفَّارَتَانِ وَحُكِيَ عَنْ الشَّيْخِ الْإِمَامِ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ أَنَّهُ قَالَ إذَا قَالَ الرَّجُلُ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا فَكَلَّمَهُ مَرَّةً إنْ نَوَى بِالثَّانِي التَّكْرَارَ وَالتَّأْكِيدَ يَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ لِأَنَّهُ جَعَلَ الِاسْمَ الثَّانِيَ نَعْتًا لِلْأَوَّلِ فَكَانَتْ يَمِينًا وَاحِدَةً كَمَا لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ الْعَزِيزِ لَا أَفْعَلُ كَذَا وَلَوْ قَالَ بِاَللَّهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا وَسَكَّنَ الْهَاءَ أَوْ نَصَبَهَا أَوْ رَفَعَهَا يَكُونُ يَمِينًا لِأَنَّهُ ذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى بِحَرْفِ الْقَسَمِ وَالْخَطَأُ فِي الْإِعْرَابِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْيَمِينِ وَلَوْ قَالَ اللَّهَ لَا أَفْعَلُ كَذَا وَسَكَّنَ الْهَاءَ أَوْ نَصَبَهَا لَا يَكُونُ يَمِينًا لِانْعِدَامِ حَرْفِ الْقَسَمِ إلَّا أَنْ يُعَرِّبَهَا بِالْكَسْرِ فَيَكُونُ يَمِينًا لِأَنَّ الْكَسْرَ يَقْتَضِي سَبْقَ حَرْفِ الْخَافِضِ وَهُوَ حَرْفُ الْقَسَمِ . ا هـ . قَاضِي خَانْ
(قَوْلُهُ وَإِنْ حَلَفَ بِصِفَاتِ الْفِعْلِ لَا يَكُونُ يَمِينًا) وَالْمُرَادُ بِالِاسْمِ هَاهُنَا لَفْظٌ دَالٌّ عَلَى الذَّاتِ الْمَوْصُوفَةِ بِصِفَةٍ كَالرَّحْمَنِ وَالرَّحِيمِ وَبِالصِّفَةِ الْمَصَادِرُ الَّتِي تَحْصُلُ عَنْ وَصْفِ اللَّهِ تَعَالَى بِأَسْمَاءِ فَاعِلِهَا كَالرَّحْمَةِ وَالْعِلْمِ وَالْعِزَّةِ ا هـ

(3/109)


صِفَاتٌ لِلذَّاتِ وَكُلُّهَا قَدِيمَةٌ فَلَا يَسْتَقِيمُ الْفَرْقُ وَالْأَيْمَانُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعُرْفِ فَمَا تَعَارَفَ النَّاسُ الْحَلِفَ بِهِ يَكُونُ يَمِينًا وَمَا لَا فَلَا ، وَلَوْ قَالَ وَعِلْمِ اللَّهِ لَا يَكُونُ يَمِينًا لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ الْمَعْلُومُ وَلِأَنَّهُ لَمْ يُتَعَارَفْ الْحَلِفُ بِهِ وَلَوْ نَوَى الْعِلْمَ الْحَقِيقِيَّ لَا يَكُونُ يَمِينًا لِعَدَمِ الْعُرْفِ ، وَقُدْرَةُ اللَّهِ تَكُونُ يَمِينًا لِلْعُرْفِ
وَقَوْلُهُ أُقْسِمُ أَوْ أَحْلِفُ أَوْ أَشْهَدُ إنَّمَا كَانَ يَمِينًا وَإِنْ لَمْ يَقُلْ بِاَللَّهِ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي الْحَلِفِ عُرْفًا وَهَذِهِ الصِّيَغُ لِلْحَالِ حَقِيقَةً وَتُسْتَعْمَلُ فِي الِاسْتِقْبَالِ بِقَرِينَةِ السِّينِ أَوْ سَوْفَ أَوْ إذَا أَوْ لَنْ أَوْ عَلَى أَوْ أَنْ فَجُعِلَ حَالِفًا بِهَا لِلْحَالِ أَلَا تَرَى إلَى قَوْله تَعَالَى {قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} [المنافقون : 1] ثُمَّ قَالَ {اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً} [المجادلة : 16] فَسَمَّاهُ يَمِينًا وَإِنْ لَمْ يَذْكُرُوا الِاسْمَ فَدَلَّ أَنَّ الشَّهَادَةَ يَمِينٌ وَأَنَّ ذِكْرَ الِاسْمِ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَكُونُ يَمِينًا إلَّا إذَا قَالَ بِاَللَّهِ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْحَلِفَ بِاَللَّهِ وَبِغَيْرِهِ وَيَحْتَمِلُ الْوَعْدَ وَلَنَا مَا بَيَّنَّا وَلِأَنَّ الْيَمِينَ بِاَللَّهِ تَعَالَى هُوَ الْمَعْهُودُ الْمَشْرُوعُ وَبِغَيْرِهِ مَحْظُورٌ فَيَنْصَرِفُ إلَى الْأَوَّلِ بِلَا نِيَّةٍ فِي الصَّحِيحِ لِمَا ذَكَرْنَا وَلَوْ كَانَ وَعْدًا لَكَانَ مَعَ اسْمِ اللَّهِ أَيْضًا وَعْدًا
وَلَوْ قَالَ سوكندمي خورم بخدي يَكُونُ يَمِينًا لِأَنَّهُ لِلْحَالِ وَلَوْ قَالَ سوكند خورم قِيلَ لَا يَكُونُ يَمِينًا لِأَنَّهُ وَعْدٌ وَلَوْ قَالَ سوكند خورم بِطَلَاقِ زنم لَا يَكُونُ يَمِينًا لِعَدَمِ التَّعَارُفِ وَإِنَّمَا كَانَ حَالِفًا بِقَوْلِهِ لَعَمْرُ اللَّهِ وَأَيْمُ اللَّهِ وَعَهْدِ اللَّهِ وَمِيثَاقِهِ وَعَلَيَّ نَذْرٌ وَنَذْرُ اللَّهِ لِأَنَّ عَمْرَ اللَّهِ بَقَاؤُهُ فَكَانَ صِفَةً لَهُ وَقَدْ ذَكَرْنَا الْحَلِفَ بِالصِّفَاتِ وَأَيْمٌ أَصْلُهُ أَيْمُنٌ وَهُوَ جَمْعُ يَمِينٍ عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ وَحَذْفُ الْهَمْزَةِ فِي الْوَصْلِ تَخْفِيفٌ وَكَذَا حَذَفُوا النُّونَ تَخْفِيفًا فَقَالُوا أَيْمُ اللَّهِ وَإِيمُ اللَّهِ بِالْكَسْرِ أَيْضًا وَرُبَّمَا حَذَفُوا الْيَاءَ أَيْضًا فَقَالُوا أَمُّ اللَّهِ وَرُبَّمَا أَبْقَوْا الْمِيمَ وَحْدَهَا مَضْمُومَةً وَمَكْسُورَةً فَقَالُوا مُ اللَّهِ وَرُبَّمَا قَالُوا مُنُ اللَّهِ وَمَنُ اللَّهِ وَمُنْ اللَّهِ بِالضَّمِّ وَالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ وَعِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ لَيْسَتْ جَمْعًا وَالْهَمْزَةُ لِلْوَصْلِ وَالْجَمْعُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُخَفَّفَ حَتَّى يَبْقَى عَلَى حَرْفٍ وَاخْتَارَ الزَّجَّاجُ وَابْنُ كَيْسَانَ قَوْلَ الْكُوفِيِّينَ وَقَالَا إنَّمَا خُفِّفَتْ هَمْزَتُهَا وَطُرِحَتْ فِي الْوَصْلِ لِكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِهِمْ وَالْمُفْرَدُ لَا يَأْتِي عَلَى أَفْعُلٍ وَقَلَّ آنُكُ وَأَسْنِمَةٌ وَأَنْمُلَةٌ لُغَيَّةٌ وَالْعَهْدُ يَمِينٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ} [النحل : 91] ثُمَّ قَالَ {وَلا تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل : 91] وَالْمِيثَاقُ بِمَعْنَى الْعَهْدِ
وَكَذَا الذِّمَّةُ وَلِهَذَا سُمِّيَ الْمُعَاهَدُ ذِمِّيًّا وَالنَّذْرُ إذَا لَمْ يُسَمِّ شَيْئًا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كَفَّارَةُ النَّذْرِ إذَا لَمْ يُسَمِّ كَفَّارَةُ يَمِينٍ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ النَّذْرُ مُطْلَقًا أَوْ مُعَلَّقًا بِشَرْطٍ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يُسَمِّيَ شَيْئًا أَوْ لَا فَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إنْ لَمْ يُسَمِّ شَيْئًا فِي الْمُطْلَقِ وَالْمُعَلَّقِ تَجِبُ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ لَكِنْ فِي الْمُطْلَقِ تَجِبُ لِلْحَالِ وَفِي الْمُعَلَّقِ إذَا وُجِدَ الشَّرْطُ وَإِنْ سَمَّى شَيْئًا فَفِي الْمُطْلَقِ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ وَكَذَا فِي الْمُعَلَّقِ إنْ كَانَ التَّعْلِيقُ بِشَرْطٍ يُرَادُ كَوْنُهُ وَإِنْ كَانَ لَا يُرَادُ كَوْنُهُ قِيلَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِالنَّذْرِ وَقِيلَ يُجْزِيهِ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ إنْ شَاءَ وَإِنْ شَاءَ أَوْفَى بِالْمَنْذُورِ وَهُوَ الصَّحِيحُ رَجَعَ إلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَبْلَ مَوْتِهِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَقِيلَ بِسَبْعَةٍ وَكَذَا لَوْ قَالَ عَلَيَّ يَمِينٌ يَجِبُ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ لِأَنَّ مَعْنَاهُ عَلَيَّ مُوجِبُ الْيَمِينِ وَإِنَّمَا يَصِيرُ قَوْلُهُ إنْ فَعَلَ كَذَا فَهُوَ كَافِرٌ يَمِينًا لِأَنَّ حُرْمَةَ الْكُفْرِ كَحُرْمَةِ هَتْكِ الِاسْمِ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ نَسْخُهُ عَقْلًا فَإِذَا جَعَلَهُ عَلَمًا عَلَى الْكُفْرِ فَقَدْ اعْتَقَدَهُ وَاجِبَ الِامْتِنَاعِ
وَقَدْ أَمْكَنَ الْقَوْلُ بِوُجُوبِهِ بِغَيْرِهِ بِجَعْلِهِ يَمِينًا كَمَا يَقُولُ فِي تَحْرِيمِ الْحَلَالِ وَإِنْ كَانَ قَالَ ذَلِكَ لِشَيْءٍ قَدْ فَعَلَهُ فِي الْمَاضِي فَإِنْ كَانَ صَادِقًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَكَذَا إذَا كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ صَادِقٌ عِنْدَهُ وَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ كَاذِبٌ يُكَفِّرُ عِنْدَ مُحَمَّدِ بْنِ مُقَاتِلٍ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الْكُفْرَ بِمَا هُوَ مَوْجُودٌ وَالتَّعْلِيقُ بِالْمَوْجُودِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ سُوكِنْدِمِي) الْيَمِينُ (قَوْلُهُ خورم) أَحْلِفُ (قَوْلُهُ بخدي) بِاَللَّهِ تَعَالَى (قَوْلُهُ وَأَنْمُلَةٌ) قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالْأُنْمُلَةُ بِالْفَتْحِ وَاحِدَةُ الْأَنَامِلِ وَهِيَ رُءُوسُ الْأَصَابِعِ ا هـ وَقَالَ فِي الْمِصْبَاحِ الْأُنْمُلَةُ الْعُقْدَةُ مِنْ الْأَصَابِعِ وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ الْأَنَامِلُ رُءُوسُ الْأَصَابِعِ قَالَ وَعَلَيْهِ قَوْلُ الْأَزْهَرِيُّ الْأُنْمُلَةُ الْمَفْصِلُ الَّذِي فِيهِ الظُّفْرُ وَهِيَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَفَتْحُ الْمِيمِ أَكْثَرُ مِنْ ضَمِّهَا وَابْنُ قُتَيْبَةَ يَجْعَلُ الضَّمَّ مِنْ لَحْنِ الْعَوَامّ ا هـ
وَقَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ السَّنَامُ وَاحِدُ أَسْنِمَةِ الْإِبِلِ وَأَسْنِمَةٌ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَضَمِّ النُّونِ أَكِمَّةٌ مَعْرُوفَةٌ بِقُرْبِ طِخْفَةَ ا هـ . وَقَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ الْآنُكُ الْأُسْرُبُّ وَفِي الْحَدِيثِ «مَنْ اسْتَمَعَ إلَى قَيْنَةٍ صُبَّ فِي أُذُنَيْهِ الْآنُكُ» وَأَفْعُلٌ مِنْ أَبْنِيَةِ الْجَمْعِ وَلَمْ يَجِئْ عَلَيْهِ الْوَاحِدُ إلَّا الْآنُكُ وَأَشُدَّ ا هـ وَقَالَ فِيهِ أَيْضًا فِي بَابِ الدَّالِ وقَوْله تَعَالَى {حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ} [الأنعام : 152] أَيْ قُوَّتَهُ وَهُوَ مَا بَيْنَ ثَمَانِي عَشْرَةَ إلَى ثَلَاثِينَ وَهُوَ وَاحِدٌ جَاءَ عَلَى بِنَاءِ الْجَمْعِ مِثْلُ آنُكِ وَهُوَ الْأُسْرُبُّ وَلَا نَظِيرَ لَهُمَا وَيُقَالُ هُوَ جَمْعٌ لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ مِثْلُ آسَالٍ وَأَبَابِيلَ وَعَبَادِيدَ وَمَذَاكِيرَ وَكَانَ سِيبَوَيْهِ يَقُولُ وَاحِدُهُ شِدَّةٌ وَهُوَ حَسَنٌ فِي الْمَعْنَى لِأَنَّهُ يُقَالُ بَلَغَ الْغُلَامُ شِدَّتَهُ وَلَا تُجْمَعُ فَعِلَةٌ عَلَى أَفْعُلٍ وَأَمَّا أَنْعُمٍ فَهُوَ جَمْعُ نَعَمٍ مِنْ قَوْلِهِمْ يَوْمٌ بُؤْسٌ وَيَوْمٌ نَعَمٌ ا هـ قَوْلُهُ وَأَشَدُّ أَصْلُهُ أَشْدُدٌ نُقِلَتْ حَرَكَةُ الدَّالِ الْأُولَى إلَى مَا قَبْلَهَا ثُمَّ أُدْغِمَ . ا هـ . (قَوْلُهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ النَّذْرُ مُطْلَقًا) كَقَوْلِهِ لِلَّهِ عَلَيَّ نَذْرٌ أَوْ نَذْرُ اللَّهِ عَلَيَّ أَوْ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمٌ أَوْ صَدَقَةٌ أَوْ صَوْمُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَهَذَا كُلُّهُ مُطْلَقٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَمْ يُعَلِّقْهُ بِشَرْطٍ لَمْ يَقُلْ إذَا جَاءَ فُلَانٌ وَنَحْوُهُ ا هـ
(قَوْلُهُ إمَّا أَنْ يُسَمِّي شَيْئًا) كَقَوْلِهِ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمٌ أَوْ صَدَقَةٌ أَوْ حَجٌّ ا هـ قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ عِتْقٌ فَهُوَ عَلَى رَقَبَةٍ لِأَنَّ ذَلِكَ أَقَلُّ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ قَالَ عَلَيَّ صَوْمٌ فَعَلَيْهِ صَوْمُ يَوْمٍ لِأَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِهِ شَرْعًا وَأَدْنَى مَا يَجِبُ بِالْأَمْرِ وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو يُوسُفَ فِي الْأَمَالِي لَوْ قَالَ عَلَيَّ صِيَامٌ يَلْزَمُهُ صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لِأَنَّ ذَلِكَ أَقَلُّ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ} [البقرة : 196] . ا هـ . (قَوْلُهُ وَكَذَا فِي الْمُعَلَّقِ) إنْ كَانَ التَّعْلِيقُ بِشَرْطٍ يُرَادُ كَوْنُهُ كَالشِّفَاءِ مِنْ الْمَرَضِ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ لَا يُرَادُ كَوْنُهُ) كَشُرْبِ الْخَمْرِ أَوْ كَلَامِ زَيْدٍ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ كَاذِبٌ يُكَفِّرُ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ فِي فَصْلِ النُّذُورِ مِنْ كِتَابِ الْأَيْمَانِ مَا نَصُّهُ أَلَا تَرَى مَا ذُكِرَ عَنْ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ إذَا أَضَافَ النَّذْرَ إلَى سَائِرِ الْمَعَاصِي وَعَنَى بِهِ الْيَمِينَ بِأَنْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَقْتُلَ فُلَانًا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ يَمِينًا وَتَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ بِالْحِنْثِ ا هـ

(3/110)


تَنْجِيزٌ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ هُوَ كَافِرٌ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا يُكَفِّرُ اعْتِبَارًا لِلْمَاضِي بِالْمُسْتَقْبَلِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ إنْ كَانَ عَالِمًا أَنَّهُ يَمِينٌ لَا يُكَفِّرُ فِي الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا أَوْ عِنْدَهُ أَنَّهُ يُكَفِّرُ بِالْحَلِفِ فِي الْغَمُوسِ أَوْ بِمُبَاشَرَةِ الشَّرْطِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ يُكَفِّرُ فِيهِمَا لِأَنَّهُ لَمَّا أَقْدَمَ عَلَيْهِ وَعِنْدَهُ أَنَّهُ يُكَفِّرُ فَقَدْ رَضِيَ بِالْكُفْرِ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَكُونُ يَمِينًا لِأَنَّهُ تَعْلِيقُ الْمَعْصِيَةِ بِالشَّرْطِ فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ إنْ فَعَلَ كَذَا فَهُوَ زَانٍ أَوْ شَارِبُ خَمْرٍ وَنَحْوُهُ وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ مَنْ حَلَفَ بِالتَّهَوُّدِ فَهُوَ يَمِينٌ وَلِأَنَّ حُرْمَتَهُ كَحُرْمَةِ هَتْكِ الِاسْمِ إذْ لَا يَحْتَمِلُ التَّبْدِيلَ عَلَى مَا بَيَّنَّا بِخِلَافِ الزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ التَّبْدِيلَ عَقْلًا فَلَا يَكُونُ كَالْكُفْرِ فِي الْحُرْمَةِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا بِعِلْمِهِ وَغَضَبِهِ وَسَخَطِهِ وَرَحْمَتِهِ وَالنَّبِيِّ وَالْقُرْآنِ وَالْكَعْبَةِ وَحَقِّ اللَّهِ وَإِنْ فَعَلْته فَعَلَيَّ غَضَبُ اللَّهِ وَسَخَطُهُ أَوْ أَنَا زَانٍ أَوْ سَارِقٌ أَوْ شَارِبُ خَمْرٍ أَوْ آكِلُ رِبًا) أَيْ الْحَلِفُ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ لَا يَكُونُ يَمِينًا إلَّا قَوْلَهُ وَسَخَطِهِ وَغَضَبِهِ وَرَحْمَتِهِ وَالْقُرْآنِ وَالْكَعْبَةِ وَالنَّبِيِّ وَحَقِّ اللَّهِ فَلِمَا رَوَيْنَا وَبَيَّنَّا أَنَّ الْيَمِينَ لَا يَكُونُ بِغَيْرِ اللَّهِ لِأَنَّ الْعِلْمَ يُرَادُ بِهِ الْمَعْلُومُ وَالْغَضَبُ وَالسَّخَطُ يُرَادُ بِهِ أَثَرُهُ وَهُوَ النَّارُ وَكَذَا الرَّحْمَةُ يُرَاد بِهَا أَثَرُهَا وَهِيَ الْجَنَّةُ وَالْقُرْآنُ يُرَادُ بِهِ الْحُرُوفُ الَّتِي فِي اللَّهَوَاتِ وَالنُّقُوشُ الَّتِي فِي الْمَصَاحِفِ وَلِأَنَّ قَوْلَهُ عَلَيَّ غَضَبُ اللَّهِ وَنَحْوَهُ دُعَاءٌ عَلَى نَفْسِهِ وَلَا تَعَلُّقَ لَهُ بِمَا نَحْنُ فِيهِ
وَكَذَا لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِالتَّحَالُفِ بِهِ وَكَذَا إذَا قَالَ وَالنَّبِيِّ وَالْقُرْآنِ وَالْكَعْبَةِ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا وَأَمَّا إذَا قَالَ هُوَ بَرِيءٌ مِنْ أَحَدِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ يَكُونُ يَمِينًا لِأَنَّ التَّبَرِّي مِنْهُ كُفْرٌ وَالْحَقُّ الْمُضَافُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى طَاعَتُهُ فَقِيلَ لِلنَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ فَقَالَ أَنْ لَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَيَعْبُدُوهُ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ» وَالْحَلِفُ بِالطَّاعَةِ لَا يَكُونُ يَمِينًا لِأَنَّهُ حَلِفٌ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ وَالْحَقُّ لِأَنَّهُ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَكُونُ يَمِينًا لِأَنَّ الْحَقَّ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَجَوَابُهُ مَا تَقَدَّمَ وَلَوْ قَالَ حَقًّا لَا يَكُونُ يَمِينًا لِأَنَّ الْمُنَكَّرَ مِنْهُ يُرَادُ بِهِ تَحْقِيقُ الْوَعْدِ فَكَأَنَّهُ قَالَ أَفْعَلُ كَذَا حَقِيقَةً لَا مَحَالَةَ وَلَوْ قَالَ وَوَجْهِ اللَّهِ لَا يَكُونُ يَمِينًا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَكُونُ يَمِينًا لِأَنَّ الْوَجْهَ يُذْكَرُ بِمَعْنَى الذَّاتِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ} [الرحمن : 27] وَوَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّهُ يُرَادُ بِهِ الذَّاتُ وَيُرَادُ بِهِ الثَّوَابُ يُقَالُ افْعَلْ هَذَا لِابْتِغَاءِ وَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى أَيْ ثَوَابِهِ
وَلَوْ قَالَ وَأَمَانَةِ اللَّهِ يَكُونُ يَمِينًا فِي رِوَايَةٍ عَنْ مُحَمَّدٍ وَلَمَّا سُئِلَ عَنْ مَعْنَاهُ فَقَالَ لَا أَدْرِي كَأَنَّهُ وَجَدَ النَّاسَ يَحْلِفُونَ بِهِ فَجَعَلَهُ يَمِينًا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا يَكُونُ يَمِينًا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْفَرَائِضَ وَأَمَّا قَوْلُهُ إنْ فَعَلْته فَعَلَيَّ غَضَبُ اللَّهِ وَسَخَطُهُ أَوْ أَنَا زَانٍ أَوْ سَارِقٌ أَوْ شَارِبُ خَمْرٍ أَوْ آكِلُ رِبًا فَلِعَدَمِ التَّعَارُفِ بِالْحَلِفِ بِهَا بِخِلَافِ قَوْلِهِ هُوَ كَافِرٌ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ بِالْحَلِفِ وَبِهِ قَدْ بَيَّنَّا الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَحُرُوفُهُ الْبَاءُ وَالْوَاوُ وَالتَّاءُ) أَيْ حُرُوفُ الْقَسَمِ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ كَقَوْلِهِ بِاَللَّهِ وَوَاللَّهِ وَتَاللَّهِ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مَعْهُودٌ فِي الْكَلَامِ وَمَذْكُورٌ فِي الْقُرْآنِ وَالْبَاءُ هِيَ الْأَصْلُ وَهِيَ أُمُّ الْبَابِ تَدْخُلُ عَلَى الظَّاهِرِ وَالْمُضْمَرِ كَقَوْلِهِ بِاَللَّهِ وَبِهِ وَيَجُوزُ إظْهَارُ الْفِعْلِ مَعَهَا تَقُولُ حَلَفْت بِاَللَّهِ وَالْوَاوُ بَدَلٌ عَنْ الْبَاءِ تَدْخُلُ عَلَى الْمُظَهَّرِ كَقَوْلِك وَاَللَّهِ وَالرَّحْمَنِ وَلَا تَدْخُلُ عَلَى الْمُضْمَرِ لَا يُقَالُ وَكَ وَلَا وَهْ مِثْلُ مَا يُقَالُ بِك وَبِهِ وَلَا يَجُوزُ إظْهَارُ الْفِعْلِ مَعَهَا لَا تَقُولُ أَحْلِفُ وَاَللَّهِ كَمَا تَقُولُ أَحْلِفُ بِاَللَّهِ وَالتَّاءُ بَدَلٌ مِنْ الْوَاوِ وَهِيَ تَدْخُلُ عَلَى لَفْظَةِ اللَّهِ خَاصَّةً تَقُولُ تَاللَّهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ} [يوسف : 85] وَلَا تَقُولُ تَالرَّحْمَنِ وَلَا تَالرَّحِيمِ وَأَلْحَقَ الْأَخْفَشُ بِتَاللَّهِ تَرَبِّ الْكَعْبَةِ وَهُوَ شَاذٌّ وَلَا يَجُوزُ إظْهَارُ الْفِعْلِ مَعَهَا لَا تَقُولُ أَحْلِفُ تَاللَّهِ وَلَا أُقْسِمُ تَاللَّهِ وَلَهُ حُرُوفٌ أُخَرُ وَهِيَ لَامُ الْقَسَمِ وَحُرُوفُ التَّنْبِيهِ وَهَمْزَةُ الِاسْتِفْهَامِ وَقَطْعُ أَلْفِ الْوَصْلِ وَالْمِيمُ الْمَكْسُورَةُ وَالْمَضْمُومَةُ فِي الْقِسْمِ وَمَنْ كَقَوْلِهِ لِلَّهِ وَهَا اللَّهِ وَآللَّهِ وَمُ اللَّهِ وَمُنُ اللَّهِ ، وَاللَّامُ بِمَعْنَى التَّاءِ وَيَدْخُلُهُمَا مَعْنَى التَّعَجُّبِ وَرُبَّمَا جَاءَتْ التَّاءُ لِغَيْرِ التَّعَجُّبِ دُونَ اللَّامِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقَدْ تُضْمَرُ) أَيْ وَقَدْ تُضْمَرُ حُرُوفُ الْقَسَمِ فَيَكُونُ حَالِفًا كَقَوْلِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يُكَفِّرُ) اعْتِبَارًا لِلْمَاضِي بِالْمُسْتَقْبِلِ قَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ وَلَوْ قَالَ هُوَ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ أَوْ مَجُوسِيٌّ أَوْ بَرِيءٌ مِنْ الْإِسْلَامِ أَوْ بَرِيءٌ مِنْ اللَّهِ إنْ فَعَلَ كَذَا عِنْدَنَا يَكُونُ يَمِينًا وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ الْفِعْلَ هَلْ يَصِيرُ كَافِرًا فَهُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ حَلَفَ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ وَعَلَّقَ الْكُفْرَ بِأَمْرٍ مَاضٍ وَقَالَ هُوَ يَهُودِيٌّ لَوْ كَانَ فَعَلَ كَذَا وَقَدْ كَانَ فَعَلَ وَهُوَ عَالِمٌ وَقْتَ الْيَمِينِ أَنَّهُ كَاذِبٌ اخْتَلَفُوا فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ يَصِيرُ كَافِرًا لِأَنَّ التَّعْلِيقَ بِالْمَاضِي يُتَنَجَّزُ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ هُوَ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يُكَفِّرُ وَلَا تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّهَا غَمُوسٌ وَإِنْ حَلَفَ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ عَلَى أَمْرٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ ثُمَّ فَعَلَ ذَلِكَ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يُكَفِّرُ وَتَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ وَالصَّحِيحُ مَا قَالَهُ بَعْضُ الْمَشَايِخِ أَنَّهُ يَنْتَظِرُ إنْ كَانَ فِي اعْتِقَادِ الْحَالِفِ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ بِذَلِكَ عَلَى أَمْرٍ فِي الْمَاضِي يَصِيرُ كَافِرًا فِي الْحَالِ فَيَصِيرُ كَافِرًا وَإِنْ حَلَفَ عَلَى أَمْرٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَفِي اعْتِقَادِهِ أَنَّهُ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ يَصِيرُ كَافِرًا فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ يَصِيرُ كَافِرًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي اعْتِقَادِهِ ذَلِكَ لَا يَكْفُرُ سَوَاءٌ كَانَتْ الْيَمِينُ عَلَى أَمْرٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ أَوْ فِي الْمَاضِي . ا هـ .

(قَوْلُهُ لِأَنَّ التَّبَرِّي مِنْهُ كُفْرٌ) وَتَعْلِيقُ الْكُفْرِ بِالشَّرْطِ يَمِينٌ . ا هـ . كَافِي وَلَوْ قَالَ أَنَا بَرِيءٌ مِنْ الْمُصْحَفِ لَا يَكُونُ يَمِينًا وَلَوْ قَالَ أَنَا بَرِيءٌ مِمَّا فِي الْمُصْحَفِ يَكُونُ يَمِينًا لِأَنَّ مَا فِي الْمُصْحَفِ قُرْآنٌ فَكَأَنَّهُ قَالَ أَنَا بَرِيءٌ مِنْ الْقُرْآنِ . ا هـ . كَافِي (قَوْلُهُ أَيْ ثَوَابُهُ) أَيْ فَلَا يَكُونُ يَمِينًا بِالشَّكِّ . ا هـ . كَافِي (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ وَأَمَانَةِ اللَّهِ يَكُونُ يَمِينًا) فِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ كَأَنَّهُ وَاَللَّهِ الْأَمِينِ . ا هـ . كَافِي وَحَكَى الطَّحَاوِيُّ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَيْسَ بِيَمِينٍ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ الطَّاعَاتِ اِ هـ كَافِي (قَوْلُهُ وَقَدْ بَيَّنَّا الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى) أَيْ قَبْلَ هَذِهِ الْمَقَالَةِ اِ هـ

(قَوْلُهُ كَقَوْلِهِ بِاَللَّهِ) قَالَ فِي الْكَافِي فَالْبَاءُ تَدْخُلُ عَلَى الْمَظْهَرِ وَالْمُضْمَرِ وَالْوَاوُ لَا تَدْخُلُ إلَّا عَلَى الْمَظْهَرِ وَالتَّاءُ لَا تَدْخُلُ إلَّا عَلَى مَظْهَرٍ وَاحِدٍ وَهُوَ اسْمُ اللَّهِ لِأَنَّ الْبَاءَ أَصْلٌ وَالْوَاوُ مُلْحَقٌ بِهِ لِأَنَّ فِي الْإِلْصَاقِ مَعْنَى الْجَمْعِ وَلِهَذَا لَا يُسْتَعْمَلُ إظْهَارُ الْفِعْلِ مَعَ الْوَاوِ وَالتَّاءُ مُلْحَقٌ بِالْوَاوِ

(3/111)


اللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا لِأَنَّ حَذْفَ الْحَرْفِ مُتَعَارَفٌ بَيْنَهُمْ اخْتِصَارًا ثُمَّ إذَا حُذِفَ الْحَرْفُ وَلَمْ تُعَوَّضْ مِنْهُ هَا التَّنْبِيهُ وَلَا هَمْزَةُ الِاسْتِفْهَامِ وَلَا قَطْعُ أَلْفِ الْوَصْلِ لَمْ يَجُزْ الْخَفْضُ إلَّا فِي اسْمِ اللَّهِ بَلْ يُنْصَبُ بِإِضْمَارِ فِعْلٍ أَوْ يُرْفَعْ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ ابْتِدَاءٍ مُضْمَرٌ إلَّا فِي اسْمَيْنِ فَإِنَّهُ الْتَزَمَ فِيهِمَا الرَّفْعَ وَهُمَا أَيْمُنُ اللَّهِ وَلَعَمْرُ اللَّهِ .

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَ كَفَّارَتُهُ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ أَوْ إطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ كَهُمَا فِي الظِّهَارِ أَوْ كِسْوَتُهُمْ بِمَا يَسْتُرُ عَامَّةَ الْبَدَنِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ} [المائدة : 89] الْآيَةَ . وَكَلِمَةُ أَوْ لِلتَّخْيِيرِ فَكَانَ الْوَاجِبُ أَحَدَ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ وَقَوْلُهُ كَهُمَا فِي الظِّهَارِ أَيْ كَالْإِطْعَامِ وَالتَّحْرِيرِ فِي الظِّهَارِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُمَا هُنَاكَ وَقَوْلُهُ {أَوْ كِسْوَتُهُمْ} [المائدة : 89] بِمَا يَسْتُرُ عَامَّةَ الْبَدَنِ أَيْ كِسْوَةُ عَشْرَةِ مَسَاكِينَ بِثَوْبٍ يَسْتُرُ عَامَّةَ الْجَسَدِ وَهُوَ بَيَانُ أَدْنَى الْكِسْوَةِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَالْمَرْوِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ أَدْنَاهُ مَا يَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ حَتَّى يَجُوزَ السَّرَاوِيلُ عِنْدَهُ لِأَنَّهُ لَابِسٌ شَرْعًا إذْ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ سَتْرُ الْعَوْرَةِ وَقَدْ أَقَامَهُ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إنْ أَعْطَى الْمَرْأَةَ ذَلِكَ الْقَدْرَ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ لَابِسَهُ يُسَمَّى عُرْيَانًا فِي الْعُرْفِ وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي الْمُطْلَقَاتِ وَذَلِكَ قَمِيصٌ أَوْ إزَارٌ أَوْ رِدَاءٌ وَلَكِنَّ مَا لَا يُجْزِيهِ عَنْ الْكِسْوَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لِأَنَّهُمَا مِنْ حُرُوفِ الزَّوَائِدِ وَتُبْدَلُ بِهَا فِي نَحْوِ تُجَاهٍ . ا هـ .

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَكَفَّارَتُهُ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ إلَخْ) شَرَعَ فِي الْكَفَّارَةِ بَعْدَ بَيَانِ مَا يَنْعَقِدُ بِهِ الْيَمِينُ وَمَا لَا يَنْعَقِدُ لِأَنَّهَا تَكُونُ بَعْدَ الْيَمِينِ لِوُجُوبِهَا بِالْحِنْثِ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ قَالَ الْكَمَالُ الْكَفَّارَةُ فَعَّالَةٌ مِنْ الْكُفْرِ وَهُوَ السَّتْرُ وَبِهِ سُمِّيَ اللَّيْلُ كَافِرًا قَالَ
فِي لَيْلَةٍ كَفَرَ النُّجُومَ غَمَامُهَا
وَتَكَفَّرَ بِثَوْبِهِ اشْتَمَلَ بِهِ وَإِضَافَتُهَا إلَى الْيَمِينِ فِي قَوْلِنَا كَفَّارَةُ الْيَمِينِ إضَافَةٌ إلَى الشَّرْطِ مَجَازًا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ إضَافَةٌ إلَى السَّبَبِ فَالْيَمِينُ هِيَ السَّبَبُ ا هـ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَكَفَّارَةُ الْيَمِينِ عِتْقُ رَقَبَةٍ قَالَ الْكَمَالُ أَيْ إعْتَاقُهَا لَا نَفْسَ الْعِتْقِ فَإِنَّهُ لَوْ وَرِثَ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ فَنَوَى عَنْ الْكَفَّارَةِ لَا يَجُوزُ وَيُجْزِئُ فِيهَا مَا يُجْزِئُ فِي الظِّهَارِ وَتَقَدَّمَ الْمُجْزِئُ فِي الظِّهَارِ مِنْ أَنَّهَا الْمُسْلِمَةُ وَالْكَافِرَةُ وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى وَالصَّغِيرَةُ وَالْكَبِيرَةُ وَلَا يُجْزِئُ فَائِتُ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَتُجْزِئُ الْعَوْرَاءُ لَا الْعَمْيَاءُ وَمَقْطُوعُ إحْدَى الْيَدَيْنِ وَإِحْدَى الرِّجْلَيْنِ مِنْ خِلَافِ وَلَا يَجُوزُ مَقْطُوعُهُمَا مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَا مَقْطُوعُ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ وَفِي الْأَصَمِّ اخْتِلَافُ الرِّوَايَةِ
وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إذَا كَانَ بِحَيْثُ إذَا صِيحَ عَلَيْهِ يَسْمَعُ جَازَ وَلَا يَجُوزُ الْمَجْنُونُ الَّذِي لَا يُفِيقُ وَمَنْ يُفِيقُ وَيُجَنُّ يَجُوزُ وَلَا الْمُدَبَّرُ وَأُمُّ الْوَلَدِ لِأَنَّهُمَا لِاسْتِحْقَاقِهِمَا الْحُرِّيَّةَ نَقَصَ الرِّقُّ فِيهِمَا بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ الَّذِي لَمْ يُؤَدِّ شَيْئًا يَجُوزُ بِخِلَافِ الَّذِي أَدَّى بَعْضَ شَيْءٍ لِأَنَّهُ كَالْمَعْتُوقِ بِعِوَضٍ وَإِنْ شَاءَ كَسَا عَشْرَةَ مَسَاكِينَ كُلَّ وَاحِدٍ ثَوْبًا فَمَا زَادَ يَعْنِي إنْ كَسَاهُ ثَوْبَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً فَهُوَ أَفْضَلُ وَأَدْنَاهُ مَا يَجُوزُ فِيهِ الصَّلَاةُ وَإِنْ شَاءَ أَطْعَمَ عَشْرَةَ مَسَاكِينَ كَالْإِطْعَامِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَهِيَ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ بِإِسْنَادِهِ إلَى عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ أَوْ نِصْفُهُ مِنْ بُرٍّ وَبِإِسْنَادِهِ إلَى عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ حِنْطَةٍ وَبِسَنَدِهِ إلَى الْحَسَنِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ يُغَدِّيهِمْ وَيُعَشِّيهِمْ وَبِإِسْنَادِهِ إلَى مُجَاهِدٍ قَالَ كُلُّ كَفَّارَةٍ فِي الْقُرْآنِ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ لِكُلِّ مِسْكِينٍ وَلَوْ غَدَّاهُمْ وَعَشَّاهُمْ وَفِيهِمْ فَطِيمٌ أَوْ فَوْقَهُ قَرِيبًا لَمْ يَجُزْ عَنْ إطْعَامِ مِسْكِينٍ وَيَجُوزُ أَنْ يُغَدِّيَهُمْ وَيُعَشِّيَهُمْ بِخُبْزٍ إلَّا أَنَّهُ إنْ كَانَ بُرًّا لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْإِدَامُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُ فَبِإِدَامٍ وَيُجْزِئُ فِي الْإِطْعَامِ كُلٌّ مِنْ التَّمْلِيكِ وَالْإِبَاحَةِ وَتَقَدَّمَ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المائدة : 89] وَكَلِمَةُ أَوْ لِلتَّخْيِيرِ فَكَانَ الْوَاجِبُ أَحَدَ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ وَلِلْعَبْدِ الْخِيَارُ فِي تَعْيِينِ أَيِّهِمَا شَاءَ وَيَتَعَيَّنُ الْوَاجِبُ عَيْنًا بِفِعْلِ الْعَبْدِ وَالْمَسْأَلَةُ طَوِيلَةٌ فِي الْأُصُولِ ا هـ
قَوْلُهُ وَالصَّغِيرَةُ إلَخْ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَطْلَقَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَلَمْ يُقَيِّدْ فَجَازَ هُنَا مَا جَازَ ثَمَّةَ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ وَقَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ مَقْطُوعُهُمَا مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ أَيْ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْمَشْيِ مُتَعَذِّرَةٌ ا هـ (قَوْلُهُ وَذَلِكَ قَمِيصٌ أَوْ إزَارٌ) أَوْ قَبَاءٌ أَوْ كِسَاءٌ أَوْ جُبَّةٌ أَوْ مِلْحَفَةٌ لِأَنَّ لَابِسَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ يُسَمَّى مُكْتَسِيًا فَيُجْزِئُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا وَفِي السَّرَاوِيلِ اخْتِلَافُ الرِّوَايَةِ قَالَ فِي نَوَادِرِ هِشَامٍ لَا يَجُوزُ فِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ يَجُوزُ كَذَا فِي الْأَجْنَاسِ وَقَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ لَا يُجْزِئُ فِي ذَلِكَ الْعِمَامَةُ وَلَا الْقَلَنْسُوَةُ وَلَا السَّرَاوِيلُ وَرَوَى ذَلِكَ ابْنُ سِمَاعَةَ وَبِشْرٌ وَعَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ كَيْسَانَ عَنْ إمْلَاءِ مُحَمَّدٍ عَنْهُ كَذَلِكَ أَنَّ لَابِسَهُ يُسَمَّى عُرْيَانَا وَقَالَ فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى وَعَنْ مُحَمَّدٍ إنْ أَعْطَى الْمَرْأَةَ لَا يَجُوزُ وَإِنْ أَعْطَى الرَّجُلَ يَجُوزُ لِجَوَازِ صَلَاتِهِ فِيهِ كَالْقَمِيصِ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ
قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَذَكَرَ ابْنُ شُجَاعٍ فِي كِتَابِ الْكَفَّارَاتِ مِنْ تَصْنِيفِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ كَانَ الْعِمَامَةُ قَدْرُهَا قَدْرُ الْإِزَارِ السَّابِغِ أَوْ مَا يُقْطَعُ قَمِيصًا يُجْزَى وَإِلَّا لَمْ يُجْزِهِ مِنْ الْكِسْوَةِ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَسَا رَجُلًا فَأَمَّا إذَا كَسَا امْرَأَةً قَالَ الطَّحَاوِيُّ يَزِيدُ فِيهِ الْخِمَارَ لِأَنَّ رَأْسَهَا عَوْرَةٌ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ إذَا كَانَتْ مَكْشُوفَةً ا هـ قَالَ الْكَمَالُ وَهَذَا يُشَابِهُ الرِّوَايَةَ الَّتِي عَنْ مُحَمَّدٍ فِي دَفْعِ السَّرَاوِيلِ أَنَّهُ لِلْمَرْأَةِ لَا يَكْفِي وَهَذَا كُلُّهُ ظَاهِرُ الْجَوَابِ وَإِنَّمَا ظَاهِرُ الْجَوَابِ مَا ثَبَتَ بِهِ اسْمُ الْمُكْتَسِي وَيَنْتَفِي عَنْهُ اسْمُ الْعُرْيَانِ وَعَلَيْهِ بُنِيَ عَدَمُ إجْزَاءِ السَّرَاوِيلِ لَا صِحَّةُ الصَّلَاةِ وَعَدَمُهَا فَإِنَّهُ لَا دَخْلَ لَهُ فِي الْأَمْرِ بِالْكِسْوَةِ إذْ لَيْسَ مَعْنَاهُ إلَّا جَعْلَ الْفَقِيرِ مُكْتَسِيًا عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَالْمَرْأَةُ إذَا كَانَتْ لَابِسَةً قَمِيصًا سَابِلًا وَإِزَارًا وَخِمَارًا غَطَّى رَأْسَهَا وَأُذُنَيْهَا دُونَ عُنُقِهَا لَا شَكَّ فِي ثُبُوتِ اسْمِ أَنَّهَا مُكْتَسِيَةٌ لَا عُرْيَانَةٌ وَمَعَ هَذَا لَا تَصِحُّ صَلَاتُهَا فَالْعِبْرَةُ لِثُبُوتِ ذَلِكَ الِاسْمِ صَحَّتْ الصَّلَاةُ أَوْ لَا ا هـ
(قَوْلُهُ وَلَكِنَّ مَا لَا يُجْزِيهِ عَنْ الْكِسْوَةِ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ ثُمَّ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لِلْإِجْزَاءِ عَنْ الْإِطْعَامِ أَنْ يَنْوِيَ بِهِ عَنْ الْإِطْعَامِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يُجْزِيهِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ عَنْ الْإِطْعَامِ ا هـ

(3/112)


يُجْزِيهِ عَنْ الطَّعَامِ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ وَلَا يَجُوزُ الْجَمْعُ فِيهِ بَيْنَ الْكِسْوَةِ وَالْإِطْعَامِ بِخِلَافِ جَزَاءِ الصَّيْدِ حَيْثُ يَجُوزُ الْجَمْعُ فِيهِ بَيْنَ الْإِطْعَامِ وَالصَّوْمِ وَالْهَدْيِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ فِي الْمَنَاسِكِ
وَأَجَازُوا هُنَا اعْتِبَارَ الْقِيمَةِ فِي الْمَنْصُوصِ لِاخْتِلَافِ الْمَقْصُودِ وَلَمْ يُجِيزُوا ذَلِكَ فِي الْإِطْعَامِ حَتَّى لَا يَجُوزَ إقَامَةُ الْبُرِّ مُقَامَ التَّمْرِ لِاتِّحَادِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ الْإِطْعَامُ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ جَعْلُهُ عَنْ الْإِطْعَامِ فِي الظَّاهِرِ خِلَافًا لِمَا يُرْوَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَجُوزُ نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ عَجَزَ عَنْ أَحَدِهِمَا صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَةً) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَتَخَيَّرُ لِإِطْلَاقِ النَّصِّ وَلَا يَلْزَمُ حَمْلُ هَذَا الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ بِالتَّتَابُعِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَكَفَّارَةِ الْقَتْلِ لِأَنَّ ذَلِكَ إذَا كَانَ غَيْرَ مُتَعَارِضٍ بَيْنَ التَّقْيِيدَيْنِ وَأَمَّا إذَا تَعَارَضَا فَلَا لِأَنَّ حَمْلَهُ عَلَى أَحَدِهِمَا لَيْسَ بِأَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الْآخَرِ وَهُنَا تَعَارَضَا لِأَنَّ كَفَّارَةَ الظِّهَارِ مُقَيَّدَةٌ بِالتَّتَابُعِ وَكَذَا كَفَّارَةُ الْقَتْلِ وَصَوْمُ الْمُتْعَةِ مُقَيَّدٌ بِالتَّفْرِيقِ فَتَعَارَضَا فَبَقِيَ الْمُطْلَقُ عَلَى إطْلَاقِهِ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ وَلَنَا قِرَاءَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأُبَيُّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ فَجَازَ التَّقْيِيدُ بِهَا لِأَنَّهَا مَشْهُورَةٌ فَصَارَتْ كَخَبَرِهِ الْمَشْهُورِ وَلَا يَلْزَمُنَا أَنَّا لَا نَحْمِلُ الْمُطْلَقَ عَلَى الْمُقَيَّدِ لِأَنَّ ذَلِكَ إذَا كَانَا فِي السَّبَبِ أَوْ فِي حُكْمَيْنِ
وَأَمَّا إذَا كَانَا فِي حُكْمٍ وَاحِدٍ فَنَحْمِلُهُ وَقَوْلُهُ صَوْمُ الْمُتْعَةِ مُقَيَّدٌ بِالتَّفْرِيقِ مَمْنُوعٌ بَلْ هُوَ مُطْلَقٌ وَإِنَّمَا لَا يَجُوزُ صَوْمُ السَّبْعَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ لِأَنَّ وَقْتَهُ لَمْ يَدْخُلْ لِأَنَّهُ مُعَلَّقٌ بِالرُّجُوعِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ صَامَهُ فِيهَا مُتَفَرِّقًا لَا يَجُوزُ أَيْضًا ثُمَّ الْفَقْرُ وَالْيَسَارُ يُعْتَبَرُ وَقْتَ التَّكْفِيرِ عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُعْتَبَرُ عِنْدَ الْحِنْثِ حَتَّى لَوْ حَنِثَ وَهُوَ مُوسِرٌ ثُمَّ أَعْسَرَ جَازَ لَهُ التَّكْفِيرُ بِالصَّوْمِ عِنْدَنَا وَبِعَكْسِهِ لَا يَجُوزُ وَعِنْدَهُ عَلَى الْعَكْسِ هُوَ يَعْتَبِرُهُ بِالْحَدِّ فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ فِيهِ التَّنْصِيفُ بِالرِّقِّ وَقْتَ الْوُجُوبِ وَلَنَا أَنَّ الصَّوْمَ بَدَلٌ عَنْ التَّكْفِيرِ بِالْمَالِ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ وَقْتُ الْأَدَاءِ كَالتَّيَمُّمِ بَدَلٌ عَنْ الْمَاءِ فَيُصَارُ إلَيْهِ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ وَقْتَ الِاسْتِعْمَالِ وَالشَّرْطُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ عَدَمُ الْأَصْلِ بِالنَّصِّ بِخِلَافِ الْحَدِّ فَإِنَّ حَدَّ الْعَبِيدِ لَيْسَ بِبَدَلٍ عَلَى حَدِّ الْأَحْرَارِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يُكَفَّرُ قَبْلَ الْحِنْثِ) يَعْنِي لَا يَجُوزُ التَّكْفِيرُ قَبْلَ الْحِنْثِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجُوزُ التَّكْفِيرُ بِالْمَالِ قَبْلَ الْحِنْثِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا حَلَفْت عَلَى يَمِينٍ فَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِك ثُمَّ ائْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ» رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَأَبُو دَاوُد وَهَذَا صَرِيحٌ فِي جَوَازِ تَقْدِيمِ الْكَفَّارَةِ لِأَنَّ كَلِمَةَ ثُمَّ لِلتَّرْتِيبِ وَلِأَنَّهُ أَدَّاهَا بَعْدَ وُجُودِ السَّبَبِ وَهُوَ الْيَمِينُ بِدَلِيلِ إضَافَتِهَا إلَيْهَا فَيَجُوزُ كَمَا لَوْ كَفَّرَ بَعْدَ الْجُرْحِ قَبْلَ زَهُوقِ الرُّوحِ وَكَمَا إذَا كَفَّرَ بَعْدَ الظِّهَارِ وَقَبْلَ الْعَوْدِ وَلِأَنَّ الْوُجُوبَ حَاصِلٌ بِالسَّبَبِ وَوُجُوبُ الْأَدَاءِ مُتَرَاخٍ عَنْهُ بِالشَّرْطِ وَالْمَالِيُّ يَحْتَمِلُ الْفَصْلَ بَيْنَ وُجُوبِهِ وَوُجُوبِ أَدَائِهِ أَمَّا الْبَدَنِيُّ فَلَا يَحْتَمِلُ الْفَصْلَ فَلَمَّا تَأَخَّرَ الْأَدَاءُ لَمْ يَبْقَ الْوُجُوبُ لِأَنَّ الْفِعْلَ لَمَّا وَجَبَ وَجَبَ أَدَاؤُهُ إذْ الصَّوْمُ هُوَ الْأَدَاءُ بِعَيْنِهِ بِخِلَافِ الْمَالِيِّ لِأَنَّ الْمَالَ مَعَ الْفِعْلِ مُتَغَايِرَانِ فَجَازَ أَنْ يَتَّصِفَ الْمَالُ بِالْوُجُوبِ وَلَا يَثْبُتَ وُجُوبُ الْأَدَاءِ أَلَا تَرَى أَنَّ الثَّمَنَ يَجِبُ بِمُجَرَّدِ الْبَيْعِ وَلَا يَجِبُ الْأَدَاءُ مَا لَمْ يُطَالِبُ وَكَذَا فِي الدُّيُونِ الْمُؤَجَّلَةِ يَجِبُ الْمَالُ وَلَا يَجِبُ الْأَدَاءُ
وَلَنَا أَنَّ الْكَفَّارَةَ لِسِتْرِ الْجِنَايَةِ وَلَا جِنَايَةَ قَبْلَ الْحِنْثِ ، وَالْيَمِينُ لَيْسَتْ بِسَبَبٍ لِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ لِأَنَّ أَدْنَى دَرَجَاتِ السَّبَبِ أَنْ يَكُونَ مُفْضِيًا إلَى الْحُكْمِ طَرِيقًا لَهُ وَالْيَمِينُ مَانِعَةٌ مِنْ الْحِنْثِ مُحَرِّمَةٌ لَهُ فَكَيْفَ تَكُونُ سَبَبًا لَهُ وَلِهَذَا لَا يَجِبُ إلَّا بَعْدَ انْتِقَاضِ تَرْكِيبِ الْيَمِينِ بِالْحِنْثِ وَيَسْتَحِيلُ أَنْ يُقَالَ فِي شَيْءٍ إنَّهُ سَبَبٌ لِحُكْمٍ لَا يَثْبُتُ ذَلِكَ الْحُكْمُ إلَّا بَعْدَ انْتِقَاضِهِ بِخِلَافِ الْجُرْحِ لِأَنَّهُ مُفْضٍ إلَى الْمَوْتِ وَلِهَذَا يُجَامِعُهُ الْمَوْتُ وَهُنَا يَسْتَحِيلُ اجْتِمَاعُهُمَا وَبِخِلَافِ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ فِيهِ لِرَفْعِ الْحُرْمَةِ وَهِيَ ثَابِتَةٌ قَبْلَ الْعُودِ وَفِي الْيَمِينِ لِسِتْرِ الْجِنَايَةِ وَهِيَ مَعْدُومَةٌ قَبْلَ الْحِنْثِ وَلَئِنْ قُلْنَا إنَّهُ سَبَبٌ فَإِنَّمَا يَصِيرُ سَبَبًا لَهُ وَقْتَ الْحِنْثِ وَقَبْلَهُ سَبَبٌ لِلْبِرِّ وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَكُونُ سَبَبًا لِشَيْءٍ ثُمَّ يَجْعَلُهُ النَّاسُ سَبَبًا لِغَيْرِهِ كَإِنْزَالِ الْقُرْآنِ لِلْهُدَى وَالْكُفَّارُ جَعَلُوهُ سَبَبًا لِلضَّلَالِ وَتَأْوِيلُ مَا رَوَاهُ إنْ صَحَّ أَنَّ كَلِمَةَ ثُمَّ فِيهِ بِمَعْنَى الْوَاوِ لِأَنَّهَا قَدْ تَكُونُ بِمَعْنَى الْوَاوِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ يُجْزِيهِ عَنْ الطَّعَامِ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلَوْ أَعْطَى عَشْرَةَ مَسَاكِينَ ثَوْبًا بَيْنَهُمْ وَهُوَ ثَوْبٌ كَثِيرُ الْقِيمَةِ يُصِيبُ كُلَّ إنْسَانٍ مِنْهُمْ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ ثَوْبٍ لَمْ يُجْزِهِ مِنْ الْكِسْوَةِ وَأَجْزَأَهُ مِنْ الْإِطْعَامِ ا هـ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ أَحَدِهِمَا) يَعْنِي إذَا حَنِثَ الرَّجُلُ فِي يَمِينِهِ وَهُوَ مُعْسِرٌ لَا يَجِدُ مَا يَعْتِقُ أَوْ يَكْسُو أَوْ يُطْعِمُ فَعَلَيْهِ صِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَةٍ ا هـ
(قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ فِيهِ التَّنْصِيفُ بِالرِّقِّ وَقْتَ الْوُجُوبِ) فَلَوْ زَنَى الْعَبْدُ ثُمَّ أُعْتِقَ يُقَامُ عَلَيْهِ حَدُّ الْعَبِيدِ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَالشَّرْطُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ عَدَمُ الْأَصْلِ بِالنَّصِّ) قَالَ تَعَالَى {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ} [البقرة : 196] وَقَالَ تَعَالَى {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء : 43] ا هـ

(قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ التَّكْفِيرُ بِالْمَالِ قَبْلَ الْحِنْثِ) أَيْ دُونَ الصَّوْمِ ا هـ وَعَنْهُ فِي التَّكْفِيرِ بِالصَّوْمِ قَبْلَ الْحِنْثِ رِوَايَتَانِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ بِدَلِيلِ إضَافَتِهَا إلَيْهَا) قَالَ تَعَالَى {ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ} [المائدة : 89] ا هـ فَيُقَالُ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ وَالْوَاجِبَاتُ تُضَافُ إلَى أَسْبَابِهَا . ا هـ . كَافِي قَالَ الْكَمَالُ وَأَهْلُ اللُّغَةِ وَالْعُرْفِ يَقُولُونَ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ وَلَا يَقُولُونَ كَفَّارَةُ الْحِنْثِ وَالْإِضَافَةُ دَلِيلُ سَبَبِيَّةِ الْمُضَافِ إلَيْهِ لِلْمُضَافِ الْوَاقِعِ حُكْمًا شَرْعِيًّا أَوْ مُتَعَلِّقِهِ كَمَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّ الْكَفَّارَةَ مُتَعَلَّقُ الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ الْوُجُوبُ وَإِذَا ثَبَتَ سَبَبِيَّتُهُ جَازَ تَقْدِيمُ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْحِنْثِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ شَرْطٌ
وَالتَّقْدِيمُ عَلَى الشَّرْطِ بَعْدَ وُجُودِ السَّبَبِ ثَابِتٌ شَرْعًا كَمَا جَازَ فِي الزَّكَاةِ تَقْدِيمُهَا عَلَى الْحَوْلِ بَعْدَ السَّبَبِ الَّذِي هُوَ مِلْكُ النِّصَابِ وَكَمَا فِي تَقْدِيمِ التَّكْفِيرِ بَعْدَ الْجُرْحِ عَلَى الْمَيِّتِ بِالسِّرَايَةِ وَمُقْتَضَى هَذَا أَنْ لَا يَفْتَرِقَ الْمَالُ وَالصَّوْمُ وَهُوَ قَوْلُهُ الْقَدِيمُ وَفِي الْجَدِيدِ لَا يُقَدِّمُ الصَّوْمَ لِأَنَّ الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةَ لَا تُقَدَّمُ عَلَى الْوَقْتِ يَعْنِي أَنَّ تَقَدُّمَ الْوَاجِبِ بَعْدَ السَّبَبِ قَبْلَ الْوُجُوبِ لَمْ يُعْرَفْ شَرْعًا إلَّا فِي الْمَالِيَّةِ كَالزَّكَاةِ فَيُقْتَصَرُ عَلَيْهِ وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ إلَى التَّكْفِيرِ قَبْلَ الْحِنْثِ مُطْلَقًا صَوْمًا كَانَ أَوْ مَالًا وَهُوَ ظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ الَّتِي يُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَى التَّقْدِيمِ ا هـ
(قَوْلُهُ وَالْيَمِينُ مَانِعَةٌ مِنْ الْحِنْثِ مُحَرِّمَةٌ لَهُ) أَيْ لِأَنَّهَا تَنْعَقِدُ لِلْبِرِّ لَا لِلْحِنْثِ ا هـ

(3/113)


{فَكُّ رَقَبَةٍ} [البلد : 13] {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ} [البلد : 14] {يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ} [البلد : 15] {أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ} [البلد : 16] {ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا} [البلد : 17] تَقْدِيرُهُ وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْأَعْمَالَ الصَّالِحَاتِ قَبْلَ الْإِيمَانِ لَا يُعْتَدُّ بِهَا وَلِهَذَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّكْفِيرُ قَبْلَ الْحِنْثِ
وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالَهُ لَوَجَبَ التَّكْفِيرُ أَوَّلًا ثُمَّ الْحِنْثُ بَعْدَهُ مَفْصُولًا لِلْآمِرِ بِهِ بِكَلِمَةٍ ثُمَّ عَلَى زَعْمِهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْإِضَافَةِ إلَيْهِ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا لَهُ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ إلَى غَيْرِ السَّبَبِ كَالشَّرْطِ وَغَيْرِهِ جَائِزٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقَالُ كَفَّارَةُ الصَّوْمِ وَكَفَّارَةُ الْإِحْرَامِ ، وَالصَّوْمُ لَيْسَ سَبَبًا لِوُجُوبِهَا وَكَذَا الْإِحْرَامُ وَلِأَنَّ الْكَفَّارَةَ خَلَفٌ عَنْ الْبِرِّ فَلَا يُصَارُ إلَيْهَا مَا دَامَ الْبِرُّ بَاقِيًا وَلَا يُعْتَدُّ بِهِ إنْ فَعَلَهُ كَمَا لَا يُصَارُ إلَى التَّيَمُّمِ وَلَا يُعْتَدُّ بِهِ إذَا فَعَلَهُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَاءِ وَهَذَا لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ تَوْبَةٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ {تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ} [النساء : 92] وَالتَّوْبَةُ قَبْلَ الْجَرِيمَةِ لَا يُعْتَدُّ بِهَا كَالطَّهَارَةِ قَبْل الْحَدَثِ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ التَّكْفِيرُ بِغَيْرِ الْمَالِ وَلَوْ كَانَ سَبَبًا كَمَا قَالَ لَجَازَ كَكَفَّارَةِ الْقَتْلِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بِالصَّوْمِ بَعْدَ الْجُرْحِ وَفَرَّقَهُ بَيْنَ الْمَالِيِّ وَالْبَدَنِيِّ سَاقِطٌ لِأَنَّ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْمَالِيِّ فِعْلُ الْأَدَاءِ وَالْمَالُ آلَتُهُ وَإِنَّمَا يَقْصِدُ عَيْنَ الْمَالِ فِي حُقُوقُ الْعِبَادِ لِحَاجَتِهِمْ إلَيْهِ وَلَا يُقَالُ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى رَتَّبَ الْكَفَّارَةَ عَلَى الْيَمِينِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ} [المائدة : 89]
وَالْفَاءُ لِلْوَصْلِ وَالتَّعْقِيبِ فَيَقْتَضِي أَنْ تَجُوزَ الْكَفَّارَةُ بَعْدَ الْيَمِينَ مُتَّصِلًا بِهَا وَقَالَ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إذَا حَلَفْتُمْ جَعَلَهَا كَفَّارَةَ الْيَمِينِ وَرَتَّبَهَا عَلَى الْحَلِفِ لَا عَلَى الْحِنْثِ لِأَنَّا نَقُولُ الْحِنْثُ مُضْمَرٌ فِيهِ تَقْدِيرُهُ فَكَفَّارَتُهُ إذَا حَنِثْتُمْ ، وَتَقْدِيرُ الْأُخْرَى إذَا حَلَفْتُمْ وَحَنِثْتُمْ كَمَا أُضْمِرَ الْفِطْرُ فِي قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة : 184] أَيْ فَأَفْطَرَ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَكَقَوْلِهِ {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا} [المائدة : 6] أَيْ إذَا قُمْتُمْ إلَيْهَا وَأَنْتُمْ مُحْدِثُونَ وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالَهُ لَمَا اخْتَصَّ بِالْمَالِيِّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَلَوْ قَدَّمَ التَّكْفِيرَ لَا يَسْتَرِدُّ مِنْ الْفَقِيرِ لِأَنَّهُ وَقَعَ صَدَقَةً تَطَوُّعًا كَمَا إذَا قَدَّمَ الزَّكَاةَ قَبْلَ الْحَوْلِ ثُمَّ ذَهَبَ الْمَالُ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ حَلَفَ عَلَى مَعْصِيَةٍ يَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ وَيُكَفِّرَ) أَيْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَحْنَثَ لِمَا رَوَيْنَا وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا نَذْرَ وَلَا يَمِينَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ وَلَا فِي مَعْصِيَةٍ وَلَا فِي قَطِيعَةِ رَحِمٍ» رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَأَبُو دَاوُد وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى نَفْيِ الْوَفَاءِ بِالْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ الْبِرَّ مَعْصِيَةٌ أَيْضًا كَالْحِنْثِ لِهَتْكِ حُرْمَةِ الِاسْمِ فَيَجِبُ الْمَصِيرُ إلَى أَخَفِّهِمَا إثْمًا وَهُوَ الْحِنْثُ لِأَنَّهُ مُرَخَّصٌ لَهُ شَرْعًا بِمَا رَوَيْنَا وَمَا يَلْزَمُ مِنْ الْمَعْصِيَةِ فِي الْبِرِّ لَيْسَ بِمُرَخَّصٍ لَهُ فَوَجَبَ الْأَخْذُ بِالْمُرَخَّصِ وَلِأَنَّ فِي الْحِنْثِ فَوَاتَ الْبِرِّ إلَى جَابِرٍ وَفِي الْبِرِّ لُزُومَ الْمَعْصِيَةِ بِلَا جَابِرٍ فَيَجِبُ الْحِنْثُ لِأَنَّ الْفَوَاتَ إلَى خَلَفٍ كَلَا فَوَاتٍ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا كَفَّارَةَ عَلَى كَافِرٍ وَإِنْ حَنِثَ مُسْلِمًا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَإِنْ حَنِثَ كَافِرًا لِأَنَّ الْيَمِينَ يُعْقَدُ لِلْبِرِّ وَهُوَ أَهْلٌ لَهُ لِأَنَّ الْبِرَّ يَتَحَقَّقُ مِمَّنْ يَعْتَقِدُ تَعْظِيمَ حُرْمَةِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى فَيَحْمِلُهُ اعْتِقَادُهُ عَلَى الْبِرِّ وَلِهَذَا يُسْتَحْلَفُ فِي الدَّعَاوَى وَالْخُصُومَاتِ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمَانَ لَهُمْ} [التوبة : 12] وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْيَمِينِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا الْبِرُّ تَعْظِيمًا لِلَّهِ تَعَالَى وَالْكَافِرُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ لِأَنَّهُ هَاتِكٌ حُرْمَةَ الِاسْمِ بِالْكُفْرِ وَالتَّعْظِيمُ مَعَ الْهَتْكِ لَا يَجْتَمِعَانِ وَالْبِرُّ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا مِنْ الْمُعَظِّمِ بِخِلَافِ الِاسْتِخْلَافِ فِي الْخُصُومَاتِ لِأَنَّهُ أَهْلٌ لِمَقْصُودِهِ وَهُوَ النُّكُولُ أَوْ الْإِقْرَارُ وَلَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْكَفَّارَةِ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ سَتَّارَةٌ كَاسْمِهَا وَمَعْنَى الْعُقُوبَةِ فِيهَا تَابِعٌ وَيَسْتَحِيلُ مِنْهُ الْعِبَادَةُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لَهَا وَلَا لِحُكْمِهَا وَهُوَ الثَّوَابُ فَلَا يُشْرَعُ فِي حَقِّهِ أَصْلًا

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ حَرَّمَ مِلْكَهُ لَمْ يُحَرِّمْ) أَيْ مَنْ حَرَّمَ عَلَى نَفْسِهِ شَيْئًا مِمَّا يَمْلِكُهُ بِأَنْ يَقُولَ مَالِي عَلَيَّ حَرَامٌ أَوْ ثَوْبِي أَوْ جَارِيَتِي فُلَانَةَ أَوْ رُكُوبُ هَذِهِ الدَّابَّةِ لَمْ يَصِرْ مُحَرَّمًا عَلَيْهِ لِذَاتِهِ لِأَنَّهُ قَلْبُ الْمَشْرُوعِ وَتَغْيِيرُهُ وَلَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ بَلْ اللَّهُ تَعَالَى هُوَ الْمُتَصَرِّفُ فِي ذَلِكَ بِالتَّبْدِيلِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ اسْتَبَاحَهُ كَفَرَ) أَيْ إنْ أَقْدَمَ عَلَى مَا حَرَّمَهُ يَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ لِأَنَّهُ يَنْعَقِدُ بِهِ يَمِينًا فَصَارَ حَرَامًا لِغَيْرِهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ قَلَبَ الْمَوْضُوعَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فَلَا يَنْعَقِدُ بِهِ الْيَمِينُ إلَّا فِي النِّسَاءِ وَالْجَوَارِي وَلَنَا قَوْله تَعَالَى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ {ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا} [البلد : 17] قَالَ فِي التَّيْسِيرِ إنَّ ثُمَّ هُنَا لِتَرْتِيبِ الْأَخْبَارِ لَا لِتَرْتِيبِ الْوُجُودِ أَيْ ثُمَّ أُخْبِرُكُمْ أَنَّ هَذَا لِمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا . ا هـ . كَشْفٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَدَّمَ التَّكْفِيرَ لَا يُسْتَرَدُّ مِنْ الْفَقِيرِ) وَإِنْ كَانَ لَا يَقَعُ عَنْ الْكَفَّارَاتِ قَبْلَ الْحِنْثِ . ا هـ . (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ وَقَعَ صَدَقَةً تَطَوُّعًا) فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهَا مِنْهُ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ لِلَّهِ قُصِدَ بِهِ الْقُرْبَةُ مَعَ شَيْءٍ آخَرَ وَقَدْ حَصَلَ التَّقَرُّبُ وَتَرَتَّبَ الثَّوَابُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْقُضَهُ وَيُبْطِلَهُ . ا هـ . فَتْحٌ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَنْ حَلَفَ عَلَى مَعْصِيَةٍ) مِثْلَ أَنْ لَا يُصَلِّيَ أَوْ لَا يُكَلِّمَ أَبَاهُ أَوْ لَيَقْتُلَنَّ فُلَانًا . ا هـ . فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ يَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ وَيُكَفِّرَ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ أَنْوَاعٌ فِعْلُ مَعْصِيَةٍ أَوْ تَرْكُ فَرْضٍ فَالْحِنْثُ وَاجِبٌ أَوْ شَيْءٌ غَيْرُهُ أَوْلَى مِنْهُ كَالْحَلِفِ عَلَى تَرْكِ وَطْءِ زَوْجَتِهِ شَهْرًا وَنَحْوَهُ فَإِنَّ الْحِنْثَ أَفْضَلُ لِأَنَّ الرِّفْقَ أَيْمَنُ وَكَذَا إذَا حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّ عَبْدَهُ وَهُوَ يَسْتَأْهِلُ ذَلِكَ أَوْ لَيَشْكُوَنَّ مَدْيُونَهُ إنْ لَمْ يُوَافِ غَدًا لِأَنَّ الْعَفْوَ أَفْضَلُ وَكَذَا تُيَسَّرُ الْمُطَالَبَةُ أَوْ عَلَى شَيْءٍ وَضِدِّهِ مِثْلُهُ كَالْحَلِفِ لَا يَأْكُلُ هَذَا الْخُبْزَ أَوْ لَا يَلْبَسُ هَذَا الثَّوْبَ فَالْبِرُّ فِي هَذَا وَحِفْظُ الْيَمِينِ أَوْلَى وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ إنَّهُ وَاجِبٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} [المائدة : 89] عَلَى مَا هُوَ الْمُخْتَارُ فِي تَأْوِيلِهَا أَنَّهُ الْبِرُّ فِيهَا أَمْكَنَ ا هـ
(قَوْلُهُ وَيُكَفِّرُ) لَيْسَ فِي خَطِّ الشَّارِحِ وَهُوَ ثَابِتٌ فِي الْمَتْنِ . ا هـ . (قَوْلُهُ ابْنُ آدَمَ) لَيْسَ فِي خَطِّ الشَّارِحِ . ا هـ .

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَى كَافِرٍ وَإِنْ حَنِثَ مُسْلِمًا) وَقَالَ فِي الشَّامِلِ وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ ثُمَّ ارْتَدَّ ثُمَّ أَسْلَمَ فَحَنِثَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ) قَالَ فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ قَالَ الشَّافِعِيُّ تَنْعَقِدُ يَمِينُهُ فَإِنْ حَنِثَ حَالَ كُفْرِهِ كَفَّرَ بِالْعِتْقِ وَالْكِسْوَةِ وَالْإِطْعَامِ دُونَ الصَّوْمِ وَإِنْ حَنِثَ بَعْدَ إسْلَامِهِ كَفَّرَ بِالصَّوْمِ إنْ كَانَ مُعْسِرًا . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَنْ حَرَّمَ مِلْكَهُ لَمْ يُحَرَّمْ) ضَبَطَهُ الرَّازِيّ بِالْقَلَمِ بِضَمِّ حَرْفِ الْمُضَارِعَةِ وَفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ الْمُشَدَّدَةِ ا هـ (قَوْلُهُ أَيْ إنْ أَقْدَمَ عَلَى مَا حَرَّمَهُ) يَعْنِي عَامَلَهُ مُعَامَلَةَ الْمُبَاحِ . ا هـ . (قَوْلُهُ فَلَا يَنْعَقِدُ بِهِ الْيَمِينُ) أَيْ لِأَنَّهُ عَقْدٌ مَشْرُوعٌ فَلَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظٍ هُوَ قَلْبُ الْمَشْرُوعِ ا هـ

(3/114)


{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم : 1] ثُمَّ قَالَ {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم : 2] وَقَالَ أَنَسٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَتْ لَهُ أَمَةٌ يَطَؤُهَا فَلَمْ تَزَلْ بِهِ عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ حَتَّى حَرَّمَهَا عَلَى نَفْسِهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم : 1]» إلَى آخِرِ الْآيَةِ رَوَاهُ النَّسَائِيّ
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - إذَا حَرَّمَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فَهِيَ يَمِينٌ يُكَفِّرُ بِهَا وَقَالَ {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب : 21] مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَفِي لَفْظٍ أَنَّهُ أَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ إنِّي جَعَلْت امْرَأَتِي عَلَيَّ حَرَامًا فَقَالَ كَذَبْت لَيْسَتْ عَلَيْك بِحَرَامٍ ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم : 1] عَلَيْكَ أَغْلَظُ الْكَفَّارَاتِ عِتْقُ رَقَبَةٍ رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَقِيلَ إنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ «حَرَّمَ الْعَسَلَ عَلَى نَفْسِهِ» وَالتَّمَسُّكُ بِالنَّصِّ ظَاهِرٌ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا لِخُصُوصِ السَّبَبِ وَلِأَنَّ التَّحْرِيمَ لَمَّا صَارَ يَمِينًا فِي الْجَوَارِي صَارَ فِي جَمِيعِ الْمُبَاحَاتِ أَيْضًا يَمِينًا دَلَالَةً إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ مُبَاحٍ وَمُبَاحٍ وَلِأَنَّ لَفْظَهُ يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ الْحُرْمَةُ ثَابِتَةً لِعَيْنِهَا إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِمَا ذَكَرْنَا فَثَبَتَتْ الْحُرْمَةُ لِغَيْرِهِ كَمَا هُوَ مُوجَبُ الْيَمِينِ فَإِنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ حَرَامٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ حَنِثَ وَإِنْ كَانَ فِعْلُهُ مُبَاحًا فِي نَفْسِهِ وَلِأَنَّ حُرْمَةَ الْحَلَالِ مُسَبَّبُ الْيَمِينِ فَالتَّنْصِيصُ عَلَيْهِ يُجْعَلُ كَالتَّنْصِيصِ عَلَى السَّبَبِ مَجَازًا وَلَوْ وَهَبَ مَا جَعَلَهُ حَرَامًا أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّحْرِيمِ حُرْمَةُ الِاسْتِمْتَاعِ عُرْفًا لَا حُرْمَةُ الصَّدَقَةِ وَالْهِبَةِ وَقَوْلُهُ وَمَنْ حَرَّمَ مِلْكَهُ وَقَعَ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْيَمِينِ أَنْ يَكُونَ مَالِكًا لَهُ حَتَّى لَوْ قَالَ مِلْكُ فُلَانٍ أَوْ مَالُهُ عَلَيَّ حَرَامٌ يَكُونُ يَمِينًا إلَّا إذَا أَرَادَ بِهِ الْإِخْبَارَ عَنْ الْحُرْمَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (كُلُّ حِلٍّ عَلَيَّ حَرَامٌ فَهُوَ عَلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ) لِلْعُرْفِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ غَيْرَ ذَلِكَ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَحْنَثَ كَمَا فَرَغَ مِنْ يَمِينِهِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّ كَلِمَةَ كُلٍّ لِلْعُمُومِ وَقَدْ بَاشَرَ فِعْلًا مُبَاحًا كَمَا فَرَغَ مِنْ يَمِينِهِ وَهُوَ التَّنَفُّسُ وَنَحْوُهُ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الْبِرُّ وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ مَعَ اعْتِبَارِ الْعُمُومِ فَيَسْقُطُ اعْتِبَارُهُ فَإِذَا سَقَطَ يَنْصَرِفُ إلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ لِلتَّعَارُفِ فَإِنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِيمَا يَتَنَاوَلُ عَادَةً وَلَا يَتَنَاوَلُ الْمَرْأَةَ إلَّا بِالنِّيَّةِ لِسُقُوطِ اعْتِبَارِ الْعُمُومِ وَإِذَا نَوَاهَا كَانَ إيلَاءً وَلَا يَصْرِفُ الْيَمِينَ عَنْ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّخْفِيفِ وَهَذَا كُلُّهُ جَوَابُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ تَبِينُ امْرَأَتُهُ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ) لِغَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ امْرَأَةٌ ذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى النَّوَازِلِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَكَذَا يَنْبَغِي فِي قَوْلِهِ : حَلَال بروى حرام وَاخْتَلَفُوا فِي قَوْلِهِ هرجه يرست رَاسَتْ كيرم بروى حرام فِي أَنَّهُ هَلْ يُشْتَرَطُ فِيهِ النِّيَّةُ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يُجْعَلُ طَلَاقًا مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ لِلْعُرْفِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ نَذَرَ نَذْرًا مُطْلَقًا أَوْ مُعَلَّقًا بِشَرْطٍ وَوُجِدَ وَفَّى بِهِ) أَيْ وَفَّى الْمَنْذُورَ هَذَا إذَا سَمَّى شَيْئًا وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ فِيهِمَا أَعْنِي فِي الْمُطْلَقِ وَالْمُعَلَّقِ لَكِنْ يَجِبُ فِي الْحَالِ فِي الْمُطْلَقِ وَعِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ فِي الْمُعَلَّقِ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ كَالْمُنَجَّزِ عِنْدَهُ وَقَدْ بَيَّنَّا الْمَسْأَلَةَ وَتَفْصِيلَهَا فِيمَا تَقَدَّمَ .

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ وَصَلَ بِحَلِفِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ بَرَّ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَقَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ» رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَعَنْ الْعَبَادِلَةِ الثَّلَاثَةِ مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَقَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَقَدْ اسْتَثْنَى وَمَنْ اسْتَثْنَى فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَةَ» وَشَرَطَ أَنْ يَكُونَ مَوْصُولًا لِأَنَّهُ بَعْدَ الِانْفِصَالِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ غَيْرَ ذَلِكَ) فَإِذَا أَكَلَ أَوْ شَرِبَ حَنِثَ وَلَا يَحْنَثُ بِجِمَاعِ زَوْجَتِهِ . ا هـ . فَتْحٌ
(قَوْلُهُ فَإِنَّهُ) أَيْ هَذَا اللَّفْظُ إلَخْ . ا هـ . فَتْحٌ (قَوْلُهُ يُسْتَعْمَلُ فِيمَا يُتَنَاوَلُ عَادَةً) وَهُوَ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ وَظَهَرَ أَنَّ مَا قِيلَ أَنَّهُ تَعَذَّرَ الْحَمْلُ عَلَى الْعُمُومِ فَيُحْمَلُ عَلَى أَخَصِّ الْخُصُوصِ لَا يَصِحُّ إذْ لَيْسَ مَجْمُوعُ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ أَخَصَّ الْخُصُوصِ بَلْ حُمِلَ عَلَى مَا تُعُورِفَ فِيهِ اللَّفْظُ . ا هـ . فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلَا يَتَنَاوَلُ الْمَرْأَةُ إلَّا بِالنِّيَّةِ لِسُقُوطِ اعْتِبَارِ الْعُمُومِ) أَيْ فِي غَيْرِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ مَعَ صَلَاحِيَّةِ اللَّفْظِ فَإِذَا نَوَاهَا اتَّصَلَتْ النِّيَّةُ بِلَفْظٍ صَالِحٍ فَصَحَّ فِيهِ دُخُولُهَا فِي الْإِرَادَةِ بِخِلَافِ نَحْوِ اسْقِينِي إذَا أُرِيدَ بِهِ الطَّلَاقُ لَا يَقَعُ لِعَدَمِ الصَّلَاحِيَّةِ فَلَوْ وَقَعَ كَانَ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ . ا هـ . فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَإِذَا نَوَاهَا كَانَ إيلَاءً) وَذَلِكَ لِأَنَّ الْيَمِينَ فِي الزَّوْجَاتِ إيلَاءٌ فَإِنْ جَامَعَهَا فِي الْمُدَّةِ كَفَّرَ عَنْ يَمِينِهِ وَإِنْ لَمْ يُقِرَّ بِهَا حَتَّى مَضَتْ مُدَّةُ الْإِيلَاءِ بَانَتْ بِالْإِيلَاءِ ا هـ غَايَةٌ
(قَوْلُهُ وَلَا يَنْصَرِفُ الْيَمِينُ عَنْ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ) حَتَّى إذَا أَكَلَ أَوْ شَرِبَ حَنِثَ كَمَا إذَا قَرَّبَ . ا هـ . غَايَةٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ تَبِينُ امْرَأَتُهُ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَمَشَايِخُنَا قَالُوا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ لِغَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى قَالَ فِي الْغَايَةِ أَرَادَ بِهِمْ مَشَايِخَ بَلْخٍ كَأَبِي بَكْرٍ الْإِسْكَافِ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ وَالْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ حَيْثُ قَالُوا يَقَعُ الطَّلَاقُ وَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَبِهِ نَأْخُذُ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ فِي زَمَانِنَا هَذَا أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ بِهَذَا اللَّفْظِ الطَّلَاقَ قَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي قَوْلِهِ حَلَالُ اللَّهِ عَلَيَّ حَرَامٌ وَاخْتَارَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ أَنَّهُ يُصْرَفُ إلَى الطَّلَاقِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ وَقَالَ فِيهَا أَيْضًا وَفِي فَتَاوَى النَّسَفِيِّ حَلَالُ الْمُسْلِمِينَ عَلَيَّ حَرَامٌ يَنْصَرِفُ إلَى الطَّلَاقِ بِلَا نِيَّةٍ لِلْعُرْفِ ا هـ مَا قَالَهُ فِي الْغَايَةِ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ الْبَزْدَوِيُّ فِي مَبْسُوطِهِ هَكَذَا قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِ سَمَرْقَنْدَ وَلَمْ يَتَّضِحْ لِي عُرْفُ النَّاسِ فِي هَذَا لِأَنَّ مَنْ لَا امْرَأَةَ لَهُ يَحْلِفُ بِهِ كَمَا يَحْلِفُ ذُو الْحَلِيلَةِ وَلَوْ كَانَ الْعُرْفُ مُسْتَفِيضًا فِي ذَلِكَ لِمَا اسْتَعْمَلَهُ إلَّا ذُو الْحَلِيلَةِ فَالصَّحِيحُ أَنْ يُقَيَّدَ الْجَوَابُ فِي هَذَا وَنَقُولُ إنْ نَوَى الطَّلَاقَ يَكُونُ طَلَاقًا فَأَمَّا مِنْ غَيْرِ دَلَالَةٍ فَالِاحْتِيَاطُ أَنْ يَقِفَ الْإِنْسَانُ فِيهِ وَلَا يُخَالِفُ الْمُتَقَدِّمِينَ
(وَاعْلَمْ) أَنَّ مِثْلَ هَذَا اللَّفْظِ لَمْ يُتَعَارَفْ فِي دِيَارِنَا بَلْ الْمُتَعَارَفُ فِيهِ حَرَامٌ عَلَيَّ كَلَامُك وَنَحْوُهُ كَأَكْلِ كَذَا وَلُبْسِهِ دُونَ الصِّيغَةِ الْعَامَّةِ وَتَعَارَفُوا أَيْضًا الْحَرَامَ يَلْزَمُنِي وَلَا شَكَّ فِي أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ الطَّلَاقَ مُعَلَّقًا فَإِنَّهُمْ يَذْكُرُونَ بَعْدَهُ لَا أَفْعَلُ كَذَا أَوْ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا وَهُوَ مِثْلُ تَعَارُفِهِمْ الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي لَا أَفْعَلُ كَذَا فَإِنَّهُ يُرَادُ بِهِ إنْ فَعَلْت كَذَا فَهِيَ طَالِقٌ وَيَجِبُ إمْضَاؤُهُ عَلَيْهِمْ انْتَهَى وَلَوْ قَالَ حَلَالُ اللَّهِ عَلَيَّ حَرَامٌ وَلَهُ امْرَأَتَانِ يَقَعُ الطَّلَاق عَلَى وَاحِدَةٍ وَإِلَيْهِ الْبَيَانُ فِي الْأَظْهَرِ كَقَوْلِهِ امْرَأَتِي طَالِقٌ وَلَهُ امْرَأَتَانِ أَوْ أَكْثَرُ . ا هـ . كَافِي

(3/115)


رُجُوعٌ وَلَا رُجُوعَ فِي الْأَيْمَانِ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يُجَوِّزُ الِاسْتِثْنَاءَ الْمُنْفَصِلَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} [الكهف : 24] أَيْ إذَا نَسِيت الِاسْتِثْنَاءَ مَوْصُولًا فَاسْتَثْنِ مَفْصُولًا وَلَا يُؤَدِّي هَذَا الْقَوْلُ إلَى أَنْ تَكُونَ الْعُقُودُ الشَّرْعِيَّةُ كُلُّهَا غَيْرَ مُلْزِمَةٍ وَإِخْرَاجُهَا مِنْ أَنْ تَكُونَ مُقَيِّدَةً لِأَحْكَامِهَا لِأَنَّهُ يَبِيعُ أَوْ يَتَزَوَّجُ أَوْ يُطَلِّقُ ثُمَّ يَسْتَثْنِي أَيَّ وَقْتٍ شَاءَ فَلَوْ كَانَ هَذَا يَصِحُّ لَمَا اُحْتِيجَ إلَى الزَّوْجِ الثَّانِي حَتَّى تَحِلَّ لِلْأَوَّلِ فِيمَا إذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا بَلْ كَانَ يُؤْمَرُ بِالِاسْتِثْنَاءِ حَتَّى تَبْطُلَ الطَّلْقَاتُ الثَّلَاثُ بِهِ وَكَذَا بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ أَحْكَامَ الْحِنْثِ فِي الْأَيْمَانِ وَلَوْ كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ الْمَفْصُولُ جَائِزًا لَأَمَرَ اللَّهُ بِهِ حَتَّى لَا يَلْزَمَهُ الْحِنْثُ وَلَا الْإِثْمُ وَمَعْنَى الْآيَةِ إذَا نَسِيت فِي أَوَّلِ كَلَامِكِ فَاذْكُرْهُ فِي آخِرِهِ مَوْصُولًا
وَرُوِيَ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ صَاحِبَ الْمَغَازِي كَانَ عِنْدَ الْمَنْصُورِ فَكَانَ يَقْرَأُ عِنْدَهُ الْمَغَازِي وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ حَاضِرًا عِنْدَهُ فَأَرَادَ أَنْ يُغْرِي الْخَلِيفَةَ عَلَيْهِ فَقَالَ إنَّ هَذَا الشَّيْخَ يُخَالِفُ جَدَّكَ فِي الِاسْتِثْنَاءِ الْمُنْفَصِلِ فَقَالَ لَهُ أَبَلَغَ مِنْ قَدْرِكَ أَنْ تُخَالِفَ جَدِّي فَقَالَ إنَّ هَذَا يُرِيدُ أَنْ يُفْسِدَ عَلَيْك مِلْكَك لِأَنَّهُ إذَا جَازَ الِاسْتِثْنَاءُ الْمُنْفَصِلُ فَبَارَكَ اللَّهُ لَك فِي عُهُودِك إذًا فَإِنَّ النَّاسَ يُبَايِعُونَك وَيَحْلِفُونَ ثُمَّ يَخْرُجُونَ وَيَسْتَثْنُونَ ثُمَّ يُخَالِفُونَ وَلَا يَحْنَثُونَ فَقَالَ نِعْمَ مَا قُلْت وَغَضِبَ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ وَأَخْرَجَهُ مِنْ عِنْدِهِ وَقَالَ لِأَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اُسْتُرْ هَذَا عَلَيَّ ثُمَّ إنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مُبْطِلٌ لِلْكَلَامِ وَمُخْرِجٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ عَزِيمَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ بِمَعْنَى الشَّرْطِ
وَعِنْدَ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا عَمَلَ لِلِاسْتِثْنَاءِ بَلْ يَلْزَمُهُ حُكْمُ الْيَمِينِ وَغَيْرُهُ لِأَنَّ الْأُمُورَ كُلَّهَا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا يَتَغَيَّرُ بِذِكْرِهِ حُكْمُ الْأَوَّلِ وَإِنَّمَا يُذْكَرُ تَبَرُّكًا وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَا وَفِي قَوْله تَعَالَى حِكَايَةٍ عَنْ قَوْلِ مُوسَى لِلْخَضِرِ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا} [الكهف : 69] مَا يَرُدُّ قَوْلَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَصْبِرْ وَلَمْ يُعَاتِبْ عَلَى ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالَهُ لَعُوتِبَ لِأَنَّ الْوَعْدَ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَالْعَهْدِ مِنْ غَيْرِهِمْ وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ بِرُّ عَدَمِ الِانْعِقَادِ لِأَنَّ فِيهِ عَدَمُ الْحِنْثِ كَالْبِرِّ فَأُطْلِقَ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .

(بَابُ الْيَمِينِ فِي الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ وَالسُّكْنَى وَالْإِتْيَانِ وَغَيْرِ ذَلِكَ)
اعْلَمْ أَنَّ الْأَيْمَانَ عِنْدَنَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعُرْفِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ عَلَى الْحَقِيقَةِ لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ أَحَقُّ بِالْإِرَادَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَجُوزُ الِاسْتِثْنَاءُ الْمُنْفَصِلُ) أَيْ إلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ . ا هـ . كَافِي (قَوْلُهُ وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ) أَيْ الْمُصَنِّفِ . ا هـ .

لَمَّا كَانَ انْعِقَادُ الْيَمِينِ عَلَى فِعْلِ شَيْءٍ أَوْ تَرْكِ شَيْءٍ ذَكَرَ الْأَفْعَالَ الَّتِي تَنْعَقِدُ عَلَيْهَا الْيَمِينُ بَابًا بَابًا إلَّا أَنَّهُ قَدَّمَ هَذَا الْبَابَ عَلَى غَيْرِهِ لِأَنَّهُ أَهَمُّ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ مُحْتَاجٌ إلَى مَسْكَنٍ يَدْخُلُ فِيهِ وَيَسْتَقِرُّ ثُمَّ يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ سَائِرُ الْأَفْعَالِ مِنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ {جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ} [البقرة : 22] وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ ذَكَرَ الرِّزْقَ بَعْدَ جَعْلِ الْأَرْضِ فِرَاشًا قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ انْتَهَى قَالَ الْكَمَالُ وَكُلٌّ مِنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَإِنْ كَانَ مِنْ الضَّرُورِيَّاتِ لَكِنَّ حَاجَةَ الْحُلُولِ فِي مَكَان أَلْزَمُ لِلْجِسْمِ مِنْ أَكْلِهِ وَلُبْسِهِ انْتَهَى
(قَوْلُهُ اعْلَمْ أَنَّ الْأَيْمَانَ عِنْدَنَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعُرْفِ) لِأَنَّ الْمُتَكَلِّمَ إنَّمَا يَتَكَلَّمُ بِالْكَلَامِ الْعُرْفِيِّ أَعْنِي الْأَلْفَاظَ الَّتِي يُرَادُ بِهَا مَعَانِيهَا الَّتِي وُضِعَتْ لَهَا فِي الْعُرْفِ كَمَا أَنَّ الْعَرَبِيَّ حَالَ كَوْنِهِ بَيْنَ أَهْلِ اللُّغَةِ إنَّمَا يَتَكَلَّمُ بِالْحَقَائِقِ بِلُغَتِهِ فَوَجَبَ صَرْفُ أَلْفَاظِ الْمُتَكَلِّمِ إلَى مَا عُهِدَ أَنَّهُ الْمُرَادُ بِهَا ثُمَّ مِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ جَرَى عَلَى هَذَا الْإِطْلَاقِ فَحَكَمَ فِي الْفَرْعِ الَّذِي ذَكَرَهُ صَاحِبُ الذَّخِيرَةِ والمرغيناني وَهُوَ مَا إذَا حَلَفَ لَا يَهْدِمُ بَيْتًا فَهَدَمَ بَيْتَ الْعَنْكَبُوتِ أَنَّهُ يَحْنَثُ بِأَنَّهُ خَطَأٌ وَمِنْهُمْ مَنْ قَيَّدَ حَمَلَ الْكَلَامَ عَلَى الْعُرْفِ بِمَا إذَا لَمْ يُمْكِنْ الْعَمَلُ بِحَقِيقَتِهِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا يَصِيرُ الْمُعْتَبَرُ الْحَقِيقَةُ اللُّغَوِيَّةُ إلَّا فِيمَا مِنْ الْأَلْفَاظِ لَيْسَ لَهُ وَضْعٌ لُغَوِيٌّ بَلْ أَخَذَهُ أَهْلُ الْعُرْفِ وَأَنَّ مَالَهُ وَضْعٌ لُغَوِيٌّ وَوَضْعٌ عُرْفِيٌّ يُعْتَبَرُ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيُّ وَإِنْ تَكَلَّمَ بِهِ مُتَكَلِّمٌ مِنْ أَهْلِ الْعُرْفِ وَهَذَا يَهْدِمُ قَاعِدَةَ حَمْلِ الْأَيْمَانِ عَلَى الْعُرْفِ فَإِنَّهُ لَمْ يَصِرْ الْمُعْتَبَرُ إلَّا اللُّغَةَ إلَّا مَا تَعَذَّرَ وَهَذَا بَعِيدٌ إذْ لَا شَكَّ أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ لَا يَتَكَلَّمُ إلَّا بِالْعُرْفِ الَّذِي بِهِ التَّخَاطُبُ سَوَاءٌ كَانَ عُرْفُ اللُّغَةِ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ أَوْ غَيْرَهَا إنْ كَانَ مِنْ غَيْرِهَا نَعَمْ مَا وَقَعَ اسْتِعْمَالُهُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ أَهْلِ اللُّغَةِ وَأَهْلِ الْعُرْفِ تُعْتَبَرُ اللُّغَةُ عَلَى أَنَّهَا الْعُرْفُ فَأَمَّا الْفَرْعُ الْمَذْكُورَةُ فَالْوَجْهُ فِيهِ أَنَّهُ إذَا كَانَ نَوَاهُ فِي عُمُومِ بَيْتٍ حَنِثَ وَإِنْ لَمْ يَخْطِرْ لَهُ وَجَبَ أَنْ لَا يَحْنَثَ لِانْصِرَافِ الْكَلَامِ إلَى الْمُتَعَارَفِ وَظَهَرَ أَنَّ مُرَادَنَا بِانْصِرَافِ الْكَلَامِ إلَى الْعُرْفِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ كَانَ مُوجِبُ الْكَلَامِ مَا يَكُونُ مُوجِبًا عُرْفِيًّا لَهُ
وَإِنْ كَانَ لَهُ نِيَّةُ شَيْءٍ وَاللَّفْظُ يَحْتَمِلُهُ انْعَقَدَ الْيَمِينُ بِاعْتِبَارِهِ إذَا عَرَفْنَا هَذَا فَالْكَعْبَةُ وَإِنْ أُطْلِقَ عَلَيْهَا بَيْتٌ فِي قَوْله تَعَالَى {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ} [آل عمران : 96] وَكَذَا الْمَسْجِدُ فِي قَوْله تَعَالَى {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ} [النور : 36] وَكَذَا بَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ وَكَذَا الْحَمَّامُ وَلَكِنْ إذَا أُطْلِقَ الْبَيْتُ فِي الْعُرْفِ فَإِنَّمَا يُرَادُ مَا يَبَاتُ فِيهِ عَادَةً فَدَخَلَ الدِّهْلِيزُ إذَا كَانَ كَبِيرًا بِحَيْثُ يُبَاتُ فِيهِ لِأَنَّ مِثْلَهُ يُعْتَادُ بَيْتُوتَةً لِلضُّيُوفِ فِي بَعْضِ الْقُرَى وَفِي الْمُدُنِ يَبِيتُ فِيهِ بَعْضُ الْأَتْبَاعِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ فَيَحْنَثُ وَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ إذَا أُغْلِقَ الْبَابُ صَارَ دَاخِلًا لَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ مِنْ الدَّارِ وَلَهُ سَعَةٌ تَصْلُحُ لِلْمَبِيتِ مِنْ سَقْفٍ يَحْنَثُ بِدُخُولِهِ وَعَلَى هَذَا يَحْنَثُ بِالصِّفَةِ سَوَاءٌ كَانَ لَهَا أَرْبَعُ حَوَائِطَ كَمَا هِيَ صِفَافُ الْكُوفَةُ أَوْ ثَلَاثَةٌ عَلَى مَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ مُسَقَّفًا كَمَا هِيَ صِفَافُ دِيَارِنَا لِأَنَّهُ يُبَاتُ فِيهِ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ مِفْتَحَهُ وَاسِعٌ وَكَذَا الظُّلَّةُ إذَا كَانَ مَعْنَاهَا مَا هُوَ دَاخِلَ الدَّارِ مُسَقَّفًا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ سَابَاطًا وَهُوَ مَا عَلَى ظَاهِرِ الْبَابِ فِي الشَّارِعِ مِنْ سَقْفٍ لَهُ جُذُوعٌ

(3/116)


وَعِنْدَ مَالِكٍ عَلَى مَعَانِي كَلِمِ الْقُرْآنِ لِأَنَّهُ نَزَلَ عَلَى أَصَحِّ اللُّغَاتِ وَأَفْصَحِهَا قُلْنَا إنَّ غَرَضَ الْحَالِفِ مَا هُوَ الْمَعْهُودُ الْمُتَعَارَفُ عِنْدَهُ فَتَقَيَّدَ بِغَرَضِهِ وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَجْلِسُ عَلَى الْفِرَاشِ أَوْ عَلَى الْبِسَاطِ أَوْ لَا يَسْتَضِيءُ بِالسِّرَاجِ لَا يَحْنَثُ بِجُلُوسِهِ عَلَى الْأَرْضِ وَلَا بِالِاسْتِضَاءَةِ بِالشَّمْسِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (حَلَفَ لَا يَدْخُلُ بَيْتًا لَا يَحْنَثُ بِدُخُولِ الْكَعْبَةِ وَالْمَسْجِدِ وَالْبَيْعَةِ وَالْكَنِيسَةِ وَالدِّهْلِيزِ وَالظُّلَّةِ وَالصُّفَّةِ) لِأَنَّ الْبَيْتَ مَا أُعِدَّ لِلْبَيْتُوتَةِ وَهَذِهِ الْبِقَاعُ مَا بُنِيَتْ لَهَا وَقِيلَ إذَا كَانَ الدِّهْلِيزُ بِحَيْثُ لَوْ أَغْلَقَ الْبَابَ يَكُونُ دَاخِلًا وَهُوَ مُسَقَّفٌ يَحْنَثُ لِأَنَّهُ يُبَاتُ فِيهِ عَادَةً وَالظُّلَّةُ هِيَ السَّابَاطُ الَّذِي يَكُونُ عَلَى بَابِ الدَّارِ وَلَا يَكُونُ فَوْقَهُ بِنَاءٌ وَهِيَ لَيْسَتْ بِبَيْتٍ لِأَنَّهُ لَا يُبَاتُ فِيهَا وَكَذَا إذَا كَانَ فَوْقَهَا بِنَاءٌ إلَّا أَنَّ مِفْتَحَهُ إلَى الطَّرِيقِ لَا يَحْنَثُ إذَا كَانَ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى بَيْتِ شَخْصٍ بِعَيْنِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ جُمْلَةِ بَيْتِهِ وَذَكَرَ صَاحِبُ الْحَصْرِ أَنَّ الظُّلَّةَ هِيَ الَّتِي أَحَدُ طَرَفَيْ جُذُوعِهَا عَلَى هَذِهِ الدَّارِ وَطَرَفُهَا الْآخَرُ عَلَى حَائِطِ الدَّارِ الْمُقَابِلِ
وَفِي الْمُغْرِبِ الظُّلَّةُ كُلُّ مَا أَظَلَّك مِنْ بِنَاءٍ أَوْ جَبَلٍ أَوْ سَحَابٍ أَيْ سَتَرَكَ وَأَلْقَى ظِلَّهُ عَلَيْك ، وَقَوْلُ الْفُقَهَاءِ ظُلَّةُ الدَّارِ يُرِيدُونَ بِهَا السُّدَّةَ الَّتِي فَوْقَ الْبَابِ وَفِي طِلْبَةِ الطَّلَبَةِ وَهِيَ الَّتِي تَظَلُّ عِنْدَ بَابِ الدَّارِ وَفِي الصِّحَاحِ كَهَيْئَةِ الصِّفَةِ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ يَحْنَثُ بِدُخُولِ الصِّفَةِ لِأَنَّهَا تُبْنَى لِلْبَيْتُوتَةِ فِيهَا فِي الصَّيْفِ قِيلَ هَذَا عَلَى عُرْفِ أَهْلِ الْكُوفَةِ لِأَنَّ صِفَافَهُمْ كَانَتْ ذَاتَ حَوَائِطَ أَرْبَعَةٍ وَالظَّاهِرُ مِنْ عُرْفِ دِيَارِ صَاحِبِ هَذَا الْمُخْتَصَرِ لَا تُبْنَى عَلَى هَيْئَةِ الْبُيُوتِ بَلْ تُبْنَى ذَاتَ حَوَائِطَ ثَلَاثَةٍ عَلَى مَا هُوَ الْمُعْتَادُ فَلَا تَكُونُ بَيْتًا فَلِهَذَا قَالَ لَا يَحْنَثُ وَيُمْكِنُ أَنْ لَا يَحْنَثَ مُطْلَقًا عِنْدَهُ كَمَا ذُكِرَ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّهَا لَا يُطْلَقُ عَلَيْهَا اسْمُ الْبَيْتِ بَلْ يُنْفَى عَنْهَا فَيُقَالُ هَذِهِ صِفَةٌ وَلَيْسَتْ بِبَيْتٍ وَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ الْأَصَحُّ عِنْدِي أَنْ يَحْنَثَ لِأَنَّ الْبَيْتَ اسْمٌ لِشَيْءٍ مُسَقَّفٍ مَدْخَلُهُ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ وَهُوَ مَبْنِيٌّ لِلْبَيْتُوتَةِ فِيهِ وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي الصِّفَةِ إلَّا أَنَّ مَدْخَلَهَا أَوْسَعُ مِنْ مَدْخَلِ الْبُيُوتِ الْمَعْرُوفَةِ فَكَانَ اسْمُ الْبَيْتِ مُتَنَاوَلًا لَهَا فَيَحْنَثُ بِسُكْنَاهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ نَوَى الْبُيُوتَ دُونَ الصِّفَافِ فَحِينَئِذٍ يَصْدُقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ خَصَّ الْعَامَّ بِنِيَّتِهِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي دَارٍ بِدُخُولِهَا خَرِبَةً وَفِي هَذِهِ الدَّارِ يَحْنَثُ وَإِنْ بُنِيَتْ دَارًا أُخْرَى بَعْدَ الِانْهِدَامِ) أَيْ فِي حَلِفِهِ لَا يَدْخُلُ دَارًا لَا يَحْنَثُ بِدُخُولِ الدَّارِ الْخَرِبَةِ وَفِيمَا إذَا قَالَ لَا أَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ يَحْنَثُ إذَا دَخَلَهَا بَعْدَمَا انْهَدَمَتْ وَلَوْ بُنِيَتْ دَارًا أُخْرَى بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّ الدَّارَ اسْمٌ لِلْعَرْصَةِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ يُقَالُ دَارٌ عَامِرَةٌ وَدَارٌ غَامِرَةٌ قَالَ لَبِيدٌ :
عَفَتْ الدِّيَارُ مَحَلُّهَا فَمُقَامُهَا ... بِمِنًى تَأَبَّدَ غَوْلُهَا فَرِجَامُهَا
وَقَالَ النَّابِغَةُ :
يَا دَارَ مَيَّةَ بِالْعَلْيَاءِ فَالسَّنَدِ ... أَقْوَتْ وَطَالَ عَلَيْهَا سَالِفُ الْأَمَدِ
وَالْبِنَاءُ وَصْفٌ فِيهَا غَيْرَ أَنَّ الْوَصْفَ فِي الْمُعَيَّنِ لَغْوٌ إنْ لَمْ يَكُنْ دَاعِيًا إلَى الْيَمِينِ وَحَامِلًا عَلَيْهَا وَإِنْ كَانَتْ حَامِلَةً عَلَى الْيَمِينِ تُعْتَبَرُ الصِّفَةُ فَتَتَقَيَّدُ بِهَا الْيَمِينُ كَمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذَا الْبُسْرَ أَوْ هَذَا الرُّطَبَ فَصَارَ تَمْرًا أَوْ رُطَبًا فَأَكَلَهُ لَا يَحْنَثُ إلَّا إذَا كَانَتْ الصِّفَةُ مَهْجُورَةً شَرْعًا فَحِينَئِذٍ لَا تُعْتَبَرُ وَإِنْ كَانَتْ حَامِلَةً كَمَنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ هَذَا الصَّبِيَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أَطْرَافُهَا عَلَى جِدَارِ الدَّارِ الْمُقَابِلِ لَهُ وَسَيَأْتِي أَنَّ السَّقْفَ لَيْسَ شَرْطًا فِي مُسَمَّى الْبَيْتِ فَيَحْنَثُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الدِّهْلِيزُ مُسَقَّفًا انْتَهَى كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
(قَوْلُهُ وَعِنْدَ مَالِكٍ عَلَى مَعَانِي كَلِمِ الْقُرْآنِ) أَيْ وَعِنْدَ أَحْمَدُ عَلَى النِّيَّةِ مُطْلَقًا انْتَهَى كَمَالٌ بِالْمَعْنَى (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْبَيْعَةِ وَالْكَنِيسَةِ) ثُمَّ الْبَيْعَةُ مُتَعَبَّدُ النَّصَارَى وَالْكَنِيسَةُ لِلْيَهُودِ قَالَ الْقُتَبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ لِلصَّابِئَيْنِ وَبِيَعٌ لِلنَّصَارَى وَصَلَوَاتٌ يُرِيدُ وَبُيُوتُ صَلَوَاتٍ يَعْنِي كَنَائِسَ الْيَهُودِ وَمَسَاجِدُ لِلْمُسْلِمِينَ وَنُقِلَ فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى عَنْ الْأَصْلِ لَوْ حَلَفَ لَا يَسْكُنُ بَيْتًا وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَسَكَنَ بَيْتًا مِنْ شَعْرٍ أَوْ فُسْطَاطًا أَوْ خَيْمَةً لَا يَحْنَثُ إنْ كَانَ الْحَالِفُ مِنْ أَهْلِ الْمِصْرِ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ يَحْنَثُ انْتَهَى (قَوْلُهُ وَهَذِهِ الْبِقَاعُ مَا بُنِيَتْ لَهَا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْمُعْتَبَرُ فِي الْأَيْمَانَ الْعَادَةُ دُونَ أَلْفَاظِ الْقُرْآنِ فَلِهَذَا لَمْ يَحْنَثْ بِالدُّخُولِ فِيهَا وَإِنْ أُطْلِقَ عَلَيْهَا اسْمُ الْبَيْتِ فِي الْقُرْآنِ كَقَوْلِهِ فِي الْكَعْبَةِ {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ} [آل عمران : 96] وَكَقَوْلِهِ {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} [النور : 36] وَمَا ذَكَرَ بَعْضُهُمْ فِي شَرْحِهِ مَنْقُولًا عَنْ الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّهُ إذَا حَلَفَ لَا يَهْدِمُ بَيْتًا فَهَدَمَ بَيْتَ الْعَنْكَبُوتِ يَحْنَثُ فَذَلِكَ سَهْوٌ لِكَوْنِهِ مُخَالِفًا لِلْأَصْلِ الَّذِي ذَكَرْنَا وَلِكَوْنِهِ مُخَالِفًا لِلرِّوَايَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ الشَّيْخَ أَبَا نَصْرٍ
قَالَ وَإِنْ حَلَفَ لَا يُخَرِّبُ بَيْتًا فَخَرَّبَ بَيْتَ الْعَنْكَبُوتِ لَا يَحْنَثُ وَإِنْ سَمَّاهُ اللَّهُ بَيْتًا ذَكَرَهُ فِي مَسْأَلَةِ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا فَأَكَلَ السَّمَكَ لَمْ يَحْنَثْ وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَالرَّأْسُ مَا يُبَاعُ فِي مِصْرِهِ أَنَّهُ يَحْنَثُ بِهَدْمِ بَيْتِ الْعَنْكَبُوتِ انْتَهَى

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَفِي دَارًا بِدُخُولِهَا خَرِبَةً) قَالَ الرَّازِيّ قَوْلُهُ فِي دَارًا عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ بَيْتًا وَقَوْلِهِ بِدُخُولِهَا الْبَاءُ تَتَعَلَّقُ بِمَحْذُوفٍ وَهُوَ لَا يَحْنَثُ . ا هـ . (قَوْلُهُ يَحْنَثُ إذَا دَخَلَهَا بَعْدَ مَا انْهَدَمَتْ) يَعْنِي وَصَارَتْ صَحْرَاءَ . ا هـ . هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الدَّارَ اسْمٌ لِلْعَرْصَةِ) أَيْ عِنْدَ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ فَيُقَالُ دَارٌ عَامِرَةٌ وَدَارٌ غَيْرُ عَامِرَةٍ فِي الْعَجَمِ وَالْعَرَبِ . ا هـ . فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَالْبِنَاءُ وَصْفٌ فِيهَا) وَالصِّفَةُ فِي الْمُنَكَّرِ مُعْتَبَرَةٌ لِأَنَّ الْغَائِبَ يُعْرَفُ بِالْوَصْفِ فَتَعَلَّقَتْ الْيَمِينُ بِدَارٍ مَوْصُوفَةٍ بِصِفَةٍ فَلَا يَحْنَثُ بَعْدَ زَوَالِ تِلْكَ الصِّفَةِ . ا هـ . رَازِيٌّ
(قَوْلُهُ غَيْرَ أَنَّ الْوَصْفَ فِي الْمُعَيَّنِ لَغْوٌ) لِأَنَّ الْإِشَارَةَ أَبْلَغُ فِي التَّعْرِيفِ فَأَغْنَتْ عَنْ الْوَصْفِ الَّذِي وُضِعَ لِلتَّوْضِيحِ فَاسْتَوَى وُجُودُهَا وَعَدَمُهَا وَتَعَلَّقَتْ الْيَمِينُ بِذَاتِهَا وَذَاتُهَا بَاقِيَةٌ بَعْدَ انْتِقَاضِ الْحِيطَانِ بِالدُّخُولِ فِيهَا وَكَذَا إذَا خَرِبَتْ وَبُنِيَتْ دَارًا أُخْرَى لِأَنَّ ذَاتَهَا لَمْ تَتَبَدَّلْ ا هـ قَالَهُ الرَّازِيّ
(قَوْلُهُ لَا يَحْنَثُ إلَّا إذَا كَانَتْ الصِّفَةُ مَهْجُورَةً شَرْعًا) قَالَ الْكَمَالُ بَعْدَ أَنْ سَاقَ جُمْلَةً مِنْ أَبْيَاتِ الْعَرَبِ فَهَذِهِ الْأَشْعَارُ وَمَا لَا يُحْصَى كَثْرَةٌ تَشْهَدُ بِأَنَّ اسْمَ الدَّارِ لِلْعَرْصَةِ لَيْسَ غَيْرُ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ الْمُتَكَلِّمِينَ بِهَذِهِ الْأَشْعَارِ لَا يُرِيدُونَ بِالِاسْمِ إلَّا الْعَرْصَةَ فَقَطْ فَإِنَّ هَذِهِ الدِّيَارَ الَّتِي ذَكَرُوهَا

(3/117)


لَا يَتَقَيَّدُ الْيَمِينُ بِزَمَانِ صِبَاهُ لِأَنَّ صِبَاهُ وَإِنْ كَانَ حَامِلًا عَلَى الْيَمِينِ لَكِنَّ هَجْرَ الصَّغِيرِ لِأَجْلِ صِغَرِهِ مَهْجُورٌ شَرْعًا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَلَمْ يُوَقِّرْ كَبِيرَنَا فَلَيْسَ مِنَّا»
وَفِي تَرْكِ الْكَلَامِ لَهُ تَرْكُ التَّرَحُّمِ عَلَيْهِ فَكَانَ مَهْجُورًا فَتَعَلَّقَتْ الْيَمِينُ بِالذَّاتِ دُونَ الصِّفَةِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ لَا أُكَلِّمُ هَذَا فَإِنْ قِيلَ لَوْ وَكَّلَ رَجُلًا بِشِرَاءِ دَارٍ فَاشْتَرَى دَارًا خَرِبَةً نَفَذَ عَلَى الْمُوَكِّلِ وَعَلَى قِيَاسِ مَا قُلْتُمْ وَجَبَ أَنْ لَا يَنْفُذَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الصِّفَةَ فِي الْمُنْكَرِ مُعْتَبَرَةٌ قُلْنَا فِي الْوَكَالَةِ تُعُرِّفَتْ مِنْ وَجْهٍ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ بِشِرَاءِ دَارٍ لَا تَصِحُّ إلَّا إذَا بُيِّنَ الثَّمَنُ وَالْمَحَلَّةُ وَهِيَ فِي الْيَمِينِ مُنَكَّرَةٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَافْتَرَقَا فَإِنْ قِيلَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ تَكُونَ الصِّفَةُ دَاخِلَةً فِي الْيَمِينِ أَوْ لَا فَإِنْ كَانَتْ دَاخِلَةً وَجَبَ أَنْ لَا يَخْتَلِفَ بَيْنَ الْمُنَكَّرِ وَالْمُعَرَّفِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ دَاخِلَةً فَكَذَلِكَ أَيْضًا كَمَنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ رَجُلًا فَإِنَّ يَمِينَهُ لَمْ يَتَقَيَّدْ بِشَيْءٍ مِنْ أَوْصَافِ الرِّجَالِ قُلْنَا صِفَةُ الْبِنَاءِ فِي الدَّارِ مُتَعَيِّنَةٌ لِعَدَمِ مَا يُزَاحِمُهَا مِنْ الْأَوْصَافِ بِخِلَافِ الرَّجُلِ فَإِنَّ الْأَوْصَافَ فِيهِ مُتَزَاحِمَةٌ فَتَقْيِيدُهُ بِالْكُلِّ مُحَالٌ وَلَيْسَ الْبَعْضُ أَوْلَى مِنْ الْبَعْضِ فَيَسْقُطُ الْكُلُّ وَقَالَ أَبُو اللَّيْثِ إنْ كَانَتْ الْيَمِينُ بِالْفَارِسِيَّةِ لَا يَحْنَثُ إلَّا بِدُخُولِ الْمَبْنِيَّةِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ جُعِلَتْ بُسْتَانًا أَوْ مَسْجِدًا أَوْ حَمَّامًا أَوْ بَيْتًا لَا كَهَذَا الْبَيْتِ فَهُدِمَ أَوْ بُنِيَ آخَرُ) يَعْنِي فِيمَا إذَا حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ فَخَرِبَتْ فَجُعِلَتْ بُسْتَانًا أَوْ مَسْجِدًا أَوْ حَمَّامًا أَوْ بَيْتًا لَا يَحْنَثُ بِدُخُولِهِ فِيهِ كَمَا لَا يَحْنَثُ بِدُخُولِهِ فِيمَا إذَا حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذَا الْبَيْتَ فَهُدِمَ ثُمَّ دَخَلَهُ أَوْ بَنَى بَيْتًا آخَرَ فَدَخَلَهُ لِأَنَّهَا لَمْ تَبْقَ دَارًا بَعْدَ مَا اعْتَرَضَ اسْمٌ آخَرُ عَلَيْهَا لِأَنَّ بَقَاءَ الِاسْمِ يَدُلُّ عَلَى بَقَاءِ الْمُسَمَّى وَزَوَالَهُ عَلَى زَوَالِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا بُنِيَتْ دَارًا لِأَنَّ الِاسْمَ كَانَ بَاقِيًا وَهِيَ صَحْرَاءُ حَتَّى يَحْنَثَ بِالدُّخُولِ فِيهَا فَإِذَا بُنِيَتْ لَمْ يَتَبَذَّلْ اسْمُهَا وَلَوْ انْهَدَمَ الْحَمَّامُ وَنَحْوُهُ فَدَخَلَهُ لَمْ يَحْنَثْ وَكَذَا لَوْ بُنِيَتْ دَارًا بَعْدَ انْهِدَامِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لِأَنَّهُ بِالِانْهِدَامِ لَمْ يَعُدْ اسْمُ الدَّارِ لِبَقَاءِ اسْمِ الْمَسْجِدِ وَالْحَمَّامِ وَنَحْوِهِ فِيهِ وَإِنْ عَادَ الِاسْمُ بِالْبِنَاءِ لَكِنَّهُ بِصِفَةٍ جَدِيدَةٍ فَكَانَ غَيْرَ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَالْبَيْتُ اسْمٌ لِمَا يُبَاتُ فِيهِ وَبَعْدَ الِانْهِدَامِ زَالَ الِاسْمُ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ لِلْبَيْتُوتَةِ فِيهِ حَتَّى لَوْ سَقَطَ السَّقْفُ وَبَقِيَتْ الْحِيطَانُ فَدَخَلَهُ يَحْنَثُ لِأَنَّ السَّقْفَ وَصْفٌ فِيهِ كَالْبِنَاءِ فِي الدَّارِ وَلَوْ بُنِيَ بَيْتًا آخَرَ بَعْدَ مَا انْهَدَمَ فَدَخَلَهُ لَمْ يَحْنَثْ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الدَّارِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْوَاقِفُ عَلَى السَّطْحِ دَاخِلٌ) أَيْ الْوَاقِفُ عَلَى سَطْحِ الدَّارِ هُوَ دَاخِلَ الدَّارِ حَتَّى لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ فَوَقَفَ عَلَى السَّطْحِ يَحْنَثُ لِأَنَّ السَّطْحَ مِنْ الدَّارِ أَلَا تَرَى أَنَّ لِسَطْحِ الْمَسْجِدِ حُكْمَ الْمَسْجِدِ حَتَّى لَا يَبْطُلَ الِاعْتِكَافُ بِالصُّعُودِ عَلَيْهِ وَلَا يَجُوزُ لِلْجُنُبِ وَالْحَائِضِ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ وَلَا يَجُوزُ التَّخَلِّي فِيهِ وَالْمُخْتَارُ أَنْ لَا يَحْنَثَ فِي الْعَجَمِ لِأَنَّ الْوَاقِفَ عَلَى السَّطْحِ لَا يُسَمَّى دَاخِلًا عِنْدَهُمْ وَعَلَى هَذَا الْوَاقِفُ عَلَى شَجَرَةٍ فِي الدَّارِ أَوْ عَلَى حَائِطِ الدَّارِ لَا يَحْنَثُ عِنْدَهُمْ وَدِهْلِيزُ الدَّارِ كَدِهْلِيزِ الْبَيْتِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّفْصِيلِ غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يُشْتَرَطْ أَنْ يَكُونَ مُسَقَّفًا هُنَا لِأَنَّ اسْمَ الدَّارِ يَتَنَاوَلُهُ بِدُونِهِ وَبِدُونِ الْبِنَاءِ بِخِلَافِ الْبَيْتِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي طَاقِ الْبَابِ لَا) أَيْ الْوَاقِفُ فِي طَاقِ الْبَابِ لَيْسَ بِدَاخِلٍ حَتَّى لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ أَوْ هَذَا الْبَيْتَ فَوَقَفَ عَلَى طَاقِ الْبَابِ لَا يَحْنَثُ هَذَا إذَا كَانَ بِحَيْثُ لَوْ أَغْلَقَ الْبَابَ كَانَ خَارِجًا لِأَنَّ الْبِنَاءَ وَتَرْكِيبَ الْغَلْقِ لِإِحْرَازِ مَا فِي الدَّارِ وَالْبَيْتِ فَمَا كَانَ دَاخِلًا فَهُوَ مِنْهُمَا لِوُجُودِ الْمَعْنَى فِيهِ وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ أَدْخَلَ إحْدَى رِجْلَيْهِ دُونَ الْأُخْرَى إنْ اسْتَوَى الْجَانِبَانِ أَوْ كَانَ الْجَانِبُ الْخَارِجُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لَمْ يَكُنْ فِيهَا بِنَاءٌ أَصْلًا بَلْ هِيَ عَرَصَاتٌ مَنْزُولَاتٌ يَضَعُونَ فِيهَا الْأَخْبِيَةَ لَا الْأَبْنِيَةَ الْحَجَرَ وَالْمَدَرَ فَصَحَّ أَنَّ الْبِنَاءَ وَصْفٌ فِيهَا غَيْرُ لَازِمٍ وَإِنَّمَا اللَّازِمُ فِيهَا كَوْنُهَا قَدْ نَزَلَتْ غَيْرَ أَنَّهَا فِي عُرْفِ أَهْلِ الْمُدُنِ لَا يُقَالُ إلَّا بَعْدَ الْبِنَاءِ فِيهَا لَوْ انْهَدَمَ بَعْدَ ذَلِكَ بَعْضُهَا قِيلَ دَارٌ خَرَابٌ فَيَكُونُ هَذَا الْوَصْفُ جُزْءَ الْمَفْهُومِ لَهَا فَأَمَّا إذَا انْمَحَتْ الْأَبْنِيَةُ بِالْكُلِّيَّةِ وَصَارَتْ سَاحَةً فَالظَّاهِرُ أَنَّ إطْلَاقَ اسْمِ الدَّارِ فِي الْعُرْفِ عَلَيْهَا كَهَذِهِ دَارُ فُلَانٍ مَجَازٌ بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ وَالْحَقِيقَةُ أَنْ يُقَالَ كَانَتْ دَارًا وَإِذَا عُرِفَ ذَلِكَ فَإِذَا حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارًا فَدَخَلَ دَارًا خَرِبَةً بِأَنْ صَارَتْ لَا بِنَاءَ بِهَا لَا يَحْنَثُ وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ فَإِنَّهُ قَالَ فِي مُقَابِلِهِ فِيمَا إذَا حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ فَدَخَلَهَا بَعْدَ مَا صَارَتْ صَحْرَاءَ حَنِثَ وَإِنَّمَا تَقَعُ الْمُقَابَلَةُ بَيْنَ الْمُعَيَّنِ وَالْمُنَكَّرِ فِي الْحُكْمِ إذَا تَوَارَدَ حُكْمُهُمَا عَلَى مَحَلٍّ فَأَمَّا إذَا دَخَلَ بَعْدَ مَا زَالَتْ بَعْضُ حِيطَانِهَا فَهَذِهِ دَارٌ خَرِبَةٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ فِي الْمُنَكَّرِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ نِيَّةٌ وَإِنَّمَا وَقَعَتْ هَذِهِ الْمُفَارَقَةُ لِأَنَّ الْبِنَاءَ وَإِنْ كَانَ وَصْفًا فِيهَا يَعْنِي مُعْتَبَرًا فِيهَا غَيْرَ أَنَّ الْوَصْفَ فِي الْحَاضِرِ لَغْوٌ لِأَنَّ ذَاتَه تَتَعَرَّفُ بِالْإِشَارَةِ فَوْقَ مَا تَتَعَرَّفُ بِالْوَصْفِ وَفِي الْغَائِبِ مُعْتَبَرٌ لِأَنَّهُ الْمُعَرِّفُ لَهُ . ا هـ .

(قَوْلُهُ لَا يَحْنَثُ بِدُخُولِهِ فِيهِ) وَكَذَا إذَا غَلَبَتْ عَلَيْهَا دِجْلَةُ أَوْ الْفُرَاتُ فَصَارَتْ بَحْرًا أَوْ نَهْرًا فَدَخَلَهَا لَا يَحْنَثُ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ بَنَيْت) أَيْ الدَّارَ بَنَيْت دَارًا مَرَّةً أُخْرَى بَعْدَ انْهِدَامِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ . ا هـ . (قَوْلُهُ لِأَنَّ السَّقْفَ وَصْفٌ فِيهِ) وَهَذَا يُفِيدُك أَنَّ ذِكْرَ السَّقْفِ فِي الدِّهْلِيزِ مِنْ قَوْلِهِ وَهُوَ مُسَقَّفٌ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِأَنَّهُ مُعْتَادٌ لِلْبَيْتُوتَةِ كَمَا قَدَّمْنَا وَالْبَيْتُ لَا يَلْزَمُ فِي مَفْهُومِهِ السَّقْفُ فَقَدْ يَكُونُ مُسَقَّفًا وَهُوَ الْبَيْتُ الشَّتْوِيُّ وَغَيْرُ مُسَقَّفٍ وَهُوَ الصَّيْفِيُّ . ا هـ . كَمَالٌ (قَوْلُهُ لَمْ يَحْنَثْ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الدَّارِ) حَلَفَ لَا يَجْلِسُ إلَى هَذِهِ الْأُسْطُوَانَةِ وَهِيَ مِنْ آجُرٍّ أَوْ جَصٍّ أَوْ حِجَارَةٍ فَنُقِضَتْ ثُمَّ بُنِيَتْ ثَانِيًا بِحِجَارَتِهَا فَجَلَسَ إلَيْهَا لَا يَحْنَثُ وَكَذَا الْحَائِطُ . ا هـ . قَاضِي خَانْ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ فَمَرَّ عَلَى الْبَابِ وَزَلَقَتْ رِجْلُهُ وَوَقَعَ فِي الدَّارِ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ فِي الدَّارِ بِاخْتِيَارِهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ دَخَلَ مُكْرَهًا أَوْ هَبَّتْ بِهِ الرِّيحُ وَأَلْقَتْهُ فِي الدَّارِ وَكَذَا إذَا كَانَ عَلَى دَابَّةٍ فَانْفَلَتَتْ وَلَمْ يَسْتَطِعْ إمْسَاكَهَا فَأَدْخَلَتْهُ فِي الدَّارِ لَا يَحْنَثُ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ فَقَامَ عَلَى حَائِطٍ مِنْ حِيطَانِهَا حَنِثَ فِي يَمِينِهِ لِأَنَّ الْحَائِطَ مِنْ جُمْلَةِ الدَّارِ وَتَدْخُلُ فِي بَيْعِ الدَّارِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ وَقَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ هَذَا إذَا كَانَ لِصَاحِبِ الدَّارِ فَأَمَّا إذَا كَانَ الْحَائِطُ مُشْتَرَكًا لَا يَحْنَثُ كَمَا لَا يَحْنَثُ لَا يَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ فَدَخَلَ دَارًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ وَكَذَا

(3/118)


أَسْفَلَ لَمْ يَحْنَثْ وَإِنْ كَانَ الْجَانِبُ الدَّاخِلُ أَسْفَلَ حَنِثَ لِأَنَّ اعْتِمَادَ جَمِيعِ بَدَنِهِ عَلَى رِجْلِهِ الَّتِي فِي الْجَانِبِ الْأَسْفَلِ فَتُعْتَبَرُ تِلْكَ دُونَ الْأُخْرَى وَلَوْ دَخَلَ كَنِيفَهَا وَهُوَ شَارِعٌ إلَى الطَّرِيقِ وَمِفْتَحُهُ مِنْ دَاخِلٍ حَنِثَ لِأَنَّهُ مِنْ تَوَابِعِ الدَّارِ وَفِي الْكَافِي لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ بَيْتَ فُلَانٍ وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَدَخَلَ فِي صَحْنِ دَارِهِ لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَدْخُلَ الْبَيْتَ لِأَنَّ شَرْطَ حِنْثِهِ الدُّخُولُ فِي الْبَيْتِ وَلَمْ يُوجَدْ ثُمَّ قَالَ وَهَذَا فِي عُرْفِهِمْ وَأَمَّا فِي عُرْفِنَا فَالدَّارُ وَالْبَيْتُ وَاحِدٌ فَيَحْنَثُ إنْ دَخَلَ صَحْنَ الدَّارِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ وَهُوَ فِيهَا لَمْ يَحْنَثْ بِالْقُعُودِ فِيهَا حَتَّى يَخْرُجَ ثُمَّ دَخَلَ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ يَحْنَثَ لِأَنَّ لِلدَّوَامِ حُكْمَ الِابْتِدَاءِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الدُّخُولَ عِبَارَةٌ عَنْ الِانْفِصَالِ مِنْ الْخَارِجِ إلَى الدَّاخِلِ وَلَمْ يُوجَدْ وَلَوْ قَالَ لَأَدْخُلَنَّ هَذِهِ الدَّارَ غَدًا فَمَكَثَ فِيهَا حَتَّى مَضَى الْغَدُ حَنِثَ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ الِانْفِصَالِ مِنْ الْخَارِجِ وَلَمْ يُوجَدْ وَلَوْ نَوَى بِالدُّخُولِ الْإِقَامَةَ فِيهَا دِينَ لِأَنَّهُ مِنْ مُحْتَمَلَاتِ كَلَامِهِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَدَوَامُ اللُّبْسِ وَالرُّكُوبِ وَالسُّكْنَى كَالْإِنْشَاءِ لَا دَوَامُ الدُّخُولِ) يَعْنِي لِدَوَامِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ حُكْمُ الِابْتِدَاءِ حَتَّى لَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ هَذَا الثَّوْبَ وَهُوَ لَابِسُهُ أَوْ لَا يَرْكَبُ هَذِهِ الدَّابَّةَ وَهُوَ رَاكِبُهَا أَوْ لَا يَسْكُنُ هَذِهِ الدَّارَ وَهُوَ سَاكِنُهَا وَاسْتَمَرَّ عَلَى مَا كَانَ حَنِثَ لِأَنَّ لِهَذِهِ الْأَفْعَالِ دَوَامًا بِحُدُوثِ أَمْثَالِهَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَضْرِبُ لَهَا مُدَّةً يُقَالُ رَكِبْت يَوْمًا وَلَبِسْت يَوْمًا بِخِلَافِ الدُّخُولِ فَإِنَّهُ لَا يُقَالُ دَخَلْت يَوْمًا بِمَعْنَى التَّوْقِيتِ وَكَذَا لَا يُقَالُ لِمَنْ هُوَ دَاخِلُ الدَّارِ اُدْخُلْ هَذِهِ الدَّارَ وَلَا تَدْخُلْ وَيُقَالُ لِلْقَاعِدِ اُقْعُدْ وَكَذَا يُقَالُ لَهُ لَا تَقْعُدْ وَكَذَا فِي نَظَائِرِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأنعام : 68] أَيْ لَا تَمْكُثْ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَلَا تُتْبِعْ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ فَإِنَّ الْأُولَى لَك وَالثَّانِيَةَ عَلَيْك» فَدَلَّ عَلَى أَنَّ لِدَوَامِهِ حُكْمَ الِابْتِدَاءِ وَلِهَذَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ كُلَّمَا رَكِبْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فِي حَالِ رُكُوبِهِ فَمَكَثَ سَاعَةً وَلَمْ يَنْزِلْ طَلُقَتْ وَإِنْ مَكَثَ سَاعَةً أُخْرَى طَلُقَتْ أُخْرَى وَالْفَارِقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ كُلَّ مَا يَصْلُحُ امْتِدَادُهُ لَهُ دَوَامٌ كَالْقُعُودِ وَالْقِيَامُ وَالنَّظَرُ وَنَحْوُهُ وَمَا لَا يَمْتَدُّ لَا دَوَامَ لَهُ كَالْخُرُوجِ وَالدُّخُولِ وَلَوْ نَزَلَ مِنْ الدَّابَّةِ لِلْحَالِ أَوْ نَزَعَ الثَّوْبَ أَوْ انْتَقَلَ لِلْحَالِ لَا يَحْنَثُ وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَحْنَثُ لِوُجُودِ اللُّبْثِ وَالرُّكُوبِ وَالسُّكْنَى بَعْدَ الْيَمِينِ وَإِنْ قَلَّ وَذَلِكَ كَافٍ لِلْحِنْثِ وَلَنَا أَنَّ الْيَمِينَ يُعْقَدُ لِلْبِرِّ وَلَا يُمْكِنُ تَحْقِيقُ الْبِرِّ إلَّا بِاسْتِثْنَاءِ هَذِهِ الْمُدَّةِ فَلَا تَدْخُلُ فِي الْيَمِينِ لِلضَّرُورَةِ وَهَذَا لِأَنَّ الشَّارِعَ أَمَرَ بِالْبِرِّ وَنَهَى عَنْ الْحِنْثِ بِقَوْلِهِ {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} [المائدة : 89] وَبِقَوْلِهِ {وَلا تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل : 91] فَلَوْ لَمْ يَسْتَثْنِ زَمَنَ الْبِرِّ لَكَانَ تَكْلِيفًا بِمَا لَيْسَ فِي الْوُسْعِ فَكَانَ مَرْدُودًا بِالنَّصِّ فَإِنْ قِيلَ الْيَمِينُ كَمَا يُعْقَدُ لِلْبِرِّ يُعْقَدُ لِلْحِنْثِ أَيْضًا كَمَا فِي قَوْلِهِ لَأَمَسَّنَّ السَّمَاءَ قُلْنَا هُنَاكَ أَيْضًا عُقِدَتْ لِلْبِرِّ لِتَصَوُّرِ الْبِرِّ حَقِيقَةً وَإِنْ لَمْ يُتَصَوَّرْ عَادَةً وَإِنَّمَا يَحْنَثُ بَعْدَ انْعِقَادِهِ لِلْعَجْزِ عَادَةً لَا لِأَنَّهَا عُقِدَتْ لِلْحِنْثِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا يَسْكُنُ هَذِهِ الدَّارَ أَوْ الْبَيْتَ أَوْ الْمُحِلَّةَ فَخَرَجَ وَبَقِيَ مَتَاعُهُ وَأَهْلُهُ حَنِثَ) أَيْ لَوْ حَلَفَ لَا يَسْكُنُ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ فَخَرَجَ بِنَفْسِهِ وَلَمْ يُرِدْ الرُّجُوعَ وَبَقِيَ مَتَاعُهُ فِيهَا حَنِثَ لِأَنَّ يَمِينَهُ انْعَقَدَتْ عَلَى السُّكْنَى وَهِيَ تَكُونُ بِنَفْسِهِ وَعِيَالِهِ وَمَتَاعِهِ فَمَا لَمْ يَخْرُجْ الْكُلُّ فَهُوَ سَاكِنٌ فِيهَا عُرْفًا لِأَنَّ السُّكْنَى عِبَارَةٌ عَنْ الْكَوْنِ فِي مَكَان عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِقْرَارِ وَالدَّوَامِ فَإِنَّ مَنْ يَقْعُدُ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ فِي السُّوقِ لَا يُعَدُّ سَاكِنًا فِيهِ لِعَدَمِ مَا ذَكَرْنَا وَهِيَ تَكُونُ بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ وَضِدِّهَا وَهُوَ عَدَمُ السُّكْنَى يَكُونُ بِإِخْرَاجِهَا وَإِنْ أَبَتْ الْمَرْأَةُ أَنْ تَنْتَقِلَ وَغَلَبَتْهُ وَخَرَجَ هُوَ وَلَمْ يُرِدْ الْعَوْدَ إلَيْهِ أَوْ مُنِعَ هُوَ مِنْ الْخُرُوجِ بِأَنْ أُوثِقَ أَوْ مُنِعَ مَتَاعَهُ فَتَرَكَهُ أَوْ وَجَدَ بَابَ الدَّارِ مُغْلَقًا فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى فَتْحِهِ وَلَا عَلَى الْخُرُوجِ مِنْهُ لَمْ يَحْنَثْ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ إنْ لَمْ أَخْرُجْ مِنْ هَذَا الْمَنْزِلِ الْيَوْمَ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ فَقُيِّدَ وَمُنِعَ مِنْ الْخُرُوجِ أَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ لَمْ تَجِيئِي اللَّيْلَةَ إلَى الْبَيْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَمَنَعَهَا وَالِدُهَا حَيْثُ تَطْلُقُ فِيهِمَا فِي الصَّحِيحِ لِأَنَّ شَرْطَ الْحِنْثِ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ الْفِعْلُ وَهُوَ السُّكْنَى وَهُوَ مُكْرَهٌ فِيهِ وَلِلْإِكْرَاهِ أَثَرٌ فِي إعْدَامِ الْفِعْلِ وَالشَّرْطُ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ عَدَمُ الْفِعْلِ وَلَا أَثَرَ لِلْإِكْرَاهِ فِي إبْطَالِ الْعَدَمِ وَلَوْ كَانَتْ الْيَمِينُ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ فَلَمْ يُمْكِنْهُ الْخُرُوجُ حَتَّى أَصْبَحَ لَمْ يَحْنَثْ
وَلَوْ اشْتَغَلَ بِطَلَبِ دَارٍ أُخْرَى لِيَنْقُلَ إلَيْهَا الْمَتَاعَ فَلَمْ يَجِدْ أَيَّامًا لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ سَاكِنَهَا وَكَذَا لَوْ خَرَجَ لِطَلَبِ دَابَّةٍ لِيَنْقُلَ عَلَيْهَا الْمَتَاعَ فَلَمْ يَجِدْ أَيَّامًا لَمْ يَحْنَثْ وَكَذَا لَوْ كَانَتْ أَمْتِعَتُهُ كَثِيرَةً فَاشْتَغَلَ بِنَقْلِهَا بِنَفْسِهِ وَهُوَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَسْتَكْرِيَ دَابَّةً فَلَمْ يَسْتَكْرِ لَمْ يَحْنَثْ هَذَا إذَا كَانَ الْحَالِفُ ذَا عِيَالٍ مُنْفَرِدًا بِالسُّكْنَى وَأَمَّا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لَوْ قَامَ عَلَى سَطْحِ الدَّارِ حَنِثَ قِيلَ هَذَا فِي عُرْفِهِمْ الصُّعُودُ عَلَى السَّطْحِ وَالْحَائِطِ لَا يُسَمَّى دُخُولًا فَلَا يَحْنَثُ
وَالصَّحِيحُ جَوَابُ الْكِتَابِ . ا هـ . شَرْحُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ

(قَوْلُهُ وَلَمْ يُوجَدْ) أَيْ الدُّخُولُ الَّذِي حَلَفَ عَلَى إيجَادِهِ فِي الْغَدِ . ا هـ .

(قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ إنْ لَمْ أَخْرُجْ مِنْ هَذَا الْمَنْزِلِ الْيَوْمَ فَأَنْتِ طَالِقٌ) قَالَ الْإِمَامُ قَاضِي خَانْ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي فَتَاوِيهِ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ فِي بَابِ التَّعْلِيقِ رَجُلٌ قَالَ لِأَصْحَابِهِ إنْ لَمْ أَذْهَبْ بِكُمْ اللَّيْلَةَ إلَى مَنْزِلِي فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ فَذَهَبَ بِهِمْ بَعْضَ الطَّرِيقِ فَأَخَذَهُمْ اللُّصُوصُ وَحَبَسُوهُمْ قَالُوا لَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ وَهَذَا الْجَوَابُ يُوَافِقُ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ إذَا حَلَفَ لَيَشْرَبَنَّ الْمَاءَ الَّذِي فِي هَذَا الْكُوزِ الْيَوْمَ فَأَهْرَاقَهُ قَبْلَ مُضِيِّ الْيَوْمِ لَا يَحْنَثُ عِنْدَهُمَا ا هـ قُلْت وَتَخْرِيجُ هَذَا الْفَرْعِ عَلَى مَسْأَلَةِ الْكُوزِ إنَّمَا يَتَأَتَّى عَلَى مَا اخْتَارَهُ قَاضِي خَانْ وَصَحَّحَهُ مِنْ أَنَّ الذَّهَابَ بِمَعْنَى الْإِتْيَانِ فَلَا يَحْنَثُ فِيمَا إذَا حَلَفَ لَا يَأْتِي مَكَّةَ بِمُجَرَّدِ الذَّهَابِ بَلْ إنَّمَا يَحْنَثُ بِالْوُصُولِ إلَيْهَا أَمَّا مَنْ جَعَلَ الذَّهَابَ بِمَعْنَى الْخُرُوجِ كَمَا مَشَى عَلَيْهِ فِي الْكَنْزِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى التَّخْرِيجِ عَلَى مَسْأَلَةِ الْكُوزِ فَإِنَّهُ يَبَرُّ بِمُجَرَّدِ الذَّهَابِ وَإِنْ لَمْ يَصِلْ إلَى مَنْزِلِهِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ ا هـ
(قَوْلُهُ حَيْثُ تَطْلُقُ فِيهِمَا) أَيْ فِيمَا إذَا قَالَ إنْ لَمْ أَخْرُجْ أَوْ قَالَ إنْ لَمْ تَجِيئِينِي ا هـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ

(3/119)


إذَا كَانَ سَاكِنًا فِي عِيَالِ غَيْرِهِ كَالِابْنِ فِي بَيْتِ أَبِيهِ أَوْ بِالْعَكْسِ أَوْ الزَّوْجَةِ فِي بَيْتِ الزَّوْجِ لَا يَحْنَثُ بِتَرْكِ الْمَتَاعِ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيهِ سُكْنَى نَفْسِهِ لَا غَيْرُ .
هَذَا إذَا كَانَتْ الْيَمِينُ بِالْعَرَبِيَّةِ وَإِنْ كَانَتْ بِالْفَارِسِيَّةِ فَخَرَجَ هُوَ عَلَى عَزْمِ أَنْ لَا يَعُودَ وَمَتَاعُهُ فِيهَا لَا يَحْنَثُ وَإِنْ كَانَ مِنْ عَزْمِهِ أَنْ يَعُودَ يَحْنَثُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (بِخِلَافِ الْمِصْرِ) أَيْ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ الْيَمِينُ عَلَى الْمِصْرِ فَخَرَجَ بِنَفْسِهِ وَتَرَكَ مَتَاعَهُ وَأَهْلَهُ فِيهِ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ سَاكِنًا فِي الْمِصْرِ الَّذِي انْتَقَلَ عَنْهُ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِنَّ السُّوقِيَّ طُولَ نَهَارِهِ فِي السُّوقِ وَيَقُولُ اُسْكُنْ سِكَّةَ كَذَا رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَالْقَرْيَةُ كَالْمِصْرِ فِي الصَّحِيحِ ثُمَّ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَا إذَا حَلَفَ لَا يَسْكُنُ هَذِهِ الدَّارَ أَوْ الْبَيْتَ أَوْ الْمَحَلَّةَ لَا بُدَّ مِنْ نَقْلِ الْمَتَاعِ كُلِّهِ حَتَّى لَوْ بَقِيَ وَتَدٌ يَحْنَثُ لِأَنَّ السُّكْنَى تَثْبُتُ بِالْكُلِّ فَتَبْقَى بِبَقَاءِ شَيْءٍ مِنْهُ وَقَدْ صَارَ هَذَا أَصْلًا لَهُ حَتَّى قَالَ بَقَاءُ صِفَةِ السُّكُونِ فِي الْعَصِيرِ يَمْنَعُ مِنْ صَيْرُورَتِهِ خَمْرًا وَبَقَاءُ مُسْلِمٍ وَاحِدٍ فِي دَارٍ ارْتَدَّ أَهْلُهَا يَمْنَعُ مِنْ صَيْرُورَتِهَا دَارَ حَرْبٍ فَإِنْ قِيلَ الشَّيْءُ يَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ جُزْءٍ مِنْهُ كَالْعَشَرَةِ وَالدِّينَارِ مَثَلًا يَنْتَفِي هَذَا الِاسْمُ بِانْتِفَاءِ جُزْءٍ مِنْهُ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَنْتَفِيَ السُّكْنَى هُنَا بِانْتِفَاءِ الْبَعْضِ حَتَّى لَا يَحْنَثَ إلَّا بِتَرْكِ الْجَمِيعِ قُلْنَا إنَّمَا يَنْتَفِي الشَّيْءُ بِانْتِفَاءِ بَعْضِهِ إذَا كَانَ الْمَجْمُوعُ مِنْ الْأَجْزَاء كَالْعَشَرَةِ وَنَحْوِهِ وَأَمَّا إذَا كَانَ مِنْ الْأَفْرَادِ فَلَا يَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ بَعْضِهِ كَالرِّجَالِ لَا يَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ بَعْضِ الرِّجَالِ فَإِنَّهُ يَبْقَى بَعْدَ ذَلِكَ رِجَالٌ أَيْضًا وَالسُّكْنَى مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ لِأَنَّهُ يَبْقَى سَاكِنًا بِاعْتِبَارِ الْبَعْضِ وَقَالَ مَشَايِخُنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - هَذَا إذَا كَانَ الْبَاقِي يَتَأَتَّى بِهِ السُّكْنَى وَأَمَّا إذَا بَقِيَ مِكْنَسَةٌ أَوْ وَتَدٌ أَوْ قِطْعَةُ حَصِيرٍ فَلَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ سَاكِنًا فِيهَا
وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُعْتَبَرُ نَقْلُ مَا يَقُومُ بِهِ السُّكْنَى لِأَنَّ مَا وَرَاءَ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ السُّكْنَى قَالُوا هَذَا أَحْسَنُ وَأَرْفَقُ بِالنَّاسِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُعْتَبَرُ نَقْلُ الْأَكْثَرِ لِأَنَّ نَقْلَ الْكُلِّ قَدْ يَتَعَذَّرُ فَلَا يَحْنَثُ إذَا نُقِلَ الْأَكْثَرُ وَإِلَّا فَيَحْنَثُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَهَذَا الِاخْتِلَافُ فِي الْأَمْتِعَةِ وَأَمَّا الْأَهْلُ فَلَا بُدَّ مِنْ نَقْلِ الْكُلِّ بِالْإِجْمَاعِ وَلَوْ انْتَقَلَ إلَى السِّكَّةِ أَوْ إلَى الْمَسْجِدِ قَالُوا لَا يَبَرُّ اسْتِدْلَالًا بِمَا ذَكَرَهُ فِي الزِّيَادَاتِ فِي كُوفِيٍّ انْتَقَلَ بِأَهْلِهِ وَمَتَاعِهِ إلَى مَكَّةَ لِيَسْتَوْطِنَهَا فَاسْتَوْطَنَهَا ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يَعُودَ إلَى خُرَاسَانَ فَمَرَّ بِالْكُوفَةِ يُصَلِّي فِيهَا رَكْعَتَيْنِ لِأَنَّ اسْتِيطَانَهُ لِلْكُوفَةِ بَطَلَ بِمَكَّةَ وَإِنْ بَدَا لَهُ أَنْ يَعُودَ إلَى خُرَاسَانَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ يُصَلِّي أَرْبَعًا بِالْكُوفَةِ لِأَنَّ اسْتِيطَانَهُ لَهَا بَاقٍ مَا لَمْ يَسْتَحْدِثْ وَطَنًا آخَرَ وَقَالَ أَبُو اللَّيْثِ هَذَا إذَا لَمْ يُسَلِّمْ الدَّارَ الْمُسْتَأْجَرَةَ إلَى أَهْلِهَا وَأَمَّا إذَا سَلَّمَ فَلَا يَحْنَثُ وَإِنْ كَانَ هُوَ وَالْمَتَاعُ فِي السِّكَّةِ أَوْ فِي الْمَسْجِدِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا يَخْرُجُ فَأُخْرِجَ مَحْمُولًا بِأَمْرِهِ حَنِثَ وَبِرِضَاهُ لَا بِأَمْرِهِ أَوْ مُكْرَهًا لَا كُلًّا يَخْرُجُ إلَّا إلَى جِنَازَةٍ فَخَرَجَ إلَيْهَا ثُمَّ أَتَى حَاجَةً) أَيْ لَوْ حَلَفَ لَا يَخْرُجُ مِنْ الْمَسْجِدِ مَثَلًا أَوْ مِنْ غَيْرِهِ فَأَمَرَ غَيْرَهُ فَأَخْرَجَهُ مَحْمُولًا حَنِثَ وَإِنْ لَمْ يَأْمُرْهُ فَأَخْرَجَهُ بِرِضَاهُ أَوْ أَخْرَجَهُ مُكْرَهًا لَمْ يَحْنَثْ كَمَا لَا يَحْنَثُ مَنْ حَلَفَ لَا يَخْرُجُ إلَّا إلَى جِنَازَةٍ فَخَرَجَ إلَيْهَا ثُمَّ أَتَى حَاجَةً أُخْرَى لِأَنَّ فِعْلَ الْمَأْمُورِ يَنْتَقِلُ إلَى الْآمِرِ فَيَكُونُ مُضَافًا إلَيْهِ وَلِهَذَا لَوْ أَتْلَفَ مَالَ إنْسَانٍ بِأَمْرِ صَاحِبِهِ لَا يَضْمَنُ فَصَارَ كَمَا إذَا رَكِبَ دَابَّةً فَخَرَجَتْ بِهِ وَفِي الْإِكْرَاهِ يُضَافُ الْفِعْلُ إلَى الْمُكْرَهِ لِعَدَمِ مَا يُوجِبُ النَّقْلَ وَهُوَ الْأَمْرُ فَلَا يَحْنَثُ بِفِعْلِ غَيْرِهِ بِهِ وَلَا تَنْحَلُّ بِهِ الْيَمِينُ فِي الصَّحِيحِ لِعَدَمِ فِعْلِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا أَخْرَجَتْهُ الرِّيحُ بِخِلَافِ مَا إذَا هَدَّدَهُ فَخَرَجَ هُوَ بِنَفْسِهِ حَيْثُ يَحْنَثُ لِوُجُودِ الْفِعْلِ مِنْهُ وَهُوَ الْخُرُوجُ إلَّا أَنَّهُ مُكْرَهٌ وَفِعْلُ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ لَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُكْرَهًا أَوْ طَائِعًا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ فَصَارَ نَظِيرَ مَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ فَأُكْرِهَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ أَحْسَنُ وَأَرْفَقُ بِالنَّاسِ) أَيْ فِي نَفْيِ الْحِنْثِ عَنْهُمْ وَمِنْهُمْ مَنْ صَرَّحَ بِأَنَّ الْفَتْوَى عَلَيْهِ وَكَثِيرٌ كَصَاحِبِ الْمُحِيطِ وَالْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ وَالْكَافِي عَلَى أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُرَادَ هُنَا لَيْسَ عَلَى نَقْلِ الْكُلِّ لِيَقُومَ الْأَكْثَرُ مَقَامَهُ بَلْ عَلَى الْعُرْفِ فِي أَنَّهُ سَاكِنٌ أَوْ لَا وَالْحَقُّ أَنَّ مَنْ خَرَجَ عَلَى نِيَّةِ تَرْكِ الْمَكَانِ وَعَدَمِ الْعَوْدِ إلَيْهِ وَنَقَلَ مِنْ أَمْتِعَتِهِ فِيهِ مَا يَقُومُ بِهِ أَمْرُ سُكْنَاهُ وَهُوَ عَلَى نِيَّةِ نَقْلِ الْبَاقِي يُقَالُ لَيْسَ سَاكِنًا فِي هَذَا الْمَكَانِ بَلْ انْتَقَلَ عَنْهُ وَسَكَنَ فِي الْمَكَانِ الْفُلَانِيِّ ا هـ كَمَالٌ
(قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى) قَالَ الْعَيْنِيُّ وَالشَّيْخُ بَاكِيرٌ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَأَمَّا إذَا سَلَّمَ فَلَا يَحْنَثُ) وَكَذَا إذَا سَلَّمَ دَارِهِ بِإِجَارَةٍ انْتَهَى شُمُنِّيٌّ

(قَوْلُهُ كَمَا إذَا رَكِبَ دَابَّةً فَخَرَجَتْ بِهِ) أَيْ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ فَإِنَّ فِعْلَ الدَّابَّةِ مُضَافٌ إلَيْهِ كَذَا هَذَا . ا هـ . فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَلَا يَحْنَثُ بِفِعْلِ غَيْرِهِ بِهِ) لِأَنَّهُ إخْرَاجٌ وَلَمْ يَخْرُجْ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَا تَنْحَلُّ بِهِ الْيَمِينُ فِي الصَّحِيحِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ثُمَّ فِي صُورَةِ الْحَمْلِ مُكْرَهًا لَا يَحْنَثُ بِالِاتِّفَاقِ وَلَكِنْ هَلْ تَنْحَلُّ الْيَمِينُ أَمْ لَا فَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ تَنْحَلُّ وَعَلَيْهِ السَّيِّدُ أَبُو شُجَاعٍ فَقَالَ سُئِلَ شَيْخُنَا شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ عَنْ هَذَا فَقَالَ تَنْحَلُّ الْيَمِينُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا تَنْحَلُّ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَذَا قَالَ التُّمُرْتَاشِيُّ وَغَيْرُهُ ا هـ
قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ السَّيِّدُ أَبُو شُجَاعٍ قَالَ الْكَمَالُ قَالَ السَّيِّدُ أَبُو شُجَاعٍ تَنْحَلُّ وَهُوَ أَرْفَقُ بِالنَّاسِ ا هـ وَقَوْلُهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إنَّمَا لَا يَحْنَثُ لِانْقِطَاعِ نِسْبَةِ الْفِعْلِ إلَيْهِ وَإِذَا لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ كَيْفَ تَنْحَلُّ الْيَمِينُ فَبَقِيَتْ عَلَى حَالِهَا فِي الذِّمَّةِ وَيَظْهَرُ أَثَرُ هَذَا الْخِلَافِ فِيمَا لَوْ دَخَلَ بَعْدَ هَذَا الْإِخْرَاجِ هَلْ يَحْنَثُ فَمَنْ قَالَ انْحَلَّتْ قَالَ لَا يَحْنَثُ وَهَذَا بَيَانُ كَوْنِهِ أَرْفَقَ بِالنَّاسِ وَمَنْ قَالَ لَمْ تَنْحَلَّ قَالَ حَنِثَ وَوَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ وَهُوَ الصَّحِيحُ . ا هـ . كَمَالٌ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا هَدَّدَهُ إلَخْ) أَفَادَ أَنَّ صُورَةَ مَسْأَلَةِ الْإِكْرَاهِ أَنْ يَخْرُجَ مَحْمُولًا لَا أَنْ يَخْرُجَ هُوَ بِنَفْسِهِ خَوْفًا مِنْ التَّهْدِيدِ . ا هـ . (قَوْلُهُ إلَّا أَنَّهُ مُكْرَهٌ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْمُرَادُ مِنْ الْإِخْرَاجِ مُكْرَهًا هُنَا أَنْ يَحْمِلَهُ وَيُخْرِجُهُ كَارِهًا لِذَلِكَ لَا الْإِكْرَاهُ الْمَعْرُوفُ وَهُوَ أَنْ يَتَوَعَّدَهُ حَتَّى يَفْعَلَ فَإِنَّهُ إذَا تَوَعَّدَهُ فَخَرَجَ بِنَفْسِهِ حَنِثَ لِمَا عُرِفَ أَنَّ الْإِكْرَاهَ لَا يُعْدِمُ الْفِعْلَ عِنْدَنَا ا هـ
{فَرْعٌ} قَالَ قَاضِي خَانْ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ خَرَجْت مِنْ بَابِ هَذِهِ الدَّارِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَصَعِدَتْ السَّطْحَ فَنَزَلَتْ فِي دَارِ الْجَارِ ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ وَقِيلَ بِأَنَّهُ يَحْنَثُ لِأَنَّ النَّاسَ يُرِيدُونَ بِهِ الْخُرُوجَ مِنْ الدَّارِ لَا التَّقْيِيدَ بِالْبَابِ وَلِأَنَّ

(3/120)


فَأَكَلَ بِنَفْسِهِ يَحْنَثُ وَلَوْ حُطَّ الْمَأْكُولُ فِي حَلْقِهِ مُكْرَهًا لَا يَحْنَثُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَحَمْلُهُ بِرِضَاهُ مِنْ غَيْرِ أَمْرِهِ كَحَمْلِهِ مُكْرَهًا لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْفِعْلُ حَقِيقَةً وَلَا مَا يُوجِبُ النَّقْلَ إلَيْهِ وَهُوَ الْأَمْرُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَا إذَا حَلَفَ لَا يَخْرُجُ مِنْ دَارِ كَذَا فَهُوَ عَلَى الْخُرُوجِ بِبَدَنِهِ وَلَوْ قَالَ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ فَهُوَ عَلَى الْخُرُوجِ بِبَدَنِهِ وَأَهْلِهِ هُوَ الْمُتَعَارَفُ وَإِنَّمَا لَا يَحْنَثُ مَنْ حَلَفَ لَا يَخْرُجُ إلَّا إلَى جِنَازَةٍ فَخَرَجَ إلَيْهَا ثُمَّ أَتَى حَاجَةً أُخْرَى لِأَنَّ الْمَوْجُودَ هُوَ الْخُرُوجُ الْمُسْتَثْنَى وَالْمُضِيُّ بَعْدَ ذَلِكَ لَيْسَ بِخُرُوجٍ لِأَنَّ الْخُرُوجَ عِبَارَةٌ عَنْ الِانْفِصَالِ مِنْ دَاخِلٍ وَالْإِتْيَانُ إلَى حَاجَةٍ أُخْرَى عِبَارَةٌ عَنْ الْوُصُولِ فَتَغَايَرَا فَلَا يَحْنَثُ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا يَخْرُجُ أَوْ لَا يَذْهَبُ إلَى مَكَّةَ فَخَرَجَ يُرِيدُهَا ثُمَّ رَجَعَ حَنِثَ) لِأَنَّ الْخُرُوجَ انْفِصَالٌ عَنْ الدَّاخِلِ إلَى الْخَارِجِ فَإِذَا انْفَصَلَ عَنْ وَطَنِهِ قَاصِدًا إلَى مَكَّةَ فَقَدْ خَرَجَ إلَيْهَا عُرْفًا وَإِنْ لَمْ يَصِلْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [النساء : 100] الْآيَةَ . وَالْمُرَادُ بِهَا مَنْ مَاتَ قَبْلَ الْوُصُولِ إلَيْهِ وَيُشْتَرَطُ لِلْحِنْثِ أَنْ يُجَاوِزَ عُمْرَانَ مِصْرِهِ عَلَى قَصْدِ الْخُرُوجِ إلَى مَكَّةَ حَتَّى لَوْ رَجَعَ قَبْلَ أَنْ يُجَاوِزَ الْعُمْرَانَ لَا يَحْنَثُ بِخِلَافِ الْخُرُوجِ إلَى الْجِنَازَةِ حَيْثُ يَحْنَثُ فِيهِ بِمُجَرَّدِ الْخُرُوجِ مِنْ بَيْتِهِ لِأَنَّ الْخُرُوجَ إلَى مَكَّةَ سَفَرٌ وَلَا سَفَرَ قَبْلَ مُجَاوَزَةِ الْعُمْرَانِ وَلَا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ إلَى جِنَازَةٍ ، وَالذَّهَابُ كَالْخُرُوجِ فِي الصَّحِيحِ وَقَالَ نُصَيْرُ بْنُ يَحْيَى - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ كَالْإِتْيَانِ حَتَّى لَا يَحْنَثَ مَا لَمْ يَدْخُلْهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ} [طه : 43] وَالْمُرَادُ الْإِتْيَانُ ، وَجْهُ الْأَوَّلِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْخُرُوجِ يُقَالُ ذَهَبَ إلَى مَكَّةَ بِمَعْنَى خَرَجَ إذَا زَالَ عَنْ مَكَانِهِ فَلَا يَقْتَضِي الْوُصُولَ وَأَذْهَبَهُ غَيْرُهُ إذَا أَزَالَهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ} [الأحزاب : 33] أَيْ لِيُزِيلَهُ عَنْكُمْ وَلِهَذَا صَحَّ أَنْ يُقَالَ ذَهَبَ إلَى مَكَّةَ قَبْلَ الْوُصُولِ إلَيْهَا كَمَا يُقَالُ اُخْرُجْ إلَى مَكَّةَ بِخِلَافِ الْإِتْيَانِ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ وَأَمَّا إذَا نَوَى أَحَدُهُمَا فَهُوَ عَلَى مَا نَوَى لِأَنَّهُ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي لَا يَأْتِيهَا لَا) أَيْ فِي يَمِينِهِ لَا يَأْتِيهَا لَا يَحْنَثُ بِالْخُرُوجِ وَإِنَّمَا يَحْنَثُ بِالْوُصُولِ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ} [الشعراء : 16] وَالْمُرَادُ بِهِ الْوُصُولُ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَتَى امْرَأَتَهُ الْحَائِضَ أَوْ أَتَاهَا فِي غَيْرِ مَأْتَاهَا أَوْ أَتَى كَاهِنًا وَصَدَّقَهُ فِيمَا قَالَ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -» ثُمَّ فِي الْخُرُوجِ وَالذَّهَابِ يُشْتَرَطُ النِّيَّةُ عِنْدَ الِانْفِصَالِ لِلْحِنْثِ وَفِي الْإِتْيَانِ لَا يُشْتَرَطُ بَلْ إذَا وَصَلَ إلَيْهَا يَحْنَثُ نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ لِأَنَّ الْخُرُوجَ مُتَنَوِّعٌ يَحْتَمِلُ الْخُرُوجَ إلَيْهَا وَإِلَى غَيْرِهَا وَكَذَا الذَّهَابُ فَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ عِنْدَ ذَلِكَ كَالْخُرُوجِ إلَى الْجِنَازَةِ بِخِلَافِ الْإِتْيَانِ لِأَنَّ الْوُصُولَ غَيْرُ مُتَنَوِّعٍ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَيَأْتِيَنَّهُ فَلَمْ يَأْتِهِ حَتَّى مَاتَ حَنِثَ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بَابَ السَّطْحِ بَابُ الدَّارِ فَإِنْ عَيَّنَ الْبَابَ وَقَالَ إنْ خَرَجْت مِنْ هَذَا الْبَابِ فَيُقَيَّدُ بِذَلِكَ الْبَابِ وَقَالَ فِي الصُّغْرَى قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ خَرَجْت مِنْ بَابِ هَذِهِ الدَّارِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَخَرَجَتْ لَا مِنْ بَابِ الدَّارِ طَلُقَتْ لِأَنَّ بَابَ الدَّارِ يُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ جَمِيعُ الدَّارِ لَكِنْ إنَّمَا خَصَّ الْبَابَ لِأَنَّهُ الْمُعَدُّ لِلْخُرُوجِ فِي مُضَارَبَةِ خُوَاهَرْ زَادَهْ وَنَصَّ فِي مُخْتَصَرِ الْكَافِي بِخِلَافِ هَذَا فَيُفْتَى بِمَا ذَكَرَ فِي الْمُخْتَصَرِ وَهَذَا عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِقْصَاءِ فِي الْوَاقِعَاتِ ا هـ
وَذَكَرَ فِي تَتِمَّةِ الْفَتَاوَى بَعْدَ قَوْلِهِ فَيُفْتَى بِمَا ذَكَرَ فِي الْمُخْتَصَرِ مَا نَصُّهُ وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِخِلَافِ هَذَا أَيْضًا وَالْمَذْكُورُ فِي الْقُدُورِيِّ إذَا حَلَفَ لَا يَخْرُجُ مِنْ بَابِ هَذِهِ الدَّارِ فَخَرَجَ مِنْ غَيْرِ الْبَابِ لَمْ يَحْنَثْ وَإِنْ نَقَبَ بَابًا آخَرَ فَخَرَجَ مِنْهُ يَحْنَثُ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَحَمَلَهُ بِرِضَاهُ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَوْ حَمَلَهُ بِرِضَاهُ لَا بِأَمْرِهِ لَمْ يَحْنَثْ فِي الصَّحِيحِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَمَّا إذَا حَمَلَهُ فَرَضِيَ بِهِ بِقَلْبِهِ وَلَمْ يَأْمُرْهُ فَجَوَابُهُ لَمْ يُذْكَرْ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ يَحْنَثُ كَمَا إذَا خَرَجَ طَائِعًا لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ الِامْتِنَاعِ فَلَمْ يَمْتَنِعْ صَارَ كَالْآمِرِ بِالْإِخْرَاجِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِعْلٌ يُنْسَبُ إلَيْهِ وَبِهَذَا كَانَ يَقُولُ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الْأَمَالِي
وَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَشَارَ فِي الْأَصْلِ إلَى أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ حَتَّى يَأْمُرَهُ بِهِ لِأَنَّ حَاجَتَنَا إلَى إثْبَاتِ الْفِعْلِ وَبِالرِّضَا لَا يَثْبُتُ الْفِعْلُ وَإِنَّمَا يَنْتَقِلُ إلَيْهِ بِالْأَمْرِ ا هـ

(قَوْلُهُ لِأَنَّ الْخُرُوجَ انْفِصَالٌ عَنْ الدَّاخِلِ إلَى الْخَارِجِ) أَيْ لَا عَنْ الْوُصُولِ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَيُشْتَرَطُ لِلْحِنْثِ أَنْ يُجَاوِزَ عُمْرَانَ مِصْرِهِ عَلَى قَصْدِ الْخُرُوجِ إلَى مَكَّةَ) كَأَنَّهُ ضَمَّنَ لَفْظَ أَخْرُجُ مَعْنَى أُسَافِرُ لِلْعِلْمِ بِأَنَّ الْمُضِيَّ إلَيْهَا سَفَرٌ لَكِنْ عَلَى هَذَا لَوْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا مُدَّةُ سَفَرٍ يَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ بِمُجَرَّدِ انْفِصَالِهِ مِنْ الدَّاخِلِ . ا هـ . كَمَالٌ (قَوْلُهُ وَالذَّهَابُ كَالْخُرُوجِ فِي الصَّحِيحِ) قَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ رَجُلٌ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ خَرَجْت إلَى بَيْتِ أَبِيك فَأَنْتِ كَذَا فَخَرَجَتْ نَاسِيَةً ثُمَّ تَذَكَّرَتْ فَرَجَعَتْ فَهَذِهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ الْخُرُوجُ وَالْإِتْيَانُ وَالذَّهَابُ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ فِي الْإِتْيَانِ لَا يَحْنَثُ إذَا لَمْ تَصِلْ إلَى دَارِ أَبِيهَا وَفِي الْخُرُوجِ يَحْنَثُ وَاخْتَلَفُوا فِي الذَّهَابِ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الذَّهَابَ كَالْإِتْيَانِ قَالَ مَوْلَانَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَيَنْبَغِي أَنْ يَنْوِيَ فِي ذَلِكَ إنْ نَوَى بِالذَّهَابِ الْوُصُولَ فَهُوَ عَلَى مَا نَوَى وَإِنْ نَوَى بِهِ الْخُرُوجَ فَهُوَ عَلَى مَا نَوَى وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا يُحْمَلُ عَلَى الْإِتْيَانِ لِأَنَّ النَّاسَ يُرِيدُونَ بِهَذَا الْإِتْيَانَ وَالْوُصُولَ ا هـ
وَقَالَ فِي الْوُقَايَةِ وَذَهَابُهُ كَخُرُوجِهِ فِي الْأَصَحِّ . ا هـ . (قَوْلُهُ فَالْمُرَادُ الْإِتْيَانُ) أَيْ الْإِتْيَانُ إلَيْهِ وَتَبْلِيغُهُ الرِّسَالَةَ ا هـ فَتْحٌ (قَوْلُهُ أَيْ لِيُزِيلَهُ عَنْكُمْ) أَيْ فَبِمُجَرَّدِ تَحَقُّقِ الزَّوَالِ تَحَقَّقَ الْحِنْثُ وَكَوْنُهُ اُسْتُعْمِلَ مُرَادًا بِهِ الْوُصُولُ فِي {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ} [طه : 43] لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَازِمٌ فِي اسْتِعْمَالَاتِهِ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنْ يَكُونَ صَادِقًا مَعَ الْوُصُولِ وَعَدَمِهِ فَيَكُونُ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْخُرُوجِ بِلَا وُصُولٍ وَالْخُرُوجِ الْمُتَّصِلِ بِهِ وُصُولٌ فَلَا يَتَعَيَّنُ أَحَدُهُمَا لِتَحَقُّقِ الْمُسَمَّى بِمُجَرَّدِ الِانْفِصَالِ . ا هـ . فَتْحٌ (قَوْلُهُ هَذَا) أَيْ كَوْنُ الذَّهَابِ بِمَعْنَى الْخُرُوجِ إذَا لَمْ يَنْوِ بِالذَّهَابِ شَيْئًا . ا هـ . (قَوْلُهُ وَأَمَّا إذَا نَوَى أَحَدَهُمَا) أَيْ الْخُرُوجَ أَوْ الْإِتْيَانَ ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ أَيْ بِالذَّهَابِ ا هـ
(قَوْلُهُ ثُمَّ فِي الْخُرُوجِ إلَخْ) قَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ وَلَوْ قَالَ لَهَا إنْ خَرَجْت إلَى مَنْزِلِ أَبِيك فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ قَالَ إنْ ذَهَبْت فَهُوَ عَلَى الْخُرُوجِ عَنْ قَصْدٍ وَلَوْ قَالَ لَهَا إنْ أَتَيْت فَهُوَ عَلَى الْوُصُولِ قَصَدَتْ الْخُرُوجَ إلَى مَنْزِلِهِ أَوْ لَمْ تَقْصِدْ . ا هـ .

(3/121)


أَيْ لَوْ حَلَفَ لَيَأْتِيَنَّ زَيْدًا أَوْ الْبَصْرَةَ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فَلَمْ يَأْتِهِ حَتَّى مَاتَ حَنِثَ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ لِأَنَّ شَرْطَ الْحِنْثِ فَوْتُ الْإِتْيَانِ وَهُوَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِمَا ذَكَرْنَا لِأَنَّ الْبِرَّ مَرْجُوٌّ مَا دَامَ حَيًّا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَيَأْتِيَنَّهُ إنْ اسْتَطَاعَ فَهُوَ عَلَى اسْتِطَاعَةِ الصِّحَّةِ) لِأَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ فِي الْعُرْفِ سَلَامَةُ الْأَسْبَابِ وَالْآلَاتِ وَارْتِفَاعُ الْمَوَانِعِ الْحِسِّيَّةِ فَعِنْدَ الْإِطْلَاقِ يَنْصَرِفُ إلَيْهِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَعْهُودُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} [آل عمران : 97] وَالْمُرَادُ بِهَا الِاسْتِطَاعَةُ الْحِسِّيَّةُ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال : 60] وَيُقَالُ فُلَانٌ يَسْتَطِيعُ كَذَا وَالْمُرَادُ بِهَا سَلَامَةُ الْأَسْبَابِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ نَوَى الْقُدْرَةَ دِينَ) أَيْ إنْ نَوَى حَقِيقَةَ الْقُدْرَةِ الَّتِي تُقَارِنُ الْفِعْلَ دِينَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ هَذَا الِاسْمَ يُطْلَقُ عَلَيْهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ} [النساء : 129] وَقَالَ تَعَالَى {فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا} [الكهف : 97] إلَّا أَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَلَا يُصَدِّقُهُ الْقَاضِي وَفِي رِوَايَةٍ يُصَدَّقُ قَضَاءً أَيْضًا لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ فَيُصَدَّقُ كَيْفَمَا كَانَ وَهَذَا لِأَنَّهُ إذَا نَوَى الْحَقِيقَةَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ خِلَافَ الظَّاهِرِ أَوْ لَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ خِلَافَ الظَّاهِرِ يُصَدَّقُ قَضَاءً وَدِيَانَةً بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ وَإِنْ كَانَ خِلَافَ الظَّاهِرِ فَيُصَدَّقُ دِيَانَةً قَوْلًا وَاحِدًا وَهَلْ يُصَدَّقُ قَضَاءً أَوْ لَا فَفِيهِ رِوَايَتَانِ وَعَلَى إحْدَاهُمَا يَخْرُجُ قَوْلُهُ لَا يُصَدِّقُهُ الْقَاضِي وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا نَوَى الْمَجَازَ حَيْثُ لَا يُصَدَّقُ قَضَاءً مُطْلَقًا إلَّا فِيمَا فِيهِ تَشْدِيد عَلَى نَفْسِهِ عَلَى مَا عُرِفَ وَإِذَا نَوَى اسْتِطَاعَةَ الْفِعْلِ لَا يُتَصَوَّرُ حِنْثُهُ أَبَدًا لِأَنَّهَا لَمْ تَسْبِقْ الْفِعْلَ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (لَا تَخْرُجْ إلَّا بِإِذْنِي شُرِطَ لِكُلِّ خُرُوجٍ إذْنٌ بِخِلَافِ إلَّا أَنْ وَحَتَّى) أَيْ لَوْ حَلَفَ لَا تَخْرُجْ امْرَأَتُهُ إلَّا بِإِذْنِهِ يُشْتَرَطُ الْإِذْنُ فِي كُلِّ خُرُوجٍ حَتَّى لَوْ أَذِنَ لَهَا مَرَّةً فَخَرَجَتْ ثُمَّ خَرَجَتْ بِغَيْرِ إذْنِهِ مَرَّةً أُخْرَى يَحْنَثُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ إلَّا أَنْ آذَنَ لَك أَوْ حَتَّى آذَنَ لَك فَإِنَّهُ بِالْإِذْنِ مَرَّةً تَنْتَهِي الْيَمِينُ حَتَّى لَوْ أَذِنَ لَهَا مَرَّةً فَخَرَجَتْ ثُمَّ خَرَجَتْ مَرَّةً أُخْرَى بِغَيْرِ إذْنِهِ لَا يَحْنَثُ أَمَّا الْأَوَّلُ وَهُوَ مَا إذَا قَالَ إلَّا بِإِذْنِي فَلِأَنَّهُ اسْتَثْنَى خُرُوجًا بِصِفَةٍ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْخُرُوجُ مُلْصَقًا بِالْإِذْنِ لِأَنَّ الْبَاءَ لِلْإِلْصَاقِ فَكُلُّ خُرُوجٍ لَا يَكُونُ بِتِلْكَ الصِّفَةِ كَانَ دَاخِلًا فِي الْيَمِينِ وَصَارَ شَرْطًا لِلْحِنْثِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلا بِأَمْرِ رَبِّكَ} [مريم : 64] أَيْ لَا يُوجَدُ نُزُولٌ إلَّا بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَنَظِيرُهُ مَا لَوْ قَالَ إنْ خَرَجْت إلَّا بِمِلْحَفَةٍ أَوْ بِقِنَاعٍ وَالْحِيلَةُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ لَهَا كُلَّمَا أَرَدْت الْخُرُوجَ فَقَدْ أَذِنْت لَك فَإِنْ قَالَ ذَلِكَ ثُمَّ نَهَاهَا لَمْ يَعْمَلْ نَهْيُهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَلَوْ أَذِنَ لَهَا فِي خَرْجَةٍ ثُمَّ نَهَاهَا عَنْ تِلْكَ الْخَرْجَةِ يَعْمَلُ نَهْيُهُ بِالْإِجْمَاعِ وَمُحَمَّدٌ يَعْتَبِرُ الْعَامَّ بِالْخَاصِّ وَأَبُو يُوسُفَ يَقُولُ يَبْطُلُ الْيَمِينُ بِالْعَامِّ لِاسْتِحَالَةِ بَقَائِهَا مَعَ إطْلَاقِ جَمِيعِ الْخُرُوجِ بِخِلَافِ الْخَاصِّ لِأَنَّ الْيَمِينَ بَاقِيَةٌ فِي حَقِّ غَيْرِهَا فَكَذَا يَصِحُّ النَّهْيُ وَلَوْ نَوَى الْإِذْنَ مَرَّةً يُصَدَّقُ دِيَانَةً لَا قَضَاءً لِأَنَّهُ مُحْتَمَلُ كَلَامِهِ حَتَّى لَا يَحْنَثَ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ إذَا خَرَجَتْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ حَنِثَ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَأَصْلُ هَذَا أَنَّ الْحَالِفَ فِي الْيَمِينِ الْمُطْلَقَةِ لَا يَحْنَثُ مَا دَامَ الْحَالِفُ وَالْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ قَائِمَيْنِ لِتَصَوُّرِ الْبِرِّ فَإِذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا فَحِينَئِذٍ يَحْنَثُ لِفَوَاتِ الْبِرِّ وَهُنَا فِي مَسْأَلَتِنَا الْيَمِينُ مُطْلَقَةٌ عَنْ الْوَقْتِ فَمَا دَامَ الْحَالِفُ حَيًّا يُرْجَى وُجُودُ الْبِرِّ وَهُوَ الْإِتْيَانُ فَلَا يَحْنَثُ فَإِذَا مَاتَ فَقَدْ تَعَذَّرَ شَرْط الْبِرُّ وَتَحَقَّقَ شَرْطُ الْحِنْثِ وَهُوَ تَرْكُ الْإِتْيَانِ فَيَحْنَثُ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ بِخِلَافِ الْيَمِينِ الْمُؤَقَّتَةِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ إنْ لَمْ أَدْخُلْ هَذِهِ الدَّارَ الْيَوْمَ فَعَبْدِي حُرٌّ فَإِنَّ الْيَمِينَ تَتَعَلَّقُ بِآخِرِ الْوَقْتِ حَتَّى إذَا مَاتَ الْحَالِفُ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ وَلَمْ يَدْخُلْ الدَّارَ لَا يَحْنَثُ أَمَّا إذَا فَاتَ الْوَقْتُ قَبْلَ دُخُولِهِ وَهُوَ حَيٌّ يَحْنَثُ وَيَعْتِقُ الْعَبْدُ ا هـ
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لَيَأْتِيَنَّهُ إنْ اسْتَطَاعَ إلَخْ) أَيْ وَلَوْ حَلَفَ لَيَأْتِيَنَّ زَيْدًا غَدًا إنْ اسْتَطَاعَ فَلَمْ يَمْنَعْ عَنْهُ مَانِعٌ مِنْ مَرَضٍ أَوْ سُلْطَانٍ أَوْ عَارِضٍ آخَرَ فَلَمْ يَأْتِهِ حَنِثَ لِأَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ فِي الْعُرْفِ سَلَامَةُ الْأَسْبَابِ وَالْآلَاتِ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ قَالَهُ الرَّازِيّ وَقَالَ الْكَمَالُ وَلَوْ حَلَفَ أَيْ بِاَللَّهِ أَوْ بِطَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ لَيَأْتِيَنَّهُ غَدًا إنْ اسْتَطَاعَ وَصُورَتُهُ فِي التَّعْلِيقِ أَنْ يَقُولَ امْرَأَتِي طَالِقٌ إنْ لَمْ آتِك غَدًا إنْ اسْتَطَعْت وَلَا نِيَّةَ لَهُ تُصْرَفُ الِاسْتِطَاعَةُ إلَى سَلَامَةِ آلَاتِ الْفِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَصِحَّةِ أَسْبَابِهِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُتَعَارَفُ فَعِنْدَ الْإِطْلَاقِ يَنْصَرِفُ إلَيْهِ وَهَذَا مَا أَرَادَ بِقَوْلِهِ اسْتِطَاعَةُ الصِّحَّةِ دُونَ الْقُدْرَةِ أَيْ دُونَ الِاسْتِطَاعَةِ الَّتِي هِيَ الْقُدْرَةُ الَّتِي لَا تَسْبِقُ الْفِعْلَ بَلْ تُخْلَقُ مَعَهُ بِلَا تَأْثِيرٍ لَهَا فِيهِ لِأَنَّ أَفْعَالَ الْعَبْدِ مَخْلُوقَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَلَوْ أَرَادَ هَذِهِ بِقَوْلِهِ إنْ اسْتَطَعْت صَحَّتْ إرَادَتُهَا فَإِذَا لَمْ يَأْتِهِ لِعُذْرٍ مِنْهُ أَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ لَا يَحْنَثُ كَأَنَّهُ قَالَ لَآتِيَنَّكَ إنْ خَلَقَ اللَّهُ إتْيَانِي أَوْ إلَّا أَنْ يَخْلُقَ إتْيَانِي وَهُوَ إذَا لَمْ يَأْتِ لَمْ يُخْلَقْ إتْيَانُهُ وَلَا اسْتِطَاعَةُ الْإِتْيَانِ الْمُقَارِنَةُ وَإِلَّا لَأَتَى وَإِذَا صَحَّتْ إرَادَتُهَا فَهَلْ يُصَدَّقُ دِيَانَةً وَقَضَاءً أَوْ دِيَانَةً فَقَطْ قِيلَ يُصَدَّقُ دِيَانَةً فَقَطْ لِأَنَّهُ نَوَى خِلَافَ الظَّاهِرِ وَهُوَ قَوْلُ الرَّازِيّ وَقِيلَ دِيَانَةً وَقَضَاءً لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ إذْ كَانَ اسْمُ الِاسْتِطَاعَةِ يُطْلَقُ بِالِاشْتِرَاكِ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا لَكِنْ تُعُورِفَ اسْتِعْمَالُهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَنْ الْقَرِينَةِ لِأَحَدِ الْمَعْنَيَيْنِ بِخُصُوصِهِ وَهُوَ سَلَامَةُ آلَاتِ الْفِعْلِ وَصِحَّةُ أَسْبَابِهِ فَصَارَ ظَاهِرًا فِيهِ بِخُصُوصِهِ فَلَا يُصَدِّقُهُ الْقَاضِي فِي خِلَافِ الظَّاهِرِ ا هـ
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ عَلَى قِسْمَيْنِ أَحَدُهُمَا اسْتِطَاعَةُ الْحَالِ وَالْمُرَادُ بِهَا سَلَامَةُ الْآلَاتِ وَصِحَّةُ الْأَسْبَابِ وَحَدُّهَا التَّهَيُّؤُ لِتَنْفِيذِ الْفِعْلِ عَنْ إرَادَةِ الْمُخْتَارِ وَالثَّانِي اسْتِطَاعَةُ الْفِعْلِ وَالْمُرَادُ بِهَا الْقُدْرَةُ الَّتِي يَحْصُلُ بِهَا الْفِعْلُ وَلَا تَسْبِقُ الْفِعْلَ وَهِيَ عَرَضٌ يَخْلُقُهُ اللَّهُ تَعَالَى مَعَ الْفِعْلِ مَعًا وَهِيَ عِلَّةٌ لِلْفِعْلِ عِنْدَنَا وَزَعَمَتْ الْمُعْتَزِلَةُ أَنَّهَا سَابِقَةٌ عَلَى الْفِعْلِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَكْثَرُ الْكَرَّامِيَّةِ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ إنْ نَوَى حَقِيقَةَ الْقُدْرَةِ الَّتِي تُقَارِنُ الْفِعْلَ) أَيْ وَهِيَ الَّتِي يُحْدِثُهَا اللَّهُ تَعَالَى لِلْعَبْدِ حَالَةَ الْفَعْلِ مُقَارِنَةً لَهُ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ ا هـ
(قَوْلُهُ فَلَا يُصَدِّقُهُ الْقَاضِي) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو نَصْرٍ قَالَ الطَّحَاوِيُّ يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ يَجِبُ أَنْ لَا يُصَدَّقَ فِي الْقَضَاءِ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ

(قَوْلُهُ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ

(3/122)


بِغَيْرِ إذْنِهِ وَإِنَّمَا صَارَ مُحْتَمَلًا لَهُ لِأَنَّهُ يَصِيرُ غَايَةً بِمَعْنَى حَتَّى بَعْدَ مَا كَانَ اسْتِثْنَاءً وَبَيْنَ الْغَايَةِ وَالِاسْتِثْنَاءِ مُنَاسَبَةٌ مِنْ حَيْثُ إنَّ مَا بَعْدَهُمَا يُخَالِفُ مَا قَبْلَهُمَا فَصَحَّتْ الِاسْتِعَارَةُ وَقَالُوا إنَّ هَذَا الْإِذْنَ يَتَقَيَّدُ بِحَالِ قِيَامِ النِّكَاحِ لِأَنَّ الْإِذْنَ لَا يَصِحُّ إلَّا مِمَّنْ لَهُ الْمَنْعُ وَهُوَ الزَّوْجُ كَالْوَالِي إذَا اسْتَحْلَفَ رَجُلًا لَيُعْلِمَنَّهُ بِكُلِّ دَاعِرٍ دَخَلَ الْبَلَدَ يَتَقَيَّدُ بِحَالِ وِلَايَتِهِ وَهَذَا صَحِيحٌ إذَا كَانَتْ الزَّوْجَةُ قَائِمَةً وَقْتَ الْيَمِينِ وَأَمَّا إذَا قَالَ ذَلِكَ لِأَجْنَبِيٍّ أَوْ لِأَجْنَبِيَّةٍ بِأَنْ قَالَ إنْ خَرَجْت إلَّا بِإِذْنِي فَعَبْدِي حُرٌّ أَوْ امْرَأَتِي طَالِقٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ وَلَا يَتَقَيَّدُ بِشَيْءٍ
وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ مَا إذَا قَالَ إلَّا أَنْ آذَنَ لَك أَوْ حَتَّى آذَنَ لَك فَلِأَنَّ كَلِمَةَ حَتَّى لِلْغَايَةِ فَيَنْتَهِي الْيَمِينُ بِهَا وَكَلِمَةُ أَنْ مَحْمُولَةٌ عَلَيْهَا لِأَنَّ حَقِيقَتَهَا وَهِيَ أَنْ تَكُونَ مَصْدَرِيَّةً مُتَعَذِّرٌ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ الْإِذْنُ مُسْتَثْنًى مِنْ الْخُرُوجِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ لَا تَخْرُجُ هِيَ إلَّا بِإِذْنِي أَوْ خُرُوجًا أَنْ آذَنَ لَك وَكُلُّ ذَلِكَ بَاطِلٌ فَتَعَيَّنَ حَمْلُهَا عَلَى كَلِمَةِ حَتَّى فَتَكُونُ لِلْغَايَةِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ الْغَايَةِ وَالِاسْتِثْنَاءِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ إلَّا بِإِذْنِي حَيْثُ لَا يُحْمَلُ عَلَى كَلِمَةِ حَتَّى إلَّا بِالنِّيَّةِ لِأَنَّ حَقِيقَتَهُ غَيْرُ مُتَعَذِّرَةٍ لِأَنَّ مَعْنَاهُ لَا تَخْرُجُ إلَّا خُرُوجًا مُلْصَقًا بِإِذْنِي فَلَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى تَرْكِ الْحَقِيقَةِ فَإِنْ قِيلَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ} [الأحزاب : 53] فَتَكْرَارُ الْإِذْنِ شَرْطٌ لِجَوَازِ الدُّخُولِ فَبَطَلَ مَا ذَكَرْتُمْ مِنْ أَنَّهَا لِلْغَايَةِ كَحَتَّى قُلْنَا تَكْرَارُ الْإِذْنِ فِيهِ عَرَفْنَاهُ بِدَلِيلٍ آخَرَ مِنْ خَارِجٍ وَهُوَ أَنَّ دُخُولَ دَارِ إنْسَانٍ بِغَيْرِ إذْنِهِ حَرَامٌ فَصَارَ نَظِيرُ قَوْله تَعَالَى {لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا} [النور : 27] أَوْ عَرَفْنَاهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ} [الأحزاب : 53] الْآيَةَ . فَصَارَتْ الْعِلَّةُ هِيَ الْإِيذَاءَ وَلَوْ نَوَى التَّعَدُّدَ بِقَوْلِهِ إلَّا أَنْ آذَنَ لَك صُدِّقَ قَضَاءً لِأَنَّهُ مُحْتَمَلُ كَلَامِهِ وَفِيهِ تَشْدِيدٌ عَلَى نَفْسِهِ لِأَنَّ كَلِمَةَ أَنْ وَمَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ بِتَأْوِيلِ الْمَصْدَرِ فَتَكُونُ الْبَاءَ فِيهِ مُقَدَّرَةً فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ إلَّا بِأَنْ آذَنَ لَك وَلِأَنَّ فِيهِ تَغْلِيظًا عَلَى نَفْسِهِ فَيُصَدَّقُ بِخِلَافِ الْعَكْسِ وَهُوَ مَا إذَا نَوَى الْإِذْنَ مَرَّةً بِقَوْلِهِ إلَّا بِإِذْنِي حَيْثُ لَا يُصَدَّقُ قَضَاءً لِأَنَّهُ نَوَى التَّخْفِيفَ عَلَى نَفْسِهِ فَلَا يُصَدَّقُ وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ إنْ بَاعَ فُلَانٌ مَالِي إلَّا بِإِذْنِي وَإِلَّا أَنْ آذَنَ لَهُ لِمَا بَيَّنَّا وَالرِّضَا وَالْأَمْرُ كَالْإِذْنِ فِيمَا ذَكَرْنَا

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ أَرَادَتْ الْخُرُوجَ فَقَالَ إنْ خَرَجْت أَوْ ضُرِبَ الْعَبْدُ فَقَالَ إنْ ضُرِبْت تَقَيَّدَ بِهِ كَاجْلِسْ فَتَغَدَّ عِنْدِي فَقَالَ إنِّي تَغَدَّيْت) يَعْنِي لَوْ أَرَادَتْ الْمَرْأَةُ أَنْ تَخْرُجَ فَقَالَ لَهَا الزَّوْجُ إنْ خَرَجْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ أَرَادَ رَجُلٌ ضَرْبَ عَبْدِهِ فَقَالَ لَهُ أَخِّرْ إنْ ضَرَبْته فَعَبْدِي حُرٌّ تَقَيَّدَتْ يَمِينُهُ بِتِلْكَ الْخَرْجَةِ وَالضَّرْبَةِ حَتَّى لَوْ قَعَدَتْ الْمَرْأَةُ ثُمَّ خَرَجَتْ أَوْ تَرَكَ ضَرْبَ عَبْدِهِ ثُمَّ ضَرَبَهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَحْنَثْ كَمَا يَتَقَيَّدُ فِي قَوْلِهِ اجْلِسْ فَتَغَدَّ عِنْدِي فَقَالَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَهُوَ اخْتِيَارُ الشَّيْخِ الْإِمَامِ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - . ا هـ . وَلْوَالِجِيٌّ (قَوْلُهُ لِأَنَّ حَقِيقَتَهَا وَهِيَ أَنْ تَكُونَ مَصْدَرِيَّةً إلَخْ) قَالَ الرَّازِيّ وَفِي قَوْلِهِ إلَّا أَنْ آذَنَ لَك لَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ لِأَنَّ أَنْ مَعَ الْفِعْلِ مَصْدَرٌ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ اسْتَثْنَى الْإِذْنَ مِنْ الْخُرُوجِ وَهَذَا بَاطِلٌ لِعَدَمِ الْمُجَانَسَةِ وَلَا يُمْكِنُ تَقْدِيرُ الْخُرُوجِ إذْ لَوْ قُلْت إلَّا خُرُوجًا أَنْ آذَنَ لَك لَاخْتَلَّتْ فَتَعَيَّنَ مَجَازُهُ وَهُوَ أَنْ يُجْعَلَ غَايَةَ الِاتِّصَالِ بَيْنَهُمَا فَإِنَّ حُكْمَ الْمَصْدَرِ وَالْمُغَيَّا يَنْتَهِي بِالْمُسْتَثْنَى وَالْغَايَةِ وَمَا بَعْدَهُمَا يَكُونُ مُخَالِفًا لِمَا قَبْلَهُمَا . ا هـ .

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ أَرَادَتْ الْخُرُوجَ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَهَذِهِ مِنْ خَوَاصِّ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَصُورَتُهَا فِيهِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْمَرْأَةِ تَذْهَبُ لِتَخْرُجَ فَيَقُولُ لَهَا زَوْجُهَا إنْ خَرَجْت فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَتَعُودُ فَتَجْلِسُ ثُمَّ تَخْرُجُ بَعْدَ سَاعَةٍ قَالَ لَا تَطْلُقُ وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ يُرِيدُ أَنْ يَضْرِبَ عَبْدَهُ فَيَذْهَبُ لِيَضْرِبهُ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ إنْ ضَرَبْته فَعَبْدِي حُرٌّ فَتَرَكَهُ ثُمَّ ضَرَبَهُ لَمْ يَعْتِقْ وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ يَقُولُ لِآخَرَ اجْلِسْ فَتَغَدَّ فَيَقُولُ إنْ تَغَدَّيْت فَعَبْدِي حُرٌّ ثُمَّ يَأْتِي أَهْلَهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ فَيَتَغَدَّى عِنْدَهُمْ لَمْ يَحْنَثْ إنَّمَا الْيَمِينُ فِي ذَلِكَ عَلَى الْفَوْرِ ا هـ قَالَ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَإِذَا أَرَادَتْ الْمَرْأَةُ أَنْ تَخْرُجَ فَقَالَ لَهَا الزَّوْجُ إنْ خَرَجْت فَأَنْتِ طَالِقُ فَجَلَسَتْ ثُمَّ خَرَجَتْ لَمْ يَحْنَثْ وَهَذِهِ خَمْسُ مَسَائِلَ إحْدَاهَا هَذِهِ وَالثَّانِيَةُ إذَا أَرَادَ أَنْ يَضْرِبَ عَبْدَهُ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ إنْ ضَرَبْته فَعَبْدِي حُرٌّ فَكَفَّ عَنْ ضَرْبِهِ ثُمَّ ضَرَبَهُ لَمْ يَحْنَثْ وَمِنْهَا إذَا قَالَ لَهُ رَجُلٌ اجْلِسْ فَتَغَدَّ مَعِي فَقَالَ إنْ تَغَدَّيْت مَعَك فَعَبْدِي حُرٌّ وَرَجَعَ إلَى مَنْزِلِهِ ثُمَّ عَادَ وَتَغَدَّى عِنْدَهُ لَمْ يَحْنَثْ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَحْنَثَ وَهَذِهِ الْيَمِينُ تُسَمَّى يَمِينَ الْفَوْرِ وَجْهُ الْقِيَاسِ إطْلَاقُ الْكَلَامِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ فِي مَسْأَلَةِ الْغَدَاءِ إخْرَاجُ الْكَلَامِ مُخْرَجَ الْجَوَابِ وَالْجَوَابُ يَتَضَمَّنُ إعَادَةَ مَا فِي السُّؤَالِ فَيَتَقَيَّدُ بِالْغَدَاءِ الْمَدْعُوِّ إلَيْهِ وَفِي الْفَصْلَيْنِ الْآخَرَيْنِ مَقْصُودُ الْحَالِفِ مُنِعَ عَمَّا قُصِدَ مِنْ الْخُرُوجِ وَالضَّرْبِ فَيَتَقَيَّدُ بِهِ دَلَالَةً ا هـ
وَقَالَ الْكَمَالُ وَهَذِهِ تُسَمَّى يَمِينَ الْفَوْرِ انْفَرَدَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِإِظْهَارِهِ وَكَانَتْ الْيَمِينُ فِي عُرْفِهِمْ قِسْمَيْنِ مُؤَبَّدَةً وَهِيَ أَنْ يَحْلِفَ مُطْلَقًا وَمُؤَقَّتَةً وَهِيَ أَنْ يَحْلِفَ أَنْ لَا يَفْعَلَ كَذَا الْيَوْمَ أَوْ هَذَا الشَّهْرَ فَأَخْرَجَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَمِينَ الْفَوْرِ وَهِيَ مُؤَبَّدَةٌ لَفْظًا مُؤَقَّتَةٌ مَعْنَى تَتَقَيَّدُ بِالْحَالِ وَهِيَ مَا يَكُونُ جَوَابًا بِالْكَلَامِ يَتَعَلَّقُ بِالْحَالِ مِثْلَ أَنْ يُقَالَ تَعَالَ فَتَغَدَّ عِنْدِي فَيَقُولُ إنْ تَغَدَّيْت فَعَبْدِي حُرٌّ فَيَتَقَيَّدُ بِالْحَالِ فَإِذَا تَغَدَّى فِي يَوْمِهِ فِي مَنْزِلِهِ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ حِينَ وَقَعَ جَوَابًا تَضَمَّنَ إعَادَةَ مَا فِي السُّؤَالِ وَالْمَسْئُولُ الْغَدَاءُ فِي الْحَالِ فَيَنْصَرِفُ الْغَدَاءُ إلَى الْغَدَاءِ الْحَالِيِّ لِتَقَعَ الْمُطَابَقَةُ فَلَزِمَ الْحَالِيُّ بِدَلَالَةِ الْحَالِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ إنْ تَغَدَّيْت الْيَوْمَ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ إذَا تَغَدَّى فِي مَنْزِلِهِ مِنْ يَوْمِهِ لِأَنَّهُ زَادَ عَلَى الْجَوَابِ فَيُعْتَبَرُ مُبْتَدِئًا لَا مُجِيبًا فَيُعْمَلُ بِظَاهِرِ لَفْظِهِ وَيُلْغَى ظَاهِرُ الْحَالِ وَإِلْغَاؤُهُ أَوْلَى مِنْ إلْغَاءِ لَفْظٍ صَرِيحٍ فِي مَعْنَاهُ أَوْ مَا يَكُونُ بِنَاءً عَلَى أَمْرٍ حَالِيٍّ كَامْرَأَةٍ تَهَيَّأَتْ لِلْخُرُوجِ فَحَلَفَ لَا تَخْرُجُ فَإِذَا جَلَسَتْ سَاعَةً ثُمَّ خَرَجَتْ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ قَصْدَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ الْخُرُوجِ الَّذِي تَهَيَّأَتْ لَهُ فَكَأَنَّهُ قَالَ إنْ خَرَجْت السَّاعَةَ ا هـ
(قَوْلُهُ أَوْ تَرَكَ ضَرْبَ عَبْدِهِ) أَيْ سَاعَةً بِحَيْثُ يَذْهَبُ فَوْرُ ذَلِكَ . ا هـ . فَتْحٌ (قَوْلُهُ ثُمَّ ضَرَبَهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَحْنَثْ) وَقَالَ زُفَرُ يَحْنَثُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى كُلِّ غَدَاءٍ وَخُرُوجٍ وَضَرَبَ فَاعْتُبِرَ الْإِطْلَاقُ اللَّفْظِيُّ وَهُوَ الْقِيَاسُ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ

(3/123)


إنْ تَغَدَّيْت فَعَبْدِي حُرٌّ يَحْنَثُ بِالْغَدَاءِ الْمَدْعُوِّ إلَيْهِ حَتَّى لَوْ رَجَعَ إلَى بَيْتِهِ فَتَغَدَّى لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ مُرَادَ الْمُتَكَلِّمِ الزَّجْرُ عَنْ تِلْكَ الْحَالَةِ فَيَتَقَيَّدُ بِهَا لِأَنَّ الْمُطْلَقَ يَتَقَيَّدُ بِالْحَالِ حَتَّى لَوْ قَالَ إنْ تَغَدَّيْت الْيَوْمَ أَوْ مَعَك فَعَبْدِي حُرٌّ فَتَغَدَّى فِي بَيْتِهِ أَوْ مَعَهُ فِي وَقْتٍ آخَرَ يَحْنَثُ لِأَنَّهُ زَادَ عَلَى حَرْفِ الْجَوَابِ فَيَكُونُ مُبْتَدِئًا وَلَا يُقَالُ إنَّ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - زَادَ فِي الْجَوَابِ حِينَ سُئِلَ عَنْ الْعَصَا وَلَمْ يَكُنْ مُبْتَدِئًا لِأَنَّا نَقُولُ لَمَّا سُئِلَ بِمَا وَهِيَ تَقَعُ عَنْ ذَاتِ مَا لَا يَعْقِلُ وَالصِّفَاتِ فَاشْتَبَهَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ فَأَجَابَ بِهِمَا حَتَّى يَكُونَ مُجِيبًا عَنْ أَيِّهِمَا كَانَ وَهَذِهِ الْمَسَائِلُ تُسَمَّى يَمِينَ فَوْرٍ مَأْخُوذٌ مِنْ فَوْرِ الْقِدْرِ إذَا غَلَتْ يُقَالُ فَارَتْ الْقِدْرُ تَفُورُ فَوْرًا وَاسْتُعِيرَ لِلسُّرْعَةِ ثُمَّ سُمِّيَتْ بِهِ الْحَالُ الَّتِي لَا رَيْث فِيهَا وَلَا لَبْثَ فَقِيلَ جَاءَ فُلَانٌ وَخَرَجَ مِنْ فَوْرِهِ أَيْ مِنْ سَاعَتِهِ وَقِيلَ سُمِّيَتْ هَذِهِ الْأَيْمَانُ بِهِ بِاعْتِبَارِ فَوَرَانِ الْغَضَبِ وَتَفَرَّدَ أَبُو حَنِيفَةَ بِإِظْهَارِهِ وَلَمْ يَسْبِقْهُ أَحَدٌ فِيهِ وَكَانُوا يَقُولُونَ مِنْ قَبْلُ الْيَمِينُ نَوْعَانِ مُطْلَقَةٌ كَلَا يَفْعَلُ كَذَا وَمُؤَقَّتَةٌ كَلَا يَفْعَلُ كَذَا الْيَوْمَ فَصَارَتْ قِسْمًا ثَالِثًا هِيَ مُؤَقَّتَةٌ مَعْنًى مُطْلَقَةً لَفْظًا وَإِنَّمَا أَخْذُهُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ وَابْنِهِ حِين دُعِيَا إلَى نُصْرَةِ رَجُلٍ فَحَلَفَا أَنْ لَا يَنْصُرَاهُ ثُمَّ نَصَرَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَمْ يَحْنَثَا

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَرْكَبُ عَبْدِهِ مَرْكَبُهُ إنْ يَنْوِ وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ) أَيْ مَرْكَبُ الْعَبْدِ مَرْكَبٌ لِلْمَوْلَى وَيَتَنَاوَلُهُ اللَّفْظُ وَيَدْخُلُ فِيهِ إنْ نَوَاهُ وَلَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ حَتَّى إذَا قَالَ إنْ رَكِبْت دَابَّةَ فُلَانٍ فَعَبْدُهُ حُرٌّ وَلَمْ يَنْوِ دَابَّةَ الْعَبْدِ فَرَكِبَهَا لَمْ يُعْتَقْ وَإِنْ نَوَاهَا فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ فَكَذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَمْ يَكُنْ مُسْتَغْرِقًا فَإِنْ نَوَى حَنِثَ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّهُ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ لَا يَمْلِكُ الْمَوْلَى مَا فِي يَدِ عَبْدِهِ حَتَّى لَا يُعْتَقَ بِعِتْقِهِ فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْيَمِينِ نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ وَفِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ يَمْلِكُ مَا فِي يَدِهِ لَكِنَّهُ يُضَافُ إلَى الْعَبْدِ عُرْفًا وَشَرْعًا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ» الْحَدِيثَ فَتَخْتَلُّ الْإِضَافَةُ إلَى الْمَوْلَى فَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَحْنَثُ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا إذَا نَوَى لِأَنَّ الْمِلْكَ لِلْمَوْلَى لَكِنَّ الْإِضَافَةَ إلَيْهِ قَدْ اخْتَلَّتْ لِمَا ذَكَرْنَا فَلَا تَدْخُلُ إلَّا بِالنِّيَّةِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَحْنَثُ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ اعْتِبَارًا لِلْحَقِيقَةِ لِأَنَّ الْعَبْدَ وَمَا فِي يَدِهِ مِلْكُ الْمَوْلَى حَقِيقَةً عِنْدَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

{بَابُ الْيَمِينِ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَاللُّبْسِ وَالْكَلَامِ}
الْأَكْلُ إيصَالُ مَا يَتَأَتَّى فِيهِ الْمَضْغُ وَالْهَشْمُ إلَى الْجَوْفِ مَمْضُوغًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَمْضُوغٍ وَالشُّرْبُ إيصَالُ مَا لَا يَتَأَتَّى فِيهِ الْهَشْمُ إلَى الْجَوْفِ وَالذَّوْقُ إيصَالُ الشَّيْءِ إلَى فِيهِ لِاسْتِبَانَةِ طَعْمِهِ حَتَّى لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذَا اللَّبَنَ أَوْ هَذَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مَا ذَكَرْنَا وَالْكَلَامُ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْحَالِفِ نِيَّةٌ . ا هـ . كَمَالٌ (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ رَجَعَ إلَى بَيْتِهِ فَتَغَدَّى لَمْ يَحْنَثْ) أَوْ تَغَدَّى مَعَهُ فِي وَقْتٍ آخَرَ ا هـ (قَوْلُهُ الَّتِي لَا رَيْثَ فِيهَا) قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ رَاثَ عَلَيَّ خَبَرُك يَرِيثُ رَيْثًا أَيْ أَبْطَأَ وَفِي الْمَثَلِ رُبَّ عَجَلَةٍ تَهَبُ رَيْثًا وَيُرْوَى وَهَبْت رَيْثًا وَالْمَعْنَى وَاحِدُ مِنْ الْهِبَةِ وَمَا أَرَاثَكَ عَلَيْنَا أَيْ مَا أَبْطَأَ بِك عَنَّا وَرَجُلٌ رَيِّثٌ بِالتَّشْدِيدِ أَيْ بَطِيءٌ ا هـ
(قَوْلُهُ وَلَا لَبْثَ) قَالَ فِي الْمَجْمَعِ وَاللُّبْثِ وَاللَّبَاثُ الْمُكْثُ ا هـ (قَوْلُهُ فَقِيلَ جَاءَ فُلَانٌ وَخَرَجَ مِنْ فَوْرِهِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَيَمِينُ الْفَوْرِ أَيْ الْحَالِ وَهِيَ كُلُّ يَمِينٍ خَرَجَتْ جَوَابًا بِالْكَلَامِ أَوْ بِنَاءً عَلَى أَمْرٍ فَتَتَقَيَّدُ بِذَلِكَ لِدَلَالَةِ الْحَالِ وَلَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ اسْتِحْسَانًا خِلَافًا لِزَفَرِ وَخِلَافُ زُفَرَ مَذْكُورٌ فِي التُّحْفَةِ أَمَّا فِي مَسْأَلَةِ الْغَدَاءِ فَإِنَّمَا لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ كَلَامَهُ خَرَجَ جَوَابًا وَالْجَوَابُ يَتَضَمَّنُ إعَادَةَ مَا فِي السُّؤَالِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ إنْ تَغَدَّيْت الْغَدَاءَ الَّذِي دَعَوْتنِي إلَيْهِ فَانْصَرَفَ يَمِينُهُ إلَى ذَلِكَ الْغَدَاءِ بِدَلَالَةِ الْحَالِ وَأَمَّا فِي مَسْأَلَةِ الْخُرُوجِ وَالضَّرْبِ فَكَذَلِكَ لِأَنَّ قَصْدَ الزَّوْجِ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ الْخُرُوجِ الَّذِي تَهَيَّأَتْ هِيَ لَهُ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ إنْ خَرَجْت هَذِهِ الْخَرْجَةَ فَتَقَيَّدَتْ الْيَمِينُ بِتِلْكَ الْخَرْجَةِ وَكَذَا قَصَدَ الرَّجُلُ أَنْ يَمْنَعَ مَوْلَى الْعَبْدِ عَنْ الضَّرْبِ الَّذِي تَهَيَّأَ لَهُ فَكَأَنَّهُ قَالَ إنْ ضَرَبْت هَذِهِ الضَّرْبَةَ الَّتِي تَهَيَّأْت لَهَا فَتَقَيَّدَتْ الْيَمِينُ بِتِلْكَ الضَّرْبَةِ بِدَلَالَةِ الْحَالِ عُرْفًا وَمَبْنَى الْأَيْمَانِ عَلَى الْعُرْفِ . ا هـ .

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَرْكَبُ عَبْدِهِ مَرْكَبُهُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ هَذِهِ فِي مَسَائِلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ الْمُعَادَةِ وَلَفْظُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ دَابَّةَ فُلَانٍ فَرَكِبَ دَابَّةً لِعَبْدِهِ قَالَ لَا يَحْنَثُ إنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَحْنَثُ فِي الْوَجْهَيْنِ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ وَلَمْ يُشْبِعْ مُحَمَّدٌ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَلَمْ يَشْرَحْهَا ثُمَّ قَالَ أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرَقٌ لَمْ يَحْنَثْ وَإِنْ نَوَاهُ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِفُلَانٍ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَغْرِقًا لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَنْوِيَهُ فَإِنْ نَوَاهُ حَنِثَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا لَا يَحْنَثُ حَتَّى يَنْوِيَ فَإِذَا نَوَاهُ حَنِثَ بِكُلِّ حَالٍ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَحْنَثُ بِكُلِّ حَالٍ وَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ هَذَا لَفْظُهُ ا هـ
(قَوْلُهُ وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ) أَيْ فَهُوَ لِلْبَائِعِ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْعَبْدَ وَمَا فِي يَدِهِ مِلْكُ الْمَوْلَى حَقِيقَةً عِنْدَهُ) أَلَا تَرَى إلَى قَوْله تَعَالَى {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا عَبْدًا مَمْلُوكًا لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ} [النحل : 75] وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ كَقَوْلِ مُحَمَّدٍ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ

قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْإِنْسَانَ يَحْتَاجُ أَوَّلًا إلَى مَوْضِعٍ يَسْكُنُ وَيَسْتَقِرُّ ثُمَّ تَتَوَارَدُ سَائِرُ الْحَوَائِجِ وَأَوَّلُ ذَلِكَ فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ فَشَرَعَ فِي بَيَانِهِمَا قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ وَقَالَ الْكَمَالُ أَعْقَبَهُ الْخُرُوجُ لِأَنَّ الْخُرُوجَ مِنْ الْمَنْزِلِ يُرَادُ لِتَحْصِيلِ مَا بِهِ بَقَاءُ الْبِنْيَةِ مِنْ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ إلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ} [الملك : 15] عَلَى مَا يُقَالُ ا هـ
(قَوْلُهُ أَوْ غَيْرُ مَمْضُوغٍ) حَتَّى لَوْ بَلَعَ مَا يَتَأَتَّى فِيهِ الْمَضْغُ مِنْ غَيْرِ مَضْغٍ يُسَمَّى آكِلًا . ا هـ . أَكْمَلُ (قَوْلُهُ وَالشُّرْبُ إيصَالُ مَا لَا يَتَأَتَّى فِيهِ الْهَشْمُ إلَى الْجَوْفِ) كَالْمَاءِ وَاللَّبَنِ وَالنَّبِيذِ . ا هـ . فَتْحٌ (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذَا اللَّبَنَ أَوْ هَذَا

(3/124)


السَّوِيقَ فَشَرِبَهُ لَا يَحْنَثُ وَكَذَا بِالْعَكْسِ بِأَنْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ هَذَا اللَّبَنَ فَثَرَدَ فِيهِ فَأَكَلَهُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِشُرْبٍ وَلَا الْأَوَّلُ بِأَكْلٍ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ عِنَبًا أَوْ رُمَّانًا فَمَصَّهُ فَابْتَلَعَ مَاءَهُ وَرَمَى ثَفْلَهُ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ الْمَصَّ نَوْعٌ ثَالِثٌ لَيْسَ بِأَكْلٍ وَلَا شُرْبٍ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ عِبَارَةٌ عَنْ عَمَلِ الشِّفَاهِ وَالْحَلْقِ وَالذَّوْقُ عِبَارَةٌ عَنْ عَمَلِ الشِّفَاهِ دُونَ الْحَلْقِ وَالِابْتِلَاعُ عِبَارَةٌ عَنْ عَمَلِ الْحَلْقِ دُونَ الشِّفَاهِ وَالْمَصُّ عِبَارَةٌ عَنْ عَمَلِ اللَّهَاةِ خَاصَّةً قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ النَّخْلَةِ حَنِثَ بِثَمَرِهَا) أَيْ لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ النَّخْلَةِ حَنِثَ بِأَكْلِ ثَمَرِهَا لِأَنَّهُ أَضَافَ الْيَمِينَ إلَى مَا لَا يُؤْكَلُ فَيَنْصَرِفُ إلَى مَا يَخْرُجُ مِنْهُ لِأَنَّهُ سَبَبٌ لَهُ فَجَازَتْ الِاسْتِعَارَةُ فَيَحْنَثُ بِجَمِيعِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ جِمَارٍ أَوْ بُسْرٍ أَوْ رُطَبٍ أَوْ ثَمَرٍ أَوْ طَلْعٍ أَوْ دِبْسٍ يَخْرُجُ مِنْ ثَمَرِهَا وَعَلَى هَذَا إذَا قَالَ مِنْ هَذَا الْكَرْمِ يَنْصَرِفُ إلَى مَا يَخْرُجُ مِنْهُ لِأَنَّ نَفْسَهُ لَا يُؤْكَلُ وَشَرْطُهُ أَنْ لَا يَتَغَيَّرَ بِصَنْعَةٍ حَادِثَةٍ حَتَّى لَا يَحْنَثَ بِالنَّبِيذِ وَالنَّاطِفِ وَالدِّبْسِ الْمَطْبُوخِ وَالْخَلِّ لِأَنَّ هَذَا مُضَافٌ إلَى فِعْلٍ حَادِثٍ فَلَمْ يَبْقَ مُضَافًا إلَى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
السَّوِيقَ فَشَرِبَهُ لَا يَحْنَثُ) وَلَوْ ثَرَدَ فِيهِ فَأَوْصَلَهُ إلَى جَوْفِهِ حَنِثَ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَكَذَا بِالْعَكْسِ بِأَنْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ وَإِذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ شَيْئًا مِمَّا لَا يَتَأَتَّى فِيهِ الْمَضْغُ فَخَلَطَهُ بِغَيْرِهِ مِمَّا يُؤْكَلُ فَأَكَلَهُ مَعَهُ حَنِثَ . ا هـ . (قَوْلُهُ فَثَرَدَ) مِنْ بَابِ قَتَلَ وَهُوَ أَنْ تَفُتَّهُ ثُمَّ تَبُلَّهُ بِمَرَقٍ . ا هـ . مِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ وَالْمَصُّ عِبَارَةٌ عَنْ عَمَلِ اللَّهَاةِ خَاصَّةً) اللَّهَاةُ بِالْفَتْحِ وَاحِدَةُ اللَّهَوَاتِ وَهِيَ اللَّحْمَاتُ فِي سَقْفِ أَقْصَى الْفَمِ وَأَمَّا اللُّهَا بِالضَّمِّ فَهِيَ الْعَطَايَا وَاحِدُهَا لُهْيَةٌ وَلُهْوَةٌ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ اللُّهَا تَفْتَحُ اللَّهَا أَيْ الْعَطَايَا تَفْتَحُ الْأَفْوَاهَ بِالشُّكْرِ ا هـ
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ حَنِثَ بِثَمَرِهَا) قَالَ الْكَمَالُ بِالْمُثَلَّثَةِ أَيْ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا لِأَنَّهُ أَضَافَ الْيَمِينَ إلَى مَا لَا يُؤْكَلُ وَمِثْلُهُ لَا يُحْلَفُ عَلَى عَدَمِ أَكْلِهِ لِأَنَّهُ مُمْتَنِعُ الْأَكْلِ قَبْلَ الْيَمِينِ فَيَلْغُو الْحَلِفُ فَوَجَبَ لِتَصْحِيحِ كَلَامِ الْعَاقِلِ صَرْفُهَا إلَى مَا يَخْرُجُ مِنْهَا تَجَوُّزًا بِاسْمِ السَّبَبِ وَهُوَ النَّخْلَةُ فِي الْمُسَبَّبِ وَهُوَ الْخَارِجُ لِأَنَّهُ سَبَبٌ فِيهِ لَكِنْ بِلَا تَغَيُّرٍ بِصُنْعٍ جَدِيدٍ . ا هـ . (قَوْلُهُ أَوْ طَلْعٌ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ الطَّلْعُ بِالْفَتْحِ مَا يَطْلُعُ مِنْ النَّخْلَةِ ثُمَّ يَصِيرُ ثَمَرًا إنْ كَانَ أُنْثَى وَإِنْ كَانَتْ النَّخْلَةُ ذَكَرًا لَمْ يَصِرْ ثَمَرًا بَلْ يُؤْكَلُ طَرِيًّا وَيُتْرَكُ عَلَى النَّخْلَةِ أَيَّامًا مَعْلُومَةً حَتَّى يَصِيرَ فِيهِ شَيْءٌ أَبْيَضُ مِثْلُ الدَّقِيقِ وَلَهُ رَائِحَةٌ ذَكِيَّةٌ فَيُلَقِّحُ بِهِ الْأُنْثَى ا هـ
وَقَالَ فِي الْمِصْبَاحِ أَيْضًا الطَّلْحُ الْمَوْزُ الْوَاحِدَةُ طَلْحَةٌ مِثْلُ تَمْرٍ وَتَمْرَةٍ وَالطَّلْحُ مِنْ شَجَرِ الْعِضَاهِ الْوَاحِدَةُ طَلْحَةٌ أَيْضًا وَبِهِ سُمِّيَ الرَّجُلُ . ا هـ . وَالْعِضَاهُ وِزَانُ كِتَابٍ كُلُّ شَجَرِ الشَّوْكِ كَالطَّلْحِ وَالْعَوْسَجِ . ا هـ . (قَوْلُهُ أَوْ دِبْسٍ يَخْرُجُ مِنْ تَمْرِهَا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا أَكَلَ عَيْنَ النَّخْلَةِ لَا يَحْنَثُ وَإِنْ نَوَاهَا كَذَا فِي فَتَاوَى الْوَلْوَالِجِيِّ وَإِنَّمَا وَقَعَتْ الْيَمِينُ عَلَى ثَمَرِ النَّخْلَةِ دُونَ عَيْنِهَا لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ مَهْجُورَةٌ بِدَلَالَةِ مَحَلِّ الْكَلَامِ فَأُرِيدَ الْمَجَازُ ا هـ وَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ خَشَبِ النَّخْلَةِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْكَلَامِ عَلَى أَكْلِ الدَّقِيقِ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا إذَا قَالَ مِنْ هَذَا الْكَرَمُ) قَالَ الْكَمَالُ فَهُوَ عَلَى عِنَبِهِ وَحِصْرِمِهِ وَزَبِيبِهِ وَعَصِيرِهِ وَفِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ دِبْسُهُ وَالْمُرَادُ عَصِيرُهُ فَإِنَّهُ مَاءُ الْعِنَبِ وَهُوَ مَا يَخْرُجُ بِلَا صُنْعٍ عِنْدَ انْتِهَاءِ نُضْجِ الْعِنَبِ وَلِأَنَّهُ كَانَ مُكَمَّنًا بَيْنَ الْقِشْرِ بِخِلَافِ مَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذَا الْعِنَبِ لَا يَحْنَثُ بِزَبِيبِهِ وَعَصِيرِهِ لِأَنَّ حَقِيقَتَهُ لَيْسَتْ مَهْجُورَةً فَيَتَعَلَّقُ الْحَلِفُ بِمُسَمَّى الْعِنَبِ ا هـ يَعْنِي فَيَكُونُ شَرْطُ حِنْثِهِ أَكْلَ مَا يُسَمَّى عِنَبًا وَالْعِنَبُ اسْمٌ لِلْقِشْرِ وَاللَّحْمِ وَالْمَاءِ جَمِيعًا وَهُوَ مَأْكُولٌ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ وَالزَّبِيبُ وَالْعَصِيرُ بَعْضُ أَجْزَائِهِ فَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِهِ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذَا الرَّغِيفَ فَأَكَلَ بَعْضَهُ ا هـ
(قَوْلُهُ حَتَّى لَا يَحْنَثَ بِالنَّبِيذِ وَالنَّاطِفِ وَالدِّبْسِ الْمَطْبُوخِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذَا الْكَرْمِ فَهُوَ عَلَى مَا يَخْرُجُ مِنْهُ وَهُوَ حِصْرِمُهُ وَعِنَبُهُ وَزَبِيبُهُ وَدِبْسُهُ أَيْ عَصِيرُهُ وَلَوْ أَكَلَ مِنْ خَلٍّ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَذْكُرْهُ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ قَالَ الْعَتَّابِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْنَثَ لِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْ النَّخْلِ وَالْكَرَمِ كَذَلِكَ وَذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ أَنَّهُ يَحْنَثُ قَالَ فِي الْمُجْمَلِ الدِّبْسُ عُصَارَةُ الرُّطَبِ ا هـ قَالَ وَفِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذَا الْعِنَبِ أَوْ مِنْ هَذَا الرُّطَبِ أَوْ مِنْ هَذِهِ الشَّاةِ أَوْ مِنْ هَذِهِ الْبَقَرَةِ فَأَكَلَ مِنْ عَصِيرِ الْعِنَبِ وَزَبِيبِهِ أَوْ مِنْ تَمْرِ الرُّطَبِ وَدِبْسهِ أَوْ مِنْ لَبَنِ الشَّاةِ وَالْبَقَرَةِ أَوْ سَمْنِهَا لَمْ يَحْنَثْ وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذَا اللَّبَنِ فَأَكَلَ مِنْ شِيرَازِ أَوْ زُبْدِهِ لِأَنَّ مَا عُقِدَ عَلَيْهِ الْيَمِينُ عَيْنُهُ تُؤْكَلُ فَلَمْ يَنْصَرِفْ إلَى مَا يُتَّخَذُ مِنْهُ تَحْقِيقُهُ أَنَّ الْعِنَبَ أَوْ الرُّطَبَ اسْمٌ لِلْعَيْنِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى مَا فِي الْعَيْنِ مِنْ الْمَاءِ وَاللَّحْمِ وَالْقِشْرِ فَبِالْجَفَافِ زَالَ الْمَاءُ فَيَكُونُ آكِلًا بَعْضَ الشَّيْءِ فَلَا يَحْنَثُ كَمَا إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذَا الرَّغِيفَ فَأَكَلَ بَعْضَهُ لَا يَحْنَثُ وَكَلِمَةُ مِنْ وَإِنْ كَانَتْ تَقْتَضِي التَّبْعِيضَ إلَّا أَنَّهَا تَقْتَضِي أَكْلَ بَعْضِ الْعِنَبِ الْمُشَارِ إلَيْهِ الَّذِي يُسَمَّى عِنَبًا لَا أَكْلَ الْأَجْزَاءِ الَّتِي لَا تُسَمَّى عِنَبًا وَكَذَا فِي الرُّطَبِ الْمُشَارِ إلَيْهِ بَعْدَ مَا صَارَ تَمْرًا وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لَا يُكَلِّمُ هَذَا الشَّابَّ حَيْثُ يَحْنَثُ إذَا كَلَّمَهُ بَعْدَ أَنْ شَاخَ لِأَنَّ الْفَائِتَ هُوَ الْوَصْفُ لَا الشَّخْصُ فَبَقِيَ كُلُّ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ
وَفَرْقٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَمْتَنِعُ عَنْ أَكْلِ الْعِنَبِ وَالرُّطَبِ لِرُطُوبَةٍ فِيهِمَا تَضُرُّ بِآكِلِهِمَا فَيُقْصَدَانِ بِالْمَنْعِ فَتَعَلَّقَتْ الْيَمِينُ بِهِمَا بِخِلَافِ الصَّبِيِّ وَالشَّابِّ فَإِنَّهُمَا لَا يُقْصَدَانِ بِالْمَنْعِ لِأَنَّ هِجْرَانَهُمَا مَهْجُورٌ شَرْعًا فَكَانَ الذَّاتُ هُوَ الْمَقْصُودَ بِالْحَلِفِ دُونَ الصِّفَةِ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْوَصِيَّةِ فِي الزِّيَادَاتِ فَإِنَّهُ إذَا أَوْصَى بِهَذَا الرُّطَبِ فَصَارَ تَمْرًا ثُمَّ مَاتَ لَمْ تَبْطُلْ الْوَصِيَّةُ لِأَنَّ بَعْضَ الْمُوصَى بِهِ فَاتَ وَفَوَاتُ بَعْضِ الْمُوصَى بِهِ لَا يُوجِبُ بُطْلَانَ الْوَصِيَّةِ فِي الْبَقِيَّةِ وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ تَنَاوَلَ بَعْضَ الْمَحْلُوفِ فَلَا يَحْنَثُ وَلَا يُشْكَلُ عَلَى هَذَا مَسْأَلَةُ الزِّيَادَاتِ أَيْضًا فَإِنَّهُ إذَا أَوْصَى بِعِنَبٍ ثُمَّ صَارَ زَبِيبًا ثُمَّ مَاتَ الْمُوصِي بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ وَالْفَرْقُ أَنَّ الرُّطَبَ وَالتَّمْرَ صِنْفٌ وَاحِدٌ لِقِلَّةِ التَّفَوُّتِ بَيْنَهُمَا بِخِلَافِ الْعِنَبِ وَالزَّبِيبِ لِأَنَّهُ تَبْدِيلٌ وَهَلَاكٌ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ غَصَبَ عِنَبًا فَجَعَلَهُ زَبِيبًا انْقَطَعَ حَقُّ الْمَالِكِ لِوُجُودِ التَّبَدُّلِ مُضَافًا إلَى صُنْعِ الْغَاصِبِ وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذَا الرُّطَبِ أَوْ مِنْ هَذَا الْعِنَبِ فَأَكَلَهُ بَعْدَ أَنْ صَارَ تَمْرًا أَوْ زَبِيبًا لَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ وَفِي قَوْلِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى يَحْنَثُ لِأَنَّهُ أَشَارَ إلَيْهِ فَلَا عِبْرَةَ لِتَغَيُّرِهِ
وَوَجْهُ قَوْلِنَا مَرَّ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ

(3/125)


الشَّجَرِ أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ كَيْفَ عَطَفَ الْمَصْنُوعَ عَلَى الثَّمَرِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ} [يس : 35] وَالْعَطْفُ لِلْمُغَايِرَةِ وَيَحْنَثُ بِالْعَصِيرِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَغَيَّرْ بِصَنْعَةٍ جَدِيدَةٍ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ الشَّاةِ حَيْثُ يَحْنَثُ بِاللَّحْمِ خَاصَّةً وَلَا يَحْنَثُ بِاللَّبَنِ وَالزُّبْدِ لِأَنَّهَا مَأْكُولَةٌ فَيَنْعَقِدُ الْيَمِينُ عَلَيْهَا وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِلشَّجَرَةِ تَمْرٌ يَنْصَرِفُ الْيَمِينُ إلَى ثَمَنِهَا

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ عَيَّنَ الْبُسْرَ وَالرُّطَبَ وَاللَّبَنَ لَا يَحْنَثُ بِرُطَبِهِ وَتَمْرِهِ وَشِيرَازِهِ بِخِلَافِ هَذَا الصَّبِيِّ وَهَذَا الشَّابِّ وَهَذَا الْحَمْلِ) أَيْ وَلَوْ عَيَّنَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ فِي يَمِينِهِ بِأَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذَا الْبُسْرَ أَوْ هَذَا الرُّطَبَ أَوْ هَذَا اللَّبَنَ فَصَارَ الْبُسْرُ رُطَبًا وَالرُّطَبُ تَمْرًا وَاللَّبَنُ شِيرَازًا فَأَكَلَهُ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ صِفَةَ الْبُسُورَةِ وَالرُّطُوبَةِ دَاعِيَةٌ إلَى الْيَمِينِ وَكَذَا كَوْنُهُ لَبَنًا فَيَتَقَيَّدُ بِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمَ هَذَا الْحَمْلِ أَوْ لَا يُكَلِّمُ هَذَا الشَّابَّ أَوْ هَذَا الصَّبِيَّ فَأَكَلَهُ بَعْدَ مَا صَارَ كَبْشًا أَوْ كَلَّمَهُمَا بَعْدَ مَا شَاخَا حَيْثُ يَحْنَثُ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَمْلِ صِفَةٌ دَاعِيَةٌ إلَى الْيَمِينِ وَالْأَصْلُ أَنَّ الصِّفَةَ لَغْوٌ فِي الْحَاضِرِ إلَّا أَنْ تَكُونَ حَامِلَةً عَلَى الْيَمِينِ فَتُعْتَبَرُ وَصِفَةُ الصَّبِيِّ وَالشَّابِّ وَإِنْ كَانَتْ دَاعِيَةً إلَى الْيَمِينِ لَكِنَّ هِجْرَانَهُ لِأَجْلِ صِبَاهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ شَرْعًا لِأَنَّا أُمِرْنَا بِتَحَمُّلِ أَخْلَاقِ الْفِتْيَانِ وَمَرْحَمَةِ الصِّبْيَانِ فَكَانَ مَهْجُورًا شَرْعًا وَالْمَهْجُورُ شَرْعًا كَالْمَهْجُورِ عَادَةً فَلَمْ يُعْتَبَرْ الدَّاعِي وَقَدْ قَرَّرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَسْتَقِيمُ هَذَا الْكَلَامُ وَالْيَمِينُ يَجُوزُ عَقْدُهَا عَلَى فِعْلِ الْحَرَامِ قُلْنَا نَعَمْ يَجُوزُ قَصْدًا لَكِنْ إذَا كَانَ الْكَلَامُ مُحْتَمَلًا فَالنَّهْيُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ دَلِيلًا عَلَى إرَادَةِ غَيْرِ الْمَحْظُورِ وَإِنْ كَانَ خِلَافَ الظَّاهِرِ حَمْلًا لِأَمْرِ الْمُسْلِمِ عَلَى الصَّلَاحِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا يَأْكُلُ بُسْرًا فَأَكَلَ رُطَبًا لَمْ يَحْنَثْ) أَيْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ بُسْرًا مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ فَأَكَلَ رُطَبًا لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْكُلْ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي لَا يَأْكُلُ بُسْرًا أَوْ رُطَبًا أَوْ لَا يَأْكُلُ رُطَبًا وَلَا بُسْرًا حَنِثَ بِالْمُذَنِّبِ) أَيْ لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رُطَبًا أَوْ لَا يَأْكُلُ بُسْرًا أَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُهُمَا حَنِثَ بِأَكْلِ الْمُذَنِّبِ سَوَاءٌ أَكَلَ رُطَبًا مُذَنِّبًا أَوْ بُسْرًا مُذَنِّبًا وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالرُّطَبُ الْمُذَنِّبُ بِكَسْرِ النُّونِ الَّذِي أَكْثَرُهُ رُطَبٌ وَشَيْءٌ قَلِيلٌ مِنْهُ بُسْرٌ وَالْبُسْرُ الْمُذَنِّبُ عَكْسُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رُطَبًا فَأَكَلَ بُسْرًا مُذَنِّبًا لَمْ يَحْنَثْ وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ بُسْرًا فَأَكَلَ رُطَبًا مُذَنِّبًا وَجَعَلَ فِي الْهِدَايَةِ قَوْلَ مُحَمَّدٍ مَعَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْإِيضَاحِ وَالْأَسْرَارِ وَشُرُوحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ وَالْمَنْظُومَةِ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الرُّطَبَ الْمُذَنِّبَ يُسَمَّى رُطَبًا وَالْبُسْرُ الْمُذَنِّبُ يُسَمَّى بُسْرًا عُرْفًا وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي الْأَيْمَانِ فَصَارَ الِاعْتِبَارُ لِلْغَالِبِ إذْ الْمَغْلُوبُ فِي مُقَابَلَتِهِ كَالْمَعْدُومِ وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي رُطَبًا فَاشْتَرَى بُسْرًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَالدِّبْسُ الْمَطْبُوخُ مَا نَصُّهُ اُحْتُرِزَ بِهِ عَنْ غَيْرِ الْمَطْبُوخِ وَهُوَ مَا يَسِيلُ بِنَفْسِهِ مِنْ الرُّطَبِ وَهُوَ الَّذِي يُسَمَّى فِي عُرْفِنَا صَقْرَ الرُّطَبِ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِهِ كَمَا يَحْنَثُ بِالرُّطَبِ وَالتَّمْرِ وَالْبُسْرِ وَالرَّامِخِ وَالْجُمَّارِ وَالطَّلْعِ وَهَذَا لِأَنَّ مَا تَوَقَّفَ عَلَى الصَّنْعَةِ لَيْسَ مِمَّا خَرَجَ مُطْلَقًا وَقِيلَ لِأَنَّ مَا يَحْصُلُ بِالصَّنْعَةِ لَيْسَ مِمَّا خَرَجَ ابْتِدَاءً مِنْ النَّخْلَةِ وَمِنْ لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ وَكُلُّ مَا يَخْرُجُ عَلَى وَجْهِ الِابْتِدَاءِ انْعَقَدَ عَلَيْهِ يَمِينُهُ وَلَا يَخْفَى أَنَّ مِنْ الْمَذْكُورَةَ فِي كَلَامِهِ دَاخِلَةٌ عَلَى النَّخْلَةِ تَبْعِيضِيَّةٌ لَا ابْتِدَائِيَّةٌ نَعَمْ مِنْ الْمَذْكُورَةُ فِي التَّأْوِيلِ بَلْ أَعْنِي قَوْلَهُ لَا آكُلُ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْ النَّخْلَةِ ابْتِدَائِيَّةٌ وَهُوَ غَيْرُ مَذْكُورٍ وَكَأَنَّهُ اُعْتُبِرَ كَالْمَذْكُورِ . ا هـ . كَمَالٌ
(قَوْلُهُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِلشَّجَرَةِ ثَمَرٌ يَنْصَرِفُ الْيَمِينُ إلَى ثَمَنِهَا) فَيَحْنَثُ إذَا اشْتَرَى بِهِ مَأْكُولًا {فَرْعٌ} حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَقَطَعَ غُصْنًا مِنْهَا وَوَصَلَهُ بِشَجَرَةٍ أُخْرَى فَأَكَلَ مِنْ ثَمَرِ تِلْكَ الشَّجَرَةِ مِنْ هَذَا الْغُصْنِ لَا يَحْنَثُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَحْنَثُ . ا هـ . كَمَالٌ

(قَوْلُهُ بِخِلَافِ هَذَا الصَّبِيِّ وَهَذَا الشَّابِّ) قَالَ الْكَمَالُ بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ هَذَا الصَّبِيَّ أَوْ هَذَا الشَّابَّ فَكَلَّمَهُ بَعْدَ مَا شَاخَ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ لِأَنَّ هِجْرَانَ الْمُسْلِمِ بِمَنْعِ الْكَلَامِ مَعَهُ مَنْهِيٌّ فَلَمْ يُعْتَبَرْ مَنْ جَهْلِهِ وَسُوءِ أَدَبِهِ دَاعِيًا إلَى الْيَمِينِ إذَا كَانَ الشَّارِعُ مَنَعَنَا مِنْ هِجْرَانِ الْمُسْلِمِ مُطْلَقًا مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّ الدَّاعِيَ قَدْ يَكُونُ كَذَا وَكَذَا فَوَجَبَ الِاتِّبَاعُ وَنُظِرَ فِيهِ بِأَنَّ الْهِجْرَانَ قَدْ يَجُوزُ وَيَجِبُ إذَا كَانَ لِلَّهِ بِأَنْ كَانَ يَتَكَلَّمُ بِمَا هُوَ مَعْصِيَةٌ أَوْ يَخْشَى فِتْنَةً أَوْ فَسَادَ عِرْضِهِ بِكَلَامِهِ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الشَّارِعَ مَنَعَ الْهِجْرَانَ مُطْلَقًا فَحَيْثُ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ لَا يَحْكُمُ إلَّا أَنَّهُ وَجَدَ الْمُسَوِّغَ وَإِذَا وَجَدَ اُعْتُبِرَ الدَّاعِي فَتَقَيَّدَ بِصِبَاهُ وَشَبِيبَتِهِ وَنَذْكُرُ مَا فِيهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي تَلِيهَا ا هـ
(قَوْلُهُ وَهَذَا الْحَمَلُ) الْحَمَلُ بِفَتْحَتَيْنِ وَلَدُ الضَّائِنَةِ فِي السَّنَةِ الْأُولَى ا هـ مُغْرِبٌ (قَوْلُهُ وَاللَّبَنُ شِيرَازُ) أَيْ رَائِبًا وَهُوَ الْخَاثِرُ إذَا اسْتَخْرَجَ مَاؤُهُ . ا هـ . فَتْحٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّ صِفَةَ الْبُسُورَةِ وَالرُّطُوبَةِ دَاعِيَةٌ) بِحَسَبِ الْأَمْزِجَةِ وَكَذَا صِفَةُ اللَّبَنِيَّةِ فَإِذَا زَالَتْ زَالَ مَا عُقِدَ عَلَيْهِ الْيَمِينُ فَأَكْلُهُ أَكْلُ مَا لَمْ تَنْعَقِدْ عَلَيْهِ . ا هـ . فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَقَدْ قَرَّرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ) أَيْ فِي أَوَّلِ الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا الْبَابِ . ا هـ .

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَفِي لَا يَأْكُلُ رُطَبًا أَوْ بُسْرًا إلَخْ) هُنَا أَرْبَعُ مَسَائِلَ فِي اثْنَتَيْنِ مِنْهَا اتِّفَاقٌ وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ اخْتِلَافٌ ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بَيَانُهُ إذَا حَلَفَ وَقَالَ لَا آكُلُ بُسْرًا فَأَكَلَ بُسْرًا مُذَنِّبًا يَحْنَثُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا وَلَوْ قَالَ لَا آكُلُ رُطَبًا فَأَكَلَ رُطَبًا فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الْبُسْرِ يَحْنَثُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا أَيْضًا أَمَّا إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رُطَبًا فَأَكَلَ بُسْرًا مُذَنِّبًا أَوْ قَالَ لَا آكُلُ بُسْرًا فَأَكَلَ رُطَبًا فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الْبُسْرِ فَإِنَّ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ يَحْنَثُ وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لَا يَحْنَثُ هَكَذَا نَصَّ عَلَى الْخِلَافِ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي ا هـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَجَعَلَ فِي الْهِدَايَةِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ إلَّا أَنَّ الصَّدْرَ الشَّهِيدَ وَالْعَتَّابِيَّ ذَكَرَا قَوْلَ مُحَمَّدٍ مَعَ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ تَبِعَهُمَا . ا هـ . (قَوْلُهُ وَذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ) أَيْ وَالْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ
(قَوْلُهُ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ) أَيْ وَهُوَ الْأَصَحُّ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَالْبُسْرُ الْمُذَنِّبُ يُسَمَّى بُسْرًا) أَيْ وَلَا يُسَمَّى رُطَبًا لِأَنَّ الرُّطَبَ فِيهِ مَغْلُوبٌ . ا هـ . كَمَالٌ

(3/126)


مُذَنِّبًا لَا يَحْنَثُ وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ لَبَنًا أَوْ هَذَا اللَّبَنَ فَصَبَّ عَلَيْهِ الْمَاءَ حَتَّى صَارَ مَغْلُوبًا لَا يَحْنَثُ بِشُرْبِهِ وَكَذَا لَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَغْلُوبِ حُرْمَةُ الرَّضَاعِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ آكِلَهُ آكِلُ بُسْرٍ وَرُطَبٍ فَيَحْنَثُ بِهِ وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا لِأَنَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ كَافٍ لِلْحِنْثِ وَلِهَذَا لَوْ مَيَّزَهُ فَأَكَلَهُ يَحْنَثُ بِخِلَافِ الشِّرَاءِ لِأَنَّهُ يُصَادِفُهُ جُمْلَةٌ فَيُعْتَبَرُ الْغَالِبُ فَيَكُونُ الْمَغْلُوبُ تَبَعًا لَهُ وَالْأَكْلُ يَنْقَضِي شَيْئًا فَشَيْئًا فَيُصَادِفُهُ وَحْدَهُ نَظِيرُهُ إذَا حَلَفَ لَا يَشْتَرِي شَعِيرًا فَاشْتَرَى حِنْطَةً فِيهَا حَبَّاتُ شَعِيرٍ لَا يَحْنَثُ لِمَا ذَكَرْنَا وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ شَعِيرًا فَأَكَلَ حِنْطَةً فِيهَا حَبَّاتُ شَعِيرٍ يَحْنَثُ لِمَا ذَكَرْنَا وَبِخِلَافِ اللَّبَنِ الْمَصْبُوبِ فِيهِ الْمَاءُ لِأَنَّهُ يَشِيعُ فِيهِ وَيَخْتَلِطُ حَتَّى لَا يُرَى مَكَانُهُ فَيَكُونُ مُسْتَهْلَكًا وَهُنَا يُرَى مَكَانُهُ فَيَكُونُ قَائِمًا وَقْتَ التَّنَاوُلِ وَلَا يُقَالُ الْحِنْثُ يَكُونُ بِالْمَضْغِ وَالِابْتِلَاعِ وَعِنْدَ ذَلِكَ يَكُونُ مُسْتَهْلَكًا وَلَا يُرَى مَكَانُهُ فَكَانَ كَالْمَاءِ الْمَخْلُوطِ بِهِ وَالْمَاءُ غَالِبٌ لِأَنَّا نَقُولُ مَعْنَى الِاسْتِهْلَاكِ هُنَا أَكْمَلُ لِأَنَّ طَعْمَ الرُّطَبِ وَالْبُسْرِ الْيَسِيرِ مَوْجُودٌ فِي الْحَلْقِ بِخِلَافِ مَا ذَكَرَهُ وَلِأَنَّ الرُّطَبَ وَالْبُسْرَ جِنْسٌ وَاحِدٌ فَلَا يَكُونُ مُسْتَهْلَكًا بِجِنْسِهِ عِنْدَهُمَا عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَحْنَثُ بِشِرَاءِ كِبَاسَةِ بُسْرٍ فِيهَا رُطَبٌ فِي لَا يَشْتَرِي رُطَبًا) أَيْ لَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي رُطَبًا لَا يَحْنَثُ بِشِرَاءِ كِبَاسَةِ بُسْرٍ فِيهَا رُطَبٌ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْبَيْعَ يُصَادِفُهُ جُمْلَةً فَيَكُونُ الْقَلِيلُ تَابِعًا لِلْكَثِيرِ وَلِهَذَا بَائِعُهُ لَا يُسَمَّى بَائِعَ الرُّطَبِ فَصَارَ نَظِيرَ مَنْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي لَبَنًا أَوْ صُوفًا فَاشْتَرَى شَاةً لَهَا لَبَنٌ أَوْ صُوفٌ حَيْثُ لَا يَحْنَثُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ بَائِعَهُ لَا يُسَمَّى بَائِعًا لِلْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فَكَذَا مُشْتَرِيهِ لَا يُسَمَّى مُشْتَرِيًا لَهُ لِأَنَّ الشِّرَاءَ يُبْتَنَى عَلَى الْبَيْعِ بِخِلَافِ مَا إذَا عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى الْمَسِّ حَيْثُ يَحْنَثُ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا لِأَنَّ الْمَسَّ فِيهَا مُتَصَوَّرٌ حَقِيقَةً وَاسْمُ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ بَاقٍ بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ لَا يَمَسُّ قُطْنًا أَوْ كَتَّانًا فَمَسَّ ثَوْبًا اُتُّخِذَ مِنْهُ حَيْثُ لَا يَحْنَثُ لِزَوَالِ اسْمِ الْقُطْنِ وَالْكَتَّانِ عَنْهُ فَصَارَ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ سَمْنًا أَوْ زُبْدًا أَوْ مَا لَا يَمَسُّهُ فَأَكَلَ لَبَنًا أَوْ مَسَّهُ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِسَمَكٍ فِي لَا يَأْكُلُ لَحْمًا) أَيْ لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ لَحْمِ السَّمَكِ وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ يَحْنَثُ وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّهُ سُمِّيَ لَحْمًا فِي الْقُرْآنِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا} [فاطر : 12] وَالْمُرَادُ لَحْمُ السَّمَكِ بِالْإِجْمَاعِ وَلَنَا أَنَّ التَّسْمِيَةَ مَجَازِيَّةٌ لِأَنَّ اللَّحْمَ مُنْشَؤُهُ الدَّمُ وَلَا دَمَ فِيهِ إذْ هُوَ مِنْ سَوَاكِنِ الْمَاءِ وَلِهَذَا حَلَّ أَكْلُهُ مِنْ غَيْرِ ذَكَاةٍ فَصَارَ كَالْجَرَادِ فَكَانَ قَاصِرًا فِي اللَّحْمِيَّةِ وَمُطْلَقُ الِاسْمِ يَتَنَاوَلُ الْكَامِلَ دُونَ الْقَاصِرِ فَخَرَجَ عَنْ الْمُطْلَقِ بِدَلَالَةِ اللَّفْظِ وَلِهَذَا لَا يُفْهَمُ مِنْ لَفْظِ اللَّحْمِ لَحْمُ السَّمَكِ إلَّا بِقَرِينَةٍ حَتَّى لَوْ وَكَّلَ رَجُلًا بِشِرَاءِ لَحْمٍ فَاشْتَرَى لَحْمَ السَّمَكِ لَا يَلْزَمُهُ وَكَذَا بَائِعُ السَّمَكِ لَا يُسَمَّى لَحَّامًا عَادَةً وَمَبْنَى الْأَيْمَانِ عَلَى الْعُرْفِ لَا عَلَى أَلْفَاظِ الْقُرْآنِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ دَابَّةً فَرَكِبَ كَافِرًا لَا يَحْنَثُ لِمَا ذَكَرْنَا وَإِنْ سُمِّيَ فِي الْقُرْآنِ دَابَّةً وَكَذَا فِي اللُّغَةِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ فَحِينَئِذٍ يَحْنَثُ بِأَكْلِهِ لِأَنَّهُ لَحْمٌ مِنْ وَجْهٍ وَفِيهِ تَشْدِيدٌ عَلَى نَفْسِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَالْإِنْسَانِ وَالْكَبِدُ وَالْكَرِشُ لَحْمٌ) لِأَنَّ مَنْشَأَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الدَّمُ فَصَارَتْ لَحْمًا حَقِيقَةً حَتَّى يَحْنَثَ بِأَكْلِهَا فِي يَمِينِهِ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا إلَّا أَنَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ إنَّ آكِلَهُ آكِلُ بُسْرٍ وَرُطَبٍ فَيَحْنَثُ بِهِ) لِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَغَيْرِهِ وَالْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ لَيْسَ بِمُسْتَهْلَكٍ بِغَيْرِهِ فَيَكُونُ حَانِثًا . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلِهَذَا لَوْ مَيَّزَهُ فَأَكَلَهُ يَحْنَثُ) أَيْ يَحْنَثُ إجْمَاعًا . ا هـ . كَافِي (قَوْلُهُ يَحْنَثُ لِمَا ذَكَرْنَا) قَالَ الْكَمَالُ وَقَدْ يُقَالُ لَوْلَا التَّعْلِيلُ الْمَذْكُورُ يَقْتَصِرُ عَلَى مَا فَصَّلَهُ فَأَكَلَهُ وَحْدَهُ أَمَّا لَوْ أَكَلَ ذَلِكَ الْمَحَلَّ مَخْلُوطًا بِبَعْضِ الْبُسْرِ تَحَقَّقَتْ التَّبَعِيَّةُ فِي الْأَكْلِ وَثَانِيًا هُوَ بِنَاءٌ عَلَى انْعِقَادِ الْيَمِينِ عَلَى الْحَقِيقَةِ لَا الْعُرْفِ وَإِلَّا فَالرُّطَبُ الَّذِي فِيهِ بُقْعَةُ بُسْرٍ لَا يُقَالُ لِآكِلِهِ آكِلُ بُسْرٍ فِي الْعُرْفِ فَكَانَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ اُقْعُدْ فِي الْمَبْنَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ كِبَاسَةٍ) الْكِبَاسَةُ بِكَسْرِ الْكَافِ الْعِذْقُ وَهُوَ الْقِنْوُ وَالْقَنَا أَيْضًا وَيُقَالُ لِعُودِ الْعِذْقِ وَهُوَ عُودُ الْكِبَاسَةِ الْعُرْجُونُ وَالْأَهَانُ كَذَا ذَكَرَهُ أَبُو عُبَيْدٍ فِي الْمُصَنَّفِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْبَيْعَ يُصَادِفُهُ) الَّذِي فِي خَطِّ الشَّارِحِ يُصَادِفُ بِلَا ضَمِيرٍ . ا هـ .

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَبِسَمَكٍ فِي لَا يَأْكُلُ لَحْمًا) أَيْ وَمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا قَالَ الْكَمَالُ يَنْعَقِدُ يَمِينُهُ عَلَى لَحْمِ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْجَامُوسِ وَالْغَنَمِ وَالطُّيُورِ مَطْبُوخًا وَمَشْوِيًّا وَفِي حِنْثِهِ بِالنِّيءِ خِلَافُ الْأَظْهَرِ أَنْ لَا يَحْنَثَ وَعِنْدَ الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ يَحْنَثُ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ يَحْنَثُ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ يَحْنَثُ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ قَالَ الْكَمَالُ وَهِيَ رِوَايَةٌ شَاذَّةٌ ا هـ
{فَرْعٌ} حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا فَأَكَلَ مِنْ مَرَقِهِ لَا يَحْنَثُ إلَّا إذَا كَانَ نَوَاهُ . ا هـ . كَمَالٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّ اللَّحْمَ يَدُلُّ عَلَى الْقُوَّةِ فِي اللُّغَةِ) وَقُوَّتُهُ بِأَنْ يَكُونَ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ إذْ هُوَ مِنْ سَوَاكِنِ الْمَاءِ) أَيْ وَالدَّمَوِيُّ لَا يَسْكُنُ الْمَاءَ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَإِنْ سُمِّيَ فِي الْقُرْآنِ دَابَّةً) قَالَ تَعَالَى {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا} [الأنفال : 55] وَلَوْ حَلَفَ لَا يَجْلِسُ عَلَى وَتِدٍ فَجَلَسَ عَلَى الْجَبَلِ لَا يَحْنَثُ وَإِنْ كَانَ قَالَ تَعَالَى {وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا} [النبأ : 7] . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ) قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَأَكَلَ سَمَكًا طَرِيًّا أَوْ مَالِحًا لَمْ يَحْنَثْ إلَّا أَنْ يُعَيِّنَهُ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ الْخِنْزِيرُ فِنْعِيلٌ حَيَوَانٌ خَبِيثٌ وَيُقَالُ إنَّهُ حُرِّمَ عَلَى لِسَانِ كُلِّ نَبِيٍّ وَالْجَمْعُ خَنَازِيرُ ا هـ
(قَوْلُهُ وَالْكَبِدُ وَالْكَرِشُ) أَيْ وَالْقَلْبُ وَالرِّئَةُ وَالطِّحَالُ . ا هـ . (قَوْلُهُ لِأَنَّ مَنْشَأَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الدَّمُ) وَتُسْتَعْمَلُ اسْتِعْمَالَ اللَّحْمِ . ا هـ . كَمَالٌ (قَوْلُهُ حَتَّى يَحْنَثَ بِأَكْلِهَا فِي يَمِينِهِ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا) فَإِنْ قُلْت قَدْ قُلْت قَبْلَ هَذَا إنَّ مَبْنَى الْأَيْمَانِ عَلَى الْعُرْفِ وَلَا يَسْبِقُ أَوْهَامَ النَّاسِ مِنْ لَفْظِ اللَّحْمِ إلَى لَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَالْإِنْسَانِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْنَثَ قُلْنَا النَّاظِرُ لَوْ نَظَرَ إلَى لَحْمِ الْخِنْزِيرِ أَوْ الْإِنْسَانِ سَمَّاهُ لَحْمًا عَلَى الْإِطْلَاقِ بِخِلَافِ لَحْمِ السَّمَكِ فَإِنَّهُ لَا يُسَمَّى لَحْمًا عَلَى الْإِطْلَاقِ فَيَظْهَرُ الْفَرْقَ عَلَى أَنَّا نَقُولُ قَالَ الْإِمَامُ الْعَتَّابِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِي لَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَالْآدَمِيِّ قِيلَ الْحَالِفُ

(3/127)


لَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَالْآدَمِيِّ حَرَامٌ وَالْيَمِينُ قَدْ تُعْقَدُ لِمَنْعِ النَّفْسِ عَنْ الْحَرَامِ كَمَا إذَا حَلَفَ لَا يَزْنِي أَوْ لَا يَكْذِبُ يَصِحُّ يَمِينُهُ
وَكَذَا يَدْخُلُ أَيْضًا فِي الْعُمُومِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ شَرَابًا يَدْخُلُ فِيهِ الْخَمْرُ حَتَّى تَلْزَمَهُ الْكَفَّارَةُ بِشُرْبِهَا لِكَوْنِهَا شَرَابًا حَقِيقَةً وَلَا يُقَالُ الْكَفَّارَةُ فِيهَا مَعْنَى الْعِبَادَةِ فَكَيْفَ تُنَاطُ بِالْمَحْظُورِ الْمَحْضِ لِأَنَّا نَقُولُ الْحِلُّ وَالْحُرْمَةُ إنَّمَا يُرَاعَيَانِ فِي السَّبَبِ لَا فِي الشَّرْطِ وَالسَّبَبُ لِلْكَفَّارَةِ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ الْيَمِينُ لِأَنَّهُ يَنْقَلِبُ سَبَبًا عِنْدَ الْحِنْثِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ وَالْحِنْثُ شَرْطٌ وَالشَّرْطُ لَا يُضَافُ إلَيْهِ الْحُكْمُ وَلِهَذَا لَا يَضْمَنُ شُهُودُ الشَّرْطِ مَعَ شُهُودِ الْيَمِينِ إذَا رَجَعُوا وَهَذَا بِخِلَافِ النَّذْرِ بِالْمَعْصِيَةِ حَيْثُ لَا يَلْزَمُهُ بِهِ شَيْءٌ وَلَا يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ أَصْلًا وَإِنْ كَانَ النَّذْرُ مُوجِبًا كَالْيَمِينِ لِأَنَّ النَّذْرَ إيجَابٌ عَلَى نَفْسِهِ بِمَا شَرَعَهُ اللَّهُ عَلَى الْعِبَادِ وَلَمْ يَشْرَعْ اللَّهُ تَعَالَى الْمَعَاصِيَ فَلَا يَصِحُّ النَّذْرُ بِهَا وَلَا بِمَا لَا نَظِيرَ لَهُ فِي الشَّرْعِ مِنْ الْوَاجِبَاتِ لِعَيْنِهَا حَتَّى لَا يَلْزَمَهُ بِالنَّذْرِ إلَّا مَا لَهُ نَظِيرٌ مِنْ الْوَاجِبَاتِ وَأَمَّا وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ فِي الْيَمِينِ لَيْسَ لِعَيْنِهَا بَلْ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهَا وَهُوَ هَتْكُ حُرْمَةِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا يَخْتَلِفُ ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ يَمِينُهُ عَلَى الطَّاعَةِ أَوْ عَلَى الْمَعْصِيَةِ
وَذَكَرَ الْعَتَّابِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَالْآدَمِيِّ وَقَالَ فِي الْكَافِي وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى فَكَأَنَّهُ اُعْتُبِرَ فِيهِ الْعُرْفُ وَلَكِنَّ هَذَا عُرْفٌ عَمَلِيٌّ فَلَا يَصْلُحُ مُقَيِّدًا بِخِلَافِ الْعُرْفِ اللَّفْظِيِّ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ دَابَّةً لَا يَحْنَثُ بِالرُّكُوبِ عَلَى الْإِنْسَانِ لِلْعُرْفِ اللَّفْظِيِّ فَإِنَّ اللَّفْظَ عُرْفًا لَا يَتَنَاوَلُ إلَّا الْكُرَاعَ وَإِنْ كَانَ فِي اللُّغَةِ يَتَنَاوَلُهُ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ حَيَوَانًا يَحْنَثُ بِالرُّكُوبِ عَلَى الْإِنْسَانِ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ الْحَيَوَانِ وَالْعُرْفُ الْعَمَلِيُّ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُرْكَبُ عَادَةً لَا يَصْلُحُ مُقَيَّدًا وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحِيطِ فِي الْكَبِدِ وَالْكَرِشِ هَذَا فِي عَادَةِ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَأَمَّا فِي عُرْفِنَا فَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِهِ فِي يَمِينِهِ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ لَحْمًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِشَحْمِ الظَّهْرِ فِي شَحْمًا) أَيْ لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ شَحْمِ الظَّهْرِ وَشِرَائِهِ وَبَيْعِهِ فِي يَمِينِهِ لَا يَأْكُلُ شَحْمًا أَوْ لَا يَشْتَرِيهِ أَوْ لَا يَبِيعُهُ وَإِنَّمَا يَحْنَثُ بِشَحْمِ الْبَطْنِ خَاصَّةً وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا يَحْنَثُ بِشَحْمِ الظَّهْرِ أَيْضًا لِأَنَّ شَحْمَ الظَّهْرِ شَحْمٌ حَقِيقَةً وَفِيهِ خَاصِّيَّةٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُذَابُ كَشَحْمِ الْبَطْنِ وَيَصْلُحُ لِمَا يَصْلُحُ لَهُ الشَّحْمُ وَيُسْتَعْمَلُ اسْتِعْمَالَهُ وَيَتَنَاوَلُهُ اسْمُ الشَّحْمِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ} [الأنعام : 146] فَاسْتَثْنَاهُ مِنْ الشُّحُومِ وَالْأَصْلُ فِي الِاسْتِثْنَاءِ أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَثْنَى مِنْ جِنْسِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فَصَارَتْ الشُّحُومُ أَرْبَعَةً شَحْمُ الْبَطْنِ وَشَحْمُ الظَّهْرِ وَشَحْمٌ مُخْتَلِطٌ بِالْعَظْمِ وَشَحْمٌ عَلَى ظَاهِرِ الْأَمْعَاءِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ يَحْنَثُ بِشَحْمِ الْبَطْنِ وَالثَّلَاثَةُ عَلَى الْخِلَافِ هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي
وَإِنَّمَا لَا يَحْنَثُ بِشِرَائِهِ فِي يَمِينِهِ لَا يَشْتَرِي شَحْمًا فِي رِوَايَةٍ عَنْهُمَا لِأَنَّ الشِّرَاءَ لَا يَتِمُّ بِالْحَالِفِ وَإِنَّمَا يَكُونُ مُشْتَرِيًا لِلشَّحْمِ إذَا اشْتَرَاهُ مِمَّنْ يُسَمَّى بَائِعُهُ شَحَّامًا وَأَمَّا الْأَكْلُ فَفِعْلٌ يَتِمُّ بِالْآكِلِ وَحْدَهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي طَعَامًا فَاشْتَرَى لَحْمًا لَا يَحْنَثُ وَفِي الْأَكْلِ يَحْنَثُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَحْمٌ حَقِيقَةً أَلَا تَرَى أَنَّهُ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي مِنْ الدَّمِ وَيُسْتَعْمَلُ اسْتِعْمَالَ اللُّحُومِ لَا الشُّحُومِ فِي اتِّخَاذِ الْقَلَايَا وَالْبَاجَاتِ وَلَهُ قُوَّةُ اللَّحْمِ وَلَا يُطْلِقُونَ عَلَيْهِ اسْمَ الشَّحْمِ وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا يَحْنَثُ بِأَكْلِهِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَحْمًا لَمَا حَنِثَ فَكَيْفَ يَكُونُ شَحْمًا مَعَ كَوْنِهِ لَحْمًا وَالِاسْتِثْنَاءُ فِي الْآيَةِ مُنْقَطِعٌ بِدَلِيلِ اسْتِثْنَاءِ الْحَوَايَا فَإِنْ قِيلَ الْمُرَادُ مَا حَمَلَتْهُ الْحَوَايَا مِنْ الشَّحْمِ قُلْنَا ذَا إضْمَارٌ وَهُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا لِضَرُورَةٍ وَالِاسْتِثْنَاءُ الْمُنْقَطِعُ وَإِنْ كَانَ خِلَافَ الْأَصْلِ وَلَكِنَّهُ يَثْبُتُ إذَا دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَيْهِ وَهُنَا دَلَّ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ وَهُوَ اسْتِثْنَاءُ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ وَهُوَ الْمُخُّ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّهُ شَحْمٌ وَلَئِنْ سُمِّيَ شَحْمًا لَا يَلْزَمُنَا لِأَنَّ الْأَيْمَانَ مَبْنَاهَا عَلَى الْعُرْفِ لَا عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْقُرْآنِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ
وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقِيلَ هَذَا إذَا حَلَفَ بِالْعَرَبِيَّةِ وَأَمَّا اسْمُ بيه بِالْفَارِسِيَّةِ لَا يَقَعُ عَلَى شَحْمِ الظَّهْرِ بِحَالٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِأَلْيَةٍ فِي لَحْمًا أَوْ شَحْمًا) أَيْ لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ أَلْيَةٍ أَوْ شِرَائِهِ فِيمَا إذَا حَلَفَ لَا يَشْتَرِي أَوْ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا أَوْ شَحْمًا لِأَنَّهَا نَوْعٌ ثَالِثٌ حَتَّى لَا يُسْتَعْمَلَ اسْتِعْمَالَ اللُّحُومِ وَلَا الشُّحُومِ فَلَا يَتَنَاوَلُهَا اللَّفْظُ مَعْنًى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
إذَا كَانَ مُسْلِمًا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْنَثَ لِأَنَّ أَكْلَهُ لَيْسَ بِمُتَعَارَفٍ وَمَبْنَى الْأَيْمَانِ عَلَى الْعُرْفِ ثُمَّ قَالَ وَهُوَ الصَّحِيحُ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَكِنَّ هَذَا عُرْفٌ عَمَلِيٌّ) وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ كُلٌّ عَادَةً ا هـ
(قَوْلُهُ فَإِنَّ اللَّفْظَ عُرْفًا لَا يَتَنَاوَلُ إلَّا الْكُرَاعَ) أَيْ الْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحِيطِ فِي الْكَبِدِ وَالْكَرِشِ إلَخْ) قَالَ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَمَّا فِي عُرْفِنَا لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ الْكَبِدِ وَالْكَرِشِ لِأَنَّهُمَا لَا يُعَدَّانِ مِنْ اللَّحْمِ وَلَا يُسْتَعْمَلَانِ اسْتِعْمَالَ اللَّحْمِ وَيَحْنَثُ بِأَكْلِ الرُّءُوسِ لِأَنَّهُ لَحْمٌ حَقِيقَةً يُقَالُ رَأْسٌ كَثِيرُ اللَّحْمِ وَرَأْسٌ قَلِيلُ اللَّحْمِ ا هـ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمَ شَاةٍ فَأَكَلَ لَحْمَ الْعَنْزِ قَالُوا وَإِنْ كَانَ مِصْرِيًّا لَا يَحْنَثُ وَإِنْ كَانَ قَرَوِيًّا يَحْنَثُ لِأَنَّ أَهْلَ الْقُرَى لَا يُمَيِّزُونَ بَيْنَ الشَّاةِ وَالْعَنْزِ مِنْهُ أَيْضًا (قَوْلُهُ وَأَمَّا فِي عُرْفِنَا فَلَا يَحْنَثُ) قُلْت وَكَذَا فِي عُرْفِ أَهْلِ مِصْرُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى لَحْمًا ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَلَوْ أَكَلَ الرَّأْسَ وَالْأَكَارِعَ يَحْنَثُ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأَصَحِّ وَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ الشَّحْمِ وَالْأَلْيَةِ إلَّا إذَا نَوَاهُ فِي اللَّحْمِ بِخِلَافِ شَحْمِ الظَّهْرِ حَنِثَ بِهِ بِلَا نِيَّةٍ لِأَنَّهُ تَابِعُ اللَّحْمِ فِي الْوُجُودِ وَيُقَالُ فِي الْعُرْفِ لَحْمٌ سَمِينٌ . ا هـ . كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَبِشَحْمٍ) عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ بِشِرَاءِ كِبَاسَةٍ . ا هـ . رَازِيٌّ (قَوْلُهُ وَهُوَ اسْتِثْنَاءُ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ إلَخْ) قَالَ الْمَاوَرْدِيِّ فِي تَفْسِيرِهِ فِيهِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا شَحْمُ الْجَنْبِ الثَّانِي شَحْمُ الْجَنْبِ وَالْأَلْيَةِ لِأَنَّهُ عَلَى الْعُصْعُصِ ا هـ (قَوْلُهُ حَتَّى لَا يَسْتَعْمِلَ اللُّحُومَ وَلَا الشُّحُومَ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِهِ فِي حَلِفِهِ عَلَى اللَّحْمِ خِلَافًا لِبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ وَلَا فِي يَمِينِ الشَّحْمِ خِلَافًا لِأَحْمَدَ لِلْعُرْفِ وَالْعَادَةِ وَأَمَّا أَنَّهُ لَا يُسْتَعْمَلُ اسْتِعْمَالَ الشَّحْمِ فِيهِ نَظَرٌ إلَّا أَنْ يُرَادَ جَمِيعُ اسْتِعْمَالَاتِهِ . ا هـ .

(3/128)


وَلَا عُرْفًا

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِالْخُبْزِ فِي هَذَا الْبُرِّ) يَعْنِي لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذَا الْبُرِّ فَأَكَلَ مِنْ خُبْزِهِ لَا يَحْنَثُ وَكَذَا إذَا أَكَلَ مِنْ سَوِيقِهِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَحْنَثُ بِأَكْلِ الْخُبْزِ مِنْهُ وَلَا يَحْنَثُ بِالسَّوِيقِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَحْنَثُ بِهِمَا وَإِنْ قَضَمَهُ حَنِثَ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا وَضْعُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْمُعِينِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُنَكَّرًا ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ جَوَابُ أَبِي حَنِيفَةَ كَجَوَابِهِمَا وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ وَأَمَّا إذَا نَوَى فَهُوَ كَمَا نَوَى بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ أَوْ مُحْتَمَلَهُ وَهُوَ الْمَجَازُ لَهُمَا فِي الْخِلَافِيَّةِ أَنَّ أَكْلَ مَا يُتَّخَذُ مِنْ الْبُرِّ أَكْلٌ لَهُ عَادَةً يُقَالُ أَهْلُ مِصْرَ يَأْكُلُونَ الْبُرَّ يُرَادُ بِهِ كُلُّ مَا يُتَّخَذُ مِنْهُ فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِعُمُومِ الْمَجَازِ وَمَعْنَاهُ أَنْ يَكُونَ لِلْمَجَازِ أَفْرَادٌ كَثِيرَةٌ وَمِنْ جُمْلَةِ أَفْرَادِهِ مَحَلُّ الْحَقِيقَةِ فَتَدْخُلُ الْحَقِيقَةُ فِي الْمَجَازِ كَمَنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ فَإِنَّهُ مَجَازٌ عَنْ الْمَسْكَنِ وَحَقِيقَتُهُ لِلْمِلْكِ فَيَدْخُلُ فِي الْيَمِينِ مَا يَسْكُنُهُ كَيْفَمَا كَانَ سَوَاءٌ كَانَ مُسْتَأْجَرًا أَوْ عَارِيَّةً أَوْ مِلْكًا لِعُمُومِ الْمَجَازِ إجْمَاعًا فَكَذَا هَذَا وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَرَّ عَلَى أَصْلِهِ فِي السَّوِيقِ لِأَنَّهُ أَكَلَ الْمُتَّخَذَ مِنْهُ وَحَلِفُهُ وَاقِعٌ عَلَيْهِ وَأَبُو يُوسُفَ خَالَفَ أَصْلَهُ لِأَنَّ حَلِفَهُ يَقَعُ عَلَى الْمُتَّخَذِ مِنْهُ عُرْفًا وَلَا عُرْفَ فِي السَّوِيقِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ لَهُ حَقِيقَةٌ مُسْتَعْمَلَةٌ لَهُ فَإِنَّهَا تُؤْكَلُ قَضْمًا وَمَطْبُوخَةً وَكُشْكًا وَهَرِيسَةً وَمَقْلِيَّةً وَمَجَازٌ مُتَعَارَفٌ فَالْحَقِيقَةُ الْمُسْتَعْمَلَةُ أَوْلَى عِنْدَهُ مِنْ الْمَجَازِ الْمُتَعَارَفِ فَصَارَ كَمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ الْبَيْضَةِ فَأَكَلَ مِنْ فَرْخِهَا وَعِنْدَهُمَا الْمَجَازُ الْمُتَعَارَفُ أَوْلَى وَهَذَا يَرْجِعُ إلَى أَصْلٍ وَهُوَ أَنَّ الْمَجَازَ خَلَفٌ عَنْ الْحَقِيقَةِ فِي الْحُكْمِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ فِي التَّكَلُّمِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي أَوَّلِ الْعَتَاقِ وَلَوْ زَرَعَ الْحِنْطَةَ فَأَكَلَ مَا خَرَجَ مِنْهَا لَمْ يَحْنَثْ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي هَذَا الدَّقِيقِ حَنِثَ بِخَبْزِهِ لَا بِسَفِّهِ) أَيْ لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذَا الدَّقِيقَ يَحْنَثُ بِأَكْلِ خُبْزِهِ وَلَا يَحْنَثُ بِسَفِّهِ لِأَنَّ عَيْنَ الدَّقِيقِ لَا تُؤْكَلُ فَانْصَرَفَ الْيَمِينُ إلَى مَا يُتَّخَذُ مِنْهُ كَمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ النَّخْلَةِ يَنْصَرِفُ إلَى مَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَلَا يَحْنَثُ بِالسَّفِّ لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ مَهْجُورَةٌ فَسَقَطَ اعْتِبَارُهَا كَمَنْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ إنْ نَكَحْتُكِ فَعَبْدِي حُرٌّ فَزَنَى بِهَا لَمْ يَحْنَثْ وَكَذَا لَوْ أَكَلَ خَشَبَ النَّخْلَةِ فِي يَمِينِهِ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ النَّخْلَةِ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ يَمِينَهُ انْصَرَفَ إلَى الْمَجَازِ وَلَمْ يَتَنَاوَلْ بَعْدَهُ الْحَقِيقَةَ إلَّا بِطَرِيقِ عُمُومِ الْمَجَازِ وَلَمْ يُوجَدْ وَقِيلَ يَحْنَثُ لِأَنَّهُ أَكَلَ الدَّقِيقَ حَقِيقَةً وَالْعُرْفُ وَإِنْ اُعْتُبِرَ لَا يَسْقُطُ بِهِ الْحَقِيقَةُ وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ وَإِنْ عَنَى أَكْلَ الدَّقِيقِ بِعَيْنِهِ لَمْ يَحْنَثْ بِأَكْلِ الْخُبْزِ الْمُتَّخَذِ مِنْهُ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْخُبْزُ مَا اعْتَادَهُ بَلَدُهُ) أَيْ الَّذِي اعْتَادَ أَهْلُ بَلَدِ الْحَالِفِ أَكْلَهُ حَتَّى لَوْ حَلَفَ فِي الْقَاهِرَةِ أَنْ لَا يَأْكُلَ الْخُبْزَ يَنْصَرِفُ إلَى خُبْزِ الْبُرِّ وَبِطَبْرِسْتَانَ يَنْصَرِفُ إلَى خُبْزِ الرُّزِّ وَفِي زُبَيْدٍ يَنْصَرِفُ إلَى خُبْزِ الذُّرَةِ وَالدَّخَنِ وَلَوْ أَكَلَ الْحَالِفُ خِلَافَ مَا عِنْدَهُمْ مِنْ الْخُبْزِ لَمْ يَحْنَثْ وَكَذَا إذَا أَكَلَ خُبْزَ الْقَطَائِفِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى خُبْزًا مُطْلَقًا وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذَا الْخُبْزَ فَجَفَّفَهُ ثُمَّ دَقَّهُ فَشَرِبَهُ بِالْمَاءِ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ هَذَا شُرْبٌ وَلَيْسَ بِأَكْلٍ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ أَكَلْت هَذَا الْخُبْزَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَطَلَبَتْ حِيلَةً حَتَّى تَأْكُلَ وَلَا تَطْلُقُ قَالَ يَنْبَغِي أَنْ تَدُقَّ ذَلِكَ الْخُبْزَ وَتُلْقِيهِ فِي عَصِيدَةٍ وَيُطْبَخُ حَتَّى يَصِيرَ الْخُبْزُ هَالِكًا فَتَأْكُلُ الْعَصِيدَةَ وَلَا تَحْنَثُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالشِّوَاءُ وَالطَّبِيخُ عَلَى اللَّحْمِ) أَيْ وَمُطْلَقُ اسْمِ الشِّوَاءِ يَقَعُ عَلَى اللَّحْمِ لِأَنَّ الشِّوَاءَ يُرَادُ بِهِ اللَّحْمُ الْمَشْوِيُّ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ دُونَ الْبَاذِنْجَانِ وَالْجَزَرِ الْمَشْوِيَّيْنِ أَلَا تَرَى أَنَّ الشِّوَاءَ اسْمٌ لِمَنْ يَبِيعُ اللَّحْمَ الْمَشْوِيَّ دُونَ غَيْرِهِ فَمُطْلَقُ الِاسْمِ يَنْصَرِفُ إلَيْهِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ كُلَّ مَا يُشْوَى مِنْ بِيضٍ وَغَيْرِهِ فَتَعْمَلُ نِيَّتُهُ وَفِيهِ تَشْدِيدٌ عَلَى نَفْسِهِ وَكَذَا الطَّبِيخُ يَقَعُ عَلَى مَا يُطْبَخُ مِنْ اللَّحْمِ عُرْفًا
وَالْقِيَاسُ أَنْ يَحْنَثَ بِكُلِّ مَا يُطْبَخُ لِكَوْنِهِ طَبِيخًا حَقِيقَةً وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الطَّبِيخَ اسْمٌ لِلْمَطْبُوخِ مِنْ اللَّحْمِ عُرْفًا وَعَلَيْهِ مَبْنَى الْأَيْمَانِ وَمُتَّخِذُهُ يُسَمَّى طَبَّاخًا وَلَا يُسَمَّى مَنْ يَطْبُخُ الْأَدْوِيَةَ طَبَّاخًا وَكُلُّ أَحَدٍ يَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ الْأَدْوِيَةَ الْمَطْبُوخَةَ فَتَعَذَّرَ حَمْلُهُ عَلَى الْعُمُومِ فَحَلَمْنَاهُ عَلَى خَاصٍّ هُوَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ بِالْخُبْزِ فِي هَذَا الْبِرِّ) قَالَ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذِهِ الْحِنْطَةَ إنْ نَوَى لَا يَأْكُلُهَا حَبًّا فَهُوَ عَلَى مَا نَوَى لِأَنَّهُ نَوَى الْحَقِيقَةَ فَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ الْخُبْزِ وَإِنْ نَوَى أَكْلَ الْخُبْزِ فَهُوَ عَلَى مَا نَوَى لِأَنَّهُ نَوَى الْمَجَازَ الْمُتَعَارَفَ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَإِنْ أَكَلَهَا قَضْمًا حَنِثَ وَإِنْ أَكَلَ مِنْ خُبْزِهَا لَا يَحْنَثُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَحْنَثُ بِأَكْلِ الْخُبْزِ أَيْضًا . ا هـ . (قَوْلُهُ فَأَكَلَ مِنْ خُبْزِهِ لَا يَحْنَثُ) أَيْ لَا يَحْنَثُ حَتَّى يَقْضِمَهَا غَيْرَ نِيئَةٍ وَلَوْ قَضَمَهَا نِيئَةً لَمْ يَحْنَثْ . ا هـ . كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَحْنَثُ بِأَكْلِ الْخُبْزِ مِنْهُ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَهَذَا إذَا لَمْ يَنْوِ الْحَبَّ بِعَيْنِهِ فَإِذَا نَوَاهُ لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ الْخُبْزِ عِنْدَهُمَا أَيْضًا وَعَلَيْهِ نَصَّ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ فَلَا يُرَادُ الْمَجَازُ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَكِشْكًا) وِزَانُ فَلْسٍ مَا يُعْمَلُ مِنْ الْحِنْطَةِ وَرُبَّمَا عُمِلَ مِنْ الشَّعِيرِ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ . ا هـ . مِصْبَاحٌ
(قَوْلُهُ فَصَارَ كَمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ الْبَيْضَةِ فَأَكَلَ مِنْ فَرْخِهَا) لَا يَحْنَثُ لِانْعِقَادِ الْيَمِينِ عَلَى عَيْنِهَا إذَا كَانَ مَأْكُولًا . ا هـ .

كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ وَلَا يَحْنَثُ بِالسَّفِّ) هُوَ الصَّحِيحُ . ا هـ . هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ كَمَنْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ إنْ نَكَحْتُك فَعَبْدِي حُرٌّ فَزَنَى بِهَا لَمْ يَحْنَثْ) لِانْصِرَافِ يَمِينِهِ إلَى الْعَقْدِ فَلَمْ يَتَنَاوَلْ الْيَمِينُ الْوَطْءَ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ . ا هـ . فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَمُطْلَقُ اسْمِ الشِّوَاءِ يَقَعُ عَلَى اللَّحْمِ) أَيْ لِأَنَّ الشِّوَاءَ عِبَارَةٌ عَمَّا يُنْضَجُ فِي النَّارِ بِلَا مَاءٍ وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي اللَّحْمِ وَغَيْرِهِ إلَّا أَنَّ فِي الْعُرْفِ لَمَّا أُرِيدَ بِهِ اللَّحْمُ وَقَعَتْ يَمِينُهُ عَلَيْهِ خَاصَّةً . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ كُلَّ مَا يُشْوَى مِنْ بَيْضٍ وَغَيْرِهِ) أَيْ كَالْفُولِ الْأَخْضَرِ الَّذِي يُسَمَّى فِي عُرْفِنَا شَوِيَّ الْعَرَبِ . ا هـ . فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الطَّبِيخَ اسْمٌ لِلْمَطْبُوخِ مِنْ اللَّحْمِ عُرْفًا) أَيْ وَلَا يُقَالُ لِمَنْ أَكَلَ الْبَاقِلَاءَ الْمَطْبُوخَ أَكَلَ الطَّبِيخَ وَإِنْ كَانَ طَبِيخًا فِي الْحَقِيقَةِ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَحَمَلْنَاهُ عَلَى خَاصٍّ) أَيْ عَلَى

(3/129)


مُتَعَارَفٌ وَلَا يَحْنَثُ إلَّا إذَا أَكَلَ الْمَطْبُوخَ بِالْمَاءِ وَأَمَّا الْقَلِيَّةُ الْيَابِسَةُ فَلَا تُسَمَّى طَبِيخًا فَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِهَا وَإِنْ أَكَلَ الْخُبْزَ بِالْمَرَقَةِ يَحْنَثُ لِأَنَّهُ يُسَمَّى طَبِيخًا وَفِيهَا أَجْزَاءُ اللَّحْمِ أَيْضًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالرَّأْسُ مَا يُبَاعُ فِي مِصْرِهِ) أَيْ اسْمُ الرَّأْسِ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ مَا يُبَاعُ فِي بَلَدِهِ مِنْ الرُّءُوسِ حَتَّى لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رَأْسًا فَيَمِينُهُ عَلَى رُءُوسٍ تُكْبَسُ فِي التَّنَانِيرِ وَتُبَاعُ فِي مِصْرِهِ لِأَنَّا نَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُرِيدُ بِهِ رَأْسَ كُلِّ شَيْءٍ فَإِنَّ رَأْسَ الْجَرَادِ وَالْعُصْفُورِ لَا يَدْخُلُ تَحْتَهُ وَهُوَ رَأْسٌ حَقِيقَةً فَإِذَا لَمْ يُرِدْ بِهِ الْحَقِيقَةَ وَجَبَ اعْتِبَارُ الْعُرْفِ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا
وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَوَّلًا يَقُولُ يَدْخُلُ فِيهِ رَأْسُ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ يَحْنَثُ فِي رَأْسِ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ خَاصَّةً وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا يَحْنَثُ إلَّا فِي رَأْسِ الْغَنَمِ خَاصَّةً وَهَذَا اخْتِلَافُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ وَتَبَدُّلِ عَادَةٍ لَا اخْتِلَافُ حُجَّةٍ وَبُرْهَانٍ إذْ مَسَائِلُ الْأَيْمَانِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعُرْفِ فَتَدُورُ مَعَهُ فَإِنْ قِيلَ أَنْتُمْ حَنَّثْتُمُوهُ بِلَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَالْآدَمِيِّ وَهُوَ لَمْ يَجْرِ فِيهِ تَبَايُعٌ فِي الْأَسْوَاقِ وَلَا عُرْفٌ بَيْنَ النَّاسِ قُلْنَا الْأَصْلُ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ الْإِنْسَانَ مَتَى عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى فِعْلٍ مُضَافٍ إلَى شَيْءٍ إنْ أَمْكَنَ بِحَقِيقَتِهِ يَعْمَلُ بِحَقِيقَتِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَعَارَفًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْعَمَلُ بِحَقِيقَتِهِ يَجِبُ تَقْيِيدُهُ بِالْمُتَعَارَفِ وَبَيَانُهُ إذَا حَلَفَ لَا يَدْخُلُ بَيْتًا فَدَخَلَ بَيْعَةً أَوْ كَنِيسَةً أَوْ بَيْتَ نَارٍ أَوْ الْكَعْبَةَ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ الْعَمَلُ بِحَقِيقَةِ الْبَيْتِ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ الدُّخُولُ فِي بَيْتِ الْعَنْكَبُوتِ وَبِمِثْلِهِ لَوْ حَلَفَ لَا يَهْدِمُ بَيْتًا فَهَدَمَ بَيْتَ الْعَنْكَبُوتِ يَحْنَثُ وَإِنْ كَانَ لَا يُتَعَارَفُ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ الْعَمَلُ بِحَقِيقَتِهِ فِي حَقِّ الْهَدْمِ بِخِلَافِ الدُّخُولِ فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا نَقُولُ فِيهِ إذَا عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى أَكْلِ الرَّأْسِ فَالْعَمَلُ بِحَقِيقَتِهِ فِيهِ مُمْتَنِعٌ لِأَنَّ الرَّأْسَ اسْمٌ لِلْعَظْمِ وَاللَّحْمِ وَأَكْلُ الْكُلِّ مُمْتَنِعٌ وَلَوْ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى اللَّحْمِ فَالْعَمَلُ بِحَقِيقَتِهِ مُمْكِنٌ لِأَنَّ اللَّحْمَ يُؤْكَلُ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ فَيَنْعَقِدُ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ الْجَوَابُ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ دَابَّةً لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ رُكُوبُ جَمِيعِ الدَّوَابِّ فَإِنْ قِيلَ هَذَا يَسْتَقِيمُ فِي الْأَكْلِ وَلَا يَسْتَقِيمُ فِي الشِّرَاءِ فَإِنَّ شِرَاءَ الرَّأْسِ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ مُمْكِنٌ قُلْنَا لَا نُسَلِّمُ فَإِنَّ مِنْ الرُّءُوسِ مَا لَا يُمْكِنُ شِرَاؤُهَا كَرُءُوسِ النَّمْلِ وَنَحْوِهَا

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْفَاكِهَةُ التُّفَّاحُ وَالْبِطِّيخُ وَالْمِشْمِشُ لَا الْعِنَبُ وَالرُّمَّانُ وَالرُّطَبُ وَالْقِثَّاءُ وَالْخِيَارُ) حَتَّى لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ فَاكِهَةً يَحْنَثُ بِأَكْلِ التُّفَّاحِ وَالْبِطِّيخِ وَالْمِشْمِشِ وَلَا يَحْنَثُ بِالْعِنَبِ وَالرُّمَّانِ إلَخْ لِأَنَّ الْفَاكِهَةَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أَخَصَّ الْخُصُوصِ وَهُوَ اللَّحْمُ الْمَطْبُوخُ بِالْمَرَقِ وَهُوَ مُتَعَارَفُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ غَيْرَهُ مِنْ الْبَاذِنْجَانِ فَمَا طُبِخَ فَيَحْنَثُ بِهِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ لَا يَحْنَثَ بِالْأُرْزِ الْمَطْبُوخِ بِلَا لَحْمٍ وَفِي الْخُلَاصَةِ يَحْنَثُ بِالْأُرْزِ إذَا طُبِخَ بِوَدَكٍ فَإِنَّهُ يُسَمَّى طَبِيخًا بِخِلَافِ مَا لَوْ طُبِخَ بِزَيْتٍ أَوْ سَمْنٍ قَالَ ابْنُ سِمَاعَةَ الطَّبِيخُ يَقَعُ عَلَى الشَّحْمِ أَيْضًا وَلَا شَكَّ أَنَّ اللَّحْمَ بِالْمَاءِ طَبِيخٌ وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي أَنَّهُ هُوَ الْمُتَعَارَفُ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِهِ . ا هـ . كَمَالٌ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الطَّبِيخَ فَهُوَ عَلَى مَا يُطْبَخُ مِنْ اللَّحْمِ قَالَ الْكَمَالُ يَعْنِي بِالْمَاءِ حَتَّى إنَّ مَا يُتَّخَذُ مِنْ اللَّحْمِ قَلِيَّةً لَا يُسَمَّى طَبِيخًا فَلَا يَحْنَثُ بِهِ ا هـ
(قَوْلُهُ وَإِنْ أَكَلَ الْخُبْزَ بِالْمَرَقَةِ يَحْنَثُ) أَيْ لِأَنَّهُ فِي الْعُرْفِ يُقَالُ أَكَلَ الطَّبِيخَ وَإِنْ لَمْ يَأْكُلْ اللَّحْمَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَفِيهَا أَجْزَاءُ اللَّحْمِ) قَالَ الْكَمَالُ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا فَأَكَلَ الْمَرَقَ الَّذِي طُبِخَ فِيهِ اللَّحْمُ حَنِثَ وَقَدَّمْنَا مِنْ الْمَنْقُولِ خِلَافَهُ وَالْوَجْهُ مَا ذَكَرْنَاهُ ثَانِيًا مِنْ قَوْلِهِ وَلِأَنَّهُ يُسَمَّى طَبِيخًا يَعْنِي فِي الْعُرْفِ بِخِلَافِ مَرَقِ اللَّحْمِ فَإِنَّهُ لَا يُسَمَّى لَحْمًا فِي الْعُرْفِ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَهَذَا اخْتِلَافُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ) قَالَ الْكَمَالُ فَكَانَ الْعُرْفُ فِي زَمَنِهِ فِيهَا ثُمَّ صَارَ فِي الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ فَرَجَعَ أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ انْعِقَادِهِ فِي حَقِّ رُءُوسِ الْإِبِلِ وَفِي زَمَانِهِمَا فِي الْغَنَمِ خَاصَّةً فَوَجَبَ عَلَى الْمُفْتِي أَنْ يُفْتِيَ بِمَا هُوَ الْمُعْتَادُ فِي كُلِّ مِصْرٍ وَقَعَ فِيهِ الْحَلِفُ كَمَا هُوَ فِي مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ ا هـ (قَوْلُهُ إنْ أَمْكَنَ الْعَمَلُ بِحَقِيقَتِهِ إلَخْ) نَظَرَ فِيهِ الْكَمَالُ وَقَدْ نُقِلَتْ عِبَارَتُهُ أَوَّلَ بَابِ الْيَمِينِ فِي الدُّخُولِ ا هـ
(قَوْلُهُ فَهَدَمَ بَيْتَ الْعَنْكَبُوتِ يَحْنَثُ) فِي الْحِنْثِ بِهَدْمِ بَيْتِ الْعَنْكَبُوتِ نَظَرٌ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ إنَّهُ سَهْوٌ وَقَدْ نَقَلْت عِبَارَتَهُ أَوَّلَ بَابِ الْيَمِينِ فِي الدُّخُولِ وَنَقَلْت مَا ذَكَرَهُ الْكَمَالُ فِيهِ فَلْيُرَاجَعْ فِيهِ فَإِنَّهُ مُفِيدٌ ا هـ (قَوْلُهُ وَأَكْلُ الْكُلِّ مُمْتَنِعٌ) أَيْ فَصِيرَ إلَى الْمُتَعَارَفِ . ا هـ . فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ عَقَدَ يَمِينَهُ إلَخْ) يَعْنِي اللَّحْمَ يُمْكِنُ فِيهِ أَكْلُ كُلِّ مَا يُسَمَّى لَحْمًا فَانْعَقَدَ بِاعْتِبَارِهِ بِخِلَافِ الرُّءُوسِ . ا هـ . (قَوْلُهُ لِأَنَّ اللَّحْمَ يُؤْكَلُ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ) أَيْ فَلِذَا حَنِثَ بِأَكْلِ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَالْآدَمِيِّ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا يُخَرَّجُ الْجَوَابُ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ دَابَّةً) أَيْ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ إذَا رَكِبَ كَافِرًا وَهُوَ دَابَّةٌ حَقِيقَةً فَأَمْكَنَ الْعَمَلُ بِالْحَقِيقَةِ وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يَجْرِ عَلَى عُمُومِهِ فَإِنَّ إمْكَانَ الْعَمَلِ بِحَقِيقَةِ عُمُومِهِ مُنْتَفٍ إذْ مِنْ الدَّوَابِّ النَّمْلُ وَمَا هُوَ أَصْغَرُ مِنْهَا وَلَا يُمْكِنُ رُكُوبُهُ فَصِيرَ إلَى الْمُتَعَارَفِ وَهَذَا يَهْدِمُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ إنَّمَا يَتَكَلَّمُ بِالْعُرْفِ الَّذِي بِهِ التَّخَاطُبُ فَوَجَبَ عِنْدَ عَدَمِ نِيَّتِهِ أَنْ يَحْكُمَ بِأَنَّ الْمُرَادَ مَا عَلَيْهِ الْعُرْفُ وَتَقَدَّمَ تَصْحِيحُ الْعَتَّابِيِّ وَغَيْرِهِ فِي لَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَالْآدَمِيِّ عَدَمُ الْحِنْثِ وَلَيْسَ إلَّا بِنَاءً عَلَى هَذَا الْأَصْلِ وَلَوْ كَانَ هَذَا الْأَصْلُ الْمَذْكُورُ مَنْظُورًا إلَيْهِ لَمَا تَجَاسَرَ أَحَدٌ عَلَى خِلَافِهِ فِي الْفُرُوعِ . ا هـ . فَتْحٌ (قَوْلُهُ كَرُءُوسِ النَّمْلِ وَنَحْوِهَا) أَيْ كَرُءُوسِ الْآدَمِيِّ ا هـ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْبِطِّيخُ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ الْبِطِّيخُ بِكَسْرِ الْبَاءِ فَاكِهَةٌ مَعْرُوفَةٌ وَفِي لُغَةٍ لِأَهْلِ الْحِجَازِ جَعْلُ الطَّاءِ مَكَانَ الْبَاءِ قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ فِي بَابِ مَا هُوَ مَكْسُورُ الْأَوَّلِ وَتَقُولُ هُوَ الْبِطِّيخُ وَالطِّبِّيخُ وَالْعَامَّةُ تَفْتَحُ الْأَوَّلَ وَهُوَ غَلَطٌ لِفَقْدِ فَعِّيلٍ بِالْفَتْحِ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَالْقِثَّاءُ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ الْقِثَّاءُ فُعَالٌ وَهَمْزَتُهُ أَصْلٌ وَكَسْرُ الْقَافِ أَكْثَرُ مِنْ ضَمِّهَا وَهُوَ اسْمُ جِنْسٍ لِمَا يَقُولُ لَهُ النَّاسُ الْخِيَارُ وَالْعَجُّورُ وَالْفَقُّوصُ الْوَاحِدَةُ قِثَّاءٌ وَأَرْضٌ تَغَدَّ وِزَانُ مَسْبَعَةٍ ذَاتُ قِثَّاءٍ وَبَعْضُ النَّاسِ يُطْلِقُونَ الْقِثَّاءَ عَلَى نَوْعٍ يُشْبِهُ الْخِيَارَ وَهُوَ مُطَابِقٌ لِقَوْلِ الْفُقَهَاءِ لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الْفَاكِهَةَ حَنِثَ بِالْقِثَّاءِ وَالْخِيَارِ ا هـ

(3/130)


اسْمٌ لِمَا يُتَفَكَّهُ بِهِ بَعْدَ الطَّعَامِ وَقَبْلَهُ أَيْ يُتَنَعَّمُ بِهِ وَهَذَا الْمَعْنَى ثَابِتٌ فِي التُّفَّاحِ وَالْبِطِّيخِ وَالْمِشْمِشِ وَالْخَوْخِ وَالتِّينِ وَالْإِجَّاصِ وَنَحْوِهَا فَيَحْنَثُ بِأَكْلِهَا وَغَيْرُ ثَابِتٍ فِي الْقِثَّاءِ وَالْخِيَارِ لِأَنَّهُمَا مِنْ الْبُقُولِ بَيْعًا فَإِنَّهُمَا يُبَاعَانِ مَعَهَا وَأَكَلَا لِأَنَّهُمَا يُوضَعَانِ عَلَى الْمَوَائِدِ مَعَ الْبُقُولِ فَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِهِمَا وَأَمَّا الْعِنَبُ وَالرُّمَّانُ وَالرُّطَبُ فَالْمَذْكُورُ هُنَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَهُمَا هِيَ فَاكِهَةٌ حَتَّى يَحْنَثَ بِأَكْلِهَا فِي يَمِينِهِ لَا يَأْكُلُ فَاكِهَةً فَإِنَّ مَعْنَى التَّفَكُّهِ فِيهَا مَوْجُودٌ فَإِنَّهَا أَعَزُّ الْفَوَاكِهِ وَأَكْمَلُهَا وَلِهَذَا أُفْرِدَتْ بِالذِّكْرِ بَعْدَ دُخُولِهَا فِي اللَّفْظِ الْعَامِّ فِي الْقُرْآنِ كَمَا أُفْرِدَ جَبْرَائِيلُ وَمِيكَائِيلَ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - بِالذِّكْرِ بَعْدَ دُخُولِهِمَا فِي لَفْظِ الْمَلَائِكَةِ
وَمُطْلَقُ الِاسْمِ يَتَنَاوَلُ الْكَامِلَ فَيَكُونُ التَّنَعُّمُ بِهَا فَوْقَ التَّنَعُّمِ بِغَيْرِهَا مِنْ الْفَوَاكِهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ الْفَاكِهَةَ مِنْ التَّفَكُّهِ وَهُوَ التَّنَعُّمُ بِمَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْبَقَاءُ زِيَادَةً عَلَى الْمُعْتَادِ وَذَلِكَ بِمَا لَا يَصْلُحُ غِذَاءً وَلَا دَوَاءً أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ يَقُولُونَ النَّارُ فَاكِهَةُ الشِّتَاءِ وَالْمِزَاحُ فَاكِهَةٌ وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ تَصْلُحُ لَهُمَا لِأَنَّ الرُّطَبَ وَالْعِنَبَ يُؤْكَلَانِ غِذَاءً وَيَتَعَلَّقُ بِهِمَا الْبَقَاءُ وَبَعْضُ النَّاسِ يَكْتَفُونَ بِهَا فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ وَالرُّمَّانُ يُؤْكَلُ لِلتَّدَاوِي فَيَتَحَقَّقُ الْقُصُورُ فِي مَعْنَى التَّفَكُّهِ فَلَا يَتَنَاوَلُهَا اسْمُ الْفَاكِهَةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ أَلَا تَرَى أَنَّ يَابِسَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لَيْسَتْ مِنْ الْفَوَاكِهِ فَالزَّبِيبُ وَالتَّمْرُ مِنْ الْأَقْوَاتِ وَحَبُّ الرُّمَّانِ مِنْ التَّوَابِلِ وَالْفَوَاكِهُ لَا يُخْتَلَفُ بَيْنَ رَطْبِهَا وَيَابِسِهَا فِي أَنَّهَا لَا تَصْلُحُ لِلْغَدَاءِ وَمَا بَيَّنَّاهُ شَاهِدٌ لَهُ لَا لَهُمَا وَكَذَا قَوْله تَعَالَى {فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا} [عبس : 27] {وَعِنَبًا وَقَضْبًا} [عبس : 28] {وَزَيْتُونًا وَنَخْلا} [عبس : 29] {وَحَدَائِقَ غُلْبًا} [عبس : 30] {وَفَاكِهَةً وَأَبًّا} [عبس : 31] لِأَنَّ الْعَطْفَ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ إذْ الشَّيْءُ لَا يُعْطَفُ عَلَى نَفْسِهِ وَهُوَ الْأَصْلُ فَلَا يُعْدَلُ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ
وَقِيلَ هَذَا اخْتِلَافُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ فَأَفْتَى كُلُّ وَاحِدٍ بِمَا شَاهَدَ مِنْ عَادَةِ أَهْلِ عَصْرِهِ وَهَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ وَأَمَّا إذَا نَوَى فَعَلَى مَا نَوَى بِالْإِجْمَاعِ وَجُعِلَ الْبِطِّيخُ فِي هَذَا الْكِتَابِ مِنْ الْفَاكِهَةِ وَهَكَذَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ وَالْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْمُنْتَقَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ الْيَابِسُ مِنْ أَثْمَارِ الشَّجَرِ فَاكِهَةٌ إلَّا الْبِطِّيخَ فَإِنَّهُ لَا يُعْتَادُ يَابِسُهُ فَاكِهَةً فِي عَامَّةِ الْبُلْدَانِ وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي شَرْحِهِ أَنَّ الْبِطِّيخَ لَيْسَ مِنْ الْفَاكِهَةِ لِأَنَّ مَا لَا يَكُونُ يَابِسُهُ فَاكِهَةً فَرَطْبُهُ لَا يَكُونُ فَاكِهَةً قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْإِدَامُ مَا يُصْطَبَغُ بِهِ كَالْخَلِّ وَالْمِلْحِ وَالزَّيْتِ لَا اللَّحْمِ وَالْبِيضِ وَالْجُبْنِ) أَيْ الْإِدَامُ شَيْءٌ يَخْتَلِطُ بِهِ الْخُبْزُ وَهُوَ مِنْ الصِّبْغِ وَذَلِكَ بِالْمَائِعِ دُونَ غَيْرِهِ حَتَّى لَوْ حَلَفَ لَا يَتَأَدَّمُ لَا يَحْنَثُ إلَّا بِالْمَائِعِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ مَا يُؤْكَلُ مَعَ الْخُبْزِ غَالِبًا إدَامٌ كَاللَّحْمِ وَالْجُبْنِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(قَوْلُهُ أَيْ يَتَنَعَّمُ بِهِ) أَيْ زِيَادَةً عَلَى الْمُعْتَادِ مِنْ الْغِذَاءِ الْأَصْلِيِّ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَهَذَا الْمَعْنَى) أَيْ مَعْنَى التَّفَكُّهِ بِأَنْ يُؤْكَلَ زِيَادَةً عَلَى الْغِذَاءِ ا هـ (قَوْلُهُ وَالْإِجَّاصِ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ الْإِجَّاصُ مُشَدَّدٌ مَعْرُوفٌ الْوَاحِدَةُ إجَّاصَةٌ وَهُوَ مُعَرَّبٌ لِأَنَّ الْجِيمَ وَالصَّادَ لَا يَجْتَمِعَانِ فِي كَلِمَةٍ عَرَبِيَّةٍ ا هـ (قَوْلُهُ وَلِهَذَا أَفْرَدْت بِالذِّكْرِ بَعْدَ دُخُولِهَا فِي اللَّفْظِ الْعَامِّ) فَإِنْ قِيلَ أَيْنَ جَاءَ الْعُمُومُ وَفَاكِهَةٌ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ الْإِثْبَاتِ فَالْجَوَابُ أَنَّ النَّكِرَةَ فِي مَقَامِ الِامْتِنَانِ تَعُمّ وَالْمَقَامُ مَقَامُ الِامْتِنَانِ ا هـ قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ فَاكِهَةً فَأَكَلَ تِينًا أَوْ مِشْمِشًا أَوْ خَوْخًا أَوْ سَفَرْجَلًا أَوْ إجَّاصًا أَوْ كُمِّثْرَى أَوْ تُفَّاحًا أَوْ جَوْزًا أَوْ لَوْزًا أَوْ فُسْتُقًا أَوْ عُنَّابًا يَحْنَثُ بِالْإِجْمَاعِ سَوَاءٌ كَانَ رَطْبًا أَوْ يَابِسًا وَلَوْ أَكَلَ خِيَارًا أَوْ قِثَّاءً أَوْ جَزَرًا لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهَا مِنْ الْبُقُولِ وَلِهَذَا يُؤْدَمُ مَعَهَا ا هـ
(قَوْلُهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْفَاكِهَةَ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ هِيَ مَا يُتَغَذَّى بِهَا مُنْفَرِدَةً حَتَّى يُسْتَغْنَى بِهَا فِي الْجُمْلَةِ فِي قِيَامِ الْبَدَنِ وَمَقْرُونَةً مَعَ الْخُبْزِ وَيُتَدَاوَى بِبَعْضِهَا كَالرُّمَّانِ فِي بَعْضِ عَوَارِضِ الْبَدَنِ وَلَا شَكَّ أَنَّهَا يُتَفَكَّهُ بِهَا وَلَكِنْ لَمَّا كَانَتْ قَدْ تُسْتَعْمَلُ أَصَالَةً لِحَاجَةِ الْبَقَاءِ قَصُرَ مَعْنَى التَّفَكُّهِ فَلَا يَحْنَثُ بِأَحَدِهَا إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ فَيَحْنَثُ بِالثَّلَاثَةِ اتِّفَاقًا وَلِهَذَا كَانَ الْيَابِسُ مِنْهَا مِنْ التَّوَابِلِ كَحَبِّ الرُّمَّانِ وَمِنْ الْأَقْوَاتِ وَهُوَ التَّمْرُ وَالزَّبِيبُ وَالْمَشَايِخُ قَالُوا هَذَا اخْتِلَافُ زَمَانٍ فَفِي زَمَانِهِ لَمْ يَعُدُّوهَا مِنْ الْفَوَاكِهِ فَأَفْتَى عَلَى حَسَبِ ذَلِكَ وَفِي زَمَانِهِمَا عَدَّتْ مِنْهَا فَأَفْتَيَا بِهِ فَإِنْ قِيلَ الِاسْتِدْلَال الْمَذْكُورُ لِأَبِي حَنِيفَةَ يُخَالِفُ هَذَا الْجَمْعَ فَإِنَّ مَبْنَى هَذَا عَلَى الْعُرْفِ وَالِاسْتِدْلَالُ الْمَذْكُورُ صَرِيحٌ فِي أَنْ مَبْنَاهُ اللُّغَةُ حَيْثُ قَالَ الْفَاكِهَةُ مَا يُتَفَكَّهُ بِهِ وَلَا شَكَّ أَنَّ ذَلِكَ لُغَةٌ وَالتَّفَكُّهُ مَا يُتَنَعَّمُ بِهِ زِيَادَةً عَلَى الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ أَصَالَةً وَهَذَا مَعْنَى اللُّغَةِ وَاسْتِعْمَالُ الْعِنَبِ وَأَخَوَيْهِ لَيْسَ كَذَلِكَ دَائِمًا فَقَصْرُ إلَخْ أَمْكَنَ الْحَوَابُّ بِجَوَازِ كَوْنِ الْعُرْفِ وَافَقَ اللُّغَةَ فِي زَمَنِهِ ثُمَّ تُغَدِّ فِي زَمَنِهِمَا ا هـ
قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إنَّ الرَّجُلَ مِنْ خُرَاسَانَ لَوْ حَلَفَ بِالْفَارِسِيَّةِ لَا يَأْكُلُ الْفَاكِهَةَ يَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ كَمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ قَالَ فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْعُرْفِ فَكُلُّ مَا يُؤْكَلُ عَلَى سَبِيلِ التَّفَكُّهِ وَيُعَدُّ فَاكِهَةً فِي الْعُرْفِ يَدْخُلُ فِي الْيَمِينِ وَمَا لَا فَلَا . ا هـ . (قَوْلُهُ وَبَعْضُ النَّاسِ يَكْتَفُونَ بِهَا) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ وَبَعْضُ النَّاسِ يَكْتَفُونَ بِهِمَا . ا هـ . (قَوْلُهُ وَحَبُّ الرُّمَّانِ مِنْ التَّوَابِلِ) أَيْ حَوَائِجِ الطَّبِيخِ . ا هـ . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْإِدَامُ مَا يُصْطَبَغُ بِهِ) قَالَ الْكَمَالُ وَمَا لَمْ يَصْبُغُ الْخُبْزَ مِمَّا لَهُ جُرْمٌ كَجُرْمِ الْخُبْزِ وَهُوَ بِحَيْثُ يُؤْكَلُ وَحْدَهُ لَيْسَ بِإِدَامٍ كَاللَّحْمِ وَالْبَيْضِ وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ ا هـ
(قَوْلُهُ وَالْمِلْحُ) أَيْ لِأَنَّهُ يَئُولُ إلَى الذَّوْبِ فِي الْفَمِ وَيَحْصُلُ بِهِ صَبْغُ الْخُبْزِ . ا هـ . كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِهِ (قَوْلُهُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ) أَيْ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا يُصْبَغُ بِهِ كَالْخَلِّ وَمَا ذَكَرْنَا إدَامٌ بِالْإِجْمَاعِ وَمَا يُؤْكَلُ وَحْدَهُ غَالِبًا كَالْبِطِّيخِ وَالْعِنَبِ وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَأَمْثَالِهَا لَيْسَ إدَامًا بِالْإِجْمَاعِ أَيْ بِالِاتِّفَاقِ عَلَى مَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي الْبِطِّيخِ وَالْعِنَبِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ خِلَافًا لِمَا قِيلَ إنَّهَا عَلَى الْخِلَافِ وَمِمَّنْ صَحَّحَ الِاتِّفَاقَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَفِي الْمُحِيطِ قَالَ مُحَمَّدٌ التَّمْرُ وَالْجَوْزُ لَيْسَ بِإِدَامٍ وَكَذَا الْعِنَبُ وَالْبِطِّيخُ وَالنَّفَلُ وَكَذَا سَائِرُ الْفَوَاكِهِ وَلَوْ كَانَ فِي بَلَدٍ يُؤْكَلَانِ تَبَعًا لِلْخُبْزِ يَكُونَانِ إدَامًا أَمَّا الْبُقُولُ فَلَيْسَتْ بِإِدَامٍ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّ آكِلَهَا لَا يُسَمَّى مُؤْتَدِمًا

(3/131)


لِأَنَّ الْإِدَامَ مِنْ الْمُؤَدَامَةِ وَهُوَ الْمُوَافَقَةُ «قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِمُغِيرَةَ بْنِ شُعْبَةَ حِينَ خَطَبَ امْرَأَةً لَوْ نَظَرْت إلَيْهَا لَكَانَ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا» أَيْ يُوَافَقُ وَمَا لَا يُؤْكَلُ وَحْدَهُ غَالِبًا مُوَافِقٌ لَهُ
وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «سَيِّدُ إدَامِ أَهْلِ الْجَنَّةِ اللَّحْمُ» وَلَهُمَا أَنَّ الْإِدَامَ مَا يُؤْكَلُ تَبَعًا لِلْخُبْزِ وَحَقِيقَةُ التَّبَعِيَّةِ بِالِاخْتِلَاطِ وَعَدَمُ الْأَكْلِ وَحْدَهُ فَكَذَا كَمَالُ الْمُوَافَقَةِ تَكُونُ بِالِامْتِزَاجِ وَالْمَرَقُ وَنَحْوُهُ مِنْ الْمَائِعَاتِ لَا يُؤْكَلُ وَحْدَهُ بَلْ يُشْرَبُ وَالْمِلْحُ لَا يُؤْكَلُ وَحْدَهُ عَادَةً وَلِأَنَّهُ يَذُوبُ فِي الْفَمِ فَيَحْصُلُ الِاخْتِلَاطُ فَيَكُونُ تَبَعًا بِخِلَافِ اللَّحْمِ وَأُخْتَيْهِ فَإِنَّهَا تُؤْكَلُ وَحْدَهَا فَلَمْ تَكُنْ إدَامًا وَلَيْسَ لَهُ حُجَّةٌ فِيمَا رُوِيَ لِأَنَّهُ فِي الْجَنَّةِ وَكَلَامُنَا فِي الدُّنْيَا وَهِيَ خِلَافُهَا فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إدَامًا فِيهَا وَلِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ سَيِّدَ الْإِدَامِ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْإِدَامِ كَمَا يُقَالُ الْخَلِيفَةُ سَيِّدُ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ مِنْ الْعَجَمِ وَهَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَإِنْ نَوَى فَعَلَى مَا نَوَى إجْمَاعًا وَهَذَا الِاخْتِلَافُ عَلَى عَكْسِ اخْتِلَافِهِمْ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ إلَّا رَغِيفًا فَأَكَلَ مَعَهُ الْبِيضَ وَنَحْوَهُ لَا يَحْنَثُ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَحْنَثُ هُوَ يَقُولُ أَنَّهُ قَدْ يُؤْكَلُ وَحْدَهُ مَقْصُودًا فَلَا يَصِيرُ تَبَعًا لِلْخُبْزِ بِالشَّكِّ بِخِلَافِ مَا إذَا أَكَلَهُ مَعَ الْمَائِعَاتِ لِأَنَّهَا تَبَعٌ لَهُ فَلَا يُعَدُّ زِيَادَةً عَلَيْهِ وَهُمَا يَقُولَانِ هُوَ إدَامٌ مِنْ وَجْهٍ لِأَنَّهُ قَدْ يُؤْكَلُ تَبَعًا فَلَا يَحْنَثُ فِيهِمَا بِالشَّكِّ وَالْعِنَبُ وَالْبِطِّيخُ هُوَ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ أَنَّهُ لَيْسَ بِإِدَامٍ بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُمَا يُؤْكَلَانِ وَحْدَهُمَا غَالِبًا وَلِأَنَّ آكِلَهُمَا لَا يُسَمَّى مُؤْتَدِمًا عَادَةً وَالْبَقْلُ لَيْسَ بِإِدَامٍ بِالْإِجْمَاعِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْغَدَاءُ الْأَكْلُ مِنْ الْفَجْرِ إلَى الظُّهْرِ) وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ اسْمٌ لِطَعَامٍ يُؤْكَلُ فِي هَذَا الْوَقْتِ حَنِثَ وَإِنَّمَا أُطْلِقَ عَلَى الْأَكْلِ فِي هَذَا الْوَقْتِ وَهُوَ التَّغَدِّي تَوَسُّعًا فَلَوْ حَلَفَ لَا يَتَغَدَّى فَأَكَلَ فِي هَذَا الْوَقْتِ حَنِثَ فَإِنْ أَكَلَ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الطَّعَامَ الْمَأْكُولَ فِيهِ يُسَمَّى غَدَاءً فَيَتَنَاوَلُ الْأَكْلَ الْوَاقِعَ فِيهِ فَيَحْنَثُ وَلَا يَتَنَاوَلُ مَا يَأْكُلُهُ بَعْدَهُ فَلَا يَحْنَثُ وَمِقْدَارُ مَا يَحْنَثُ بِهِ مِنْ الْأَكْلِ أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الشِّبَعِ لِأَنَّ اللُّقْمَةَ وَاللُّقْمَتَيْنِ لَا يُسَمَّى غَدَاءً عَادَةً وَجِنْسُ الْمَأْكُولِ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مَا يَأْكُلُهُ أَهْلُ بَلَدِهِ عَادَةً حَتَّى لَوْ شَرِبَ اللَّبَنَ وَشَبِعَ لَا يَحْنَثُ إنْ كَانَ حَضَرِيًّا وَإِنْ كَانَ بَدْوِيًّا يَحْنَثُ وَمِثْلُهُ لَوْ أَكَلَ تَمْرًا وَأَرُزًّا حَتَّى شَبِعَ لَمْ يَحْنَثْ وَالتَّصَبُّحُ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى ارْتِفَاعِ الضُّحَى لِأَنَّهُ مِنْ الصَّبَاحِ فَيَتَقَيَّدُ بِهَذَا الْوَقْتِ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْعَشَاءُ مِنْهُ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ وَالسَّحُورُ مِنْهُ إلَى الْفَجْرِ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
إلَّا مَا قَدْ يُقَالُ فِي أَهْلِ الْحِجَازِ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَكْلِ تُغَدَّ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَالْبَصَلُ وَسَائِرُ الثِّمَارِ إدَامٌ وَفِي التَّمْرِ عِنْدَهُ وَجْهَانِ فِي وَجْهٍ إدَامٌ لِمَا رَوَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَضَعَ تَمْرَةً عَلَى كِسْرَةٍ وَقَالَ هَذِهِ إدَامٌ» هَذِهِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَفِي آخَرَ لَيْسَ إدَامًا وَأَنَّهُ فَاكِهَةٌ كَالزَّبِيبِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْجُبْنِ وَالْبَيْضِ فَجَعَلَهَا مُحَمَّدٌ إدَامًا . ا هـ . كَمَالٌ قَوْلُهُ فَجَعَلَهَا مُحَمَّدٌ إدَامًا أَيْ لِأَنَّهَا تُوكَلُ وَحْدَهَا غَالِبًا فَكَانَتْ تَبَعًا لِلْخُبْزِ وَمُوَافَقَةً لَهُ وَالْمُؤَادَمَةُ الْمُوَافَقَةُ ا هـ
قَالَ الْكَمَالُ وَبِقَوْلِ مُحَمَّدٍ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَهُوَ الْمُوَافَقَةُ) أَيْ وَاللَّحْمُ وَالْبَيْضُ وَالْجُبْنُ تُوَافِقُ الْخُبْزَ فَتَكُونُ إدَامًا وَلِأَنَّ مَبْنَى الْأَيْمَانِ عَلَى الْعُرْفِ وَالنَّاسُ يَسْتَعْمِلُونَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ اسْتِعْمَالَ الْإِدَامِ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَهُمَا أَنَّ الْإِدَامَ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ وَلَهُمَا أَنَّ الْإِدَامَ مَا يُؤْكَلُ تَبِعَا فَمَا يُؤْكَلُ وَحْدَهُ وَلَوْ أَحْيَانًا لَيْسَ إدَامًا وَهَذَا لِأَنَّهُ مِنْ الْمُؤَدَامَةِ وَهِيَ الْمُوَافَقَةُ وَذَلِكَ بِأَنْ يَصِيرَ مَعَ الْخُبْزِ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ وَهُوَ بِأَنْ يَقُومَ بِهِ قِيَامَ الصَّبْغِ بِالثَّوْبِ وَهُوَ أَنْ يَنْغَمِسَ فِيهِ جِسْمُهُ إذْ حَقِيقَةُ الْقِيَامِ غَيْرُ مُرَادَةٍ لِأَنَّ الْخَلَّ وَنَحْوَهُ لَيْسَ عَرَضًا يَقُومُ بِالْجَوْهَرِ وَالْأَجْرَامُ الْمَذْكُورَةُ مِنْ الْبَيْضِ وَمَا مَعَهُ لَيْسَتْ كَذَلِكَ فَلَيْسَتْ بِإِدَامٍ وَيُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ إنْ اُعْتُبِرَ فِي مُسَمَّى الْإِدَامِ مَا بِحَيْثُ يُؤْكَلُ تَبَعًا لِلْخُبْزِ مُوَافِقًا سَلَّمْنَاهُ وَلَا يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ مَا ذُكِرَ لِأَنَّهُ كَذَلِكَ وَإِنْ اُعْتُبِرَ فِيهِ كَوْنُهُ لَا يُؤْكَلُ إلَّا تَبَعًا مَنَعْنَاهُ نَعَمْ مَا لَا يُؤْكَلُ إلَّا تَبَعًا أَكْمَلُ فِي مُسَمَّى الْإِدَامِ لَكِنَّ الْإِدَامَ لَا يَخُصُّ اسْمُهُ الْأَكْمَلَ مِنْهُ وَاسْتَدَلَّ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَيْضًا بِأَنَّهُ يُرْفَعُ إلَى الْفَمِ وَحْدَهُ بَعْدَ الْخُبْزِ أَوْ قَبْلَهُ فَلَا تَتَحَقَّقُ التَّبَعِيَّةُ بِخِلَافِ الْمُصْطَبِغِ بِهِ ا هـ
(قَوْلُهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ الْفَاكِهَةُ لَيْسَتْ بِإِدَامٍ بِالْإِجْمَاعِ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ

(قَوْلُهُ وَمِقْدَارُ مَا يَحْنَثُ بِهِ مِنْ الْأَكْلِ) أَيْ غَدَاءً أَوْ عِشَاءً أَوْ سُحُورًا . ا هـ . (قَوْلُهُ أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الشِّبَعِ) أَيْ فَلَوْ أَكَلَ لُقْمَةً أَوْ لُقْمَتَيْنِ مَا لَمْ يَبْلُغْ نِصْفَ الشِّبَعِ لَا يَحْنَثُ بِحَلِفِهِ مَا تَغَدَّيْت وَلَا تَعَشَّيْت وَلَا تَسَحَّرْت . ا هـ . فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَجِنْسُ الْمَأْكُولِ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مَا يَأْكُلُ أَهْلُ بَلَدِهِ عَادَةً) حَتَّى يُعْتَبَرَ الْأَرُزُّ غِذَاءً بِطَبَرِسْتَانَ وَاللَّبَنُ لِأَهْلِ الْبَوَادِي وَالتَّمْرُ بِبَغْدَادَ كَمَنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ بَيْتًا فَهُوَ عَلَى الْمُدَرِ لِلْبَلَدِيِّ وَعَلَى بَيْتِ الشَّعْرِ لِلْبَدْوِيِّ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ قَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَمَنْ حَلَفَ أَنْ يَتَغَدَّى فَإِنَّهُ يَقَعُ عَلَى الْغِذَاءِ الْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ كُوفِيًّا فَيَقَعُ عَلَى خُبْزِ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَلَا يَقَعُ عَلَى اللَّبَنِ وَالسَّوِيقِ وَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ بَدْوِيًّا يَقَعُ عَلَى اللَّبَنِ وَالسَّوِيقِ وَإِنْ كَانَ حِجَازِيًّا يَقَعُ عَلَى السَّوِيقِ وَأَمَّا فِي بِلَادِنَا فَيَقَعُ عَلَى خُبْزِ الْحِنْطَةِ وَوَقْتُ الْغَدَاءِ مِنْ وَقْتِ طُلُوعِ الشَّمْسِ ا هـ
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْعَشَاءُ مِنْهُ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ) أَيْ لِأَنَّ مَا بَعْدَ الظُّهْرِ يُسَمَّى عِشَاءً بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَلِهَذَا سُمِّيَ الظُّهْرُ إحْدَى صَلَاتَيْ الْعِشَاءِ فِي الْحَدِيثِ إذْ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ «صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إحْدَى صَلَاتَيْ الْعِشَاءِ» وَفُسِّرَتْ بِأَنَّهَا الظُّهْرُ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ هَذَا وَتَفْسِيرُ التَّغَدِّي بِالْأَكْلِ مِنْ الْفَجْرِ إلَخْ مَذْكُورٌ فِي التَّجْرِيدِ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَوَقْتُ التَّغَدِّي مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى الزَّوَالِ وَيُشْبِهُ كَوْنَهُ نَقْلًا عَنْ الْفَتَاوَى الصُّغْرَى وَفِيهَا التَّسَحُّرُ بَعْدَ ذَهَابِ ثُلُثَيْ اللَّيْلِ وَيُوَافِقُهُ مَا عَنْ مُحَمَّدٍ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ إلَى السَّحَرِ قَالَ إذَا دَخَلَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَخِيرُ فَكَلَّمَهُ لَمْ يَحْنَثْ وَقَالَ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَقْتُ الْغَدَاءِ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى وَقْتِ الزَّوَالِ

(3/132)


أَيْ الْعَشَاءُ هُوَ الْأَكْلُ مِنْ الظُّهْرِ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ وَالسُّحُورُ الْأَكْلُ مِنْ نِصْفِ اللَّيْلِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ وَأَصْلُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ أَنَّهَا اسْمٌ لِمَأْكُولٍ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَسُمِّيَ بِهَا الْفِعْلُ مَجَازًا عَلَى مَا بَيَّنَّا فَيَحْنَثُ بِالْفِعْلِ الْوَاقِعِ فِيهَا لَا غَيْرُ وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ إلَى السَّحَرِ أَنَّهُ قَالَ إذَا دَخَلَ الثُّلُثُ الْأَخِيرُ مِنْ اللَّيْلِ فَكَلَّمَهُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ وَقْتَ السَّحَرِ مَا قَرُبَ مِنْ الْفَجْرِ فَانْتَهَتْ بِهِ يَمِينُهُ وَالْمَسَاءُ مَسَاءَانِ أَحَدُهُمَا إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ وَالْآخَرُ إذَا غَرَبَتْ فَإِذَا حَلَفَ بَعْدَ الزَّوَالِ لَا يَفْعَلُ كَذَا حَتَّى يُمْسِيَ فَهُوَ عَلَى غَيْبُوبَةِ الشَّمْسِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى الْمَسَاءِ الْأَوَّلِ فَتَعَيَّنَ الثَّانِي

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إنْ لَبِسْت أَوْ أَكَلْت أَوْ شَرِبْت وَنَوَى مُعَيَّنًا لَمْ يُصَدَّقْ أَصْلًا) أَيْ لَوْ حَلَفَ وَقَالَ إنْ أَكَلْت وَنَحْوَهُ فَعَبْدِي حُرٌّ وَنَوَى شَيْئًا مُعَيَّنًا بِأَنْ قَالَ نَوَيْت الْخُبْزَ أَوْ اللَّحْمَ أَوْ نَحْوَهُ لَا يُصَدَّقُ قَضَاءً وَلَا دِيَانَةً لِأَنَّ النِّيَّةَ تَعْمَلُ فِي الْمَلْفُوظِ لِأَنَّهَا لِتَعْيِينِ الْمُحْتَمَلِ وَالطَّعَامُ وَنَحْوُهُ غَيْرُ مَذْكُورٍ وَإِنَّمَا ثَبَتَ مُقْتَضًى وَهُوَ لَا عُمُومَ لَهُ فَلَا يَحْتَمِلُ الْخُصُوصَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُصَدَّقُ دِيَانَةً وَبِهِ أَخَذَ الْجَصَّاصُ وَنَحْنُ نَقُولُ نِيَّةُ غَيْرِ الْمَلْفُوظِ لَا تَصِحُّ فَإِنْ قِيلَ يُشْكِلُ عَلَى هَذَا مَا إذَا قَالَ إنْ خَرَجْت أَوْ قَالَ إنْ سَاكَنْت فُلَانًا وَنَوَى الْخُرُوجَ إلَى سَفَرٍ أَوْ الْمُسَاكَنَةَ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ دِيَانَةً حَتَّى لَوْ خَرَجَ إلَى غَيْرِ السَّفَرِ أَوْ سَاكَنَهُ فِي دَارٍ لَا يَحْنَثُ مَعَ أَنَّ السَّفَرَ وَالسُّكْنَى غَيْرُ مَذْكُورَيْنِ فِي اللَّفْظِ قُلْنَا الْخُرُوجُ مُتَنَوِّعٌ إلَى مَدِيدٍ وَقَصِيرٍ وَهُمَا يَخْتَلِفَانِ اسْمًا وَحُكْمًا وَالْفِعْلُ يَحْتَمِلُ التَّنْوِيعَ دُونَ التَّخْصِيصِ فَيَصِحُّ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ فَنَوَى حَبَشِيَّةً أَوْ رُوسِيَّةً صَحَّ وَيُصَدَّقُ وَلَوْ نَوَى امْرَأَةً بِعَيْنِهَا لَا يُصَدَّقُ لِأَنَّ الْأَوَّلَ تَنْوِيعٌ دُونَ الثَّانِي وَلِأَنَّ ذِكْرَ الْفِعْلِ ذِكْرٌ لِلْمَصْدَرِ لُغَةً لِأَنَّهُ مَحْذُوفٌ وَهُوَ كَالْمَنْطُوقِ فَتَصِحُّ نِيَّتُهُ بِخِلَافِ نِيَّةِ الْمَكَانِ وَسَبَبُ الْخُرُوجِ حَيْثُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ ثَبَتَ اقْتِضَاءً مَعَ أَنَّ بَعْضَ أَصْحَابِنَا مَنَعُوا صِحَّةَ النِّيَّةِ مِنْهُمْ الْقَاضِي أَبُو حَازِمٍ وَأَبُو طَاهِرٍ الدَّبَّاسُ فَعَلَى هَذَا لَا يَرِدُ عَلَيْنَا وَكَذَا الْمُسَاكَنَةُ عَامَّةٌ مُتَنَوِّعَةٌ فَإِنَّ أَعَمَّهَا أَنْ يَكُونَ فِي بَلْدَةٍ وَاحِدَةٍ وَالْمُطْلَقُ مِنْهَا أَنْ يَكُونَ فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ وَأَتَمُّهَا أَنْ يَكُونَ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ نِيَّةَ النَّوْعِ فِي الْفِعْلِ صَحِيحٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ زَادَ ثَوْبًا أَوْ طَعَامًا أَوْ شَرَابًا دِينَ) أَيْ زَادَ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ عَلَى كَلَامِهِ الْأَوَّلِ بِأَنْ قَالَ إنْ لَبِسْت ثَوْبًا أَوْ أَكَلْت طَعَامًا أَوْ شَرِبْت شَرَابًا وَنَوَى شَيْئًا دُونَ شَيْءٍ دِينَ دِيَانَةً لَا قَضَاءً لِأَنَّهُ نَكِرَةٌ فِي الشَّرْطِ فَتَعُمُّ كَمَا تَعُمُّ فِي النَّفْيِ لَكِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَلَا يُصَدِّقُهُ الْقَاضِي وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ إنْ اغْتَسَلَ وَنَوَى تَخْصِيصَ الْفَاعِلِ أَوْ الْمَكَانِ أَوْ السَّبَبِ بِدُونِ ذِكْرِهِ لَا يُصَدَّقُ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَوَقْتُ الْعَشَاءِ مِنْ بَعْدِ الزَّوَالِ إلَى أَنْ يَمْضِيَ نِصْفُ اللَّيْلِ وَوَقْتُ السَّحُورِ مِنْ مُضِيِّ أَكْثَرِ اللَّيْلِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ ثُمَّ قَالَ هَذَا فِي عُرْفِهِمْ وَأَمَّا فِي عُرْفِنَا فَوَقْتُ الْعَشَاءِ مِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعَصْرِ ا هـ
فَعُرْفُهُمْ كَانَ مُوَافِقًا لِلُّغَةِ لِأَنَّ الْغَدْوَةَ اسْمٌ لِأَوَّلِ النَّهَارِ وَمَا قَبْلَ الزَّوَالِ أَوَّلُهُ فَالْأَكْلُ فِيهِ تَغَدٍّ وَقَدْ أُطْلِقَ عَلَى السَّحُورِ غَدَاءً فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ «هَلُمَّ إلَى الْغَدَاءِ الْمُبَارَكِ» وَلَيْسَ إلَّا مَجَازًا لِقُرْبِهِ مِنْ الْغَدَاةِ وَكَذَا السَّحُورُ لَمَّا كَانَ لِمَا يُؤْكَلُ فِي السَّحَرِ وَالسَّحَرُ مِنْ الثُّلُثِ الْأَخِيرِ سَمَّى مَا يُؤْكَلُ فِي النِّصْفِ الثَّانِي لِقُرْبِهِ مِنْ الثُّلُثِ الْأَخِيرِ سَحُورًا بِفَتْحِ السِّينِ وَالْأَكْلُ فِيهِ التَّسَحُّرُ وَالتَّضَحِّي الْأَكْلُ فِي وَقْتِ الضُّحَى وَيُسَمَّى الضَّحَاءَ أَيْضًا بِالْفَتْحِ وَالْمَدِّ وَوَقْتُ الضُّحَى مِنْ حِينِ تَحِلُّ الصَّلَاةُ إلَى أَنْ تَزُولَ وَأَصْلُ هَذِهِ فِي الْمَسَائِلِ الْقَضَاءُ قَالَ السَّرَخْسِيُّ فِيمَنْ حَلَفَ لَيُعْطِيَنَّ فُلَانًا حَقَّهُ ضَحْوَةً فَوَقْتُ الضَّحْوَةِ مِنْ حِينِ تَبْيَضُّ الشَّمْسُ إلَى أَنْ تَزُولَ وَإِنْ قَالَ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ أَوْ حَتَّى تَطْلُعَ فَلَهُ مِنْ حِينِ تَطْلُعُ إلَى أَنْ تَبْيَضَّ لِأَنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ نَهَى عَنْ الصَّلَاةِ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَالنَّهْيُ يَمْتَدُّ إلَى أَنْ تَبْيَضَّ وَلَوْ حَلَفَ لَيَأْتِيَنَّهُ غَدْوَةً فَهَذَا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى نِصْفِ النَّهَارِ . ا هـ . فَتْحٌ
(قَوْلُهُ وَالْآخَرُ إذَا غَرَبَتْ) أَيْ فَأَيَّهمَا نَوَى صَحَّتْ نِيَّتُهُ . ا هـ . كَمَالٌ (قَوْلُهُ فَتَعَيَّنَ الثَّانِي) أَيْ وَهُوَ مَا بَعْدَ الْغُرُوبِ . ا هـ .

(قَوْلُهُ وَنَوَى شَيْئًا مُعَيَّنًا) أَيْ مِنْ الْمَأْكُولِ أَوْ الْمَلْبُوسِ أَوْ الْمَشْرُوبِ . ا هـ . (قَوْلُهُ لَا يُصَدَّقُ قَضَاءً وَلَا دِيَانَةً) أَيْ فَأَيَّ شَيْءٍ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ أَوْ لَبِسَ حَنِثَ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ تَصِحُّ نِيَّتُهُ دِيَانَةً وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَاخْتَارَهَا الْخَصَّافُ . ا هـ . كَمَالٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا لِتَعْيِينِ الْمُحْتَمَلِ) أَيْ وَالثَّوْبُ فِي إنْ لَبِسْت وَالْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ فِي إنْ أَكَلْت وَإِنْ شَرِبْت غَيْرُ مَذْكُورٍ تَنْصِيصًا فَلَمْ تُصَادِفْ النِّيَّةُ مَحَلَّهَا فَلَغَتْ فَإِنْ قِيلَ إنْ لَمْ يَذْكُرْ تَنْصِيصًا فَهُوَ مَذْكُورٌ تَقْدِيرًا وَهُوَ كَالْمَذْكُورِ تَنْصِيصًا أَجَابَ بِأَنَّ تَقْدِيرَهُ لِضَرُورَةِ اقْتِضَاءِ الْأَكْلِ مَأْكُولًا وَكَذَا الشُّرْبُ وَاللُّبْسُ وَالْمُقْتَضِي لَا عُمُومَ لَهُ عِنْدَنَا وَلِأَنَّ ثُبُوتَهُ ضَرُورِيٌّ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا وَالضَّرُورَةُ فِي تَصْحِيحِ الْكَلَامِ وَتَصْحِيحِهِ لَا يَتَوَقَّفُ إلَّا عَلَى مَأْكُولٍ لَا عَلَى مَأْكُولٍ هُوَ كَذَا فَلَا تَصِحُّ إرَادَتُهُ . ا هـ . كَمَالٌ
(قَوْلُهُ وَبِهِ أَخَذَ الْجَصَّاصُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَبِهَذِهِ الرِّوَايَةِ أَخَذَ الْخَصَّافُ فِي كِتَابِ الْحِيَلِ ا هـ وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلتُّمُرْتَاشِيِّ وَقَالَ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُصَدَّقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَهَذِهِ رِوَايَةُ الْخَصَّافِ وَبَنَى كِتَابَ الْحِيَلِ عَلَيْهَا وَالصَّحِيحُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ ا هـ فَقَوْلُ الشَّارِحِ الْجَصَّاصِ هَكَذَا وَقَفْت عَلَيْهِ فِي النُّسَخِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ سَبْقُ قَلَمٍ وَصَوَابُهُ الْخَصَّافُ ا هـ فَإِنْ قُلْت مِنْ الْجَائِزِ أَنْ يَكُونَ الْجَصَّاصُ اخْتَارَ مَا اخْتَارَهُ الْخَصَّافُ فَيَصِحُّ قَوْلُ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَاخْتَارَهُ الْجَصَّاصُ قُلْت نَعَمْ يَجُوزُ مَا قُلْت لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ النَّقْلِ الْمُعْتَمَدِ عَنْهُ بِذَلِكَ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ ا هـ
(قَوْلُهُ فَتَعُمُّ كَمَا تَعُمُّ فِي النَّفْيِ) أَيْ لِمَآلِهَا إلَى كَوْنِهَا فِي سِيَاق النَّفْيِ بِسَبَبِ أَنَّ الشَّرْطَ الْمُثْبَتَ فِي الْيَمِينِ يَكُونُ الْحَلِفُ عَلَى نَفْيِهِ لِأَنَّ الْمَعْنَى نَفْيُ لُبْسِ ثَوْبِهِ فَكَأَنَّهُ قَالَ لَا أَلْبَسُ ثَوْبًا إلَّا أَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَلَا يَقْبَلُهُ الْقَاضِي مِنْهُ . ا هـ . فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ إنْ اغْتَسَلَ) أَيْ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ كَذَا فِي خَطِّ الشَّارِحِ . ا هـ .

(3/133)


(لَا يَشْرَبُ مِنْ دِجْلَةَ عَلَى الْكَرْعِ بِخِلَافِ مِنْ مَاءِ دِجْلَةَ) أَيْ لَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ دِجْلَةَ فَيَمِينُهُ عَلَى الْكَرْعِ حَتَّى لَوْ شَرِبَ بِإِنَاءٍ لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَكْرَعَ فِيهَا كَرْعًا بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ مَاءِ دِجْلَةَ حَيْثُ يَحْنَثُ بِالشُّرْبِ بِالْإِنَاءِ وَبِغَيْرِهِ لِأَنَّ كَلِمَةَ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ وَحَقِيقَتُهُ فِي الْكَرْعِ وَهُوَ الشَّرْطُ فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي وَقَالَا إذَا شَرِبَ بِالْإِنَاءِ أَيْضًا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ الْمُتَعَارَفُ يُقَالُ يَشْرَبُ أَهْلُ بَغْدَادَ مِنْ دِجْلَةَ وَالْمُرَادُ الشُّرْبُ بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ وَلَهُ أَنَّ كَلِمَةَ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ حَقِيقَةً وَهِيَ مُسْتَعْمَلَةٌ فِيهِ عُرْفًا وَشَرْعًا «قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِقَوْمٍ نَزَلَ عِنْدَهُمْ هَلْ عِنْدَكُمْ مَاءٌ بَاتَ فِي الشَّنِّ وَإِلَّا كَرَعْنَا» وَالْحَقِيقَةُ مُرَادَةٌ وَلِهَذَا لَوْ شَرِبَ كَرْعًا يَحْنَثُ وَلَوْ حَنِثَ بِالشُّرْبِ بِإِنَاءٍ يَلْزَمُ مِنْهُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ وَهُمَا يَقُولَانِ لَيْسَ فِيهِ جَمْعٌ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ بَلْ هُوَ عَمَلٌ بِعُمُومِ الْمَجَازِ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ الْحَقِيقَةُ مُسْتَعْمَلَةٌ فَلَا يُصَارُ إلَى الْمَجَازِ وَالْحَقُّ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّ الْمَجَازَ الرَّاجِحَ أَوْلَى عِنْدَهُمَا مِنْ الْحَقِيقَةِ الْمُسْتَعْمَلَةِ فَيُصَارُ إلَى الْمَجَازِ لِذَلِكَ وَعِنْدَهُ الْحَقِيقَةُ الْمُسْتَعْمَلَةُ أَوْلَى فَلَا يُصَارُ إلَى الْمَجَازِ وَهُوَ نَظِيرُ اخْتِلَافِهِمْ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ الْحِنْطَةِ
وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ مَاءِ الْبِئْرِ أَوْ مِنْ مَاءِ الْجُبِّ بِشُرْبِهِ بِالْإِنَاءِ إجْمَاعًا لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ فِيهِ الْكَرْعُ فَتَعَيَّنَ الْمَجَازُ وَإِنْ كَانَ يُمْكِنُ الْكَرْعُ فَعَلَى الْخِلَافِ وَلَوْ تَكَلَّفَ وَشَرِبَ بِالْكَرْعِ فِيمَا لَا يُمْكِنُ الْكَرْعُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ وَالْمَجَازَ لَا يَجْتَمِعَانِ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ الْفُرَاتِ أَوْ مِنْ مَاءِ الْفُرَاتِ فَعَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي دِجْلَةَ وِفَاقًا وَخِلَافًا وَلَوْ شَرِبَ مِنْ نَهْرٍ يَأْخُذُ مِنْ الْفُرَاتِ لَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ لَا يَشْرَبُ مِنْ الْفُرَاتِ لِعَدَمِ الْكَرْعِ فِي الْفُرَاتِ إجْمَاعًا لِحُدُوثِ النِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهِ فَانْقَطَعَتْ النِّسْبَةُ إلَى الْفُرَاتِ وَيَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ لَا يَشْرَبُ مِنْ مَاءِ الْفُرَاتِ لِأَنَّ يَمِينَهُ انْعَقَدَتْ عَلَى شُرْبِ مَاءٍ مَنْسُوبٍ إلَى الْفُرَاتِ وَمِثْلُ هَذَا النِّسْبَةِ لَمْ تَنْقَطِعْ بِمِثْلِهِ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مَاءً فُرَاتًا فَهُوَ عَلَى شُرْبِ مَاءٍ عَذْبٍ مِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ الْعَذْبِ وَقَدْ جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَصْفًا لِلْمَاءِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا} [المرسلات : 27] وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لَا أَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ فُرَاتٍ لِمَا ذَكَرْنَا وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مَاءَ هَذَا الْكُوزِ فَصُبَّ مَاؤُهُ فِي كُوزٍ آخَرَ فَشَرِبَهُ لَمْ يَحْنَثْ لِتَبَدُّلِ النِّسْبَةِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إنْ لَمْ أَشْرَبْ مَاءَ هَذَا الْكُوزِ الْيَوْمَ فَكَذَا وَلَا مَاءَ فِيهِ أَوْ كَانَ فَصُبَّ أَوْ أَطْلَقَ وَلَا مَاءَ فِيهِ لَا يَحْنَثُ وَإِنْ كَانَ فَصُبَّ حَنِثَ) أَيْ رَجُلٌ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ لَمْ أَشْرَبْ الْمَاءَ الَّذِي فِي هَذَا الْكُوزِ الْيَوْمَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَلَيْسَ فِيهِ مَاءٌ أَوْ كَانَ فِيهِ مَاءٌ فَصُبَّ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ أَوْ أَطْلَقَ الْيَمِينَ أَيْ لَمْ يَقُلْ الْيَوْمَ وَلَيْسَ فِي الْكُوزِ مَاءٌ لَمْ يَحْنَثْ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ كُلِّهَا وَإِنْ كَانَ فِيهِ فَصُبَّ حَنِثَ أَيْ فِي الْمُطْلَقِ وَهُوَ مَا إذَا لَمْ يَقُلْ الْيَوْمَ فَحَاصِلُهُ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُؤَقَّتَةً بِالْيَوْمِ أَوْ لَمْ تَكُنْ مُؤَقَّتَةً بِهِ وَكُلُّ وَجْهٍ عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِ مَاءٌ فَصُبَّ أَوْ لَا يَكُونُ فِيهِ مَاءٌ أَمَّا فِي الْمُؤَقَّتِ لَا يَحْنَثُ فِي الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَاءٌ يَسْتَحِيلُ الشُّرْبُ مِنْهُ وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُحَالِ لَا تَنْعَقِدُ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ فِيهِ مَاءٌ فَصُبَّ قَبْلَ اللَّيْلِ لِأَنَّ الْبَرَّ فِي الْمُؤَقَّتِ يَجِبُ فِي آخِرِ الْوَقْتِ وَعِنْدَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ بِخِلَافِ مِنْ مَاءِ دِجْلَةَ) كَذَا هُوَ ثَابِتٌ فِي الْمُتُونِ وَاَلَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ بِغَيْرِ لَفْظِ مِنْ . ا هـ . (قَوْلُهُ لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَكْرَعَ فِيهَا كَرْعًا) أَيْ يَتَنَاوَلُ بِفَمِهِ مِنْ نَفْسِ النَّهْرِ كَذَا قَالَ الْكَمَالُ وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ كَرَعَ فِي الْمَاءِ إذَا تَنَاوَلَهُ بِفِيهِ مِنْ مَوْضِعِهِ وَفِي الصِّحَاحِ كَرَعَ فِي الْمَاءِ يَكْرَعُ كُرُوعًا إذَا تَنَاوَلَهُ بِفِيهِ مِنْ مَوْضِعِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَشْرَبَ بِكَفَّيْهِ أَوْ بِإِنَاءٍ وَفِي الْمُغْرِبِ وَالْكَرْعُ تَنَاوُلُ الْمَاءِ بِالْفَمِ مِنْ مَوْضِعِهِ يُقَالُ كَرَعَ الرَّجُلُ فِي الْمَاءِ وَفِي الْإِنَاءِ إذَا مَدَّ عُنُقَهُ نَحْوَهُ لِشُرْبِهِ وَمِنْهُ كَرِهَ عِكْرِمَةُ الْكَرْعَ فِي النَّهْرِ لِأَنَّهُ فِعْلُ الْبَهِيمَةِ تَدْخُلُ فِيهِ أَكَارِعهَا وَفِي الْمِصْبَاحِ الْمُنِيرِ كَرَعَ فِي الْمَاءِ كَرْعًا وَكُرُوعًا مِنْ بَابِ نَفَعَ شَرِبَهُ بِفِيهِ مِنْ مَوْضِعِهِ فَإِنْ شَرِبَ بِكَفَّيْهِ أَوْ بِشَيْءٍ آخَرَ فَلَيْسَ بِكَرْعٍ وَكَرَعَ كَرْعًا مِنْ بَابِ تَعِبَ لُغَةٌ وَكَرَعَ فِي الْإِنَاءِ أَمَالَ عُنُقَهُ إلَيْهِ فَشَرِبَ مِنْهُ
وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ وَتَفْسِيرُ الْكَرْعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنْ يَخُوضَ الْإِنْسَانُ فِي الْمَاءِ وَلَا يَكُونُ الْكَرْعُ إلَّا بَعْدَ الْخَوْضِ فِي الْمَاءِ فَإِنَّهُ مِنْ الْكُرَاعِ وَهُوَ مِنْ الْإِنْسَانِ مَا دُونَ الرُّكْبَةِ وَمِنْ الدَّوَابِّ مَا دُونَ الْكَعْبِ كَذَا قَالَ الْإِمَامُ نَجْمُ الدِّينِ النَّسَفِيُّ ا هـ وَقَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي نِهَايَتِهِ فِي حَدِيثٍ «أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارُ فِي حَائِطِهِ فَقَالَ إنْ كَانَ عِنْدَك مَاءٌ بَاتَ فِي شَنَّةٍ وَإِلَّا كَرَعْنَا» ا هـ كَرَعَ فِي الْمَاءِ يَكْرَعُ كَرْعًا إذَا تَنَاوَلَهُ بِفِيهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَشْرَبَ بِكَفِّهِ وَلَا بِإِنَاءٍ كَمَا تَشْرَبُ الْبَهَائِمُ لِأَنَّهَا تُدْخِلُ فِيهِ أَكَارِعُهَا . ا هـ . (قَوْلُهُ لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَكْرَعَ فِيهَا كَرْعًا) يَعْنِي إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ أَمَّا إذَا نَوَى بِإِنَاءٍ حَنِثَ بِهِ إجْمَاعًا . ا هـ . فَتْحٌ
(قَوْلُهُ وَقَالَا إذَا شَرِبَ) أَيْ مِنْهَا كَيْفَمَا شَرِبَ بِإِنَاءٍ أَوْ بِيَدِهِ أَوْ كَرْعًا حَنِثَ لَا فَرْقَ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ قَوْلِهِ مِنْ مَاءِ دِجْلَةَ لِأَنَّ نِسْبَةَ الْمَاءِ إلَيْهَا ثَابِتٌ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرُ وَقَوْلُهُمَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ قَالَهُ الْكَمَالُ (قَوْلُهُ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ مَاءِ الْبِئْرِ أَوْ مِنْ مَاءِ الْجُبِّ يَحْنَثُ) هَكَذَا شَاهَدْته فِي خَطِّ الشَّارِحِ وَقَدْ قَالَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ مَا نَصُّهُ وَلَوْ قَالَ مِنْ هَذَا الْجُبِّ أَوْ مِنْ هَذَا الْبِئْرِ قَالَ أَبُو سَهْلٍ الشَّرَغِيُّ لَوْ كَانَ الْجُبُّ أَوْ الْبِئْرُ مَلْآنَ يُمْكِنُ الْكَرْعُ مِنْهُ فَيَمِينُهُ عَلَى الْكَرْعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِإِمْكَانِ الْعَمَلِ بِالْحَقِيقَةِ وَعِنْدَهُمَا عَلَى الِاغْتِرَافِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَلَآنِ فَيَمِينُهُ عَلَى الِاغْتِرَافِ وَلَوْ تَكَلَّفَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَكَرَعَ مِنْ أَسْفَلِ الْبِئْرِ أَوْ الْجُبِّ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ لِعَدَمِ الْعُرْفِ بِالْكَرْعِ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ ا هـ قَوْلُهُ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ أَيْ وَمِثْلُهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ ا هـ وَقَوْلُهُ قَالَ أَبُو سَهْلٍ الشَّرَغِيُّ بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَفِي آخِرِهَا غَيْنٌ مُعْجَمَةٌ نِسْبَةً إلَى شَرْغٍ قَرْيَةٍ مِنْ قُرَى بُخَارَى قَالَهُ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ فِي طَبَقَاتِهِ ا هـ وَقَوْلُ الشَّارِحِ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ مَاءِ الْبِئْرِ أَوْ مِنْ مَاءِ الْجُبِّ يَحْنَثُ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ عِبَارَتُهُ هَكَذَا وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ هَذَا الْبِئْرِ أَوْ مِنْ هَذَا الْجُبِّ يَحْنَثُ فَتَأَمَّلْ . ا هـ .

(3/134)


ذَلِكَ يَسْتَحِيلُ الْبِرُّ فِيهِ فَبَطَلَتْ وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْيَمِينُ مُطْلَقَةً غَيْرَ مُؤَقَّتَةٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَاءٌ لَا يَنْعَقِدُ الْيَمِينُ لِاسْتِحَالَةِ الْبِرِّ لِلْحَالِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَاءٌ انْعَقَدَتْ لِلتَّصَوُّرِ ثُمَّ يَحْنَثُ بِالصَّبِّ لِأَنَّ الْبِرَّ يَجِبُ عَلَيْهِ كَمَا فَرَغَ فَإِذَا صَبَّ فَقَدْ فَاتَ الْبِرُّ فَيَحْنَثُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ كَمَا لَوْ مَاتَ الْحَالِفُ وَالْمَاءُ بَاقٍ وَهَذَا عِنْدَهُمَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَحْنَثُ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا غَيْرَ أَنَّهُ فِي الْمُؤَقَّتِ يَحْنَثُ فِي آخِرِ الْوَقْتِ لِأَنَّ التَّوْقِيتَ لِلتَّوْسِعَةِ فَلَا يَجِبُ الْفِعْلُ إلَّا فِي آخِرِ الْوَقْتِ فَلَا يَحْنَثُ قَبْلَهُ وَفِي الْمُطْلَقِ يَحْنَثُ لِلْحَالِ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَاءٌ
وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَاءٌ يَحْنَثُ عِنْدَ الصَّبِّ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْبِرُّ كَمَا فَرَغَ وَقَدْ تَحَقَّقَ عَجْزُهُ لِلْحَالِ فِي الْفَارِغِ فَيَحْنَثُ فِي الْحَالِ وَعِنْدَ الصَّبِّ فِي الْمَشْغُولِ فَيَحْنَثُ فِي ذَلِكَ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا كَانَتْ الْيَمِينُ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَأَصْلُهُ أَنَّ مِنْ شَرْطِ انْعِقَادِ الْيَمِينِ وَبَقَائِهَا التَّصَوُّرَ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ لَا يُشْتَرَطُ التَّصَوُّرُ بَلْ مَحَلُّهَا عِنْدَهُ خَبَرٌ فِي الْمُسْتَقْبَلِ سَوَاءٌ كَانَ قَادِرًا عَلَيْهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ أَلَا تَرَى أَنَّ الْيَمِينَ عَلَى مَسِّ السَّمَاءِ وَتَحْوِيلِ الْحَجَرِ ذَهَبًا تَنْعَقِدُ لِأَنَّهُ عَقَدَهَا عَلَى خَبَرٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَادِرًا عَلَيْهِ وَعِنْدَهُمَا مَحَلُّهَا خَبَرٌ فِيهِ رَجَاءُ الصِّدْقِ لِأَنَّ مَحَلَّ الشَّيْءِ مَا يَكُونُ قَابِلًا لِحُكْمِهِ وَحُكْمُ الْيَمِينِ الْبِرُّ وَهُوَ لَا يَتَحَقَّقُ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ رَجَاءُ الصِّدْقِ فَلَا يَنْعَقِدُ أَصْلًا كَيَمِينِ الْغَمُوسِ وَلَا يُقَالُ يُمْكِنُ أَنْ تَنْعَقِدَ الْيَمِينُ مُوجِبَةً لِلْبِرِّ عَلَى وَجْهٍ يَظْهَرُ فِي الْخَلْفِ وَهُوَ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّا نَقُولُ شَرْطُ انْعِقَادِ السَّبَبِ فِي حَقِّ الْخَلَفِ احْتِمَالُ الِانْعِقَادِ فِي حَقِّ الْأَصْلِ وَلَا احْتِمَالَ هُنَا لِعَدَمِ تَصَوُّرِ الْبِرِّ فَلَا يَنْعَقِدُ وَلَا يُقَالُ يُتَصَوَّرُ أَنْ يُوجِدَ اللَّهُ تَعَالَى الْمَاءَ فِي الْكُوزِ فَيَنْعَقِدُ كَمَا فِي الْيَمِينِ عَلَى تَحْوِيلِ الْحَجَرِ ذَهَبًا لِأَنَّا نَقُولُ الْمَاءُ الَّذِي يُوجِدُهُ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ غَيْرُ مَحْلُوفٍ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ الْمَاءُ الْكَائِنُ فِيهِ وَقْتَ الْيَمِينِ وَهُوَ غَيْرُ مُتَصَوَّرِ الْوُجُودِ لِتَحَقُّقِ عَدَمِهِ فِيهِ بِخِلَافِ تَحْوِيلِ الْحَجَرِ ذَهَبًا ثُمَّ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَرَّقَ بَيْنَ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ فِي حَقِّ الْحِنْثِ فَحِنْثُهُ فِي الْمُقَيَّدِ فِي آخِرِ الْوَقْتِ وَفِي الْمُطْلَقِ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَاءٌ فِي الْحَالِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَاءٌ فَعِنْدَ الصَّبِّ وَهُمَا فَرَّقَا بَيْنَ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ فِيمَا إذَا كَانَ فِي الْكُوزِ مَاءٌ فَحَنَّثَاهُ عِنْدَ الصَّبِّ فِي الْمُطْلَقِ فِيهِ دُونَ الْمُقَيَّدِ وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي أَثْنَاءِ الْبَحْثِ مَا يَحْصُلُ بِهِ الْفُرُوقُ مِنْ الْمَعَانِي يَعْرِفُهُ مَنْ تَأَمَّلَ فِيهِ .

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (حَلَفَ لَيَصْعَدَنَّ السَّمَاءَ أَوْ لَيَقْلِبَنَّ هَذَا الْحَجَرَ ذَهَبًا حَنِثَ لِلْحَالِ) وَقَالَ زَفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَنْعَقِدُ يَمِينُهُ لِأَنَّهُ مُسْتَحِيلٌ عَادَةً فَأَشْبَهَ الْمُسْتَحِيلَ حَقِيقَةً وَلَوْ كَانَتْ مُنْعَقِدَةً لَمَا حَنِثَ فِي الْحَالِ لِأَنَّهُ فِي الْمُتَصَوَّرِ لَا يَحْنَثُ إلَّا عِنْدَ تَحَقُّقِ الْيَأْسِ مِنْ فِعْلِهِ وَهُوَ فِي آخَرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ كَمَا إذَا حَلَفَ لِيَدْخُلَنَّ بَصْرَةَ وَنَحْوَهُ وَلَنَا أَنَّ الْبِرَّ مُتَصَوَّرٌ حَقِيقَةً لِأَنَّ الصُّعُودَ إلَى السَّمَاءِ مُمْكِنٌ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَلَائِكَةَ يَصْعَدُونَهَا وَكَذَلِكَ الْجِنُّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْهُمْ {وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ} [الجن : 8] الْآيَةَ . وَكَذَلِكَ انْقِلَابُ الْحَجَرِ ذَهَبًا مُمْكِنٌ بِتَحْوِيلِ اللَّهِ تَعَالَى فَتَنْعَقِدُ يَمِينُهُ مُوجِبَةً لِلْبِرِّ عَلَى وَجْهٍ تَخْلُفُهُ الْكَفَّارَةُ عِنْدَ فَوَاتِهِ كَسَائِرِ الْمُتَصَوَّرَاتِ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْكُوزِ فَإِنَّهُ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَشْرَبَ الْمَاءَ مِنْ الْكُوزِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ فَبَطَلَتْ عِنْدَهُمَا) أَيْ لِانْعِقَادِهَا ثُمَّ طَرَأَ الْعَجْزُ عَنْ الْفِعْلِ قَبْلَ آخِرِ الْمُدَّةِ لِفَوَاتِ شَرْطِ بَقَائِهَا وَهُوَ تَصَوُّرُ الْبِرِّ حَالَ الْبَقَاءِ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ . ا هـ . فَتْحٌ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ سَوَاءٌ عَلِمَ وَقْتَ الْحَلِفِ أَنَّ فِيهِ مَاءً أَوْ لَمْ يَعْلَمْ . ا هـ . فَتْحٌ (قَوْلُهُ ثُمَّ يَحْنَثُ بِالصَّبِّ) أَيْ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا . ا هـ . هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ غَيْرَ أَنَّهُ فِي الْمُؤَقَّتِ) يَعْنِي بِوَجْهَيْهِ وَهُمَا إذَا كَانَ فِيهِ مَاءٌ فَصَبَّ أَوْ لَمْ يَكُنْ . ا هـ . (قَوْلُهُ لِأَنَّ التَّوْقِيتَ لِلتَّوْسِعَةِ) أَيْ عَلَى نَفْسِهِ حَتَّى يَخْتَارَ الْفِعْلَ فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَ فَمَا لَمْ يَمْضِ ذَلِكَ الْوَقْتُ لَا يَتَحَقَّقُ تَرْكُ الْفِعْلِ لِأَنَّ الْفِعْلَ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ فِي آخِرِ أَجْزَاءِ الْوَقْتِ الْمُقَدَّرِ فَإِذَا فَاتَ الْجُزْءُ الْآخَرُ فَلَمْ يَفْعَلْ يَحْنَثُ حِينَئِذٍ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَحْنَثُ فِيهَا إذَا مَضَى الْيَوْمُ ا هـ
(قَوْلُهُ وَأَصْلُهُ) أَيْ أَصْلُ هَذَا الْخِلَافِ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَبَقَائِهَا التَّصَوُّرُ) أَيْ تَصَوُّرُ الْبِرِّ . ا هـ . (قَوْلُهُ فَلَا يَنْعَقِدُ أَصْلًا كَيَمِينِ الْغَمُوسِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلَهُمَا أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْيَمِينِ الْبِرُّ فَإِذَا فَاتَ الْبِرُّ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ خَلَفًا عَنْهُ ثُمَّ إذَا لَمْ يَتَصَوَّرْ الْبِرَّ لَا تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ لِفَوَاتِ الْمَقْصُودِ وَلَا حِنْثَ بِدُونِ انْعِقَادِ الْيَمِينِ فَلَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِلَا حِنْثٍ تَحْقِيقُهُ أَنَّ الْيَمِينَ لَا تُوجِبُ الْكَفَّارَةَ لِذَاتِهَا وَلِهَذَا لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ فِي اللَّغْوِ وَالْيَمِينِ الْغَمُوسِ مَعَ أَنَّهُمَا يَمِينَانِ وَإِنَّمَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِالْحِنْثِ فَكُلُّ يَمِينٍ اسْتَحَالَ فِيهَا الْبِرُّ اسْتَحَالَ فِيهَا الْحِنْثُ فَلَمَّا اسْتَحَالَ شُرْبُ مَا لَمْ يَكُنْ فِي الْكُوزِ اسْتَحَالَ الْبِرُّ فَلَمَّا اسْتَحَالَ الْبِرُّ اسْتَحَالَ الْحِنْثُ لِأَنَّ التَّرْكَ إنَّمَا يَكُونُ فِيمَا يَصِحُّ وُجُودُهُ وَهُنَا يَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ هَذَا الْمَسْأَلَةِ حَيْثُ لَا تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ عِنْدَهُمَا سَوَاءٌ عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَهِيَ مَا إذَا حَلَفَ لَيَقْتُلَنَّ فُلَانًا وَهُوَ مَيِّتٌ إنْ عَلِمَ بِمَوْتِهِ تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ لَا تَنْعَقِدُ وَالْفَرْقُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى الْحَيَاةِ الْقَائِمَةِ وَلَمْ تَنْعَقِدْ الْيَمِينُ لِانْعِدَامِ الْمَحَلِّ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْكُوزِ وَإِذَا كَانَ عَالِمًا بِمَوْتِهِ فَقَدْ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى تَفْوِيتِ حَيَاةٍ يُعِيدُهَا اللَّهُ تَعَالَى وَذَلِكَ مُتَصَوَّرٌ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ} [البقرة : 259] وَتَفْوِيتُ الْحَيَاةِ الْمُحْدَثَةِ يَكُونُ قَابِلًا لِذَلِكَ الشَّخْصِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فَتَنْعَقِدُ الْيَمِينُ ثُمَّ يَحْنَثُ مِنْ سَاعَتِهِ لِوُقُوعِ الْعَجْزِ عَادَةً . ا هـ .

(قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ انْقِلَابُ الْحَجَرِ ذَهَبًا مُمْكِنٌ بِتَحْوِيلِ اللَّهِ تَعَالَى) أَيْ بِخَلْعِهِ صِفَةَ الْحَجَرِيَّةِ وَإِلْبَاسِهِ صِفَةَ الذَّهَبِيَّةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْجَوَاهِرَ كُلَّهَا مُتَجَانِسَةٌ مُسْتَوِيَةٌ فِي قَبُولِ الصِّفَاتِ أَوْ بِإِعْدَامِ الْأَجْزَاءِ الْحَجَرِيَّةِ وَإِبْدَالِهَا بِأَجْزَاءٍ ذَهَبِيَّةٍ وَالتَّحْوِيلُ فِي الْأَوَّلِ أَظْهَرُ وَهُوَ مُمْكِنٌ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِينَ عَلَى مَا هُوَ الْحَقُّ مِنْ كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ فَكَانَ الْبِرُّ مُتَصَوَّرًا فَتَنْعَقِدُ الْيَمِينُ مُوجِبَةً لِحَلِفِهِ وَهُوَ الْكَفَّارَةُ لِلْجُزْءِ الثَّابِتِ عَادَةً فَلَا يُرْجَى زَوَالُهُ وَصَارَ كَمَا إذَا مَاتَ الْحَالِفُ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ فِي آخَرِ جُزْءٍ كَمَا قُلْنَا مَعَ احْتِمَالِ إعَادَةِ الْحَيَاةِ فِيهِ فَيَثْبُتُ مَعَهُ احْتِمَالُ أَنْ يَفْعَلَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ وَلَكِنْ لَمْ يُعْتَبَرْ ذَلِكَ الِاحْتِمَالُ بِخِلَافِ الْعَادَةِ فَحَكَمَ بِالْحِنْثِ إجْمَاعًا . ا هـ . فَتْحٌ وَلَا يُقَالُ يَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ كَمَا فِي قَوْلِهِ لَيَأْتِيَنَّ الْبَصْرَةَ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّمَا يَنْتَظِرُ آخِرَ الْحَيَاةِ فِيمَا يُرْجَى وُجُودُهُ غَالِبًا لِتَحَقُّقِ مُزَاحَمَتِهِ لِزَمَانِ الْحَالِ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْبَصْرَةِ
أَمَّا فِيمَا لَا يُرْجَى وُجُودُهُ غَالِبًا كَمَا فِي مَسْأَلَتِنَا فَلَا لِتَحَقُّقِ الْعَجْزِ فِي الْحَالِ وَعَدَمِ مُزَاحَمَةِ الْمَآلِ ا هـ (قَوْلُهُ فَتَنْعَقِدُ يَمِينُهُ مُوجِبَةً لِلْبِرِّ) أَيْ لِأَنَّ إيجَابَ الْعَبْدَ مُعْتَبَرٌ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَفِي

(3/135)


الْفَارِغِ فَلَا يَنْعَقِدُ لِعَدَمِ التَّصَوُّرِ وَإِنَّمَا يَحْنَثُ فِي الْحَالِ اعْتِبَارًا لِلْعَجْزِ الثَّابِتِ عَادَةً وَهُوَ يَصْلُحُ لِمَنْعِ تَأَخُّرِ الْحِنْثِ دُونَ مَنْعِ الِانْعِقَادِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْحَالِفَ إذَا مَاتَ يَحْنَثُ وَإِنْ تَصَوَّرَ أَنْ يَفْعَلَ بَعْدَهُ بِإِحْيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَلِأَنَّ الْيَمِينَ يُعْقَدُ لِلْفَائِدَةِ وَقَدْ وُجِدَتْ وَهِيَ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ بَدَلًا عَنْ الْبِرِّ وَالْحُكْمُ بِبَقَاءِ الْيَمِينِ كَانَ لِاحْتِمَالِ الْبِرِّ وَقَدْ تَحَقَّقَ الْعَجْزُ عَنْهُ فَلَا فَائِدَةَ فِي التَّأْخِيرِ هَذَا إذَا كَانَتْ الْيَمِينُ مُطْلَقَةً وَإِنْ كَانَتْ مُؤَقَّتَةً لَا يَحْنَثُ حَتَّى يَمْضِيَ ذَلِكَ الْوَقْتُ وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَحْنَثُ لِلْحَالِ لِثُبُوتِ الْعَجْزِ كَمَا فِي الْمُطْلَقِ وَهَذَا الْقَوْلُ لَا يَسْتَقِيمُ مِنْهُ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ الِانْعِقَادَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا آنِفًا فَكَيْفَ يَحْنَثُ إلَّا إذَا حُمِلَ عَلَى أَنَّ لَهُ رِوَايَةً أُخْرَى وَلَنَا أَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ الْبِرَّ لِلْحَالِ فَلَا يَحْنَثُ بِتَرْكِهِ لِلْحَالِ وَلَوْ قَالَ إنْ تَرَكْتَ مَسَّ السَّمَاءِ فَعَبْدِي حُرٌّ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ التَّرْكَ لَا يُتَصَوَّرُ فِي غَيْرِ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ عَادَةً

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا يُكَلِّمُهُ فَنَادَاهُ وَهُوَ نَائِمٌ فَأَيْقَظَهُ أَوْ إلَّا بِإِذْنِهِ فَأَذِنَ لَهُ وَلَمْ يَعْلَمْ فَكَلَّمَهُ حَنِثَ) أَيْ لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا فَنَادَاهُ وَهُوَ نَائِمٌ فَنَبَّهَهُ أَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ إلَّا بِإِذْنِهِ فَأَذِنَ لَهُ وَلَمْ يَعْلَمْ الْحَالِفَ بِالْإِذْنِ حَنِثَ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ كَلَّمَهُ وَأَسْمَعَهُ فَيَحْنَثُ وَلَوْ لَمْ يُوقِظْهُ ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّهُ إذَا كَانَ بِحَيْثُ يَسْمَعْ لَوْ لَمْ يَكُنْ نَائِمًا يَحْنَثُ يَعْنِي بِحَيْثُ يَسْمَعُ لَوْ أَصْغَى أُذُنَهُ لِأَنَّهُ قَدْ كَلَّمَهُ وَوَصَلَ إلَى سَمْعِهِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُفْهَمْ لِنَوْمِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا نَادَاهُ وَهُوَ بِحَيْثُ يَسْمَعُ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَفْهَمْ لِغَفْلَتِهِ وَلِأَنَّ اسْتِمَاعَ الْغَيْرِ أَمْرٌ بَاطِنٌ لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ فَأُقِيمَ السَّبَبُ الْمُؤَدِّي إلَيْهِ مُقَامَهُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ يَسْمَعُ لَوْ أَصْغَى أُذُنَهُ وَلَمْ يَكُنْ بِهِ مَانِعٌ مِنْ السَّمَاعِ
وَالْمُخْتَارُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُنَبَّهْ كَانَ كَمَا إذَا نَادَاهُ مِنْ بَعِيدٍ وَهُوَ بَحِيثُ لَا يُسْمَعُ صَوْتُهُ وَقِيلَ هُوَ عَلَى الْخِلَافِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَحْنَثُ خِلَافًا لَهُمَا وَالْمَسْأَلَةُ مَعْرُوفَةٌ فَإِنَّ النَّائِمَ عِنْدَهُ كَالْمُسْتَيْقِظِ فِي حَقِّ الْأَحْكَامِ وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ مَا إذَا قَالَ لَا أُكَلِّمُهُ إلَّا بِإِذْنِهِ فَلِأَنَّ الْإِذْنَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْأَذَانِ الَّذِي هُوَ الْإِعْلَامُ أَوْ مِنْ الْوُقُوعِ فِي الْإِذْنِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [التوبة : 3] أَيْ إعْلَامٌ وَقِيلَ سُمِّيَ الْكَلَامُ إذْنًا لِأَنَّهُ يَقَعُ فِي الْإِذْنِ الَّذِي هُوَ طَرِيقُ الْعِلْمِ بِالْمَسْمُوعَاتِ وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بَعْدَ الْعِلْمِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الْإِذْنَ هُوَ الْإِطْلَاقُ وَأَنَّهُ يَتِمُّ بِالْإِذْنِ كَالرِّضَا قُلْنَا الرِّضَا مِنْ أَعْمَالِ الْقَلْبِ فَيَتِمُّ بِهِ وَلَا كَذَلِكَ الْإِذْنُ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ إلَّا إذَا كَلَّمَهُ بِكَلَامٍ يَسْمَعُهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ وَهُوَ مُسْتَأْنَفٌ بَعْدَ الْيَمِينِ مُنْقَطِعٌ عَنْ الْيَمِينِ فَإِنْ كَانَ مَوْصُولًا بِهَا لَمْ يَحْنَثْ نَحْوُ أَنْ يَقُولَ إنْ كَلَّمْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَاذْهَبِي أَوْ قُومِي لِأَنَّ هَذَا مِنْ تَمَامِ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ فَلَا يَكُونُ مُرَادًا بِالْيَمِينِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِهَذَا كَلَامًا مُسْتَأْنَفًا ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الذَّخِيرَةِ وَلَوْ سَلَّمَ عَلَى جَمَاعَةٍ هُوَ فِيهِمْ حَنِثَ لِأَنَّهُ لِلْجَمِيعِ وَإِنْ نَوَاهُمْ دُونَهُ دِينَ دِيَانَةً لَا قَضَاءً
وَلَوْ قَالَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ إلَّا وَاحِدًا لَا يَحْنَثُ وَلَوْ دَخَلَ دَارًا لَيْسَ فِيهَا غَيْرُ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فَقَالَ مَنْ وَضَعَ هَذَا أَوْ مِنْ أَيْنَ هَذَا حَنِثَ لِأَنَّهُ كَلَامٌ لَهُ بِطَرِيقِ الِاسْتِفْهَامِ وَلَوْ قَالَ لَيْتَ شِعْرِي مِنْ أَيْنَ هَذَا أَوْ مَنْ وَضَعَ هَذَا لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ مُخَاطِبٌ لِنَفْسِهِ وَلَوْ كَانَ مَعَهُ فِي الدَّارِ أَحَدٌ لَا يَحْنَثُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَلَوْ كَلَّمَ غَيْرَهُ وَقَصَدَ أَنْ يُسْمِعَهُ لَا يَحْنَثُ وَلَوْ أَشَارَ إلَيْهِ أَوْ أَرْسَلَ إلَيْهِ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الْكَلَامَ حُرُوفٌ مَنْظُومَةٌ وَلَوْ كَانَ الْحَالِفُ إمَامًا لَا يَحْنَثُ بِالتَّسْلِيمَتَيْنِ لِأَنَّهُ مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ وَلَيْسَ بِكَلَامٍ عُرْفًا وَلَوْ كَانَ الْمُؤْتَمُّ هُوَ الْحَالِفَ فَكَذَلِكَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يَخْرُجُ بِسَلَامِ الْإِمَامِ عِنْدَهُ وَلَوْ سَبَّحَ أَوْ فَتَحَ عَلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ لَا يَحْنَثُ وَخَارِجَهَا يَحْنَثُ وَلَوْ قُرِعَ عَلَيْهِ الْبَابُ فَقَالَ مَنْ هَذَا يَحْنَثُ وَلَوْ نَادَاهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ فَقَالَ لَبَّيْكَ أَوْ لَبَّى يَحْنَثُ وَلَوْ كَلَّمَهُ بِكَلَامٍ لَا يَفْهَمُهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ فَفِيهِ اخْتِلَافُ الرِّوَايَتَيْنِ وَلَوْ قَالَ الْحَالِفُ افْعَلْ يَا حَائِطُ كَذَا وَكَذَا وَقَصَدَ إسْمَاعَ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
إيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى يُعْتَمَدُ التَّصَوُّرُ دُونَ الْقُدْرَةِ فِيمَا لَهُ خَلَفٌ أَلَا تَرَى أَنَّ الصَّوْمَ وَاجِبٌ عَلَى الشَّيْخِ الْفَانِي وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قُدْرَةٌ لِمَكَانِ التَّصَوُّرِ وَالْخَلَفِ وَهُوَ الْفِدْيَةُ فَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ هُنَا عَقِيبَ وُجُوبِ الْبِرِّ بِحِنْثِهِ بِوَاسِطَةِ عَجْزِهِ الثَّابِتِ عَادَةً كَمَا وَجَبَتْ الْفِدْيَةُ هُنَاكَ عَقِيبَ وُجُوبِ الصَّوْمِ ذَكَرَهُ فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ . ا هـ . (قَوْلُهُ فَلَا يَنْعَقِدُ لِعَدَمِ التَّصَوُّرِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَإِنَّمَا وَجَبَ الْحِنْثُ فِي الْحَالِ لِأَنَّ الْبِرَّ لَيْسَ لَهُ زَمَانٌ يُنْتَظَرُ ا هـ فَمَحَطُّ الْخِلَافِ أَنَّهُ أَلْحَقَ الْمُسْتَحِيلَ عَادَةً بِالْمُسْتَحِيلِ حَقِيقَةً وَنَحْنُ نَمْنَعُهُ وَكُلُّ مَا وَقَعَ هُنَا فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ مِنْ لَفْظِ مُتَصَوَّرٌ فَمَعْنَاهُ مُمْكِنٌ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ مُتَعَقِّلًا مُفْهِمًا ا هـ فَتْحٌ
(قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَتْ مُؤَقَّتَةً لَا يَحْنَثُ حَتَّى يَمْضِيَ ذَلِكَ الْوَقْتُ) حَتَّى لَوْ مَاتَ قَبْلَهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ إذْ لَا حِنْثَ . ا هـ . كَمَالٌ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَكَلَّمَهُ) ثَابِتٌ فِي الْمَتْنِ سَاقِطٌ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ فَإِنَّ النَّائِمَ عِنْدَهُ كَالْمُسْتَيْقِظِ) قَالَ الْكَمَالُ وَالْمُرَادُ بِمَا نُسِبَ إلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ مِنْ أَنَّ الْمُتَيَمِّمَ إذَا مَرَّ عَلَى مَاءٍ وَهُوَ نَائِمٌ وَلَا عِلْمَ لَهُ بِهِ يُنْتَقَضُ تَيَمُّمُهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ هُنَاكَ مَا فِيهَا مِنْ الِاسْتِبْعَادِ لِلْمَشَايِخِ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ مُسْتَيْقِظًا حَقِيقَةً وَإِلَى جَانِبِهِ حَفِيرَةِ مَاءٍ لَمْ يَعْلَمُ بِهَا لَا يُنْتَقَضُ تَيَمُّمُهُ فَكَيْفَ بِالنَّائِمِ حَتَّى حَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى النَّاسِي وَأُضِيفَ إلَى هَذِهِ مَسَائِلُ تَزِيدُ عَلَى عِشْرِينَ جُعِلَ فِيهَا النَّائِمُ كَالْمُسْتَيْقِظِ ا هـ
(قَوْلُهُ وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ مَا إذَا قَالَ لَا أُكَلِّمُهُ إلَّا بِإِذْنِهِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ إلَّا بِإِذْنِهِ فَأَذِنَ لَهُ وَلَمْ يَعْلَمْ بِالْإِذْنِ حَتَّى كَلَّمَهُ حَنِثَ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَهَذَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ قَالَ فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ قَوْلِهِمْ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ لِأَنَّ الْإِذْنَ يَتِمُّ بِالْحَالِفِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى عِلْمِ غَيْرِهِ كَمَا إذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ إلَّا بِرِضَاهُ فَرَضِيَ وَلَمْ يَعْلَمْ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ فَكَلَّمَهُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الرِّضَا يَتِمُّ بِالتَّرَاضِي وَلَا حَاجَةَ إلَى عِلْمِ الْغَيْرِ فَكَذَا هُنَا . ا هـ . (قَوْلُهُ نَحْوُ أَنْ يَقُولَ إنْ كَلَّمْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَاذْهَبِي) قَالَ الْكَمَالُ وَفِي الْمُنْتَقَى لَوْ قَالَ فَاذْهَبِي أَوْ وَاذْهَبِي لَا تَطْلُقُ وَلَوْ اذْهَبِي طَلُقَتْ لِأَنَّهُ مُنْقَطِعٌ عَنْ الْيَمِينِ
وَأَمَّا مَا فِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ لَا أُكَلِّمُك الْيَوْمَ أَوْ غَدًا حَنِثَ لِأَنَّهُ كَلَّمَهُ بِقَوْلِهِ أَوْ غَدًا فَلَا شَكَّ فِي عَدَمِ صِحَّتِهِ لِأَنَّهُ كَلَامٌ وَاحِدٌ فَإِنَّهُ إذَا أَرَادَ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ لَا يُقَالُ إلَّا كَذَلِكَ . ا هـ . (قَوْلُهُ أَوْ قَوْمِي) أَيْ أَوْ شَتَمَهَا أَوْ زَجَرَهَا مُتَّصِلًا . ا هـ . فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَإِنْ نَوَاهُمْ دُونَهُ دِينَ دِيَانَةً لَا قَضَاءً) وَعِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ قَضَاءً أَيْضًا . ا هـ . فَتْحٌ (قَوْلُهُ أَوْ لَبَّيْ) أَيْ قَالَ لَبَّيْ بِلَا كَافٍ . ا هـ .

(3/136)


لَا يَحْنَثُ
وَلَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ إنْ ابْتَدَأْتُك بِالْكَلَامِ فَعَبْدِي حُرٌّ فَالْتَقَيَا فَسَلَّمَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ كَلَامٌ بِصِفَةِ الْبُدَاءَةِ وَهُوَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ وَسَقَطَ الْيَمِينُ عَنْ الْحَالِفِ فَلَا يُتَصَوَّرُ حِنْثُهُ فِي تِلْكَ الْيَمِينِ أَبَدًا لِأَنَّ كُلَّ كَلَامٍ يُوجَدُ مِنْ الْحَالِفِ بَعْدَ ذَلِكَ يَكُون بَعْدَ وُجُودِ الْكَلَامِ مِنْ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فَلَا يَحْنَثُ لِأَنَّ شَرْطَ حِنْثِهِ أَنْ يَكُونَ قَبْلَهُ كَلَامٌ وَعَنْ هَذَا لَوْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَالِفًا أَنْ لَا يُكَلِّمَ صَاحِبَهُ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا لَا يَحْنَثُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَبَدًا لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ ابْتَدَأْتُك بِالْكَلَامِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَتْ هِيَ إنْ ابْتَدَأْتُك بِالْكَلَامِ فَعَبْدِي حُرٌّ ثُمَّ إنَّ الزَّوْجَ كَلَّمَهَا بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهَا سَبَقَتْهُ بِالْكَلَامِ حِينَ حَلَفَتْ وَلَا يُتَصَوَّرُ حِنْثُهَا بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ حِينَ كَلَّمَهَا بَعْدَ يَمِينِهَا فَقَدْ سَبَقَهَا بِالْكَلَامِ فَكُلُّ كَلَامٍ يُوجَدُ مِنْهَا بَعْدَ ذَلِكَ يَكُونُ بَعْدَ كَلَامِهِ لَهَا فَفَاتَ شَرْطُ الْحِنْثِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا يُكَلِّمُهُ شَهْرًا فَهُوَ مِنْ حِينِ حَلَفَ) أَيْ لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا شَهْرًا فَابْتِدَاءُ مُدَّةِ الْيَمِينِ مِنْ حِينَ حَلَفَ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَذْكُرْ الشَّهْرَ تَتَأَبَّدُ الْيَمِينُ فَصَارَ ذِكْرُ الشَّهْرِ لِإِخْرَاجِ مَا وَرَاءَهُ لَا لِإِثْبَاتِ الْمَذْكُورِ وَمَدِّهِ إلَيْهِ وَلِأَنَّ الْحَامِلَ عَلَى الْيَمِينِ غَيْظٌ لِحَقِّهِ مِنْهُ فِي الْحَالِ فَيَمْنَعُ نَفْسَهُ عَنْ التَّكَلُّمِ فِي الْحَالِ فَيَكُونُ ابْتِدَاؤُهُ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ عَمَلًا بِدَلَالَةِ حَالِهِ وَكَذَا لَوْ قَالَ إنْ تَرَكْت كَلَامَهُ شَهْرًا أَوْ إنْ تَرَكْت الصَّوْمَ شَهْرًا أَوْ إنْ لَمْ أَسَاكِنه شَهْرًا يَتَنَاوَلُ شَهْرًا مِنْ حِينَ حَلَفَ لِأَنَّ تَرْكَ الصَّوْمِ مُطْلَقًا أَوْ تَرْكَ الْكَلَامِ أَوْ تَرْكَ الْمُسَاكَنَةِ مُطْلَقًا يَتَنَاوَلُ الْأَبَدَ فَصَارَ ذِكْرُ الْوَقْتِ لِإِخْرَاجِ مَا وَرَاءَهُ وَكَذَا الْإِجَارَةُ وَالْآجَالُ بِخِلَافِ قَوْلِهِ لَأَصُومَنَّ أَوْ لَأَعْتَكِفَنَّ شَهْرًا لِأَنَّ مُطْلَقَ الصَّوْمِ أَوْ الِاعْتِكَافِ الْمُطْلَقِ لَا يَتَأَبَّدُ بَلْ يَتَنَاوَلُ الْأَدْنَى فِي النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ فَيَكُونُ ذِكْرُ الْوَقْتِ لِلْمَدِّ إلَيْهِ لَا لِإِخْرَاجِ مَا وَرَاءَهُ .

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا يَتَكَلَّمُ فَقَرَأَ الْقُرْآنَ أَوْ سَبَّحَ لَمْ يَحْنَثْ) أَيْ لَوْ حَلَفَ لَا يَتَكَلَّمُ فَقَرَأَ الْقُرْآنَ أَوْ سَبَّحَ لَمْ يَحْنَثْ وَعَلَى هَذَا التَّهْلِيلُ وَالتَّكْبِيرُ وَإِطْلَاقُهُ يَتَنَاوَلُ الْقِرَاءَةَ وَالتَّسْبِيحَ فِي الصَّلَاةِ وَخَارِجَهَا وَهُوَ اخْتِيَارُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ الْمَعْرُوفِ بِخُوَاهَرْ زَادَهْ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى مُتَكَلِّمًا عَادَةً وَشَرْعًا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ اللَّهَ يُحْدِثُ عَنْ أَمْرِهِ مَا يَشَاءُ وَإِنَّ مِمَّا أَحْدَثَ أَنْ لَا يُتَكَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ» وَلَمْ يَفْهَمْ مِنْهُ أَحَدٌ تَرْكَ الْقِرَاءَةِ وَالذِّكْرِ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ صَلَاتَنَا هَذِهِ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ وَإِنَّمَا هِيَ التَّهْلِيلُ وَالتَّسْبِيحُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ» وَلِأَنَّ الْكَلَامَ مُفْسِدٌ وَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ لَأَفْسَدَتْ وَقَالَ تَعَالَى {حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} [التوبة : 6] فَعُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ بِكَلَامِ النَّاسِ وَاخْتَارَ الْقُدُورِيُّ أَنَّهُ إذَا قَرَأَ فِي الصَّلَاةِ لَا يَحْنَثُ وَخَارِجَهَا يَحْنَثَ لِأَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ لَا يُسَمَّى مُتَكَلِّمًا عَادَةً وَكَذَا شَرْعًا لِمَا رَوَيْنَا وَاخْتَارَ أَبُو اللَّيْثِ أَنَّهُ إنْ كَانَتْ الْيَمِينُ بِالْعَرَبِيَّةِ فَكَمَا قَالَهُ الْقُدُورِيُّ وَإِنْ كَانَتْ بِالْفَارِسِيَّةِ فَكَمَا اخْتَارَهُ خُوَاهَرْ زَادَهْ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَحْنَثَ فِي الصَّلَاةِ وَخَارِجَهَا لِوُجُودِ التَّكَلُّمِ حَقِيقَةً وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ مَا بَيَّنَّا

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (يَوْمَ أُكَلِّمُ فُلَانًا فَعَلَى الْجَدِيدَيْنِ) أَيْ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَعْنَاهُ لَوْ قَالَ يَوْمَ أُكَلِّمُ فُلَانًا فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ فَهُوَ عَلَى اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لِأَنَّ اسْمَ الْيَوْمِ إذَا قُرِنَ بِفِعْلٍ لَا يَمْتَدُّ يُرَادُ بِهِ مُطْلَقُ الْوَقْتِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ} [الأنفال : 16] وَالْكَلَامُ لَا يَمْتَدُّ وَكَذَا الطَّلَاقُ بِخِلَافِ الْأَمْرِ بِالْيَدِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ نَوَى النَّهَارَ خَاصَّةً صُدِّقَ) أَيْ دِيَانَةً وَقَضَاءً لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ وَهُوَ مُسْتَعْمَلٌ فِيهِ أَيْضًا فَيُصَدَّقُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْمُتَعَارَفِ وَقَدْ ذَكَرْنَا اخْتِلَافَ الرِّوَايَتَيْنِ فِي صِحَّةِ نِيَّةِ الْحَقِيقَةِ إذَا كَانَتْ الْحَقِيقَةُ خِلَافَ الْمُتَعَارَفِ فِي قَوْلِهِ لَيَأْتِيَنَّهُ إنْ اسْتَطَاعَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَيْلَةَ أُكَلِّمُهُ عَلَى اللَّيْلِ) أَيْ لَوْ قَالَ لَيْلَةَ أُكَلِّمُ فُلَانًا فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ فَهُوَ عَلَى اللَّيْلِ خَاصَّةً لِأَنَّ حَقِيقَتَهُ فِي سَوَادِ اللَّيْلِ خَاصَّةً كَالنَّهَارِ لِلْبَيَاضِ خَاصَّةً وَلَمْ يَجِئْ اسْتِعْمَالُهُ فِي مُطْلَقِ الْوَقْتِ بِخِلَافِ الْيَوْمِ وَهُمَا ضِدَّانِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً} [الفرقان : 62] فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ لَمْ يَجِئْ اسْتِعْمَالُ اللَّيْلِ لِمُطْلَقِ الْوَقْتِ وَقَدْ أَطْلَقَتْهُ الْعَرَبُ عَلَى اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ حَتَّى قَالَ الشَّاعِرُ
وَكُنَّا حَسِبْنَا كُلَّ سَوْدَاءَ تَمْرَةً ... لَيَالِيَ لَاقَيْنَا الْحَزِيمَ وَحِمْيَرَا
قُلْنَا هَذَا الْقَائِلُ ذَكَرَ اللَّيَالِيَ بِعِبَارَةِ الْجَمْعِ وَذِكْرُ عَدَدِ أَحَدِهِمَا بِعِبَارَةِ الْجَمْعِ يُدْخِلُ مَا بِإِزَائِهِ مِنْ الْعَدَدِ الْآخَرِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ الِاعْتِكَافِ وَكَلَامُنَا هُنَا فِي الْمُفْرَدِ فَلَا يَلْزَمُنَا

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إنْ كَلَّمْتُهُ إلَّا أَنْ يَقْدَمَ زَيْدٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَذْكُرْ الشَّهْرَ يَتَأَبَّدُ الْيَمِينُ) أَيْ لِأَنَّ النَّكِرَةَ إذَا وَقَعَتْ فِي مَوْضِعِ النَّفْيِ عَمَّتْ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ قَوْلِهِ لَأَصُومَنَّ أَوْ لَأَعْتَكِفَنَّ) اُنْظُرْ مَا كَتَبْته مِنْ كَلَامِ الْكَمَالِ عِنْدَ قَوْلِهِ فِيمَا يَأْتِي الزَّمَانُ وَالْحِينُ وَمُنَكَّرُهُمَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ

(قَوْلُهُ لِوُجُودِ التَّكَلُّمِ حَقِيقَةً) أَيْ لِأَنَّ الْكَلَامَ اسْمٌ لِحُرُوفٍ مَنْظُومَةٍ تَحْتَهَا مَعَانٍ مَفْهُومَةٌ فَيَكُونُ قَارِئُ الْقُرْآنِ مُتَكَلِّمًا لَا مَحَالَةَ فَيَحْنَثُ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ

(قَوْلُهُ الْحَزِيمُ) هَكَذَا هُوَ بِخَطِّ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ وَذِكْرُ عَدَدِ أَحَدِهِمَا) كَذَا هُوَ فِي خَطِّ الشَّارِحِ وَصَوَابُهُ وَذِكْرُ الْعَدَدَيْنِ ا هـ وَهَكَذَا عَبَّرَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ . ا هـ .

(3/137)


أَوْ حَتَّى أَوْ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ أَوْ حَتَّى فَكَذَا فَكَلَّمَ قَبْلَ قُدُومِهِ أَوَإِذْنِهِ حَنِثَ وَبَعْدَهُمَا لَا) أَيْ لَوْ قَالَ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا إلَّا أَنْ يَقْدَمَ فُلَانٌ أَوْ حَتَّى يَقْدَمَ فُلَانٌ أَوْ قَالَ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لِي فُلَانٌ أَوْ حَتَّى يَأْذَنَ لِي فُلَانٌ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ فَكَلَّمَهُ قَبْلَ قُدُومِهِ أَوْ إذْنِهِ طَلُقَتْ وَلَوْ كَلَّمَهُ بَعْدَ الْقُدُومِ وَالْإِذْنِ لَا تَطْلُقُ لِأَنَّ الْقُدُومَ وَالْإِذْنَ صَارَ غَايَةً لِلْيَمِينِ فَيَبْقَى الْيَمِينُ قَبْلَ وُجُودِ الْغَايَةِ فَيَحْنَثُ بِوُجُودِ الشَّرْطِ لِبَقَاءِ الْيَمِينِ وَلَا يَحْنَثُ بَعْدَهَا لِانْتِهَاءِ الْيَمِينِ وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّهُمَا غَايَتَانِ لِدُخُولِ حَرْفِ الْغَايَةِ فِيهِمَا وَهِيَ كَلِمَةُ حَتَّى وَإِلَّا أَنْ ، أَمَّا حَتَّى فَظَاهِرٌ فَإِنَّهَا لِلْغَايَةِ وَأَمَّا إلَّا أَنْ فَالْأَصْلُ فِيهَا أَنَّهَا لِلِاسْتِثْنَاءِ وَتُسْتَعَارُ لِلشَّرْطِ وَالْغَايَةِ إذَا تَعَذَّرَ الِاسْتِثْنَاءُ لِمُنَاسَبَةٍ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُمَا وَهُوَ أَنَّ حُكْمَ مَا قَبْلَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ وَالشَّرْطِ وَالْغَايَةِ يُخَالِفُ مَا بَعْدَهُ ثُمَّ الْأَصْلُ فِيهَا إذَا تَعَذَّرَ الِاسْتِثْنَاءُ أَنَّهَا مَتَى دَخَلَتْ عَلَى مَا لَا يَتَوَقَّفُ تَكُونُ لِلشَّرْطِ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إلَّا أَنْ يَقْدَمَ فُلَانٌ إنْ قَدِمَ لَا تَطْلُقُ وَإِنْ لَمْ يَقْدَمْ حَتَّى مَاتَ طَلُقَتْ فَحُمِلَتْ عَلَى الشَّرْطِ أَنَّهُ قَالَ إنْ لَمْ يَقْدَمْ فُلَانٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مُتَعَذِّرٌ لِعَدَمِ الْمُجَانَسَةِ بَيْنَ الطَّلَاقِ وَالْقُدُومِ وَكَانَ حَمْلُهَا عَلَى الشَّرْطِ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهَا عَلَى الْغَايَةِ فِيهِ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَحْتَمِلُ التَّأْقِيتَ لِأَنَّهُ مَتَى وَقَعَ فِي وَقْتٍ وَقَعَ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ فَتَعَيَّنَ أَنْ تَكُونَ لِلشَّرْطِ فَيَكُونُ مُعَلَّقًا بِعَدَمِ الْقُدُومِ لَا بِوُجُودِهِ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْقُدُومَ رَافِعًا لِلطَّلَاقِ فَيَكُونُ عَلَمًا عَلَى عَدَمِ الطَّلَاقِ وَعَدَمُ الْقُدُومِ عَلَى وُجُودِ الطَّلَاقِ
وَإِذَا دَخَلَتْ عَلَى مَا يَتَوَقَّفُ تَكُونُ لِلْغَايَةِ كَمَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مُتَعَذِّرٌ لِعَدَمِ الْمُجَانَسَةِ بَيْنَ الْإِذْنِ وَالْكَلَامِ فَحُمِلَتْ عَلَى الْغَايَةِ لِأَنَّهَا دَخَلَتْ عَلَى الْيَمِينِ وَهِيَ تَقْبَلُ الْغَايَةَ كَمَا إذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ إلَى رَجَبٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَكَانَ حَمْلُهُ عَلَى الْغَايَةِ فِيهِ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الشَّرْطِ لِأَنَّ مُنَاسَبَةَ الِاسْتِثْنَاءِ لِلْغَايَةِ أَقْوَى مِنْ مُنَاسَبَتِهِ لِلشَّرْطِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْحُكْمَ مَوْجُودٌ فِيهِمَا فِي الْحَالِ بِخِلَافِ الشَّرْطِ فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ إذَا كَلَّمَهُ قَبْلَ الْقُدُومِ أَوْ الْإِذْنِ حَنِثَ لِأَنَّ الْيَمِينَ بَاقِيَةٌ قَبْلَ وُجُودِ الْغَايَةِ وَإِنْ كَلَّمَهُ بَعْدَ الْقُدُومِ أَوْ الْإِذْنِ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الْيَمِينَ انْتَهَتْ بِوُجُودِ الْغَايَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ مَاتَ زَيْدٌ سَقَطَ الْحَلِفُ) أَيْ لَوْ مَاتَ زَيْدٌ قَبْلَ أَنْ يَأْذَنَ أَوْ يَقْدَمَ سَقَطَتْ الْيَمِين لِأَنَّ حُكْمَ هَذَا الْيَمِينِ حُرْمَةُ الْكَلَامِ فِي مُدَّةٍ تَنْتَهِي بِالْقُدُومِ وَالْإِذْنِ وَبَعْدَ الْمَوْتِ لَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فَبَطَلَتْ وَلَا يُعْتَبَرُ تَصَوُّرُهُ بِإِعَادَةِ الْحَيَاةِ فِيهِ لِأَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ الْإِذْنُ أَوْ الْقُدُومُ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ فَصَارَ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَيَقْتُلَنَّ فُلَانًا فَمَاتَ فُلَانٌ يَحْنَثُ فِي الْحَالِ لِلْيَأْسِ مِنْ الْقَتْلِ وَلَا يُعْتَبَرُ تَصَوُّرُ الْقَتْلِ لِبَقَاءِ الْيَمِينِ بِإِعَادَةِ الْحَيَاةِ فِيهِ وَهَذَا عِنْدَهُمَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا تَبْطُلُ الْيَمِينُ لِأَنَّ التَّصَوُّرَ ابْتِدَاءٌ عِنْدَهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي مَسْأَلَةِ الْكُوزِ فَكَذَا بَقَاءٌ فَيَتَأَبَّدُ الْيَمِينُ لِسُقُوطِ الْغَايَةِ .

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا يَأْكُلُ طَعَامَ فُلَانٍ أَوْ لَا يَدْخُلُ دَارِهِ أَوْ لَا يَلْبَسُ ثَوْبَهُ أَوْ لَا يَرْكَبُ دَابَّتَهُ أَوْ لَا يُكَلِّمُ عَبْدَهُ إنْ أَشَارَ وَزَالَ مِلْكُهُ وَفَعَلَ لَا يَحْنَثُ كَالْمُتَجَدِّدِ وَإِنْ لَمْ يُشِرْ لَا يَحْنَثُ بَعْدَ الزَّوَالِ وَحَنِثَ بِالْمُتَجَدِّدِ) أَيْ لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ طَعَامَ فُلَانٍ إلَخْ إنْ أَشَارَ إلَى الطَّعَامِ وَنَحْوِهِ بِأَنْ قَالَ طَعَامُ زَيْدٍ هَذَا أَيْ هَذَا الطَّعَامُ وَزَالَ مِلْكُ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ ثُمَّ أَكَلَهُ الْحَالِفُ لَا يَحْنَثُ كَمَا لَا يَحْنَثُ فِي أَكْلِ طَعَامِهِ الْمُتَجَدِّدِ بِأَنْ مَلَكَهُ بَعْدَ الْيَمِينِ وَإِنْ لَمْ يُشِرْ إلَيْهِ بَلْ أَطْلَقَهُ بِأَنْ قَالَ لَا آكُلُ طَعَامَ زَيْدٍ فَزَالَ مَا كَانَ يَمْلِكُهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ عَنْ مِلْكِهِ فَأَكَلَهُ لَا يَحْنَثُ أَيْضًا وَلَوْ تَجَدَّدَ لَهُ مِلْكٌ غَيْرُ ذَلِكَ فَأَكَلَهُ يَحْنَثُ هُنَا فَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إنْ أَشَارَ إلَيْهِ مَعَ الْإِضَافَةِ فَخَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ لَمْ يَحْنَثْ بِالْفِعْلِ وَإِنْ تَجَدَّدَ لَهُ مِلْكٌ لَمْ يَحْنَثْ أَيْضًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُشَارًا إلَيْهِ يَحْنَثُ فِي مِلْكِهِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ مَوْجُودًا فِي مِلْكِهِ عِنْدَ الْيَمِينِ أَوْ حَدَثَ بَعْدَهُ أَمَّا إذَا لَمْ يُشِرْ إلَيْهِ فَلِأَنَّهُ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى فِعْلٍ وَاقِعٍ فِي مَحَلٍّ مُضَافٍ إلَى فُلَانٍ فَيَحْنَثُ مَا دَامَتْ الْإِضَافَةُ بَاقِيَةً وَإِنْ كَانَتْ مُتَجَدِّدَةً بَعْدَ الْيَمِينِ وَلَا يَحْنَثُ بَعْدَ زَوَالِهَا لِعَدَمِ شَرْطِ الْحِنْثِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ فِي الْمِلْكِ الْمُتَجَدِّدِ لَهُ فِي الدَّارِ وَحْدَهَا لِأَنَّ الْمِلْكَ لَا يَتَجَدَّدُ فِيهَا عَادَةً فَهِيَ أَوَّلُ مَا يُشْتَرَى وَآخِرُ مَا يُبَاعُ فَتَقَيَّدَتْ الْيَمِينُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ أَمَّا حَتَّى فَظَاهِرٌ فَإِنَّهَا لِلْغَايَةِ) أَيْ لِأَنَّهَا حَرْفٌ خَافِضَةٌ مَوْضُوعَةٌ لِانْتِهَاءِ الْغَايَةِ كَإِلَى . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَأَمَّا إلَّا أَنْ) أَيْ فَلَأَنْ يَنْتَهِيَ مَنْعُ الْكَلَامِ فَشَابَهَتْ الْغَايَةَ إذَا كَانَتْ غَايَةً لِمَنْعِهِ فَأُطْلِقَ عَلَيْهَا اسْمُهَا وَمِثْلُهُ قَوْله تَعَالَى {لا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ} [التوبة : 110] أَيْ إلَى مَوْتِهِمْ . ا هـ . كَمَالٌ
(قَوْلُهُ وَبَعْدَ الْمَوْتِ لَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فَبَطَلَتْ) أَيْ لِأَنَّ شَرْطَ بَقَاءِ الْيَمِينِ تَصَوُّرُ الْبِرِّ عِنْدَهُمَا . ا هـ . (قَوْلُهُ أَوْ الْقُدُومُ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ) أَيْ الْقَائِمَةِ لَا فِي حَيَاتِهِ الْمُعَادَةِ بَعْدَ مَوْتِهِ ا هـ قَالَ الْكَمَالُ فَإِنْ قِيلَ لَا نُسَلِّمُ عَدَمَ تَصَوُّرِ الْبِرِّ بِمَوْتِهِ لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَادِرٌ عَلَى إعَادَةِ فُلَانٍ فَيُمْكِنُ أَنْ يَقْدَمَ وَيَأْذَنَ وَالْجَوَابُ أَنَّ الْحَيَاةَ الْمُعَادَةَ غَيْرُ الْحَيَاةِ الْمَحْلُوفِ عَلَى إذْنِهِ فِيهَا وَقُدُومُهُ وَهِيَ الْحَيَاةُ الْقَائِمَةُ حَالَةَ الْحَلِفِ لِأَنَّ تِلْكَ عَرَضٌ تَلَاشَى فَلَا تُمْكِنُ إعَادَتُهَا بِعَيْنِهَا وَإِنْ أُعِيدَتْ الرُّوحُ فَإِنَّ الْحَيَاةَ غَيْرُ الرُّوحِ لِأَنَّهُ أَمْرٌ لَازِمٌ لِلرُّوحِ فِيمَا لَهُ رُوحٌ . ا هـ . (قَوْلُهُ يَحْنَثُ فِي الْحَالِ) قَالَ ابْنُ فِرِشْتَا فِي الْكَلَامِ عَلَى مَسْأَلَةِ الْكُوزِ وَلَوْ كَانَتْ الْيَمِينُ مُطْلَقَةً يَحْنَثُ فِي الْحَالِ حِينَ هَلَكَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا ا هـ (قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا تَبْطُلُ الْيَمِينُ) أَيْ فَتَبْقَى الْيَمِينُ مُؤَبَّدَةً بَعْدَ سُقُوطِ الْغَايَةِ حَتَّى إذَا كَلَّمَ فُلَانًا الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ يَحْنَثُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْلُهُ يَحْنَثُ أَيْ فِي أَيِّ وَقْتٍ كَلَّمَهُ فِيهِ . ا هـ .

(قَوْلُهُ ثُمَّ أَكَلَهُ الْحَالِفُ لَا يَحْنَثُ) أَيْ وَفِي الْمُشَارِ إلَيْهِ لَوْ زَالَ مِلْكُهُ عَنْهُ ثُمَّ عَادَ فَأَكَلَهُ يَجِبُ أَنْ لَا يَحْنَثَ يَتَّضِحُ بِهَذَا قَوْلُ الشَّارِحِ فِي أَثْنَاءِ هَذِهِ الْمَقَالَةِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ مَا دَامَ مِلْكًا لِفُلَانٍ فَإِنَّ الدَّيْمُومَةَ قَدْ انْقَطَعَتْ بِالْخُرُوجِ عَنْ مِلْكِهِ هَذَا مَا ظَهَرَ حَالَ الْمُطَالَعَةِ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَتْ مُتَجَدِّدَةً بَعْدَ الْيَمِينِ) وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ بَعْدَ زَوَالِ الْمِلْكِ لَا يَحْنَثُ فِي الْمُشَارِ وَلَا فِي غَيْرِ الْمُشَارِ وَفِي الْمُتَجَدِّدِ لَا يَحْنَثُ فِي الْمُشَارِ أَيْضًا وَيَحْنَثُ فِي غَيْرِهِ ا هـ

(3/138)


الْمُضَافَةُ إلَى الدَّارِ بِالْقَائِمَةِ مِنْهَا فِي مِلْكِهِ وَقْتَ الْيَمِينِ وَعَنْهُ فِي رِوَايَةٍ تَتَقَيَّدُ الْيَمِينُ فِي الْجَمِيعِ بِالْقَائِمِ فِي مِلْكِهِ وَقْتَ الْحَلِفِ وَهُمَا يَقُولَانِ إنَّ اللَّفْظَ مُطْلَقٌ فَيَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ وَالْعُرْفُ مُشْتَرَكٌ فَلَا يَصْلُحُ مُقَيِّدًا
وَأَمَّا إذَا أَشَارَ إلَيْهِ فَلِأَنَّ الْيَمِينَ عُقِدَتْ عَلَى عَيْنٍ مُضَافٍ إلَى فُلَانٍ إضَافَةَ مِلْكٍ فَلَا يَبْقَى الْيَمِينُ بَعْدَ زَوَالِ الْمِلْكِ كَمَا إذَا لَمْ يُعَيِّنْ وَهَذَا لِأَنَّ هَذِهِ الْأَعْيَانَ لَا يُقْصَدُ هِجْرَانُهَا لِذَوَاتِهَا بَلْ لِمَعْنًى فِي مَلَاكِهَا وَالْيَمِينُ يَتَقَيَّدُ بِمَقْصُودِ الْحَالِفِ وَلِهَذَا يَتَقَيَّدُ بِالصِّفَةِ الْحَامِلَةِ عَلَى الْيَمِينِ وَإِنْ كَانَتْ فِي الْحَاضِرِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ وَهَذِهِ صِفَةٌ حَامِلَةٌ عَلَى الْيَمِينِ فَيَتَقَيَّدُ بِهَا فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ مَا دَامَ مِلْكًا لِفُلَانٍ نَظَرًا إلَى مَقْصُودِهِ وَهَذَا عِنْدَهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَحْنَثُ إذَا فَعَلَ بَعْدَ مَا خَرَجَ مِنْ مِلْكِهِ لِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ الْإِشَارَةِ وَالْإِضَافَةِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلتَّعْرِيفِ إلَّا أَنَّ الْإِشَارَةَ أَبْلَغُ فِي التَّعْرِيفِ لِأَنَّهَا تَقْطَعُ شَرِكَةَ الْأَغْيَارِ وَالْإِضَافَةُ لَا تَقْطَعُ فَاعْتُبِرَتْ الْإِشَارَةُ وَلَغَتْ الْإِضَافَةُ وَالْمُشَارُ إلَيْهِ قَائِمٌ فَيَحْنَثُ وَجَوَابُهُ مَا بَيَّنَّا وَقَوْلُهُ الْإِضَافَةُ تَلْغُو مَعَ الْإِشَارَةِ قُلْنَا الْإِضَافَةُ إنَّمَا تَلْغُو إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا فَائِدَةٌ أُخْرَى غَيْرُ التَّعْرِيفِ وَهُنَا فِي إضَافَةِ الْمِلْكِ فَائِدَةٌ أُخْرَى غَيْرُ التَّعْرِيفِ وَهُوَ هِجْرَانُ صَاحِبِهَا لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ حَامِلَهُ عَلَى الْيَمِينِ غِيظَ لَحِقَهُ مِنْ جِهَةِ الْمَالِكِ فَيُعْتَبَرَانِ حَتَّى إذَا فُقِدَ أَحَدُهُمَا لَا يَحْنَثُ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي الصَّدِيقِ وَالزَّوْجَةِ حَنِثَ فِي الْمُشَارِ إلَيْهِ بَعْدَ الزَّوَالِ) أَيْ لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ صِدِّيقَ فُلَانٍ هَذَا أَوْ زَوْجَةَ فُلَانٍ هَذِهِ فَكَلَّمَهُ بَعْدَ زَوَالِ الصَّدَاقَةِ وَالزَّوْجِيَّةِ حَنِثَ وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ الْحُرَّ مَقْصُودٌ بِالْهِجْرَانِ لِذَاتِهِ فَكَانَتْ الْإِضَافَةُ لِلتَّعْرِيفِ الْمَحْضِ وَالدَّاعِي لِمَعْنًى فِي الْمُضَافِ إلَيْهِ غَيْرُ ظَاهِرٍ لِأَنَّهُ لَمْ يُعَيِّنْ أَيْ لَمْ يَقُلْ لَا أُكَلِّمُ صِدِّيقَ فُلَانٍ لِأَنَّ فُلَانًا عَدُوٌّ لِي فَلَا يُشْتَرَطُ دَوَامُهَا بِخِلَافِ مَا مَرَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ تِلْكَ الْأَعْيَانَ لَا تُهْجَرُ لِذَوَاتِهَا أَمَّا غَيْرُ الْعَبْدِ فَظَاهِرٌ وَكَذَا الْعَبْدُ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ خِلَافًا لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّهُ لِخِسَّتِهِ وَسُقُوطِ مَنْزِلَتِهِ أُلْحِقَ بِالْجَمَادِ حَتَّى يُبَاعَ كَالْبَهَائِمِ فَلَا يُقْصَدُ بِالْهِجْرَانِ فَكَانَتْ الْإِضَافَةُ مُعْتَبَرَةً فَلَا يَحْنَثُ بَعْدَ زَوَالِهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي غَيْرِ الْمُشَارِ لَا) أَيْ لَوْ حَلَفَ فِي غَيْرِ الْمُشَارِ إلَيْهِ مِنْ الصَّدِيقِ وَالزَّوْجَةِ بِأَنْ قَالَ لَا أُكَلِّمُ صِدِّيقَ فُلَانٍ أَوْ زَوْجَتَهُ فَزَالَتْ النِّسْبَةُ إلَيْهِ بِأَنْ عَادَى صَدِيقَهُ أَوْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ فَكَلَّمَهُ لَا يَحْنَثُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَحْنَثُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هِجْرَانُهُ وَالْإِضَافَةُ لِلتَّعْرِيفِ فَصَارَ كَالْمُشَارِ إلَيْهِ وَلَهُمَا أَنَّ هِجْرَانَ الْحُرِّ لِغَيْرِهِ مُحْتَمَلٌ وَتَرْكُ الْإِشَارَةِ وَالتَّسْمِيَةِ بِاسْمِهِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فَلَا يَحْنَثُ مَعَ الِاحْتِمَالِ بِالشَّكِّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَحَنِثَ بِالْمُتَجَدِّدِ) أَيْ حَنِثَ بِالْمُسْتَحْدَثِ مِنْ الصَّدِيقِ وَالزَّوْجَةِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَهِيَ مَا إذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ صَدِيقَ فُلَانٍ أَوْ زَوْجَتَهُ وَلَمْ يُشِرْ إلَيْهِ وَهَذَا عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَحْنَثُ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ يَتَنَاوَلُ الْمُعَيَّنَ وَهُوَ الْمَوْجُودُ فَتَكُونُ مُعَادَاتُهُ لِذَاتِهِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا لِأَجْلِ الْإِضَافَةِ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ وَأَمَّا إذَا نَوَى فَعَلَى مَا نَوَى لِأَنَّهُ نَوَى مُحْتَمَلَ كَلَامِهِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا يُكَلِّمُ صَاحِبَ هَذَا الطَّيْلَسَانِ) أَيْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ صَاحِبَ هَذَا الطَّيْلَسَانِ (فَبَاعَهُ فَكَلَّمَهُ حَنِثَ) لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَمْتَنِعُ عَنْ كَلَامِ صَاحِبِ الطَّيْلَسَانِ لِأَجْلِ الطَّيْلَسَانِ فَكَانَتْ الْإِضَافَةُ لِلتَّعْرِيفِ فَتَعَلَّقَتْ الْيَمِينُ بِالْمُعَرَّفِ وَلِهَذَا لَوْ كَلَّمَ الْمُشْتَرِيَ لَا يَحْنَثُ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (الزَّمَانُ وَالْحِينُ وَمُنَكَّرُهُمَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ) وَالْمُرَادُ بِالْمُنَكَّرِ مَا لَمْ تَدْخُلْهُ الْأَلِفُ وَاللَّامُ مِنْهُمَا حَتَّى لَوْ قَالَ لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا حِينًا أَوْ زَمَانًا أَوْ الْحِينَ أَوْ الزَّمَانَ فَهُوَ عَلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ لِأَنَّ الْحِينَ يُذْكَرُ بِمَعْنَى السَّاعَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} [الروم : 17] أَيْ سَاعَةَ تُمْسُونَ وَيُطْلَقُ عَلَى أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ} [الإنسان : 1] وَالْمُرَادُ أَرْبَعُونَ سَنَةً وَيُطْلَقُ عَلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ} [إبراهيم : 25] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - هِيَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ هُوَ الْوَسَطُ وَخَيْرُ الْأُمُورِ أَوَاسِطُهَا وَلِأَنَّ اللَّحْظَةَ لَا بِقَصْدِ الِامْتِنَاعِ عَنْهَا بِالْيَمِينِ لِلْقُدْرَةِ عَلَى الِامْتِنَاعِ بِدُونِهَا وَأَرْبَعُونَ سَنَةً بِمَنْزِلَةِ الْأَبَدِ
وَمَنْ يُؤَمِّلُ أَنْ يَعِيشَ أَرْبَعِينَ سَنَةً وَلَوْ قَصَدَ ذَلِكَ لَأَطْلَقَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْحِينَ لِأَنَّهُ يَتَأَبَّدُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فَتَعَيَّنَ مَا عَيَّنَّاهُ وَالزَّمَانُ يُسْتَعْمَلُ اسْتِعْمَالَ الْحِينِ يُقَالُ مَا رَأَيْتُك
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ لِأَنَّهَا تَقْطَعُ شَرِكَةَ الْأَغْيَارِ) أَيْ بِمَنْزِلَةِ وَضْعِ الْيَدِ عَلَى الْمُشَارِ إلَيْهِ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَالْإِضَافَةُ لَا تُقْطَعُ) أَيْ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِفُلَانٍ دَارٌ أُخْرَى . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْحَامِلُ لَهُ عَلَى الْيَمِينِ غَيْظًا) الَّذِي فِي خَطِّ الشَّارِحِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ حَامِلُهُ غِيظَ . ا هـ .

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَفِي غَيْرِ الْمُشَارِ لَا) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفِي بَعْضِ الشُّرُوحِ لَا أَتَزَوَّجُ بِنْتَ فُلَانٍ لَا يَحْنَثُ بِالْبِنْتِ الَّتِي بَعْدَ الْيَمِينِ بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ مُشْكِلٌ فَإِنَّهَا إضَافَةُ نِسْبَةٍ فَيَنْبَغِي أَنْ تَنْعَقِدَ عَلَى الْمَوْجُودِ حَالَ التَّزَوُّجِ فَلَا جَرَمَ أَنَّ فِي التَّفَارِيقِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنْ تَزَوَّجَتْ بِنْتَ فُلَانٍ أَوْ أَمَتَهُ أَنَّهُ عَلَى الْمَوْجُودِ وَالْحَادِثِ ا هـ (قَوْلُهُ خِلَافًا لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ) أَيْ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَرْأَةِ وَالصِّدِّيقِ . ا هـ .

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَكَلَّمَهُ حَنِثَ) أَيْ بِالْإِجْمَاعِ . ا هـ . فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَتَعَلَّقَتْ الْيَمِينُ بِالْمُعَرَّفِ) أَيْ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ لَا أُكَلِّمُ هَذَا بِالْإِشَارَةِ إلَى الصَّاحِبِ . ا هـ .

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمُنَكَّرُهُمَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ) قَالَ الْكَمَالُ فِي النَّفْيِ كَلَا أُكَلِّمُهُ الْحِينَ أَوْ حِينًا وَالْإِثْبَاتُ نَحْوُ لَأَصُومَنَّ حِينًا أَوْ الْحِينَ أَوْ الزَّمَانَ أَوْ زَمَانًا . ا هـ . (قَوْلُهُ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ هِيَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ) فَمِنْ وَقْتِ الطَّلْعِ إلَى وَقْتِ الرُّطَبِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَمِنْ وَقْتِ الرُّطَبِ إلَى وَقْتِ الطَّلْعِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَالزَّمَانُ يُسْتَعْمَلُ اسْتِعْمَالَ الْحِينِ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ ثَبَتَ اسْتِعْمَالُهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ وَلِأَرْبَعِينَ سَنَةً وَلِأَقَلِّ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ بَلْ إنَّهُ ثَبَتَ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْمَدِيدِ وَالْقَصِيرِ وَالْمُتَوَسِّطِ وَهُوَ أَخُو الْحِينِ فِي الْوَضْعِ وَالِاسْتِعْمَالِ فِي ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِثْلُهُ فِي خُصُوصِ الْمُدَّةِ فَيُصْرَفُ إلَى مَا سُمِعَ مُتَوَسِّطًا ثُمَّ قِيلَ هَذَا إنْ تَمَّ فِي زَمَانِ الْمُنَكَّرِ لَمْ يُتِمَّ فِي الْمُعَرَّفِ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ الْأَبَدُ كَالدَّهْرِ وَالْعُمْرِ وَلِهَذَا صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْهُ فَلَوْ قَالَ لَا أُكَلِّمُهُ الزَّمَانَ إلَّا سَنَةً صَحَّ وَعُهِدَ بِهِ السِّتَّةَ أَشْهُرٍ

(3/139)


مُنْذُ حِينٍ وَمُنْذُ زَمَانٍ وَيَسْتَوِي فِيهِ الْمُعَرَّفُ وَالْمُنَكَّرُ لِأَنَّ سِتَّةَ أَشْهُرٍ لِمَا كَانَتْ مَعْهُودَةً انْصَرَفَ الْمُعَرَّفُ إلَيْهَا هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ وَأَمَّا إذَا نَوَى شَيْئًا فَعَلَى مَا نَوَى لِأَنَّهُ مُحْتَمَلُ كَلَامِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالدَّهْرُ وَالْأَبَدُ الْعُمْرُ) لِأَنَّ الْمُعَرَّفَ مِنْهُمَا يُرَادُ بِهِ الْأَبَدُ عَادَةً قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ} [الإنسان : 1] أَيْ الْأَبَدِ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ صَامَ الْأَبَدَ فَلَا صِيَامَ لَهُ» أَيْ عُمْرَهُ كُلَّهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَدَهْرٌ مُجْمَلٌ) أَيْ الْمُنَكَّرُ مِنْهُ مُجْمَلٌ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا هُوَ كَالْحِينِ وَالْخِلَافُ فِي الْمُنَكَّرِ خَاصَّةً هُوَ الصَّحِيحُ وَأَمَّا الْمُعَرَّفُ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ يُرَادُ بِهِ الْأَبَدُ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى مَا بَيَّنَّا لَهُمَا أَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ اسْتِعْمَالَ الْحِينِ يُقَالُ مَا رَأَيْتُهُ مُنْذُ دَهْرٍ وَمُنْذُ حِينٍ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَوَقَّفَ فِيهِ وَقَالَ لَا أَدْرِي مَا الدَّهْرُ وَالتَّوَقُّفُ عِنْدَ عَدَمِ الْمُرَجِّحِ مِنْ الْكَمَالِ كَمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «سُئِلَ عَنْ خَيْرِ الْبِقَاعِ فَقَالَ لَا أَدْرِي حَتَّى أَسْأَلَ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَسَأَلَ جِبْرِيلُ فَقَالَ لَا أَدْرِي حَتَّى أَسْأَلَ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ فَصَعِدَ إلَى السَّمَاءِ وَنَزَلَ فَقَالَ سَأَلْت رَبِّي عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ خَيْرُ الْبِقَاعِ الْمَسَاجِدُ وَخَيْرُ أَهْلِهَا مَنْ يَكُونُ أَوَّلَ النَّاسِ دُخُولًا وَآخِرَهُمْ خُرُوجًا»
وَسُئِلَ ابْنُ عُمَرَ عَنْ شَيْءٍ فَقَالَ لَا أَدْرِي ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ طُوبَى لِابْنِ عُمَرَ سُئِلَ عَمَّا لَا يَدْرِي فَقَالَ لَا أَدْرِي فَعَلِمَ أَنَّهُ مِنْ الْكَمَالِ وَالتَّوَرُّعِ وَقِيلَ إنَّمَا قَالَ لَا أَدْرِي تَأَدُّبًا وَحِفْظًا لِلِسَانِهِ عَنْ التَّحَدُّثِ فِي الدَّهْرِ فَإِنَّهُ جَاءَ فِي الْخَبَرِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «لَا تَسُبُّوا الدَّهْرَ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ» أَيْ خَالِقُ الدَّهْرِ وَقِيلَ وَجَدَ اسْتِعْمَالَ النَّاسِ فِيهِ مُخْتَلِفًا فَإِنَّ الْمُعَرَّفَ مِنْهُ لِلْأَبَدِ وَالْمُنَكَّرُ يُخَالِفُ ذَلِكَ فَقَالَ لَا أَدْرِي مَا الدَّهْرُ لِأَنَّ اللُّغَاتِ لَا تُدْرَكُ بِالرَّأْيِ فَتُرِكَ الْخَوْضُ فِيهِ بِالْقِيَاسِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْأَيَّامُ وَأَيَّامٌ كَثِيرَةٌ وَالشُّهُورُ وَالسُّنُونَ عَشْرَةٌ وَمُنَكَّرُهَا ثَلَاثَةٌ) وَكَذَلِكَ الْجَمْعُ وَالْأَزْمِنَةُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا فِي الْأَيَّامِ وَأَيَّامٍ كَثِيرَةٍ سَبْعَةٌ وَالشُّهُورُ اثْنَا عَشْرَ وَمَا عَدَاهَا لِلْأَبَدِ وَالْمُنَكَّرُ مِنْهَا ثَلَاثَةٌ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ جَمْعٌ ذُكِرَ مُنَكَّرًا فَيَتَنَاوَلُ الْأَقَلَّ لِلتَّيَقُّنِ بِهِ بِخِلَافِ مُنَكَّرِ الْمُعَاوَضَاتِ حَيْثُ يَبْطُلُ بِمِثْلِهِ لِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ لِلْجَهَالَةِ
وَأَمَّا الْمُعَرَّفُ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ فَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّهُ لِتَعْرِيفِ الْعَهْدِ إنْ كَانَ ثَمَّ مَعْهُودٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَلِلْجِنْسِ فَإِذَا كَانَ لِلْجِنْسِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَنْصَرِفَ إلَى أَدْنَى الْجِنْسِ أَوْ إلَى الْكُلِّ وَلَا يَتَنَاوَلُ مَا بَيْنَهُمَا فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَهُمَا يَقُولَانِ وُجِدَ الْعَهْدُ هُنَا فِي الْأَيَّامِ وَالشُّهُورِ لِأَنَّ الْأَيَّامَ تَدُورُ عَلَى سَبْعَةٍ وَالشُّهُورُ عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ فَيَنْصَرِفُ إلَيْهِ وَفِي غَيْرِهِمَا لَمْ يُوجَدْ فَيَسْتَغْرِقُ الْعُمْرَ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ إنَّ أَكْثَرَ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْجَمْعِ عَشْرَةٌ وَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ فَإِذَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ آلَةُ التَّعْرِيفِ اسْتَغْرَقَ الْجَمِيعَ وَهُوَ الْعَشَرَةُ لِأَنَّ الْكُلَّ مِنْ الْأَقَلِّ بِمَنْزِلَةِ الْعَامِّ مِنْ الْخَاصِّ وَالْأَصْلُ فِي الْعَامِّ هُوَ الْعُمُومُ مَا لَمْ يَقُمْ الدَّلِيلُ عَلَى الْخُصُوصِ فَحَمَلْنَاهُ عَلَيْهِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ مَا ذَكَرَاهُ مَعْهُودٌ لِأَنَّ انْتِهَاءَهَا لِانْتِهَاءِ أَسَامِيهَا لَا لِأَنْفُسِهَا وَآلَةُ التَّعْرِيفِ إنَّمَا دَخَلَتْ عَلَى الْأَيَّامِ وَالشُّهُورِ وَنَحْوِهَا فَانْصَرَفَتْ إلَى تَعْرِيفِهَا فِي أَنْفُسِهَا فَصَارَتْ لِأَقْصَى مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ ذَلِكَ اللَّفْظُ
فَإِنْ قِيلَ آلَةُ التَّعْرِيفِ إذَا دَخَلَتْ عَلَى الْأَعْيَانِ تُفِيدُ تَعْرِيفَ الْجِنْسِ لَا تَعْرِيفَ الْعَدَدِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي الْعَبِيدَ أَوْ لَا يَتَزَوَّجَ النِّسَاءَ يَنْصَرِفُ إلَى الْجِنْسِ لَا إلَى الْعَدَدِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ قُلْنَا الْعَدَدُ فِي الزَّمَانِ مَعْهُودٌ لِأَنَّهُ مَعْدُودٌ عَادَةً فَصَارَ صَرْفُهُ إلَى هَذَا الْمَعْهُودِ أَوْلَى مِنْ صَرْفِهِ إلَى الْجِنْسِ لِأَنَّهُ يَتَبَادَرُ إلَى الذِّهْنِ وَلِأَنَّهُ لَوْ حُمِلَ عَلَى الْعَدَدِ لَحُمِلَ عَلَى الْعَشَرَةِ فَحِينَئِذٍ يَتَنَكَّرُ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ بَعْدَ دُخُولِ آلَةِ التَّعْرِيفِ فَيَكُونُ بَاطِلًا بِخِلَافِ الزَّمَانِ فَإِنَّ ابْتِدَاءَهُ مِنْ وَقْتِ الْيَمِينِ فَلَا يَتَنَكَّرُ فَإِنْ قِيلَ الْجَمْعُ الْمُحَلَّى بِآلَةِ التَّعْرِيفِ يُحْمَلُ عَلَى الْأَدْنَى مَعَ احْتِمَالِ الْكُلِّ كَقَوْلِهِ لَا أَشْتَرِي الْعَبِيدَ وَنَحْوِهِ فَلِمَ حُمِلَ هَاهُنَا عَلَى الْكُلِّ قُلْنَا الْأَصْلُ فِي الْعُمُومِ الِاسْتِغْرَاقُ إلَّا إذَا تَعَذَّرَ فَأَمْكَنَ ذَلِكَ فِي الْأَزْمَانِ دُونَ الْأَعْيَانِ لِأَنَّ غَرَضَهُ الْمَنْعُ عَمَّا يَقْدِرُ عَلَيْهِ أَوْ الْحَمْلُ وَهُوَ لَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَشْتَرِيَ الْأَفْرَادَ كُلَّهَا فِي الْأَعْيَانِ فَكَيْفَ يَمْنَعُ نَفْسَهُ عَنْهُ وَلَوْ امْتَنَعَ عَنْهُ يُضَافُ الِامْتِنَاعُ إلَى عَدَمِ الْقُدْرَةِ لَا إلَى الْيَمِينِ بِخِلَافِ الزَّمَانِ فَإِنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَمْتَنِعَ فِي الْكُلِّ وَكَذَا بِالْفِعْلِ مَرَّةً فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ يَحْنَثُ لِأَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا فِي زَمَانٍ فَفَعَلَهُ مَرَّةً حَنِثَ كَمَنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا شَهْرًا فَكَلَّمَهُ مَرَّةً
وَفِي الْأَعْيَانِ لَا يَحْنَثُ حَتَّى يَفْعَلَ فِي كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِهِ فَلَوْ حَمْلَ عَلَى الِاسْتِغْرَاقِ لَمَّا تَصَوَّرَ حِنْثُهُ فَلَا يَحْتَاجُ أَنْ يَمْنَعَ نَفْسَهُ عَنْهُ لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى الْفِعْلِ فِي الْكُلِّ وَفِي قَوْلِهِ لَا أُكَلِّمُهُ أَيَّامًا كَثِيرَةً إنَّمَا انْصَرَفَ إلَى الْمَعْهُودِ وَهُوَ الْعَشَرَةُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
إنَّمَا ثَبَتَتْ فِي لَفْظِ الْحِينِ وَكَوْنُ الزَّمَانِ مِثْلَهُ إنْ أُرِيدَ فِي الْوَضْعِ فَمُسَلَّمٌ وَلَا يُفِيدُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ أَنْ يُحْمَلَ اللَّفْظُ عِنْدَ عَدَمِ الْمُعَيَّنِ لِخُصُوصِ مُدَّةٍ عَلَى الْمُدَّةِ الَّتِي اُسْتُعْمِلَ فِيهَا وَسَطًا وَإِنْ أُرِيدَ فِي الِاسْتِعْمَالِ فَيَحْتَاجُ إلَى ثَبْتٍ مِنْ مَوَارِدِ الِاسْتِعْمَالِ وَلَمْ يُوجَدْ هَذَا وَيُعْتَبَرُ ابْتِدَاءُ السِّتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْيَمِينِ بِخِلَافِ لَأَصُومَنَّ حِينًا أَوْ زَمَانًا كَانَ لَهُ أَنْ يُعَيِّنَ أَيْ سِتَّةَ أَشْهُرٍ شَاءَ وَتَقَدَّمَ الْفَرْقُ ا هـ
(قَوْلُهُ لِأَنَّهُ مُحْتَمَلَ كَلَامِهِ) أَيْ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْحِينِ وَالزَّمَانِ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَالْمُتَوَسِّطِ . ا هـ . فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالدَّهْرُ وَالْأَبَدُ الْعُمْرُ) {فَرْعٌ} إذَا قَالَ لَا أُكَلِّمُهُ الْعُمْرَ فَهُوَ عَلَى الْأَبَدِ وَاخْتَلَفَ جَوَابُ بِشْرِ بْنِ الْوَلِيدِ فِي الْمُنَكَّرِ نَحْوُ عُمْرًا فَمَرَّةً قَالَ فِي : لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ عُمْرٍ يَقَعُ عَلَى يَوْمٍ وَاحِدٍ وَمَرَّةً قَالَ هُوَ مِثْلُ الْحِينِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ . ا هـ . كَمَال - رَحِمَهُ اللَّهُ -

(3/140)


عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا السَّبْعَةُ لِأَنَّهُ لَمَّا وَصَفَهُ بِالْكَثْرَةِ يُعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ الْأَقَلَّ وَهُوَ الثَّلَاثُ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَصِفْهُ كَانَ مُتَنَاوِلًا لَهُ وَمُنْصَرِفًا إلَيْهِ وَلَيْسَ بَعْضُ الْأَعْدَادِ مِمَّا فَوْقَ الثَّلَاثِ بِأُولَى مِنْ الْبَعْضِ فَيَنْصَرِفُ إلَى الْمَعْهُودِ بِلَفْظِ الْأَيَّامِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ ثُمَّ أَجْمَعَ مُعَرَّفًا وَمُنَكَّرًا يَقَعُ عَلَى أَيَّامِ الْجُمُعَةِ فِي الْمُدَّةِ وَلَهُ أَنْ يُكَلِّمَهُ مَا بَيْنَ الْجُمُعَاتِ لِأَنَّهُ حَقِيقَةُ اسْمٍ لِيَوْمٍ مَخْصُوصٍ إلَّا إذَا نَوَى الْأُسْبُوعَ فَيُصَدَّقُ لِلِاحْتِمَالِ وَلِلتَّغْلِيظِ عَلَى نَفْسِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

(بَابُ الْيَمِينِ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ) الْأَصْلُ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّ الْوَلَدَ الْمَيِّتَ وَلَدٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِ لَا فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَأَنَّ الْأَوَّلَ اسْمٌ لِفَرْدٍ سَابِقٍ وَالْأَخِيرَ لِفَرْدٍ لَاحِقٍ وَالْوَسَطَ لِفَرْدٍ بَيْنَ الْعَدَدَيْنِ الْمُتَسَاوِيَيْنِ وَأَنَّ الشَّخْصَ الْوَاحِدَ مَتَى اتَّصَفَ بِوَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ فَلَا يَتَّصِفُ بِالْآخَرِ مِنْهَا لِلتَّنَافِي بَيْنَهَا وَكَذَلِكَ الْفِعْلُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إنْ وَلَدْت فَأَنْتِ كَذَا حَنِثَ بِالْمَيِّتِ بِخِلَافِ فَهُوَ حُرٌّ فَوَلَدَتْ وَلَدًا مَيِّتًا ثُمَّ آخَرَ حَيًّا عَتَقَ الْحَيُّ وَحْدَهُ) أَيْ لَا يَعْتِقُ الَّذِي يُولَدُ بَعْدَهُ وَمَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ مَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ وَلَدْت وَلَدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَوَلَدَتْ وَلَدًا مَيِّتًا طَلُقَتْ وَكَذَا إذَا قَالَ لِأَمَتِهِ إذَا وَلَدْت وَلَدًا فَأَنْتِ حُرَّةٌ لِأَنَّ الْمَوْجُودَ وَلَدٌ حَقِيقَةً وَعُرْفًا وَشَرْعًا حَتَّى تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ وَالدَّمُ الَّذِي بَعْدَهُ نِفَاسٌ وَتَصِيرُ الْأَمَةُ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ وَتُرْجَى شَفَاعَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ السَّقْطَ لَيَقُومُ مُحْبَنْطِئًا عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ فَيَقُولُ لَا أَدْخُلُ حَتَّى يَدْخُلَ أَبَوَايَ» فَإِذَا كَانَ وَلَدًا تَحَقَّقَ الشَّرْطُ فَيَنْزِلُ الْجَزَاءُ عَلَى أُمِّهِ ضَرُورَةً بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ إذَا وَلَدْت وَلَدًا فَهُوَ حُرٌّ حَيْثُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ حَيًّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ حَتَّى إذَا وَلَدَتْ وَلَدًا مَيِّتًا ثُمَّ آخَرَ حَيًّا عَتَقَ الْحَيُّ عِنْدَهُ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ بِخِلَافِ فَهُوَ حُرٌّ أَيْ بِخِلَافِ قَوْلِهِ إذَا وَلَدْت وَلَدًا فَذَلِكَ الْوَلَدُ حُرٌّ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا يَعْتِقُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا لِأَنَّ الشَّرْطَ قَدْ تَحَقَّقَ بِوِلَادَةِ الْمَيِّتِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فَتَنْحَلُّ الْيَمِينُ لَا إلَى جَزَاءٍ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَيْسَ بِمَحِلٍّ لِلْحُرِّيَّةِ وَهِيَ الْجَزَاءُ وَانْحِلَالُ الْيَمِينِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى نُزُولِ الْجَزَاءِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَأَبَانَهَا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهُمْ ثُمَّ دَخَلَتْ الدَّارَ انْحَلَّتْ الْيَمِينُ فَصَارَ كَمَا لَوْ عَلَّقَ بِهِ الطَّلَاقَ أَوْ عِتْقَ غَيْرِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ وَاَلَّذِي يُحَقِّقُهُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ ثَانِي وَلَدٍ تَلِدِينَهُ فَهُوَ حُرٌّ فَوَلَدَتْ مَيِّتًا ثُمَّ آخَرَ حَيًّا عَتَقَ الثَّانِي فَلَوْلَا أَنَّ الْأَوَّلَ وِلَادَةٌ لَمَا عَتَقَ لِأَنَّهُ صَارَ أَوَّلًا وَلَهُ أَنَّهُ لَمَّا جَعَلَ الْحُرِّيَّةَ وَصْفًا لِلْمَوْلُودِ تَقَيَّدَ بِوِلَادَةِ الْحَيِّ نَظَرًا إلَى هَذَا الْوَصْفِ إذْ الْمَيِّتُ لَا يَقْبَلُهُ وَبِهِ فَارَقَ مَا اسْتَشْهَدَا بِهِ لِأَنَّ الْجَزَاءَ هُنَاكَ لَيْسَ وَصْفًا لِلشَّرْطِ أَوْ نَقُولُ ثَبَتَتْ الْحَيَاةُ فِيهِ مُقْتَضًى صَوْنًا لِكَلَامِ الْعَاقِلِ عَنْ اللَّغْوِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ إنْ وَلَدْت وَلَدًا مَيِّتًا فَهُوَ حُرٌّ لَغَا وَنَظِيرُهُ مَا إذَا قَالَ إنْ ضَرَبْت فُلَانًا فَعَبْدِي حُرٌّ يَتَقَيَّدُ بِحَيَاةِ الْمَضْرُوبِ لِأَنَّ مَعْنَى الضَّرْبِ وَهُوَ الْإِيلَامُ لَا يَتَحَقَّقُ بَعْدَ الْمَوْتِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ إنْ اشْتَرَيْت عَبْدًا فَهُوَ حُرٌّ فَاشْتَرَى عَبْدًا لِغَيْرِهِ حَيْثُ يَنْحَلُّ بِهِ الْيَمِينُ وَلَمْ يَتَقَيَّدْ الْيَمِينُ بِالشِّرَاءِ لِنَفْسِهِ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لِغَيْرِهِ مَحَلُّ الْإِعْتَاقِ وَإِنْ كَانَ لَا يَنْفُذُ فِيهِ إلَّا بِإِجَازَةِ الْمَالِكِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ قَالَ أَوَّلُ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ فَهُوَ حُرٌّ فَإِنَّهُ يَتَقَيَّدُ بِوَصْفِ الْحَيَاةِ عِنْدَهُ حَتَّى لَوْ وَلَدَتْ مَيِّتًا ثُمَّ آخَرَ حَيًّا عَتَقَ الْحَيُّ وَعِنْدَهُمَا لَا يَعْتِقُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ أَوَّلُ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ حَيًّا أَوْ قَالَ إنْ وَلَدْت وَلَدًا حَيًّا فَهُوَ حُرٌّ لِأَنَّهُ قَيَّدَهُ بِالْحَيَاةِ نَصًّا وَبِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ أَوَّلُ عَبْدٍ يَدْخُلُ عَلَيَّ فَهُوَ حُرٌّ فَأُدْخِلَ عَلَيْهِ عَبْدٌ مَيِّتٌ ثُمَّ آخَرُ حَيٌّ حَيْثُ يَعْتِقُ الْآخَرُ بِالْإِجْمَاعِ فِي الصَّحِيحِ وَالْعُذْرُ لَهُمَا أَنَّ الْعُبُودِيَّةَ بَعْدَ الْمَوْتِ لَا تَبْقَى لِأَنَّ الرِّقَّ يَبْطُلُ بِالْمَوْتِ بِخِلَافِ الْوَلَدِ وَالْوِلَادَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بَابُ الْيَمِينِ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ) قَدَّمَ هَذَا الْبَابَ عَلَى غَيْرِهِ لِكَثْرَةِ وُقُوعِهِ فِي حَلِفِ النَّاسِ فَكَأَنَّ بَيَانَهُ أَهَمُّ بِاعْتِبَارِ الْكَثْرَةِ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَدٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِ لَا فِي حَقِّ نَفْسِهِ) فَلَا يُسَمَّى وَلَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَلَا يَسْتَحِقُّ الْإِرْثَ وَالْوَصِيَّةَ وَلَا يَعْتِقُ . ا هـ . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ إنْ وَلَدْت فَأَنْتِ كَذَا إلَخْ) قَالَ الْحَاكِمُ فِي الْكَافِي إذَا قَالَ لَهَا إذَا وَلَدْت وَلَدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَأَسْقَطَتْ سِقْطًا قَدْ اسْتَبَانَ بَعْضُ خَلْقِهِ طَلُقَتْ أَلَا تَرَى أَنَّ الْعِدَّةَ تَنْقَضِي بِمِثْلِهِ وَتَصِيرُ الْأَمَةُ بِمِثْلِهِ أُمَّ وَلَدٍ فَإِنْ لَمْ يَسْتَبِنْ خَلْقُهُ لَمْ يَقَعْ بِهِ طَلَاقٌ وَلَمْ تَنْقَضِ بِهِ عِدَّةٌ وَلَمْ تَصِرْ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَتَصِيرُ الْأَمَةُ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ) أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَحْيَا فِي الْآخِرَةِ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ مُحْبَنْطِئًا) الْمُحْبَنْطِئُ بِالْهَمْزِ وَتَرْكِهِ الْمُتَغَضِّبُ الْمُسْتَبْطِئُ لِلشَّيْءِ كَذَا فِي نِهَايَةِ ابْنِ الْأَثِيرِ وَقَالَ الشَّيْخُ قِوَامُ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ يُرْوَى بِغَيْرِ هَمْزٍ وَبِهَمْزٍ فَعَلَى الْأَوَّلِ مَعْنَاهُ الْمُتَغَضِّبُ الْمُسْتَبْطِئُ لِلشَّيْءِ وَعَلَى الثَّانِي مَعْنَاهُ الْعَظِيمُ الْبَطْنِ الْمُنْتَفِخُ يَعْنِي يَغْضَبُ وَيَنْتَفِخُ بَطْنُهُ مِنْ الْغَضَبِ حَتَّى يَدْخُلَ أَبَوَاهُ الْجَنَّةَ مِنْ حَبَطَ إذَا انْتَفَخَ بَطْنُهُ ا هـ وَقَالَ الْكَمَالُ وَالْفِعْلُ مِنْهُمَا احْبَنْطَأَ مَهْمُوزًا وَاحْبَنْطَى مَقْصُورًا (قَوْلُهُ وَلَهُ أَنَّهُ لَمَّا جَعَلَ الْحُرِّيَّةَ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الشَّرْطَ لَيْسَ إلَّا الْوَلَدَ الْحَيَّ بِخِلَافِ مَا قَبْلَهُ وَهَذَا لِأَنَّهُ جَعَلَ الْجَزَاءَ وَصْفًا لِلْمَوْصُوفِ بِالشَّرْطِ وَهُوَ الْوَلَدُ وَهَذَا الْوَصْفُ الْخَاصُّ وَهُوَ الْحُرِّيَّةُ لَا يَكُونُ إلَّا فِي الْحَيِّ فَيُقَيَّدُ الْمَوْصُوفُ بِالشَّرْطِ بِالْحَيَاةِ وَإِلَّا لَغَا الْكَلَامُ فَكَأَنَّهُ قَالَ إذَا وَلَدْت وَلَدًا حَيًّا ا هـ (قَوْلُهُ حَيْثُ يَنْحَلُّ بِهِ الْيَمِينُ) حَتَّى لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا لِنَفْسِهِ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَعْتِقُ . ا هـ . (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لِغَيْرِهِ مَحَلُّ الْإِعْتَاقِ) أَيْ لِصِحَّةِ ثُبُوتِهِ فِيهِ مَوْقُوفًا عَلَى إجَازَةِ مَالِكِهِ فَانْحَلَّتْ الْيَمِينُ بِهِ وَلَمْ يَحْتَجْ إلَى إضْمَارِ الْمِلْكِ فِيهِ أَمَّا الْمَيِّتُ لَا يَصِحُّ إيجَابُ الْعِتْقِ فِيهِ لَا مَوْقُوفًا وَلَا غَيْرَهُ . ا هـ . كَمَالٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الرِّقَّ يَبْطُلُ بِالْمَوْتِ) وَإِيضَاحُهُ أَنَّ اسْمَ الْعَبْدِ إنَّمَا يَتَنَاوَلُهُ بِاعْتِبَارِ الْمِلْكِ وَالْمَالِيَّةِ فِيهِ فَكَانَ الْعَبْدُ اسْمًا لِشَخْصٍ قَامَ بِهِ الْمِلْكُ وَالْمَالِيَّةُ وَبِالْمَوْتِ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَالًا فَلَا يَتَنَاوَلُهُ اسْمُ الْعَبْدِ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ أَوَّلُ عَبْدٍ يَدْخُلُ عَلَيَّ وَهُوَ حَيٌّ وَإِنَّمَا سُمِّيَ عَبْدًا مَجَازًا بِالصِّفَةِ الْمَوْجُودَةِ حَالَ الْحَيَاةِ بِخِلَافِ الْوَلَدِ لِأَنَّ حَقِيقَتَهُ اسْمٌ لِلْمَوْلُودِ وَالْمَيِّتُ مَوْلُودٌ حَقِيقَةً كَالْحَيِّ فَلَا يَتَقَيَّدُ بِالْحَيَاةِ ا هـ

(3/141)


فَإِنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى الْمَيِّتِ أَيْضًا إجْمَاعًا وَلِهَذَا لَوْ عَلَّقَ بِهِ الطَّلَاقَ أَوْ حُرِّيَّةَ غَيْرِهِ لَا يَتَقَيَّدُ بِالْحَيَاةِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوَّلُ عَبْدٍ أَمْلِكُهُ فَهُوَ حُرٌّ فَمَلَكَ عَبْدًا عَتَقَ وَلَوْ مَلَكَ عَبْدَيْنِ مَعًا ثُمَّ آخَرَ لَا يَعْتِقُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ) لِأَنَّ الْأَوَّلَ اسْمٌ لِفَرْدٍ سَابِقٍ لَا يُشَارِكُهُ غَيْرُهُ فِي اسْمِهِ وَمَعْنَاهُ فَالْمُشْتَرِي فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وُجِدَ فِيهِ هَذَا الْمَعْنَى فَيَعْتِقُ وَفِي الثَّانِيَةِ لَمْ يُوجَدْ لِأَنَّهُ لَمَّا اشْتَرَى الْعَبْدَيْنِ مَعًا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ لَمْ يُوجَدْ فِيهِمَا الشَّرْطُ وَهُوَ الْفَرْدِيَّةُ وَلَا فِيمَا اشْتَرَاهُ بَعْدَهُمَا لِعَدَمِ السَّبْقِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ زَادَ وَحْدَهُ عَتَقَ الثَّالِثُ) أَيْ زَادَ هَذِهِ الْكَلِمَةَ عَلَى الْكَلَامِ الْأَوَّلِ بِأَنْ قَالَ أَوَّلُ عَبْدٍ أَشْتَرِيهِ وَحْدَهُ أَوْ أَمْلِكُهُ وَحْدَهُ فَهُوَ حُرٌّ فَاشْتَرَى عَبْدَيْنِ مَعًا ثُمَّ وَاحِدًا بَعْدَهُمَا عَتَقَ الثَّالِثُ لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ الِانْفِرَادُ فِي حَالَةِ الشِّرَاءِ لِأَنَّ وَحْدَهُ لِلْحَالِ لُغَةً يُقَالُ جَاءَ زَيْدٌ وَحْدَهُ أَيْ مُنْفَرِدًا فَيُشْتَرَطُ انْفِرَادُهُ فِي حَالَةِ الشِّرَاءِ وَلَمْ يَسْبِقْهُ أَحَدٌ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَكَانَ أَوَّلًا فَصَارَ نَظِيرَ مَا لَوْ قَالَ أَوَّلُ عَبْدٍ أَشْتَرِيهِ بِالدَّنَانِيرِ فَهُوَ حُرٌّ فَاشْتَرَى عَبْدًا بِالدَّرَاهِمِ أَوْ بِالْعُرُوضِ ثُمَّ اشْتَرَى عَبْدًا بِالدَّنَانِيرِ عَتَقَ لِمَا قُلْنَا وَكَذَا لَوْ قَالَ أَوَّلُ عَبْدٍ أَشْتَرِيهِ أَسْوَدَ فَهُوَ حُرٌّ فَاشْتَرَى عَبِيدًا بِيضًا ثُمَّ اشْتَرَى أَسْوَدَ عَتَقَ
وَفِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى قَالَ أَوَّلُ عَبْدٍ أَشْتَرِيهِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِحَالِهِ فَإِنْ قِيلَ لَوْ قَالَ أَوَّلُ عَبْدٍ أَشْتَرِيهِ وَاحِدًا فَهُوَ حُرٌّ فَاشْتَرَى عَبْدَيْنِ ثُمَّ اشْتَرَى عَبْدًا لَا يَعْتِقُ الثَّالِثُ فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا قُلْنَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ وَحْدَهُ يَقْتَضِي الِانْفِرَادَ فِي الْفِعْلِ الْمَقْرُونِ بِهِ وَنَفْيَ مُشَارَكَةِ الْغَيْرِ إيَّاهُ فِي ذَلِكَ الْفِعْلِ وَلَا يَقْتَضِي الِانْفِرَادَ فِي الذَّاتِ وَوَاحِدًا يَقْتَضِي الِانْفِرَادَ فِي الذَّاتِ وَتَأْكِيدَ الْمُوجَبِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ فِي الدَّارِ رَجُلٌ وَاحِدٌ وَإِنْ كَانَتْ مَعَهُ امْرَأَةٌ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي الِانْفِرَادَ فِي ذَاتِهِ وَهُوَ الرُّجُولِيَّةُ لَا فِي الْفِعْلِ الْمَقْرُونِ بِهِ وَهُوَ الْكَيْنُونَةُ فِي الدَّارِ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ وَحْدَهُ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي وَصْفَ التَّفَرُّدِ لِلرَّجُلِ فِي الْفِعْلِ الْمَقْرُونِ بِهِ وَهُوَ الْكَيْنُونَةُ فِي الدَّارِ لَا انْفِرَادُهُ فِي ذَاتِهِ وَهُوَ الرُّجُولِيَّةُ وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ مَا فِي الدَّارِ رَجُلٌ وَاحِدٌ وَفِيهَا رَجُلَانِ كَانَ كَاذِبًا
وَلَوْ قَالَ مَا فِي الدَّارِ رَجُلٌ وَحْدَهُ كَانَ صَادِقًا فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ قَوْلُهُ أَمْلِكُهُ وَحْدَهُ يَقْتَضِي التَّفَرُّدَ فِي التَّمَلُّكِ وَالْعَبْدُ الثَّالِثُ مُتَّصِفٌ بِهَذِهِ الصِّفَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فَيَعْتِقُ وَقَوْلُهُ أَمْلِكُهُ وَاحِدًا صِفَةٌ لِلْعَبْدِ فَيَقْتَضِي التَّفَرُّدَ فِي ذَاتِهِ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ الْحُكْمُ بِهِ وَجَرَى وُجُودُهُ مَجْرَى عَدَمِهِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى إفَادَةِ مَعْنَى التَّفَرُّدِ حَالَةَ الشِّرَاءِ فَلَمْ يَعْتِقْ إلَّا إذَا نَوَى مَعْنَى التَّوَحُّدِ فِي حَالَةِ الشِّرَاءِ وَلِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنْ الْعَبْدِ أَوْ مِنْ الْمَوْلَى فَلَا يَعْتِقُ بِالشَّكِّ وَلَوْ قَالَ أَوَّلُ عَبْدٍ أَمْلِكُهُ فَهُوَ حُرٌّ فَمَلَكَ عَبْدًا وَنِصْفَ عَبْدٍ عَتَقَ الْعَبْدُ الْكَامِلُ لِأَنَّ نِصْفَ الْعَبْدِ لَيْسَ بِعَبْدٍ فَلَمْ يُشَارِكْهُ فِي اسْمِهِ فَلَا يَنْقَطِعُ عَنْهُ وَصْفُ الْأَوَّلِيَّةِ وَالْفَرْدِيَّةِ كَمَا لَوْ مَلَكَ مَعَهُ ثَوْبًا أَوْ نَحْوَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ أَوَّلُ كُرٍّ أَمْلِكُهُ فَهُوَ هَدْيٌ فَمَلَكَ كُرًّا وَنِصْفَ كُرٍّ حَيْثُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِأَنَّ النِّصْفَ يُزَاحِمُ الْكُلَّ فِي الْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ لِأَنَّهُ بِالضَّمِّ يَصِيرُ شَيْئًا وَاحِدًا بِخِلَافِ الثِّيَابِ وَالْعَبِيدِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ قَالَ آخِرُ عَبْدٍ أَمْلِكُهُ فَهُوَ حُرٌّ فَمَلَكَ عَبْدًا فَمَاتَ) أَيْ السَّيِّدُ (لَمْ يَعْتِقْ) لِأَنَّ الْآخِرَ اسْمٌ لِفَرْدٍ لَاحِقٍ لَا يُشَارِكُهُ غَيْرُهُ مِنْ جِنْسِهِ وَلَا سَابِقَ لَهُ فَلَا يَكُونُ لَاحِقًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ أَوَّلُ عَبْدٍ أَمْلِكُهُ فَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَدْخُلَ فِي ضِدِّهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا ثُمَّ عَبْدًا فَمَاتَ عَتَقَ الْآخَرُ) لِأَنَّهُ فَرْدٌ لَاحِقٌ وَيَسْتَنِدُ الْعِتْقُ إلَى وَقْتِ الشِّرَاءِ حَتَّى يَعْتِقَ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ إنْ كَانَ اشْتَرَاهُ فِي صِحَّتِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَعْتِقُ مُقْتَصِرًا عَلَى حَالَةِ الْمَوْتِ فَيُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ عَلَى كُلِّ حَالٍ لِأَنَّ الْآخِرِيَّةَ ثَبَتَتْ بِعَدَمِ شِرَاءِ غَيْرِهِ بَعْدَهُ فَصَارَ الْعِتْقُ مُعَلَّقًا بِعَدَمِ الشِّرَاءِ بَعْدَهُ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ الْعَدَمُ عِنْدَ الْمَوْتِ فَيَقْتَصِرُ الْعِتْقُ عَلَى زَمَنِ الْمَوْتِ كَمَا لَوْ قَالَ إنْ لَمْ أَشْتَرِ عَلَيْك عَبْدًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ لِأَنَّ وَحْدَهُ لِلْحَالِ لُغَةً) أَيْ فَيُقَيَّدُ عَامِلُهُ وَهُوَ الشِّرَاءُ بِمَعْنَاهُ فَيُفِيدُ أَنَّ الشِّرَاءَ فِي حَالِ تَفَرُّدِ الْمُشْتَرِي وَهُوَ صَادِقٌ فِي الثَّالِثِ فَيَعْتِقُ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ أَوَّلُ عَبْدٍ أَمْلِكُهُ وَاحِدًا لَا يَعْتِقُ الثَّالِثُ لِأَنَّ وَاحِدًا يَحْتَمِلُ التَّفَرُّدَ فِي الذَّاتِ فَتَكُونُ حَالًا مُؤَكِّدَةً لِأَنَّ الْوَاقِعَ كَوْنُهُ كَذَلِكَ فِي ذَاتِهِ فَلَا يَعْتِقُ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْأَوَّلَيْنِ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ أَوَّلٌ بِهَذَا الْمَعْنَى فَإِنَّهُ فِي ذَاتِهِ فَرْدٌ وَاحِدٌ وَسَابِقٌ عَلَى مَنْ يَكُونُ بَعْدَهُ فَلَمْ يَكُنْ الثَّالِثُ أَوَّلًا بِهَذَا الْمَعْنَى وَيَلْزَمُ عَلَى هَذَا أَنَّهُ لَوْ قَصَدَ هَذَا الْمَعْنَى يَعْتِقُ كُلٌّ مِنْ الِاثْنَيْنِ السَّابِقَيْنِ وَيَحْتَمِلُ كَوْنُهُ بِمَعْنَى الِانْفِرَادِ فِي تَعَلُّقِ الْفِعْلِ فَتَكُونُ مُؤَسِّسَةً فَيَعْتِقُ لِأَنَّهُ الْمُنْفَرِدُ فِي تَعْلِيقِ الْفِعْلِ بِخِلَافِ الْأَوَّلَيْنِ فَلَا يَعْتِقُ بِالشَّكِّ . ا هـ . فَتْحٌ قَالَ فِي الْغَايَةِ وَاسْتُشْكِلَ يَعْنِي الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ فِي مَسْأَلَةِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ أَعْنِي أَوَّلَ عَبْدٍ اشْتَرَيْتُهُ وَحْدَهُ فَهُوَ حُرٌّ بِمَا لَوْ قَالَ أَوَّلُ عَبْدٍ أَمْلِكُهُ وَاحِدًا فَهُوَ حُرٌّ فَاشْتَرَى عَبْدَيْنِ مَعًا ثُمَّ اشْتَرَى آخَرَ لَا يَعْتِقُ الثَّالِثُ مَعَ أَنَّ طَرِيقَ التَّفَرُّدِ فِيهِمَا عَلَى طَرِيقَةٍ وَاحِدَةٍ وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ وَاحِدًا يَقْتَضِي نَفْيَ الْمُشَارَكَةِ فِي الذَّاتِ وَوَحْدَهُ يَقْتَضِيهِ فِي الْفِعْلِ الْمَقْرُونِ بِهِ دُونَ الذَّاتِ وَلِهَذَا صُدِّقَ الرَّجُلُ فِي قَوْلِهِ فِي الدَّارِ رَجُلٌ وَاحِدٌ وَإِنْ كَانَ مَعَهُ فِيهَا صَبِيٌّ أَوْ امْرَأَةٌ وَكُذِّبَ إنْ قَالَ وَحْدَهُ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ قُلْنَا إذَا قَالَ وَاحِدًا إنَّهُ أَضَافَ الْعِتْقَ إلَى أَوَّلِ عَبْدٍ مُطْلَقٍ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَاحِدًا لَمْ يُفِدْ أَمْرًا زَائِدًا عَلَى مَا أَفَادَهُ لَفْظُ أَوَّلِ فَكَانَ حُكْمُهُ كَحُكْمِهِ وَإِذَا قَالَ وَحْدَهُ فَقَدْ أَضَافَ الْعِتْقَ إلَى أَوَّلِ عَبْدٍ لَا يُشَارِكُهُ فِيهِ غَيْرُهُ فِي التَّمْلِيكِ وَالثَّالِثُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَيَعْتِقُ . ا هـ . (قَوْلُهُ ثُمَّ اشْتَرَى عَبْدًا لَا يَعْتِقُ) أَيْ أَحَدٌ مِنْهُمْ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنْ الْعَبْدِ أَوْ مِنْ الْمَوْلَى) أَيْ حَالَ كَوْنِي مُنْفَرِدًا . ا هـ . فَتْحٌ

(قَوْلُهُ فَلَا يَكُونُ لَاحِقًا) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَعَ الَّتِي تَقَدَّمَتْ تُحَقِّقُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي تَحَقُّقِ الْآخِرِيَّةِ وُجُودٌ سَابِقٌ بِالْفِعْلِ وَفِي الْأَوَّلِيَّةِ عَدَمُ تَقَدُّمِ غَيْرِهِ لَا وُجُودُ آخَرَ مُتَأَخِّرٍ عَنْهُ وَإِلَّا لَمْ يَعْتِقْ الْمُشْتَرَى فِي قَوْلِهِ أَوَّلُ عَبْدٍ أَشْتَرِيهِ فَهُوَ حُرٌّ إذَا لَمْ يَشْتَرِ بَعْدَهُ غَيْرَهُ . ا هـ . (قَوْلُهُ فَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَدْخُلَ فِي ضِدِّهِ) أَيْ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ صِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ أَنْ يَكُونَ الْوَاحِدُ أَوَّلًا وَآخِرًا وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ صِفَاتِ الْبَارِي جَلَّ وَعَلَا ا هـ . أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَيُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ عَلَى كُلِّ حَالٍّ) أَيْ سَوَاءٌ اشْتَرَاهُ فِي صِحَّتِهِ أَوْ مَرَضِهِ ا هـ

(3/142)


فَأَنْتَ حُرٌّ فَلَمْ يَشْتَرِ حَتَّى مَاتَ يَعْتِقُ الْمُخَاطَبُ مُقْتَصِرًا عَلَى حَالَةِ الْمَوْتِ فَكَذَا هَذَا لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ وَالْمَعْنَى هُوَ الْمُعْتَبَرُ وَلَهُ أَنَّ الْآخِرِيَّةَ تَثْبُتُ لِلثَّانِي كَمَا اشْتَرَاهُ إلَّا أَنَّ هَذِهِ الصِّفَةَ بِعَرْضِ الزَّوَالِ لِاحْتِمَالِ شِرَاءِ غَيْرِهِ بَعْدَهُ
فَإِذَا مَاتَ وَلَمْ يُوجَدْ مَا يُبْطِلُ صِفَةَ الْآخِرِيَّةِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ آخِرًا مُنْذُ اشْتَرَاهُ فَيَعْتِقُ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ كَمَا لَوْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ أَوْ الْعَتَاقَ بِالْحَيْضِ فَرَأَتْ الدَّمَ لَمْ يَحْنَثْ لِلْحَالِ لِاحْتِمَالِ الِانْقِطَاعِ دُونَ الثَّلَاثِ فَإِذَا اسْتَمَرَّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ تَبَيَّنَ أَنَّ الْعِتْقَ أَوْ الطَّلَاقَ كَانَ وَاقِعًا مِنْ وَقْتِ رَأَتْ الدَّمَ وَقَوْلُهُمْ إنَّ صِفَةَ الْآخِرِيَّةِ إنَّمَا تَثْبُتُ بِعَدَمِ شِرَاءِ غَيْرِهِ بَعْدَهُ قُلْنَا نَعَمْ وَلَكِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مَذْكُورٍ فَلَمْ يُجْعَلْ شَرْطًا شَرْعًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ آلَى مِنْ امْرَأَتِهِ وَتَمَّتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ ثُمَّ قَالَ كُنْت فِئْت إلَيْهَا لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ مَعَ أَنَّ الطَّلَاقَ مُعَلَّقٌ بِعَدَمِ الْقُرْبَانِ لَكِنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ مَلْفُوظًا صَرِيحًا لَمْ يُجْعَلْ شَرْطًا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ إنْ لَمْ أَقْرَبْك أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ بَائِنٌ فَلَمَّا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ قَالَ كُنْت قَرُبْتُهَا فِي الْمُدَّةِ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ كَذَا هُنَا وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ فِيمَا إذَا قَالَ آخِرُ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا يَقَعُ عِنْدَ الْمَوْتِ عِنْدَهُمَا وَتَرِثُ بِحُكْمِ أَنَّهُ فَارٌّ وَلَهَا مَهْرٌ وَاحِدٌ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ لِأَبْعَدِ الْأَجَلَيْنِ مِنْ عِدَّةِ الطَّلَاقِ وَالْوَفَاةِ وَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا فَعَلَيْهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ وَتَحُدُّ وَعِنْدَهُ يَقَعُ مُنْذُ تَزَوَّجَهَا فَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا مَهْرٌ وَنِصْفُ مَهْرٍ بِالدُّخُولِ بِشُبْهَةٍ وَنِصْفُ مَهْرٍ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَعِدَّتُهَا بِالْحَيْضِ بِلَا حِدَادٍ وَلَا تَرِثُ مِنْهُ وَلَوْ قَالَ آخِرُ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً ثُمَّ أُخْرَى ثُمَّ طَلَّقَ الْأُولَى ثُمَّ تَزَوَّجَهَا ثُمَّ مَاتَ طَلُقَتْ الَّتِي تَزَوَّجَهَا مَرَّةً لِأَنَّ الَّتِي أَعَادَ عَلَيْهَا التَّزَوُّجَ اتَّصَفَتْ بِكَوْنِهَا أَوْلَى فَلَا تَتَّصِفُ بِالْآخِرِيَّةِ لِلتَّضَادِّ كَمَنْ قَالَ آخِرُ عَبْدٍ أَضْرِبُهُ فَهُوَ حُرٌّ فَضَرَبَ عَبْدًا ثُمَّ ضَرَبَ آخَرَ ثُمَّ أَعَادَ الضَّرْبَ فِي الْأَوَّلِ ثُمَّ مَاتَ عَتَقَ الْمَضْرُوبُ مَرَّةً

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (كُلُّ عَبْدٍ بَشَّرَنِي بِكَذَا فَهُوَ حُرٌّ فَبَشَّرَهُ ثَلَاثَةٌ مُتَفَرِّقُونَ عَتَقَ الْأَوَّلُ) لِأَنَّ الْبِشَارَةَ اسْمٌ لِخَبَرٍ سَارٍّ صِدْقٍ لَيْسَ لِلْمُبَشَّرِ بِهِ عِلْمُهُ عُرْفًا وَيَتَحَقَّقُ ذَلِكَ مِنْ الْأَوَّلِ دُونَ الْبَاقِيَيْنِ أَلَا تَرَى إلَى مَا يُرْوَى «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَرَّ بِابْنِ مَسْعُودٍ وَهُوَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَنْ أَرَادَ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ غَضًّا طَرِيًّا كَمَا أُنْزِلَ فَلْيَقْرَأْ بِقِرَاءَةِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرُ فَكَانَ يَقُولُ ابْنُ مَسْعُودٍ بَشَّرَنِي أَبُو بَكْرٍ وَأَخْبَرَنِي عُمَرُ» فَقَدْ سَمَّى أَبَا بَكْرٍ مُبَشِّرًا لِأَنَّهُ أَخْبَرَهُ بِخَبَرٍ سَارٍّ صِدْقٍ وَلَيْسَ لَهُ بِهِ عِلْمٌ وَهَذَا بِخِلَافِ الْخَبَرِ حَيْثُ لَا يُشْتَرَطُ عَدَمُ الْعِلْمِ بِهِ حَتَّى لَوْ قَالَ مَنْ أَخْبَرَنِي بِقُدُومِ فُلَانٍ فَهُوَ حُرٌّ فَأَخْبَرَهُ ثَلَاثَةٌ مُتَفَرِّقُونَ عَتَقُوا لِمَا بَيَّنَّا وَرَوَيْنَا لَكِنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ صِدْقًا كَالْبِشَارَةِ وَلَوْ أَرْسَلَ إلَيْهِ الْعَبْدُ عَتَقَ فِي الْبِشَارَةِ وَالْخَبَرِ لِأَنَّ الْكِتَابَ وَالْمُرَاسَلَةَ تُسَمَّى بِشَارَةً وَهَذَا بِخِلَافِ الْحَدِيثِ حَيْثُ لَا يَحْنَثُ إلَّا بِالْمُشَافَهَةِ وَلَوْ أَنَّ عَبْدًا لَهُ أَرْسَلَ عَبْدًا آخَرَ بِالْبِشَارَةِ فَجَاءَ الرَّسُولُ وَقَالَ لِلْمَوْلَى إنَّ فُلَانًا يَقُولُ لَك قَدِمَ فُلَانٌ عَتَقَ الْمُرْسِلُ دُونَ الرَّسُولِ وَهَذِهِ بِمَنْزِلَةِ الْكِتَابِ وَلَوْ قَالَ الرَّسُولُ إنَّ فُلَانًا قَدْ قَدِمَ وَلَمْ يَقُلْ أَرْسَلَنِي عَتَقَ الرَّسُولُ خَاصَّةً قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ بَشَّرُوهُ مَعًا عَتَقُوا) لِأَنَّ الْبِشَارَةَ تَحَقَّقَتْ مِنْ الْجَمِيعِ لِأَنَّهَا عِبَارَةٌ عَنْ خَبَرٍ يُغَيِّرُ بَشَرَةَ الْوَجْهِ لُغَةً وَفِي الْعُرْفِ عِبَارَةٌ عَمَّا بَيَّنَّاهُ وَهِيَ تَتَحَقَّقُ مِنْ الْجَمَاعَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ} [الذاريات : 28]

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَصَحَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ فِيمَا إذَا قَالَ آخِرُ امْرَأَةٍ إلَخْ) فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً ثُمَّ أُخْرَى ثُمَّ مَاتَ . ا هـ . فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَتَرِثُ بِحُكْمِ أَنَّهُ فَارٌّ) أَيْ حَيْثُ حَكَمَا بِطَلَاقِهَا فِي آخِرِ نَفَسٍ مِنْ حَيَاتِهِ . ا هـ . فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلَهَا مَهْرٌ وَاحِدٌ) أَيْ إنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا وَكَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا لِانْتِهَاءِ النِّكَاحِ بِالْمَوْتِ . ا هـ . كَمَالٌ (قَوْلُهُ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ لِأَبْعَدِ الْأَجَلَيْنِ إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عِنْدَ الصَّاحِبَيْنِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَالَ الْكَمَالُ وَتَعْتَدُّ عِدَّةَ الْوَفَاةِ وَالطَّلَاقِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ عِدَّةَ الطَّلَاقِ لَا غَيْرُ ا هـ وَقَالَ فِي الْمَجْمَعِ فِي فَصْلِ الْفَارِّ وَيَجْعَلُهَا بِالْأَقْرَاءِ وَهُمَا بِأَبْعَدِ الْأَجَلَيْنِ ا هـ وَقَالَ فِي الْكَنْزِ وَزَوْجَةُ الْفَارِّ أَبْعَدُ الْأَجَلَيْنِ قَالَ الشَّارِحُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ تَعْتَدُّ عِدَّةَ الطَّلَاقِ بِالْحَيْضِ وَهُوَ الْقِيَاسُ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا فَعَلَيْهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ) أَيْ بِالِاتِّفَاقِ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ ا هـ (قَوْلُهُ وَلَا تَرِثُ مِنْهُ) أَيْ لِأَنَّهَا طَلُقَتْ ثَلَاثًا وَقْتَ تَزْوِيجِهَا . ا هـ . فَتْحٌ

(قَوْلُهُ لِأَنَّ الْبِشَارَةَ اسْمٌ لِخَبَرٍ سَارٍّ صِدْقٍ) قَالَ الْكَمَالُ وَقَدْ أُورِدَ عَلَى اشْتِرَاطِ الصِّدْقِ فِي الْبِشَارَةِ أَنَّ تَغَيُّرَ الْوَجْهِ كَمَا يَحْصُلُ بِالْإِخْبَارِ السَّارِّ صِدْقًا كَذَلِكَ يَحْصُلُ كَذِبًا وَأُجِيبَ بِمَا لَيْسَ بِمُفِيدٍ وَالْوَجْهُ فِيهِ نَقْلُ اللُّغَةِ وَالْعُرْفِ . ا هـ . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ بَشَّرُوهُ مَعًا عَتَقُوا) قَالَ الْحَاكِمُ وَإِنْ قَالَ عَنَيْت وَاحِدًا لَمْ يُدَنْ فِي الْقَضَاءِ وَأَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَيَسَعُهُ أَنْ يَخْتَارَ مِنْهُمْ وَاحِدًا فَيُمْضِيَ عِتْقَهُ وَيُمْسِكَ الْبَقِيَّةَ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا عِبَارَةٌ عَنْ خَبَرٍ يُغَيِّرُ بَشَرَةَ الْوَجْهِ) أَيْ مِنْ فَرَحٍ أَوْ تَرَحٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [آل عمران : 21] {فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ} [هود : 71] . ا هـ . كَافِي قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهُ سَارًّا فِي الْعُرْفِ وَأَمَّا فِي اللُّغَةِ فَهُوَ مَا يُغَيِّرُ الْبَشَرَةَ سَارًّا أَوْ ضَارًّا قَالَ تَعَالَى {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [آل عمران : 21] وَلَكِنْ إذَا وَقَعَ بِمَا يُكْرَهُ قُرِنَ بِذِكْرِ مَا بِهِ الْوَعِيدُ كَمَا فِي الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ فَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ فِي اللُّغَةِ أَيْضًا خَاصٌّ بِالْمَحْبُوبِ وَمَا وَرَدَ بِهِ فِي الْمَكْرُوهِ فَمَجَازٌ دُفِعَ بِمَادَّةِ اشْتِقَاقِهِ وَهِيَ الْبَشَرَةُ فَإِنَّهَا تُفِيدُ أَنَّ لِذَلِكَ الْخَبَرِ أَثَرًا فِي الْبَشَرَةِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْإِخْبَارَ بِمَا يَخَافُهُ الْإِنْسَانُ يُوجِبُ تَغَيُّرَ بَشَرَتِهِ فِي الْمُشَاهَدِ الْمَعْرُوفِ كَمَا يَتَغَيَّرُ بِالْمَحْبُوبِ إلَّا أَنَّ عَلَى الْعُرْفِ بِنَاءَ الْأَيْمَانِ ا هـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ بَشَرَةُ الْوَجْهِ مَا نَصُّهُ وَالْبَشَرَةُ ظَاهِرُ الْجِلْدِ وَمِنْ قَوْلِهِمْ بَاشَرَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إذَا أَلْصَقَ بَشَرَتَهُ بِبَشَرَتِهَا . ا هـ . (قَوْلُهُ {وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ} [الذاريات : 28] بِالْفَاءِ فِي خَطِّ الشَّارِحِ وَهَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخِ وَكَذَا هُوَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ كَمَا شَاهَدْته بِخَطِّ ابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ وَالتِّلَاوَةُ {وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ} [الذاريات : 28] بِالْوَاوِ لَا بِالْفَاءِ وَفِي شَرْحِ الْأَتْقَانِيِّ كَمَا شَاهَدْته بِخَطِّ الْعَيْنِيِّ فَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ وَالتِّلَاوَةُ {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ} [الصافات : 101] وَهِيَ فِي سُورَةِ الصَّافَّاتِ وَالْأُولَى فِي الذَّارِيَاتِ ا هـ

(3/143)


شِرَاءُ أَبِيهِ لِلْكَفَّارَةِ لَا شِرَاءُ مَنْ حَلَفَ بِعِتْقِهِ وَأُمِّ وَلَدِهِ) وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ شِرَاءُ أَبِيهِ أَيْضًا عَنْ الْكَفَّارَةِ وَمَعْنَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي أُمِّ الْوَلَدِ أَنْ يَقُولَ لِأَمَةِ غَيْرِهِ وَقَدْ اسْتَوْلَدَهَا بِالنِّكَاحِ إنْ اشْتَرَيْتُك فَأَنْتِ حُرَّةٌ عَنْ كَفَّارَةِ يَمِينِي فَاشْتَرَاهَا فَإِنَّهَا تَعْتِقُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَلَا تُجْزِيهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ النِّيَّةَ إذَا قَارَنَتْ عِلَّةَ الْعِتْقِ وَرِقُّ الْمُعْتَقِ كَامِلٌ صَحَّ التَّكْفِيرُ وَإِلَّا فَلَا وَالْخِلَافُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى بِنَاءً عَلَيْهِ فَعِنْدَهُمَا عِلَّةُ الْعِتْقِ الْقَرَابَةُ لِأَنَّهَا عِلَّةُ الصِّلَاتِ بَيْنَ الْأَقَارِبِ لِأَنَّهَا تَجِبُ بِالْقَرَابَةِ كَمَا فِي النَّفَقَةِ وَالتَّزَاوُرِ وَالشِّرَاءَ شَرْطُ الْعِتْقِ لِأَنَّهُ سَبَبُ الْمِلْكِ وَالْإِعْتَاقُ سَبَبٌ لِزَوَالِهِ وَبَيْنَهُمَا تَنَافٍ فَاسْتَحَالَ إضَافَةُ الْعِتْقِ إلَى الشِّرَاءِ فَلَمْ تَتَّصِلْ النِّيَّةُ بِعِلَّةِ الْعِتْقِ فَلَا يَصِحُّ كَمَنْ قَالَ لِعَبْدِ الْغَيْرِ إنْ اشْتَرَيْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ فَاشْتَرَاهُ نَاوِيًا عَنْ التَّكْفِيرِ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِيهِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ لَا شِرَاءَ مَنْ حَلَفَ بِعِتْقِهِ
وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا أَنَّ نِيَّةَ التَّكْفِيرِ قَارَنَتْ الشَّرْطَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَهُوَ الشِّرَاءُ لِأَنَّ الْعِلَّةَ هُوَ التَّعْلِيقُ الْأَوَّلُ وَلِهَذَا تُشْتَرَطُ الْأَهْلِيَّةُ عِنْدَهُ حَتَّى لَوْ قَارَنَتْهُ النِّيَّةُ صَحَّ وَجَازَ عَنْ الْكَفَّارَةِ وَلِأَنَّ فِيهِ صَرْفَ مَنْفَعَةِ الْكَفَّارَةِ إلَى أَبِيهِ فَلَا تَجُوزُ كَغَيْرِهَا مِنْ الْقُرَبِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِ وَلَنَا أَنَّ شِرَاءَ الْقَرِيبِ إعْتَاقٌ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَجْزِي وَلَدٌ وَالِدَهُ إلَّا أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيهِ فَيُعْتِقُهُ» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ أَيْ يُعْتِقُهُ بِذَلِكَ الشِّرَاءِ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ لِلْعِتْقِ إلَى شَيْءٍ آخَرَ وَهَذَا كَمَا يُقَالُ سَقَاهُ فَأَرْوَاهُ أَيْ بِذَلِكَ السَّقْيِ وَضَرَبَهُ فَأَوْجَعَهُ أَيْ بِذَلِكَ الضَّرْبِ وَقَدْ اقْتَرَنَتْ النِّيَّةُ بِهِ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِجَوَازِهِ لِاقْتِرَانِ النِّيَّةِ بِعِلَّةِ الْعِتْقِ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ إعْتَاقٌ أَنَّ الرَّجُلَ لَوْ اشْتَرَى نِصْفَهُ مِنْ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ يَضْمَنُ إنْ كَانَ مُوسِرًا وَهَذَا الضَّمَانُ لَا يَجِبُ إلَّا عَلَى الْمُعْتِقِ وَلِأَنَّ الشِّرَاءَ يُوجِبُ الْمِلْكَ وَالْمُلْكُ يُوجِبُ الْعِتْقَ فِي الْقَرِيبِ فَيُضَافُ الْمِلْكُ مَعَ حُكْمِهِ إلَى شِرَائِهِ لِأَنَّهُمَا حَدَثَا بِهِ وَهَذَا كَمَنْ رَمَى إنْسَانًا فَأَصَابَهُ فَمَاتَ قُتِلَ بِهِ كَأَنَّهُ جَزَّ رَقَبَتَهُ بِالسَّيْفِ لِأَنَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ) أَيْ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ . ا هـ . فَتْحٌ (قَوْلُهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْقِيَاسُ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَمَعْنَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِنَّمَا صُوِّرَتْ هَكَذَا لِأَنَّهُ يُرِيدُ الْفَرْقَ بَيْنَ شِرَاءِ الْقَرِيبِ عَنْ الْكَفَّارَةِ وَشِرَاءَ أُمِّ الْوَلَدِ وَإِلَّا فَالْحَاصِلُ أَنَّ عِتْقَ أُمِّ الْوَلَدِ عَنْ الْكَفَّارَةِ لَا يُجْزِي مُعَلَّقًا وَلَا مُنَجَّزًا وَالْفَرْقُ بَيْنَ الشِّرَاءَيْنِ مَعَ أَنَّ الشِّرَاءَ فِي الْفَصْلَيْنِ مَسْبُوقٌ بِمَا يُوجِبُ الْعِتْقَ مِنْ وَجْهٍ وَهُمَا الْقَرَابَةُ وَالِاسْتِيلَادُ أَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ اسْتَحَقَّتْ الْعِتْقَ بِالِاسْتِيلَادِ حَتَّى جُعِلَ إعْتَاقًا مِنْ وَجْهٍ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا» فَهِيَ قَبْلَ الشِّرَاءِ قَدْ عَتَقَتْ مِنْ وَجْهٍ فَلَمْ يَكُنْ عِتْقُهَا بِالشِّرَاءِ أَوْ تَنْجِيزًا إعْتَاقًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بَلْ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ وَالْوَاجِبُ بِالْحِنْثِ فِي الْيَمِينِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْكَفَّارَاتِ إعْتَاقٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِخِلَافِ شِرَاءِ الْقَرِيبِ فَإِنَّهُ إعْتَاقٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَبْلَ الشِّرَاءِ عِتْقٌ مِنْ وَجْهٍ . ا هـ . (قَوْلُهُ فَإِنَّهَا تَعْتِقُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَلَا تُجْزِيهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَمَّا الْعِتْقُ فَلِوُجُودِ الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ فِي الْيَمِينِ السَّابِقَةِ وَهُوَ الشِّرَاءُ وَأَمَّا عَدَمُ الْإِجْزَاءِ عَنْ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ فَلِأَنَّهَا لَمَّا اسْتَحَقَّتْ الْعِتْقَ بِالِاسْتِيلَادِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا» لَمْ يَكُنْ كُلُّ الْعِتْقِ مُضَافًا إلَى الشِّرَاءِ لِأَنَّ الِاسْتِيلَادَ عِلَّةُ الْعِتْقِ مِنْ وَجْهٍ وَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ عَنْ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ تَحْرِيرٌ كَامِلٌ لَا تَحْرِيرٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ . ا هـ . (قَوْلُهُ فَعِنْدَهُمَا عِلَّةُ الْعِتْقِ الْقَرَابَةُ) أَيْ الْمُتَقَدِّمَةُ لَا الشِّرَاءُ فَإِنَّ الشِّرَاءَ شَرْطُ الْعِتْقِ وَإِنَّمَا اقْتَرَنَتْ النِّيَّةُ بِالشِّرَاءِ الَّذِي هُوَ الشَّرْطُ لَا بِالْعِلَّةِ فَصَارَ كَعِتْقِهِ بِيَمِينٍ مُتَقَدِّمَةٍ ، بَيَانُهُ أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ التَّحْرِيرُ وَالشِّرَاءُ لَيْسَ بِتَحْرِيرٍ لِمُنَافَاةٍ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الشِّرَاءَ اسْتِجْلَابُ الْمِلْكِ وَالتَّحْرِيرَ إزَالَةُ الْمِلْكِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْعِتْقِ بِالْقَرَابَةِ أَنَّ أَحَدَ الشَّرِيكَيْنِ إذَا ادَّعَى نَسَبَهُ يَضْمَنُ لِشَرِيكِهِ نَصِيبَهُ فِيهِ كَمَا لَوْ أَعْتَقَهُ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا تَجِبُ بِالْقَرَابَةِ كَمَا فِي النَّفَقَةِ) وَالْحَاصِلُ مِنْ دَلِيلِ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ أَنَّ الْعِلَّةَ لِلْعِتْقِ هِيَ الْقَرَابَةُ الْمُحَرِّمَةُ لَا الشِّرَاءُ لِلْقَرِيبِ لِأَنَّهَا الَّتِي ظَهَرَ أَثَرُهَا فِي وُجُوبِ الصِّلَاتِ كَالنَّفَقَةِ فَهِيَ الْمُؤَثِّرَةُ فِي الْعِتْقِ وَإِنَّمَا الْمِلْكُ شَرْطُ عَمَلِهَا سَوَاءٌ حَصَلَ بِطَرِيقِ الشِّرَاءِ أَوْ غَيْرِهِ وَأَمَّا أَنْ يَكُونَ الشِّرَاءُ نَفْسَ الْعِلَّةِ فَلَا لِأَنَّهُ لِإِثْبَاتِ الْمِلْكِ وَالْعِتْقُ لِإِزَالَتِهِ وَبَيْنَهُمَا تَنَافٍ فَلَا يَكُونُ الْعِتْقُ مُقْتَضَاهُ . ا هـ . (قَوْلُهُ فَاشْتَرَاهُ نَاوِيًا عَنْ التَّكْفِيرِ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِيهِ) وَذَلِكَ لِأَنَّ عِتْقَ الْعَبْدِ وَجَبَ عَلَيْهِ بِقَوْلٍ كَانَ مِنْهُ فَلَيْسَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَصْرِفَهُ إلَى غَيْرِهِ حَتَّى إذَا قَالَ هُوَ حُرٌّ يَوْمَ أَشْتَرِيهِ وَعَنَى بِهِ أَنْ يَقَعَ عَمَّا عَلَيْهِ مِنْ الْعِتْقِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ أَجْزَأَهُ لِاقْتِرَانِ نِيَّةِ الْكَفَّارَةِ بِالْإِعْتَاقِ الَّذِي هُوَ عِلَّةُ الْعِتْقِ بِخِلَافِ الصُّورَةِ الْأُولَى حَيْثُ لَمْ تَقْتَرِنْ نِيَّةُ الْكَفَّارَةِ بِعِلَّةِ الْعِتْقِ بَلْ اقْتَرَنَتْ بِشَرْطِ الْعِتْقِ وَلَيْسَ لِلشَّرْطِ أَثَرٌ فِي إيجَابِ الْعِتْقِ لِأَنَّ الْعِتْقَ ثَبَتَ بِقَوْلٍ سَابِقٍ وَهُوَ قَوْلُهُ حُرٌّ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ عَبْدِي حُرٌّ ثُمَّ نَوَى عَنْ كَفَّارَةِ يَمِينِهِ لَا يَجُوزُ فَكَذَا هَذَا قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ (قَوْلُهُ أَيْ يُعْتِقُهُ بِذَلِكَ الشِّرَاءِ) بَيَانُهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ الْوَلَدَ مُعْتِقًا لِوَالِدِهِ بِالشِّرَاءِ فَيَكُونُ الشِّرَاءُ إعْتَاقًا لَا مَحَالَةَ لِأَنَّ الْعِتْقَ الْمُبْتَدَأَ لَمْ يُوجَدْ بِالِاتِّفَاقِ فَكَمَا اشْتَرَاهُ عَتَقَ وَكَلَامُ الرَّسُولِ تَجِبُ صِيَانَتُهُ عَنْ الْإِلْغَاءِ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ الشِّرَاءُ إعْتَاقًا لَزِمَ الْإِلْغَاءُ وَمِثْلُهُ وَارِدٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ كَمَا فِي قَوْلِهِمْ سَقَاهُ فَأَرْوَاهُ أَيْ بِالسَّقْيِ يُؤَيِّدُهُ ، مَا رَوَى صَاحِبُ السُّنَنِ بِإِسْنَادِهِ إلَى سَمُرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ فَهُوَ حُرٌّ» بَيَانُهُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - جَعَلَ الْحُرِّيَّةَ جَزَاءً لِلْمِلْكِ وَالشِّرَاءُ عِلَّةٌ لِلْمِلْكِ فَكَأَنَّهُ قَالَ مَنْ اشْتَرَى قَرِيبَهُ فَهُوَ حُرٌّ فَيَكُونُ الشِّرَاءُ تَحْرِيرًا وَإِعْتَاقًا وَقَدْ اقْتَرَنَتْ النِّيَّةُ بِهِ فَجَازَ عَمَّا عَلَيْهِ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا وَرِثَ أَبَاهُ يَنْوِي بِهِ الْكَفَّارَةَ حَيْثُ لَا يُجْزِيهِ لِأَنَّ الْمِيرَاثَ يَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْوَارِثِ وَاخْتِيَارِهِ وَالتَّكْفِيرُ يَتَأَدَّى بِالتَّحْرِيرِ الَّذِي هُوَ صُنْعُهُ وَفِي الْأَسْبَابِ السَّابِقَةِ أَعْنِي الْهِبَةَ وَالصَّدَقَةَ وَالْوَصِيَّةَ يَحْصُلُ صُنْعُهُ وَهُوَ الْقَبُولُ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ أَيْ بِذَلِكَ الضَّرْبِ) وَالتَّرْتِيبُ بِالْفَاءِ يُفِيدُ الْعِلِّيَّةَ عَلَى مَا عُرِفَ مِثْلُ سَهَا فَسَجَدَ وَزَنَى مَاعِزٌ فَرُجِمَ ا هـ

(3/144)


الرَّمْيَ يُوجِبُ نُفُوذَ السَّهْمِ وَمُضِيَّهُ فِي الْهَوَاءِ وَالنُّفُوذُ سَبَبُ الْوُقُوعِ فِي الْمَرْمِيِّ إلَيْهِ
وَالْوُقُوعُ سَبَبُ الْجُرْحِ وَهُوَ سَبَبُ الْمَوْتِ فَيُضَافُ كُلُّهُ إلَى الرَّمْيِ الَّذِي هُوَ عِلَّةٌ وَلِأَنَّ الْعِتْقَ صِلَةٌ وَلِلْمِلْكِ تَأْثِيرٌ فِي اسْتِحْقَاقِ الصِّلَةِ شَرْعًا حَتَّى تَجِبُ الزَّكَاةُ بِاعْتِبَارِ الْمِلْكِ صِلَةً لِلْفُقَرَاءِ كَمَا لِلْقَرَابَةِ تَأْثِيرٌ فِي اسْتِحْقَاقِ الصِّلَةِ فَكَانَا عِلَّةً ذَاتَ وَصْفَيْنِ وَمَتَى تَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِعِلَّةٍ ذَاتِ وَصْفَيْنِ يُضَافُ الْحُكْمُ إلَى آخِرِهِمَا لِأَنَّ تَمَامَ الْعِلَّةِ بِهِ وَآخِرُ الْوَصْفَيْنِ هُنَا الْمِلْكُ فَيَكُونُ بِهِ مُعْتَقًا وَلِهَذَا لَوْ ادَّعَى أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ نَسَبَ نَصِيبِهِ مِنْ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ ضَمِنَ نَصِيبَ شَرِيكِهِ لِأَنَّ الْقَرَابَةَ صَارَتْ آخِرَ الْوَصْفَيْنِ فَصَارَ بِهَا مُعْتَقًا وَلَا يَدْخُلُ عَلَى هَذَا شَهَادَةُ الشَّاهِدِ الثَّانِي حَيْثُ لَا يُضَافُ الْحُكْمُ إلَيْهَا وَحْدَهَا وَإِنْ تَمَّتْ الْحُجَّةُ بِهَا بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِمَا ضَمَانُ مَا أَتْلَفَا بِشَهَادَتِهِمَا عِنْدَ الرُّجُوعِ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تُوجِبُ شَيْئًا بِدُونِ الْقَضَاءِ وَالْقَضَاءُ يَكُونُ بِهِمَا جَمِيعًا
وَلَا يُقَالُ إنَّ الْعِتْقَ مُسْتَحَقٌّ بِالْقَرَابَةِ لِأَنَّا نَقُولُ الِاسْتِحْقَاقُ لَا يَثْبُتُ قَبْلَ كَمَالِ الْعِلَّةِ وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِهِمْ فِيهِ صَرْفُ مَنْفَعَةِ الْكَفَّارَةِ إلَى أَبِيهِ لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ صَرْفُهَا إلَى عَبْدِهِ فَأَوْلَى أَنْ يَجُوزَ إلَى أَبِيهِ بِخِلَافِ غَيْرِهَا مِنْ أَنْوَاعِ الْوَاجِبَاتِ كَالْإِطْعَامِ وَالْكِسْوَةِ وَالزَّكَاةِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ صَرْفُهَا إلَى عَبْدِهِ فَكَذَا إلَى أَبِيهِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ وَهَبَ لَهُ قَرِيبُهُ أَوْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِهِ أَوْ أَوْصَى لَهُ بِهِ فَقَبِلَ نَاوِيًا عَنْ الْكَفَّارَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا وَرِثَهُ فَإِنَّهُ جَبْرِيٌّ وَلَيْسَ لَهُ فِيهِ صُنْعٌ وَلَا اخْتِيَارٌ وَلِهَذَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ لِشَرِيكِهِ بِهِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ مُعْتَقًا بِدُونِ اخْتِيَارِهِ وَمُبَاشَرَتِهِ وَإِنَّمَا لَا يَجُوزُ شِرَاءُ مَنْ حَلَفَ بِعِتْقِهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ إذَا نَوَى بِالشِّرَاءِ عَنْ الْكَفَّارَةِ لِأَنَّ النِّيَّةَ لَمْ تَقْتَرِنْ بِالْعِلَّةِ وَهِيَ الْيَمِينُ وَلَا يُقَالُ الْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ كَالْمُنَجَّزِ عِنْدَهُ فَيَكُونُ عِلَّةً فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَقَدْ اقْتَرَنَتْ النِّيَّةُ بِهِ فِيهِ لِأَنَّا نَقُولُ هُوَ كَالْمُنَجَّزِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ حُكْمًا لَا حَقِيقَةً
أَلَا تَرَى أَنَّ الْأَهْلِيَّةَ شَرْطُ النِّيَّةِ وَهِيَ تُشْتَرَطُ عِنْدَ الْعِلَّةِ وَهِيَ الْيَمِينُ وَأَمَّا الشِّرَاءُ فَشَرْطٌ مَحْضٌ لِأَنَّهُ لَا يُضَافُ إلَيْهِ الْحُكْمُ وَهُوَ الْعِتْقُ وَإِنَّمَا يُضَافُ إلَى الْيَمِينِ السَّابِقِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُؤَثِّرُ حَتَّى لَوْ اقْتَرَنَتْ النِّيَّةُ بِهِ بِأَنْ قَالَ إنْ اشْتَرَيْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ عَنْ كَفَّارَةِ يَمِينِي فَاشْتَرَاهُ جَازَ عَنْ كَفَّارَتِهِ لِاقْتِرَانِ النِّيَّةِ بِالْعِلَّةِ إلَّا إذَا كَانَتْ أَمَةً قَدْ اسْتَوْلَدَهَا بِالنِّكَاحِ فَإِنَّ عِتْقَهَا لَا يُجْزِي عَنْ الْكَفَّارَةِ لِاسْتِحْقَاقِهَا الْحُرِّيَّةَ بِجِهَةٍ أُخْرَى وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا»

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إنْ تَسَرَّيْت أَمَةً فَهِيَ حُرَّةٌ صَحَّ لَوْ فِي مِلْكِهِ) أَيْ لَوْ قَالَ إنْ تَسَرَّيْت أَمَةً فَهِيَ حُرَّةٌ فَتَسَرَّى أَمَةً كَانَتْ فِي مِلْكِهِ يَوْمَ حَلَفَ عَتَقَتْ لِأَنَّ الْيَمِينَ انْعَقَدَتْ فِي حَقِّهَا لِأَنَّهَا تَتَنَاوَلُ الْمَمْلُوكَةَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ عَلَى الْعُمُومِ لِكَوْنِ الْأَمَةِ نَكِرَةً فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ وَهُوَ كَالنَّفْيِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِلَّا لَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْجَارِيَةُ الَّتِي اسْتَوْلَدَهَا فِي مِلْكِهِ حِينَ حَلَفَ لَا يَصِحُّ وَمُرَادُهُ أَنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُ مَنْ لَيْسَ فِي مِلْكِهِ يَوْمَ حَلَفَ حَتَّى لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً وَتَسَرَّى بِهَا لَا تَعْتِقُ وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - تَعْتِقُ لِأَنَّ التَّسَرِّيَ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي الْمِلْكِ فَكَانَ ذِكْرُهُ ذِكْرًا لِلْمِلْكِ كَمَنْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ إنْ طَلَّقْتُك فَعَبْدِي حُرٌّ يَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ إنْ تَزَوَّجْتُك وَطَلَّقْتُك فَعَبْدِي حُرٌّ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي الْمِلْكِ فَصَارَ ذِكْرُهُ ذِكْرًا لِلْمِلْكِ فَكَذَا هُنَا وَلَا يُقَالُ هَذَا إثْبَاتُ الْمِلْكِ بِالِاقْتِضَاءِ وَهُوَ لَا يَرَى الِاقْتِضَاءَ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنَّهُ أَثْبَتَهُ بِدَلَالَةِ اللَّفْظِ أَوْ الْحَذْفِ إذْ إثْبَاتُ مَا لَمْ يُذْكَرْ لَا يَنْحَصِرُ بِالِاقْتِضَاءِ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ بَابِ دَلَالَةِ اللَّفْظِ لِأَنَّهُ بِمُجَرَّدِ ذِكْرِ التَّسَرِّي يَسْبِقُ الْمِلْكُ إلَى الْفَهْمِ
وَفِي الِاقْتِضَاءِ لَا يَلْزَمُ الْفَهْمُ مِنْ اللَّفْظِ وَقَدْ يَتَّفِقُ كَمَا فِي قَوْلِهِ إنْ أَكَلْت أَوْ شَرِبْت يُفْهَمُ مِنْهُ الطَّعَامُ وَهُوَ مُقْتَضَى وَلَنَا أَنَّ الْيَمِينَ بِالْعِتْقِ إنَّمَا يَصِحُّ فِي الْمِلْكِ أَوْ مُضَافًا إلَيْهِ أَوْ إلَى سَبَبِهِ وَلَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْهَا فِي حَقِّهَا وَهَذَا لِأَنَّ التَّسَرِّيَ عِبَارَةٌ عَنْ التَّحْصِينِ وَالْمَنْعُ عَنْ الْخُرُوجِ مَأْخُوذٌ مِنْ السُّرِّيَّةِ وَاحِدَةُ السَّرَارِيِّ وَهِيَ مَنْسُوبَةٌ إلَى السِّرِّ وَهُوَ الْجِمَاعُ أَوْ الْإِخْفَاءُ أَوْ إلَى السُّرُورِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يُسَرُّ بِهَا أَوْ إلَى السَّرِيِّ وَهُوَ السَّيِّدُ وَهِيَ مِنْ جُمْلَةِ مَا غُيِّرَ فِي النَّسَبِ إلَى فُعْلِيَّةٍ كَمَا قَالُوا فِي النَّسَبِ إلَى الدَّهْرِ دُهْرِيٌّ وَإِلَى الْأَرْضِ السَّهْلَةِ سُهْلِيٌّ وَقُلِبَتْ إحْدَى الرَّاءَاتِ يَاءً فِي تَسَرَّيْت وَأَصْلُهُ تَسَرَّرْتُ كَمَا قُلِبَتْ إحْدَى النُّونَاتِ يَاءً فِي تَظَنَّيْتُ وَأَصْلُهُ تَظَنَّنْت وَطَلَبُ الْوَلَدِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي التَّحْصِينِ لِلتَّسَرِّي خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَتَّى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ فَكَانَ ذِكْرُهُ ذِكْرًا لِلْمِلْكِ) أَيْ فَكَأَنَّهُ قَالَ إنْ مَلَكْت جَارِيَةً فَتَسَرَّيْتهَا فَهِيَ حُرَّةٌ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَلَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْهَا) أَمَّا الْمِلْكُ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا الْإِضَافَةُ إلَى الْمِلْكِ فَلِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ إنْ مَلَكْت أَمَةً وَأَمَّا الْإِضَافَةُ إلَى سَبَبِ الْمِلْكِ فَلِأَنَّهُ أَضَافَهَا إلَى التَّسَرِّي وَهُوَ لَيْسَ بِسَبَبٍ لِمِلْكِ الْأَمَةِ فَلَمْ يَصِحَّ إضَافَةُ الْإِعْتَاقِ إلَيْهِ وَهَذَا لِأَنَّ التَّسَرِّيَ عِبَارَةٌ عَنْ التَّحْصِينِ وَالْإِسْكَانِ وَهُوَ أَنْ يُبَوِّئَهَا وَيَمْنَعَهَا مِنْ الْخُرُوجِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ ا هـ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ طَلَبُ الْوَلَدِ مَعَ ذَلِكَ شَرْطُهُ لِأَنَّ السَّرِيَّةَ فِي الْعَادَةِ هِيَ الَّتِي يُطْلَبُ وَلَدُهَا . ا هـ . كَافِي (قَوْلُهُ وَهُوَ السَّيِّدُ) أَيْ لِأَنَّهَا إذَا اتَّخَذَهَا سُرِّيَّةً فَقَدْ جَعَلَهَا سَيِّدَةَ الْإِمَاءِ . ا هـ . كَافِي (قَوْلُهُ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَكُونُ تَسَرِّيًا إلَّا بِطَلَبِ الْوَلَدِ مَعَ هَذَا وَالْمُرَادُ مِنْ طَلَبِ الْوَلَدِ أَنْ لَا يَعْزِلَ مَاءَهُ وَلَوْ لَمْ يَفْعَلْ بِهَا شَيْئًا مِنْ هَذَا وَلَكِنْ وَطِئَ خَادِمَهُ فَعَلِقَتْ مِنْهُ لَمْ تَعْتِقْ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَسَرَّهَا قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمَعْنَى التَّسَرِّي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ أَنْ يُحْصِنَ أَمَتَهُ وَيَعُدَّهَا لِلْجِمَاعِ أَفْضَى إلَيْهَا بِمَائِهِ أَوْ عَزَلَ عَنْهَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَنُقِلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يَعْزِلُ مَاءَهُ مَعَ ذَلِكَ فَعُرِفَ أَنَّهُ لَوْ وَطِئَ أَمَةً لَهُ وَلَمْ يَفْعَلْ مَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّحْصِينِ وَالْإِعْدَادِ لَا يَكُونُ تَسَرِّيًا وَإِنْ لَمْ يَعْزِلْ عَنْهَا وَإِنْ عَلِقَتْ مِنْهُ لَنَا أَنَّ مَادَّةَ اشْتِقَاقِهِ سَوَاءٌ اُعْتُبِرَتْ مِنْ السُّرُورِ أَوْ مَا يَرْجِعُ إلَى الْجِمَاعِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ لَا تَقْتَضِي الْإِنْزَالَ فِيهَا لِأَنَّ الْجِمَاعَ وَالسُّرُورَ وَالسِّيَادَةَ كُلٌّ مِنْهَا يَتَحَقَّقُ دُونَهُ فَأَخْذُهُ فِي الْمَفْهُومِ وَاعْتِبَارُهُ بِلَا دَلِيلٍ وَكَوْنُ الْعُرْفِ فِي التَّسَرِّي تَحْصِينَهَا لِطَلَبِ الْوَلَدِ دَائِمًا مَمْنُوعٌ بَلْ الْعُرْفُ مُشْتَرَكٌ فِي الْمُشَاهَدِ فَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقْصِدُ ذَلِكَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقْصِدُ مُجَرَّدَ قَضَاءِ الشَّهْوَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَلِدَ

(3/145)


لَوْ عَزَلَ عَنْهَا لَا تَكُونُ سُرِّيَّةً عِنْدَهُ فَإِذَا كَانَتْ عِبَارَةً عَنْ التَّحْصِينِ وَذَلِكَ يَكُونُ بِمِلْكِ النِّكَاحِ كَمَا يَكُونُ بِمِلْكِ الْيَمِينِ فَكَانَ مِنْ ضَرُورَتِهِ مِلْكُ الْمُتْعَةِ لَا مِلْكُ الرَّقَبَةِ فَلَا يَصِيرُ ذِكْرُهُ ذِكْرَ مِلْكِ الْيَمِينِ كَمَا إذَا قَالَ لِجَارِيَةِ الْغَيْرِ إذَا جَامَعْتُك فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَاشْتَرَاهَا وَجَامَعَهَا لَمْ تَعْتِقْ لِمَا قُلْنَا بِخِلَافِ الطَّلَاقِ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ التَّطْلِيقَ إلَّا بِمِلْكِ النِّكَاحِ فَيَصِيرُ ذِكْرُهُ ذِكْرًا لِلنِّكَاحِ وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ ذِكْرَ التَّسَرِّي ذِكْرٌ لِمِلْكِ الْيَمِينِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ عِتْقُهَا لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْمِلْكِ ثَبَتَ اقْتِضَاءً ضَرُورَةَ صِحَّةِ التَّسَرِّي وَهُوَ شَرْطٌ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا
وَلَا يَظْهَرُ ثُبُوتُهُ فِي حَقِّ صِحَّةِ الْجَزَاءِ وَهُوَ الْحُرِّيَّةُ لِأَنَّ مَا ثَبَتَ اقْتِضَاءً لِلضَّرُورَةِ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا وَلَا يَظْهَرُ فِيمَا وَرَاءَهَا وَهَذَا لِأَنَّهُ لَمَّا جَعَلَ التَّسَرِّي شَرْطًا لِلْعِتْقِ يَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِ الشَّرْطِ وَهُوَ التَّسَرِّي وَلَا يَكُونُ التَّسَرِّي إلَّا فِي الْمِلْكِ فَلَزِمَ الْمِلْكُ ضَرُورَةَ صِحَّةِ هَذَا الشَّرْطِ وَهُوَ التَّسَرِّي وَأَمَّا نُزُولُ الْجَزَاءِ فَالشَّرْطُ مُسْتَغْنٍ عَنْهُ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ ثُبُوتُ الشَّرْطِ بِدُونِ نُزُولِ الْجَزَاءِ أَلَا تَرَى أَنَّ التَّسَرِّي يُوجَدُ وَإِنْ لَمْ تَعْتِقْ الْأَمَةُ وَفِي مَسْأَلَةِ الطَّلَاقِ ظَهَرَ النِّكَاحُ فِي حَقِّ الشَّرْطِ وَهُوَ الطَّلَاقُ الَّذِي عُلِّقَ بِهِ الْعِتْقُ وَلَمْ يَتَعَدَّ إلَى الْجَزَاءِ وَإِنَّمَا يَعْتِقُ الْعَبْدُ الَّذِي فِي مِلْكِهِ لِأَنَّهُ صَادَفَ التَّعْلِيقَ لِكَوْنِهِ فِي مِلْكِهِ لِلْحَالِ وَلِلْإِنْسَانِ أَنْ يُعَلِّقَ عِتْقَ عَبْدِهِ بِشَرْطٍ سَيُوجَدُ وَوِزَانُ مَسْأَلَتِنَا مَا لَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ إنْ طَلَّقْتُك وَاحِدَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَتَزَوَّجَهَا وَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً لَمْ تَطْلُقْ ثَلَاثًا لِأَنَّ ذِكْرَ الطَّلَاقِ ذِكْرٌ لِلنِّكَاحِ لِصِحَّةِ الطَّلَاقِ الَّذِي هُوَ الشَّرْطُ وَلَمْ يَكُنْ ذِكْرًا لِلنِّكَاحِ فِي صِحَّةِ الْجَزَاءِ وَهُوَ وُقُوعُ الثَّلَاثِ الْمُعَلَّقِ بِالطَّلَاقِ الَّذِي هُوَ الشَّرْطُ وَمَا قَالَهُ زُفَرُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَمَا قَالَهُ لَمَا تَنَاوَلَ مَنْ كَانَ فِي مِلْكِهِ يَوْمَ حَلَفَ لِأَنَّهُ لِمَكَانِ تَقْدِيرِ الْكَلَامِ إنْ مَلَكْت جَارِيَةً وَتَسَرَّيْت بِهَا فَهِيَ حُرَّةٌ فَلَا تَعْتِقُ مَنْ كَانَتْ فِي مِلْكِهِ يَوْمئِذٍ إذَا تَسَرَّى بِهَا وَوِزَانُ مَا اسْتَشْهَدَ بِهِ زُفَرُ أَنْ يَقُولَ لِأَمَةٍ إنْ تَسَرَّيْت بِك فَعَبْدِي حُرٌّ فَاشْتَرَاهَا فَتَسَرَّى بِهَا عَتَقَ عَبْدُهُ الَّذِي كَانَ فِي مِلْكِهِ وَقْتَ الْحَلِفِ وَلَا يَعْتِقُ مَنْ اشْتَرَاهُ بَعْدَهُ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ عَتَقَ عَبِيدُهُ الْقِنُّ وَأُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ وَمُدَبَّرُوهُ) لِأَنَّ الْمُطْلَقَ يَتَصَرَّفُ إلَى الْكَامِلِ وَمِلْكُهُ لِهَؤُلَاءِ كَامِلٌ لِأَنَّهُ يَمْلِكُهُمْ رَقَبَةً وَيَدًا وَلَوْ قَالَ أَرَدْت بِهِ الرِّجَالَ دُونَ النِّسَاءِ دُيِّنَ دِيَانَةً لَا قَضَاءً لِأَنَّهُ نَوَى التَّخْصِيصَ فِي اللَّفْظِ الْعَامِّ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ نَوَيْت السُّودَ دُونَ الْبِيضِ أَوْ بِالْعَكْسِ حَيْثُ لَا يُصَدَّقُ دِيَانَةً وَلَا قَضَاءً لِأَنَّهُ نَوَى التَّخْصِيصَ بِوَصْفٍ لَيْسَ فِي اللَّفْظِ وَلَا عُمُومَ لَهُ إنْ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ اللَّفْظِ فَلَا تَعْمَلُ فِيهِ نِيَّةُ التَّخْصِيصِ وَلَوْ قَالَ نَوَيْت النِّسَاءَ دُونَ الرِّجَالِ لَمْ يُصَدَّقْ لِأَنَّ الْمَمْلُوكَ حَقِيقَةً لِلذُّكُورِ دُونَ الْإِنَاثِ فَإِنَّ الْأُنْثَى يُقَالُ لَهَا مَمْلُوكَةٌ لَكِنْ عِنْدَ الِاخْتِلَاطِ يُسْتَعْمَلُ عَلَيْهِمْ لَفْظُ التَّذْكِيرِ عَادَةً بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ وَلَا يُسْتَعْمَلُ فِيهِنَّ عِنْدَ انْفِرَادِهِنَّ فَتَكُونُ نِيَّتُهُ لَغْوًا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ نَوَيْت الرِّجَالَ خَاصَّةً حَيْثُ يُصَدَّقُ دِيَانَةً لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ لَكِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَلَا يُصَدَّقُ قَضَاءً وَكَذَا لَوْ قَالَ نَوَيْت غَيْرَ الْمُدَبَّرِ لَمْ يُصَدَّقْ قَضَاءً قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا مُكَاتَبُهُ) أَيْ لَا يَعْتِقُ مُكَاتَبُهُ بِهَذَا اللَّفْظِ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ نَاقِصٌ لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ مِلْكِ الْمَوْلَى يَدًا وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ الْمَوْلَى أَكْسَابَهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَطَأَ مُكَاتَبَتَهُ وَيَضْمَنُ جِنَايَتَهُ عَلَيْهِ كَجِنَايَتِهِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ وَكَذَا مُعْتَقُ الْبَعْضِ لَا يَعْتِقُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّهُ كَالْمُكَاتَبِ عِنْدَهُ فَيَكُونُ قَاصِرًا فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْإِطْلَاقِ إلَّا بِالنِّيَّةِ كَالْمُخْتَلِعَةِ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ قَوْلِهِ كُلُّ امْرَأَةٍ لِي طَالِقٌ بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِمَا كَامِلٌ فَيَدْخُلَانِ تَحْتَ الْإِطْلَاقِ وَالرِّقُّ فِيهِمَا نَاقِصٌ لِاسْتِحْقَاقِهِمَا الْحُرِّيَّةَ مِنْ وَجْهٍ فَلَا يُجْزِيَانِ عَنْ الْكَفَّارَةِ وَالْمُكَاتَبُ عَكْسُهُ فَإِنَّ رِقَّهُ كَامِلٌ وَمِلْكُهُ نَاقِصٌ فَانْعَكَسَ الْحُكْمُ لِذَلِكَ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (هَذِهِ طَالِقٌ أَوْ هَذِهِ وَهَذِهِ طَلُقَتْ الْأَخِيرَةُ وَخُيِّرَ فِي الْأُولَيَيْنِ) لِأَنَّ كَلِمَةَ أَوْ لِإِثْبَاتِ أَحَدِ الْمَذْكُورَيْنِ وَقَدْ أَدْخَلَهَا بَيْنَ الْأُولَيَيْنِ وَعَطَفَ الثَّالِثَةَ عَلَى الْمُطَلَّقَةِ مِنْهُمَا لِأَنَّ الْعَطْفَ لِلْمُشَارَكَةِ فِي الْحُكْمِ وَهُوَ الطَّلَاقُ فَيَخْتَصُّ بِمَحِلِّ الْحُكْمِ وَهِيَ الْمُطَلَّقَةُ فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ وَهَذِهِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكَذَا الْعِتْقُ وَالْإِقْرَارُ) حَتَّى إذَا قَالَ لِعَبِيدِهِ هَذَا حُرٌّ أَوْ هَذَا عَتَقَ الْأَخِيرُ وَلَهُ الْخِيَارُ فِي الْأَوَّلَيْنِ لِمَا بَيَّنَّا وَلَوْ قَالَ فِي الْإِقْرَارِ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ أَوْ لِفُلَانٍ وَفُلَانٍ كَانَ خَمْسُمِائَةٍ لِلْأَخِيرِ وَخَمْسُمِائَةٍ بَيْنَ الْأَوَّلَيْنِ يَجْعَلُهُ لِأَيِّهِمَا شَاءَ لِأَنَّ كَلِمَةَ أَوْ لِأَحَدِ الْمَذْكُورَيْنِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَكَأَنَّهُ أَقَرَّ لِأَحَدِ الْأَوَّلَيْنِ وَلِلثَّالِثِ بِأَلْفٍ فَيَكُونُ لِلثَّالِثِ نِصْفُهُ وَلِأَحَدِهِمَا نِصْفُهُ وَذَكَرَ فِي الْمُغْنِي أَنَّ النِّصْفَ لِلْأَوَّلِ وَالنِّصْفَ لِلْآخَرَيْنِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لَهُ إذَا عُرِفَ هَذَا فَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا حَلَفَ لَا يَتَسَرَّى فَاشْتَرَى جَارِيَةً فَحَصَّنَهَا وَوَطِئَهَا حَنِثَ ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ فِي التَّجْرِيدِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَلَوْ قَالَ إنْ تَسَرَّيْت جَارِيَةً فَعَبْدِي حُرٌّ فَاشْتَرَى جَارِيَةً فَتَسَرَّاهَا عَتَقَ الْعَبْدُ الَّذِي كَانَ فِي مِلْكِهِ وَقْتَ الْحَلِفِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِ عَبْدٌ فَمَلَكَ عَبْدًا ثُمَّ اشْتَرَى جَارِيَةً فَتَسَرَّاهَا لَا يَعْتِقُ هَذَا الْعَبْدُ الْمُسْتَحْدَثُ وَلَوْ قَالَ إنْ تَسَرَّيْت جَارِيَةً فَهِيَ حُرَّةٌ فَتَسَرَّى جَارِيَةً كَانَتْ فِي مِلْكِهِ يَوْمَ حَلَفَ عَتَقَتْ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ وَهِيَ إجْمَاعِيَّةٌ وَلَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً بَعْدَ الْحَلِفِ فَتَسَرَّاهَا لَا تَعْتِقُ عِنْدَنَا وَلَا عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَقَالَ زُفَرُ تَعْتِقُ . ا هـ . (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لِمَكَانِ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ . ا هـ .

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ كُلُّ مَمْلُوكٍ حُرٍّ عَتَقَ عَبِيدُهُ الْقِنُّ) الْقِنُّ الرَّقِيقُ يَنْطَلِقُ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ عَلَى الْوَاحِدِ وَغَيْرِهِ فَيُقَالُ عَبْدٌ قِنٌّ وَعَبِيدٌ قِنٌّ وَأَمَةٌ قِنٌّ بِالْإِضَافَةِ وَبِالْوَصْفِ أَيْضًا وَرُبَّمَا جُمِعَ عَلَى أَقْنَانٍ وَأَقِنَّةٍ وَهُوَ الَّذِي مَلَكَ هُوَ وَأَبَوَاهُ مَنْ كَانَتْ أُمُّهُ أَمَةً وَأَبُوهُ عَرَبِيًّا فَهُوَ هَجِينٌ . ا هـ . مِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ لَا يَعْتِقُ مُكَاتَبُهُ بِهَذَا اللَّفْظِ) أَيْ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ ا هـ

(3/146)


وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَعَلَيْهِ الْمَعْنَى لِأَنَّ الثَّالِثَ مَعْطُوفٌ عَلَى مَنْ لَهُ الْحَقُّ مِنْهُمَا فَيَكُونُ شَرِيكًا لَهُ وَلَوْ كَانَ مَعْطُوفًا عَلَى مَا يَلِيهِ كَمَا ذَكَرَ لَكَانَ الْمُقَرُّ بِهِ لِلْأَوَّلِ وَحْدَهُ أَوْ لِلْآخَرَيْنِ لِأَنَّهُ أَوْجَبَهُ لِأَحَدِ الْمَذْكُورَيْنِ لَا لَهُمَا فَتَنْتَفِي الشَّرِكَةُ إذَا مَاتَ قَبْلَ الْبَيَانِ وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا أَوْ فُلَانًا وَفُلَانًا فَإِنْ كَلَّمَ الْأَوَّلَ وَحْدَهُ حَنِثَ وَلَا يَحْنَثُ بِكَلَامِ أَحَدِ الْآخَرَيْنِ حَتَّى يُكَلِّمُهُمَا فَجُعِلَ الثَّالِثُ فِي الْكَلَامِ مَضْمُومًا إلَى الثَّانِي عَلَى التَّعْيِينِ وَفِيمَا تَقَدَّمَ جَعَلَهُ مَضْمُومًا إلَى مَنْ وَقَعَ لَهُ الْحُكْمُ وَالْفَرْقُ أَنَّ أَوْ إذَا دَخَلَتْ بَيْنَ شَيْئَيْنِ تَنَاوَلَتْ أَحَدَهُمَا مُنَكَّرًا إلَّا أَنَّ فِي الطَّلَاقِ وَنَحْوِهِ الْمَوْضِعُ مَوْضِعُ الْإِثْبَاتِ فَتَخُصُّ فَتَطْلُقُ إحْدَاهُمَا وَفِي الْكَلَامِ الْمَوْضِعُ مَوْضِعُ النَّفْيِ فَتَعُمُّ عُمُومَ الْأَفْرَادِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} [الإنسان : 24] فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا وَلَا فُلَانًا فَيَنْضَمُّ الثَّالِثُ إلَى مَا يَلِيهِ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ أَوْ لِعُمُومِ الْإِفْرَادِ صَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَلَامًا عَلَى حِدَةٍ كَأَنَّ الْأَوَّلَ انْقَطَعَ وَشَرَعَ فِي الْكَلَامِ الثَّانِي وَالْعَطْفُ فِيهِ لَا يَنْصَرِفُ إلَى الْأَوَّلِ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ وَأَمْثَالِهِ فَإِنَّ الْإِيصَالَ فِيهِ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ ثَابِتٌ فَيَكُونُ الثَّالِثُ مَعْطُوفًا عَلَى مَنْ وَجَبَ لَهُ الْحُكْمُ وَلِأَنَّ قَوْلَهُ طَالِقٌ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا لِلْمُثَنَّى وَفِي ضَمِّ الثَّالِثِ إلَى الثَّانِي جَعَلَهُ لِلْمُثَنَّى لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ هَذِهِ طَالِقٌ أَوْ هَاتَانِ طَالِقٌ فَلَا يَجُوزُ إلَّا إذَا قَالَ طَالِقَانِ لِأَنَّ الْمُفْرَدَ لَا يَصْلُحُ خَبَرًا لِلْمَثْنَى بِخِلَافِ الْكَلَامِ فَإِنَّ قَوْلَهُ لَا أُكَلِّمُ يَصْلُحُ لِلْمَثْنَى وَلِأَقَلَّ وَأَكْثَرَ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَذْكُرْ لِلثَّانِي وَالثَّالِثِ خَبَرًا فَإِنْ ذَكَرَ لَهُ خَبَرًا بِأَنْ قَالَ هَذِهِ طَالِقٌ أَوْ هَذِهِ وَهَذِهِ طَالِقَانِ أَوْ قَالَ هَذَا حُرٌّ أَوْ هَذَا وَهَذَا حُرَّانِ فَإِنَّهُ لَا يَعْتِقُ أَحَدٌ وَلَا تَطْلُقُ بَلْ يُخَيَّرُ إنْ اخْتَارَ الْإِيجَابَ الْأَوَّلَ عَتَقَ الْأَوَّلُ وَحْدَهُ وَطَلُقَتْ الْأُولَى وَحْدَهَا وَإِنْ اخْتَارَتْ الْإِيجَابَ الثَّانِيَ عَتَقَ الْأَخِيرَانِ وَطَلُقَتْ الْأَخِيرَتَانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

(بَابُ الْيَمِينِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالتَّزَوُّجِ وَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا) الْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ كُلَّ فِعْلٍ تَرْجِعُ حُقُوقُهُ إلَى الْمُبَاشِرِ لَمْ يَحْنَثْ الْحَالِفُ أَنْ لَا يَفْعَلَ بِمُبَاشَرَةِ وَكِيلِهِ لِوُجُودِ الْفِعْلِ مِنْ الْوَكِيلِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا وَإِنْ كَانَتْ حُقُوقُهُ تَرْجِعُ إلَى الْآمِرِ يَحْنَثُ بِفِعْلِ الْوَكِيلِ كَمَا يَحْنَثُ بِالْمُبَاشَرَةِ لِأَنَّ الْوَكِيلَ فِيهِ سَفِيرٌ وَمُعَبِّرٌ وَلِهَذَا لَا يُضِيفُهُ إلَى نَفْسِهِ بَلْ إلَى الْآمِرِ وَيَتَوَقَّفُ لَوْ بَاشَرَهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ وَلَا يَنْفُذُ عَلَيْهِ وَفِي الْأَوَّلِ الْوَكِيلُ مُبَاشِرٌ وَلِهَذَا لَا يُضِيفُهُ إلَى الْآمِرِ بَلْ إلَى نَفْسِهِ وَيَنْفُذُ عَلَيْهِ وَلَوْ بَاشَرَهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (مَا يَحْنَثُ بِالْمُبَاشَرَةِ لَا بِالْأَمْرِ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ وَالْإِجَارَةُ وَالِاسْتِئْجَارُ وَالصُّلْحُ عَنْ مَالٍ وَالْقِسْمَةُ وَالْخُصُومَةُ وَضَرْبُ الْوَلَدِ) أَيْ الْأَشْيَاءُ الَّتِي يَحْنَثُ الْحَالِفُ بِمُبَاشَرَتِهَا وَلَا يَحْنَثُ بِالتَّوْكِيلِ بِفِعْلِهَا هِيَ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ الَّتِي عَدَّهَا مِنْ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْإِجَارَةِ إلَخْ وَهُوَ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ مِنْ الْأَصْلِ الَّذِي ذَكَرْنَا وَإِنَّمَا لَا يَحْنَثُ الْحَالِفُ فِي هَذَا الْأَشْيَاءِ بِمُبَاشَرَةِ الْوَكِيلِ لِأَنَّ الْفِعْلَ وُجِدَ مِنْ الْوَكِيلِ حَقِيقَةً وَكَذَا حُكْمًا وَلِهَذَا رَجَعَتْ الْحُقُوقُ إلَيْهِ حَتَّى لَوْ كَانَ الْوَكِيلُ حَالِفًا يَحْنَثُ بِمُبَاشَرَتِهَا فَلَمْ يُوجَدْ الْفِعْلُ مِنْ الْمُوَكِّلِ لَا حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا فَلَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ إلَّا أَنَّ فِي الطَّلَاقِ وَنَحْوِهِ) أَيْ الْعِتْقِ وَالْإِقْرَارِ . ا هـ . (قَوْلُهُ {وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} [الإنسان : 24] أَيْ آثِمًا وَلَا كَفُورًا . ا هـ . كَافِي (قَوْلُهُ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا وَلَا فُلَانًا) هَكَذَا هُوَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَفِي الْكَافِي وَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا وَلَا فُلَانًا وَفُلَانًا وَلَا تَخَالُفَ بَيْنَ الْعِبَارَتَيْنِ فِي الْمَعْنَى وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ

(بَابُ الْيَمِينِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالتَّزَوُّجِ وَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا) قَالَ الْكَمَالُ وَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ بَابٍ عَقَدَهُ فَوُقُوعُهُ أَقَلُّ مِمَّا قَبْلَهُ وَأَكْثَرُ مِمَّا بَعْدَهُ وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَصْلَ عِنْدَنَا أَنَّ كُلَّ عَقْدٍ تَرْجِعُ حُقُوقُهُ إلَى الْمُبَاشِرِ يَسْتَغْنِي الْوَكِيلُ فِيهِ عَنْ نِسْبَةِ الْعَقْدِ إلَى الْمُوَكِّلِ وَلَا يَحْنَثُ الْحَالِفُ عَلَى عَدَمِ فِعْلِهِ بِمُبَاشَرَةِ الْمَأْمُورِ لِوُجُودِهِ مِنْ الْمَأْمُورِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا فَلَا يَحْنَثُ بِفِعْلِ غَيْرِهِ كَذَلِكَ وَذَلِكَ كَالْحَلِفِ لَا يَبِيعُ وَلَا يَشْتَرِي وَلَا يُؤَجِّرُ وَلَا يَسْتَأْجِرُ وَلَا يُصَالِحُ عَنْ مَالٍ وَلَا يُقَاسِمُ وَكَذَا الْفِعْلُ الَّذِي يُسْتَنَابُ فِيهِ وَيَحْتَاجُ الْوَكِيلُ إلَى النِّسْبَةِ إلَى الْمُوَكِّلِ كَمَا إذَا حَلَفَ لَا يُخَاصِمُ فُلَانًا فَإِنَّ الْوَكِيلَ يَقُولُ ادَّعَى لِمُوَكِّلِي وَكَذَا الْفِعْلُ الَّذِي يُقْتَصَرُ أَصْلُ الْفَائِدَةِ فِيهِ عَلَى مَحِلِّهِ كَضَرْبِ الْوَلَدِ فَلَا يَحْنَثُ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ مِنْ فِعْلِ الْمَأْمُورِ وَكُلُّ عَقْدٍ لَا تَرْجِعُ حُقُوقُهُ إلَى الْمُبَاشِرِ بَلْ هُوَ فِيهِ سَافِرٌ نَاقِلٌ عِبَارَةً يَحْنَثُ فِيهِ بِمُبَاشَرَةِ الْمَأْمُورِ كَمَا يَحْنَثُ بِفِعْلِ نَفْسِهِ وَذَلِكَ إذَا حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ فَوَكَّلَ بِهِ أَوْ لَا يُطَلِّقُ أَوْ لَا يَعْتِقُ بِمَالٍ أَوْ بِلَا مَالٍ أَوْ لَا يُكَاتِبُ أَوْ لَا يَهَبُ أَوْ لَا يَتَصَدَّقُ أَوْ لَا يُوصِي أَوْ لَا يَسْتَقْرِضُ أَوْ لَا يُصَالِحُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ أَوْ لَا يُودِعُ أَوْ لَا يَقْبَلُ الْوَدِيعَةَ أَوْ لَا يُعِيرُ أَوْ لَا يَسْتَعِيرُ وَكَذَا كُلُّ فِعْلٍ تَرْجِعُ مَصْلَحَتُهُ إلَى الْآمِرِ كَحَلِفِهِ لَا يَضْرِبُ عَبْدَهُ وَلَا يَذْبَحُ شَاتَه فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِفِعْلِ الْمَأْمُورِ وَمِنْهُ قَضَاءُ الدَّيْنِ وَقَبْضُهُ وَالْكِسْوَةُ وَالْحَمْلُ عَلَى دَابَّتِهِ وَخِيَاطَةُ الثَّوْبِ وَبِنَاءُ الدَّارِ ا هـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَالتَّزَوُّجُ مَا نَصُّهُ لَيْسَ فِي خَطِّ الشَّارِحِ . ا هـ . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَضَرْبُ الْوَلَدِ) قَالَ فِي الْقُنْيَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمُحِيطِ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَضْرِبُ وَلَدَهُ فَأَمَرَ غَيْرَهُ فَضَرَبَهُ لَا يَحْنَثُ وَقِيلَ الزَّوْجَةُ نَظِيرُ الْوَلَدِ وَقِيلَ نَظِيرُ الْعَبْدِ ثُمَّ رَسَمَ لِلْقَاضِي الْبَدِيعِ وَقَالَ إنْ جَنَتْ الْمَرْأَةُ فَنَظِيرُ الْعَبْدِ وَإِنْ لَمْ تَجْنِ فَنَظِيرُ الْحُرِّ وَقَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَوْ فَصَلَ أَحَدٌ فِي الْوَلَدِ بِتَفْصِيلِهِ فِي الزَّوْجَةِ فَحَسَنٌ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَلِهَذَا رَجَعَتْ الْحُقُوقُ إلَيْهِ) أَيْ وَكَانَ هُوَ الطَّالِبَ بِالتَّسْلِيمِ بِالثَّمَنِ أَوْ الْمُثَمَّنِ وَالْمُخَاصِمَ بِالْعَيْبِ وَبِالْغَبْنِ الْمَوْجُودِ وَالْأُجْرَةِ . ا هـ . فَتْحٌ (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ كَانَ الْوَكِيلُ حَالِفًا يَحْنَثُ بِمُبَاشَرَتِهَا) أَيْ لِصِدْقِ أَنَّهُ بَاعَ وَاشْتَرَى وَاسْتَأْجَرَ حَقِيقَةً وَحُكْمًا وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْأَظْهَرِ وَعِنْدَ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ يَحْنَثُ

(3/147)


يَحْنَثُ إلَّا إذَا نَوَى أَنْ لَا يَأْمُرَ بِهِ غَيْرَهُ فَحِينَئِذٍ يَحْنَثُ بِالتَّوْكِيلِ لِأَنَّهُ شَدَّدَ عَلَى نَفْسِهِ فَتَصِحُّ نِيَّتُهُ وَيَحْنَثُ بِفِعْلِهِ أَيْضًا لِأَنَّهُ تَنَاوَلَهُ حَقِيقَةً فَلَا يَتَغَيَّرُ بِنِيَّتِهِ أَوْ يَكُونُ مِثْلُهُ لَا يُبَاشِرُ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ كَالْقَاضِي وَالْأَمِيرِ فَحِينَئِذٍ يَحْنَثُ بِالْأَمْرِ لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يَمْنَعُ نَفْسَهُ بِالْيَمِينِ عَمَّا يَعْتَادُهُ وَعَادَتُهُ الْأَمْرُ بِهِ دُونَ الْمُبَاشَرَةِ فَيَنْصَرِفُ إلَيْهِ لِأَنَّ الْيَمِينَ تَتَقَيَّدُ بِالْعُرْفِ وَبِمَقْصُودِ الْحَالِفِ وَلِهَذَا تَتَقَيَّدُ بِمُبَاشَرَتِهِ بِنَفْسِهِ لَوْ كَانَ مِثْلُهُ مِمَّا يُبَاشِرُ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ حَتَّى لَا يَحْنَثَ بِالتَّوْكِيلِ لِأَنَّ غَرَضَهُ بِالْحَلِفِ التَّوَقِّي مِنْ الْحُقُوقِ وَإِنْ كَانَ يُبَاشِرُ تَارَةً وَيَأْمُرُ أُخْرَى يُعْتَبَرُ الْأَغْلَبُ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَا يَحْنَثُ بِهِمَا النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالْخَلْعُ وَالْعِتْقُ وَالْكِتَابَةُ وَالصُّلْحُ عَنْ دَمٍ عَمْدٍ وَالْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ وَالْقَرْضُ وَالِاسْتِقْرَاضُ وَضَرْبُ الْعَبْدِ وَالذَّبْحُ وَالْبِنَاءُ وَالْخِيَاطَةُ وَالْإِيدَاعُ وَالِاسْتِيدَاعُ وَالْإِعَارَةُ وَالِاسْتِعَارَةُ وَقَضَاءُ الدَّيْنِ وَقَبْضُهُ وَالْكِسْوَةُ وَالْحَمْلُ) أَيْ الْأَشْيَاءُ الَّتِي يَحْنَثُ فِيهَا بِالْمُبَاشَرَةِ وَالتَّوْكِيلِ النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَ حَتَّى لَوْ حَلَفَ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ يَحْنَثُ بِمُبَاشَرَتِهِ وَبِمُبَاشَرَةِ وَكِيلِهِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي مُبَاشَرَةِ الْوَكِيلِ لِأَنَّ الْفِعْلَ وُجِدَ مِنْ الْمَأْمُورِ حَقِيقَةً وَمِنْ الْآمِرِ حُكْمًا فَوُجِدَ شَرْطُ الْحِنْثِ مِنْ الْآمِرِ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فَلَا يَحْنَثُ كَمَا فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَلَنَا أَنَّ غَرَضَ الْحَالِفِ التَّوَقِّي عَنْ حُكْمِ الْعَقْدِ وَحُقُوقِهِ وَهَذِهِ الْعُقُودُ تَنْتَقِلُ إلَيْهِ بِحُقُوقِهَا فَصَارَ مُبَاشَرَةُ الْوَكِيلِ كَمُبَاشَرَتِهِ فِي حَقِّ الْأَحْكَامِ وَالْحُقُوقِ وَصَارَ الْوَكِيلُ سَفِيرًا وَمُعَبِّرًا وَلِهَذَا لَا يَسْتَغْنِي عَنْ إضَافَتِهَا إلَيْهِ وَلَوْ بَاشَرَهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ لَا يَنْفُذُ عَلَيْهِ فَإِذَا فَعَلَهَا بِأَمْرِهِ فَقَدْ وُجِدَ مِنْهُ شَرْطُ الْحِنْثِ فَيَحْنَثُ وَمَا كَانَ مِنْهَا حِسِّيًّا كَضَرْبِ الْغُلَامِ وَالذَّبْحِ وَنَحْوِهِمَا مَنْقُولٌ أَيْضًا إلَى الْآمِرِ حَتَّى لَا يَجِبَ الضَّمَانُ عَلَى الْفَاعِلِ فَكَانَ مَنْسُوبًا إلَيْهِ فَيَحْنَثُ وَمَنْفَعَةُ ضَرْبِ الْعَبْدِ عَائِدَةٌ إلَى الْمَوْلَى إذْ الْعَبْدُ يَجْرِي عَلَى مُوجِبِ أَمْرِ الْمَوْلَى
وَيَسْعَى فِي مَصَالِحِهِ إذَا ضَرَبَهُ فَصَارَ ضَرْبُهُ كَضَرْبِ الْمَوْلَى بِخِلَافِ ضَرْبِ الْوَلَدِ فَإِنَّ مُعْظَمَ مَنْفَعَتِهِ تَحْصُلُ لِلْوَلَدِ لِأَنَّهُ يَتَأَدَّبُ بِهِ وَيَرْتَاضُ وَيَنْزَجِرُ عَنْ الْقَبَائِحِ فَصَارَ كَمَنْ حَلَفَ لَا يَضْرِبُ رَجُلًا حُرًّا فَأَمَرَ بِضَرْبِهِ حَيْثُ لَا يَحْنَثُ بِضَرْبِ الْمَأْمُورِ إيَّاهُ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ ضَرْبَهُ فَلَا يَصِحُّ أَمْرُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْآمِرُ ذَا سُلْطَانٍ أَوْ قَاضِيًا فَحِينَئِذٍ يَحْنَثُ لِأَنَّهُمَا يَمْلِكَانِ ضَرْبَ الْأَحْرَارِ حَدًّا وَتَعْزِيرًا فَيَمْلِكَانِ الْأَمْرَ بِهِ فَيُضَافُ فِعْلُ الْمَأْمُورِ إلَيْهِمَا وَلِهَذَا لَا يَجِبُ عَلَى الضَّارِبِ بِأَمْرِهِمَا الضَّمَانُ فِي الْحَدِّ وَالتَّعْزِيرِ وَلَوْ قَالَ الْحَالِفُ فِي الطَّلَاقِ وَالتَّزَوُّجِ وَنَحْوِهِمَا مِنْ الْحُكْمِيَّاتِ نَوَيْت أَنْ لَا أَتَكَلَّمَ بِهِ وَلَا أَلِيَ بِنَفْسِي صُدِّقَ دِيَانَةً لَا قَضَاءً بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ فِي ذَبْحِ الشَّاةِ وَضَرْبِ الْعَبْدِ نَوَيْت أَنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لِأَنَّ بِالْأَمْرِ يَصِيرُ كَأَنَّهُ فَعَلَهُ بِنَفْسِهِ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَحْلِقُ رَأْسَهُ فَأَمَرَ مَنْ حَلَقَ لَهُ حَنِثَ قُلْنَا لَمْ يُوجَدْ الْفِعْلُ مِنْهُ حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا وَهَذَا الشَّرْطُ لِلْحِنْثِ بَلْ مِنْ الْعَاقِدِ حَقِيقَةً حُكْمًا وَإِنَّمَا الثَّابِتُ لَهُ حُكْمُ الْعَقْدِ الَّذِي هُوَ الْمِلْكُ لَا كُلُّ حُكْمٍ وَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ الْأَعْلَى بِخِلَافِ الْحَلْقِ لِأَنَّ الْيَمِينَ لَمْ يَنْعَقِدْ فِيهِ عَلَى حَلْقِهِ بِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُعْتَادٍ وَإِنَّمَا انْعَقَدَتْ عَلَى الْحَلْقِ مُطْلَقًا فَيَحْنَثُ بِفِعْلِ الْغَيْرِ كَمَا لَوْ حَلَقَ بِنَفْسِهِ إنْ كَانَ مِمَّنْ يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ وَيَفْعَلُهُ . ا هـ . فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَحِينَئِذٍ يَحْنَثُ بِالْأَمْرِ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ مِنْ الْفِعْلِ لَيْسَ إلَّا الْأَمْرَ بِهِ فَيُوجَدُ سَبَبُ الْحِنْثِ بِوُجُودِ الْأَمْرِ بِهِ لِلْعَادَةِ وَإِنْ كَانَ السُّلْطَانُ رُبَّمَا يُبَاشِرُ بِنَفْسِهِ عَقْدَ بَعْضِ الْبَيْعَاتِ . ا هـ . فَتْحٌ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَا يَحْنَثُ بِهِمَا إلَخْ) قَالَ فِي الْقُنْيَةِ فِي بَابِ الْيَمِينِ عَلَى عَقْدِ مَا يُشْتَرَطُ فِيهِ قَبُولُ صَاحِبِهِ وَمَا لَا يُشْتَرَطُ بَعْدَ أَنْ رَقَمَ لِسَيْفِ الْأَئِمَّةِ السَّائِلِي حَلَفَ لَا يُوَكِّلُ فَوَكَّلَ رَجُلًا فَلَمْ يُقْبَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ ا هـ وَلَوْ حَلَفَ لَا يُوَكِّلُ فَأَمَرَ غَيْرَهُ أَنْ يُوَكِّلَ عَنْهُ فَوَكَّلَ هَلْ يَحْنَثُ (قَوْلُهُ وَالْعِتْقُ وَالْكِتَابَةُ) أَيْ وَالصُّلْحُ مِنْ دَمِ الْعَمْدِ هَكَذَا هُوَ فِي نُسَخِ الْمَتْنِ وَسَاقِطٌ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ ذَكَرَهُ فِي الْقُنْيَةِ أَيْضًا مَعْزِيًّا لِلْمُحِيطِ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَالْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ) أَيْ وَالْوَقْفُ كَذَلِكَ ا هـ ك (قَوْلُهُ وَضَرْبُ الْعَبْدِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَضْرِبُ عَبْدَهُ أَوْ لَا يَذْبَحُ شَاتَه فَأَمَرَ غَيْرَهُ فَفَعَلَهُ يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَقَضَاءُ الدَّيْنِ وَقَبْضُهُ) أَيْ وَالْخُصُومَةُ وَالشَّرِكَةُ بِأَنْ حَلَفَ لَا يُشَارِكُ فُلَانًا فَأَمَرَ غَيْرَهُ يَعْقِدُ مَعَ فُلَانٍ عَقْدَ الشَّرِكَةِ نِيَابَةً عَنْهُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ مَنْقُولٌ أَيْضًا إلَى الْآمِرِ) قَالَ فِي الْكَافِي وَإِنْ حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّ عَبْدَهُ أَوْ لَيَخِيطَنَّ ثَوْبَهُ أَوْ لَيَبْنِيَنَّ دَارِهِ فَأَمَرَ غَيْرَهُ بَرَّ فِي يَمِينِهِ إلَّا أَنْ يَعْنِيَ أَنْ يَبْنِيَهَا بِيَدِهِ وَلَوْ حَلَفَ عَلَى حُرٍّ لَيَضْرِبَنَّهُ فَأَمَرَ غَيْرَهُ فَضَرَبَهُ لَمْ يَبَرَّ حَتَّى يَضْرِبَهُ بِيَمِينِهِ وَلَيْسَ هَذَا كَالْعَبْدِ وَأَمَّا السُّلْطَانُ أَوْ الْقَاضِي إذَا قَالَ لَأَضْرِبَنَّهُ فَأَمَرَ غَيْرَهُ فَضَرَبَهُ بَرَّ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِيَدِهِ فَيُدَيَّنُ فِي الْقَضَاءِ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَيَنْزَجِرُ عَنْ الْقَبَائِحِ) أَيْ فَلَمْ يُنْسَبُ فِعْلُ الْمَأْمُورِ إلَى الْآمِرِ وَإِنْ كَانَ يَرْجِعُ إلَى الْأَبِ أَيْضًا لَكِنْ أَصْلُ الْمَنَافِعِ وَحَقِيقَتُهَا إنَّمَا تَرْجِعُ إلَى الْمُتَّصِفِ بِهَا فَلَا مُوجِبَ لِلْفِعْلِ وَأَمَّا فِي عُرْفِنَا وَعُرْفِ عَامَّتِنَا فَإِنَّهُ يُقَالُ ضَرَبَ فُلَانٌ الْيَوْمَ وَلَدَهُ وَإِنْ لَمْ يُبَاشِرْ وَيَقُولُ الْعَامِّيُّ لِوَلَدِهِ غَدًا أَسْقِيك عَلْقَةً ثُمَّ يَذْكُرُ لِمُؤَدِّبِ الْوَلَدِ أَنْ يَضْرِبَهُ فَيَعُدُّ الْأَبُ نَفْسَهُ قَدْ حَقَّقَ إيعَادَ ذَلِكَ وَلَمْ يُكَذِّبْ فَمُقْتَضَاهُ أَنْ يَنْعَقِدَ عَلَى مَعْنًى لَا يَقَعُ بِك ضَرْبٌ مِنْ جِهَتِي وَيَحْنَثُ بِفِعْلِ الْمَأْمُورِ ا هـ كَمَالِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ وَلَا أَلِيَ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ اللَّامِ وَفَتْحِ الْيَاءِ التَّحْتِيَّةِ أَيْ أَتَوَلَّاهُ . ا هـ . (قَوْلُهُ صُدِّقَ دِيَانَةً) أَيْ لِأَنَّهُ نَوَى شَيْئًا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ فَصَحَّتْ نِيَّتُهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ يَعْلَمُ مِنْ ضَمِيرِهِ مَا لَا يَعْلَمُهُ غَيْرُهُ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ قَالَ الْكَمَالُ فِي الْهِدَايَةِ وَمَنْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ أَوْ لَا يُطَلِّقُ أَوْ لَا يَعْتِقُ فَوَكَّلَ بِذَلِكَ حَنِثَ قَالَ الْكَمَالُ يَعْنِي إذَا فَعَلَهُ الْوَكِيلُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَوَجْهٌ لِلشَّافِعِيَّةِ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ وَإِنَّمَا نَسَبَهُ إلَى الْآمِرِ مَجَازًا ثُمَّ إنَّهُ يَحْنَثُ عِنْدَكُمْ بِفِعْلِ نَفْسِهِ كَمَا يَفْعَلُ الْمَأْمُورَ وَفِيهِ جَمْعٌ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ وَأَنْتُمْ تَأْبَوْنَهُ قُلْنَا لَمَّا لَمْ يَمْلِكْ إضَافَتَهُ إلَى نَفْسِهِ بَلْ لَا يَسْتَغْنِي عَنْ إضَافَتِهِ إلَى مُوَكِّلِهِ كَانَ نَاقِلَ عِبَارَةٍ لِلْمُوَكِّلِ فَانْضَافَ الْعَقْدُ كُلُّهُ لَفْظًا وَحُكْمًا إلَيْهِ فَيَحْنَثُ بِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقَالُ فِي الْعُرْفِ لِلْمُتَكَلِّمِ بِكَلَامِ غَيْرِهِ مِنْ شِعْرٍ أَوْ حِكْمَةٍ هَذَا لَيْسَ كَلَامَ هَذَا الرَّجُلِ بَلْ كَلَامُ فُلَانٍ وَكَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ عَدَمُ لُزُومِ أَحْكَامِ هَذِهِ الْعُقُودِ نَظَرًا

(3/148)


لَا أَلِيَ بِنَفْسِي حَيْثُ يُصَدَّقُ دِيَانَةً وَقَضَاءً وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الطَّلَاقَ لَيْسَ إلَّا تَكَلُّمًا بِكَلَامٍ يُفْضِي إلَى وُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَى الْمَرْأَةِ وَالْأَمْرُ بِذَلِكَ مِثْلُ التَّكَلُّمِ بِهِ وَاللَّفْظُ يَنْتَظِمُهُمَا فَإِذَا نَوَى أَنْ لَا يَلِيَ فَقَدْ نَوَى الْخُصُوصَ فِي الْعَامِّ فَلَا يُصَدَّقُ قَضَاءً لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ إذْ الظَّاهِرُ فِي الْعَامِّ الْعُمُومُ دُونَ الْخُصُوصِ وَالضَّرْبُ وَنَحْوُهُ فِعْلٌ حِسِّيٌّ يُعْرَفُ بِأَثَرِهِ الْمَحْسُوسِ فِي الْمَحِلِّ وَإِنَّمَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِالْفِعْلِ فَكَانَ فِيهِ حَقِيقَةً وَالنِّسْبَةُ إلَى الْآمِرِ بِالتَّسَبُّبِ مَجَازًا
فَإِذَا نَوَى الْفِعْلَ بِنَفْسِهِ فَقَدْ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ فَيُصَدَّقُ دِيَانَةً وَقَضَاءً فَصَارَ الضَّابِطُ أَنَّ كُلَّ فِعْلٍ يَرْجِعُ حُقُوقُهُ إلَى الْآمِرِ أَوْ يَحْتَمِلُ نَقْلَ حُكْمِ فِعْلِهِ إلَى غَيْرِهِ يَحْنَثُ الْحَالِفُ بِمُبَاشَرَةِ الْمَأْمُورِ وَإِلَّا فَلَا ثُمَّ إنَّمَا يَحْنَثُ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ إذَا وَقَعَا بِكَلَامٍ وُجِدَ بَعْدَ الْيَمِينِ وَأَمَّا إذَا وَقَعَا بِكَلَامٍ وُجِدَ قَبْلَ الْيَمِينِ فَلَا يَحْنَثُ حَتَّى لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ حَلَفَ أَنْ لَا يُطَلِّقَ فَدَخَلَتْ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا بِكَلَامٍ كَانَ قَبْلَ الْيَمِينِ وَلَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يُطَلِّقَ ثُمَّ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِالشَّرْطِ ثُمَّ وُجِدَ الشَّرْطُ حَنِثَ وَلَوْ وَقَعَ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ بِمُضِيِّ مُدَّةِ الْإِيلَاءِ فَإِنْ كَانَ الْإِيلَاءُ قَبْلَ الْيَمِينِ لَا يَحْنَثُ وَإِلَّا حَنِثَ وَلَوْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِالْعُنَّةِ لَا يَحْنَثُ عِنْدَ زُفَرَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رِوَايَتَانِ وَعَلَى هَذَا لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يُعْتِقَ يُشْتَرَطُ لِلْحِنْثِ وُقُوعُ الْعِتْقِ بِكَلَامٍ وُجِدَ بَعْدَ الْيَمِينِ وَلَوْ أَدَّى الْمُكَاتَبُ فَعَتَقَ فَإِنْ كَانَتْ الْكِتَابَةُ قَبْلَ الْيَمِينِ لَا يَحْنَثُ وَإِنْ كَانَتْ بَعْدَهُ يَحْنَثُ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَدُخُولُ اللَّامِ عَلَى الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْإِجَارَةِ وَالصِّيَاغَةِ وَالْخِيَاطَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
إلَى الْغَرَضِ وَهُوَ أَعَمُّ مِمَّا يَلْزَمُ بِمُبَاشَرَتِهِ أَوْ مُبَاشَرَةِ مَأْمُورِهِ وَلَيْسَ فِيهِ جَمْعٌ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَالْأَمْرُ بِذَلِكَ مِثْلُ التَّكَلُّمِ بِهِ) أَيْ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ كَالرَّسُولِ بِهِ وَلِسَانُ الرَّسُولِ كَلِسَانِ الْمُرْسِلِ بِالْإِجْمَاعِ فَإِذَا نَوَى التَّكَلُّمَ بِهِ خَاصَّةً فَقَدْ نَوَى خِلَافَ الظَّاهِرِ فَلَا يُصَدِّقُهُ الْقَاضِي مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَتَكَلَّمُ بِكَلَامٍ دَاخِلٍ تَحْتَ وِلَايَةِ الْمُرْسِلِ مَعَ فَرْضِ أَنَّ مُقْتَضَيَاتِهِ لَا تَرْجِعُ إلَيْهِ وَهِيَ الْحُقُوقُ وَحَقِيقَةُ الْمُرَادِ أَنَّ الطَّلَاقَ وَمَا مَعَهُ لَمَّا كَانَ لَفْظًا يَثْبُتُ عِنْدَهُ أَمْرٌ شَرْعِيٌّ فَالْحَلِفُ عَلَى تَرْكِهِ حَلِفٌ عَلَى أَنْ لَا نُوجِدَ الْفُرْقَةَ مِنْ جِهَتِهِ وَهَذَا الْمَعْنَى أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَتَحَقَّقَ بِمُبَاشَرَتِهِ أَوْ بِمُبَاشَرَةِ الْمَأْمُورِ فَنِيَّةُ أَحَدِهِمَا خِلَافُ الظَّاهِرِ أَمَّا الذَّبْحُ وَالضَّرْبُ فَفِعْلٌ حِسِّيٌّ لَا يَتَوَقَّفُ تَحَقُّقُ أَثَرِهِ عَلَى الْآمِرِ لِأَنَّ الضَّرْبَ يَثْبُتُ مَعَ أَثَرِهِ مِنْ الْفَاعِلِ بِلَا إذْنٍ قَالَ الْكَمَالُ وَلَوْ زَوَّجَهُ فُضُولِيٌّ فَأَجَازَ بِالْقَوْلِ حَنِثَ وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَا يَحْنَثُ وَفِي الْإِجَازَةِ بِالْفِعْلِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَالْأَصَحُّ عِنْدِي لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ يَخْتَصُّ بِالْقَوْلِ فَلَا يُمْكِنُ جَعْلُ الْمُجِيزِ بِالْفِعْلِ عَاقِدًا لَهُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ التَّوْكِيلِ بَعْدَ الْيَمِينِ أَوْ قَبْلَهُ وَلَوْ وَكَّلَ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ ثُمَّ حَلَفَ لَا يُطَلِّقُ وَلَا يُعْتِقُ ثُمَّ طَلَّقَ الْوَكِيلُ أَوْ أَعْتَقَ يَحْنَثُ لِأَنَّ عِبَارَةَ الْوَكِيلِ هُنَا مَنْقُولَةٌ إلَيْهِ ا هـ قَوْلُهُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ التَّوْكِيلِ بَعْدَ الْيَمِينِ أَوْ قَبْلَهُ أَيْ فِي الْحِنْثِ وَعَدَمِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَ عَقْدُ الْفُضُولِيِّ قَبْلَ الْيَمِينِ وَأَجَازَ الْحَالِفُ بَعْدَهَا بِالْقَوْلِ أَوْ الْفِعْلِ فَعَدَمُ الْحِنْثِ لَا خِلَافَ فِيهِ وَإِذَا كَانَ عَقْدُ الْفُضُولِيِّ بَعْدَ الْيَمِينِ فَأَجَازَ الْحَالِفُ بَعْدَهَا بِالْقَوْلِ فَالْحِنْثُ عَلَى الْمُخْتَارِ وَإِنْ أَجَازَ بِالْفِعْلِ فَعَدَمُ الْحِنْثِ عَلَى قَوْلِ أَكْثَرِ الْمَشَايِخِ قَالَ قَاضِي خَانْ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِ . ا هـ . (قَوْلُهُ يُعْرَفُ بِأَثَرِهِ الْمَحْسُوسِ فِي الْمَحِلِّ) أَيْ وَلَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْآمِرِ حَتَّى يَكُونَ ضَرْبًا أَوْ ذَبْحًا فَإِنَّهُ إذَا ضَرَبَ عَبْدًا لِغَيْرٍ أَوْ ذَبَحَ شَاةَ الْغَيْرِ يُسَمَّى ذَلِكَ ضَرْبًا أَوْ ذَبْحًا وَإِنْ وَقَعَ بِغَيْرِ أَمْرٍ وَإِنَّمَا نِسْبَةُ الْفِعْلِ إلَى الْآمِرِ بِسَبِيلِ التَّسَبُّبِ مَجَازًا . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَدُخُولُ اللَّامِ إلَخْ) قَالَ الْعَلَّامَةُ قِوَامُ الدِّينِ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْأَصْلُ فِي مَعْرِفَةِ ذَلِكَ أَنْ تَعْرِفَ أَنَّ اللَّامَ قَدْ تَكُونُ لِلتَّمْلِيكِ كَقَوْلِهِمْ الْمَالُ لِزَيْدٍ وَقَدْ تَكُونُ لِلتَّعْلِيلِ وَهُوَ الْمُنْبِئُ عَنْ الْبَاعِثِ عَلَى الْفِعْلِ كَقَوْلِهِمْ فَعَلَتْ هَذَا الْأَمْرَ لِابْتِغَاءِ مَرْضَاتِك أَيْ لِأَجْلِ ابْتِغَاءِ مَرْضَاتِك فَلَمَّا كَانَ مُشْتَرَكًا يَجِبُ صَرْفُهُ إلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ لِوُجُودِ الْمُرَجِّحِ أَوْ لِتَعَذُّرِ صَرْفِهِ إلَى الْآخَرِ وَالْأَصْلُ الْآخَرُ أَنَّ تَصْحِيحَ الْكَلَامِ مَعَ مُرَاعَاةِ نَظْمِ الْكَلَامِ أَوْلَى مِنْ تَصْحِيحِهِ مَعَ تَغَيُّرِ نِظَامِهِ وَالْأَصْلُ الْآخَرُ أَنَّ كُلَّ فِعْلٍ تَجْرِي فِيهِ الْوَكَالَةُ قَدْ يَفْعَلُهُ الْفَاعِلُ تَارَةً لِنَفْسِهِ وَتَارَةً لِغَيْرِهِ وَمَا لَا تَجْرِي فِيهِ الْوَكَالَةُ لَا يَعْلَمُهُ لِغَيْرِهِ فَيَتَعَيَّنُ الْكَلَامُ فِيهِ لِلْمِلْكِ فَإِذَا عَرَفْنَا هَذَا فَنَقُولُ إذَا قَالَ لِغَيْرِهِ إنْ بِعْت لَك هَذَا الثَّوْبَ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ فَدَسَّ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ ثَوْبَهُ فِي ثِيَابِ الْحَالِفِ فَبَاعَهُ وَلَمْ يَعْلَمْ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ الْمَعْنَى إنْ بِعْت لِأَجْلِك هَذَا الثَّوْبَ لِأَنَّا لَوْ جَعَلْنَاهُ لِلتَّمْلِيكِ يَتَغَيَّرُ نَظْمُ الْكَلَامِ لِأَنَّ اللَّامَ حِينَئِذٍ تَصِيرُ صِلَةً لِلثَّوْبِ وَالصِّلَةُ لَا تَتَقَدَّمُ عَلَى الْمَوْصُولِ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّقْدِيرِ فِيهِ بِأَنْ يُقَالَ مَعْنَاهُ إنْ بِعْت ثَوْبًا لَك وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ تَصْحِيحَ الْكَلَامِ مَعَ مُرَاعَاةِ نَظْمِ الْكَلَامِ أَوْلَى مِنْ تَصْحِيحِهِ مَعَ تَغْيِيرِهِ فَقُلْنَا مَعْنَاهُ إنْ بِعْت لِأَجْلِك ثَوْبًا لِئَلَّا يَتَغَيَّرَ النَّظْمُ وَلَمْ يُوجَدْ الْبَيْعُ لِأَجْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ لِعَدَمِ أَمْرِهِ فَلَمْ يَحْنَثْ أَمَّا إذَا قَالَ إنْ بِعْت ثَوْبًا لَك يَحْنَثُ سَوَاءٌ بَاعَهُ بِأَمْرِهِ وَبِغَيْرِ أَمْرِهِ لِأَنَّ اللَّامَ ذُكِرَتْ عَقِيبَ الثَّوْبِ فَكَانَتْ لِلتَّمْلِيكِ فَكَانَ شَرْطُ الْحِنْثِ بَيْعَ ثَوْبٍ مَمْلُوكٍ لِفُلَانٍ لَا الْبَيْعُ لِأَجْلِهِ وَقَدْ وُجِدَ بَيْعُ الثَّوْبِ الْمَمْلُوكِ لِفُلَانٍ وَسَوَاءٌ وُجِدَ الْآمِرُ أَوْ لَمْ يُوجَدْ وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي كُلِّ فِعْلٍ تَجْرِي فِيهِ الْوَكَالَةُ إذَا قَدَّمَ اللَّامَ عَلَى الْعَيْنِ تَكُونُ لِلتَّعْلِيلِ وَإِنْ أَخَّرَ تَكُونُ لِلتَّمْلِيكِ مِثْلُ قَوْلِهِ إنْ خِطْت لَك قَمِيصًا أَوْ قَمِيصًا لَك أَوْ إنْ صُغْت لَك حُلِيًّا أَوْ حُلِيًّا لَك وَإِنْ اشْتَرَيْت لَك جَارِيَةً أَوْ جَارِيَةً لَك أَوْ إنْ اسْتَأْجَرْت لَك دَارًا أَوْ دَارًا لَك أَوْ إنْ بَنَيْت لَك دَارًا أَوْ دَارًا لَك وَبِمِثْلِهِ لَوْ قَالَ فِي مَا لَا تَجْرِي فِيهِ الْوَكَالَةُ إنْ ضَرَبْت لَك عَبْدًا أَوْ إنْ ضَرَبْت عَبْدًا لَك أَوْ إنْ مَسِسْت لَك ثَوْبًا أَوْ إنْ مَسِسْت ثَوْبًا لَك أَوْ دَخَلْت لَك دَارًا أَوْ دَخَلْت دَارًا لَك أَوْ إنْ أَكَلْت لَك طَعَامًا أَوْ أَكَلْت طَعَامًا لَك أَوْ شَرِبْت لَك شَرَابًا أَوْ شَرِبْت شَرَابًا لَك يَحْنَثُ سَوَاءٌ قَدَّمَ اللَّامَ أَوْ أَخَّرَ وَسَوَاءٌ فَعَلَ بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَا تَجْرِي فِيهَا الْوَكَالَةُ إذْ لَيْسَ لِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ عُهْدَةٌ يَرْجِعُ بِهَا الْمَأْمُورُ عَلَى الْأَمْرِ فَتَكُونُ اللَّامُ لِلتَّمْلِيكِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ وَلَوْ نَوَى غَيْرَ ذَلِكَ تَصِحُّ نِيَّتُهُ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي مَا يَحْتَمِلُهُ كَلَامُهُ قَالَ الشَّيْخ أَبُو الْمُعِينِ النَّسَفِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَكِلَا الْفَصْلَيْنِ فِي الْقِيَاسِ سَوَاءٌ

(3/149)


وَالْبِنَاءِ كَأَنْ بِعْت لَك ثَوْبًا لِاخْتِصَاصِ الْفِعْلِ بِالْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ بِأَنْ كَانَ بِأَمْرِهِ كَأَنْ مَلَّكَهُ أَوَّلًا وَعَلَى الدُّخُولِ وَالضَّرْبِ وَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْعَيْنِ كَأَنْ بِعْت ثَوْبًا لَك لِاخْتِصَاصِهَا بِهِ بِأَنْ كَانَ مَلَّكَهُ أَمْرَهُ أَوَّلًا) أَيْ دُخُولُ اللَّامِ عَلَى الْفِعْلِ كَقَوْلِهِ إنْ بِعْت لَك ثَوْبًا أَوْ اشْتَرَيْت إلَخْ كَانَ لِاخْتِصَاصِ الْفِعْلِ بِالشَّخْصِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ يَعْنِي يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ وَهُوَ الْبَيْعُ وَنَحْوُهُ لِأَجْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ بِأَنْ كَانَ بِأَمْرِهِ سَوَاءٌ كَانَ الثَّوْبُ مِلْكًا لِلْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ بَعْدَ أَنْ بَاعَهُ الْحَالِفُ بِأَمْرِهِ حَتَّى لَوْ دَسَّ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ ثَوْبَهُ وَبَاعَهُ الْحَالِفُ بِغَيْرِ عِلْمِهِ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ حَرْفَ اللَّامِ لَمَّا دَخَلَتْ عَلَى الْبَيْعِ وَهُوَ قَوْلُهُ إنْ بِعْت لَك ثَوْبًا أَيْ إنْ بِعْت لِأَجْلِك ثَوْبًا اقْتَضَتْ اخْتِصَاصَ الْبَيْعِ بِهِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَفْعَلَهُ بِأَمْرِهِ إذْ الْبَيْعُ تَجْرِي فِيهِ النِّيَابَةُ وَلَمْ تُوجَدْ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ إنْ بِعْت ثَوْبًا لَك حَيْثُ يَحْنَثُ إذَا بَاعَ ثَوْبًا مَمْلُوكًا لَهُ سَوَاءٌ كَانَ بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ عَلِمَ بِذَلِكَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ لِأَنَّ حَرْفَ اللَّامِ دَخَلَتْ عَلَى الْعَيْنِ وَهُوَ الثَّوْبُ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَيْهَا فَاقْتَضَتْ اخْتِصَاصَ الْعَيْنِ بِهِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فِي آخِرِهِ وَالْعَيْنُ كَإِنْ بِعْت ثَوْبًا لَك لِاخْتِصَاصِهَا بِهِ بِأَنْ كَانَ مَلَّكَهُ أَمْرَهُ أَوَّلًا أَيْ دُخُولُ اللَّامِ عَلَى الْعَيْنِ كَقَوْلِهِ إنْ بِعْت ثَوْبًا لَك يَكُونُ الْيَمِينُ لِاخْتِصَاصِ الْعَيْنِ بِالْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ بِأَنْ كَانَ مَلَّكَهُ سَوَاءٌ أَمَرَهُ أَوْ لَمْ يَأْمُرْهُ
وَهَذَا الِاخْتِلَافُ الَّذِي ذَكَرَهُ بَيْنَ دُخُولِ اللَّامِ عَلَى الْفِعْلِ وَبَيْنَ دُخُولِهَا عَلَى الْعَيْنِ إذَا كَانَ الْفِعْلُ مِمَّا يُمْلَكُ بِالْعَقْدِ وَتَجْرِي فِيهِ النِّيَابَةُ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَنَحْوِهِمَا وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُمْلَكُ بِالْعَقْدِ كَدُخُولِ الدَّارِ وَضَرْبِ الْغُلَامِ وَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ لَا يَخْتَلِفُ الْحُكْمُ بَيْنَهُمَا إذَا دَخَلَتْ عَلَى الْفِعْلِ أَوْ عَلَى الْعَيْنِ بَلْ يَكُونُ الْيَمِينُ فِيهِمَا لِأَجْلِ اخْتِصَاصِ الْعَيْنِ بِالْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ حَتَّى لَوْ قَالَ إنْ دَخَلْت لَك دَارًا أَوْ إنْ دَخَلْت دَارًا لَك أَوْ إنْ ضَرَبْت لَك غُلَامًا أَوْ غُلَامًا لَك وَنَحْوَ ذَلِكَ يَحْنَثُ كَيْفَمَا كَانَ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَعَلَى الدُّخُولِ وَالضَّرْبِ وَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ أَيْ لَوْ دَخَلَتْ اللَّامُ عَلَى الدُّخُولِ وَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ إلَخْ كَانَتْ الْيَمِينُ لِاخْتِصَاصِ الْعَيْنِ بِالْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فَصَارَ كَدُخُولِهَا عَلَى الْعَيْنِ وَلِهَذَا عَطَفَ الْعَيْنَ عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّامَ لِلِاخْتِصَاصِ وَأَقْوَى وُجُوهِهِ الْمِلْكُ
فَإِذَا جَاوَزَتْ الْفِعْلَ أَوْجَبَتْ مِلْكَهُ دُونَ الْعَيْنِ إنْ كَانَ ذَلِكَ الْفِعْلُ مِمَّا يُمْلَكُ بِالْعَقْدِ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَبِنَاءِ الدَّارِ وَنَحْوِهَا وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُمْلَكُ بِالْعَقْدِ كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَدُخُولِ الدَّارِ وَنَحْوِهَا لَا يُفِيدُ مِلْكَ الْفِعْلِ لِاسْتِحَالَتِهِ وَيُفِيدُ مِلْكَ الْعَيْنِ لِأَنَّهُ مُحْتَمَلُ كَلَامِهِ بِأَنْ يُقَدَّرَ فِيهِ تَأْخِيرُهَا بِخِلَافِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِمَّا يُمْلَكُ بِالْعَقْدِ فَرَجَّحْنَا الْفِعْلَ بِالْقُرْبِ وَإِنْ جَاوَزَتْ الْعَيْنُ تُوجِبُ مِلْكَ الْعَيْنِ مُطْلَقًا لِأَنَّ الْأَعْيَانَ كُلَّهَا تُمْلَكُ فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّعْيِينِ وَذَكَرَ ظَهِيرُ الدِّينِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْغُلَامِ الْوَلَدُ دُونَ الْعَبْدِ لِأَنَّ ضَرْبَ الْعَبْدِ يَحْتَمِلُ النِّيَابَةَ وَالْوَكَالَةَ فَصَارَ نَظِيرَ الْإِجَارَةِ لَا نَظِيرَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْغُلَامُ يُطْلَقُ عَلَى الْوَلَدِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ} [الذاريات : 28]
وَذَكَرَ قَاضِي خَانْ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْعَبْدُ لِلْعُرْفِ وَلِأَنَّ الضَّرْبَ مِمَّا لَا يُمْلَكُ بِالْعَقْدِ وَلَا يَلْزَمُ بِهِ فَانْصَرَفَ إلَى الْمَحِلِّ الْمَمْلُوكِ بِالتَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ عَلَى مَا بَيَّنَّا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ نَوَى غَيْرَهُ صُدِّقَ فِيمَا عَلَيْهِ) أَيْ إنْ نَوَى خِلَافَ مَا اقْتَضَاهُ ظَاهِرُ كَلَامِهِ صُدِّقَ فِيمَا فِيهِ تَشْدِيدٌ عَلَى نَفْسِهِ دِيَانَةً وَقَضَاءً وَفِيمَا فِيهِ تَخْفِيفٌ يُصَدَّقُ دِيَانَةً لَا قَضَاءً وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَنْوِيَ بِقَوْلِهِ إنْ بِعْت لَك ثَوْبًا مَعْنَى قَوْلِهِ إنْ بِعْت ثَوْبًا لَك أَوْ بِالْعَكْسِ لِأَنَّهُ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ كَلَامُهُ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ فَيُصَدَّقُ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إنْ بِعْته أَوْ ابْتَعْته فَهُوَ حُرٌّ فَعَقَدَ بِالْخِيَارِ حَنِثَ) أَيْ لَوْ قَالَ الْمَالِكُ إنْ بِعْت هَذَا الْعَبْدَ فَهُوَ حُرٌّ فَعَقَدَ بِالْخِيَارِ حَنِثَ أَوْ قَالَ غَيْرُهُ إنْ اشْتَرَيْته فَهُوَ حُرٌّ فَبَاعَهُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ أَوْ اشْتَرَاهُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ عَتَقَ لِوُجُودِ شَرْطِ الْعِتْقِ وَهُوَ الْبَيْعُ أَوْ الشِّرَاءُ وَلِقِيَامِ الْمِلْكِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ لِأَنَّ الْبَيْعَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ يَمْنَعُ خُرُوجَ الْمَبِيعِ عَنْ مِلْكِهِ فَكَانَ مِلْكُهُ قَائِمًا عِنْدَ الشَّرْطِ فَيَحْنَثُ وَكَذَا الْمُشْتَرِي مِلْكُهُ قَائِمٌ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ لِأَنَّ خِيَارَ الْمُشْتَرِي لَا يَمْنَعُ دُخُولَ الْمَبِيعِ فِي مِلْكِهِ وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَلِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ كَالْمُنَجَّزِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ بَعْدَ الشِّرَاءِ أَنْتَ حُرٌّ فَيَصِيرُ مُخْتَارًا بِذَلِكَ الْإِمْضَاءَ وَلَهُ ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا إذَا عَلَّقَهُ بِالْمِلْكِ بِأَنْ قَالَ إنْ مَلَكْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ حَيْثُ لَا يَعْتِقُ بِهِ عِنْدَهُ لِأَنَّ الشَّرْطَ وَهُوَ الْمِلْكُ لَمْ يُوجَدْ عِنْدَهُ لِأَنَّ خِيَارَ الْمُشْتَرِي يَمْنَعُ دُخُولَ الْمَبِيعِ فِي مِلْكِهِ عَلَى قَوْلِهِ وَعِنْدَهُمَا يَعْتِقُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ لِأَنَّ خِيَارَ الْمُشْتَرِي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لَكِنَّ الْأَغْلَبَ أَنَّهُ إذَا قَدَّمَ قَوْلَهُ لَك فِي فِعْلٍ يَجْرِي فِيهِ التَّوْكِيلُ يُرَادُ بِهِ الْفِعْلُ لِأَجْلِهِ وَهِيَ لَامُ التَّعْلِيلِ وَإِذَا أَخَّرَ يُرَادُ بِهِ لَامُ التَّمْلِيكِ وَفِي فِعْلٍ لَا يَجْرِي فِيهِ التَّوْكِيلُ الْأَغْلَبُ أَنَّ الْمُرَادَ لَامُ التَّمْلِيكِ سَوَاءٌ قَدَّمَ أَوْ أَخَّرَ فَأُجْرِيَ الْبَابُ عَلَى مَا عَلَيْهِ أَغْلَبُ كَلَامِ النَّاسِ . ا هـ . (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ دَسَّ) يُقَالُ دَسَّ الشَّيْءَ فِي الشَّيْءِ أَيْ أَخْفَاهُ فِيهِ يَدُسُّهُ بِالضَّمِّ دَسًّا قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ وَقَالَ فِي الْمِصْبَاحِ دَسَّهُ فِي التُّرَابِ دَسًّا مِنْ بَابِ قَتَلَ دَفَنَهُ فِيهِ وَكُلُّ شَيْءٍ أَخْفَيْته فَقَدْ دَسَسْته وَمِنْهُ يُقَالُ لِلْجَاسُوسِ دَسِيسُ الْقَوْمِ ا هـ (قَوْلُهُ وَبَاعَهُ الْحَالِفُ بِغَيْرِ عِلْمِهِ لَا يَحْنَثُ) أَيْ لِأَنَّ تَقْدِيرَ الْكَلَامِ إنْ بِعْت ثَوْبًا بِوَكَالَتِك وَأَمْرِك وَلَمْ يُوجَدْ . ا هـ . كَافِي (قَوْلُهُ دُونَ مِلْكِ الْعَيْنِ) يَعْنِي وَذَا أَنْ يَفْعَلَهُ بِأَمْرِهِ لِأَنَّ نَفْعَ ذَلِكَ الْفِعْلِ يَقَعُ لَهُ . ا هـ . كَافِي (قَوْلُهُ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ الْفِعْلِ وَالْعَيْنِ ا هـ (قَوْلُهُ تُوجِبُ مِلْكَ الْعَيْنِ) أَيْ لَا مِلْكَ الْفِعْلِ فَصَارَ تَقْدِيرُ يَمِينُهُ إنْ بِعْت ثَوْبًا هُوَ مَمْلُوكٌ لَك . ا هـ . كَافِي (قَوْلُهُ {وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ} [الذاريات : 28] بِالْفَاءِ فِي خَطِّ الشَّارِحِ

(قَوْلُهُ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ بَعْدَ الشِّرَاءِ أَنْتَ حُرٌّ إلَخْ) وَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ وَأَعْتَقَهُ بَعْدَ الشِّرَاءِ يَسْقُطُ خِيَارُهُ وَيَثْبُتُ الْمِلْكُ مُقْتَضِيًا لِلْإِعْتَاقِ سَابِقًا عَلَيْهِ كَذَا هُنَا كَافِي

(3/150)


لَا يَمْنَعُ الدُّخُولَ فِي مِلْكِهِ وَبِهَذَا يُفَرَّقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَيْنَ شِرَاءِ الْقَرِيبِ وَبَيْنَ شِرَاءِ مَنْ عُلِّقَ عِتْقُهُ بِالشِّرَاءِ حَيْثُ لَا يَعْتِقُ الْقَرِيبُ بِالشِّرَاءِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ وَيَعْتِقُ الْآخَرُ بِهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْإِعْتَاقُ فِي الْقَرِيبِ وَإِنَّمَا يَعْتِقُ إذَا مَلَكَهُ وَلَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِهِ مَعَ خِيَارِهِ بِخِلَافِ الْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ بِالشِّرَاءِ لِأَنَّ الشَّرْطَ قَدْ وُجِدَ فِي حَقِّهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَيَنْزِلُ مُعْتَقًا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لِتَقَدُّمِ التَّعْلِيقِ مِنْهُ وَفِي الْقَرِيبِ لَا يَنْزِلُ لِعَدَمِهِ وَلَوْ بَاعَهُ بَعْدَمَا حَلَفَ بَيْعًا بَاتًّا لَمْ يَعْتِقْ لِأَنَّهُ كَمَا بَاعَهُ تَمَّ الْبَيْعُ فِيهِ وَزَالَ عَنْ مِلْكِهِ وَالْجَزَاءُ لَا يَنْزِلُ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَنْحَلَّ الْيَمِينُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَهُوَ الْبَيْعُ حَقِيقَةً وَلَوْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ لَا يَحْنَثُ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَمْ يَتَمَكَّنْ بِهَذَا الشِّرَاءِ مِنْ شَيْءٍ فَكَانَ كَأَنَّ الشِّرَاءَ لَمْ يُوجَدْ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكَذَا بِالْفَاسِدِ وَالْمَوْقُوفِ) أَيْ وَكَذَا يَحْنَثُ بِالْفَاسِدِ مِنْ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَبِالْمَوْقُوفِ مِنْهُمَا فِي يَمِينِهِ أَنْ لَا يَبِيعَ أَوْ لَا يَشْتَرِيَ أَوْ لَا يَبِيعَ وَلَا يَشْتَرِيَ فَأَمَّا الْفَاسِدُ مِنْهُمَا فَإِنْ كَانَ الْحَالِفُ هُوَ الْبَائِعَ يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي مَضْمُونًا عَلَيْهِ بِمِثْلِ غَصْبٍ لَا يَعْتِقُ لِأَنَّهُ كَمَا يَتِمُّ الْبَيْعُ يَزُولُ عَنْ مِلْكِهِ كَالْبَيْعِ الصَّحِيحِ الْبَاتِّ وَيَنْبَغِي أَنْ تَنْحَلَّ الْيَمِينُ لِمَا قُلْنَا فِي الصَّحِيحِ الْبَاتِّ وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ فِي يَدِ الْبَائِعِ عَتَقَ لِأَنَّهُ لَا يَزُولُ مِلْكُهُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي هُوَ الَّذِي حَلَفَ بِعِتْقِهِ فَاشْتَرَاهُ شِرَاءً فَاسِدًا فَإِنْ كَانَ فِي يَدِهِ مَضْمُونًا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ يَعْتِقُ لِدُخُولِهِ فِي مِلْكِهِ كَمَا تَمَّ الْبَيْعُ وَإِلَّا فَلَا وَفِي الْمُحِيطِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لَوْ قَالَ إنْ اشْتَرَيْت عَبْدًا فَهُوَ حُرٌّ فَاشْتَرَى عَبْدًا شِرَاءً فَاسِدًا ثُمَّ تَتَارَكَا الْبَيْعَ ثُمَّ اشْتَرَاهُ شِرَاءً صَحِيحًا لَا يَعْتِقُ لِأَنَّهُ حَنِثَ بِالشِّرَاءِ الْفَاسِدِ لِأَنَّهُ شِرَاءٌ حَقِيقَةً فَانْحَلَّتْ الْيَمِينُ بِهِ وَارْتَفَعَتْ وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَاهُ شِرَاءً فَاسِدًا وَالْعَبْدُ فِي يَدِ الْبَائِعِ تَنْحَلُّ الْيَمِينُ لَا إلَى جَزَاءٍ لِعَدَمِ الْمِلْكِ قَبْلَ الْقَبْضِ ثُمَّ بِالْقَبْضِ لَا يَعْتِقُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِشِرَاءٍ
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِالْفَاسِدِ وَلَا بِمَا فِيهِ خِيَارٌ لِأَحَدِهِمَا أَصْلًا لِأَنَّ الْفَاسِدَ نَاقِصٌ ذَاتًا لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ لِلْحَالِ وَلَا بَعْدَ الْقَبْضِ عَلَى الْكَمَالِ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ الْحِلَّ فَكَانَ الشَّرْطُ مَعَهُ وَمَا مِنْ وَجْهٍ وَشَرْطُ الْخِيَارِ يَمْنَعُ تَعَلُّقَ الِاسْتِحْقَاقِ بِالْعَقْدِ فَصَارَ كَالْإِيجَابِ بِلَا قَبُولٍ وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّهُ كَامِلٌ ذَاتًا لِوُجُودِ الْأَهْلِيَّةِ وَالرُّكْنِ وَالْمَحَلِّ وَتَخَلُّفُ الْحُكْمِ مِنْ الْمِلْكِ وَالْحِلِّ لَا يَضُرُّ كَالْهِبَةِ وَشِرَاءِ أُخْتِهِ مِنْ الرَّضَاعِ وَلَا يُقَالُ التَّعْلِيقُ بِالشَّرْطِ إعْدَامٌ قَبْلَهُ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَحْنَثَ كَمَا لَا يَحْنَثُ بِتَعْلِيقِ الطَّلَاقِ فِي يَمِينِهِ أَنْ لَا يُطَلِّقَ لِأَنَّا نَقُولُ ذَاكَ فِي الْإِسْقَاطَاتِ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِالشَّرْطِ لَا فِي الْبَيْعِ لِأَنَّ فِي الْبَيْعِ ذَاتَ الْعَقْدِ مَوْجُودٌ وَأَثَرَ الشَّرْطِ فِي تَأْخِيرِ الْحُكْمِ لَا فِي الْعَقْدِ وَلِهَذَا يَنْبَرِمُ بِمَوْتِ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ
وَلَوْ كَانَ مُعَلَّقًا لَبَطَلَ لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ مِنْ الْمُطَوَّلَاتِ وَأَمَّا الْمَوْقُوفُ فَلِأَنَّهُ قَدْ وُجِدَ فِيهِ الْبَيْعُ حَقِيقَةً لِوُجُودِ رُكْنِهِ وَشَرْطِهِ وَمَحِلِّهِ وَكَذَا حُكْمًا عَلَى سَبِيلِ التَّوَقُّفِ فَيَحْنَثُ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَقُولَ إنْ اشْتَرَيْت عَبْدًا فَهُوَ حُرٌّ فَاشْتَرَى عَبْدًا مِنْ فُضُولِيٍّ حَنِثَ بِالشِّرَاءِ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ شَرْطُ الْحُكْمِ دُونَ السَّبَبِ وَالرُّكْنُ قَدْ وُجِدَ قَبْلَهَا وَلِهَذَا يَسْتَنِدُ الْحُكْمُ عِنْدَ الْإِجَازَةِ إلَيْهِ وَيَثْبُتُ عِنْدَهَا بِهِ لَا بِهَا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَصِيرُ مُشْتَرِيًا عِنْدَ الْإِجَازَةِ كَالنِّكَاحِ وَنَحْنُ نَقُولُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ النِّكَاحِ الْحِلُّ وَلَمْ يَنْعَقِدْ الْمَوْقُوفُ لِإِفَادَتِهِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الْمِلْكُ دُونَ الْحِلِّ وَلِهَذَا تُجَامِعُهُ الْحُرْمَةُ فَيَحْنَثُ فِيهِ مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ وَفِي النِّكَاحِ مِنْ وَقْتِ الْإِجَازَةِ وَعَلَى هَذَا لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَبِيعَ فَبَاعَ مِلْكَ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ يَحْنَثُ لِوُجُودِ الْبَيْعِ مِنْهُ حَقِيقَةً عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي الشِّرَاءِ وَلِهَذَا تَرْجِعُ الْحُقُوقُ إلَيْهِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا بِالْبَاطِلِ) أَيْ لَا يَحْنَثُ بِالْبَيْعِ الْبَاطِلِ وَلَا بِالشِّرَاءِ الْبَاطِلِ فِي يَمِينِهِ لَا يَبِيعُ أَوْ لَا يَشْتَرِي لِأَنَّهُ لَيْسَ بِبَيْعٍ حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا حَتَّى لَا يُفِيدَ شَيْئًا مِنْ أَحْكَامِ الْبَيْعَ وَلَوْ اتَّصَلَ بِهِ الْقَبْضُ حَتَّى لَوْ قَالَ إنْ اشْتَرَيْت الْيَوْمَ شَيْئًا فَعَبْدِي حُرٌّ أَوْ إنْ بِعْت عَبْدِي فَهُوَ حُرٌّ فَبَاعَهُ بِمَيْتَةٍ أَوْ حُرٍّ لَا يَحْنَثُ بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَهُ بِخَمْرٍ لِأَنَّهُ فَاسِدٌ عَلَى مَا عُرِفَ وَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ لِأَنَّ الْمَيْتَةَ لَيْسَتْ بِمَالٍ عِنْدَ أَحَدٍ وَلَوْ اشْتَرَى مُدَبَّرًا أَوْ أُمَّ وَلَدٍ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ انْعَقَدَ لَهُمَا سَبَبُ الْحُرِّيَّةِ وَهِيَ تُنَافِي الِانْعِقَادَ وَلَوْ قَضَى بِجَوَازِهِ الْقَاضِي يَحْنَثُ لِلْحَالِ لِأَنَّ قَضَاءَهُ يُؤَثِّرُ فِي إزَالَةِ الْمَانِعِ مِنْ الْجَوَازِ فَيُقْتَصَرُ عَلَى وَقْتِ الْقَضَاءِ فَيَحْنَثُ حِينَئِذٍ بِخِلَافِ إجَازَةِ بَيْعِ الْفُضُولِيِّ فَإِنَّهُ يَسْتَنِدُ إلَى وَقْتِ وُجُودِهِ فَيَمْتَدُّ السَّبَبُ فِيهِ إلَى وَقْتِ الْإِجَازَةِ وَلِهَذَا لَوْ أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْإِجَازَةِ يَنْفُذُ عِنْدَ الْإِجَازَةِ وَفِي أُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرِ لَا يَنْفُذُ عِنْدَ الْقَضَاءِ لِأَنَّ الْمَانِعَ كَانَ مُمْتَدًّا إلَيْهِ فَأَبْطَلَ الْإِيجَابَ فَكَانَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ وَلَوْ بَاعَهُ بَعْدَمَا حَلَفَ بَيْعًا بَاتًّا لَمْ يَعْتِقْ) أَيْ بِالْإِجْمَاعِ ا هـ

(3/151)


الْقَضَاءُ إبْطَالًا لِذَلِكَ الْمُبْطَلِ وَالْمُكَاتَبُ كَالْمُدَبَّرِ فِي زَوَالِهِ لَكِنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ وَيُتَصَوَّرُ فِيهِ رِضَاهُ وَلَوْ حَلَفَ أَنْ يَبِيعَ هَذَا الْحُرَّ فَبَاعَهُ بَرَّ لِأَنَّ الْبَيْعَ الصَّحِيحَ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ فَانْعَقَدَ عَلَى الْبَاطِلِ
وَكَذَا لَوْ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى الْحُرَّةِ أَوْ أُمِّ الْوَلَدِ لِمَا ذَكَرْنَا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الْحُرَّةِ وَأُمِّ الْوَلَدِ يَنْعَقِدُ عَلَى الصَّحِيحِ لِأَنَّهُ مُمْكِنٌ فِيهِمَا بِأَنْ تَرْتَدَّ وَتَلْتَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ تُسْبَى

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إنْ لَمْ أَبِعْ فَكَذَا فَأَعْتَقَ أَوْ دَبَّرَ حَنِثَ) أَيْ رَجُلٌ قَالَ إنْ لَمْ أَبِعْ هَذَا الْعَبْدَ فَامْرَأَتِي طَالِقٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ ثُمَّ أَعْتَقَهُ أَوْ دَبَّرَهُ حَنِثَ وَكَذَا لَوْ كَانَتْ أَمَةً فَاسْتَوْلَدَهَا لِتَحَقُّقِ الْعَجْزِ عَنْ الْبَيْعِ لِفَوَاتِ مَحِلِّهِ وَلَا يُقَالُ لَمْ يَقَعْ الْيَأْسُ لِجَوَازِ أَنْ تَرْتَدَّ وَتَلْتَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ تُسْبَى وَتُسْتَرَقُّ إنْ كَانَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ أُنْثَى لِأَنَّا نَقُولُ الْحَالِفُ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى الْبَيْعِ بِاعْتِبَارِ هَذَا الْمِلْكِ وَذَلِكَ لَا يُمْكِنُ بَعْدَ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ وَقَضَاءُ الْقَاضِي بِبَيْعِ الْمُدَبَّرِ مَوْهُومٌ وَالْأَحْكَامُ لَا تُبْنَى عَلَى الْمَوْهُومَاتِ فَيَتَحَقَّقُ الْيَأْسُ عَنْ الْبَيْعِ نَظَرًا إلَى الْأَصْلِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَالَتْ تَزَوَّجْت عَلَيَّ فَقَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ لِي طَالِقٌ طَلُقَتْ الْمُحَلِّفَةُ) يَعْنِي إذَا قَالَتْ الْمَرْأَةُ لِزَوْجِهَا تَزَوَّجْت عَلَيَّ فَقَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ لِي طَالِقٌ طَلُقَتْ الَّتِي حَلَّفَتْهُ وَهِيَ الْمُخَاطَبَةُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ لِأَنَّ كَلَامَهُ خَرَجَ جَوَابًا لِكَلَامِهَا فَيَكُونُ مُطَابِقًا لَهُ وَلِأَنَّهُ قَصَدَ إرْضَاءَهَا وَذَلِكَ بِطَلَاقِ غَيْرِهَا فَيُقَيَّدُ بِهِ وَهُوَ وَإِنْ زَادَ فِي الْجَوَابِ لَكِنَّ الزِّيَادَةَ لَيْسَتْ بِلَغْوٍ وَإِنَّمَا تُخْرِجُ الزِّيَادَةُ الْكَلَامَ مِنْ أَنْ يَكُونَ جَوَابًا إذَا كَانَتْ لَغْوًا وَهُنَا فِيهَا فَائِدَةٌ وَهُوَ تَطْيِيبُ قَلْبِهَا وَتَسْكِينُ نَفْسِهَا بِأَبْلَغِ الْوُجُوهِ حَتَّى لَا تُؤَوِّلَهُ عَلَى غَيْرِ الَّتِي ظَنَّتْ وَلَنَا أَنَّ الْعَمَلَ بِالْعُمُومِ وَاجِبٌ مَا أَمْكَنَ وَقَدْ أَمْكَنَ هُنَا فَيُعْمَلُ بِهِ وَهَذَا لِأَنَّ جَوَابَهُ كَانَ أَنْ يَقُولَ إنْ تَزَوَّجْت فَهِيَ طَالِقٌ فَكَانَ بِالزِّيَادَةِ مُبْتَدِئًا وَجَازَ أَنْ يَكُونَ غَرَضُهُ إيحَاشَهَا وَإِلْحَاقَ الْغَيْظِ بِهَا حِينَ اعْتَرَضَتْ عَلَيْهِ فِيمَا أَحَلَّهُ الشَّرْعُ وَمَعَ التَّرَدُّدِ لَا يَصْلُحُ مُقَيَّدًا وَلَوْ نَوَى غَيْرَهَا يُصَدَّقُ دِيَانَةً لَا قَضَاءً لِأَنَّهُ تَخْصِيصُ الْعَامِّ وَهُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَلَوْ قَالَتْ لَهُ تُرِيدُ أَنْ تَتَزَوَّجَ عَلَيَّ فَقَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ دَخَلَتْ الْمُخَاطَبَةُ حَتَّى لَوْ أَبَانَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا طَلُقَتْ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَالْمَعْنَى مَا بَيَّنَّا

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ إلَى الْكَعْبَةِ حَجَّ أَوْ اعْتَمَرَ مَاشِيًا فَإِنْ رَكِبَ أَرَاقَ دَمًا) أَيْ رَجُلٌ قَالَ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ أَوْ إلَى الْكَعْبَةِ لَزِمَهُ حَجٌّ أَوْ عُمْرَةٌ مَاشِيًا وَإِنْ شَاءَ رَكِبَ وَأَرَاقَ دَمًا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَلْزَمَهُ شَيْءٌ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ الْمَشْيَ وَهُوَ لَيْسَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ دَبَّرَ) أَيْ تَدْبِيرًا مُطْلَقًا . ا هـ . كَمَالٌ (قَوْلُهُ رَجُلٌ قَالَ إنْ لَمْ أَبِعْ هَذَا الْعَبْدَ) أَيْ أَوْ هَذِهِ الْأَمَةَ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَلَا يُقَالُ لَمْ يَقَعْ الْيَأْسُ لِجَوَازِ أَنْ تَرْتَدَّ إلَخْ) قَالَ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ إذَا عَقَدَ الْيَمِينَ عَلَى بَيْعِ الْجَارِيَةِ ثُمَّ أَعْتَقَهَا أَوْ دَبَّرَهَا لَا يَحْنَثُ لِاحْتِمَالِ أَنْ تُسْبَى بَعْدَ الرِّدَّةِ فَتُبَاعُ وَالصَّحِيحُ جَوَابُ الْكِتَابِ لِأَنَّهُ عَقَدَ الْيَمِينَ فِي هَذَا الْمِلْكِ وَبِالْإِعْتَاقِ وَالتَّدْبِيرِ وَقَعَ الْيَأْسُ عَنْ الْبَيْعِ فِي هَذَا الْمِلْكِ . ا هـ .

(قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ وَهَذِهِ مَسْأَلَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا وَذَكَرُوا عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَا تَطْلُقُ وَاخْتَارَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَكَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ . ا هـ . (قَوْلُهُ لَا تَطْلُقُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَمَالَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ إلَى هَذَا الْقَوْلِ . ا هـ . (قَوْلُهُ فَيَكُونُ مُطَابِقًا لَهُ) أَيْ فَكَأَنَّهُ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ لِي غَيْرِك أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَالِاسْتِثْنَاءُ قَدْ يَكُونُ دَلَالَةً كَمَا يَكُونُ إفْصَاحًا فَتَكُونُ الْمُحَلِّفَةُ مُسْتَثْنَاةً مِنْ عُمُومِ اللَّفْظِ دَلَالَةً فَيَنْصَرِفُ الطَّلَاقُ إلَى غَيْرِهَا . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّ الْعَمَلَ بِالْعُمُومِ وَاجِبٌ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْعِبْرَةَ لِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا لِخُصُوصِ السَّبَبِ . ا هـ .

(فُرُوعٌ) قَالَ لِي إلَيْك حَاجَةٌ أَتَقْضِيهَا فَقَالَ نَعَمْ وَحَلَفَ عَلَى ذَلِكَ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فَقَالَ حَاجَتِي أَنْ تُطَلِّقَ زَوْجَتَك ثَلَاثًا لَهُ أَنْ لَا يُصَدِّقَهُ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ وَلَوْ حَلَفَ لَيُطِيعَنَّهُ فِي كُلِّ مَا يَأْمُرُهُ بِهِ وَيَنْهَاهُ عَنْهُ ثُمَّ نَهَاهُ عَنْ جِمَاعِ امْرَأَتِهِ فَجَامَعَهَا الْحَالِفُ لَا يَحْنَثُ إلَّا إنْ كَانَ مَا يَدُلُّ عَلَى قَصْدِهِ إلَى ذَلِكَ عِنْدَ تَحْلِيفِهِ عَلَى الطَّاعَةِ لِأَنَّ النَّاسَ لَا يُرِيدُونَ بِهِ النَّهْيَ عَنْ جِمَاعِ الْمَرْأَةِ عَادَةً كَمَا لَا يُرِيدُونَ النَّهْيَ عَنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ حَلَفَ لَا يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ فَكُلُّ طَلَاقٍ يُضَافُ إلَيْهِ يَحْنَثُ بِهِ حَتَّى لَوْ وَقَعَ عَلَيْهِ طَلَاقٌ بِمُضِيِّ مُدَّةِ الْإِيلَاءِ يَحْنَثُ لَا بِمَا لَا يُضَافُ إلَيْهِ فَلَا يَحْنَثُ بِتَفْرِيقِ الْقَاضِي لِلْعُنَّةِ وَاللَّعَّانِ وَلَا بِإِجَازَةِ خُلْعِ الْفُضُولِيِّ بِالْفِعْلِ وَيَحْنَثُ لَوْ أَجَازَهُ بِالْفِعْلِ

قَالَ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ ثَلَاثًا إنْ دَخَلْت الدَّارَ الْيَوْمَ فَشَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ دَخَلَهَا الْيَوْمَ فَقَالَ عَبْدُهُ حُرٌّ إنْ كَانَ رَأَيَانِي دَخَلْت الدَّارَ لَمْ يَعْتِقْ عَبْدُهُ بِقَوْلِهِمَا رَأَيَاهُ دَخَلَ حَتَّى يَشْهَدَ آخَرَانِ غَيْرُهُمَا أَنَّ الْأَوَّلَيْنِ رَأَيَاهُ دَخَلَ

ادَّعَتْ أَنَّهَا امْرَأَتُهُ فَحَلَفَ بِطَلَاقِ زَوْجَةٍ أُخْرَى لَهُ مَا هِيَ امْرَأَتُهُ فَأَقَامَتْ بَيِّنَةً أَنَّهَا امْرَأَتُهُ فَقَالَ كَانَتْ امْرَأَتِي وَطَلَّقْتهَا لَا يَحْنَثُ

حَلَفَ مَا لَهُ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَشَهِدَا أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ أَلْفًا وَقَضَى بِهَا الْقَاضِي يَحْنَثُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ حَتَّى لَوْ كَانَ الْحَلِفُ بِطَلَاقٍ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لَهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ شَهِدَا أَنَّهُ أَقْرَضَهُ أَلْفًا وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا لَا يَحْنَثُ فِي قَوْلِهِمَا

حَلَفَ بِطَلَاقٍ وَلَا يَدْرِي حَلَفَ بِوَاحِدَةٍ أَوْ أَكْثَرَ يَتَحَرَّى وَيَعْمَلُ بِمَا يَقَعُ عَلَيْهِ التَّحَرِّي فَإِنْ اسْتَوَى ظَنُّهُ يَأْخُذُ بِالْأَكْثَرِ احْتِيَاطًا

قَالَ عَمْرَةُ طَالِقٌ السَّاعَةَ أَوْ زَيْنَبُ إنْ دَخَلَتْ الدَّارَ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ عَلَى إحْدَاهُمَا حَتَّى تَدْخُلَ الدَّارَ فَإِذَا دَخَلَتْ إحْدَاهُمَا خُيِّرَ فِي إبْقَائِهِ عَلَى أَيِّهِمَا شَاءَ

وَلَوْ اُتُّهِمَتْ امْرَأَةٌ بِالسَّرِقَةِ فَأَمَرَتْ زَوْجَهَا أَنْ يَحْلِفَ بِطَلَاقِهَا أَنَّهَا لَمْ تَسْرِقْ فَحَلَفَ فَقَالَتْ قَدْ كُنْت سَرَقْت فَلِلزَّوْجِ أَنْ لَا يُصَدِّقَهَا لِأَنَّهَا صَارَتْ مُتَنَاقِضَةً

حَلَفَ إنْ لَمْ يُجَامِعْ امْرَأَتَهُ أَلْفَ مَرَّةٍ فَهِيَ طَالِقٌ قَالُوا هَذَا عَلَى الْمُبَالَغَةِ وَلَا تَقْدِيرَ فِيهِ وَالسَّبْعُونَ كَثِيرٌ

حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ ابْنَ فُلَانٍ وَلَيْسَ لِفُلَانٍ ابْنٌ فَوُلِدَ لَهُ ابْنٌ فَكَلَّمَهُ يَحْنَثُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَلَا يَحْنَثُ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَالْأَصْلُ أَنَّهُ يَعْتَبِرُ وُجُودَ الْوَلَدِ وَقْتَ الْيَمِينِ وَهُمَا وَقْتَ التَّكَلُّمِ . ا هـ . كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

(3/152)


بِقُرْبَةٍ مَقْصُودَةٍ بَلْ هُوَ وَسِيلَةٌ إلَيْهَا كَالْوُضُوءِ وَالسَّعْيِ وَالنَّذْرِ بِمَا لَيْسَ بِقُرْبَةٍ مَقْصُودَةٍ لَا يَجُوزُ وَلَا يَجِبُ وَإِنَّمَا يَجُوزُ بِقُرْبَةٍ مَقْصُودَةٍ وَلَهَا نَظِيرٌ مِنْ الْوَاجِبَاتِ فِي الشَّرْعِ لِأَنَّ إيجَابَ الْعَبْدِ مُعْتَبَرٌ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ لَمْ يُوجِبْهُ الشَّرْعُ لَا يُوجِبُهُ الْعَبْدُ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ صَارَتْ كِنَايَةً عَنْ إيجَابِ الْإِحْرَامِ عُرْفًا وَشَرْعًا إذْ النَّاسُ تَعَارَفُوا الْتِزَامَ الْإِحْرَامِ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ «وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُخْتَ عُقْبَةَ حِينَ نَذَرَتْ أَنْ تَمْشِيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ أَنْ تُحْرِمَ بِحَجَّةٍ أَوْ عُمْرَةٍ» وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ النَّاذِرُ فِي الْكَعْبَةِ أَوْ خَارِجًا مِنْهَا لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ صَارَ كِنَايَةً عَنْ الْتِزَامِ الْإِحْرَامِ وَالِالْتِزَامُ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَمَاكِنِ وَكَذَا إذَا قَالَ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى مَكَّةَ يَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ بِأَحَدِهِمَا لِلْعُرْفِ فَإِذَا لَزِمَهُ فَلَهُ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ مَشَى وَهُوَ أَكْمَلُ وَفِيهِ إيفَاءٌ بِمَا الْتَزَمَهُ كَمَا الْتَزَمَهُ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ حَجَّ مَاشِيًا فَلَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ حَسَنَةٌ مِنْ حَسَنَاتِ الْحَرَمِ قِيلَ وَمَا حَسَنَاتُ الْحَرَمِ قَالَ وَاحِدَةٌ بِسَبْعِمِائَةٍ» وَلِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ وَإِنْ كَانَ عِبَارَةً عَنْ الِالْتِزَامِ لَكِنْ فِيهِ نَصٌّ عَلَى الْمَشْيِ وَفِي الْمَشْيِ فَضِيلَةٌ فَتُرَاعَى تِلْكَ الصِّفَةُ لِفَضِيلَتِهَا بِخِلَافِ مَا إذَا نَذَرَ أَنْ يَضْرِبَ بِثَوْبِهِ حَطِيمَ الْكَعْبَةِ فَإِنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ الْتِزَامِ التَّصَدُّقِ بِهِ بِمَكَّةَ وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَضْرِبَ بِهِ الْحَطِيمَ لِعَدَمِ التَّقَرُّبِ بِالضَّرْبِ وَإِنْ شَاءَ رَكِبَ وَذَبَحَ شَاةً لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مُرْهَا فَلْتَرْكَبْ وَلْتُرِقْ دَمًا» وَكَانَتْ نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ مَاشِيَةً وَذُكِرَ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمَبْسُوطِ أَنَّ مَنْ حَلَفَ بِالْمَشْيِ إلَى بَيْتِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ يَنْوِي مَسْجِدًا مِنْ الْمَسَاجِدِ سِوَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ لِأَنَّ الْمَنْوِيَّ مِنْ مُحْتَمَلَاتِ لَفْظِهِ إذْ الْمَسَاجِدُ كُلُّهَا بُيُوتُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى مَعْنَى أَنَّهَا تَحَرَّرَتْ عَنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ فَكَانَتْ مُعَدَّةً لِإِقَامَةِ طَاعَتِهِ تَعَالَى

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (بِخِلَافِ الْخُرُوجِ أَوْ الذَّهَابِ إلَى بَيْتِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ الْمَشْيِ إلَى الْحَرَمِ أَوْ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ) أَيْ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ عَلَيَّ الْخُرُوجُ أَوْ الذَّهَابُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى الْحَرَمِ أَوْ إلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ حَيْثُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ وَكَذَا إذَا قَالَ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِأَنَّ الْتِزَامَ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ بِهَذِهِ الْعِبَارَاتِ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ وَاللُّزُومُ لِلْعُرْفِ وَلَا يُمْكِنُ إيجَابُهُ بِاعْتِبَارِ حَقِيقَةِ اللَّفْظِ فَامْتَنَعَ أَصْلًا وَهَذَا عَلَى إطْلَاقِهِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا فِي قَوْلِهِ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى الْحَرَمِ أَوْ إلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ عَلَيْهِ حَجَّةٌ أَوْ عُمْرَةٌ لِأَنَّ الْحَرَمَ وَالْمَسْجِدَ الْحَرَامَ شَامِلٌ لِلْبَيْتِ فَصَارَ ذِكْرُهُ كَذِكْرِهِ بِخِلَافِ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لِأَنَّهُمَا مُنْفَصِلَانِ عَنْهُ وَجَوَابُهُ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيهِ الْعُرْفُ وَلَيْسَ فِيهِ عُرْفٌ وَلَا مَدْخَلَ لِلْقِيَاسِ فِيهِ وَلِهَذَا لَا يَلْزَمُهُ بِلَفْظَةِ الذَّهَابُ وَالْخُرُوجُ وَإِنْ قَالَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ تَعَالَى

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (عَبْدُهُ حُرٌّ إنْ لَمْ يَحُجَّ الْعَامَ فَشَهِدَا بِنَحْرِهِ بِالْكُوفَةِ لَمْ يَعْتِقْ) أَيْ لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ لَمْ أَحُجَّ هَذِهِ السَّنَةَ فَأَنْتَ حُرٌّ ثُمَّ قَالَ حَجَجْت وَشَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ ضَحَّى الْعَامَ بِالْكُوفَةِ لَمْ تُقْبَلْ الشَّهَادَةُ وَلَا يَعْتِقُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَعْتِقُ لِأَنَّ هَذِهِ شَهَادَةٌ قَامَتْ عَلَى أَمْرٍ مَعْلُومٍ وَهُوَ التَّضْحِيَةُ وَمِنْ ضَرُورَتِهِ انْتِفَاءُ الْحَجِّ فَيَتَحَقَّقُ الشَّرْطُ وَهُوَ عَدَمُ الْحَجِّ وَلَهُمَا أَنَّ هَذِهِ شَهَادَةٌ قَامَتْ عَلَى النَّفْيِ فَلَا تُقْبَلُ كَمَا لَوْ شَهِدَا أَنَّهُ لَمْ يَحُجَّ وَهَذَا لِأَنَّ الشَّهَادَةَ بِالتَّضْحِيَةِ بَاطِلَةٌ إذْ لَا مُطَالَبَ لَهَا وَهِيَ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ أَيْضًا فَبَقِيَ النَّفْيُ مَقْصُودًا وَالشَّهَادَةُ عَلَى النَّفْيِ مَقْصُودًا بَاطِلَةٌ فَإِنْ قِيلَ الشَّهَادَةُ بِالنَّفْيِ إنَّمَا لَا تُقْبَلُ إذَا لَمْ يُحِطْ بِهَا عِلْمُ الشَّاهِدِ وَأَمَّا إذَا أَحَاطَ بِهَا فَتُقْبَلُ وَهُنَا أَحَاطَ بِهَا عِلْمُ الشَّاهِدِ لِأَنَّ مِنْ ضَرُورَةِ ثُبُوتِ التَّضْحِيَةِ انْتِفَاءُ الْحَجِّ فَصَارَ نَظِيرُ شَهَادَتِهِمَا عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ قَالَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ وَلَمْ يَقُلْ قَوْلَ النَّصَارَى وَهُوَ يَقُولُ وَصَلْت بِهِ قَوْلَ النَّصَارَى قُبِلَتْ هَذِهِ الشَّهَادَةُ لِإِحَاطَةِ عِلْمِ الشَّاهِدِ بِهِ فَكَذَا هُنَا بِخِلَافِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ بِخِلَافِ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لِأَنَّهُمَا مُنْفَصِلَانِ عَنْهُ) أَيْ عَنْ الْبَيْتِ ا هـ (قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ تَعَالَى) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ اعْلَمْ أَنَّ مَسَائِلَ هَذَا الْفَصْلِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ فِي وَجْهٍ يَلْزَمُهُ إمَّا حَجَّةٌ أَوْ عُمْرَةٌ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا وَفِي وَجْهٍ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ بِالِاتِّفَاقِ وَفِي وَجْهٍ اخْتَلَفُوا فِيهِ أَمَّا الْوَجْهُ الَّذِي يَلْزَمُهُمْ بِالِاتِّفَاقِ فَهُوَ مَا إذَا قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ أَوْ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى الْكَعْبَةِ أَوْ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى مَكَّةَ وَفِي رِوَايَةِ النَّوَادِرِ إلَى بَكَّةَ وَكُلُّ ذَلِكَ مُتَعَارَفٌ وَأَمَّا الْوَجْهُ الَّذِي لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ بِالِاتِّفَاقِ فَهُوَ مَا إذَا قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ الْخُرُوجُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ وَكَذَا إذَا ذَكَرَ لَفْظَ السَّعْيِ أَوْ السَّفَرِ أَوْ الذَّهَابِ أَوْ الرُّكُوبِ أَوْ الْإِتْيَانِ لِعَدَمِ الْعُرْفِ وَأَمَّا الْوَجْهُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ فَهُوَ مَا إذَا قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى الْحَرَمِ أَوْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَقَالَ صَاحِبَاهُ يَلْزَمُهُ إمَّا حَجَّةٌ أَوْ عُمْرَةٌ وَجْهُ قَوْلِهِمَا إنَّ الْحَرَمَ أَوْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ يَشْمَلُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيْتُ فَإِذَا ذَكَرَ الْبَيْتَ وَحْدَهُ يَلْزَمُهُ فَكَذَا إذَا ذَكَرَ مَا يَشْمَلُهُ وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ فِي لَفْظِ الْمَشْيِ لَيْسَ مَا يُنَبِّئُ عَنْ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ إلَّا أَنَّ فِي النَّذْرِ بِالْمَشْيِ إلَى بَيْتِ اللَّهِ أَوْ إلَى الْكَعْبَةِ أَوْ إلَى مَكَّةَ ثَبَتَ الْحُكْمُ بِالْإِجْمَاعِ خَارِجًا عَنْ الْقِيَاسِ فَبَقِيَ الْبَاقِي عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ لِعَدَمِ الْعُرْفِ وَلِهَذَا لَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى الصَّفَا أَوْ إلَى الْمَرْوَةِ أَوْ إلَى بَابِ بَنِي شَيْبَةَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ بِالِاتِّفَاقِ . ا هـ .

(قَوْلُهُ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ بِالتَّضْحِيَةِ بَاطِلَةٌ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلَئِنْ قَالَ الشَّهَادَةُ عَلَى التَّضْحِيَةِ وَهِيَ إثْبَاتٌ فَمِنْ ضَرُورَتِهَا يَلْزَمُ عَدَمُ الْحَجِّ ضِمْنًا وَالضِّمْنِيَّاتُ لَا تُعَلَّلُ قُلْنَا الشَّهَادَةُ عَلَى الْإِثْبَاتِ إنَّمَا تُقْبَلُ إذَا كَانَتْ مِمَّا يَدْخُلُ تَحْتَ الْقَضَاءِ وَالتَّضْحِيَةُ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْقَضَاءِ فَلَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عَلَيْهَا وَذَلِكَ لِأَنَّهَا لَا مُطَالِبَ لَهَا مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ فَلَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ إنْ كَانَتْ تَطَوُّعًا فَظَاهِرٌ وَإِنْ كَانَتْ وَاجِبَةً فَالْقَاضِي لَا يُجْبِرُ عَلَيْهَا فَثَبَتَ عَدَمُ الْمُطَالِبِ فَلَمَّا انْتَفَتْ الشَّهَادَةُ عَلَى التَّضْحِيَةِ ثَبَتَ أَنَّهَا قَامَتْ عَلَى نَفْيِ الْحَجِّ وَالشَّهَادَةُ عَلَى نَفْيِ الْحَجِّ لَا تُقْبَلُ لِمَا قُلْنَا . ا هـ . (قَوْلُهُ إذْ لَا مُطَالِبَ لَهَا) أَيْ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ وَهُوَ الْعَبْدُ لَا حَقَّ لَهُ فِيهَا يَطْلُبُهُ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَمْ يُعَلَّقْ بِهَا وَمَا لَا مُطَالِبَ لَهُ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْقَضَاءِ وَإِذَا بَطَلَتْ الشَّهَادَةُ عَلَى التَّضْحِيَةِ بَقِيَتْ فِي الْحَاصِلِ عَلَى نَفْيِ الْحَجِّ مَقْصُودًا وَالشَّهَادَةُ عَلَى النَّفْيِ بَاطِلَةٌ . ا هـ . كَمَالٌ

(3/153)


شَهَادَتِهِمَا أَنَّهُ لَمْ يَحُجَّ لِأَنَّا لَا نَدْرِي هَلْ شَهِدَا عَنْ عِلْمٍ أَوْ بَنَيَا عَلَى ظَاهِرِ الْعَدَمِ قُلْنَا الْبَيِّنَاتُ شُرِعَتْ لِلْإِثْبَاتِ دُونَ النَّفْيِ فَتَرِدُ وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ نَفْيٍ وَنَفْيٍ
تَيْسِيرًا لِلْأَمْرِ وَدَفْعًا لِلْحَرَجِ
بِخِلَافِ الْمُسْتَشْهَدِ بِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ شَهَادَةٌ عَلَى أَمْرٍ مَحْسُوسٍ وَهُوَ السُّكُوتُ فَإِنْ قِيلَ الشَّهَادَةُ عَلَى النَّفْيِ فِي الشُّرُوطِ مَقْبُولَةٌ كَمَا إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ لَمْ تَدْخُلْ الدَّارَ الْيَوْمَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ تُقْبَلُ ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ قُلْنَا هُوَ الْآخَرُ مُعَايِنٌ وَهُوَ كَوْنُهُ فِي خَارِجِ الدَّارِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَحَنِثَ فِي لَا يَصُومُ بِصَوْمِ سَاعَةٍ بِنِيَّةٍ) أَيْ لَوْ حَلَفَ لَا يَصُومُ فَنَوَى الصَّوْمَ وَأَمْسَكَ سَاعَةً ثُمَّ أَفْطَرَ يَحْنَثُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ إذْ الصَّوْمُ هُوَ الْإِمْسَاكُ عَنْ الْمُفْطِرَاتِ عَلَى قَصْدِ التَّقَرُّبِ وَقَدْ وُجِدَ لِأَنَّ الشَّارِعَ فِي الْفِعْلِ يُسَمَّى فَاعِلًا ثُمَّ بِالْإِفْطَارِ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَرْتَفِعُ الْحِنْثُ الْمُتَقَرِّرُ وَلِأَنَّ الْإِمْسَاكَ الْمُسْتَمِرَّ تَكْرَارٌ وَتَكْرَارُ الْفِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِلْحِنْثِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي صَوْمًا أَوْ يَوْمًا بِيَوْمٍ) أَيْ يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ لَا يَصُومُ صَوْمًا أَوْ يَوْمًا بِصَوْمِ يَوْمٍ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الصَّوْمَ مُطْلَقًا بِذَكَرِ الْمَصْدَرِ فَيَنْصَرِفُ إلَى الْكَامِلِ وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ وَالْمُفِيدُ لِحُكْمِهِ شَرْعًا وَفِي قَوْلِهِ يَوْمًا تَصْرِيحٌ فِي تَقْدِيرِهِ بِالْيَوْمِ فَلَا يَحْنَثُ فِيهِمَا إلَّا بِصَوْمِ يَوْمٍ كَامِلٍ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي لَا يُصَلِّي بِرَكْعَةٍ) أَيْ فِي يَمِينِهِ لَا يُصَلِّي يَحْنَثُ بِرَكْعَةٍ وَهُوَ مَا إذَا قَيَّدَهَا بِسَجْدَةٍ وَلَا يَحْنَثُ مَا لَمْ يُقَيِّدْهَا بِهَا وَالْقِيَاسُ أَنْ يَحْنَثَ بِالشُّرُوعِ اعْتِبَارًا بِالصَّوْمِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الصَّلَاةَ عِبَارَةٌ عَنْ أَرْكَانٍ مُخْتَلِفَةٍ فَمَا لَمْ يَأْتِ بِجَمِيعِهَا لَا تُسَمَّى صَلَاةً أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُقَالُ صَلَّى رُكُوعًا وَلَا صَلَّى سُجُودًا وَإِنَّمَا يُقَالُ صَلَّى رَكْعَةً وَهِيَ تَشْتَمِلُ عَلَى الْأَرْكَانِ كُلِّهَا وَبَعْدَهَا تَكْرَارٌ بِخِلَافِ الصَّوْمِ لِأَنَّ الْإِمْسَاكَ رُكْنٌ وَاحِدٌ وَيَتَكَرَّرُ ذَلِكَ بَعْدَهُ ثُمَّ إنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ مَتَى يَحْنَثُ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ يَحْنَثُ بِنَفْسِ السَّجْدَةِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَحْنَثُ بِرَفْعِ الرَّأْسِ مِنْهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي صَلَاةٍ بِشَفْعٍ) أَيْ لَا يَحْنَثُ إلَّا بِشَفْعٍ فِي يَمِينِهِ لَا يُصَلِّي صَلَاةً لِأَنَّ الصَّلَاةَ الْمُطْلَقَةَ تَنْصَرِفُ إلَى الْكَامِلِ وَهِيَ الرَّكْعَتَانِ «لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ الْبُتَيْرَاءِ»

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إنْ لَبِسْت مِنْ غَزْلِك فَهُوَ هَدْيٌ فَمَلَكَ قُطْنًا فَغَزَلَتْهُ وَنُسِجَ فَلَبِسَ فَهُوَ هَدْيٌ) أَيْ لَوْ قَالَ ذَلِكَ لِامْرَأَتِهِ كَانَ الْحُكْمُ كَمَا ذَكَرَهُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَالَا رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُهْدِيَ إلَّا إذَا غَزَلَتْهُ مِنْ قُطْنٍ كَانَ فِي مِلْكِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ أَوْ بَنَيَا عَلَى ظَاهِرِ الْعَدَمِ) حَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ هَذَا نَفْيٌ يُحِيطُ بِهِ عِلْمُ الشَّاهِدِ لَكِنَّهُ لَا يُمَيِّزُ بَيْنَ نَفْيٍ وَنَفْيٍ فِي عَدَمِ الْقَبُولِ بِأَنْ يُقَالَ النَّفْيُ إذَا كَانَ كَذَا صَحَّتْ الشَّهَادَةُ بِهِ وَإِنْ كَانَ كَذَا لَا تَصِحُّ
تَيْسِيرًا وَدَفْعًا لِلْحَرَجِ
اللَّازِمِ فِي تَمَيُّزِ نَفْيٍ مِنْ نَفْيٍ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ نَفْيٍ وَنَفْيٍ تَيْسِيرًا لِلْأَمْرِ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَمَّا مَسْأَلَةُ السَّيْرِ فَالْقَوْلُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى السُّكُوتِ الَّذِي هُوَ أَمْرٌ وُجُودِيٌّ فَصَارَ كَشُهُودِ الْإِرْثِ إذَا قَالُوا نَشْهَدُ أَنَّهُ وَارِثُهُ لَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ حَيْثُ يُعْطَى لَهُ كُلُّ التَّرِكَةِ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى الْإِرْثِ وَالنَّفْيُ فِي ضِمْنِهِ وَالْإِرْثُ مِمَّا يَدْخُلُ تَحْتَ الْقَضَاءِ فَأَمَّا النَّحْرُ وَإِنْ كَانَ وُجُودِيًّا وَنَفْيُ الْحَجِّ فِي ضِمْنِهِ لَكِنَّهُ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْقَضَاءِ كَمَا ذَكَرَ فَكَانَتْ الشَّهَادَةُ كَعَدَمِهَا فِي حَقِّهِ فَكَانَ النَّفْيُ هُوَ الْمَقْصُودَ بِهَا وَأَمَّا مَا فِي الْمَبْسُوطِ مِنْ أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى النَّفْيِ تُقْبَلُ فِي الشُّرُوطِ حَتَّى لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ لَمْ تَدْخُلْ الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَشَهِدَ أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْهَا قُبِلَتْ وَيُقْضَى بِعِتْقِهِ وَمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ قَبِيلِ الشُّرُوطِ فَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهَا قَامَتْ بِأَمْرٍ ثَابِتٍ مُعَايِنٍ وَهُوَ كَوْنُهُ خَارِجًا فَيَثْبُتُ النَّفْيُ ضِمْنًا وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ الْعَبْدَ كَمَا لَا حَقَّ لَهُ فِي التَّضْحِيَةِ إذَا لَمْ تَكُنْ هِيَ شَرْطَ الْعِتْقِ فَلَمْ تَصِحَّ الشَّهَادَةُ بِهَا كَذَلِكَ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْخُرُوجِ لِأَنَّهُ لَمْ يُجْعَل الشَّرْطَ بَلْ عَدَمُ الدُّخُولِ كَعَدَمِ الْحَجِّ فِي مَسْأَلَتِنَا فَلَمَّا كَانَ الْمَشْهُودُ بِهِ مِمَّا هُوَ مَوْجُودٌ مُتَضَمِّنٌ لِلْمُدَّعَى بِهِ مِنْ النَّفْيِ الْمَجْعُولِ شَرْطًا قُبِلَتْ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُدَّعًى بِهِ لِتَضَمُّنِهِ الْمُدَّعَى بِهِ كَذَلِكَ يَجِبُ قَبُولُ شَهَادَةِ التَّضْحِيَةِ الْمُتَضَمِّنَةِ لِلنَّفْيِ الْمُدَّعَى بِهِ فَقَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَوْجَهُ . ا هـ . (قَوْلُهُ فَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ تُقْبَلُ) أَيْ وَيُقْضَى بِعِتْقِهِ . ا هـ .

(قَوْلُهُ وَقَدْ وُجِدَ) أَيْ تَمَامُ حَقِيقَتِهِ . ا هـ .

(قَوْلُهُ وَبَعْدَهَا تَكْرَارٌ) قَالَ الْكَمَالُ وَلِأَنَّ بِمُجَرَّدِ الشُّرُوعِ فِي الْفِعْلِ إذَا تَمَّتْ حَقِيقَتُهُ يُسَمَّى فَاعِلًا وَلِذَا نَزَلَ إبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ذَابِحًا حَيْثُ أَمَرَّ السِّكِّينَ فِي مَحَلِّ الذَّبْحِ فَقِيلَ لَهُ {قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا} [الصافات : 105] بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ حَقِيقَتُهُ تَتَوَقَّفُ عَلَى أَفْعَالٍ مُخْتَلِفَةٍ كَالصَّلَاةِ فَلِذَا قَالَ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي أَنَّهُ إذَا قَامَ وَرَكَعَ وَسَجَدَ حَنِثَ إذَا قَطَعَ وَلَوْ قَطَعَ بَعْدَ الرُّكُوعِ لَا يَحْنَثُ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْوُجُودِ تَمَامُ حَقِيقَتِهَا . ا هـ . (قَوْلُهُ «لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ الْبُتَيْرَاءِ» أَيْ نَهْيًا يَمْنَعُ الصِّحَّةَ لَوْ فُعِلَتْ وَمِنْ فُرُوعِ هَذِهِ مَا فِي الذَّخِيرَةِ قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ صَلَّيْت رَكْعَةً فَأَنْتَ حُرٌّ فَصَلَّى رَكْعَةً ثُمَّ تَكَلَّمَ لَا يَعْتِقُ وَلَوْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ عَتَقَ بِالرَّكْعَةِ الْأُولَى لِأَنَّهُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى مَا صَلَّى رَكْعَةً لِأَنَّهَا بُتَيْرَاءُ بِخِلَافِ الثَّانِيَةِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَذْكُورَةٌ فِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ تَبَيَّنَ بِهَذِهِ أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْجَامِعِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ يَعْنِي وَحْدَهُ وَهُوَ غَيْرُ لَازِمٍ فَإِنَّ الْمَذْكُورَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ حَلَفَ لَا يُصَلِّي رَكْعَةً فَصَلَاةُ الرَّكْعَةِ حَقِيقَةً دُونَ مُجَرَّدِ الصُّورَةِ لَا تَتَحَقَّقُ إلَّا بِضَمِّ أُخْرَى إلَيْهَا وَالْمَذْكُورُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ حَلَفَ لَا يُصَلِّي وَلَمْ يَقُلْ رَكْعَةً وَالْبُتَيْرَاءُ تَصْغِيرُ الْبَتْرَاءِ تَأْنِيثُ الْأَبْتَرِ وَهُوَ فِي الْأَصْلِ مَقْطُوعُ الذَّنَبِ ثُمَّ صَارَ يُقَالُ لِلنَّاقِصِ وَفِي الْبَيْعِ يَحْنَثُ بِالْفَاسِدِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ وَالْفَرْقُ غَيْرُ خَافٍ ثُمَّ إذَا حَلَفَ لَا يُصَلِّي صَلَاةً فَهَلْ يَتَوَقَّفُ حِنْثُهُ عَلَى قُعُودِهِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ إنْ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى مُجَرَّدِ الْفِعْلِ وَهُوَ إذَا حَلَفَ لَا يُصَلِّي صَلَاةً يَحْنَثُ قَبْلَ الْقَعْدَةِ لِمَا ذَكَرْته وَإِنْ عَقَدَهَا عَلَى الْفَرْضِ كَصَلَاةِ الصُّبْحِ أَوْ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْنَثَ حَتَّى يَقْعُدَ . ا هـ . كَمَالٌ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ الْبُتَيْرَاءُ مَا نَصُّهُ أَيْ الرَّكْعَةُ الْوَاحِدَةُ . ا هـ . كَافِي كَمَالٍ

(قَوْلُهُ وَقَالَا لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُهْدِيَ إلَّا إذَا غَزَلَتْهُ مِنْ قُطْنٍ كَانَ إلَخْ) قَالَ فِي الْكَافِي وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْقُطْنَ أَوْ الْغَزْلَ إذَا كَانَ فِي مِلْكِهِ يَوْمَ حَلَفَ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا أَنَّهُ هَدْيٌ وَمَعْنَى الْهَدْيِ التَّصَدُّقُ بِهِ بِمَكَّةَ لِأَنَّهُ اسْمٌ لِمَا يُهْدَى إلَيْهَا ا هـ قَالَ الْكَمَالُ وَمَعْنَى الْهَدْيِ هُنَا مَا يُتَصَدَّقُ بِهِ بِمَكَّةَ لِأَنَّهُ اسْمٌ لِمَا يُهْدَى إلَيْهَا فَإِنْ

(3/154)


يَوْمَ حَلَفَ لِأَنَّ النَّذْرَ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي الْمِلْكِ أَوْ مُضَافًا إلَيْهِ أَوْ إلَى سَبَبِهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا نَذْرَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ» وَلَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْهَا إذْ غَزْلُ الْمَرْأَةِ وَاللُّبْسُ لَيْسَا مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِ فَصَارَ نَظِيرَ مَا لَوْ قَالَ إنْ تَسَرَّيْت أَمَةً فَهِيَ حُرَّةٌ عَلَى مَا مَرَّ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ الْغَزْلَ سَبَبٌ لِلْمِلْكِ وَلِهَذَا يَمْلِكُ بِهِ الْغَاصِبُ وَغَزْلُ الْمَرْأَةِ مِنْ قُطْنِ الزَّوْجِ سَبَبٌ لِمِلْكِ الزَّوْجِ عَادَةً وَلِهَذَا لَوْ اشْتَرَى قُطْنًا وَغَزَلَتْهُ وَنَسَجَتْهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ كَانَ مِلْكًا لَهُ بِحُكْمِ الْعُرْفِ لِأَنَّهَا لَا تَغْزِلُهُ عَادَةً إلَّا لَهُ وَالْمُعْتَادُ كَالْمَشْرُوطِ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَكَانَ مِلْكًا لَهَا كَمَا لَوْ غَزَلَهُ الْأَجْنَبِيُّ فَإِذَا كَانَ سَبَبًا لِلْمِلْكِ يَكُونُ ذِكْرُهُ ذِكْرًا لِلْمِلْكِ كَسَائِرِ أَسْبَابِ الْمِلْكِ وَلِهَذَا لَوْ غَزَلَتْهُ مِنْ قُطْنٍ كَانَ فِي مِلْكِهِ يَوْمَ حَلَفَ وَنَسَجَتْهُ وَلَبِسَهُ يَحْنَثُ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ التَّسَرِّي فَإِنَّ التَّسَرِّي لَيْسَ بِسَبَبٍ لِلْمِلْكِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي مَوْضِعِهِ فَلَمْ يَكُنْ ذِكْرُهُ ذِكْرًا لِلْمِلْكِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَبِسَ خَاتَمَ ذَهَبٍ أَوْ عَقْدُ لُؤْلُؤٍ لُبْسُ حُلِيٍّ) أَمَّا الذَّهَبُ فَلِأَنَّهُ لَا يُسْتَعْمَلُ إلَّا لِلتَّزَيُّنِ فَكَانَ لُبْسُهُ لُبْسَ الْحُلِيِّ وَلِهَذَا حَرُمَ اسْتِعْمَالُهُ عَلَى الرِّجَالِ فَكَانَ كَامِلًا فِي مَعْنَى التَّحَلِّي فَدَخَلَ تَحْتَ مُطْلَقِ اسْمِ الْحُلِيِّ حَتَّى لَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ حُلِيًّا فَلَبِسَ خَاتَمَ ذَهَبٍ يَحْنَثُ لِمَا ذَكَرْنَا وَأَمَّا عَقْدُ اللُّؤْلُؤِ فَالْمَذْكُورُ هُنَا عَلَى إطْلَاقِهِ قَوْلُهُمَا وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَلَيْسَ بِحُلِيٍّ إلَّا إذَا كَانَ مُرَصَّعًا حَتَّى لَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ لَا يَلْبَسُ حُلِيًّا بِلُبْسِ غَيْرِ الْمُرَصَّعِ مِنْهُ وَعِنْدَهُمَا يَحْنَثُ لِأَنَّ اللُّؤْلُؤَ الْخَالِصَ يَدْخُلُ تَحْتَ اسْمِ الْحُلِيِّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا} [فاطر : 12] وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ مِنْ الْبَحْرِ اللُّؤْلُؤُ الْخَالِصُ وَقَالَ تَعَالَى {يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا} [الحج : 23] وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْعَادَةَ لَمْ تَجْرِ بِالتَّحَلِّي بِهِ إلَّا مُرَصَّعًا بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ وَالْعَادَةُ هِيَ الْمُعْتَبَرَةُ فِي الْأَيْمَانِ ثُمَّ قِيلَ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِ لَا بَأْسَ لِلرِّجَالِ بِلُبْسِ اللُّؤْلُؤِ الْخَالِصِ وَقِيلَ هَذَا اخْتِلَافُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ فَكُلٌّ أَفْتَى بِمَا عَايَنَ فِي زَمَانِهِ وَقَالَ فِي الْكَافِي قَوْلُهُمَا أَقْرَبُ إلَى عُرْفِ دِيَارِنَا فَيُفْتَى بِقَوْلِهِمَا لِأَنَّ التَّحَلِّي بِهِ عَلَى الِانْفِرَادِ مُعْتَادٌ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا لَبِسَ عَقْدَ زَبَرْجَدٍ أَوْ زُمُرُّدٍ غَيْرِ مُرَصَّعٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا خَاتَمَ فِضَّةٍ) أَيْ لَا يَكُونُ لُبْسُ خَاتَمِ فِضَّةٍ لُبْسَ حُلِيٍّ حَتَّى لَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ حُلِيًّا لَا يَحْنَثُ بِلُبْسِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحُلِيٍّ كَامِلٍ لِأَنَّ الْحُلِيَّ تُسْتَعْمَلُ لِلتَّزَيُّنِ فَقَطْ وَهَذَا يُسْتَعْمَلُ لَهُ وَلِغَيْرِهِ وَلِهَذَا حَلَّ لِلرَّجُلِ وَلَوْ كَانَ حُلِيًّا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لَمَا حَلَّ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ حُلِيًّا كَامِلًا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ مُطْلَقِ الِاسْمِ عُرْفًا وَلَا شَرْعًا وَذُكِرَ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّ خَاتَمَ الْفِضَّةِ إذَا صِيغَ عَلَى هَيْئَةِ خَاتَمِ النِّسَاءِ بِأَنْ كَانَ ذَا فَصٍّ يَحْنَثُ وَهُوَ الصَّحِيحُ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا يَجْلِسُ عَلَى الْأَرْضِ) أَيْ حَلَفَ لَا يَجْلِسُ عَلَى الْأَرْضِ (فَجَلَسَ عَلَى بِسَاطٍ أَوْ حَصِيرٍ أَوْ لَا يَنَامُ عَلَى هَذَا الْفِرَاشِ فَجَعَلَ فَوْقَهُ فِرَاشًا آخَرَ فَنَامَ عَلَيْهِ أَوْ لَا يَجْلِسُ عَلَى سَرِيرٍ فَجَعَلَ فَوْقَهُ سَرِيرًا آخَرَ لَا يَحْنَثُ) لِأَنَّ الْجَالِسَ عَلَى الْبِسَاطِ أَوْ الْحَصِيرِ لَا يُعَدُّ جَالِسًا عَلَى الْأَرْضِ عَادَةً فَانْقَطَعَتْ النِّسْبَةُ إلَى الْأَرْضِ فَلَا يَحْنَثُ بِخِلَافِ مَا إذَا حَالَ بَيْنَهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
كَانَ نَذَرَ هَدْيَ شَاةٍ أَوْ بَدَنَةٍ فَإِنَّمَا يُخْرِجُهُ عَنْ الْعُهْدَةِ ذَبْحُهُ فِي الْحَرَمِ وَالتَّصَدُّقُ بِهِ هُنَاكَ فَلَا يُجْزِيهِ إهْدَاءُ قِيمَتِهِ وَقِيلَ فِي إهْدَاءِ قِيمَةِ الشَّاةِ رِوَايَتَانِ فَلَوْ سُرِقَ بَعْدَ الذَّبْحِ لَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ وَإِنْ نَذَرَ ثَوْبًا جَازَ التَّصَدُّقُ فِي مَكَّةَ بِعَيْنِهِ أَوْ بِقِيمَتِهِ وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ ثُمَّ الْهَدْيُ اسْمٌ لِمَا يُهْدَى إلَى مَكَّةَ أَيْ يَنْتَقِلُ إلَيْهَا لِلتَّصَدُّقِ ثُمَّ إذَا نَذَرَ أَنْ يُهْدِيَ ثَوْبًا جَازَ لَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ عَلَى مَسَاكِينِ مَكَّةَ وَغَيْرِهِمْ وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُهْدِيَ نَعَمًا لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يُهْدِيَ بِمَكَّةَ وَيَتَصَدَّقُ بِهِ وَلَوْ تَصَدَّقَ بِهِ حَيًّا لَا يَجُوزُ وَلَا يَكُونُ هَدْيًا حَتَّى يُذْبَحُ ثُمَّ إذَا سُرِقَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَذَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْأَجْنَاسِ وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج : 33] وَإِذَا نَذَرَ بِمَا لَا يُنْقَلُ كَالْعَقَارِ يَكُونُ نَذْرًا بِالْقِيمَةِ لِتَعَذُّرِ نَقْلِ الْعَيْنِ . ا هـ . (قَوْلُهُ لِأَنَّ النَّذْرَ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي الْمِلْكِ) أَيْ فِيمَا هُوَ فِي الْمِلْكِ . ا هـ . (قَوْلُهُ أَوْ إلَى سَبَبِهِ) أَيْ مِثْلَ إنْ اشْتَرَيْت كَذَا فَهُوَ هَدْيٌ أَوْ فَعَلَ إنْ تَصَدَّقَ بِهِ . ا هـ . فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْغَزْلَ سَبَبُ الْمِلْكِ) قَالَ الْكَمَالُ وَلَهُ أَنَّ غَزْلَ الْمَرْأَةِ عَادَةً يَكُونُ مِنْ قُطْنِ الزَّوْجِ لِأَنَّ الْمُعْتَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ الْقُطْنَ فِي الْبَيْتِ وَهِيَ تَغْزِلُهُ فَيَكُونُ الْمَغْزُولُ مِلْكًا لَهُ وَالْمُعْتَادُ هُوَ الْمُرَادُ بِالْأَلْفَاظِ فَالتَّعْلِيقُ تَعْلِيقٌ بِسَبَبِ مِلْكِهِ لِلزَّوْجِ كَأَنَّهُ قَالَ إنْ لَبِسْت ثَوْبًا أَمْلِكُهُ بِسَبَبِ غَزْلِك قُطْنَهُ هُوَ هَدْيٌ وَلَا حَاجَةَ إلَى تَقْدِيرِ مِلْكِ الْقُطْنِ وَلَا إلَى الِالْتِفَاتِ إلَيْهِ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَلِهَذَا لَوْ غَزَلَتْهُ مِنْ قُطْنٍ كَانَ فِي مِلْكِهِ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْوَاجِبُ فِي دِيَارِنَا أَنْ يُفْتَى بِقَوْلِهِمَا لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَغْزِلُ إلَّا مِنْ كَتَّانِ نَفْسِهَا أَوْ قُطْنِهَا فَلَيْسَ الْغَزْلُ سَبَبًا لِمِلْكِهِ لِلْمَغْزُولِ عَادَةً فَلَا يَسْتَقِيمُ جَوَابُ أَبِي حَنِيفَةَ . ا هـ . قُلْت جَوَابُ أَبِي حَنِيفَةَ مُسْتَقِيمٌ فِي حَقِّ بَعْضِ أَهْلِ الرِّيفِ ا هـ (قَوْلُهُ يَحْنَثُ) وَإِنَّمَا يَحْنَثُ بِهِ لِأَنَّهُ أَضَافَهُ إلَى سَبَبِ الْمِلْكِ وَهُوَ غَزْلُ الْمَرْأَةِ لَا إلَى مِلْكِيَّتِهِ لِأَنَّ الْقُطْنَ لَمْ يَصِرْ مَذْكُورًا حَتَّى يُضَافَ إلَيْهِ . ا هـ . كَافِي

(قَوْلُهُ حَلْيٌ) الْحَلْيُ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَسُكُونِ اللَّامِ مُفْرَدٌ وَجَمْعُهُ حُلِيٌّ بِضَمِّ الْحَاءِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ عَلَى فُعُولٍ كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ مُرَصَّعًا) التَّرْصِيعُ التَّرْكِيبُ يُقَالُ تَاجٌ مُرَصَّعٌ بِالْجَوَاهِرِ ا هـ (قَوْلُهُ وَعِنْدَهُمَا يَحْنَثُ) وَبِقَوْلِهِمَا قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ . ا هـ . فَتْحٌ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَقِيلَ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِ لَا بَأْسَ بِأَنْ يَلْبَسَ الْغِلْمَانُ اللُّؤْلُؤَ وَكَذَلِكَ الرِّجَالُ وَقَاسَ أَبُو حَنِيفَةَ اللُّؤْلُؤَ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ حُلِيًّا إلَّا بِصِيغَةٍ تُصَاغُ فَكَذَا اللُّؤْلُؤُ لَا يَكُونُ حُلِيًّا إلَّا بِالتَّرْصِيعِ قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فَعَلَى هَذَا إذَا عَلَّقَتْ الْمَرْأَةُ فِي عُنُقِهَا شَيْئًا مِنْ الذَّهَبِ غَيْرَ مَصُوغٍ لَا يَحْنَثُ ا هـ (قَوْلُهُ وَالْعَادَةُ هِيَ الْمُعْتَبَرَةُ فِي الْأَيْمَانِ) أَيْ لَا اسْتِعْمَالُ الْقُرْآنِ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ حُلِيًّا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لَمَا حَلَّ) أَيْ لِأَنَّ التَّزَيُّنَ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ حَرَامٌ عَلَى الرِّجَالِ وَلَوْ لَبِسَ خَلْخَالًا أَوْ دُمْلُوجًا أَوْ سِوَارًا يَحْنَثُ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ . ا هـ . كَافِي (قَوْلُهُ يَحْنَثُ وَهُوَ الصَّحِيحُ) قَالَ الْكَمَالُ وَقِيلَ لَا يَحْنَثُ بِخَاتَمِ الْفِضَّةِ مُطْلَقًا وَإِنْ كَانَ يَلْبَسُهُ النِّسَاءُ وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ لِأَنَّ الْعُرْفَ فِي خَاتَمِ الْفِضَّةِ نَفْيُ كَوْنِهِ حُلِيًّا وَإِنْ كَانَ زِينَةً وَإِنْ كَانَ مِنْ ذَهَبٍ ا هـ

(3/155)


وَبَيْنَ الْأَرْضِ ثَوْبُهُ وَهُوَ لَابِسُهُ حَيْثُ يَحْنَثُ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لَهُ فَلَا يُعْتَبَرُ حَائِلًا إلَّا إذَا نَزَعَهُ وَفَرَشَهُ عَلَى الْأَرْضِ وَجَلَسَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ كَالْفِرَاشِ وَكَذَا النَّوْمُ عَلَى فِرَاشٍ فَوْقَ فِرَاشٍ أَوْ الْجُلُوسُ عَلَى سَرِيرٍ فَوْقَ سَرِيرٍ لَا يُعَدُّ جَالِسًا وَلَا نَائِمًا عَلَى الْفِرَاشِ الْأَسْفَلِ أَوْ عَلَى السَّرِيرِ الْأَسْفَلِ وَذُكِرَ فِي الْكَافِي مَعْزِيًّا إلَى الْمُخْتَلِفِ أَنَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَحْنَثُ فِي الْفِرَاشِ فَوْقَ الْفِرَاشِ لِأَنَّهُ نَائِمٌ عَلَيْهِمَا عُرْفًا يُقَالُ نَائِمٌ عَلَى فِرَاشَيْنِ فَصَارَ كَمَنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا فَسَلَّمَ عَلَى جَمْعٍ هُوَ فِيهِمْ وَقَوْلُهُ لَا يَجْلِسُ عَلَى سَرِيرٍ لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ السَّرِيرُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ نَكِرَةً كَمَا ذَكَرَهُ يَحْنَثُ بِالْجُلُوسِ عَلَى السَّرِيرِ الْأَعْلَى لِأَنَّ اللَّفْظَ الْمُنَكَّرَ يَتَنَاوَلُهُ وَإِنَّمَا لَا يَحْنَثُ إذَا كَانَ السَّرِيرُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ مُعَيَّنًا بِأَنْ حَلَفَ لَا يَجْلِسُ عَلَى هَذَا السَّرِيرِ فَجَعَلَ فَوْقَهُ سَرِيرًا آخَرَ فَجَلَسَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ غَيْرُهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ جُعِلَ عَلَى الْفِرَاشِ قِرَامٌ أَوْ عَلَى السَّرِيرِ بِسَاطٌ أَوْ حَصِيرٌ حَنِثَ) لِأَنَّهُ يُعَدُّ جَالِسًا وَنَائِمًا عَلَى الْفِرَاشِ وَالسَّرِيرِ عَادَةً وَعَلَى هَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَنَامُ عَلَى هَذَا السَّطْحِ أَوْ الدُّكَّانِ أَوْ لَا يَجْلِسُ فَبَسَطَ عَلَيْهِ فِرَاشًا أَوْ حَصِيرًا فَنَامَ عَلَيْهِ أَوْ جَلَسَ حَنِثَ لِأَنَّهُ يُعَدُّ نَائِمًا وَجَالِسًا عَلَيْهِمَا وَالنَّوْمُ وَالْجُلُوسُ عَلَيْهِمَا هَكَذَا يَكُونُ عَادَةً أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ هَذَا الْفَرَسَ فَوَضَعَ عَلَيْهِ سَرْجًا فَرَكِبَهُ حَنِثَ بِخِلَافِ الْفِرَاشِ عَلَى الْفِرَاشِ أَوْ السَّرِيرِ عَلَى السَّرِيرِ لِأَنَّ الْأَعْلَى مِثْلُ الْأَسْفَلِ فَلَا يَكُونُ تَبَعًا لَهُ وَبِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ لَا يَجْلِسُ عَلَى الْأَرْضِ حَيْثُ لَا يَحْنَثُ بِالْجُلُوسِ عَلَى الْفِرَاشِ وَالْفَارِقُ الْعُرْفُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

(بَابُ الْيَمِينِ فِي الضَّرْبِ وَالْقَتْلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ) وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ مَا شَرِكَ الْمَيِّتُ فِيهِ الْحَيَّ يَقَعُ الْيَمِينُ فِيهِ عَلَى حَالَةِ الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ وَمَا اُخْتُصَّ بِحَالَةِ الْحَيَاةِ تَقَيَّدَ بِهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إنْ ضَرَبْتُك وَكَسَوْتُك وَكَلَّمْتُك وَدَخَلْت عَلَيْك فَعَبْدِي حُرٌّ تَقَيَّدَ بِالْحَيَاةِ) أَيْ لَوْ قَالَ إنْ ضَرَبْتُك أَوْ كَسَوْتُك أَوْ دَخَلْت عَلَيْك فَعَبْدِي حُرٌّ تَقَيَّدَ بِحَيَاةِ الْمُخَاطَبِ حَتَّى لَوْ فَعَلَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ بَعْدَ مَوْتِ الْمُخَاطَبِ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَا تَتَحَقَّقُ فِي الْمَيِّتِ وَهَذَا لِأَنَّ الضَّرْبَ اسْمٌ لِفِعْلٍ مُؤْلِمٍ يَتَّصِلُ بِالْبَدَنِ وَبَعْدَ الْمَوْتِ لَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَذَّبُ فِي الْقَبْرِ تُوضَعُ فِيهِ الْحَيَاةُ فِي الصَّحِيحِ وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ تِلْكَ الْحَيَاةِ وَلَا يَرِدُ عَلَيْنَا أَنَّ أَيُّوبَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أُمِرَ أَنْ يَضْرِبَ امْرَأَتَهُ بِالضِّغْثِ وَهُوَ غَيْرُ مُؤْلِمٍ لِأَنَّهُ حُزْمَةٌ صَغِيرَةٌ مِنْ حَشِيشٍ أَوْ رَيْحَانٍ لِأَنَّهُ جَازَ أَنْ يَكُونَ مُخْتَصًّا بِهِ إكْرَامًا لَهُ وَتَخْفِيفًا عَلَيْهَا وَقِيلَ الضِّغْثُ قَبْضَةٌ مِنْ أَغْصَانِ الشَّجَرِ فَعَلَى هَذَا لَا إشْكَالَ فِيهِ وَالْكِسْوَةُ يُرَادُ بِهَا التَّمْلِيكُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَمِنْهُ الْكِسْوَةُ فِي الْكَفَّارَةِ وَهُوَ لَا يَتَحَقَّقُ فِي الْمَيِّتِ
وَلِهَذَا لَوْ تَبَرَّعَ بِكَفَنِهِ أَحَدٌ ثُمَّ أَخْرَجَهُ السَّيْلُ أَوْ السِّبَاعُ يَكُونُ لِلْمُتَبَرِّعِ لَا لِوَرَثَتِهِ لِمَا قُلْنَا بِخِلَافِ اللُّبْسِ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ السَّتْرِ وَهُوَ يَتَحَقَّقُ فِي الْمَيِّتِ حَتَّى لَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُهُ فَأُلْبِسَهُ بَعْدَ الْمَوْتِ يَحْنَثُ لِمَا قُلْنَا إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِالْكِسْوَةِ السَّتْرَ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَحْنَثُ وَالْكَلَامُ يُرَادُ بِهِ الْإِفْهَامُ وَهُوَ لَا يَتَحَقَّقُ فِي الْمَيِّتِ وَلَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ يُقَالُ نَائِمٌ عَلَى فِرَاشَيْنِ) أَيْ وَلَا يُقَالُ جَلَسَ عَلَى سَرِيرَيْنِ إنْ كَانَ أَحَدُهُمَا فَوْقَ الْآخَرِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَسَلَّمَ عَلَى جَمْعٍ هُوَ فِيهِمْ) أَيْ بِقَوْلِهِ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ . ا هـ . كَافِي (قَوْلُهُ وَقَوْلُهُ لَا يَجْلِسُ عَلَى سَرِيرٍ لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ) قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَمَنْ حَلَفَ لَا يَنَامُ عَلَى فِرَاشٍ قَالَ الْكَمَالُ أَيْ فِرَاشٍ مُعَيَّنٍ فَإِنَّهُ قَالَ فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ عَلَى هَذَا الْفِرَاشِ وَبِدَلِيلِ قَوْلِهِ وَإِنْ جَعَلَ فَوْقَهُ فِرَاشًا آخَرَ فَنَامَ عَلَيْهِ لَا يَحْنَثُ ا هـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ مِنْهُ مُنَكَّرًا لَحَنِثَ لِأَنَّهُ نَامَ عَلَى فِرَاشٍ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَنَامُ عَلَى هَذَا السَّطْحِ أَوْ الدُّكَّانِ إلَخْ) وَلَوْ بَنَى دُكَّانًا فَوْقَ الدُّكَّانِ أَوْ سَطْحًا فَوْقَ السَّطْحِ انْقَطَعَتْ النِّسْبَةُ عَنْ الْأَسْفَلِ فَلَا يَحْنَثُ بِالْجُلُوسِ عَلَى الْأَعْلَى وَلِذَا كُرِهَتْ الصَّلَاةُ عَلَى سَطْحِ الْكَنِيفِ وَالْإِصْطَبْلِ وَلَوْ بَنَى عَلَى ذَلِكَ سَطْحًا آخَرَ فَصَلَّى عَلَيْهِ لَا يُكْرَهُ قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو الْمُعِينِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ حَلَفَ لَا يَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ فَمَشَى عَلَيْهَا بِنَعْلٍ أَوْ خُفٍّ حَنِثَ وَإِنْ حَلَفَ عَلَى بِسَاطٍ لَمْ يَحْنَثْ وَإِنْ مَشَى عَلَى أَحْجَارٍ حَنِثَ لِأَنَّهَا مِنْ الْأَرْضِ . ا هـ . كَمَالٌ

(بَابُ الْيَمِينِ فِي الضَّرْبِ وَالْقَتْلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ) (قَوْلُهُ وَهَذَا لِأَنَّ الضَّرْبَ اسْمٌ لِفِعْلٍ مُؤْلِمٍ يَتَّصِلُ بِالْبَدَنِ) أَيْ أَوْ اسْتِعْمَالُ آلَةِ التَّأْدِيبِ فِي مَحَلٍّ قَابِلٍ لِلتَّأْدِيبِ وَالْإِيلَامِ وَالْأَدَبُ لَا يَتَحَقَّقُ فِي الْمَيِّتِ لِأَنَّهُ لَا يُحِسُّ وَلِذَا كَانَ الْحَقُّ أَنَّ الْمَيِّتَ الْمُعَذَّبَ فِي قَبْرِهِ تُوضَعُ فِيهِ الْحَيَاةُ بِقَدْرِ مَا يُحِسُّ بِالْأَلَمِ وَالْبِنْيَةُ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ حَتَّى لَوْ كَانَ مُتَفَرِّقَ الْأَجْزَاءِ بِحَيْثُ لَا تَتَمَيَّزُ الْأَجْزَاءُ بَلْ هِيَ مُخْتَلِطَةٌ بِالتُّرَابِ فَعُذِّبَ جُعِلَتْ الْحَيَاةُ فِي تِلْكَ الْأَجْزَاءِ الَّتِي لَا يَأْخُذُهَا الْبَصَرُ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى ذَلِكَ لَقَدِيرٌ وَالْخِلَافُ فِيهِ إنْ كَانَ بِنَاءً عَلَى إنْكَارِ عَذَابِ الْقَبْرِ وَإِلَّا فَلَا يُتَصَوَّرُ مِنْ عَاقِلٍ الْقَوْلُ بِالْعَذَابِ مَعَ عَدَمِ الْإِحْسَاسِ . ا هـ . (قَوْلُهُ فِي الصَّحِيحِ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ الْكَرَّامِيَّةِ وَالصَّالِحِيَّةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ
(قَوْلُهُ وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ تِلْكَ الْحَيَاةِ) فَقِيلَ تُوضَعُ فِيهِ الْحَيَاةُ بِقَدْرِ مَا يَتَأَلَّمُ لَا الْحَيَاةُ الْمُطْلَقَةُ وَقِيلَ تُوضَعُ فِيهِ الْحَيَاةُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ . ا هـ . (قَوْلُهُ بِالضِّغْثِ) وَالضِّغْثُ فِي اللُّغَةِ مَا جَمَعْته بِكَفِّك مِنْ نَبَاتِ الْأَرْضِ فَانْتَزَعْته قَالَ الشَّاعِرُ
وَجَمَعْت ضِغْثًا مِنْ خَلَا مُتَطَيِّبٍ
كَذَا قَالَ صَاحِبُ الْجَمْهَرَةِ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَالْكِسْوَةُ يُرَادُ بِهَا التَّمْلِيكُ) أَيْ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ) أَيْ يُقَالُ كَسَا الْأَمِيرُ فُلَانًا أَيْ مَلَّكَهُ . ا هـ . كَافِي
(قَوْلُهُ وَمِنْهُ الْكِسْوَةُ فِي الْكَفَّارَةِ) أَيْ فَلَوْ أَنَّهُ كَسَا عَشْرَةَ أَمْوَاتٍ عَنْ كَفَّارَةِ يَمِينِهِ لَمْ تُجْزِهِ لِعَدَمِ التَّمْلِيكِ يُؤَيِّدُهُ أَنَّ الرَّجُلَ لَوْ قَالَ كَسَوْتُك هَذَا الثَّوْبَ يَصِيرُ هِبَةً قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ لَوْ كَانَتْ يَمِينُهُ بِالْفَارِسِيَّةِ يَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ بِالْفَارِسِيَّةِ يُرَادُ بِهِ اللُّبْسُ وَلَا يُرَادُ بِهِ التَّمْلِيكُ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ حَلَفَ لَا يُلْبِسُهُ) أَيْ لَوْ حَلَفَ لَا يُلْبِسُ فُلَانًا ثَوْبًا فَأَلْبَسَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ يَحْنَثُ ا هـ (قَوْلُهُ لِمَا قُلْنَا) يَعْنِي بِخِلَافِ الْكِسْوَةِ ا هـ (قَوْلُهُ وَهُوَ لَا يَتَحَقَّقُ فِي الْمَيِّتِ) أَيْ فَلَوْ كَلَّمَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ لَا يَحْنَثُ ا هـ

(3/156)


يُقَالُ «إنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ لِقَتْلَى بَدْرٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا» فَلَوْلَا أَنَّهُ فِيهِ مُتَحَقِّقٌ لَمَا قَالَ لَهُمْ ذَلِكَ لِأَنَّا نَقُولُ رَدَّتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - هَذَا الْحَدِيثَ وَقَالَتْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} [النمل : 80] وَقَالَ تَعَالَى {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [فاطر : 22] فَلَمْ يَثْبُتْ وَلَئِنْ ثَبَتَ فَهُوَ مُخْتَصٌّ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِوَعْظِ الْأَحْيَاءِ وَنَظِيرُهُ مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ إذَا أَتَى الْمَقَابِرَ قَالَ عَلَيْكُمْ السَّلَامُ دِيَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ أَمَّا نِسَاؤُكُمْ فَقَدْ نُكِحَتْ وَأَمْوَالُكُمْ فَقَدْ قُسِمَتْ وَدِيَارُكُمْ فَقَدْ سُكِنَتْ فَهَذَا خَبَرُكُمْ عِنْدَنَا فَمَا خَبَرُنَا عِنْدَكُمْ وَكَانَ يَقُولُ سَلْ الْأَرْضَ مَنْ شَقَّ أَنْهَارَك وَغَرَسَ أَشْجَارَك وَجَنَى ثِمَارَك فَإِنْ لَمْ تُجِبْك جَوَابًا أَجَابَتْك اعْتِبَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْوَعْظِ لِلْأَحْيَاءِ لَا عَلَى سَبِيلِ الْخِطَابِ لِلْمَوْتَى وَالْجَمَادَاتِ وَالْغَرَضُ مِنْ الدُّخُولِ إكْرَامُهُ بِتَعْظِيمِهِ أَوْ إهَانَتُهُ بِتَحْقِيرِهِ أَوْ زِيَارَتُهُ وَلِهَذَا لَوْ لَمْ يَقْصِدْهُ بِالدُّخُولِ بِأَنْ دَخَلَ عَلَى غَيْرِهِ أَوْ لِحَاجَةٍ أُخْرَى أَوْ دَخَلَ عَلَيْهِ فِي مَوْضِعٍ لَا يَجْلِسُ فِيهِ لِلزِّيَارَةِ كَالْمَسْجِدِ وَالظُّلَّةِ وَالدِّهْلِيزِ لَا يَكُونُ دُخُولًا عَلَيْهِ إلَّا إذَا اعْتَادَ الْجُلُوسَ فِيهِ لِلزِّيَارَةِ وَلَا يَتَحَقَّقُ الْكُلُّ بَعْدَ الْمَوْتِ لِأَنَّهُ لَا يُزَارُ هُوَ وَإِنَّمَا يُزَارُ قَبْرُهُ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كُنْت نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزَرُوهَا»

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (بِخِلَافِ الْغُسْلِ وَالْحَمْلِ وَالْمَسِّ) أَيْ بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ لَا يُغَسِّلُ فُلَانًا أَوْ لَا يَحْمِلُهُ أَوْ لَا يَمَسُّهُ حَيْثُ يَحْنَثُ إذَا فَعَلَ بِهِ ذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِهِ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ تَتَحَقَّقُ فِي الْمَيِّتِ كَمَا تَتَحَقَّقُ فِي الْحَيِّ وَهَذَا لِأَنَّ الْغُسْلَ هُوَ الْإِسَالَةُ وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ التَّطْهِيرُ وَالْمَيِّتُ يَطْهُرُ بِالْغُسْلِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا حَمَلَهُ رَجُلٌ وَصَلَّى لَا يَجُوزُ قَبْلَ الْغُسْلِ وَبَعْدَهُ يَجُوزُ وَكَذَا لَوْ صَلَّى عَلَيْهِ قَبْلَ الْغُسْلِ لَا يَجُوزُ فَلَا يُنَافِيهِ الْمَوْتُ وَكَيْفَ يُنَافِيهِ وَغُسْلُهُ وَاجِبٌ عَلَى الْأَحْيَاءِ وَالْحَمْلُ يَتَحَقَّقُ بَعْدَ الْمَوْتِ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ حَمَلَ مَيِّتًا فَلْيَتَوَضَّأْ» وَالْمَسُّ لِلتَّعْظِيمِ أَوْ الشَّفَقَةِ فَيَتَحَقَّقُ بَعْدَ الْمَوْتِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا يَضْرِبُ امْرَأَتَهُ فَمَدَّ شَعْرَهَا أَوْ خَنَقَهَا أَوْ عَضَّهَا حَنِثَ) أَيْ لَوْ حَلَفَ لَا يَضْرِبُهَا فَفَعَلَ بِهَا هَذِهِ الْأَشْيَاءَ يَحْنَثُ لِأَنَّ الضَّرْبَ اسْمٌ لِفِعْلٍ مُؤْلِمٍ وَقَدْ تَحَقَّقَ وَقِيلَ هَذَا إذَا كَانَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ فِي حَالَةِ الْغَضَبِ وَإِنْ كَانَتْ فِي الْمُلَاعَبَةِ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ يُسَمَّى مُمَازَحَةً لَا ضَرْبًا عَادَةً وَقِيلَ إذَا كَانَتْ يَمِينُهُ بِالْفَارِسِيَّةِ لَا يَحْنَثُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إنْ لَمْ أَقْتُلْ فُلَانًا فَكَذَا وَهُوَ مَيِّتٌ إنْ عَلِمَ بِهِ حَنِثَ) أَيْ إذَا قَالَ شَخْصٌ إنْ لَمْ أَقْتُلْ فُلَانًا فَامْرَأَتِي طَالِقٌ وَفُلَانٌ مَيِّتٌ فَإِنْ كَانَ الْحَالِفُ عَالِمًا بِمَوْتِهِ حِينَ حَلَفَ حَنِثَ لِلْحَالِ لِأَنَّ يَمِينَهُ تَنْعَقِدُ لِتَصَوُّرِ الْبِرِّ فِيهِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى إعَادَةِ الْحَيَاةِ فِيهِ إذْ الرُّوحُ لَا تَمُوتُ فَيُمْكِنُ قَتْلُهُ ثُمَّ يَحْنَثُ لِلْحَالِ لِلْعَجْزِ عَادَةً كَمَسْأَلَةِ صُعُودِ السَّمَاءِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِلَّا لَا) أَيْ إنْ لَمْ يَعْلَمْ بِمَوْتِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ لِأَنَّا نَقُولُ) أَيْ هُوَ غَيْرُ ثَابِتٍ فَإِنَّهُ لَمَّا بَلَغَ هَذَا الْحَدِيثُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ كَذَبْتُمْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} [النمل : 80] {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [فاطر : 22] . ا هـ . كَافِي
(قَوْلُهُ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِوَعْظِ الْأَحْيَاءِ) أَيْ لَا لِإِفْهَامِ الْمَوْتَى . ا هـ . (قَوْلُهُ فَمَا خَبَرُنَا عِنْدَكُمْ) أَيْ وَبِأَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِأُولَئِكَ تَضْعِيفًا لِلْحَسْرَةِ عَلَيْهِمْ لَكِنْ بَقِيَ أَنَّهُ رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «إنَّ الْمَيِّتَ لَيَسْمَعُ خَفْقَ نِعَالِهِمْ إذَا انْصَرَفُوا» وَلْيُنْظَرْ فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ مِنْ هَذَا الشَّرْحِ . ا هـ . فَتْحٌ (قَوْلُهُ أَوْ زِيَارَتُهُ) أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُقَالُ دَخَلَ عَلَى دَابَّةٍ أَوْ دَخَلَ عَلَى حَائِطٍ فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ الدُّخُولُ عَلَى شَيْءٍ دُخُولًا عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْيَمِينِ لَمْ يَحْنَثْ فِي يَمِينِهِ لَا يَدْخُلُ عَلَى فُلَانٍ إذَا دَخَلَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَهَذَا لِأَنَّ زِيَارَةَ عَيْنِ الْمَيِّتِ لَا تَكُونُ لِأَنَّ الْمَزُورَ قَبْرُهُ لَا عَيْنُهُ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُنْت نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ أَلَا فَزُورُوهَا» قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ الْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ كُلَّ فِعْلٍ يَلَذُّ وَيُؤْلِمُ وَيَغُمُّ وَيَسُرُّ يَقَعُ عَلَى الْحَيَاةِ دُونَ الْمَمَاتِ كَالضَّرْبِ وَالشَّتْمِ وَالْجِمَاعِ وَالْكِسْوَةِ وَالدُّخُولِ عَلَيْهِ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ قَالَ الْكَمَالُ وَمِثْلُهُ التَّقْبِيلُ إذَا حَلَفَ لَا يُقَبِّلُهَا فَقَبَّلَهَا بَعْدَ الْمَوْتِ لَا يَحْنَثُ «وَتَقْبِيلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ بَعْدَ مَا أُدْرِجَ فِي الْكَفَنِ» مَحْمُولٌ عَلَى ضَرْبٍ مِنْ الشَّفَقَةِ وَالتَّعْظِيمِ وَقِيلَ إنْ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى تَقْبِيلِ مُلْتَحٍ يَحْنَثُ أَوْ عَلَى امْرَأَةٍ لَا يَحْنَثُ وَهُوَ عَلَى الْوَجْهِ ا هـ
قَوْلُهُ «كُنْت نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا» أَيْ وَلَمْ يَقُلْ عَنْ زِيَارَةِ الْمَوْتَى . ا هـ . فَتْحٌ

(قَوْلُهُ وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ التَّطْهِيرُ) قَالَ الْكَمَالُ أَوْ إزَالَةُ الْوَسَخِ وَالْكُلُّ يَتَحَقَّقُ فِي حَالَةِ الْمَوْتِ كَالْحَيَاةِ . ا هـ .

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لَا يَضْرِبُ امْرَأَتَهُ فَمَدَّ شَعْرَهَا أَوْ خَنَقَهَا أَوْ عَضَّهَا حَنِثَ) قَالَ الْكَمَالُ وَكَذَا لَوْ وَجَأَهَا أَوْ قَرَصَهَا وَعَنْ بَعْضِ الْمَشَايِخِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْنَثَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يُتَعَارَفُ ضَرْبًا وَأُجِيبَ بِمَا عُلِّلَ بِهِ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ أَنَّ الضَّرْبَ اسْمٌ لِفِعْلٍ مُؤْلِمٍ يَتَّصِلُ بِهِ وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ كَذَلِكَ وَفِي الْمُنْتَقَى حَلَفَ لَا يَضْرِبُ فُلَانًا فَنَفَضَ ثَوْبَهُ فَأَصَابَ وَجْهَهُ أَوْ رَمَاهُ بِحَجَرٍ فَأَدْمَاهُ أَوْ نُشَّابَةٍ فَأَصَابَتْهُ لَا يَحْنَثُ وَاسْتَشْكَلَ يَمِينُ الضَّرْبِ بِأَنَّهَا إمَّا إنْ تَعَلَّقَتْ بِصُورَةِ الضَّرْبِ عُرْفًا فَهُوَ إيقَاعُ آلَةِ التَّأْدِيبِ فِي مَحَلٍّ قَابِلٍ لَهُ فَيَجِبُ أَنْ لَا يَحْنَثَ بِالْخَنْقِ وَمَدِّ الشَّعْرِ وَالْعَضِّ لِأَنَّهُ لَا يُتَعَارَفُ ضَرْبًا أَوْ بِمَعْنَاهُ وَهُوَ الْإِيلَامُ فَيَجِبُ أَنْ يَحْنَثَ بِالرَّمْيِ بِالْحَجَرِ أَوْ بِهِمَا فَيَحْنَثُ بِالضَّرْبِ مَعَ الْإِيلَامِ مُمَازَحَةً لَكِنَّهُ لَا يَحْنَثُ وَهُوَ إشْكَالٌ وَارِدٌ وَمَا أُجِيبَ بِهِ مِنْ أَنَّ شَرْطَ الْحِنْثِ حُصُولُ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَهُوَ الضَّرْبُ لَفْظًا وَعُرْفًا مِثَالُهُ حَلَفَ لَا يَبِيعُ كَذَا بِعَشْرَةٍ فَبَاعَهُ بِتِسْعَةٍ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ إنْ وُجِدَ شَرْطُ الْحِنْثِ عُرْفًا لَكِنْ لَمْ يُوجَدْ شَرْطُ الْحِنْثِ لَفْظًا لِأَنَّ مَقْصُودَهُ أَنْ لَا يَبِيعَ بِعَشْرَةٍ أَوْ بِأَقَلَّ بَلْ بِأَكْثَرَ
وَلَوْ بَاعَهُ بِأَكْثَرَ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ وَإِنْ وُجِدَ شَرْطُ الْحِنْثِ لَفْظًا لِأَنَّهُ لَمَّا بَاعَهُ بِأَحَدَ عَشَرَ فَقَدْ بَاعَهُ بِعَشْرَةٍ أَيْضًا لَكِنَّهُ لَمْ يُوجَدْ عُرْفًا فَلَا يَحْنَثُ غَيْرُ دَافِعٍ بِقَلِيلٍ تَأَمَّلْ ثُمَّ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَغَيْرُهُ هَذَا يَعْنِي الْحِنْثَ إذَا كَانَ فِي الْغَضَبِ أَمَّا إذَا فَعَلَ فِي الْمُمَازَحَةِ فَلَا يَحْنَثُ وَلَوْ أَدْمَاهَا لَكِنْ لَا عَلَى قَصْدِ الْإِدْمَاءِ بَلْ وَقَعَ خَطَأً فِي الْمُمَازَحَةِ بِالْيَدِ وَعَنْ الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ أَنَّهُ قَالَ هَذَا إذَا كَانَتْ بِالْعَرَبِيَّةِ أَمَّا إذَا كَانَتْ بِالْفَارِسِيَّةِ لَا يَحْنَثُ بِمَدِّ الشَّعْرِ وَالْخَنْقِ وَالْعَضِّ وَالْحَقُّ أَنَّ هَذَا هُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظْمُ فِي الْعَرَبِيَّةِ أَيْضًا إلَّا أَنَّهُ خِلَافُ الْمَذْهَبِ . ا هـ .

(قَوْلُهُ لِأَنَّ يَمِينَهُ تَنْعَقِدُ) أَيْ عَلَى حَيَاةٍ يُحْدِثُهَا اللَّهُ وَهُوَ مُمْكِنٌ بِالنَّظَرِ إلَى قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَكِنَّهُ يَحْنَثُ فِي الْحَالِ وَتَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ لِعَجْزِهِ عَادَةً عَنْ قَتْلِهِ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ إذْ الرُّوحُ لَا تَمُوتُ)

(3/157)


وَقْتَ الْحَلِفِ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى حَيَاةٍ كَانَتْ فِيهِ وَذَلِكَ لَا يُتَصَوَّرُ فَيَصِيرُ نَظِيرَ مَسْأَلَةِ الْكُوزِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَاءٌ وَهَذَا قَوْلُهُمَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَحْنَثُ لِأَنَّ التَّصَوُّرَ لَيْسَ بِشَرْطٍ عِنْدَهُ لِانْعِقَادِ الْيَمِينِ كَمَا بَيَّنَّا فِي مَسْأَلَةِ الْكُوزِ إلَّا أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِيهَا بَيْنَ الْعِلْمِ وَعَدَمِهِ عَلَى الصَّحِيحِ خِلَافًا لِمَا يَقُولُهُ مَشَايِخُ الْعِرَاقِ لِأَنَّهُ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى شُرْبِ مَاءٍ مَفْقُودٍ فِي الْكُوزِ وَاَللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ أَحْدَثَ فِيهِ مَاءً فَلَيْسَ هُوَ ذَلِكَ الْمَاءَ الَّذِي كَانَ فِيهِ وَقْتَ الْحَلِفِ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْقَتْلِ إذَا كَانَ يَعْلَمُ بِمَوْتِ فُلَانٍ لِأَنَّهُ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى فِعْلِ الْقَتْلِ فِي فُلَانٍ فَإِذَا أَحْيَاهُ اللَّهُ تَعَالَى فَهُوَ فُلَانٌ فَكَانَ مَا عَقَدَ عَلَيْهِ مُتَوَهَّمًا وَنَظِيرُ مَسْأَلَةِ الْكُوزِ أَنْ يَقُولَ وَاَللَّهِ لَأَقْتُلَنَّ هَذَا الْمَيِّتَ فَإِنَّ يَمِينَهُ لَا يَنْعَقِدُ لِمَا أَنَّهُ عَقَدَهَا عَلَى تَفْوِيتِ حَيَاةٍ لَيْسَتْ بِمَوْجُودَةٍ زَمَانَ الْحَلِفِ فَلَوْ أَحْدَثَ اللَّهُ فِيهِ حَيَاةً لَا تَكُونُ هِيَ حَيَاةً حَلَفَ عَلَى تَفْوِيتِهَا لِأَنَّ هَذِهِ مَوْجُودَةٌ وَتِلْكَ مَعْدُومَةٌ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَا دُونَ الشَّهْرِ قَرِيبٌ وَهُوَ وَمَا فَوْقَهُ بَعِيدٌ) لِأَنَّ مَا دُونَ الشَّهْرِ يُعَدُّ قَرِيبًا عَادَةً وَالشَّهْرُ وَمَا فَوْقَهُ يُعَدُّ بَعِيدًا عَادَةً حَتَّى لَوْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ دَيْنَهُ إلَى قَرِيبٍ فَهُوَ مَا دُونَ الشَّهْرِ وَإِنْ قَالَ إلَى بَعِيدٍ فَهُوَ الشَّهْرُ فَمَا فَوْقَهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَيَقْضِيَنَّ دَيْنَهُ الْيَوْمَ فَقَضَاهُ زُيُوفًا أَوْ نَبَهْرَجَةً أَوْ مُسْتَحَقَّةً بَرَّ) أَيْ لَوْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ دَيْنَ فُلَانٍ الْيَوْمَ فَقَضَاهُ فَوَجَدَهَا زُيُوفًا أَوْ نَبَهْرَجَةً أَوْ مُسْتَحَقَّةً بَرَّ فِي يَمِينِهِ لِأَنَّ الزُّيُوفَ دَرَاهِمُ حَقِيقَةً غَيْرَ أَنَّ فِيهَا عَيْبًا وَالْعَيْبُ لَا يُعْدِمُ الْجِنْسِيَّةَ وَلِهَذَا لَوْ تَجَوَّزَ بِهَا صَارَ مُسْتَوْفِيًا وَكَذَا لَوْ تَجَوَّزَ بِهِ فِي رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ وَبَدَلِ الصَّرْفِ يَجُوزُ وَلَوْلَا أَنَّهُ حَقُّهُ لَمَا جَازَ لِأَنَّهُ يَصِيرُ اسْتِبْدَالًا بِهِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ فِيهِمَا فَإِذَا كَانَ الْمَقْبُوضُ مِنْ حَقِّهِ بَرَّ فِي يَمِينِهِ وَلَا يُنْتَقَضُ الْبِرُّ الْمُتَحَقِّقُ بِانْتِقَاضِ قَضَاءِ الدَّيْنِ لِأَنَّ شَرْطَ الْبِرِّ لَا يَحْتَمِلُ الِانْتِقَاضَ وَقَبْضُ الْمُسْتَحِقِّ صَحِيحٌ حَتَّى لَوْ أَجَازَهُ الْمُسْتَحِقُّ فِي الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ جَازَ فَقَدْ وُجِدَ فِيهِ شَرْطُ الْبِرِّ فَيَبَرُّ فَإِنْ قِيلَ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْقَضَاءِ وَالْبِرِّ حَيْثُ قُلْتُمْ يُنْتَقَضُ قَضَاءُ الدَّيْنِ بِالرَّدِّ أَوْ بِالِاسْتِحْقَاقِ وَلَا يُنْتَقَضُ الْبِرُّ قُلْنَا لَوْ لَمْ يُنْتَقَضُ الْقَبْضُ لَتَضَرَّرَ صَاحِبُ الدَّيْنِ بِبُطْلَانِ حَقِّهِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ اسْتِيفَاءُ الْجَوْدَةِ وَحْدَهَا وَلَا اسْتِيفَاءُ الْجَيِّدِ مَعَ بَقَاءِ الِاسْتِيفَاءِ الْأَوَّلِ فَتَعَيَّنَ النَّقْضُ ضَرُورَةً لِيَتَمَكَّنَ مِنْ أَخْذِ حَقِّهِ وَلَا حَاجَةَ إلَى نَقْضِهِ فِي حَقِّ الْبِرِّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ رَصَاصًا أَوْ سَتُّوقَةً لَا) أَيْ لَوْ وَجَدَهُ رَصَاصًا أَوْ سَتُّوقَةً لَا يَبَرُّ فِي يَمِينِهِ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ جِنْسِ الدَّرَاهِمِ وَلِهَذَا لَوْ تَجَوَّزَ بِهِمَا لَمْ يَجُزْ إلَّا بِرِضَا الْآخَرِ بِطَرِيقِ الِاسْتِبْدَالِ وَلَوْ تَجَوَّزَ بِهِمَا فِي الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ لَا يَجُوزُ لِحُرْمَةِ الِاسْتِبْدَالِ وَهَذَا لِأَنَّ السَّتُّوقَةَ هِيَ الَّتِي غَلَبَ عَلَيْهَا النُّحَاسُ فَصَارَ حُكْمُهَا حُكْمَ النُّحَاسِ وَالزُّيُوفُ هُوَ الرَّدِيءُ مِنْ الدَّرَاهِمِ يَرُدُّهُ بَيْتُ الْمَالِ وَالنَّبَهْرَجَةُ أَرْدَأُ مِنْهُ يَرُدُّهُ التُّجَّارُ أَيْضًا وَإِنْ كَانَ أَكْثَرُهُ فِضَّةً وَالْأَقَلُّ سَتُّوقَةً لَا يَحْنَثُ وَبِالْعَكْسِ يَحْنَثُ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِالْغَالِبِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْبَيْعُ بِهِ قَضَاءٌ) أَيْ الْبَيْعُ بِالدَّيْنِ قَضَاءٌ لِلدَّيْنِ حَتَّى يَبَرُّ فِي يَمِينِهِ لَيَقْضِيَنَّ دَيْنَهُ لِأَنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ طَرِيقُهُ الْمُقَاصَّةُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لَكِنَّهُ زَالَ عَنْ قَلْبِ فُلَانٍ . ا هـ . كَافِي (قَوْلُهُ فَيَصِيرُ نَظِيرَ مَسْأَلَةِ الْكُوزِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَاءٌ) أَيْ فَعِنْدَهُ تَنْعَقِدُ وَيَحْنَثُ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لَا كَفَّارَةَ لِأَنَّهُ لَا حِنْثَ إذْ لَا انْعِقَادَ . ا هـ . فَتْحٌ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لَيَقْضِيَنَّ دَيْنَهُ الْيَوْمَ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمَنْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ دَيْنَهُ إلَى قَرِيبٍ أَوْ عَاجِلًا فَهُوَ مَا دُونَ الشَّهْرِ فَإِنْ أَخَّرَهُ إلَى الشَّهْرِ حَنِثَ وَإِنْ قَالَ إلَى بَعِيدٍ أَوْ آجِلًا فَهُوَ عَلَى الْأَكْثَرِ مِنْ شَهْرٍ وَعَلَى الشَّهْرِ أَيْضًا وَلَكِنَّهُ قَصَدَ الطِّبَاقَ بَيْنَ قَوْلِهِ مَا دُونَ الشَّهْرِ وَمَا فَوْقَهُ فَلَا يَحْنَثُ إلَّا إذَا مَاتَ لِشَهْرٍ فَصَاعِدًا مِنْ حِينِ حَلَفَ سَنَةً أَوْ أَكْثَرَ بِلَا غَايَةٍ مَحْدُودَةٍ إلَّا الْمَوْتَ فَإِنْ مَاتَ لِأَقَلَّ مِنْهُ فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ عَلَى مُقْتَضَى مَا ذَكَرُوا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ لَيْسَ فِي يَمِينِ الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ تَقْدِيرٌ لِأَنَّهُ إضَافِيٌّ فَكُلُّ مُدَّةٍ قَرِيبَةٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا بَعْدَهَا وَبَعِيدَةٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا دُونَهَا وَمُدَّةُ الدُّنْيَا كُلُّهَا قَرِيبَةٌ بِاعْتِبَارٍ وَبَعِيدَةٌ بِاعْتِبَارٍ آخَرَ وَإِنَّمَا يُحْكَمُ بِحِنْثِهِ إذَا مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَهُ وَقُلْنَا هُنَا وَجْهَانِ مِنْ الِاعْتِبَارِ اعْتِبَارُ الْإِضَافَةِ وَلَا ضَبْطَ فِيهَا كَمَا ذَكَرْت وَاعْتِبَارُ الْعُرْفِ وَعَلَيْهِ مَبْنَى الْأَيْمَانِ وَالْعُرْفُ يَعُدُّ الشَّهْرَ بَعِيدًا فَإِنَّهُ يُقَالُ مَا رَأَيْتُك مُنْذُ شَهْرٍ عِنْدَ اسْتِبْعَادِ مُدَّةِ الْغَيْبَةِ فِيهِ فَعِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَعَدَمِ النِّيَّةِ يُعْتَبَرُ ذَلِكَ فَأَمَّا إنْ نَوَى بِقَوْلِهِ إلَى قَرِيبٍ وَإِلَى بَعِيدٍ مُدَّةً مُعَيَّنَةً فَهُوَ عَلَى مَا نَوَى حَتَّى لَوْ نَوَى بِقَوْلِهِ إلَى قَرِيبٍ أَوْ عَاجِلًا سَنَةً أَوْ أَكْثَرَ صَحَّتْ نِيَّتُهُ
وَكَذَا إذَا قَالَ إلَى آخِرِ الدُّنْيَا لِأَنَّهَا قَرِيبَةٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْآخِرَةِ . ا هـ . (قَوْلُهُ بَرَّ فِي يَمِينِهِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ سَوَاءٌ حَلَفَ عَلَى الْقَبْضِ أَوْ عَلَى الدَّفْعِ . ا هـ . (قَوْلُهُ غَيْرَ أَنَّ فِيهَا) الَّذِي فِي خَطِّ الشَّارِحِ أَنَّ فِيهِ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَلِهَذَا لَوْ تَجَوَّزَ بِهَا) أَيْ تَسَامَحَ ا هـ (قَوْلُهُ فَتَعَيَّنَ النَّقْضُ ضَرُورَةً إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَكَذَلِكَ قَبْضُ الدَّرَاهِمِ الْمُسْتَحَقَّةِ صَحِيحٌ وَلِهَذَا لَوْ أَجَازَ الْمَالِكُ جَازَ وَلَوْ ضَمِنَ لَهُ الدَّفْعَ جَازَ فَبَعْدَ ذَلِكَ إذَا أَرَادَ الزَّيْفَ أَوْ النَّبَهْرَجَةَ أَوْ اسْتَرَدَّ الْمُسْتَحِقُّ انْتَقَضَ الْقَبْضُ فِي حَقِّ كُلِّ حُكْمٍ يَقْبَلُ الِانْتِقَاضَ وَالْبِرُّ لَا يَقْبَلُ الِانْتِقَاضَ أَلَا تَرَى أَنَّ مَوْلَى الْمُكَاتَبِ إذَا رَدَّ بَدَلَ الْكِتَابَةِ بِسَبَبِ أَنَّهُ زَيْفٌ أَوْ نَبَهْرَجَةٌ أَوْ اسْتَرَدَّ الْبَدَلَ بِالِاسْتِحْقَاقِ لَا يُنْقَضُ الْعِتْقُ فَكَذَا هُنَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الدَّرَاهِمُ الْمَقْضِيَّةُ رَصَاصًا أَوْ سَتُّوقَةً حَيْثُ يَحْنَثُ إذَا خَرَجَ الْيَوْمُ وَلَمْ يَسْتَبْدِلْ الْجِيَادَ فِي الْيَوْمِ لِأَنَّ الْقَضَاءَ لَمْ يَقَعْ بِهَا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ الدَّرَاهِمِ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ أَخْذُهَا فِي ثَمَنِ الصَّرْفِ وَلِهَذَا لَوْ وَجَدَ مَوْلَى الْمُكَاتَبِ بَدَلَ الْكِتَابَةِ رَصَاصًا أَوْ سَتُّوقَةً لَا يَعْتِقُ الْمُكَاتَبُ ا هـ
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ سَتُّوقَةً) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالسَّتُّوقَةُ فَارِسِيَّةٌ مُعَرَّبَةٌ وَمَعْنَاهَا ثَلَاثُ طَاقَاتٍ لِأَنَّهَا صُفْرٌ مُمَوَّهٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ بِالْفِضَّةِ قَالَ الْكَمَالُ وَالسَّتُّوقَةُ الْمَغْشُوشَةُ غِشًّا زَائِدًا وَهِيَ تَعْرِيبُ سي توقة أَيْ ثَلَاثُ طَبَقَاتٍ طَبَقَتَا الْوَجْهَيْنِ فِضَّةٌ وَمَا بَيْنَهُمَا نُحَاسٌ وَنَحْوُهُ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَالنَّبَهْرَجَةُ) قَالَ الْكَمَالُ وَغِشُّهَا أَكْثَرُ مِنْ الزُّيُوفِ يَرُدُّهُ مِنْ التُّجَّارِ الْمُسْتَقْصِي وَيَقْبَلُهُ السَّهْلُ مِنْهُمْ . ا هـ .

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْبَيْعُ بِهِ قَضَاءٌ) أَيْ بَاعَ الْحَالِفُ الْمَدْيُونُ رَبَّ الدَّيْنِ بِالدَّرَاهِمِ الَّتِي لِرَبِّ الدَّيْنِ عَلَى الْحَالِفِ عَبْدًا وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ

(3/158)


وَقَدْ تَحَقَّقَتْ بِمُجَرَّدِ الْبَيْعِ وَهَذَا لِأَنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا إذْ نَفْسُ الدَّيْنِ لَا يُمْكِنُ قَبْضُهُ لِأَنَّهُ وَصْفٌ فِي الذِّمَّةِ وَالْمَقْبُوضُ عَيْنٌ فَكَانَ غَيْرُهُ مَضْمُونًا عَلَى الْقَابِضِ فَيَلْتَقِيَانِ قِصَاصًا لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ بِقَبْضِهِمَا فَكَانَ آخِرُهُمَا قَضَاءً لِلْأَوَّلِ حَتَّى يَحْنَثُ الْآخَرُ فِي يَمِينِهِ لَا يَقْضِي دَيْنَهُ دُونَ الْأَوَّلِ وَهَذَا الْمَعْنَى قَدْ تَحَقَّقَ بِمُجَرَّدِ الْبَيْعِ هُنَا فَتَقَعُ الْمُقَاصَّةُ بِهِ فَيَبَرُّ فِي يَمِينِهِ وَاشْتِرَاطُ قَبْضِ الْمَبِيعِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَقَعَ اتِّفَاقًا لَا أَنَّهُ شَرْطٌ لِلْبِرِّ وَلَا يُقَالُ شَرْطُ الْقَبْضِ لِيَتَقَرَّرَ الثَّمَنُ لِأَنَّهُ بِعَرْضِيَّةِ السُّقُوطِ بِهَلَاكِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ لِأَنَّا نَقُولُ الْبِرُّ الْمُتَحَقِّقُ لَا يَرْتَفِعُ بِبُطْلَانِ الثَّمَنِ وَانْتِقَاضِ الْمُقَاصَّةِ وَعَوْدِ الدَّيْنِ عَلَى مَا كَانَ لِمَا بَيَّنَّا فِيمَا تَقَدَّمَ وَلَوْ كَانَ الْبَيْعُ فَاسِدًا يُشْتَرَطُ قَبْضُ الْمَبِيعِ لِوُقُوعِ الْمُقَاصَّةِ لِأَنَّهُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ لَا يُمْلَكُ إلَّا بِالْقَبْضِ فَإِذَا قَبَضَهُ وَكَانَ قِيمَتُهُ مِثْلَ الدَّيْنِ وَقَعَتْ الْمُقَاصَّةُ وَبَرَّ فِي يَمِينِهِ وَكَذَا لَوْ تَزَوَّجَ الطَّالِبُ أَمَةَ الْمَطْلُوبِ عَلَى ذَلِكَ الْمَالِ فَدَخَلَ عَلَيْهَا أَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ لِلْمَطْلُوبِ دَيْنٌ بِالْجِنَايَةِ أَوْ بِالِاسْتِهْلَاكِ لَا يَحْنَثُ وَلَوْ كَانَ الْحَالِفُ هُوَ الطَّالِبُ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا الْهِبَةُ) أَيْ هِبَةُ الدَّيْنِ مِمَّنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ لَا تَكُونُ قَضَاءً لِلدَّيْنِ لِأَنَّ الْقَضَاءَ فِعْلُ الْمَطْلُوبِ وَالْهِبَةَ إسْقَاطُ الدَّيْنِ مِنْ الطَّالِبِ فَلَا تَتَحَقَّقُ الْمُقَاصَّةُ فَنُبْطِلُ الْيَمِينَ إذَا كَانَتْ مُؤَقَّتَةً فَأَبْرَأَهُ قَبْلَ الْوَقْتِ لِأَنَّ الْقَضَاءَ لَا يُتَصَوَّرُ بَعْدَ الْإِبْرَاءِ فَصَارَ نَظِيرَ مَنْ حَلَفَ لَيَشْرَبَنَّ الْمَاءَ الَّذِي فِي هَذَا الْكُوزِ الْيَوْمَ وَفِيهِ مَاءٌ فَأُرِيقَ قَبْلَ اللَّيْلِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ بِشُعَبِهَا وَفِيهِ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ تَصَوُّرَ الْبِرِّ وَقْتَ وُجُوبِهِ شَرْطٌ عِنْدَهُمَا لِانْعِقَادِ الْيَمِينِ وَعِنْدَهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَيُخَرَّجُ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ مَسَائِلُ مِنْهَا مَا إذَا حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ دَيْنَهُ غَدًا فَقَضَاهُ الْيَوْمَ أَوْ حَلَفَ لَيَقْتُلَنَّ فُلَانًا غَدًا فَمَاتَ الْيَوْمَ أَوْ حَلَفَ لَيَأْكُلَنَّ هَذَا الرَّغِيفَ غَدًا فَأَكَلَهُ الْيَوْمَ وَمِنْهَا مَا إذَا قَالَ إنْ رَأَيْت فُلَانًا وَلَمْ أُعْلِمْك بِهِ فَعَبْدُهُ حُرٌّ فَرَآهُ مَعَهُ فَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا لَمْ يَعْتِقْ الْعَبْدُ عِنْدَهُمَا وَلَمْ يَحْنَثْ فِي الْكُلِّ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَعْتِقُ وَيَحْنَثُ فِي الْجَمِيعِ وَمِنْ جُمْلَةِ فُرُوعِهَا مَا إذَا قَالَ رَجُلٌ لِامْرَأَتِهِ إنْ لَمْ تَهَبِينِي الْيَوْمَ صَدَاقَك فَأَنْتِ طَالِقٌ وَقَالَ أَبُوهَا إنْ وَهَبْت لَهُ صَدَاقَك فَأُمُّك طَالِقٌ فَالْحِيلَةُ فِي هَذَا حَتَّى لَا يَحْنَثَا أَنْ تُصَالِحَ أَبَاهَا بِثَوْبٍ فَإِذَا مَضَى الْيَوْمُ لَمْ يَحْنَثْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا أَمَّا الْأَبُ فَلِأَنَّهَا مَا وَهَبَتْ الصَّدَاقَ لِلزَّوْجِ
وَأَمَّا الزَّوْجُ فَلِأَنَّهَا عَجَزَتْ عَنْ الْهِبَةِ فِي آخِرِ النَّهَارِ لِأَنَّ الصَّدَاقَ سَقَطَ عَنْ الزَّوْجِ بِالصُّلْحِ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ فِي آخِرِ بَابِ الْيَمِينِ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا يَقْبِضُ دَيْنَهُ دِرْهَمًا دُونَ دِرْهَمٍ فَقَبَضَ بَعْضَهُ لَا يَحْنَثُ حَتَّى يَقْبِضَ كُلَّهُ مُتَفَرِّقًا) لِأَنَّ شَرْطَ حِنْثِهِ قَبْضُ الْكُلِّ بِوَصْفِ التَّفَرُّقِ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْقَبْضَ إلَى دَيْنٍ مُعَرَّفٍ بِالْإِضَافَةِ إلَيْهِ فَيَتَنَاوَلُ كُلَّهُ فَمَا دَامَ عِنْدَ الْمَدِينِ شَيْءٌ مِنْ دَيْنِهِ بَاقِيًا لَمْ يَحْنَثْ لِعَدَمِ قَبْضِ الْكُلِّ وَهُوَ الشَّرْطُ وَلَوْ كَانَتْ مُقَيَّدَةً بِالْيَوْمِ بِأَنْ قَالَ لَا يَقْبِضُ دَيْنَهُ دِرْهَمًا دُونَ دِرْهَمٍ الْيَوْمَ فَقَبَضَ الْبَعْضَ فِي الْيَوْمِ مُتَفَرِّقًا أَوْ لَمْ يَقْبِضْ مِنْهُ شَيْئًا لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ شَرْطَ الْحِنْثِ أَخْذُ الْكُلِّ فِي الْيَوْمِ مُتَفَرِّقًا وَلَمْ يُوجَدْ وَلَوْ قَالَ إنْ قَبَضْت مِنْ دَيْنِي دِرْهَمًا دُونَ دِرْهَمٍ حَنِثَ وَكَذَا إذَا قَالَ إنْ أَخَذْت مِنْهُ دِرْهَمًا دُونَ دِرْهَمٍ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَوَّلِ أَنَّ شَرْطَ الْحِنْثِ هُنَا قَبْضُ الْبَعْضِ مِنْ الدَّيْنِ مُتَفَرِّقًا وَفِي الْأَوَّلِ قَبْضُ الْكُلِّ بِصِفَةِ التَّفَرُّقِ وَلَوْ قَبَضَ الْكُلَّ جُمْلَةً ثُمَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فِي الرَّجُلِ يَقُولُ إنْ لَمْ أَقْضِ دَرَاهِمَك الَّتِي لَك عَلَيَّ فَعَبْدِي حُرٌّ فَيَبِيعُهُ بِهَا عَبْدًا ثُمَّ يَقْضِيهِ قَالَ قَدْ قَضَاهُ وَقَدْ بَرَّ وَإِنْ وَهَبَهَا لَهُ لَمْ يَبَرَّ وَذَلِكَ لِأَنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ بِالْمُقَاصَّةِ وَقَدْ حَصَلَتْ الْمُقَاصَّةُ فَيَحْصُلُ الْقَضَاءُ فَيَبَرُّ فِي يَمِينِهِ بَيَانُهُ أَنَّ حَقَّ رَبِّ الدَّيْنِ فِي الدَّيْنِ لَا فِي الْعَيْنِ وَالْقَضَاءُ لَا يَتَحَقَّقُ فِي نَفْسِ الدَّيْنِ لِأَنَّهُ وَصْفٌ ثَابِتٌ فِي الذِّمَّةِ وَلَكِنْ مَا يَقْبِضُهُ رَبُّ الدَّيْنِ مِنْ الْعَيْنِ يَصِيرُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ عَلَى وَجْهِ التَّمَلُّكِ لِنَفْسِهِ فَكَانَ دَيْنًا عَلَيْهِ لِلْمَدْيُونِ وَلِرَبِّ الدَّيْنِ عَلَى الْمَدْيُونِ مِثْلُهُ فَالْتَقَى الدَّيْنَانِ قِصَاصًا وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ أَصْحَابِنَا الدُّيُونُ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا لَا بِأَعْيَانِهَا . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ
(قَوْلُهُ فَكَانَ آخِرُهُمَا قَضَاءً لِلْأَوَّلِ) وَكَذَا ذَكَرَ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَوْ اشْتَرَى بِنَصِيبِهِ شَيْئًا وَانْظُرْ مَا سَيَأْتِي آخِرَ هَذَا الْبَابِ قُبَيْلَ كِتَابِ الْحُدُودِ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَهَذَا الْمَعْنَى قَدْ تَحَقَّقَ بِمُجَرَّدِ الْبَيْعِ) أَيْ قَبَضَ الدَّائِنُ الْعَبْدَ أَوْ لَمْ يَقْبِضْ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَاشْتِرَاطُ قَبْضِ الْمَبِيعِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ) أَيْ لِيَتَأَكَّدَ الْبَيْعُ بِالْقَبْضِ لِأَنَّ الْمَبِيعَ إذَا هَلَكَ قَبْلَ الْقَبْضِ يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ لَكِنْ لَا يَرْتَفِعُ الْبِرُّ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ الِانْتِقَاضَ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ
(قَوْلُهُ وَبَرَّ فِي يَمِينِهِ) أَيْ وَإِلَّا حَنِثَ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ

(قَوْلُهُ أَنْ تُصَالِحَ) بِالتَّاءِ الْفَوْقِيَّةِ فِي خَطِّ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ا هـ وَصَوَابُ الْعِبَارَةِ عَلَى هَذَا أَنْ يَقُولَ الشَّارِحُ تُصَالِحَ زَوْجَهَا فَإِنَّ الضَّمِيرَ فِي تُصَالِحَ عَائِدٌ لِلزَّوْجَةِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ أَبَاهَا) هَكَذَا هُوَ بِخَطِّ الشَّارِحِ وَهَكَذَا هُوَ فِي النِّهَايَةِ وَقَدْ عَزَا الْمَسْأَلَةَ فِيهَا لِلْإِمَامِ التُّمُرْتَاشِيِّ وَهَذِهِ عِبَارَتُهُ وَفِي مَوْضِعٍ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ لَمْ تَهَبِي لِي صَدَاقَك الْيَوْمَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَقَالَ أَبُوهَا إنْ وَهَبْت لَهُ فَأُمُّك طَالِقٌ الْحِيلَةُ فِي أَنْ لَا يَحْنَثَا تُصَالِحُ أَبَاهَا عَنْ مَهْرِهَا بِثَوْبٍ مَلْفُوفٍ فَإِذَا مَضَى الْيَوْمُ لَا يَحْنَثُ الْأَبُ لِأَنَّهَا لَمْ تَهَبْ وَلَمْ يَحْنَثْ الزَّوْجُ لِأَنَّهَا عَجَزَتْ عَنْ الْهِبَةِ عِنْدَ الْغُرُوبِ لِأَنَّ الصَّدَاقَ سَقَطَ عَنْ الزَّوْجِ بِالصُّلْحِ وَهِيَ فَرْعُ مَسْأَلَةِ الْكُوزِ ا هـ
(قَوْلُهُ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْقَبْضَ إلَى دَيْنٍ مُعَرَّفٍ بِالْإِضَافَةِ إلَيْهِ) أَيْ بِأَنْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْبِضُ دَيْنِي دِرْهَمًا دُونَ دِرْهَمٍ وَالدَّيْنُ اسْمٌ لِلْكُلِّ فَكَأَنَّهُ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْبِضُ كُلَّ دَيْنِي بِصِفَةِ التَّفَرُّقِ فَلَا يَحْنَثُ بِمُجَرَّدِ قَبْضِ ذَلِكَ الْبَعْضِ بَلْ يَتَوَقَّفُ حِنْثُهُ عَلَى قَبْضِ الْبَعْضِ الْآخَرَ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ إلَّا بِتَمَامِ الْقَبْضِ مُتَفَرِّقًا غَيْرَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ التَّفَرُّقُ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ لِتَعَذُّرِ الْوَزْنِ لَا يَحْنَثُ إذَا كَانَ لَمْ يَتَشَاغَلْ بَيْنَ الْوَزْنَتَيْنِ إلَّا بِعَمَلِ الْوَزْنِ لِأَنَّ الْمَجْلِسَ جَامِعُ الْمُتَفَرِّقَاتِ فَكَانَ الْوَزَنَاتُ كَوَزْنَةٍ وَاحِدَةٍ بِخِلَافِ مَا إذَا تَشَاغَلَ بِعَمَلٍ آخَرَ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ مَجْلِسُ الْقَبْضِ عَلَى مَا عُرِفَ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ إذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ مِائَةُ دِرْهَمٍ فَقَالَ عَبْدِي حُرٌّ إنْ أَخَذْتهَا مِنْك الْيَوْمَ دِرْهَمًا دُونَ دِرْهَمٍ فَأَخَذَ مِنْهَا خَمْسَةً وَلَمْ يَأْخُذْ مَا بَقِيَ حَتَّى غَابَتْ الشَّمْسُ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ شَرْطَ حِنْثِهِ أَخْذُ كُلِّ الْمِائَةِ عَلَى التَّفْرِيقِ فَكَأَنَّهُ قَالَ إنْ أَخَذْت

(3/159)


وَجَدَ بَعْضَهَا سَتُّوقَةً فَرَدَّ لَمْ يَحْنَثْ بِالرَّدِّ مَا لَمْ يَسْتَبْدِلْ لِأَنَّ السَّتُّوقَةَ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهَا فَلَمْ يُوجَدْ قَبْضُ الْكُلِّ حَتَّى يَقْبِضَ الْبَدَلَ فَإِذَا قَبَضَهُ وُجِدَ قَبْضُ الْكُلِّ مُتَفَرِّقًا بِخِلَافِ مَا إذَا وَجَدَ بَعْضَهَا زُيُوفًا حَيْثُ لَا يَحْنَثُ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ بَرَّ حِينَ وُجِدَ قَبْضُ الْكُلِّ وَبِالرَّدِّ لَمْ يُنْتَقَضْ الْقَبْضُ فِي حَقِّهِ عَلَى مَا مَرَّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا بِتَفْرِيقٍ ضَرُورِيٍّ) أَيْ لَا يَحْنَثُ إذَا قَبَضَهُ مُتَفَرِّقًا بِتَفْرِيقٍ ضَرُورِيٍّ وَهُوَ أَنْ يَقْبِضَهُ فِي وَزْنَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ وَلَمْ يَتَشَاغَلْ بَيْنَ الْوَزَنَاتِ بِعَمَلٍ غَيْرِ الْوَزْنِ لِأَنَّهُ قَدْ يَتَعَذَّرُ قَبْضُ الْكُلِّ دُفْعَةً وَاحِدَةً فَيَصِيرُ هَذَا الْقَدْرُ مُسْتَثْنًى مِنْهَا وَلِأَنَّ هَذَا الْقَدْرَ مِنْ التَّفْرِيقِ لَا يُسَمَّى تَفْرِيقًا عَادَةً وَالْعَادَةُ هِيَ الْمُعْتَبَرَةُ وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ نَظِيرُ الِاخْتِلَافِ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ هَذَا الثَّوْبَ أَوْ لَا يَرْكَبُ هَذِهِ الدَّابَّةَ فَنَزَعَهُ لِلْحَالِ أَوْ نَزَلَ عَنْهَا لِلْحَالِ وَقَدْ بَيَّنَّا الْوَجْهَ فِيهِ مِنْ قَبْلُ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إنْ كَانَ لِي إلَّا مِائَةً أَوْ غَيْرَ أَوْ سِوَى فَكَذَا لَمْ يَحْنَثْ بِمُلْكِهَا أَوْ بَعْضِهَا) أَيْ لَوْ قَالَ إنْ كَانَ لِي إلَّا مِائَةَ دِرْهَمٍ أَوْ غَيْرَ مِائَةِ دِرْهَمٍ أَوْ سِوَى مِائَةِ دِرْهَمٍ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ لَمْ تَطْلُقْ امْرَأَتُهُ إذَا كَانَ مَا لَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ أَوْ دُونَهَا لِأَنَّ غَرَضَهُ نَفْيُ مَا زَادَ عَلَى الْمِائَةِ فَكَانَ شَرْطُ حِنْثِهِ مِلْكُ الزِّيَادَةِ عَلَى الْمِائَةِ وَلِأَنَّهُ لَمَّا اسْتَثْنَى الْمِائَةَ صَارَ الْمُسْتَثْنَى بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ خَارِجًا عَنْ الْيَمِينِ وَقَالَ فِي الْجَامِعِ عَبْدُهُ حُرٌّ إنْ كُنْت أَمْلِكُ إلَّا خَمْسِينَ دِرْهَمًا فَلَمْ يَمْلِكْ إلَّا عَشْرَةً لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهَا بَعْضُ الْمُسْتَثْنَى وَلَوْ مَلَكَ زِيَادَةً عَلَى خَمْسِينَ إنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ مَالِ الزَّكَاةِ حَنِثَ وَإِلَّا فَلَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَالٌ لَا يَحْنَثُ بِمِلْكِ مَا لَيْسَ لِلتِّجَارَةِ وَلَوْ قَالَ مَالِي صَدَقَةٌ يَنْصَرِفُ إلَى مَالِ الزَّكَاةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا يَفْعَلُ كَذَا تَرَكَهُ أَبَدًا) لِأَنَّهُ نَفَى الْفِعْلَ مُطْلَقًا فَيَتَنَاوَلُ فَرْدًا شَائِعًا فِي جِنْسِهِ فَيَعُمُّ الْجِنْسَ كُلَّهُ ضَرُورَةَ شُيُوعِهِ وَإِلَّا لَمَا كَانَ شَائِعًا فِي الْجِنْسِ بَلْ فِي الْبَعْضِ الْمُنْتَفِي

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَيَفْعَلَنَّهُ بَرَّ بِمَرَّةٍ) أَيْ لَوْ حَلَفَ لَيَفْعَلَنَّ كَذَا بَرَّ فِي يَمِينِهِ بِفِعْلِهِ مَرَّةً لِأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ فِعْلًا وَاحِدًا وَهُوَ نَكِرَةٌ فِي مَوْضِعِ الْإِثْبَاتِ فَيُخَصُّ وَيَحْنَثُ إذَا لَمْ يَفْعَلْهُ فِي عُمُرِهِ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ أَوْ بِفَوْتِ مَحَلِّ الْفِعْلِ هَذَا إذَا كَانَتْ مُطْلَقَةً غَيْرَ مُؤَقَّتَةٍ وَإِنْ كَانَتْ مُؤَقَّتَةً بِوَقْتٍ وَلَمْ يَفْعَلْ فِيهِ يَحْنَثُ بِمُضِيِّ الْوَقْتِ إنْ كَانَ الْإِمْكَانُ بَاقِيًا فِي آخِرِ الْوَقْتِ وَلَا يَحْنَثُ إنْ لَمْ يَبْقَ بِأَنْ وَقَعَ الْإِيَاسُ بِمَوْتِهِ أَوْ بِفَوْتِ الْمَحِلِّ لِأَنَّهُ فِي الْمُؤَقَّتَةِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْفِعْلُ إلَّا فِي آخِرِ الْوَقْتِ فَإِذَا مَاتَ الْفَاعِلُ أَوْ فَاتَ الْمَحِلُّ اسْتَحَالَ الْبِرُّ فِي آخِرِ الْوَقْتِ فَتَبْطُلُ الْيَمِينُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي مَسْأَلَةِ الْكُوزِ وَيَتَأَتَّى فِيهِ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ فِي فَوْتِ الْمَحِلِّ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ حَلَّفَهُ وَالٍ لَيُعْلِمَنَّهُ بِكُلِّ دَاعِرٍ دَخَلَ الْبَلَدَ تَقَيَّدَ بِقِيَامِ وِلَايَتِهِ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
كُلَّ الْمِائَةِ مُتَفَرِّقَةً فَلَوْ قَالَ هَكَذَا لَا يَحْنَثُ مَا لَمْ يُوجَدْ قَبْضُ الْكُلِّ بِصِفَةِ التَّفْرِيقِ فَأَمَّا إذَا أَخَذَ الْكُلَّ مُجْتَمِعًا أَوْ قَبَضَ الْبَعْضَ مُتَفَرِّقًا لَمْ يَحْنَثْ لِانْعِدَامِ شَرْطِ الْحِنْثِ ا هـ
(قَوْلُهُ مُتَفَرِّقًا) أَيْ لِأَنَّ كَلِمَةَ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ وَقَدْ وُجِدَ شَرْطُ الْحِنْثِ فَيَحْنَثُ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَبَضَ الْكُلَّ جُمْلَةً) أَيْ وَقَدْ كَانَ حَلَفَ لَا يَقْبِضُ دَيْنَهُ دِرْهَمًا دُونَ دِرْهَمٍ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْمَتْنِ (قَوْلُهُ لَا يَحْنَثُ إذَا قَبَضَهُ مُتَفَرِّقًا بِتَفْرِيقٍ ضَرُورِيٍّ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَحْنَثَ كَذَا ذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو الْمُعِينِ النَّسَفِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَذَلِكَ لِأَنَّ شَرْطَ الْحِنْثِ قَبْضُ الْكُلِّ مُتَفَرِّقًا وَقَدْ حَصَلَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمَّا وَزَنَ خَمْسِينَ فَدَفَعَهَا إلَيْهِ ثُمَّ وَزَنَ خَمْسِينَ أُخْرَى فَدَفَعَهَا إلَيْهِ حَصَلَ قَبْضُ الْكُلِّ بِصِفَةِ التَّفْرِيقِ لَا مَحَالَةَ وَلَكِنَّهُ لَا يَحْنَثُ فِي الِاسْتِحْسَانِ لِأَنَّ النَّاسَ يَعُدُّونَ هَذَا قَبْضُ الْجُمْلَةِ دَفْعَةً وَاحِدَةً فَيَقُولُونَ قَبَضَ فُلَانٌ حَقَّهُ دَفْعَةً وَاحِدَةً وَالْمَعْنَى الْجَامِعُ الْمُوجِبُ لِلِاتِّحَادِ وَهُوَ الْمَجْلِسُ مَوْجُودٌ ا هـ
(قَوْلُهُ أَوْ نَزَلَ عَنْهَا لِلْحَالِ) وَأَوْضَحَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْمَسْأَلَةَ بِالْعَدَدِيَّاتِ فَقَالَ أَلَا تَرَى أَنَّ الدَّيْنَ لَوْ كَانَ شَيْئًا عَدَدِيًّا فَجَعَلَ يَعُدُّ عَشْرَةً عَشْرَةً أَوْ مِائَةً مِائَةً وَيَدْفَعُهَا إلَيْهِ لَا يَحْنَثُ وَيُعْتَبَرُ قَابِضًا جُمْلَةً وَالْمَعْنَى كَوْنُ الِامْتِنَاعِ عَنْهُ غَيْرَ مُمْكِنٍ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ

(قَوْلُهُ لِأَنَّ غَرَضَهُ) أَيْ مِنْهُ عُرْفًا . ا هـ . كَمَالٌ (قَوْلُهُ لَا يَحْنَثُ بِمَالٍ لَيْسَ لِلتِّجَارَةِ) قَالَ الْكَمَالُ وَفِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ لَوْ قَالَ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَلَهُ عُرُوضٌ وَضِيَاعٌ وَدُورٌ لِغَيْرِ التِّجَارَةِ لَمْ يَحْنَثْ وَالْمَسْأَلَةُ تَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لَا يَفْعَلُ كَذَا تَرَكَهُ أَبَدًا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَمَعْنَى قَوْلِهِ لَا يَفْعَلُ كَذَا تَرَكَهُ أَبَدًا أَيْ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْيَمِينُ مُطْلَقَةً أَمَّا إذَا كَانَتْ مُؤَقَّتَةً بِزَمَانٍ كَالْيَوْمِ وَالشَّهْرِ تَتَوَقَّتُ يَمِينُهُ بِذَلِكَ الزَّمَانِ فَبَعْدَ ذَلِكَ تَنْحَلُّ وَلَا يَلْزَمُهُ تَرْكُ الْفِعْلِ بَعْدَ ذَلِكَ الزَّمَانِ . ا هـ . (قَوْلُهُ بَلْ فِي الْبَعْضِ الْمُنْتَفِي) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلِأَنَّ النَّكِرَةَ إذَا وَقَعَتْ فِي مَوْضِعِ النَّفْيِ تَعُمُّ ضَرُورَةً وَهُنَا قَدْ وَقَعَتْ فَتَعُمُّ لِأَنَّ كُلَّ فِعْلٍ يَدُلُّ عَلَى مَصْدَرٍ نَكِرَةٍ أَمَّا دَلَالَتُهُ عَلَى الْمَصْدَرِ فَظَاهِرَةٌ لِدَلَالَتِهِ عَلَى الْحَدَثِ وَأَمَّا دَلَالَتُهُ عَلَى النَّكِرَةِ فَلِكَوْنِهَا هِيَ الْأَصْلَ وَإِنَّمَا الْمَعْرِفَةُ بِعَارِضٍ . ا هـ .

(قَوْلُهُ وَيَأْتِي فِيهِ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ فِي فَوْتِ الْمَحِلِّ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَمَّا التَّوْقِيتُ فِي الْإِثْبَاتِ كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَآكُلَنَّ هَذَا الرَّغِيفَ الْيَوْمَ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ مَا دَامَ الْحَالِفُ وَالْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ قَائِمَيْنِ وَالْيَوْمُ بَاقٍ أَمَّا إذَا مَضَى الْيَوْمُ يَحْنَثُ وَإِنْ كَانَا قَائِمَيْنِ لِفَوَاتِ الْبِرِّ لِفَوَاتِ الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ
وَأَمَّا إذَا هَلَكَ الْحَالِفُ قَبْلَ مُضِيِّ الْيَوْمِ لَا يَحْنَثُ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ هَلَكَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ وَهُوَ الرَّغِيفُ قَبْلَ مُضِيِّ الْيَوْمِ أَجْمَعُوا أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ فِي الْحَالِ فَإِذَا مَضَى الْيَوْمُ اخْتَلَفُوا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ لَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَحْنَثُ وَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّ تَصَوُّرَ الْبِرِّ لَيْسَ بِشَرْطٍ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا ا هـ وَقَالَ الْكَمَالُ فَلَوْ كَانَتْ مُقَيَّدَةً مِثْلَ لَآكُلَنَّهُ فِي هَذَا الْيَوْمِ سَقَطَتْ بِفَوَاتِ مَحَلِّ الْفِعْلِ قَبْلَ مُضِيِّ الْوَقْتِ عِنْدَهُمَا عَلَى مَا سَلَفَ فِي مَسْأَلَةِ الْكُوزِ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ فَلَوْ مَاتَ الْحَالِفُ قَبْلَ مُضِيِّهِ لَا حِنْثَ عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَةَ وَلَوْ جُنَّ الْحَالِفُ فِي يَوْمِهِ حَنِثَ عِنْدَنَا خِلَافًا لِأَحْمَدَ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ دَاعِرٌ) بِالدَّالِ وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَتَيْنِ الْخَبِيثُ الْمُفْسِدُ مِنْ النَّاسِ وَجَمْعُهُ دُعَّارٌ مِنْ الدَّعْرِ وَهُوَ الْفَسَادُ يُقَالُ دَعِرَ الْعُودُ يَدْعَرُ دَعْرًا بِكَسْرِ الْعَيْنِ فِي الْمَاضِي وَفَتْحِهَا فِي الْمُضَارِعِ إذَا فَسَدَ كَذَا فِي الْجَمْهَرَةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ تَقَيَّدَ بِقِيَامِ وِلَايَتِهِ) وَالْأَصْلُ أَنَّ الْمُطْلَقَ لَا يَتَقَيَّدُ إلَّا بِدَلِيلٍ وَهُنَا تَقَيَّدَ بِحَالِ الْوِلَايَةِ بِدَلِيلِ غَرَضِ الْوَالِي . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ

(3/160)


لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ دَفْعُ شَرِّهِ وَشَرِّ غَيْرِهِ بِالضَّرْبِ وَالْحَبْسِ أَوْ الْقَتْلِ فَلَا يُفِيدُ فَائِدَتَهُ بَعْدَ زَوَالِ سَلْطَنَتِهِ لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى ذَلِكَ وَالزَّوَالُ بِالْمَوْتِ وَكَذَا بِالْعَزْلِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الرَّفْعُ إلَيْهِ بَعْدَ الْعَزْلِ لِأَنَّهُ يُفِيدُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُوَلَّى بَعْدَهُ فَيُؤْذِيَهُ أَوْ يَسْعَى فِي أَذِيَّتِهِ عِنْدَ أُولِي الْأَمْرِ وَقَوْلُهُ لَيُعْلِمَنَّهُ بِكُلِّ دَاعِرٍ لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُعْلِمَهُ بِكُلِّ دَاعِرٍ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّمَا مُرَادُهُ كُلُّ دَاعِرٍ يَعْرِفُهُ أَوْ فِي بَلَدِهِ أَوْ دَخَلَ الْبَلَدَ ثُمَّ إنَّ الْحَالِفَ لَوْ عَلِمَ الدَّاعِرَ وَلَمْ يُعْلِمْهُ لَمْ يَحْنَثْ إلَّا إذَا مَاتَ هُوَ أَوْ الْمُسْتَحْلِفُ أَوْ عُزِلَ لِأَنَّهُ لَا يَحْنَثُ فِي الْيَمِينِ الْمُطْلَقَةِ بِمُجَرَّدِ التَّرْكِ بَلْ بِالْيَأْسِ عَنْ الْفِعْلِ وَذَلِكَ بِمَا ذَكَرْنَا إلَّا إذَا كَانَتْ مُؤَقَّتَةً فَيَحْنَثُ بِمُضِيِّ الْوَقْتِ مَعَ الْإِمْكَانِ وَإِلَّا فَلَا لِمَا بَيَّنَّا مِنْ الْمَعْنَى وَعَلَى هَذَا لَوْ حَلَّفَ رَبُّ الدَّيْنِ غَرِيمَهُ أَوْ الْكَفِيلَ بِأَمْرِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ أَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْ الْبَلَدِ إلَّا بِإِذْنِهِ يَتَقَيَّدُ بِالْخُرُوجِ حَالَ قِيَامِ الدَّيْنِ وَالْكَفَالَةِ لِأَنَّ الْإِذْنَ إنَّمَا يَصِحُّ مِمَّنْ لَهُ وِلَايَةُ الْمَنْعِ وَوِلَايَةُ الْمَنْعِ حَالَ قِيَامِهِ وَعَلَى هَذَا لَوْ حَلَفَ لَا تَخْرُجُ امْرَأَتُهُ إلَّا بِإِذْنِهِ تَقَيَّدَ بِحَالِ قِيَامِ الزَّوْجِيَّةِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ إنْ خَرَجَتْ امْرَأَتُهُ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ فَعَبْدُهُ حُرٌّ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْإِذْنِ أَوْ حَلَفَ لَا يُقَبِّلُهَا فَخَرَجَتْ بَعْدَمَا أَبَانَهَا أَوْ قَبَّلَهَا بَعْدَمَا أَبَانَهَا حَيْثُ يَحْنَثُ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِيهِ دَلَالَةُ التَّقْيِيدِ بِحَالِ قِيَامِ الزَّوْجِيَّةِ .

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (يَبَرُّ بِالْهِبَةِ بِلَا قَبُولٍ بِخِلَافِ الْبَيْعِ) أَيْ لَوْ حَلَفَ أَنْ يَهَبَ عَبْدَهُ مَثَلًا يَبَرُّ بِقَوْلِهِ لِرَجُلٍ وَهَبْتُهُ لَك وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ الْمَوْهُوبُ لَهُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ لَوْ حَلَفَ أَنْ يَبِيعَ فَبَاعَ وَلَمْ يَقْبَلْ الْمُشْتَرِي لَا يُعْتَدُّ بِهِ وَلَا يَبَرُّ فِي يَمِينِهِ لِأَنَّ الْهِبَةَ تَمْلِيكٌ بِلَا عِوَضٍ فَيَتِمُّ بِالْوَاهِبِ وَالْقَبُولُ شَرْطُ ثُبُوتِ الْحُكْمِ وَهُوَ الْمِلْكُ وَشَرْطُ الْحِنْثِ الْهِبَةُ لَا حُكْمُهَا وَلِهَذَا يُقَالُ وَهَبَ وَلَمْ يَقْبَلْ وَلِأَنَّ غَرَضَهُ حَمْلُ نَفْسِهِ عَلَى إظْهَارِ السَّمَاحَةِ وَالْجُودِ وَهِيَ تَمْلِيكٌ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ وَكُلُّ ذَلِكَ يَحْصُلُ بِنَفْسِ الْهِبَةِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَلَا يَتِمُّ إلَّا بِهِمَا وَقَالَ زُفَرُ لَا يَحْنَثُ مَا لَمْ يَقْبَلْ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ مَا لَمْ يَقْبَلْ وَتُقْبَضْ لِأَنَّ الْهِبَةَ تَمْلِيكٌ وَالتَّمْلِيكُ لَا يَتِمُّ بِلَا تَمَلُّكٍ وَهُوَ الْقَبُولُ وَلِأَنَّ الْمُطْلَقَ يَنْصَرِفُ إلَى الْكَامِلِ وَكَمَالُهَا بِالْقَبُولِ أَوْ بِالْقَبُولِ وَالْقَبْضِ وَجَوَابُهُ مَا قُلْنَا وَاخْتَلَفُوا فِي ثُبُوتِ الْمِلْكِ بِهَا فَقَالَ بَعْضُهُمْ يَثْبُتُ قَبْلَ الْقَبُولِ إلَّا أَنَّهُ يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ دَفْعًا لِضَرَرِ الْمِنَّةِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَثْبُتُ لِأَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ لَمَا أَمْكَنَهُ دَفْعُهُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ بِأَنْ كَانَ الْمَوْهُوبُ عَبْدًا ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الْمَوْهُوبِ لَهُ لِأَنَّهُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ كَمَا مَلَكَهُ وَلِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى غَيْرِهِ حَتَّى يَدْخُلَ فِي مِلْكِهِ وَنَظِيرُ الْهِبَةِ الصَّدَقَةُ وَالْعَارِيَّةُ وَالْوَصِيَّةُ وَالْإِقْرَارُ وَفِي الْقَرْضِ رِوَايَتَانِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَنَظِيرُ الْبَيْعِ الْإِجَارَةُ وَالصَّرْفُ وَالسَّلَمُ وَالرَّهْنُ وَالنِّكَاحُ وَالْخُلْعُ وَيَحْنَثُ بِالْفَاسِدِ مِنْ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا يَشَمُّ رَيْحَانًا لَا يَحْنَثُ بِشَمِّ وَرْدٍ وَيَاسَمِينٍ) أَيْ لَوْ حَلَفَ لَا يَشَمُّ رَيْحَانًا فَشَمَّ وَرْدًا أَوْ يَاسَمِينًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ دَفْعُ شَرِّهِ) أَيْ دَفْعُ شَرِّ الدَّاعِرِ الَّذِي رَفَعَ خَبَرَهُ إلَى الْوَالِي ا هـ (قَوْلُهُ وَشَرِّ غَيْرِهِ) أَيْ لِأَنَّهُ إذَا زُجِرَ وَأُدِّبَ يَنْزَجِرُ غَيْرُهُ . ا هـ . كَمَالٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة : 179] ا هـ
(قَوْلُهُ وَكَذَا بِالْعَزْلِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ) أَيْ وَإِذَا سَقَطَتْ الْيَمِينُ لَا تَعُودُ وَلَوْ عَادَ إلَى الْوِلَايَةِ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُوَلَّى بَعْدَهُ فَيُؤْذِيَهُ) أَيْ لِتَقَدُّمِ مَعْرِفَتِهِ بِحَالِهِ وَهَذَا بَعِيدٌ . ا هـ . كَمَالٌ (قَوْلُهُ فَيَحْنَثُ بِمُضِيِّ الْوَقْتِ مَعَ الْإِمْكَانِ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَوْ حُكِمَ بِانْعِقَادِ هَذِهِ لِلْفَوْرِ لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا نَظَرًا إلَى الْمَقْصُودِ وَهُوَ الْمُبَادَرَةُ لِزَجْرِهِ وَدَفْعِ شَرِّهِ فَالدَّاعِي يُوجِبُ التَّقْيِيدَ بِالْفَوْرِ فَوْرَ عِلْمِهِ بِهِ . ا هـ . (قَوْلُهُ تَقَيَّدَ بِحَالِ قِيَامِ الزَّوْجِيَّةِ) أَيْ وَإِذَا زَالَ الدَّيْنُ وَالزَّوْجِيَّةُ سَقَطَا ثُمَّ لَا تَعُودُ الْيَمِينُ بِعَوْدِهِمَا . ا هـ . فَتْحٌ
(قَوْلُهُ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْإِذْنِ) أَيْ فَلَا مُوجِبَ لِتَقْيِيدِهِ بِزَمَانِ الْوِلَايَةِ فِي الْإِذْنِ وَكَذَا الْحَالُ فِي حَلِفِهِ عَلَى الْعَبْدِ مُطْلَقًا وَمُقَيَّدًا وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا بِغَيْرِ إذْنِك طَالِقٌ فَطَلَّقَ امْرَأَتَهُ طَلَاقًا بَائِنًا أَوْ ثَلَاثًا ثُمَّ تَزَوَّجَ مِنْ غَيْرِ إذْنِهَا طَلُقَتْ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَقَيَّدْ يَمِينُهُ بِبَقَاءِ النِّكَاحِ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَتَقَيَّدُ بِهِ لَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ تَسْتَفِيدُ وِلَايَةَ الْإِذْنِ وَالْمَنْعُ بِعَقْدِ النِّكَاحِ . ا هـ .

كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لَا يَشَمُّ رَيْحَانًا) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيَشَمُّ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَالشَّيْنِ مُضَارِعُ شَمِمْت الطَّيِّبَ بِكَسْرِ الْمِيمِ فِي الْمَاضِي هَذِهِ هِيَ اللُّغَةُ الْمَشْهُورَةُ الْفَصِيحَةُ وَأَمَّا شَمَمْته أَشُمُّهُ بِفَتْحِ الْمِيمِ فِي الْمَاضِي وَضَمِّهَا فِي الْمُضَارِعِ فَقَدْ أَنْكَرَهَا بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ وَقَالَ هُوَ خَطَأٌ وَصُحِّحَ عَدَمُهُ فَقَدْ نَقَلَهَا الْفَرَّاءُ وَغَيْرُهُ وَإِنْ كَانَتْ لَيْسَتْ فَصَيْحَةً ثُمَّ يَمِينُ الشَّمِّ تَنْعَقِدُ عَلَى الشَّمِّ الْمَقْصُودِ فَلَوْ حَلَفَ لَا يَشَمُّ طِيبًا فَوَجَدَ رِيحَهُ لَمْ يَحْنَثْ وَلَوْ وَصَلَتْ الرَّائِحَةُ إلَى دِمَاغِهِ ا هـ (قَوْلُهُ لَا يَحْنَثُ بِشَمِّ وَرْدٍ وَيَاسَمِينٍ) قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي وَإِنْ حَلَفَ لَا يَشَمُّ رَيْحَانًا فَشَمَّ آسًا أَوْ مَا أَشْبَهَهُ مِنْ الرَّيَاحِينِ حَنِثَ وَإِنْ شَمَّ الْيَاسَمِينَ أَوْ الْوَرْدَ لَمْ يَحْنَثْ وَهَذَا لِأَنَّ الرَّيْحَانَ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ مَا لِسَاقِهِ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ كَمَا لِوَرَقِهِ كَالْآسِ وَالْوَرْدَ مَا لِوَرَقِهِ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ فَحَسْبُ كَالْيَاسَمِينِ كَذَا ذَكَرَ صَاحِبُ الْمُغْرِبِ
قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ رَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ كُلُّ مَا كَانَ أَخْضَرَ فَهُوَ رَيْحَانٌ مِثْلُ الْآسِ وَالشَّاه سفرم وَنَحْوِ ذَلِكَ وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَلَيْسَ بِرَيْحَانٍ وَعَلَّلَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ الرَّيْحَانَ اسْمٌ لِمَا لَا يَقُومُ عَلَى سَاقٍ مِنْ الْبُقُولِ مِمَّا لَهُ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ وَهُوَ مَوْضُوعُ ذَلِكَ لُغَةً وَقَلَّدَهُ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ قَالَا وَالْيَاسَمِينُ وَالْوَرْدُ لَهُمَا سَاقٌ وَلَنَا فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِي قَوَانِينِ اللُّغَةِ الرَّيْحَانُ بِهَذَا التَّفْسِيرِ أَصْلًا وَلَئِنْ صَحَّ مَا قَالُوا كَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْنَثَ بِالْآسِ لِأَنَّ لَهُ سَاقًا وَلَيْسَ مِنْ الْبُقُولِ أَيْضًا وَقَدْ نَصَّ الْحَاكِمُ عَلَى أَنَّهُ يَحْنَثُ وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ الرَّيْحَانُ نَبْتٌ مَعْرُوفٌ وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ} [الرحمن : 12] فَالْعَصْفُ سَاقُ الزَّرْعِ وَالرَّيْحَانُ وَرَقُهُ كَذَا فِي الصِّحَاحِ وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ كُلُّ مَا طَابَ رِيحُهُ مِنْ النَّبَاتِ فَهُوَ رَيْحَانٌ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ
وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَيَاسَمِينٌ مَا نَصُّهُ سِينُهُ مَكْسُورَةٌ ا هـ تَحْرِيرٌ

(3/161)


لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الرَّيْحَانَ اسْمٌ لِنَبَاتٍ لَا سَاقَ لَهُ وَلَهُ رَائِحَةٌ مُسْتَلَذَّةٌ عُرْفًا وَلَهُمَا سَاقٌ وَلَيْسَ لَهُمَا رَائِحَةٌ مُسْتَلَذَّةٌ وَإِنَّمَا الرَّائِحَةُ الطَّيِّبَةُ لِزَهْرِهِمَا لَا لَهُمَا فَأَشْبَهَا التُّفَّاحَ وَالسَّفَرْجَلَ أَلَا تَرَى إلَى قَوْله تَعَالَى {وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ} [الرحمن : 12] بَعْدَمَا ذَكَرَ الشَّجَرَ بِقَوْلِهِ {وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ} [الرحمن : 6] وَالشَّجَرُ اسْمٌ لِمَا يَقُومُ عَلَى سَاقٍ مِنْ النَّبَاتِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُهُ وَقَالَ فِي الْكَافِي الرَّيْحَانُ اسْمٌ لِمَا لَهُ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ وَلَا سَاقَ لَهُ لُغَةً وَعُرْفًا وَذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّهُ يَحْنَثُ بِشَمِّ الْآسِ وَمَا أَشْبَهَهُ مِنْ الرَّيَاحِينِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (الْبَنَفْسَجُ وَالْوَرْدُ عَلَى الْوَرَقِ) أَيْ اسْمُ الْبَنَفْسَجِ وَالْوَرْدِ يَقَعُ عَلَى الْوَرَقِ حَتَّى لَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي بَنَفْسَجًا أَوْ وَرْدًا فَاشْتَرَى وَرَقَهُمَا يَحْنَثُ وَلَوْ اشْتَرَى دُهْنَهُمَا لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُمَا يَقَعَانِ عَلَى الْوَرَقِ دُونَ الدُّهْنِ فِي عُرْفِنَا هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي وَفِي الْمَبْسُوطِ لَوْ اشْتَرَى وَرَقَ الْبَنَفْسَجِ لَا يَحْنَثُ وَلَوْ اشْتَرَى دُهْنَهُ يَحْنَثُ لِأَنَّ اسْمَ الْبَنَفْسَجِ إذَا أُطْلِقَ يُرَادُ بِهِ الدُّهْنُ وَيُسَمَّى بَائِعُهُ بَائِعَ الْبَنَفْسَجِ فَيَصِيرُ هُوَ بِشِرَائِهِ مُشْتَرِيًا لِلْبَنَفْسَجِ أَيْضًا وَهُوَ رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى الْوَرَقَ يَحْنَثُ أَيْضًا وَهَذَا شَيْءٌ يَنْبَنِي عَلَى الْعُرْفِ وَفِي عُرْفِ أَهْلِ الْكُوفَةِ بَائِعُ الْوَرَقِ لَا يُسَمَّى بَائِعَ الْبَنَفْسَجِ وَإِنَّمَا يُسَمَّى بِهِ بَائِعُ الدُّهْنِ فَبَنَى الْجَوَابَ فِي الْكِتَابِ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ شَاهَدَ الْكَرْخِيُّ عُرْفَ أَهْلِ بَغْدَادَ أَنَّهُمْ يُسَمُّونَ بَائِعَ الْوَرَقِ بَائِعَ الْبَنَفْسَجِ أَيْضًا فَقَالَ يَحْنَثُ بِهِ وَقَالَ وَهَكَذَا فِي دِيَارِنَا أَعْنِي فِي الْمَبْسُوطِ وَلَا يُقَالُ فِي أَحَدِهِمَا حَقِيقَةً وَفِي الْآخَرِ مَجَازًا بَلْ فِيهِمَا حَقِيقَةً أَوْ يَحْنَثُ فِيهِمَا بِاعْتِبَارِ عُمُومِ الْمَجَازِ وَالْيَاسَمِينُ قِيَاسُ الْوَرْدِ لَا يَتَنَاوَلُ الدُّهْنَ لِأَنَّ دُهْنُهُ يُسَمَّى زَنْبَقًا لَا يَاسَمِينًا وَكَذَا الْحِنَّاءُ يَتَنَاوَلُ الْوَرَقَ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ وَقَالَ فِي الْكَافِي الْحِنَّاءُ فِي عُرْفِنَا تَقَعُ عَلَى الْمَدْقُوقِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ فَزَوَّجَهُ فُضُولِيٌّ وَأَجَازَ بِالْقَوْلِ حَنِثَ) لِأَنَّ الْإِجَازَةَ اللَّاحِقَةَ كَالْوَكَالَةِ لَهُ السَّابِقَةِ كَأَنَّهُ وَكَّلَهُ فِي الِابْتِدَاءِ وَلِهَذَا يَثْبُتُ لِلْفُضُولِيِّ حُكْمُ الْوَكِيلِ وَلِلْمُجِيزِ حُكْمُ الْمُوَكِّلِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِالْفِعْلِ لَا) أَيْ لَوْ أَجَازَ بِالْفِعْلِ لَا يَحْنَثُ وَقِيلَ يَحْنَثُ لِمَا أَنَّ الْإِجَازَةَ اللَّاحِقَةَ كَالْوَكَالَةِ السَّابِقَةِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِهِمَا لِأَنَّ الْإِجَازَةَ لَيْسَتْ بِإِنْشَاءِ الْعَقْدِ حَقِيقَةً وَإِنَّمَا يَنْفُذُ بِالرِّضَا بِحُكْمِ الْعَقْدِ وَبِهِ كَانَ يُفْتِي بَعْضُ الْمَشَايِخِ وَالْمُخْتَارُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ هُوَ التَّزَوُّجُ وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ الْعَقْدِ وَالْعَقْدُ يَخْتَصُّ بِالْقَوْلِ وَلَا يَكُونُ بِالْفِعْلِ وَإِنَّمَا يَنْفُذُ عَلَيْهِ بِبَعْضِ الْأَفْعَالِ كَالْوَطْءِ وَإِيفَاءِ الْمَهْرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ لِدَلَالَتِهِ عَلَى الرِّضَا بِالْعَقْدِ لَا لِأَنَّهُ عَقْدٌ وَلِأَنَّ الْقَوْلَ يُجَانِسُ الْعَقْدَ فَأَمْكَنَ إلْحَاقُهُ بِهِ بِخِلَافِ الْفِعْلِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا زَوَّجَهُ ثُمَّ حَلَفَ حَيْثُ لَا يَحْنَثُ بِالْإِجَازَةِ لِأَنَّهَا تَسْتَنِدُ إلَى وَقْتِ الْعَقْدِ وَفِيهِ لَا يَحْنَثُ بِمُبَاشَرَتِهِ فَبِالْإِجَازَةِ أَوْلَى وَلَوْ حَلَفَ لَا يُزَوِّجُ عَبْدَهُ أَوْ أَمَتَهُ يَحْنَثُ بِالتَّوْكِيلِ وَالْإِجَازَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ مُضَافٌ إلَيْهِ مُتَوَقِّفٌ عَلَى إذْنِهِ لِمِلْكِهِ وَوِلَايَتِهِ وَكَذَا الْحُكْمُ فِي ابْنِهِ وَبِنْتِهِ الصَّغِيرَيْنِ لِوِلَايَتِهِ عَلَيْهِمَا وَلَوْ كَانَا كَبِيرَيْنِ لَا يَحْنَثُ إلَّا بِالْمُبَاشَرَةِ لِعَدَمِ وِلَايَتِهِ عَلَيْهِمَا بَلْ هُوَ كَالْأَجْنَبِيِّ عَنْهُمَا فَيَتَعَلَّقُ بِحَقِيقَةِ الْفِعْلِ وَهُوَ مُبَاشَرَتُهُ الْعَقْدَ وَلَوْ كَانَ الْحَالِفُ هُوَ الْعَبْدَ أَوْ الِابْنَ فَزَوَّجَهُ مَوْلَاهُ وَهُوَ كَارِهٌ أَوْ أَبُوهُ وَهُوَ مَجْنُونٌ حَيْثُ لَا يَحْنَثَانِ بِهِ بِخِلَافِ الْمُكْرَهِ لِوُجُودِ الْفِعْلِ مِنْهُ حَقِيقَةً دُونَهُمَا

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَدَارُهُ بِالْمِلْكِ وَالْإِجَارَةِ) أَيْ لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ يَحْنَثُ بِدُخُولِ مَا يَسْكُنُهُ بِالْمِلْكِ وَالْإِجَارَةِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَحْنَثُ إلَّا بِالْمِلْكِ لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ وَهِيَ الْمِلْكُ مُرَادَةٌ فَلَا يَبْقَى الْمَجَازُ مُرَادًا لِاسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِهِمَا مُرَادَيْنِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ وَلَنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْمَسْكَنُ عُرْفًا فَدَخَلَ مَا يَسْكُنُهُ بِأَيِّ سَبَبٍ كَانَ بِإِجَارَةٍ أَوْ إعَارَةٍ أَوْ مِلْكٍ بِاعْتِبَارِ عُمُومِ الْمَجَازِ وَمَعْنَاهُ أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ الْحَقِيقَةِ فَرْدًا مِنْ أَفْرَادِ الْمَجَازِ لَا بِاعْتِبَارِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (حَلَفَ بِأَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ وَلَهُ دَيْنٌ عَلَى مُفْلِسٍ أَوْ مَلِيءٍ لَا يَحْنَثُ) لِأَنَّ الدَّيْنَ لَيْسَ بِمَالٍ وَإِنَّمَا هُوَ وَصْفٌ فِي الذِّمَّةِ لَا يُتَصَوَّرُ قَبْضُهُ حَقِيقَةً وَلِهَذَا قِيلَ الدُّيُونُ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا عَلَى مَعْنَى أَنَّ الْمَقْبُوضَ مَضْمُونٌ عَلَى الْقَابِضِ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ لِنَفْسِهِ عَلَى وَجْهِ التَّمَلُّكِ وَلِرَبِّ الدَّيْنِ عَلَى الْمَدِينِ مِثْلُهُ فَالْتَقَى الدَّيْنَانِ قِصَاصًا فَصَارَ غَيْرُهُ حَقِيقَةً وَشَرْعًا أَمَّا الْحَقِيقَةُ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا الشَّرْعُ فَلِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى إسْقَاطِ اعْتِبَارِهِ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ فِي الثَّمَنِ قَبْلَ الْقَبْضِ جَائِزٌ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ وَإِنَّمَا الرَّائِحَةُ الطَّيِّبَةُ لِزَهْرِهِمَا) قَالَ الْكَمَالُ وَاَلَّذِي يَجِبُ أَنْ يُعَوَّلَ عَلَيْهِ فِي دِيَارِنَا إهْدَارُ ذَلِكَ كُلِّهِ لِأَنَّ الرَّيْحَانَ مُتَعَارَفٌ لِنَوْعٍ وَهُوَ رَيْحَانُ الْحَمَاحِمِ وَأَمَّا كَوْنُ الرَّيْحَانِ الترنجي مِنْهُ فَيُمْكِنُ أَنْ لَا يَكُونَ لِأَنَّهُمْ يُلْزِمُونَهُ التَّقْيِيدَ فَيَقُولُونَ رَيْحَانٌ ترنجي وَعِنْدَ مَا يُطْلِقُونَ اسْمَ رَيْحَانٍ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ إلَّا الْحَمَاحِمُ فَلَا يَحْنَثُ إلَّا بِعَيْنِ ذَلِكَ النَّوْعِ . ا هـ . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ الْبَنَفْسَجُ) بِفَتْحِ الْبَاءِ ا هـ مِعْرَاجٌ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَمَنْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي بَنَفْسَجًا وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَهُوَ عَلَى دُهْنِهِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَهَذِهِ مِنْ مَسَائِلِ الْجَامِعِ الْمُعَادَةِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْأَيْمَانَ مَحْمُولَةٌ عَلَى مَعَانِي كَلَامِ النَّاسِ وَفِي عُرْفِهِمْ إذَا ذَكَرُوا الْبَنَفْسَجَ يُرَادُ بِهِ دُهْنُهُ لَا وَرَقُهُ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِرَاقِ
فَأَمَّا فِي بِلَادِنَا فَلَا يَقَعُ عَلَى الدُّهْنِ إلَّا أَنْ يُنْوَى . ا هـ . كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَمَّا فِي عُرْفِنَا فَيَجِبُ أَنْ لَا تَنْعَقِدَ إلَّا عَلَى نَفْسِ النَّبَاتِ فَلَا يَحْنَثُ بِالدُّهْنِ أَصْلًا كَمَا فِي الْوَرْدِ وَالْحِنَّاءِ أَنَّ الْيَمِينَ عَلَى شِرَائِهِمَا يَنْصَرِفُ إلَى الْوَرَقِ لِأَنَّهُمَا اسْمٌ لِلْوَرَقِ وَالْعُرْفُ مُقَرِّرٌ لَهُ بِخِلَافِهِ فِي الْبَنَفْسَجِ

. ا هـ . (قَوْلُهُ وَكَذَا الْحُكْمُ فِي ابْنِهِ وَبِنْتِهِ الصَّغِيرَيْنِ لِوِلَايَتِهِ عَلَيْهِمَا) لَكِنْ إذَا عَقَدَ النِّكَاحَ فُضُولِيٌّ بِحَضْرَةِ شَاهِدَيْنِ وَقَبِلَ الزَّوْجُ وَأَجَازَ الْأَبُ النِّكَاحَ الْمَذْكُورَ بِالْفِعْلِ بِأَنْ قَبَضَ مَهْرَ ابْنَتِهِ وَهُوَ سَاكِتٌ نَفَذَ النِّكَاحُ وَلَا حِنْثَ عَلَى الْأَبِ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَهُوَ مَجْنُونٌ) أَيْ وَكَانَ وَقْتَ حَلِفِهِ عَاقِلًا . ا هـ .

(قَوْلُهُ وَلِهَذَا قِيلَ الدُّيُونُ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا) اُنْظُرْ مَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ وَالْبَيْعُ بِهِ قَضَاءٌ فَإِنَّهُ نَافِعٌ هُنَا ا هـ ذَكَرَ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي كِتَابِ الصُّلْحِ فِي قَوْلِهِ وَلَوْ اشْتَرَى بِنِصْفِهِ شَيْئًا أَنَّ آخِرَ الدَّيْنَيْنِ قَضَاءٌ لِأَوَّلِهِمَا ا هـ

(3/162)